سورة فتح ۱

حضرة بهاء الله
أصلي عربي

سورة فتح (١) – من آثار حضرة بهاءالله

جناب فتح الأعظم عليه بهاء الله

﴿ بسم ربّنا المستعان ﴾

أن يا فتح الأعظم قد أخذت القلم لتنزل عليك ما يسرّك ويحدث في قلبك ما يجذبك إلى مقرّ الله العليّ العظيم فلمّا بلغت إلى هذا المقام من البيان سمعت حنين قلبي وضجيج قلمي وهما منعاني عن التّغنّي على أفنان سدرة الرّحمن في رضوان هذا اللّوح المتعالي المقدّس المنير وأخذتني الأحزان على شأن كأنّي نسيت ألحان الله ومنعت الرّوح عن التّغرّد في صدري بما اكتسبت أيدي الظّالمين

إذًا يبكي عيني وينوح سرّي ويحنّ قلبي ويصيح قلمي ويقول يا فتح البقا: تالله قد وقع جمال القِدم في بئر الأعدا بما اكتسبت أيدي هؤلاء الّذين ما استحيوا عن الله ويقولون ما يأمرهم هويهم ويلقي الشّيطان في صدورهم ولا يخافون عن الله الّذي خلقهم بأمر من عنده إنّه لا إله إلّا هو له الخلق والأمر وكلّ إليه لمن الرّاجعين وقد حضر بين يدينا في تلك الأيّام مسائل شتّى فوالله لو حملت ثقل السّموات والأرض لكان أسهل عندي من أن ارتدّ البصر إلى ما سئلت عنه فوعمري إنّ هذا لمصيبة عظيم وسئل أحد هل الله قادر بأن يبدّل النّحاس بالذّهب أو الياقوت بالرّماد أو الذّهب بالنّحاس؟ وسئل أخرى هل يمكن أنّ الإنسان يصير ترابًا بعد الّذي يشهد ذلك بعينه في كلّ حين؟ وكذلك من مسائل الّتي لم يحبّ القلم أن يجري على اسمها فكيف على بيانها وما قدّر فيها فأُفٍّ لهم بما اتّبعوا الشّيطان بما وسوس في صدورهم وكانوا من المشركين ولم أَدْرِ بأيّ بلائي أشكو أأشكوا من ظنونهم؟ أو من مسائلهم؟ أو بما ورد على نفسي المظلوم الحزين؟ مع أنّك تعلم بأنّهم ما اطّلعوا على الأمر وغرقوا في بحور الأوهام على شأن ما أرادوا أن يخرجوا منها وكذلك سوّلت لهم أنفسهم أمرا وكفروا بالّذي آمنوا بعد الّذي ظهر بكلّ الآيات من لدى الله المهيمن العزيز القدير

فياليت كنت حاضرًا لدى العرش وتشهد ما ورد على الغلام من الّذين حفظناهم بأيادي القدرة في كلّ شهور وسنين وتشهد الّذي قام عليّ وجادل بنفسي إلى أن افتى عليّ من دون بيّنة ولا كتاب منير قل يا قوم لو تجادلوا بآيات الله فبأيّ حديث يثبت إيمانكم بالله موجدكم فأتوا به ولا تكوننّ من الصّابرين ومن المعرضين من سمّي بحرف الجيم وكان في العراق إذا خرج لسيف الكذب والنّفاق كما أخبرناكم من قبل بأنّ الشّمس لمّا غابت تتحرّك طيور اللّيل إذا ظهر بما أخبركم الله من قبل وعنده علم السّموات والأرض وعلم كلّ شيء في كتاب مبين ومن دونه الّتي آمنت وكفرت وكان الله بريئا منها ومن فعلها تالله يفرّ من عملها كلّ من وجد راويح الطّهر عن شطر الله ووجد نفحات القميص من هيكل قدس منير

فياليت كنت مطّلعًا بها وما سمعت هذا رشح من بحرها وما اطّلع أحد على ما هي إلّا الّذي أحاط كلّ شيء بعلمه المهيمن المحيط وقامت على الإعراض بعد الّذي آمن وافترت عليّ بما كانت مستطيعا عليه وبذلك غرقت في بحر النّار وما كانت من المستشعرين وباعت حبّ الله بمفتريات نفسها تالله يستحي القلم أن يذكر ما فعلت في جنب الله العليّ العظيم

قل يا قوم لا تقتلوني بسيوف الإعراض تالله إنّي سترت نفسي عنكم في سنين متواليات وما أردت أن يعرفني أحد ولكنّ الله أظهرني وأنطقني بالحقّ وأرسلني إليكم بسلطان مبين وإن كان هذا جرمي فاعفوا عنّي ولست أنا أوّل المذنبين ولقد جائكم من قبلي عَلِيٍّ بما جئتكم ومن قبله محمّد رسول الله بكتاب عربيّ منيع وما تكلّمت إلّا بما ألقى الرّوح في صدري الممرّد المنير ومن النّاس من اعترض بأنّك في كلّ يوم ادّعيت شأنًا ومقامًا قل أي وربّي لأكون في كلّ حين على شأن بديع ولن أحبّ أن أتوقّف على شأن واسئل الله بأن يصعدني في كلّ آنٍ إلى مقام أعلى عمّا كنت عليه ومن دون ذلك لن يرض جوهر فؤادي إن أنتم من العارفين قل هذا الذّكر لم يكن منّي إلّا على شأئكم وإلّا قد أقامني الله على مقام لن أزيد وأنقص وكلّما يظهر منّي يظهره الله بأمره على قدر مقدر لئلّا يضطرب أفئدة الموحّدين

فاذكروا يا قوم حين الّذي جائكم منزل البيان بآيات قدس بديع وقال أنا باب العلم ومن يعتقد في حقّي فوق ذلك فقد افترى عَلَيَّ واكتسب إثمًا عظيم ثمّ قال إنّي أنا القائم الحقّ الّذي أنتم بظهوره وعدتم في صحايف عزّ كريم ثمّ قال عزّ ذكره بأنّي أنا نقطة الأَوَّلِيَّة وأنّها لمحمّد رسول الله وكما سمعتم وشهدتم في ألولح الله الملك الحكيم وإذا ترقّت كينونات عدّة من النّفوس إذا شقّ الحجاب وطلع عن مشرق القدس بأنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ربّكم وربّ العالمين وأنّني أنا الّذي كنت من أوّل الّذي لا أوّل له إلهًا واحدًا أحدًا فردًا وترًا صمدًا ما اتّخذت لنفسي شريكًا ولا شبيهًا ولا وزيرًا ولا نظيرًا ولقد أرسلت النّبيّين والمرسلين من أزل الآزال وسأرسلنّ إلى آخر الآخرين

قل يا قوم خافوا عن الله ولا تلتفتوا إلى شيء بل فانظروا إلى منظر الأكبر بعين الّتي جعلها الله آية عينه فيكم لتكوننّ من المتبصّرين ثمّ انظروا إلى نفس الظّهور وما ثبت به إيمانكم تالله هذا قول الحقّ وما بعد الحقّ إلّا الضّلال المبين إن وجدتم ورأيتم ما ثبت به رسالة كلّ نبيّ إذا لا تتعرّضوا عَلَيَّ ولو نحكم على السّماء حكم الأرض اتّقوا الله يا قوم ولا تظلموا أنفسكم ولا تكوننّ من الظّالمين ولا تقولوا في حقّ الغلام ما لا أذن الله لكم ولا تكوننّ من الجاهلين فوالله يا قوم ما أردت لنفسي أمرا واتّبعت مظاهر القبل كلّها ونصرت أمر الله في كلّ شأن في أيّام الّتي كانت الوجوه مستورة خوفا من الظّالمين وخضعت لكلّ نفس في البيان وخفضت جناح التّسليم لكلّ مؤمن سليم

فوالله يا قوم حفظت أخي وأخوتي عن ورائه بما كنت مقتدرا عليه إلى أن هبّت روايح العزّ عن شطر الله المقتدر القدير وارتفعت ذكره بين العباد وعلّمته في كلّ اللّيالي والأيّام ونزّلت في ذكره ما لا يحصيه أحد إلّا الله المحصي العليم ولم يكن أحد في البيان إلّا وقد نزّلت له ألواحا وفيها أذكرنّاه بأعلى الذّكر ويشهد بذلك كلّ منصف أمين

فوالله الّذي لا إله إلّا هو سترت نفسي ولو كنت مشرقًا بين العباد وأظهرت نفسه بكلمات لن يعادل بحرف منها عند الله ما خلق بين السّموات والأرضين وأنتم يا ملأ البيان تشهدون بكلّ ذلك لو لا يمنعكم حجبات النّفس والهوى إذا فانصفوا هل قصّرت من أمر الله؟ لا فوربّ العالمين

فوالله كنت بين الأعداء في أيّام الّتي كانت النّفوس مضطربة لنفسي من جنود الظّالمين وإنّي أقبلت سهام الأعداء بصدري لئّلا يقع عليهم رمي المشركين إذا فانصفوا هل الّذي كان فعله هذا كما شهدتم يظنّ في حقّه حبّ الدّنيا أو أعلاء ذكره أو افتخار نفسه؟ لا فوربّ العرش العظيم

فوالله يا قوم قد ورد عليّ ما لا يذكر بالقلم واللّسان وكلّما أريد أن أذكر يمنعني شدّة بكائي وحزن قلمي ورجفة أركاني ويشهد بذلك ما يجري من قلمي الحزين وإنّ أخي لمّا رأى أنّ الأمر رقى واشتهر إسمي بين الأحباب أراد قتلي فلّما خيّبه الله عن ذلك وخرجت عن بينهم إذا أخذ القلم وكتب في حقّي ما استحيي أن أذكره وأرجع الظّلم إلى نفس المظلوم الفريد ونسبني في كلماته بكلّ سوء ليدخل غلّي في صدور الممرّدين إذا يكون كلماته في كلماته بخطّه موجودا عندي ومن أراد أن ينظر فليحضر محضر الغلام لينظر ويطّلع بما ورد عَلَيَّ في هذا السّجن البعيد ولقد شهد السّلمان ونسئل الله بأن يوفّقه على الصّدق لينطق على ما شهد بعينه ويكون من الّذين ما اشتروا غلام الصّدق بدراهم كذب عديد

فلمّا شهدت واطّلعت بما كتب في حقّي نحت في نفسي كنوح المضطرّين وبكيت على الأمر لأنّي عرفت بما ارتكب يضيع أمر الله بين النّاس ولو أنّ أمره مقدّس من أن يتغيّر شيء ولكن لم يكن النّاس على شأن واحد ولا بدّ أن يكون بينهم ضعفاء وهم يضطربنّ في مثل هذه الأمور إلّا من عصمه الله بسلطانه وإنّه لهو الغفور الرّحيم تالله الحقّ لو سفك دمي ألف مرّة لكان عندي أحسن من أن يشتهر تلك الأمور بين العباد ولكنّ الله قضى ما أراد وإنّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولقد كنت عالمًا بما في نفسه من قبل في مد الأيّام ولكن سترناه لئلّا يحدث ما يزل به أقدام المتوهّمين فلمّا ظهر منه ما ظهر أمرت بأن أخبر النّاس حفظا لإيمانهم لأن لا يحبط أعمالهم ويكوننّ من الخاسرين لذا أخبرنا العباد وأمرناهم بما أمروا به في الألواح من لدن منزل قديم ليطهّروا قلوبهم عن كلّ الإشارات وينظروا الظّهور بعين الظّهور لا بعين أحد من الممكنات لأنّه لن يشهد إلّا بعينه المقدّس البصير

فوالله ما أردت لنفسي من أمر ولا مقام وإذا أكون مسجونًا تحت أيدي الظّالمين فيا لله يا قوم فانصفوا في أمري ولا تتّبعوا هواكم ولا تكوننّ من الغافلين إنّ الّذي كان بيده سكّين ويقطع به رأس الله يكتب في الألواح ولو يظهر الحقّ في البيان أو في غيره أم كان عبدًا أو حرا أو سودا أو حبشيًّا إنّي اتّبعه وأكون من المؤمنين قل يا أيّها العبد إن تصدق في قولك لم جادلت بآيات الله وسلطنته ثمّ قدرته واقتداره هل رأيت ظهورا أعظم عمّا ظهر بالحقّ؟ فأت برهانك إن أنت من الصّادقين إنّ الّذي ظهر أظهر من الشّمس في وسط الزّوال أنت تكفّره وتقتله وتكتب ما يشهد بكذبه كلّ ذي عين بصير فوالله تقول كما قالوا علماء الفرقان حين الّذي اتى عليّ بسلطان مبين قالوا يا قوم أنّ ننتظر ظهور الله وكنّا آملا لقائه والبلوغ إلى فنائه وما أردنا إلّا ما أراد الله لنا ولكن افتوا على الله إلى أن قتلوه بظلم ما ظهر في الإبداع شبهه وكان الله على ذلك شهيد وعليم تالله ما خرج بمثل تلك الكلمات من قلمهم وأفواههم إلّا ليشتبهوا على العباد أمر الله ويضلّهم عن السّبيل فياليت كان النّاس مطّلعا على الأمر وكانوا من العالمين

فوالله لمّا كان في قلبي حبّك وأيّدناك على الأمر لذا نحبّ بأن تستقيم على شأن يتحيّر عنه كلّ ذي استقامة منيع وتنظر إليه بعينك المنير ومن دونك لو يعترض العباد كما اعترضوا إنّ ربّك لغنيّ عنهم فسوف يعلمون حين الّذي يغشيهم غبرة الموت ويأخذهم قهر ربّهم القهّار القادر القدير فسوف يفني الله أنفسهم وما عندهم من الدّنيا إلّا من تمسّك بعروة القدس وكانوا على صراط مستقيم قم على الأمر ثمّ خذ كأس البها بين الأرض والسّماء ثمّ اشرب منها على اسم ربّك العليّ الأعلى وإن وجدت قلبًا مقدّسًا فاشربه ولا تكن من الصّابرين خذ زمام الأمر بقوّة ربّك ولا تخف من أحد ثمّ انقطع عن العالمين

والبهاء الّذي ظهر عن أفق البقا عليك وعلى من يحبّك في الله ربّك وربّ الخلائق أجمعين والحمد لله ربّ العالمين

المصادر
المحتوى
المرفقات
Tablet audio
OV