قوله تعالى: هذا مدينة التّوحيد فادخلوا فيها يا ملأ الموحّدين لتكونوا ببشارات الرّوح لمن المستبصرين
تلك آيات الكتاب فصّلت آياته بدعيا غير ذي عوج على آيات اللّه وهدى ونورا وذكرى لمن في السّموات والأرضين وفيه ما يقرّب النّاس إلى ساحة قدس مبين وإنّه لكتاب فيه يذكر كلّ أمر حكيم ونزل بالحقّ من لدن حكيم عليم وفيه ما يغني النّاس عن كلّ شيء ويهب منه روايح القدس على العالمين ويغن بأنّه لا إله إلّا هو يفعل ما يشاء بأمره ويحكم ما يريد وما من إله إلّا هو له الخلق والأمر يحيي ويميت ثمّ يميت ويحيي وأنّه هو حيّ في جبروت البقاء يحكم ما يشاء ولا يسئل عمّا شاء وفي قبضته ملكوت الإنشاء لا إله إلّا هو العزيز الجميل وأنّه لهو الحقّ لا إله إلّا هو لم يزل كان مقدّسا عن دونه ومتعاليا عن وصف ما سواه ولا يسبقه أحد في العلم وأنّه كان على كلّ شيء محيطا ولا يزال ما اقترن بعرفان كينونته أحد من خلقه ولن يصل إليه إيقان موقن ولا عرفان نفس وأنّه لهو الغنيّ الحكيم وكان واحدا في ذاته وواحدا في صفاته وواحدا في أفعاله لم يزل كان متوحّدا في عرش الجلال ولا يزال يكون متفرّدا على كرسي الإجلال وأنّه لهو الصّمد الّذي لن يخرج عنه شيء ولن يقترن به شيء وهو العليّ المقتدر العظيم ما وحّده أحد دون ذاته وما عرفه نفس دون كينونته وكلّ ما خلق في الإبداع وظهر في الإختراع خلق بكلمة من أمره لا إله إلّا هو العزيز الكريم وإنّ ما يعرفه العارفون في أعلى مقاماتهم وإنّ ما يبلغه البالغون في أقصى مراتبهم هو عرفان آية تجلّيه بنفسها لنفسها وهذا غاية العرفان إن أنتم إلى معارج العلم لمن القاصدين فلمّا سدّت أبواب الوصول عن ذاته الأزليّة وانقطعت جناحين العرفان عن الطّيران إلى ملكوت أمره أرسل الرّسل من عنده وأنزل عليهم الكتب من لدنه وجعل عرفانهم عرفان نفسه وهذا ما قبل عن الممكنات جودا من عنده وفضلا من لدنه على من في الملك أجمعين ومن أقرّ بهم كأنّه أقرّ على اللّه ووحّد ذاته ومن تقرّب إليهم كأنّه تقرّب إلى ساحة قدس مبين ومن أطاعهم أطاع اللّه ومن أعرض عنهم أعرض عن وجه اللّه العزيز المقتدر الحيّ الرّفيع وقدّر اللّه عرفان نفسه في عرفان أنفسهم وهذا ما قدّر في ألواح الأمر من لدن مقتدر قدير وهذا مبلغ العارفين في منتهى معارجهم إن أنتم من العالمين وما قدّر اللّه فوق ذلك لأحد نصيب ولا لنفس سبيل إليه وهذا ما كتب على نفسه الحقّ إن أنتم من العارفين هل يقدر الضّعيف أن يصعد إلى قويّ قديم قل سبحان اللّه كلّ فقراء إليه وكلّ عن عرفانه لعاجزون وهل ينبغي للفاني أن يطير في جبروت الباقي قل سبحان اللّه كلّ عجزاء عنده وكلّ في مظاهر أمره لحايرين
وإنّك أنت يا سلمان فاشهد في نفسك وروحك ولسانك وجميع جوارحك بأنّه لا إله إلّا هو وكلّ عباد له وكلّ له عابدون ثمّ يا سلمان سلّم في نفسك لأمر اللّه وبما أمرت في الكتاب ولا تكن من الغافلين ثمّ أعرف قدر تلك الأيّام ولا تنس الفضل في نفسك وكن من الشّاكرين ثمّ انقطع عن نفسك وهواك ليلهمك اللّه بفضله ما يخلصك عن العالمين وإيّاك أن لا تحرم نفسك عن نسمات هذا الرّوح وإنّ هذا لغبن مبين ثمّ قرّب بتمامك إلى اللّه الملك الحيّ المقتدر القديم قل هذا فصل من فصول اللّه قد ظهر بالفضل ولن يغيّره شيء عمّا في السّموات والأرضين قل تاللّه هذا الرّبيع الّذي زيّن بطرازه الفردوس ولن يعقبه الخريف في أبد الآبدين وإنّ هذا فصل ما سبقه فصل في الأرض لأنّه استظلّ في ظلّ عليّ عظيم
يا ملأ الفردوس خذوا نصيبكم من هذا النّسيم الّذي به جدّد هياكل العالمين وفيه نفخ روح الحيّ الحيوان على عظام رميم وأن يا أهل لجّة الأحديّة فانقطعوا عن عرفانكم وعن كلّ ما وحّدتم به بارئكم ووحّدوا اللّه في هذه الأيّام بما فصّل لكم بالحقّ ولا تكوننّ من الغافلين ثمّ خذوا حظّكم في هذا الفصل الّذي فيه يصبغ كلّ شيء بصبغ اللّه العزيز الحميد وأن يا ملأ البقاء فانقطعوا عن كلّ ما أخذتم لأنفسكم ثمّ اقبلوا إلى رضوان الّذي فتح باسم اللّه العليّ في سرّ قدس بديع وأن يا أهل السّموات سبّحوا اللّه باسم الّذي منه اقترن الكاف بركنه الرّاء والميم ثمّ اسمعوا نغمات الرّوح من هذا الطّير الّذي تغنّ بكلّ الألحان في كلّ حين
قل أن يا أهل الأرض تاللّه هذه لحمامة الّتي يذكركم أحسن الذّكر لتكوننّ من الذّاكرين وما أراد منكم شيئا ولن يريد منكم جزاء وما جزائه إلّا بأن يستشهدوا لحبّ اللّه العزيز العليم قل فواللّه من لم يطلب لنفسه ما ذكرت حينئذ بالحقّ إنّه على خسران مبين قل إنّ الّذين يفرّون من الموت في سبيل بارئهم أولئك في ريب من لقاء اللّه وأولئك هم الغافلين وأولئك ما وجدوا روائح القدس من هذا القميص المنير وناموا على فراش الغفلة وأعرضوا عما هو خير لهم عن ملكوت ملك العالمين قل سوف يطوي اللّه الأرض ومن عليها ويحشركم بالحقّ في مكمن قدس مكين إذا تشهدون أسرار الأمر وتطّلعون بما قدّر من لدى اللّه العليّ الحكيم وتقولون في أنفسكم يا حسرة علينا فيما غفلنا عن ذكر اللّه وكنّا في ضلال مبين فواللّه لو يكشف الغطاء عن وجه العباد ويّطلعون بما كسبت أيديهم في أيّام لينقطع الرّوح من أجسادهم وهذا لحقّ يقين
وإنّك أنت يا سلمان فاستنصح بما أنصحناك بالفضل وأمرناك بالعدل ولا تكن من الرّاقدين ثمّ ذكّر نفسك وأنفس العباد فيما أنزلناه عليك بالحقّ لعلّ النّاس ينقلبون بقلوبهم إلى مقعد عزّ كريم
وأمّا ما سئلت في آية التّوحيد وكلمة التّجريد فاعلم بأنّ هذا فوق شأني وما أنا إلّا عبد ذليل هو الّذي بيده ملكوت العلم وفي قبضته جبروت الحكمة يعلم ما يشاء فيما يشاء لا إله إلّا هو العزيز الجميل وله الأمر في كلّ من في السّموات والأرض يفعل ما يشاء وهو السّلطان العزيز القدير لن يعزب عنه علمه شيء ولن يعجزه شيء لا يسئل عمّا يفعل وإنّه لهو الغالب القاهر العزيز الرّفيع ولكن انّي مع عجزي وضرّي وفقري وافتقادي لما أحبّ في نفسي إظهار ما أعطاني اللّه بفضله لئلّا أكون من الّذينهم قال اللّه في وصفهم في كتاب عزّ حفيظ قال وقوله الحقّ: ﴿الَّذِيْنَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتاهُم اللّهِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ لذا ألقي عليك ما يجري اللّه على قلمي لتفتخر بما اختصصناك به بين النّاس ولعلّ تكوننّ من المنقطعين ولتشكر اللّه فيما أعطاك بفضله وأنزل عليك آيات الّذي تتحيّر عنها العارفين
فاعلم ثمّ اعرف بأنّ للتّوحيد مراتب وعوالم ومقامات شتّي لا يعلم أحد وما أحصاه نفس إلّا اللّه المقتدر العزيز الجميل وإنّي لو أريد أن أفصّل لك في هذا المقام ما علّمني اللّه بفضله لا يحمله الألواح ولا تكفيه البحور لو يجعل مداد لهذه الكلمات المقدس المتعالي العزيز الكريم لأنّ اللّه لم يكن لفيضه تعطيل ولا لأمره من تعويق وهو الّذي فصّل من نقطة الأوّليّة علم ما كان وما يكون إن أنتم من العارفين وسيفصّل في طراز هذه النّقطة علوم الّتي ما سمعها أذن أحد ولن يعرفها أحد من العالمين قل إنّه لو يريد أن يطوي كلّ العلوم عمّا فصّل في الملك من أوّل الّذي لا أوّل له ليقدر ويكون ذلك أقرب من لمح البصر لا إله إلّا هو السّلطان المقتدر القدير هو الّذي في قبضته ملكوت ملك السّموات والأرض يمحو ما يشاء بأمره ويثبت ما أراد بقدرته وعنده لوح قدس حفيظ قل إنّه هو الّذي لم يزل كان مقدّسا عن كلّ ما علمتم ويأتي في كلّ شأن بعلم بديع قل إنّ جوهر التّوحيد والتّحديد عنده في حدّ سواء ولكنّ النّاس أكثرهم على فراش الجهل لراقدين قل لو يمحو الآيات التّوحيد ويحكم بالتّحديد هذا لحقّ مبين وليس لأحد أن يقول لم وبم لأنّ الأمر ما يظهر من عنده والحكم ما يحكم عليه من لدنه وهو القويّ القدير
فاشهد يا سلمان بأن في خزائن علم اللّه لعلوم لن يذكر عند حرف منها علم أحد ولا توحيد الّذي به يوحّدون اللّه عباده ولا أعلى جواهر التّفريد ولكن لمّا سبقت رحمته كلّ العباد يقبل منهم بما يأمرهم في زمن كلّ رسول وعهد كلّ نبيّ فضلا من لدنه على الخلايق أجمعين فاشهد بأنّه لا إله إلّا هو لن يعرفه أحد ولن يصل إلى بدايع علمه نفس ولا يدركه كلّ من في الملك إن أنتم في أسرار الأمر لمن المتفرّسين فياليت يوجد حمامات قدسيّة وأفئدة مجرّدة ليطيرن مع هذا العبد في هواء هذا العلم الّذي احترقت من تقرّبها أجنحة المتقرّبين فسوف يظهر اللّه في الأرض عبادا ما يمسكهم منع المغلين ويطيرن بجناح القدس ويسيرن في ممالك البقاء ويدخلن في سرادق عزّ منير ولا يشغلهم شأن في الملك ولا يلهيهم زخارف الأرض عن ذكر اللّه العليّ المقتدر العزيز وإذا يسمعون نغمات الرّوح تفيض عيونهم من الدّمع ويستبشرون بروح اللّه ويقبلون إلى جمال قدس بديع ولن يبدّلوا آيات اللّه بشيء ولو ينفقون بكلّ من في السّموات والأرض وكلّما يسمعون نغمات اللّه يميلون إلى وطن القرب ويفدون أنفسهم في كلّ حين حينئذ ينبغي بأن ابتدء في ذكر ما أردت من قبل واختم هذا الذّكر الّذي لن يبلغه على أفئدة البالغين
فاعلم يا سلمان بأنّا نشهد في مقام توحيد الذّات بأنّه واحد في ذاته ولم يزل كان مستويا على عرش التّوحيد وكرسي التّفريد ولم يكن معه من شيء ولن يذكر عنده من أحد وهو الباقي القائم العزيز الكريم ولم يزل كان في قيّوميّة ذاته ولم يكن معه ذكر شيء ولا عرفان نفس ولا توحيد أحد إلّا أن يكون بمثل ما قد كان في أزل الآزال لا إله إلّا هو العزيز الحكيم وانقطعت عن هذا المقام عرفان العرفاء وبلوغ البلغاء لأنّ دونه معدوم عنده ومفقود لديه وموجود بأمره لا إله إلّا هو له الأمر والخلق وأنّه كان على كلّ شيء خبير إنّه هو اللّه لا إله إلّا هو الّذي ما اتّخذ لنفسه وليّا ولا نصيرا ولا شريكا ولا شبيها ولا وزيرا لا إله إلّا هو العزيز القادر المحيط
ثمّ نشهد بأنّه كان واحدا في صفاته وانقطعت كلّ الصّفات عن ساحة قدسه وهذا ما قدّر لنفسه إن أنتم من العارفين ثمّ اعلم بأنّ كثرات عوالم الصّفات والأسماء لن يقترن بذاته لأنّ صفاته تعالى عين ذاته ولن يعرف أحد كيف ذلك إلّا هو العزيز المتعالي الغفور الرّحيم ويرجع كلّ ذلك الأسماء والصّفات إلى أنبيائه ورسله وصفوته لأنّهم مرايا الصّفات ومطالع الأسماء وإلّا إنّه تعالى غيب في ذاته وصفاته ويُظْهِرُ كلّ ذلك في أنبيائه من الأسماء الحسنى والصّفات العليا لئلّا يحرم نفس من عرفان الصّفات في جبروت الأسماء وإنّ هذا الفضل من عنده على العالمين وللموحّد في ذلك المقام حقّ بأنّ يوفق في نفسه بأنّ ظهور تلك الصّفات في رسل اللّه لم يكن إلّا صفاته تعالى بحيث لن يشهد الفرق بينه وبينهم إلّا أنّ صفاتهم ظهرت بأمره وخلقت بمشيّته وهذا حقّ التّوحيد في هذا المقام قد ألقيناك بالفضل لتكوننّ من الرّاسخين ولن يشهد العارف شيئا لا في السّموات ولا في الأرض إلّا وقد يرى اللّه قائما عليه ويشهد كلّ شيء بلسان سرّه بأنّه لا إله إلّا هو العزيز العظيم ويرتقي العارف إلى مقام يشهد آثار تجلّي اللّه في كلّ شيء وبذلك يثبت على نفسه بأنّه كان ولم يكن معه من شيء فسبحانه وتعالى عمّا يقول هؤلاء المشركين
وللموحّد حقّ بأن لا يفرّق كلمات اللّه ويشهد بذاته ونفسه بأنّ كلّ الآيات نزلت من عنده وكلّ ما نزّلت على المرسلين حقّ لا ريب فيها وفصّلت من لدى اللّه المهيمن القدير وكلّ الشّرايع فصّلت من نقطة واحدة وشرع من لدى اللّه وترجع إليه ولا فرق بينهما إن أنتم من الموقنين ومع اختلافها في كلّ أعهاد وأعصار لا اختلاف فيها لأنّ كلّها ظهرت من أمر اللّه والأمر واحد في أزل الآزال وهذا ما رقم حينئذ من قلم قدس منير
وإيّاكم يا ملأ التّوحيد لا تفرّقوا في مظاهر أمر اللّه ولا فيما نزل عليهم من الآيات وهذا حقّ التّوحيد إن أنتم من الموقنين وكذلك في أفعالهم وأعمالهم وكلّما ظهر من عندهم ويظهر من لدنهم كلّ من عند اللّه وكلّ بأمره عاملين ومن فرّق بينهم وبين كلماتهم وما نزل عليهم أو في أحوالهم وأفعالهم في أقلّ ما يحصى لقد أشرك باللّه وآياته وبرسله وكان من المشركين وكذلك نعلّمكم سبل العلم والحكمة لعلّا أنتم في سُرادِق العزّ لتكوننّ من الدّاخلين وكلّما ذكرنا الأمر بينهم من جواهر التّوحيد وحقايق التّفريد هذا لم يكن إلّا في مقام التّنزيل لأنّ كلّهم بدءوا من عند اللّه ويعيدوا إليه وحكموا بأمره ونطقوا بإذنه لذا يثبت حكم التّوحيد عليهم في هذا المقام وكذلك نصرف لكم الآيات لتكوننّ من الموقنين ولكن في مقام الفرق فضّل اللّه بعضهم على بعض كفضل المولى على العبيد وفي هذا المقام فاشهد مقام بعضهم كالنّقطة في صدر الحروفات وكان الحروفات يفصلن عن النّقطة ويدورن حولها كذلك فاعرف مراتب النّبيّين وتشهد بأنّ الّذي جائكم باسم عَلِيٍّ هو النّقطة وتدور في حولها أرواح المرسلين إذا قل في نفسك فتبارك اللّه أحسن الخالقين وتشهد في مقام الأفعال بأنّ كلّها ظهرت بأمره وخلقت بقوله وبعثت بقضائه ويرجع إلى مقام الّذي قدّر لها من عنده ذلك اللّه ربّي وربّكم وربّ آبائكم الأوّلين هل يمكن لأحد أن يحرّك في الملك بغير ما قضى اللّه في الكتاب قل سبحان اللّه كلّ الأشياء محرّكة بأمره وكلّ إليه لراجعين ما من إله إلّا هو يقبض ما يشاء لمن يشاء ويقدّر لكلّ شيء ما يريد وهو المقتدر العليم وما من شيء إلّا وقد أحاط علمه قبل ظهوره وبعد ظهوره وقدّر له ما هو خير له عن كلّ ما في السّموات والأرض وهذا ما رُقِم من قلم حكم حكيم قديرا
إيّاكم يا ملأ البيان لا تشتبه عليكم بأنّ الأفعال لو يظهر من عنده كيف يعذّب عباده العصاة في طبقات الجحيم فاعلموا بأنّه تعالى أرسل الرّسل بالحقّ ليأمروا النّاس بالبِرّ والتّقوى وينهوهم عن البغي والفحشاء ويبشّرهم بلقاء اللّه في يوم الّذي فيه تشرق الأنوار من مقعد عزّ منير وهذا ما قضى على الحقّ من عنده على العالمين وبهم عرّفهم سبل الهداية والضّلالة وبيّن لهم بلسان رسله كلّ ما أراد لهم بحيث ما من خير إلّا وهو في كتاب مبين فلمّا بَيَّن لهم الحقّ وأوضح لهم سبل القدس وأظهر لهم مناهج الفردوس أمرهم بكلّ ما يبلغهم إلى هذه المقامات القدسيّة ويقرّبهم إلى اللّه العزيز الحميد وانهيهم عن كلّ ما يضرّهم ولذا يرفع المطيعين إلى رفرف القرب ويضع المستكبرين ثمّ اختارهم في هذين السّبيلين بعد علمهم وعرفانهم سبل الهداية والضّلالة ويمدّهم في كلّ ما يختارونه لأنفسهم وهذا عدل من عنده على كلّ من في الملك أجمعين إذا فاشهد في نفسك بأنّ اللّه ما ظلم نفس على قدر خردل ولن يظلم وإنّه لهو المعطي الواهب الكريم فلمّا ظهر للعباد سبل الحقّ عن الباطل ومناهج الهداية عن الضّلالة يسعدهم في ما يريدون ويجري عليهم القضاء بعد إرادتهم وكذلك نصرف لكم الآيات ونلقي عليكم كلمات الحكمة لتستبشروا بها قلوبكم وقلوب المقرّبين وإنّه تعالى لو يمسك عباده من فعل ويجبرهم على فعل آخر ليكون ظلما من عنده فسبحانه وتعالى من أن يظلم نفس على قدر نقير وقطمير وإنّه بعد قدرته على كلّ شيء وجريان قضائه في كلّ شيء يمد كلّ الممكنات في أفعالهم بعد عرفانهم بالنّور والظّلمة وهذا الفضل من عنده لو أنتم ببصر الحكمة في أسرار الأمر لمن النّاظرين ومن قال بغير ما ألهمناك أو يقول بغير ما ألقيناك فهو مجرم بنص الكتاب وكان اللّه بريء منه إلّا بأنّ يتوب ويرجع إلى الله ويكون من المستغفرين إنّه يغفر من يشاء ويعطي لمن يشاء ويمنع عمّن يشاء ولا يسئل عمّا شاء وبيده ملكوت الأمر والخلق وفي قبضة جبروت السّموات والأرض يحيي ويميت ثمّ يميت ويحيي وإنّه هو حيّ لا يموت ولا يفوت عن علمه شيء وأحاط فضله كلّ الممكنات ويعلم خافية القلوب وما ظهر منها لا إله إلّا هو العالم الغالب الحاكم اللّطيف الخبير
ثمّ اعلموا يا ملأ البيان بأنّ اللّه ما أراد لعباده إلّا ما يقلّبهم إلى رفارف القصوى في جبروت البقاء وما قدّر لهم إلّا ما نخلّصهم عن النّفس والهوى ليبقى الملك لنفسه الحقّ ويطهّر الأرض ومن عليها من دنس هؤلاء المشركين ونشهد في مقام التّوحيدالعبادة بأنّ كلّها يرجع إلى اللّه العزيز المتعالى العليم وكلّها ظهرت من أمر واحد من لدن حكيم قدير وبدئت من اللّه وسيعود إليه وكلّ إليه لراجعين وإليه يصعد الكلم الطّيب وكلّ لوجهه لساجدين ويعبده كلّ من في السّموات والأرض وما من شيء إلّا وقد يسبّح بحمده ويخاف من خشيته لا إله إلّا هو العزيز القيوم كلّ الأعناق منقادة لسلطنته وكلّ القلوب خاشعة لأمره وذاكرة بذكره وهو الّذي عبده كلّ شيء ويعبده كلّ من في السّموات والأرضين إنّ الّذينهم استقرّوا على كرسي التّوحيد ومقاعد التّفريد يشهدون في أنفسهم بأنّ كلّ ما يعبد به العباد بارئهم في صوامعهم ومساجدهم نزل من عند اللّه ويرجع إليه لأنّ المعبود واحد سبحانه وتعالى إنّا كلّ له عابدون ولو أنّ العباد يغفلون في عباداتهم وينسون بارئهم ولكن نفس العبادة والأذكار يسرعون إلى بارئهم وخالقهم وكلّ إليه لسارعين وكلّ ما أنتم تشهدون في ملل الأرض وعباداتهم وأذكارهم كلّها فصّلت من لدى اللّه في عهد رسله وسفرائه وكلّ بأمره لعابدين ولكن لمّا احتجبوا عن المقصود وما قدّر اللّه لهم لذا احتجبوا عمّا اختار اللّه لهم في تلك الأيّام الّتي فيه تغنّت لسان الأحديّة بكلّ ألحان جذب بديع فلمّا أعرضوا عن اللّه بعد انتظارهم واختاروا لأنفسهم هذا جرى عليهم حكم القضاء وكان ذلك في صحائف قدس حفيظ ونشهد حينئذ بأنّ مقامات التّوحيد ومراتب التّفريد كلّها ظهرت في جمال عزّ بديع الّذي ظهر في السّتين بأمر اللّه المقتدر الحكيم العليم وإنّه هو الّذي كان واحدا في ذاته وصفاته وأفعاله ولم يكن له شبه ولا ند ولا ضد وكلّ خلقوا بأمره وكلّ بأمره لقائمين ولن يقدر أحد أن يشاركه في أمره ولا يعارضه في حكمه لا يسئل عمّا فعل وكلّ في محضره لراجعين
فاستمع يوم يناد المناد في قطب البقاء ويغنّ حمامة الحجاز في شطر العراق ويدعو الكلّ إلى الوثاق وفيه يفتح أبواب الفردوس على وجه الخلائق أجمعين وهذا يوم لن يعقبه ظلمة اللّيل وكانت الشّمس يستضيء منه لأنّه استنار من أنوار وجه منير فواللّه حينئذ يبسط بساط قدس بديع من لدى اللّه العزيز المنيع قل فواللّه إنّه ليوم لن يحمل فيه عرش ربك إلّا نفسه الحقّ وإنّا كنّا بذلك لشاهدين وفيه يكشف مقامات لن يذكر فيها التّوحيد ولن يصل إليها حقائق التّفريد ولن يطير في هوائها أعلي معارف العارفين إلّا من شاء ربّك فهنيئا لمن قرّت عيناه في هذا اليوم بلقاء اللّه الملك المتعالي العزيز
قل يا ملأ المشرق والمغرب إنّ هذه لنغمات يذكر من ألحان حين الّذي مرّت على وادي السّناء في سيناء الرّوح بقعة الّتي لن يذكر فيها إلّا اللّه العزيز اللّطيف وإذا وردت فيها أخذت حرف السّين من وادي الأولى لحبّ الّذي اتّصل بينها في ذرّ البقاء إذا ظهرت حروفات المجتمعات في عوالم الأسماء والصّفات بأمره من لدى اللّه العزيز الجميل قل هذه لمدينة لو يدخل فيها المريض ليشفى ويطيب أقرب من أن يجري على اللّسان اسم الحين ولو يمرّ عليها ملكوت الأسماء لتصير كلّها أعظما وتحكي كلّها عن اللّه بحيث باسم منها ينقلب كلّ من في السّموات والأرضين
وإنّك أنت يا سلمان فاجهد في نفسك لتدخل في هذه المدينة وإن لن تقدر على الدّخول فاسمع بروحك لعلّ تمرّ في حولها ويهب عليك من نسائم الّتي يخرج منها فواللّه هذا خير لك عن ملك الأوّلين والآخرين وهذا أمري عليك وعلى الّذين هم صعدوا إلى مقرّ سلطان مبين وإذا دخلت أرض الصّاد ذكّر حرف الزّاء بأذكار قدس منيع قل فاستمع ما تغنّ عليك حمامة القدس حين الّذي تطير من هواء إلى هواء عزّ رفيع ولا تضطرب عن ذلك لأنّ فيه سرّ الأسرار إن أنت من المستبصرين فتوكّل على اللّه في أمرك ولا تخف من أحد ولا تكن من الخائفين هذا ما أخبرناك به من قبل في ألواح قدس حفيظ قلّب بوجهك وقلبك إلى اللّه الملك العزيز الكريم فواللّه لن ينقطع نداء اللّه في وقت وينادي بأعلي الصّوت على كلّ حين ومن طهّر أذناه من كلمات الخلق يسمع النّداء في جبروت العزّة ولن يلتفت إلى أحد في الملك وليستجذب من نداء اللّه وتقلّب إلى مكمن قدس مكين وكذلك ذكّر الميم من لدنّا بأذكار عزّ بديع وإذا وردت أرض الشّين فانشر تلك الألواح بين يدي الّذينهم آمنوا بها ليتذكّرن بها ويكوننّ من المتذكّرين فمن يتذكّر بها ليكون خير له عن كلّ ما خلق من أيدي القدرة في جبروت عزّ مبين لأنّ فيها لن يشهد إلّا اللّه وحده وما دونه خلق بحرف منها إن أنتم من العارفين وكذلك مننّا عليك يا سلمان بما ألقيناك قول الحقّ وبيّنّا لك أسرار التّوحيد وهديناك إلى هذا السّبيل الّذي فيه جرى السّلسبيل من هذا المعين ولا ينفذ بدوام أمر اللّه ولا يبيد في أبد الآبدين
ثمّ اعلم يا سلمان بأنّ الّذينهم ما اتّصفوا بصفات التّوحيد لن يصدق عليهم اسم الموحّد إن أنتم من الشّاعرين ولن يتمّ لأحد حكم التّوحيد بالقول وأنتم يا ملأ البيان فاجهدوا في أنفسكم لتكونوا بصفات اللّه لمن المتّصفين ومن لم يهب منه نسمات اللّه وصفاته لن يفوز بهذا المقام ولن يعدّ من الموحّدين إذا نختم القول بأنّه لا إله إلّا هو وإنّا كلّ عباد له وكلّ إليه لراجعين والحمد للّه ربّ العالمين