مقدمة حول رسائل وبيانات بيت العدل الاعظم

مقدمة حول رسائل وبيانات بيت العدل الاعظم

تعتبر مؤسسة بيت العدل الاعظم أعلى هيئة روحانية وإدارية للجامعة البهائية في العالم. إن مصدر جميع المؤسسات البهائية هو ا لكتاب الاقدس وألواح وصايا حضرة عبدالبهاء (التي تُمثِّل عهده وميثاقه.) شرّع حضرة بهاءالله في الكتاب الاقدس مؤسسة بيت العدل الاعظم وبيت العدل المحلي (المحفل الروحاني المحلي،) أما المحافل الروحانية المركزية (بيوت العدل الخصوصية) فقد أوجدها حضرة عبدالبهاء في الواح وصاياه، وكما قال حضرة شوقي أفندي فان المحافل الروحانية المركزية هى حلقة الوصل بين المحافل الروحانية المحلية وأفراد البهائيين من جهة وبيت العدل الاعظم من جهة أخرى.

وكما جاء في وصية حضرة عبدالبهاء "أمّا بيتُ العدل الّذي جعله الله مصدرَ كلّ خير ومصونًا من كلّ خطأ، فيجب أن يُشَكَّلَ بانتخاب عامّ، أي من قِبَل النّفوس المؤمنة، وينبغي أن يكون أعضاؤه مظاهرَ تقوى الله ومطالعَ العلم والعرفان، ثابتين في دين الله وساعين لخير جميع نوع الإنسان؛ والمقصود هو بيت العدل العموميّ... إنّ هذا المجمع هو مرجع جميع الأمور، وهو المؤسّس للقوانين والأحكام غير الموجودة في النّصوص الإلهيّة، وتُحلّ جميعُ المسائل المُشكلة في هذا المجلس." وفي مقام آخر تفضل حضرة بهاءالله بقوله ... إن أمور الملة معلقة ومنوطة برجال بيت العدل الإلهي. أولئك أمناء الله بين عباده ومطالع الأمر في بلاده.(۱) فعصمة بيت العدل الأعظم عصمة مكتسبة وموهوبة له كهيئة مجتمعة، أما أعضاؤه منفردين فلا يملكون هذه العصمة. وجاء في لوح الكلمات الفردوسية لحضرة بهاءالله تأكيدًا على ذلك بقوله: ... وما لم يكن منصوصًا من الحدود في الكتاب صراحة يجب على أمناء بيت العدل التشاور فيه وإجراء ما يستحسنونه. إنه يلهمهم ما يشاء وهو المدّبر العليم.(٢) وفي ألواح الوصايا لحضرة عبدالبهاء نقرأ "ومرجع الكلّ هو الكتاب الأقدس، وكلّ مسألة غير منصوصة تعود إلى بيت العدل العموميّ؛ فما يُقَرّه بيت العدل بالإجماع أو بأكثريّة الأصوات فهو الحقّ وهو مُرادُ الله."

ولا بد هنا من التطرق للنظام الإداري في الدين البهائي الذي يُعتَبر جنين النظام العالمي لحضرة بهاءالله. إنه نظام حَدّد مبادئه وإطاره العام وأسس قواعده حضرة بهاءالله ثم وضع تفاصيله حضرة عبدالبهاء الذي عيّنه حضرة بهاءالله خليفة من بعده ومبيّنًا لكلماته، ثم خلع على بيت العدل الأعظم رداء السلطان في تشريع ما لم يُنصّ عليه في الكتاب حسب اقتضاء الزمان، ومنحه السلطة في تنفيذ أحكامه في أنحاء العالم البهائي. هنا يكمن سرّ قوة هذا النظام وأساس ميزته عن باقي الأنظمة الدينية والدنيوية.

يرتفع النظام الإدراي على عمادين: الجناح الإنتخابي والجناح المعيّن وعلى رأسهما بيت العدل الأعظم. فالجناح المُنتخَب تبدأ قاعدته بالفرد البالغ ويمرّ عبر مؤسسات تنتهي ببيت العدل الأعظم في نظام انتخابي فريد من نوعه يشترك فيه الفرد بكل حرية ونزاهة في انتخاب مؤسساته. ففي كل بلدة لها حدود بلدية معينة، إذا بلغ عدد أفرادها البالغين واحدًا وعشرين سنة فما فوق تسعة أفراد وأكثر، عليهم انتخاب هيئة تدعى المحفل الروحاني المحلي المكون من تسعة أفراد (ويمكن زيادة العدد في المستقبل) حيث تقوم هذه الهيئة بإدارة شؤون الدين والأفراد روحيًا وإداريًا. وإذا تعددت المحافل الروحانية المحلية في القطر ينتخب البهائيون محفلاً روحانيًا مركزيًا وذلك بتقسيم البهائيين فيه إلى وحدات انتخابية تنتخب كل واحدة وكلاء عنها بالعدد الذي يحدده المحفل الروحاني المركزي بناء على تحديد بيت العدل الأعظم لمجموع عدد الوكلاء للقطر. ويقوم الوكلاء مجتمعين بانتخاب أعضاء المحفل الروحاني المركزي من بين جميع البهائيين البالغين وعددهم تسعة أعضاء أيضًا للقيام بإدارة شؤون الدين وأفراد البهائيين في القطر بالتعاون والتنسيق مع المحافل الروحانية المحلية، ويكون حلقة الوصل بينها وبين بيت العدل الأعظم. يتجدد هذا الانتخاب كل عام لإتاحة الفرصة أمام التجديد في العضوية. ويقوم أعضاء المحافل الروحانية المركزية بانتخاب أعضاء بيت العدل التسعة من بين جميع البهائيين البالغين في العالم مرة كل خمس سنوات في مؤتمر بهائي عالمي.

وعن المحفل الروحاني كهيئة مسؤولة يتفضل حضرة بهاءالله: ... عليهم حين يجتمعون أن يشعروا كأنهم حاضرون بين يدي الله، إذ إن هذا لأمر مبرم قد نُزل من قلم القدم، والله متوجّه بلحاظه إلى ذلك الجمع.(٣) ويتفضل حضرة عبدالبهاء عن مقامه أيضًا بقوله: ... وهذه المحافل الروحانية سرج نورانية وحدائق ملكوتية ينتشر منها نفحات القدس في الآفاق، ويشرق منها أنوار العرفان على الإمكان، ويسري منها روح الحياة على كل الجهات.(٤) وحول اتخاذ قرارته فيتفضل حضرة عبدالبهاء في أحد ألواحه بقوله: ... ونعم المراد هو أن يكون الإجماع على رأي واحد في نهاية البحث، وفي حال وجود خلاف، لا سمح الله، يرجع الأمر إلى أغلبية الآراء.(٥)

وما يجدر ذكره أنه ليس في الانتخابات البهائية أي ترشيح أو دعاية انتخابية، وهو أمر ممنوع بالكلية. فجميع البهائيين البالغين مرشحون لأن يكونوا أعضاء في المؤسسات الدينية البهائية، وهي خدمة يؤديها الفرد الكفؤ بعد انتخابه بكل إخلاص وامتنان باعتبارها منحة إلهية أُسبغت عليه وليست منصبًا يسعى إليه. بهذا الترتيب يمكن القول بأن الفرد أينما كان يشترك بطريق مباشر أو غير مباشر بانتخاب جميع مؤسساته الإدارية حتى بيت العدل الأعظم. إنه أرقى نظامٌ عرفته الأنظمة الدينية والدنيوية، خاصة عندما نعلم أن هناك مؤسسة تدعى مؤسسة الضيافة التسع عشرية وهي عبارة عن اجتماع في بداية كل شهر بهائي يدعى إليه كافة البهائيين محليًا لإقامة الدعاء في انتعاش روحي ثم الإطلاع على رسائل المحفل الروحاني المركزي وأخبار البهائيين في العالم وقرارات محفلهم الروحاني المحلي، ويلي ذلك مناقشات ومشورة في شؤونهم من جميع النواحي، ويرفعون توصياتهم واقتراحاتهم المناسبة لمحفلهم الروحاني الذي يلتقون بأعضائه وجهًا لوجه في ذلك الاجتماع الشهري، ثم يعيش الجميع في جو من الألفة والتوادد والمحبة في القسم الاجتماعي الأخير من الضيافة.

إن النظام الإدراي بأكمله وعلى رأسه بيت العدل الأعظم يعمل قنوات فاعلة لوصول الفيوضات الإلهية نقية صافية إلى كل فرد بهائي في العالم أينما كان موقعه. ولذلك نراها تعمل بالتوافق التام مع روح التعاليم والأحكام الإلهية كعمل الروح في الجسد. والأهم من ذلك فإن علاقة الفرد بها جميعًا علاقة إيمانية وجدانية أخلاقية مبنية على الطاعة القلبية الخالصة. وإذا كان لديه أي اعتراض فأمامه القنوات الإدارية بكل سهولة ويسر وترحاب.

أما الجناح المُعيّن فهو مؤسسة مكونة من هيئات المشاورين القارية (هيئة واحدة في كل قارة) وما يتفرع عنها من هيئات المعاونين في كل قطر ومساعديهم، حيث يتم تعيينهم من قبل بيت العدل الأعظم، وعلى رأس هذه المؤسسة دار التبليغ العالمية. أما وظيفة هذا الجناح فتنحصر في التشاور المتبادل مع الجناح المنتخب بجميع مؤسساته في شؤون الدين وفي تقدم مصالحه والحفاظ على الصحة الروحية للأفراد. فليس لها صلاحية اتخاذ القرارات كالجناح المنتخب ويكون عملها في ميادين نشر نفحات الله، وتربية النفوس، وتعليم العلوم، وتحسين الأخلاق، والتقديس والتنزيه في جميع الشؤون، ويجب أن تتجلى واضحة تقوى الله في أطوارهم وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم ...(٦)

وبخصوص نظام حضرة بهاءالله العالمي، فقد جاء في رسالة لحضرة شوقي أفندي قوله لأن بهاءالله ... لم ينفخ فقط في البشرية روحًا جديدًا لتجديدها، ولم ينطق فقط ببضعة مبادئ عالمية معينة أو يؤسس فلسفة معينة فحسب، مهما كانت تلك الروح وتلك المبادئ وتلك الفلسفة قوية وسليمة وعالمية، ولكنه بالإضافة إلى هذا كله وضع بكل وضوح وتحديد، بخلاف الدورات الإلهية السابقة، مجموعة من القوانين، كما أسس مؤسسات معينة. فقدّم بذلك ما يلزم من الأسس لإقامة الاقتصاد الإلهي. وقد قُدِّر لهذه المؤسسات أن تطور النموذج للهيئة الاجتماعية المقبلة، والأداة العليا لتأسيس الصلح الأعظم، والوكالة الوحيدة لتوحيد العالم، وإعلان سيادة الحق والعدل على الأرض ...(٧)

عادة ما يُصدر بيت العدل الاعظم رسائله وتوجيهاته وإرشاداته إما بتوقيع الهيئة نفسها أو عن دائرة السكرتارية التابعة له بالنيابة عنه. وتطّلع الهيئة على جميع الرسائل الواردة والصادرة بترتيب دقيق وفعّال. ويحق لكل فرد بهائي أينما كان أن يتصل ببيت العدل الأعظم ضمن القنوات الإدارية السليمة مستفسرًا ومستوضحًا أو مستأنفًا.