سورة الصبر (لوح ايوب)

حضرة بهاء الله
النسخة العربية الأصلية

سورة الصبر (لوح أيوب) – حضرة بهاءالله – الايام التسعة (عربي)، الصفحات ١١٠ – ١٣٦

هَذَا مَدِيْنَةُ الصَّبْرِ فَاجْهَدُوْا أَنْ تَدْخُلُوْا فِيْهَا يَا مَلَأَ الصَّابِرِيْنَ

﴿ هُوَ ﴾

﴿ بِسْمِهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ﴾

ذِكْرُ اللّٰهِ فِي مَدِينَةِ الصَّبْرِ عَبْدَهُ أَيُّوبًا إِذْ أَوَيْنَاهُ فِي ظِلِّ شَجَرَةِ الْقُدْسِ فِي فُؤَادِهِ وَأَشْهَدْنَاهُ نَارَ الَّتِي تُوقَدُ وَتُضِيءُ فِي سِرِّهِ وَتَجَلَّينَا لَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَنَادَينَاهُ فِي بُقْعَةِ اللّٰهِ الَّتِي بُوْرِكَ حَوْلُهَا بِأَنَّهُ هُوَ اللّٰهُ رَبُّكَ وَرَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ لَمُقْتَدِرًا قَيُّومًا فَلَمَّا أَضَاءَ وَجْهُهُ مِنَ النَّارِ الْمُشْتَعَلَةِ فِيهِ أَقْمَصْنَاهُ قَمِيصَ النُّبُوَّةِ وَأَمَرْنَاهُ بِأَنْ يأْمُرَ النَّاسَ إِلَى عَينِ الْجُودِ وَالْفَضْلِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى شَاطِئِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا وَمَكَّنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَأَمْطرْنَا عَلَيهِ أَمْطَارَ الْجُود وَجَعَلْنَاهُ غَنِيًّا عَلَى مَنْ عَلَى الْأَرْضِ مَجْمُوعًا وَآتَينَاهُ سِعَةً مِنَ الْمَالِ وَجَعَلْنَاهُ فِي الْمُلْكِ غَنِيًّا وَرَزَقْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قِسْمَةً وَأَشْدَدْنَا عَضُدَاهُ بِعُصْبَةٍ مِنَ الْقُدرَةِ وَوَهَبْنَاهُ أَبْنَاءً مِنْ صُلْبِهِ وَمَكَّنَّاهُ فِي الْأَرْضِ مَقَامًا رَفِيعًا وَكَانَ فِي قَوْمِهِ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ وَيَعِظُهُمُ بِمَا عَلَّمْنَاهُ مِنْ جَوَاهِرِ عِلْمٍ مَكنُونًا وَيُذْكَرُهُمْ بِأَيَّامٍ كَانَتْ بِالْحَقِّ مَأْتِيًا قَالَ يَا قَوْمِ قَد تَمَوَّجَتْ أَبْحُرُ الْعِلْمِ فِي نَفْسِ اللّٰهِ الْقَائِمَةِ بِالْعَدْلِ فَاسْرِعُوا إِلَيهَا لَعَلَّ تَجِدُونَ إِلَيهَا سَبِيلاً وَقَد أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْعِنَايةِ بِالْحَقِّ وَكَانَتْ حِينَئِذٍ فِي قُطبِ الزَّوَالِ مَوْقُوفًا وَقَد لَاحَ جَمَالُ الْوَجْهِ عَنْ خَلْفِ سُرَادِقَاتِ الْقُدسِ فَاحْضُرُوا بَينَ يَدَيهِ لَعَلَّ يَسْتَشْرِقُ عَلَيكمْ مِنْ أَنْوَارِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا وَقَدْ إِرْتَفَعَتْ سَمٰوَاتُ الْعَظَمَةِ وَزُيِّنَتْ بِأَنْجُمِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ عَنْ أُفُقِ الْقُدسِ مَطْلُوعًا وَيَا قَوْمِ قَد جَائَتْكمْ مِنْ قَبْلِي رُسُلٌ بِرِسَالَاتِ اللّٰهِ وَبَلَّغُوكُمْ مَا يُقَلِّبُكُمْ إِلَى شَاطِئِ عِزٍّ مَرْفُوعًا وَأَتَتِ السَّاعَاتُ بِالْحَقِّ وَأَشْرَقَتِ الْأَنْوَارُ بِالْعَدْلِ وَغَنَّتْ دِيْكُ الْبَقَاءِ وَرَنَّتْ حَمَامَةُ الْأَمْرِ وَارْتَفَعَتْ سَحَابُ النُّورِ وَفَاضَتْ أَبْحُرُ الْفَضْلِ وَأَنْتُمْ يَا مَلَأَ الْأَرْضِ قَد كُنْتُمْ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ مَحْرُومًا اتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي أَرْضِ حِكْمَةِ اللّٰهِ ثُمَّ اصْغُوا كَلِمَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ سَمَاءِ الْقُرْبِ مَنْزُولاً وَكَذَلِكَ كُنَّا نَاصِحَ الْعِبَادِ بِلِسَانِ الرُّسُلِ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي لَا أَوَّلَ لَهُ إِلَى آخِرِ الَّذِي لَا آخِرَ لَهُ وَكُلٌّ أَعْرَضُوا عَنْ نُصْحِ اللّٰهِ وَكَانُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ مَنْكُوصًا إِلَّا الَّذِينَ هُمْ سَبَقَتْهُمُ الْعِنَايةُ مِنْ لَدُنَّا وَسَمِعُوا نِدَاءَ اللّٰهِ عَنْ وَرَاءِ حُجُبَاتِ عِزٍّ مَكْنُونًا وَأَجَابُوا دَاعِي اللّٰهِ بِسِرِّهِمْ وَعَلَانِيتِهِمْ وَاسْتَجْذبُوا مِنْ نَغَمَاتِ جَذبٍ مَحْبُوبًا أُوَلَئِكَ بَلَغُوا إِلَى مَوَاقِعِ الْهِدَايةِ وَعَلَيهِمْ صَلَوَاتُ اللّٰهِ وَرَحْمَتُهُ وَأَعْطَاهُمُ اللّٰهُ مَا لَا يعْرِفُهُ أَحَدٌ وَبَلَّغَهُمْ إِلَى مَقَامِ الَّذِي كَانَ عَنْ أَعْيُنِ الْخَلَايقِ مَسْتُورًا فَسَوْفَ يُظْهِرُ اللّٰهُ بِأَمْرِهِ وَيُفَصِّلُ بَينَ الْحَقِّ وَالْبَاطلِ وَيرْفَعُ أَعْلَامَ الْهِدَايَةِ وَيَهْدِمُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ مَجْمُوعًا وَيرِثُ الْأَرْضَ عِبَادهُ الَّذِينَ هُمْ إِنْقَطَعُوا إِلَى اللّٰهِ وَمَا شَرِبُوا حُبَّ الْعِجْلِ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَعْرَضُوا عَنِ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا بَعْدَ مَا جَائَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُكْم مِنْ إِصْبَعِ الْعِزِّ عَلَى أَلْوَاحِ النُّورِ مَرْقُومًا

فَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ حِينَ الَّذِي ظَهَرَ بِأَعْلَامِ الْغَنَاءِ فِي الْمُلْكِ حَسَدُوا عَلَيهِ قَوْمُهُ وَكَانُوا يَغْتِبُوهُ فِي مَجَالِسِهِمْ وَكَذَلِكَ كَانَ أَعْمَالُهُمْ فِي صَحَائِفِ السِّرِّ مَحْفُوظًا وَظَنُّوا بِأَنَّهُ يَدْعُوا اللّٰهَ بِمَا آتَاهُ مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا بَعْدَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّسًا عَنْ ظُنُونِهِمْ وَإِيْقَانِهِمْ وَعَنْ كُلِّ مَنْ فِي الْمُلْكِ مَجْمُوعًا فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُظْهِرَ آثَارَ الْحَقِّ فِي إِنْقِطَاعِهِ وَتَوَكُّلِهِ عَلَى اللّٰهِ أَنْزَلْنَا عَلَيهِ الْبَلَايَا مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَفَتَنَّاهُ فُتُونًا وَأَخَذْنَا عَنْهُ أَبْنَائَهُ وَقَطَعْنَا عَنْهُ عَطيةِ الَّتِي أَعْطَينَاهُ بِالْحَقِّ وَأَخَذْنَا عَنْهُ فِي كُلِّ يوْمٍ شَيئًا مَعْرُوفًا وَمَا قُضِيَ مِنْ يوْمٍ إِلَّا وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيهِ مِنْ شَطْرِ الْقَضَاءِ مَا سُطِرَ مِنْ قَلَمِ الْإِمْضَاءِ وَأَخَذَتْهُ الْبَاْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ بِمَا قُدِّرَ مِنْ لَدنْ مُقْتَدِرٍ قَيُّومًا ثُمَّ احْتَرَقْنَا مَا حَصَدَ عَنْ مَزَارِعِهِ بِأَيْدِي مَلَائِكَةِ الْأَمْرِ وَجَعَلْنَا كُلَّهَا هَبَاءً مَعْدُومًا فَلَمَّا قَدَّسْنَاهُ عَنْ زَخَارِفِ الْمُلْك وَنَزَّهْنَاهُ عَنْ أَوْسَاخِ الْأَرْضِ وَطَهَّرْنَاهُ عَنْ كُلِّ شُئُونَاتِ الْمِلْكِيَّةِ نَفَخْنَا فِي جِلْدِهِ مِنْ مَلَائِكَةِ الْقَهْرِ رِيحًا سَمُومًا وَضَعُفَ بِذَلِكَ جَسَدُهُ وَتَبَلْبَلَ جِسْمُهُ وَتَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُهُ بِحَيثُ مَا بَقِيَ مِنْ جِسْمِهِ أَقَلَّ مِنْ دَرْهَمٍ إِلَّا وَقَد جُعِلَ مَجْرُوحًا وَهُوَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَزْدَاد فِي شُكْرِهِ وَكَانَ يَصْبِرُ فِي كُلِّ حِينٍ وَمَا جَزِعَ فِيْمَا وَرَدَ عَلَيهِ وَكَذَلِكَ أَحْصَينَاهُ مُتَوَكِّلاً وَشَاكِرًا وَصَبُورًا وَأَخْرَجُوهُ قَوْمُهُ عَنْ قَرْيةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَمَا اسْتَحْيُوا عَنِ اللّٰهِ بَارِئِهِمْ وَآذُوْهُ بِمَا كَانُوا مُقْتَدِرًا عَلَيهِ وَوَجَدْنَاهُ فِي الْأَرْضِ مَظْلُومًا وَسُدَّ عَلَى وَجْهِهِ أَبْوَابُ الْغَنَاءِ وَفُتِحَ أَبْوَابُ الْفَقْرِ إِلَى إِنْ مَضَى عَلَيهِ أَيَّامٌ وَمَا وَجَدَ شَيئًا لِيَسُدَّ بِهِ جُوعَهُ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَيهِ مَقْضِيًّا وَمَا بَقِيَ لَهُ لَا مِنْ أَنِيسٍ وَلَا مِنْ مُؤْنِسٍ وَلَا مِنْ مُصَاحِبٍ وَجُعِلَ فِي الْمُلْكِ فَرِيدًا إِلَّا زَوُجَتُهُ الَّتِي آمَنَتْ بِرَبِّهَا وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ فِي بَلَائِهِ وَجَعَلْنَاهَا لَهُ فِي الْأُمُورِ سَبِيلاً فَلَمَّا وَجَدَتْهُ مُصَاحِبَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الشَّدِيْدَةِ ذَهَبَتْ إِلَى قَوْمِهِ وَطلَبَتْ مِنْهُمْ رَغِيفًا وَمَا كَانُوا أَنْ يؤْتُوهَا هَيَاكِلُ الظُّلْمِ وَكَذَلِكَ أَحْصَينَا كُلَّ شَيءٍ فِي كَتَابٍ مُبِينًا فَلَمَّا اضْطرَّتْ فِي أَمْرِهَا دَخَلَتْ إِلَى الَّتِي كَانَتْ أَشَرَّ نِسَاءِ الْأَرْضِ وَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيهَا رَغِيفًا إِلَى أَنْ أَخَذَتْ مِنْهَا مَا أَرَادَتْ فَوَ اللّٰهِ يسْتَحْيي الْقَلَمُ عَنْ ذِكْرِهِ وَكَانَ اللّٰهُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ شَهِيدًا وَجَائَتْ إِلَى الْعَبْدِ بِرَغِيفٍ وَلَمَّا الْتَفَتَ إِلَيهَا وَجَدَ شَعَرَاتِهَا مَقْطُوْعَةً إِذًا صَرَخَ فِي سِرِّهِ وَبِذَلِكَ أَصْرَخَتِ السَّمٰوَاتُ وَالْأَرْضُ وَقَالَ يَا أَمَةَ اللّٰهِ قَد أَجِدُ مِنْكِ أَمْرًا كَانَ عَلَى الْحَقِّ مَمْنُوعًا لِمَ قَطَعْتِ شَعَرَاتِكِ الَّتِي جَعَلَهَا اللّٰهُ زِينَةَ جَمَالِكِ قَالَتْ يَا أَيُّوبُ كُلَّمَا طلَبْتُ مِنْ قَوْمِك رَغِيفًا لِأَجْلِكَ فَأَبَوْا كُلُّهُمْ إِلَى أَنْ دَخَلْتُ فِي بَيتِ أَمَةٍ مِنْ إِمَآءِ اللّٰهِ وَسَئَلْتُهَا بِرَغِيفٍ مَنَعَتْ عَنِّي إِلَى أَنْ أَخَذتْ شَعَرَاتِي وَأَعْطَتْنِي هَذَا الرَّغِيفَ الَّذِي حَضَرْتُهُ بَينَ يَدَيْكَ وَبِذَلِكَ بَغَتْ عَلَى اللّٰهِ وَاسْتَكبَرَتْ عَلَيهِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ بَينِي وَبَينَهَا مَقْضِيًّا يَا أَيُّوبُ فَاعْفُ عَنِّي وَلَا تَأَخُذَنِي بِذَنْبِي لِأَنِّي كُنْتُ مُظْطَرًّا فِي أَمْرِكَ فَارْحَمْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَإِنَّكَ كُنْتَ عَطُوفًا غَفُورًا وَقُضِيَ بَينَهُمْ مَا قُضِيَ وَحَزَنَ بشَأْنٍ كَادَتُ السَّمٰوَاتُ أَنْ يتفطرنَ وَتَنْشَقُّ أَرْضُ الْحِلْمِ وَيَنْدَكُّ جَبَلُ الصَّبْرِ إِذًا وَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى التُّرَابِ وَقَالَ رَبِّ قَدْ مَسَّنِي الضُّرُّ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَإِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي سَبَقَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيٍءٍ فَارْحَمْنِي بِجُودِكَ وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِك وَإِنَّكَ كُنْتَ بِعِبَادِكَ رَحِيمًا فَلَمَّا سَمِعْنَا نِدَائَهُ أَجْرَينَا تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَينَ عَذبٍ سَائِغٍ مَفرُوتًا وَأَمَرْنَاهُ بِأَنْ يغْمِسَ فِيهَا وَيَشْرَبَ مِنْهَا فَلَمَّا شَرِبَ طَابَ عَنْ كُلِّ الْأَمْرَاضِ وَكَانَ عَلَى أَحْسَنِ الْخَلْقِ مَشْهُودًا وَرَجَعْنَا إِلَيهِ كُلَّمَا أَخَذَنَا عَنْهُ وَفَوْقَ ذَلِكَ بِحَيثُ أَمْطرْنَا عَلَيهِ مِنْ جَبَرُوتِ الْغَنَاءِ مَا أَغْنَاهُ عَنْ كُلِّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا وَقَرَّرْنَا عَيْنَاهُ بِأَهْلِهِ وَوَفَّينَا لَهُ مَا وَعَدْنَا الصَّابِرِينَ فِي أَلْوَاحِ قُدْسٍ مَحْفُوظًا وَأَصْلَحْنَا لَهُ الْأُمُورُ كُلَّهَا وَأَيِّدْنَاهُ بِعَضُدِ الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ قَوِيًّا وَأَرْفَعْنَا بِهِ الْخَاضِعِينَ وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ هُمْ اسْتَكبَرُوا عَلَى اللّٰهِ وَكَانُوا فِي الْأَرْضِ شَقِيًّا وَكَذَلِك نَفْعَلُ مَا نَشَاءُ بِأَمْرِنَا وَنُوَفِّي أُجُورَ الصَّابِرينَ وَنُعْطِيهِمْ مِنْ خَزَائِنِ الْقُدسِ جَزَاءً مَوْفُورًا

أَنْ يَا مَلَأَ الْأَرْضِ فَاصْبِرُوا فِي اللّٰهِ وَلَا تَحْزَنُوا عَمَّا يرِدُ عَلَيكُمْ فِي أَيَّامِ الرُّوحِ فَسَوْفَ تَشْهَدونَ جَزَاءَ الصَّابِرِينَ فِي رِضْوَانِ قُدسٍ مَمْنُوعًا وَقَدْ خَلَقَ اللّٰهُ جَنَّةً فِي رَفَارِفِ الْبَقَاءِ وَسَّمَاهَا بِالصَّبْرِ إِلَى يَوْمَئِذٍ كَانَتْ إِسْمُهَا فِي كنٰائِزِ الْعِصْمَةِ مَخْزُونًا وَفيهِ قُدِّرَ مَا لَا قُدِّرَ فِي كُلِّ الْجَنَانِ وَقَد كَشَفْنَا حِينَئِذٍ قِنَاعَهَا وَأَذْكَرْنَاهَا لَكُمْ رَحْمَةً مِنْ لَدُنَّا عَلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعًا وَفِيهِ أَنْهَارٌ مِنْ ظلْمِ عِنَايَةِ اللّٰهِ وَحَرَّمَهَا اللّٰهُ إِلَّا عَنِ الَّذِيْنَ هُمْ صَبَرُوا فِي الشَّدَائِدِ ابْتِغاءً لِوَجْهِ اللّٰهِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَحْمُودًا وَلَنْ يَدْخُلَ فِيْهَا إِلَّا الَّذِينَ هُمْ مَا غَيَّرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَدَخَلُوا فِي ظِلِّ شَجَرَةِ الرُّوحِ وَمَا خَافُوا مِنْ أَحَدٍ وَكَانُوا بِجَنَاحَينِ الْعِزِّ فِي هَوَاءِ الصَّبْرِ مَطْيُورًا وَصَبَرُوا فِي الْبَلَايَا وَكُلَّمَا ازْدَادَ الضَّرَّاءُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ زَادُوا فِي حُبِّهِمْ مَوْلَاهُمْ وَأَقْبَلُو بِكُلِّهِمْ إِلى جِهَةِ قُدْسٍ عَلِيًّا وَاشْتَدَّتْ غَلَبَاتُ الشَّوْقِ فِي صُدُورِهِمْ وَزَادَتْ نَفَحَاتُ الذَّوُقِ فِي أَنْفُسِهِمُ إِلى أَنْ فَدُوْا أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفَقُوا كُلَّمَا أَعْطَاهُمُ اللّٰهُ بِفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَفِي جَمِيعِ تِلْكَ الْحَالَاتِ الشَّدِيدَةِ كَانُوا شَاكِرًا رَبَّهُمْ وَمَا تَوَسَّلُوا إِلى أَحَدٍ وَكَتَبَ اللّٰهُ أَسْمَائَهُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ فِي أَلْوَاحِ قُدْسٍ مَحْتُومًا فَهَنِيئًا لِمَنْ تَرَدَّى بِرِدَاءِ الصَّبْرِ وَالْإِصْطِبَارِ وَمَا تَغَيَّرَ مِنَ الْبَاْسَاءِ وَمَا زَلَّتْ قَدَمَاهُ عِنْد هُبُوبِ أَرْيَاحِ الْقَهْرِ وَكَانَ مِنْ رَبِّهِ فِي كُلِّ حِينٍ رَاضيًا وَفِي كُلِّ آنٍ مُتَوَكِّلاً فَوَ اللّٰهِ سَوْفَ يُظْهِرُهُ اللّٰهُ فِي قِبَابِ الْعَظمَةِ بِقَمِيصِ الدُّرِّيِّ الَّذِي يَتَلَئْلَأُ كَتَلَأُلَؤِ النُّورِ عَنْ أُفُقِ الرُّوْحِ بِحَيثُ يُخْطفُ الْأَبْصَارُ عَنْ مُلَاحَظتِهِ وَعَلَى فَوْقِ رَأْسِهِ يُنَادِي مُنَادِي اللّٰهِ هَذَا لَهُوَ الَّذِي صَبَرَ فِي اللّٰهِ فِي الْحَيَوَةِ الْبَاطِلَةِ عَنْ كُلِّ ما فَعَلُوا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَيَتَبَرَّك بِهِ أَهْلُ مَلَأِ الْأَعْلَى وَيَشْتَاقُ لِقَائَهُ أَهْلُ الْغُرُفَاتِ وَأَعْينُ الْقَاصِرَاتِ في سُرَادِقِ قُدْسٍ جَمِيلاً وَأَنْتُمْ يَا مَلَأَ الْبَيَانِ فَاصْبِرُوا في أَيَّامِ الْفَانِيَةِ وَلَا تَجْزَعُوا عَمَّا فَاتَ عَنْكُمْ مِنْ زَخَارِفِ الدَّنِيَّةِ وَلَا تَفْزَعُوا عَنْ شَدَائِدِ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَتْ فِي صَحَائِفِ الْقُدْرَةِ مَقْدُورًا ثُمَّ اعْلَمُوا بِأَنْ قُدِّرَ لِكُلِّ الْحَسَنَاتِ فِي الْكِتَابِ جَزَآءً مَحْدُودًا إِلَّا الصَّبْرَ وَهَذَا مَا قُضِيَ حُكْمُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّٰهِ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا يُوَفِّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابٍ وَكَذَلِكَ نَزَّلَ رُوحُ الْأَمِينِ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ عَرَبِيًّا وَكَذَلِكَ نُزِّلَ فِي كُلِّ الْأَلْوَاحِ مَا قُدِّرَ لِلصَّابِرِينَ فِي كتُبِ عِزٍّ بَدِيعًا

ثُمَّ اعْلَمُوا بِأَنَّ اللّٰهَ جَعَلَ الصَّبْرَ قَمِيصَ الْمُرْسَلِينَ بِحَيثُ مَا بَعَثَ مِنْ نَبِيٍّ وَلا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا وَقَد زَيَّنَ اللّٰهُ هَيكَلَهُ بِرِدآءِ الصَّبْرِ لِيَصْبِرَ في أَمْرِ اللّٰهِ وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللّٰهُ الْعَهْدَ عَنْ كلِّ نَبِيٍّ مَرْسُولاً وَينْبَغِي لِلْصَّابِرِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِأَنْ يَصْبِرَ فِي نَفْسِهِ بِحَيثُ يَمْسِكُ نَفْسَهُ عَنِ الْبَغْي وَالْفَحْشَاءِ وَالشَّهَوَاتِ وَعَنْ كُلِّ مَا أَنْهَاهُ اللّٰهُ فِي الْكِتَابِ لِيَكُونَنَّ فِي الْأَلْوَاحِ بِاسْمِ الصَّابِرِينَ مَكتُوبًا ثُمَّ يَصْبِرُ فِي الْبَلَايَا فِيمَا نَزَلَ عَلَيهِ فِي سَبِيلِ بَارِئِهِ وَلَا يَظْطَرِبْ عِنْد هُبُوبِ أَرْيَاحِ الْقَضَاءِ وَتَمَوُّجِ أَبْحُرِ الْقَدَرِ فِي جَبَرُوتِ الْإِمْضَاءِ وَيَكُونُ فِي دِيْنِ اللّٰهِ مُسْتَقِيمًا وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيهِ مِنْ أَحِبَّائِهِ وَيَكُونُ مُصْطَبِرًا فِي الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللّٰهِ لِيَكُونَ فِي دِيْنِ اللّٰهِ رَضِيًّا فَارْتَقِبُوا يَوْمَ يَرْتَفِعُ فِيهِ غَمَامُ الصَّبْرِ وَيَغَنُّ فِيهِ طَيرُ الْبَقَاءِ وَيَظْهَرُ طَاوُسُ الْقُدْسِ بِطِرَازِ الْأَمْرِ فِي مَلَكُوتِ اللِّقَاءِ وَتَطْلُقُ أَلْسُنُ الْكَلِيلَةُ بِأَلْحَانِ الْوَرْقَاءِ وَيَكُفُّ حَمَامَةُ الْفِرْدَوْسِ بَينَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَيَنْفَخُ فِي الصُّورِ وَيُجَدِّدُ هَيَاكِلُ الْوُجُود وَتَشْتَعِلُ النَّارُ وَيَأْتِي اللّٰهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الرُّوحِ بِجَمَالِ عِزٍّ مَنِيعًا

إِذًا فَاسْرِعُوا إِلَيهِ يَا مَلَأَ الْأَرْضِ وَلَا تَلْتَفِتُوا بِشَيءٍ فِي الْمُلْكِ وَلَا يَمْنَعْكُمْ مَنْعُ مَانِعٍ وَلَا تَحْجِبْكُمْ شُئُونَاتُ الْعِلْمِيِّةِ وَلَا تَسُدُّكُمْ دَلَالَاتُ الْحِكَمِيَّةُ فَاسْرِعُوا إِلى مَكمَنِ قُدسٍ مَرْفُوعًا لِأَنَّكُمْ لَوْ تَصْبِرُونَ فِي أَزَلِ الْأَزَالِ وَتُوَقِّفُونَ فِي ذَلِكَ الْيُوْمِ أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَنْ يَصْدُقَ عَلَيكمْ حُكْمُ الصَّبْرِ وَكَذَلِكَ نُزِّلَ الْحُكْمُ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ عَلِيمًا قُلْ يَا مَلَأَ الْأَرْضِ اتَّقُوا اللّٰهَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَا تَفْتَرُوا عَلَى أُمَنائِهِ وَلَا تَقُولُوا مَا لَا يَكُنْ لَكُمْ فِيهِ شُعُورًا لِأَنَّكُمْ عُجَزَاءُ فِي الْأَرْضِ وَفُقَرَاءُ فِي الْبِلَادِ وَلَا تَسْتَكْبِرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ اسْرِعُوا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ بِالْحَقِّ مَقْبُولاً فَوَاللّٰهِ سَيمْضِي تِلْكَ الدُّنْيَا وَكُلَّمَا أَنْتُمْ تَفْرَحُونَ بِهَا وَيَجْمَعُكُمْ مَلَائِكَةُ الْقَهْرِ فِي مَحْضَرِ سُلْطَانِ عِزٍّ قَوِيًّا وَتُسْئَلُونَ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي أَيَّامِكُمْ وَلَا يُتْرُكَ شَيئًا عَمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَهُوَ كَانَ فِي لَوْحِ الْعِلْمِ مَكتُوبًا إِذًا لَنْ يغْنِيكُمْ أَحَدٌ وَلَنْ يُرَافِقَكُمْ نَفْسٌ وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ إِلَّا مَا حَرَثْتُمْ فِي مَزَارِعِ أَعْمَالِكُمْ فَتَنَبَّهُوا يَا مَلَأَ الْأَشْقِيَاءِ ثُمَّ اسْمَعُوا نُصْحَ هَذَا الشَّفِيقِ الَّذِي يَنْصَحُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ وَمَا يُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا إِنَّمَا جَزَائُهُ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيهِ الْآيَاتِ لِيَكُونَ الْحُجَّةُ مِنْ لَدُنْهُ بَالِغَةً عَلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعًا إِلَى مَتَى تَرْقَدُونَ عَلَى بِسَاطِ الْغَفْلَةِ وَإِلَى مَتَى تَتَّبِعُونَ الَّذِينَ هُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْأَرْضِ إِلَّا كَهَمَجٍ مَحْرُوكًا قُلْ فَوَاللّٰهِ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذتُمُوهُمْ لِأَنْفُسِكمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّٰهِ لَمْ يَكُنْ أَسْمَائُهُمْ وَذَوَاتُهُمْ عِنْد اللّٰهِ مَذْكُورًا فَارْحَمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَخَافُوا عَنِ اللّٰهِ بَارِئِكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيهِ لَعَلَّ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيئَاتِكُمْ وَإِنَّهُ كَانَ بِعِبَادهِ غَفُورًا قُلْ فَوَاللّٰهِ إِنَّ الَّذِينَ تَنْسِبُونَ إِلَيهِمُ الْعِلْمَ وَاتَّخَذتُمُوهُمْ لِأَنْفُسِكُمْ عُلَمَاءَ أُولِئِكَ عِنْد اللّٰهِ أَشَّرُّ النَّاسِ بَلْ جَوْهَرُ الشَّرِّ يَفِرُّ مِنْهُمْ وَكَذَلِك كَانَ الْأَمْرُ فِي صُحُفِ الْعِلْمِ مَرْقُومًا وَنَشْهَدُ بِأَنَّهُمْ مَا شَرِبُوا مِنْ عُيُونِ الْعِلْمِ وَمَا فَازُوا بِحَرْفٍ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمَا اطَّلَعُوا بِأَسْرَارِ الْأَمْرِ وَكَانُوا فِي أَرْضِ الشَّهَوَاتِ فِي أَنْفُسِهِمْ مَرْكُوضًا وَمَا نَزَّلَ عَلَى نَبِيٍّ وَلَا عَلَى وَصِيٍّ وَلَا عَلَى وَلِيٍّ شَيئًا مِنَ الْإِعْرَاضِ وَالْإِنْكَارِ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِمْ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ عِنْدهِمْ عَلَى طَلَعَاتِ الْقُدْسِ مَقْضِيًّا قُلْ يَا مَلَأَ الْجُهَّالِ أَمَا نَزَّلْنَا مِنْ قَبْلُ يَوْمَ يأْتِي اللّٰهُ فِي ظِلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ فَإِذَا جَاءَ فِي غَمَامِ الْأَمْرِ عَلَى هَيكَلِ عَليٍّ بِالْحَقِّ أَعْرَضْتُمْ وَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا وَأَمَا نُزِّلَ يَوْمَ يأْتِي رَبُّكَ أَوْ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ وَإِذَا جَاءَ بِآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ بِمَ أَعْرَضْتُمْ عَنْهَا وَكُنْتُمْ فِي حُجُبَاتِ أَنْفُسِكُمْ مَحْجُوبًا قُلْ إِنَّ اللّٰهَ كَانَ مُقَدَّسًا عَنِ الْمَجِييءِ وَالنُّزُولِ وَهُوَ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَنْ يأَتِي بِذَاتِهِ وَلَنْ يُرَى بِكَينُونَتِهِ وَلَنْ يُعْرَفَ بِإِنِّيَّتِهِ وَلَنْ يُدْرَكَ بِصِفَاتِهِ وَالَّذِي يَأْتِي هُوَ مَظْهَرُ نَفْسِهِ كَمَا آتَى بِالْحَقِّ بِإِسْمِ عَلِيٍّ وَجَمَعْتُمْ عَلَيهِ بِمَخَالِيبِ الْبَغْضَاءِ وَأَفْتَيتُمْ عَلَيهِ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ وَمَا اسْتَحْييتُمْ عَنِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَسَوَّاكُمْ وَكَذَلِكَ أَحْصَينَا أَمْرَكُمْ فِي أَلْوَاحِ عِزٍّ مَحْفُوظًا أَنْ يَا سَمْعَ الْبَقَاءِ اسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هُؤُلآءِ الْمُشْرِكُونَ بِأَنَّ اللّٰهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ بِحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّٰهِ وَلَنْ يَبْعَثَ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَدَاهُ عَنِ الْفَضْلِ مَغْلُولاً وَلَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ هَيَاكِلُ الْقُدْسِ وَلَنْ يَسْتَشْرِقَ أَنْوَارُ الْفَضْلِ وَانْقَطعَ الْفَيضُ وَتَمَّ الْقُدرَةُ وَاَنْتَهى الْعِنَايَةُ وَسُدَّتْ أَبْوَابُ الْجُودِ بَعْدَ الَّذِي كَانَتْ نَسَمَاتُ الْجُودِ لَمْ يَزَلْ عَنْ رِضْوَانِ الْعِزِّ مَهْبُوبًا قُلْ غُلَّتْ أَيْدِيَكُمْ وَلُعِنْتُمْ بِمَا قُلْتُمْ بَلْ أَحَاطَتْ يَدُهُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْعَثُ مَا يَشَاءُ بِقُدْرَتِهِ وَلَا يُسْئَلُ عَمَّا شَاءَ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا

قُلْ يَا مَلَأَ الْفُرْقَانِ تَفَكَّرُوا فِي كِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِالْحَقِّ بِحَيثُ خَتَمَ فِيهِ النُّبُوَّةُ بِحَبيبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ وَهَذِهِ لَقِيَامَةُ الَّتِي فِيْهَا قَامَ اللّٰهُ بِمَظهَرِ نَفْسِهِ وَأَنْتُمْ احْتَجَبْتُمْ عَنْهَا كَمَا احْتَجَبُوا مِلَلُ الْأَرْضِ عَنْ قِيَامَةِ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ فِي بُحُورِ الْجَهْلِ وَالْإِعْرَاضِ مَغْرُوقًا قُلْ أَمَا وُعِدْتُمْ بِلِقَاءِ اللّٰهِ فِي أَيَّامِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْوَعْدُ وَأَشْرَقَ الْجَمَالُ عَنْ أُفُقِ الْجَلَالِ أَغْمَضْتُمْ عُيُونَكُمْ وَحُشِرْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَشْرِ عَمِيًا قُلْ أَمَا نَزَلَ فِي الْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ: ﴿كَذَلِك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكمْ شَهِيدًا﴾ وَفَسَّرْتُمْ هَذِهِ الْآيَةَ بِأَهْوَاءِ أَنْفُسِكُمْ وَكُنْتُمْ مُوقِنًا مُعْتَرِفًا بِمَا نُزِّلَ بِالْحَقِّ: ﴿لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ وَمَعَ إِيْقَانِكُمْ بِذَلِكَ أَوَّلْتُمْ كَلِمَاتِ اللّٰهِ وَفَسَّرْتُمْ بَعْدَ الَّذِي كُنْتُمْ عَنْ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَقُمْتُمْ بِالْإِعْرَاضِ وَالْإِنْكَارِ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ تَقْتُلُونَهُمْ كَمَا قَتَلْتُمُوهُمْ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ مَسْرُورًا فَأُفٍّ لَكُمْ وَبِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَبِمَا تَظُنُّونَ فِي أَمْرِ اللّٰهِ فِي يَوْمِ الَّذِي كَانَتْ أَنْوَارُ الْهِدَايَةِ عَنْ فَجْرِ الْعِلْمِ مَشْهُودًا إِذًا فَاْسْئَلْ عَنْهُمْ كَيفَ يُفَسِّرُونَ مَا نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ الْعِزَّةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَرَبِيًّا وَمَا يقُولُونَ فِي مَعْنى الْوَسَطِ لَوْ خُتِمَ النُّبُوَّةُ بِهِ فَكَيْفَ ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ أُمَّتُهُ وَسَطَ الْأُمَمِ إِذًا فَاعْرِفْ مِقْدَارَهُمْ كَأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوا نَغَمَاتِ الْوَرْقَاءِ وَلَوْ سَمِعُوا مَا عَرَفُوا وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْحُجَّةُ مِنْ كِتَابِهِمْ عَلَيهِمْ بَلِيغًا وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كُلُّ الْأُمَمِ فِي عَهْدِ كُلِّ نَبِيٍّ فَكُلَّمَا جَائَهُمْ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللّٰهِ قَالُوا لَسْتَ أَنْتَ بِمُرْسَلٍ وَخُتِمَ النُّبُوَّةُ بِالَّذِي جَاءَ مِنْ قَبْلُ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ الشَّيطَانُ لَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَكَانُوا عَنْ شَاطِئِ الصِّدْقِ بَعِيدًا فَاذْكُرْ لَهُمْ نَبَاءَ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ إِذْ جَاءَ بِسُلْطَانٍ مُبِينًا قَالَ يَا قَوْمِ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ اللّٰهِ قَد نُزِّلَتْ بِالْحَقِّ أَلَّا تَخْتَلِفُوا فِي أَمْرِ اللّٰهِ ثُمَّ اجْتَمِعُوا عَلَى شَاطِئِ عِزٍّ مَنِيعًا وَيَا قَوْمْ فَانْظُرُوا إِلَيَّ بِنَظرَةِ اللّٰهِ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَائَكُمْ وَلَا تَكُونُوا بِمِثْلِ الَّذِيْنَ هُمْ دَعُوا اللّٰهَ فِي أَيَّامِهِمْ وَلَيَالِيهِمْ وَلَمَّا جَائَهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَنْكَرُوهُ وَكَانُوا عَلَى أَصْنَامِ أَنْفُسِهِمْ مَعْكُوفًا

وَقَالَتِ الْيَهُود تَاللّٰهِ هَذَا الَّذِي افْتَرَى عَلَى اللّٰهِ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أَوْ كَانَ مَسْحُورًا قَالُوا إِنَّ اللّٰهَ خَتَمَ النُّبُّوَّةَ بِمُوسَى وَهَذَا حُكْمُ اللّٰهِ قَد كَانَ فِي التَّوْرَيٰةِ مَقْضيًّا وَلَنْ يَنْسَخَ شَرِيْعَةُ التَّوْرَيٰةِ بِدَوَامِ اللّٰهِ وَالَّذِي يَأْتِي مِنْ بَعْدُ يُبْعَثُ عَلَى شَرِيعَتِهَا لِيَنْتَشِرَ أَحْكَامُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ سَمَاءِ الْحُكْمِ عَلَى مُوسَى الْأَمْرِ مَنْزُوْلاً

وَالَّذِينَ أُوتُو الْإِنْجِيلَ قَالُوا بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ وَكَانُوا مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلى حِينَئِذٍ مُنْتَظِرًا وَأَطْرَدْهُمُ اللّٰهُ بِمَا نَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْعَرَبِي فِي سُورَةِ الْجِنِّ وَ ﴿إِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يبْعَثَ اللّٰهُ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدًا﴾ فَوَاللّٰهِ يَكْفِي كُلَّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ هَذِهِ الْآيَةُ النَّازِلَةُ وَمَا كُنِزَ فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ اللّٰهِ إِنْ يَسْلَكُوا فِي سُبُلِ عِزٍّ مَعْرُوفًا

قُلْ قَد بَعَثَ اللّٰهُ رُسُلاً بَعْد مُوسَى وَعِيسَى وَسَيرْسِلُ مِنْ بَعْد إِلى آخِرِ الَّذِي لَا آخِرَ لَهُ بِحَيثُ لَنْ يَنْقَطعَ الْفَضْلُ مِنْ سَمَاءِ الْعِنَايَةِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنْ كُلِّ شَيءٍ فِي مَحْضَرِ الْعَدْلِ مَسْئُولاً إِذًا فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هَؤُلَآءِ الْمُعْرِضُونَ وَظَنُّوا فِي اللّٰهِ كَمَا ظَنُّوا عِبَاد الَّذِينَ هُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ قُلْ فَوَاللّٰهِ إِشْتَبَهَ عَلَيكُمُ الْأَمْرُ قَد قَضَتِ السَّاعَةُ بِالْحَقِّ وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ رَغْمًا لِأَنْفِكُمْ وَأَنِفَ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَنْ نَغَمَاتِ اللّٰهِ مَصْمُومًا قُلْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِمِثْلِ مَا قَالُوا أُمَمُ الْقَبْلِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللّٰهِ وَتَنْتَظِرُونَ بِمِثْلِ مَا هُمْ إِنْتَظَرُوا وَزَلَّتْ أَقْدَامُكُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَمْدُودًا إِذًا تَفَكَّرُوا فِي تَلْوِيحِ هَذِهِ الْآيَةِ لَعَلَّ تُرْزَقُونَ مِنْ مَائِدةِ الْعِلْمِ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءِ الْقُدسِ عَلَى قَدْرٍ مَقْدُورًا يَا قُرَّةَ الْبَقَاءِ فَاشْهَد مَا يَشْهَدُونَ الْمُشْرِكُونَ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُوَرَقَةِ الْمُبَارَكةِ الْمُنْبَتَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى جَبَلِ الْمِسْكَ مَرْفُوعًا وَطَالَتْ أَغْصَانُهَا إِلى أَنْ بَلَغَتْ مَقَامَ الَّذِي كَانَ خَلْفَ سُرَادِقِ الْقُدسِ مَكْنُونًا وَيُرِيدُونَ هَؤُلآءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَقْطَعُوا أَفْنَانَهَا قُلْ إِنَّهَا اسْتَحْصَنَتْ فِي حِصْنِ اللّٰهِ وَاسْتَحْفَظتْ بِحِفْظِهِ وَجَعَلَ اللّٰهُ أَيْدِي الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ عَنْهَا مَقْصُورًا بِحَيثُ لَنْ يَصِلَ إِلَيهَا أَيْدِي الَّذِينَ هُمْ كفَرُوا وَأَعْرَضُوا فَسَوْفَ يجْتَمِعُ اللّٰهُ فِي ظلِّهِ كُلَّ مَنْ فِي الْمُلْكِ وَهَذَا مَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَقِّ وَكَانَ ذَلِكِ فِي أَلْوَاحِ الْعِزِّ مِنْ قَلَمِ الْعِلْمِ مَحْتُومًا يَا قُرَّةَ الجَّمَالِ ذَكِّرِ الْعِبَاد بِأَذكَارِ الرُّوحِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ثُمَّ اسْمِعْهُمْ نَغْمَةً مِنْ نَغَمَاتِ الْبَقَآءِ لَعَلَّ يسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَقَلَّ مِنْ ذَرٍّ شَيئًا وَلَعَلَّ لَا يَظُنُّونَ بِمِثْلِ مَا ظَنُّوا شُرَكَائُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَيوقِنُونَ بِأَنَّ اللّٰهَ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَبْعَثَ فِي كُلِّ حِينٍ رَسُولاً قُلْ يَا مَلَأَ الْبَغْضَآءِ مُوتُوا بِغَيظِكُمْ هَذَا مَا قُضِيَ بِالْحَقِّ مِنْ قَلَمَ عِزٍّ دُرِّيًّا إِذًا فَاَلْقِ عَلَيهِمْ مَا غَرَّدَتْ بِهِ حَمَامَةُ الرُّوحِ فِي رِضْوَانِ قُدسٍ مَحْبُوبًا لَعَلَّ يتَّبِعُونَ مَا فُسِّرَ فِي الْخَتْمِ عَنْ لِسَانِ الَّذِي كَانَ رَاسِخًا فِي الْعِلْمِ فِي زِيَارَةِ اِسْمِ اللّٰهِ عَلِيًّا قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: الْخَاتَمُ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحُ لِمَا اسْتُقْبِلَ وَكذَلِك ذَكَرَ مَعْنَى الْخَتْمِ مِنْ لِسَانِ قُدسٍ مَنِيعًا كَذَلِكَ جَعَلَ اللّٰهُ حَبِيبَهُ خَاتِمًا لِمَا سَبَقُوهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَفَاتِحًا لِمَا يأْتِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ مِنْ بَعْدُ إِذًا تَفَكَّرُوا يَا مَلَأَ الْأَرْضِ فِيمَا أَلْقَينَاكُمْ بِالْحَقِّ لَعَلَّ تَجِدونَ إِلَى مَكمَنِ الْأَمْرِ فِي شَاطِئِ الْقُدْسِ سَبيلاً وَلَا تَحْتَجِبُوا عَمَّا سَمِعْتُمْ مِنْ عُلَمَائِكُمْ ثُمَّ اسْئَلُوا أُمُورَ دِينِكمْ عَنِ الَّذِي جَعَلَهُ اللّٰهُ رَاسِخًا فِي عِلْمِهِ وَكَانَتِ الْأَنْوَارُ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ مُتَلَئْلِأً وَمُضِيئًا يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تَتَّخِذُوا الْعِلْمَ مِنَ الْعُيونِ الْمُكدرَةِ الَّتِي كَانَتْ عَنْ جَهَةِ النَّفْسِ وَالْجَهْلِ جَرِيًا فَاتَّخِذوهُ مِنَ الْعُيونِ السَّايِلَةِ السَّائِغَةِ الصَّافِيَةِ الْجَارِيَةِ الْعَذبِيةِ الَّتِي جَرَتْ عَنْ يمِينِ الْعَرْشِ وَجَعَلَ اللّٰهُ لِلْأَبْرَارِ فِيهَا نَصِيبًا

أَنْ يَا طلْعَةَ الْقُدسِ هَبْ عَلَى الْمُمْكنَاتِ مَا وَهَبَك اللّٰهُ بِجُودِهِ لِيقُومُنَّ عَنْ قُبُورِ أَجْسَادهِمْ وَيسْتَشْعِرُنَّ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَأْتِيًّا ثُمَّ ارْسِلْ عَلَيهِمْ مِنْ نَسَمَاتِ الْمِسْكِيَّةِ الْمُعَطَّرَةِ الَّتِي أَعْطَاكَ اللّٰهُ فِي ذَرِّ الْبَقَاءِ لَعَلَّ يَحَرِّكَ بِهَا عَظَائِمُ الرَّمِيمَةُ وَلِئَلَّا يَحْرِمَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ عَنْ هَذَا الرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ مِنْ هَذَا الْقَلَمِ القِدَمِي الْأَزَلِي الْأَبَدِي وَيَكُونُنَّ فِي هَذَهِ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ بَينَ يَدَي اللّٰهِ عَلَى أَحْسَن الْجَمَالِ مَحْشُورًا

أَنْ يَا قَلَمَ الْأَمْرِ أَنْتَ تَشْهَدُ وَتَرَى بِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ فِي لُجَجِ اللَّانَهَايَاتِ مَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ الْمُنْبَسِطَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي أَحَاطَتْ كُلَّ مَنْ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا يتَوَجَّهُونَ إِلَى وَجْهِ الَّذِي مِنْهُ أَشْرَقَتْ أَنْوَارُ الرُّوحِ وَبِهَا أَضَائَتْ كُلُّ مَنْ فِي مَلَكوتِ الْأَمْرِ وَالْخَلْقِ وَإِنَّكَ كُنْتَ عَلَى ذَلِكَ شَهِيدًا وَيَرْكِضُونَ فِي وَادِي النَّفْسِ وَالْهَوَى وَيخُوضُونَ مَعَ الَّذِينَ مَا فَازُوا بِلِقَآئِك فِي يَوْمِكَ بَعْدَ الَّذِي بَشَّرْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ جَلِيًّا وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحُلْوُ فِي جَبَرُوتِ الْبَقَآءِ وَالْأَمْرُ يوْمَئِذٍ للهِ وَكَذَلِكَ كُتِبَ حُكمُ الْيوْمِ عَلَى أَلْوَاحِ الْعِزِّ مِنْ إِصْبَعِ رُوحٍ قِدَمِيًّا فَلَمَّا جَآءَ الْيوْمُ وَأَتَتِ السَّاعَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ أَنْوَارُ الْجَمَالِ فِي قُطبِ الزَّوَالِ إِذًا قَامُوا الْكُلُّ بِالنِّفَاقِ لِهَذَا النُّورِ الْمُشْرِقِ مِنْ شَطرِ الْآفَاقِ ثُمَّ احْتَجَبُوا بِحُجُبَاتِ كُفْرٍ غَلِيظًا وَكَذَلِكَ فَاعْرِفُوا كُلَّ الْمِلَلِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ بَعْدَ الَّذِي كُلٌّ انْتَظَرُوا بِمَا وُعِدُوا فِي أَيَّامِ اللّٰهِ فَلَمَّا قُضِيَ الْوَعْد أَنْكَرُوهُ بِمَا أَلْقَى الشَّيطَانُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا عَنْ شَاطِئِ الْقُدسِ بَعِيدًا كَمَا تَشْهَدونَ الْيَوْمَ هَؤُلَآءِ الْمُشْرِكِينَ بِحَيثُ انْتَظرُوا فِي أَيَّامِهِمْ بِمَا وُعِدُوا مِنْ لِسَانِ مُحَمَّد رَسُولِ اللّٰهِ وَكُلَّمَا سَمِعُوا اسْمَهُ قَامُوا وَتَصَاحُوا بِعَجَّلَ اللّٰهُ فَرَجَهُ فَلَمَّا ظَهَرَ بِالْحَقِّ أَنْكرُوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَاعْتَرَضُوا عَلَيهِ وَجَادَلُوهُ بِالْبَاطِلِ وَسَجَنُوهُ فِي وَسَطِ الْجِبَالِ وَمَا أُطْفِي غِلُّ صُدُورِهِمْ وَنَارُ أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ فَعَلُوا بِهِ مَا احْتَرَقَتْ بِهِ أَكْبَاد الْوُجُودِ فِي هَيَاكِلِ الشُّهُود وَبِذَلِكَ تَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُ مَدَايِنِ الْبَقَاءِ فِي جَبَرُوتِ الْعَمَاءِ وَنَاحَتْ جَمَالُ الْغَيبِ عَلَى مَكْمَنِ قُدْسٍ خَفيًّا أَنْ يَا طَلْعَةَ العِزِّ فَاذْكُرْ لِلْمُؤمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَقَاءِ مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَبْلُ فِي أَيَّامِ الَّذِي قُتِلَ فِيهَا الْحُسَينُ مِنْ هَيَاكِلِ ظُلْمٍ شَقِيًّا وَكَانُوا أَنْ يَزُورُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَلْعَنُوا الَّذِينَ هُمْ ظَلَمُوا عَلَيهِ وَكَانُوا أَنْ يَقْرَؤُا فِي كُلِّ صَبَاحٍ مِأَةَ مَرَّةٍ: أَللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ضَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا بُعِثَ الْحُسَينُ فِي أَرْضِ الْقُدْسِ ظَلَمُوهُ وَقَتَلُوهُ وَفَعَلُوا بِهِ مَا لَا فَعَلُوا بِأَحَدٍ مِنْ قَبْلُ وَكَذَلِكَ يُفْصُلُ اللّٰهُ بَينَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَيُلْقِي عَلَيكُمْ مَا يَظَهْرُ بِهِ أَفْعَالُ الظَّالِمِينَ جَمِيعًا

إِذًا فَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ عَبْدَ اللّٰهِ تَقِيًّا الَّذِي آمَنَ بِاللّٰهِ فِي يَوْمِ الَّذِي كَانَ الْأَمْرُ عَنْ مَطْلَعِ الرُّوحِ لَمِيعًا وَأَعَانَ رَبَّهُ بِمَا قَدْ كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَيهِ حِينَ الَّذِي دَخَلَ الْوَحِيدُ فِي أَرْضِ حُبٍّ شَرْقِيًّا قَالَ: يَا قَوْمِ قَد جَاءَ بُرْهَانُ اللّٰهِ بِالْحَقِّ وَلَاحَ الْوَجْهُ أَنْ يَا مَلَأَ الْفُرْقَانِ فَاسْرِعُوا إِلَيهِ وَلَا تَكُونُوا عَلَى أَعْقَابِ أَنْفُسِكُمْ مَنْكُوصًا وَيَا قَوْمِ قَدْ أَشْرَقَ الْجَمَالُ عَنْ أُفُقِ الْقُدْسِ وَجَاءَ الْوَعْدُ بِالْحَقِّ فَاسْعَوْا إِلَى رِضْوَانِ الَّذِي كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ مُضِيئًا إِيَّاكُمْ أَنْ لَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَعُيُونَكُمْ عَنْ لِقَاءِ اللّٰهِ وَهَذَا يَوْمُ اللّٰهِ قَدْ كَانَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا وَيَا قَوْمِ قَدْ وُضِعَ الْكِتَابُ بِالْحَقِّ وَلَنْ يُغَادَرَ فِيهِ أَعْمَالُ الْعَالَمِينَ عَلَى قَدْرٍ نَقِيرٍ وَقِطمِيرًا وَيَا قَوْمِ لَا تَحْتَجِبُوا عَنْ جَمَالِ اللّٰهِ بَعْد الَّذِي جَاءَ فِي ظلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَفِي حَوْلِهِ مَلَائِكةُ الْقُدسِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ جَهَةِ الْعَرْشِ مَقْضِيًّا وَإِذْ قَالَ الْوَحِيدُ: يَا قَوْمِ قَد جِئْتُكُمْ بِلَوْحٍ مِنَ الرُّوحِ مِنْ لَدنْ عَلِيٍّ قَيُّومًا أَلَّا تَتَفَرَّقُوا فِي أَمْرِ اللّٰهِ وَاَجِيبُوا دَاعِي الَّذِي يَدُعُوكُمْ بِالْحَقِّ الْخَالِصِ وَيُلْقِي عَلَيكُمْ مَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى يَمِينِ عِزٍّ مَحْبُوباً وَيَا قَوْمِ قَد وُعِدتُمْ فِي كُلِّ الْأَلْوَاحِ بِلِقَآءِ اللّٰهِ وَهَذَا يوْمٌ فِيهِ كُشِفَ الْجَمَالُ وَظَهَرَ النُّورُ وَنَادَى الْمُنَادِ وَشُقَّتِ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ اتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تَغْمِضُوا عُيونَكمْ عَنْ جَمَالِ قُدسٍ دُرِّيًّا وَهَذَا مَا وُعِدتُمْ بِلِسَانِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلُ وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللّٰهُ عَنْكُمُ الْعَهْدَ فِي ذَرِّ الْعَمَاءِ إِذًا أُوفُوا بِعُهُودِكُمْ وَلَا تَكُونُوا فِي أَرَاضِي الْإِشَارَاتِ مَوْقُوفًا وَمِنَ النَّاسِ مَنْ وَفَى بِعَهْد اللّٰهِ وَأَجَابَ دَاعِي الْحَقِّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ وَكَانَ عَلَى اللّٰهِ بَغِيًّا

وَمِنْهُمُ الَّذِي سُمِّيَ بِاِسْمِ التَّقِي فِي الْكِتَابِ وَآمَنَ بِاللّٰهِ رَبَّهُ وَكَانَ بِوَعْدِهِ عَلَى الْحَقِّ وَفِيًّا وَحَضَرَ بَينَ يَدَي الْوَحِيد وَتَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَمَا تَفَرَّقَ كلِمَةُ اللّٰهِ وَكَانَ عَلَى الدِّينِ الْقَيِّمِ مُسْتَقِيمًا وَنَصَرَ رَبَّهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَبِكُلِّ مَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَيهِ وَبِذَلِكَ جَعَلَ اللّٰهُ اسْمَهُ فِي أَسْطُرِ الْبَقَاءِ مِنْ قَلَمَ الْعِزِّ مَسْطُورًا وَمَسَّتْهُ الْبَاْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَاحْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ الشَّدَائِد كُلَّهَا وَفِي كُلِّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ كَانَ شَاكِرًا وَصَبُورًا وَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ يَنْصُرُونَ اللّٰهَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَيَصْبِرُونَ فِي الشَّدَائِدِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللّٰهِ أُوُلئِكَ كَانُوا فِي أَزَلِ الْآزَالِ بِنَصْرِ اللّٰهِ مَنْصُورًا وَلَوْ يُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنَ الْأَرْوَاحِ وَكَانُوا فِي هَوَاءِ الرُّوحِ بِإِذنِ اللّٰهِ مَطْيُورًا وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى أَجْسَادِهِمْ فِي الْمُلْكِ وَيَشْتَاقُونَ الْبَلَايَا فِي سُبُلِ بَارِئِهِمْ كَاشْتِيَاقِ الْمُجْرِمِ إِلى الْغُفْرَانِ وَالرَّضِيعِ إِلَى ثَدِي رَحْمَةَ اللّٰهِ وَكَذَلِكَ يُذَكِّرُكُمْ الْوَرْقَاءُ بِأَذْكَارِ الرُّوحِ لَعَلَّ النَّاسَ يَنْقَطعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَيرْجِعُونَ إِلَى مَقَرِّ قُدسٍ مَشْهُودًا

وَقُضِيَ الْأَيَّام إِلَى أَنِ اجْتَمَعَتْ فِي حَوْلِ الْوَحِيدِ شَرْذَمَةٌ مِنْ قَرْيَةِ الَّتِي بَارَكَهَا اللّٰهُ بَينَ الْقُرَى وَرَفَعَ اسْمَهَا فِي اللَّوْحِ الَّذِي كَانَ أُمُّ الْكِتَابِ عَنْهُ مَفْصُولاً وَاتَّبَعُوا حُكْمَ اللّٰهِ وَطَافُوا حَوْلَ الْأَمْرِ وَأَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَبَذَلُوا كُلَّمَا لَهُمْ مِنْ زَخَارِفِ الْمُلْكِ وَمَا خَافُوا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا اللّٰهَ وَكَانَ اللّٰهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا وَكَانَ قُلُوبُهُمْ زُبُرَ الْحَدِيدِ فِي نَصْرِ اللّٰهِ وَمَا أَخَذتْهُمْ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَمَا مَنَعَهُمْ إِعْرَاضُ مُعْرِضٍ وَكَانُوا فِي مَدَايِنِ الْأَرْضِ كأَعْلَامِ الْقُدْسِ بِاسْمِ اللّٰهِ مَرْفُوعًا وَبَلَغَ الْأَمْرُ إِلَى مَقَامِ الَّذِي سَمِعَ رَئِيسُ الظُّلْمِ الَّذِي كَفَرَ بِاللّٰهِ وَأَشْرَكَ بِجَمَالِهِ وَأَعْرَضَ بِبُرْهَانِهِ وَكَانَ أَشْقَى النَّاسِ فِي الْأَرْضِ وَيشْهَد بِذَلِكَ رِجَالُ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا فِي سُرَادِقِ الْخُلْدِ مَسْتُورًا أَنْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَاشْكُرُوا اللّٰهَ بَارِئِكُمْ بِمَا أَنْعَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَفَضَّلَكُمْ عَلَى الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَلَى الْأَرْضِ بِحَيثُ شَرَّفَكُمْ بِلِقَائِهِ وَعَرَّفَكُمْ نَفْسَهُ وَرَزَقَكُمْ مِنْ أَثْمَارِ سِدرَةِ الْفِرْدوْسِ بَعْد الَّذِي كَانَ الْكُلُّ عَنْهَا مَحْرُومًا وَفَازَكُمْ بِأَيَّامِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيكُمْ نَسَمَاتِ الْقُدسِ وَقَلَّبَكُمْ إِلَى يَمِينِ الْأَحَدِيَّةِ وَقَرَّبَكُمْ إِلَى بُقْعَةِ عِزٍّ مَبْرُوكًا كَذَلِكَ يمُنُّ عَلَى مَنْ يشَآءُ وَيخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ عِبَادَ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَنْ كُلِّ مَنْ عَلَى الْأِرْضِ مَقْطُوعًا إِذًا فَابْشِرُوا فِي أَنْفُسِكمْ ثُمَّ افْتَخِرُوا عَلَى مَنْ فِي الْمُلْكِ مَجْمُوعًا فَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللّٰهَ كَتَبَ أَسْمَآئَكمْ فِي صَحَائِفِ الْقُدسِ وَقَدَّرَ لَكُمْ فِي الْفِرْدوْسِ مَقَامًا مَحْمُودًا فَوَ اللّٰهِ لَوْ يَظْهَرُ مَقَامُ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَلَى مَنْ عَلَى الْأَرْضِ لَيَفْدُونَ أَنْفُسَهُمْ ابْتِغَآءً لِهَذا الْمَقَامِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ اللّٰهِ مَخْلُوقًا وَلَكِن احْتَجَبَ عَنْ عُيونِ النَّاسِ لِيُمَيِّزَ الْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ يَبْلُوهُمُ اللّٰهُ فِي الْمُلْك لِيَظْهَرَ ما فِي قُلُوبِهِمْ كَمَا ظَهَرَ وَكنْتُمْ عَلَيهِمْ شَهِيدًا وَكمْ مِنْ عِبَادٍ عَبَدُوا اللّٰهَ فِي أَيَّامِهِمْ وَأَمَرُوا النَّاسَ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَبَكُوْا فِي مَصَائِبِ آلِ اللّٰهِ وَغَمَضُوا غَينَاهُمْ فِي حِينِ الصَّلٰوةِ وَقِرَائَةِ الزِّيَارَاتِ لِإِظْهَارِ تَوَجُّهِهِمْ إلى مَبْدءِ الْقُدسِ مَسْجُودًا فَلَمَّا جَائَهُمُ الْحَقُّ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَكَفَرُوا بِهِ إلى أَنْ قَتَلُوهُ بِأَيدِيهِمْ وَكَانُوا بِأَفْعَالِهِمْ مَسْرُورًا كَذَلِكَ يُبْطلُ اللّٰهُ أَعْمَالَ الَّذِينَ هُمُ اسْتَكبَرُوا عَلَيهِ وَيقْبَلُ أَعْمَالَ الَّذِينَ هُمْ أَقْبَلُوا إِلَى اللّٰهِ وَخَضَعُوا لِطلْعَتِهِ وَكَانُوا فِي سُبُلِ الرِّضَاءِ مَسْلُوكًا فَذْكُرُوا يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ نِعْمَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَنْعَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَعَلَّمَكُمْ مَا لَا عَلَّمَهُ كُلُّ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ كِبَرِ عَمَائِمِهِمْ وَثِقْلِهَا مَا يَقْدِرُونَ أَنْ يمْشُوا عَلَى الْأَرْضِ وَإِذَا يَحْرِكُونَ كأَنَّهَا يَحَرُكُ عَلَى الْأَرْضِ جَبَلُ غِلٍّ مَبْغُوضًا فَوَ اللّٰهِ ينْبَغِي لَكُمْ يَا أَوْلِيَآءَ اللّٰهِ بِأَنْ تُقَدِّسُوا أَنْفُسَكمْ عَنْ كُلِّ مَا نُهْيتُمْ عَنْهُ وَتَشْكُرُوا اللّٰهَ فِي كُلِّ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي بِمَا اخْتَصَّكُمْ بِفَضْلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِدُونِكُمْ فِيهِ نَصِيبًا وَتَحْكُوا عَنِ اللّٰهِ بَارِئِكمْ بِحَيثُ تَهُبُّ مِنْكُمْ رَائِحَةُ اللّٰهِ وَتَكونُوا بِذَلِكَ مُمْتَازًا عَنِ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَشْرَكوا وَكَذَلِكَ تَعِظُكُمُ الْوَرْقَاءُ وَتُعَلِّمُكُمْ سُبُلَ الْعِلْمِ لِتَكُونُوا فِي دِينِ اللّٰهِ رَاسِخًا وَعَلَى الْحُبِّ مُسْتَقِيمًا إِتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِالْغَفْلَةِ وَلَا تَمُنُّوا عَلَى اللّٰهِ فِي إِيْمَانِكُمْ بِمَظهَرِ نَفْسِهِ بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيكُمْ فِيمَا أَيَّدَكُمْ عَلَى الْأَمْرِ وَعَرَّفَكُمْ سُبُلَ الْعِزِّ وَالتَّقْوَى وَأَلْهَمَكُمْ بَدَايعَ عِلْمٍ مَخْزُونًا فَهَنِيئًا لَكُمْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَبِمَا صَبَرْتُمْ فِي زَمَنِ اللّهِ عَلَى الْبَأًسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَبِمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ وَشَهِدتُمْ بِعُيُونِكُمْ فَسَوْفَ يَجْزِيكُمُ اللّٰهُ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ وَيَعْطِيْكُمْ مَا تَرْضَى بِهِ أَنْفُسُكُمْ وَيَثْبُتُ أَسْمَائَكُمْ فِي كِتَابِ قُدسٍ مَكْنُونًا فَاجْهَدوا بِأَنْ لَا تُبْطِلُوا اصْطِبَارَكُمْ بِالشَّكْوَى وَكُونُوا رَاضِيًا بِمَا قَضَى اللّٰهُ عَلَيكُمْ وَبِكُلِّ مَا يَقْضِي مِنْ بَعْدُ لِأَنَّ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا وَزُخْرُفَهَا سَيمْضِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ وَلَا بَقَاءَ لَهَا وَتُحْضَرُونَ فِي مَقْعَدِ عِزٍّ مَحْبُوبًا فَطُوبَى لَكُمْ وَلِلَّذِينَ هُمْ فَدُوْا أَنْفُسَهُمْ فِي أَيَّامِ اللّٰهِ وَكَانُوا مِنَ الَّذِينَ هُمْ طَارُوا فِي هَوَاءِ الْحُبِّ وَوَرَدُوا عَلَى مَقَرِّ الَّذِي كَانَ عَنْ غَيرِهِمْ مَمْنُوعًا

فَاذْكُرْ يَا قَلَمَ الْقُدسِ مَا قُضِيَ عَلَى الْوَحِيدِ مِنْ أَعَادِي نَفْسِ اللّٰهِ لِيَكُونَ أَمْرُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى بِالْحَقِّ مَذْكُورًا فَلَمَّا سَمِعَ الَّذِي كَفَرَ وَشَقَى ثُمَّ اسْتَكْبَرَ وَبَغَى أَرْسَلَ جُنُود الْكُفْرِ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَقْتُلُوا الَّذِينَ مَا حَمَلَ الْأَرْضُ بِمِثْلِهِمْ فِي إِيمَانِهِمْ بِاللّٰهِ وَيَسْفِكُوا دِمَاءَ الَّتِي كَانَتْ بِهَا كُلُّ شَيءٍ مَطهُورًا وَأَمْرَ الْخَبِيثُ فِي الْمَلَاءِ بِغَيرِ مَا نَزَّلَ اللّٰهُ فِي الكِتَابِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ عِنْدِهِ مَقْضِيًّا وَقَرَّرَ لِلْجُنُودِ رَئيسَينِ الَّذَيْنِ هُمَا كَفَرا بِاللّٰهِ وَآيَاتِهِ وَبَاعَا دِيْنَهُمْ بِدُنْيَاهُمْ وَاشْتَرَيَا لِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ الْبَاقِيَةَ الدَّائِمَةَ وَكَانَا بِظُلْمِهِمْ إِلَى قَهْرِ اللّٰهِ مُسْتَقْبِلاً وَأَتَيَا مَعَ جُنُودِ الْكُفْرِ وَعَسَاكِرِ الشِّرْكِ إِلَى أَنْ حَاصَرُوا جُنُودَ اللّٰهِ وَأَحِبَّائَهُ وَكَانُوا مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ مِنْ قَلَمِ الْأَمْرِ مَكتُوبًا وَحَارَبُوا مَعَ أَصْحَابِ اللّٰهِ وَجَادَلُوا مَعَهُمْ وَنَازَعُوا بِهِمْ وَعَارَكُوا بِمَا كَانُوا مُقْتَدرًا عَلَيهِ لِيَغْلِبُوا عَلَى جُنُودِ الْحَقِّ وَلَكِنْ جَعَلَهُمُ اللّٰهُ فِي حَرْبِهِمْ بِأَيَدِي الْمُؤْمِنِينَ مَغْلُوبًا فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ حِزْبِ اللّٰهِ وَأَوْلِيَائِهِ دَبَّرُوا فِي الْأَمْرِ وَمَكَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَشَاوَرُوا بَينَهُمْ إِلَى أَنْ أَرْسَلُوا إِلَى الْوَحِيدِ رَسُولاً بِلِسَانِ كِذْبٍ مَكْرِيًّا وَدَخَلَ رَسُولُ الشَّيطَانِ إِلَى الْوَحِيدِ وَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَإِنَّا كُنَّا مُقِرٌّ بِفَضْلِكَ عَلَينَا وَمَا جِئْنَا لِنُعَارِكَ مَعَكَ بَلْ نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ فِي أَمْرِكَ وَنَسْمَعُ مِنْكَ مَا تَأْمُرُنَا وَنَتَّبِعُ قَوْلَكَ وَمَا نُخَالِفُكَ فِي الْحُكْمِ مِنْ أَقَلَّ مِنَ الذَّرِّ ذَرًّا إِذًا فَتَحَ فَمُ الرُّوحِ وَنَطَقَ رُوحُ الْقُدسِ بِلِسَانِ الْوَحِيدِ وَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنْ تُقِرُّوا بِفَضْلِي وَتَعْرِفُونِي أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّٰهِ لِمَ جِئْتُمْ عَلَينَا بِجُنُودِ الْكُفْرِ وَحَاصَرتُمُونَا وَكُنْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللّٰهِ مُعْرِضًا وَعَلَيهِ بِغَيًّا وَيَا قَوْمِ اتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا تَدَعُوا أَمْرَ اللّٰهِ عَنْ وَرَائِكُمْ وَخَافُوا عَنِ اللّٰهِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيكُمْ آيَاتِ عِزٍّ بَدِيعًا وَيَا قَوْمِ سَيَفْنَى الْمُلْكُ وَجُنُودكُمْ ثُمَّ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ بِالظُّلْمِ فَانْظُرُوا إِلَى مَا قَضَتْ عَلَى أُمَمِ الْقَبْلِ وَتَنَبَّهُوا فِي أُمُورِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ مَقْضِيًّا وَيَا قَوْمِ مَا أَنَا إِلَّا عَبْدٌ آمَنْتُ بِاللّٰهِ وَآيَاتِهِ النَّازِلَةِ عَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَنْ تَرْضَوْا بِنَفْسِي بَينَكُمْ أُسَافِرُ إِلَى اللّٰهِ وَمَا أُرِيدُ مِنْكُمْ شَيئًا اِتَّقُوا اللّٰهَ وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَ أَحِبَّائِهِ وَلَا تَأْخُذُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطلِ وَلَا تَكْفُرُوا بِاللّٰهِ بَعْدَ الَّذِي إِدَّعَيْتُمْ الْإِيمَانِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَكَذَلِكَ أَنْصَحُكُمْ بِالْعَدلِ فَاتَّبِعُوا نُصْحِي وَلَا تَبْعُدُوا عَنْ أَمْرِ الَّذِي كَانَ عَنْ أُفُقِ الرُّوحِ مَشْرُوقًا وَيَا قَوْمِ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللّٰهُ وَقَد جَائَكُمْ بِآيَاتِ الَّتِي تَعْجُزُ عَنْ إِدْرَاكِهَا عُقُولُ الْخَلَايقِ مَجْمُوعًا فَارْحَمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا هَوَيٰكُمْ سَتَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَتَحْضُرُونَ بَينَ يَدَي مُقْتَدرٍ قَيُّومًا وَتُسْئَلُونَ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الْأَرْضِ وَتُجْزَوْنَ بِكُلِّ مَا عَمِلْتُمْ فِي الدَّولَةِ الْبَاطلَةِ وَهَذَا مَا قُضِيَ حُكْمُهُ فِي أَلْوَاحِ عِزٍّ مَحْتُومًا وَكُرِّرَ بَينَهُمُ الرُّسُلُ وَالرَّسَائِلُ إِلَى أَنْ وَضَعُوا كِتَابَ اللّٰهِ بَينَهُمْ وَأَقْسَمُوا بِهِ وَخَتَمُوهُ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى جَمَالِ عِزٍّ وَحِيدًا وَكَذَلِكَ كَانُوا أَنْ يَخْدَعُوا فِي أَمْرِ اللّٰهِ وَعَاهَدُوا بِلِسَانِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَ الْغِلُّ فِي صُدُورِهِمْ كَالنَّارِ الَّتِي كَانَتْ فِي ظِلَالِ الْمَكْرِ مَسْتُورًا وَاسْتَرْجُوا مِنَ الْوَحِيدِ بِأَنْ يُشَرِّفَ بِقُدُومِهِ أَمَاكِنَهُمْ وَمَحَافِلَهُمْ وَأَكَّدُوا فِي الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَكَانُوا عَلَى مَهْدِ النَّفْسِ وَالْهَوَى مَرْقُودًا فَلَمَّا حَضَرَ بَينَ يَدَي الْوَحِيد كِتَابُ اللّٰهِ قَامَ وَقَالَ لِلْمَلَإِ فِي حَوْلِهِ: يَا قَوْمِ قَد جَاءَ الْوَعْدُ وَأَتَتِ الْقَضَايَا بِالْحَقِّ وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَيهِمْ لِيَظْهَرَ مَا قُدِّرَ لِي خَلْفَ سُرَادِقِ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حِينٍ مُتَوَكِّلاً وَدَخَلَ الْوَحِيدُ عَلَى عَسَاكِرِ الظُّلْمِ وَجُنُود الشَّيطَانِ مَعَ أَنْفُسٍ مَعْدُودًا إِذًا قَامُوا وَاسْتَقْبَلُوهُ وَقَدَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْمَشْي وَالْجُلُوسِ وَكَانَ بَينَهُمْ أَيَّامًا مَعْدُودًا وَكَتَبُوا عَلَى لِسَانِهِ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِأَنْ تَفَرَّقُوا وَلَا بَأْسَ عَلَيكُمْ إِلَى أَنْ جَعَلُوهُمْ أَشْتَاتًا وَدَخَلُوا جُنُودُ الْكُفْرِ فِي مَحَلِّهِمْ وَمَكَرُوا عَلَيهِمْ مَكْرًا كَبَّارًا فَلَمَّا اطمَئَنَّتْ قُلُوبُهُمْ وَنُفُوسُهُمْ كَسَرُوا مِيثَاقَهُمْ وَنَقَضُوا عَهْدهُمْ وَخَالَفُوا حُكمَ اللّٰهِ بَينَهُمْ وَنَكَثُوا عَهْد الْكِتَابِ بِهَويهُمْ وَبِذَلِكَ كُتِبَ أَسْمَآئُهُمْ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ قَلَمِ اللّٰهِ مَلْعُونًا إِلَى أَنْ أَخَذُوا الْوَحِيد وَهَتَكُوا حُرْمَتَهُ وَعَرُّوا جَسَدَهُ وَفَعَلُوا بِهِ مَا يَجْرِي مِنْ عُيُونِ أَهْلِ الْفِرْدوْسِ مَدَامِعُ حُمْرٍ مَمْزُوجًا أَلَا لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الَّذِينَ ظلَمُوا عَلَيهِ وَعَلَى الَّذِينَ هُمْ يَظلِمُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتِ الشَّمْسُ فِي غَمَامِ الْقُدسِ مَسْتُورًا وَمَا رَضَوْا بِمَا فَعَلُوا وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي سِنِينَ مُتَوَالِيَاتِ وَأَسَارُوا نِسَآئَهُمْ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ وَمَا خَافُوا عَنِ اللّٰهِ الَّذي خَلَقَهُمْ وَرَبَّاهُمْ وَكَانُوا أَنْ يسْتَسْبِقُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الظُّلْمِ وَبِمَا أَلْقَى الشَّيطَانُ فِي صُدُورِهِمْ وَكَانَ اللّٰهُ بِأَعْمَالِهِمْ شَهِيدًا إِلَى أَنِ ارْتَفَعُوا الرُّؤُسَ عَلَى الْأَسْنَانِ وَالرِّمَاحِ وَدَخَلُوا فِي أَرْضِ الَّتِي شَرَّفَهَا اللّٰهُ عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَفِيهَا اسْتَوَى الرَّحْمَنُ عَلَى عَرْشِ إِسْمٍ عَظِيمًا وَحِينَ وُرُودِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَيهِمُ الْخَلَايقُ وَمِنْهُمْ آذُوهُمْ بِلِسَانِهِمْ وَمِنْهُمْ رَجَمُوهُمْ بِأَيدِيهِمْ وَكَانَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ يَعُضُّونَ أَنَامِلَ الْحَيرَةِ عَمَّا فَعَلُوا هَؤُلَآءِ الْمُشْرِكِينَ بِطلَعَاتِ عِزٍّ مُنِيرًا وَدَخَلُوهُمْ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ اللّٰهُ يعْلَمُ مَا وَرَدَ عَلَيهِمْ بَعْد الدُّخُولِ وَهُوَ مُحْصِي كُلِّ شَيءٍ فِي كِتَابِ عِزٍّ كَرِيمًا

أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ لَيسَ هَذَا أَوَّلَ مَا فَعَلُوا الْمُشْرِكوُنَ فِي الْأَرْضِ وَقَد قَتَلُوا الْحُسَينَ وَأَصْحَابَهُ ثُمَّ أَسَارُوا أَهْلَهُ وَإِذًا يَبْكُونَ عَلَيهِ وَيتَضَرَّعُونَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَعَشِيًّا قُلْ يَا مَلَأَ الْبَهَائِمِ أَمَا اسْتَدلَلْتُمْ بِحَقِّيَّةِ الْحُسَينِ وَأَصْحَابِهِ بِمَا فَدُوْا أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَكُنْتُمْ بِذَلِكَ مُتَذَكِّرًا فَكَيفَ تَنْسِبُونَ هَؤُلَآءِ الشُّهَدَآءِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الَّذِي بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَنِسَائَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَجَاهَدُوا فِيهِ إِلَى أَنْ قُتِلُوا بِطرُقٍ شَتَّى بِحَيثُ مَا سَمِعَتْ أُذُنٌ وَلَا رَأَتْ أَعْينُ الْخَلَايقِ مَجْمُوعًا وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ لِمَ قَتَلْتُمُ الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَآيَاتِهِ يَقُولُونَ وَجَدنَاهُمْ كُفَرَاءُ فِي الْأَرْضِ قُلْ فَوَاللّٰهِ هَذَا مَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ مِنْ قَبْلُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَى أَنْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِأَسْيَافِ غِلٍّ مَشْحُوذًا وَكَانَ اللّٰهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُحِيطًا وَوَيلٌ لَكمْ بِمَا كَفَرْتُمْ بِرُسُلِ اللّٰهِ وَقُمْتُمْ عَلَيهِمْ بِالْمُحَارَبَةِ إِلَى أَنْ سَفَكتُمْ دِمَائَهُمْ بِغَيرِ حَقٍّ وَيشْهَد بِأَفْعَالِكُمْ مَا رُقِمَ عَلَى أَلْوَاحِ حِفْظ مَسْتُورًا قُلْ أَمَا قَرَّرَ اللّٰهُ فِي الْكِتَابِ ما يفَصَّلُ بِهِ بَينَ الصَّادِقِ وَالْكَاذَّبِ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ: ﴿ فَتَمَنُّوا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فَلِمْ كَذَّبْتُمُ الَّذِينَ شَهِدَ اللّٰهُ بِصِدْقِهِمْ فِي كِتَابِ الَّذِي لَا يَأَتِيهِ الْبَاطِلُ وَكَانَ مِنَ اللَّوْحِ مَنْزُولاً وَأَنْتُمْ مَا اسْتَشْعَرْتُمُ وَنَبَذتُمْ كِتَابَ اللّٰهِ عَنْ وَرَائِكُمْ وَقَتَلْتُمُ الَّذِينَ هُمْ تَمَنُّوا الْمَوْتَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَتَشْهَدُ بِذَلِكَ أَعْيُنُكُمْ وَأَلْسُنُكُمْ وَقُلُوبُكُمْ وَمِنْ وَرَائِكُمْ كَانَ اللّٰهُ شَهِيدًا

فَأُفٍّ لَكُمْ بِمَا سَفَكْتُمْ دِمَاءَ الَّذِينَ مَا رَأَتْ عَينُ الْوُجُودِ بِمِثْلِهِمْ وَكَذَّبْتُمُوهُمْ بَعْدَ صِدْقِهِمْ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَأَتَّبَعْتُمُ الَّذِينَ مَا يَرْضُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ بِأَنْ يَنْقُصَ ذَرَّةٌ مِنْ إِعْتِبَارِهِمْ وَمَا هَمُّهُمْ فِي الْمُلْكِ إِلَّا بِأَنْ يأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَيقْعُدوا عَلَى رُؤُسِ الْمَجَالِسِ وَبِذَلِكَ يَفْتَخِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى مَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا فَوَاللّٰهِ ينْبَغِي لَكمْ بِأَنْ تَتَّخِذُوا هَؤُلَآءِ الْفُسَقَآءِ لِأَنْفُسِكمْ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَتَتَّبِعُوهُمْ إِلَى أَنْ تَدخُلُوا مَعَهُمْ نَارَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ مَخْلُوقًا قُلْ فَوَاللّٰهِ لَوْ تَسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِكمْ أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَتَمَحُوا كتُبَكمُ الَّتِي كَتَبْتُمْ بِغَيرِ إِذنِ اللّٰهِ وَيَضْرِبُونَ عَلَى رُؤُسِكُمْ وَتَفِرُّونَ مِنْ بُيوتِكمْ وَتَسْكُنُونَ فِي الْجِبَالِ وَمَا تَأُكُلُونَ إِلَّا حَمَاءً مَسْنُونًا قُلْ قَد قُضِيَ نَحْبُ الَّذِينَ هُمُ اسْتَشْهَدوا فِي الْأَرْضِ وَحِينَئِذٍ يَطِيرُنَّ فِي هَوَآءِ الْقُرْبِ وَيَطُوفُنَّ فِي حَوْلِ عَرْشِ عَظِيمًا وَفِي كُلِّ حِينٍ تَنْزِلُ عَلَيهِمْ مَلَآئِكةُ الْفَضْلِ وَتُبَشِّرُهُمْ بِمَقَامِ عِزٍّ مَحْمُودًا وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَتَجَلِّى اللّٰهُ عَلَيهِمْ بِطِرَازِ الَّذِي لَوْ يَظْهَرُ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخِرُنَّ مُنْصَعِقًا

قُلْ يَا مَلَأَ الْأَشْقِيَاءِ لَا تَفْرَحُوا بِأَعْمَالِكُمْ فَسَوْفَ تَرْجِعُونَ إِلَى اللّٰهِ وَتُحْشَرُونَ فِي مَشْهَدِ الْعِزِّ فِي يوْمِ الَّذِي تَزَلْزَلَ فِيهِ أَرْكَانُ الْخَلَايقِ مَجْمُوعًا وَيُخَاصِمُكُمُ اللّٰهُ بِعَدْلِهِ بِمَا فَعَلْتُمْ بِأَحِبَّائِهِ فِي أَيَّامِ الْبَاطلَةِ وَلَنْ يُغَادِرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئًا وَهُوَ عَلَيكُمْ مَعْرُوضًا وَتُجْزَوْنَ بِمَا اكتَسَبَتْ أَيَدَاكِمْ وَلَنْ يعْزُبَ عَنْ عِلْمِ اللّٰهِ مِنْ شَيءٍ وَهُوَ اللّٰهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُحِيطًا فَسَوْفَ يَقُولُونَ الظَّالِمُونَ فِي أَسْفَلِ دَرَكَاتِ النَّارِ فَيَا لَيتَ مَا اتَّخَذنَا هَذِهِ الْعُلَمَآءَ لِأَنْفُسِنَا خَلِيلاً أَنْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَاذكرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيكمْ إِذْ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ الْكفْرِ وَأَنْقَذَكُمْ بِالْفَضْلِ وَهَدَيٰكُمْ إِلى سَاحَةِ إِسْمٍ وَحِيدًا وَإِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءَ أَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ وَجَمَعَكُمْ بِالْحَقِّ وَرَفَعَ اسْمَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيكُمُ الْآيَاتِ مِنْ لِسَانِ عِزٍّ مَحْبُوبًا ثُمَّ اذْكُرُوا حِينَ الَّذِي مَرَرْنَا عَلَيكُمْ بِجُنُود مِنَ الْمَلَآئِكَةِ وَفَتَحْنَا عَلَيكُمْ أَبْوَابَ الْفِرْدوْسِ وَكُنْتُمْ مُجْتَمِعًا يَمَّ الْقَلْعَةِ وَوَسْوَسَ الشَّيطَانُ بَعْضَكُمْ وَأَلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الرَّوْعَ إِذًا وَجَدنَا بَعْضَكُمْ مُضْطرِبًا ثُمَّ مُتَزَلْزِلاً وَلَكِنْ عَفَوْنَا عَنِ الَّذِينَ هُمُ اضْطَرَبُوا رَحَمَةً مِنْ لَدُنَّا عَلَيكُمْ وَعَلَى مَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا قُلْ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أُولَئِكَ أَشَرُّ النَّاسِ كَمَا أَنْتُمْ أَخْيَرُ الْعِبَادِ وَكَذَلِكَ أَحْصَينَا الْأَمْرَ فِي لَوْحِ الَّذِي كَانَ بِخَاتَمِ الْعِزِّ مَخْتُومًا وَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ مَا حَضَرُوا بَينَ يَدَي الْوَحِيدِ وَحَارَبُوا مَعَهُ وَجَادَلُوهُ بِالْبَاطلِ أُولَئِكَ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَحَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنْ مُقْتَدرٍ حَكِيمًا

يَا أَحِبَّاءَ اللّٰهِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ ثُمَّ اشْكُرُوهُ بِمَا فَضَّلَكُمْ بِالْحَقِّ وَأَصْبَحْتُمْ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ وَكُنْتُمْ عَلَى مَنَاهِجِ الْقُدسِ مُسْتَقِيمًا أَنْ يَا أَشْجَارَ الْقَرْيَةِ فَاسْجُدُوا اللّٰهِ بَارِئِكُمْ بِمَا هَبَّتْ عَلَيكُمْ نَسَائِمُ الرَّبِيعِ فِي فَصْلِ عِزٍّ أَحَدَيًّا وَأَنْ يا أَرْضَ تِلْك الْقَرْيَةِ فَاشْكُرِيۭ رَبَّكَ بِمَا بَدَّلَكِ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَأَشْرَقَ عَلَيْكِ أَنْوَارُ الرُّوحِ عَنْ أُفُقِ نُورٍ عِزِّيًّا وَأَنْ يَا هَوَآءَ الْقَرْيَةِ فَاذْكُرِ اللّٰهَ فِيمَا صَفَّكَ عَنْ غُبَارَ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَبَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَجَعَلَكَ عَلَى نَفْسِهِ مَعْرُوضًا

فَهَنِيئًا لَكَ يَا يَحْيَى بِمَا وَفَيتَ بِعَهْدك فِي يَوْمِ الَّذِي فِيهِ خُلِقَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَأَخَذْتَ كِتَابَ اللّٰهِ بِقُوَّةِ إِيْمَانِكَ وَصِرْتَ مِنْ نَفَحَاتِ أَيَّامِهِ إِلَى حَرَمِ الْجَمَالِ مَقْلُوبًا إِذًا بَشِّرْ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى بِمَا ذَكَرْتَ فِي لَوْحِ الَّذِي تَعَلَّقَت بِهِ أَرْوَاحُ الكتُبِ وَمِنْ وَرَائِهٰا أُمُّ الْكِتَابِ الَّتِي كَانَتْ فِي حِصْنِ الْعِصْمَةِ مَحْفُوظًا كَذَلِكَ يجْزِي اللّٰهُ عِبَادهُ الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا بِهِ وَبِآيَاتِهِ وَيَأْخُذُ الَّذِينَ هُمْ ظلَمُوا فِي الْأَرْضِ أَلَا لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الظَّالِمِينَ جَمِيعًا

أَنْ يَا قُرَّةَ الْبَقَآءِ غَيِّرْ لَحْنَكَ وَغَنِّ عَلَى نَغَمَاتِ الْوَرَقَاتِ الْمُغَنِّيَاتِ عَنْ وَرَآءِ سُرَادِقَاتِ الْأَسْمَآءِ فِي جَبَرُوتِ الصِّفَاتِ لَعَلَّ أَطيَارُ الْعَرْشِيَّةِ يَنْقَطِعُونَ عَنْ تُرَابِ أَنْفُسِهِمْ وَيَقْصُدُونَ أَوْطَانَهُمْ فِي مَقَامِ الَّذِي كَانَ عَنِ التَّنْزِيهِ مَنْزُوهًا أَنْ يَا جَوْهَرَ الْحَقِيقَةِ غَنِّ وَرَنِّ عَلَى أَحْسَنِ النَّغَمَاتِ لِأَنَّ حُورِيَّاتِ الْغُرُفَاتِ قَد أَخْرَجْنَ عَنْ مُحَافِلِهِنَّ وَعَنْ سُرَادِقَاتِ عِصْمَةِ اللّٰهِ لِيَنْصُتْنَ نَغْمَتَكَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى قِصَصِ الْحَقِّ فِي قَيُّومِ الْأَسْمَآءِ مَغْرُودًا وَلَا تَحْرِمْهُنَّ عَمَّا أَرَدْنَ مِنْ بَدَايِعِ إِحْسَانِكِ وَإِنَّك أَنْتَ الْكرِيمُ فِي رَفَارِفِ الْبَقَآءِ وَذِي الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فِي جَبَرُوتِ الْعَمَآءِ وَكَانَ إِسْمُك فِي الْمَلَأَ الْأَعْلَى بِالْفَضْلِ مَعْرُوفًا أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَنْ يُمْهِلُوا بِأَنْ يَخْرُجَ الْهَمَسُ مِنْ هَذَا النَّفْسِ وَإِذَا يُرِيْدُ الصَّوْتَ أَنْ يخْرُجَ مِنْ فَمِي يَضَعُونَ أَيَادِي الْبَغْضَاءِ عَلَيهِ وَأَنْتَ مَعَ عِلْمِك بِهَذَا تَأْمُرُنِي بِالنِّدَآءِ فِي هَوَاءِ هَذَا السَّمَآءِ وَإِنَّك أَنْتَ الْفَاعِلُ بِالْحَقِّ وَالْحَاكِمُ بِالْعَدلِ تَفْعَلُ مَا تَشَآءُ وَتَكونُ عَلَى كُلِّ شَيءِ حَكِيمًا وَلَوْ تَسْمَعُ نِدَاءَ عَبْدكَ وَتَقْضِي حَاجَتَهُ بِالْفَضْلِ فَاعْذُرْهُنَّ بِأَحْسَنِ الْقَوْلِ وَأَلْطَفِ الْبَيَانِ لِيَرْجِعُنَّ إِلَى رَفَارِفِهِنَّ وَمَقَاعِدِهِنَّ فِي غُرُفَاتِ حُمْرٍ يَاقُوتًا وَأَنْتَ تَعْلَمُ بِأَنِّي ابْتُلِيتُ بَينَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحِزْبَينِ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ بِالْأَمْرَينِ وَالنَّاظرُ عَلَى الْحُكْمَينِ وَالظَّاهِرُ فِي الْقَمِيصَينِ وَالْمُشْرِقُ بِالشَّمْسَينِ وَالْمَذْكُورُ بِالْإِسْمَينِ وَصَاحِبُ الْمَشْرِقَينِ وَالْآمِرُ بِالسِّرَّينِ فِي هَذَاالسَّطرَينِ وَكَانَ اللّٰهُ مِنْ وَرَائِكَ عَلَى مَا أَقُولُ عَلِيمًا وَتَعْلَمُ بِأَنِّي مَا أَخَافَ مِنْ نَفْسِي بَلْ بَذَلْتُ نَفْسِي وَرُوحِي فِي يَوْمِ الَّذِي شَرَّفْتَنِي بِلِقَائِكَ وَعَرَّفْتَنِي بَدِيعَ جَمَالِكَ وَأَلْهَمْتَنِي جَوَاهِرَ آيَاتِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ أَمْرِك مَجْمُوعًا وَلَكِنْ أَخَافُ بِأَنْ يتَفَرَّقَ أَرْكَانُ الْأَمْرِ فِي كَلِمَةِ الْأَكبَرِ كَمَا تَفَرَّقُوهَا هَؤُلَآءِ الْمُغِلِّينَ فِي يَوْمَ الَّذِي اسْتَوَيتَ عَلَى أَعْرَاشِ الْوُجُود بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ مَنْ فِي الْعَالَمِينَ مَجْمُوعًا وَكَذَلِكَ فَصَّلْنَا لِهَذَا الْأَمْرِ تَفْصِيلاً فِي لَوْحِ الَّذِي كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَمَاءِ الرُّوحِ مَنْزُولاً

أَنْ يَا قَمِيصَ الْمَرْشُوشَةِ بِالدَّمِ لَا تَلْتَفِتْ إِلَى الْإِشَارَاتِ ثُمَّ أَحْرِقِ الْحُجَبَاتِ ثُمَّ أَظْهَرْ بِطرَازِ اللّٰهِ بَينَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ثُمَّ غَنِّ عَلَى نَغَمَاتِ الْمَكْنُونَةِ الْمَخْزُونَةِ فِي رُوحِكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي وَرَدَ عَلَى مَظْهَرِ نَفْسِ اللّٰهِ مَا لَا رَأَتْ عُيُونُ الْخَلَايقِ جَمِيعًا أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ الْأَمْرُ بِيَدِكَ وَمَا أَنَا إِلَّا عَبْدُكَ الْمُتَذلِّلُ بَينَ يَدَيْكَ وَالْمَحْكُومُ بِأَمْرِكَ إِذًا لَمَّا تَأْمُرُنِي بِالذِّكْرِ فِي ذِكْرِ اللّٰهِ الْأَكبَرِ وَكَنْزِ اللّٰهِ الْأَعْظَمِ يَنْبَغِي بِأَنْ تَأْمُرَ مَلَآئِكَةَ الْفِرْدَوْسِ بِأَنْ يَحْفَظْنَ أَرْكَانَ الْعَرْشِ ثُمَّ عَلَى مَلَآئِكَةِ الْعَالِينَ بِأَنْ يَحْفَظْنَ سُرَادِقَاتِ الْعَظَمَةِ لِئَلَّا يُشَقَّ سِتْرُ حُجُبَاتِ اللَّاهُوتِ مِنْ هَذَا النِّدَاءِ الَّذِي كَانَ فِي صَدْرِ الْعِزِّ مَسْتُورًا

أَنْ يَا بَهَاءَ الرُّوحِ لَا تَسْتُرْ نَفْسَكَ بِتِلْكَ الْحُجُبَاتِ فَأَظْهِرْ بِقُوَّةِ اللّٰهِ ثُمَّ فُكَّ الْخَتْمَ عَنْ إِنَاءِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ فِي أَزَلِ الْآزَالِ بِخَاتَمِ الْحِفْظِ مَخْتُومًا لِتَهُبَّ رَوَائِحُ الْعِطْرِيَّةِ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ الْقِدْمِيَّةِ عَلَى الْخَلَايقِ مَجْمُوعًا لَعَلَّ يُحْيِي الْأَكوَانَ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمٰنِ وَيَقُومُنَّ عَلَى الْأَمْرِ فِي يَوْمِ الَّذِي فِيهِ كَانَ الرُّوحُ عَنْ جَهَةِ الْفَجْرِ مَشْهُودًا قُلْ هَذَا اللَّوْحُ يأْمُرُكُمْ بِالصَّبْرِ فِي هَذَا الْفَزَعِ الْأَكبَرِ وَيحْكُمُ عَلَيكُمْ بِالْإِصْطِبَارِ فِي هَذَا الْجَزَعِ الْأَعْظمِ حِينَ الَّذِي تَطِيرُ حَمَامَةُ الْحِجَازِ عَنْ شَطرِ الْعِرَاقِ وَيَهُبُّ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ رَوَايحُ الْفِرَاقِ وَيَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ السَّمَآءِ لَوْنُ الْحَمْرَآءِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ مَقْضِيًّا قُلْ إِنَّ طَيرَ الْبَقَآءِ قَد طَارَتْ عَنْ أُفُقِ الْعَمَآءِ وَأَرَادَتْ سَبَاءَ الرُّوحِ فِي سِينَاءِ الْقُدسِ لَيَنْطبِعَ فِي مِرْآتِ الْقَدَرِ أَحْكَامُ الْقَضَاءِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَارِ غَيبٍ مَسْتُورًا قُلْ قَد طَارَتْ طَيرُ الْعِزِّ مِنْ غُصْنٍ وَأَرَادَتْ غُصْنَ الْقُدسِ الَّذِي كَانَ فِي أَرْضِ الْهِجْرِ مَغْرُوسًا قُلْ إِنَّ نَسِيمَ الْأَحَدِيَّةِ قَد طلَعَ عَنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ وَأَرَادَ الْهُبُوبَ عَلَى مَدِيْنَةِ الْفِرَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي صُحُفِ الْأَمْرِ مَذْكُورًا قُلْ يَا مَلَأَ السَّمٰوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذًا فَأَلْقُوا الرَّمَادَ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَرُؤُسِكُمْ بِمَا غَابَ الْجَمَالُ عَنْ مَدَاينِ الْقُرْبِ وَأَرَادَ الطُّلُوعَ عَنْ أُفُقِ سَمَاءِ بَعِيدًا كُلُّ ذَلِكَ مَا قُضِيَ بِالْحَقِّ وَنَشْكُرُ اللّٰهَ بِذَلِكَ وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَينَا الْبَلَاءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَأَمْطرَ حِينَئِذٍ عَلَينَا مِنْ غَمَامِ الْقَضَاءِ أَمْطَارُ حُزْنٍ مَعْرُوفًا

أَنْ يَا جَوْهَرَ الْحُزْنِ فَاخْتِم الْقَوْلَ فِي هَذَا الذِّكْرِ لِأَنَّ بِذَلِكَ حَزِنَّا وَحَزِنَتْ أَهْلُ مَلَأِ الْأَعْلَى ثُمَّ اَذْكُرْ عَبْدَاللّٰهِ الَّذِي سَئَلَ عَنْ نَبَأٍ قَدْ كَانَ بِالْحَقِّ عَظِيمًا قُلْ تَاللّٰهِ الْحَقِّ إِنَّ النَّبَأَ قَد قُضِيَ فِي جَمَالِ عَلِيٍّ مُبِينًا ثُمَّ اَخْتَلَفُوا فِيهِ الْعِبَادُ وَاعْتَرَضُوا عَلَيهِ عُلَمَاءَ الْعَصْرِ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا فِي حُجُبَاتِ النَّفْسِ مَحْجُوبًا وَأَنْتُمْ عَرَفْتُمْ جَمَالَ اللّٰهِ فِي قُمْصِ عَلِيٍّ قَيُّومًا وَسَيَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا مَا رُقِمَ بِالْحَقِّ وَكَانَ عَلَى اللّهِ مَحْتُومًا وَسَتَعْلَمُونَ نَبَاءَهُ فِي زَمَنِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْحَتْمِ مَأْتِيًّا وَلَكِنْ أَنْتُمْ يَا مَلَأَ الْبَيَانِ فَاجْهَدوا فِي أَنْفُسِكُمْ لِئَلَّا تَخْتَلِفُوا فِي أَمْرِ اللّٰهِ وَكُونُوا عَلَى الْأَمْرِ كَالْجَبَلِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَرْسُوخًا بِحَيثُ لَا يَزِلُّكُمْ وَسَاوِسُ الشَّيطَانِ وَلَا يُقَلِّبُكُمْ شَيءٌ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا مَا ينْصَحُكُمْ حَمَامَةُ الْأَمْرِ حِينَ الْفِرَاقِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ بِمَا اكتَسَبَتْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا ثُمَّ اعْلَمُوا يَا مَلَأَ الْأَصْفِيَا ءِ بِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَابَتْ تَتَحَرَّك طُيُورُ اللَّيلِ فِي الظُّلْمَةِ إِذًا أَنْتُمْ لَا تَلْتَفِتُوا إِلَيهِمْ وَتَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا إِيَّاكُمْ أَنْ لَا تَتَّبِعُوا السَّامِرِيِّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَلَا تُعَقِّبُوا الْعِجْلَ حِينَ الَّذِي يَتَنَعَّرُ بَينَكُمْ وَهَذَا خَيرُ النُّصْحِ مِنْ قِبَلِي عَلَيكُمْ وَعَلَى الْخَلَايقِ مَجْمُوعًا سَتَسْمَعُونَ نِدَاءَ السَّامِرِيِّ مِنْ بَعْدِي وَيَدْعُوكُمْ إِلَى الشَّيطَانِ إِذًا لَا تُقْبِلُوا إِلَيهِ ثُمَّ اقْبِلُوا إِلى جَمَالِ عِزٍّ خَفِيًّا إِذًا نُخَاطِبُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ لَعَلَّ يَسْتَفِينُر كُلُّ شَيءٍ بِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ لَدنْ حَكِيمٍ عَلِيمًا وَإِنَّكَ أَنْتَ يَا حِينُ لَا تَغْفَلْ عَنْ هَذَا الْحِينِ الَّذِي حَانَ بِالْحَقِّ وَفِيهِ يَهُبُّ نَسْمَةُ اللّٰهِ عَنْ جِهَةِ قُدْسٍ غَرْبِيًّا وَإِنَّكَ أَنْتَ يَا أَيَّتُهَا السَّاعَةُ بَشِّرِي بِهَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي قَامَتْ فِيْكِ بِالْحَقِّ ثُمَّ اعْرِفِي هَذِهِ الْمَائِدَةَ البَاقِيَةَ الدَّائِمَةَ السَّمَائِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ عَنْ غَمَامِ الْقُدْسِ وَظُلَلِ النُّورِ مِنْ سَمَاءِ الْعِزِّ عَلَى اسْمِ اللّٰهِ مَنْزُولاً

أَنْ يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ نَوِّرِ الْمُمْكنَاتِ بِهَذَا الْيَوْمِ الدُّرِّيِّ الْمُشْرِقِيِّ الْإِلَهِيِّ الَّذِي كَانَ عَنْ أُفُقِ الْعِرَاقِ فِي شَطْرِ الْآفَاقِ مَشْهُودًا وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَنُلْقِي عَلَيكُمْ كَلِمَاتِ الرُّوحِ وَنُعْطِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ مَا قُدِّرَ فِي كِتَابِ عِزٍّ مَسْطُورًا لِيَعْلَمَ كُلُّ شَيءٍ مَعِينَ الْأَحَدِيَّةِ فِي هَذَا الرِّضْوَانِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَسْكُوبًا وَالرُّوحُ عَلَيكُمْ وَعَلَى الَّذِينَ هُمْ طَافُوا فِي حَوْلِ الْأَمْرِ وَكَانُوا إِلَى جِهَةِ الْحُبِّ مَسْلُوكًا.

المصادر
المحتوى
OV