سورة الأحزان

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

سورة الأحزان – حضرة بهاءالله – آثار قلم اعلى، جلد ٢، ١٥٩ بديع، الصفحات ٤٣٦ - ٥٤٩

هذه سورة الأحزان قد نزلت من لدى الرّحمن

للّذي توجّه إلى شطر السّبحان في هذا

الزّمان الّذي كلّ انفضّوا عن ظلّ اللّه

ورحمته واتّخذوا ‌الشّيطان

لأنفسهم

معينا

﴿ بِسْمِ‌ اللّهِ ‌الأَمْنَعِ ‌الأَقْدَسِ‌ الأَعَزِّ الأَبْهَى ﴾

أن يا سيّاح الأحديّة سبّح في قُلْزُم الكبرياء الّذي ظهر باسمي الأبهى و‌جرت عليه سفن البقاء و‌ركب عليها عباد الّذين هم انقطعوا عن الدّنيا و‌طاروا بجناحين القدس إلى فضاء هذا الهواء الّذي ظهر في هذه السّماء الّتي ارتفعت في هذا العماء و‌كذلك أحاطهم فضل ربّك ليشكرنّ اللّه و‌يكوننّ من الشّاكرين في الألواح مسطورا وإنّك أنت قل بسم اللّه و‌باللّه ثمّ ادخل عريا في غمرات هذا البحر الّذي ما وصل المقرّبون إلى ساحله وكيف الدّخول فيه كذلك أمرك لسان المحبوب أن افعل ولا تخف من أحد فتوكّل عليه وإنّه يحفظك كما حفظك من قبل وإِنَّهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا

تَاللّهِ الحَقِّ اليوم يومك أن أخرج عن خلف حجبات الصّمت ثمّ انطق بين السّموات و‌الأرض وبشّر النّاس بهذا النّبأ الّذي انشقّت منه أراضي الكبر وانفطرت سموات الإعراض واندكّت جبال الغلّ وانهدمت بيت البغضاء واقشعرّت منه جلود كلّ مشرك عميّا وإنّك أنت فانظر إلى المشركين وما يخرج من أفواههم منهم من يقول هل اللّه كان ظاهرا وهل الشّمس أشرقت عن أفق القدس قل أي ربّ و‌ربّي إنّها قد أشرقت بسلطان كان على العالمين محيطا وإنّك أنت يا أكمه الأرض فافتح بصراك لتشهدها مشرقا مضيئا منيرا وإنّها لم يزل كانت ظاهرة في قطب الزّوال بسلطان العظمة و‌القدرة والإجلال و‌لن يسترها إعراض كلّ معرض و‌لا شرك كلّ مشرك و‌كذلك كان الأمر على الحقّ مشهودا و‌منهم من يقول هذا لهو الّذي افترى على اللّه قل فويل لك يا أيّها المشرك إنّ هذا إلّا وحي يوحى علّمه اللّه عند سدرة المنتهى ورأى من آيات ربّه ما رأى تاللّه لن يزلّ قدماه عن كلّ ما خلق بين الأرض و‌السّماء وإنّه مرّة ينطق على لحن عليّ في جبروت القصوى ثمّ على لحن محمّد في ملكوت الإنشاء ثمّ على لحن الرّوح في سماء البقاء ثمّ على لحن الكبرياء في هذا الجمال الّذي أشرق على كلّ شيء و‌ظهر من تجلّياته على صور الممكنات هيئة إنّه لا إله إلّا هو وإنّه لهو المحبوب في كبد المقصود وإنّه لهو المعبود في كلّ ما كان و‌ما يكون ولكنّ النّاس أكثرهم احتجبوا عنه بعد الّذي ظهر بكلّ الآيات و‌ما ظهر من عنده قد كان على نفسه شهيدا

فيا ليت إنّك كنت حينئذ حاضرا لدى العرش و‌سمعت لحنات البقاء كيف يظهر عن هيكل البهاء تاللّه الحقّ لو‌ يطهّر آذان الممكنات و‌يسمعنّ نغمة منها لينصعقنّ كلّهم على التّراب بين يدي ربّك العزيز الوهّاب و‌لكن لمّا اعترضوا على اللّه جعلهم اللّه محروما عن بدايع فضله و‌ما كانوا حينئذ بين يدي ربّك إلّا ككفّ طين مطروحا وإنّك لو تفكّر فيما يخرج من أفواههم تاللّه تسمع ما لا سمعت من اليهود حين الّذي أرسلنا إليهم الرّوح بكتاب مبينا و‌لا من ملأ الإنجيل حين الّذي أشرقنا عليهم شمس البقاء عن أفق البطحاء وأرسلناه إليهم بأنوار كانت على العالمين مشهودا و‌لا من ملأ الفرقان حين الّذي شقّت سماء العرفان و‌أتى اللّه على ظلل اسمه الرّحمن بجمال عليّ بالحقّ فلمّا بلغنا إلى هذا الإسم المبارك الأمنع الأرفع الأقدس الّذي كان بالحقّ بديعا قد ظهر في نفسي حالتان أُشَاهِدُ بِأَنَّ قَلْبِي اشْتَعَلَ مِنْ نَارِ الأَحْزَانِ بِمَا وَرَدَ عَلَى جَمَالِ الرَّحْمَنِ مِنْ مَلَأِ الفُرْقَانِ كَأَنَّ كُلَّ أَرْكَانِي يَشْتَعِلُ حِيْنَئِذٍ بِنَارِ الَّتِي لَوْ أُلْقِي زِمَامُهَا لَتُحْرِقُ كُلَّ مَنْ فِي المُلْكِ و‌كَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ شَهِيدًا و‌كَذَلِكَ أُشْاهِدُ بِأَنْ يَبْكِي عَيْنِي ثُمَّ كُلُّ جَوَارِحِي حَتَّى يَمْطُرَ مِنْ شَعَرَاتِي قَطَرَاتُ الدُّمُوعِ بِمَا مَسَّتْهُ البَأْسَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ قَتَلُوا اللّهَ و‌مَا عَرَفُوهُ وفِي حِيْنِ الَّذِي افْتَخَرُوا بِاسْمٍ مِنَ أَسْمَائِهِ عَلَّقُوهُ فِي الهَوَاءِ وضَرَبُوا عَلَيْهِ رِصَاصِ البَغْضَاءِ فَيَا لَيْتَ مَا خُلِقَ الإِبْدَاعُ و‌مَا ذُوِّتَ الاخْتِرَاعُ ومَا بُعِثَ نَبِيٌّ ومَا أُرْسِلَ رَسُولٌ ومَا حُقِّقَ أَمْرٌ بَيْنَ العِبَادِ ومَا ظَهَرَ اسْمُ اللّهِ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ ومَا نُزِّلَتْ صَحَائِفُ ولَا كُتُبٌ ولَا زُبُرٌ ولَا أَلْوَاٌح ولَا رِقَاعٌ ومَا ابْتُلِيَ جَمَالُ القِدَمِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الأَشْقِيَاءِ ومَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ جَهْرَةً و‌ارْتَكَبُوا مَا لَا ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ جَمِيعًا

تَاللّهِ الحَقِّ يَا عَلِيُّ لَوْ تَنْظُرُ فِي كُلِّ أَرْكَانِي و‌جَوَارِحِي وكَبْدِي وقَلْبِي و‌حَشَائِي لَتَجِدُ أَثَرَ رِصَاصٍ الَّذِي وَرَدَ عَلَى هَيْكَلِ اللّهِ فآهٍ آهٍ إِذًا بَقِيَ مُنْزِلُ الآيَاتِ عَنِ الإِنْزَالِ وهَذَا البَحْرُ عَنِ الأَمْوَاجِ و‌هَذِهِ السِّدْرَةُ عَنِ الأَثْمَارِ و‌هَذِهِ السَّحَابُ عَنِ الأَمْطَارِ و‌هَذِهِ الشَّمْسُ عَنِ الأَنْوَارِ وهَذِهِ السَّمَاءُ عَنِ الارْتِفَاعِ و‌كَذَلِكَ كَانَ الأَمُرُ حِيْنَئِذٍ مَقْضِيًّا فَيَا لَيْتَ كُنْتُ فَانِيًا و‌مَا وَلَدَتْنِي أُمِّي ومَا سَمِعْتُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ عَبَدُوا الأَسْمَاءَ و‌قَتَلُوا مُنْزِلَهَا و‌خَالِقَهَا ومُحَقِّقَهَا و‌مُرْسِلَهَا فَأُفٍّ لَهُمْ وبِمَا اتَّبَعُوا أَنْفُسَهُم و‌هَويٰهُمْ و‌ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا خَرَّتِ الحُوْرِيَّاتُ عَنْ غُرُفَاتِهِنَّ و‌وَضَعَ الرُّوْحُ وَجْهَهُ عَلَى التُّرَابِ بِمَا وَرَدَ عَلَى رَبِّ الأَرْبَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ الذِّئَابِ إِذًا يَبْكِي كُلُّ شَيءٍ لِبُكَائِي لِنَفْسِهِ و‌يَضُجُّ كُلُّ الأَشْيَاءِ لِضَجِيجِي لِفِرَاقِهِ قَدْ بَلَغْتُ فِي الحُزْنِ عَلَى مَقَامٍ لَنْ يَخْرُجَ مِنْ فَمِي نَغَمَاتُ البَقَاءِ و‌لَا عَنْ قَلْبِي نَفَحَاتُ الرَّوْحِي و‌لَوْ لا عِصْمَتِي نَفْسِي لَانْفَطَرَتْ أَرْكَانِي و‌كُنْتُ مَعْدُومًا و‌إذا يبكي ظهور قبلي في أفق الأبهى و‌يخاطبك أن يا عليّ تاللّه الحقّ لو تنظر إلى قلبي وكبدي و‌حشائي ثمّ سرّي و‌جهري و‌ظاهري و‌باطني لتجد آثار رماح البغضاء الّتي ورد على ظهوري الأخرى باسمي الأبهى إذا أنوح و‌ينوح كلّ من في الملأ الأعلى ببكائي عليه و‌أصيح ويصيح كلّ من في سرادق الأسماء لصيحتي واضجّ و‌يضجّ كلّ من في مدائن البقاء لضجيجي لهذا المظلوم الّذي وقع بين ملأ البيان تاللّه فعلوا به ما لا فعلوا أمّة الفرقان بنفسي فآه آه عمّا ورد عليه و‌على ما مسّته من هؤلاء إذا خرّت كلّ الوجود من الملك و‌الملكوت على التّراب بما ورد على هذا الجمال الّذي استقرّ على عرش الاقتراب فأفّ لهم و‌بما اكتسبت أيديهم في كلّ بكور و‌عشيّا إذا ينادي جمال القدم بأن يا قلم الأعلى غيّر الذّكر من هذا الذّكر الّذي به حزن كلّ الممكنات و‌كلّ ما وقع عليه اسم شيء ثمّ اجر على ذكر آخر فارحم على أهل ملأ الأعلى تاللّه الحقّ تكاد أن تنهدم العرش بعظمته والكرسيّ برفعته وإنّا لمّا سمعنا النّداء انتهينا ذكر الأحزان و‌رجعنا إلى ما كنّا في ذكره لتكون بذلك عليما وإنّك أنت يا عليّ لا تحزن عمّا ألقيناك من مصائب الّتي وردت على ظهورنا الأولى ثمّ الأخرى فاشدد ظهرك لنصرة أمر اللّه و‌قم على الأمر بقوّة و‌استقامة منيعا ثمّ انظر شأن هؤلاء و‌ما يخرج من أفواههم في تلك الأيّام الّتي أشرقت الشّمس بكلّ الأنوار و‌استضاء منه كلّ مقبل أمينا تاللّه تسمع من هؤلاء ما لا سمعت من أحد لأنّهم يستدلّون في إثبات أمرهم بآيات الّتي نزّلناها على الّذي أرسلناه بالحقّ و‌جعلناه رحمة لمن في الملك جميعا فلمّا تتلى عليه أعظم عمّا سمعوا إذا يعترضنّ ويفرنّ وإن يجدن في أنفسهم من قدرة ليقتلنّ الّذي يقرء عليهم الآيات كذلك فاعرف شأن هؤلاء لتكون بما عندهم بصيرا

قل يا قوم إنّ الّذي ظهر بالحقّ قد شهدتم عنه قدرة اللّه و‌سلطنته ثمّ ظهور اللّه و‌عظمته ومن دون ما شهدتم من بدايع القدرة و‌القوّة قد نزل من سماء فضله معادل ما نزل في البيان اتّقوا اللّه يا قوم و‌كونوا في الأمر تقيّا أتحاربون مع الّذي به أشرقت الشّموس ونوّرت الأقمار وزيّننت النّجوم و‌جرت الأنهار و‌موّجت البحار و‌رفعت السّماء و‌انبسطت أرض القدس وأثمرت الأشجار فأفّ لكم وبالّذي أمركم بأن تكفروا باللّه و‌تشركوا بجمال الّذي استوى على العرش بسلطان كان على العالمين محيطا

تاللّه يا أيّها النّاظر إلى اللّه قد ورد عليّ من هؤلاء ما لا سمعت الآذان و‌لا شهدت الأبصار إذا يبكي عليّ عيون الممكنات و‌ينوح لضرّي كلّ القبائل من ملكوت الأسماء و‌الصّفات و‌عيون العظمة عن وراء حجبات عزّ منيعا تاللّه الحقّ إنّ الّذي يفرّ من الثعلب و‌يستر وجهه خلف الدنان خوفا من نفسه فلمّا شهد بأنّا أرفعنا الأمر بسلطان القدرة و‌القوّة و‌اشتهر اسم اللّه بين المشرق و‌المغرب إذا ندم عن ستره وخرج عن خلف القناع ببغضاء عظيما و‌شاور مع أحد من خدامى على قتلي و‌أراد أن يسفك هذا الدّم الّذي لو يترشّح على الممكنات رشح منه كلّهنّ ينطقنّ بأنّي أنا اللّه لا إله إلّا هو وكذلك مكر في نفسه بعد الّذي ربّيناه وعلّمناه في كلّ بكور وأصيلا فلمّا نزلت جنود وحي اللّه و‌حفظني عن شرّه و‌مكره إذا قام على مكر أخرى و‌به تحيّرت أهل لجج الأسماء ثمّ أهل ملأ الأعلى و‌كان اللّه على ما أقول شهيدا و‌نسب إلى نفسي أمورا لو تسمعها من ذي بصر لتعرف ما ورد على هذا المظلوم من هؤلاء الّذين قاموا عليه بظلم كان في كلّ الألواح كبيرا

أن يا قلم الأعلى ذكّر لمن تحبّه ما نادى به أحد من حزب الشّيطان في شطر العراق بأن يا ملأ البهاء لم تبلّغون أمر اللّه ربّكم و‌تدعون النّاس إلى اللّه الّذي خلق كلّ شيء بأمر من عنده لأنّ منتهى رتبة العباد بلوغهم إلى مقام الأزل وإنّه لمّا ينزل عن مقامه ويؤخذ ما أوتى كيف ينفع العباد تبليغكم و‌ذكركم كذلك سوّلت له نفسه وتكلّم بما اشتدّ به غضب اللّه و‌سخطه على نفسه و‌على الّذين يقولون ما قال و‌جعل أنفسهم عن شاطئ العرفان محروما

قل فويل لك يا أيّها المشرك باللّه ما توهّمت في اسم الأزل إنّا خلقناه كما خلقنا كلّ الأسماء ليدخلنّ على موجدهم و‌صانعهم ويكوننّ في أمر اللّه مستقيما كلّ الأسماء عند اللّه في حدّ سواء يعطي ويأخذ و‌لا يسئل عمّا شاء وإنّه كان على كلّ شيء حكيما وكلّ فضل أنتم عرفتموه في النّفوس يبقى في إيمانهم باللّه وإقبالهم عند ظهوره و‌توجّههم إلى شطر الّذي كان في أزل الآزال محبوبا بيّن يا أيّها الشّقي كيف صار الدّيّان دنيّا و‌لن يتغيّر دونه أن يا واحد العين فكّر في نفسك أ‌تشهد عيوب النّاس و‌تكون غافلا عمّا في نفسك فويل لك بما علّمك الشّيطان الّذي كفر باللّه و‌جعلنا ظاهره عبرة للخلائق جميعا

قل يا أيّها الكافر باللّه فيا ليت رأيت وعرفت الّذي اتّخذته ربّا من دون الله تاللّه الحقّ لو رأيته و‌عرفته لفررت منه ألف فراسخ بل أكثر من ذلك و‌كان اللّه على ذلك عليما

قل يا أيّها الحمير إنّا حفظناه و‌ربّيناه و‌وصفناه و‌أذكرناه وأنت عرفت كلّ ذلك وكنت على ذلك شهيد وإنّه حارب بنفسي وأنكر آياتي إذا ينبغي لك بأن تعترض عليه لا على الّذي خلقك وإيّاه من ماء مهينا و‌تسئل منه بأيّ حجّة آمنت بنقطة الأولى و‌من قبله برسل اللّه و‌بأيّ برهان كفرت بالّذي ظهر بكلّ الآيات و‌أفتيت على قتله و‌كنت في الإعراض قويّا و‌من دون ذلك

يا أيّها المشرك لم يزل كان من سنّتنا بأن نأخذ و‌نعطي أما رأيت حجر الّذي أمرنا العباد بأن يطوفنّ في حوله كيف أنزعنا عن هيكله رداء القبول وأعطينا هذا الفضل بمقام آخر لو أنت بذلك عليما إذا فانصف في نفسك و‌لو إنّا علمنا بأنّك لا تنصف أبدا و‌عندنا علم السّموات والأرض نعلم ما علّمك أبيك في اللّيالي و‌الأيّام و‌وسوس في صدرك ونفخ فيك من روحي الّتي بها ينقلب كلّ إنسان و‌يصير حميرا إذا فاسئل عن الّذي اتّخذته ربّا من دوني

قل يا أيّها المعرض فانصف في نفسك هل سمعت ظهورا في الإبداع أعظم عمّا ظهر وينطق حينئذ في قطب البقاء بأنّي أنا ربّكم العليّ الأعلى في هذا الأفق المقدّس الأبهى و‌هل رأيت كلماتا أعظم عمّا نزلت بالحقّ من جبروت البقاء من هذا الفتى النّاطق في سماء القضاء لا فوجمالي الّذي كان على العالمين مشرقا و‌مضيئا و‌مع ذلك أنت اتّبعت هذا الّذي خلق بحركة من قلمي و‌أفتى على نفسي بعد الّذي حفظناه في كلّ شهور و‌سنينا

يا أيّها البصير العمى بحيث ترى نفسك و‌لن تشهد مولاك الّذي بأمر منه خلقت الأسماء و‌ملكوتها ثمّ الصّفات و‌جبروتها ثمّ الخلائق جميعا هل رأيت في المرآت الّتي انحرفت عن الشّمس على وجهها من نور أو ‌ضياء أو ‌أثر لا فونفسي الرّحمن لو أنت بذلك بصيرا و‌كذلك فانظر في مرايا الأسماء ان يدخلن في ظلّ ربّهنّ و‌يقبلنّ بتجلّيات الّتي يتجلّى بها شمس البقاء يستضيئنّ بأنوارها و‌ضيائها و‌من دون ذلك يمنعنّ و‌يكوننّ محروما عن تجلّيات الّتي كانت على الحقّ مضيئا أما رأيت في ظهور قبلي بأنّ علماء الّذين هم عمّروا في الدّنيا و‌ارتقوا إلى معارج العرفان وعبدوا اللّه في اللّيالي و‌الأيّام نزل عليهم حكم الشّرك و‌الكفر و‌نزع عن هياكلهم رداء الإيمان و‌الّذين يكنّسون البيوت و‌ما عرفهم من أحد ألبسهم اللّه رداء الولاية و‌النّبوّة كذلك فاشهد قدرة ربّك ولا تكن جبّارا شقيّا هل ينبغي للّذينهم كانوا على الأرض بأن يعترضوا على اللّه بأنّ هؤلاء الّذين هم عمّروا في دين اللّه و‌عبدوه و‌سجدوه و‌خضعوا لأمره و‌كانوا علماء الأرض و‌رجعوا إلى النّار إنّا كيف نصل إلى مقام رفيعا

قل يا أيّها المشرك تقول كما قالوا المشركون من قبل في زمن كلّ ظهور ولن تستشعر ما تقول فسوف يضربنّ على فمك ملئكة العذاب من لدن مقتدرا قديرا‌ ثمّ اعلم بأنّ حين الظّهور كلّ الأسماء في صقع واحد من صعد إلى اللّه يصدق عليه كلّ الأسماء من أسمائنا الحسنى و‌من وقف على الصّراط لن يذكر عند اللّه أبدا وكذلك نزّلنا الأمر في كلّ الألواح إن أنت بذلك خبيرا‌ وإنّا لو نأخذ كفّا من الطّين و‌ننفخ فيه روح الحيوان و‌نجعله مظهر كلّ الأسماء و‌الصّفات لنقدر و‌ما كان ذلك على اللّه عزيزا ويكون باقيّا في هذا المقام ما دام الّذي يكون في ظلّ مولاه فإذا خرج يسلب عنه كلّ ما أوتى به و‌يرجع إلى التّراب بحسرة عظيما

قل إنّك أنت يا حمير ما اطّلعت بأصل الأمر و‌لو يرد عليك ما لا تدركه فاسئل عن الّذي يجري عن قلمه بحور العلم و‌المعاني ليبيّن لك ما غفلت عنه و‌يعلّمك من بدايع العلم لتكون في دين ربّك مستقيما

لا فوعمري يا عليّ إنّهم ما أرادوا أن يعرفوا ما ستر عنهم وإنّك فاشهدهم كأغنام يذهبون و‌لا يعرفون راعيهم بل لو تنظر إليهم بنظر الفطرة لتجدهم ذئابا يريدنّ أن يتفرقنّ أغنام اللّه و‌يمصنّ دمائهم كذلك أحصينا أمرهم في هذا اللّوح الّذي نزل من جبروت عزّ عليّا وإنّك أنت فاحفظ نفسك عن هؤلاء ثمّ انطق بلحن البقاء بين الأرض والسّماء ثمّ اذكر هذا الإسم الأعظم الّذي منه انفطرت سماء الأسماء و‌لا تخف من أحد فتوكّل على اللّه وإنّه يحفظك عن كلّ مشرك مردودا و‌يؤيّدك على أمره و‌ينطق الرّوح في صدرك و‌يهتزّك نفحات الرّضوان عن شطر ربّك الرّحمن وإنّه كان عليك حسيبا

إيّاك أن لا تحزن في شيء لأنّا ما نسيناك ونحبّ أن نريٰك و‌نسئل اللّه بأن يجمع بيننا بالحقّ وإنّه لمن دعاه مجيبا فيا ليت كنت معنا في السّجن و‌عرفت ما ورد على جمالي المظلوم من الّذين لن يقدرنّ أن يتكلّمنّ في محضري و‌خلقت حقائقهم بإرادة من قلمي و‌تشهد ما كان عليك مستورا اسمع ما أمرك به قلم الأعلى و‌لا تسكن في بيتك و‌لا تسترح في نفسك أن ادخل مقرّ المشركين من ملأ البيان بنبأ اللّه وأمره و‌قل يا قوم قد جئتكم ببرهان كان على الحقّ عظيما إن كان عندكم أعظم عمّا عندنا فأتوا به وإن شهدتم ببصركم أعظم عمّا شهدنا من قدرة اللّه و‌سلطنته بيّنوا و‌لا تصبروا أقلّ من حينا وإن شهدتم أنفسكم عجزاء عن ذلك خافوا عن اللّه ولا تجادلوا بالّذي به رفع أمر اللّه و‌علت أسمائكم و‌ظهرت حجّة الّتي بها تستدلّون لدونكم لإثبات أمركم خافوا عن اللّه و‌لا تكوننّ في الملك كفّارا أثيما

أن يا سبّاح بحر المعاني قد تموّجت حينئذ قلزم الكبرياء باسمي الأبهى و‌يقذف منه على الممكنات لئالي ذكر ربّك العليّ الأعلى تاللّه ما شهدت عين الإبداع كشبهها ولا بصر الاختراع كمثلها فيا ليت وجدنا من أمين لنودعها عنده أو من بصير لنشهدها أو من خبير لنذكر له أوصافها أو ظهوراتها أو تجلّياتها إذا لمّا صعدنا إلى سماء القضاء ما شهدنا أحدا و‌بقينا في نفسنا متحيّرا و‌حزينا وإنّك فاسرر في نفسك بما رشح عليك من رشحات هذا البحر و‌طهّرك عن روائح الّذين لن تجد في وجوههم إلّا غبرة النّار وكفروا باللّه في كلّ عهد و‌عصر و‌كانوا عن نفحات الرّحمن محروما قل تلك شطوط يذهب إلى بحر القدم كما انشعب منه فطوبى لمن شرب منها واستغنى بها عمّا على الأرض جميعا

قل إنّ بحر القدم و‌ما يخرج منه و‌يذهب إليه موج من أمواج قلزم الكبرياء الّذي خلق باسمي الأبهى كذلك كشفنا لك سرّا من أسرار الّتي كانت عن أعين العالمين مستورا و‌قد خلق في شاطئ هذا البحر بيداء ما أحاط أحد أوّلها و‌آخرها و‌فيه ارتفع نداء اللّه عن كلّ الأشطار و‌ما مرّ عليه من نبيّ و‌لا من رسول إلّا و‌قد أخذته نفحات اللّه في هذا الواد وإذا وصلوا إلى قبّة الأبهى الّتي خلقت من نور الذّات في وسط هذا الواد خرّوا بوجوههم على التّراب خضّعا لهذا الجمال الّذي ظهر بالحقّ في هذا القميص الّذي يجدنّ المخلصون منه رائحة الرّحمن وكذلك كان الأمر مقضيّا

أن يا عليّ تاللّه الحقّ ما انقطع ولن ينقطع من هذا البيداء نداء ربّك العليّ الأعلى يسمع في كلّ حين من رضراضها و‌كثيبها إنّه لا إله إلّا هو وإنّ الّذي قد ظهر باسمي الأبهى هو محبوب الإبداع و‌مقصود من في ملأ البقاء لم يزل كان و‌يكون و‌كان اللّه على ذلك عليما فطوبى لرجل مشى فيه و‌لسمع يسمع نغمات الّتي يظهر من أقطارها و‌يطّلع بما ستر فيه من أسرار الّتي لم يزل كانت خلف سرادق العزّ مقنوعا فيا ليت من ذي حبّ يتوجّه إليه و‌من ذي استقامة يستقيم عليه و‌من ذي فؤاد يسرع فيه و‌ينقطع عن العالمين جميعا

أن يا عليّ تاللّه الحقّ إنّ الأمر أعظم من أن يذكر وأظهر من أن يستروا على من أن يصل إليه إعراض كلّ معرض أو مكر كلّ ماكر عنيدا قل يا قوم لا تفضحوا أنفسكم أن استحيوا عن اللّه الّذي ما أراد لكم إلّا فضلا من عنده و‌نزّل عليكم في كلّ حين من سدرة القدس أثمار عزّ جنيّا كلوا نعمة اللّه حيث شئتم اتّقوا اللّه و‌لا تكوننّ مفسدا في الأرض و‌لا تجعلوا أنفسكم عن مقاعد القرب بعيدا تاللّه الحقّ انّ الورقاء لن يمنع من نغماته و‌لو تلهث كلاب الأرض كلّها أو ‌تعوي الذّئاب بأجمعها و‌كذلك نزّلنا الآيات بالحقّ تنزيلا من لدن عزيز حكيما فمن كفر اليوم بهذا الأمر فقد يلعنه كلّ الذّرّات ثمّ نفسه و‌ذاته و‌يده و‌لسانه و‌هو أصمّ في نفسه لن يسمع بما غشت أذنه حجبات الغفلة وكذلك كان الأمر حينئذ عن أفق الحكم مشهودا فطوبى لكم بما لن تجدنّ لأنفسكم شريكا في هذه الثّمرات الّتي أثمرت من سدرة ربّكم العليّ العليّ وجعلها اللّه مخصوصا بكم و‌لمن توجّه إليها بقلب طاهر سليما وإنّك أنت ذق من تلك الأثمار و‌كن شاكرا فيما أوتيت من بدايع فضل ربّك و‌كن على فرح مبينا وإنّ اللّه قد جعلها مختصّا للمقرّبين من عباده و‌جعل المشركين عن هذا الفضل محروما كذلك بذلنا على فؤادك و‌روحك وقلبك رائحة الرّحمن من يمن السّبحان ليجعلك حيّا بحيوٰته و‌باقيّا ببقائه و‌ناطقا بثنائه و‌ذاكرا بذكره و‌متوجّها إلى وجهه و‌ناظرا إلى جماله وإنّ فضله لم يزل قد كان عليك كبيرا ثمّ بديعا ثمّ منيعا ثمّ عظيما و‌الكبرياء عليك ثمّ البهاء من طلعة البقاء الّذي ظهر باسمه الأبهى و‌منه علا كلّ داني و‌دنى كلّ عليّ و‌انعدم كلّ وجود و‌حي كلّ مفقود و‌أظلم كلّ شموس و‌خسف كلّ أقمار و‌سقط كلّ نجوم و‌اضطرب كلّ موقن و‌اضمحلّ كلّ متعالي و‌تزلزل كلّ ثابت و‌تحرّك كلّ ساكن وخمد كلّ نار و‌اشتعل كلّ مخمود و‌قبح كلّ محمود و‌حمد كلّ قبيح و‌ظهر كلّ مستور و‌طلع كلّ مقنوع وخرق كلّ غطاء وبعث كلّ رماد و‌قرع كلّ باب و‌نطق كلّ كليل وعزّ كلّ ذليل و‌برئ كلّ مريض و‌طهّر كلّ سقيم و‌شفى كلّ عليل و‌بصر كلّ عميّ و‌برز كلّ كنز و‌تزلزل كلّ أرض وانفطر كلّ سماء وانشقّ كلّ أرض و‌فسق كلّ عادل و‌عدل كلّ فاسق و‌جهل كلّ عالم و‌علم كلّ جاهل و‌فرّ كلّ شجاع و‌شجع كلّ خائف و‌سقى كلّ عطشان و‌نفخ كلّ صور و‌ظهر كلّ ساعة و‌نقر كلّ ناقور وأظلم كلّ نور و‌نوّر كلّ مظلم وسقط كلّ ثمر و‌يبس كلّ خضر وأخضرّ كلّ يابس و‌هبّت نسمة اللّه الّتي بها أحيت الممكنات من قبل و‌يحيي الموجودات من بعد و‌كذلك كان فضل ربّك على نفسك وعلى روحك و‌على فؤادك و‌على جسدك و‌على جسمك محيطا

المصادر
المحتوى
المرفقات
Tablet audio
OV