سورة النصح

حضرة بهاء الله
مترجم

سورة النصح – حضرة بهاءالله – لمعات الانوار، جلد ١، الصفحات ٣٥٠ - ٣٧٩

هذه سورة النُّصْح لمن أراد أن يستنصح باللّه المقتدر المهيمن القيّوم

﴿ بسم اللّه العليّ المقتدر العزيز المحبوب ﴾

فسبحان الّذي نزّل الآيات بالحقّ على النّبيّين والمرسلين وينزل حينئذ على ما كان النّاس في دين اللّه يعملون وفيها ما ينبئهم بصراط اللّه وفصل فيها كلّ شيء وهدى وذكرى للّذينهم في جنّة الفردوس بإذن اللّه يدخلون ويهديهم سبل النّجاة ويبلغهم إلى شاطئ القدس في جوار اللّه المهيمن العزيز القيّوم

أن يا حرف الجيم اسمع ما يلقيك حمامة الأمر في أيّام الّذي اجتمعوا عليه أهل الكفر والبغضاء بغير إذن ولا كتاب من اللّه العزيز المحبوب ويريدون أن يخرجوه من الأرض كما أخرجوه أوّل مرّة وكذلك نلقيك من أسرار الأمر إن أنتم في أيّام اللّه بشيء من الأسرار مطّلعون ثمّ اعلم بأنّا أذكرناك من قبل ونذكرك حينئذ بآيات الّتي تنقطع عنها أرواح الّذينهم كفروا به ثمّ يحيى به الموحّدون الّذين يطيرون في هواء القرب ويذكرون اللّه بلسان سرّهم وجهرهم وهم من أثمار شجرة الرّوح في كلّ حين يرزقون ولا يظنّون باللّه ظنّ السّوء ولا يتكلّمون بغير إذن من اللّه المهيمن القدّوس وإذا يسئلون عن شيء لا يتكلّمون إلّا بعد إذنه وهذا ما نعلّمك سبل التّقوى لعلّ النّاس كانوا في أيّام ربّهم يتذكّرون وما بعثنا من رسول إلّا وقد أرسلناهم بآيات بيّنات وكلّ كانوا بهم مستهزؤن

ومنهم آدم أرسلناه بالحقّ وأسكنّاه في قطب الجنّة في وادي الّذي ما بلغ إليها المقرّبون وعلّمناه من الأسماء كلّها وأشهدناه أسرار الأمر ثمّ آويناه في ظلّ شجرة الفردوس إن أنتم تعلمون وأمرناه بأن يأكل من كلّ شيء ممّا يشتهي به نفسه ثمّ منعناه عن شجرة الرّوح وهذا من سرّ غيب مكنون هذه الشّجرة شجرة نبتت من صرف الرّوح ولا ينبغي لأحد أن يقربها إلّا اللّه المهيمن العزيز المشهود فلمّا وجدناه على هواه أقلّ من الشّعر إذا أهبطناه عن الجنّة وجعلناه في الأرض من الّذينهم كانوا على مناكبها يركبون ثمّ نبّئناه في أمر من الأمر ونبّهناه فيما عمل إذا صاح في نفسه سبعين ألف سنة ثمّ أكبّ على التّراب سبعين ألف سنة إذا رفع رأسه ونادى سبحانك أن لا إله إلّا أنت فارحمني ولا تأخذني بما اكتسبت أيداي وإنّك أنت غافر كلّ شيء وراحمه وإنّك أنت العزيز المرهوب فاغفر لي يا محبوبي عمّا فعلت بين يديك لأنّك أسكنتني في مقام كان مقدّسا عن غيرك وإنا الّذي اشتغلت فيه بهوى نفسي وغفلت عن ذكرك تب عليّ بفضلك ورحمتك وإنّك أنت الحقّ علّام الغيوب إذا أنزلنا عليه من أمطار الرّحمة ثمّ غسّلناه من دموع عيناه وطهّرناه عن كلّ دنس وجعلناه من الّذينهم كانوا في هواء القدس يطيرون ثمّ بعد ذلك اصطفيناه بالحقّ وجعلناه نبيّا وأرسلناه على الّذينهم سكنوا في الأرض ليأمرهم بالعدل وينهاهم عن الظّلم وهذا ما رقم من قلم العزّ على ألواح عزّ مكنون قال يا قوم أنا عبد اللّه قد اصطفاني اللّه لأمره وجعلني آية من عنده عليكم إن أنتم تعرفون اتّقوا اللّه يا ملأ الأرض ولا تفسدوا فيها وابتغوا الفضل من لدى اللّه المهيمن المحبوب ولا تتّخذوا وليّا لأنفسكم إلّا هو ولا ترتكبوا في أرض أنفسكم عمّا يمنعكم اللّه بلسان صفوته لعلّ أنتم في يوم القيٰمة بين يديّ اللّه تحشرون إذا اعرضوا عنه وكفروا بآياته وقالوا ما نتّبعك إلّا بأن تأتينا بآية أخرى وكذلك أعرضوا عنه وكانوا من الّذينهم في غشوات أنفسهم ميّتون ثمّ بعد ذلك اصطفينا إبنه بعده وجعلناه آية من لدنّا وأرسلناه إلى قومه لعلّ النّاس كانوا بوجه اللّه يتوجّهون فلمّا جائهم بآيات بيّنات إذا أعرضوا عنه وكانوا من الّذينهم في أزل الآزال عن وجه الجمال معرضون

إلى أن قضى الأيّام ومضت اللّيالي أرسلنا النّوح بالحقّ وأقمصناه قميص الرّوح وجعلناه آية للّذينهم يريدون أن يهتدون فلمّا جائهم بفاران من النّور وأنوار من الرّوح إذا أعرضوا عنه وأشركوا باللّه المهيمن المحبوب وقالوا لست بمرسل وما اهتديت بأنوار اللّه بل تكون من الّذينهم في الأرض يكذّبون وما أنت إلّا مفتر كذّاب وأرادوا قتله إذا حفظناه من الّذينهم كانوا أن يشركون فلمّا اشتدّ الأمر عليه توضّاء بمياه القدس وجلس بين يديّ اللّه بخضوع محبوب وأراد أن يدعوا عليهم لينزل عليهم البلاء إذا أرسلنا عليه ملائكة السّماء ليكوننّ من الّذينهم يستشفعون ونزلوا عليه وقالوا يا نوح لا تفعل بهؤلاء كما فعلوا بك فارحم عليهم ولا تأخذهم بعصيانهم لأنّهم ضعفاء في الأرض وأرقّاء في الملك ولا يمكون لأنفسهم موتا ولا حيوٰة ولا نشورا أن اصطبروا في أمر اللّه إنّه يوفي أجور الّذينهم صبروا وكانوا على ربّهم يتوكّلون وهذا أوّل بلاء ينزل على الأرض فاصبر على بغيٰهم وإذآهم سيجزيك اللّه جزاء الّذينهم كانوا في مرضاته أن يصبرون وقام النّوح عن مقامه ورجع عمّا أراد ثمّ بعد ذلك دعاهم إلى اللّه المهيمن المحبوب كذلك سبقت رحمتنا كلّ شيء وأحاطت فضلنا كلّ من في السّمٰوات والأرض إن أنتم في أسرار الأرض تتفكّرون وقضى سنين متواليات وما اهتدوا قومه بهدى اللّه وكانوا من الّذينهم كانوا في أزل الآزال لا يهتدون وما تؤثّر فيهم نغمات اللّه وما زادتهم إلّا طغيانا وكفرا حتّى استيأس النّوح عنهم وأراد أن يدعوا عليهم ويجعلهم كَهَشِيم مطروح إذا أرسلنا ملائكة من سماء أخرى قالوا يا نوح لا تكن أوّل سبب لبلاء الأرض فارحم عباد اللّه وتجاوز عنهم وعن سيئاتهم لعلّهم اهتدوا بأنوار اللّه ثمّ بآياته يهتدون فاصبر في الأمر ثمّ استقم وكن كالجبل الحديد في أمر اللّه المهيمن المحبوب وصبر بعد ذلك إلى أن قضى عهدا وزمنا لا يعلمه إلّا اللّه ويشهد بذلك عباد مكرمون وما آمنوا به في شيء وما قاموا عن قبور هواهم وما حشروا بعد الّذي نفخ في الصّور وكذلك كانوا في غشوات أنفسهم محتجبون إذا ناداه اللّه عن خلف الحجبات إنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن من قبل ولا تحزن عمّا كانوا يفعلون فلمّا سمع نداء اللّه اهتزّ نفسه من الشّوق ورفع أيداه وقال يا ربّ لا تذر هؤلاء على الأرض فاستجبنا له وأمرناه بأن يصنع الفلك فلمّا تمّ سفينة الرّوح في كلمة الأكبر قلنا يا نوح فأدخل فيها من أهلك الّذين سبقت عليهم القول وكانوا في دين اللّه أن يسبقون إذا أنزلنا من غمام القهر أمطار الغفلة وأغرقنا كلّ من في الأرض إلّا الّذينهم كانوا على سفينة الرّوح راكبون ثمّ أرسلنا بعده هودا وجعلناه نبيّا على المشرق والمغرب وأيّدناه بأمر من لدنّا وجعلناه من الّذين كانوا في مصر الرّوح إن يدخلون قال يا قوم اتّقوا اللّه ولا تفعلوا بمثل ما فعلوا من قبل وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محتوم وكفروا به وأعرضوا عمّا تهم من عند اللّه المهيمن القيّوم إلى أن أخذناهم بذنبهم وجعلناهم تذكرة للّذينهم يريدون أن يتذكّرون

ثمّ بعد ذلك أرسلنا صالحا وأصلحنا أمره وأمرناه بأن يأمر العباد بالعدل الخالص ويذكّرهم بأيّام اللّه العزيز المحبوب قل يا قوم آمنوا بالّذي خلقكم ورزقكم ثمّ أماتكم وأحياكم إن أنتم تشعرون ولا تلتفتوا إلى الدّنيا وزخرفها وخافوا عن اللّه ثمّ عن حدوده لا يتجاوزون وارحموا على أنفسكم ولا تعتدوا عن أمر اللّه المهيمن المحبوب قالوا يا صالح ما نعبد إلهك وما نتّبعك في القول فانته عمّا تقول وإلّا لنرجمنّك ونقتلنّك وبذلك كانوا من الّذينهم في دين اللّه يعتدون قال صالح يا قوم هذه ناقة اللّه ترعى في أرض القدس وتسقيكم من لبن الحكمة ولا تضرّكم في شيء اتّقوا اللّه ولا تمسّوها بسوء أنفسكم ولا تتّبعوا أهوأكم إن أنتم تعرفون فوسوس الشّيطان في صدورهم وبغوا على اللّه المهيمن العزيز القيّوم واشتدّوا في طغيانهم إلى أن عقروا النّاقة من غير جرم ولا ذنب إذا أخذناهم بكفرهم وبما كانوا يكسبون

وأرسلنا بعده إبراهيم بالحقّ واصطفيناه بين العباد وجعلناه آية للّذينهم كانوا إلى مشاهد العزّ أن يسلكون قال يا قوم اتّقوا اللّه وآمنوا به ولا تشركوا في الأرض ولا تكوننّ من الّذينهم كانوا عن آيات اللّه معرضون ولا تغفلوا في أنفسكم توجّهوا إلى ميادين الرّوح إن أنتم تشعرون لعلّ يهب عليكم نسمات القدس ويقلّبكم إلى شاطئ الأحديّة ويصغيكم من حكمة اللّه المقتدر العزيز المحبوب قالوا ما نتّبعك يا إبراهيم في أمرك وما تذر إلهتنا فسئل إلهك بأن ينزل علينا ما وعدتنا وكذلك كانوا أن يقولون ويستهزؤن به في كلّ يوم وفي كلّ حين أراد وان يقتلون كأنّهم اتّخذوا آيات اللّه سخريا واعترضوا بحجج اللّه وأدلّائه وكانوا عن شاطئ هذا الفضل مبعدون حتّى بلغ الأمر إلى عبد من عبادنا الّذي اشتعلت في صدره نار الكفر وكان من الّذينهم كانوا في غشوات أنفسهم ميّتون واجتمع القوم وقال أريد أن اقتل إبراهيم أو أحرقه بعذاب النّار وكذلك كانوا أن يتدبّرون إلى أن أوقدوا نار الكفر وأخذوا إبراهيم ودعّوه في النّار وكانوا على أصنام أنفسهم عاكفون إذا جعلنا النّار عليه بردا وسلاما ورَوْحًا ورحمة وكذلك حفظناه ونحفظ الّذينهم في البلاء يصبرون

ثمّ بعد ذلك أرسلنا موسى بآيات عزّ محبوب وبيّنات أمر محتوم وبلغناه إلى شاطئ القدس في بقعة الفردوس وآويناه في سيناء الأمر وحوريب الرَّوْح إذا ناديناه عن خلف سبعين ألف حجاب عن سدرة البقاء يمّ قُلْزُم الكبرياء أن يا موسى إنّي أنا اللّه ربّك وربّ آبائك إسمعيل وإسحٰق ويعقوب هذا جمالي قد كشفناه عليك فانظر ماذا ترى وبذلك منّنا عليك وأتممنا النّعمة عليك إذا فاقتبس بهذا النّار لعلّ النّاس كانوا بنار الحبّ في أيّام اللّه يشتعلون ثمّ أيّدناه بعصاء من الأمر وجعلنا يده يديّ وأشرقناه بالحقّ ثمّ جعلناه درّيّ بيضاء للّذينهم كانوا بنظرة اللّه ينظرون ثمّ أمرناه بأن يذكّرهم بأيّامي من بعد حين الّذي تحرق فيه الحجبات بقوّة من لدنّا ويأتي طلعة الرّوح في ظلل من النور باسم عليّ إن أنتم تشعرون اذهب إلى فرعون وملئه ثمّ اهديهم بأنوار القدس ونبّئهم بأيّام الّذي كلّ في محضر القدس يحضرون لعلّ يتّبعون أمر ربّهم ويهتدون بنار اللّه ويقلّبون إلى شاطئ الفضل في جوار اللّه المهيمن المحبوب ودخل على فرعون وقال اتّق اللّه ولا تتّبع هواك ولا تكن من الّذينهم بأنوار اللّه لا يهتدون إنّي قد جئتك من مشرق الرّوح بسيناء من الأمر فاتّبع أمر ربّك ولا تكن من الّذينهم بنار اللّه لا يشتعلون ويا قوم لا تمسّكوا بعصم الكوافر فتمسّكوا بحبل اللّه إن أنتم في أنفسكم تشعرون وقوموا عن مراقد الغفلة ثمّ اشكروا اللّه في أيّامه وهذا ما نبشّركم بالحقّ إن أنتم تعلمون قال فرعون مَن ربّك يا موسى قال الّذي خلقني وأرسلني بسلطان من عنده إن أنتم توقنون الّذي خلقك ورزقك وأعطاك من زخارف الملك ووهبك سلطانا لتتّبع أمره وتكون من الّذينهم كانوا في رضى الرّوح يسلكون وما نذكّر فرعون بشيء من الذّكر وما آمن باللّه طرفة عين إذا أغرقناه وملائه في بحر الكبر وجعلناهم عبرة للّذينهم يعقّبونهم في الأرض وكانوا في آيات اللّه يتدبّرون

فلمّا قضى أيّامه أرسلنا الرّوح بالرّوح وسمّيناه بعيسى في ملكوت الأرض إن أنتم تعلمون ونزّهناه عن كلّ مكروه وأسمعناه نغمات الورقاء وأجذبناه بنغمة من الغيب وطهّرناه بماء قدس محبوب ونفخنا فيه من ساذج الرّوح وألبسناه خلع النّبوّة واصطفيناه عن بين العباد وجعلناه آية لمن خلق من كلمة اللّه من قبل ومن بعد كانوا أن يخلقون وأحييناه في ملأ الأعلى من قبل أن يخلق كلّ من على الأرض من طين مسنون وأمرنا كلّ من في السّمٰوات والأرض بأمره وأخذنا له العهد عن كلّ شيء وهذا ما رقم في ألواح الرّوح من مداد مسك معطور وبعثناه من نفحات القدس وجعلناه آية للّذينهم كانوا في فردوس العزّ يحبرون وأمرناه بأن يبذل على الممكنات رشحا من طماطم اليمّ المسجود الّذي أكرمناه بالحقّ وما يطّلع بذلك إلّا نفسنا الحقّ وكان ذلك في أزل الآزال في حجبات القدرة لمحفوظ فلمّا تمّ هيكل الكلمة في سرّه قال يا قوم اتّقوا اللّه ولا تتّبعوا الشّياطين في أنفسكم واتّقوا من يوم كلّكم إلى اللّه ربّكم ترجعون وما أدعوكم إلّا إلى اللّه وأبشّركم بأيّام الّذي فيها يغرّد الورقاء على أفنان سدرة العزّ إن أنتم تستطيعون أن تسمعون يوم الّذي يظهر اللّه بأمره ويكلّمكم على لسان عليّ محبوب هذا يوم الّذي يرجوه هياكل القدس وما فاز به أحد إلّا الّذينهم كانوا عن كلّ ما سوى اللّه منقطعون ويا قوم فاستعدّوا للقاء اللّه في أيّامه وهذا ما ينفعكم عمّا تطلع الشّمس عليه إن أنتم توقنون ويا قوم هذا كتاب اللّه آمنوا به ولا تحرّفوه فيما أُمرتم فيه بالحقّ إن أنتم تعلمون وليس بالنّعمة أن يحيي الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم اللّه القادر المقتدر المهيمن القدّوس ويا قوم فاسمعوا ما نلقي عليكم من كلمات الحكمة ولا تدعوا كتاب اللّه وراء ظهوركم وأجيبوا داعي الرّوح ثمّ بهذا النّار في مصباح الحقّ توقدون ويا قوم ما نسئلكم من أجر ولا جزاء ولا شكور إنّما أجري على الّذي فطرني وأرسلني بالحقّ وجعلني عليكم سلطانا لأقربكم إلى ساحة القدس وأهديٰكم إلى ميادين العزّ إن أنتم تحبّون أن تدخلون وما آمن منهم أحد وما أقبلوا إلى هذا الوجه الدّرّيّ المكنون ومن النّاس من كفّره ومن النّاس من أعرض عنه ومنهم من جادله بالباطل ومنهم كانوا به أن يستهزؤن إلى أن ضاقت الأرض عليه بحيث ما بقي له من محلّ آمن ليسكن فيه وكذلك أحطنا أمره وأنزلناه عليك من قلم قدس محكوم حتّى جاء نصرنا بالحقّ ونصرناه بجنود لن تروها وأرفعناه إلى سماء القدس وانقطعنا أيادي الكفر عن ذيل ردائه كذلك نفعل بالّذينهم كانوا في مرضاتنا يصبرون وكذلك نلقي عليك من أسرار الأمر فيما اكتسبت أيدي النّاس من قبل كما كانوا اليوم يكتسبون بذلك فاعرف في سنن القبل ممّا قضى على النّبييّن والمرسلين لتكون مستبصرا في أمر دينك وتكون من الّذينهم كانوا في دار السّلام أن يدخلون

ودارت الأيّام واللّيالي أن بعث محمّد بالحقّ وأشرقناه عن مشرق البطحاء كإشراق شمس البقا على مدينة بلّور مبيوض وأضاء واستضاء منه يثرب القدس وبطحاء العزّ إن أنتم تعلمون إذا أرفعنا غمام الجود وأمطرنا على مداين الطّهر من أمطار فضل محبوب لينبت في قلوب المقدّسين من نبات علم مخزون وأجرينا بوجوده يمايم الفضل وجدّدنا به الأديان وأظهرنا كلّ شيء بطراز الرّبيع في فصول قدس ممنوع قال يا قوم آمنوا باللّه الّذي خلقكم ورزقكم ثمّ اشكروه بما آتيٰكم من نعمائه ولا تكوننّ من الّذينهم كانوا بنعمة اللّه أن يكفرون ويا قوم ما أنا إلّا بشير ونذير أبشّركم برضوان اللّه وأنذركم من يوم الّذي أنتم على التّراب تبعثون وتسئلون عمّا اكتسبتم في الحيوٰة الباطلة وتجزون بما كنتم أن تعملون ويا قوم ما انطق عن الهوى يوحى إِلَيَّ إنّه لا إله إلّا هو العزيز المقتدر المشكور ويا قوم هذا سبيلي فاتّبعوه ولا تتّبعوا الّذين يرتكبون الفحشاء في أنفسهم ويفعلون ما أنهيٰهم اللّه عنه وكانوا في هواء أنفسهم مغرقون ويا قوم ما نريد منكم من شيء وما جزائي إلّا على الّذي أرسلني بالحقّ أَلَّا تختلفوا في دين اللّه ولا تعقّبوا علماء الباطل ولا تكوننّ من الّذينهم لا يرجون لقاء اللّه العزيز المهيمن القيّوم ويا قوم لا تحرموا أنفسكم وأرواحكم فاسرعوا إلى مناهج القدس في هذا الشّاطئ الذي ما دخل فيه من أحد إلّا الّذينهم كانوا في رضى الرّوح يسلكون ويا قوم فاعرفوا قدر تلك الأيّام وإنّ عيون البقاء ما شهدت بمثلها وما وقعت عليها اتّقوا اللّه ثمّ برسل اللّه لا تعتدون قالوا ما أنت إلّا كأحد مثلنا وما نتّبعك في أمرك وما نريٰك من فضل وما أنت إلّا رجل مسحور وأعرضوا عنه قومه ومنهم قالوا ما هذا إلّا رجل افترى على اللّه ومنهم قالوا ما هذا إلّا رجل مجنون ومنهم من قال فأنزل علينا كسفا من السّماء أو تأتينا بقبيل من الملائكة أو تفجّر لنا ينبوعا في الأرض أو تظهر لنا كنوزا من ذهب حُمْرٍ مَسْكُوكٍ قال يا قوم ما أنا إلّا بشر مثلكم أبلّغكم رسالات اللّه وما أقول حرفا تلقاء نفسي وكان اللّه شهيدا بيني وبينكم اتّقوا اللّه ولا تغرّنّكم الدّنيا بزينتها وزخرفها فاعتصموا بحبل اللّه ثمّ عن أمره لا تتجاوزون وما نأمركم إلّا بما أمرت من عند اللّه ويشهد بذلك ذرّات الممكنات إن أنتم بسمع الرّوح تسمعون ويا قوم هذه آيات اللّه نزلت عليكم فبأيّ حجّة بعدها أنتم تؤمنون وما قدّر اللّه حجّة في الملك أكبر عن الآيات وهذه من آياته خافوا عن اللّه ثمّ ببرهانه لا تستكبرون وهذه ما لا يقاومه شيء في الأرض ولا يعادله كلّ من في السّموات إن أنتم ببصر اللّه في أيّامه تتفرّسون قالوا لن نؤمن بك ولا بالّذي أرسلك وما أنت إلّا الّذي تريد أن تنهيٰنا عمّا يعبد آبائنا وكذلك عرفناك وما نراك إلّا من الّذينهم كانوا على اللّه يفترون وكلّما انصحناهم بنصح الحقّ ما أقبلوا إليه إلى أن زادت نار الشّقوة في أنفسهم واجتمعوا على قتله وشاوروا مع علماء العصر وكذلك كانوا في دين اللّه يمكرون ونجّيناه بالحقّ وأرفعنا أمره وأثبتنا الآيات رغما للّذينهم كانوا في الأرض يسترفعون

نبّئ عبادي بالّذي جائهم بالحقّ باسم عَلِيٍّ وأشرق عن أفق القدس بأنوار عزّ محبوب وجرت عن يمينه أنهار الرّوح في بدايع علم مكتوم قال يا قوم قد ارتفعت غمام الحكمة وجاء اللّه بأمره وهذا ما وعدتم في كلّ الألواح اتّقوا اللّه ثمّ إِلَيَّ فاسرعون ويا قوم أنابن نبيّكم قد جئتكم بآيات الّتي تتحيّر عنها العارفون وهذه من حجّة اللّه وبرهانه لا تدحضوها بظنونكم ثمّ في أنفسكم فانصفون وهذه من شريعة اللّه قد شرع لكم بالحقّ إن أنتم توقنون ويا قوم فواللّه ما أريد إلّا اصلاح أديانكم في كلّ ما أنتم اليوم فيه مختلفون ويا قوم هذه من نسمات الرّوح يهب عليكم ويقلّبكم من الموت الفانية إلى الحيوٰة الباقية إن أنتم إليها تتوجّهون ويا قوم قد اثمرت شجرة العلم في هذه السّدرة الأزليّة وفصّلت نقطة الأوّليّة وتمّت كلمة اللّه المهيمن القيّوم ويا قوم قد كشف الجمال ورفعت الحجبات وغنّت الورقاء واستنار جودي القدس واستضاء كلّ من في السّموات والأرض إن أنتم بعين الرّوح تشهدون قالوا ما نراك على حقّ وما وجدنا في أيّامك ما وعدنا به في كتب آبائنا وما نتّبعك ولو تأتينا بكلّ آية قال يا أيّها الملأ اتّقون فانظروا إلى ما جعله اللّه حجّة باقية وبرهانا ثابتة لمن في السّموات والأرض إن أنتم تعرفون ويا قوم كلّ ما أنتم تنتظروه وسمعتم من آبائكم وعلمائكم يثبت بالآيات وهذه من آيات القدس الّتي ملئت كلّ من في السّموات والأرض كما أنتم تشهدون إن لن توقنوا بالآيات فبأيّ شيء أنتم اليوم في دينكم تطمئنّون ولدونكم تستدلّون سيفنى الدّنيا وما فيها وعليها وأنتم في محضر القدس بين يدي اللّه تحضرون ويا قوم لا يمنعكم زخارف القول عمّا سمعتم من علمائكم ولا تشتبهوا الأمر على أنفسكم واستنصحوا بنصحي ثمّ بنصح اللّه لا تكفرون كلّما زاد الذّكر في ذكر اللّه ما زاد إلّا طغيانا إلّا أن أفتوا عليه العلماء كلّهم إلّا الّذينهم اطّلعوا بسنن اللّه العزيز المحبوب وبلغ الأمر إلى أن اجتمعوا على قتله حتّى علّقوه في الهواء وضربوا عليه أفواج الكفر رصاص قهر مبغوض وشبكوا جسد الّذي يخدمه روح القدس وزاروا ترب قدميه أهل ملأ الأعلى وسكّان الفردوس بنعاله يتبرّكون وبذلك بكت عيون الغيب في سُرَادِق البقاء وتزلزلت أركان العرش واهتزّت جواهر الوجود وتمّت سقاية الشّجرة في نفسه من هذا الدّم المنير المسفوك فسوف يظهر اللّه سرّ هذا الشّجرة ويرفعها بالحقّ ويغنّ بأنّه لا إله إلّا هو وكلّ عبادي خلقناهم لأمري وكلّ بأمري عاملون

وهذا ما كتبنا لنفسنا الحقّ بأن ترفع الّذين استضعفوا في الأرض ونضع الّذينهم يستكبرون وما أرسلنا من رسول ولا من نبيّ ولا من وَلِيٍّ إلّا وقد اعترضوا عليهم هؤلاء الفسقة كما تشهدون اليوم هؤلاء الفجرة كانوا أن يعترضون وما أعرض النّاس في عهد إلّا بعد الّذي أعرضوا علمائهم واستكبروا على اللّه وكانوا بآيات اللّه يحجدون فكلّما أعرضوا أعرض الّذينهم اتّبعوهم في هويٰهم وما آمنوا منهم أحد إلّا الّذين أوتوا بصائر القدس وامتحن اللّه قلوبهم للإيمان وسقيٰهم من كئوس قدس مختوم ختامها من مسك الرّوح وهم عن خمر الإيقان من هذا الكأس مسكرون أُولئك هم الّذين يصلّون عليهم ملائكة الفردوس في جنّة البقا وهم في كلّ آن بفرح اللّه يستفرحون وما بعثنا من نبي إلّا وقد كفّروه العلماء وفرحوا بما عندهم من العلم كما كانوا اليوم بعلومهم كانوا أن يفرحون قل يا معشر العلماء أَتَدَعُونَ بَعْلاً في أنفسكم وتَذَرُونَ الّذي خلقكم وعلّمكم ما لا تعلمون وأنتم يا ملأ الأرض تفكّروا في أمر هؤلاء الفسقاء وبما اكتسبوا من قبل وبكلّ ما كانوا اليوم أن يكتسبون وبه يشتغلون قل إن لم يكن هذا الّذي جائكم بآيات بيّنات على حقّ من اللّه كما أنتم اليوم في مقاعدكم تقولون فبأيّ بيّنة تستدلّون بالحقّ للّذي أرسلناه باسم محمّد من قبل إذا يا ملأ البغضاء في أنفسكم فانصفون قل هل تستدلّون بغير ما نزّلنا من قبل على محمّد من آيات عزّ مشهود قل يا ملأ الجهّال أن تستدلّون بغير ما نزّل عليه من لدى اللّه المهيمن القيّوم فأتوا بها إن أنتم تنصفون في أنفسكم أو تكونوا في أقوالكم لصادقون وإن لم يكن بينكم من حجّة ولا برهان إلّا بما نزّل من الآيات من سماء عزّ محبوب فَلِمَ لا تؤمنون بالّذي جائكم بآيات الّتي ملئت شرق الأرض وغربها وانصعقت منها كلّ من في السّموات والأرض إلّا الّذينهم كانوا بآيات اللّه مجتذبون لا فوالّذي نفسي بيده هؤلاء الفسقاء هم الّذين ما آمنوا باللّه في مظاهر أمره وكفروا بها بعد ما استيقنتها أنفسهم وكانوا عن لقاء اللّه معرضون بعد الّذي كلّ وعدوا بذلك في كلّ الألواح ويرجوه في أيّامهم ولياليهم فلمّا جائهم الوعد إذا أعرضوا واستكبروا وكانوا مريبا عن لقاء بارئهم وكانوا على أعقابهم منقلبون إلى أن افتوا على اللّه وحكموا على مظاهر أمره بما هم كانوا عليه مقتدرون وما قُتِلَ أحد من الرّسل إلّا بعد إذنهم وبغوا على اللّه في أيّامه وأفرطوا في جنب اللّه وما كانوا عن يشعرون إذا فانظر الّذينهم كانوا على الأرض ويدّعون الإيمان لأنفسهم كأنّهم اقبلوا إلى التّراب وأعرضوا ربّ الأرباب وكانوا على أصنام أنفسهم وهويٰهم لعاكفون ويستفخرون بالّذينهم ما ادّعوا في الأرض إلّا العبوديّة للّه الحقّ ثمّ على اللّه ربّهم يفترون ويقطعون البوادي إلى أن تصلوا إلى بقعة الّتي دفن فيها اسم من الأسماء ثمّ عن موجدها في أرضه يمرّون ولا يشعرون

ومنهم الّذي سمّي بالعبد لهذا الإسم الّذي انشعبت عنه بحور الأسماء ويشهد بذلك أهل سُرَادِق البقاء ومن ورائهم هذا القلم الدّرّيّ المكنون وهذا هو الّذي يفرّ الشّيطان عن كفره واحترق من ناره أكباد الّذينهم انقطعوا إلى اللّه وكانوا على ربّهم متوكّلون وما آمن باللّه طرفة عين وهذا هو الّذي وَسْوَسَ الشّيطان في نفسه حتّى غفله عن ذكر ربّه وأخرجه عن جوار قدس محبوب وهذا هو الّذي علّم القابيل بأن يقتل أخيه وكان من الّذي استكبر في أوّل الأمر على اللّه المهيمن القيّوم وما من كُفْرٍ وما من ظُلْمٍ وما من فِسْقٍ إلّا وقد بدء من هذا الشّقيّ وسيعود كلّ ذلك إليه إن أنتم بفراسة اللّه تتفرّسون إذا تشرون إليه ملائكة الفردوس في ملأ الأعلى بأناملهم ويخبرون بعضهم بعضا بأنّ هذا هو الّذي استكبر على اللّه في أزل الآزال واعترض بالنّبييّن والمرسلين فاعرفوه ثمّ ألعنوه إن أنتم تعرفون ولذا جعله اللّه خادما لحروفات نفسه رغما لأنفه بحيث يعمّر جدار الّذي كان منسوبا إليهم وافتى عليهم وبذلك يفتخر ولا يشعر وكذلك يأخذ اللّه الّذينهم كانوا بجناحين الهوى في هذا الهواء يطيرون قل أُفٍّ لك يا خنزيز وبما اكتسبت أيداك بحيث جرّبت سيف نفسك على وجه اللّه واستكبرت على اللّه المهيمن العزيز القدّوس وفي ظنّك بأنّك أنت من الّذينهم يخدمون آل اللّه بتمامهم وما تدري من ذنبك الّذي ارتكبت في الحيوة الباطلة ولا يعادله شيء في السّموات والأرض ولا كلّ ما كان وما يكون وتحسب بأنّك تعمّر عماراتهم وتبني أساسها لا فوالّذي نفسي بيده ما عمّرت بل خرّبت أساس البيت وانهدمت أركانها وانعدمت آثارها ويشهد بذلك لسان الغيب في جبروت العزّ ولكنّ النّاس هم لا يشهدون وأنت الّذي أفتيت على صاحب البيت وأصلها وما استحيت عن اللّه ربّك وربّ كلّ شيء وتحسب بأنّك تعمّرها وهذا بَغْيٌ من نفسك الخبيثة على اللّه العزيز المحبوب فاسئلوا منه يا ملأ الأرض أما تقولون بأنّ اللّه أنهى في كتابه الحقّ بأن لا تأخذوا أموال النّاس بالباطل ثمّ عن أمره لا تستنكفون وكيف تأخذ أموال النّاس بالباطل عن الّذي بغى على اللّه وكان ظلمه أظهر من الشّمس في وسط السّماء ثمّ بها هذه البيوت تعمّرون ونشهد حينئذ بأنّ صاحب البيت برئي منكم ومن أعمالكم ويلعنكم بما اكتسبت أيديكم لو أنتم في أسرار الأمر تتفكّرون وسمعنا بأنّ هذا الملعون يفتخر في المجالس باستكباره على اللّه قل قد افتخروا رجال من قبلك وكلّ حينئذ في النّار يستصرخون ولن يجدون لأنفسهم من معين ولا من ناصر وكلّما يستغيثوا بماء العذاب لا يغاثون إلّا بنقمة اللّه الّتي يعذّب منها الّذين كفروا وإنّك أنت سترجع إلى مقرّك في النّار الّتي يعذّب فيها المشركون قل فواللّه يا أيّها المشرك باللّه والمعرض بآياته والكافر بنعمائه أهل الدّركات السّفلى من نار نفسك يفرّون ويستعاذون باللّه منك ومن شرّك وفي كلّ حين عليك وعلى من تبعك يلعنون قل أما انهيٰكم اللّه عن التّوجّه إلى الّذينهم ظلموا وكفروا بقوله الحقّ: ﴿ لَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ فبأيّ برهان أنتم تفتخرون بهذا الظّالم الفاجر الّذي يرتكب في نفسه كلّ ما أنهى اللّه عنه ويضع كلّ ما أمر به كما أنتم من أعماله تشهدون ومع ذلك أنتم تستقربون إليه وتعظّمونه وتوقّرونه وتمدّحونه في مجالسكم وتعيّنونه في أمره ثمّ إليه في أموركم تتوجّهون وهذا سرّ ما نزّل من قبل على محمّد العربيّ من كلمات عزّ محفوظ ولكلّ وجهة هو موليها والخبيثات للخبيثين وهذا هو الخبيث الذي تقرّب بالجبت وآمن بالطّاغوت وكفر باللّه وكان من الّذينهم كانوا على اللّه ربّهم يستكبرون وهؤلاء لا يلتفتون على ما فعلوا وظلموا في أيّام اللّه ويكفرون ويلعنون الّذينهم ظلموا وأعرضوا من قبل ولا يدرون ما يقولون وما يلعنون إلّا على أنفسهم ويكذّبهم أقوالهم كلّما اكتسبت أيديهم وهؤلاء هم الّذين كفروا باللّه بعد ما عرفوه من قبل كما كانوا اليوم أن يكفرون

وكذلك قصصنا لك من قصص الحقّ في هذه الألواح وفصّلنا من كلّ شيء تفصيلا هدى ورحمة من لدنّا لقوم يتّقون لتعرف كلّما جرت من قرون القبل على أُمناء اللّه وسفرائه لئلّا يزلّ قدمك وأقدام الّذينهم على الصّراط يمرّون حينئذ لمّا شغفت حمامة الأمر من لحنات البقاء واستجذبت من نغمات الورقاء طلعت عن رضوان القرب ويكفّ بين الأرض والسّماء ويدفّ بأجنحة القدس في فضاء هذا الهوا وينادي في ذرّ البيان علماء الّذين ظهروا من قبل أو كانوا من بعد أن يظهرون إلى يوم الّذي يأتي الله بأمره ويقدّر مقادير كلّ شيء بقوله كن فيكون ويوصيهم ثمّ ينصحهم بنصح الّذي هو خير لهم عن ملك الآخرة والأولى وعن كلّ ما هم يعملون بأن لا يطمئنّوا بعلومهم ولا بأعمالهم ولا بكلّ ما هم كانوا به ليدينون

أن يا معشر العلماء في البيان لا يمنعكم العلم عن بارئكم فإذا سمعتم نداء الله فانقطعوا عمّا عندكم ثمّ إلى ساحة القدس بعيونكم فاسرعون وقدّسوا أنفسكم وأرواحكم عن كلّ ما عرفتم وعملتم من قبل لئلّا يمنعكم شيء عن الله بارئكم لعلّ أنتم في مشهد القدس بين يدي الله تقعدون لأنّ كلّ ذلك حجبات وإشارات يحول بينكم وعرفان الله المهيمن العزيز القيّوم نزّهوا مرءات قلبوبكم في هذا اليوم لعلّ لا يمنعكم شيء عن الدّخول في حرم الله المقتدر المحبوب وإنّ المرءات لو يغطّى بكدورات النّفس والهوى لن ينطبع فيها صور وأشكال وكذلك في مرءات قلوبكم فاشهدون اتّقوا الله يا معشر العلماء لا يغرّنّكم العلم ولا الحكمة ولا دونهما فاستبقوا في هذا اليوم إلى رحمة الله ولا تقعدوا على مقاعدكم ثمّ بين النّاس لا تتحاكمون ومن سمع منادي الله في يوم الّذي يقوم على الأمر بمظهر نفسه ويتأمّل أو يصبر أقلّ من آن يبطل كلّما عمل في حياته ولو أنفق ملأ الدّنيا من الذّهب والفضّة أو عبد الله في أزل الآزال كذلك نعلّمكم سبل الحقّ لعلّ أنتم بأثمار شجرة القدس في أيّام الله ترزقون

إيّاكم يا ملأ البيان لا تفرحوا بعلمكم ولا بعملكم بل بعلم الله فافرحون لأنّ العلم ما يشرع لكم من عنده والعمل ما يقبل منكم من فضله اتّقوا اللّه ثمّ بأموالكم لا تستكبرون وإنّه لو يحكم على الجهل نفس العلم أو على الظّلم جوهر العدل لحقّ وإنّا كلّ بذلك مؤمنون إنّه ما من إله إلّا هو يفعل ما يشاء ولا يُسْئَل عمّا شاء وكلّ عن كلّ شيء في محضر العدل يسئلون اتّقوا اللّه ولا تكونوا بمثل الّذينهم استكبروا على اللّه بعد الّذي كلّ كانوا بلقائه منتظرون مثل العلماء الّذين يفتخرون بعلمهم في أيّام اللّه كمثل الّذين عبدوا الأصنام لأنّهم اعتكفوا على أصنامهم وهؤلاء اعتكفوا على علومهم بل هذا أكبر لو أنتم في أنفسكم تتفكّرون فاعلموا بأنّ كلّ ما يمنعكم عن اللّه بارئكم هو أصنامكم لو أنتم تشعرون فواللّه قد نصحناكم غاية النّصح وهذا خير لكم عن ملك الآخرة والأُولى لو أنتم تحفظون

وإنّك أنت يا أيّها السّائل فاقرأ تلك الألواح بروحك ولسان سرّك ثمّ أنشر بين الّذين تجد منهم روايح الإيمان ثمّ استرها غاية السّتر عن الّذين تجد منهم رايحة البغضاء اتّق اللّه ولا تكن بمثل الّذينهم كانوا اليوم في هواء أنفسهم يسلكون ولا ينظرون بالمنظر الأكبر بعد الّذي أمروا بذلك وأرادوا أن يخمدوا نار اللّه الّتي أنارت منها كلّ من في السّموات والأرض ولا يشعرون ما فعلوا من قبل ولا بكلّ ما كانوا اليوم أن يفعلون أما سمعت كيف اجتمعوا علينا في هذه السّنة علماء العصر وإنّا أقمنا في معاركهم وحدة وما استنصرنا من أحد إلى أن فرّقهم اللّه بقدرته وأضاء النّور بالحقّ بعد الّذي كلّ أرادوا أن يطفئون فسوف يطهّر اللّه الأرض من دنس هؤلاء ويعلوا حجّته ويثبت برهانه ويرث الأرض عباد الّذينهم انقطعوا إلى اللّه المهيمن القيّوم ثمّ اعلم بأنّا افتخرناك بهذه الألواح بين المشرق والمغرب وجعلناها لك قميصا لتجد منه رايحة السّبحان ولو تضعه على بصر أهل السّموات والأرض يرتدّ أبصارهم بصيرا وكذلك نفعل بالحقّ رغما لأنف الّذينهم كانوا اليوم بآيات اللّه يستهزؤن

قل يا ملأ الأرض إنّ هذه لنغمات ما فاز بها سمع الّذينهم خلقوا من التّراب إن أنتم توقنون وهذه من كلمات ما أدركت أفئدة أحد في الملك إن أنتم إلى مقاعدها في سماء القدس تعرجون وهذا من جمال ما وقع عليه عيون أحد في الملك إن أنتم ببصر العزّ تبصرون وهذا سراج القدس ما قَبِلَ في نفسه المشكاة ويكتفي بمشكاة اللّه المهيمن القيّوم قل تاللّه هذه لَنَارٌ تدندنت في حولها ملأ الفردوس وما قبسوا منها إلّا الّذينهم في حول الشّجرة يطوفون وما استثنا هؤلاء إلّا تشوّقا للّذينهم حضروا في بقعة المباركة ثمّ من هذا النّار على قدر مراتبهم يصطلون لعلّ ينقطعون عن هويٰهم ويفوّضون أمورهم إلى اللّه ولا يحزنهم الفقر والاضطرار ولا يمسّكهم البأساء والضّرّاء عن حبّ اللّه العزيز المحبوب قل هذه الكلمات لحوريّات ما اطمئنّ أحد في الملك وكنّ باكرات في غرفات العزّ وقد أظهرناهنّ عن خلف ألف ألف حجاب لعلّ أنتم عن جمالهنّ تستفيضون أقلّ من أن يحصى ومن نغماتهنّ على أفنان سدرة تلك الكلمات تستنجذبون إذا لمّا بلغ القول إلى ذلك المقام الألطف الأرقّ الأبهى الأعلى اذكر ربّي بلسان الخلايق كلّهم ثمّ قبل الأشياء بأجمعها:

فسبحانك اللّهمّ يا إلهي تشهد حينئذ ألسن سرّنا بوحدانيّتك وشفتانا بفردانيّتك وكينوناتنا بصمدانيّتك وذاتيّاتنا بأحدانيّتك فلك الحمد في بدايع عطائك وجميل إحسانك بحيث أرسلت الرّسل من عندك وأنزلت الكتب من لدنك وشرعت فيها شرايع قربك وأظهرت فيها مناهج وصلك وما نزّلت فيها من الأحكام إلّا وهو خير لنا عمّا تطلع الشّمس عليها وما قدّرت فيها من خير ولا من فضل إلّا وهو يرجع إلينا وإنّك أنت كنت لم تزل مقدّسا من أن تريد لنفسك من شيء أو يرجع إليك من خير لم تزل كنت في علوّ القدس والفضل والغنا ولا تزال تكوننّ في سموّ العزّ والنّزه والإستغنا كلّ الأغنياء فقراء لدى باب مدين فضلك وكلّ العززاء ذللاء لدى ساحة قدس رحمتك وكلّ الملوك مملوك عند ظهورات سلطنتك وكلّ الوجود منقاد لدى بروزات حكومتك إلى أن انتهيت الأمر إلى جمال قدس ألوهيّتك وهيكل عزّ قدّوسيّتك وأظهرت عن خلف حجبات القدرة ما كنزته في أزل الآزال بقوّتك ليتمّ بذلك بدايع نعمتك على أهل مملكتك وجواهر عنايتك على برّيتك وبذلك وفيت كلّما وعدته على المنقطعين من أصفيائك وأدّيت بكلّما عهدته على المقرّبين من أُمنائك وبه اتممت حجّتك وأكملت برهانك وأثبتت دلائلك وأتقنت آياتك ودعوت الكلّ إلى هذا الفضل الأكبر الأعلى وهذه الشّجرة القصوى القصوى ومن النّاس الّذينهم أجابوك في ندائك وحدثت من كلمتك في قلوبهم نار محبّتك بحيث احترقوا من قبل أن تمسّوا بنار سدرة أزليّتك ومنهم الّذين سرعوا إلى شاطئ قربك بقلوبهم ونفوسهم وأرجلهم حتّى دخلوا في حصن لقائك ووردوا في جوار وصلك ورحمتك ومنهم الّذينهم انقطعوا بكلّهم إليك حتّى سكنوا في ديارك وتوطّنوا في بلادك ومنهم أعرضوا واستكبروا عليك وبغوا على نفسك وأمسكهم عن سبيل عنايتك ومناهج مغفرتك أنفسهم وهويٰهم وعلماء الّذينهم ما شربوا عن كأوس فضلك وما تمسّكوا إلّا بعروة هويٰهم واتّخذوها إلههم من دونك ومنهم هؤلاء الّذين اجتمعوا في أرضك وآووا في ظلّ عنايتك الكبرى واسمك الأعظم الأعلى الأوفى الأحلى وفي كلّ ذلك يا إلهي لم يكن الفضل إلّا من عندك ولم يكن العناية إلّا من لدنك من دون استحقاق أحد بذلك لأنّك كشفت الغطاء عن وجوههم وأحرقت الحجبات الّتي حالت بينهم وبين أنوار جمالك وظللت عليهم من غمام رحمتك وأجريت لهم من عيون علمك ورحمتك ورزقتهم من بدايع أثمار سدرة قدسك وجودك وموهبتك وبلغتهم إلى الفضل إلى مقام عرّفتهم نفسك الأبهى في اسمك العليّ الأعلى ونوّرت قلوبهم وعيونهم بجمالك النّوراء وشرّفتهم بلقاء وجهك الأسنى وأسمعتهم نغماتك الأحلى فلك الحمد يا إلهي على ما اختصصتهم بنعمائك الباقية فلك الحمد يا محبوبي على ما اصطفيتهم لآلائك الدّائمة إذا يا إلهي لمّا كان عادتك الجود والإحسان وسجّيتك العناية و الإمتنان أسئلك بوله قلوب عاشقيك وجذب أفئدة مخلصيك الّذينهم ما أرادوا غيرك وما ذاقت قلوبهم إلّا من بدايع ذكرك بأن تهب حينئذ عن يمين رضوان قدس أزليّتك نسمات الغفران ليذهب عن الإمكان روايح العصيان ليرجعنّ كلّ إليك ويدخلنّ كلّ في مداين اسمك وحدايق إحسانك وإنّك أنت المقتدر على ما تشاء وإنّك أنت العزيز الكريم الرّحيم الغني المعطي الفاضل الباذل العليم الحليم الخبير المعين العطوف الغفور ثمّ أسئلك اللّهمّ يا إلهي بإسمك الظّاهر المستور وبجمال غيبك المشهور وبأنوار وجهك الّذي بها استنار كلّ من في السّموات والأرض وببهاء إشراق أسمائك الّذي منها استضاء كلّ من في البقاءات والعرش وبالّذي تظهرنّه في أيّامك ووعدت به كلّ أُمنائك وأصفيائك في جميع ألواحك بأن تجمعنا على شريعة غنائك في يوم قيامك ولا تحرم يا إلهي في هذا اليوم عيوننا عن ملاحظة أنوار جمالك ولا آذاننا عن استماع نغمات عزّ فردانيّتك ولا قلوبنا عن بدايع أذكار قدس ربّانيّتك ولا أفئدتنا عن إصغاء كلمات صمدانيّتك ولا ألسنتنا عن جواهر أذكار وحدانيّتك ولا أيدينا عن الأخذ من ألواح قدس ألوهيّتك ولا أرجلنا عن المشي إلى ساحة قرب أزليّتك ولا أجسادنا عن الحضور بين يدي سلطنتك وكبريائك وإنّي أسئلك حينئذ يا إلهي بأن لا تجعل هذا الفضل مخصوصا ببعض دون بعض ولا تحرم في ذلك اليوم أحد من عبادك ولا تعزّ نفس عن جميل ردائك لأنّي أُشاهد في هذا الآن بأنّ كلّ الأشياء قائم لدى مدينة فضلك ورحمتك ووجودهم وهياكلهم تشهد بفقرهم وافتقارهم وضرّهم واضطرارهم ولو أنّ أكثرهم لا يشعرون في أنفسهم ولا يفقهون في ذواتهم فسبحانك يا إلهي ومحبوبي وإن كان أجسادهم ينكرون بدايع فضلك وجواهر إحسانك ولكن سرّهم وباطنهم سائلون فضلك ومنقادون لأمرك من يقدر يا إلهي بأن يفرّ من سلطنتك أو يهرب من حكومتك أو ينهزم من قدرتك واقتدارك فأنزل يا إلهي عليهم من سحاب رحمتك أمطار قدسك وعنايتك ثمّ على قلوبهم من غمام مكرمتك مياه فضلك وإفضالك لينبت من أراضي وجودهم سنبلات علمك وحكمتك وحبّات شوقك ورحمتك وإنّك المقتدر على ما تشاء وإنّك أنت المتعالي المتفاضل المتقادر المتباذل العزيز الرّفيع العليّ الحليم المقتدر المتعزّز الكريم المحبوب

وأمّا ما سئلت عن حكم الحديث فاعلم بأنّ للسّالك إلى اللّه في هذا المنهج الدّرّيّ البيضاء ينبغي بأن يقدّس مرآت قلبه في تلك الأيّام عن كلّ ما سمع من قبل لأنّ النّاس بعد الّذي غابت عنهم شموس العلم والحكمة اختلفوا في أمر اللّه المهيمن القيّوم وبعضهم ضلّوا وأضلّوا النّاس وافتروا على اللّه في كلماته وكلمات اللّه وتكلّموا بما أمرهم هواهم ونسبوه إلى شموس العصمة وما كادوا أن يفقهون وبعضهم اتّبعوا سلاطينهم وأيّدوهم في كلّما أمرهم أنفسهم ووضعوا لهم أحاديثا ونسبوها إلى أئمّة العدل ليقرّبوا إليهم وكذلك كانوا في هواء أنفسهم يحكمون ومنهم الّذينهم خافوا عن اللّه بارئهم في أيّامهم وسلكوا مناهج الحقّ وما تكلّموا إلّا بالحقّ الخالص وكلّ كان في كتاب الحفظ لمسطور ولمّا دارت الأيّام واللّيالي ومضى الأمر وقضي الحكم ظهرت الإختلاف بين العلماء وبذلك اختلطوا أقوال الصّحيحة بالكذبة كما أنتم تشهدون في أقوالهم ثمّ في أعمالهم تنظرون ولمّا كان الأمر بمثل ما ألقيناك كيف تقدر أن تعرف الحقّ من الباطل بعد الّذي اختلفوا كلّ في أمر اللّه بحيث لن تجد إثنين منهم على أمر واحد وكلّ في كلّ شيء كانوا أن يختلفون فينبغي لك وللّذينهم يتّبعون الحقّ في تلك الأيّام الّتي كلّ احتجبوا عن اللّه إلّا عدّة أنفس معدود بأن تقدّسوا نفوسكم وقلوبكم عن كلّ ما يشهد ويرى في الأرض لأنّكم بشيء عمّا سمعتم من قبل لا تحتاجون لأنّ الّذين ينسبون النّاس تلك الكلمات والأحاديث إليهم ليستضيء وجوههم كالشّمس في سماء قدس مرفوع وبيّنوا للنّاس كلّما اختلفوا فيه وبما حدّد في الكتاب من اللّه العزيز المحبوب وأولئك انصعدوا إلى اللّه واحتجبوا جمالهم عن أعين الّذينهم كفروا وأشركوا وارتقبوا سراج الدّرّيّ الّذي يوقد ويضيء خلف مصابيح البلّور ويهدي النّاس إلى ساحة القدس والفضل ويبلغهم إلى جوار عزّ مخزون ومع ذلك لن يحتاج أحد بشيء إلّا بما شرع من شرايع الرّوح من لدن عزيز مشهود ولكن إنّك لمّا قمت على باب الّذي ما خيّب منه أحد من الخلايق لذا ألقي عليك رشحا من هذا الطّمطام المتذخّر المتوّج المكفوف لتكون الحجّة بالغة من لدى اللّه على كلّ من في السّمٰوات والأرض لعلّ النّاس عن مراقد الغفلة بين يديّ اللّه يقومون فاعلم بأنّ لكلمات اللّه وسفرائه معاني بعد معاني وتأويلات بعد تأويلات ورموزات وإشارات ودلالات وحكم بما لا نهاية لها ولن يعرف أحد حرفا من معانيها إلّا من شاء ربّك لأنّ معانيهم كنوزهم كنوزها في خزاين الكلمات ولا يعلم أسرارها إلّا اللّه العزيز المقتدر المحمود وسيعلم تأويلها كلّ من عرج إلى سموات القرب والقدس وقدّست بصراه بذكر اللّه وبلغ إلى مقام الّذي يشهد بلسان المودعة في سرّه بأنّه لا إله إلّا هو وإنّه لهو الّذي كان ولم يكن معه من شيء إذا يلتفت بكلّ المعاني والعرفان المكنونة في كلّ شيء من قبل أن يقول كن فيكون كذلك تلقيك الورقاء من نغمات البقا وتعلّمك ما ينقطعك عن كلّ من في الأرض والسّماء لتجهد في نفسك وترتقي من هذه الأرض الأدنى وتصعد إلى سمٰوات الأعلى في مقعد قدس محبوب

فاعلم بأنّ المقصود من الجمعة يوم الّذي فيه يجتمع النّاس بين يديّ اللّه وفيه يقوم اللّه على أمره بمظهر نفسه وهذا الحقّ معلوم وفيه تغرّد الورقاء وتدلع ديك العرش وترفع سمٰوات العدل ويحشر فيه كلّ الخلايق بكلّ ما عملوا في الحيوٰة الباطلة ويجزون بكلّ ما كانوا أن يفعلون وهذا من يوم الجمع قد نزل حكمه في الفرقان كما أنتم تقرؤن ولذا لن يحدّ بحدّ ولن يختصّ بيوم بل كلّ يوم قام فيه اللّه يسمّى بالجمعة لو أنتم تعرفون ولمّا قام محمّد في ذلك اليوم على الأمر لذا سمّي بهذا الإسم وصار مختصّا به كما أنتم تعدون وهذا من يوم الّذي سمّي بالتّغابن والرّجع والقارعة والحاقّة والواهية وغيرها من الأسماء لأنّ فيه ظهر كلّ ذلك وكلّ ما أنتم لا تعلمون ويسمّى بالقيامة لأنّ فيه قام اللّه بقائمه وظهر بكلمة تفطّرت عنها السّمٰوات وتزلزلت الأرضين وما بينهما إلّا الّذينهم صبروا وكانوا بآيات اللّه هم موقنون وقضى القيامة بقيام اللّه وما أدركها إلّا المخلصون أَمَا سمعت من أيّام اللّه كيف نزّل على الّذينهم آمنوا من سماء العزّ مائدة القدس وكلّ كانوا بها لمتنعّمون وفي كلّ جمعة يأخذهم عنايات اللّه من كلّ شطر وهم عن فواكة القرب والوصل في كلّ يوم يرزقون بل في آن افتخروا بفضل من اللّه وفي كلّ حين نزلت عليهم آيات اللّه المقتدر القيّوم بأيدي من سفرائه

فهنيئا لمن فاز بأيّامه في يوم القيامة واستبق في الفضل وكان من الّذينهم كانوا بأثمار الرّوح أن يتلذّذون قضت كلّ ذلك ومضت القيامة وإنّا نبكي بعيون سرّنا لفراقها وأنتم يا معشر الحبّ حينئذ فابكون فواحزناه بما طوّت القيامة وغطّ الجمال ورجعت الورقاء وسدّت أبواب الفضل بعد انفتاحها واحتجبت أنوار الوجه ومنعت مائدة السّماء فيما اكتسبت أيدي الّذين كفروا وبذلك أحترقت أفئدة الّذينهم كانوا في سرادق الأسماء أن يسكنون فَأُفٍّ لكم يا ملأ الأرض وبالّذين اتّبعوكم في أفعالكم وأعمالكم فإنّكم أعرضتم عن جمال اللّه بعد الّذي أظهر بالحقّ وأشرق عليكم من أفق قدس محبوب ولا تشعرون بما فات عنكم وأنتم حينئذ لا تستشعرون ولن يدركها أحد إلّا في زمن المستغاث وهذا ما كتب اللّه بأيدي القدرة على ألواح عزّ محفوظ وهذه من سُنَّةِ اللّه الّتي قضت بالحقّ ولا تبديل لها

فطوبى لمن يبعث عن مرقد فؤاده في يوم الّذي يجتمع الكلّ في محضر اللّه المقدّس المتعالي القدّور قل يا ملأ الأرض قوموا عن مراقدكم وتداركوا عمّا فات عنكم فارحموا على أنفسكم ثمّ عن جمال اللّه لا تحتجبون فواللّه لن ينفعكم شيئا في الملك إلّا هذا إن أنتم أقلّ من آن في أنفسكم تتفكّرون قل يا قوم فواللّه لو تلتفتون بما اكتسبت أيديكم في زمن اللّه لن تستريحوا على مقاعدكم ولن تسكنوا في البيوت وتقعدون على الرّماد وتنوحون كبكاء الّذينهم على أبنائهم يبكون بل أشدّ من ذلك بحيث لن يجري حكمه ولا مقداره من القلم وسيظهر عليهم حين الّذي يخرج الرّوح عن أبدانهم وإلى التّراب هم يرجعون

ثمّ اعلم يا أخي بأنّ للّه فضل خفيّه وإحسان مستوره وعوالم مكنونة ما أطلع عليها أحد إلّا الّذينهم بجناحين الرّوح في هواء القرب يطيرون ولو يلاقي أحد من هذا العالم إلى أحد من عالم الأخرى الّذي كان فوقه ليتحيّر ويقول سبحان اللّه الخالق البارئ المصوّر العزيز المقتدر المتعالي القيّوم ومن عوالمه عالم لم يزل تهب فيه نسايم الجود والفضل ولا ينقطع في آن ولو وصل إليه أحد ليجد كلّ الفضل في كلّ حين من اللّه العزيز المحبوب بحيث لن يفقد عنه شيء من الفضل والرّحمة والعناية والجود والكرم الّذي كان في أوّل الّذي لا أوّل له إلى آخر الّذي لا آخر له ويتنعّم في كلّ دقيقة بكلّ نعمة

وكذلك اتممنا النّعمة عليك وأبلغناك إلى شاطئ الّذي يتحيّر فيها العارفون فهنيئا لمن وصل إليه ويعرف قدر ما أعطاه اللّه بفضله الّذي ما سبقه السّابقون وما يدركه الآخرون والحمد للّه الّذي بدء منه كلّ الممكنات وإليه كلّ يرجعون

المصادر
المحتوى
OV