هذِهِ سُورَةُ الحَجِّ قَدْ نَزَّلْناهُ بِالفَضْلِ لِيَسْتَقْرِبَ بِها العِبادُ إِلَى اللهِ رَبِّهِمْ وَرَبِّ الْبَيْتِ العَظِيمِ
تلك آيات اللّه قد نزلت حينئذ عن قطب البقاء مقام الّذي يطوفنّ في حوله أهل سرادق الكبرياء ثمّ أهل ملأ الأعلى ثمّ الّذينهم سكنوا في جنّة المأوى ثمّ الّذينهم استقرّوا على مقاعد القصوى عند سدرة المنتهى كذلك نزل حينئذ من لدى المهيمن العزيز القيّوم وإنّ هذا الكتاب عليّ بالحقّ إن أنتم تعرفون ثمّ كتاب محمّد رسول اللّه ثمّ من قبله ما نزل على الرّوح ثمّ ما نزل على الكليم إذا فاقرئوه لعلّكم تكوننّ من الّذينهم يفقهون ويا قوم اتّقوا اللّه ولا تتّبعنّ الّذينهم يأمروئكم بالغلّ والبغضاء ويصدّونكم عن سبيل اللّه اتّقوا اللّه ولا تكوننّ من الّذينهم بآيات اللّه هم يعترضون ثمّ يكفرون قل إن تكفروا بهذه الآيات فبأيّ حديث آمنتم بمظهر نفس اللّه إن أنتم تعلمون ويا قوم لا تلتفتوا اليوم إلى يمينكم ولا شمائلكم ثمّ التفتوا إلى جهة العرش هذا المقام المقدّس المحمود مقام الّذي يطوفنّ في حوله أرواح المقرّبين ثمّ هياكل المرسلين ثمّ أفئدة الكرّوبيين إن أنتم تشعرون ويا قوم لا تكفروا بآيات اللّه بعد الّذي جعلها اللّه حجّة عليكم وعلى من على الأرض وهذا ما نزل في صحائف عزّ محتوم الّتي رقمت فيها أسرار ما كان وما يكون كذلك نلقي عليكم ما يقلّبكم عن كلّ الوجوه إلى وجه اللّه العزيز المشهود ثمّ اعلموا يا قوم بأنّ الّروح أراد أن يخرج عن بينكم مرّة أخرى بما اكتسبت أيدي الّذينهم كفروا بآيات اللّه في أزل الآزال وكانوا حينئذ أن يكفرون قل تاللّه إنّه قد كان بينكم في سنين متواليات وشهور متتابعات وأيّام معلومات وأنتم ماعرفتموه بل كنتم في كلّ حين أن تحجدون هذا الجمال الّذي أشرق عن أفق الرّوح وهذه الآيات الّتي نزلت عن سماء قدس مرفوع تاللّه إذا يرجع نسائم اللّه إلى رضوان البقاء ثمّ شمس العماء إلى ميادين السّناء إذا أنتم بعده لا تكوننّ من الّذينهم تفتنون أن اثبتوا على أمر اللّه وحجّته ثمّ برهان اللّه وآياته ثمّ ظهور اللّه وسلطنته ثمّ هيمنة اللّه واقتداره ولا تكوننّ من الّذينهم بكلّ نعيق يتحرّكون أن اصطبروا على الأمر بحيث لا يزلّ أقدامكم ولو يقومنّ عليكم كلّ من في السّموات والأرض وهذا وصيّتي عليكم إن أنتم تسمعون قل إن تقومنّ عن النّوم وتشهدنّ الشّمس غائبة عنكم فمن يأتيكم بأنوار عزّ محبوب وإن تصبحوا ماء الحيوان من أفئدتكم غورا فمن يأتيكم بكؤوب السّلسبيل والكافور تاللّه يا قوم هذا حرم اللّه بينكم وشريعته فيكم ويريد أن يستر وجهه خلف الحجاب بما اكتسبت أيادي أولي الألباب الّذين يحسبون في أنفسهم بأنّهم مهتدون قل تاللّه إذا يبكي عين عليّ في رفيق الأعلى ثمّ عين محمّد في أفق الأبهى ثمّ عين الرّوح في جبروت العما ثمّ عين الكليم في مواقع القصوى وتصح أفئدة الحوريّات في الغرفات إن أنتم تسمعون قل يا قوم تاللّه هذا الغلام الّذي قد أظهره اللّه بينكم على جماله ثمّ بهائه ثمّ عزّه وكبريائه ثمّ ظهوره وإجلاله وأنتم فعلتم به ما لا فعل أحد بأحد وبذلك تشهد ألسنكم إن أنتم تنصفون ويا قوم خافوا عن اللّه ولا تكفروا بنعمته بعد الّذي نزلت من سماء عزّ محبوب ويا قوم لا تختلفوا في أمره ولا تلتفتوا إلى الّذينهم تجدون في قلوبهم البغضاء من هذا الغلام الّذي ظهر على هيكل البيضاء بين الأرض والسّماء وقدّس اللّه جماله عن أنظر المشركين كما أنتم تشهدون إنّ المشركين يظنّون بأنّهم كانوا معي وشهدوا جمالي لا فونفسي الظّاهر المهيمن العزيز المستور وما وقع عيون أحد على جمالي إلّا الّذينهم انقطعوا عن كلّ ما يذكر عليه اسم شيء ومن ورائهم عيون العظمة ثمّ أعين الّذينهم في حول العرش كانوا أن يطوفون إذا لن يشهده أعين المنافقين بعد الّذي بذرّة من شعاعه خلقت الشّمس وأنوارها ثمّ النّور وضيائه ثمّ الظّهور وكبريائه إن أنتم تفقهون ويا قوم لاتكفروا برهان اللّه بعد الّذي ظهر على هيكل الإنسان ويتلي عليكم في كلّ حين من آيات اللّه لعلّ يخرجكم عن ظلمات الأيّام ويقرّبكم إلى شاطئ قدس محبوب ويا قوم فانظروا بعيونكم ثمّ تفكّروا بقلوبكم في آيات اللّه لعلّ يجذبكم ما ودع فيها وينقطعكم عن كلّ الجهات ويخلّصكم لوجه اللّه المهيمن العزيز القيّوم ويا قوم إن تكفروا بما نزل حينئذ فبأي شيء أنتم تقرون ويا قوم إن تعترضوا بما نزل عليكم من جهة العرش فبأيّ جهة تطمئنّون قل لن يغنيكم اليوم شيء إلّا بأن تنقطعوا عن كلّ من في السّموات والأرض وتسرعنّ بأنفسكم وأرواحكم إلى كنز اللّه المهيمن العزيز المشهود ويا قوم خافوا عن اللّه ولا تختلفوا فيما وصّاكم به بالحقّ ولا تتّبعوا سآريع الأرض ولا تعقّبوا كلّ مشرك مردود الّذين يدعونكم إلى الشّيطان ويأمرونكم بالإعراض عن جمال السّبحان وفي كلّ حين كانوا أن يمكرون قل فوالّذي نفسي بيده من يكون متمسّكا بشيء عمّا خلق بين السّموات والأرض لن يدر أن يتمسّك بحبل حبّي وإنّ هذا لحقّ معلوم ومن شرب قطرة عمّا جرت بين السّموات والأرض لن يقدر أن يتقرّب إلى بحري المقدّس المتموّج العزيز المحبوب ومن توجّه إلى وجه لن يستطيع أن ينظر إلى جمال اللّه العزيز المقتدر الظّاهر الباهر المحزون قل يا قوم لا تقطعوا الآء اللّه عن أنفسكم ولا نعمة الباقيّة عن أرواحكم ولا تكوننّ من الّذينهم كانوا أن يقطعون أن اصلحوا أمركم ثمّ اتّحدوا في حبّي وإنّ هذا خير لكم عمّا بينكم وعمّا تقولون وتفعلون ثمّ تعلمون كذلك علّمكم قلم البقاء حين الّذي اهتزّه نسائم البهاء عن هذا الشّطر المقدّس العزيز المحبوب إذا ينادي منادي القدم عن ذروة الأعلى بأن يا قلم البقاء لا توقّف على شيء ولا تمنع الممكنات عمّا علّمك ربّك ثمّ رشّح على الموجودات من طمطام يمّ الّذي قدّر اللّه في سرّك وإنّك أنت العليم في جبروت البدا بما مسّتك أنامل الكبرياء وكذلك تمّت عليك نعمة ربّك ولكنّ النّاس هم لا يشعرون أن يا منادي القدم كيف أحرّك على ما علّمتني في ملكوت القضا بعد الّذي أشاهد بأنّ الّذي بحرف من عنده خلقت حقايق كلّ شيء أراد ليثبت لهولآء إيمانه وهم لا يقبلون منه وفي كلّ حين كانوا أن يكفرون وبذلك منعت عن الأذكار وإظهار الأسرار عمّا علّمتني أنامل المختار إن أنتم تفقهون قل قد انعدم رضوان لن يهبّ فيه نسائم حبّي وخربت بيوت لن يرتفع فيها بدايع ذكري وكسرت أقلام لن يحرّك على اسمي المهيمن العزيز القيّوم قل يا قوم إنّي غلام الله بينكم وآيته الكبرى فيكم وآمنت بما عندكم من شرايع اللّه ودينه فبأيّ حجّة أنتم تكفرون ويا قوم تلك آيات اللّه نزلت عليّ بالحقّ وبلّغتها إلى الشّرق والغرب تاللّه أن هي من تلقاء نفسي بل من لدن عزيز محبوب وإنّي لعبد آمنت باللّه وآياته ولا أملك لنفسي حركة ولا سكونا ولا قياما ولا حيوة ولا مماتا ولا نشور وكلّما أسكن في البيت وأصمت عن الذّكر روح القدس يقوّمني على الأمر وينطقني بين السّموات والأرض وهذا لم يكن من عندي بل من عنده إن أنتم تعرفون ويا قوم فاستحيوا عن اللّه الّذي خلقكم وسوّاكم ولا تفعلوا كما فعلوا أمّة الفرقان بِعَلِيٍّ حين الّذي جائهم على ظلل الأمر بربوات قدسه وأنكروه إلى أن قتلوه وكانوا بآياته يلعبون كما أنتم تلعبون وإذا يدخلكم أحد بلوح اللّه وأثره لن تلتفتوا إليه ولن تأخذوه وإذا أردتم الإحسان بربّكم المنّان تأخذونه بإحدى يديكم ثمّ تضعونه على الأرض استكبارا على اللّه المهيمن القيّوم بعد الّذي بحرف منه خلقتم وخلق ما عندكم وكلّ من في السّموات والأرض ويشهد بذلك ذواتكم إن أنتم تنكرون تاللّه يكفيكم هذه الذّلّة في تلك الأيّام بحيث تدعون النّاس إلى ما عندكم وإذا قيل لكم بأي حجّة تقرئون الآيات وإذا يتلى عليكم آيات الرّحمن تنكصون على أعقابكم ثمّ تنقلبون قل يا قوم موتوا بإعراضكم تاللّه هذا نفس عَلِيٍّ بالحقّ قد جائكم بنغمات قدسه وينطق بين السّموات والأرض بأنّه لا إله إلّا أنا العزيز المهيمن المقتدر الموعود قل تاللّه يا ملأ الإعراض أنتم وما عندكم من الغلّ والبغضاء عند اللّه ككفّ تراب أو كقبضة طين مسنون وإنّا لو نريد لننشأ خلقا أخرى فسوف ننشأها بالحقّ رغما لأنفكم إنّه ما من أمر إلّا بعد إذنه وما من حكم إلّا بعلمه يفعل ما يشاء بقوله كن فيكون أن يا محمّد إنّك إن تريد أن تسير في الأرض من برّها وبحرها وجبلها وسهلها وميادينها وقرائها سير بأمر من عندنا وسلطان من لدنّا وأنا المقتدر على ما أشاء وأنا المهيمن القيّوم ثمّ اجعل ذكري أمامك وحبّي عن ورائك واسمي عن يمينك وحفظي عن يسارك وهذا خير لك عن كنوز السّموات والأرض وعمّا لا تدركه النّفوس والعقول ثمّ استقم على حبّ موليٰك ولو يمطر عليك من سحاب القضاء سيوف البغضاء فتوكّل على اللّه العزيز المتعالي المحمود وإن يمسّك خير فاشكر ربّك وإن يصبك ضرّ فاصطبر بل في كلّ الأحوال فاشكر ربّك ولا تجزع عمّا يرد عليك في حبّ اللّه وهذا وصيّتي عليك وعلى الّذين يريدون أن يدخلوا عرش الرّحمن ثمّ بين يديه يسجدون وإن يظلمك أحد لا تتعرّض به دع حكمه إلى اللّه وإنّه يأخذ حقّ المظلوم عن الّذينهم يظلمون أن اعتصم في كلّ الأمور باللّه ربّك وإنّه يكفيك عن كلّ من في السّموات والأرض إنّه ما من إلٓه إلّا هو له الخلق والأمر وكلّ بأمره يعملون إيّاك أن لا تنس ذكري ولا تستأنس بأعدائي لأنّ الشّيطان يذهب عن قلوب الإنسان نفحات الرّحمن وهذا أحسن النّصح منّي عليك فاسمع ثمّ اعمل بما أمرت من لدن عزيز قيّوم قل يا قوم اتّقوا اللّه ولا تفسدوا في الأرض ولا تكوننّ من الّذينهم يفسدون ولا يشعرون وله علم السّموات والأرض يعلم ما يحرّك في الأكوان وما يجري على اللّسان وإنّه لهو الحقّ علّام الغيوب لن يغرب عن علمه من شيء ولن يفوت عن قبضته حكم السّموات وكلّ عنده ككفّ تراب محدود
أن يا محمّد طهّر قلبك عن كلّ الأذكار لينطبع عليه مرآت ذكر ربّك المختار وإنّ هذا يغنيك عن كلّ شيء إن أنت من الّذينهم يعرفون ثمّ زيّن نفسك بالإنقطاع وإنّه رداء الرّحمن على هيكل الإنسان إيّاك أن لا تعرّ جسدك عن هذا الفضل المبارك الميمون ثمّ خلّص نفسك عن الدّنيا وما فيها لأنّها لن ينفعك في شيء وما ينفعك ما يجري من كوثر القدس من هذا القلم المبروك كن منادي اللّه في كلّ ما سويه وذكّرهم بأيّام الّتي فيها يستوي الرّحمن على عرش الغفران قل تاللّه تلك الأيّام أيّامه ولكنّ النّاس في وهم أنفسهم مغرقون وإنّك يا محمّد إن تريد أن تطير في هذا الهواء الّذي انبسط في هذا السّماء ينبغي لك بأن تعرج إلى مقام الّذي تشهد كلّ الأسماء في ظلّ اسمك وكلّ الصّفات على فناء صفاتك ومن دون ذلك لن تقدر أن تدخل في هذا السّرادق المنير المحمود إذا فاجهد في نفسك لتكون قابلا لهذا المقام العزيز المحبوب كذلك يأمرك هذا العبد في هذه الأيّام الّتي أراد أن يخرج عن بين هؤلاء الّذينهم كفروا بآيات اللّه المهيمن القيّوم وإذا تتلي عليهم آيات ربّهم يضحكون في أنفسهم ثمّ بها يستهزئون وإنّك أنت يا محمّد إن تقدر فاخرج عن تلك الأرض قبل أن يرفع ضجيج الحسين بين السّموات والأرضين حين الّذي يخرج عن بين أحبّائه وبذلك تجري الدّموع عن عيون المرسلين قل يا ملأ البيان أما وعدتم بظهور الحسين بعد ظهور القائم تاللّه هذا الحسين بالحقّ قد جائكم بحجّة تعجز عنها كلّ من في السّموات والأرضين وأنتم ما عرفتموه على قدر سمّ الإبرة وكفرتم بما جاء به من لدى اللّه العزيز المقتدر القدير وأنتم إن لن تقرّوا بما يلهمني الرّوح وهذا ما وعدتم به الألواح ويشهد بذلك ألسنكم وعن ورائها لسان صدق عليم قل كذلك ختم اللّه على قلوبكم وأبصاركم إنّه ما من حاكم إلّا هم يحكم لمن يشاء بعدل من عنده وإنّه لهو العزيز الكريم أن يا محمّد فانصر ربّك بما استطعت في تلك الأيّام الّتي قاموا عليه أهل النّفاق ولا تخف من أحد فتوكّل على اللّه العزيز الجميل وإن ترد على محضر النّاس ولن تجد منهم روائح حبّي فاعرض عنهم ولا تقعد معهم ثمّ تجنّب وكن في حفظ مبين وإذا رأيت أحدا يدعوك إلى بغض الغلام فاعلم بأنّه لهو الشّيطان قد ظهر على هيكل الإنسان إذا فاستعذ باللّه ربّك وإنّه يحفظك عن ضرّ الشّياطين طهّر نفسك ثمّ طهّر النّاس من هذا الكوثر الّذي نزل عن يمين العرش ويقدّس منه قلوب العارفين ذكّر نفسك ثمّ ذكّر النّاس ليآثر قولك في العالمين كذلك علّمك لسان القدرة والعظمة فمن أصدق من اللّه حديثا إن أنتم من الموقنين وإن سافرت إلى ديار أخرى وتحسّس أحد عن غلام الرّوح قل تركته حين الّذي كان قميصه مرشوشا بدم البغضاء وأحاطته دياجن الأرض من كلّ الجهات وهو ينادي بينهم بنداء الّذي اضطربت عنه كلّ الاشياء عمّا خلق بين الأرض والسّماء وكذلك كان الأمر إن أنتم من العالمين وهو يقول يا قوم لا تقتلوا الغلام بعد الّذي جائكم عن شطر القدس بكتاب مبين ويا قوم ما أنطق عن الهوى بل بما يعلّمني شديد القوى من جبروت اللّه العليّ الأعلى إيّاكم أن لا تضربوني بسيوف النّفس والهوى خافوا عن اللّه الّذي إليه يرجع الأمور إن أنتم من المؤمنين ويا قوم هذا العليّ بينكم ويتلو عليكم ما تلى من قبل ويشهد بذلك كلّ الذّرّات وهذا اللّوح الدّرّيّ العزيز المنيع ويا قوم إن تكفروا بهذه المرسلات فبأي حجّة آمنتم برسل اللّه من قبل فأتوا برهانكم إن أنتم من الصّادقين أتعجبون بأن جائكم غلام اللّه على هيكل بشر مثلكم ويلقيكم من آيات ربّكم ويعلّمكم سبل العلم والعرفان ليقرّبكم إلى جمال اللّه المشعشع المقدّس المنير كذلك فاذكر للعباد لعلّ تحدث في قلوبهم نار اللّه وحبّه ويقومنّ على ذكره وثنائه ويكوننّ من النّاصرين قل يا قوم تعالوا إلى كلمة عدل بيننا وبينكم إنّكم إن لن تنصروا ربّكم الرّحمن لن تؤذوه وإن لن تعزّروه لن تخذلوه وكونوا منصفا في أمر ربّكم ولا تكوننّ من المعرضين قل إنّه يعلم غيب السّموات والأرض ويعلم ما يحرّك به أياديكم ويخطر في قلوبكم ويتكلّم به ألسنكم وإنّ هذا الحقّ يقين ويجزي كلّ نفس بما كسبت فما جزاء الظّالمين إلّا في أصل الحجيم قل يا ملأ البيان إن كنتم على شكّ في ديني فاعلموا بأنّي آمنت باللّه الّذي خلقكم وكلّ شيء ولن اتّبعكم في هويٰكم وأمرت بأن لا أعبد إلّا إيّاه وأنا أوّل العابدين قل يا قوم فارحموا على أنفسكم وأنفس النّاس ولا تصدّوهم عن صراط اللّه الّذي أحاط كلّ شيء إن أنتم في أمره لمن المتفكّرين ويا قوم فاقرئوا ما نزل من قلم القدس إن وجدتم منه روائح ربّكم لا تنكروه ولا تكوننّ من المشركين تاللّه هذا نفسه وتلك آياته ملأت شرق الأرض وغربها فبأي برهان أنتم تستدلّون لأولي الفرقان فتبيّنوا يا معشرالمفترين إذا يشهد اللّه بأن لم يكن بين يديكم من شيء إلّا ما نزّلناه من قبل على جمالنا الأولى وهذا ما نزّل من عنده على هذا الجمال المشرق الدّرّيّ اللّميع فسوف تسئلون عمّا كفرتم به وأعرضتم وتجزون بما فعلتم وتكوننّ من العاملين قل وله مرسلات من بين يديه ومعقّبات عن خلفه ومبشّرات عن يمينه تبشّرنّ كلّ الذّرّات بأنوار الّتي أشرقت عن وجه اللّه المقتدر العزيز الرّحيم قل قد عمت عين لن يحبّ أن يشهد جمال ربّه بعد الّذي ظهر بالحقّ بين السّموات والأرضين كذلك ألقينا على الممكنات من كلّ حديث لعلّ يحدث في قلوبهم نار اللّه وينطقنّ بأنّه لا إله إلّا أنا المتعالي الحكيم العليم
أَنْ يا مُحَمَّدُ إِذا اسْتَجْذَبَتْكَ رَوَائِحُ القُدْسِ وَقَلَّبَتْكَ إِلَى دِيَارِ الرَّحْمنِ لِتَجِدَ نَفَحاتِ السُّبْحانِ إِذًا اذْهَبْ بِإِذْنِ رَبِّكَ المَنَّانِ إِلَى المَقَامِ الَّذِي يَطُوْفُنَّ فِي حَوْلِهِ مَلائِكَةُ المُقَرَّبِيْنَ الَّذِيْنَهُمْ فِي حَوْلِ العَرْشِ هُمْ يُسَبِّحُونَ وَإِنَّكَ حِيْنَ الَّذي تَقُوْمُ عَنْ مَقَامِكَ وَتُريْدُ أَنْ تُوَجِّهَ إِلَى شَطْرِ اللهِ رَبِّكَ إِذًا فَاخْلَعْ عَنْ جَسَدِكَ قَمِيْصَ النَّفْسِ وَالهَوى ثُمَّ عَنْ ِرجْلَكَ نَعْلَيْنِ البَغْي وَالفَحْشاءِ لأَنَّكَ تَدْخُلُ المَقامَ الَّذي لَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ يَدَعَ عَنْ وَرَائِهِ كُلَّ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّماءِ وَلَنْ يُقْبَلَ إِلاَّ تَنْزيْهُ الكُبْرى إِنْ أَنْتَ مِنَ الَّذيْنَ هُمْ يَفْقَهُوْنَ وَفِي حَوْلِهِ يَطُوْفُنَّ طُوْرُ الأَمْرِ وَبَرِّيَّةَ القُدْسِ ثُمَّ سِيْناءُ العِزِّ ثُمَّ أَفْئِدَةُ الَّذيْنَ هُمْ إِلَى هَواءِ القُرْبِ فِي كُلِّ حِيْنٍ يَصْعَدُوْنَ. وَمِنْ دُوْنِ ذَلِكَ لَنْ تَفُوْزَ بِهِ وَلَنْ تُذْكَرَ عِنْدَ اللهِ مِنْ الواردِيْنَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَسْكُنُ فِيْهِ أَلْفَ سَنةٍ عَمَّا أَنْتُمْ تَعُدُّوْنَ
وَإِذا هَاجَرْتَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنِ الدُّنْيا وَأَهْلِها وَسَافَرْتَ إِلَى اللّهِ رَبِّكَ وَبَلَغْتَ مَقامَ الَّذي رَأَيْتَ سَوادَ المَديْنَةِ فَانْزِلْ ثُمَّ قِفْ عَلى مَوْقِفِكَ وَقُلْ:
"الرُّوْحُ وَالنُّورُ وَالْعِزُّ وَالثَّناءُ عَلَيْكِ يا مَدِيْنَةَ اللهِ وَمَوْطِنَ أَسْمائِهِ وَمَخْزَنَ صِفَاتِهِ وَمَنْبَعَ فُيُوضَاتِهِ وَمَعْدِنَ إِفْضالِهِ وَمَظْهَرَ تَجَلِّياتِهِ الَّتِي أَحاطَتْ كُلَّ الوُجُوْدِ وَأَشْهَدُ بِأَنَّ مِنْ سَوادِكِ ظَهَرَتْ نُقْطَةُ الأوَّلِيَّةُ وَطِرازُ القِدَميَّةُ وَالسِّرُّ الأَزَلِيَّةُ وَالكَلِمَةُ الجَامِعَةُ وَالقَضايا المَحْتُوْمُةُ وَالأَسْرَارُ المَخْزُوْنَةُ كَذلِكَ سَبَقْتِ الفَضْلُ مِنْ لَدَى اللهِ المُهَيْمِنِ القَيُّومِ."
ثُمَّ ارْفَعْ يَداكَ إِلَى اللهِ رَبِّكَ بِخُضُوعٍ وَخُشُوْعٍ وَتَسْلِيْمٍ وَرِضَاءٍ مَحْبُوبٍ وَقُلْ:
"أَيْ رَبِّ لَكَ الحَمْدُ عَلى بَدَايِعِ مَواهِبِكَ وَلَطَائِفِ عَطايَاكَ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ يا إِلهِي بِما رَزَقْتَنِي زيارَةَ بَيْتِكَ وَشَرَّفْتَني بِها وَاخْتَصَصْتَني بِهذا الفَضْلِ الَّذي ما سَبَقَ بِهِ أَحَدٌ دُوْني وَعَلَّمْتَني ما لا عَرَفَهُ نَفْسٌ سِوائِي إِذًا يا إِلهيْ فَرَرْتُ عَنْ بَيْتِ نَفْسيْ وَاعْتَصَمْتُ بِمَقَرِّ نَفْسِكَ الأَعْلَى وَهَرَبْتُ عَمَّا مَنَعَني عَنْ قُرْبِكَ وَاسْتَحْصَنْتُ في جِوارِ رَحْمَتِكَ الكُبْرى إِذًا يا إِلهِي لا تَحْرِمْني عَمَّا عِنْدَكَ ولا تَشْغَلْنيْ بِغَيْرِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزيْزُ الغَفُوْرُ أَيْ رَبِّ ثَبِّتْني عَلَى حُبِّكَ وَحُبِّ أَوْلِيائِكَ وَلا تَجْعَلْني مِنْ الَّذيْنَ يَكْفُرُوْنَ بآياتِكَ بَعْدَ إِنْزالِها وَيَسْتَهْزِئُوْنَ بِها بَعْدَ الَّذيْ أَحاطَتْ نَفَحاتُها المُمْكِناتِ وَكُلَّ ما خُلِقَ في الغَيْبِ وَالشُّهُوْدِ أيْ رَبِّ هَبْ ليْ مِنْ لَدُنْكَ عَصاء فَضْلِكَ وَعِنايَتِكَ لأَفْلِقَ بِهِ بَحْرَ النَّفْسِ وَالهَوى وَأَمُرَّ مِنْها لأَصِلَ إِلَى خِيامِ عِزِّ رَأْفَتِكَ وَسُرادِقِ قُدْسِ عِصْمَتِكَ لَئَلاّ يَظْهَرَ مِنَّي ما يَكْرَهُهُ رِضاكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ الفَاعِلُ لِما تَشَاءُ وَإنَّكَ أَنْتَ رَبُّ هَذا البَيْتِ المَعْمُورِ."
ثَمَّ ارْكَبْ إِلَى أَنْ تَصِلَ مَقامًا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ المَديْنَةِ إِلاَّ أَلْفُ خُطْوَةٍ أَوْ أَزْيَدُ أَوْ أَقَلُّ إِذًا فَانْزِلْ ثُمَّ غَيِّبْ نَفْسَكَ في المَآءِ كَما أُمِرْتَ بِهِ في كِتابِ اللهِ المُهَيْمِنِ العَلِيِّ القَيُّومِ وإِذا خَرَجْتَ عَنِ المَآءِ قُصَّ شَارِبَكَ ثُمَّ قلِّمْ أَظْفارَكَ وَحَلِّقْ رَأْسَكَ ثُمَّ اسْتَعْمِلْ أَحْسَنَ الأَطْيَابِ ثُمَّ الْبَسْ أَحْسَنَ الثِّيابِ بِما اسْتَطَعْتَ عَلَيْهِ وَإنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتُطِيْعًا بِما أَمَرْناكَ بِهِ لا تَحْزَنْ فَقَدْ عَفَى اللهُ عَنْكَ وَإِنَّهُ لَهُوَ المُقْتًدِرُ العَفُوُّ العَطُوْفُ ثُمَّ اسْعَ في نَفْسِكَ بِأَنَّكَ حِيْنَ الَّذي يَقَعُ عَيْنُكَ على المَدِيْنَةِ وَتَقَرَّبْتَ إِلَيْها يَكُوْنُ قَلْبُكَ مُطَهَّرًا عَنْ ذِكْرِ المَوْجُوْداتِ بِحَيْثُ تَدَعُ عَنْ وَرَائِكَ كُلَّ ما خُلِقَ بَيْنَ الأَرَضِيْنَ وَالسَّمواتِ لأَنَّكَ إِذًا تَمْشي بَيْنَ يَدَيْ سُلْطانِ المُمْكِناتِ وَمَليْكِ الأَسْمآءِ وَالصِّفاتِ وَكَذلِكَ يُعَلِّمُكَ قَلَمُ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ تَعْرِفُوْنَ
وَإِذا عَمِلْتَ بما أَمَرْنَاكَ بِهِ إِذًا قُمْ عَنْ مَقامِكَ ثُمَّ وَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ البَيْتِ ثُمَّ قِفْ ثُمَّ ارْفَعْ يَداكَ للقُنُوْتِ للّهِ المُقْتَدِرِ المُهَيْمِنِ المَحْبُوبِ قُلْ:
"يا إِلهِي هذا مَقَامُ الَّذي بِهِ قَرَّتْ أَعْيُنُ المُشْتاقِيْنَ وَاسْتَجْذَبَتَ أَفْئِدَةُ العَاشِقِيْنَ وَهذا مُنْتَهى مَقْصَدِ القَاصِدِيْنَ وَأَعْلى مَطْلَبِ الطَّالِبِيْنَ وَهذا مَقامُ الّذيْ تُمْطِرُ فِيْهِ عُيُوْنُ العارِفِيْنَ في فِراقِكَ وَتَصْفَرُّ وُجُوْهُ الْواصِلِيْنَ في اشْتِياقِهِمْ إِلَى جَمَالِكَ أَسْألُكَ يا إِلهي بِهِ وَبِتَجِلِّياتِ أَنْوارِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ وَبَوارِقِ ظُهُوْرَاتِ قُدْسِ أُلُوهِيَّتِكَ بِأَنْ خَلِّصْنيْ عَنْ نَارِ نَفْسيْ وَقَدِّسْنيْ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيْقُ لِسُلْطَانِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُهَيْمِنُ القَيُّوْمُ."
ثُمَّ أَنْزِلْ يَدَيْكَ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى فَخْذَيْكَ ثُمَّ كَبِّرٍ اللهَ تِسْعَةَ مَرَّةِ ثُمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ مَرَّةً أُخْرى إِلَى اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ ما كَانَ وما يَكُوْنُ وَقُلْ:
"إِلهِي هَذِهِ مَدِيْنَةُ الَّتي فِيْها ظَهَرَتْ سَلْطَنَتُكَ وَبَرَزَتْ آثارُ عِزِّ عَظَمَتِكَ وَنَزَلَتْ آياتُكَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ وَعَلَتْ قُدْرَتُكَ وَلاحَتْ حُجَّتُكَ وَأَحاطَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ الأَشْياءِ وَكُلَّ ما فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ نَفْسيْ وَقَلْبِيْ وَلِسَانِيْ ثُمَّ عِبادٌ مُكْرَمُوْنَ إِذًا أَسْأَلُكَ يا إِلهِي بِها وَبِما ظَهَرَ فِيْها بِأَنْ تَنْزٍعَ عَنِّي ما يُبْعِدُني عَنْ شَاطِئِ قُدْسِ رَحْمَتِكَ وَإِفْضَالِكَ وَيَمْنَعُنيْ عَنْ جِوارِ فَيْضِ فَضْلِكَ وَإِعْطائِكَ ثُمَّ أَلْبِسْنيْ يا إِلهي قَمِيْصَ مَكْرُمَتِكَ وَأَلْطَافِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتُدِرُ عَلَى ما تَشَاءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزيْزُ المُتَعالِي المَحْبُوْبُ. ثُمَّ أَشْربْنيْ يا إِلهِي مِنْ سَلْسَبِيْلِ عِزِّ عِرْفانِكَ وَمَعيْنِ قُدْسِ لِقائِكَ الَّتي لَوْ يُرَشَّحُ مِنْها قَطْرَةٌ على المُمْكِناتِ لَيَصِيْرُنَّ حَيًّا بَاقِيًا دَائِمًا قَائٍمًا في مُقابَلَةِ وَجْهِكَ وَظُهُوْرَاتِ بَوَارِقِ أَنْوَارِ طَلْعَتِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَزيْزُ المُتَعالي القُدُّوْسُ."
إِذًا فأَنْزِلْ يَداكَ ثُمَّ امْشِ عَلى الأَرْضِ بِوَقارِ اللهِ وَسَكِيْنَتِهِ وَفيْ مَشْيِكَ تُهَلِّلُ رَبَّكَ ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتُقَدِّسُ وَتُمَجِّدُ ثُمَّ اتَّبِعْ سُنَنَ المُرْسَليْنَ وَسَجِيَّةَ المُقَرَّبِيْنَ وَقُلْ:
"لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالنُّوْرُ بَيْنَ يَدَيْكَ." كَرِّرْ هَذِهِ الكَلِمةَ على قَدْرِ الَّذيْ لَنْ تُخْمَدَ نارُ شَوْقِكَ وَاشْتِياقِكَ وَكَذَلِكَ أَمَرْناكَ بِالحَقِّ لِتَكُوْنَ مِنَ الَّذِيْنَ هُمْ بِما أُمِروُا يَعْمَلُوْنَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّكَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ تُجِيْبُ رَبَّكَ حِيْنَ الَّذي اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ وَنادَى المُمْكِناتِ بِقَوْلِهِ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَإِنَّ هَذِهِ لَسِرُّ هَذا لَوْ أَنْتُمْ فِي أَسْرارِ رَبِّكُمْ تَتَفَكَّرُوْنَ بَلْ لَوْ تَشْهَدُ بِعَيْنِ الفِطْرَةِ لَتَشْهَدُهُ حِيْنَئِذٍ يَكُوْنُ مُسْتويًا عَلَى أَعْراشِ المَوْجُوداتِ وَيُنادِيْ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنا المُهَيْمِنُ القَيُّومُ وَإِنَّكَ يا أَيُّها الزَّائِرُ فَاعْرِفْ قَدْرَكَ وَمِقْدَارَكَ فِي ذَلِكَ الحيْنِ ثُمَّ أُشْكُرِ اللهَ بِمَا رُزِقْتَ بِذَلِكَ وَأَيَّدَكَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّهُ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ هُوَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ وَكُلٌّ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ فَطُوبى لَكَ يا عَبْدُ بِما دَخَلْتَ بَرِّيَّةَ القُدْسِ وَفارانَ الرُّوْحِ وَسِيْناءَ الأَمْرِ بَلْ لَوْ تَدُقُّ بَصَرَكَ تَشْهَدُ أَنَّ كُلَّما فِي حَوْلِكَ يَطُوْفُوْنَ فَوَاللهِ يا أَيُّها العَبْدُ المُهاجِرُ إِذًا لَوْ يَفْتَحُ اللهُ بَصَرَكَ وَتَلْتَفِتُ فَوْقَ رَأْسِكَ إِلَى السَّمآءِ لِتَشْهَدَ بِأَنَّ حَظائِرَ القُدْسِ وَمَواقِعَ الأُنْسِ ثُمَّ أَهْلَ سُرادِقِ اللاّهُوْتِ وَأَهْلَ مَقاعِدِ الجَبَرُوْتِ وَهَياكِلِ المُقَدَّسِيْنَ مِنْ ظُهُوْراتِ المُلْكِ وَالمَلَكُوْتِ كُلَّهُمْ يَتَحَرَّكُنَّ فِي هَوآءِ القُدْسِ فَوْقَ رَأْسِكَ وَيُهَلِّلُنَّ وَيُكَبِّرُنَّ وَيُقَدِّسُنَّ وَيُمَجِّدُنّ مَعَكَ رَبَّ المَديْنَةِ وَالَّذيْ ظَهَرَ مِنْها وَطَلَعَ فِيْها وَكَذَلِكَ تَشْهَدُ الأَمْرَ إِنْ أَنْتَ تَكُوْنُ مِنَ الَّذِيْنَ هُمْ بِبَصَرِ الرُّوْحِ يَشْهَدُوْنَ."
وَإِذا وَصَلْتَ إِلَى مَقامِ الَّذيْ اسْتَقْرَبْتَ بَابَ الْمَدِيْنَةِ مِقْدارَ عِشْريْنَ خُطْوَةً إِذًا قِفْ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبِّ هذا المَنْظَرِ المَحْمُوْدِ. ثُمَّ كَبِّرِ اللهَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَرَّةً ثُمَّ خَاطِبِ المَدِيْنَةَ مِنْ قِبَليْ وَقُلْ:
"لَعَنَ اللهُ قَوْمًا حالَ بَيْنَنا وَبَيْنَ أَنْوارِ قُدْسِكِ يا مَدِيْنَةَ اللهِ وَمَنَعُوْنا عَنِ الاسْتِنْشاقِ مِنْ رَوَائِحِ قُدْسِ أَحَدِيَّتِكِ وَالسُّكُوْنِ فِي جِوارِ عِزِّ رَحْمَتِكِ وَالقِيامِ عَلَى فِناءِ بابِ فَيْضِ رَحْمانِيَّتِكِ."
ثُمَّ حَوِّلِ النَّظَرَ إِلَى المَنْظَرِ الأَكْبَرِ شَطْرَ الجِدارِ مِنَ المَديْنَةِ وَما خُلِقَ فِيْها وَكانَ عَلَيْها لأَنَّ عَلَى كُلِّ ذلِكَ وَقَعَتْ نَظْرَةُ اللهِ العَزيْزِ المُهَيْمِنِ القَيٌّومِ، قُلْ:
"أَنْ يا جِدارَ المَديْنَةِ فَطُوْبى لَكَ بِما اسْتَشْرَقَتْ عَلَيْكَ مِنْ أَنْوَارِ شَمْسِ رَبِّكَ العَليِّ الأَعْلَى. أَنْ يا أَشْجارَ الْمَديْنَةِ فَطُوبى لَكُمْ بِما هَبَّتْ عَلَيْكُمْ نَسَماتُ القُدْسِ عَنْ شَطْرِ البَقاءِ. أَنْ يا هَوآءَ المَديْنَةِ فَطُوبى لَكَ بِما انْبَسَطَ فِيْكَ هَواءُ اللهِ العَزيْزِ المُقْتَدِرِ المَحْبُوبِ. أنْ يا أرْضَ المَديْنَةِ فَطُوبى لَكِ بِما مَشى عَلَيْكِ رِجْلُ رَبِّكِ الرَّحْمَنِ وَمَرَّ بِكِ هَيْكَلُ السُّبْحانِ فِي أَيَّامِ الَّتي كانَ الكُلُّ في حُجُباتِ أَنْفُسِهِمْ مُحْتَجِبُوْنَ."
ثُمَّ امْشِ إِلَى أَنْ تَصِلَ الْمَدِيْنَةَ وَإِذا فُزْتَ بِلِقائِها وَوَصَلْتَ إِلَى بَابِها ضَعْ وَجْهَكَ عَلَى تُرابِ الْبابِ لِتَجِدَ رائِحَةَ رَبِّكَ العَلِيِّ الأَعْلَى وَتَكُوْنَ مِنَ الَّذِيْنَ هُمْ بِماءِ الْحَيَوانِ هُمْ يُرْزَقُوْنَ ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ مِنْ تُرابِهِ يَظْهَرُ حُكْمُ الْمآءِ وَمِنْ مَائِهِ حُكْمُ الْهَواءِ وَمِنْ هَوَائِهِ أَثَرُ النَّارِ وَبِجَذْوَةٍ مِنْها ظَهَرَ حُكْمُ الْكافِ وَالنُّوْنِ إِنْ أنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ وَهَذا ما وَصَفْناهُ لَكَ فِي الأَرْضِ وَبَيْنَ هَؤلاءِ الَّذيْنَ هُمْ فِي سُكْرِ أَنْفُسِهِمْ خَامِدُوْنَ وَإِلاّ فَوَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَذَرَّةٌ مِنْ تُرابِها لأَعَزُّ عِنْدَ اللهِ عَمَّا خُلِقَ في مَيادِيْنِ البَقاءِ وَما قُدِّرَ في أَلْواحِ الْقَضاءِ فِي سِرِّ الإِمْضاءِ فِي جَبَرُوْتِ البَدآءِ وَكَذَلِكَ نُلْقيْ عَلَيْكَ مِنْ أَسْرارِ الأَمْرِ لِتَكُوْنَ مِنَ الَّذيْنَ هُمْ يَفْقَهُوْنَ."
وَإِذا قَبَّلْتَ التُّرابَ وَاسْتَبْرَكْتَ بِهِ فَارْفَعْ رَأْسَكَ ثُمَّ قُمْ وَكَبِّرِ اللهَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَرَّةً ثُمَّ تُبَهَّيْ رَبَّكَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَرَّةٍ ثُمَّ امْشِ بِوَقارِ اللهِ وَسَكيْنَتَهِ ثُمَّ عَظَمَتِهِ وَإِجْلالِهِ إِلَى أَنْ تَصِلَ في مُقابَلَةِ البَيْتِ إِذًا قِفْ وَقُلْ:
"أَشْهَدُ بِلِسانِي وَنَفْسيْ وَرُوْحيْ وَجَسَديْ بِأَنَّ هذا مَقامُ الَّذيْ يَسْجُدُهُ أَهْلُ جَبَرُوْتِ العَماءِ ثُمَّ أَهْلُ مَلَكُوتِ البَداءِ ثُمَّ الَّذيْنَ هُمْ سَكَنُوا فِي رَفارِفِ البَقاءِ خَلْفَ لُجَجِ الْكِبْرياءِ وَبِهِ ظَهَرَ كُلُّ شَيْءٍ وَبِهِ يَمُرُّ نَسائِمُ الجُوْدِ على هَياكِلِ العَالَمِيْنَ وَهذَا مَقامُ الَّذيْ يَسْتَبْرِكُ بِه سُكانُ مَلإِ البَقاءِ وَيَسْتَضِيْءُ بِهِ أَفْئِدَةُ الَّذيْنَهُمْ اسْتَقُرُّوْا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّماءِ وَيَكْنُسُ فِنائَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَهْلُ غُرُفاتِ الْحَمْرآءِ ثُمَّ بِغَدائِرِ الرُّوْحِ مَلائِكَةُ المُقَرَّبِيْنَ وَإِنَّ هذا مَقامُ الَّذيْ فِيْهِ ظَهَرَ جَمالُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ اسْتَوى بِنَفْسِهِ عَلى عَرْشِ الغُفْرانِ وَحَكَمَ بِما أَرَادَ عَلَى أَهْلِ الأَكْوانِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الفَعَّالُ لِما يَشَاءُ يَحْكُمُ ما يُحِبُّ وَيَفْعَلُ ما يُريْدُ أَشْهَدُ أنَّ بِقَبْضًةٍ مِنْ هذا التُّرابِ خُلِقَ آدَمُ الأُولى وَلِذا سُمِّيَ أبُوْ البَشَرِ في مَلَكُوْتِ الأَسْماءِ وَجَعَلَهُ اللهُ أَوَّلَ ذِكْرِهِ بَيْنَ الخَلائِقِ أجْمَعِيْنَ."
إِذًا فَاخْرِرْ بِوَجْهِكَ عَلَى التُّرابِ ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ اليُمْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْ بِلِسانِي:
"فَسُبْحانَكَ اللَّهُمَ يا إِلهيْ هَذا عَبْدُكَ الَّذيْ قَدِ انْقَطَعَ عَنْ كُلِّ الجِهاتِ وَتَوَّجَهَ إِلَى جِهَةِ فَرْدَانِيَّتِكَ وَخَلَّصَ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ ما سِواكَ وَتَوَسَّلَ بِحِبالِ جُوْدِ عِنايَتِكَ وَقَدْ جَاءَ بِتَمامِهِ إِلَى مَيادِيْنِ عِزِّ رَحْمانِيَّتِكَ إِذًا هُبَّ يا إلهيْ عَلَى فُؤاديْ مِنْ أَرْياحِ عِزِّ قُدْسِ عِنايَتِكَ وَعَلى كَيْنُوْنَتيْ مِنْ نَفَحَاتِ سُلْطَانِ عِزِّ أَلْطَافِكَ وَلا تَطْرُدْنيْ يا إِلهِي عَنْ بَابِكَ مَحْرُوْمًا وَلا عَنْ ظُهُوْراتِ شَمْسِ إِفْضَالِكَ مَأْيُوْسًا وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلى ما تَشَاءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُهَيْمِنُ العُزيْزُ القَديْرُ."
ثُمَّ قُمْ وَتَوَجَّهْ إِلَى جِهَةِ الأَيْمَنِ مِنْ البَيْتِ شَطْرِ رَبِّكَ المُتَعاليِ الْعَزيْزِ الْحَكْيمِ ثُمَّ ارْفَعْ أيْدَاكَ إِلَى اللهِ العَلِيِّ الأَعْلى وَقُلْ:
"فَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَ يا إِلهيْ قَدْ ارْتَفَعَتْ أَيْدايَ رَجَائيْ إِلَى سَمَاءِ جُوْدِكَ وَمَواهِبِكَ وَعَلَّقْتُ أَنامِلَ اعْتِمادِيْ إِلَى حِبالِ فَضْلِكَ وَأَلْطَافِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذيْ بِهِ أَلْبَسْتَ الْمُمْكِناتِ مِنْ خِلَعِ هِدَايَتِكَ وَأَحْيَيْتَ المَوْجُوْداتِ مِنْ سُلْطانِ رَأْفَتِكَ وَإِكْرَامِكَ بِأَنْ لا تُغْلِقَ بَابَ مَعْرِفَتِكَ عَلَى وَجْهِ قَلْبي وَلا بَابَ رَحْمَتِكَ عَلَى فُؤَادِي ثُمَّ اجْعَلْنيْ يا إِلهِي عَلَى ما يَلِيْقُ لِسُلْطانِ عِزِّ وَحْدَانِيَّتِكَ وَمَلِيْكِ قُدْسِ صَمَدانِيَّتِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ الفَاضِلُ البَاذِلُ العَزيْزُ الكُريْمُ وَأَنا الَّذي يا إِلهيْ انْقَطَعْتُ عَنْ نَفْسيْ وَأَسْرَعْتُ إِلَى نَفْسِكَ الأَعْلَى وَهَاجَرْتُ عَنْ بَيْتِيْ وَوَقَفْتُ أَمامَ بَيْتِكَ الأَطْهَرِ الأبهى. إِذًا أَسْأَلُكَ بِأَنْ لا تَدَعَنيْ بِنَفْسيْ وَلا بِالَّذِيْنَ يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ حُبِّ جَمَالِكَ وَيَصُدُّوْنَ العِبادَ عَنْ صِراطِكَ العَزيْزِ المُسْتَقِيْمِ."
ثُمَّ طَوِّفْ حَوْلَ البَيْتِ مِنْ قِبَلِيْ سَبَعَةَ مَرَّةٍ كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ جَمَالُ القِدَمِ وَيُعَلِّمُكَ ما لا يَعْرِفُهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِيْنَ وَفيْ حِيْنِ الَّذيْ تَطُوْفُ بَيْتَ رَبِّكَ ذَكِّرْهُ فيْ قَلْبِكَ وَعلى لِسانِكَ وَكُنْ فيْ نَفْسِكَ مُسْتَقْبِلاً إِلَى جِهَةِ عَرْشٍ عَظِيْمٍ وَإِذا أَتْمَمْتَ طَوَافَكَ فَاحْضُرْ فيْ رِوَاقِ الأَوَّلِ تِلْقَاءَ بَابِ الْحَرَمِ ثُمَّ قِفْ ثُمَّ ارْفَعْ يَداكَ إِلَى سَمآءِ فَيْضِ فَضْلِ رَبِّكَ العَزِيْزِ المَنِيْعِ وَأُوْصِيْكَ بِأَنَّكَ حِيْنَ الَّذيْ تَرْفَعُ يَداكَ تَرْفَعُها بِجَذْبِ الَّذيْ بِهِ تَرْفَعُ أَيادِي المُمْكِناتِ إِلَى سَمَاءِ فَضْلِ مَوْلاكَ وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ رَبَّكَ تَدْعُوْهُ بِخُلُوصِ الَّذيْ بِهِ تَنْطِقُ أَلسُنُ كُلِّ الذَّرَّاتِ بِثَناءِ بَارِئِكَ وَذِكْرِ مُوْجِدِكَ الْمُقْتَدِرِ الْقَادِرِ الْبَديْعِ وَإِنَّكَ إِنْ لَنْ تَكُنْ كَذَلِكَ لا يَنْبَغيْ لَكَ بِأَنْ تَقُوْمَ مَقامَ الَّذيْ قَامَتْ عَلَيْهِ هَيَاكِلُ الْمُقَدَّسِيْنَ وَالْمُقَرَّبِيْنَ وَلا نِسْبَتُكَ إِلَى نَفْسِيْ ولا سُكُوْنُكَ فِي ظِلِّ حُبِّي الَّذيْ جَعَلَهُ اللهُ سَيْفًا قَاطِعًا بَيْنَ المُشْركِيْنَ وَالمُوَحِّديْنَ
وَإِذا رَفَعْتَ يَداكَ إِلَى سَحابِ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيْزِ العَالِمِ العَلِيْمِ قُلْ:
"أَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاّ هُوَ وَحْدَهُ لا شَريْكَ لَهُ وَلا شَبِيْهَ لَهُ وَلا وَزِيْرَ وَلا نَظِيْرَ ولا ضِدَّ وَلا نِدَّ وَلا مِثالَ لِسُلْطانِهِ المُرْتَفِعِ المُمْتَنِعِ الرَّفِيْعِ لَمْ يَزَلْ كانَ وَاحِدًا فِي ذَاتِهِ وَوَاحِدًا في صِفاتِهِ وَواحِدًا في أَفْعالِهِ وَلا يَزَالُ يَكُوْنُ بِمِثْلِ ما قَدْ كانَ في عزِّ جَلالِهِ وَسُلْطانِ اسْتِجْلالِهِ الَّذيْ قَدْ أَقَرَّ العَارِفُوْنَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوُرُوْدِ عَلى مَيادِيْنِ قُدْسِ عِرْفانِهِ وَاعْتَرَفَ المُخْلِصُوْنَ بِالتَّقْصِيْرِ عَنْ الارْتِقاءِ إِلَى سَمَاءِ ذِكْرِهِ وَثَنائِهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ المُهَيْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّهُ لَهُوَ العَزيْزُ الْكَرْيْمُ وَأَشْهَدُ أَنَّ النُّقْطَةَ الأُوْلى وَرَبَّنا الْعَلِيِّ الأَعْلى لَظُهُوْرُهُ في لَاهُوْتِ العَمَاءِ وَبُرُوْزُهُ في جَبَرُوْتِ القَضاءِ وَطُلُوْعُهُ فِي مَلَكُوْتِ الإِمْضاءِ وَبِهِ بُعِثَتِ الْمَوْجُوْداتُ وَجُدِّدَتِ الْمُمْكِناتُ وَنُصِبَ مِيْزانُ العَدْلِ عَلَى مَقامِ عِزٍّ حَمِيْدٍ وَبِهِ دَلَعَ دِيْكُ العَرْشِ وَغَرَّدَتْ وَرْقاءُ العِزِّ وَقامَتْ قِيْامَةُ الأَمْر وَظَهَرَ ما كُنِزَ في خَزائِنِ عِزٍّ حَفِيْظٍ وَبِهِ رُفِعَتْ سَمواتُ الْقِدَمِ وَصَعَدَتْ سَحابُ الجُوْدِ فِي هذا الفَضَآءِ الأَقْدَسِ الأَكْرَمِ وَأَشْرَقَتْ شَمْسُ الفَضْلِ وَالْكَرَمِ عَنْ أُفُقِ قُدْسٍ مُنِيْرٍ وَبِهِ تَمَوَّجَتْ أَبْحُرُ الآياتِ فِي مَلَكُوْتِ الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ وَتَمَّتْ مِيْقاتُ الأَمْرِ بِما قُدِّرَ في صَحائِفِ مَجْدٍ مَنِيعٍ وَأَشْهَدُ أَنَّ بِهِ كُشِفَ بُرْقَعُ السِّتْرِ عَنْ جَمالِ الكِبْرياءِ وَظَهَرَتْ أَسْرارُ الغَيْبِ فِي مَلَكُوتِ الْبَداءِ وَبِهِ اسْتَعْرَجَ كُلُّ فَقِيْرٍ إِلَى سَمآءِ الغَنَاءِ وَاسْتَصْعَدَ كُلَّ فَانٍ إِلَى مَواقِعِ الْبَقاءِ وَكُلَّ عَلِيْلٍ إِلَى مَكامِنِ الشِّفاءِ عَلَى سُرادِقِ نُوْرٍ لَمِيْعٍ وَأَشْهَدُ يا إِلهيْ بِأَنَّ هذا مَقامُ الَّذيْ فِيْهِ اسْتَوَيْتَ عَلى عَرْشِ عَزِّ وَحْدَانِيَّتِكَ وَخَلَقْتَ خَلْقَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِريْنَ بِسُلْطانِ مَشِيَّتِكَ وَإِرادَتِكَ وَفِيْهِ أَمْطَرَتْ سَحابُ فَضْلِكَ عَلَى العَالَمِيْنَ. إِذًا أَسْأَلُكَ يا إِلهيْ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ المَكْنُونِ وَكَلِمَتِكَ الأَتَمِّ المَخْزُوْنِ الَّذيْ وَعَدْتَ العِبادَ بِظُهُوْرِهِ في المُسْتَغاثِ بِأَنْ تُدْخِلَنيْ عَلَى شَاطِئ بَحْرِ غُفْرانِكَ وَتَمْحُوَ عَنّيْ كُلَّ ما أحْصَيْتَهُ مِنْ جَريْراتي الكُبْرى وَخَطِيْئاتي العُظْمى ثُمَّ اغْفِرْ يا إِلهيْ أَبيْ وَأُمّيْ وَعَشِيْرتيْ وَالّذين نَسَبْتَهُمْ إِلَى نَفْسِي مِنْ الّذيْنَ هُمْ آمَنُوا بِكَ وَبِآيَاتِكَ ثُمَّ اجْعَلْ لِيْ يا إِلهيْ مَقْعَدَ صِدْقٍ عِنْدَكَ ثُمَّ أَلْحِقْنيْ بِعِبادِكَ المُقَرَّبِيْنَ ثُمَّ أَسْأَلُكَ يا إِلهيْ وَمَحْبُوبيْ بِأَنْ لا تَجْعَلَنيْ مِنَ الَّذيْنَ يَطُوْفُوْنَ بَيْتَكَ فِي أَرْضِكَ وَيَنْكِرُوْنَ بَيْتَكَ الحَرامِ في مَظاهِرِ نَفْسِكَ وَمَطالِعِ عِزِّ قَيُّومِيَّتِكَ وَمَواقِعِ قُدْسِ رُبُوْبِيَّتِكَ وَهذا يا إِلهيْ مُنْتَهى أَمَليْ وَرَجائِيْ وَإِنَّكَ أَنْتَ السُّلْطانُ الْمُقْتَدِرُ الْعَزيْزُ الْحَكِيْمُ ثُمَّ أَسْأَلُكَ يا إِلهيْ بِجَمالِكَ الَّذيْ بِهِ اسْتَضائَتْ شُمُوْسُ عِزِّ عِنايَتِكَ وَاسْتَبْرَقَتْ بَوارِقُ أَنْوارِ قُدْسِ مَكْرُمَتِكَ بِأَنْ لا تَضْطَربَنيْ فِي يَوْمِ الَّذيْ فِيْهِ يَضْطَرِبُ كُلُّ ذِيْ نَفْسٍ وَيَسْتَكْبِرُ كُلُّ ذِي شَوْكَةٍ وَرِياسَةٍ وَتَزِلُّ فِيْه أَقْدَامُ الْبالِغِيْنَ وَتُرْفَعُ فِيْهِ ضَجِيْجُ كُلِّ الأَشْياءِ وَتُظْلَمُ فِيْهِ كُلُّ ضِياءٍ مُشْرِقٍ مُنِيرٍ إِذًا خُذْ يَديْ يا إِلهي بِيَدِ فَضْلِكَ وَإِفْضالِكَ وَلا تَحْرِمْني فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْ نَفَحاتِ عِزِّ قُدْسِكَ وَلا عَنِ اسْتِماعِ نَغَماتِ بِدْعِكَ ولا تُعَقِّبَنِي يا إِلهي فِي ذَلِكَ الْيَومِ خَلْفَ كُلِّ نَاعِقٍ فَاسِقٍ فَاجْعَلْ بَصَريْ مَفْتُوْحًا بِفَضْلِكَ لأَعْرِفَكَ بِنَفْسِكَ وَلا بِما سِواكَ وَأُشاهِدَ بَدايِعَ أَنْوارِ جَمَالِكَ بِما أَعْطَيْتَني بِجُوْدِكَ لا بِما عِنْدَ النَّاسِ لأَنَّكَ ما جَعَلْتَ لِنَفْسِكَ دَلِيْلاً دُوْنَ ذَاتِكَ وَلا بُرْهانًا غَيْرَ آياتِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ القَائِمُ الْحاكِمُ الْعَليْمُ الْخَبِيْرُ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبِّ العَالَميْنَ."
إِذًا فَاخْتِمْ زِيارَتَكَ لأَنَّا ما أَذِنَّا أَحَدًا بِأَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى الْحَرْمِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّ أَمامَ ذَلِكَ المَقامِ يَسْتَضِيءُ أَنْوارُ الذَّاتِ عَنْ وَرَاءِ الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ وَمِنْ دُوْنِ ذَلِكَ رِعايَةً لِلأَدَبِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَحْسَنِ الصِّفاتِ عِنْدَ اللهِ مَالِكِ الأَرَضِيْنَ وَالسَّمواتِ وَكَذِلِكَ أَلْقَيْنا عَلَيْكَ الأَمْرَ بِحُجَّةٍ وَاضِحٍ لائِحٍ مُبِيْنٍ وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ كُلِّ مَدِيْنَةٍ أَحَدٌ مِنْ قِبَلي وَنَفْسِهِ لِيَزُوْرَ بَيْتَ اللهِ وَيَكُوْنَ مِنْ الزَّائِريْنَ تَاللهِ في كُلِّ قَدَمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَالعِنايَةُ مِنْ سَمَاءِ قُدْسٍ مُنِيْرٍ وَحِيْنَ الَّذيْ يَرْفَعُ قَدَمَ الأُوْلى وَيَضَعَهُ لِيَغْفِرُ اللهُ ذُنُوْبَهُ وَذُنُوبَ أُمِّهِ وَأَبِيْهِ وَكُلِّ ما يَكُوْنُ مَنْسُوْبًا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَحاطَ فَضْلُ رَبِّكَ كُلَّ المَوْجُوْداتِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ تَاللهِ مَنِ زَارَ الْبَيْتَ كَمَنْ زَارَ اللهَ في سُرادِقِ عِزِّ لِقائِهِ وَخِباءِ مَجْدِ جَمَالِهِ وَكَذَلِكَ نُخْبِرُكُمْ مِنْ نَبَإِ الَّذي كَانَ عِنْدَ العَرْشِ عَظِيْمٌ وَمَنْ زارَ البَيْتَ بِما علَّمْناهُ قَدْ يَبْعَثُهُ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهِ في رِضْوانِ العِزَّةِ وَالْكِبْريَاءِ عَلَى جَمالٍ يَسْتَضِيءُ مِنْ أَنْوارِ وَجْهِهِ أَهْلُ مَلإِ الأَعْلَى ويَأْمُرُ كُلَّ مَنْ في السَّمواتِ العُلَى بِأَنْ يَحْضُرُنَّ بِيْنَ يَدَيْهِ وَيَطُوْفُنُّ في حَوْلِهِ وَيَزُوْرُوْنَ جَمَالَهُ في كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيْلٍ. يا أُمَناءَ اللهِ فِي الأَرْضِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الأَعْظَمِ ثُمَّ ذَرُوا مَا فِي أَيْدِيكُمْ وَتَوَجَّهُوا إِلَى مَقَرِّ اللهِ العَزِيزِ المُقْتَدِرِ العَلِيمِ أَنِ اثْبُتُوا يَا قَوْمِ عَلَى مَقَامِ الَّذي لَوْ يَقُومُ عَلَيْكُمْ كُلُّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ لَنْ تَلتَفِتُوا إِلَيْهِ وَتَكونُنَّ فِي دِينِ اللهِ لَمِنَ الرَّاسِخِينَ فَسَوْفَ يَمْنَعُكُمُ المُشْرِكُونَ عَمَّا أَلْقَى اللهُ عَلَيْكُمْ لِغِلِّ الَّذي كَانَ فِي صُدُورِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ القَدِيرُ ثُمَّ اعْلَمُوا بِأَنَّا كَتَبْنا فِي زِيارَةِ البَيْتِ أَلْواحًا مُفَصَّلاً مَبْسوطًا وَمَا أَرْسَلْناها إِلَى حِينَئِذٍ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ نُرْسِلُها بِالحَقِّ وَإِنَّهُ وَلِيُّ المُرْسَلِينَ وَمَا أَرْسَلْناهُ هذا ما نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ اللهِ بِالاخْتِصارِ لأَنَّ مَلائِكَةَ المُقَرَّبِينَ وَأَهْلَ مَلإِ العالِينَ يُحِبُّنَّ أَنْ يَخْتَصِرُنَّ فِي الأَعْمالِ عَلَى الظَّاهِرِ وَفِي الباطِنِ يَكُونُنَّ فِي كُلِّ حِينٍ لَمِنَ الزَّائِرِينَ كَذلِكَ عَلَّمْناكُم وَعَرَّفْناكُم سُبُلَ القُدْسِ وَهَدَيْناكُم إِلَى شاطِئِ فَضْلٍ مُبِينٍ.
وإنّك أنت يا محمّد إذا رأيت الكريم في المدينة ذكرّه بذكر من لدنّا ثمّ بشّره برضوان قدس كريم قل يا كريم قم عن مقامك ثمّ صحّ بين السّموات والأرض بما ظهر سرّ الأمر عن مشرق اسمه البديع فاخرق حجبات الوهم ليطلع عن خلفها جمال القدم بأنوار عزّ لميع ثمّ اعلم بأنّ السّكر أحاط كلّ سكّان السّموات والأرض إذا أنت فاخرج عن خلف أحجاب ليمطر على فؤادك هذا السّحاب المرتفع المنير ثمّ اخبر النّاس بكنز الأعظم ثمّ ذكّرهم بهذا النّبأ العظيم قل إنّا سترنا وجهنا تحت سبعين ألف حجاب في عشرين من السّنين لئلّا يعرفنا أحد من أهل السّموات والأرضين فلمّا اعترضوا علينا المشركون من الّذين كان في صدورهم غلّ الغلام إذا كشفنا النّقاب عن وجه الأمر بسلطان مبين إذا أظلمت شموس الأوهام وخسف قمر الأظلام وسقطت أنجم البغضاء على وجه الأرض ورجعت أنفس المغلّين إلى أسفل النّار مقرّ المشركين وإنّك يا كريم لا تصبر في آن ثمّ بلّغ أمر ربّك إلى كلّ عارف بصير تاللّه كلّما سمعت قد ظهر من سلطاني العزيز الجميل فاطلع عن غرف الأحزان ثمّ اطلق اللّسان على البيان في ذكر ربّك العزيز الحاكم الحكيم ثمّ اجعل كلّ من على الأرض عن ورائك لئلّا يمنعك شيء منها لتكون على خفة ولطف منيع لتقدر أن تطير إلى هواء القرب في هذا السّماء الّذي أرفعناها باسمنا العليّ المقتدر العليم كذلك أمرناك واختصصناك بين العباد لتقوم على الأمر بسلطان