سورة الدم

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

سورة الدم – حضرة بهاءالله – آثار قلم اعلى، جلد ٢، ١٥٩ بديع، الصفحات ٣٩٣ - ٤٠٠

هذه سورة الدّم قد رشحناها من بحر الغيب ليكون آية ظهوري بين الخلائق أجمعين

﴿ هو ‌الباقي ‌في‌ العرش‌ باسمي‌ البهي الأبهى ﴾

أن يا محمّد اسمع نداء ربّك عن هذا المقام الّذي لن يصل إليه أيدي الممكنات ولا أفئدة الموجودات ولا حقايق الّذينهم نعسوا في أقلّ من آن في هذا الأمر المقدّس العزيز المستور

قل يا قوم فاسرعوا إلى حرم اللّه وكينونته وبيت اللّه وأبنيته وظهور اللّه وسلطنته ولا تكوننّ من الّذينهم يذكرون اللّه بألسنهم ثمّ بآياته يعترضون قل يا قوم هذا مقام الّذي يطوفنّ في حوله أهل ملأ الأعلى ثمّ أهل سرادق البقاء ثمّ الّذينهم سكنوا خلف لجج الكبرياء إن أنتم تفقهون قل هذا ‌لمشعر اللّه وشطره ووجه اللّه وعظمته

أن يا أهل ملأ اللاّهوت ثمّ أهل مواقع الجبروت ثمّ أهل العزّ في رفارف الملك والملكوت أن اخرجوا عن أماكنكم لتزورنّ مقام الّذي ما فاز به إلّا الّذينهم انقطعوا عن كلّ من في السّموات والأرض وعن كلّ ما يذكر عليه اسم ورسم وجهة وإشارة إن أنتم تعرفون

قل يا قوم هذا مقام اللّه وفِنائه ثمّ رضوان اللّه وفردوسه ثمّ خباء اللّه وسرادقه إيّاكم أن لا توجّهوا إلى غيره فأسرعوا إليه لعلّ أنتم بثمرات الرّوح تزرقون ويا قوم هذا مقام الّذي توقّفت فيه الأبرار والّذينهم طافوا في حول العرش كما أنتم تشهدون

وإنّك أنت يا محمّد فاعمل ما يوصيك حينئذ لسان ربّك ثمّ اعمل بما تؤمر من لدى اللّه المهيمن العزيز المحبوب أوّلا فاخرق حجبات الموهوم عن وجه قلبك بسلطاني العزيز المقتدر المعلوم ثمّ ادخل مصر الرّحمن باسمي العزيز السّبحان ولا تلتفت إلى ما كان وما يكون ولو تشهد بأنّ الشّيطان جلس على بابه ويمنعك عن الدّخول فاغمض عيناك عنه ثمّ استعذ بجمالي المبارك المهيمن المحبوب وإيّاك أن لا تجلس مع الّذين تجد آثار غلّهم كأثر الحرارة في الصّيف أو كأثر البرودة في السّموم وإنّك فرّ عنهم وعن مثلائهم ولا تنظر إليهم وبما عندهم بل إلى أمري الّذي يكون خيرا عن كلّ شيء لو أنتم تشعرون وإن تريد أن تمرّ على البلاد فاستشرق عليها بأنوار ربّك ثمّ تفكّر فيما ترى من صنع ربّك لتكون من الّذينهم يتفكّرون وكن متخلّقا بأخلاقي بحيث لو يبسط عليك أحد أيادي الظّلم أنت لا تلتفت إليه ولا تتعرّض به دع حكمه إلى ربّك القادر العزيز القيّوم كن في كلّ الأحوال مظلوما تاللّه هذا من سجيّتي ولا يعرفها إلّا المخلصون ثمّ اعلم بأنّ تأوّه المظلوم حين اصطباره لأعزّ عند اللّه عن كلّ عمل لو أنتم تعلمون أن اصبر فيما يرد عليك فتوكّل في كلّ الأمور على اللّه ربّك وإنّه يكفيك عن ضرّ ما خلق ويخلق ويحفظك في كنف أمره وحصن ولايته وإنّه ما من إله إلّا هو له الخلق والأمر وكلّ به يستنصرون وإن يغتبك نفس أنت لا تفعل به كما فعل لئلّا تكون مثله ثمّ أعرض عنه وتوجّه إلى خباء القدس في هذا السّرادق المقدّس المرفوع كن بين النّاس كتلال المسك لتفوح منك روائح القدس بينهم لعلّ تجذبهم إلى فناء قدس محبوب إن وجدت معينا لنفسك من أحبّاء اللّه فاستأنس به في كلّ عشيّ وإشراق وفي كلّ سنين وشهور فاقتد في كلّ الأمور باللّه ناصرك ثمّ امش بين العباد بوقاره وسكينته ثمّ بلّغهم أمر مولاك على قدر الّذي يقدرون أن يسمعون

وإنّك أنت يا هدهد السّبا أذهب بكتابي إلى مداين اللّه وإن يسئلك الطّيور عن طير القدس قل إنّي تركتها حين الّتى كانت تحت مخاليب الإنكار و‌منسر الأشرار و‌ما كان عنده من ناصر إلّا اللّه الّذي خلقه وسوّاه و‌جعله سراج جماله بين السّموات والأرض إن أنتم توقنون وإن وجدت أحدا من أحبّائي ويسئل منّي قل تاللّه إنّي خرجت عن مدينة السّجن حين الّذي كان الحسين مطروحا على الأرض و‌كان ركبة الشّين على صدره ويريد أن يقطع رأسه وكان السّنان واقفا تلقاء الرّأس وينتظر بأن يرفعه على السّنان كذلك كان الأمر في سرّ السّرّ إن أنتم تشعرون وفي تلك الحالة رأيت شفتاه يتحرّك و‌ينظر بطرفه إلى السّماء بلحاظ تقطّع عنه القلوب وعن ورائها قلب اللّه المهيمن العزيز القيّوم وإنّي تقرّبت رأسي إلى شفتاه سمعت بأنّه تحت السّيف يقول يا قوم تاللّه ما نطقت بينكم عن الهوى بل بما نطق منطق الطّور في صدري المقدّس الأصفى تاللّه لن تشتبه آيات اللّه بشيء عمّا قدّر في جبروت القضاء وعمّا كان في الآخرة والأولى وأنتم يا ملأ الشّرك فاستنشقوا هذه الآيات الّتي نزلت من جبروت الذّات من مالك الأسماء والصّفات إن وجدتم منها رائحة القميص عن يوسف العزيز إذا فارحموا عليه ولا تقتلوه بأسياف الغلّ إن أنتم تشهدون بعين الإنصاف ثمّ في أنفسكم تنصفون ويا قوم تاللّه إنّي سددت أبواب الفردوس في عشرين من السّنين لئلّا يخرج من شفتائي ما يشتعل به نار البغضاء في صدوركم و‌بذلك يشهد لسان العظمة ثمّ قلم الأمر على ألواح قدس محفوظ ويا قوم إنّي لعليّ و‌هذه الكرّة الأخرى بعد الأولى وأظهرت لكم أعظم ما أظهرته من قبل وقد جئت عن منبع العظمة والجلال ومخزن الرّفعة والإجلال بآيات الّتي ما ظهرت حرف منها في الملك وهذا اللّوح برهاني بينكم ولكم وعليكم إن أنتم تعقلون ويا قوم تاللّه كنت ساكنا في البيت وصامتا عن كلّ الألحان و‌لكنّ الرّوح اهتزني وأنطقني بالحقّ وظهرت آثاره في وجهي إن أنتم في جمالي تتفرّسون وأغلقت ابواب البيان في مذ من السّنين و‌لكن لسان اللّه فتح لساني إن أنتم تعلمون أتقتلون الّذي بأمره رفعت السّموات وموّجت البحار وأثمرت الأشجار وكشفت الأسرار وظهر جمال المختار عن خلف الأستار أنتم يا ملأ البيان اتّقوا اللّه ولا تكوننّ من الّذينهم بآيات اللّه هم يحجدون ويا قوم تاللّه لست أنا من الّذينهم كفروا بآيات اللّه ولو أنتم تقتلونني بكلّ الأسياف أو بكلّ السّهام في كلّ حين تضربون وأنطق‌ في ملكوت السّموات والأرض ولن أخاف من أحد وهذا مذهبي إن أنتم تشعرون تاللّه هذا مذهب كلّ الرّسل وبما نزّل على عليّ في كلّ الألواح ولم أدر أنتم بأيّ مذهب تذهبون وإذا بلغت نغمات القدس إلى ذلك المقام سكت لضعف الّذي أخذه و‌كان في تلك الحالة في مدّة فلمّا أفاق فتح عينتاه ثمّ التفت إلى شطر القدس بلحاظ الأنس و‌قال أي ربّ لك الحمد على بدايع قضاياك وجوامع رزاياك مرّة أودعتني بيد النّمرود ثمّ بيد الفرعون ووردا عليّ ما أنت احصيته بعلمك وأحطته بإرادتك ومرّة أودعتني في سجن المشركين بما قصصت على أهل العلماء حرفا من الرّؤيا الّذي ألهمتني بعلمك وعرّفتني بسلطانك ومرّة قطعت رأسي بأيدي الكافرين ومرّة أرفعتني إلى الصّليب بما أظهرت في الملك من جواهر أسرار ‌عزّ فردانيّتك وبدايع آثار سلطان صمدانيّتك ومرّة ابتليتني في أرض الطفّ بحيث كنت وحيدا بين عبادك وفريدا في مملكتك إلى أن اقطعوا رأسي ثمّ أرفعوه على السّنان وداروه في كلّ الدّيار وحضروه على مقاعد المشركين ومواضع المنكرين ومرّة علّقوني في الهواء ثمّ ضربوني بما عندهم من رصاص الغلّ والبغضاء إلى أن اقطعوا أركاني وفصّلوا جوارحي إلى أن بلغ الزّمان إلى هذه الأيّام الّتي اجتمعوا المغلّون على نفسي ويتدبّرون في كلّ حين بأن يدخلوا في قلوب العباد ضغني وبغضي ويمكرون في ذلك بكلّ ما هم عليه لمقتدرون و‌مع ذلك أنت يا إلهي ومحبوبي أودعتني تحت أيدي هولاء المشركين إذا يا إلهي فاشهدني على التّراب وتحت أسياف أعدائك فو‌عزّتك يا محبوبي أشكرك حينئذ في تلك الحالة وعلى كلّ ما ورد عليّ في سبيل رضائك وأكون راضيّا ‌منك ومن بدايع بلاياك ولكن يا إلهي أقسمك بأسمائك المكنونة وجمالك الظّاهر المستور المطروح على تراب المذلة بأن تدخل في قلوب عبادك حبّك ثمّ استقرّهم يا إلهي على بساط رحمانيّتك ثمّ استظلّهم في ظلّ شجرة فردانيّتك ولا تحرمهم عن نسمات قدسك الّتي تهبّ عن رضوان جمالك وتفوح عن شطر إفضالك وإنّك أنت المقتدر على ما تشاء وإنّك أنت المهيمن القيّوم

وإنّك أنت يا محمّد فاعرف قدر ما ألقيناك من جواهر الأسرار ثمّ تفكّر فيما علّمناك من بدايع علمنا الّذي كان مستورا خلف ظلل الأنوار لتطّلع بما ورد علينا وتكون من الّذينهم كانوا من أسرار الأمر هم مطلعون ثمّ قل بلسان روحك في سرّك هل من ناصر ينصر جمال الأولى في طلعة الأخرى و‌هل من معين يعين نقطة الأخرى في جماله البهيّ الأبهى لعلّ بذلك يبعث اللّه أحدا لينصر الغلام في هذه الأيّام الّتي أخذ السّكر سكّان السّموات والأرض إلّا الّذينهم كانوا إلى جهة القرب في هذا الجمال هم ينظرون ولكن يا محمّد تاللّه سوف تجد إعراض المعرضين واستكبارهم وقيامهم في كلّ الجهات على بغض هذا الغلام إلّا من شاء ربّك العزيز القيّوم

أن يا محمّد اسمع ما يأمرك قلم الإمضاء في جبروت القضاء في هذا الهواء الّذي قدّسه اللّه عن هياكل البغضاء وطهّره عن مسّ المشركين وعرفان المغلّين وإنّك أنت فاخرق السّبحات ثمّ اطلع عن مشرق الأمر بسلطان مبين ثمّ أذّن بين النّاس بهذا الجمال المشرق العزيز المنير ثمّ ادخل على اسم الها ثمّ ألق عليه ما ألقى عليك روح اللّه المقتدر العزيز الكريم لعلّ يتذكّر في نفسه وينقطع إلى مولاه ويكون من المهتدين

قل يا عبد إنّا نزّلنا لك ألواحا وصحائفا لا يعلمها إلّا اللّه وفيها ما يغنيك عن كلّ ما خلق في الإبداع وعمّا في السّموات والأرضين ولكن ما أرسلناها إليك لأنّا ما وجدنا منك رائحة العلّيين في هذا الغلام العربيّ المبين قل تاللّه سيفنى ما عندك ولا يبقى إلّا ما هو عند ربّك خلف سرادق عزّ منيع دع الدّنيا لأهلها ثمّ انقطع عمّا خلق فيها ثمّ توجّه بوجه ربّك المنّان القديم قل إنّ هذا لعليّ بالحقّ قد ظهر مرّة أخرى في هذا الجمال الأطهر الأطهر الأبهى وينطق بالحقّ في جبروت البقاء وملكوت الأعلى إن أنتم من السّامعين

قل أنتم يا ملأ البيان لن ينطق روح التّبيان في قلوبكم إلّا بعد حبّي وهذا من أصل الدّين إن أنتم من الموقنين

قل يا ملأ الفرقان تاللّه قد جائكم الحقّ وما يفرّق به الأديان و‌يفصّل به بين الحقّ والباطل اتّقوا اللّه ولا تكوننّ من المعرضين

قل أن يا أهل الكنائس لا تضربوا على النّاقوس بما ظهر ناقوس الأعظم في هذا النّاقور الّذي ظهر على هيكل الآيات بين الأرضين والسّموات ويصح بالحقّ على هذا الإسم المشرق الظّاهر اللّميع قل إنّه هو الّذي نزّلت الآيات بأمره وسطر كلّ الألواح بإذنه ويشهد بذلك ما يفوح من هذا المسك الّذي جرى عن عين الكافور من هذا القلم الأقدم القديم قل إنّه لينطق في كلّ حين بآيات الّتي يعجز عنها عقول العقلاء وعرفان العرفاء وأفئدة البالغين قل هذا ما وعدتم به في كتب اللّه إن أنتم من العارفين وهذا ما حقّق به الحقّ في أزل الآزال و‌يحقّق به إلى أبد الآبدين

أن يا محمّد فاغمض عيناك عن كلّ من في السّموات والأرض لتستطيع أن تدخل في حصن ربّك المنّان القدير فاضرم من هذا النّار في أشجار الممكنات لينطقنّ كلّ بما نطق النّار على هيئة النّور في طور الظّهور كذلك يمّن عليك جمال القدم ويأمرك على الأمر لتنقطع عن كلّ شيء و‌تتمسّك بعروة عزّ منيع والرّوح والتّكبير والبهاء عليك وعلى الّذين يسمعون قولك في هذا النّبأ العظيم

المصادر
المحتوى
OV