هَذهِ سُوْرَة الأَعْرَاب قَد نُزِّلَتْ مِنْ لَدنْ مُنْزِلٍ قَدِيمٍ
تلك آيات اللّه قد نزّلت بالحقّ من سماء عزّ بديع وجعلها اللّه حجّة من عنده وبرهانا من لدنه على العالمين وفيها يذكر عباد اللّه الّذينهم عرفوا اللّه بنفسه وما احتجبهم عوّي المشركين ودخلوا في ظلّ عنايته وسكنوا في جوار رحمته الّتي سبقت الممكنات وإنّ هذا لفضل عظيم أولئك هم الّذين يصلّون عليهم أهل ملأ الأعلى ثمّ ملئكة المقرّبين أولئك الّذين إذا استشرقت عليهم شمس البقاء عن أفق الأعلى مرّة أخرى خرّوا بوجوههم سجّدا للّه العليّ العظيم
أن يا أحبّاء اللّه من الأعراب اسمعوا نداء اللّه من هذا الشّجرة الّتي ارتفعت بالحقّ وتنطق كلّ ورقة من أوراقها في كلّ شيء بأنّي أنا اللّه لا إله إلّا هو المقدّس العزيز الكريم
أن يا قوم أن اسرعوا إلى سدرة اللّه ثمّ استظلّوا في ظلّها تاللّه الحقّ لو تفحّص في أقطار السّموات والأرض لن تجدنّ مقرّ الآمن إلّا في ظلّ هذه الشّجرة الّتي ارتفعت على العالمين وتهبّ من خلالها نسمة اللّه الّتي بها يحيى كلّ عظم رميم توجّهوا إليها وكلوا من أثمارها ليطهّر بها قلوبكم من إشارات كلّ مكار إثيم أن اشكروا اللّه بما عصمكم عن تيه النّفس والهوى وأنقذكم من غمرات الوهم والعمى في يوم الّذي فيه أتى اللّه بملكوت أمره وأظهر سلطانه على من في السّموات والأرضين وعرّفكم نفسه وأظهر عليكم جماله وكلّم معكم ظاهرا مشهودا وجعلكم من عباده العارفين أن استقيموا على الأمر لأنّ الشّيطان قد ظهر بجنوده ويأمركم في كلّ حين بأن تكفروا باللّه الّذي خلقكم بأمر من عنده وجعلكم من الفائزين أن احمدوا اللّه بما اختصّكم لنفسه بحيث لمّا غابت شمس القدم عن وطنها أشرقت عن أفق العراق أرضكم وإنّ هذا من فضله عليكم ولن يعادله شيء عمّا خلق بين السّموات والأرضين وكان وجه اللّه بينكم مشرقا مضيئا من غير ستر وحجاب ويتلو عليكم من آيات ربّكم في كلّ شهور وسنين وكان يمشي بينكم جمال القِدم بوقار اللّه وسكينته ويتجلّى عليكم في كلّ حين بتجلّي آخر وبذلك تمّت نعمة اللّه ورحمته عليكم لتكوننّ من الشّاكرين فينبغي لكم بأن تفتخروا على قبائل الأرض كلّها لأنّ دونكم ما فازوا بما فزتم إن أنتم من العارفين إذًا ينبغي لكم بأن تخلّقوا بأخلاق اللّه لتهبّ من شطر قلوبكم روائح القدس على الممكنات ويظهر منكم آثار ربّكم الرّحمن الرّحيم وإنّه لمّا اصطفاكم عن بين بريّته فاجهدوا بأن يظهر منكم ما لا ظهر من دونكم ليبرهن اختصاصكم بنفسه بين العالمين كونوا كالنّجوم بين ملأ الأرض ليهتدي بكم عباد الّذينهم احتجبوا عن عرفان اللّه ومظهر أمره وكانوا من الغافلين كونوا أمناء على أنفسكم وأنفس النّاس ثمّ في أموالهم وإنّها لصفة الّتي أحبّها اللّه من قبل أن يخلق الآدم من الماء والطّين وأنتم إن لا تكونوا أمناء في الأرض لن تطمئنّوا من أنفسكم ولا النّاس منكم كذلك ينصحكم اللّه بلسان مظهر أمره وإنّه لذكري لكم وللخلايق أجمعين طهّروا صدوركم عن الحسد والبغضاء ثمّ نفوسكم عن البغي والفحشاء ثمّ اعملوا بما أمركم اللّه وإنّه ما أمر العباد إلّا بما هو خير لهم عن خزائن السّموات والأرضين إيّاكم أن لا تجادلوا لما خلق في الدّنيا مع أحد دعوها لأهلها لتستريح أنفسكم وتكوننّ خالصا لوجه ربّكم العليّ العظيم وإنّ ملكوت الغنا بيد ربّكم الرّحمن يغني من يشاء بأمر من عنده وإنّه لهو المقتدر العزيز الكريم ثمّ اعلموا بأنّ اللّه اودع الأرض بيد الملوك وجعلهم ظهورات قدرته بين الخلايق أجمعين أن يدخلنّ في ظلّ سدرة الأمر ومن دون ذلك الأمر بيده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إنّه لم يزل ما أراد لنفسه شيئا اودع الدّنيا وزخرفها لأهلها وقدّس أوليائه عن التّوجّه إليها لأنّه ما أراد لهم إلّا ما هو ليبقى بدوام نفسه العليّ العظيم وما أراد من الدّنيا هو قلوب أحبّائه ليقدّسهم عن كلّ ما سواه ويعرّجهم إلى مقرّ الآمن مقام الّذي لن يشهد فيه بوارق الوجه ولن يذكر إلّا ذكري العزيز البديع أن افتحوا يا قوم مدائن القلوب بسيف اللّسان باسم ربّكم المقتدر العزيز المنّان وكذلك أمركم لسان الرّحمن من قبل وحينئذ أن اعملوا بما أُمرتم ولا تجاوزوا عن حدود اللّه ربّكم وربّ العالمين إيّاكم أن لا تجادلوا في أمر اللّه مع أحد لأنّا أرفعنا حكم السّيف وقدّرنا النّصر بالحكمة والبيان فضلا من لدنّا على الخلائق أجمعين أن اشتعلوا يا قوم بحرارة حبّ اللّه لتشتعل منكم أفئدة النّاس وإنّ هذا حقّ النّصر لو أنتم من العارفين إنّه لم يزل كان مقدّسا عن الدّنيا وما خلق فيها وعليها ولو أراد ليسخّر الأرض ومن عليها باسمه المقتدر العزيز القدير أن اصبغوا يا قوم بصبغ اللّه ثمّ اجتنبوا عن صبغ المشركين إنّ اللّه يأمركم بالبرّ والتّقوى أن اتّقوا في دين اللّه ولا ترتكبوا البغي والفحشاء كونوا من الّذين يشهد من وجوههم أنوار ربّكم المختار ويظهر منهم أثر اللّه ووقاره كذلك ينبغي لكم أهل البهاء في هذه الايّام الشّديد
أن يا أعرابي اسمعوا ندائي ثمّ امشوا على أثري ثمّ اذكروا أيّام لقائي ووصالي ثمّ هجرتي وغربتي وسجني ليذكركم اللّه في ملكوت عزّ كريم دعوا كأس الفناء من الّذينهم اتّبعوا النّفس والهوى ثمّ خذوا كأس البقاء من أنامل البهاء باسم ربّكم العليّ الأعلى في هذه الكرّة الأخرى وإنّ بها تستغني النّفوس عن العالمين
أن يا قلم القدم ذكّر عبادنا الأعراب الّذين اختصّهم اللّه بنفسك وجعلهم ناظرا إلى شطر رحمتك وانقطعهم عن المشركين ليفرحوا في أنفسهم ويستقيموا على أمر الّذي انفطرت منه سماء الإعراض واندكّت كلّ جبل شامخ رفيع قل يا قوم إنّا أخبرناكم حين الخروج عن العراق بأنّ السّامريّ يظهر والعجل ينادي وتتحرّك طيور اللّيل بعد غيبة الشّمس إيّاكم أن لا تنسوا كلمات اللّه كونوا في عصمة منيع تاللّه يا أعرابي لو تنظرونني لن تعرفوني وقد ابيضّ مسك السّود من تتابع البلايا وظهرت أَلِف الأمر على هيئة الدّال من توالي القضايا ثمّ اصفرّ هذا الوجه المحمّر المنير
يا أعرابي لا تنسوا ذكري وبلائي ولا كربتي وابتلائي فوعمري إنّ عيني يمطر وقلبي ينوح على نفسي بين هؤلاء المشركين تاللّه إنّ جمال المشيّة قد تغيّر من ظلم الأعداء وهيكل الإرادة قد استقرّ على الرّماد والقدر شقّ ثياب الصّبر والقضاء منع عن الإمضاء بما ورد من جنود الأشقياء على اللّه العليّ الأعلى في ظهوره الأخرى وكذلك قضي الأمر إن أنتم من السّامعين هل من ناصر ينصر جمال اللّه باللّسان ويحفظ هيكل أمره من سيوف أهل البيان ويكون من الّذين ما منعتهم حجبات الأسماء عن الورود في طمطام الأعظم هذا الذّكر الحكيم وهل ذي رحم يرحم على هذا المظلوم ويستقيم على نصره وينقطع عن العالمين
أن يا أعرابي إنّ الّذي لن يقدر أن يتكلّم في محضري قد قام على قتلي بعد الّذي خلقناه وربّيناه وعلّمناه وحفظناه في شهور وسنين تاللّه لو أقصّ لكم من قصص يوسف البقاء وما ورد عليه من ذئاب البغضاء لتنقطعنّ عن أنفسكم وأرواحكم وتتوجّهنّ إلى البيداء وتنوحنّ إلى أن تفارق الرّوح من أجسادكم ولكن أمسكنا القلم عن البيان حفظا لأنفسكم يا معشر المخلصين يا أعرابي نوحوا لوحدتي وغربتي وسجني وبلائي ولا تكوننّ من الغافلين إنّ الّذين جعل اللّه ظاهرهم عبرة في الأرض قد قاموا على الإعراض على شأن عجز عن ذكره قلم العالمين
يا أعرابي اسمعوا قولي ولا تقرّبوا الّذين تهبّ منهم روائح النّفاق تجنّبوا عن مثل هؤلاء وكونوا في عصمة منيع كذلك أمركم جمال الرّحمن حين الّذي أحاطته الأحزان من جنود الشّيطان إن أنتم من العارفين والضّياء الّذي أشرق عن ناحية البقاء عليكم يا أهل البهاء بدوام الملك المقتدر العليّ العظيم