
الجزء الاول
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على مخالفيهم وظالميهم اجمعين ابد الآبدين ودهر الداهرين
اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني ابن محمد قاسم محمد كاظم الحسيني الرشتي ان بعض السادة الاجلاء النبلاء حرسه الله تعالى عن كل ضراء ولأواء وايده بصنوف النعماء والآلاء بمحمد وآله السادة النجباء النقباء عليهم سلام الله ما دامت الارض والسماء قد التمس من الفقير بيان الخطبة الغراء العلية العلوية الموسومة بالطتنجية وكشف رموزها ورفع استارها على نهج الحقيقة الواقعية الاولية لا الثانوية وكان ذلك امرا منيع الوصال وبعيد المنال لاشتمالها على اسرار وحقايق وبدايع ومعان لم يسمح به الافكار ولم تحظ لادراكها الانظار لكونها من اسرار ظهورات ولي الملك الجبار القهار وقد ضل دونها اسرار اولي الاخطار والذي طفح علينا رشح من قطرة من بحار تلك الانوار كثير منها ليست له عبارة ولم اعط بيانا ولا اشارة ومنها ما لا يمكن بيانه لقول مولينا الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ومنها ما يتوقف بيانه على ذكر المقدمات الغريبة البعيدة عن الافهام فيجب طيها لقوله عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كل ما تسمعه نكرا اوسعته عذرا ومنها ما يطول بذكر جميع ما يتوقف عليه الكلام فيخل بالمقام مع ما ظهر في هذه الخطبة الشريفة من الاحوال والامور الغريبة العجيبة التي كانت مطوية في بواطن القرآن وسائر اخبارهم عليهم السلام بحيث ما تحملها العلماء وطرحوها وامثالها محتجين بانها من وضع الغلاة وحيث كان الامر كذلك تسوفت بالجواب لعلمي بالناس وما يوسوس في صدورهم الخناس فعاد سلمه الله تعالى في الالتماس والح في السؤال فاجبت مسألته والتزمت طاعته الا اني اتى بما يسهل بيانه ولا يعسر برهانه واعتذر من البسط في المقال وشرح الحال وذكر الاحوال لتبلبل البال وتراكم الاعراض والامراض وانواع الاختلال والميسور لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واني امهد قبل الشروع في المقصود مقدمة لتنبيه الغافلين وارشاد المسترشدين
مقدمة - اعلم ان العلماء في هذه الخطبة الشريفة وامثالها من الخطب كخطبة البيان وخطبة الافتخار وغيرها والاخبار كخبر معرفتهم بالنورانية وخبر بيان مقامات المعرفة وغيرها تشعبوا على اربع شعب :
الاولى - طرحوا هذه الاخبار واسقطوها عن نظر الاعتبار وقالوا انها اخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ومن قال بحجية الظن المطلق قال وان استفيد الظن بصحة مضمون هذه الاخبار الا انه لا يعول عليه في مثل هذه المطالب ومن قال بحجية الخبر الواحد قال ان ذلك هو الخبر الصحيح من العدل الامامي وتلك الاخبار اكثرها ضعيفة سيما الخطب واغلبها في مشارق الانوار للشيخ رجب البرسي وقد حكم العلماء بغلوه وما هذا شأنه لا حجية فيه مع ان هذه الاخبار والخطب تخالفها العقول وفيها رفع الامكان عن مكانه واثبات الربوبية للمخلوق واستلزام التفويض الذي اطبق الشيعة وفاقا للاخبار الصحيحة الصريحة المحكمة على بطلانه وتكفير القائل به ومخالفة الكتاب الصريح حيث يقول الله سبحانه هل من خالق غير الله اروني ماذا خلقوا من الارض وهو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وقد دلت الاخبار وشهد صحيح الاعتبار ان الخبر اذا خالف الكتاب المجيد يضرب على عرض الحائط وقد شاع وذاع شيوع الغلاة القائلين بالالوهية لامير المؤمنين واولاده الطيبين الطاهرين كالنصيرية والخطابية والشلمغانية وامثالهم واغلب رواة هذه الاخبار هم فثبت ان هذه الخطب ليست من امير المؤمنين عليه السلام ولا الاخبار من اولاده المعصومين عليهم سلام الله ابد الآبدين وانما هي من موضوعات الغلاة والمفوضة
الثانية - توقفوا في تصديقها وتكذيبها حيث رأوا شيوع هذه الاخبار وتكررها وتواردها في كتب الفرقة المحقة وورود الادعية الكثيرة بمضمونها والزيارات الواردة عن اهل بيت العصمة والطهارة وورود الاخبار الكثيرة بمعناها عن اخبار الثقات ايضا الا ان هنا اخبارا بظاهرها تنفي هذه المضامين ويؤيدها ظواهر بعض الآيات مع ان العقل يقصر عن ادراكها ومعرفتها فالتوقف والسكوت فيها اولي لما قالوا عليهم السلام الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات
الثالثة - تلقوها بالقبول وشهدوا على حقيتها لكنهم حاولوا معرفتها بالعقول ولم يستندوا فيها الى آل الرسول عليهم السلام بباطن دعويهم بلسان اعمالهم وان ادعوا خلافه بظاهر مقالهم فجروا في بيان هذه الخطب مجري الصوفية الملاحدة القائلين بوحدة الوجود قال الملا محسن في قرة العيون قال بعض العارفين اذا تجلى الله بذاته لاحد يرى كل الذوات والصفات والافعال متلاشية في اشعة ذاته وصفاته وافعاله ويجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنها مدبرة لها وهي اعضاؤه لا يلم بواحد منها شيء الا وهو يراه ملما به ويرى ذاته الذات الواحدة وصفته صفتها وفعله فعلها لاستهلاكه بالكلية في عين التوحيد ولما انجذب بصيرة الروح الى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الاشياء في غلبة نور الذات القديمة وارتفع التميز بين القدم والحدوث لزهوق الباطل عند مجيء الحق الى ان قال ولعل هذا هو السر في صدور بعض الكلمات الغريبة من مولينا امير المؤمنين (ع) في خطبة البيان وفي خطبة الموسومة بالطتنجية وغيرها من نظائرهما كقوله (ع) انا آدم الاول انا نوح الاول الى آخر ما قال من امثال ذلك صلوات الله وسلامه عليه انتهى كلامه
الرابعة - عملوا بمقتضي قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فاولئك المؤمنون الممتحنون الذين امتحن الله قلوبهم للايمان وشرح صدورهم للاسلام وهم المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون نهجهم فهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستجابت ارواحهم لقادة العلم واستلانوا من احاديثهم ما استوعر على غيرهم وانسوا بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون فانقطعوا الى ربهم وحاولوا قراءة الالواح الآفاقية والانفسية التي قد نقش الله سبحانه فيها جميع اسراره المخزونة في ملكوته وجبروته ولاهوته فعرفوها بتعليم الله سبحانه وتعالى بالسنة اوليائه بعد ما جاهدوا في الله حق جهاده فنظروا في العالم والكتاب والسنة من غير معاندة ولجاج ولا قاعدة مأخوذة من غير اهل الحق عليهم السلام ليقبلوا ما يوافقها ويتركوا ما يخالفها او يأولوا اليها ولا استيناس بطائفة ليميلوا بقلوبهم اليهم ليمنعهم عن اصابة الواقع بتلون مرآة حقائقهم بلون ذلك الميل بل نظروا الى الكتاب والسنة والآيات الآفاقية والانفسية بخالص الفطرة وصافي الطوية طالبي الحق والصواب من الله سبحانه باهل فصل الخطاب عليهم سلام الله في المبدأ والمآب فقابلت مرايا قلوبهم عالم النور الذي هو وجه الله سبحانه قال تعالى الله نور السموات والارض فظهرت في قلوبهم صور الحقائق المنتزعة من كتاب الابرار في عليين فنطقوا بالحق والصواب وهو قوله عز وجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهذه كيفيتها وطريقها فعرفوا الشيء الواحد في مقامات عديدة هي خزائن وجوده قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه فعرفوه في جميع الخزائن وان قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو لكنه قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقالوا عليهم السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون اذ كلهم محمد (ص) اولهم محمد وآخرهم محمد واوسطهم محمد صلى الله عليه وعليهم اجمعين ولما كان الشيء الواحد له اطوار واحوال قال تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا طور الاجمال وطور التفصيل وطور البساطة وطور التركيب وطور التصوير وطور التجريد كما قال عز وجل ما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا وعرفوا كل هذه الاطوار وما تقتضيه من الاوطار في عالم الانوار بتعليم الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار صار لا يشتبه عليهم شيء في مقام الاختلاف والكثرة وعدم الايتلاف فيعطون كل ذي حق حقه من الاحكام وان ظهر بالف طور مختلف اذ عرفوا اللطيفة الواحدة السارية في المجموع فلا يحصل عندهم تعارض ولا تناقض ولا تضاد لا في الاكوان ولا في الصفات ولا في الالفاظ والعبارات ولا في اخبار سادة البريات ولا في الآيات من المحكمات والمتشابهات فهم مطمئنوا القلب باردوا الفؤاد بالغوا المراد يعرفون الغريب من القريب ويأخذون الحظ النصيب من المعلى والرقيب فلا يحتاجون الى طرح الاخبار ولا الى اختلاف الانظار وهم الذين قال الله تعالى فيهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه لان اهل البيت سلام الله عليهم علماء حكماء عارفون بمواقع الكلام ولحن الخطاب ولم يتكلموا بشيء الا جعلوا فيه من تسديدهم قرينة تنفيه او تثبته والا لم يكونوا حجة بالغة والقول بانهم يتكلمون بلسان قومهم وما جرت عادة العرب على نصب القرينة في كل مقالاتهم ولا يمكن لكل احد معرفة القرينة لو فرض وجودها باطل لانهم ما يتركون نصب القرينة الا اذا عجزوا عن ذلك والا فمهما يمكنهم لا يتركونها وهو معلوم بديهي لكل عاقل واما عدم الفهم فانما يتصور اذا لم يمكنه ان يجري كلماته على نهج واحد وطور متسق فيختلف في المقال فتختل معرفة كلامه واما الذي يقدر على ان يجري كلماته على اختلافها على نظم محكم متقن مضبوط متسق يتميز مقاله عن غيره لمن عرف السياق ونظم الكلام فلا يترك ذلك وانما يتكلم كذلك البتة الا ترى القرآن فانه على نظم وسياق محكم مضبوط لا يشتبه غيره لمن عرفه وقرأه وواظب عليه ولا ريب ان الامام عليه السلام يقدر ان يجري كلامه كما ذكرنا فلا يشتبه بكلام غيره فلا يضره دس الداسين وافتراء المفترين اذ في كلامهم سلام الله عليهم قرائن صدق على حقيته وفي كلام غيرهم قرائن صدق على بطلانه الا ترى الى الذين ارادوا ان يأتوا في مقابلة القرآن بسورة كمسيلمة وسجاح فأتوا بشيء يقطع كل من سمع القرآن انه لا يشبهه ولا ينسب اليه وكذلك اخبارهم سلام الله عليهم عند من يعرف سياقهم ويطلع على نظم كلامهم وعنده موازين قسط من اخبارهم المحكمة وقد قالوا عليهم السلام لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نور وقالوا ايضا عليهم السلام ان نخلة مريم كانت عجوة نزلت من السماء فما نبت من اصلها كانت عجوة وما كان من لقاط فهو لون ه والناس لما لم يطلعوا على سياق كلامهم ونظم مقالهم وطور بيانهم ولم يعرفوا كيفية الوزن واخذ القواعد الكلية من الاخبار المحكمة ورد غيرها اليها وقعوا فيما وقعوا من التحير فاحتاجوا الى طرح الاخبار واختلاف الانظار وهم عليهم السلام الذين اوقعوا الخلاف فيهم لعلمهم بانهم في مقام المجادلة بالتي هي احسن فذكروا الشيء الواحد بوجوه كثيرة واطوار مختلفة غير مؤتلفة ليختلفوا ويسلم رقابهم عن شر الاعادي لكونهم لم يكونوا من اهل تلك الوادي مثالهم مثال العميان والفيل واما الذي عرف نظام كلامهم وعلم سياق مقالهم فهو على بصيرة من ربه فيجري هذه الاخبار المتكثرة المختلفة مجري الشيء الواحد الظاهر بالاطوار المختلفة كالتراب الجامع بين الانسان والحيوان والجماد والنبات وفي كلما يقول ويحكم ويجمع ويفرق مستند الى كتاب محكم تفسيره او الى خبر واضح تأويله او الى عقل تعرف العقول السليمة عدله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وهذا معنى قول مولينا امير المؤمنين عليه السلام كما سبق معناه ان المتبعين لقادة الدين الى ان قال عليه السلام فيستلينون من احاديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون واولئك اتباع العلماء صحبوا اهل الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى ولاوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم والخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلى فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل طوبى لهم على صبرهم على دينهم حال هدنتهم ويا شوقاه الى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم وسيجمعنا الله واياهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم ه وهؤلاء تلقوا هذه الخطبة واشباهها من الخطب والاخبار بالقبول وعرفوها وبينوها على ما فهموا من كلمات آل الرسول عليهم السلام كما نبين ان شاء الله تعالى في خلال الشرح
واما الطائفة الاولى الذين طرحوا هذه الخطبة الشريفة وشبهها من الاخبار واسقطوها عن الاعتبار ونسبوها الى الغلاة والمفوضة وغيرهم من الاشرار فاخطأوا جدا واستعجلوا كثيرا اما دعويهم بانها من الاخبار الآحاد فليست بصحيحة لانها فوق الاستفاضة بل لا يبعد ان تدعي تواترها معنى لكثرة تكررها وورودها في الكتاب في مواضع عديدة والادعية المأثورة سيما في دعاء رجب المروي عن القائم (ع) على ما رواه الشيخ في المصباح والزيارات سيما الزيارة الرجبية والزيارات الخارجة عن الناحية المقدسة للحجة عليه السلام سلام على آل يس وزيارات امير المؤمنين عليه السلام وشيوع انهم عليهم السلام يد الله وعين الله ولسان الله واذن الله والزيارة الجامعة الكبيرة واحاديث خلق انوارهم قبل الخلق وامثالها من الامور التي لا يشكون ولا يختلفون في صحتها وانها منهم سلام الله عليهم ونشير الى كل ذلك ان شاء الله تعالى على حسب الجهد والسعة والاقبال فيما بعد ان شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله وكذلك هذه الخطبة الشريفة برواية جابر بن عبد الله الانصاري وخطبة الافتخار برواية اصبغ بن نباتة وخطبة البيان وخطبة اخرى ايضا من هذا القبيل وحديث معرفتهم بالنورانية برواية سلمان وابي ذر وحديث البيان والمعاني برواية جابر بن يزيد الجعفي وحديث مقامات المعرفة برواية جابر في كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء للشيخ سليمان الحلي وحديث الاكوان الستة برواية المفضل وحديث الرتق والفتق بروايته والاخبار في هذا المعنى كثيرة وربما يزيد على الف بل الالفين وليت شعري اي حكم من الاحكام الذي ( التي خ ) يثبتونها ( فيها نسخة ٢٥٣ د ) عندهم عشرة احاديث او عشرون فاذا امكن رد هذه الاخبار امكن رد غيرها الذي لم يبلغ معشارها وكلها في كتب الشيعة الفرقة المحقة وفي ذلك خروج من الدين وكفر بما اتى به سيد المرسلين وطرح الاخبار الكثيرة لعدم المعرفة والبصيرة ليس من شأن المؤمنين الممتحنين ولئن سلمنا انها من الاخبار الآحاد فقول ( نقول خ ) ان الخبر الواحد اذا طابق العقل الصحيح الصريح وجب القول به والعمل عليه وكذلك هذه الاخبار فان الادلة القطعية العقلية دالة على مضامينها ومدلولاتها بل لا يستقيم التوحيد الا بالقول به ولعمري ان المنكرين يقرون بها من حيث لا يشعرون كما نذكرها ان شاء الله تعالى عند الشرح فوجب اعتبارها وقبولها وايضا ان الخبر الواحد اذا لم يكن له معارض اقوى من الكتاب والسنة واجماع الفرقة المحقة يجب العمل به لكونه حجة لتقرير المعصوم عليه السلام على ما بينا في سائر رسائلنا بالبراهين العقلية والنقلية وذكرها هنا يؤدي الى التطويل ومن اراد ذلك فعليه بما كتبنا في جواب من سأل عن الادلة الاربعة التي يذكرها الاصوليون وبيانها فان ما فيه كفاية للمستوضح المسترشد وهذه الاخبار كذلك ودعوى معارضتها ببعض الاخبار باطلة لصحة الجمع بينها ووجدان الدليل عليه من الاخبار الصحيحة او ما يقوم مقامها والقول بانها من حيث السند ضعيفة فيه انه ليس كلها كذلك بل فيها اخبار صحيحة الاسانيد باصطلاحهم والذين حكموا عليهم بالغلو ماثبت عندنا ذلك وما وجدنا منهم شيئا يدل عليه وليس الحكم بغلوهم اجماعيا حتى يحصل القطع به واخبار الخطابية والشلمغانية واضرابهم ليست معمولا بها عندنا الا اذا كانت محفوفة بقراين الصدق لقولهم عليهم السلام ان لنا اوعية من العلم نملأها علما لتنقلها اليكم فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فانها اوعية سوء فنكبوها ه مع ان القميين الذين كان اكثر الجرح والتعديل في الاخبار والرواة عنهم كانوا يحكمون بالغلو بادنى شيء فعلى قولهم نحن كلنا غلاة عندهم كما قال الصدوق في الفقيه عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ان ادنى الغلو انكار سهو الانبياء والائمة عليهم السلام ولا شك انا ننكر ذلك بل نجعلهم معصومين مطهرين عن كل دنس فتبصر والقول بانها تخالف العقول باطل لما ذكرنا ولما نذكره ان شاء الله من دلالة العقول الصحيحة عليها نعم تخالف العقول المعوجة وليس فيها رفع الامكان عن مكانه وانما هي تنزيه القديم والازل عن شوائب الجهات الامكانية كما ستعرف ان شاء الله تعالى ولا فيها اثبات الربوبية للمخلوق وانما هي كما قال عز وجل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ولا تستلزم التفويض المجمع على بطلانه وانما هي كما قال الله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها الآية وقال تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ولا ينافي قوله تعالى هل من خالق غير الله وانما هي كما قال سبحانه فتبارك الله احسن الخالقين واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني والخبر اذا خالف الكتاب المجيد لا شك انه يضرب على الحائط الا ان هذه الخطبة والاخبار موافقة للكتاب المجيد ومفسرة ومفصلة له كما ستعرف ان شاء الله العزيز فثبت ان هذه الخطبة من مولانا عليّ امير المؤمنين عليه السلام على القطع واليقين اذ فيها كلمات ومقامات يقصر مقام المخلوقين سواه عليه السلام عن ذلك
واما الطائفة الثانية فهم وان سلموا في ظاهر الامر حيث اقروا بعجزهم وقصورهم عن ادراكها الا ان دعوى معارضتها مع الاخبار وظاهر الكتاب باطلة كما عرفت واما موافقة الجمهور فليست شرطا سيما في مثل هذه الامور التي معرفتها حظ المؤمنين الممتحنين الذين هم اقل من الكبريت الاحمر والعوام ليسوا مخاطبين بامثال هذه المعارف المطوية في هذه الخطبة الشريفة فيلهي عنهم ليظهر لهم الامر يوم القيمة يوم يقوم الناس لرب العالمين
واما الطائفة الثالثة فقد اصابوا في القبول والتصديق واخطأوا في التعيين والتحقيق حيث اولوها على غير مرادهم صلى الله عليهم بل بما يلزم منه المفسدة العظيمة والزندقة الكبيرة الا ترى قول الملا محسن حيث قال عن بعض العارفين اذا تجلى الله بذاته لاحد الخ فانه مبني على القول بوحدة الوجود ومعنى تجلى الله لاحد بذاته عندهم كشف حجاب الانية والتعين الفارقة بين القدم والحدوث فان ذات العبد عندهم هو الوجود الصرف الذي هو ذات الله قد تعين بالتعين المخصوص كما قال هو في كلماته المكنونة كما ان وجودنا بعينه هو وجوده سبحانه الا انه بالنسبة الينا محدث وبالنسبة اليه عز وجل قديم كذلك صفاتنا من الحيوة والقدرة والارادة وغيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الا انها بالنسبة الينا محدثة وبالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقة بنا والحدوث اللازم لنا لازم لوصفنا وبالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة وان شئت ان تتعقل ذلك فانظر الى حياتك وتقييدها بك فانك لا تجد الا روحا تختص بك وذلك هو المحدث ومتى رفعت النظر عن اختصاصها بك وذقت من حيث الشهود ان كل حي في حياته كما انت فيها وشهدت سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمت انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحي الذي قام به العالم وهي الحيوة الالهية وكذلك سائر الصفات الا ان الخلائق متفاوتون فيها ه وهذا القول هو كفر بالله العظيم العلي العظيم واثبات للكثرة في ذاته تعالى لاستلزامه الاقتران والانفعال والحركة والتغير وامثال ذلك مما شرحنا تفصيلها في تفسيرنا على آية الكرسي مع التهافت العظيم الذي في كلامه اذ قوله اذا تجلى الله لاحد بذاته يريد به ظهوره بذاته على زعمه وذلك الظهور لا يتم الا اذا انكشف الحجب بكلها واعظم الحجب بل حقيقتها هي نفس العبد فلا يظهر المتجلي الا بكشفها ولا معنى لكشفها الا عدم النظر اليها بالوجدان ونسيانها وتنزلها ( تنزيلها خ ) منزلة الفقدان من دون النظر الى الوجدان والفقدان فهناك يظهر له بذاته على زعمه ووجهه ( بوجهه خ ) ودليله وآيته عندنا فاذن اين الذوات واين الصفات واين الافعال حتى يريها متلاشية في اشعة ذاته لانه نسى نفسها فلا يريها فضلا عن غيرها لان النظر الى الغير بالكثرة فرع النظر الى نفسه والالتفات الى المدرك الذي يدرك ويعرف به الغير فاذا نسى نفسه فاين يجد غيره واذ لم ينس نفسه فاين يجد ربه بتجليه له بذاته لانه يرى غيره فلا يمكن ان يرى غيره حين يرى ربه او يرى ربه حين يرى غيره والنظر على جهة الاضمحلال دليل رقة الحجاب وهو دليل عدم تجلي الذات تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا فماصح كلامه على مقتضي مقامه في مرامه وقوله ويرى ذاته الذات الواحدة فيه انه يمتنع عند تجلي الذات وكذا في مقام رقة الحجاب لانه كلما يقرب يعدم نفسه فيرى نفسه باطلة زائلة مضمحلة فانية بحيث يستحيي ان يقول انا او يجدها شيئا ليري ذاته ذاتا واحدة مستولية على كل الذوات وصفته وفعله واحدة ( صفته واحدة خ ) تستولي على كل الصفات فان وجدان ذاته دليل الفرق وهو هناك عند رقة الحجاب يريه باطلا زائلا لا ينسب الى نفسه شيئا ولذا قال عليه السلام وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم فظهر ان في مقام رقة الحجاب فقر محض واحتياج صرف وعدم بحت فانقطع قوله انا كما قال مولينا الحسين (ع) الهي حكمك النافذ ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالا ولا لذي حال حالا واما في مقام كشف الحجاب فلا حس ولا محسوس فلا يجد شيئا لينسب الى نفسه برؤية تجلي ربه شيئا فاين يرى ذاته ذاتا واحدة والصفة صفتها والفعل فعلها وبالجملة فقوله هذا ان كان في مقام رقة الحجاب فباطل لكونه مقام الفقر وان كان في مقام الكشف فكذلك ايضا لانه مقام عدم الوجدان ولا ينبئك مثل خبير ومن العجب قوله لاستهلاكه في عين التوحيد وكيف يكون مستهلكا في عين التوحيد من يرى نفسه والذات والصفة والفعل والكثرة ويفرق بينها ويجعل الكل واحدا ليس هذا في ذلك المقام بل في مقام الجبروت لكنه لو فرض نفسه اثرا لوجد الفقر المحض في هذا المقام لكنه يعتقد ان ذاته هو الله مع التعين ففي مقام المعاني يتخيل له هذا الخيال الفاسد سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ثم الاعجب قوله ولما انجذب بصيرة الروح الى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الاشياء في غلبة نور الذات القديمة وارتفع التميز بين القدم والحدوث لزهوق الباطل عند مجيء الحق اذ بعد الاغماض عما يستلزم ( تستلزم خ ) هذه الكلمات من الكفر الصريح نقول اذا شاهد جمال الذات وارتفع التميز بين القدم والحدوث على زعمه فهل حينئذ يشاهد جمال الاحدية او الواحدية فان قلت الواحدية قلت هل فيها كثرة الاسماء والصفات ام لا فان قلت لا قلت اذن ما الفرق بين الاحدية والواحدية ولا يسعك تدعي الترادف بينهما فان قلت بلى قلت اذن بطلت الاحدية اذ جعلتم رتبة الذات مقام الواحدية وبطل توحيدكم لان مقام الواحدية مقام الكثرة الذكرية الصلوحية الغيبية وان لم تكن محسوسة اذ فيها مقام الاسماء المتمايزة والصفات المختلفة فقوله هذا يتم لو قيل ان مقام الذات مقام الواحدية ولا يقول به عاقل فان قلت الاحدية قلت اين هناك ذكر للغير حتى يقول انا نوح الاول وآدم الاول انا خالق السموات والارض بامر ربي ثم لو كان الامر كما يقول كان الحق متكلما بلسانه لاستغراقه في عين التوحيد فحينئذ فما معنى قوله عليه السلام انا خالق السموات والارض بامر ربي اذ ليس هذا كلام العبد من حيث هو عبد فانما لسانه على زعمه كالشجرة لموسى والرب لا يقول انا خالق السموات والارض بامر ربي اذ ليس له رب يؤب اليه سبحانه وتعالى ولا يمكن التوجيه لهذا الكلام بعد ما قال استهلاكه في عين التوحيد ويرى ذاته الذات الواحدة وصفته صفتها وفعله فعلها وايضا لو كان الامر كما يقول فلم لم يقل ما قاله عليّ عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله مع انه افضل منه واكمل وكان يحصل له ما كان يحصل له عليهما السلام من الاستهلاك في عين التوحيد بل ربما كان اكثر وكذلك الائمة المعصومون عليهم السلام ما تكلموا بذلك مع ما هم عليه من عين الاضمحلال في عين التوحيد حتى قالوا سلام الله عليهم لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو وهو هو ونحن نحن وكذلك احد من شيعتهم المخلصين كسلمان الذي بلغ في المعرفة والتوحيد ما بلغ ولم يسمع منه مثل هذه الكلمات نعم قد سمع ذلك من الصوفية لعنهم الله واتباعهم من الملاحدة مثل قول الحلاج انا الحق وقول ابي يزيد البسطامي سبحاني سبحاني ما اعظم شأني وليس في جبتي سوى الله وقول مميت الدين انا الله بلا انا سبحان من اظهر الاشياء وهو عينها وقول الآخر :
انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب
انا قطب دائرة الرحى وانا العليّ المستوعب
انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب
الى ان قال : انا غافر والمذنب
انظر كيف خلطوا كلام هؤلاء الكفرة الفسقة مع كلام ائمتهم واولوا كلماتهم الشريفة المنيفة الى كلمات هؤلاء الفجرة ومع ذلك يدعون انهم من شيعتهم ومحبيهم حاشا وكلا يحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون
واذ قد عرفت هذه المقدمة عرفت ان هذه الخطبة الشريفة وما في معناها ( من الاخبار خ ) كلها صحيحة واردة عنهم عليهم السلام وبيانها لما كانت مشتملة على اسرار وعجائب وغرائب لا يجوز بل لا يمكن الا من تفسيرهم وارشادهم وتسديدهم وتأييدهم سلام الله عليهم فان لهم مع كل ولي اذنا سامعة
ثم اعلم ان الادلة ثلثة كما قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فدليل المجادلة للعوام واهل الظاهر فانه لا يوصل الا الى الصور والقشور والظواهر وهو دليل الزامي اقناعي مسكت مفحم ولا يوصل الى البصيرة التامة والمعرفة الكاملة وهو كما ذكر اهل المنطق واهل الاصول من بيان الحجة والقول الشارح وكيفية الاستدلالات اللفظية ومواقع جريان الاصول الاربعة من الاستصحاب والظاهر والقاعدة والدليل ودليل الموعظة الحسنة للخواص ولاهل الطريقة لانه يوصل الى مرتبة اليقين الذي لا شك فيه وصاحبه ابدا على برد اليقين من غير اضطراب واغتشاش وان لم يوصل الى المعرفة الكاملة والبصيرة التامة ودليل الحكمة لاهل الحقيقة واهل الاسرار السالكين بل الواصلين الى عالم الانوار لانه يوصل الى المشاهدة والمعاينة والبصيرة التامة والمعرفة الكاملة وانت تعلم ان المدلول نتيجة للدليل فاذا كان سريا باطنيا فدليله ايضا كذلك لانه المنبئ عن دليله فلا يمكن الاستدلال عليه الا بدليل باطني عياني شهودي ومن دونه لا يزداد السائر الا بعدا وهو قولهم عليهم السلام وسر لا يفيده الا سر فمن حاول معرفة البواطن والاسرار بدليل المجادلة فقد اخطأ الطريق ولما كانت هذه الخطبة من اسرار باطن باطن القرآن وهو قد خفي على اهل الزمان لصعوبة مسلكه ودقة مأخذه وغموض دليله فلو كان يعرف بدليل المجادلة لماجهله احد فنحن ان شاء الله تعالى نتكلم في هذه الخطبة الشريفة بذلك الدليل ونشاهدها بعين الفؤاد فمن ورد موردنا واكل زادنا يبلغ مرادنا ومن لم يفرق بين ادراك العقل والفؤاد ولم يحصل لقلمه مدادا ففرضه التسليم لعل الله يفتح له الباب ويلهمه الصواب قال الشاعر :
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
ونحن نذكر الخطبة برواية الشيخ رجب الحافظ البرسي في مشارق الانوار :
قال رحمه الله : خطبة لعليّ عليه السلام يقال لها الطتنجية ظاهرها انيق وباطنها عميق فليحذر قاريها من سوء ظنه فان فيها من تنزيه الخالق ما لا يطيقه احد من الخلايق خطبها عليه السلام بين الكوفة والمدينة
اقول انما يقال لها الطتنجية لاشتمالها على اكوار الوجود وادواره المنحصرة في الكرتين والدائرتين المتعاكستي السيرين المتحاذي السطحين المتقابلي الميلين في حال اجتماعهما مفترقتان وفي افتراقهما مجتمعتان وهما الطتنجان اي الخليجان المنشعبان من البحر المحيط وذلك البحر هو الماء الذي خلق الله منه بشرا فجعله نسبا وصهرا فجرى خليجان احدهما من باطنه وهو الماء العذب الفرات السائغ شرابه ومنه انشعبت اربعة انهار فالنهر الذي من الماء من ميم بسم الله الرحمن الرحيم والذي من اللبن الذي لم يتغير طعمه من ميم الرحمن والذي من العسل المصفى من هائها والذي من الخمر من ميم الرحيم وثانيهما من ظاهره وهو الماء المالح الاجاج ومنه انشعبت اربعة انهار عين الكبريت وعين ابرهوت وعين افريقية وجمة ماسيدان وهو الماء الذي نزله الله سبحانه وتعالى من القرآن فجعل منه خليجين احدهما شفاء ورحمة للمؤمنين وثانيهما عذاب ونقمة للكافرين قال الله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا ولما كانت هذه الخطبة الشريفة مشتملة على بيان دوران الكاف المستديرة على نفسها السارية باثرها وكينونتها في هذين الخليجين اللذين هما الطتنجان سميت بهما فقيل للاستعمال الطتنجية تخفيفا او تغليبا جهة النور لسر نسوا الله فنسيهم وسيأتي زيادة شرح وبيان لهذا في محله ان شاء الله تعالى
قوله : ظاهرها انيق لاشتمالها على اسلوب غريب وترتيب عجيب يدهش العارف الناظر لحسن التأدية قائلا الله اعلم حيث يجعل رسالته لان الامام سر الله المكنون وامره بين الكاف والنون ولما كان في غاية الاعتدال والاستقامة ظهرت الخطبة حاكية لها في دار الخلد ودار المقامة اذ الاثر على مثال ظهور مؤثره والفرع على هيكل تجلي اصله وباطنها عميق جريا لحكاية الاثر لقوله (ع) ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك وظاهرها شرح ظاهر الصنع والصناعة وباطنها ذكر باطن الصنع والصناعة ظاهرها ذكر ظاهر الاكوار وباطنها شرح حقيقة الادوار وظاهرها ظهور الكور في الدور والدور في الكور والحركات الوضعية الكروية من المستقيمة والمعوجة وباطنها حركات الاقطاب وجريان الالباب وظاهرها مقام الاسباب وباطنها مقام المسبب وظاهرها بيان الاتصال وباطنها حقيقة الانفصال وظاهرها مقام الفصل وباطنها رتبة الوصل وظاهرها عالم الاسماء والصفات وباطنها عالم التوحيد والذات وظاهرها مقامات التجلي وباطنها علامات المتجلي وظاهرها مقامات السر وسر السر وباطنها مراتب السر المستسر بالسر والسر المقنع بالسر وظاهرها مقامات الواحدية وباطنها مظاهر الاحدية وظاهرها قوابل الدلالة وباطنها الكلمة التامة بحروفها والفها ونقطتها وظاهرها اقليم الاسماء وباطنها عالم المسمى وظاهرها ظهور الفاعل وباطنها لب الهوية وظاهرها حقيقة الفاعل وباطنها العماء المطلق الى غير ذلك من الاحوال والامور التي اكثرها لم يجر بها قلمي ولم ينطق بها فمي وكل المراتب التي يمكن تصورها في عالم الكينونة وعالم البينونة وعالم الصفة وعالم الاسم وعالم التجلي وعالم التقدس وعالم العزة وعالم الحمد في عوالم الف الف كل احوالها مشروحة في هذه الخطبة الشريفة بظاهرها وباطنها وهي كما قال رحمه الله ظاهرها انيق وباطنها عميق
قوله : فليحذر قاريها الغير المطلع على اسرارها من ظاهرها وخافيها الغير المتحمل لعلومها الغير الوارد على حوض صاحبها من سوء ظنه بامامه وسيده صلوات الله عليه وآله في احتمال ادعائه امرا عظيما او كما صنع ايوب حيث شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم او سوء ظنه براويه ليؤل امره الى الانكار الذي هو الكفر فيقول ليس هذا وليس هذا او سوء ظنه في ادراكه وفهمه لعدم استقامته واقامته فيفهم منها ما لا ينبغي ويتوهم الغلو لجهله بالمراد او يعتقد ذلك لعدم ادراكه بالفؤاد ويصغر عظمة الله قهار العباد او سوء ظنه كما ظنه الملائكة لما تجلي نور صاحبها عليهم في عالم الانوار فقالوا هذا هو الاله القديم فقال هو واخوه وزوجته وابناؤه صلى الله عليهم لا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قوله : فان فيها من تنزيه الخالق ما لا يطيقه احد من الخلائق وهو كما قال وهذا التنزيه في الظاهر وما اشتمل عليه ظاهر الخطبة الشريفة ظاهرة واما التنزيه الحقيقي فهو الذي فعل صلوات الله عليه في مطاوي كلماته الشريفة عند قوله عليه السلام انا الآمل والمأمول ( وقول مولينا الصادق عليه السلام على ما رواه المفضل في رسالة الرتق والفتق ان كنت تريد الله الذي هو خالق كل شيء فانا وان كنت تريد الله الذي ليس كمثله شيء فنحن فذلك ( شيء فذلك نسخة ٢٥٣ د ) لا يعلمه الا نحن وهو قوله جل جلاله عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول خ ) وهذا واشباهه مما يدل على تنزيه الخالق بما لا يطيقه الخلائق وهو قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وهو معنى قول امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته وقال ايضا عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعجز القلب عن الفهم والفهم عن الادراك الخطبة وشرح هذا المعنى مولينا الحسين عليه السلام في دعاء عرفة الهي امرت بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وهذه الخطبة وامثالها شرح وبيان لكيفية انتهاء المخلوق الى مثله ورجوع الوصف من الوصف الى الوصف ودوام الملك في الملك وفيها تنزيه لله سبحانه وتعالى عن الاكتناه والاقتران والانتساب وتعدد الجهات والاعتبارات وعدم الاسماء والصفات وتعظيم لله سبحانه بعموم القدرة وشمول السلطنة وعظم الالوهية ويلزم هذا واشباهه الذي ينكر هذا المعنى المذكور في الخطبة الشريفة ويزعم ان الله سبحانه فاعل بذاته والفاعل يصدق عليه بذاته ولم يعلم المسكين ان الفاعل اذا كان هو ذات الله سبحانه لزم التغير والاقتران ضرورة ان الفاعل مقترن بمفعوله لا يذكر من حيث هو فاعل الا والمفعول معه وهو مقام الواحدية ومقام الكثرة الاسمائية فاذا صح الاقتران صح الانفعال واذا صح الانفعال صح التركيب واذا صح التركيب صح الافتقار واذا صح الافتقار صح الحدوث واذا صح الحدوث صح له محدث فننقل الكلام فيه فان اثبت له الفاعلية والعلية فيجب ان تثبت له هذه الامور واذا نزهت الذات الحق سبحانه وتعالى عن الكثرة الاسمائية والصفاتية فلا بد ان تنسبها كلها الى الفعل والفعل ( والفعل لا يتقوم الا بالمتعلق والمحل فانتهت الامور كلها مما فيه اقتران وارتباط واضافة ومساوقة وتحادر ( تحاو نسخة ٢٤٤ خ ) وتعاقب وامتزاج وحركة وسكون وغير ذلك كلها الى الفعل خ ) من حيث ظهوره بالمحل الذي هو الفاعل المشتق من الفعل فهناك يتم لك التنزيه الصرف الغير المشوب بشيء من التشبيه ويصفو لك التصديق بقوله عز وجل سبحان ربك رب العزة عما يصفون ومعنى الحديث الذي اخبرني به شيخي وثقتي ومعتمدي جعلني الله فداه عن النبي صلى الله عليه وآله في جواب اليهودي الى ان قال صلى الله عليه وآله فان الله عز وجل اوحى الى ان فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق انظر في تصريح ما لوح بقوله وانا رب العزة ويأتي الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى والظاهرية ارادوا بانكار هذه الخطبة والاخبار التي في معناها تنزيه الخالق لكنهم وقعوا في التشبيه والتشريك من حيث لا يشعرون وانما قال بما لا يطيقه الخلائق نظرا الى قوله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت فكان وصفهما فوق وصف الواصفين وتنزيههما فوق طاقة المخلوقين لانه سبحانه استخلصهما في القدم على سائر الامم واقامهما مقامه في سائر عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار فافهم
قوله : خطبها (ع) بين الكوفة والمدينة هذا الذي دعاه الى بيان الطتنجين وذكر ملتقى البحرين ومزج العالمين لانطباق الظاهر مع الباطن والصورة مع الحقيقة فان المدينة منتسبة الى النبي صلى الله عليه وآله لانها اول ارض آمنت بالله سبحانه وبولاية ولاة الامر عليهم السلام بعد ارض مكة ولذا شرفها الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وآله لانه (ص) اول من آمن بربه واول من قال بلى حين قال لهم الست بربكم والكوفة منتسبة الى مولينا امير المؤمنين عليه السلام لانها اول ارض آمنت بالله واذعنت بالولاية لولاة الامر بعد رسول الله عليه وعليهم السلام بعد ارض مدينة ( المدينة خ ) فشرفها الله سبحانه بعليّ عليه السلام فجرى لارض الكوفة ما جرى لصاحبها المتمكن فيها من حكم الطتنجين وجرى عليها حكم زحل الذي هو كوكب امير المؤمنين (ع) الا ترى الى الذم الذي ورد عن اهل العصمة عليهم السلام لهم وما قال ( فيهم خ ) امير المؤمنين عليه السلام حتى قال (ع) فيهم اللهم اني سأمتهم وسأموني وخاطبهم مولينا عليّ بن الحسين عليه السلام يا اهل الكوفة ويا اهل الغدر والحيلة ويكفيهم ذما وخسرانا ما فعلوا بالحسين عليه السلام سيد شباب اهل الجنة وترى ما في ارض الكوفة من غور مياهها ويبس انهارها وعدم نمو اشجارها وملوحة مائها وقد سمعت الممادح الكثيرة التي لها ولاهلها من كونها قطعة من ارض الجنة واليها تأوي ارواح المؤمنين وهي مختلف الملائكة وقد صلى في مسجدها الف نبي والف وصي وان القائم (ع) اذا خرج يكون محل حكمه وقضاه مسجد الكوفة وبيت ماله مسجد السهلة وخلوته النجف الاشرف على ساكنها آلاف التحية والشرف وفي آخر الرجعات تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما وراءها الى ما شاء الله وامثال ذلك من الفضائل الجمة والمناقب الكثيرة فجرى فيها بالتبع تأويل قوله تعالى باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقوله تعالى اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وهما الطتنجان ولما كان ينبوعهما واحدا ومجمعهما هو البحر المحيط وكانت المدينة مظهرا لذلك السطوع وحاملا لذلك الينبوع وجرى فيها ذلك بحكم المجاورة والمناسبة اقتضى المقام ان يكون بيان هذه المقامات والاحكام بين المدينة والكوفة لانهم يضعون الاشياء في مواضعها ويجرون الامور في اوقاتها الصالحة لها لانهم سلام الله عليهم مظاهر الرحمانية التي استوى بها الرحمن على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه
فقال عليه السلام : الحمد لله الذي فتق الاجواء وخرق الهواء وعلق الارجاء واضاء الضياء واحيى الموتى وامات الاحياء
( اقول خ ) مادة الحمد بيان الشكل المربع وصورته شرح الشكل المثلث فعند الجمع هو السبع المثاني والقرآن العظيم فاستنطق منه اليد قال الله تعالى قالت اليهود اهل الغرب اول المنكرين لنبوة خاتم النبيين عليه وآله سلام الله في عالم الذر الاول اي اوله في القابلية الاولى اي الثانية الظلية ومن تبعه من الاولين والآخرين الى ما لا نهاية له في التشريع والتكوين وان كان بعد امتياز الغث والسمين فان رحمة الله لا تتناهى فكذا غضبه لعدم تخلف الظل الاصل والظلمة النور فافهم يد الله مغلولة توهموا ذلك حسب دعويهم المجتثة عند ملاحظة انياتهم المشركة الملعونة والا فلا استقلال ولا تذوت لهم الا بها ويسجدون للشمس من دون الله قالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا وطردوا عن الرحمة المكتوبة وعن التجليات الشهودية السرمدية الالهية بلا حجاب ان قالوا ذلك بلسان اعمالهم عند المباحات وعدم حفظ السر وفي الحجاب الابيض الاعلى ان قالوا ذلك بلسان اعمالهم عند المرجوحات الغير المحرمة وفي الحجاب الزبرجد ان قالوا ذلك بما ذكر عند المحرمات مع التألم الحسي الذي هو في الحجاب الاسود اي الاخضر كل ذلك مع الدوام الابدي السرمدي ان قالوا ذلك بلسان اعتقادهم وفي الدنيا مع كل ذلك ان قالوا ذلك بلسان مقالهم بل يداه مبسوطتان يد الفضل ويد العدل وهما الطتنجان المنشعبان من الحمد من ظاهره وباطنه وموافقته ومخالفته ينفق كيف يشاء في التكوين والتشريع والتأصيل والتفريع من احكام الخزائن الغيبية والقياسات اليقينية والبراهين العلمية والكشوف الحقيقية في الاكوار والادوار في الليل والنهار في عالم الانوار والاكدار في الاعلان والاسرار فدلت الآية الشريفة بالمعرفة العيانية ان باليد ظهر الكون والوجود فامتاز الشاهد والمشهود والموجود والمفقود وتبين العابد من المعبود فاليد هي مجمع الكمالات وينبوع الخيرات وهي مشتقة من الحمد ومستنطقة عنه فهي واحد في مقام الجمع واربعة في مقام الصفة وسبعة في مقام الفرق واربعة عشر في مقام التفصيل فلما استنطقت منه اليد استنطق منه الجواد والوهاب اذ كل الممكن في جميع احوالهم واطوارهم واوطارهم من فاضل جود الجواد وهبة الوهاب اذ لم يتصور للممكن حال الا وهو طارق باب جوده ورشحة من رشحات عطاياه ومننه التي هي عين حمده فكلهم لسان للحمد بل نفس الثناء الذي هو الحمد بل مشتق من الجواد والوهاب المشتقين من اليد المشتقة من الحمد فلما اشتقت هذه الثلثة منه ظهر مقام الوجه والجناب فان المشتق منه وجه للمشتق ( المشتق وجه للمشتق منه خ ) وظهور له قال تعالى كل شيء هالك الا وجهه فالحمد هو الوجه للذات التي هي ذو الوجه ولذا تقول لله مطلقا سواء كان وجها للتوحيد وآية للتنزيه والتفريد او وجها للتجليات الاسمائية والصفاتية والفعلية ولظهور الجلال والعظمة والكبرياء بجميع مراتبها واحوالها وهو قوله عز وجل سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فالحمد هو المدار في عالم ( عوالم خ ) الاكوار والادوار وفي الاظلال والانوار وهو السبع المثاني ولقد فسر قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني بسورة الحمد لكونها سبع آيات تثني في كل صلوة في التكوينية في اول مقام الفرق اياك نعبد الى آخر مراتب نهايات التفصيل والكثرة وفي التشريعية كذلك الى هذه الصورة ذات الاركان والاوضاع والحمد في كل صلوة يتكرر لتمام اربعة عشر لكمال ظهور الوجهية في الحروف النورانية وهذا التكرار وتفاصيل الآيات في السورة المباركة انما هي وجوه لفظ الحمد المطابق لمعناه لما بينا ان الكثرة في مقام التفصيل هي وجوه الواحد في مقام الاجمال وهذا الذي ذكرنا ملاحظة الصورة مع المادة مجتمعتين وان لاحظتهما مكعبتين فيدل على ظهور العرش في الكرسي في منطقته التي هي اكمل مقامات ظهوره على اثني عشر برجا تسير الشمس فيها فتمد العوالم الكلية والجزئية بالشموس الكلية والجزئية فيكون مكث الشمس في كل برج شهرا كاملا شمسيا في كليات العوالم العلوية والسفلية التي آخرها العالم الجسماني والشمس الجسمية قال الله عز وجل ان عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض على جهة العموم والتفصيل والشمس هي النبوة والقمر هو الولاية فالحمد ظاهر بالولاية المطلقة و( في خ ) مقام التفصيل اي تفصيل الشجرة الى الاصول والاغصان ومالك لها بتمليك الله الذي هو اولى بالتملك بل هو المالك حقيقة قال سبحانه وتعالى هنالك الولاية لله الحق في مقام الوحدة فصار الحمد هو الكلمة الاولى العليا والمثل الاعلى والنبي والولي من شجرة واحدة قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا الشجرة وعليّ اصلها وفاطمة فرعها والائمة اغصانها وعلومهم ثمرها وهذه الشجرة هي الشجرة الالهية الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فظهر في الحمد العدد الكامل بنفسه مصرحا وبمثناه كناية وملوحا في الظهورات الغيرية والعدد التام بمثناه مصرحا وبنفسه ضمنا وكل الكمالات العددية والحرفية ترجع اليهما والظاهر مثال الباطن والصورة على طبق الحقيقة قال مولينا الرضا (ع) قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا وليس الحمد الا اظهار صفة الكمال من حيث هو من غير مقابلته بشيء بل نفس الظهور فان المظهر حقيقة انما هو الظهور اذ لو كان في المظهر جهة غير جهة الظهور كان بتلك الجهة حاجبا لا مظهرا فدل على ان الحمد المطلق هو الكمال المطلق وهو في الحقيقة واحد لكونه اما مثال الواحد واثره الحاكي له لما تحقق عندنا ان الاثر على مثال مؤثره من حيث هو هو او نفس الواحد الذي هو تجلي من تجليات الاحد والامران مرادان الا ان كل واحد في صقع غير الآخر اذ الواحد هو استنطاق البسملة وظهر ذلك في الحمد اذ استنطاق الواحد هو الالف القائم المعبر عنها بالهمزة التي لها من العدد واحد والواحد لما تكرر وتضاعف صار منه اثنان وكذلك الالف القائم لما تنزل اي انبسط صار منه الباء وهي الالف المبسوطة في اصطلاح اهل الجفر والباء لما تكررت وانبسطت صار منها الدال فهي تكرار الباء لفظا ومعنى كما ان الباء تكرار الالف كذلك والدال هي اول المربع والمربعات كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت انما تنتهي اليها وهو هيئة الولاية الظاهرة بالتدبير والتأليف والتصوير والتكييف ولذا يقال للولي المطلق ابوتراب وهو مقام الدال والسر في ذلك ان المقبول لا يوجد عينا الا بالقابل فوجوده من شرايط وجود المقبول ووجود المقبول من متممات وجود القابل فوجبت بينهما المساوقة والحواية وقد ينسب التقدم الى المقبول للاصل والذات وقد ينسب الى القابل للظهور والبقاء والاستمرار والتعبير كذلك انما هو لبيان حكم المساوقة ولذا ورد تقدم خلق السماء على الارض والعكس وذلك لان حرارة حركة الفاعل لكونها في مقام الاسم المستقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره لحقتها اليبوسة فكانت نارا والاثر الصادر منها لكونه يشابهها وهو الرابطة بين الفاعل والقابل لحقته الرطوبة فكان هواء والمنفعل وهو حيثية القبول ووجهه من نفسه لكونه ناظرا الى الاثر ومرتبطا به لحقته الرطوبة ولانفعاله لحقته البرودة فكان ماء ومن جهة امساكه وحفظه لاثر الفاعل لحقته اليبوسة فكان ترابا فبالاربعة ظهر الايتلاف والتثبت وبالرابع يتم لانه جزء اخير العلة ( للعلة خ ) التامة ولذا قلنا انها هيئة الولاية المطلقة فظهرت الدال في الحمد دون الالف والباء لسر التربيع على ما ذكرنا فان الالف والباء لهما حكم التثليث فقد ظهر حكمهما في صورة الحمد لا في مادته فلما تكررت الدال نطقت الحاء لبيان حملة العرش وانها من ظهورات الاصل الواحد في مقام التفصيل لا التأثير والعرش هو مبدأ البداء وعلل الاشياء وعلم الكيفوفة ولما تكررت الحاء خمس مرات ظهر الميم وهي تمام ميقات موسى وانما كررت خمسا للاشارة الى المقامات والعلامات الخمسة في كل من هذه المراتب وتوسطت الميم لانها محاط او لانها شرح الحاء والدال وتقدمت الحاء لكونها حيوة العالم وبها قد جرى القلم لان الحيوة من الصورة وتأخرت الدال لكونها المداد ومنه يستمد القلم فالمادة انما تظهر بعد الصورة وان كانت مقدمة عليها فلوح بما يشار به اليهما بما ( مما خ ) يقتضيان من حكم الظهور والبطون والتقدم والتأخر في الوجود والظهور فتم بذلك صوغ الحمد ظاهرا مطابقا لصوغ معناه باطنا فالحمد هو الصفة الكمالية المطلقة الكلية التي لها هيمنة على كل الكمالات وهو في اعلى مقامات المعاني اذ كل المعاني تؤل اليه وتنتهي لديه لان الحمد هو الثناء وهو فعل المثني من حيث هو اي اثره الصادر من فعله فالثناء ركن المثني فلا يظهر بل لا يوجد كونه مثنيا الا بالثناء فالمثني انما هو كذلك بالثناء فان كان في ظهوره في مقام الثناء فيتحد الثناء والمثني وان كان لا في مقامه فلم يكن مثنيا به بل بغيره وهذا خلف فان كان في مقامه فان قلت باتحادهما صح وان قلت باختلافهما فصار المختلف من حيث هو كذلك متفقا وبالعكس هذا هو الحكم في كل المشتقات فصار معنى المثني هو الظاهر بالثناء وظهور الفاعل بالثناء ليس الا عين الثناء والا لزم ان تكون الذات عين الظهور هذا خلف ولا شك ان ظهور الشيء هو صفته كالصورة في المرآة فانها صفة المقابل وظاهريته لها بها او لك بها فانت تصف المقابل بما ( مما خ ) تجلى بفعله فيها فاذا نظرت الى المرآة تشاهد المقابل فيها مع ان تلك الصورة المشهودة انما هي اثر المقابل بفعله فصار ظاهرية المقابل اثرا لفعله وهذا معنى قولنا ان اسماء الفاعلين كلها مشتقة من الفعل ومعنى قولهم انها مشتقة من المصدر ونحن نجتمع معهم في اسم الفاعل في المصداق والواقع لا المراد فاذا عرفت ان الثناء فعل المثني وفعله صفته وهو الحمد ولا شك ان كل الثنايا تقصر عن ثناء الحق سبحانه الا ما اثني به نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك فثناء الله على نفسه ليس الا ايجاد تلك الصفة ( السارية خ ) الجارية في كل شيء بجميع انواع الجريان والسريان في جميع انواع الاكوان والاعيان في بعضها سريان المؤثر بظهوره بفعله في الاثر وفي بعضها سريان الباطن في الظاهر وفي بعضها سريان المطلق في المقيد وتلك الصفة هي الحمد لله سبحانه وهو اللايق لجناب قدسه وكل ثناء رشحة من رشحات ذلك وقطرة من بحر ظهوره فلا ثناء يصل اليه ولا حمد يتصل به وذلك الحمد لله سبحانه والولاية المطلقة ظهوره وتفصيله اما سمعت قوله صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعلى حاملها واعطيت الحوض وعلى ساقيها واعطيت الجنة والنار وعلى قسيمهما هذا معنى الحمد على الظاهر ثم تلك الصفة المعنوية الالهية لوحظ فيها من حيث ظهور الفاعل فزيد فيها الواو والياء اللتان هما من حروف اللين في الوسط فقيل محمود وحميد والثاني مبالغة للاول قال تعالى انا المحمود وانت محمد شققت لك اسما من اسمي وقال تعالى صراط العزيز الحميد الله الذي الآية وقال عز وجل ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا فافهم السر المعمي والرمز المنمنم فانه من الاسرار المقنعة بالسر ولوحظ فيها جهة التعلق والارتباط فزادوا في التكرار تارة وفي اظهار الاصل الواحد المكرر اخرى فقالوا محمد واحمد فزادوا الميم الذي هو تكرار الحاء الذي هو تكرار الدال ( الذي هو تكرار الباء خ ) الذي هو تكرار الالف القائم وانما زادوا الميم في الاول وشددوا الميم الثاني لبيان ثمانين الف سنة التي كان يطوف حول جلال القدرة قبل ان يصل الى جلال العظمة وزادوا الهمزة في احمد في الاول لبيان الاصل الواحد الذي نشأ منه الحمد وانه شيء واحد تضاعف وتكرر الى ان ظهرت منه الاربعة عشر المنازل النورانية واثني عشر البروج في الاكوار والادوار الكونية فافهم فكم من خبايا في زوايا لا يمكن البيان خوفا من فرعون وملأهم واما سر الالف واللام وايثار الجملة الاسمية على الفعلية مع انها ادخل في المقام واوفق بمدارك الافهام فاعلم ان الالف واللام للتعريف والتعريف هو الظهور وعدم الخفاء ولما كان الحق سبحانه اظهر الاشياء بل لا ظهور الا ظهوره ولا يرى نور الا نوره ولا يسمع صوت الا صوته وهو سبحانه وتعالى لا يظهر بذاته وانما يظهر بادلته وآياته كان ( لان خ ) وجهه ودليله وآيته هي المعرفة التي لا تنكير فيه بوجه من الوجوه فان النكارة جهة الكثرة ولما كانت الالف اللينية هي آية ظهوره ومثال تجلي نوره في عالم الحروف وكانت صورة لا حركة لها ولا تعين اضافوا اليها وقارنوا بها اللام التي هي مظهر الالف لان اللام هي الثلاثون ليلة لميقات موسى وهي مراتب القابليات والالف هي الواحدة ومقام الواحد الذي هو رتبة المقبول فبالقابل ظهر المقبول فناسب ان تنضم الى الالف اللينية اللام وخصوها بها دون غيرها ومن هذه الجهة توهم بعض اهل الجفر ان اللام والالف حرف مستقل فجعلوا الحروف تسعة وعشرين حرفا ومادروا ان الالف هو سر الحروف ومحقق حقائقها وتذوت ( مذوت خ ) ذواتها وهي ابوها وكل الحروف اولاده فصارت الالف واللام هما باجتماعهما حرف التعريف يفيد تعريف مدخولهما وهي للحقيقة والاصل انما هو ذلك لا الاستغراق ولا العهد الذهني ولا الخارجي وتوهم انها للعهد الخارجي اشارة الى الثناء الذي يثني الله سبحانه به نفسه جهل بذلك الثناء ونسبته مع غيره فادخلت الالف واللام التعريف على الحمد لبيان انه صفة الله ووصفه ودليله وتحلى بحليته واقامه مقامه في ساير عوالمه فدل بالالف واللام على ان الظهورات كلها تنتهي اليه لانه اول من تجلى ( تحلى خ ) بالالف واللام بعد الله الرحمن الرحيم ولذا ورد في الكتاب الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ولاحظ ما سبق ملوحا في المبدأ والمشتق ودل بالجملة الاسمية على انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون وانه ذات الذوات والذات في الذوات للذات ودل بالرفع على انه مثال الاسماء الحسنى والصفات العليا ولذا ذكره بعد البسملة ومثال الفاعل هو الرفع قال عليه السلام كل فاعل مرفوع ودل بالابتدائية على انه ينبوع كل خير ومبدأ كل احسان بل هو العرش للرحمن ولذا صار في كل الاستعمالات والاطلاقات مختصا بالله سبحانه وراجعا اليه تعالى فكان عرش الرحمن ومعدن الامتنان ودل بالمصدرية على انه حدث صادر عن محدث مؤثر ومعنى رابط فاصل واصل ما تمحض في الاسمية ولا في الاثرية بل امر بين الامرين قال تعالى لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار والله اسم للظاهر بالالوهية وهي الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات القدس والاضافة والخلق وله هيمنة وتسلط على كل الاسماء والصفات والتعلقات ولذا يوصف ولا يوصف به قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى وهو مشتق من اله والاله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى فمن قال ان الله علم للذات المقدسة القديمة تقدست وتعالت اخطأ الصواب فان المسمى امر خارج عن حقيقة الذات مع ما في المسمى والاسم من الاقتران والاتصال والانفصال والنسبة الذاتية ولا اقل من الوضعية ومن قال انه كلي جامع اخطأ لان الكلية والجزئية من صفات المخلوقين والله تعالى منزه عن ذلك وذلك يستلزم الكثرة النسبة الاضافية الذاتية وذلك يستلزم التركيب ومن قال انه صفة مشتركة في اصل الوضع وانحصر في الفرد اخطأ لان الاشتراك يستلزم اتحاد الاصقاع وفي ذلك رفع للواجب والامكان عن مكانهما ومرتبتهما ومن قال انه اسم للذات الظاهرة بالالوهية فمن قال انها هي الذات القديمة من حيث اعتبارها مع الالوهية فقد قارنه بشيء فثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد انكر ازله ومن قال انها هي الظاهرة بالالوهية بنفسها بها والرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمانية نفسها بها وهي آية ودليل وعلامة ومقام للذات القديمة سبحانه وتعالى حال التوجه والالتفات لا فرق بينها وبينها في التعريف والتعرف والمعرفة الا انها خلقها وعبدها فتقها ورتقها بيدها بدؤها منها وعودها اليه ( اليها خ ) قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال ايضا عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها فمعنى الاسماء اللفظية هي الاسماء المعنوية وهي الدوال على مسماها المقارن بها والمتصف بها والمجموع وجه لله ( الله خ ) الواحد القهار تلتفت اليه سبحانه من غير التفاتك الى الاسم والمسمى والدال والمدلول كما اني اذا قلت لك يا قائم فاني ما اعني الا ذاتك من غير ملاحظة القيام ولا جهة اقترانك به وانما جعلته وجها اتوجه به اليك كالصورة في المرآة لملاحظة المقابل الخارج فالاسماء في مقام الواحدية وكذا مسمياتها والذات رتبتها الاحدية فمن قال هذا المعنى واراد هذا المعنى وعرف هذا المعنى فقد اصاب فان الاسم ليس لصرف الذات بالضرورة وانما هي ( هو خ ) لظهوراتها اي ظهورات الفعل والظهور على قسمين عام وخاص فالظهور العام لعمومه يخص وهو اسم الله والمراد بالعموم سريانه في كل الاسماء والصفات بحيث يكون الاسماء كلها وجه ( وجها خ ) من وجوهه وطور ( طورا خ ) من اطواره ولما كانت الالوهية هي المعبودية وهي الاستيلاء التام القائم على كل نفس بما كسبت كانت الاسماء كلها جهات ظهوراتها فان المعبود يجب ان يكون خالقا وما يتعلق به وكاملا وما يتعلق به من الكمال والاحوال ومنزها عن جميع الشوائب واللواحق المتعلقة بالمخلوقين العابدين والاسماء والصفات كلها لا تخلو عن هذه الثلثة فمنها صفات الخلق كالخالق البارئ المصور الرازق المحيي المميت المهلك الغافر المنعم وامثالها ومنها صفات الكمال الذي يعتبر في مفهومها الاضافة وان لم يتعلق بالخلق من حيث هو كذلك كالعالم والقادر والسميع والبصير والحي وامثالها ومنها صفات القدس وهي صفات التنزيه كالقدوس والسبحان والعزيز وامثالها وكل هذه من ظهورات الالوهية التي هي المعبودية ولذا لا يضاف العبد الا الى الله كما في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين واما الاسم الخاص فقد يكون اضافيا وانحاء الاضافيات تختلف فالعام الكلي بعد اسم الله هو الرحمن وهو الجامع للقسمين من الصفات اعني الاضافة والخلق فان الرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمة الواسعة مقام الاستواء على العرش فلا يعتبر فيه الا الاضافة وليس له مقام التنزيه الصرف وليس من اركانه الاحدية كما في اسم الله قال تعالى قل هو الله احد فالظاهر بالرحمة الواسعة انزل من الظاهر بالالوهية بمرتبة واحدة ويشتركان في كل الاحوال قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى وتفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يطلب في تفسيرنا على آية الكرسي وكتابنا اللوامع الحسينية عليه السلام اعلم ان هنا كلمات واسرار عجيبة غريبة طويت اكثرها ورمزت بعضها فان شافهتني ربما تحظى ببعض ذلك فان ايراد كل ما يخطر بالبال يؤدي الى تكثير المقال فان لبيان هذه الخطبة الشريفة مقامين الاول شرح العبارات والفقرات المذكورة وحل العبارات واستخراج المراد من غامض الاشارات والثاني خصوصات ( خصوصيات خ ) التعبير وجهات التقدير وسر التقديم والتأخير وكل واحد خصوصا الثاني يحتاج بيانه الى تمهيد مقدمات غريبة ليفهم السامع المراد ولا يمكن ايراد كل ذلك نعم نشير ان شاء الله تعالى الى المجموع اشارة ليقف الجاهل ويعرف الحق من سبقت له من الله الحسنى
( اما خ ) قوله عليه السلام : فتق الاجواء اعلم ان الفتق هو ضد الرتق وهو الحركة بعد السكون والانفصال بعد الاتصال والاظهار بعد الخفاء والاشتقاق عند وجود المبدأ او عند الذكر في المبدأ والتكون في الاكوان بعد ما كان مستجنا في الامكان والجو هو سماء الاعتدال ومرتبة الوصال ومقام الاتصال وصلوح الانفصال وهو الاشارة الى قوله عز وجل او لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجمع الجو لبيان تعدد الاصقاع وتكثر الاجناس والانواع وهو قوله عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والخزائن اعم من ان تكون في السلسلة الطولية وحدها او الطولية والعرضية معا واعم من كون ( ان يكون خ ) الشيء من حيث هو او كونه من حيث تجلي مبدئه فيه والتجلي اعم من ان يكون تجلي الوحدانية او تجلي الوجوه والمبادي المتوسطة الحاملة وتجلي الوحدانية اعم من ان يكون تجلي الاحدية او تجلي الواحدية وتجلي الواحدية اعم من ان يكون تجلي الهوية او تجلي الالوهية والرحمانية او تجلي سائر الاسماء والصفات وجهات التعلقات وكون الشيء من حيث هو اعم من ان يكون من حيث نظره الى وجه مبدئه اي عمله بمقتضي اجابته لتكليف ربه حيث خاطب ( خاطبه خ ) بلسان نفسه الست بربكم قالوا بلى اجابة لسؤاله لما اجاب سؤالهم بان كلفهم او يكون من حيث نظره الى نفسه من حيث مخالفة مبدئه من حيث دورانه على خلاف التوالي وللكل اصقاع واجواء كانت رتقا فجرى الفتق فيها على نظم واحد محكم متقن كذلك الله ربنا لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون فالجو الاول جو الظهور والكلام في هذا المقام وان لم يحسن الا انا نشير اشارة ما الى نبذة يسيرة قليلة ليتنبه المستوضح المسترشد ومرتوقية هذا الجو ومفتوقيته يتصور على انحاء منها الظهور المطلق للخلق بقول مطلق مما احاط به اسم العالم الكرة ( الواحدة خ ) المستديرة الدائرة على قطب واحد من غير محور وهذا الظهور كان رتقا كما هو الآن في نظر ابناء ( اهل خ ) هذا الزمان من انكارهم الوسائط ونسبة الكل الى الله الخالق وهو حق وصواب لكنهم اخطأوا الصواب ففتق هذا الرتق بامتياز الظهور في عالم السرور وصقع النور فتشعب الى الظهور الجمادي والنباتي والحيواني والجني والملكي والانساني والنبوي والولوي والظهور الاطلاقي وهذه تسعة افلاك في عالم الظهور الالهي بالآيات قال تعالى ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما فاذا تحققت الافلاك في عالم الظهور فاعلم ان الظهور في كل مقام ايضا كان رتقا ففتق الى الظهور المطلق الذي ليس هناك الا ذكر المظاهر ( الظاهر خ ) والظهور المتوجه الى التعلق والظهور المتعلق فالاول هو الافلاك والثاني هو العناصر والثالث هو المتولدات واما بيان كيفية تربيع العناصر وتثليث المتولدات في الجو الاول فاعلم ان الظهور المتوجه الى التعلق على اربعة اقسام الاول الظهور المتعلق بمظهر الخلق والايجاد وهو طبع النار والثاني الظهور المتعلق بمظهر الحيوة وهو طبع الهواء والثالث الظهور المتعلق بمظهر الرزق وهو طبع الماء والرابع الظهور المتعلق بمظهر الموت وهو طبع الارض فلما دارت افلاك الظهور الصرف على هذه الظهورات وامتزج بعضها مع بعض وحصل التعلق فاختلف بين ما تعلق بالقشر واللب ولب اللب فالاول هو الجماد والثاني هو النبات والثالث هو الحيوان فدارت الافلاك على العناصر فتولد منها الاسماء والصفات ولا نهاية لهذا الدوران فلا نهاية ولا غاية لهذا التوليد وانما صار كذلك لان اول مقامات الظهور هو الواحد كان رتقا ففتق منه الثلثة بنظره الى الاحد والى الاعيان الثابتة والى رتبة مقامه وهذه الثلثة كانت رتقا ففتقت منها التسعة بتجذيرها بالتفاتها الى مراتب نفسها فدارت تسعة وهذه هي الاصول والعلل فلما لوحظ الاحد مع الواحد الذي هو الثلاثة كانت اربعة وهذه هي العناصر فدارت الافلاك على هذه العناصر فتولدت منها الاسماء الالهية الفعلية الحقيقية اللاتناهية فاول الافلاك المفتوقة من الظهور المفتوق ( المرتوق خ ) هو اسم الله وهو الفلك الاعظم الكلي المحيط المسخر لكل الافلاك الاسمائية والفلك الثاني هو اسم الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى واما الافلاك السبعة المستمدة من هذين الفلكين الاعظمين فالسابع منها الذي هو الرابع هو اسم الله البديع فانه مطرح ظهور الاسمين الاعلين فيستمد من باطن اسم الله ويمد الفلك السابع الذي هو الرب ومن ظاهره فيمد الفلك التاسع الذي هو المبين ويستمد من ظهور باطن الرحمن ويمد الفلك السادس الذي هو الباعث او العليم ومن ظاهره الى الفلك الثامن الذي هو المحصي وكل شيء احصيناه في كتاب مبين ويستمد من باطن قران الاسمين من حيث النظر والالتفات ويمد الفلك الخامس الذي هو القاهر ومن ظاهر القران والامتزاج يمد الفلك السابع الذي هو المصور واما العناصر فعنصر النار هو اسم الله القابض وعنصر الهواء هو اسم الله الحي وعنصر الماء هو اسم الله المحيي وعنصر التراب هو اسم الله المميت وروح هذه الافلاك ومقوم وجودها هو الاسم الاعظم وهو هو لانه باطن الله وروح هو هو ه من غير اشباع وظاهر هذه الاسماء الشريفة وجامعها ومقدرها وحاملها ومجليها هو اسم الله العليّ وقد قال مولينا الرضا عليه السلام ان اول الاسماء هو العلي العظيم لانه اعلى كل شيء ومعناه الله وقد علمت ان معنى الله هو هو ومعنى هو هو ه فكان ه قطبا لهو وهو قطبا لله واسم الله قطبا لعليّ وهو الكرة المحيطة بكل الاسماء وقد قال عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم وذلك من غير الاشباع وصف بالحكمة ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وقال مع الاشباع وهو العليّ العظيم فوصف بالعظمة فكان ذكرا للركوع قال تعالى فسبح باسم ربك العظيم قال النبي صلى الله عليه وآله اجعلوها في ركوعكم كما كان العلي الاعلى في السجود قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى قال صلى الله عليه وآله اجعلوها في سجودكم وفي الدعاء وباسمك الاعظم الاعظم الاعظم وبذكرك الاجل الاعلى وعلى هذا يصح ان تقول ان الفلك الاول الاعظم هو اسم العلي والفلك الثاني هو العظيم لان الاحاطة والاستدارة الامدادية لا يكون ( لا تكون خ ) الا عند التنزل الى عالم الظهور فلما تنزل هو الى الرتبة الثانية التي هي مقام الظهور ظهر العلي العظيم حال الاستنطاق فكان على حال الظهور هو هو حال البطون قال تعالى وان هذا صراط على مستقيما فاتبعوه سواء قرءت بالاضافة او برفع الصراط ليكون خبر ان والمعنى في كلا الحالين واحد والدليل على ان الافلاك يعتبر في الاسماء زائدا على ما قدمنا قول مولينا وسيدنا الحسين بن عليّ بن ابي طالب عليهما السلام في دعاء عرفة يا من استوى برحمانيته على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فافهم الاشارة لئلا تضل وتشقى ثم ان الظهور في كل مرتبة من هذه المراتب التسعة كان رتقا ففتق سبحانه اياه فلقتين ( فتعين خ فتقتين نسخة ٢٤٤ خ ) ظهور كلي وظهور جزئي والظهور الجزئي كان رتقا ففتقه الى الظهورات واطوار التعينات والظهور الكلي كان رتقا ففتقه الى قسمين فالقسم الاول منه هو الله اي الظاهر بالالوهية والقسم الثاني منه هو الرحمن اي الظاهر بالرحمة الواسعة والظهور بالالوهية كان رتقا ففتقه الى الاحدية والواحدية وهنا مقامات للرتق والفتق ينقطع دونها الكلام
والجو الثاني جو الوجود المطلق كان رتقا ففتقه الى الحال والمحل والحال هو النقطة الجوهرية الالهية الثابتة في العالم السرمدي ( السرمد خ ) كان رتقا ففتق منها الالف النفس الرحماني الاولى والرياح المثير للسحاب على شجر البحر وهو كان رتقا ففتق منه الحروف العاليات وهي السحاب المزجي ثم اجتمعت الحروف وتراكمت السحب فتحققت الكلمة التامة والسحاب المتراكم والمحل كان رتقا ففتقه الى الامكان الراجح والوجود الراجح قال تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور والوجود الراجح كان رتقا ففتقه الى قسمين اي الى الاجمال والتفصيل والفضل والنور والرحمة والقسم الثاني كان رتقا ففتقه الى خمسة اشباح وهو ابو الخمس الذي في الدعاء والقسم الرابع كان رتقا ففتقه الى ثمانية اشباح اخر فلما تمت الاشباح الاربعة عشر التي هي قصبة الياقوت وحجاب اللاهوت فاستقرت الكلمة عليها وظهرت فيها فكانت محلا لها فلما تمت الكلمة بتمام محلها ظهرت دلالتها وتم السحاب بوجود الارض الجرز البلد الطيب التي هي من تمام قابلية ظهور آثاره التي هي الماء فترى الودق يخرج من خلاله او تم السراج الوهاج بتعلق نار الشجرة الالهية على الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ظهر ( ظهور خ ) النور وهذا النور والماء والدلالة هو الجو الثالث وكان رتقا ففتقه الله سبحانه الى سبع طبقات متطابقات بالعلو والسفل وكل طبقة كانت رتقا ففتقه الله سبحانه الى الافلاك التسعة والفلك الكرسي في كل من السبعة كان رتقا ففتقه الى الكواكب والبروج والمنازل ففتقه املاك ( افلاك خ ) تداوير لكل كوكب وسائر الافلاك السبعة كانت رتقا ففتقها الى الافلاك الجزئية بين الاثنين والثلاثة والاربعة فتحققت سبعة اجواء كل جو كان رتقا وفتقه الى تسعة افلاك والجو الجسماني المفتوق الى الافلاك الجسمانية آخر الاجواء وقد اشار الامام عليه السلام الى جميع ما ذكر لمن عرف على ما رواه في مجمع البحرين قال عليه السلام كان عرشه على الماء والماء على الهواء ولم يكن خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات فلما اراد ان يخلق الارض امر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجعله في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الارض من تحته ثم مكث الرب تعالى ما شاء الله فلما اراد ان يخلق السماء امر الرياح فضرب البحور حتى ازبدت فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل منها ( فيها خ ) البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر واجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الاخضر وكانت الارض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما ابواب ففتق السماء بالمطر والارض بالنبات وذلك قوله تعالى اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما ويأتي لهذا الحديث الشريف بيان ان شاء الله تعالى فيما بعد عند بيان خلق السماء والارض وقوله عليه السلام فتق الاجواء براعة استهلال لما يريد ان يبين في هذه الخطبة الشريفة وقد قال عليه السلام على ما رواه في مجمع البحرين ان محمدا صلى الله عليه وآله هو الفاتق الراتق ويؤيده قوله عليه السلام في خطبة يوم الغدير في وصف محمد صلى الله عليه وآله اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولذا اشتق اسمه من اسمه وهو المحمود وحبيبه محمد صلى الله عليه وآله وهو الاعلى ووليه عليّ (ع) وقد قال مولينا الصادق عليه السلام على ما رواه المفضل ان القديم هو هو بلا كيفية ولما شاء ان يظهر حجاب ذاته اخترع نورا من نوره لا بائن عنه مفتوقا ولا ملتصق به مرتوقا فاقامه في نفسه مخترعا له شعاع يتوقد فقال له اعرفني في ذاتك ولا تكن لي حاجبا فنطق النور بالتقديس وقال انت لا شبه لك اقمتني من مشيتك بقدرتك ظاهري من نورك وباطني نفسك قوله عليه السلام حجاب ذاته هذا الحجاب مخلوق والا لم يكن حجابا قال عليه السلام في الزيارة وعلى اوصيائه الحجب وكذا الذات المحتجبة بالحجاب فانها مرتبطة والارتباط حركة والحركة افتقار مع اضافة الذات الى الضمير فانها ( فانه خ ) تفيد التمليك والاختصاص فهي ذات شريفة خلقها الله سبحانه ونسبها الى نفسه كقوله تعالى ونفخت فيه من روحي والكعبة بيتي وقوله اخترع نورا من نوره يعني من تلك الذات المخلوقة وقد يعبر عنها بالحق المخلوق به قوله لا بائن عنه اه يريد معنى قول جده امير المؤمنين عليه السلام ليس بينه وبين خلقه بينونة عزلة بل بينونة صفة قوله عليه السلام فاقامه في نفسه هو من معنى قوله عليه السلام اقامه مقامه في سائر عوالمه وقوله عليه السلام وباطني نفسك يريد به النفس المخلوقة التي معرفتها عين معرفة الرب ولا فرق بينه وبينها الا انها عبده وخلقه قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه او النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى كما حكى الله سبحانه عنه تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك فاذا عرفت هذه الاشارات عرفت ان ما يذكره فيما بعد في هذه الخطبة الشريفة شرح وبيان لفاتق الاجواء وفالق الاصباح وقد قلت لك سابقا ان الفاتق ليس صرف الذات لارتباطه الى الفتق فلا يكون الا في رتبة الفتق بتنزله اليه بظهوره والمتنزل ليس هو الذات وانما هو الظهور المرتوق المفتوق بالاسماء والصفات وانحاء التجليات
قوله عليه السلام : وخرق الهواء يريد بيان توليد المتولدات وشرح استخراج النبات بالمياه النازلة من السحاب فخرق سبحانه الهواء بتصعيد الابخرة والادخنة بشمس اسم الله القابض ثم تقطيع هذه الابخرة وتجريتها ( تجزيتها خ ) في الهواء باسم الله الباسط او الباعث ثم مزج كل قسم بربعه من اليبوسة الهبائية باسم الله الرحمن او الحي ثم تعفين هذه الاجزاء لتميل اليبوسة الى السيلان والرطوبة الى الانجماد والانعقاد باسم الله الرب المؤلف ثم الانعقاد التام ثم التأليف والتراكم في الهواء ثم اخراج الماء من خلاله واحياء الاشياء المتولدة كلها به وهذه الفقرة متممة للفقرة الاولى المشار بها الى الآية وهي قوله تعالى ( اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما واشارة الى الآية التي بعدها وهي قوله تعالى خ ) وجعلنا من الماء كل شيء حي من المتولدات من الجماد الى ان يصير معدنا ومنه الى ان يصير نباتا ومنه الى ان يصير حيوانا ومنه الى ان يصير انسانا وحيوة هذه المراتب كلها بالماء الذي هو المتقاطر من السحاب الحاصل من خرق الهواء في كل عالم بحسبه في عالم الانوار والاسرار والارواح والاظلة والاشباح والاجسام في الافلاك والعناصر والمتولدات الا ان التصعيد والتعفين في كل عالم بحسبه ففي الانوار نورانيان وفي الاسرار سريان وفي الارواح روحانيان وهكذا والهواء هو الرابط والفاصل بين الفاعل والقابل فهو السائر والمتحرك اليهما وهو الباب وحامل الخطاب يتلقى من الفاعل الفيض والتأثير ويحمل الى القابل بعد تمكينه القابلية بالطبخ والنضج والتعفين ولذا كان طبعه الحار الرطب اما حرارته فلارتباطه بالفاعل الذي ليس هو الا الظهور والحركة الكونية اي التكوينية الامدادية والكلمة العليا الصدورية والحركة لا تقتضي الا الحرارة واما يبوسة الفاعل من جهة انه الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره والباب والفاصل البرزخ من جهة محاورته ( مجاورته خ ) للجهة العليا اقتضى الحرارة ومن جهة ميله الى القابل وارتباطه به مترجما لوحي الفاعل للقابل اقتضى الرطوبة فوقع في الصقع مجاورا لصقع الفاعل فلما كان دائم الاستمداد للمجاورة كان طبع الحيوة واسم الله المدبر له هو الحي فلا يتحقق موجود مكون بفتح الواو الا بتوسطه سواء كان في الشرع الوجودي او الوجود الشرعي وسواء كان في الصفات وصفات الصفات وصفات صفات الصفات وهكذا او في الالفاظ والحروف او في الاعراب والحركات فكان به قوام كل متحرك وساكن وظاعن وقاطن وهو معنى قول الامام عليه السلام ان الله لا يخلي الارض من حجة والا لساخت باهلها وذلك لعدم حامل الفيض وباب الخطاب وطبع الحيوة ولما كان الباب والحجاب هو النسبة المستدعية للطرفين طرف القابل وطرف الفاعل كان لا يظهر الا بظهور القابل المتقوم المتأصل بوجوده ولما كان القابل ليس شيئا الا بفعل الفاعل وتأثيره فلا يتحقق الا بمقابلته واتصاله بفعل الفاعل وكان فعل الفاعل لا ينزل الى رتبة القابل لكمال المباينة والمنافاة وطبيعتك خلاف كينونتي وجب صعود القابل بذاته للمقابلة ونزول الفاعل باثره للمواصلة ومجمع الوصال وباب الاتصال ومحل اللقاء هو الهواء فيخرق الهواء بتصعيد لطائف القابلية اليه ونضجه اياها وتعديله لها بايصال تأثير اثر الفعل اليها وتمكينه اياها به للقبول حتى يتم الشيء ويظهر مشروح العلل مبين الاسباب ولذا لا تجد شيئا من الاشياء في كل احوالها واطوارها واوطارها يتم ويكمل الا اذا نضج في الحرارة والرطوبة ويعفن في حمام مارية وكلما كان فيه الحرارة والرطوبة المعتدلتان الغير المشوبتين بالاعراض والغرائب اقوى كان قوته ونشاطه وبقاؤه ودوامه وحركته اقوى واشد ولذا حكموا على ان الذهب حار رطب لطول بقائه وعدم اضمحلاله وفنائه وخرق الهواء ان كان في الهواء الاول الذي كان قبل خلق الخلق وكان اول المخلوقات والموجودات كما دلت عليه الاخبار الكثيرة كان خرقه عبارة عن امرين وكلاهما مرادان الاول خرق ذلك الامر الواحد بذكر الكثرات والنسب والاضافات وصلوح القرانات اي تهيأه لانشعابه بالشعب الكثيرة وهذا اول الخرق في هذا المقام يريه اهل الظاهر والاحساس شيئا واحدا غير منخرق بل هو مرتوق ويريه اهل الحقيقة العارفين منخرقا خرقا فعليا واقعيا لا يصلح لجريان احكام الوحدة المحضة اصلا كما يتوهمه بعض الناس والثاني خرقه بلحوق المشخصات واضافة المعينات وتمايزه بالجهات والاعتبارات وهذا الخرق على قسمين كلي وجزئي وكل منهما حقيقي واضافي في تلك الرتبة وان كان المراد بالهواء هو ما قال الامام (ع) لما سئل عن الله اين كان قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء والعماء هو السحاب الرقيق وخرق ذلك الهواء عبارة عن ايجاد ذلك السحاب فيه به منه عنه فان الهواء في الحديث عبارة عن الامكان الراجح اول التعين عالم فاحببت ان اعرف اول مقام الظهور ليس بعده الا المجهول المطلق واين سؤال عن ظهور الله سبحانه كما هو الآن في السموات والارض اي هل كان لله سبحانه ظهور في صقع من الاصقاع قبل خلق السموات والارض ام لم يظهر الا بعد خلق السموات والارض او حين خلقهما وهنا الخلق الذي عناه سبحانه بقوله الحق في الحديث القدسي فخلقت الخلق لكي اعرف فاجاب عليه السلام بان هذا الخلق ( الخلق المخلوق خ ) الذي يصير سببا ودليلا للمعرفة لا ينحصر في خلق السموات والارض بل ذلك الخلق هو بحر الامكان الذي هذه الامور الموجودة من السماء والارض قطرة من ذلك بل رشحة من رشحات قطرة من قطراته وهو بحر لا يساحل وطمطام لا يحاول بحر اسود مظلم كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير لكونه الظهور المحض الذي يقصر كل الظهورات عنده وتنتهي المظاهر لديه فهو تسبق المدارك والمشاعر لانه اقرب اليها من نفسها قربا لا يتناهى فخفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره فلا يطلع عليها الا الواحد الفرد فهو اول خرق وقع في الهواء فقبض من رطوبة الرحمة المتصاعدة من ارض الوجود المطلق الامكان الراجح بنفس تلك الرحمة فاقامها في الهواء الذي هو نفس تلك الاجزاء فخلطها بالهباء المنبث في ذلك الهواء الذي هو عين الهواء فعفنهما وقدرهما فيه به منه فتحقق العماء فيما لا نهاية له في الاكوار والادوار فحكى مثال ظهور الله الواحد القهار فكان هو المثل الاعلى والآية العظمى وهيكل التوحيد ومثال التنزيه والتفريد فالسحاب الذي هو العماء هو سحاب المعرفة اولا والماء النازل منه ماء المحبة والمعرفة يحكي وجه ذلك السحاب فجرى في ارض القابليات فسالت اودية بقدرها من المعرفة بتقدير الكم والكيف والجهة والوقت والمكان والوضع وذلك الماء النازل من السحاب المنخرق في الهواء وان كان ليس فيه تكيف ( تكييف خ ) وتحديد لانه ( الا انه خ ) من عالم اللانهاية ووصف اللاكيفية وعين معرفة الحق اعرفوا الله بالله يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته الا انه يظهر على حسب ذلك التقدير من غير التفات اليه كالصورة الظاهرة في المرآة الحاكية للمقابل على ما في المرآة وما المرآة عليه مع قطع النظر عن خصوصية المرآة وتقاديرها فالخرق الواقع في هذا الهواء على ضربين الاول خرق ينفتح وينفجر منه ماء المعرفة وشراب المحبة في مقام بينونة الصفة في عالم الامكان واشار الى هذا المعنى في قوله العزيز كهيعص فالكاف هو الكاف المستديرة على نفسها والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وقول كن وهو مظهر الهوية والشمس المضيئة والعماء الذي فوقه هواء وتحته هواء في الازلية الثانية فانفجر من هذا العين ماءان وتشعب منها طتنجان الماء الاول والطتنج الاول مقام الظهور الالهي والبيان الحالي والتجلي الوصفي فاشار اليها ( اليه خ ) بالهاء التي تكون بعد الاشباع هو قال تعالى قل هو الله احد انما لم يأت بالواو اشارة الى ان مقام الظهور المطلق لا يلتفت الى الاشباع وهو في عالم النسبة وهذا في مقام قطع النسبة ولذا يقال لسورة التوحيد نسبة الرب واختار الهاء لانها اشارة الى تثبيت الثابت وان التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ظاهره موصوف لا يرى وباطنه موجود لا يخفى لان صورة ظاهر الهاء عين صورة باطنها ولان ذلك التجلي الذي هو خرق الهواء انما ظهر في خمس مقامات وهي المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه وبينها الا انها عباده وخلقه ولتوضيح هذا الشأن وتشييد هذا البنيان قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته الخطبة ولعمري ان الهواء هو هو وانما زيد فيه الالف والهمزة اللتان هما من اغيب الغيوب لمبالغة الغيبة الذاتية والشهود الفعلي المشار اليه بالواو التي هي من حروف الشهادة فالهواء اثبت في الغيبة من هو وهو جزء منه ظهور له انفصل منه وانخرق عنه ولذا يشار به الى الامكان الراجح والجائز ايضا في بعض المقامات لعدم وجود الامكان وظهوره في الاكوان والاعيان حتى سموه عدما وليسا والعدم المتصور والعدم المخلوق المدرك المميز المعبر عنه ليس الا الامكان وكل الاشياء مما كان وما يكون من الذوات والصفات والتوصيفات والامدادات الوجودية والعدمية والاكوان الشرعية والشريعة الكونية كلها قد انخرق من هذا الهواء الا ان اول ما خرق منه كان هو العماء الذي كان الله سبحانه ظاهرا ومتجليا فيه واول ما ظهر من ذلك العماء هو الهاء لنفسه ولغيره والماء الثاني والطتنج الآخر هو ماء الوجود والمداد الاول والدواة الاولى والنفس الرحماني الثانوي مادة المواد وهيولي الهيوليات واسطقس الاسطقسات وقد يطلق الهواء على هذا الماء ايضا لذكر الماهيات وصلوح الانيات وظهور النشئات وقد خرق منه ما شاء من خلقه بالمشية الكونية كما ذكرنا سابقا وروى الصدوق رحمه الله في التوحيد عن عليّ بن الحسين عليهما السلام انه قال ان الله عز وجل خلق العرش ارباعا لم يخلق قبله الا ثلثة اشياء الهواء والقلم والنور ثم خلقه من انوار مختلفة الحديث يريد عليه السلام بالهواء هو العمق الاكبر على الوجه الحقيقي لا المجازي فان المجاز لايسبق الحقيقة بل يستلزمه ولو سلم عدم الاستلزام فلا بد من تقدم الوضع ويقبح من الحكيم ان يمنع المستحق اولا عن عطية ( عطيته خ ) ثم يجعله فرعا وتابعا في الاسم لفرعه وتابعه في الذات تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا ويريد بالقلم الماء الذي به حيوة كل شيء وقد يطلق عليه المداد ايضا ويريد بالنور ارض الجرز والبلد الطيب الذي يخرج نباته باذن ربه هكذا قال شيخنا اطال الله بقاه وجعلني في كل محذور فداه اقول ويجوز ان يراد بالهواء هو السحاب المزجي وبالقلم هو السحاب المتراكم لانه القلم الاعلى يمده سبحانه من طمطام يم الوحدانية وسماء فلك القيومية انحاء الامدادات وانواع الفيوضات والتجليات المكنونة المخزونة في حقيقة ذلك السحاب بقيومية نفسه بظهوره عليه وهو اول غصن اخذ من شجرة الخلد على اعلى المعاني لان شجرة الخلد حقيقة هي الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية لكونها مغروسة على سواء الجبل من ارض الامكان الراجح وهو البيت الذي من دخله كان آمنا من العدم والفناء ومادخله الا اناس مخصوصون فحييوا بحيوة الابد وداموا بدوام السرمد فتشرفوا بمقام الوجهية وفازوا مقام البابية كل شيء هالك الا وجهه لانقطاع ارتباط حقائقهم وانفصام روابط ذواتهم وانياتهم في اصل التذوت في التكوين والتشريع عن غير المبدأ فما استدعوا شرطا ولازما ومقوما غير بارئهم وخالقهم فما احتاجوا الى مقوم الا في الصدور خاصة وجل جناب الباري جل اسمه ان يطرد من اناخ ببابه ولاذ بجنابه وانقطع عن غيره فذلك البيت بيت الامان وتلك الدار دار الخلد وتلك الشجرة شجرة الخلد فليس من اهل الخلود حقيقة واقعيا الا من كان واقفا مقام الرجحان في عالم الوجود والامكان واما في مقام الوجود المقيد الذي هو الامكان الجايز فهو وان كان ( ايضا خ ) مقام الخلود لكنه مع البيود والفناء والتغير والاضمحلال والانقطاع والانفصال وعدم الاستمرار والكسر والصوغ بخلاف الوجود المطلق اذ لايجري عليه شيء من هذه الاحوال لانه لايجري عليه ما هو اجراه فشجرة الخلد هي شجرة الوجود المطلق واول غصن منها هي المشية وهو ( هي خ ) القلم الاعلى والحجاب الادنى هذا بناء على ان ما فوق العقل من المراتب كلها من الوجود المطلق واما اذا حصر الوجود المطلق بالمشية واجرى على المراتب الاخر حكم البرزخ فيكون هو المشية واولادها من المشيات الجزئية فتكون المشية الكلية اول غصن منها وباقي الاغصان كليها وجزئيها غصن لهذا الغصن الكلي فاذن ظهر المراد من قوله عليه السلام اول ما خلق الله القلم من غير تكلف الحمل على الاولية الاضافية ويراد بالنور هو الوجود المقيد اي الوجود الصالح للتقييد لانه النور الذي استضاء منه كل نور ونورت به الانوار في الاعلان والاسرار فاذا اريد بالهواء العمق الاكبر فمعنى خرقه هو ما ذكرنا لك سابقا وان اريد به السحاب المزجي كما ذكرنا فخرقه عبارة عن انقسامه الى احد عشر قسما من غير زيادة ولا نقصان كل ذلك من الالف الذي هو نفس ( النفس خ ) الرحماني الاولى قد نشأت منه وعادت اليه وكلها مجتمعة في السحاب المتراكم واليه يشير تأويل قوله تعالى حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين روى القمي باسناده عن احدهم عليهم السلام انه قال حم هو رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المبين هو امير المؤمنين والليلة المباركة هي فاطمة الزهراء عليها السلام فيها يفرق كل امر حكيم اي امام حكيم بعد امام حكيم فلما دلت الاخبار وصحيح الاعتبار انهم كلمة الله العليا والمثل الاعلى والكلمة الطيبة كان مقام رسول الله صلى الله عليه وآله هو النقطة ومقام عليّ عليه السلام هو الالف والنفس ومقام الائمة سلام الله عليهم مقام الحروف العاليات وهو مقام السحاب المزجي في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح وهو عليّ عليه السلام بشرا بين يدي رحمته والرحمة هو محمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام هو دليل محمد صلى الله عليه وآله وآيته واسمه ونوره ويرجع في الكرة الثانية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وقال في الآية الاخرى هو الذي يُزجي سحابا وهذا السحاب انما اثير من الرياح لقوله تعالى هو الذي ارسل الرياح فتثير سحابا الآية وهذا السحاب المزجي هو الائمة المعصومون الاحد عشر من اولاد امير المؤمنين عليهم السلام وهذا هو الهواء المنخرق الى هذا المقدار والعدد المعين ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما وانما عبر عنهم عليهم السلام حيث كونهم مجتمعين في صقع واحد هواء لانه عليه السلام ابو تراب ومقام الحجاب ووجه الباب ورسول الله صلى الله عليه وآله هو النقطة الجوهرية الالهية وهي النار المشرقة عن شمس الازل وهي الحديدة المحمية ( المحماة خ ) بالنار في ثاني المقام اذ ليس ذاته الا حركة الظهور بالبطون فهو صلى الله عليه وآله دائم الحركة حاكي ( حاك خ ) لصرف الوحدة وليس في ذاته مقام سكون ووقوف بل ذاته مجري الافاضة وفوارة القدر بل نفس القدر الذي يفور بل ظهور المقدر بالتقدير كما نشرح لك ان شاء الله فيما بعد واما عليّ عليه السلام فهو حامل الخطاب وطارق الباب بل هو الباب وحقيقة الخطاب ولذا كني بابي تراب واما الهواء في ذلك الصقع والفضاء ليس الا الائمة الهداة سلام الله عليهم لانهم الروابط والنسب والفاصل بين البحرين بحر النبوة النبوية المحمدية صلى الله عليه وآله والولاية العلوية عليه السلام الخارجون من الدرة الفاطمية صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها كالهواء الفاصل والرابط بين النار والماء والتراب وكرة التراب في عالم الانوار مقدم على الهواء والماء وفي عالم الاكدار مؤخر لسر يطول بذكره الكلام ولذا ترى البرج الترابي واقعا بعد الناري وقبل الهوائي فتقول الحمل ناري والثور ترابي والجوزاء هوائي والسرطان مائي فافهم واما فاطمة عليها السلام فهي مزاج القابلية وطبع الحاملية ومقام الصورة وهو طبع الماء فتمت العناصر الاربعة في عالم السرمد ورتبة الابد فخرق الهواء لاظهار الاسم الاعظم هو فهو منخرق عن ( من خ ) الهواء لفظا ومعنى كما اشرنا اليه وانما كان هو منخرقا عن هذا الهواء لظهور كل اركان التوحيد مشروحا مبينا في الاحد عشر الهيكل التوحيد لظهور التوحيد والنبوة والولاية واحكام ليلة القدر كلها فيهم بخلاف ما عداهم صلى الله عليهم لان في عالم التفصيل يظهر ما كان مخفيا متفرقا في عالم الاجمال ولذا ما ظهر اسم هو في قل هو الله الا في هذه الهياكل وراثة من محمد وعليّ وفاطمة صلى الله عليهم قال عليه السلام فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وهذا المعنى هو المراد من قوله عليه السلام خرق الهواء لمن يفهم ويعقل ثم انك قد عرفت مما سبق ان الهواء هو محل الاعتدال ومقام النضج ورتبة الطبخ وانت لو كان لك بصر حديد عرفت ان النضج والطبخ والتعفين في التشريع والتكوين والتمكين والتمرين والاطلاق والتعيين والابهام والتبيين انما صار في هذا الهواء وليس بعده الا التقطير والتصفية واخذ الصافي ورمي الثفل التراب ولذا اذا خرج الحسين بن عليّ بن ابي طالب عليهما السلام يطهر الارض عن كل رجس ودنس ونجس حتى الحيوانات التي لا تؤكل لحومهم هذا معنى قولهم خذ الثفل وارم الرماد فرسول الله صلى الله عليه وآله هو معرف المادة الاكسيرية ومميز نوعها قال تعالى انما انت منذر وما على الرسول الا البلاغ وعليّ صلوات الله عليه وعلى اولاده مفصل المادة الى الماء والثفل اي النار والماء والائمة الاحد عشر المعصومون صلى الله عليهم اجمعين معفنوا المادة احد عشر مرة مرتان لتحصيل النطفتين وتسع مرات لتكون اكسيرا فعالا يحيي العظام وهي رميم فلما كان التعفين احد عشر مرة ليصفي ( لتصفي خ ) المادة الاكسيرية عن كل الغرائب والاعراض ويحصل له مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون وقد عرفت ان التعفين لا يكون الا في الهواء مادة الحرارة والرطوبة اقتضى التقدير من العليم الخبير ان يكون الهواء المتصل المرتوق منفتقا ومنخرقا الى احد عشر قسما لا اله الا هو العلي الكبير وشرح هذا الرمز وبيانه مما يطول به الكلام ولست بصدده وانما اتيت بالاشارة لئلا اكون ظالما لاهل الحكمة واظهارا للمرادات المخفية من كلامه عليه السلام وشاهدا على قولهم ان حديثنا صعب مستصعب خش مخشوش فانبذوا الى الناس نبذا فمن عرفه فزيدوه والا فامسكوا ثم اعلم ان قوله عليه السلام فتق الاجواء لبيان خلق السموات والافلاك وخرق الهواء لبيان ( خلق خ ) كائنات الجو والحوادث الواقعة في الارض وهما اشارتان الى قوله عز وجل اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي واراد عليه السلام ان يبين مبدأ هذا الماء ومنشأه قال عليه السلام خرق الهواء لبيان ان الماء الذي به كل شيء حي انما حدث وحصل بخرق الهواء لكنه عليه السلام ذكر كلاما عاما من بعض افراده وجزئياته تكون الماء الذي به كل شيء حي اذ بخرق الهواء يتحقق الرياح باقسامها من الشمال والجنوب والدبور والصبا والرياح المظلمة المهلكة كالريح العقيم وريح صرصر عاتية وريح السموم وامثالها والرياح المنجية النافعة وهي معروفة ويتحقق ( ايضا خ ) الشهب والنيازك والكواكب ذوات الاذناب والسحب والرعد والبرق والمطر والطل ويتصاعد البخار والدخان والهباء ويحصل من تصاعدها قرانات واوضاع وعجائب كقوس الله المشهورة عند العامة بقوس قزح وشرج السماء المشهور عندهم بكهكشان والحمرة والشفق والصبح الكاذب واختلاف الوان الكواكب ومقادير عظمها بحسب الحجم وبحسب القلة والكثرة في العدد بحسب الاحساس وخضرة السماء وتحقق الهالة التي احاطت بالقمر ووقوع الامراض والاسقام العامة البلوي كالوبا وامثالها وهبوب الرياح السوداء والصفراء والحمراء وامثالها من الامور والاحوال وكل ذلك انما هو بخرق الهواء لانبعاث الماء لاحياء الارض ويأتي مجمل شرح هذه الجملة في خلال الكلام بعون الله سبحانه وقد قال مولينا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا وقال جده الصادق الامين صلى الله عليهما العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث فاذا وجدت شيئا في هذا العالم الجسماني فاجره في كل العوالم على طبقه الاشرف فالاشرف على النهج الاشرف الا ان ( انه خ ) في السافل مفصل مشروح بخلاف العالي فان فيه مخفي مجمل فكلما رأيت بحاستك قد حصل بخرق الهواء في عالم العناصر فاعلم ان مبادي كل ذلك في عالم المثال موجود على طبق عالم النفوس على طبق عالم العقول على طبق عالم الحقايق الاولية في الخلق الاول على طبق الفعل على طبق نفس الفعل حين حدث وانفعل بالوجود عن المبدأ ولو اردنا ان نشرح كل ذلك ما يسع الدفاتر واما التلويح فقد لوحنا الى نوع المسئلة فيما تقدم آنفا واما الاشارة فتطول بها العبارة وليس لي الآن اقبال ذلك لكن الاشارة المجملة ان الهواء كما ذكرنا هو الواقف بين الطتنجين والبرزخ بين العالمين بل ملتقى البحرين بحر الفاعل الظاهر باثره وبحر القابل فيتوجه القابل ويصعد الى جهة الفاعل الى حد الهواء اذ لو تقدم لاحترق لخرق الحجاب وفي الحديث ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشف واحد منها لاحرق سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق وينزل العالي باثره ايضا الى حد الهواء اذ لو نزل الى الماء او التراب لذهب تأثيره وبطل تقديره اذ كل شيء له مقام معلوم وحد محدود وقال تعالى وما منا الا له مقام معلوم فلطائف الماء والارض تصعد خارقة للهواء طالبة لتلقي فيض الاله واشعة الكواكب المضيئات تنزل هابطة الى مقام الهواء خارقة له بالحرارة الاصلية لتتميم القابلية وتمكين الماهية فهناك يتصل فعل الفاعل باثره بالمفعول فينفد ( فينفذ خ ) هذا التأثير وهذا الاثر في كل اجزاء القابل واطواره واوطاره واحواله وحركاته وسكناته وصفاته واعراضه وباقي احكامه فيتم بذلك الشيء وهذا هو القول الكلي فاصرفه في كل عالم في كل صقع الا انه يختلف في الشرافة والكثافة واللطف والغلظة حسب ما بينا
قوله عليه السلام : وعلق الارجاء اشارة الى قوله تعالى والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية والارجاء هي نهايات الشيء واطرافه وجوانبه وهو اول عالم النهاية شرع في بيانه صلوات الله عليه بعد ما فرغ عن ( من خ ) بيان عالم اللانهاية فان الوجود على ثلاثة اقسام الاول الوجود الحق وهو الله سبحانه الحي القيوم الازل الابد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فلا نهاية له سبحانه ولا بداية ولا اولية ولا آخرية ولا ظاهرية ولا باطنية والطريق اليه مسدود والطلب مردود الثاني الوجود المطلق وهو فعله ومشيته واختراعه وابتداعه ومحل ذلك الفعل وانفعاله الاول الذي هو الامكان الراجح وهو الجو الاول من الاجواء التي فتقها الله سبحانه كما مر وهو الهواء الذي خرقه الى اربعة عشر هيكلا او احد عشر على ما عرفت ويمكن ان تجعل لهذا المقام اجواء كل جو فتقه سبحانه بظهوره له به فيه كجو النقطة وجو الالف النفس الرحماني وجو الحروف العاليات وجو الكلمة التامة وجو الباطن الظاهر في النقطة وجو الباطن من حيث هو باطن الظاهر في الالف والسر المستسر بالسر وجو الظاهر الظاهر في الحروف العاليات وجو الظاهر من حيث هو ظاهر الظاهر في الكلمة التامة وهذه هي الاجواء الذي فتقها سبحانه وتعالى بظهور التوحيد وهيكل التفريد واظهار النقش الفهواني ولا نهاية لهذا الوجود ولا بداية له بل هو متقوم بفاعلية الله سبحانه المتقومة بنفس ذلك الوجود فالنهايات والاطراف والغايات كلها منتفية عنه ولا يلزم من ذلك قدمه لان القديم سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء وهذا الوجود يحيط به الحق سبحانه وتعالى فيما لا يتناهى بما لا يتناهى ولو فرض تناهيه الى الله يلزم اقتران الازل وتحديده واتصاله وهذا كفر بالله العلي العظيم وخروج عن الدين القويم وليس مرادنا بنفي النهاية والاولية نفيهما مطلقا وانما المنفي هو الاولية والآخرية والنهايات الموجودة الثابتة في المخلوقات اذ كل ما يصدق عليه الشيئية ما سوى الله سبحانه متحقق بهذا الوجود ومتقوم به وصادر عن الله به والشيء انما كان شيئا لانه مشاء بالمشية قال امير المؤمنين عليه السلام وهو منشئ الشيء اذ لا شيء اذ كان الشيء من مشيته فاذا صح ان الاشياء كلها صادرة عن الله بالمشية فلا يجري عليه ما هو اجراه فالنهايات والجهات والحيثيات المعتبرة في الخلق كلها منتفية عن هذا الوجود ولذا سميناه مطلقا لعدم توقفه على شرط سوى خالقه وبارئه وفيض الله لا ينقطع وباب الافاضة لمن لا مانع له من ذاته لاستدعائه الشرائط والاسباب والمعدات وسائر المتممات والمكملات لا تنسد فخلق سبحانه ذلك الوجود فيما لا نهاية له بما لا نهاية له فخرج كعموم قدرة الله سبحانه واسعا كليا بوحدته يسع كل شيء مما كان وما يكون الى يوم القيمة وما بعده الى ما لا نهاية له وهو بحر وخزينة لا يشذ عنها شيء ينفق منها كيف يشاء ولا نفاد لها ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولما اراد الحق سبحانه ان يكون الاكوان ويبرز ما كان في غيب الامكان الى عالم العيان والاعيان اوجد بفعله اي بذلك الوجود المطلق القسم الثالث من الوجود الذي هو الوجود المقيد وهذا الوجود قبل ان يقيد شيء واحد بسيط منبسط يعبر عنه تارة بالماء لان حيوة الشيء وتأصله وتحققه بحقيقته وهو حقيقة الاشياء وذوات الموجودات فبه ( فيه خ ) جعل الله سبحانه كل شيء حي واخرى بالهواء لانه الرابطة والفاصلة بين تأثير المؤثر وقبول المنفعل المتأثر فتنزل الفيوضات والامدادات كلها الى هذا المقام ثم منه تفيض الى قوابل الاعيان وانيات الاكوان ولما كان هذا الوجود هو اول اثر صدر عن الوجود المطلق ظهر حاكيا لمثاله وواصفا لحاله لانه جهته فلا نهاية لهذا الوجود ايضا لكونه ظهور ما لا نهاية له مع قطع النظر عن المظاهر فهو مثاله ودليله والدليل لا يخالف مدلوله والمثال لا يناقض ممثله فهذا الوجود مجرد عن كل القيود ومنزه عن كل الحدود لان الحدود جهة المخالفة والتكثر والمباينة والتعدد فلولا هذا الوجود من اين تظهر الوحدة السارية في كل مفقود ومشهود ومعدوم وموجود فلما صحت الوحدة فلا يجوز ان يكون ( تكون خ ) متأخرا عن الكثرة لان الكثرة مذمومة فيجب ان يكون متقدما ولما كانت الكثرات وانحاء التمايزات والاختلافات واعتبار الجهات والحيثيات انما هي بالحدود والتعينات وهذا الوجود جهة الوحدة البات لم تكن فيه لذاته شائبة من تلك الحالات والاضافات والاوضاع والقرانات فلا توصف بالاولية المتداولة ولا بالآخرية المتعاكسة بل هو صرف الشيء ووجه الوجود المطلق بل ربما جعل من ذلك الصقع فجعله سبحانه بلطيف صنعه مادة الاشياء وخرق هذا الهواء بتعليق الارجاء التي هي الاطراف وهي الحدود المشخصة والقيود المعينة لتلك الحقيقة المطلقة المقيدة من الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان فبتعليق هذه الحدود بتلك الحقيقة ظهرت منها الاشياء على حسب الحدود ومقتضي القيود فبتراكم القيود تكاثفت وغلظت حتى صارت جسما وجسمانيا وبرقة الحدود وقلتها تلطفت فصارت روحا وروحانيا وعقلا وعقلانيا وكلما تكامل مرتبة ظهر منها اثر من نوع تلك المرتبة وذلك الاثر هو جمالها ولجمالها جمال ولجمال جمالها جمال وهكذا الى ما لا نهاية له من ترامي سلسلة الايجاد بقابلية الانوجاد في الايام الثلثة ايام الايلاج اول الاقتران وايام الغشيان اول التعفين وتمام التمرين وايام الشان لتمام التكوين وظهور التمكين وكل هذه الكثرات واحكام الاختلافات ( انحاء الاختلافات واحكام الاضافات خ ) والقرانات وتكثر الدقايق والساعات بل اقتضاءات الآنات عند تصادم الكيفيات الى ان امتلأ الوجود وظهر سر المعبود باختلاف الركوع والسجود كل ذلك بضم الحدود والقيود التي هي عبارة عن الارجاء والاطراف وهي الجهات واقتضاء الانيات ولذا ( لهذا خ ) قال عليه السلام علق الارجاء بعد خرق الهواء بل تعليق الارجاء لمن يفهم الكلام بيان وشرح لقوله (ع) وخرق الهواء ومتفرع عليه ومتصل به والملك الذي على الارجاء هو الملك الذي له رؤس بعدد رؤس الخلائق ممن وجد او لم يوجد الى يوم القيمة وهو روح القدس اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش ومعنى كونه على الارجاء انه حامل لها وهي تنتهي اليه وتنقطع دونه فليس فوقه طرف ولا نهاية وذلك الملك واقف اول مقام النهاية والعرش هو الانوار الاربعة وهي النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وهو نور الانوار والثمانية الحاملون اربعة من الاولين نوح وابرهيم وموسى وعيسى واربعة من الآخرين محمد وعليّ والحسن والحسين عليهم سلام الله ابد الآبدين ودهر الداهرين ومعنى حملهم قيامهم بالامدادات المفاضة منه عليهم عليهم السلام حين استواء الرحمن برحمانيته عليه وتأديتهم الى من دونهم ( دونه خ ) حسب ما جرى قلم التقدير على لوح التدبير باذن الله اللطيف الخبير والآخرون هم الاولون والاولون هم الآخرون يؤدي اليهم الكروبيون حين ما يؤدي الى الكروبيين العالون وذلك في الرتبة الثالثة رتبة الابواب مقام الحجاب ووجه الجناب وقرع الباب واما في المقامات الاخر فلهم عليهم السلام مقام الحديدة المحماة ورتبة الظاهر في المرآة ومقام نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا فكم من عجائب قد تركتها ( ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم خ ) وان اريد بالملك هو الجنس لا الواحد في قوله تعالى والملك على ارجائها بدليل ضمير هم في قوله عز وجل فوقهم يومئذ ثمانية فالمراد بالسماء مطرح الفيض والامداد ومهبط الوجود والايجاد في كل عالم بحسبه من السرمد الى الدهر وهو السبع السموات المتطابقات في قوله تعالى الذي خلق سبع سموات طباقا وهن ( هي خ ) سماء العقول وسماء الارواح وسماء النفوس وسماء الطبايع وسماء المواد وسماء الاشباح والمثال وسماء الاجسام والملائكة هم حملة الافاضة ومظاهر التدبير والارجاء هي النهايات والاطراف المتعلقة على المفاض عليه بواسطة الملك الذي هو على ذلك الرجي في الاجسام جسمانيون وفي الاشباح شبحيون وفي المواد ماديون وفي الطبايع طبيعيون وفي النفوس نفسانيون وفي الارواح روحانيون وفي العقول عقلانيون وحملة العرش هم جبرئيل وعزرائيل واسرافيل وميكائيل في العرش العقلي باجنحتهم العقلانية يحملون الامدادات العقلية الى متعلقاتها وهكذا الى آخر المراتب فقوله عليه السلام علق الارجاء كلام عام يشمل هذه المراتب كلها وتعليق الارجاء في عالم البيان ظهور الاسماء الكلية والجزئية والمتقابلة والمتوالفة الى ما لا نهاية له التي قد يحصر كلياتها من اربعة اسماء وهو سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر الى اثني عشر الى ثلاثين الى ثلاثمائة وستين الى تسعة وتسعين الى المائة الى الالف الى الالف الف وفي عالم المعاني ظهور المفاعيل المطلقة والمصادر السيالة التي هي متعلقات الاسماء في عالم العماء وفي عالم الابواب ظهور الحجب الثمانية من الحجاب الابيض والاصفر والاخضر والاحمر والكمد والاخضر المائل الى السواد والاسود والاسود البالغ في السواد وفي عالم الاجسام ظهور الشرق والغرب والجنوب والشمال والبروج والمنازل وتعدد الافلاك الجزئية واختلاف الانظار الكوكبية والقرانات الجسمية في السماء وفي الارض ظهور الاقاليم السبعة والجهات الستة والرياح الاربعة والبحار والانهار والجبال والاشجار وفي الانسان في الظاهر الجسمي اعضاء الوضوء والرابطي هي الحواس الظاهرة والباطني هي الحواس الخمسة واللبي هو تجاويف القلب المعنوي حسب تجاويف القلب الظاهري اللحم الصنوبري وظهور العرش الكلي في الكلمة الواحدة من المراتب الاربعة والكلمات الاربعة والانوار الاربعة وكل هذه مقامات تعليق الارجاء وشرح هذه المقامات قد مضى ويأتي ان شاء الله تعالى
قوله عليه السلام : واضاء الضياء يريد عليه السلام بالضياء هو البهاء وهو نور الانوار والنور الذي نورت به الانوار والاشارة اليه في الكلام الكريم بباء بسم الله الرحمن الرحيم قال عليه السلام الباء بهاءالله وهو الذي ابتدأ به في ( دعاء خ ) السحر بقوله اللهم اني اسئلك من بهائك بابهاه وهذا الضياء اول ما ظهر من تعليق الارجاء واول مصباح اوقد مادته من الدهن الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار من الزيت المأخوذ من الشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية بالنار التي هي من تلك الشجرة قال سبحانه الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون قال تعالى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية وهو بلسان اهل الشرع الروح القدس اول ذائق الباكورة في جنان الصاقورة من حدائق آل محمد سلام الله عليهم والقلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد اي الوجود التكويني خلقتم للبقاء ما خلقتم للفناء واول خلق من الروحانيين عن يمين العرش المركب من الانوار الاربعة والروح المحمدي والنور المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم والعقل الكلي الذي استنطقه الله بالمدد النوري والفيض الالهي وبما ( مما خ ) جعل عنده من السر الغيبي والظهور المعنوي وبما ظهر عليه من الايجاد الكوني والعيني وكونه مخزنا ومحلا لكل المعاني ثم قال له ادبر فادبر ادبارا امتثاليا الذي هو الاقبال حقيقة لا الادبار موليا كما في الجهل فان خطاب الادبار قد ورد عليهما ( تدور عليهما خ ) فواحد ادبر امتثالا والآخر ( آخر خ ) ادبر موليا وعنادا فصار ادبار الاول نورا وضياءا لاتصاله الى الحق سبحانه اظهر الاشياء وصار ادبار الثاني جهلا وظلمة لانفصاله عن القضاء وهو قوله عز وجل قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور فادبر العقل ممتثلا لامر الله سبحانه وتعالى ومتنزلا بسر اسم الله البديع الى مقام الروح الرقيقة المعنوية والعلقة الصفراء بسر اسم الله الرحمن وهو اول مقام الحل الثاني في الخلق الاول من عالم الوجود المقيد وقد سبقه الخلق الاول باطواره في عالم الوجود المطلق ثم ادبر متنزلا الى مقام النفس الصورة المجردة عن المادة الجسمية والمثالية والمدة الزمانية والشبحية السفلية عالم الذر الاول او الثاني او الثالث وتمام الخلق الاول والصوغ الاول وكمال العقد الثاني وتمام ظهور المعاني والمباني ثم ادبر متنزلا بسر اسم الله الباعث الى مقام الطبيعة مقام الكسر الاول للصوغ الثاني حجاب الياقوت ثم ادبر متنزلا بسر اسم الله الباطن الى عالم المواد الجسمانية تمام الكسر والحل وجوهر الهباء ثم ادبر متنزلا بسر اسم الله الآخر الى عالم المثال اول الصوغ الثاني محل الصور المقدارية ثم ادبر متنزلا بسر اسم الله الظاهر الى عالم الاجسام مقام النقش والارتسام ثم ادبر متنزلا من الاشرف الى الادنى حتى قطع الافلاك وظهرت العناصر وتولدت المتولدات فكثرت الانوار وتحققت الاضواء فصارت الافلاك بل العالم كرة واحدة تدور على قطبها وهو ذلك الضياء الذي اضاءه الله سبحانه بنور توحيده وانقياد ( انقاد خ ) ذلك النور له بالتسليم والرضا والخضوع والخشوع والمسكنة ولك ان تجرد هذه الحركة عن المحور لتكون حركتها على القطب وحده لا الى جهة اذا نظرت الى ذلك النور نظر الظهور كالحديدة المحماة فيكون حينئذ قيام الاشياء به قياما صدوريا وحركتها اليه حركة كينونية سيالية ( سيالة خ ) لا بقاء لها الا بنفس تلك الحركة حين الحركة لا الى جهة فلا وضع ولا كيف ولا كم ولا اين واشار الى هذا المعنى في هذا المقام بقوله الحق الله نور السموات والارض فهذا النور الذي هو الضياء هو مظهر الالوهية قد ظهرت فيه له ولغيره به ويكون هذا القوام حين مسير ( سير خ ) ذلك النور في عالم اللانهاية في صقع اللاهوت حين تمحضه في القرب الى ربه والبعد عن نفسه فرق ولطف الى ان شابهه في الصفة الفعلية قال الله سبحانه في الحديث القدسي اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون ونعما ( نعم ما خ ) قال :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا وتشابه الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
ولذا قال عليه السلام لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو فيها نحن وهو هو ونحن نحن ولك ان تجعل هذا النور هو المحور لتكون حركة فلك الوجود عليه وذلك حين كونه مترجما للخطاب وحاملا ومؤديا على مقتضي القوابل بتنزله وترقيه فيكون هذا مقام قوله عز وجل مثل نوره كمشكوة فيها مصباح ولما كان المحور هو الخط الفاصل بين القطبين اللذين احدهما عين الآخر اشار سبحانه وتعالى الى بيان هذه الفاصلة والرابطة بقوله الحق المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فدل البيان على ان هذا الضياء هو النور الذي نورت به الانوار وهو نور كل نور ومظهر اسم البديع ورفيع الدرجات الم تنظر الى قوله عز وجل هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا والانوار والاضواء التي في العالم الجسماني كلها من الشمس وهي قد سقط اليها نور من ذلك النور بقدر سم الابرة وانما كانت الشمس ضياء مضيئة لهذا العالم لكونها محلا لظهور العلة الفاعلية التي هي الحرارة واليبوسة ونسبة الشمس الى العالم كنسبة الحرارة الغريزية الى جميع اقطار البدن لانها نور اي نار قد انفعلت الاجزاء الارضية القلبية التي هي اللحم الصنوبري عنها بالاستضاءة فاستنارت القوى والمشاعر والمدارك والآلات والعروق والاعصاب والغضاريف والاوردة والشرايين والعضلات كلها من الحرارة الغريزية الظاهرة في القلب وتلك الحرارة التي يعبر عنها بالدم الاصفر في تجاويف القلب او العلقة متعلقة بالريح وهي الدخان والبخار اللطيف في القلب الذي هو الروح في عرف الاطباء وتلك متعلقة بالهواء الذي هو النفس الحيوانية الحسية الفلكية الغيبية وتلك النفس متقومة بالنفس القدسية الانسانية وتلك متقومة بالعقل في الجزئي واما في الكلي فالانسانية متقومة بالنفس الملكوتية الالهية وهي متقومة بالعقل ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام في بيان هذه النفس ان اصلها العقل منه بدأت وعنه وعت واليه اشارت ودلت وهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى وهذه الذات والشجرة والسدرة والجنة التي هي صافي الوجود ونور الاله المعبود وثمرة الركوع والسجود والانوار التي بها ظهر الوجود والموجود كما قال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم كلها ظهور وشؤن لذلك الضياء الذي قال عليه السلام اصلها العقل الخ واول ما خلق الله النور وهو نور الرب في قوله عز وجل واشرقت الارض بنور ربها والارض هي ارض النفوس في هذا التفسير في هذا المقام ثم اعلم ان قوله عليه السلام اضاء الضياء رد على من زعم ان الماهيات ليست بمجعولة وان الله ما جعل المشمش مشمشا بل جعله موجودا فان قوله (ع) معناه انه سبحانه جعل الضياء ضياءا كما في قوله عليه السلام هو كيف الكيف واين الاين اي جعل الكيف كيفا والاين اينا وجعل المشمش مشمشا اذ لا يجوز ان يكون في ملك الله سبحانه شيء يترتب عليه الاثر لم يكن من خلق الله او يكون شيء في الوجود لا يكون في ملك الله سبحانه فان لم يكن شيئا ولم يترتب عليه شيء لم تكن لقولهم فائدة وانما هو كذب محض والا فاما هو خلق الله او قديم مع الله او هو الله او خلق لغير الله او احدث نفسه من غير الله او حدث بقديم ( لقديم خ ) غير الله فما عدا الاول كله باطل وذلك ظاهر ان شاء الله تعالى وليس هذا المقام مقام هذه المسئلة ببسطها وشقوقها ثم ان قوله عليه السلام اضاء الضياء استنباط واستخراج مما ظهر مستجنا فيما تقدم من كلامه الشريف فان هذا الضياء هو المصباح الذي في الآية الشريفة فاشار عليه السلام بقوله فتق الاجواء الى الشجرة الالهية التي تخرج منها النار فبفتق تلك الاجواء ظهرت تلك الشجرة الكلية والمراد بالشجرة هو الاختراع الاول والابتداع الاول قال مولينا الرضا عليه السلام ان اول ما خلق الله الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون وتلك الاجواء هي مقامات الامكان الراجح من الظهورات الفعلية الالهية ومحل المقامات والآيات والعلامات على ما سبق فنبتت تلك الشجرة في تلك الارض بفتق اجواء افلاكها وعناصرها ودوران بعضها على بعض وليس من متولدات تلك العناصر والافلاك من الآباء والامهات سواها فان جعلتها جماد ذلك العالم او نباته او حيوانه او انسانه صدقت اذ كل ذلك قد جمع فيها بطور الوحدة اذ في الكل خاصية الكل الم تسمع ان في الجنة تعمل الاجسام عمل الارواح من غير توسطها والارواح تعمل عمل الاجسام من غير توسطها لان دار الآخرة لهي الحيوان وحيوة دار الآخرة من فاضل فاضل حيوة هذه الشجرة بل ليست الجنة بقضها وقضيضها الا ثمرات ( ثمرات ثمرات خ ) هذه الشجرة فلا تستغرب اذن مما قلت واشار عليه السلام بقوله خرق الهواء وعلق الارجاء الى ظهور نار الشجرة في الهواء لما ذكرنا من ان الهواء مجمع البحرين وملتقي العالمين فصعد ( فيصعد خ ) القابل للتلقي ( الملتقي خ ) الى المبدأ الى مقامه وينزل العالي باثره للامداد الى مقامه فهو الرابطة والفاصلة والمراد بالهواء بلسان الظاهر هو الوجود المقيد قبل التقييد وهو ظهور المشية باثرها وهو اثرها ونسبته اليها نسبة الضرب الى ضرب كما يأتي ان شاء الله تعالى فكان هو مس النار والارجاء هي الدهن وارض الجرز والبلد الطيب وهي القابلية وخرق الهواء اشارة الى مس النار للدهن اي التعلق المحض وتعليق الارجاء اشارة الى ميل القوابل الى مقبولاتها وصعودها اليها بلطائفها وصافيها وهو تكلس الدهن الى ان يصير اجزاء قريبة الاستحالة الى الدخان الى ان يصير دخانا ينفعل بمس النار بالاستضاءة وذلك التكليس هو تمكين القابلية لقبول اثر الفاعل فاذا تعلقت النار بالدهن وكلسته الى ان يصير دخانا تحقق المصباح واضاء الضياء وهو السراج الوهاج قال تعالى وجعلناه سراجا وهاجا فمنه استضاء العالم فاشار صلوات الله عليه الى بدو الوجود وظهور الشهود بما لا مزيد عليه ولعمري انه عليه السلام شرح احوال المبدأ والخلق الاول بكل احواله واطواره وصفاته وشئونه وجهاته وكلياته وجزئياته في هذه الكلمات بينما صرح تصريحا وما اشار اشارة وما لوح تلويحا بالكلمات والحروف وصفاتها واعدادها وطبايعها وقراناتها وولاداتها قد انقطع دونها علم العلماء وفهم البلغاء لا تفنى عجائبها ولا تبيد غرائبها وهي طرية ابدا وما طوينا مما عرفنا اكثر مما كتبنا وما لم نعرف ولم ندرك ولم نتخيل بل لم نتعقل ( لم نعقل خ ) اكثر واكثر صلى الله عليهم اشهد ان كلامهم نور صعب مستصعب
قوله عليه السلام : واحيى الموتى وامات الاحياء فاعلم ان الموت قد يطلق على مجرد الفقدان سواء سبقه وجدان ام لا كما في قوله عز وجل سقناه الى بلد ميت وهو الارض المعدة المستأهلة للنبات والاثمار اذا وقع عليها المطر فتكون قبل وقوعه عليها ميتا غير موجودة بالعمارة والظهور والشهود وانما هي ذكر وصلوح قابلية محضة فاذا اتيها المطر الخارج من السحاب ووقع على تلك الارض انفتقت وحييت باذن الله تعالى قال تعالى ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت الآية فهذا موت قبل الحيوة قد اطلق الموت عليه وقد يطلق على الكسر بعد الصوغ وعلى العدم بعد الوجود والغيب بعد الشهود والامكان بعد الاكوان والاعيان والظلمة بعد النور والخفاء بعد الظهور والاطلاقان كلاهما يحتملان في هذا المقام ثم اعلم ان الموت بقول مطلق هو قطع العالي نظره عن السافل فينقطع السافل فيبقى ميتا لا حراك له وذلك القطع لا يكون الا بعدم اقبال السافل الى العالي لضعف قابليته وانهدام بنيته وغلبة برودته ويبوسته او رطوبته مع البرودة المانعة عن ظهور الحرارة التي هي مثال الفاعل العالي او لاشتغال العالي ونظره واشتياقه ومحبته الى اعلى منه او المناسب له في الغاية والنهاية فاذا حصل له الشغل الكلي يقطع عن السافل فيقع ميتا فظهر لك ان علة القطع امران فاذا عرفت هذا فاعلم ان الموت موتان اقبالي وادباري فالاول هو موت الوفاء والفناء والثاني هو موت العناء والشقاء والثاني امتثالي وانفصالي انقطاعي فالاول هو الرحمة والثاني هو النقمة والاشارة الى بيان هذه الجملة هي ان الله سبحانه لما احب ان يعرف خلق الخلق لكي يعرف فالمحبة الحقيقية للايجاد هي المعرفة وهي محل المحبة والمحب ليس نظره الا الى محبوبه ومطلوبه بالمحبة التي هي عين ذلك المحبوب فايجاد تلك المعرفة وتلك المحبة والوجدان الحامل لتلك المحبة والمعرفة لتساوقهما لا شك انه متقدم فاوجد سبحانه العارف المحب المحبوب اولا قبل كل شيء لكونه الغاية في الايجاد ومحل نظر رب العباد فوهبه الحيوة والدوام الابدي والبقاء السرمدي لانه محل التجلي وظهور المتجلي لانه سبحانه احبه به وتجلى له به قال مولينا عليّ عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها فذلك النظر هو علة الحيوة وعين الحيوة بقاء لا فناء فيه ودوام لا زوال له واستقلال لا اضمحلال له وغنى لا فقر له لانه محل رحمة الله ومنبع فيضه واحسانه وهذا هو الهواء في قوله عليه السلام المتقدم خرق الهواء لان الهواء هو طبع الحيوة والاسم المربي له الحي وهو قوله (ع) ان الروح مجانس للريح وقوله عليه السلام ان الروح متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء وهذا هو الوجود المعبر عنه بنور الله وآيته ( وخ ) مبدأ الوجود المقيد واما في عالم الوجود المطلق فهو عالم احببت ان اعرف والمحبة الحقيقية التي هي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهو مقام الاحدية الظاهرة للمخلوق التي يعرفون الاحد بها ثم لما اراد ان يخلق مراتب الخلق لاظهار كبريائه وعظمته وجلاله وجماله وقهره وغلبته امر ذلك النور الحقيقي والسر الغيبي الحقيقي الالهي بالادبار والنظر الى القوابل المدلهمة الغاسقة الموجودة المتحققة بعين ذلك النظر ولا شك ان القابل طبيعته البرودة واليبوسة التي قد احاطت بظاهرها الذي هو ظهور الميل الى المبدأ ( مبدأ خ ) البرودة والرطوبة وقد قلنا سابقا ان الشيء لا يتم الا بالمقبول والقابل والقابل لا يتحقق ولا يقبل الا بتمكين المقبول او الفاعل اياه للقبول وذلك التمكين ما يمكن ( لا يمكن خ ) الا بمزج اثر الفاعل وظهوره وكينونته للقابل مع طبيعة المقبول في ارض الجرز والبلد الميت الطيب ففي اول ظهور الاثر الذي هو النار والحرارة المصلحة المنضجة لتكوين المكون القابل فالغلب والظهور وجريان الاثر للقابل ببرودته ويبوسته الممزوج ( الممزوجة خ ) بالرطوبة وانت قد عرفت ان البرد الخالص اذا اصاب الرطوبة التي فيها اليبوسة الجزئية يجمدها فالحرارة التي هي اثر الفاعل وهو ذلك لما كانت من عالم الغيب والباطن تبقى في الباطن ولم يظهر لها اثر في الظاهر بل ظهور الاثر وجريان الاحكام انما هو للبرودة واليبوسة اللتان هما طبع الموت فهذا اول موت وقع في الوجود ومثاله وآيته في عالم التفصيل فصل الشتاء فان الحرارة في ذلك الفصل تتوجه الى الباطن فتنجمد الظواهر بالبرودة والرطوبة المشوبة باليبوسة وتنسد المسام ولم يبق للحرارة حكم ولا اثر فيحتاج الخلق الى حرارة اخرى غير ما في الغرائز والطبايع وانما كثرت الرطوبة في هذا المقام و( في خ ) هذا الفصل لكونه اول مقام القابلية وميل القابل الى الانفعال للتأثير وذلك يستدعي الرطوبة واما سر انجمادها فلمزجها مع اليبوسة الحافظة الماسكة لذلك التأثير واما سر زيادة البرودة فلبعده عن الحرارة وتأثير الفاعل بالتأثير الخاص او العام وهذا الموت ادباري الا انه امتثالي ولذا كان رحمة وفضلا فاذا تمكنت الحرارة ورسخت واستقرت في الباطن لتمكين القابلية وتسويتها تؤثر فيها وتنضجها شيئا فشيئا الى ان يضمحل ذلك البرد الكلي الموجب لانجماد القريحة المانع لذوبانها وميلها الى مبدئها وباريها فتذوب تلك اليبوسة والرطوبة المجتمعة الجامدة وتفتح المسام ويؤثر ( تؤثر خ ) الحرارة في الظاهر فيظهر النبات وهنا اول الحيوة اول ( واما خ ) مقام الاعتدال ومثاله هو فصل الربيع بعد الشتاء ولذا تكثر الامطار وتقل الثلوج في هذا الفصل وذلك لسر الذوبان فبقدر ما تقل البرودة تظهر وتضاعف الحرارة وتقوى النبات ويظهر طلع الثمار فكلما يزيد ( تزيد خ ) يوما اما من القمري او من ايام الشأن تزيد الحرارة والرطوبة فاذا زادت الحرارة خففت ( جففت خ ) الرطوبات الفضلية فتزيد اليبوسة الى آخر فصل الربيع وهو انتهاء غلبة الرطوبة ففي فصل الصيف يكون الغلبة لليبوسة مع الحرارة وهناك ( مقام خ ) نار السبك فتنضج الثمار وتتقوى الاشجار وهذا تمام الحيوة بعد الموت فالموت الاول في اول الادبار والنظر الى القابلية وميله اليها وميلها اليه كما قال سبحانه وتعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وقال عليه السلام في الصحيفة يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشئهم عليه ليصير المجموع شيئا واحدا محمول ( مخمول خ ) الحكم ومعزول الوصف حتى تتم الخلقة في بطن الام اي الصورة من احكام التقدير واجراء التدبير وهذا هو التعفين فبعد ذلك ينشئه ( ينشيء خ ) خلقا آخر من ايلاج الروح المناسب للصورة اي الام وهو ( هي خ ) الحيوة فالحيوة بالصورة والقوام بالمادة وعند الانفصال كل منهما ميت ذلك تقدير العزيز العليم فاحيى الموتى اولهم آدم الاول حين عانق حواءه ومات في حبها وهو عبارة عن تعلق المشية الكلية والرحمة الواسعة بارض الامكان الراجح وهذا كان موتها لانقطاعها عن النظر الى نفسها التي هي جهة مبدئها وعلتها وفاعلها وقد قلنا ان الموت هو قطع نظر العالي عن السافل بالوجدان ام بالوجود ام بالامرين ولا شك انها اذا نظرت الى نفسها من حيث تعلقاتها منقطعة عن النظر الى نفسها مجردة عنها مع انه قد ارتفع تمييزها حينئذ اي في حال التعلق فهو الموت لا يقال ان المشية حيوة لا موت لها لانا نقول بلى بالنسبة الى ما عداها كما تقول انها بسيطة ليس في الامكان ابسط منه مع انها ممكنة وكل ممكن زوج تركيبي فافهم وحيوتها الاضافية ظهورها بالواحدية وتمام الكلمة التامة التي هي كلمة كن وانما قلنا الاضافية لان هنا مقام ظهور اولادها التي هي وجوهها ورؤسها ومقام ظهور الاسماء الحسنى والصفات العليا وظهور العلم الامكاني والاعيان الثابتة الحدوثية ولك ان تجعل الموتى هي الامكانات والصلاحيات التي لا حيوة لها ولا ظهور ولا وجود لها في الاكوان حتى اطلق عليها العدم كما قال عز وجل اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وقد ورد في بعض الاخبار ان الله سبحانه خلق الاشياء من العدم يراد به العدم الامكاني فيصح ان تجعلها موتي حيوتها بايجادها في الاكوان فاول حيوتها وظهور بعض احكامها في الهواء كما تقدم وثاني ظهورها بفرد من افرادها الضياء فيكون قوله (ع) واحيى الموتى بيان اصل من الاصول الكونية ومرتبة من مراتب البدو في الكونين الكون الاطلاقي والتقييدي والاختراعين الاولى والثانوي ولما كان قوله عليه السلام فتق الاجواء اشارة الى الاختراع الاول واضاء الضياء الى الاختراع الثاني وخرق الهواء الى البرزخ المتوسط الجامع لاحكامهما والهواء عبارة عن ماء الوجود وارض القابليات والموتى قد تحققت في الاختراعين اتى عليه السلام بعدهما بحكم المشترك بينهما لما ذكرنا من تأثير الفاعل العالي المقبل المدبر الى السافل المفعول باثره فالموت للاثر اذا امتزج مع قابلية المتأثر ( المؤثر خ ) وغلبت عليه البرودة واليبوسة وحيوته اذا ظهر الاثر في كينونة القابل المتأثر مشروح الحكم ظاهر التأثير متفردا بالامر في العمل ولما غاب ذلك النور المعبر عنه بالهواء ( بالفؤاد خ ) في ارض الجرز والبلد الميت تحقق موته بتلك الغيبوبة ولما صعد بالابخرة والادخنة اللطيفة الى سماء الصاقورة اي جهة العلة الدائرة على نفسها بنفسها فاصابته برودة الرحمة مبدأ العلة الصورية تحت الكرة الاثيرية مبدأ العلة المادية فانجمد بيبوسة هباء تلك الارض الى ان تكون السحاب المزجي جهات الميل الى القابلية فانعقد سحابا متراكما بتحقق الصورة الشخصية فجرى باشراق شمس الايجاد من عالم الامر عليه بحكم الانوجاد ماء ذائبا صالحا صلوحا نوعيا لكل ما يمكن في حقه ووقع على ارض القابليات الشخصية الجزئية المتمايزة وهو قوله تعالى انزل من السماء اي من سماء الاختراع والابتداع وسماء المتجلي ( التجلي خ ) ماء التجلي والاحداث والايجاد بعد الحل الاول والعقد الاول فسالت اودية تلك القوابل بقدرها فاذا ارادوا النبات اخذ من ذلك الماء الصالح جزءان لمزج القابل مع المقبول فان النسبة لها طرفان واخذ من تلك الارض جزء واحد لئلا تنجمد فلا تتمكن من الصورة المطلوبة الممكنة في حقها المطلوب وجودها بتوفر الاسباب والدواعي واجتماع الشهوات والطلبات ولئلا تذوب فلا يصح الانعقاد المطلوب على الوجه المطلوب فتمت مراتبه ومتممات قابلياته ( قابليته خ ) ومكملاته فظهر الاثر ومال الى صقعه فتحرك ذلك الشيء بقابليته الى جهته فان كان ذلك الاثر من المؤثر بيمينه فيصعد به الى اعلى عليين وان كان بشماله فيهبط به الى اسفل السافلين سواء كان في الاصل غرفة من العليين ( عليين خ ) او من السجين او لا بل باللطخ والخلط كما قرر في محله وبالجملة فحيوة الشيء بعد مماته ظهور الشيء بتأثير الفاعل مشروح العلل مبين الاسباب وهذا يتصور في كل شيء من الاشياء الا ان الاشياء في الظهور والخفاء مختلفة فدل العقل بدلالة قول عليّ عليه السلام ان الحيوة الاولية التي هي عين لحاظ الرب متقدمة على الموت واما الحيوة التركيبية المزجية الحاصلة من الايتلاف فانها مؤخرة عن الموت فان الادبار موت وهو الاول والاقبال حيوة وهو الثاني ولذا قال عليه السلام احيى الموتى وامات الاحياء وان قيل ان الواو لا تدل على الترتيب لان سياق الكلام يقتضي ذلك مع ان في عدم دلالة الواو على الترتيب نظر اعلم ان الشيء لما كان لم يتحقق الا بحلين وعقدين ولما كان العالم كرة واحدة وحقيقة واحدة وشخصا واحدا كان الحلان والعقدان فيه عبارة عن الخلقين في العالمين عالم الغيب و( عالم خ ) الشهادة والخلق الاول والثاني فالخلق الاول في عالم الغيب قد انعقد بعد ما حل فالحل هو الموت والعقد هو الحيوة فالحل الاول في ماء الوجود حين مزجه بارض القابليات وهنا امات الاحياء واول العقد الاول في العقل ووسطه في الروح وآخره وتمامه في النفس عالم الذر الثالث او الثاني او الاول وهنا احيى الموتى اول الحيوة في مقام العقل على جهة البساطة والمعنوية واول ظهورها في عالم التفصيل جامعة الشئون تامة الاقتضاءات والاضافات والقرانات في مقام الروح الرقيقة الحاجزة بين الاجمال والتفصيل وتمام ظهورها وكمالها مجتمعة المراتب حاوية المئارب في النفس ولذا خصوا التكليف في الخلق الاول بهذا المقام مع ان التكليف سار في كل ذرات الوجود بكل انحائها وانواعها ففي عالم النفس كمال الحيوة الممكنة ثم ان الله سبحانه كسر هذا المركب ونثر هذا المنظوم في الحل الثاني ( ارادة للخلق الثاني خ ) الذي هو خلق عالم الشهادة والاجسام مقام النقش والارتسام وكان هذا الكسر تحت الحجاب الاحمر عالم الطبيعة فهي ( فهو خ ) اول الحل الثاني وتمامه في المادة الجسمانية جوهر الهباء فامات الاحياء الذين كانوا ذوات الشعور والادراك والمعرفة والبصيرة المكلفين الطائعين والعاصين بحيث قد اضمحلت انيتهم واندكت جبلتهم وذهبت شعورهم واحساسهم فبقوا اموات فسيحييهم الله سبحانه بل احياهم في الخلق الثاني الذي هو العقد الثاني وهو لا يكون الا في عالم الاجسام فاشار الامام عليه السلام في هذه الفقرات الموجزة تفصيل مراتب الوجود من بدو الايجاد والانوجاد بتفاصيل احوالها مجملة الى تمام الخلق الاول وقد اشرنا الى بعض منها في هذه الاوراق وقد اعرضنا عن اغلبها واكثرها ثم شرع عليه السلام في بيان كيفية الخلق الثاني اي عالم الاجسام لان الخلق ( للخلق خ ) الاول والثاني عندنا اطلاقان قد نطلق ونريد بالخلق الاول ( عالم خ ) الغيب وبالخلق الثاني عالم الشهادة كما هنا وقد نطلق ونريد بالخلق الاول هو مقام الحل في الماهية الاولى والهيولي الاولى وقبل السعادة والشقاوة ولزوم الحكم عليه وبالخلق الثاني العقد الثاني وحله في الماهية الثانية مقام امتياز هيكل التوحيد عن هيكل الكفر والشرك والصورة الانسانية عن الصورة الشيطانية واما هنا فلا نريد الا الاول
قال عليه الصلوة والسلام : احمده حمدا سطع فارتفع وشعشع فلمع حمدا يتصاعد في السماء ارسالا ويذهب في الجو اعتدالا
اقول ما من عالم من العوالم ومقام من المقامات من العلوية والسفلية والجوهرية والعرضية والحقيقية والمجازية الا وهو مظهر اسم من الاسماء ومجلي صفة من الصفات ومهبط فيض من الفيوضات ومجلي تجلي من التجليات ومطرح اشراق من الاشراقات يحكي بما نقش فيه من الاوصاف والتوصيفات ظهورا من الظهورات لخالق الارضين والسموات قال الله سبحانه في كتابه العزيز وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه قال الله سبحانه وتعالى لله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه وقد قلنا ان الحمد هو صفة التجلي والبهاء الدال على جمال المتجلي وجلاله وعظمته وكبريائه من غير ملاحظة ( ظهوره خ ) بالمتجلي له ليشمل الصفات القدسية والاسماء التنزيهية ليكون مقام الحمد مقام الولاية المطلقة الحاملة لجميع الظهورات اليهة ( الالهية خ ) بانواع التوصيفات فان الظهور ليس الا للتوصيف والتوصيف اعم من الوحدانية والعظمة والكبرياء والوحدانية اعم من الواحدية بل تشمل الاحدية وهي هيكل التوحيد المطلق لا من حيث هو هيكل فهو سبحانه في كل مقام من المقامات ظاهر بالحمد فيستحقه واما اذا لاحظت المقامات مترتبة فيلاحظ فيها ظهور الصفة وخفائها فيحكم عليها بما ظهر فيها من تلك الصفة وان خفيت فيها الصفات الاخر واشتملت عليها كما تقول في الامزجة وتحكم بعضها بالصفراوية وبعضها بالدموية وبعضها بالبلغمية وبعضها بالسوداوية مع ان المزاج لا يتحقق الا بالمجموع ولذا تعددت الاوصاف بحسب الظهور في المقامات فكانت الكلمات الاربع سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر جامعة لاركان الاسلام والاسلام هو الدين قال تعالى ان الدين عند الله الاسلام والدين هو الماء الذي كان حاملا للعرش قبل خلق السموات والارض قال تعالى وكان عرشه على الماء فيكون الاسلام اعم من ان يكون تكوينيا او تكليفيا تشريعيا فهذه الكلمات جامعة لمقامات المقامين فالتسبيح في حجاب العظمة والجبروت والتحميد في حجاب القدرة والملكوت اذ الولاية ظهرت في هذا المقام كما قال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم مع ان الالف مقدم على الباء وهو متقوم به كما قرر في محله والتهليل في مقام حجاب الياقوت لظهور القهارية الماحية لكل متكبر ومقام خطاب الملك لله الواحد القهار اذ في مقام حجاب الملكوت ظهر ظاهر الولاية على بعض الانيات المدبرة فقامت تدعو الى نفسها مولية عن ربها افرأيت من اتخذ الهه هويه فقهرهم الله سبحانه واحرقهم بنار الغضب فخلص التوحيد وظهر التحليل فقبل ذلك ما من ( من مقام نسخة ١٤٢ خ ) الا مقام التسبيح والتحميد والتكبير في حجاب الكبرياء حجاب الزمردة الخضراء لمكان الظهور على القشور فاختلفت الصفات في مقام تعدد المقامات على الترتيب مع ان الكل ظاهر في الكل واما مولينا الامام عليه السلام لما كان في مقام بيان الخلق الثاني وان كان هو العالم الجسماني فابتدأ بالحمد لبيان سر ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وبيان ظهور الولاية بالتوحيد الذي هو البيان والمعاني في هذا المقام الذي هو الخلق الثاني وجعل كل عالم تام الصنعة ظاهر الحكمة واليه ناظر كلام مولينا الصادق عليه السلام كمال التدبير وتمام الصنع ولذا نقول ( ان العالم خ ) الجسماني من حيث المجموع ماوجد في الزمان وان كان اجزاؤه وجدت فيه ولا يتحرك الى جهة وان كان من حيث ظهوره وتفصيله يتحرك وضعا على المحور وانما يتحرك حركة صدورية لا الى جهة وحركته على القطب الذي هو وجه المبدأ بكل جهة بل بلا جهة فلو تحرك على المحور لم يكن كرة وانما كانت دائرة فلم يتمحض في الافتقار فافهم لكنه عليه السلام اتى الحمد بالجملة الفعلية سيما المضارعة لبيان ان هذا العالم الظاهر فيه الحمد زماني متغير متجدد متصرم سيال والمدد الذي هو الحمد وان كان متجددا الا ان تجدد الامداد من بحر المداد لا يظهر الا في هذا العالم الطري الاستعداد وهو وان كان طريا مطلقا الا ان ظهوره وتفصيله على كمال الاختلاف الظاهري لم يكن الا في هذا العالم ولذا لم يأت في ذكر العالم الاول في الاختراع الاول بالجملة الفعلية وانما اتى هناك بالاسمية لبيان انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون وبيان انه الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها بخلاف هذا العالم الثاني الجسماني فانه زماني متجدد مختلف والفعل يؤدي هذا المؤدي والمضارع الى التجدد الآتي والسيالية ( الآني والسيالة خ ) الزمانية ولك ان تجعل هذا المقام تفاصيل ما اجمل في الكلمات الاول فيكون هذا الحمد وما بعده تفصيلا وشرحا للحمد الاول ولذا اتى بالحمد في المقام الاول وحده واتى به هنا مفصلا وصفه بما وصف ليتطابق التدوين التكوين ويوافق الظاهر الباطن والصورة الكينونة فاتى ( فان خ ) في عالم الكينونة على جهة الاطلاق ما يوجد الشيء الا مجملا ثم يفصل بمرتبة اخرى فالاحدية بالواحدية والواحدية بالالوهية والالوهية بالرحمانية والرحمانية بالملكية وهكذا والوجود بالعقل والعقل بالروح والروح بالنفس وهكذا والنطفة بالعلقة والعلقة بالمضغة ( والمضغة بالعظام والعظام باكتساء اللحم وهكذا والنقطة بالالف والالف بالباء والباء بالبسملة خ ) والبسملة بالحمد والحمد بالكتاب وهكذا فلو تأملت وامعنت في النظر ( امعنت النظر خ ) لرأيت كلام الحكيم الذي عرف الحيث والكيف واللم واشهده الله خلق نفسه وخلق السموات والارض على هذا الترتيب مطلقا سواء مع العالم او الجاهل الا ان للجاهل يأتي بعبارة واضحة لو فصلتها وزيلتها رأيتها بعينها العبارة التي للعالم فما ترى في خلق الرحمن من تفاوت لكن الرحمن استوى على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى فافهم هذه القاعدة المطردة فعلى هذا يكون كلامه عليه السلام في هذا المقام تفاصيل تلك المجملات وبيان تلك المبهمات ومآل المعنيين اللذين ذكرنا الى واحد فان نقطة الايجاد سرت في القوابل الكونية والعينية كلها على طور واحد وانما اتى بصيغة المتكلم الواحد دون الذي معه غيره مع انه اولي في مقام العظمة لان الاولوية انما تتحقق اذا كان الغير معه في صقع واحد في السلسلة العرضية ولا كذلك في هذا المقام بالنسبة الى هذا المتكلم روحي فداه فان الاغيار كلها عنده عدم بحت ولاشئ محض فهو وحده كيف لا وهو ذات الذوات والذات في الذوات للذات فلا يجتمع الصفات مع الموصوف في صقع ولا الاعراض مع الجواهر ولا الامثال مع الذات واين الثريا من يد المتناول نعم قد يتنزل مع الغير بظهوره في رتبته في مقام انما انا بشر مثلكم ومقام يأكل ما يأكلون منه ويشرب مما يشربون ( يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون خ ) لكن مقام انشاء هذه الخطبة ليس مقام التنزل اذ لا يشارك احد معه في هذه الاحكام فيجب التوحد كالواقع ان قلت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة وسائر الائمة عليهم السلام معه صلوات الله عليه في رتبة واحدة فلو اتى بصيغة المتكلم معه غيره لكان اتم واولى قلت ان الله خلق محمدا صلى الله عليه وآله في جلال القدرة فبقي يطوف حول ذلك الجلال ثمانين الف سنة الى ان وصل الى جلال العظمة فخلق الله سبحانه هناك نور عليّ عليه السلام فبقي نور عليّ عليه السلام يطوف حول جلال القدرة ونور محمد صلى الله عليه وآله يطوف حول جلال العظمة وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحامد فعليّ ( الحمد وعليّ خ ) حاملها فعليّ عليه السلام هو حامل اللواء وهو الظاهر بالولاية وهو الباء الذي ظهرت الموجودات كلها منه وبه بخلاف الالف الذي استضاء منه الباء كالضوء من الضوء ولا يأتي الى الباء امر وحكم الا بالالف الا ان التفاصيل واعطاء كل ذي حق حقه ليس مفصلا في الالف كالباء فالباء هو المتوحد في هذا المقام اي في الظهور وان كان غيره معه في المبدأ ولما كان هذه الخطبة في مقام اظهار الولاية لا بيان حقيقتها يختص حكمها به صلى الله عليه وعلى اولاده واما اولاده المنتجبون سلام الله عليهم اجمعين فهو امير المؤمنين والمؤمنون هم صلى الله عليهم يميرهم العلم لان مقامه الالف والنفس الرحماني في الكلمة ومقامهم الحروف فكل الامدادات الحرفية كلها تأتي من الالف كالالف بالنسبة الى النقطة فلا يصلون ايضا مقامه فهو المتوحد روحي فداه في هذه الخطبة الشريفة وان كان اولاده الطيبون عليهم السلام يشاركونه في هذا الحكم وشبهه الا انه به فيجب التنزل الى مقامهم والمقام يأبى عن ذلك واما فاطمة سلام الله عليها فان الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فهو عليه السلام المتفرد في هذا المقام هذا كلام في مقام الفرق والتفصيل واما في مقام الجمع فهم شيء واحد وحقيقة واحدة على الحقيقة سيما عند ظهور الولاية اذ في ذلك المقام لا فرق بينهم قال عليه السلام كلنا محمد واولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد صلى الله عليه وآله وفي هذه الخطبة الشريفة انا محمد ومحمد انا فقولهم واحد وعملهم واحد وحكمهم واحد ونورهم واحد وامرهم واحد لانفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون قال عليه السلام واشهد ان ارواحكم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض فافهم وانما اكد الفعل بالمصدر لان المصدر هو ( اول خ ) ما اشتق عن ( من خ ) الفعل واول ظاهر ظهر عن الفعل فلا يظهر الفعل الا بالمصدر وهو الاثر الحاصل منه فالمصدر له ثلاثة وجوه الوجه الاول الاعلى الى الفعل من حيث المبدئية لا من حيث انه فعل وفي هذا الوجه مثال للمبدأ وحاك لتجليه له به فيظهر ويستنطق منه الحامد في هذا المثال فالحامد هو مثال الشخص الظاهر في الحمد واذا قلنا ان الحمد الذي لله رب العالمين هو الولاية التي لله الحق فاذا نسبته الى الله سبحانه يكون مبدأ لكل الاسماء والصفات التي هي المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فليس اسم يشذ عنه فيكون مظهر اسم الله المستجمع لكل الاسماء والصفات الكمالية اذ المشتقات كلها مادتها المصادر وصورتها ظهور الذات بتلك المصادر وقد شرحنا وبينا هذه المسئلة في كثير من مباحثاتنا فاسم الفاعل حقيقة مركب من المصدر ومن ظهور الفعل ولذا ترى النحاة قد اجمعوا على ان اسماء الفاعلين كلها مشتقة من الفعل وان اختلفوا في الفعل بين قائل باشتقاقه من المصدر وقائل باشتقاق المصدر منه واما اشتقاق اسم الفاعل من الفعل فمما لا خلاف فيه فيكون الفاعل مشتقا من فعل ولما كان الاشتقاق فرعا وتابعا فيكون المشتق تابعا وفرعا للمشتق منه وليس هذه التابعية الا الصدورية فالصادر الاول من الفعل وهو الحدث قبل التعلق بمتعلق بالنسبة الى الفعل المبدأ هو الفاعل في مثال فعل والقائم في مثال قام وضارب في مثال ضرب وهكذا فالحامد ( فالحامدية خ ) لا توجد ولا تظهر الا في مقام الحمد بل الحامد عين الحمد الذي هو المصدر لكنه من جهة اضمحلاله في نفسه وفنائه في بقاء مبدئه تسمى باسمه وتحلى بحليته كالحديدة المحماة بالنار وبينهما بون بعيد قال عليه السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو وهو هو ونحن نحن وقوله عليه السلام هو فيها نحن لا يريد به الذات البحت سبحانه وتعالى ولا يريد ارتفاعه عن مقامه ووصوله الى مقام اعلى فان ذلك مستحيل عقلا ونقلا بل انما يريد به صرف المصدر مع ملاحظة ظهور المبدأ فيه بنفس ذلك المصدر ولذا اكد الفعل بالمصدر لبيان ان الفعل لا يظهر الا بالمصدر والظهور بالمصدر ليس الا عين ظهور الفعل الذي هو عين المصدر الذي هو عين الفعل للمصدر والفعل قبل المتعلق لم يوجد وبعد ما تعلق اظهر نفسه بذلك المتعلق فليس لمتساويه او اعلى منه سبيل الى ذلك الفعل الا بنفس ذلك المصدر فلا تظهر الحامدية الا بنفس الحمد الذي هو تأكيده كقولك حمدت حمدت فحمدت الذي عند الشخص لا يعرف الا بمثاله وهو حمدت الذي في نفس الحمد كالصورة في المرآة وانما كررت العبارة لتحظى بغامض الاشارة وهنا دقيقة اخرى وهي ان عليّا عليه السلام ذكره في الذاكرين واسمه في الاسماء ونفسه في النفوس واثره في الآثار فاذا قال اني احمد الله فله معنيان احدهما حمده له سبحانه بذاته وبكينونته الذي هو حمده حقيقة وثانيهما حمده له سبحانه بآثاره كما يقولون الحمد هو الثناء باللسان فان هذا هو حمد بالاثر لا بالذات والكينونة فحمده (ع) بذاته لله سبحانه وتعالى هو ظهور المصدر الذي ظهر الحق سبحانه فيه بفعله الكلي بنفس ذلك الفعل بنفس ذلك المصدر فان ذاته الشريفة هي المحبة التي كانت علة لايجاد الموجودات لقوله عز وجل فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فذاته المقدسة هي ذلك العالم وتلك المحبة وهي اول صادر واول ناطق له بالثناء وتلك المحبة الالهية هي التي قامت بها كل الاشياء والاسماء فان الاسماء ماظهرت الا عند تعلق تلك المحبة بالاشياء فالمحبة الكلية هي الثناء الكلي والمدح العلي والحمد الجلي لله سبحانه وهي كلمات الله التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله مع ان هذه الكلمة اعلاها واسناها واشرفها واقدمها واين الجزئي من الاحاطة بالكلي وتلك المحبة هي المصدر الاول فمحبة الله له ومحبته لله انما كانت بذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار وهذا الحمد والثناء والمجد لم يلحقه احد من الخلق الا محمد صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وهذا الحصر حقيقي ليس فيه اضافي لان عليّا عليه السلام قد سبق الخلق كلهم وسبق اولاده الطاهرين بحرف واحد في التوحيد والمعرفة لم يصل اليها احد ابدا الا رسول الله صلى الله عليه وآله فانه قد سبق عليّا عليه السلام بحرف واحد كذلك فتوحيده وحمده وثناؤه بكينونته وذاته قد فاق كل شيء وهو اقصى ما يمكن في عالم الامكان وكذلك حمده لله سبحانه بصفات ذاته كما في عالم عقله الشريف وروحه ونفسه وطبيعته ومادته ومثاله وجسمه صلى الله عليه لان علو الحمد وسمو مرتبته انما يتصور في مقامين احدهما ان يكون الحامد في مقام المنير وكلما عداه في مقام النور وثانيهما خلوص حمده عن كل الشوائب الغيرية وجهات السوي ومرديات الهوى بحيث يكون كمالا صرفا في غاية مرتبة الاستقامة ولا تأتي ( تتأتي نسخة ٢٤٤ خ ) ذلك الا له ولاخيه وزوجته وبنيه صلى الله عليهم اجمعين لانهم المستقيمون في حقائقهم بان جردوها ونزهوها عن كل ذكر سوى محبوبهم وسيدهم فمن شدة الصفا والضياء والخلوص وعدم وجدان الانية صاروا بحيث قولهم قول الله وحكمهم حكم الله ومعرفتهم معرفة الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وجهلهم جهل الله وهكذا كل الاوصاف فصاروا في ذلك المقام مقام الله وآيته ودليله وعلامته الى ان قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك الدعاء وهكذا الحكم في عقولهم ونفوسهم حتى صاروا في ذلك المقام هيكل التوحيد والمثل الاعلى والكلمة العليا الى اجسامهم المطهرة حيث كانت منزهة عن كل نقص ووصمة وعيب من حيث الاعتدال الطبيعي والمزاج الجسمي وصفاء اللبي والنور الكيلوسي والكيموسي لم تدنسهم الكثافات وما خرجوا عن الاستقامة طرفة عين بل ولا اقل ولا اقل من الاقل فهم في كل مقام وكل رتبة حمد الله وآيته ووصفه ودليله فروحهم من روح الله وطبيعتهم موافق كينونة الله سبحانه وتعالى واما حمده العملي والقولي والجناني واللساني والاركاني التي كل منها لسان مستقل في الثناء على الله سبحانه فهو لا يخفى على احد ولا يحتاج الى بيان فصار حمده وثناؤه وتوحيده لله عز وجل امرا لا يلحقه احد الا محمد صلى الله عليه وآله فانه صلى الله عليه وآله اقوى منه عليه السلام بكل المعاني وعدم اللحوق ايضا بكل المعاني فافهم وهذا الذي ذكرنا هو ذكر نوع حمده لله سبحانه وتعالى بذاته على المراتب اعم من ان تكون الذات في مقابلة الصفة او في مقابلة الغير ليعم جميع ما يستند اليه بلا واسطة من الاحوال والمراتب والاعمال والاقوال وغيرها واما حمده عليه السلام باثره وهو حقايق الاشياء كلها من اول الوجود الى آخره اذ كلها خلقوا من فاضل نوره من حيث نور الله ووصفه فصار كل الكمالات والصفات الحسنة الظاهرة في عالم الخلق بالغة ما بلغت وكائنة ما كانت كلها من الاسماء والصفات وسائر الكمالات منه نشأت وعنه برزت واليه عادت حين كونه باب الله للخلق ووجهه اليهم ووجههم اليه فهو يثني ويحمد الله سبحانه بما اظهر في الخلق من اثر حمده ونور تجليه وظهوره فاذا قال عليه السلام احمده يريد به الحمد الاول الذي يحمد الله سبحانه في ذاته واذا اكد بالمصدر الذي هو حمد يريد به الحمد لله الذي ظهر في خلقه فان ما في الخلق ليس هو نفس الفعل وانما هو نفس الحدث الذي هو المصدر الا انه مثال المتجلي له به فصار كلما في الخلق من الكمالات وانواع الثناء مجد وثناء لعلي عليه السلام لله بل نفس الخلق بمادته وصورته ثناء منه على الله جل شأنه الم تر الى السراج فانه نفس ثناء النار على النار وثناء نفسه على النار والاشعة ليست الا ثناء اشعة السراج ( ثناء السراج خ ) على النار على جميع مراتب الاشعة بكل احوالها واوضاعها وستعرف ان شاء الله تعالى حقيقة هذا القول فأتيانه بالمصدر لبيان الحمد الثاني ( الثاني له خ ) فان المصدر تأكيد تابع وهو ظهور من ظهورات الفعل لا عين ذات الفعل والا لم يكن تابعا اذ الشيء لا يتبع نفسه فحمد المصدر يشير الى هذه الدقيقة الشريفة فافهم وانما نسب الحمد الى نفسه في هذا المقام دون المقام الاول فانه عليه السلام اثبت الحمد لله سبحانه من غير الاستناد ( استناد خ ) الى احد لما ذكرنا من ان المقام الاول مقام الاجمال فيطوي في ذلك المقام الوسائط ويجري الكلام على ما هو الاهم في النظر واما في هذا المقام الثاني فهو مقام التفصيل وفي هذا المقام ينظر الى الوسائط لا نظر استقلال بل نظر المعرفة اثباتا للعظمة وتنبيها للقدرة وفي المقام الاول جعل الفعل مصدرا ليكون الفعل عين المصدر والمصدر عين الفعل لا مطلق المصدر بل الذي هو عين الفعل اذا جعلت الفعل حدثا واثرا فله محدث ومؤثر فالحمد الاول هو حقيقة احمد والحمد الثاني صفة تلك الحقيقة وظهورها والمصدر في الثاني صفة الصفة ليتم بسم الله الرحمن الرحيم فافهم والوجه الآخر للاتيان بالمصدر للتأكيد لاثبات الصفة له من حيث هو فان المصادر على ما قلنا لها ثلث حالات الحالة الاولى هو ما ذكرنا من انها اسماء الفاعلين عند ملاحظة تجلي الذات بفعلها فيها والحالة الثانية ملاحظة انها آثار صدرت من حيث انها آثار فهناك تقع عليها الصفات وتجري عليها الاحكام فالمفعول المطلق هو في هذا المقام فالمصدر المفعول المطلق ركن للاسماء ومعان لها كالقيام ركن للقائم ومعنى له والضرب ركن للضارب ومعنى له وكذا غيرهما من اشباههما فالمعنى من حيث هو معنى له حكم غير حكم الاسم وهو ظاهر والحالة الثالثة ملاحظة ارتباط هذا المصدر المفعول المطلق بامر آخر غير جهة الفاعل وهو المفعول به كالمضروب مثلا ولذا ترى النحاة يقولون ان المصدر قد يأتي على معنى اسم الفاعل وقد يأتي على معنى اسم المفعول ففي الحمد اربعة امور الحامد والمحمود والمحمود عليه والمحمود به والحمد المصدر مادة لهذه الاربعة وهو شيء واحد ولا شك ان الشيء الواحد لا يمكن ان يكون له اصقاع متعددة والا لم يكن واحدا وتجاوز الشيء عن مبدئه مستحيل عقلا ونقلا فاذا كان كذلك فالحمد اذا اعتبرت فيه جهة المبدأ الذي هو الفعل يتحقق الحامد فالحامد اسم معناه الحمد وهو مركب منه ومن ظهور المبدأ فيه به واذا اعتبرت فيه جهة التعلق اي تعلق اثر فعل الحامد به اولا فيكون محمودا فان اول ما يتعلق به فعل الفاعل الحامد ليس الا الحمد والحمد المتعلق بغيره ان لوحظ جهة الغير لم يكن للحمد اثر اذ ذكر الشيء في الآخر لا يكون الا اذا كان ذلك الآخر مرآة لا يلتفت اليها اصلا فان المظهر لا يحكي الظاهر الا اذا تمحض في المظهرية ولا يتمحض فيها الا اذا لم تر له جهة غير جهة الظاهر ليستدل به عليه والا لكان محتجبا عنه اما تقرأ قول عليّ بن الحسين عليهما السلام وانت لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك وقول مولينا عليّ عليه السلام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها اذ الشيء الواحد في حال واحد لا يحكي امرين متناقضين ولذا اذا نظرت في زيد من حيث هو هو احتجبت عن معرفة الانسان واذا نظرت اليه من حيث هو انسان اعتبرت الجهة الانسانية فما عرفت انسانية زيد الا بالحصة الانسانية التي فيه فعرفت الشيء به فافهم هذا الكلام المردد بالفهم المسدد فاذا قلت المحمود فان لاحظت فيه جهة غير جهة الحمد فقد احتجبت عن الحمد فلم يكن محمودا وان لاحظته من حيث ظهور الحمد فيه به فليس ذلك الا الحمد فان المحمود هو الذي تقع عليه الصفة ووقوع الصفة ليس عين الموصوف ولا الصفة الذاتية له والا استحال الوقوع والمحمود ليس الا الظاهر بالصفة والمقصود بالحمد وهو ليس ( الا خ ) ما ظهر لك عندك فافهم فانه دقيق فان بيناه بواضح البيان لارتاب المبطلون وانكر المعاندون وكذا القول في المحمود عليه والمحمود به ومجمل القول في هذا واشباهه هو ما ذكرت لك ان الشيء اذا فرض مجردا عن غيره ان ثبت واستقر لا يكون عين ذلك الغير وان انتسب اليه الا ان الانتساب ليس ذاتيا والا امتنع ملاحظة الانفكاك فاذا صح ذلك فنقول هل الحمد مادة للحامد والمحمود عليه وبه ام لا والثاني باطل بحكم العيان الا ان تقول ان اطلاق الحمد على هذه المواد والهيئات على الاشتراك اللفظي ولم يقل به احد فاذا صح المعنوي فالحمد المأخوذ في تلك الهيئات بعد صحة المغايرة وكونه حدثا مصدرا لا يجوز ان يتصل بذات الحامد والمحمود عليه وبه والا لتغير الذات بحدوث اثرها وتنفعل بفعلها وهو باطل بالبديهة فيجب ان يكون الحمد شيئا واحدا اختلف بحسب الانتساب في مكانه وكينونته فهو شيء واحد مختلف الجهات والاعتبارات والحيثيات ومثال ما ذكرنا اشعة الشمس بالنسبة الى الشمس والارض والنار في الحديدة بالنسبة الى النار الاصلية والحديدة والصورة في المرآة بالنسبة الى المرآة والمقابل فافهم التصريح في التلويح ولولا خوفي ان تقول بهذا تنخرم القواعد ولم يقل به علماؤنا فيكون باطلا لشرحت هذه المعاني واريتك ان احاديث اهل البيت عليهم السلام مشحونة بذلك وكلمات اهل النحو والصرف كلها جارية على هذا الا انهم كما قال الشاعر :
قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه
وعلى هذا يظهر لك سر التأكيد بالمصدر الذي هو الحمد
واما وصفه بالسطوع والارتفاع والتشعشع واللمعان فلان الحمد هو اظهار الصفة الكمالية الالهية بالصفة الكمالية لا بغيرها الا ان يكون ذلك الغير كالارض الحاملة لشعاع الشمس او كالزجاجة الحاملة للمرآة ولا شك ان الصفة الكمالية الجمالية والجلالية متكثرة والكل تحت هيمنة الاسم الواحد وهو تحت هيمنة الهوية القاهرة لكل الاسماء والصفات والاضافات والقرانات وتلك الهوية ظهور الاحدية فهي مرتفعة عن كل الكثرات والتعلقات الاسمائية والصفاتية ولا شك ان الكمال كلما كان خالصا عن شوب التعلقات والكثرات كان اعظم واكمل لانه حينئذ يغيب في ظهور الذات فيظهر بالهيمنة والسطوع في كل شيء وكلما كان بالتعلق اقرب كان من جهة الاطلاق ابعد حتى يكاد يخفي عن الظهور فيظهر في المتعلق فان كان الحامد بحمده في مقام تلك الهوية الجامعة والكمال المطلق ويحمد الله سبحانه ويثني عليه في تلك الرتبة اي في رتبة حمد الله لنفسه به يكون ذلك الحمد نوره ساطعا مرتفعا عن كل الشوائب والكثرات التي هي عين النقصان ولواحق الامكان فالوصف البالغ هو الوصف المرتفع عن ذكر كلما عدا الموصوف الكامل فالاسماء التعلقية وان كان ( كانت خ ) مرتفعة ودالة على الكمال الا انه ليس ارتفاعا تاما بحيث لا يدل الا على الواحد الاحد سبحانه وتعالى ولما كان مولينا عليّ امير المؤمنين عليه السلام في حمد ذاته بذاته واقفا في ذلك المقام وهو نور صرف وكمال بحت مرتفع عن الخيال والاوهام خالص عن شوب الكثرات والظلام فيكون حمده عليه السلام حمدا اي ثناءا على كمال مهيمن على كل الكمالات مرتفع عن كل التعلقات او مرتفع على كل حمد على ساير الكمالات اذ مراتب الحمد تختلف فحمد على الكمالات الخاصة كالقادر العالم القاهر الجميل الجليل الغفار الستار وامثالها مما تجد في الادعية والآثار من الصفات الخاصة والاسماء المتعلقة وحمد على الكمال الجامع والاسم المطلق جزئيا اضافيا كان ام كليا كالرحمن والله وهذان الاسمان وان كانا اعظم الاسماء حسب الاحاطة الا انهما ما خلصا عن شوب التعلق الذي فيه ذكر للغير وحمد على الهوية وهي الظهور المطلق المسمى باسم هو وهذا الاسم وان كان اعظم واعظم واعظم خالصا عن شوب التعلق لكنه ليس خالصا عن ذكر التعلق الذي فيه ذكر ذكر الغير وحمد على الظاهر بالظهور الذي هو عين الظهور من غير ملاحظة الظهور ليكون الحمد عين الحامد وهذا الحمد ( هو خ ) اعلى مراتب الحمد واقصى مقاماته لانه بالغ في الثناء على فوق طاقة الامكان فهذا الحمد ساطع اي ظاهر في عين خفائه ومرتفع على كل حمد واعلى عن كل مقام اذ فيه من توصيف الخالق ما لا يطيقه احد من الخلايق هذا اذا كان سطع بمعنى ارتفع وذكر سطع اما للتأكيد او بالتجريد كما في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا فان الاسراء هي السير في الليل وان قلت ان التأسيس خير من التأكيد تتعدى الارتفاع بعن فيفيد المعنى الاول بقوله سطع ويفيد ايضا تنزه هذا الحمد عن كل شوب تعلق وكثرة كما هو مقام الاحدية التي هي فوق مقامات الموحدين وفوق مقامات التوحيد ولك ان تجعل الحمد على الكمال المطلق جزئيا كان ام كليا خاصا كان ام عاما بل تقصد كل الكمالات على انحاءها متعلقها ام غير متعلقها وتخص الحمد بالحضرة العلوية روحي فداه فيكون حمده مطلقا بالنسبة الى حمد من دونه من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والشهداء والصديقين والمؤمنين الممتحنين بل الخلق كلهم اجمعين ما عدا محمد خاتم النبيين وعليهما سلام الله ابد الآبدين ساطعا مرتفعا على المعنيين او تقول ان الحامدين مقاماتهم مختلفة فمن حامد باللسان وحده يقول الحمد لله او الشكر لله بلسانه وقلبه ملتهي بالهوي وجوارحه مشتغلة بالدنيا وسره غافل عن ذكر الله فهذا حمده وبال عليه وقوله نكال عليه نعوذ بالله من ذلك ومن حامد يحمد الله بلسانه ويستشعر بقلبه حين قوله لكنه ينكر ذلك بعمله فان عمل المعصية اظهار ولاية الاعداء والاعراض عن الله سبحانه وهذا الرجل اخس حالا من الاول ويرجى له الخير ان كان من اهل الولاية ولا يعصي متهاونا متكبرا جحودا ومن حامد يحمد الله بلسانه ويستشعر ذلك بقلبه ويعمل على مقتضاه بظاهر عمله في الجوارح الا انه ليس مطمئن القلب بارد الفؤاد له قلب مضطرب وفؤاد مشوش يدور يمينا وشمالا بظاهر اعماله مطيع وبباطنها عاص لاضطراب القلب وتبلبل البال ومن حامد يحمد الله سبحانه بلسانه وقلبه وعمله بظاهره وباطنه الا انه قد يحصل له بعض الخاطر فينقص ذلك في مقام حمده ومن حامد يحمد الله سبحانه بجميع ما ذكر الا انه سره غير مصون ودره غير مكنون ومن حامد يحمد الله سبحانه بلسانه وقلبه واركانه واعماله الظاهرة والباطنة والسرية ويحفظ فؤاده عن ذكر الغير ويكون بحيث لا يسمع الا صوته ولا يرى نور ( نورا خ ) الا نوره ولا يخطر في قلبه الا حبه وذكره فاولئك هم الاولياء والسعداء الفائزون الدرجات العلي وهذا الحمد هو حمد سطع نوره وارتفع على حمد كل الحامدين المذكورين والغير المذكورين او ارتفع وتنزه عن حمدهم لان حمدهم ما كان خالصا لله سبحانه بل كان مشوبا بالظلمات على حسب المقامات
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
واما هؤلاء الحامدين فمراتبهم كثيرة ومقاماتهم عديدة حسب ملاحظة التجليات وسلب الانيات ومشاهدة جمال خالق الارضين والسموات الا ان عليا واخاه وزوجته وبنيه سلام الله عليهم بلغوا مقاما في الحمد لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق ولا يفوقهم فائق ولا يطمع في ادراكه طامع من اول الوجود الى آخره او يكون المعنى في مقام التنزل او في مقام الاضمحلال دعاء وطلب لتلك الرتبة اي يجعل الله سبحانه حمده من ذلك الحمد الساطع نوره والمرتفع عن النقائص وشوائب الامكان وجهات الانية وامثلة ( ذلك خ ) في الادعية كثيرة واما وصف الحمد بالتشعشع واللمعان فاعلم ان شعاع الشمس في اول ظهورها يرى كالقضبان ويقال له التشعشع واما في هذا المقام فان الشخص اذا اراد ان يحمد الله سبحانه بالحمد الكامل المرتفع عن كل شوب السوي الذي هو النور الالهي وشمس ظهور الازلي الابدي ليكون هو نفس الحامد ليتحد مع حمده ويكون حمدا لله عز وجل ينظر اولا في عالم التحديد الى ذلك النور فيظهر له من ذلك بقدر سم الابرة من شعاع ذلك النور وان شئت قلت تلك الشمس وان شئت قلت ذلك الحمد
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فيتشعشع ذلك الشعاع فاذا استدام النظر وقوي البصر يقوى ظهور النور المشرق من صبح الازل فيلمع بحيث يغشى الناظر ويحيط بكله في جميع جهاته الست من فوقه وتحته وقدامه وخلفه حتى لا ينظر الى جهة الا ويرى ذلك النور لامعا في تلك الجهة لا الى جهة فتستوي الجهات وتتحد الاصقاع ويظهر له جلال العظمة فيحمد الله في سره وعلانيته علانيته في سره وسره في علانيته ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره فلا يتوجه الى جهة الا ويرى الله ظاهرا في تلك الجهة فاينما تولوا فثم وجه الله فكان اول ظهوره نورا شعشعانيا لعدم الظهور بالكلية والتمام بل كان في اول مقام خرق حجاب اللانهاية واول صعوده الى عالم الحمد اللانهاية فيحصل الخطوط الشعاعية من مزج العالمين والتقاء البحرين ثم اذا انخرق الحجاب وفتح ذلك الباب التمع النور واشرق بحيث اضاء الفضاء وملأ ما بين الارض والسماء وظهر سر لا اله الا الله فالحمد نقطة من عالم اللانهاية قد نظرت الى عالم النهايات بتعليق الارجاء فظهرت في كل مقام بنسبته واعطت كل ذي حق حقه وهذه الانظار والوجوه كلها التفاتات ورؤس منه قد لحقته بالعرض واما هو من حيث الحقيقة فليس الا تلك النقطة الغير المنقسمة والغير المتحددة وتلك النقطة ظهرت بالالف وهو مقام حقيقة مولانا عليّ عليه السلام فالحمد هو النقطة والالف لواؤه فكان عليّ عليه السلام هو حامل لواء الحمد فحمد عليّ في مقام المسمى نور شعشع وفي مقام انا الذي لا يقع عليّ اسم ولا صفة ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك نور لمع ولما كان صلى الله عليه وآله في مقام التعلق باعطاء كل ذي حق حقه عند انشاء الخطبة الشريفة بين المدينة والكوفة ناسب تقديم التشعشع على اللمعان ولذا اتى بالفاء التعقيبية فصارت الفقرات مترتبة فقوله عليه السلام سطع اي علا وارتفع على الاطلاق وهذا يقتضي ان يكون مرتفعا عن الاوهام والافهام وعن حمد كل حامد في كل مقام فأتى بالفاء ( بفاء خ ) التفريع فعقبه بقوله عليه السلام فارتفع ولما كان هذا الحمد اي النور في بدو ظهوره لاهل عالم النهاية في حجاب رقيق يقتضي التشعشع فذكره بعد الارتفاع من غير الفاء لان ذلك حال ظهور ذلك النور لا متفرع عليه نعم اللمعان متفرع عليه فعقبه به بالفاء هذا الذي ذكرنا هو اعلى مقامات الحمد وهذا المعنى يريد عليه السلام من هذا الكلام واما كيفية ظهور حمده في كل ذرات الوجود وسريان ذلك النور في كل مفقود ومشهود وبيان ان كينونات الاشياء وذوات الموجودات حمده عليه السلام لله عز وجل وثناؤه عليه وان الوجودات الشرعية والتكليفات الالهية الكونية كلها تأسيس لثنائه على الله وكون الحمد في كل ذرات الوجود نور سطع فارتفع وشعشع فلمع فمما يطول بذكره الكلام مع ان ببيان اكثرها تستنطق الطبايع المنكرة والغرائز المنتنة بنتن الجهل والانكار الا ان فيما ذكرنا كفاية لاهل الدراية ويأتي الكلام ان شاء الله تعالى في اثناء الشرح
قوله عليه السلام : حمدا يتصاعد في السماء ارسالا اهل الحقيقة يعرفون من هذه الفقرة تفريعا على الفقرة الاولى ويقصدون من السماء سماء المتجلي الظاهر بالتجلي الذي هو الحمد ومن التصاعد التصاعد في مقام اعلى من مقام ادنى من مقامات التجلي اثباتا لقوله عز وجل في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية فان الواصلين الى مقام الحمد اعلى مقامات الظهور على ما وصفت لك لا يزالون في السير والانتباه كلما ظهر لهم الجبار بالصحو والمحو يظهر لهم مقام اعلى من المقام الاول فيصعدون الى جانب تلك السماء ولا غاية لصعودهم وتجدد ظهور التجلي لهم ولا غاية للسماء ايضا فلا يصلون ودائما يصعدون وفي الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك فهم في هذا المقام في اعلى مقامات جنة الرضوان في صحو دائم ومحو قائم ظهور بعد ظهور ونور بعد نور واشراق بعد اشراق وتجلي بعد تجلي وفي كل صعود يظهر لهم مقام ( في خ ) التوحيد والحمد لم يكن عندهم قبل ذلك بحيث يجدونه الشرك الجلي لا الخفي ولذا كرر الحمد المصدر مرة اخرى ( مرة بعد اخرى خ ) بعد توصيفه اولا بالسطوع والارتفاع والتشعشع واللمعان فان الاول بيان اثبات هذا الحمد وتحققه والثاني تجدد ظهوراته وبروزاته فيما لا نهاية له وهو من السر في الاتيان بالجملة الفعلية واليه يشير قوله (ع) ارسالا اي افواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضها بعض بلا انقطاع اذ الانقطاع انما يتصور عند النظر الى الحدود والانية وكلها قد ارتفعت واضمحلت بل وفنيت وعدمت فهنالك ( فهناك خ ) انتباه لا سنة بعده ولا نوم فضلا عن الموت فهو اذن مقابل لفوارة النور من غير مانع ولا نهاية لفوران تلك الفوارة ولا غاية لمقابلته فحمده يتصاعد في سماء المتجلي بالتجلي ارسالا افواجا يتبع بعضها بعض وهو قوله عز وجل اليه يصعد الكلم الطيب اي قول لا اله الا الله والعمل الصالح يرفعه والعمل الصالح هو الخالص عن شوب السوي ودعوى اني انا الله ولا يكون ذلك الا بوصوله مقام الحمد وتحميد الله سبحانه بلسان المجد فهو سبب لرفع الحمد وتصاعده في السماء ارسالا افواجا ومثال هذه الفقرة بالنسبة الى الفقرة الاولى زيادة السقي للمركب بعد اتمامه اكسيرا ثم سقيه لزيادة الفعل وكلما يزداد سقيا يزداد بهاء وفعلا الى ان يبلغ القيراط في الطرح الى القنطار فلا يقصر الحكيم ان كان له ماء زائد ولم تقصر قابلية المركب ايضا للقبول لصفائه عن الاعراض والغرائب المانعة
وقوله عليه السلام : ويذهب في الجو اعتدالا يريد بالجو هو الجو المفتوق في قوله عليه السلام فتق الاجواء والسموات انما فتقت منه على جميع المعاني المتقدمة على النهج المقرر المذكور فراجع والاعتدال هو الاستقامة واستقامة كل شيء في كل مرتبة بحسبها وهي صفة الحمد بل عين ماهيته وانما اتى بوصف الاستقامة فان حمد الحامدين على انحاء قد ذكرنا بعضا منها من الاقوال والاعمال والاحوال والاطوار والاوطار والمعتقدات والسرائر والضمائر من الشرعيات الوجودية والوجوديات الشرعية وتختلف جهات الاستقامة في كل مقام بنسبته والواقف على مقام الاستقامة على الحقيقة الواقعية هو الحامد حقيقة وهو الذي امر بها في قوله تعالى واستقم كما امرت وقال صلى الله عليه وآله شيبتني هذه الآية فان هذه الاستقامة هي لواء الحمد الذي له سبعون الف شقة ومجمل القول ان الحمد له مقام ما وصل اليه على الحقيقة الاصلية بالاصالة الا محمد واهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم اجمعين وكلما عداهم فماوصلوا الا الى عالم المجاز الا ان يكون قد انقطعت انفسهم فوقفوا وثبتوا في مقام المجاز لمشابهتهم مع الحقيقة لتصحيح العلاقة المجازية وهو قول امير المؤمنين عليه السلام لمن يفهم في وصف الملأ الاعلى صور عارية ( عالية خ ) عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه والسبع الشداد هي ظاهر سبع ( السبع خ ) المثاني والقرآن العظيم وهم اوائل جواهر العلل ومشاهدتك اياهم وصولك الى الورقة الخاصة بك من شجرتهم التي غرسوها في جنان الصاقورة فان وصلت الى مقام تلك الورقة فانت حينئذ مجاز مشابه للحقيقة فانت اذا مثل المثل ويكفيك في هذا المقام ما قال الله سبحانه وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فالحمد يخص بالله سبحانه اي الظاهر بالالوهية وهو رب العزة والسبحان فالحمد الحقيقي هو مقام اياك نعبد وهذا ما وصل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله واما الحمد الحقي فهو الذي قال صلى الله عليه وآله انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وثناء الله على نفسه هو مقام فوق مقام اياك نعبد وهو مقام او ادنى وفوقه مقام الهوية المطلقة لا الظاهرة فهم من فهم
قال عليه الصلوة والسلام : خلق السموات بلا دعائم واقامها بغير قوائم وزينها بالكواكب المضيئات وحبس في الجو سحائب مكفهرات
اقول لما فصل عليه السلام الحمد المعنون في اول الكلام مجملا مطلقا بما فصل ووصفه بما وصف وابان عن مقامه وحقيقته وماهيته ومائيته ومراتبه ودرجاته وصافيه وكدره بما شرح واوضح اراد ان يفصل فتق الاجواء المأتي به بعد الحمد لله او انه عليه السلام لما فرغ من الثناء على الله عز وجل بظهوره وسطوع نوره على ما يقتضي المقام في الخلق الثاني اراد ان يبين تفاصيل مبادي هذا الخلق وربط علله بمعلولاته واسبابه بمسبباته ليظهر بذلك عظمة الله سبحانه المستغرقة لكل شيء المحيطة بكل شيء وان الاكوان والاعيان والازمان وما احاط بها من الممكن والامكان متحركة اليه دائمة الحركة مستديرة السير بحيث لا بقاء لها الا حين صدورها ووجودها هو عين صدورها وصدورها هو عين وجودها فلم يزل صادرة طرية الى ما لا نهاية له فيفنى الخلق عند بقاء الخالق وينفخ في الصور ليوم النشور وينادي مناد لمن الملك اليوم ويجيب المجيب لله الواحد القهار بحيث يسمعه الآن من له اذنان ويعرفه ويراه من له عينان فقال عليه السلام خلق السموات والمراد بخَلَق اعم من اراد وقدر وقضي وامضى فان هذه الكلمات فيها افتراق عند الاجتماع كما اذ ( اذا خ ) قيل خلق او شاء واراد وقدر وقضى وامضى وعند الافتراق اجتماع كما هنا والدليل على ان المراد بخلق اعم بعد العقل بان الشيء لا يمكن كونه الا بهذه الامور الاربعة او الخمسة او السبعة من النقل ما رواه في الكافي عن مولينا الصادق عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم على انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية ( عن خ ) الكاظم (ع) هذه السبعة بتقديم وتأخير في الجملة الا انه فقد اشرك ه وقد قال عز وجل الذي خلقك فسويك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك وبالجملة فالله عز وجل خلق السموات موادها ( بموادها خ ) وبرء كينونتها وقدر هيئاتها وصفاتها واعراضها واعراض اعراضها ومقادير اشعتها ومدة بقائها ودوامها واستمرارها وفعلها ومقدار حركتها ( حركاتها خ ) وتقلب اوضاعها وحدودها من كمها من المقادير النورية والاجسام التعليمية وكيفها من الهيئات والالوان والصفات ( والحالات خ ) والاستدارات والمتممات والجوزهرات والممثلات وخوارج المراكز ووقتها من الازمان والمدد النورية الفلكية الذاتية لا المنتزعة من الحركة فان تلك تعريفات لا اوقات حقيقية وجهتها في الجهات الست من الجهات الست الحاصلة من الحركة على المحور او لا الى جهة اذا كانت الاستدارة على القطب ورتبتها من نسبتها الى مبدأها ومنتهاها ونفسها وظهورها في مقامها واذنها واجلها وكتابها وسائر قراناتها واضافاتها ونسبها واحوالها وافعالها وضبط مقادير حركاتها التسخيرية والتقديرية والممثلية والخارجية والحركات التقويمية والحركات المستقيمة والمقيمة والراجعة وامثالها من الاحوال والاطوار والاوطار مما يجري على فوارة القدر بحكم مستقر وقضي ما قدر والزم ما فصل وركب ما فرق وفصل ما اجمل واظهر ما ذكر وربط المعلولات بالعلل والاسباب بالمسببات واستنطق عجم الاكوان بفصيح البيان وافاض على المسؤل مأموله وبلغ الطالب مطلوبه ثم امضى ما قضى واذن له بالاظهار مشروح العلل مبين الاسباب فاظهر منها آثار التوحيد والعظمة والجلال والجمال والعزة والقدرة والكمال كما قال سبحانه ابانة عن هذا الشرح بقوله الحق ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار فابان عن علة الفاعلية بقوله عز وجل ربنا وعن العلة المادية والصورية بقوله تعالى ما خلقت هذا وعن العلة الغائية بقوله تعالى باطلا وعن الحركتين الساريتين في الحركات السموية اللتين بهما تذوت كل متحرك وساكن وتوصلان الخلائق الى مقاماتها ومراتبها التي خلقت لها واتت منها وتعود اليها كما قال عز وجل كما بدأكم تعودون بقوله الحق فقنا عذاب النار فاشار الى اسباب الوقاية وهي نون الوقاية او هائها التي هي عين نونها من الاحكام التشريعية والوقايات التكوينية بالتضمن وهذا معنى قولنا مشروح العلل مبين الاسباب اذ كل مقامات العارفين ودرجات الموحدين ومراتب المتكلمين وسائر العلماء من الروحانيين والجسمانيين كلها مطوية في مضمون الآية الشريفة قال مولينا سيدالشهداء عليه آلاف التحية والثناء اشارة الى هذا الشرح والبيان بقوله الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها ( كما دخلت اليك منها خ ) مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير فالخلق دليل الخالق والخلائق والمبادي الواسطة والحركات الكونية الصدورية والانصدارية والوجودية والعروضية والتكليفية الشرعية الباطنية والتكليفية الشرعية الكونية الظاهرية وامثالها من الاحوال وسنذكر في خلال الكلام على حسب المقام بعون الله الملك العلام فقوله عليه السلام : خلق السموات يريد به هذه المراتب كلها من لفظ خلق الحاكي لمعناه الحامل له فالخلق متعلق المشية وهو المصدر وهو الكون الصادر عن كاف كن وهو الذي اذا لاحظت المبدأ فيه يستنطق منه الهاء وهو كهيعص والعين والتسوية متعلق الارادة وهي العزيمة على ما يشاء وعندها يتم الخلق الاول الجامع بين الحل الاول والعقد الاول وهو مقام ادعوك كما امرتني وتحقق المسئلة للسائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه من فاضل جوده بيده اليمنى واليسرى وكلتا يديه يمين والهندسة والحدود وتقدير البقاء والفناء والاجل والكتاب متعلق القدر وهنا مبدأ الخلق الثاني وهو الحل الثاني مبدأ السعادة والشقاوة وظهور الاحكام الشخصية التفصيلية والالزام والتركيب ومتعلق ( التركيب متعلق خ ) القضاء وهو تمام العقد الثاني وهذا الذي لا بداء فيه اي في كون الشيء تاما سويا وان كان فيه البداء في محوه وتغييره واستمراره والاظهار مشروح العلل مبين الاسباب ليظهر جميع الآثار الفعلية الالهية مفصلة مشروحة متعلق الامضاء وهو الاذن وان كان شيء من الاحوال المتقدمة لا يخلو ( لا تخلو خ ) من الاذن الا ان هذا آخر تمام الشيء وان كان في كل اطواره واوطاره لا يخلو من الاذن الى ما لا نهاية له وكذلك الكتاب فخلق كف الحكيم وهو الاشارة الى المراتب الخمسة المذكورة وهذا الكف له اربعة عشر عقدا وهو يد الله التي ينفق منهما كيف يشاء في سبعة اطوار اجمالها وتفصيلها فاذا لاحظت المراتب الخمسة في المراتب الاربعة للكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر تستنطق الكاف المستديرة على نفسها فجعلت الكاف في اول حرف ( حروف خ ) تلك الكلمة ولما كانت المراتب الخمسة متعلقة بالتعلق لا لنفس الكلمة ومتعلقها هي القبضات العشر والليالي العشر فلوحظت هذه المراتب مع مراتب المتعلقات حين التعلق فاستنطقت عنهما نون فجعلت في آخر تلك الكلمة التي انزجر لها العمق ( الاكبر خ ) فقيل كن فالاثنان اشارة الى حق وخلق والواو المحذوفة اشارة الى الدواة حتى تصلح وتتمكن من قبول المداد حتى يجري في القلم وهذه الواو هي الواو المنكوسة في آخر الخاتم الاعظم والقيام بين الواوين يدل على الواقف بين الطتنجين فتمت الكلمة التامة من الاشارة بقوله عليه السلام خلق فجاءت تلك الكلمة شرحا لبسم الله الرحمن الرحيم كما ذكرنا في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا فلا نعيد ولما كانت هذه الفقرات تفصيلا وشرحا لما اجمله في الكلمات الاول آثر لفظ خلق بذكر متعلقه وهو السموات تنبيها لجميع مراتب الفعل بجميع انحاءها واطوارها لان خلق اشارة الى الاختراع الاول وهو بعد التعلق بالكون يستلزم الابتداع الاول وكلاهما يستلزمان الاختراع الثاني والابتداع الثاني وهذه الاختراعات كلها ماظهرت الا في السموات على جهة الاطلاق فالاختراع الاول الذي هو المشية هو القطب المدير لتلك السموات في حال استدارتها لا الى جهة والابتداع الاول الذي هو الارادة محور لها ان كانت استدارتها الى جهة معنوية كانت ام صورية ام شبحية ام جسمية فافهم قال الله تعالى الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والاختراع الثاني الذي هو الالف اللينية هو البحر الذي تحصل من ذوبان النقطة التي هي الياقوتة الحمراء لما نظر اليها الله سبحانه بنظر الهيبة والقدرة وحمرتها لكونها على طبيعة الفاعل لكونها الحديدة المحماة بنار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فصار الزيت والنار من تلك الشجرة الالهية والدوحة الاحدية النابتة في الجنة الاحمدية بالسقيات العلوية في الارض الفاطمية صلى الله عليهم فذاق روح القدس منها الباكورة والابتداع الثاني هو ظهور الالف اللينية الظاهرة في الالف المتحركة الظاهرة في الالف المبسوطة الظاهرة في الفلك الكرسي الظاهر بثمانية وعشرين منزلة فتمت عنده الحروف الكونية في الرتبة الاسمائية ولما آن اوان ظهور الحروف الكونية في المراتب المفعولية ظهرت الافلاك السبعة حاملة للاركان الاربعة على حسب مقامها من الظهور والخفاء لنشر العوائد على المستحقين السائلين فالملائكة الاربعة الذين هم جبرائيل وعزرائيل واسرافيل وميكائيل في بعض السموات يتحملون وفي بعضها يؤدون ويلقون على تفصيل ربما ذكرنا فيما بعد بعون الله وتأييده فتمت الحروف الكونية بمراتبها الثمانية والعشرين ثم انعكست الحروف قهقري وسارت معكوسة لاتمام عوالم الجهل الكلي بسمواتها وارضيها على التفصيل المذكور في الاركان الاربعة التي هي العدم والحرمان والموت الاعظم الاكبر نعوذ بالله والاعراض والادبار عن الله سبحانه هذا آخر ادبار الجهل النقطة الادبارية الياقوتة الحمراء من نار السموم ونار الغضب فذابت من اول الثرى حتى تم كمال الذوبان والانتشار في الطمطام فظهرت في اربعة عشر منزلة ظلمانية وتقسمت الى الثمانية والعشرين فتمت الحروف المعكوسة والاسماء السوءي الخبيثة في مقابلة الاسماء الحسنى فكانت مظاهر يد الشمال كما ان الاسماء الحسنى مظاهر اليد اليمنى فتمت جميع مراتب الافعال على حسب المتعلقات والا فالفعل من حيث هو ليست له مراتب هذا كلام على سبيل الاجمال واما تفصيل الاسماء من حيث كليتها وجزئيتها على جهة التلويح لاهل الاشارة فاشار الى الاسم الاكبر الاعظم الذي هو الله لكونه بمنزلة الذات بالاضافة الى سائر الاسماء على ما تقدم بقوله عليه السلام خلق فان المتعلق بالخلق من حيث الكينونة لا من حيث هو خلق ليجمع صفات القدس والاضافة والخلق هو الاسم الله كما قال عز وجل قل الله خالق كل شيء فجعل متعلق الخلق هو الله لكن كما ذكرنا بدليل قوله عز وجل قل هو الله احد حيث كانت الاحدية تحت الالوهية لان الالوهية هي الجامعة كما ان الاحدية هي الفارقة فكانت مقاما من مقامات الالوهية كما ان الالوهية مقام من مقامات الهوية وانما قلنا ان الاحدية مقام من مقامات الالوهية لانها ماظهرت الا فيها فتجلى لها بها فافهم فاجتمع عند هذا الاسم المبارك كل الاسماء الحسنى ثم اراد تفصيل كليات الاسماء والاصول المنشعبة عنها الصفات العليا ليكون تفصيلا بعد تفصيل وشرحا بعد شرح اذ فيه تفصيل كل شيء ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وكل شيء احصيناه في امام مبين وفيه تفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يعقلون فاشار بالتعلق الخاص اي تعلق الخلق بالسموات على الصفة المخصوصة على ما قال عليه السلام خلق السموات بلا دعائم الى الاسم الذي رفعت ( رفع خ ) به السموات بلا عمد وسطحت به الارض على فوق ماء جمد وذلك الاسم هو البديع لقوله عز وجل بديع السموات والارض اني يكون له ولد ولما كان السموات خلقت ونشأت في ستة ايام كما سنذكر ان شاء الله تعالى وقد تحقق عندنا ان الايام جزء لماهية الشيء سواء جعلت اوقات او مراتب ودرجات ولا شك ان الدرجات اذا تفاوتت بالقرب والبعد كان الطف الدرجات واقربها الى المبدأ اول ما تعلق به الفعل الظاهر في الاسم على نهج المتعلق بفتح الفاء الذي هو المظهر الذي هو المفعول المطلق الاضافي ولا شك ان اقرب المقامات والطف الدرجات في السموات هو عالم العقول ثم عالم النفوس وهكذا الى عالم الاجسام ثم العرش الذي هو اول السموات ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم فلك الشمس ثم فلك زحل والقمر ثم فلك المشتري وعطارد ثم فلك المريخ والزهرة فظهرت الاسماء الكلية خمسةعشر منها وهي البديع والباعث والباطن والآخر والظاهر والحكيم والمحيط والشكور وغني الدهر والمقتدر والرب والعليم والقاهر والنور والمصور والمحصي والمبين ثم يذكر عليه السلام باقي المراتب ويشير الى اسم تلك المرتبة الذي هو ربها قال تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ثم اعلم ان الاسماء وان كانت هي الامثال والمقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي مشتقة من الافعال المتحققة بها المصادر الحاملة لظهورات الافعال التي هي عين تلك المشتقات الا انها قد اقيمت مقام الحق جل شأنه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار فليست فيها الا وجه الحق وجهته بحيث لا يلتفت الناظر اليها الا اليه سبحانه اما من حيث هو او من حيث ظهوره بظهوره لا بذاته في الاسماء الخاصة او ( وخ ) العامة من حيث التعلق او لا من حيث هو كذلك ولذا ترى العوام ما يعرفون من هذه الاسماء الا الواحد الحق جل وعلا ولا يعرفون الذي نذكر وذكرنا من انها هي الظهور الاسمي والتجلي الخلقي ولذا قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه وروحي له الفداء لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فمن هذه الجهة ان للاسماء المتعلقة قبل التعلق وحين التعلق لها مقامات منها مقام الظهور الصرف وهو مقام لا فرق بينك وبينها وهنا ترد الاسماء كلها الى الواحد لا من حيث الواحدية بل ولا من حيث الاحدية المقابلة للواحدية ومجمل القول فيه هو ما اجمله المعصوم عليه السلام بالاجمال الوافي التفصيلي لا فرق بينك وبينها وهذا يشمل ويوضح كل احكام هذه المرتبة دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها وكليها وجزئيها ويوضح ايضا تعبيري بالاحكام الدقيقة والجليلة بحسب الاطوار ويبين ان لا طور هناك وهذا اعظم مقامات الاسماء وهذا هو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى فالداعي بهذا الاسم هو عين هذا الاسم وليس هذا بلفظ اذ ليس مرادنا من الاسماء هي الاسماء اللفظية ( بل الاسماء الحقيقية خ ) اذ اللفظ ما عسى ان يبلغ ومنها مقام الظهور الاسمي وهذا هو الحضرة الواحدية وينبوع الاسماء والصفات ومنتهى جميع التعلقات اليه تنتهي علوم العلماء ورسوم الحكماء وافهام العقلاء وتكثر الاسماء هذا آخر مواقع الاشارة واقصى معاني العبارة وآخر درجة الكلام ومرادي بالعلم والحكمة والفهم والادراك هو الذي في علم التوحيد في معرفة احوال المبدأ جل شأنه والا فالعلوم الحقيقية كلها دون هذه المرتبة ومنها مقام التعلق اي التوجه الى التعلق قبله فلا تعدد ايضا في هذا المقام الا التعدد الرقائقي يكاد ان يظهر في عالم التعلق بالمفعولات الذي هو مقام بعدها عن اصلها ومنها مقام التعلق الفعلي الوجودي الكوني وهنا مقام ظهور الكثرات واراءة الآيات وخلق السموات فاول ما ظهر من الاسماء في عالم البيان قال الله سبحانه خلق الانسان علمه البيان هو الاسم الله فظهر به اي خلق ووجد العرش الاعظم الاعلى وثاني ما ظهر فيها ( منها خ ) هو الاسم الرحمن فاستوى به ( على خ ) العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وثالث اسم ظهر هو الاسم البديع خلق بها قلب السموات ثم الباعث خلقت بها نفس السموات وروحها ثم الباطن خلقت بها طبيعة السموات ثم الآخر خلقت بها مادة السموات ثم الظاهر خلقت بها صورة السموات وشكلها ومثالها ثم الحكيم خلقت بها جسم السموات ثم المحيط خلق به قلب السموات وهذا ظاهر القلب الاول ثم الشكور خلق به صدر السموات ثم الغني خلق به نور السموات وظهورها بالتأثيرات ثم المقتدر خلق به القوي التقديرية للسموات تقدر بها فيض الله النازل اليها ثم تؤديها الى قوابل السفليات ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ثم الرب خلق به عقل السموات ثم العليم خلق به علم السموات ثم القاهر خلق به هم ( وهم نسخة ١٤٢ خ ) السموات ثم النور خلق به وجود السموات ثم المصور خلق به خيال السموات ثم المحصي خلق به فكر السموات ثم المبين خلقت ( خلق خ ) به حيوة السموات ثم باستدارة هذه الافلاك المعنوية بعضها مع بعض ظهرت الاسماء الاخر كلها فهذه الاسماء هي المبادي والاصول والاسماء الاخر متولدة منها ومتشعبة عنها فكل ( فبكل نسخة ٢٤٤ خ ) اسم ظهر سر من اسرار المعبود بظهور كون من اكوان الوجود فلا نهاية لهذه الاكوان اذ لا غاية لهذه الاستدارة فلا حد ولا انتهاء لظهور الاسرار من الملك الجبار وهو قوله تعالى في حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما بظهور ذلك السر في حقيقة كون ذاته وحروف نفسه عند حلول رمسه عند تساوي غده وامسه وضعت لهم حلما باظهار نور العظمة والجبروت ونسخ القاء الشيطان في امنية الرحمن يقهر ( بقهر خ ) الملك والملكوت ليس لمحبتي غاية ولا نهاية لانه سبحانه يحب الافاضة والامداد على قوابل العباد لسر ( بسر خ ) الاستمداد بلسان الاستعداد فمن توكل عليه حسبه وكفاه ومن انقطع اليه قربه وادناه ومن اراد الاستمداد على مقتضي نفسه وهواه فقد امده بما يهواه ولذا ترى الصوفيين بلغوا صدر الحديث رفعت لهم علما لكنهم تكبروا واستقلوا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى فادعوا اني انا الله فماوضع الله لهم حلما لان الله سبحانه عند ( ظن خ ) كل امرء فمن طلبه وجده فلما لم يضع لهم حلما انقلب علمهم جهلا فافهم فشمل قوله عليه السلام خلق السموات علل كل الذرات ومبادي جميع الكائنات والاسماء المنتهية اليها جميع التعلقات والاسماء التي هي روابط العباد الى استحقاقهم لاستمداد الفيض من الله سبحانه ووجههم اليه في تلقيهم المدد الكوني والمدد الشرعي والمدد الذاتي والمدد الصفتي والمدد النسبي والمدد الاضافي والمدد الجمعي والمدد الفرقي والمدد الاجمالي والمدد التفصيلي والمدد العروضي والمدد الظهوري والمدد التحققي والعضدي والركني والمدد الصدوري الفعلي والمدد الافتقاري والمدد الاستغنائي والمدد الفعلي والمدد الانفعالي والمدد الشرطي والمدد اللزومي وسائر جهات الامداد على نهج الاستمداد بالاستعداد عن الله سبحانه فكل ( فلكل خ ) شخص اي فرد من افراد الوجود اسم خاص به يكون ذلك الشيء ثمرة ذلك الاسم ومفتاحا لذلك الطلسم وبابا لايجاده ومتمما لانوجاده يدعو الله بذلك الاسم وهذا الاسم الخاص بالشخص من حيث هو ( هو هو خ ) كلي وله وجوه ورؤس كل رأس ووجه اسم خاص بذلك الشيء من حيث ذلك الشأن وذلك الطور وذلك اللحاظ ولطوره طور آخر وعلى ذلك اسم يخص به وهكذا الى ما لا نهاية له فالذوات من شؤنات ذلك الشيء الواحد تستفيد التذوت من ذلك الاسم والصفات من صفته والتوصيفات وهي النسب والاضافات والقرانات وانحاء الالزامات من هيئات ذلك الاسم الشريف فالاسم الاعظم هو ذلك الاسم الشريف وما سويه كله رؤس ووجوه له عند المواظبة يظهر له وجه من ذلك الباب الكلي الالهي فمن قرع الباب فتح له على مقدار ما يقرع والمقام الذي هو واقف عليه فالكلي في الكلي والجزئي في الجزئي والعرضي في العرضي والذاتي في الذاتي والكثيف في الكثيف واللطيف في اللطيف والوضيع في الوضيع والشريف في الشريف وهنا مقامات كثيرة تجمع الكل قوله تعالى فلله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه وقال الامام عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وهو قوله عز وجل وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولو اردنا ان نذكر تفاصيل ما اراد الامام عليه السلام من بيان الاسماء في قوله عليه السلام خلق السموات بلا دعائم لادي الى تطويل كثير وان كان ذلك انفع ما يكون لكنه ما يسعني ( الوقت خ ) ولا يساعدني الاقبال والله الموفق الا ان فيما ذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وعرف نوع الاستنباط ثم لما اشار عليه السلام الى تفاصيل العلل الفاعلية اراد ان يذكر تفاصيل المفاعيل والمعلولات واراد ان يبين ان المفعول به هو عين المفعول المطلق باعتبار فقال عليه السلام خلق السموات فخلق هو الفعل اي المشية والضمير المستتر هو باطنه الظاهر بالاثر الذي هو حكاية وصف عدم استقلاله وافتقاره الى غيره وفنائه في بقائه بوصفه لاثره فالوصف الذي هو الاثر في رتبة ذاته يصف وصف الفعل له الذي ليس بمستقل والفاعل الضمير هو تلك الحكاية وذلك المثال ترجمة من الفعل الى المفعول فالضمير يعود الى مثال نفس الفعل الذي هو جهة عليته كما قال عليه السلام خلق المشية والفعل جسد لذلك ومرادي بالفعل هو الظاهر بالمفعول لا الفعل المطلق فلما كان ذلك الضمير مثال المستقل في الغير المستقل وحكاية كينونته له تحلى بحليته وتلبس بلباسه فارتفع بالفاعلية لسر قوله تعالى يا ابن آدم اطعني اجعلك مثلي والاشارة الى هذا الضمير من قول امير المؤمنين عليه السلام استخلصه في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار واما السموات فاختلف كلمات اهل النحو في ذلك فمن قائل بانها المفعول به واورد عليهم بان المفعول به هو الذي وقع عليه فعل الفاعل وهذا يستلزم ان يكون شيئا يقع عليه فعل الفاعل مع ان السموات ما كان ( ما كانت خ ) شيئا حتى يتصور الوقوع عليه ومن قائل بانها المفعول المطلق لكنها بدل اي بدل البعض عن الكل فتقدير الكلام خلق خلقا منه السموات فحذف المفعول المطلق واقيم بدله مقامه واعرب باعرابه واورد عليهم اولا بان بدل البعض عن الكل انما يتحقق اذا كان البدل والمبدل منه في صقع واحد ورتبة واحدة ولا شك ان الخلق مصدر حدث اسم معنى والسموات ذات اسم عين فلا يكون احدهما بعضا للآخر وثانيا ان خلق لا شك انه الفعل المتعدي والفرق بينه وبين اللازم هو نصب المفعول به خاصة لا سائر المفاعيل كالمفعول المطلق والمفعول له وامثالهما فعلى هذا التقدير يلزم ان لا يكون لخلق الذي هو الفعل المتعدي مفعولا به فبطل الفارق او بطل كونه مفعولا مطلقا والاول مستحيل لاجماعهم عليه فثبت الثاني اقول اما قولهم بانه يجب ان يكون شيء يقع عليه فعل الفاعل متقدم على الفعل باطل اما اولا فلان في مثال ضرب زيد عمرا لا شك ان عمرا من حيث الحقيقة والماهية والذات ليس مفعولا ووصفك عند قولك رأيت عمرا المفعول ليس وصفا ذاتيا له والا لماتخلف لان الوصف الذاتي دائم بدوام موصوفه الذي هو الذات ومقتضى ذلك ان لا يوصف بضده ما دام وجود الذات لامتناع توارد الضدين والنقيضين على شيء واحد من حيث هو والواقع بخلافه فان عمرا يوصف بالفاعلية وزيدا يوصف بالمفعولية وانك اذا اردت ان تتصور عمرا او زيدا تصورهما لذاتهما من غير عروض فاعلية ولا مفعولية بخلاف الانسان فانك ماتقدر ان تدركه الا بالامرين الحيوان والناطق لمكان ذاتيتهما لان الاعراض تحترق عند ظهور الذات فما بقي مع الذات وما احترقت عند تجليها فاعلم ان ذلك من سنخها اما عينها او جزءها وهذا ظاهر معلوم ان شاء الله فاذا بطل كون المفعولية صفة ذاتية لعمرو فليس المفعول هو حقيقة عمرا فاذا كان كذلك فتسميتك بانه مفعول لا تكون الا عند ذلك الفعل كالمضروب عند الضرب والمكتوب عند الكتابة وهكذا فهذه الصفة التي حصلت حين الفعل لا يجوز ان يكون موصوفها الذات فلو كان موصوفها الذات وهذه الصفة انما لحقت الذات وجب ان لا توصف بضدها الا ان تعدم مع انها توصف بضدها ولم تعدم تقول عمرو فاعل ومفعول وهذا بديهي لمن فتح الله عين بصيرته فاذا كان كذلك فمن المفعول ان قلت هو الذات لم يصح لما ذكرنا وان قلت هو ظهور الذات اذ لا ثالث قلت هل هو الظهور المطلق ام الظهور المخصوص فان قلت بالاول لم يصح بعين ما ذكرنا اذ الظهور قد يخصص بغيره وان قلت بالثاني قلت ما المراد بالظهور المخصوص اليس قبول ذلك الضرب اذ ليس امر آخر فان قلت بلى قلت من قابل هذا القبول ان قلت هو الذات عدنا الى الكلام من صحة السلب في حقيقة الذات ان قلت بظهور الذات بالقبول قلت هل كان لهذا الظهور قبل الضرب ذكر وكون في مرتبة من المراتب وعين من الاعيان ام لا ان قلت بالاول فقد اتيت بما تشهد الضرورة على بطلانه وان قلت بالثاني فقد اقررت ان ( بان خ ) المفعول ماتحقق الا حين وجود الفعل فاذن بطل قولهم ان المفعول يجب ان يكون مقدما على الفعل كيف ذلك وان الفعل مأخوذ في حقيقة المفعول مع ان المعروف ان المبدأ مقدم على المشتق لا العكس ولا شك ان المفعول مشتق من الفعل ولا يتحقق الا بعد تحقق الفعل ذاتا ومعه زمانا وان الفعل عامل في المفعول والعامل لا يتأخر عن معموله لا يقال ان هذه امور لفظية لا تجري على الحقيقة لانا نقول الالفاظ قوالب المعاني وحكم الالفاظ على مقتضي حكم المعاني وقد قال امير المؤمنين عليه السلام ان المعنى في اللفظ كالروح في الجسد ولو ان لك بصر حديد وتأملت في كيفية صدور الافعال لرأيت عيانا ان المفعول غير الذات وان المضروب غير المنصور وهو غير المرجو وهو غير المطلوب وهو غير المردود وهو غير الموعود وان كان الجميع ظهورات لشيء واحد الا ان كل ظهور في مقام لا يشتبه مع الآخر وكل ذلك امثال الشخص واشباحه ومعاني جهاته ومثل حيثياته وصور اعماله وكلها منفصلة عنه كل في مكانه وزمانه وحدوده الا ترى انك اذا رأيت زيدا مضروبا في عصر يوم الجمعة في المكان الفلاني فكلما تلتفت الى مضروبية زيد ماتراها الا في ذلك المقام وذلك الوقت على ذلك الشبح بل هو عين الشبح فذلك الشبح هو المفعول في مقام المفعول وهو الفاعل في مقام الفاعل فانك ما يمكنك ترى مضروبية زيد مثلا الا بذلك الشبح في ذلك المكان وما يمكن ان تراها في غيرهما فدل على ان المفعول ليس الا ذلك الشبح وهو ظهور من ظهورات زيد قائم به قيام صدور وبظهوره قيام تحقق وبذلك المكان والزمان والهواء والارض قيام عروض وقيام ظهور الا ان الذات لما كانت غيبت الصفات لا يلتفت الناظر الى الصفات والمثال فيزعمون ان تلك الاوصاف للذات والذات متعالية عن كل هذه الصفات فعلى هذا فالمفعول به مساوق للفعل في الوجود والظهور فالفعل الظاهر بالمصدر هو المفعول المطلق وملاحظة المصدر مع حدوده ومشخصاته من زمانه ومكانه وكمه وكيفه وجهته ورتبته ووضعه واضافته وقرانه ووصله مع غيره وفصله وجمعه وفرقه وسائر حدوده فالشخص جزء العلة الصورية وركن القابلية لا بذاته بل بظهوره وذلك الظهور ايضا ماتحقق الا بصدور الفعل وقد اقمنا براهين على ان القابلية متأخرة عن وجود المقبول ومتفرعة عليه فان جردت المصدر عن الحدود والغيور فهو المفعول المطلق وان لاحظته مع الحدود والمشخصات فهو المفعول به مع ان المعروف عندهم ان المشتقات مأخوذة من المصادر لا من الافعال فتكون مادة اسم الفاعل واسم المفعول واحدة ولا شك ان الشيء لا يتقوم الا بالمادة والصورة ولا شك ان الاصل والحقيقة هي المادة والصورة عرض وحد تابع والمضروب ليس الا الضرب مع الخصوصية والصورة الخاصة فكيف يعقل ان يكون متقدما على مادته واصله وهل هذا الا القول بان الشيء موجود قبل وجود نفسه ويتقدم الشيء على نفسه وهو باطل قطعا فاذا لا يكون المفعول به مقدما على الفعل وانما هو مساوق له فان قلت ان الاشتقاق بحث ( بحسب خ ) الالفاظ وكون المصدر مادة لاسمي الفاعل والمفعول بحسب اللفظ لا يدل على انه كذلك بحسب المعنى قلت قد قررنا في مباحثاتنا ورسائلنا ان الالفاظ والمعاني بينهما مناسبة ذاتية فلا يتصرف في المعنى الا ما كان في اللفظ وكذا العكس ولو قلنا بعدم المناسبة كما هو المشهور عندهم نقول قد بينا فيما كتبنا في الاصول ان الالفاظ لا حكم لها ولا شيء يترتب عليها ابدا لانها مقصود بالعرض وما كان كذلك فهو يتبع المقصود بالذات فحكم الالفاظ من التقديم والتأخير والزيادة والنقصان والاعراب والبناء والعمل وعدمه والاستقلال وعدمه كلها تابعة للمعاني والا فلا تفاوت بين هذه الحروف ولا اختصاص ببعضها دون بعض في التأثير والعمل عن غيره وليس ذلك الا من جهة المعاني والتأثيرات المعنوية وليس هذا المقام موضع استقصاء هذا المرام وبالجملة فلا ينبغي التشكيك في ان المفعول به ليس مقدما على الفعل بل لو لم ندع تقدم الفعل كما هو الواقع فلا اقل من المساوقة فبطل الايراد الوارد على الاولين حيث حملوا السموات في الاعراب على انه مفعول به واما ايرادهم على الآخرين باستحالة بدل البعض لعدم السنخية فغلط لان السموات اعظم في الحدثية وعدم الاستقلال من الخلق الذي يزعمون انه الحدث المصدر ( المصدر الحدث خ ) ولا شك ان السموات مخلوق والخلق مادة لها والمادة اشد واعظم في التأصل من الصورة فالخلق مادة واحدة منها سماء ومنها ارض ومنها بحر ومنها بر وهكذا بل هذا كمال السنخية بل العينية في السموات والارض في كل عالم بحسبه فكيف يتصور القول بان السموات ذات والخلق حدث ومعنى بل الامر بالعكس فان الخلق ذات وان كان حدثا ولا يمتنع ان يكون الشيء الواحد ذاتا باعتبار وعرضا باعتبار آخر وحدثا باعتبار آخر ولا تنافي بين هذه الاشياء في الوجود بوجه واما ايرادهم الآخر بان المتعدي ما يتعدي الى المفعول به فساقط لان المفعول به حاصل في هذا المقام الا ان لك لحاظان لحاظ نفس الحدث وهو الخلق ولحاظ ربط الحدث ففي الصورة الاولى يكون الفعل مفعولا مطلقا وفي الصورة الثانية يكون مفعولا به وهو شيء واحد فيصح ان يكون بدلا فهناك متمحض في الاثرية وهو اعلى مقاماته ويصح ان يكون مفعولا به لملاحظة الرابطة فان قلت لو جعلت مطلق الرابطة دليل المفعول به فلا يتحقق اذن المفعول المطلق النوعي والعددي لصحة الارتباط قلت المراد بالارتباط هو ان يصير المرتبطان بالارتباط شيئا واحدا تغفل عن احدهما حين تلاحظهما كالمركبات مثل ضرب زيد عمرا فان عمرا تلحظ من حيث وقوع الضرب عليه لا من حيث الضرب بل ليس في عمرو الذي ( هو خ ) ظهور للذات ذكر من الضرب الا بالتحليل العقلي والدليل الوجداني ولا كذلك في المفعول المطلق النوعي والعددي فان النوع والعدد صفتان تعرض الحقيقة والصفة لا تعارض الموصوف فالملحوظ بالذات فيهما هو المصدر والحدث لا المجموع المركب بخلاف المفعول به اذا الملحوظ فيه ذلك فافهم ثم اعلم ان الفعل لا يظهر بل لا يوجد الا بالمفعول فاذن فما معنى قولهم ان الفعل اللازم لا يتعدى الى المفعول والجواب ان الفعل لا يتقوم في الظهور الا بالاثر وهو المصدر فمن جهة تلازم المصدر مع الفعل وعدم انفكاكه عنه قالوا ان الفعل مشتق من المصدر فجرى فيهم ما قال مولينا الصادق عليه السلام بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئته ( هيئه خ ) فشبهوك وجعلوا بعض آياتك اربابا ( يا خ ) الهي فمن ثم لم يعرفوك يا سيدي فالمصدر اثر للفعل ومحل لظهوره واول صادر عنه ومتقوم به قيام صدور لوقوعه تأكيدا للفعل والمؤكد فرع للمؤكد ووقوعه معمولا للفعل وعمله بشرائطه لمناسبته بالفعل ولا يجوز في الحكمة ان يكون المتبوع بالذات تابعا في الصفات الا ان تختلف الاقتضاءات وهو عند الله مستحيل فصح ان المصدر اول ظاهر من الفعل فهو في الحقيقة مفعول لكن له ثلث جهات ونظرات : جهة ونظر الى المبدأ والعلة والذات وهذا النظر لا يكون الا بنظر العلة له به فذلك هو الفاعل في الفعل والقائم في القيام والضارب في الضرب وامثال ذلك وهو بهذا النظر مرفوع لما ذكرنا فلانعيد ولذا يقولون ان العامل في الفاعل هو الفعل يعمل فيه الرفع ولا شك ان العامل اقوى من المعمول فيه وكذا يقولون ان الاسم الفاعل والاسم المفعول مشتقان من الفعل كالضارب من ضرب بغير واسطة او بواسطة يضرب ومآل الحكمين واحد ولا شك ان المشتق منه اقوى من المشتق واقدم لكن المفعول لما نظر الى جهة الحق سبحانه ومحي الموهوم وهتك الستر وغلب عليه السر تمحض في الاثرية فتمحض في المظهرية الى ان صار ظهور الظاهر عين الوصف الحاكي للمبدأ بالوصف الحالي فاندكت انية المفعولية وما بقى الا النظر الواحد الى الواحد فحكي مثال الذات وظهرت فيه الفاعلية ولذا ترى الفاعل مستتر في الفعل والفعل هو الفعل الظاهر في المفعول اما بنفسه في نفسه او بظهوره في غيره فكان ذلك النظر الذي هو المثال فاعلا فارتفع في الصفة والاعراب طبقا للظاهر على الباطن ولذا ترى زيدا الواحد يرتفع في قام زيد بالفاعلية وهو ينتصب في رأيت زيدا بالمفعولية وينجر في غلام زيد بالاضافة فظهرت المقامات لمن فهم الاشارات والرفع هو اعلى الصفات واشرف الاعراب وهو صفة القيومية مقام الحديدة المحماة بالنار فظهر لك ان فاعل فعل ( الفعل خ ) اللازم هو الجهة الاعلى ( العليا خ ) من مفعوله ولما قصر نظره الى تلك الجهة بقى واقفا في مقامه وشاهدا جمال مبدأه وجلاله فلا يرتبط بالغير الا بالقسر لا الواقعي بل المتعارف والدليل على مفعوليته معموليته كما ذكرنا واما عمل فعل اللازم في المفعول المطلق والحال والتميز والمفعول له والمفعول معه وغيرها فمن جهة بقاء ذلك الارتباط بخلاف المفعول به كما ذكرنا حرفا بحرف في المفعول المطلق النوعي والعددي والنظر الثاني نظره الى نفس الصدور من حيث انه صادر فهناك امور ثلثة صادر وصدور ومصدر وهذا وان كان متمحضا في الاثرية لكنه ليس متمحضا في المظهرية حيث ذكر عنده المبدأ ووجده حيث شعر به فلم يبلغ مقام هو نحن ونحن هو بل في مقام هو هو ونحن نحن فصار مفعولا مطلقا لعدم انفكاكه عن فاعله وعدم تحقق مقام له لا يكون مبدأه ظاهرا فيه وكونه مقام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك فنزل في الاعراب كما في المقام فكان اعرابه نصبا لانه في المقام تحت مقام الرفع وفوق مقام الجر والنظر الثالث نظره الى نفسه الصادر من حيث حدوده المشخصة كالزمان والمكان والجهة والرتبة والوضع والاضافة والكم والكيف وامثالها فهناك امور اربعة الصادر والمصدر والصدور والقابلية فتؤالف الحدث وقامت زوايا مربع وتمت بالتأليف فخفي المبدأ من هذا التأليف فليس متمحضا في الاثرية المقصودة بالاصالة بل فيه ذكر للغير وان كان بالتبعية وهو قوله عز وجل روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وقال ايضا خطابا له عليه السلام بروحي نطقت وبضعف كينونتك تكلفت ما ليس لك به علم ولكن لما كان ذلك الغير ليس مقصودا بالاصالة وانما هو مقصود بالتبع ما ارتفع ذكر المبدأ بالكلية بل بقي لكنه اقل من المفعول المطلق ولذا ترى ما ارتفع المفعول به وانما انتصب مع ان مقامه ان لا يكون ذلك اذ الجر علامة الشر ودليل خفاء الظهور وفي المفعول به علامة المبدأ وظهوره وان ( فان خ ) كان قليلا مقام المستدلين على المؤثر بالاثر والواقفين مقام الدليل الاني فلم يناسب الخفض والجر والكسر فناسب النصب والفتح وان كان اقل مقاما من المفعول المطلق لانه المفعول المطلق المتعين بالتعين الارتباطي فالمفعول المطلق والمفعول به واحد والفرق ملاحظة الارتباط وعدمه فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم فاني اظهرت ما جهله الاكثرون وكتمه العالمون واشار اليه العارفون ولوحوا اليه في ظاهر اقوالهم الحكماء الالهيون
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
واهل الاشارة يفهمون من قوله عليه السلام بلا دعائم تحقيق حقيقة القول في المفعول به ورد القول بان المفعول به يتقدم على الفعل وسبب اشتباه القائلين بالتقدم لان الخلق هو احداث المادة وهي لا تحدث الا لا من شيء اذ لو فرضته من شيء لم يكن مادة صرفة اولية وانما هي الهيولي الثاني المركبة مع المادة الاولى والصورة الاولى فما تمحضت في المادية فالمادة من حيث هي غير مشوبة بصورة من حيث هي فتكون هذا الخلق الناشئ الصادر من خلق مادة كما هو المفروض فيكون مادة للسموات وليست السموات الا الخلق الذي هو النور والمادة وامر الله مع حدود العلو والطبقات والهيئات والحركات والاستدارات فاذا ازلت عنها هذا الحدود لم تبق الا المادة الواحدة ان شئت سميتها ماءا او هواءا او دخانا او غير ذلك فقبل هذا التحديد كان رتقا لم تكن سموات ولا ارضون فبعد الفتق بالتحديد قيل سماء وارض ولا شك ان الحدود انما هي متأخرة عن المادة وهيئة وعرض لها والمفعول به الذي هو السموات مجموع المادة والصورة فتكون السموات المفعول بها متأخرة عن الفعل ولا اقل مساوقة له لا قبله والقول بان هذا هو المفعول المطلق لهذه الشبهة التي دخلت وان كان صحيحا لا لهذه الشبهة الا انه كلام قشري ليس بحقيقي لان البدل ( بدل خ ) البعض لا يخالف كله ولا شك ان جهة السموات من حيث هي غير جهة الخلق من حيث هو اذ الاولى جهة بساطة والثانية جهة تركيب وحكم مجموعي فلا يكون الثاني من حيث هو جزءا وبعضا للاول من حيث هو وان كان جزء منه من حيث البساطة والجزء لا يكون الا عند ملاحظة الحصص في تلك الحقيقة الالهية الجامعة وتلك الملاحظة لا تكون الا عند ذكر الحصص واما في ذاتها فلا ثم لما اشار عليه السلام الى هذه الدقيقة اللطيفة اراد ان يذكر وينبه سبب اشتباه الذين حكموا بتقديم المفعول به لانهم سلام الله عليهم يعرفون من نجى بما نجى ومن هلك بما هلك فاشار عليه السلام الى انهم نظروا الى المحل وموقع الظهور ودعامة البروز وتوهموا ان تلك الدعامة والمحل هي المفعول به وما عرفوا انها سبب لظهوره وهو ( هي في ذاته خ ) ما يحتاج عند تحققها الى هذه المحال والمواقع والدعائم كالصورة في المرآة اذ لولا المرآة التي هي الزجاجة لم تظهر الصورة فهي صار ( صارت خ ) سبب ظهور المرآة الاصلية التي هي الصورة ولا تحكي المقابل الا هي وهي لا تتقدم على المقابل بل هي متأخرة عنه ومساوقة لظهوره الخاص بها الذي هو عينها واما الزجاجة فانها قبل الظهور للاظهار ووجودها كعدمها عند العارفين وكذا الارض لاظهار اشعة الشمس وكذا ذات زيد لاظهار المفعولية او الفاعلية فانها كالارض والمرآة اي الزجاجة دعامة لظهور ذلك النور اي الشمسي والشخصي والشبحي والفاعلية والمفعولية اشباح متقومة بظهورات تلك الذات في مراتب اماكن تلك الاشباح والظهورات وما تحققت الا بالفعل لا قبله ولا بعده فالمحال الجسمي دعائم للظهور وهم لما اقتصروا نظرهم على الظواهر وما التفتوا الى حل الشيء وعقده وبث كل شؤناته ليخص كل شيء بما يناسبه فجعلوا المحل اصلا والفرع ذاتا او الذات فرعا والاصل محلا وقولي محلا ( بالمحل خ ) لا اريد محل كون الشيء الذي هو جزء لماهيته بل اريد محل الظهور لا بحيث اتحد الظاهر والمظهر والظهور وانما اريد مثل الزجاجة بالنسبة الى المرآة والارض الى الاشعة فافهم وابطل هذا التوهم بنفي هذه الدعامة في اول المفعولات التي ما كانت له ذاتا الا نفس كونه مفعولا به الذي استنطقه فقال له ادبر فادبر فجرى كل الافعال في كل الاحوال على ذلك المثال ثم استدل عليه السلام على هذا المطلب من تساوق المفعول به مع الفعل واتحاده مع المفعول المطلق بقوله عز وجل كن فيكون الملوح اليه والمستفاد من قوله عليه السلام خلق السموات بلا دعائم فان الخلق كما ذكرنا هو متعلق المشية الذكر الاول والارتباط بالسموات هو الارادة وهي العزيمة على ما يشاء وهي ( هما خ ) تمام الكلمة التي هي كن وهي كلمة خطاب وكلمة امر ويكون اخبار واعلام بالامتثال وبالوقوع على المخاطب فمن المخاطب ومن المأمور بالتكون حتى صار فاعلا ويرجع ضمير الفاعل في فيكون اليه ان قلت هو ذات الله سبحانه وتعالى ليكون هو الآمر وهو الفاعل وهو القابل وهو المخاطب بالكسر والمخاطب بالفتح كما قالوا والفاعل بعينه هو القابل والفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدى يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره فهذا لا شك انه ليس قول المسلمين وان قلت ان المخاطب المأمور هو الخلق المتحقق الموجود فلا شك في بطلانه وقبح هذا الخطاب لاستلزامه تحصيل الحاصل وان قلت ان المخاطب اعيان ثابتة في الازل معدومة العين صالحة لامتثال امر كن كما قالوا ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات ومندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات وقالوا ايضا انها مستجنة فيها استجنان الشجرة في النواة فهذا ايضا كفر بالله العلي العظيم لما فيه من تعدد القدماء ووقوع التركيب في ذات الله سبحانه ولزوم التغير والابادة والفناء تعالى ربنا وتقدس حتى قال بعضهم ان هذه الاعيان شئون وذاتيات للحق وذاتيات الحق لا يقبل ( لا تقبل خ ) الجعل والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان وهذا القول في البطلان بمكان فان قلت هذه الكلمة تعبير عن الايجاد وليست بخطاب ولا امر فان ذلك كله في مقام كثرة الالفاظ قلت اذا عبر الحق سبحانه عن خلاف الواقع وخلاف الحقيقة ام كان عاجزا عن التعبير بما هو في الواقع تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا ان قلت ( ان خ ) ذلك من اقسام المجازات ( المجاز خ ) وهي في القرآن شايعة وفي كلام امناء الرحمن عليهم سلام الله ذايعة قلت لو سلمنا ذلك نقول ان المجاز خلاف الاصل لا يصار اليه الا بدليل قطعي فحيث انتفى الدليل امتنع المصير لانسداد الطريق ان قلت ان الدليل موجود من العقل والنقل اما الاول فلقول مولينا الرضا عليه السلام ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له ولقول اهل اللغة ان الخطاب توجيه الكلام الى نحو الغير والامر تعلق الخطاب الى المأمور به وهما يستلزمان وجود الغير والمأمور به حين الخطاب واما العقل فمن المعروف بالوجدان والعيان ان الخطاب والامر لا يكونان الا لشخص آخر اذ الوحدة تستلزم تحصيل الحاصل وفي الخلق الاول لم يتصور ذلك فوجب حمل الآية على المجاز كناية عن القهر والسلطنة والجبارية والقهارية قلت اما قول مولينا الرضا عليه السلام فالمستفاد منه ان المعبر عنه ليس بلفظ وهذا لا شك فيه ولا يستفاد منه ان هذا التعبير على خلاف الواقع والحقيقة ولا تلازم بين الخطاب والامر واللفظ حتى يثبت به المطلوب بل هو مطلوبنا لقوله عليه السلام ولا كيف لذلك فلو كان هو محض الايجاد من غير امر وخطاب وتكليف لكان له كيف يعرفه كل احد بمثل ما يعرفون من معنى الايجاد وانما هو خطاب وامر اختياري بالنسبة الى المخاطب لكنه لا كيف له ليعرفه اهل الكيف ( التكييف نسخة ١٤٢ خ ) والتحديد واما قول اهل اللغة فمسلم لكنه ليس فيه اشتراط تقديم المأمور على الامر والمخاطب على المخاطب وما فهم بعضهم ذلك من كلامهم فليس بحجة واما العقل فليس بحاصر لان الوحدة الحقيقية ممتنعة وقد تكون وحدة لا تنافي الكثرة وكثرة لا تنافي الوحدة وتحقق هناك الاختيار ولا امتناع لهذا لاحتمال ممكن ( الاحتمال الممكن خ ) وان لم تدركه الافهام ولم تنله ايدي العوام فاذا خبر به الملك الحكيم العلام وجب القبول والاعراض عن التأويل بسخيف الكلام فاستشهاد الامام عليه السلام بالآية الشريفة ملوحا استشهاد تام لا يعتريه شك ولا شبهة لان المخاطب بالكسر هو فعل الله سبحانه ومشيته واختراعه وهو لسان الله المعبر عن كل ظهوراته بكل اطواره وشئونه من ايام الشأن والخطاب هو دلالة تلك الكلمة التامة الواقعة على ارض قلب المخاطب وهو الغدق المغدق النازل من سحاب الكرم والجود من بحر الصاد من الماء الذي توضأ منه رسول الله (ص) ليلة المعراج لصلوة الظهر وهذا البحر تحت العرش وهو الفعل وهذا العرش هو الخطاب الصادر والمخاطب بالفتح هو نفس هذا الخطاب مع الحدود والمشخصات كما ان اللفظ كذلك فجرى التطابق بين اللفظ والمعنى وهذا المجموع هو فاعل يكون في قوله تعالى كن فيكون فالمفعول به هو فاعل فعل الفاعل فان التكون من فعل الفاعل لكنه ماتحقق وماوجد الا بالمفعول وهذا المفعول هو ذلك الفعل الظاهر الذي هو الحدث وهو المصدر فحقيقة اول الموجود في الحقيقة الاولية هو المفعول المطلق وهو خطابا وامرا وكونا في قولك خاطبت خطابا وامرت امرا وكونت تكوينا وغير ذلك وفي الحقيقة الثانية هو المفعول به الذي وقع عليه فعل الفاعل فكانت له جهتان وثبتت له حقيقتان في البدو الاصلي والظهور الخلقي والنور القدسي الالهي فما احتاج الخطاب الى مخاطب مقدم في الوجود وكذا الفعل الى مفعول به كذلك نعم في الظهور والبروز الشهودي الحسي في كل عالم يحتاج فالمخاطب هو قابلية الخطاب والخطاب هو مادة المخاطب وهو صورة له فاذا اقترنتا ظهر الخطاب على مقتضى الاختيار في الكينونة والا فيبقى الخطاب متعلقا بمركزه مشغولا بحمد ربه الى ان يحصل له متعلق فيظهر في ذلك بعين ما ظهر في غيره فالخطاب واحد والمخاطب لا يتناهى من اول الوجود الى آخره ومن ظاهره الى باطنه فالخطاب الشفاهي امر مستقر وصوت مستمر فقول الله سبحانه كن حقيقة باقية كان في الخلق الاول التكويني هذه صورتها وفي الخلق الثاني صورة التعبير عنها ادبر الى نهاياته وفي الخلق الثالث كانت الصورة اقبل وفي الخلق التشريعي صورة التعبير صل وزك وحج وكل من سمع الخطاب نادي ملبيا ومن لم يسمع بقي على وجهه مكبوبا ملويا فهو نداء واحد والسامعون متفاوتون في الاستماع لحدة سامعتهم وعدمها فافهم وسنزيد القول ان شاء الله الرحمن وانما ابتدأ عليه السلام بذكر السموات دون غيرها من المخلوقات لانها هي المبادي العالية ولتطابق الوصف التدويني واللفظي مع الوصف التكويني والهيئة الوجودية فان الطفرة في الوجود باطلة فاول الموجودات هو جمال الله وجلاله والجمال له جمال ولجمال جماله جمال كالجلال وهكذا الى ما لا نهاية له فقدم المبادي على قول مطلق على غيرها والفواعل على القوابل وانما خصص السموات بالذكر دون سائر المبادي لبيان قسمي المبدأ وشقيه فان المبدأ على قسمين مبدأ هو علة فاعلية ومبدأ هو ترجمان وباب وواسطة الفيض والسموات انما هي الثاني ومحل لظهور الاول فكانت وصفا جامعا مع اشتمالها لتفاصيل احكام المبادي والعلل كلها من ظهور مراتبها في مقام الاجمال والتفصيل وشرح قوله عز وجل بل يداه مبسوطتان وقوله عز وجل والسموات مطويات بيمينه وبيان الكمال المطلق الملوح اليه في قوله عز وجل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم وظهور الاركان الاربعة مع تفاصيل نسبها الحاصلة مع ملاحظة بعضها مع بعض وذكر الاسم الاعظم الاعظم الذي ليس بالحروف مصوت ولا باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد واجزاءه الاربعة واركانه الاثني عشر واسماءه الثلثين وصفاته الثلثمائة والستين وكيفية ترتب العلل في الامداد والافاضة وكيفية الحركات الذاتية والاستدارات العرضية وكيفية استمداد السافل عن العالي وكيفية حجب السافل عن مشاهدة العالي مع تقومه به وعلة قطع التفات العالي عن السافل وكيفية ظهور التجلي وحركة المتجلي وحدوث الفاعل وفاعلية القابل وقدس الالوهية وخزائن الرحمة ومفتاح الغيب والسر اللاريب وعلل الترقي واحواله وسبب التنزل واطواره وسر المحبة السارية والمودة المستجنة في الذرات الغير المتناهية ودوران الوجود بالميل وتمام الستة واحوالها واقاليم الظهور وكشف حجاب النور وظهور مقام الطور بابي هو وامي قد اشار لاهل الاشارة في هذا المقام بهذا الكلام الى اسرار وعجائب وغرائب يقصر عنها النظر ويضل دونها الفكر ولو اردنا ان نشرح جزءا من مائة الف جزء من رأس الشعير من ذلك يطوي الزمان ولم يظهر شيء منه لا اله الا الله العلي العظيم الله اعلم حيث يجعل رسالته عجبا لقوم يقولون ان هذه الخطبة من وضع الغلاة اني لهم وذلك ونحن نشير بعون الله الى بعض ما ذكرنا مجملا وتلويحا اذ البيان يقصر عنه اللسان مع ما في طباع بعض اشباه الانسان من المعاندة والطغيان فنقول اعلم ان النقطة الالهية السرمدية لما ظهرت استدارت على نفسها فساوت كل احوالها واطوارها وشؤناتها واوليتها وآخريتها وظاهريتها وباطنيتها فنطقت بالواحدية لله الواحد القهار فكان بسم الله الرحمن الرحيم في اول كتاب الله العليم الحكيم في الكتاب الاولى التكويني الوجودي فدارت ثلث دورات حال النظر الى ربه والى نفسه والى غيره ولذا ( كذا خ ) استنطقت عنه الكاف من الحروف الكونية ( المكتوبة خ ) فلما نظرت الثلثة الى نفسها الجامعة تمت التسعة وكملت الرتبة لان الشيء في تحققه له ثلث حالات الاولى حالة الاجمال والثانية حالة التفصيل والثالثة مقام الظهور مشروح العلل مبين الاسباب ولكل حالة ثلث حالات الاولى حال مبدأ التلقي من عالم اللانهاية الثانية تمام مقام التلقي في النهاية الاجمالية في العقد الاول بعد الحل الاول الثالثة حال ميله ونزوله الى عالم الغير اما لتحقق بينونة الصفة او لارتباط الجهة فلما دارت تلك الثلثة على هذه الثلثة تمت التسعة وهذا الحكم جار من اول مقام المحبة في نفسها لنفسها الى آخر مقامات التفصيل وهي السموات الظاهرة الشهودية اذ في مقامات المحبة ثلث مراتب الاولى مقام المحب الظاهر بالمحبة المعبر عنه ( عنها خ ) بعنوان كنت فاحببت الثانية نفس المحبة المتحققة في احببت ان اعرف وهي الوصلة وباء التعدية والصلة التي هي حجاب بين المحب والمحبوب الثالثة حقيقة المحبوب ولا حقيقة له الا عين تلك المحبة التي هي الرابطة بينهما اذ المنافر لا يكون محبوبا وطبيعتك خلاف كينونتي فاذن ارتفعت المخالفة بقيت نفس الكينونة وهو قوله تعالى روحك من روحي وهو عين تلك المحبة فافهم وهذه الثلثة لا تتم ولا تظهر الا بالتجذير اذ لا غيرها في نظرنا هذا فمجذورها تمام المبادي فالمبادي لا تكون الا تسعة لانها مجذور اول الاعداد وتمام رتبة الآحاد التي بها تقومت الاعداد وهي المبادي لها بالتكون والايجاد واليها ترجع يوم الرجوع والمعاد وانما كان مجذور اول الاعداد هو المعاني اذ لا مذهب عنها في مقام التفصيل لان المبدأ هو الواحد وهو الثلثة والكثرات كلها قد تحققت به لانها هي اول الاعداد واول ما برز من الايجاد فاول المنسوبات اليها في مقام التفصيل هو التسعة وحيث كانت اول مراتب التفصيل واقرب الاحوال الى البساطة ظهرت العلة التي هي مبدأ المبادي وعلة العلل بمثالها وظهورها في كل التسعة لانها صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فظهر في كل التسعة بظهور واحد فهي في رتبة واحدة ومرتبة ( رتبة خ ) غير متعددة وخلقت من طينة واحدة لانها المتحصل من ملاحظة الشيء من نفسه مع نفسه قال عليه السلام انا الشجرة وفاطمة اصلها وعلى لقاحها والائمة اغصانها ولذا ظهرت الطاء مع كماليها الظهوري والشعوري في اسم مهبط الانوار الالهية ومجمع الشؤنات الصمدانية والعنوانات الازلية الازلية الثانية والكلمة التامة وليلة القدر التي خير من الف شهر بحكم المناسبة الذاتية بين الاسم والمسمى والمرابطة الحقيقية بين اللفظ والمعنى وذلك هو اسم فاطمة صلوات الله على ابيها وبعلها وعليها وبنيها وكذلك القول في كل المبادي وانا قد بينت لك اشدها غموضا وخفاء في العالم الاعلى الاول الذي ليس فيه كثرة ولا تعدد ولا اختلاف واما كيفية خلق هذه الافلاك والسموات فاعلم ان الله سبحانه خلق ياقوتة حمراء من جزء من صفو النار وجزئين من صفو الماء بيبوسة ارض القابلية فنظر اليها بعين الهيبة فماعت وذابت وصارت ماء رجراجا وبحرا عظيما يضرب امواجا فاشرق على ذلك البحر شمس اسم الله القابض فظهر اسم الله الحي والرحمن بريح الجنوب فتموج البحر واضطرب بتصفيق الرياح الشديدة فصعدت الابخرة المختلطة بالاجزاء النارية والترابية المستجنة في زبد البحر فكانت تلك الابخرة والادخنة المتصاعدة مادة السموات السبع والافلاك التسع وبقي الزبد على وجه الماء فجعله سبحانه مادة للارضين السبع فبعد ما دحى الارض واستوت واستقرت في يومين يوم المادة ويوم الصورة استوى الى السماء وهي دخان فسويهن سبع سموات فاول ما ظهر منها فلك الشمس فدارت الافلاك فوقها وتحتها بها حسب ما فيها من القوى الالهية لكونها مهبط الاسماء الفعلية والانوار الاربعة القدسية العرشية ثم لما كانت تلك الادخنة متفاوتة في الغلظة والتصفية رتبت السموات على الترتيب المعروف فملأ ذلك البحر الوجود بماءه ودخانه وزبده فاستدار بعضها على بعض وتحقق الليل والنهار وظهرت مكنونات خبايا الاسرار وهذا الذي ذكرنا كلام جار على الحقيقة بالاجمال والاشارة الى حقيقة الامر والواقع اعلم ان النون اي بحر الصاد اول المداد الماء الذي كان عليه عرش الرحمن والماء الذي منه كل شيء حي وبه قام كل شيء لما كان متمم ظهور الهاء عن الكاف لا كتتميم الهاء المشبع الذي هو هو للاسماء الحسنى وتتميم الاحد للواحد بل كتتميم الصفة لظهور الموصوف وتتميم الفرع لجهات تعريف الاصل ظهر مثالا للظاهر وحاكيا له بذاته فكان حافظا لوجوده في جميع مراتب التربيع والتكعيب فاحكم قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلثة الا وهو رابعهم الآية فظهر حافظا لنفسه في كل الاطوار من الاكوار والادوار فصار به كل شيء حي في الاعلان والاسرار من الاكوان الستة التي عليها المدار اما الكون الاول فنوراني لا غير واما الكون الثاني فجوهري لا غير والكون الثالث فهوائي لا غير والكون الرابع فمائي لا غير والكون الخامس فناري لا غير واما الكون السادس فاظلة وذر ثم سماء مبنية وارض مدحية وان اردت ان تعرف حقيقة هذا الماء وسبب نشره ومادته وصورته فاعلم ان التكوين اقتضى الحرارة لانه الحركة بنفسها من الظاهر بالفعل الى المكون بالفتح والتكون اقتضى البرودة لانه السكون المنتهى اليه الحركة مقام الجمود والوقوف ولما كان التكوين هو الفعل الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره اقتضى مع الحرارة اليبوسة لثبات الاستقرار وتحقق القرار قال عز وجل وما منا الا له مقام معلوم ولما كان التكون هو الحامل لاثر التكوين والماسك له اقتضى مع البرودة اليبوسة والا لما استقر ولما كان المكون هو المتحقق بالتكوين ولا يكون ذلك الا بالارتباط ولا يكون ذلك لاستقراره في ظله الا بالقاء الاثر فيه واقتضى ( فيه اقتضى خ ) ان يكون ذلك الاثر حارا لتحقق الميلية ( المثلية خ ) وكذا ان يكون رطبا للسيلان الى المكون ( الكون خ ) والربط الى المكون ليتحقق الحل الاول المستلزم للعقد ( الاول خ ) الذي هو الاتحاد ولما كان التكون لا يكون الا بالقبول لاثر التكوين وذلك لا يكون الا بالاقبال الى المفعول والارتباط به من جهة القابل اقتضى الرطوبة مع البرودة فتمت العناصر الاربعة الاول الحار اليابس وهو النار اي الفاعل الثاني الحار الرطب وهو الهواء وهو اثر الفاعل اي المصدر وهو المفعول المطلق وهو الهاضمة وبطن فرس وحمام مارية الثالث البارد الرطب وهو الماء وهو جهة القابلية المحضة الفتاة الغربية ولبنة العذراء الرابع البارد اليابس وهو الارض وهو جهة حفظ القابل لفعل الفاعل وامساكه اياه وهو الارض المقدسة والجسد الجديد هذا في اصل الكون عند التكوين الاول في ثاني الازل فلما اقترنت هذه العناصر الاربعة واتصلت بهذا الترتيب ووقع اثر الفاعل على القابل واستجنت الحرارة الفاعلية في الاجزاء الارضية القابلة وكانت الحرارة الاصلية الاولية دائمة الاشراق على الاراضي القابلة تهيجت تلك الحرارة المستجنة في الاجزاء الارضية واقبلت الى مبدئها باعانة الامدادات الفائضة من الاشراق الدائم وصحبت معها الاجزاء المائية اللطيفة المستجنة فيها الاجزاء الارضية اللطيفة بحكم المشابهة والمناسبة الذاتية فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لكن الاجزاء الارضية مستهلكة مضمحلة تكاد تفنى يتلألأ بخفق والاجزاء المائية اللطيفة التي هي محض القابلية والاستعداد المقابلة لفوارة النور بسر الامداد مضاعفة فاصابه برد التكون بالتمكين ( بالتكوين خ ) ثانيا فانجمد وانعقد تحت سماء التكوين فثقل وتقاطر ونزل لحصول النسب والاضافات المستدعية للنزول عن مقام البساطة الحقيقية فكان ماء رجراجا وبحرا مواجا فهذا هو الماء الاول وان كان المصطلح عليه هو الماء الذي به حيوة الموجودات المقيدة التي هي ( هي هو خ ) النون والصاد والمزن المذكور آنفا ولو كان لك بصر حديد علمت ان هذا القول يجري في كلما تلاحظ مخلوقيته من السرمد الى الدهر الى الزمان وبالجملة نحن نحكم حكما كليا فان قدرت ان تجريه في جميع الجزئيات فعلت ملاحظا للصدق اللفظي والوصف التأثيري والا فعلى مقدار ما استطعت ولما تحقق ذلك البحر المواج والماء الرجراج وقابلته نار التكوين صعدت بها الابخرة وهي اللطائف المستجنة والارواح المستكنة فتراكمت الابخرة وتطابقت وظهرت على هيئة اللطافة والبساطة التي هي هيئة الاستدارة وهيئة الفقر والفاقة وهيئة الغنى والافاضة ودارت للاتصال بالمبدأ بحكم المناسبة لوجود المثال الملقى في الهوية وهي الافلاك مادتها وحقيقتها واصلها ومنشأها فلما اختلفت مظاهر ذلك الماء ومراتبها باللطافة والشرافة والكثافة والغلظة والبعد والقرب وبطلت الطفرة جرى الفيض الاختراعي والابتداعي عليها على ذلك الترتيب فدارت العلويات على السفليات واحاطت على الجزئيات فاعطى الله بها كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وهذا الحكم يجري في كل دور وكور وعالم من العوالم الالف الالف ( الالف الف خ ) فيكون الف الف افلاك والف الف سموات والف الف ارضين فافهم هذه مبدأ الافلاك والسموات واما منتهاها فاعلم انها لا تنتهي الى حد في حركتها وسيرها بل هي سائرة دائمة الى الابد وان سكنت وتفككت عند ظهور سلطان الجبار وخلوص الامر لله الواحد القهار وطي الوسائط ومحو الاغيار باذهاب الغرائب والاعراض واندكاك جبال الانية لخلوص التوحيد في الذات والصفات والافعال والعبادة الا لله الدين الخالص ثم تعود الى ما كانت عليه من الصفاء وتتحرك حركة شوقية الى خالق الاشياء ولا نهاية لذلك ولا فناء انما خلقتم للبقاء وما خلقتم للفناء وانما تنتقلون من دار الى دار فاذا ذهبت صفوة الافلاك والاملاك وبقيت القشور والاعراض فتستدير ذلك دورة عرضية تبعية وتربي سوافلها المحيطة بها من القشر والعرض وهكذا الى ان يصفو تلك وهكذا الى ما لا نهاية له سبحان من هو ملكه دائم وسلطانه قديم لا اله الا هو الحي القيوم قال مولينا الباقر (ع) ان الله تعالى اذا ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار يخلق خلقا آخر من غير فحولة ولا اناث يعبدون الله في الارض وهو قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد واما العبارة الظاهرة في كشف هذه الاحوال فلا يسعني الآن بيانها لتطويل المقال وبلبال البال وعدم الاقبال الا ان حقيقة الامر تظهر مما ذكرنا من دليل الحكمة وانما جمع السموات لبيان تعددها وهي اذا اطلق لا يراد منها في عرف اهل البيت عليهم السلام الا السموات السبع وقد تطلق في كلماتهم عليهم السلام ويراد منها غيرها كما في قوله تعالى ونزلنا من السماء ماءا مباركا والمراد ( منها خ ) في هذه الآية الشريفة على ما دلت عليه الاخبار البحر الذي في الجو بين السماء والارض وقوله تعالى وننزل من السماء من جبال فيها من برد ويراد منها هنا على ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البحر المكفوف فوق السموات السبع بحيث يكون كلهن ومن فيهن ومن عليهن كحلقة ملقاة في فلاة قي وكذا في غيرهما من المواضع في كتاب الله وكلمات آل الله ومحصل هذه الاطلاقات ان السماء ( السموات خ ) يراد منها جهة العلو مطلقا وهي من اول الهواء الى اعلى الهواء في الخلق الاول الا ان السموات على قسمين احديهما مجردة بمراتبها من العقلانية والروحانية والنفسانية وغيرها والثانية جسمانية وهي باتفاق العلماء ومساعدة الادلة العقلية والنقلية تسعة وهي السموات السبع والعرش والكرسي في اصطلاح اهل الشرع والافلاك التسعة في اصطلاح الحكماء الرياضيين والطبيعيين وغيرهم وهم انما عرفوها حسب مشاهدة الحركات المقدرة بالارصاد لانهم وجدوا تسع حركات مختلفة واثبتوا لكل حركة فلك وجوزوا اقل من ذلك ايضا واما الاكثر فامكانه لا اشكال عندهم لانهم ما قالوا الا ما شاهدوا بابصارهم واحساسهم من الحركات المختلفة وقد يكون افلاك اخر متشابهة الحركة او بطيئة بطؤا لا تحس وبالجملة ليسوا على بصيرة في الامر لا في حصر العدد ولا في كيفية الترتيب وخصوصيته حيث ارادوا ان يأخذوا الحق بعقولهم ويستندوا في معرفة حقايق الموجودات على ما هي عليه بآرائهم وافهامهم ولم يركنوا في معرفتها الى ائمة الدين سلام الله عليهم فصاروا كما ترى غير جازمين بامر من الامور وحكم من الاحكام كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا واما نحن قلنا في هذه المقامات من جهة دليل الحكمة المستنيرة بنور اهل بيت النبوة كلمات يطول بذكرها الكلام ونشير الى بعضها في هذا المقام مجملا لتنبيه العارف الى نوع الاستدلال فنقول اعلم ان المبدأ لا بد وان يكون عرشا لاستواء الرحمن وخزانة لجميع ما تستحق السوافل من الاركان والاكوان والاعيان والا لم يكن واقفا بالباب بل ضرب بينهما الف حجاب ولما كان الباب واقفا مقام ( اطعني خ ) اجعلك مثلي وروحك من روحي وجب ان يكون كاملا في رتبة البساطة لمكان المشابهة على ان الفيض لا يجوز ان يصدر عن المبدأ جزئيا لعدم سعته بل يجب ان يكون كليا معنويا محيطا بكل الاجزاء والجزئيات ولما كانت العلويات هي المبادي وجب ان يكون هنا فلكا كليا محيطا بجميع المراتب السفلية ومهبطا لجميع الانوار وخزانة لكل الاسرار وذلك هو العرش مستوي الرحمن فهو اول الافلاك واعظمها واشرفها وارقها والطفها وتنتهي اليه ( اليها خ ) الحدود الجسمانية وتنقطع عنده ( عندها خ ) الاشارات الحسية ويكون ذلك طبق الفلك الاعظم والعرش الاقدم في عالم التجرد او عالم الوجود المطلق فان مراتب الاختراع ومقاماتها متطابقة وان الاختلاف ( اختلف خ ) بالاولية والثانوية فان الثاني دليل الاول وحكايته وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والعبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فافهم فكان المبدأ الجسماني طبقا للمبدأ الروحاني والمبدأ الزماني طبقا للمبدأ الدهري كما ان البيت اي الكعبة على طبق بيت ( البيت خ ) المعمور في السماء الرابعة وهو على طبق العرش وهو على طبق الكلمات الاربعة سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ثم لما كانت الفيوضات المستقرة في الفلك الاعلى اي عرش الرحمن معنوية كلية غيبية مجملة ولا استيهال للسوافل ان تتلقيها كذلك مع امتناع ذلك مع انه لو كان كذلك لما اختلفت الاشياء وماحصلت الجزئيات فلم يظهر مقام العظمة الذي هو مقام العلماء الخائفين وجب ان يكون لتلك الاجمالات مقام تفصيل وتلك المغيبات رتبة ظهور ليتميز ( لتمييز خ ) الاسماء الالهية ويتبين ( تبيين خ ) النعم الغير المتناهية ليعلم كل اناس مشربهم ويصل كل احد مطلبهم ولما كان هذا المقام تحت المقام الاول الذي ظهر بالفلك المحيط وجب ان يكون هذا التفصيل في الرتبة الثانية الجسمية ولا يكون ذلك الا في الفلك الثاني تحت الاول وهو فلك الكرسي مقام تفصيل العرش وكلما كان مخفيا غيبا في العرش قد ظهر في الكرسي فكان هو بمنزلة الباء للالف والنفس للعقل وهذا هو الفلك ( فلك خ ) البروج وفلك المنازل وقد يعد كل منهما فلكا على حدة لاجراء الاحكام والا فهما في الحقيقة شيء واحد فظهرت في هذه الفلك القوي الجزئية الاسمية المدبرة للعالم الجسماني او مطلقا ان كان نظرك مطلقا من الاسم الاكبر الاعظم الكلي المتعلق بالعرش ومن هنا ظهر سر عدم الكواكب في الفلك الاعلى ووجودها هنا مع كثراتها فتم الفيض الاول مجملة ( وخ ) مفصلة وهذا هو الحل والعقد الاوليان باعتبار في تكون هذا العالم وهو رتبة المقبول ثم لما كانت الافاضة لا تتم الا بتمكين القابل وتهيئه للقبول والا لم يتحقق الفيض ولم يوجد الشيء وذلك التمكين يجب ان تكون ( يكون خ ) من جهة المكون المفيض لكن بآلات واسباب يناسب المفاض عليه ويوافقه ولما كانت تلك الآلات هي جهات التدبير والتقدير وجب ان تكون محيطة بكل السفليات لكونها متممات لقوابلها ولا تتم الا بالمحاذات بايقاع الاشعة وهي تستلزم الاحاطة فيكون افلاكا دائرة على القابليات ومهيئة اياها لقبول الفيض الاول على الوجه الاكمل ووصلة بينها وبين المفيض فاقتضي الكون افلاكا اخر تحت الفلكين المذكورين ثم لما كانت الاكوان خرجت مسبعة متمايزة في التسبيع ولا يتم الفيض الا اذا تمت قابلية تلك المراتب ولا يتم ذلك الا ان يكون لكل منها مبدأ متميز فان الاثر يشابه صفة المؤثر وجهتها فالمجمل يؤثر المجمل والمفصل المفصل وجب ان تكون ( تلك خ ) الافلاك التي هي روابط ايصال الفيض ومتممات قابليات المفاض عليه سبعة فخلق الله سبحانه اولا المبادي السبعة التي هي السموات السبع فاذا اضفتها الى الفلكين المذكورين كانت تسعة فالسموات السبع لتتميم القابلية وتكوين البنية الظاهرية والفلكان الاعظمان للفيض الباطني واحداث المقبول
وقد وردت الاخبار عن الائمة الاطهار سلام الله عليهم بشرح اسماء السموات وقواها وطبايعها والوانها وثخنها وغلظها فمنها الخبر المشهور عن ابن سلام انه قال للنبي صلى الله عليه وآله اخبرني ما بال سماء الدنيا خضراء قال صلى الله عليه وآله ( يا ابن سلام خ ) اخضرت من جبل قاف قال صدقت فاخبرني مم خلقت قال من موج مكفوف قال يا ابنسلام ماء قائم لا اضطراب لها وكانت في الاصل دخانا قال صدقت يا محمد (ص) فاخبرني عن السموات الها ابواب قال نعم لها ابواب وهي مغلقة لها مفاتيح وهي مخزونة قال صدقت فاخبرني عن ابواب السماء ما هي قال بسم الله العظيم قال صدقت فاخبرني عن طول كل سماء وعرضها وكم ارتفاعها وما سكانها قال صلى الله عليه وآله طول كل سماء خمسمائة عام وعرضها كذلك وبين كل سماء الى سماء خمسمائة عام وسكان كل سماء جند من الملائكة لا يعلم عددهم الا الله قال صدقت فاخبرني عن السماء الثانية مم خلقت قال صلى الله عليه وآله من الغمام قال صدقت فاخبرني عن السماء الثالثة مم خلقت قال من زبرجد قال فالرابعة قال صلى الله عليه وآله من ذهب احمر قال فالخامسة قال من ياقوتة حمراء قال فالسادسة قال من فضة بيضاء قال فالسابعة قال من ذهب قال صدقت يا محمد (ص) فاخبرني ما فوق السماء السابعة قال بحر الحيوان قال فما فوقه قال بحر الظلمة قال فما فوقه قال بحر النور قال فما فوقه قال الحجب قال فما فوقه قال سدرة المنتهى قال فما فوق سدرة المنتهى قال جنة المأوى قال فما فوق جنة المأوى قال حجاب المجد ( قال فما فوق حجاب المجد قال حجاب الحمد خ ) قال فما فوق حجاب الحمد قال حجاب الجبروت قال فما فوق حجاب الجبروت قال حجاب العز قال فما فوق حجاب العز قال حجاب العظمة قال فما فوق حجاب العظمة قال حجاب الكبر قال فما فوق حجاب الكبر قال الكرسي قال فما فوق الكرسي قال العرش الحديث وبيان هذا الحديث الشريف وذكر ما فيه من العجائب والاسرار يؤدي الى التطويل الا اني اشير الى ما هو الاهم والمقصود على سبيل التلويح والاشارة
فقوله صلى الله عليه وآله في السماء الدنيا هي آخر السموات والافلاك واقربها الى الارض وهو مبدأ الصور وعلة البرودة والرطوبة وينسب ( ينتسب خ ) اليه المد والجزر في البحر وهو كما قال صلى الله عليه وآله موج من البحر مكفوف اي ماء قائم فطبعها الحيوة وطعمها قال عليه السلام الماء سيد الشراب وطعمه طعم الحيوة ولا اضطراب لها كما يوجد في هذا الماء الموجود في الارض لخلوصه عن الغرائب والاعراض ولكونه مبدأ بالنسبة اليه والمبدأ خلق ساكن لا يدرك بالسكون في كل مقام بحسبه
وقوله صلى الله عليه وآله وكان في الاصل دخانا يشير الى بيان عدم تناقض قوله عليه السلام وقول الله عز وجل حيث قال ثم استوى الى السماء وهي دخان تنبيها بان المادة تنصبغ بصبغ الصورة حين التحديد وتجري عليها احكامها
وقوله صلى الله عليه وآله في ابواب السماء انها من ذهب اشارة الى التأثير الى العالم السفلى باحداث الاشعة فالاشعة ابواب للسماء ( السماء خ ) الى الارض ينزل الفيض منها الى الارض بواسطتها فهي حارة لكونها مثال التأثير الفلكي الحار اليابس ورطبة لحكم السيلان والاقتران والنسب وهي طبع الحيوة بناء على ان الذهب حار رطب على ما هو التحقيق وهذا لا ينافي كون بعض الاشعة باردة او يابسة او مختلفة فافهم
قوله صلى الله عليه وآله ومفاتيحها بسم الله العظيم يريد بهذا الاسم هو الظاهر المتجلي على الطائف حول جلال العظمة وهو اول اسماء الله عز وجل بعد اسمه العلي قال مولينا الرضا عليه السلام ( فاول اسمائه العلي العظيم لانه عليّ على كل شيء ه والاسم العلي هو الطائف حول جلال القدرة خ ) كما ان الاسم الاعظم ( العظيم خ ) هو الطائف حول جلال العظمة فظهر الاسم في الظاهر بالطواف حول جلال القدرة وبقي على الحقيقة في السجود في ذكره للطائف حول جلال القدرة حقيقة والعظيم للطائف حول جلال العظمة وهو قول مولينا عليّ عليه السلام انا الذي كتب اسمي على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم فهذا الاسم العظيم هو مفتاح كل بر وخير ففي الافلاك والسموات الجسمية بظاهر ظهوره وفي السموات الباطنية الغيبية بباطن ظهوره فافهم
قوله صلى الله عليه وآله طول كل سماء خمسمائة عام اعلم ان المراد بهذا العام ليس هو العام المقدر بالتقدير اليومي المعروف اذ ما اقصر هذه الايام عند مدد الافلاك واوقاتها فلا تتقدر بهذا التقدير وقد ورد ان نبينا صلى الله عليه وآله ليلة المعراج سأل جبرئيل عن زوال الشمس هل زالت ام لا قال لا نعم ثم قال من ( مقدار خ ) قولي لا سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام فان قلت ان العام يراد به على حسب الافلاك قلت ان الافلاك تختلف فالوصف الجامع في العام هو مبادي العام من الثلاثمائة والستين درجة فكل درجة يوم من ايام كل فلك على مقداره في الصغر والكبر والمراد من خمسمائة مراتب الافلاك بعضها مع بعض فان كل فلك لا يتصل بالفلك الآخر الا بخمسة افلاك فاصلة بينهما وهي الممثل والمتممان الحاوي والمحوي في كل فلك من السبعة فتكون خمسة فان السماء التي عليها المدار والحكم هو فلك الحامل اي الخارج المركز لا ممثلاتها اذ الممثل حركته حركة فلك البروج فلا تزيد عليها بشيء بل يسير في كل مائة سنة درجة واحدة فالمدار والعمل على الخارج الحامل للكوكب او التدوير وبه يحصل التدبير المطلوب من الافلاك لا ممثلاتها فان ذلك لا ينفع في تكوين العالم السفلى وتدبيره الا بشيء يسير اذ من العرش التسخير ومن الافلاك الاخر التدبير فلا يظهر التقدير الا بعد اتمام التدبير واختلاف المدبر بالهيئات والاوضاع والاحوال والدليل على هذا الحمل والتأويل زائدا على ما قلنا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله في حديث من زينب العطارة ان كل سماء ومن فيها ومن عليها بالنسبة الى السماء فوقها كحلقة ملقاة في فلاة قي وفي هذا الحديث الشريف ساوى بين السموات في الحجم والمقدار والطول والعرض وان جاز ان تقول ان ذلك على نسبة سعة كل فلك وكل سماء الا انه كلام ليس من التحقيق فصح ان المراد هو الدرجات الفلكية ومدد انتقال الكواكب في كل درجة حيث تتطابق درجاتها مع المكوكب وانما قال صلى الله عليه وآله وعرضها كذلك لبيان اثبات انها كرة مستديرة صحيحة الاستدارة بمعونة قول امير المؤمنين عليه السلام واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه والجهات اضداد فافهم وهذا اوضح دليل على استدارة السموات السبع لمن يفهم ويعقل
وقوله صلى الله عليه وآله وسكان كل سماء جند من الملائكة لا يعلم عددهم الا الله يريد به من جهة الجزئيات والاشخاص والاعوان والخدام والا فرؤساء الملائكة في كل سماء معلومون فالفلك الاول ملكه الكلي اسمعيل والفلك الثاني شيخائيل وسيمون وزيتون وشمعون وعطيائيل والسماء الثالثة سيديائيل وزهريائيل والرابعة صاصائيل وكلميائيل وشمائيل والخامسة كاكائيل ومرنائيل والسادسة سمحائيل ومشرائيل والسابعة قرسائيل ورقيائيل والثامنة فملائكتها كثيرة وكذلك الرؤساء الا انهم يجمعهم انهم صنفان الاول اسماء الملائكة الكلية هكذا شراحيل عزرائيل اسرافيل نهفائيل شراطيل شكهيل ( شهكيل خ ) سهراليل صرصائيل سربطائيل شمكائيل مهمكائيل فقبيائيل والثاني فاسماؤهم هكذا معائيل بطائيل عهقائيل نهعائيل سمكائيل فقرائيل سعائيل ذرعائيل شرائيل ترتيائيل كليائيل جنيائيل غفرائيل دخرائيل رثيائيل ذريائيل فرصائيل غروائيل ( عروائيل خ ) هلدائيل رشائيل ثرهائيل لقبائيل شوليائيل دبليائيل درمائيل ( دربائيل خ ) عديائيل خبائيل ( حنائيل خ ) نودنائيل ولهذه الملائكة اسماء اخر وعليها اعتمادي فلا بأس ان نذكره وهي همقغائيل وعخائيل الذائيل وكغائيل هكتائيل ( هكثائيل خ ) وعقخائيل امضيائيل ( امفيائيل خ ) وفخفائيل وعضائيل بكقائيل طمثغائيل ونفائيل احيذغائيل حكضائيل ولظغائيل وسخائيل وطذائيل وصتائيل طنتائيل طكرائيل ومقغائيل وطخذائيل دكظائيل هلظائيل حكتائيل جفثغائيل سقغائيل ( بسغقائيل خ ) زنقغائيل والسماء التاسعة وهو العرش والفلك الاعظم ومحدد الجهات وله ظاهر وباطن فالملائكة الظاهرة اربعة ميكائيل واسرافيل وعزرائيل وجبرائيل والباطنة هم الملائكة العالون الذين ماسجدوا لآدم كما اخبر الحق سبحانه عنهم حين معاينة ( معاتبة خ ) ابليس استكبرت ام كنت من العالين وهم اربعة ايضا روح القدس والروح من امر الله والثالث ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى والرابع على ملائكة الحجب وبيان حقايق هذه الظواهر مما لا تسعه الدفاتر والاجمال يورث الاخلال والله الموفق في كل حال
وقوله صلى الله عليه وآله في السماء الثاني انها خلقت من الغمام اشار بابي هو وامي بهذا الكلام الموجز الى كل احوال الفلك الثاني فاشار بالغمام الى ان طبعها بارد رطب مختلطة باليبوسة الهوائية الممتزجة بالهواء فظاهرها البرودة واليبوسة الذائبة الغير المنجمدة وباطنها الحرارة والرطوبة ولما كانت مجاورة للسماء الاولى التي هي البرودة والرطوبة خفيت الحرارة فصار طبعها طبعا سيالا ينقلب مع كل ذي طبيعة لاجتماعها الطبايع السيالة كالغمام قال الشاعر :
عاشر اخا ثقة تحظى بصحبته فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة من ما تمر به نتنا من النتن او طيبا من الطيب
فعلى ما بينا ظهر لك وجه الجمع بين كلمات علماء اهل هذا الشأن فمنهم من قال انها باردة يابسة ومنهم من قال انها باردة رطبة واهل الحروف ذكروا لها طبيعتان ( طبيعتين خ ) لظاهرها طبيعة التراب ولباطنها طبيعة الهواء وبعض اهل النجوم قال انها ليست لها طبيعة خاصة فمع كل طبيعة تأخذ طبيعته ( طيبعة خ ) وان ارتفع التناظر فينظر مقارنتها مع البروج وهم وان قالوا ذلك في عطارد الا انه لا فرق بين الكوكب وفلكه في الطبيعة الا ان في الكوكب اقوى مما في الفلك وقول النبي صلى الله عليه وآله اتى بيانا جامعا لكل هذه المذاهب وشرحا لحقيقة هذا الكوكب والفلك وانه سماء الفكر وانه للكتاب وارباب القلم كما نذكر ان شاء الله تعالى
وقوله صلى الله عليه وآله في السماء الثالثة انها خلقت من زبرجد لان باطنها حار رطب ولونه الصفرة وظاهرها بارد يابس على ما ذهب اليه بعض اهل الحروف ولونه السواد والزبرجد يطلق على هذا اللون
وقوله صلى الله عليه وآله في الرابعة انها خلقت من ذهب يريد بالذهب هو الطبع الذاتي له اولا فانه انما يتكون بنظر الشمس حتى قال بعضهم ان طبعه حار يابس لمشابهة الاثر مع مؤثره فالذي يقول ان طبعه حار رطب كما هو التحقيق يقول ان ما من الشمس هو الحرارة واليبوسة والرطوبة انما هي من المكان الذي يتولد فيه فطبعه الاصلي هو الحرارة واليبوسة المعتدلة كما في الفلك الرابع واما صفرة الذهب فكصفرة نور الشمس لاختلاطه بالابخرة الرطبة وكذا لاختلاط الذهب مع الرطوبة الارضية كالمرة الصفراء ومقتضى هذه الامور كلها الحمرة كما قرر في علم ( العلم خ ) الطبيعي
قوله صلى الله عليه وآله فالخامسة من ياقوتة حمراء على مقتضى ظاهر السماء فان الفلك الخامس له جهتان بظاهره حار يابس لونه احمر شديد الحمرة نحس اصغر وبباطنه بارد رطب كما قرر في علم الحروف فهو بباطنه سعد وبظاهره نحس وبظاهره ياقوتة حمراء وبباطنه درة بيضاء ولذا يعبرون عند الاشارة الى كوكب المريخ صاحب السماء الخامسة يقولون انه شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم اذ سن الشيخوخة يقتضي تزايد البرودة والرطوبة لتقليل الحرارة الغريزية التي في سن الشباب وكونه على كرسي الدم اشارة الى ان هذه الحرارة انما هي لاحقة له عارضة عليه وليست ذاتية له كما في قوله عز وجل فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا
قوله صلى الله عليه وآله والسادسة من فضة بيضاء على ظاهره لان السماء السادسة هي سماء المشتري وهو بارد رطب الا ان في باطنه اجزاء حارة لتقوية الحيوة كالفضة فان في باطنها جزء من الحرارة ولذا اذا ارادوا ان يصفوا ( يصنعوا خ ) اكسير الفضة يأخذون جزئين من الفتاة الغربية ولبنة العذراء وجزءا واحدا من الفتى الشرقي وهو شيء يشبه البرقا وجزء من الانفحة وهو القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي فينفخون في المجموع بريح الجنوب فينعقد فضة صافية يؤثر فيها فقوله صلى الله عليه وآله فضة بيضاء يشير الى حقيقة الامر في هذه السماء وهذا الفلك لانهم سلام الله عليهم يتكلمون عما هو الواقع الاولى فافهم ان كنت تفهم
قوله صلى الله عليه وآله فالسابعة من ذهب وهو يشير الى باطن تلك السماء لا ظاهرها فان ظاهرها بارد يابس طبع الموت وهو نحس اكبر لابناء الدنيا واما باطنها حار رطب كما صرح بذلك علماء الحروف ودل عليه العقل والوجدان والحار الرطب لونه الصفرة كالذهب فانه حار رطب على الاصح طابق لونه طبعه ولذا ( لهذا خ ) شبهه صلى الله عليه وآله بالذهب مراعاة لباطن الامر لان السماء السابعة وكوكبها منسوبتان الى عليّ عليه السلام وهو عليه السلام عذاب على الكافرين وموت لهم وحيوة ورحمة على المؤمنين كما في الزيارة السلام على نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار ولما ظهر طبع الباطن في طبع ظاهره ظهرت الحمرة المائلة الى السواد في الكوكب وهو النجم الثاقب ومرادي بالباطن والظاهر ليس هو الغيب والشهادة والجسد والروح وانما المراد بها ( بهما خ ) الذاتية الاصلية والعرضية الفرعية كما قال عز وجل باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وليس البر ان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها
قوله صلى الله عليه وآله فوق السماء السابعة بحر الحيوان الى آخر الحجب بيانه على وجوه كثيرة ليس لي الآن اقبال لبيان كلها او اغلبها او ارقها ( ادقها خ ) واعظمها وانما اذكر وجها واحدا من تلك الوجوه حسب ما يظهر في بادي النظر فنقول قوله صلى الله عليه وآله بحر الحيوان يريد به البحر المكفوف الذي كل السموات السبع والارضين السبع ومن فيهن ومن عليهن عنده كحلقة ملقاة في فلاة قي وذلك البحر هو ينبوع الثلوج والامطار وفيه جبال البرد وبه فسر قوله تعالى وينزل من السماء من جبال فيها من برد والقمر انما يأخذ من ذلك البحر اي من صفته فهو بحر عند استمداد القمر منه بواسطة الشمس وجبل بالنسبة الى مقامه وهذا معنى مكفوفيته ولذا ورد في القرآن بعنوان الجبل وفي الاخبار بعنوان البحر والحيوة انما نسبت اليه لكون القمر الذي هو العلة الصورية التي بها الحيوة مستمدة مستمدا منه
قوله صلى الله عليه وآله وفوقه بحر الظلمة يريد بالظلمة الهواء كما في حديث زينب العطارة ويريد بها السماء الثامنة وهي فلك الثوابت والبروج والمنازل من حيث هي وعبر عنها بالظلمة لكونها عالم الكثرة وهي تستلزم السواد وهو قوله عليه السلام عليكم بالسواد الاعظم والظلمة الخضراء وحجاب الزبرجد وحجاب الزمرد وكل ذلك يريدون عليهم السلام به الكثرة المستلزمة للسواد المختلطة بالوان اخر او باقية بصرافة سذاجته
قوله صلى الله عليه وآله بحر النور يريد به البهاء الجسماني في العالم الظلماني وذلك ليس الا العرش محدد الجهات الجسمانية الحسية وهو نور لخلوصه عن ظلمة كثرات الكواكب وكونه مهبطا للانوار الالهية القدسية ومحلا لاستواء الرحمن في العوالم الجسمية ومثالا للعرش الاعظم الاعلى
قوله صلى الله عليه وآله الحجب اقول هذه المراتب التي سيذكر كلها انوار متصلة بالاجساد الفلكية ولا شك ان الانوار مقامها اعلى من الاجساد فلما فرغ صلى الله عليه وآله من بيان مراتب الاجساد اراد ان يبين مراتب الارواح والانوار فاشار الى الانوار المتعلقة بالسماء الاولى وهي في عالمها وصقعها بالحجب بتعدد ( لتعدد خ ) التعلقات حيث ان لها اربعة افلاك وعلى كل فلك قد تعلق نور من الانوار وهو واسطة لايصال الفيض من المبدأ اليه ومنه الى ما تحته فهو الحجب بجميع مراتبه والواسطة بين الممد والمستمد فان المبادي كلها تنتهي الى السماء الاولى ولذا كانت هي سماء الحيوة المتحققة بالصورة الشخصية فالصورة حجاب المادة ولما كانت الشمس هو ( هي خ ) العلة المادية وهي جهة الفاعل والمبدأ والقمر هو العلة الصورية والحجاب انما هو بالصورة فان بالمادة من غير الارتباط بالصورة وصال واتصال وبالصورة كائنة ما كانت حجاب وفراق وانقطاع او ان الظاهر بالصورة حجاب للحقيقة وهذا الفلك آخر مراتب الصور في المبادي العلية العالية ولذا يستنطق له من الحروف الطاء مع كماليها الشعوري والظهوري اثباتا لمقام فيها يفرق كل امر حكيم اي امام ( حكيم خ ) بعد امام حكيم والكمال الشعوري للطاء فاء والكمال الظهوري لها مه فاذا جمعتهما مع الطاء يكون المستنطق فاطمة صلوات الله عليها وعلى ابيها وعلى بعلها وبنيها فافهم السر الحقيقي وكن به ضنينا
قوله صلى الله عليه وآله سدرة المنتهى يريد بها النور المتعلق بالفلك الثاني والسماء الثانية وعلى هذا يكون هذا النور المتعلق بهذا الفلك آخر مراتب السدرة واما اعلاها فهو في ( ففي خ ) الكرسي التي يأتي ذكره ان شاء الله تعالى وبينهما من المراتب كلها مراتب اغصانها الكلية والجزئية واوراقها واوراق اوراقها وهكذا الى ما لا نهاية له وانما اختص هذا الفلك بهذه المرتبة لكونه فلك الفكر المتقلب في الاشياء وظهور الكثرة فيها ولذا كان التحير الذي هو الاقامة والاستقامة والرجعة فيه اكثر من غيره وله اوجان وحضيضان بخلاف غيره وهو مع كل طبيعة يميل الى طبيعته وامثال ذلك من التقلبات المتشعبة من اصل واحد كالشجرة مع ان هذا الفلك هو كاتب الكرسي فانتهت السدرة اليه فافهم
قوله صلى الله عليه وآله جنة المأوى يريد بها النور المتعلقة بالسماء الثالثة وهي محل الطرب والعيش والفرح والحسن والجمال والغناء والنغمات المطربة وامثالها من ( انواع خ ) النعيم وهذه ظاهر الجنة الحقيقية الظاهرة كالسدرة حرفا بحرف
قوله صلى الله عليه وآله حجاب المجد يريد به النور المتعلق بالفلك الرابع اذ له العلو على كل الافلاك السبعة وهو العرش الثاني في العالم الجسماني وهو باب الوجود ومنه مواد الموجود وباقي الافلاك تستمد منه وهو يمدها باوائل جواهر علله ولذا سماه صلى الله عليه وآله حجاب المجد وانما سماه حجابا لكونه ليس الا حكاية مثال المبدأ فكان حجابه وبابه وليس المراد منه ما ذكرنا في الفلك الاول الذي هو التاسع اولا
قوله صلى الله عليه وآله حجاب الحمد يريد به النور المتعلق بالفلك الخامس من حيث باطنه لكونه من تلك الحيثية رحمة عظيمة على المواد السفلية والرحمة الواسعة هي الحمد كما ذكرنا سابقا مرارا فراجع تفهم ان شاء الله تعالى لان مرجع الرحمة الى الولاية وهي لواء الحمد قال صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعلى حاملها قال تعالى هنالك الولاية لله الحق
قوله صلى الله عليه وآله حجاب الجبروت يريد به النور المتعلق بالفلك السابع فانه حجاب الجبروت الذي هو النور الاعظم الذي حامله روح القدس وهو ملك له رؤس بعدد رؤس الخلائق وهذا ظاهر ان شاء الله ونسبة هذا الحجاب الى الجبروت نسبة الدماغ الى القلب
قوله صلى الله عليه وآله حجاب العز يريد به النور المتعلق ببحر الحيوان وهو جبال البرد كما ذكرنا سابقا وانما عبر عنه بالعز لان كلما تحته مستمد منه ومستقر ( مستقهر خ ) لديه وله هيمنة عليه فكان عزيزا منيعا غالبا
قوله صلى الله عليه وآله حجاب العظمة يريد بها ( به خ ) النور المتعلق بفلك الثوابت وفلك البروج وفلك المنازل والوجه هنا ظاهر وقد تكرر منا في هذا الشرح ما يدل على ذلك فان العظمة مقام الظهور مشروح العلل ومبين الاسباب وتجلي الاسماء الفعلية الالهية ظاهرة مفصلة كلية وجزئية نوعية وشخصية كما ظهرت العظمة في باء بسم الله الرحمن الرحيم ولذا اشرع ( شرع خ ) التسبيح باسم الله العظيم في الركوع فافهم
قوله صلى الله عليه وآله حجاب الكبر يريد به النور المتعلق بمجموع الافلاك والسموات الجسمانية فان الكبرياء هي الظهور في عالم الادنى الاضافي وحكم المجموع كالشجرة غير حكم كل واحد كالغصن والورقة فالكبرياء هي ( هو خ ) النور المقوم لكل هذه الكرة من حيث هي ومثال البحر الحيوان في الانسان كالحرارة الغريزية الظاهرة بالدم الاصفر المتخللة في تجاويف القلب والظلمة هي البخار اللطيف الغير المحسوس في تجاويف القلب الذي يعبر عنها الاطباء بالروح الحيواني وبحر النور هو الروح القديمة التي هي عبارة عن الخلق الآخر في قوله عز وجل ثم انشأناه خلقا آخر وهذه الحجب جهات تجليات تلك الروح من حيث كونها حاملة لظهور اسم من اسماء الله تعالى بصفة من صفاته
قوله صلى الله عليه وآله الكرسي يريد صلى الله عليه وآله به مبدأ السدرة المنتهى وجنة المأوى ونهايات الاشياء وهو نور الستر الظاهر بظهوره في الفلك الثامن نفسه لا من حيث البروج والمنازل كما تقدمت اليه الاشارة وهو ذات الله العليا والنفس التي لا يعلم ما فيها عيسى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن لم يعرفها ضل وغوى والاضافة في ذات الله العليا لامية تمليكية يعني ذات مملوكة لله سبحانه وهي اعلى الذوات المملوكة واشرفها وهي سر بسم الله الرحمن الرحيم وباءها
قوله صلى الله عليه وآله العرش يريد به القطب الاعظم والنور الاقدم وعلم الكيفوفة ومصدر البداء وعلل الاشياء على حسب مراتبه واركانه وانواره واسراره وامداداته الى غيرها من الاحوال التي لو تصدينا لشرحها لادي الى التطويل فاكتفينا بالاشارة لاهل التلويح وهذا الحديث ( الشريف خ ) صلى الله على قائله جمع اصول مراتب العلويات مما يطلق عليه السموات في الظاهر والباطن بطبايعها والوانها
واما اسماء السموات فعن امير المؤمنين عليه السلام ان ( اسم خ ) سماء الدنيا رفيع وهي من ماء ودخان واسم سماء الثانية قيدوم وهي على لون النحاس والسماء الثالثة اسمها المأدوم وهي على لون الشبه والسماء الرابعة اسمها ارفلون وهي على لون الفضة والسماء الخامسة اسمها هيفوف وهي على لون الذهب والسماء السادسة اسمها عروس وهي ياقوتة خضراء والسماء السابعة اسمها عجماء وهي درة بيضاء ه واهل الحروف ذكروا لكل سماء اسم ( اسما خ ) آخر وقالوا ان السماء السابعة اسمها عجوبيا ( عجويبا خ ) والسماء السادسة اسمها بريقا والخامسة عرتقا والرابعة افلون والثالثة ماعون والثانية برقيد والاولى برقيقا ولا تتوهم ان قول امير المؤمنين عليه السلام في السماء الثانية انها على لون النحاس ينافي ما تقدم من تلويح الحديث وما اتفق عليه اهل الفلك من ان طبعها بارد يابس او بارد رطب او حار رطب كما عن اهل الحروف ولا يقتضي احد من هذه الطبايع لون النحاس لانه حار يابس في الثالثة لانا نقول ان لون النحاس هو الحمرة الا ( انها خ ) على ثلثة انواع فيه احدها حمرة تميل الى البياض وثانيها حمرة تميل الى الصفرة وثالثها حمرة تميل الى السواد وانت قد علمت ان في طبع ذلك الفلك رطوبة سيالة وهو في باطنه حار رطب فباطنه يقتضي الصفرة وظاهره يقتضي البياض او السواد فاذا اجتمع البياض والصفرة تحدث عنهما الحمرة فان نظرت الى ظاهره من جهة السواد بملاحظة البرودة واليبوسة يكون اللون حينئذ حمرة تميل الى السواد لان البرودة واليبوسة مختلطة مع البرودة والرطوبة فافهم وان نظرت الى خفاء الحرارة فيه واستجنانه وعدم ظهوره الا قليل تكون الحمرة الى البياض اقرب ولك ان تجعل لون النحاس اشارة الى الخضر من جهة زنجاره كما ورد التصريح به في بعض الروايات في المولود الفلسفي وزنجار النحاس الاخضر فحينئذ يكون المراد بيان لونه من جهة ذاته ورتبته وفعله فانه آخر مراتب السدرة المنتهى التي تغرد على اغصانها طيور اخضر
واما بيان قوله عليه السلام في السماء الرابعة انها على لون الفضة مع ان لونها الحمرة على مقتضى طبيعتها من الحرارة واليبوسة ولم يذكروا لها طبيعة اخرى والفضة لونها البياض على مقتضى طبيعة التي هي البرودة والرطوبة وهذا نقيض ما هو المعروف من الشمس والامام عليه السلام ما يقول الا الحق والمعروف عندهم ايضا حق لدلالة العقل والنقل والوجدان والمشاهدة فاعلم ان الشمس التي هي صاحب السماء الرابعة لها احوال منها حال مبدئيتها وانها اصل ومنشأ للافلاك الستة الباقية وهي منها نشأت وعنها برزت واليها عادت ومنها حال كونها ظاهر العرش المركب من الانوار الاربعة المعروفة من النور الابيض والنور الاصفر والنور الاخضر والنور الاحمر ومنها حال كونها مربية للمواد ومفيضة على الاستعداد وكل هذه احوال ذاتية حقيقية يترتب عليها احكام ظاهرية وباطنية فالحالة الاولى تقتضي البساطة وسلب الاضافة ورتبة القهارية فاذا اردنا ان ننسب اليها لون ( لونا خ ) في هذه الحالة ما يليق بها ( لها خ ) الا البياض لانه ابسط الالوان واشرفها حتى قالوا انه ذاتي وليس بلون وهذا هو لون المبدأ وقد ظهر هذا اللون من الشمس اوما ترى بياض النهار خصوصا الصبح الكاذب والصادق ولا شك ان بياض النهار والصبح ليس الا من الشمس وقد صرح بذلك مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام في حديث انوار العرش الى ان قال عليه السلام ونور ابيض منه البياض ومنه ضوء النهار وعلى هذا فالمناسب للتعبير هو لون الفضة التي في الغاية والنهاية في صفاء البياض والحالة الثانية حالة الامتزاج وقوة التركيب المستلزمة للاعاجيب فاذا اردنا ان ننسب اليها اللون في هذه الحالة نعبر عنها بالوان الطواويس وهو كما ترى من ضوء الشمس اذا نظرت اليها تحت حجاب اسود فانك ترى الوان ( الوانا خ ) مختلفة من الحمرة والصفرة والخضرة والحالة الثالثة تقتضي الحرارة واليبوسة للتصعيد والتجفيف ونضج المواد وظهور مثال الفاعل فيه الظاهر يوم الرجعة فان الناس يرون جسد امير المؤمنين عليه السلام في عين الشمس فاذا اردنا ان ننسب اليها اللون في هذه الحالة نعبر عنها بالحمرة او الذهب او امثال ذلك وهذا كما ترى من ظهور الحمرة المشرقية والمغربية ( الشرقية والغربية خ ) عند تكاثف البخار او تراكم السحاب المزجي قبل ان يتراكم فعلى هذا فلا تنافي ولا تعارض بين الاخبار والروايات وكلمات سادة البريات
وقوله عليه السلام في السماء السادسة انها من ياقوتة خضراء يشير به الى حقيقة الامر في ذلك فان السماء السادسة هي سماء العلم وهو النور الاخضر الذي في الحديث المتقدم والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة
وقوله عليه السلام في السماء السابعة انها من الدرة البيضاء وقد قد قال في الحديث المتقدم انها من الذهب يشير به ايضا الى الواقع لان السماء السابعة سماء العقل ولا شك ان العقل نور ابيض فصح التعبير بالدرة روى عليّ بن ابرهيم عن ابيه عن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له اخبرني عن قول الله عز وجل والسماء ذات الحبك فقال محبوكة الى الارض وشبك بين اصابعه فقلت كيف تكون محبوكة الى الارض والله تعالى يقول رفع السماء بغير عمد فقال سبحان الله اليس يقول بغير عمد ترونها قلت بلى قال فثم عمد ولكن لا ترى فقلت وكيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه ارض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قبة والارض الثانية فوق السماء ( سماء خ ) الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة والارض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة ثم هكذا الى الارض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة وهو قوله خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن فصاحب الامر هو النبي صلى الله عليه وآله والوصي من بعده وهو على وجه الارض وانما يتنزل الامر اليه من فوق من بين السموات والارضين قلت فما تحتنا الا ارض واحدة قال وما تحتنا الا ارض واحدة واما مقدار السموات وسعتها ومركز جرمها ووزنها وسعة دائرتها وابعادها فهي مذكورة في كتب القوم فليراجع اليها اذ ليس في ذكرها هنا لنا مزيد فائدة اذ لسنا بصدد ذكر اقوال العلماء فما هو منسوب اليهم موكول الى كتبهم
قوله عليه السلام : خلق السموات بلا دعائم يريد به دعامة غير ذاتها عرضية لها كما في دعامة البيت حيث لا يستقر بدونها وهو كذلك فان هذه الحاجة من جهة ضعف البنية وخلطها مع طبيعة غيرها فاذا ارادوا رفعها الى احد مرتبة بسائطها لا يمكن الا بدعامة ارتباطها الى الجهة الاخرى الا ترى الجماد من المركبات فانه لا يمكن رفعها وتصعيدها الا باسطوانة رابطة بين الجهتين جهة العلو من جهة الهواء والنار وجهة السفل من جهة التراب والماء هذا اذا كانت الغلبة لاحدى الجهتين واما التساوي من جميع الجهات فالاطباء والحكماء على امتناعه لاستلزام عدم الامكان واما نحن فعلى جوازه وامكانه ووقوعه في الحضرة المحمدية صلى الله عليه وآله كما وصفه الله سبحانه بذلك حيث قال تعالى وانك لعلى خلق عظيم ومكانه ايضا في الوسط وهو رتبة القطبية وخلوص مقام الفقر الذي كان يفتخر به وحدوث الكرة المصمة الصحيحة الاستدارة وهذا كمال رتبة العبودية ولذا لما اراد الله سبحانه وصف تلك الخضرة ( الحضرة خ ) فحكي عنها بلسانها بقوله عز وجل اياك نعبد واشهد ان محمدا عبده ورسوله ولذا كانت تلك الخضرة ( الحضرة خ ) المقدسة هي الاسم الاعظم الذي ينجذب اليه كل شيء وينفعل له كل شيء لاعتدال المزاج وبلوغه رتبة السراج الوهاج واما اذا غلبت احدى الجهتين فالحكم للغالب مكانا وزمانا ووصفا وحكما لكن فيه ملاحظة ارتباط مع الجهة الاخرى واما اذا خلصت عن الاعراض والغرائب والاغراض وبلغت رتبة البساطة فهي في مركزها تدور ولا يلتفت ولا يميل ولا يرتبط بشيء ابدا في تقومه اصلا فلا يحتاج الى الدعامة لقوله عز وجل وما منا الا له مقام معلوم فلما كانت السموات في كمال بساطتها وشرفها وعلوها وخلوصها عن تدنس السفليات فهي في مقامها من غير دعامة تسبح الله سبحانه بسبعين الف ( الف الف خ ) لغة كل واحد لا تشبه الاخرى فاقامها الله سبحانه مقامها وادارها حول مركزها فهي دائمة الحركة بمدد الله سبحانه الى جهات امدادها واستمدادها الى ما لا نهاية ولها دعائم ذاتية وهي امر الله الذي قام به كل شيء قال سبحانه ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره قال عليه السلام كل شيء سواك قام بامرك وهو العمد التي لا يرونها قال تعالى رفع السماء بغير عمد ترونها وتلك العمد هي باب فيض الله من المبدأ اليها اي السموات فتقوم بذلك بمادتها وصورتها وتلك العمد هي العضد والركن قال عليه السلام في الدعاء اعضاد واشهاد وقال عز وجل وما كنت متخذ المضلين عضدا فدلت الآية بمفهومها على انه سبحانه اتخذ الهادين عضدا لخلقه والعضد هو الدعامة الا ان هذه الدعامة حكم ذاتي حقيقي ماتدرك بالحواس الظاهرة بل ولا الباطنية ايضا وانما تدرك بعين الله سبحانه وطرفه الذي يرى به نفسه وخلقه قال تعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وذلك النور هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وذلك النور هو نفس الدعامة قال عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة الحديث وهذه الدعامة هي قول الله سبحانه للشخص الست بربكم فافهم السر
قوله عليه السلام : واقامها بغير قوائم يريد مقام الاصدار فان قيام الشيء بالشيء له اربعة مقامات شرحناها مفصلا في تفسيرنا على آية الكرسي عند قوله تعالى الحي القيوم والاشارة اليه ان القيام اما قيام صدوري وهو قيام الاثر بالمؤثر والمعلول بالعلة كل واحد في رتبة مقامه او قيام تحققي ركني عضدي وهو قيام الشرايط بمشروطاتها واللوازم بملزوماتها والصور بموادها والعروق باصولها او قيام ظهوري كقيام اشعة الشمس بالارض وقيام الصورة بالمرآة ( وقيام الصفة بالموصوف خ ) او قيام عروضي كقيام الالوان والاعراض بالاجسام فقيام الاشياء بفعل الله سبحانه قيام صدوري ليس بينهما اتصال ولا انفصال ولا تباين ولا تناسب ولا تضاد ولا توافق ولا اجتماع ولا افتراق ولا غيرها من الاحوال المتعلقة بالخلق الظاهرة لان فعله سبحانه قد سبق هذه الاشياء كلها فلا يوصف بها ولا يجري عليه ما هو اجراه وقيام الاشياء بموادها وصورها قيام ركني عضدي اي كل واحد منهما عضد ودعامة مستقلة في تكونه واصداره وانصداره وهذا القيام يشترط فيه التناسب والتوافق والاتصال وعدم البينونة الاقترانية وقيامها بمظاهرها اي قيام المبادي والعلل الظاهرة باركان ظهورها التي هي نفس معلولاتها وعين آثارها قيام ظهور وهو قوله عز وجل فخلقت الخلق لكي اعرف وهذا هو السر في معمولية الفاعل للفعل في قولك ضرب زيد عمرا فان زيدا مرفوع على الفاعلية والعامل فيه هو ضرب وهو فعله فافهم فالموجودات على اقسام وانحاء منها ما يحتاج الى الغير ويقوم به في هذه القيامات الاربعة وهو اضعفها وادناها كالالوان ومنها ما يحتاج الى المقوم في الثلثة كالوجود المقيد باسره فان كل واحد من اجزائه وجزئياته متقوم بمادته وصورته قيام تحقق وعضد وركن وبعلته ومصدره وموجده قيام صدور ومادته متقومة بصورته قيام ظهور وصورته متقومة بمادته قيام تحقق وقيام عروض ايضا على اعتبار وهذه الموجودات تختلف احوالها واوضاعها في اللطافة والكثافة بحسب قلة الافتقار الى حدود الصورة واجزائها ومتمماتها وكثرتها والى تركب المادة وبساطتها فالمفتقر الى المادة البسيطة اشرف واعلى من المفتقر الى المادة المركبة والمركبة بالتركيب الاول اعلى واشرف من التركيب الثاني وكذا الصورة وهكذا الى ما لا نهاية له بحسب الاكوار والادوار والاطوار والاوطار وهذان القسمان من الموجودات لا رجحان لوجودهما وكونهما لانهما متوقفان في الكون الوجودي العيني الى الشرايط الخارجة عن حقيقة ذاتهما فان وجدت الشرائط وجدا والا عدما بالعدم الاضافي الامكاني ومنها ما لا يحتاج الا الى الواحد وهو المصدر خاصة ولا يترتب وجوده على شرط وحكم خارج عن حقيقة ذاته كالامكان الراجح والوجود الراجح والله سبحانه لما استوى برحمانيته على العرش فاعطى كل ذي حق حقه فاعطى ذي الاربعة وذي الثلاثة حقهما وظهر بنوره سبحانه وتعالى في ذي الواحدة فتجلى له به واظهر مثاله وآيته ودليله فيه فهو فاعليته فيه وفي الاشياء وهو فاعل فعل ( الفعل خ ) اللازم الذي لا يتعدى الى المفعول به الا بامر خارج عن حقيقة ذاته فالسموات ان كان المراد منها ( بها خ ) سموات عالم الاطلاق فالقوائم والاعضاد كلها منتفية هناك مما ترى وما لا ترى لان تلك هي افلاك الانوار التي تمحى بها الاغيار والقوائم اغيار وهي تستلزم الاكدار قال مولينا سيد الشهداء والصديقين روحي فداه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فتدور تلك السموات دورة متوالية لا الى نهاية لا بل ليس هنا توالي وعدمه وانما تدور على ( الى خ ) قطبها لا الى جهة ولذا كانت الجهات كلها جهاتها قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله قال الحجة عجل الله فرجه وجعلني فداه ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان ه فلو كان لتلك المقامات جهة ومكان لكان لها تعطيل وتلك السموات هي التي سمع ايوب صوت حركات افلاكها سماعا جزئيا ولم يطق حتى شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله تعالى اليه ما اوحى فابلاه الله سبحانه ما ابتلي به كما هو مفصل في حديث سلمان ويأتي بيانه انشاء الله تعالى مفصلا مشروحا وتلك السموات لا محور لها اذن لا غاية لسيرها ولا نهاية لكرها سبحان من هو ملكه دائم لا يزول وان اريد بها سموات عالم التقييد على ما هو المحقق عندنا لا على ما يعرفون من معنى الاطلاق والتقييد فتلك السموات لها دعائم ذاتية غير مرئية وهي مواد وجوداتها وذوات اعيانها واكوانها السائرة لا الى جهة المسخرة لها اليها لان تلك رشح تلك السموات ودليل ذلك العالم البحت البات وصورها واشباح هياكلها وامثالها السائرة الى جهة لكون سيرها الى المحور وعلى المحور فحدث لها قطبان قطب جنوبي وقطب شمالي فيكون لها مشرقان فهنالك ( فهناك خ ) التدبير لحكم التقدير ولما كانت تلك الاشباح وان كانت كما قال الله عز وجل وطبيعتك خلاف كينونتي لكنها ( لكنه خ ) على ما قال سبحانه كما في الحديث القدسي اني جعلت معصية آدم سببا لعمارة الدنيا كانت تلك الاشباح حجبا رقيقة واستارا دقيقة لا تمنع من نفوذ النور من عالم السرور فاستولى عليها ( عليه خ ) حكم ذلك الصقع فخرجت مشابهة له وحكايته ( حاكية خ ) عنه فظهرت بهيئة الاستدارة لبيان العبارة فاستدارت على نفسها في مركزها من جهة مبدئها وخالقها وما ارتبطت بشيء آخر غيره فاقامها الله سبحانه مقامها وماربطها بقائمة ودعامة ( غيرها خ ) وتفضل عليها بالتأثير لانها وصلت مقام اجعلك مثلي حيث عملت على مقتضى الاولى اطعني وهذا معنى قولهم احسن الاشكال شكل المستدير فصارت السموات مرتفعة ظاهرا وباطنا بغير قوائم وحيث ان مولينا الامام ( وامامنا ) الرضا عليه السلام اثبت لها قوائم ودعامة واستدل بمفهوم الصفة واشار الى حجيته في قوله تعالى رفع السموات بغير عمد ترونها فلا بأس ان نشير الى قوائمها الغير المرئية فنقول ان الدعامة العظمى والقائمة الكبرى لكل السموات وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن هو امر الله سبحانه القائم به كل شيء وهو الجوهرة الالهية واللطيفة الاكسيرية السارية في كل اكوان البرية قال امير المؤمنين (ع) وان من شيء الا وفيه منه اصل ( او فرع خ ) وهذا مادة الاكسير ويصلح للتعلق بكل اسم لكل فلز من فلزات العالم والسماء السابعة لها دعامة من تلك الدعامة الكبرى الا انها من الدرة البيضاء والسماء السادسة لها دعامة من الزمردة الخضراء والسماء الخامسة لها دعامة من الياقوتة الحمراء والسماء الرابعة لها دعامة من الذهب والسماء الثالثة لها دعامة من العقيق الاصفر والسماء الثانية لها دعامة من الحديد المزعفر والسماء الاولى لها دعامة من الفضة البيضاء الصافية وهذه ( هي خ ) دعائم الافلاك وقوائمها الا انها ليست مستقيمة وانما هي مستديرة وكل ذلك صفة العمود الذي من النور عند اهل بيت المعمور لان الله تعالى يعطي وليه عمودا من نور يرى به اعمال الخلائق في تكوينهم وتشريعهم وذواتهم وصفاتهم وقراناتهم واعتباراتهم حين التكوين وقبله وبعده وذلك العمود هو اول ظهور النور الامري وهو دعامة العرش وقائمته فافهم والا فاسلم تسلم ثم اعلم ان المتبادر من القوائم هو الاربعة اذ ذات القوائم هي التي كل اضلاعها تكون قائمة وهذه لم يتحقق الا في المربع فتعليق الامام عليه السلام الاقامة بالقوائم اشارة الى ان الشيء لا يقوم ظاهرا معروف الحكم مشروح الاسباب ومبين العلل الا باربعة اضلاع لتمام الوفق المربع فمهما نقص منها ضلع واحد لا يتحقق ولا يتقوم ولذا كان شكل المثلث شكل الاعدام والافناء والاهلاك بخلاف المربع فانه للتأليف والمحبة والمودة ولا تتوهم ان ذلك ينافي ما اطبق عليه علماء الهيئة ودلت عليه التجربة ان نظر التثليث في الكواكب نظر محبة وصداقة والفة ونظر التربيع نظر العداوة والبغضاء لان التثليث عندهم هو التربيع والتربيع انما هو التثليث واختلفوا في الاسم بحسب الظاهر للامر الظاهري من بعدهما بثلث الفلك او ربعه وثلث الفلك هو مائة وعشرون درجة وهذا مربع لكونه مخرج الربع بخلاف ربع الفلك لانه تسعون وهو مخرج الثلث وليس له مخرج الربع ابدا ابدا فيكون مثلثا فنظره عداوة وفساد ولهذا الكلام مرادات كثيرة طويتها للتطويل
قوله عليه السلام : وزينها بالكواكب المضيئات اعلم ان الله سبحانه لما خلق نار الشجر الاخضر نظرت الى نفسها فخمدت وبردت ثم نظر اليها الرب سبحانه وتعالى فذابت وماعت فخلق الله سبحانه من نارها الافعال التي من صفاتها عند ظهور المثال الفاعل ومن برودتها وخمودها وجمودها المفعول ومن الرطوبة الذاتية ( الذائبة خ ) السيالة ارتباط الفاعل الى المفعول وارتباط المفعول الى الفاعل فاذا تعددت المفاعيل تتعدد وجوه تلك النار في ذلك المفعول الذي هو الارض والماء بنفخ ريح الجنوب فادام الملك في الملك ورجع من الوصف الى الوصف فان كان ذلك في صقع واحد يكون التعدد في الاشخاص وان كان في صقع مختلف فان كان على جهة الانجماد فالفاعلية على حسب تلك الجهة فان كان في العقول يظهر الفاعل باستوائه على العرش الذي هو العقل الكلي وبظهوره ووجوهه في العقول الجزئية فكانت فاعلية كل جزء ووجه من العقول هو الوجه الجزئي من العقل الكلي الذي ظهر له به وان كان في عالم النفوس يظهر باستوائه على العرش الذي هو النفس الكلية وبظهوره ووجوهه في النفوس الجزئية فكانت فاعلية كل جزء ووجه من النفوس هو الوجه الجزئي من النفس الكلية التي ظهر لها بها وهكذا الى عالم الاجسام ولما كان الفاعل انما يوجد المفعول في رتبة المفعول لا في رتبة ذاته يكون ظهور الفاعلية على حسب ذلك المفعول فان كان المفعول غيبيا كان الفاعل بظهوره كذلك وان كان شهوديا كان الفاعل ايضا بظهوره شهوديا وهكذا ( كذا خ ) الحال في كل الاحوال في كل الاطوار الا ان في كل عالم تظهر تلك النار التي هي مثال الفاعل وظهوره على كل ذلك العالم مجملا ثم تظهر بوجوهه ورؤسه في تفصيل ذلك العالم فلما كان الفاعل محيطا بجميع مراتب المفعول وقد قلنا للفاعل في كل عالم ظهوران اجمالي وتفصيلي فيكونان هذان الظهوران فلكين محيطين بكل مراتب المفعولات وفي الفلك الثاني الذي هو مقام التفصيل تظهر شعلات تلك النار متمايزة بالتعلق الا ان تلك الشعلات في كل عالم بحسبه فان كان في عالم الارواح فانوار وان كان في عالم الاجسام فشعلات جسمية نورية حاملة لظهور الفاعل على حسب استعداد القابلين وتلك الشعلات التي هي حوامل ظهور الفاعل بالتدبير والتقدير هي الكواكب لينطبق الظاهر بالباطن والمعنى باللفظ ولما كان الفلك الاول لا كثرة فيه لكونه مقام الاجمال لم يظهر كوكب فيها لشدة اللطافة واما الفلك الثاني فمن جهة كونه مقام التفصيل ظهرت الكواكب فيه مفصلة مشروحة فكان كل كوكب مظهر فعل من الافعال الجزئية ومتعلقا بمفعول من المفعولات السفلية والفلك بمنزلة جسد الكوكب والكوكب بمنزلة قواه لا يستغني احدهما عن الآخر بل قوام الفلك بالكوكب كما قال صلى الله عليه وآله ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان الكواكب امان لاهل السماء فجعل الله سبحانه الكواكب كلها في الفلك الثاني فالله سبحانه زين السموات بالكواكب وجعل الكواكب كلها في الثامن وامد الافلاك بها وجعل لكل فلك من السبعة كوكبا واحدا والوجه كما ذكرنا لان الكواكب هي مظاهر التدبير ومحال مشية الله المتعلقة بالعوالم الجسمانية ومهابط التجليات الروحانية ومواقع الفيوضات الرحمانية في المقامات التفصيلية ولما كان الكرسي هو محل التفصيل ومظهر الانوار العرشية من الجليل والقليل ظهرت الكواكب التي هي محال تلك ( الانوار خ ) ومجالي تلك الآثار على التفصيل فيه فليس للكوكب موقع ومحل الا هناك والا لم يكن الكواكب اسباب التأثير او لا يكون الكرسي مقام التفصيل وقد دل الدليل العقلي والنقلي على الامرين وهو مثال اللوح المحفوظ والنفس الكلية والظاهر طبق الباطن كما ان العرش مثال القلم والعقل واما السبعة فلما كانت اسباب التمكين وآلات التكوين وبدونها لم تتحقق الفيوضات والوجودات في العالم السفلى وقد قلنا ان المؤثر في الحقيقة هو الكوكب ( الكواكب خ ) والفلك هو محل لذلك وان كان له ايضا تأثير من نوع تأثير الكوكب ونظيرهما في العالم الصغير هو القوى الاربع بالنسبة الى كل البدن من الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة وجب ان يكون كل فلك من السبعة محلا لكوكب واما وجه انقسام الكرسي من جهة الكواكب الى البروج والمنازل والدرج واختصاص كواكب البروج والمنازل باغلب التأثيرات دون غيرها فاعلم ان النفس الرحماني الاولى او الثانوي لما تعلق بالايجاد على جهة الابتداع ظهر من كل واحد منهما على جهة الترتيب ثمانية وعشرون اسما من اسماء الله سبحانه وبها قوام الاكوان والاعيان والانقلابات التي تقع في الزمان والمكان ولذا جرت الحروف التدوينية التي هي اصول الصفات الحرفية والاشباح المنفصلة في كل التأثيرات والتركيبات الغير المتناهية على ذلك العدد فلتلك الاسماء مظاهر ومجالي يظهر في كل عالم بحسبه فظهرت في الصفات الحاكية التدوينية حروفا وفي العوالم الغيبية حقائق وفي العوالم الشهودية كواكب ولذا انقسمت منطقة البروج الى هذه الاقسام الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر لانها المبادي والعلل في الجسمانيات وهو مقام الباء في البسملة قال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وهنا وجه آخر دقيق وهو ما قلنا سابقا ان الوجود مع ما فيه من الاحوال والاوضاع انما هو متقومة بيد الله سبحانه وكلما في الكون قبضات تقبضه اليد اما باليمين او بالشمال وان كانت كلتا يديه يمين والاشارة الى الاول قوله عز وجل وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون والاشارة الى الثاني قوله عز وجل ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون والاشارة الى ان كل الوجود بيد الله سبحانه قوله عز وجل قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء واليد قد ظهرت في اليمين والشمال وهما اليدان وكل يد مشتملة على اربعة عشر عقدا فالمجموع ثمانية وعشرون وهو عدد المنازل واربعة عشر منها نورانية ابدا وهي ( هو خ ) صراط علي حق نمسكه واربعة عشر منها ظلمانية ابدا لتمام ظهور اليدين في المقامين واما البروج فاعلم ان الاسماء الكلية التي عليها مدار الكون اثني عشر اسما وهو قوله عليه السلام ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت الى ان قال عليه السلام فجعله اربعة اجزاء ليس واحدا ( واحد خ ) منها قبل الآخر وحجب واحدا منها وهو المكنون والمخزون واظهر ثلاثة منها لفاقة الخلق اليها ثم جعل لكل واحد اربعة اركان فذلك اثني عشر ركنا وهذه الاثني عشر هي الاصول وعليها يدور الاملاك الاربعة جبرئيل وعزرائيل واسرافيل وميكائيل وبها قامت اركان العرش ثم يفصل كل ركن او قل كل اسم الى ثلاثين اسما او ركنا فيكون التقسيم في الاثني عشر ثلاثمائة وستين اسما وكل هذه الاسماء مندرجة تحت هيمنة اسم الله والرحمن ولما كان رتبة الالوهية رتبة البساطة والقدوسية والتنزيهية وليس فيها تكثر الاسماء والصفات والاضافات الا ذكرا وامكانا واجمالا والظهور في عالم البروز الى هذه المراتب والمقامات والاسماء والصفات في رتبة الرحمانية والعوالم متطابقة والاكوان متناسقة جرت الحكمة في ابداع عالم الشهادة والاجسام على ذلك النهج ولما كانت المشابهة والمناسبة بين الاثر وصفة المؤثر مما لا بد منه ليمكن للاثر التلقي والاستفاضة من المؤثر وجب ان تكون لتلك الاسماء مظاهر تتجلي بها في العوالم الشهودية وقد اثبتنا ان المبادي العالية في الكون الجسمي هي الافلاك لا غير اذ ما من الطف واشرف منها فوجب ان تكون هي المظاهر ولما كانت الالوهية والرحمانية لهما هيمنة وتسلط واحاطة على كل الاكوان والاسماء فكذلك الفلكان الاعظمان لهما احاطة تامة على كل الاجسام ولما كانت الالوهية مقدمة ومحيطة على الرحمانية كان مظهرها في عالم الاجسام وهو الفلك الاول كذلك ولما كانت الالوهية ليست فيها الكثرات الاسمائية الا بالذكر وجب ان يكون المظهر على هيئة الظاهر فلم يكن في الفلك الاعلى كوكب وكثرة بوجه من الوجوه ولما كانت الرحمانية تحت الالوهية وعندها ظهرت الاسماء وفصلت ووجدت المتعلقات والاسماء المتقابلة كان مظهرها تحت مظهر الالوهية ولما كان مظهر الالوهية هو الفلك الاول كان مظهر الرحمانية هو الفلك الثاني ولما كانت الكواكب على ما عرفت مظاهر التدبير ومواقع الاسماء ظهرت الكواكب كلها في فلك البروج فظهرت اولا مبادي الاسماء واصول مظاهرها وهي الكواكب المركوزة في المنطقة المحيطة بكل ذرة من ذرات الوجود فكانت البروج الاثني عشر على طبق الاسماء والاركان الاثني عشر فطابق المظهر الظاهر ذلك تقدير العزيز العليم ثم قسم كل برج ثلثين قسمة على قياس تقسيم كل من الاسماء الاثني عشر الى ثلثين اسما منسوبا اليها فبلغت الاسماء الى ثلثمائة وستين كذلك البروج قد قسمت على ذلك النهج فصار تقسيم مجموع الدورة ثلثمائة وستين درجة وهي تمام الدورة وقد علمت ان الكواكب كلها في الكرسي وما سواه من الافلاك ليس في كل منها الا كوكب واحد واما قوله سبحانه انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد فالمراد به الدنيا بمعنى الادون فان السماء الحقيقية سماءان سماء عليا وسماء دنيا فالعليا هو العرش وهو الفلك الاعظم ثم ( من خ ) بعدها يكون السماء الدنيا والسماء الدنيا هي الكرسي على هذا الاعتبار والكواكب كلها مركوزة فيه على الواقع او يراد من السماء الدنيا آخر الافلاك كما هو الظاهر المتبادر من اطلاقات كلمات اهل العصمة عليهم السلام فحينئذ يكون المراد بتزيينها بالكواكب لكونها اول محط نظر الناظر فتظهر الكواكب فيها منطبعة كالهواء المنطبع فيه الصور والهيئات والاشكال والمقادير وعدم الظهور لا يستلزم عدم الوجود مع ان هذا امر واضح فان الكواكب تختلف هيئاتها بحسب النظر لغلظة الهواء ورقتها وكثافته ولطافته الا ترى الشمس في بعض الايام كبيرة عند الطلوع فاذا بلغت كبد السماء تصغر وكذا القمر وكذا سائر الكواكب وليس ذلك الا للانطباع والا فذات الشيء الواقعي لم تتغير ولم تتبدل ولم تزل على حالها والتغير دليل الانطباع كصورتك في المرآة فعلى هذا كل فلك من الافلاك تحكي الكواكب بل كل السوافل اذا كانت صيقلية الا ترى المرآة والماء وسائر الاجسام كيف يحكي الكواكب بمثالها وشبحها وهي في مكانها فاذا اريد بيان امر من الامور يذكر ما هو الاقرب الى المبين له فتكون السماء الدنيا اعم من فلك القمر وكرة النار وكرة الهواء وكرة البخار والهباء فان السماء تطلق عليها كما في قوله تعالى وانزل من السماء ماءا واما كيفية تركيب الكواكب وخلقتها فاعلم ان الله سبحانه خلقها سبع طبقات من صفو العناصر الاربعة من عالم هورقليا كل كوكب على حسب ما فيه من القوة وتختلف قوى الكواكب وطبايعها والدليل على اختلاف طبايعها اختلاف الوانها واعمالها وآثارها واشعتها وتأثيراتها في العالم السفلى ولا تسمع الى ما يقولون من ان الافلاك بسيطة ليست مركبة من الطبايع المختلفة فان ذلك انكار للاحساس والوجدان ودليل العقل يأبى عن ذلك اذ من المحال ان يجعل الله سبحانه الشيء الواحد في الطبيعة والمزاج والذات مختلف الاحوال والتأثير والالوان وما هكذا جرت عادة الحق سبحانه لان ذلك يستلزم الجبر وخلاف الحكمة بل الكواكب مركبة من الطبايع المختلفة فالشمس من نور النار وصفاء الماء والقمر من صفاء الماء ونور النار وزحل من صفو التراب وخالص الماء والزهرة من صفو الهواء وهكذا وهذه العناصر ليست من عناصر هذه الدنيا وانما هي من عناصر اسفل هورقليا وقولي انها سبع طبقات اريد به وفاقا للاخبار الكمال المطلق فان صنع الله سبحانه على نظم محكم متقن وخلقه على طور واحد والشيء لا يبرز في الوجود الا جامعا للاصلين اصل راجع الى المبدأ واصل راجع الى نفسه فالاصل الاول مبدأ الفرد لفردية المبدأ والاصل الثاني مبدأ الزوج لزوجية المصنوع ومن كل شيء خلقنا زوجين ومبدأ الفرد ليس الا الثلثة لان الفرد الظاهر في المفعول والمقترن به ليس الا الواحد وهو ليس الا الثلثة لنظر ذلك الواحد حين الاقتران الى اعلاه واسفله ونفسه وهذه الثلثة في عالم الجمع يعبر عنها بالواحد وفي عالم الفصل والفرق يعبر عنها بالثلثة وعن هذه الثلثة في عالم النور يعبر عنها بالظاهر والمظهر والظهور وفي عالم الخلط والمزج يعبر عنها بالعقل والنفس والجسد وهكذا الامر في كل شيء فافهم ان شاء الله ومبدأ الزوج ليس الا الاربعة لان التأليف لا يتحقق الا بقيام الزاوية ولا يكون كذلك الا المربع والمثلث القائم الزاوية مربع حقيقة ولما كان كل الاشياء جامعة لهذين الاصلين خرجت كلها في الوجود مسبعة الا ان هذا التسبيع مختلف في الخفاء والظهور فكلما هو اقرب الى النور والى المبدأ اظهر في الفعل والتأثير لانه جامع مملك فيكون واسطة في الايجاد في المراتب السبعة كلها ولذا ترى مبادي الكون من حيث الكمال اما سبعة او مثناها قال تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم روى عليّ بن ابرهيم عن الباقر (ع) انه عليه السلام سئل عن الشمس لاي شيء صارت اشد حرارة من القمر فقال عليه السلام ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباسا من النار ثم صارت اشد حرارة من القمر قيل والقمر فقال عليه السلام ان الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت به سبعة اطباق البسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر ابرد من الشمس ه وشرح كيفية هذه الاطباق وبيان حقيقة المزج يطول به الكلام فاكتفينا بذكر الحديث وما تقدم من الكلام ينبئ عن هذا المرام
قوله : عليه السلام الكواكب المضيئات اما الشمس فلا شك ولا ريب ان ضوءها ذاتي ليس بمكتسب وحديث ان نور الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي لا يراد منه الحكم الجسمي وانما يراد منه الامداد الباطني الحقيقي وقولي ان ضوءها ذاتي لا اريد به انها مستقلة في ذلك كلا وحاشا بل على ما روى الصدوق في التوحيد باسناده عن ابيذر قال كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه وآله ونحن نتماشي جميعا فمازلنا ننظر الى الشمس حتى غابت فقلت يا رسول الله اين تغيب فقال في السماء ثم ترفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون ( بها خ ) ثم تقول يا رب من اين تأمرني ان اطلع أمن مغربي ام من مطلعي فذلك قوله عز وجل والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم يعني بذلك صنع الرب العزيز بخلقه قال فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقدار ساعات النهار في طوله في الصيف او قصره في الشتاء او ما بين ذلك في الربيع والخريف قال فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها قال صلى الله عليه وآله فكأني ( بها خ ) قد حبست مقدار ثلث ليال ثم لا تكسي ضوءه وتؤمر ان تطلع من مغربها فذلك قوله عز وجل اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت والقمر كذلك من مطلعه ومجراه من افق السماء ومغربه وارتفاعه الى السماء السابعة ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بحلة من نور الكرسي وذلك قوله تعالى جعل الشمس ضياءا والقمر نورا ه وروى الكليني في الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام ان الشمس لها ثلاثمائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كل يوم على برج منها فاذا غابت انتهت الى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة الى الغد ثم ترد الى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وان وجهها لاهل السماء وقفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحرقت الارض ومن عليها من شدة حرها ومعنى سجودها ما قال سبحانه الم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ه فمعنى ذاتية ضوء الشمس مع ما ذكر في الحديثين الشريفين ان الله سبحانه وهبها النور تفضلا ومنا لما سئلت الحق سبحانه عن ذلك لما من الله عليه بقوة الطلب فهي دائما تسئل النور والله سبحانه يمدها به من جوده وموهبته ويده فيفيض سبحانه بها على ما سواها والوجه في ذلك ظاهر ظاهرا وباطنا اما الاول فلان الشمس اذا غابت تغيب معها الانوار كلها فلو لم تكن الانوار بها ( لها خ ) او هي مكتسبة مما هو اقوى منها يجب ان يقوم ذلك النور مقام نورها اذا غابت ولم تحدث الظلمة كالقمر اذا غاب يقوم نور الشمس مقامه وهو اقوى منه وذلك في محل المحاذات مع ان الشمس اذا ظهرت تغيب انوار غيرها من الكواكب ولا شك ان القوي يضمحل الضعيف فلو كان في الكواكب ما هو اقوى منها لما خفى عند ظهورها لان العالي اذا اشرق يضمحل السافل كنور السراج عند نور الشمس وهذا ظاهر معلوم واما الثاني فاعلم ان الشمس مربية للوجود الثاني في السفليات وهي مربية للمواد والمواد اصل لوجود الشيء فان الشيء ليس الا مادة وصورة والصورة ليس الا الحدود والعوارض والهيئات وهي لا قوام لها الا بالمادة ولا شك ان المادة هي جهة الفاعل لعلوها وشرفها ووحدتها وبساطتها والصورة هي جهة القابلية ( القابل خ ) لاختلافها وتكثرها وتضادها ولما كان الاثر يشابه صفة مؤثره وجب ان يكون مربي المادة اشد واقوى واظهر واتم واثبت وانور عن مربي الحدود والصور او المجموع من حيث الصورة والا لزم عدم دلالة الاثر على المؤثر فان الاثر القوي يدل على المؤثر كذلك ولما كانت الشمس هي مظهر الفاعلية لكونها تربي المادة التي هي جهته وجب ان تكون منيرة ( نيرة خ ) لذاتها من غير الاكتساب لكون الفاعل نيرة بذاته قال تعالى الله نور السموات والارض والمظهر لو كان له جهة غير جهة الظهور لم يكن مظهرا فوجب ان تكون الشمس مضيئة بذاتها اي بان جعلها الله سبحانه حين خلقها كذلك فلما كانت هي مظهرا لفاعليته فتكون مستوي الرحمن وقلب الانسان فتدور الكواكب الاخر التي هي بمنزلة القوى والآلات لما فوقها وتحتها كالقوى الانسانية بالنسبة الى قلبه فظهرت فيها الانوار وصارت مجمع الاسرار فامدت الفلك السابع اي كوكبه وهو زحل من ذات النور الابيض فكان باردا يابسا كما قال الرضا عليه السلام ان الله ما خلق نبيا الا وهو صاحب مرة سوداء صافية وحارا رطبا ليحكي مثال الشمس الظاهر فيه فان النبوة هي الشمس وامدت السماء الاولى اي كوكبها وهو القمر من صفة النور الابيض التي هي الحيوة والتصوير وامدت السماء السادسة اي كوكبها وهو المشتري من ذات النور الاخضر فكان باردا رطبا وامدت عطارد صاحب السماء الثانية من صفته وامدت المريخ من ذات النور الاحمر وامدت الزهرة من صفته فكانت الكواكب الستة كلها مستمدة من الشمس ومكتسبة عنها لان حكم الله سبحانه وتعالى في الاكوان واحد كما ان الفيض انما يصل الى كل شؤن الشيء واضافاته واحواله واطواره واوطاره بواسطة الفيض المفاض على مادة ذلك الشيء كذلك العلة المادية المطلقة بالنسبة الى العلة الصورية وقد بينا ان الشمس هي العلة المادية بمعنى ان المواد انما تربي بنظرها فتكون العلل المتعلقة بشؤن المواد مكتسبة عن العلة المتعلقة باصل المواد وهذا معنى قوله عليه السلام وبالمشية كانت الارادة وبالارادة كان القدر وبالقدر كان القضاء وقوله عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم على انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك ولما كان عالم الوجود المطلق الذي هو عالم الفعل عالم البساطة والوحدة كان اعتبار المقامات السبعة فيه على جهة التعلق والالتفات والتوجه الى المتعلق ولما كانت الكواكب هي مظاهر الافعال في عالم التفصيل اي عالم الاجسام خرجت تلك السبعة التي لا يكون شيء الا بها مفصلة مشخصة اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والسافل هو تفصيل وجوه العالي ولما كانت المشية في تلك المراتب هي الاصل وسائر المراتب كلها عنها تشعبت وتأصلت وهي وجوه لها واولادها كان الامر كذلك في عالم التفصيل فمثال المشية التي هي الشمس اصل لمثال المراتب الاخر التي هي الكواكب الاخر وانما كانت الشمس مثالا للمشية لانهم عليهم السلام فسروا المشية بانها الذكر الاول للشيء والمراتب الاخر حدود لذلك الذكر والذكر الاول للشيء لا يكون الا احداث مادة الشيء اذ ليس للشيء قبل مادته ذكر اصلا الا في الامكان والصلوح ولا شك ان الشمس هي مربية للمواد فتكون مثالا للمشية في عالم المواد فتكون اصلا للكواكب الستة الباقية الا ترى السبع المثاني في قوله عز وجل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ان الاصل فيهم واحد والباقون كلهم متشعبون منه وهو الشجرة والباقون اصلها وفرعها ولقاحها وتلك السبعة هو محمد صلى الله عليه وآله
وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى
فاذا ثنيت تكون اربعة عشر كما ظهر في الخاتم المكرم سبعة باربعة عشر حرفا ولا شك ان محمدا صلى الله عليه وآله هو الشمس فيهم وهو افضلهم وسيدهم وهم مستضيئون بضوئه كالضوء من الضوء صلى الله عليهم اجمعين وكذلك الامر قد جرى في مثال تلك الامثال العليا والاسماء الحسنى وكذلك الامر في السبعة الانسانية وهي قلبه اللحم الصنوبري وصدره الذي هو وعاء لقلبه والبطون الخمسة التي للدماغ التي هي محل المشاعر الخمسة ولا شك ان القلب هو سيدها ومولاها وفخرها وشرفها وكلها تستمد منه وهو محل الحرارة الغريزية التي حيوة كل البدن بها وتلك السبعة ( الستة خ ) رؤسها والطف ما في البدن من القوي والآلات فصارت محلا للارواح ومسكنا لظهور الاشباح والقلب هو مثال الشمس لكونها هي الحرارة الغريزية للعالم ولذا اذا كورت ( الشمس خ ) تتكدر النجوم فان كان تكريرا ( تكويرا خ ) تفكيكيا يخرب العالم ويفسد النظام وان كان انكسافيا يحصل خلل كلي بقدر الكسف من محاذي المنكسفة عنه فيجبر ذلك بالصلوة كالحرارة الغريزية اذا انطفت في البدن ينطفي سراج البدن فان البدن لتلك الحرارة كالدهن للنار واصلاح البدن وافساده بحسب قوة الحرارة الغريزية وضعفها وصفائها وكدورتها كما هو مقرر عند الاطباء ولا شك ان القوي كلها مستمدة منها فاذا ثنيت هذه السبعة بالروح والجسد فان القلب روح واللحم الصنوبري جسده وكذلك الصدر وسائر القوي فيكون المجموع اربعة عشر فجسد الشمس وروحها كليان بالنسبة الى غيرها كالقلب فافهم فدل العقل والنقل والآيات الآفاقية والانفسية على ان الشمس هي الاصل في الكواكب السبعة وضوء الكل مكتسب عنها واما الكواكب الاخر المركوزة في الفلك الثامن فضوؤها لظهورها ايضا منها وان كانت لذاتها من العرش بالكرسي اما في عالم الوجود المطلق فالكواكب هناك هي الاعيان الثابتة في العلم الامكاني في الامكان الراجح ولا شك ان ذلك غيب لا يظهر في الكون العيني والكوني مشروح العلل مبين الاسباب الا بالمشية هي ( التي خ ) مثالها الشمس كما مر واما في عالم هياكل التوحيد وقصبة الياقوت فجلال القدرة التي هي الولاية المطلقة لم تظهر الا عند الطواف حول جلال العظمة فكان جلال العظمة الذي مثالها الشمس سببا لظهورات ( لظهور خ ) جلال القدرة كما قال النبي صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وكان يطوف حول جلال القدرة فاذا انتهى الى جلال العظمة ثمانين الف سنة خلق الله نور عليّ عليه السلام فكان نور عليّ يطوف حول جلال القدرة ونوري يطوف حول جلال العظمة ه وظاهر جلال القدرة هو اللواء التي يؤتي بها في القيمة والنبي صلى الله عليه وآله على الوسيلة وهي المنبر التي لها الف مرقاة ومن كل مرقاة الى الاخرى عدو الفرس الجواد الف سنة وعليّ عليه السلام تحته صلى الله عليه وآله بمرقاة وتلك اللواء لها سبعون الف شقة وكل شقة تسع الخلق اجمعين فتعطي النبي (ص) وهو صلى الله عليه وآله يسلمها بيد عليّ عليه السلام قال صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعليّ حاملها واعطيت الحوض وعليّ ساقيها واعطيت الجنة والنار وعليّ قسيمها والنبي الطائف حول جلال العظمة هو الشمس والولي الطائف حول جلال القدرة قبل الطائف حول جلال العظمة هو الكرسي والولي الطائف حول جلال القدرة بعد الطائف حول جلال العظمة هو القمر فتلك الولاية الاولية الاصلية التي هي ولاية الله في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق ظهرت مشروحة مفصلة حين قال النبي صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه حين انتجبه الله في القدم على سائر الامم واقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وكان ذلك في شهر رجب من اشهر الحرام ( الحرم خ ) وكان الاظهار في عالم الاسرار وعالم الانوار وعالم الاظلة وعالم الاشباح وعالم الاجسام وعالم الاجساد وعالم الاعراض ( الارواح خ ) وعالم الاوضاع والاضافات والقرانات والالزامات كلها في شهر ذيالحجة من اشهر الحرام ( الحرم خ ) فامر النبي صلى الله عليه وآله بالاستزادة لقوله عز وجل قل رب زدني علما لاظهار تلك النجوم وهو صلى الله عليه وآله طلب التحير فاقتضى التحير ان يدور على منطقة ذلك الفلك ولا يتعداه لا الى نهاية ولا الى جهة وقولي منطقة هو عين قولي القطب في الحقيقة وان كان باعتبار الفرق في الظاهر وتلك المحاذات صارت ( صار خ ) سببا لظهور ما اراد الله سبحانه من تلك الكواكب قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والارض فعلمه سبحانه في الكرسي الذي وسع كل شيء وقال عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فالشمس رسول الله الى خلقه يفيض عليها من نور العرش الظاهر بالكرسي فهي مظهر لتلك الانوار وحاوية لتلك الاسرار فلولا الشمس ماظهرت تلك الانوار فبها ظهرت وعنها برزت نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وانا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وانا من محمد كالضوء من الضوء والمراد بالكرسي هو بحر القدر الذي هو سر من سر الله وحرز من حرز الله وستر من ستر الله مختوم بخاتم الله موضوع عن العباد علمه رفعه الله فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الصمدانية ولا بعزة الوحدانية بحر زاخر كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيئ لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وتلك الشمس هي مظهر ما في البحر ومضيئة ما فيه من احكام البداء وعلل الاشياء وكون المحو والاثبات فانتشر العلم بمحمد صلى الله عليه وآله الى عليّ وفاطمة والطيبين من اولاده صلى الله عليهم كالشمس الظاهري بالنسبة الى الكواكب الاخر وذكر جميع الاحكام يطول به الكلام فاكتفينا بما ذكرنا ما اسعدك لو وفقت لفهمه واما في العالم الانساني فاعلم ان القلب هو مظهر ما في النفس من احكام الصنع والايجاد والتربية والادراك وكل الاحوال المنبثة في الجوارح والاعضاء والامدادات الروحية الغيبية المجردة المتعلقة بالبخار اللطيف الذي في تجاويف القلب المتعلق بالدم الاصفر الذي في اسافل تجاويف القلب المسمى في عرف الاطباء بالروح الحيواني كلها انما تظهر ظاهرة منبثة في الاعضاء والجوارح والعروق والاعصاب والعضافير ( الغضاريف نسخة ١٤٢ خ ) والاوردة والعضلات وسائر المخارج والمداخل البدنية وما يتصاعد الى الدماغ ويصير مبدأ للقوى النفسانية المسمى في عرفهم بالروح النفساني وما يتسافل الى الكبد ويصير مبدأ للتوليد والتنمية والتغذية المسمى في عرفهم بالروح الطبيعي كل ذلك انما هو ظهورات الروح الاصلي الظاهر بالبخار اللطيف المتعلق بالحرارة الغريزية التي بها قوام الجسد فما ظهرت تلك النجوم الغائبة الا بالشمس التي هي الحرارة الغريزية المستجنة في القلب ولذا كانت الحرارة دائمة النظر والتعلق والالتفات بذلك البخار فلا تفارقه ابدا والا لاختل الجسد وفسدت البنية ولما تطابقت العوالم وصار العالم السفلى وجها للعالم العلوي اقتضى ان يكون الشمس الظاهري التي هي احد الكواكب السيارة مظهرة للكواكب المركوزة في الفلك الثامن وان كان ذلك الكواكب اعلى مرتبة منها كما ورد ان الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش الحديث ومن ذلك ظهر لك ( سر نسخة ١٤٢ خ ) كون سير الشمس دائما على منطقة البروج وعدم مفارقتها اياها والامدادات الواردة على العالم السفلى كلها من قرانات الشمس مع تلك الكواكب وذلك الفلك وهو من الفلك الاعلى وهو من العرش المركب من الانوار الاربعة النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وانت لو نظرت الى الشمس تحت حجاب اسود لرأيت هذه الانوار كلها ظاهرة فيها متمايزة واما اضاءة الكواكب فهي اشارة الى امدادها لاهل السموات واهل الارضين على ما في الحديث ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان الكواكب امان لاهل السموات ووجه الاشارة في قوله عز وجل الله نور السموات والارض فالعلة مطلقا فاعلية كانت ام معدية ام مادية منورة ومضيئة لمعلولاتها ولذا اتى عليه السلام بالضوء بصيغة المتعدي للاشارة الى السر كما في الدعاء اللهم اني اسئلك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي فالاضاءة هي التأثير بالضوء سواء كان كالضوء من الضوء كالعلويات او كالنور من المنير كما في السفليات لان الاضاءة اشارة الى اللطيفة الزائدة على ذات الشيء فبتلك الزيادة تمد سافلها من الاحكام الوجودية والتكليفية الذاتية والصفتية وامثالها فقامت السموات والارض باضائة الكواكب اما الارض ومتولداتها من الجماد والمعدن والنبات والحيوان فظاهر واما السموات فالافلاك محال ومواقع للنجوم وجسد للقوة الفاعلة الطبيعية ولا شك ان المحل متقوم بالحال والحد بالمحدود والجسد بالقوة الطبيعية من المرارة مثلا فلولا المرارة لم تتقوم البنية فالحرارة واليبوسة مثلا وان كان في كل الجسد الا ان مجمعها في المرة الصفراء ومنها يستمد باقي الاعضاء وكذا سائر القوي فالكوكب يفضل على الفلك كفضل القوة على الجسد ولذا ترى الكواكب ولم تر الافلاك وذلك لقوة التركيب ( وخ ) لقوة ظهور النور فيها دون الفلك فان التركيب والتصوير مستلزم للرؤية لا الكثافة على ما يزعمون من ان الكواكب اجسام كثيفة ترى والافلاك اجسام لطيفة لا ترى فان ذلك باطل اذ لو كان كذلك للزم الطفرة لاجتماع الكثيف واللطيف في الرتبة الواحدة ويلزم على هذا التقدير ان يكون الهواء الطف من الكواكب وفي هذا بطلان كل شيء يعود الى مركزه لقول امير المؤمنين انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فيجب ان يكون الهواء على هذا التقدير اعلى رتبة ومكانة من الكواكب ويجب ان تقتضي الحكمة كونها تحت كرة الهواء مع ان الواقع خلافه والله سبحانه لا يفضل المفضول على الفاضل اذ كلما كان اكثف اقرب الى الارض واحوالها فلا يقرب الى السماء بل يكون عين السماء الا ان يقولوا بجواز الطفرة وجواز تقديم المفضول على الفاضل كما تقوله المعتزلة فحينئذ ينقطع الكلام فصريح القول وصحيحه ان الكواكب اجسام لطيفة عالية صافية والرؤية ليست لاجل الكثافة والثقالة اذ ليست شرطا للرؤية الا ترى الاشباح الظاهرة في المرايا وغيرها من الاجسام الصيقلية مع ان رتبتها فوق محدد الجهات ولطافتها اشد من لطافة محدد الجهات اي محدبه وكذا الارواح المتنزلة الى مقام البشرية مثل جبرئيل اذا تصور بصورة دحية الكلبي وامثال ذلك فان المقادير والهيئات لا وزن لها ولا ثقل والماء الصافي اذا حركته يتكدر ويحجب وليس ذلك من جهة عروض كثافة عليه زائدا عما عنده اولا فمقتضي الرؤية وعلتها قوة التركيب وهو لا يستلزم الثقل المستلزم للنزول فالكواكب قوي نورانية صيغت بقدرة الله تعالى صيغة اشد واقوى من صوغ الافلاك فلها تركيب اقوى واشد من تركيب الافلاك وقد ورد في الاخبار على ما تقدم ان الشمس لها سبع طبقات وكذا القمر ولذا ترى التأثير في الكوكب ( الكواكب خ ) اكثر واشد بل لا يحس تأثير الافلاك باجرامها الا قليلا ولذا اذا غربت الشمس يبرد الهواء مع وجود فلك الشمس وكذلك القمر وسائر الكواكب وهذا معلوم فالكواكب لها رتبة تساوي فيها جرم الافلاك وزيادة ولذا لما انشق القمر ما انخرق الفلك ولما نزل الى جيب النبي صلى الله عليه وآله ماحصلت في الفلك الثقبة الا ترى الى الجسم المطهر النبوي صلى الله عليه وآله مع انه يرى لم يكن له ظل لشدة نورانيته وصفائه وانه اعلى من عقول النبيين عليه وعليهم سلام الله ابد الآبدين وقد صعد بجسمه الشريف المحسوس الى السماء وما حصل منه خرق فدل العقل والنقل ان مدار الابصار ليس الكثافة كما عرفت وانما هو التركيب والتحديد فافهم ثم ان الامام عليه السلام اشار بذكر خلق السموات اولا الى ان خلق السموات مقدم على خلق الارض كما هو الواقع وخلق اليوم مقدم على خلق الليل وان كانت الآيات والاخبار بظاهرها على ما تعرفه العامة مختلفة اذ يستفاد من بعض الآيات تقدم السماء على الارض كما في قوله عز وجل والارض بعد ذلك دحيها ومن بعضها العكس كالاخبار كقوله تعالى خلق الارض في يومين ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها ولا منافاة في الحقيقة لان الله سبحانه وتعالى لما اجرى عادته على الخلق والايجاد على مقتضى القابلية استدعي ظهور المقبول بعد وجود القابل وترتب آثار الفاعل الذي وجهه المقبول انما هو بعد وجود القابل الا ترى ان اتصاف ظهور زيد بالقائم ما يمكن الا بعد تحقق القيام فبالقيام يظهر القائم فافهم المثال التقريبي ولما كانت السموات مبادي وعلل والارض ( ومن خ ) فيها قوابل لم تظهر السموات تامة الحركات صحيحة الطبقات ظاهرة الدلالات الا بعد اتمام وجود الارض القابلة لفيضها فمادة السموات موجودة ومتحققة قبل الارضين واما تسويتها سبع سموات وظهور الحركات ماتحققت الا بعد ذلك ولذا قال عز وجل ثم استوى الى السماء وهي دخان فدل على انها كانت ( دخانا خ ) فان الله جل وعلا لما خلق الياقوتة فنظر اليها بنظر الهيبة فماعت وذابت ثم سلط الريح على ذلك الماء فتموج فازبد وصعد منه دخانا ( دخان خ ) فخلق الله سبحانه من الزبد الحاصل بعد الدخان الارض ثم سوى الدخان سموات واخرج الشعلات المستجنة في زبد البحر فزينها بالكواكب المضيئات ثم ادار العلويات على السفليات فاخرج ما اراد من الحيوان والنبات كذلك صنع ربنا لا اله الا هو العزيز الغفار وكذلك حكم الليل والنهار فان الله سبحانه لما خلق الدنيا كان طالع الدنيا السرطان والكواكب في اشرافها فكانت الشمس في كبد السماء اول وقت صلوة الظهر فلما تحركت الافلاك ظهر الليل ثم دار الفلك حتى ظهر النهار فصار مبدأ حساب اليوم من الليل فتقدم الليل على النهار لتقدم الظلمة على النور في قوس الصعود وتقدم القوة على الفعل والا فالنور مقدم على الظلمة والنهار على الليل في القوس الاول النزولي وتمام الكلام في هذا المرام ربما ذكرنا فيما بعد ان شاء الله
قوله عليه السلام : وحبس في الجو سحائب مكفهرات لما فرغ الامام عليه السلام عن ذكر المبادي وعلل الكينونات التي هي السموات والكواكب المضيئات في عالم التفصيل ومقام التحويل اراد ان يبين كينونة المعلولات وكيفية تلقيها الفيض عن العلل العاليات فابتدأ بذكر سحائب ( السحائب نسخة ١٤٢ خ ) المكفهرات فهو كلام جامع للمقامات وحاو للامور الشتات والاشارة الى مجمل بيانه اعلم انا قد ذكرنا ان المبادي هي الحديدة المحماة بالنار او انها خلقت من النار والمعلول والسافل هو الارض التي هي مطرح اشعة المبادي وقابلية فيضها ولما ان المبادي فعلها وتأثيرها في المفاعيل ليس في رتبة ذاتها اذا لاحترق المفاعيل اذ لا تقوى فيجب ان يكون ذلك الفعل والتأثير تحت الحجاب لتتمكن التلقي من ذلك الباب بذلك الجناب ويجب ايضا ان يكون ذلك الحجاب من رتبة مقام المفعول والا لارتفعت فائدة اخذ الحجاب وجعل الجناب والامر بقرع الباب ولما كان نظر الفاعل الى جميع مفعولاته على حد السواء كان حجابه ايضا كذلك واختلاف الحجب لاقتضاء كينونة المفعول وجب ان يكون ذلك الحجاب هو عين حقيقة المفعول وتجلي الفاعل له به ولما قررنا ان السموات هي المبادي بالكواكب وهي لا تؤثر في المفعولات اي المتولدات بذاتها اذا لنفدت وفسدت واختلفت ( اختلت خ ) وانما هي ذوات مستقلة لا يطرأ عليها الفساد والبيود والدثور بالنسبة الى سافلها كانت لا تؤثر الا بمثالها وهو اشعتها وذلك المثال من حيث حكايته لتأثير المبدأ من حيث هو تأثير المبدأ نار لما ذكرنا وشرحنا فظهرت الكرة النارية التي هي مجمع اشعة الكواكب من حيث كونها حاملة لنار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية وكانت شجرة موسى حكاية ومثالا لها ان قلت انك ( قد خ ) قررت سابقا ان الكواكب مختلفة في الطبايع نارية وهوائية ومائية وترابية فكيف تكون الكرة النارية اشعة الكواكب على الاطلاق قلت لا منافاة لان تلك الطبايع في صقعها ونسبة بعضها مع بعض واما بالنسبة الى السافل كلها نار بل اشد لكونها حينئذ حاملة للمثال الملقى في هويتها كالفتاة الغربية المعبر عنها بالحمامة عند اهل الصناعة ويحكمون عليها بالبرودة والرطوبة مع انها في الشدة والحرارة اشد من النار المعروفة وكذلك الماء الاول الذي يأخذون عند ( عنده خ ) تفصيل المادة الى النطفتين يحكمون عليه بالبرودة والرطوبة مع انه في الحرارة بحيث لو استشم انسان بخاره المتصاعد منه لمات في ساعته وهم انما قالوا بالاضافة ففي الفتاة الغربية بالنسبة الى الفتى الشرقي والفتى الكوشي وفي الماء الاول بالنسبة الى الماء الثاني الغليظ الذي هو في قوام العسل وكذلك اذا قلنا ان القمر بارد رطب وزحل بارد يابس والزهرة حار رطب والمريخ حار يابس فافهم ولما كانت الارض هي القابلية باردة يابسة لا تقوى على الحرارة النارية الفلكية لاحتراقها وفنائها وعدمها اذ البرودة ما تبقى عند ظهور سلطان الحرارة واليبوسة من سنخها فتعدم الغريب وتجذب اليها القريب فيبطل تركيب ذلك الشيء واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد بعد قوله عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم وفي هذا فناء المعلول وعدمه وهو خلاف ما هو المقصود والمراد وجوده وتحققه وربط الاسباب بالمسببات والعلل بالمعلولات احتاجت الى وقاية لتحفظ وجودها باستمرار اشراق نار الايجاد عليها وتلك الوقاية هي الرطوبة المعتدلة لانها تحفظ تأثير النار لعدم الغرابة الكلية وتحفظ اليبوسة ايضا عن الاعدام بالمرة ولذا كانت الوقاية هي النون اذا ارادوا ان يقوا الفعل عن الكسر الذي هو من خواص الاسم في قولهم ضربني زيد والنون هي الرطوبة وهي مداد القلم في قوله عز وجل ن والقلم وما يسطرون فافهم ضرب المثل ولما كانت هذه الرطوبة ببساطتها يضاد الطرفين اي اليبوسة النارية واليبوسة الارضية وفي ذلك اعدامها اذ الضد لا يقوم مع الضد الآخر فجعل معها شيئا من طبيعتهما لتكون رابطة حافظة فانقسمت الى قسمين قسم اضيفت اليه الحرارة فالطفت ( فلطفت خ ) ورقت وصعدت الى العلو وقسم اضيفت اليها البرودة فثقلت وكثفت ونزلت الى السفل روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي سبحان من حكمه متقن وامره محكم تعالى ربي لا اله الا هو فتمت هذه المراتب وصارت اصولا للمبادي اي لظهوراتها وحقائق وموادا للمفاعيل وخزينة خامسة لا نفاد لها ينفق منها كيف يشاء وهي العناصر الاربعة التي تحت كرة القمر الاول او الثاني او الثالث وهكذا الى ان يتم اربعون او الف الف وهكذا الى ما لا نهاية له من الاكوار والادوار والاطوار ولما كانت النسمات وحقائق الذرات من الملأ الاعلى الذي وصفهم مولينا امير المؤمنين عليه السلام بانهم ( بانه خ ) صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فابان عليه السلام انها كالحديدة المحماة لقربها الى عالم النور وان فيها مثال الفاعل وقد عرفت ان مثال الفاعل ليس الا النار لان الله سبحانه خلق الفاعل من نار الشجرة وتلك النسمات لما اراد الله عز وجل اظهار القهارية والجبروت ويعرفهم توحده في الملك والملكوت وتقدسه في عالم اللاهوت انزلهم من عالم الى عالم ومن مقام الى مقام حتى انتهى بهم الى عالم الاجسام فرمي بهم الى الكثافات والكدورات لينالوا نصيبهم من الكتاب ويستوفوا حظهم من الخطاب ويثبت وقوفهم بذلك الباب ولواذهم بذلك الجناب فانزلهم الى الارض الجسمي فاستجنوا واستكنوا فيها عند نهايات الادبار فلما دعاهم الى الاقبال وجب فلق الارض لتظهر منها تلك الحقايق والانوار لتمكين قابليتهم للاجابة والفلق على انحاء ومراتب من الظاهري والباطني اما الباطني فقد مضى الكلام في شيء يسير منه عند قوله عليه السلام فتق الاجواء واما الظاهري فهو على قسمين قسم هو الشق المعروف كالينابيع والعيون والبئار او الشق لاستخراج الكنوز وهذا لا يراد به الا في المواضع التي يكون المستجن فيها استجنانا ظاهريا وعائيا ولا هكذا استجنان الارواح في الاجسام بل استجنانها استجنان غيبي لا بد من حل الارض وذوبانها لتخلص عن الاعراض المانعة وتحكي تلك الحقايق الالهية والحل لا يكون الا بالحرارة والرطوبة واليبوسة اذ الحرارة تفرق المجتمع والرطوبة تربط الاجزاء المنحلة بعضها مع بعض واليبوسة تجمعها قبل التفصيل والذوبان وبعدهما واليبوسة اذا كانت يبوسة ارضية كثيفة غاسقة لا يلينها ولا يحلها الا الرطوبة التي هي من سنخها وجنسها واما الرطوبات اللطيفة فلا تنفع لتليين الكثيف الغاسق لانك ان زيدت الحرارة تحترق وان قللتها يحتاج الى مدة طويلة يفوت بها المقصود وهذا امر ظاهر بديهي ما يحتاج الى البيان فثبت ان الرطوبات الهوائية اللطيفة لمجاورة النار ماتؤثر في حل الاجزاء الارضية الكثيفة فيجب ان تضاف اليها عند الحل الرطوبة ( الرطوبات خ ) المناسبة لمقامها وليس ذلك الا الماء ولما كانت الانوار المستجنة من النباتية والحيوانية والانسانية امورا غيبية يجب ان يكون الحل الواقع مؤثرا في الجهات الغيبية على حسب مقامه ولا شك ان الكثيف من هذا الكثيف لو فرض حله يبلغ الى ادنى مرتبة اللطافة وفي ذلك طول العمل من غير طائل وكذا الرطوبة التي تحل الاجزاء كلما كان الطف واعلى كانت في النفوذ اشد ولما كان الانحلال في غير الكبد ما يتحصل لحكم الحرارة والرطوبة اللائقة وجب ان يكون ذلك الانحلال في الهواء فحصلت ثلاثة اشياء الاول الاجزاء الارضية اللطيفة الغير الكثيفة الغير المجاورة للارض وهذه هي الهباء واذا اطلقنا الهباء نريد في هذا المقام هذه الاجزاء الثاني الاجزاء المائية اللطيفة المتصاعدة عن وجه الماء المختلطة بالاجزاء الهوائية وهي البخار الثالث الهواء بنفسه في الربع الاخير من حيث كونه حاملا لتأثير النار مترجما له عنها ولما وجب ميل السافل الى العالي وميل العالي الى السافل في تكون الشيء صعدت الاجزاء الارضية الى العلو الى جهة السماء ونزلت التأثيرات الكوكبية من كرة النار بحاملها الى الهواء فاجتمعت الامور الثلثة كلها في الهواء فلما انضمت الرطوبة مع اليبوسة بالحرارة ونفخ عليها بريح الجنوب مالت اليبوسة الى الانحلال والى الرطوبة ومالت الرطوبة الى الانعقاد والى اليبوسة الى سبعة ايام من ايام الشأن فانعقدت هذه الاربعة انعقادا لطيفا فصارت بالنسبة الى الذوبان والبساطة كثيفة فبقت ( فبقيت خ ) في الجو وانعقدت فكانت سحابا مكفهرا وهذا هو المادة لكل ما يتكون في الجو من الامطار والثلوج والطل والرعد والبرق والبرد والشهب وغيرها ولو اردنا شرح تفاصيل هذه الامور ان كان كما ذكروا فلا فائدة لذكرنا وان كان على ما عندنا من دليل الحكمة فيطول به الكلام وليس لي الآن اقبال ذلك لكن الذي ذكرنا من دليل الحكمة من بيان مادة السحاب يظهر الباقي لمن له نوع فطانة وذكاوة وانس بكلماتنا وهذا معنى قوله عليه السلام وحبس في الجو سحائب مكفهرات اي مغلظات وانما وصفها عليه السلام بها للاشارة الى اسرار كثيرة يضيق الصدر باظهارها ولا يضيق بكتمانها ان في ذلك لآيات للمتوسمين وهذه الكثافة امر عرضي ليست بذاتية وانما هي لتحقق الاعراض واستخراج الذوات فجاء سر المتشابهات وهذه انما كانت من المفعول قد حجبت عن الفاعل الذي قوامها به وهو العلويات من الافلاك والنجوم فقل النور على وجه الارض وتكدرت
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الارض مغبر قبيح
لكن هذا الحجب ليس كليا وانما هي جزئي اسرع ما يكون في الاضمحلال لانه مجتث وانما اوتي به اتماما لقابلية المفعول واستنطاقا لطبايعهم مع انه ليس محيطا بكل اقطار الارض ليحتجب نور الشمس بالكلية وانما هو محاذي جزء من اجزاء الشمس او القمر بالنسبة الى الناظر فاذا تطرف عنه الناظر يرى الشمس ظاهرا عيانا من غير حجاب ويشاهد جمال المحبوب المطلوب من غير نقاب ان في ذلك لآيات لاولي الالباب واليه الاشارة بقوله تعالى الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا عسى الله ان يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وكان الله غفورا رحيما وقوله عليه السلام وحبس في الجو الخ جواب عن كل الاعتراضات ورد لكل الشبهات ومتمم لما سبق من الكلمات فانه اثبت عليه السلام بقوله الحمد لله الذي فتق الاجواء الولاية المطلقة الظاهرة في جلال القدرة رتبة الواحدية حضرة الاسماء والصفات والاضافات ومقام قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه واثبت بقوله عليه السلام خلق السموات بلا دعائم الخ مقام حامل اللواء وقوله تعالى وان الله هو العلي الكبير ومقام قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فلما تمت البراعة واظهر السر التفت الى ما القى الشيطان في قلوب اوليائه اما لذاته او باللطخ والخلط من ان الامر لو كان كذلك فما وجه الضعف وعدم الظهور لان العلة ما تخفى ولا تهان فاجاب عليه السلام ونسخ ما القى الشيطان بقوله وحبس في الجو سحائب مكفهرات اشارة الى ان الخالق هو الحابس والسحاب هو جهات انية المفعول القابل حيث حجبته عن مشاهدة نور الظهور الساطع على الطور فلو كشف الحجاب لرأوا الامر واضحا ظاهرا فهو احتجب بهم فلو تطرفوا عن هذا الحجاب ودخلوا الباب لوجدوا الشمس ظاهرة بارزة تشرق الكون وتمد الخلق من المعنى والعين ولذا لما قيل لطلحة وهو يجود بنفسه من رماك يا طلحة قال رماني عليّ بن ابي طالب عليه السلام قيل انه ما يرمي بالنبل وانما يقاتل بالسيف قال ويحك اما تنظر اليه كيف يصعد الى السماء ويخرق الارض ويذهب الى المشرق والمغرب ويقاتل بالسيف ويرمي بالنبل ويقول مت يا عدو الله فيموت في ساعته وذلك عند ارتفاع السحاب وصرح عليه السلام بالذي فهمنا من التلويح من ان هذا جواب لما يتوهمه المتلونون او اثبات حقيقة الامر والواقع ولابدية الوجود المشوب بالظلمة من ذلك بقوله عليه السلام وكأني بضعيفكم يقول الا تسمعون الى ما يدعيه ابن ابي طالب في نفسه وبالامس تكفهر عليه عساكر اهل الشام فلا يخرج اليها وباعث محمد الخ وانما اتى بلفظ تكفهر للاشارة الى ان ذلك من تلك السحب ونحن ان شاء الله العزيز نكشف عن الواقع والحقيقة على التصريح اذا بلغنا شرح هذه الكلمات
قال عليه السلام وخلق البحار والجبال على تلاطم تيار رقيق رتيق فتق رتاجها فتغطمت امواجها
لما فرغ الامام عليه السلام عن بيان تفاصيل المبادي والاصول ومظاهر العلل الفاعلية وكيفية ربط الفاعل بالمفعول واتصال المسبب بالسبب ومعنى الايجاد والاحداث والاختراع والابتداع والامر الفعلي والمفعولي وبراعة هذه الخطبة الشريفة والى مظاهر التوحيد وهياكل التنزيه والتفريد الى غير ذلك من الامور التي جهلنا اكثرها واشرنا الى بعض ما عرفنا شرع عليه السلام في بيان العلل المادية ويلزمه بيان العلة الصورية وان الشيء في مكانه له مكانان مكان ذاتي طبيعي بحسب كينونته الثانية ومكان غير طبيعي في الظاهر المتوقف الى المعين لا القاسر فيتحلى حينئذ بحلية اهل ذلك المكان ويلزمه بيان ان الشيء قد يتعلق به النور فيصعد به الى اعلى المقامات ومكانه الاصلي في اسفل الدرجات بل الدركات الا انه ما يتحلى بحلية اهل ذلك المكان لان هذا الصعود والبلوغ عرضي يزول حكمه سريعا ولا تتوهم ان الذي ذكرنا هو المتحصل من هذه العبارات خاصة بل هذا وغيره وامور اخر مما لم يحط به علمنا ولم تبلغ اليه سعتنا وقد قالوا عليهم السلام ان حديثنا ذكي اي طري ابدا لا تفنى عجائبه ولا تبيد غرائبه كلما يتغوص السابح في تلك اللجة يرى البحر اعمق والساحل ابعد كيف لا وهو طمطام بحر الاحدية ولجة يم الوحدانية ولا ساحل لذلك وقد قال سبحانه وتعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وهم تلك الكلمات الاربعة التي بني عليها الاسلام المكررة ثلث مرات قال مولينا الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وبالجملة اياك ان تحصر معاني كلماتهم عليهم السلام فيما تفهم او فهم العلماء وان بلغوا ما بلغوا لانهم ما اوتوا العلم الا قليلا وهم سلام الله عليهم اوتوا العلم كله قال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فاحفظ وصيتي والله خليفتي عليك
قوله عليه السلام : خلق البحار اعلم انه لما كانت البينونة بينه تعالى وبين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة بمعنى ان الخلق صفات له سبحانه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له سري سر الوحدة في ذرات الوجود في الغيب والشهود فلم تجد شيئا وان عم وكثر الا واحدا ولذا ترى رتبة الاعداد اذ كل رتبة تفرض فيها تفرض انها واحد اذ الكسور التسعة لا يترتب الا على ما يفرض انه واحد والواحد لا كسر له وكل مرتبة تفرض من مراتب العدد وان تبلغ الى ما تبلغ ترى الواحد امامه فكلما تترقى في العدد لا يمكنك الوصول الى ذلك الواحد وهو امام كل عدد قال عليه السلام تدلج بين يدي المدلج من خلقك فالواحد عاد العدد ولا ينتهي الى امد الى الابد وذلك الواحد الساري في كل العدد من الاعداد الكونية والذاتية والصفتية والمقدارية والغير المقدارية من المتصلة والمنفصلة من جهة حدوثه وامكانه له شؤن واطوار ودرجات ومقامات وله فيها اوطار وتلك الشؤن والاطوار لها مقامان مقام ظهور عيني كوني مشروح العلل مبين الاسباب ظاهرا بالكثرات خارجا عن طور الوحدة بكثرة الاضافات والقرانات ومقام ظهور غيبي استجناني اي استجنان الاستعداد ( الاعداد خ ) والصلوح لا الشجرة في النواة ظاهرا بالوحدة بتكثر الاسماء والصفات فان الاسماء والصفات لا ينبئان الا عن الذات وهذا الامر الواحد الساري في الشئون والاطوار هو البحر عند اهل الاسرار والائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار كما دلت عليه الاخبار وشهد له صحيح الاعتبار وهو بحر حال ذوبانه وجبل حال انجماده نور في وحدته وظلمة في كثرته نار في ظهور مبدأه ولحاظ حرارة تعينه وماء في كينونته وبحر لامواجه او للواقف بساحله او للسابح في لجته او للصدف في قعره او لبعده في عمقه وعدم وصول المحاول اليه وغرقه او لحمله متاع غيره بسفينة ارتباطه وهكذا من ملاحظة الاطوار والاوطار قال الشاعر :
انظر الى العرش على مائه سفينة تجري باسمائه
واعجب له من مركب دائر قد اودع الخلق باحشائه
يسبح في لج بلا ساحل في جندل الغيب وظلمائه
وموجه احوال عشاقه وريحه انفاس ابنائه
فلو تراه بالورى سائرا من الف الخط الى يائه
ومرجع العود الى بدئه ولا نهايات لابدائه
يكور الليل على صبحه وصبحه يفنى باسمائه
وهذا المعنى الجامع هو المحصل من مفاهيم الفاظ اخبار اهل البيت عليهم السلام واما في الحقيقة فليس لاطلاقه في اغلب المواضع حقيقة جامعة فيكون الاشتراك بين تلك المواضع والموارد في اللفظ لا الحقيقة ولا تسمع الى ما يقولون من ان الاشتراك خلاف الاصل فيجب الحمل على الماء الكثير المالح لان المجاز لا يتصور قبل الوضع والوضع لا يتصور قبل حصول المعنى الموضوع له ولا شك ان تلك المعاني التي اطلق عليها لفظ البحر والماء قبل خلق السموات والارض فيكون بحار السموات والارض كلها تابعة لتلك الابحر وتأبي الحكمة الالهية ان يجعل التابع متبوعا في اللفظ فان الالفاظ صفات الكينونات فيجري على طبقها لئلا تتناقض احكام الله وتختلف ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فاوسع البحار واشملها واعمها واكثرها هو العمق الاكبر بحر الامكان وهذا بحر لا ساحل له ولا نهاية له ولا بداية له يجري من عين الرحمة الواسعة الى ما لا نهاية ثم بعده شمولا واحاطة بحر الوجود والماء الذي كان العرش عليه والماء الذي منه كل شيء حي وهو بحر الصاد واول المداد مجراه في الفؤاد بلا نفاد وهكذا في المراتب من البحر الابيض والبحر الاخضر والماء الاحمر والبحر الكمد والبحر الاسود والبحر الاشقر وبحر الظلمة التي تحت الحجب وبحر الحيوان الذي فوق السماء السابعة والبحر الذي بين السماء والارض والبحر المحيط على الارض والبحر القلزم والبحر الاخضر المسمى ببحر الفارس وهكذا الى آخر البحور التي ذكرها العلماء في كتبهم في هذا الشأن واشرف البحار واعظمها واحسنها بل لا بحر سواه هو بحر الاحدية وهو بحر الوجوب والازل الظاهر في الامكان للممكن والسابح في هذا البحر يسبح الى ما لا نهاية له ولا سفينة له سواه ولا ساحل له غيره ولا ملاح سواه ولا شراع غيره وذلك البحر هو بحر وسفينة وملاح وراكب وسائر ومطلوب ومقصود وساحل يسير به الى ربه في مقامات الامكان فلا نهاية لهذا السير ولا خروج عن هذا البحر ولا بلوغ الى الساحل ولا وصول الى المقصود ولا خروج عن المقصود وهو سبيل الله ولا ينقطع السبيل كلما يقطع مسافة يجد بعدها اخرى فلا وصول ولا اتصال ولا انفصال ولا اجتماع ولا افتراق سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وهذا البحر ليس هو ذات الله تعالى ربي عن ذلك وانما هو ظهور من ظهوراته لخلقه وهذا البحر هو الذي قال امير المؤمنين عليه السلام في الدعاء رب ادخلني في لجة بحر احديتك ولا موج لهذا البحر ولا اضطراب ولا اغتشاش ولا حركة ولا خوف ولا سارق ولا التنين ولا الحيتان ولا شيء وانما هو صرف التجلي وماء الظهور الخالص الصفي وهذا بحر المحبة محل الانس والشفقة ومقام ايثار المحبوب على ما سواه ومقام الفرق والفناء ومقام البقاء والبهاء ومقام سكر المعرفة فلا يرى السابح في هذه اللجة بحرا ابدا ولا يتوهم وانما لشموله واحاطته وسعته يفني كل البحور قال عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد ثم بعد هذا البحر في الشرف والبهاء والفخر بحر الوحدانية وهو بحر الواحدية قال امير المؤمنين عليه السلام وطمطام يم وحدانيتك وهذا البحر قد تموج بموج الاسماء وظهرت فيه سفن الصفات وشرعت بشراع المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان ويسير السائر الراكب في تلك السفن الى انحاء التجليات وساحل الظهورات ولا نهاية لذلك وهذا اول العدد وصاحب الابد بلا امد مع انه قد صح ان الواحد ليس من العدد ثم بحر القدر وهو بحر زاخر مظلم كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيئ لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وهذا البحر مادته نهر يجري من تحت جبل الازل الى ما لا نهاية له ولا يسبح في هذا البحر بالاصالة احد الا محمد واهل بيته الطيبون صلى الله عليه وعليهم وليس معنى سباحتهم احاطتهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء بل لزيادة التحير في عظمة الله سبحانه لشدة فوران هذا البحر وغليانه فافهم وهذا هو اللجج الغامرة التي لا يسبح ولا يسير فيها الا السفن العامرة قال عليه السلام اللهم صل على محمد وآل محمد السفن الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويخذل من تركها ثم البحور الاثني عشر التي تغوص فيها النبي صلى الله عليه وآله في العالم الاول حين استخلصه الله في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحيط به خواطر الافكار وتلك هي النجوم الاثني عشر والبروج الاثني عشر والشهور الاثني عشر وحروف لا اله الا الله المنبسطة في اقطار الكون وهم الائمة الاثني عشر عليهم سلام الله ابدا وكل واحد منهم سلام الله عليهم بحر قد احاط بشأنه كل الوجودات ولذا نقول ان كل واحد منهم علة مستقلة كلية في الايجاد بالله سبحانه وتعالى والله من ورائهم محيط عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ومعنى سباحة النبي صلى الله عليه وآله في هذه الابحر ظهوره فيهم كالعرش الظاهر في الكرسي في البروج الاثني عشر والمنازل الاربعة عشر النورية ثم البحور الاثني عشر او العشرين التي هي وجوه وظهور هذه الاثني عشر عند الامداد والافاضة وتلك الابحر انما وجدت من نور محمد صلى الله عليه وآله كما قال امير المؤمنين عليه السلام ان الله خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله عشرين بحرا من نور في كل بحر علوم لا يعلمها الا الله سبحانه ثم قال لنور محمد صلى الله عليه وآله انزل في بحر العز ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضا ثم في بحر الوفا ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقي ثم في بحر الخشية ثم في بحر الانابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدى ثم في بحر الصيانة ثم في بحر الحياء حتى تقلب في عشرين بحرا وهذه الابحر هي جهات العبودية المشار اليها بقوله اياك نعبد اذ العبد المخلص له في كل مقاماته انكسار وانفعال وتسبيح لله عز وجل وذلك هو البحر الذي يسبح فيه في ذلك المقام فاذا تم الانكسار والانفعال في كل المراتب والمقامات والحالات فتصفو طويته عن كل الرذائل والسيئات فتبلغ مرتبة الاكسيرية فيدعو الله باسميه الحي القيوم ويخاطب بخطاب انك لعلي خلق عظيم ولما كان الانسان قد خلق من عشر قبضات في الظاهر والباطن والغيب والشهادة فيكون له عشرون مقاما ولما كان في كل مقام له حال ذل ومسكنة بالنسبة اليه فتظهر جهة الحق فيه فيتسع المقام بظهور القادر العلام فيكون بحرا واسعا وطمطاما بالغا فيؤثر في غيره ويصفي بفاضل نوره ولذا قال عليه السلام فلما خرج من آخر الابحر قال الله تعالى يا حبيبي ويا سيد رسلي ويا اول مخلوقاتي وآخر رسلي انت الشفيع يوم الحشر ( المحشر خ ) فخر النور ساجدا ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة من نوره نبيا من الانبياء فلما تكاملت الانوار صارت تطوف حول نور محمد صلى الله عليه وآله كما يطوف الحجاج حول بيت الله الحديث ثم البحور السبعة التي اشار الحق سبحانه في كتابه المجيد قل لو كان في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وهذه الابحر هي التي يسبح الخلق فيها على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم على اختلاف مراتبها ومقاماتها وفي كل بحر للسابحين تسبيح فالبحر الاول هو البحر الابيض والماء الابيض الذي في قرب الجزيرة الخضراء بلاد القائم عليه السلام في المغرب وفي هذا البحر يسبح الله سبحانه بقوله سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح وسبحان الله ذي العزة والجبروت والبحر الثاني بحر الرقائق والماء الاصفر الذي لونه تسر الناظرين وفي هذا البحر يسبح الله سبحانه بقوله سبحان ذي العظمة والجلال والبحر الثالث البحر المحيط والقلزم المواج الذي يصعد باللئالي التي تحته ويلقي في اطرافه بحر كثير الموج وشديد الزلزال قد غرقت فيه سفن كثيرة وله جزيرتان احديهما في المغرب وهي الجزيرة الخضراء التي فيها اولاد القائم عليه السلام والاخرى في المشرق المكان الذي اغرق الله فيه فرعون وجنوده ومراكبه وهو من الخاسرين وفي هذا البحر يسبح الله بقوله سبحان ذي القدرة والملكوت والبحر الرابع بحر القوة والاستعداد ومقام الرجوع الى الطين وهو بحر شديد الحمرة وفي هذا البحر يسبح الله تعالى بقوله سبحان ذي الغلبة والقهر لا اله الا هو له الملك واليه يرجعون والبحر الخامس بحر الهيولي ولجة الهباء والماء الكمد وكل لئاليه زبرجد وفي هذا البحر يسبح الله تعالى بقوله سبحان ذي القوة والسلطان والبحر السادس البحر الاخضر المائل الى السواد وفي هذا البحر يسبح الله تعالى بقوله سبحان من خلق فسوى وقدر فهدى والبحر السابع البحر الاسود كالليل الدامس وهو القلزم الاعظم وفي هذا البحر يسبح الله بقوله سبحان من خلق وبرأ وقدر وقضى وامضى سبحان ذي الملك والملكوت وهذا البحر بين السماء والارض بل هو البحر الذي كان رتقا ففتق الله سبحانه من السموات والارض بدخانه وزبده ومن هذا البحر تشعب بحور كثيرة كبحر الحيوان وبحر الظلمة والبحر الذي بين السماء والارض وبحار الارض كالمحيط وغيره مما تشعب منه كما هو مذكور في كتب القوم ثم البحور السبعة التي اشار اليها مولينا الكاظم عليه السلام في تفسير قوله تعالى كما تقدم انها عين اليمين وعين الكبريت وعين ابرهوت وعين الطبرية وجمة ماسيدان وجمة ناجروان وفي نسخة بلعوران وعين افريقية الحديث وهذه الابحر هي الروابط والوحدة الرابطية كما ان الاصول تنقسم الى سبعة لظهور الكمال كذلك الروابط والمناسبات والحدود الشخصية المجتمعة وبيان ذلك مجملا ان الوجود في نفسه واحد ينقسم باعتبار قربه من المفيض وبعده وباعتبار قابلياته الى اقسام سبعة اشارة الى كماله في نفس انقسامه الى العدد الكامل وهذه الخمسة العيون والجمتان مختلفان فطيب بارد كعين اليمين وخبيث منتن اسود حار كعين ابرهوت ومختلط بين الحار والبارد فاذا اخذ كان الجميع باردا كعين الطبرية وبين الجاري كالعيون والراكد كالجمتين وفي المركبات الجسمية كعين الكبريت وغيرها وكل ذلك اشارة الى اقسام الوجود وانقسامه يعني ان الوجود المقيد ثقيله وخفيفه وكثيفه ولطيفه لو كان مدادا للكلمات وحصر فضائلها لنفدت قبل ان تنفد الكلمات عليهم السلام هكذا ذكره شيخنا الاستاد اطال الله ظلاله على رؤس العباد وهو كما قال سلمه الله واما معرفة تفاصيل هذه الابحر فيحتاج الى معرفة تلك البلدان وطبايعها واحوالها والكواكب المربية لها ومعرفة عرضها وطولها وحرها وبردها ومقتضيات خواصها وقرانات اوضاعها وطبايع احوالها واشخاصها ولم يحضرني الآن تلك الاحوال وعلى الله قصد السبيل ثم الابحر الاربعة وهي الانهار الاربعة كما ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز الاول الماء الغير الآسن وهو الجاري من ميم بسم وهذا الماء يجري تحت الحجاب الابيض الاعلى في عالم الوجود المطلق النازل بظهوره الذي هو اثره في اول رتبة الوجود المقيد النازل بظهوره الى ريح الصبا المستكن المستجن في الركن اليماني وعنده مجمع الرياح الثاني اللبن الذي لم يتغير طعمه وهو الحجاب الاصفر النور الاصفر المشرق من صبح الازل عند ظهور الصبح واسفاره وتبين الحمرة وهو النازل بظهوره في ثاني رتبة الوجود المقيد رتبة البراق مركب النبي صلى الله عليه وآله عند عروجه الى عالم القدس ومقام الانس الآخذ بزمامه اسرافيل النازل بظهوره الى ريح الجنوب المستكن المستجن في الركن العراقي من الكعبة شرفها الله تعالى الثالث الخمر الذي هو لذة للشاربين وهو الجاري من ميم الرحمن تحت الحجاب الاخضر في عالم الوجود المطلق مقام القدر والهندسة الايجادية النازل بظهوره واثره الى النور الاخضر المشرق من صبح الازل الذي هو القدر من عالم الامر وهو اللوح المنشور بين يدي عزرائيل النازل بظهوره الى ريح الشمال المستجن في الركن الشامي من الكعبة عظمها الله تعالى ظاهرا وباطنا الرابع العسل المصفى وهو النابع الجاري من ميم الرحيم تحت الحجاب الاحمر في عالم الوجود المطلق مقام القضاء والتركيب والالزام النازل بظهوره الى رابع رتبة الوجود المقيد وهو النور الاحمر المشرق من صبح الازل الذي هو نفس الوجود المطلق النازل بظهوره الى ريح الدبور المستكن المستجن في الركن المغربي ( الغربي خ ) والواقف عليه جبرائيل رسول الله الى انبيائه وهذا معنى قوله عز وجل مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم وانما اشير الى الاول بالماء الغير الآسن لانه بحر الحيوة وهو الرحمة قال تعالى انظروا الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وهو الماء الذي به كل شيء حي والى الثاني باللبن لانه مادة الحيوة وطارد الممات وهو البقرة الصفراء التي فاقع لونها تسر الناظرين قال الله عز وجل فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى لعلكم تعقلون واللبن اسرع الاشياء الى الاستحالة بالنطفة والظاهر طبق الباطن والصورة مثال الحقيقة فافهم والى الثالث بالخمر لانه مقام السكر وحالة الاضطجاع والكسالة قال تعالى لا تقربوا الصلوة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وقال تعالى ولا يأتون الصلوة الا وهم كسالي وهناك مقام الكثرة الحاجبة عن الوحدة ومشاهدة جمالها وجلالها فيظهر مقتضاها ان عمل فيها بمقتضاها في دار الآخرة من غير ما يترتب عليها مقتضاها الدنيوية فاشار بالظاهر الى الباطن فافهم والى الرابع بالعسل لانه حار يابس طبع النار نار الطبيعة المهيجة للاشواق الساكنة قال تعالى فيه بالطف اشارة للمؤمن الممتحن واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون والابحر الثلثة الاول بحر النور وهو عالم السرور عالم الجبروت وحجاب اللاهوت وخزانة الحي الذي لا يموت وهو اول العدد وصاحب الابد روحه نسخة الاحدية في اللاهوت وجسده صورة معاني الملك والملكوت وقلبه خزانة الحي الذي لا يموت طاوس الكبرياء وحمامة الجبروت كما قال امير المؤمنين عليه السلام الثاني بحر الظلمة وهو ظاهر اسم ذلك البحر وباب ذلك السور قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب اذلة على المؤمنين واعزة على الكافرين وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وفي الزيارة السلام على رحمة الله على الابرار ونقمته على الفجار الا ترى كوكب زحل فانهم حكموا له بالسواد المائل الى الحمرة وهو كذلك وقالوا انه نحس اكبر ودلت اخبارنا بانه كوكب امير المؤمنين عليه السلام وهو النجم الثاقب يأمر بالورع والتزهد ولبس الخشن الثالث بحر النار وهو مهيج الاشواق وراعي الاذواق ومملي الآفاق بالاشراق ولا يخاف في الله لومة لائم لشدة حرارة المحبة الغريزية والنائرة الطبيعية ولذا ظهر بالحمرة عند وفاته صلى الله عليه وآله ظهرت له الحمرة في آفاق السماء واعناق الهواء فاحرق بتلك النار الرطوبات واليبوسات الفضلية العارضية وهيج حرارة الشوق في الرطوبة الذاتية السليمة المعتدلة فاخذت تلك بالنضج وتلك بالاحراق الى ان يتم النضج ويحترق الاكدار فهناك تظهر شمسا مضيئة تستأهل اراضي القلوب لاشراقها ولا تطلب احتجابها بالسحب والليل فينادي منادي الحق الا ان الحق مع عليّ واصحابه من دون النداء الثاني لاحتراق النداء والمنادي قال عليه السلام عليّ ما رواه عليّ بن مهزيار في تفسيره في قوله تعالى سئل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج اليه في يوم كان مقداره خمسينالف سنة فاصبر صبرا جميلا انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا قال عليه السلام انه هو القائم عليه السلام وهو الغاشية في قوله عز وجل هل اتيك حديث الغاشية والتفسير الآخر لهذه البحور الثلاثة فاعلم ان بحر النور هو الحق لانه من بحر الصاد والنون والمزن وهذا الماء نور في القلوب وشفاء للصدور وبحر الظلمة هو الباطل لانه عكسه وضده وخلافه قال عليه السلام الرشد في خلافهم وبحر النار هو الامران المتضادان المتعاكسان احدهما النار التي بها تنضج ثمار الجنة وهي نار الشجرة في قوله تعالى ولو لم تمسسه نار وثانيهما نار الله التي تطلع على الافئدة قال الله تعالى وما ادريك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة انها عليهم مؤصدة في عمد ممددة والبحران قال تعالى هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وقال ايضا سبحانه وتعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان الاول البحر العذب وهو ماء الوجود لانه نور الله سبحانه قال عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال مولينا الصادق عليه السلام في تفسيره اي من نوره الذي خلق منه ه وهو الوجود لان الله عز وجل خلق الاشياء منه وهو نور الله لانه متعلق الجعل الذاتي وهو كالحديدة المحماة وهو بحر حقيقة لذوبانه وسريانه في كل امواجه وحدود تعيناته والثاني بحر الماهية وهو بحر الانية مقام الصورة وهو ملح اجاج لانه في سجين بل تحته وهو الطمطام فلا يسوغ شربه وهذان البحران مختلطان في غاية الاختلاط بحيث يصدق على المجموع اسم واحد لكن بينهما برزخ وحاجز من قدرة الله سبحانه يمنعهما عن استهلاك احدهما في الآخر بل هما باقيان بفعلهما وتأثيرهما ومقتضياتهما وخواصهما واحوالهما ( افعالهما خ ) كما كان قبل الاختلاط وهذا كمال القدرة وبالغ الحكمة اما ترى الرجل فانه مرة يعصي والاخرى يطيع فلو كان البحران فيه ممزوجين مختلطين وجب ان يصدر عنه امر ثالث لا طاعة ولا معصية كسائر المركبات ولو لم يكونا مختلطين ممزوجين وجب ان لا يصدق عليهما في حال التركيب اسم واحد فصح المزج والاختلاط من غير استهلاك وامتزاج وهذا شأن البرزخ وكل الوجود يدور على هذين البحرين ولم يخرج منهما شيء وهما الزوجان في قوله عز وجل ومن كل شيء خلقنا زوجين وقولهم كل ممكن زوج تركيبي فمن خرج عنهما فنى ولحق بالبحر الاعظم وهناك ايضا رائحة منهما وقال الله تعالى في سورة الرحمن مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الآية وفسر في الاخبار ان البحرين الملتقيين هما عليّ وفاطمة صلى الله عليهما والبرزخ بينهما هو رسول الله صلى الله عليه وآله واللؤلؤ والمرجان الخارجان من هذين البحرين الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة صلى الله عليهما وعلى جدهما وابيهما وامهما وابنائهما فعليّ عليه السلام بحر الولاية وفاطمة عليها السلام بحر وعاء الحكمة ورسول الله صلى الله عليه وآله بحر النبوة قد ظهرت المراتب كلها في الحسن والحسين عليهما السلام كما يشهد عليهما اسمهما الشريف كما نذكره ان شاء الله تعالى فيما بعد ثم البحر الواحد وهو بحر الصاد واول المداد وهو البحر الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة عرج فيها الى المعراج وصلى صلوة الظهر وهو دليل على ان هذا البحر هو مبدأ الوجود وعلة الموجود وهو الماء الذي كان عرش الرحمن عليه قال تعالى وكان عرشه على الماء وهو الماء الذي يسقي به جنان الصاقورة وقد سئل امير المؤمنين عليه السلام كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام اتحسن ان تحسب قال بلى قال عليه السلام اخاف ان لا تحسن قال بلى قال عليه السلام لو صب خردل بحيث ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء ثم لو عمرت مع ضعفك ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله عن التحديد بالقليل فكان الوجود باسره قد تشعب عن ذلك البحر وهو امر الله الذي قام به كل شيء فكل البحار خلجان من هذا البحر الواحد وهو ماء يجري من تحت جبل الازل الى ما لا نهاية له قال تعالى ليس لمحبتي غاية ولا نهاية واعلم ان اطلاقات البحار في اخبار الائمة الاطهار وكذا في كلام الله كثيرة ويريدون بها ما اشرنا اليه بالنوع بالاجمال ولو اردنا شرح ذلك كله لضاقت الدفاتر الا ان الذي له ادنى تأمل يعرف النوع مما ذكرنا ويحمل عليه ما لم نذكر واطلاق البحر على المراتب المذكورة والمقامات المسطورة ليس على سبيل المجاز كما يتوهمون وانما هو على سبيل الحقيقة الا ان في بعض الموارد كاطلاق الكلي على افراده من حيث انه كلي وفي المواضع الاخر على سبيل الحقيقة بعد الحقيقة وقد اشرنا في اول الكلام الى ذلك فراجع تفهم ولكن الذين ما انسوا بالعوالم الاخر ولاسمعوا منها رسما واسما ولا خبرا ما يتبادر عندهم البحر الا على مجمع المياه الكثيرة كما هو المعروف عندهم حتى حملوا قوله عليه السلام ان البحر الذي بين السماء والارض على مثل هذا البحر الماء الجسم الثقيل السيال ولعمري لو كان الامر كما يقولون لوجب ان لا يستقر ذلك البحر هناك ويلزم بذلك الطفرة اذ كل ثقيل يميل الى مركزه وهو الارض وقد وقع النص عن مولينا الصادق (ع) بذلك في جوابه لاسولة ذلك الزنديق على ما في الاحتجاج ولما كان الامر كذلك احببت ان اورد حقيقة هذه البحار الموجودة في الارض من المحيط وغيره واصل منشأها ومبدأها ووجه كون مياهها مالحة وحقيقة المد والجزر على جهة الاجمال والاختصار فاقول اعلم ان الشيء له جهتان وحالتان وهما وسم جميع المخلوقات حالة وجهة ينظر بها الى مبدئه والجهة الثانية ينظر بها الى قابليته وله مقامان مقام بساطة ومقام تركيب والتركيب مرتان الاولى لذكر المركب وصلوحه والثانية لتمام التركيب والتشخيص والتعيين والاولى يحتاج الى رطوبة تامة زائدة مع البرودة واليبوسة والثانية الى نصف الاولى كما هو مبرهن في العلم الطبيعي واشرنا اليه ايضا فيما تقدم وقد علمت فيما ذكرنا سابقا ان الحل يحتاج الى اجزاء يابسة لطيفة في غاية اللطافة وتكون صاعدة الى جهة المبدأ لتتحقق المقابلة وكذلك والى اجزاء رطبة لطيفة وتكون صاعدة ايضا والا فلا يتكون ذلك الشيء كما قال مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك فوجب قطع الآمال لتحصيل المقابلة ويرتفع الحجاب وهو معنى الصعود في كل عالم بحسبه فان الآمال اذا ارتفعت خفت جهة الانية والخفة تقتضي الصعود الى العلو وقد قلنا سابقا ان هذه الكرات الاربعة اعني النار والهواء والماء والتراب اجزاء وجود الشيء وبسائط مركباته وان الارض هي اليبوسة الحافظة الماسكة لاثر الفاعل وان الماء هو الرطوبة المائلة القابلة وان الهواء هي الرطوبة الهابطة الواقفة والنار هي الحرارة الهابطة الحافظة لتأثير الفاعل فباجتماع هذه الاربعة يتكون الشيء ولا شك ان الاجتماع لا يكون الا بالمناسبة فوجب ان يكون للنار رابطة ثقل وللارض رابطة خفة وللماء رابطة حرارة وللهواء رابطة يبوسة فلو كان كل شيء في مكانه لم تتحقق الرابطة لانها لا تحصل الا بالسير والسفر والميل الى الآخر فوجب ان يكون للارض صعود لتلحق الحرارة في تكون الشيء لتمام قابليته لا لتمكين القابلية فان الحرارة تقع عليها اولا حتى تمكنها من قبول اثرها لحصول المناسبة بينهما والفرق في المقامين ظاهر ان شاء الله ولا شك ان هذه العناصر لترتبها في الوجود مترتبة الوجود فيكون العالي محيطا بالسافل احاطة حقيقية فيكون سطح محدب كل منها مماسا لسطح مقعر الاعلى على مقتضى الكون والايجاد لكن لو كان الامر كذلك كليا لم يحصل النظام كليا من جهة الاسباب وحكم الله على الاشياء كذلك والا فهو القادر على ما يشاء كما يشاء بما يشاء لما يشاء مما يشاء على ما يشاء لا يسئل عن فعله ولا ينازع في ملكه ولا يضاد في حكمه لا اله الا هو العلي الكبير ولما اجرى سبحانه عادته ان يجري الاشياء على نهج الاسباب ليتم كمال الصنع ويظهر تمام الحكمة قلنا ان ذلك لا يكون لان الماء لو كان محيطا على الارض بكلها لم يصعد من الارض شيء لان الماء بنفسه ثقيل لا يميل الا الى اسفل ( السفل خ ) وكذا الارض وانما هو اثقل من الماء فلو كانت تحت الارض ما امكن لها الصعود لان الصعود لا يكون الا بمعين خارجي فان طبعها الظاهري يقتضي النزول وذلك المعين لا يجوز ان يكون ماء لما هو المعلوم ولا هواء لمكان رطوبته المناسبة لرطوبتهما والمقوية لهما فلا تقاوم الحرارة وحدها فوجب ان يكون هو النار ولما كانت هذه العناصر اجساما والتأثير الجسمي لا يكون الا بالمحاذات والمقابلة فاذا كانت تحت الماء المانع المخالف بطبعه لطبع النار لم لا تحصل المقابلة وصعود الابخرة المائية من دون الاجزاء اليابسة ما ينفع اذ العقد لا يكون الا باليبوسة ولا تنعقد اليبوسة الا اذا مازجها الحرارة والرطوبة ولا تمازجها الا اذا قابلتها فاقتضت الحكمة الالهية والولاية الربانية ان يكون جزء من الارض بارزا ظاهرا لتقع عليها اشعة الشمس والقمر فترطبها اشعة القمر وتيبسها اشعة الشمس ثم تلطفها بكر الليل والنهار حتى تخف عنها الكثافات والعوارض فناسب المبادي العالية فانجذبت اليها وصعدت لديها فتنعقد في الجو سحابا مكفهرا باختلاطها مع الاجزاء البخارية الباردة الرطبة مع اختلاطها بالاجزاء الهوائية الحارة الرطبة مع تكرر وقوع الشعلات النارية عليها فاذا وجب بروز الارض على خلاف مقتضى الطبيعة الاولية ووفاق مقتضى الطبيعة الايجادية لا يجوز ان يكون البروز كليا لان الضرورات انما تتقدر بقدرها ولانه يستلزم تكثر اليبوسة وهو مناف للانعقاد والانحلال كما بينا في مباحثاتنا فوجب ان يكون جزءا يسيرا من الارض فيكون الماء محيطا على الارض بكلها الا المقدار الظاهر منها وهو البحر المحيط ثم لما كانت القابلية تحتاج الى رطوبة زائدة لتكثر الحل والربط والميل في الصورة التي هي القابلية اقتضت الحكمة الالهية ان يكون القمر بفلكه الجوزهر آخر الافلاك واقربها الى الارض والقوابل السافلة لكونه مدبرا للحيوة فيفيض عليها البرودة والرطوبة جبرا لكسر ما ظهر من الارض من اليبوسة فان الاحتياج الى اليبوسة في الحل الاول انما هو قليل فلانت الارض اليابسة بتكرر الرطوبات النازلة من صفة الرحمن الظاهرة في القمر ونعمت وصلحت وتخللت فيها باعانة ذوبان الشمس فاحاطت بظاهرها وباطنها ولما كانت الحاجة الى الرطوبة اكثر والقمر دائما يؤثر بامر الله بالملائكة الموكلين به برئيسهم الذي هو اسمعيل الرطوبة في الارض بالشمس التي هي امر الله سبحانه لتليين الارض واصلاحها ولزيادة الرطوبة عند الحل الاول والثاني وعند تحقق صورة التركيب ومن جهة اتصال تلك الرطوبات بالاجزاء الارضية انعقدت المياه وتفجرت العيون اذا تخللت الابخرة في الارض واصابها برد هناك وكانت مسام الارض مفتوحة فلما كان القمر دائم الفيضان كثرت المياه الظاهرة من جهة الاخلاط ولما كان ذلك يستلزم اجتماع المياه على وجه الارض لكثرة الرطوبات وذلك يبطل فائدة ابراز الارض ولم تكن الارض مهادا خلق الله سبحانه الرياح وجعل مهب الشمال ارفع من مهب الجنوب لينحدر الماء عن وجه الارض ويجعلها في جهة من الجهات وطرف من الاطراف على حسب اقتضاء الحكمة التي لو شرحنا بعض ما ظهر لنا يطول به الكلام فاجتمعت المياه كلها او اكثرها في جهة دون الاخرى وتراكمت وتكاثفت وتزايدت باتصال العيون والانهار وتكثر البخار من الاعلى والاسفل واعانة الامطار والثلوج والسيول واشباه ذلك مع الرطوبة النازلة الدائمة القمرية ومجمع تلك المياه هو البحر الجسماني المائي وقد قال مولينا وامامنا الصادق (ع) ومن تدبير الحكيم ان مهب الشمال ارفع من مهب الجنوب لينحدر الماء عن وجه الارض فيسقيها ويرويها ثم يفيض آخر ذلك الى البحر كما يرفع احد جانبي السطح ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولولا ذلك لبقي الماء متحيرا على وجه الارض فكان يمنع الناس من اعتمالها ويقطع الطرق والمسالك الحديث فلما انعقدت البحار فاختلفت بالقلة والكثرة والعظم والصغر فاختلفت باتصالها بالمحيط وعدمه ولما كان صنع الحكيم تعالى شأنه لا يخلو من فائدة وحكمة اذ كلما تفرض انه شيء وجبت فيه المصلحة وهي تامة في مقامها ورتبتها وان تفاوتت بعضها بالنسبة الى الآخر جعل الله سبحانه قطعة من الجبل الذي اندك لتجلي الرب على موسى على ذلك الجبل وجعل هباء منبثا فامتزج بماء البحر حاملا لحرارة اشراق شمس التجلي الظاهر بهذه الشمس الظاهرة واستجنت تلك الحرارة في تلك الاجزاء واختلطت وامتزجت بالبحر وهو الماء الخالص فغلبت الرطوبة على ظاهرها فحدثت في الماء الملوحة ولذا كان ماء البحر مالحا ولذا كان الملح ابيض في الصورة والظاهر ولا ينعقد الا في الاراضي الرطبة ويذيب اذا اصابته الرطوبة ويجمد اذا اصابته الحرارة ولما كان الماء قد غلب على تلك الاجزاء اليابسة والحرارة النارية من الشمس الاصلية والفرعية بقي طعم الملح لا جرمه وخاصيته على مقدارها لا حقيقته فتكون بذلك ( ذلك خ ) بامر الله سبحانه بالملائكة الموكلين على البحار الحيوانات البحرية بانواعها واقسامها فعرض عليهم ولاية امير المؤمنين عليه السلام واولاده الطيبين الطاهرين وفاطمة الصديقة الطاهرة عليها وعليهم صلوات الله ما دامت الدنيا والآخرة فصارت تلك الحيوانات بقبولهم لها وعدمه مختلفي المراتب والمقامات في الحلية والحرمة والمنفعة والمضرة والحسن والقبح وحسن الصورة وقبحها وطيب الخلقة ورديها قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ ولا تستغرب عن تكليف حيوانات البحر لطاعتهم فانه قد ورد عنهم بما لا يسع لاحد انكاره ان الاعراض مكلف ( مكلفة خ ) بطاعتهم وقصة الحسين عليه السلام مع الحمي حيث خاطبها وقال يا كباسة فسمع الحاضرون الصوت ولم يروا الشخص يقول لبيك قال عليه السلام الم يأمرك امير المؤمنين عليه السلام ان لا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل مشهور ويأتي تحقيق هذا الكلام ان شاء الله الرحمن وبالجملة لهذا السر اختلفت مراتب الحيوانات البحرية في الطبيعة ايضا وكذلك اللئالي المتكونة ( المكنونة خ ) في الاصداف والمرجان النابت في قعر البحر وسائر المعادن مما غلبت عليهم الرطوبة قال تعالى ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ان قلت ان الاجزاء الهبائية الحاملة لحرارة الشمس لا شك انها في العيون والانهار موجودة والغلبة للماء ظاهرة فلم لم يكن طعمها مالحا قلت اني ( قد خ ) قلت لك ان تلك الاجزاء من اجزاء الجبل المندك كما عن امير المؤمنين عليه السلام حين سأله ابنه محمد بن الحنفية عن الغبار الظاهر في الكوة والرواشن اذا اشرقت عليها الشمس قال عليه السلام ما معناه ان الجبل الذي اندك عند تجلي الرب لموسى صارت اربع قطع الاولى انبثت في الجو فصارت ما ترى من الهباء والثانية وقعت في البحر فصارت غذاء للحيوانات البحرية والثالثة ساخت الى الارض وهو ( هي خ ) تهوى والرابعة بقيت على وجه الارض ه بابي هو وامي قد جمع في هذه الكلمات كل الحكم والارشادات وجعل لشيعته المفر والمخلص في كل الشبهات فلله الحمد وله الشكر على هدايتنا لدينه والتوفيق للتمسك بحبله والاستمساك بعروته الوثقى التي لا انفصام لها فان ابيت الا الكلام الظاهري في الجواب قلت ان الاجزاء المختلطة بالعيون والانهار اذا لم تجر على الارض السبخة او ارض الكبريت قليلة سيما اذا كانت جارية متجددة دائمة فان الجريان والسير والسفر يلطف البنية ويذهب الكثافة ويقرب الاشياء الى اصولها ومباديها مع ما لحقت تلك الاجزاء من البرودة الهوائية العرضية والمائية والارضية الجوهريتان واما البحر فهو راكد واقف فالمزج فيه اكثر الا ترى الماء اذا كان راكدا في حوض او غير ذلك كيف يغلظ بعد كم يوم سيما اذا كان مكشوف الرأس وان لم يتفاوت الحال الا انه في تلك الحالة تقع الاجزاء الهبائية فيه اكثر لان تلك اجزاء ( الاجزاء خ ) ارضية انما صعدت بتلطيف الشمس بتخفيفها ( بتجفيفها خ ) فاذا حازت الماء والبخار اللطيف المتصاعد عن وجهه تتصل تلك الاجزاء بذلك البخار وتتثاقل وتميل الى المركز فتقع على الماء فكلما كان الماء اكثر كان الوقوع اكثر فان كان الماء جاريا تنزل تلك الاجزاء الى الارض وتلحق بالمركز ويبقى وجه الماء صافيا وان كان واقفا تختلط به فتغلظ فتعفن ( فتتعفن خ ) ويحصل منها رائحة منتنة لكونها في ذلك الحين ميتة مسترخية لانقطاع روح الحيوة التي هي الحرارة عنها واما اذا كان الماء متحركا متموجا في مكانه يصعد بما في قعره الى وجهه وينزل بما في وجهه الى قعره فحينئذ تعود الروح الحيوانية لتلك الاجزاء وهي الحرارة الحاصلة من شدة الحركة فلا يزال يشتد في الحركة والتموج وتقع الاجزاء الهبائية وتشرق عليها الشمس والكواكب الاخر كالمريخ والزهرة وزحل بباطنه والبروج النارية والقرانات الحارة وكل الاشعة انما هي تستجن في الماء عند محاذاته له ( لها خ ) ومقابلته اياها مع الحركة الباعثة للحرارة مع الاجزاء الهبائية اللطيفة الحاملة للحرارة ومع الاجزاء الارضية الاخرى التي يصعد بها من قعر البحر حين الحركة فتستجن الحرارة في تلك الاجزاء الهبائية لانها هي الرابطة والانفحة والقاضي فتناسب النور ( النار خ ) بيبوستها وتناسب الماء ببرودتها فتقوى تلك الحرارة المستجنة وتغلب الرطوبة الظاهرة فيذهب العفونة وينعقد ملحا ذائبا فلو استعمله الانسان وباشره بجسده فاذا يبس يجد آثار الملوحة فيه كما جربنا مرارا واما سر الحركة فباستجنان تلك الاجزاء الحارة باعانة الهواء المناسب لتلك الاجزاء ولذا ترى حيتان البحر المالح احلي والذ واقوى واسمن من الحيتان التي تصطاد من الماء العذب واما سر نتن بعض البحار كبحر الفارس الذي هو البحر الاخضر فهو من جهة قلة تموجه وتحركه كما في بحر القلزم المواج المتحرك فليس فيه الا الملوحة ولا نتن فيه كما جربنا ولما كانت الحيوانات المتولدة من البحر انما هو مددها بعد وجودها من استنشاق الماء كانت لا تعيش في البر لعدم المدد الذي بها قوام اجسادهم وارواحهم كالحيوانات البرية فانها لا تعيش في الماء لكون مددهم من الهواء ومن التراب فدائما يستنشقون من الهواء الممتزج بالهباء فلو كانوا في الماء لماتوا من جهة عدم المدد ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا كذلك صنع الله ربنا لا اله الا هو ولكل من الحيوانات البحرية خواص ينتفع بها الانسان كما هي مذكورة في كتب الاطباء في باب مفرداتها ومركباتها وفي كتاب خواص الحيوان وسائر الكتب فلانطول الكلام بذكرها واما سر المد والجزر فان ملكا من الملائكة موكل بالبحار فاذا وضع قدميه فيها يحصل المد واذا رفعهما يكون جزرا وسبب وضع الملك هو محاذاة القمر فانه يحدث الرطوبات فتكثر الابخرة فتخلخل في ماء البحر فيكون المد فاذا انحرف عن المحاذاة عاد الى ما كان ثم لما كان الله سبحانه تفضلا على عباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر ويريد الله ان يخفف عنهم وخلق الانسان ضعيفا فقصر بهم المسافة ورفع عنهم المؤنة وجعل لهم مراكب في البحر تحمل الثقيل من الامور التي لو كانت على ظهر الدواب تعسر حملها بل ربما تعذر وجعل لهم رياحا يسير بالمراكب حسب ما قدر لهم من السرعة والبطؤ والشدة والراحة هو الذي يسيركم في البر والبحر قال مولينا الصادق عليه السلام في حديث المفضل فان شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار فهو مكتنف ما لا يحصى من اصناف السمك ودواب البحر ومعدن اللؤلؤ والياقوت والعنبر واصناف شتى تستخرج من البحر وفي سواحله منابت العود وضروب من الطيب والعقاقير ثم هو بعد مركب الانسان ومحمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة كمثل ما يجلب من الصين الى العراق فان هذه التجارات لو لم يكن لها محمل الا على الظهر لبادت وبقيت في بلدانها الحديث ثم اعلم ان ما وصفنا لك من احوال البحر واوضاعه كل ذلك امثال ضربها الله سبحانه لقوم يعقلون واشارات لقوم يسمعون وان جميع ما ذكرنا دلالات على احوال واوضاع غريبة في عالم الغيب وفيما ذكرنا كفاية لمن له قلب او القى السمع وهو شهيد بشرط ان ينظر ايضا فيما ذكرنا من المعاني الحقيقية التي للبحر تغوص في هذا البحر تستخرج اللئالي التي لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والله خليفتي عليك واعلم ان مادة كل عالم من العوالم السبعة بحر يتموج بالحدود والصور والموج هو شؤنات تلك المادة وظهوراتها وصورها واطوارها واحوالها وانفصالها واتصالها وتفرقها وبينونتها وكلها متقومة بتلك المادة تقوم الموج بالبحر فاذا سكنت غابت الحدود وخفيت عند ظهورها وعاد وانمحت وانعدمت انعدام الجزء في الكل والفرع في الاصل
قوله عليه السلام وروحي له الفداء : والجبال اعلم ان الشيء الحادث له حالتان حالة ذوبان وانتشار وحالة انجماد وانعقاد والحالة الاولى لها مقامان مقام انتشار للاضمحلال والاعدام ( الانعدام خ ) والفناء على الدوام ومقام انتشار وارتباط للايجاد والاحكام واتقان الصنع على التمام فالاول مقام القها يا موسى فلما القيها فاذا حية تسعى ومقام الق نفسك وتعال الى ومقام جذب الهوية اي الاحدية لصفة التوحيد اذ الذوبان الاضمحلال ( الاضمحلالي خ ) الانعدامي لا يتصور الا عند ظهور العالي على مراتبه الى ان يخفي الظهور ويسطع النور في الديجور ويدخل المدينة على حين غفلة من اهلها فهذا الذوبان للاحتراق وذلك عند قرع الباب ورفع الحجاب وظهور اللباب وخلوص التراب وهدم القباب وكشف النقاب قال عليه السلام ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشف واحد منه ( منها خ ) لاحترقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق والخلق انما خلقوا للبقاء لا للفناء وانما ينتقلون من دار الى دار فافهم فالشئ في حالة الذوبان والانتشار بحر راكد وجار ففي الحالة الاولى هو بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية وفي الحالة الثانية هي الابحر المتقدمة كبحر القدر وبحر الصاد وبحر النور وبحر الظلمة وبحر الحيوان وامثالها مما قدمنا وحالة الانجماد والانعقاد لها مقامان كحالة الذوبان فالاولى مقام ظهور المثال وكون الفاعل وظهور الاسماء الحسنى والامثال العليا والكبرياء والآلاء ومقام الخطاب وعلامة المخاطب ومقام لازلت اكرر هذه الكلمة حتى سمعت من قائلها ومقام ظهور الاحدية والواحدية والهوية والالوهية والرحمانية والرحيمية والملكية والشارعية والديانية ومجمل القول هو مقام تجلى لها بها وهو مقام الفاعل في قولك ضرب زيد عمرا فالفاعل هو زيد الضارب اي نفس الضارب لا زيد من حيث هو والضارب لا شك انه مشتق من ضرب مع انه معمول له والفعل هو العامل فيه فيكون تحت الفعل لان المعمول متأخر عن عامله والمشتق متأخر عن المشتق منه مع ان الناس ما يعنون بالفاعل والضارب الا زيدا فصح ما ذكرنا وتبين ما قلنا فان ضربا المفعول المطلق لما صدر عن ضرب انتشر وذاب وفنى في بقاء الذات والقي ملاحظة الغير فاستعلي وطوى الوسائط فصار مرفوعا على انه فاعل وهو كالحديدة المحماة وهو العقد لهذا الحل والانجماد لهذا الانتشار والسكون لهذه الحركة فافهم ما القيت عليك من الاكسير الاحمر والثانية مقام العقد الحاصل من الميلين وصيرورة المجموع شيئا واحدا مقاما من المقامات الخلقية ورتبة ( مرتبة خ ) من المراتب الكونية من الفعل والمفعول المطلق والمفعول به والمفعول له والمفعول معه والحال والتميز والمفعول فيه وامثال ذلك والشيء في حال الانجماد والانعقاد جبل راسي وهو وتد للارض ارض القابلية وقد كانت على الماء ماء الوجود لانها زبده الحاصل عنه المتولد منه وكانت مضطربة لعدم الالزام التام والسكون العام فاثبتها الله سبحانه بالجبال وهي اطوار الانجماد والانعقاد وتمام الشيء وكماله فهناك تكون ثابتة غير مضطربة فللشيء ثلث حالات : الاولى حالة ظهور المبدأ له به باطواره واكواره وادواره واوطاره وهو السماء اذ به يفيض الحق سبحانه وتعالى عليه مدده وجوده من فاضل مدده وجوده النازل من بحر الكينونة وتلك الحالة والجهة هي الدخان المتصاعد من البحر بحر المادة فصعد الى الجو ففتقه الله سبحانه سبع سموات والعرش والكرسي وجعلها ( جعلهما خ ) بابا للمواد السفلية والاطوار الجسمية والثانية حالة قبول وانفعال وانكسار وهي الارض ( ارض خ ) الجرز وارض القابلية الرطبة المهياة المستعدة لقبول الآثار الالهية والمظاهر الرحمانية قال تعالى ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج والثالثة حالة الانجماد والتمام والكمال الذي يستحق به اسما ويستوجب به حكما ويقتضي به امرا من الامور ومتمم للامرين الاولين وهو في هذه الحالة جبل وقد وقع التصريح في كلام الله سبحانه لاهل التلويح بهذه المراتب الثلثة بقوله عز وجل والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت فجمع بين السماء والجبال والارض اشارة الى هذه اللطيفة الدقيقة ولما كان المبدأ الذي هو ظل الكينونة في حال وجوده الاولى انما تثلث بهذه الاطوار الثلثة جرى هذا الحكم في كل الاطوار والاحوال الكونية مختلفة بالاجمال والتفصيل والكمون والبروز فكل مرتبة سافلة اكثر جهة واغلظ طوية عن المرتبة الاولى بل الرتبة الثانية تفصيل جهات الرتبة الاولى كما ترى في العدد فان الواحد هو الاصل والاثنان تفصيله وتكريره والثلثة تفصيل الاثنين والتسعة تفصيل الثلاثة والمائة تفصيل العشرة والالف تفصيل المائة وهكذا ففي كل مرتبة ثانية تشرح جهات الرتبة الاولى ولما كانت السماء والجبال والارض مذكورة موجودة في مبدأ الوجود جرت في كل اطواره ولما كانت رتبة الاجسام ادنى المراتب واسفلها وليس دونها مقام ظهرت المقامات الثلثة مفصلة ظاهرة متمايزة ولما كانت هي اعظم احوال الشيء ظهرت في هذه الرتبة الجسمية على اعظم مقام واعظم حال بحيث لا يستقيم الكون الجسمي الا بهذه الثلثة اما السماء فظاهرة لانها مظهر العلة الفاعلية واما الارض فكذلك واما الجبال فلما قال عز وجل وجعلنا الجبال اوتادا فالصلابة والانجماد وترتب الاحكام والاحوال والاقتضاءات لا يكون الا بها كما ذكرنا فالذي لم يرد على حوض امير المؤمنين عليه السلام ولم يشرب من الماء المعين يستشكل في كون الجبال اوتادا للارض لما صح عند الحكماء ان كل شيء له مقام طبيعي فالارض لا شك ان لها مكانا طبيعيا وهي في مكانها لا تحتاج الى وتد اذ الشيء في المكان الطبيعي لا يحتاج الل معين خارجي غير ذاته كما نذكر ان شاء الله تعالى فيما بعد ونجيب عنه مفصلا على مقتضى فهم اهل المجادلة واما الذي ذكرنا فهو على مذاق اهل الحكمة ومعرفتها حظ المؤمنين الممتحنين فاذا علمت ان كل شيء سماء من جهة وارض من جهة وجبل من جهة وبر من جهة وبحر من جهة فاعلم ان الله سبحانه لما حكم ان يحكم على الخلق بما هم عليه فعرض عليهم النور عرض تكليف واختيار ( اختبار خ ) فاختلفت الموجودات حسب قبولها لذلك النور فاختلفت هذه الجهات في الشدة والضعف والزيادة والنقصان والقلة والكثرة والا فما من شيء الا وهو حاو للاشياء كلها اذ كل شيء يحكي صنع الحكيم وفعله واثره وظهر اثره حاكيا لعموم قدرته ففي الاشياء من فيه جهة السماء اظهر كالعقول وكالافلاك وكالملائكة والانبياء وخيار المؤمنين وفيها من فيه جهة الارض اظهر كالنفوس والارض المعروفة والنساء واهل التقليد والجهال وامثالهم وفيها من فيه جهة الجبل اظهر كالاجسام والاشباح والجبال المعروفة ولكل من هذه الثلثة جهات وشؤنات تختلف الاشياء بالاتصاف بها في القوة والضعف والخفاء والظهور وامثالها مما لا يسعني الآن بيانها لكثرتها وتشعبها فاذا قيل السماء فالمطلوب منها العلو فكلما كان اعلى وظهور العلو فيه اكثر كان هو المطلوب الى ان ينتهي الى آخر المقامات واذا قيل الارض فالمطلوب منها الماهية القابلة لظهور النور معتدلة في الظهور كما وصفها مولينا وسيدنا الحسن العسكري صلوات الله عليه في قوله تعالى الذي جعل لكم الارض فراشا قال عليه السلام جعلها ملائمة لاطباعكم موافقة لاجسادكم لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرد فتجمدكم ولا شديدة نتن الريح فتصدع هاماتكم ولا شديدة النتن فتعطبكم ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم وابنيتكم ودفن موتاكم ولكنه ( لكن خ ) جعل فيها من الصلابة ما تنتفعون به وتتماسكون وتتماسك عليها ابدانكم وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم وقبوركم وكثير من منافعكم فكذلك جعل الارض فراشا لكم ه وكلامه صلى الله عليه وعلى آبائه وولده الخلف على بركة الحق عجل الله فرجه وفرجهم شرح وتفسير لقوله عز وجل ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج وهذا الاعتدال والاستعداد والتهيؤ هو المطلوب من الارض فالاعدل اقدم ( اقوم خ ) وهكذا الى آخر المراتب واذا قيل الجبال فالمطلوب منها حسن الانعقاد والانجماد وعدم التفكك وعدم الاضطراب وكونها حافظة وكونها مرتفعة عن الوصول اليها اي الى قلتها وكونها مرتفعة الى العلو اي الى جهة المبدأ للتجلي وهكذا من احوالها الخاصة بها فكلما اولي بهذه الصفات اولى بهذا الاطلاق وهذا الاسم والاطلاق على ما مر في البحار من انه ليس على سبيل المجاز وانما هو حقيقة بعد حقيقة ( الحقيقة خ ) فاعظم الجبال واكبرها واعلاها الذي لا يصل الى ذروته الا قليل ومانال قلته الا يسير هو جبل المعرفة جبل الظهور قال عليه السلام واذا انجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب وآثر محبوبه على من سواه وباشر اوامره ونواهيه وهذا جبل الاكسير ولا لون لهذا الجبل ولا يشبه بمعدن من المعادن بل كل المعادن منه تستمد واليه تنتهي يناسب كل طبيعة وهو لا طبيعة له سبحان من خلقه عظيم وملكه قديم لا اله الا هو ثم بعده في السعة والثبات والصلابة جبل اليقين والاطمينان والاستقرار قال عليه السلام ما معناه ان اليقين اقل ما قسم الله بين العباد وهذا الجبل هو اعظم اوتاد الارض واكبرها واعلاها راسخ في جميع عروق الارض وهو معدن الذهب على الحقيقة وفي بعض الاحوال معدن الدر والارض كما قال الله عز وجل اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء فالعلم هو نهاية الارض واعلى مقاماتها وهو متقوم باليقين قال امامنا وسيدنا الصادق عليه السلام واذا اشرق نور اليقين في القلب وجد حلاوة الرجاء الحديث ثم بعده جبل العلم انما يخشى الله من عباده العلماء وهو معدن الفضة وقد يتولد منه العقيق الاصفر والاحمر وظاهره معدن الحديد قال تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب والناظر على هذا الجبل في المريخ وهو شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم فقد يتولد من هذا الجبل الياقوت الاحمر وهذا الجبل هو معدن الزمرد وهو جبل قاف المحيط بالكاف المتولد عنه اللام وخضرة السماء من هذا الجبل وهذه الجبال الثلاثة قد حوت كل اقطار الارض لكن لهذه الجبال الرواسي مقومات واوتاد اخر لا تستقر بدونها ولا تثبت بغيرها وهي ما قال الله عز وجل في كتابه العزيز افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت وقال تعالى الم نجعل الارض مهادا والجبال اوتادا ولما حصر السماء والارض والجبال علمنا انه سبحانه يريد بالجبال هي الاوتاد لا مطلق الجبال لانها تختلف وان كانت من حيث هي جبال تشترك في الوتدية الا ان بعضها الى الارضية اقرب من الجبلية فتحتاج الى الوتد فيكون الجبل المقوم ( المتقوم خ ) للكل وتد الوتد وهو العمد الذي لا ترونها وهو الجبال المذكورة في الآية الشريفة المتقدمة وتلك الجبال اربعة عشر جبلا تقوم الجبال والارضين كلها واشار الحق سبحانه اليها بالحروف المقطعة في اوائل السور ويجمعها قولك صراط علي حق نمسكه وهذه الجبال هي مظاهر اسم الله الجواد والوهاب وهي وجه الله سبحانه لكل متوجه الى ذلك الجناب بذلك الباب وهي يد الله سبحانه المبسوطة بالاعطاء والانفاق وهي نور الله الذي قد ملأ به الآفاق وهي السبع المثاني وهي ركن البيان والمعاني وهي القلب الانساني وهي محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمد وجعفر وموسى وعليّ ومحمد وعليّ والحسن والخلف الصالح المهدي سلام الله عليهم اقطاب الولاية ومراكز النهاية والبداية والاولية والآخرية والظاهرية والباطنية والنهاية واللانهاية وسر الله الاكبر ونور الله الازهر ونقطة دائرة الاكوار والادوار والاطوار والاوطار وطور تجلي الله القاهر الجبار وجبل التجلي في كل الاطوار وهذه الجبال وتد الاتد وعمد العمد وارباب الابد وآحاد العدد ( الاحد خ ) واصحاب السرمد تنفجر ( ينفجر خ ) من تحتها عيون الجلال والجمال ويتكون فيها معادن الفضل والافضال لا يصل الى قلتها احد ولا يعدها عدد ولا ينالها غير الله ولا يحيط بكنوزها ما سوى الله جبال فيها من صلابة العبودية ومهابة القهارية المفنية كل ما سوى الله اعلاها ومن رفعة المجد والشرف والولاية اقصاها ومن اطوار التجلي اعظمها واسناها وهي جبال الاحدية واطوار الواحدية ومظاهر الرحمانية لا اله الا الله وحده لا شريك له ثم الجبال العشرة وهي جبال ابرهيم على نبينا وآله وعليه السلام قد وضع عليها الطيور الاربعة اعلاها والطفها واشرفها وابقاها قلب المؤمن ومحدد الجهات والصاقورة العليا ومركب العلل وعلوم الكيف واللم وعرش الاستواء الرحماني والمنظر الاعلى الجبل الثاني صدر العلم قال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم والكرسي الواسع للسموات والارض والكتاب المسطور والثالث سماء الامان وسلم الايمان وبرج كيوان وجبل ظهور النور والاستعلان ومطيع الرحمن وطريق الجنان والرابع خزانة العلم ( الحلم خ ) ووعاء الحكم ومظهر العلم وحجاب الزبرجد وفلك الكوكب الاسعد والخامس جبل السطوة ومظهر القهر العزرائيلي والحجاب الاحمر والسادس جبل الهيولي الثانية ومنبع الوجود الفياض وعرش الثاني الجسماني النوراني والباب الالهي والسابع جبل الاكوان الملكوتية المحفوظة في الخزائن الالهية ومعدن العقيق الاصفر والثامن جبل الهياكل الرقمية المنزلة بالقدر المعلوم وينبوع الفرار ومقام الاستقرار واختلاف الاطوار والانظار والتاسع جبل الحيوة التي ( الذي خ ) حييت بظلة ( بظله نسخة ١٤٢ خ ) الحيوانات والعاشر جبل الطور والقاف المذكور وهذه الجبال العشر عاشرها حاملها وتاسعها مثل العاشر والعاشر على ظهر التاسع وهما سواء والثامن والسابع يجمعهما في الظاهر مقدار واحد والستة الباقية يجمعها مقدار واحد في الظاهر الا ان لكل واحد من هذه العشرة حكما ويكون له وبه طبع غير الآخر والعاشر يجمعها ويضمها اليه وذلك معنى قولهم ان واحداسيغلب تسعا من بنات البطارق ولا ريب ان جبل القاف محيط بالدنيا كلها على ما نذكره ان شاء الله تعالى وهذه الجبال العشرة لها مقامان المقام الاولى ( الاول خ ) مقام القشر وهي في هذا المقام ظواهر جبال ابرهيم للطيور الاربعة الالهية المأمور بذبحها ومزجها ووضع المختلط الممزوج عليها وهذه الجبال اسباب لقابلية اظهار تلك الجبال فالجبل الاول حجر صلد اسود معدن القار ومحل القرار ومقام الاستقرار اول منزل المولود الصالح الصفي المكرم كثير المخاوف عظيم المنافع اذا وصل المولود المكرم هذا المنزل سلم عن الاخطار فيسجد لله الواحد القهار ثم الجبل الثاني جبل الزبرجد ومحل نظر كوكب ( الكوكب خ ) الاسعد واول ظهور النور واول اضمحلال الديجور جبل عظيم راسي يبقى المولود المكرم على هذا الجبل عشرين يوما لاخذ الاهبة والاستعداد لبلوغ المراد الثالث جبل الفيروزج وثاني ظهور النور وبسط مقام الظهور والرابع جبل الدر الابيض كمد اللون مكدر والخامس جبل الذهب ومقام الطرب والسادس جبل الاسرب وعليه السرير ( سرير خ ) القاضي العاقد على الزوج والزوجة ومحل الانفحة واكليل الغلبة وتربة المولود وركن السعود والسابع جبل فيه معدن القلع والتصدير ( القصدير ظ ) والثامن جبل الزمرد ومحل التجرد ورتبة التفرد والتاسع جبل الياقوت وباب الملكوت والعاشر جبل الفضة ومقام النعمة وظهور النقمة ومهبط جبرائيل ومظهر ميكائيل فلما تمت هذه الجبال العشرة وسير المولود الكريم في هذه الجبال ظهرت خمسة جبال اخر الاول جبل الحديد محل نظر المريخ ظاهره ذهب وباطنه فضة وهو ذو الوجهين كوكب امير المؤمنين عليه السلم الثاني جبل يجري تحته معدن الزيبق على ذلك الجبل الفتاة الغربية وعليه استقر هرمس الحكيم واليه ينظر القمر في فلكه الجوزهر وهناك مقام يوشع بن نون الداخل على القوم الجبارين وقال يا قوم ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله توكلوا ( فتوكلوا خ ) ان كنتم مؤمنين الثالث جبل العقيق الاصفر وعليه استقر الشاب الجميل صاحب القباء الاصفر الماشي على الارض بالتبختر الرابع جبل الياقوت الاحمر وعليه مقر الفتى الكوشي وعنده التسلط الجبرائيلي الخامس جبل معدن الذهب ومطرح اشعة الشمس وطور موسى ومنزل عيسى وتابوت هرون وبئر دانيال ومقام الاقبال السادس جبل الاسرب ظاهره الحديد وباطنه الذهب وهو جبل وعر مشتمل على الاحجار ولا يثبت لواقفه قرار فلما تم سير المولود المكرم والشاب الموفق المعظم في هذه الجبال الستة ظهرت جبال ابرهيم النبي على نبينا وآله وعليه السلام وهي الجبال العشرة وخلف كل جبل واحد مفسد عن يمينه وواحد مصلح عن يساره فعند الصعود على كل جبل ازال مفسدا فظهرت ( فطهرت نسخة ٢٤٤ ) الارض من التسعة المفسدة فافهم قال الله سبحانه واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا فمن الجبال جبال ( جبل خ ) القاف وهو جبل محيط بالدنيا كلها وهو من زمردة خضراء وخضرة السماء منه وعليه استقرت اطراف السماء وليس في الارض جبل الا وله عرق فيه كما ورد عنهم عليهم السلام وهذا الجبل هو الوتد الاعظم الاعلى للارض كما نذكر ان شاء الله تعالى وانما كان اخضر لانه مجمع الاجزاء النارية المختلطة بالاجزاء الهوائية المختلطة بالاجزاء الارضية فيستدعي الخلط الاول الصفرة والثاني الخضرة وصرف الاول الحمرة وصرف الثاني الصفرة وصرف ( وحرف الاول الحمرة وحرف الثاني الصفرة وحرف خ ) الثالث السواد وانما كان من زمردة لانها معدن التئمت اجزاؤها من لطائف الارض باشراق الانوار الشمسية عليها وانما قال عليه السلام ان خضرة السماء منه يريد بالسماء الجو كما في قوله تعالى ونزلنا من السماء ماء مباركا فانها من البحر الذي بين السماء والارض والا فالسماء الحقيقية على الوان مختلفة كما سبق من ان لون سماء الدنيا لون الفضة وهكذا وهذه الخضرة المرئية في الجو انما حصلت من الاجزاء اللطيفة الارضية المصوغة المنفصلة من ذلك الجبل ومزجها بالبخار واشراق الشمس عليها وانما كان اطراف السماء عليه لانه محيط دائرة الافق في اليوم الذي كان طالع الدنيا السرطان وكانت الكواكب في اشرافها ووجبت صلوة الظهر فذلك الجبل المحيط بالارض كلها في الافق الواحد الغير المتعدد هو القاف ولذا كان كل الجبال لها عرق فيه ولذا عبر عنه بالزمردة الخضراء واما بعد ما تحركت الافلاك واختلفت الآفاق فاهل كل بلدة وافق ما يصلون الا الى عرق واحد منه الا لمن وصل ذلك الافق الاعظم فيحيط بذلك الجبل فيرى الملك الموكل به كما فعل ذو القرنين في الحديث المشهور المذكور في باب الزلزلة وهذا حكم الظاهر في الكون الجسمي في الانسان الكبير الكلي واما في الانسان الصغير فهو الجسد والجسم المحيطان الحاويان لكل ما في الانسان من الاركان الغيبية والشهودية وعليه دائرة الافق الاعظم فينصف الانسان الى علوي وسفلي وهو زمردي اللون وان ظهر بالبياض في بعض وبالسواد في الآخرين وهو لما قلنا من اختلاف الآفاق وميلها عن وقوع اشعة الاشراق ومزجه بخلاف جنسه فقبل اما طبيعة المازج ولونه او طبيعة ثالثة بينهما وليس المقام لبسط الكلام فيه وخضرة سماء عالم هورقليا بالاقتران به والميل اليه وهي عالمه في الرؤيا واما في الباطن الاضافي فكل عالم الاجسام سمواته وارضوه وبحاره وانهاره واشجاره وانهاره ظهر عليها عالم الغيب بشؤنه واطواره واسراره وانواره ولما كان عالم الغيب يختلف في الغيبة والشهود بحسبه فيصرف هذا الجبل في كل مقام بحسبه وهذا الصرف والاطلاق حقيقي لا مجازي على ما قال عليه السلام انما كان الكعبة مربعة لكونها بازاء بيت المعمور وهو مربع وانما كان بيت المعمور مربعا لكونه بازاء العرش وهو مربع وانما كان العرش مربعا لكونه بازاء الكلمات التي بني عليها الاسلام وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وهذا الجبل هو علم الظاهر والصورة كما قال تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين في كل عالم بحسبه وكل مقام برتبته فافهم وهذا الجبل هو علم الحقيقة ولب الطريقة وباطن الشريعة قال عليه السلام في حمعسق ان حم هو محمد صلى الله عليه وآله وعلم على كله في عسق فالعين عبودية والسين سناء المجد وبهاء الشرف اللازم للعبودية واشهد ان محمدا عبده ورسوله الى الاكوان والاعيان والاطوار والاوطار والذوات والصفات واللوازم والقرانات وامثالها والقاف قرب ووصال ونعيم واتصال فظهر مقام الحجب وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب ومقام الظاهرية نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وهذا الجبل معدن الحقايق والاسرار وينبوع الحقائق والانوار مفتاح الجنان وعرش الرحمن ووعاء الاسماء وظهور المسمى فافهم الاشارة ولا تجمد على العبارة
ومنها جبل النور وهو جبل حرم مكة شرفها الله وهو جبل شامخ من حضيضه الى اعلاه اربعة فراسخ وذلك لسر العبودية في التوحيد لكونه حرم الله الواحد القهار والتوحيد لا يتم الا في اربعة مقامات ولتربيع اركان البيت جريا لحكم المطابقة بالانوار الاربعة والاسرار الاربعة والاطوار الاربعة والاوطار الاربعة والاكوار الاربعة والادوار الاربعة فلله في كل عالم حرم وبيت وجباله اربعة فراسخ في ثلث اطوار الم تسمع قول الله تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال على قراءة يسبح بالبناء للمفعول والوقف على الآصال رجال اي تلك البيوت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله الآية والبيت انما هو واقع بين الجبلين كما ترى في الظاهر وهو يشير الى ان ظهور الحق سبحانه ( للخلق خ ) ما يمكن الا بين جبل النبوة والولاية قال تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد وفي الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وهذان الجبلان في الظاهر اسودان لم ينبت عليهما شيء محترقان لشدة حرارة الشمس والوجه في ذلك ذل العبودية وكونهما مظهري التكليف ومصدري المشاق الجسمانية المخالفة للطبيعة الظاهرة ( الظاهرية خ ) الجسدية وقد قال عز وجل ( واستعينوا بالصبر والصلوة وانها لكبيرة الا على الخاشعين وقال عز وجل خ ) ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن الآية وقد ظهر النبي والولي عليهما السلام ما شبعا من خبز الشعير وهذا هو السر في احتراق الاراضي الطيبة وملوحة مائها وقلتها وقلة اثمارها واشجارها وشقاوة ( اغلب خ ) اهلها وافسادهم فاذا رجعت الاشياء الى مباديها واصولها رجعت تلك الاراضي الطيبة الى الحسن الذاتي فتنفجر ( فتفجر خ ) انهارها وتنضج ثمارها وتكثر ازهارها ويعتدل هوائها ويستصلح اهلها لانها هي الارض المقدسة والجسد الجديد فقبل ازالة الريش هو غراب وارض منتنة فاذا ازيل فيكون عقابا وارضا مقدسة مطهرة وتكون مادة للاكسير الاحمر والابيض
ومنها جبل احد الواقع بقرب المدينة الذي استشهد عنده حمزة سيد الشهداء عم النبي صلى الله عليه وآله وهذا الجبل اعظم الجبال واعلاها ولذا يقع التشبيه للامور العظيمة الكبيرة الداهية به وهو في اخبارنا كثيرة مع انه في الصورة الظاهرية صغير ليس له ارتفاع تام كجبل ابيقبيس الذي هو في مكة وعظمته انما هو لاصله لانه ثابت وراسخ الى التخوم ولا كذلك سائر الجبال وانما هي على ظهر الارض فيكون هذا الجبل من اعظم اوتاد الارض في كل عالم بحسبه وانما كان هذا الجبل مختصا بهذا الحكم لكونه في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ظهر مثالا للنبوة على الاطوار المختلفة منها كسر العبودية واندكاك جبل الانية واعدام نفسه عند بقاء ربه فثبت واستقر واستعلي باطنا وصار به قرار الارض فلم يرتفع ظاهرا للفرق بينه وبين جبال مكة كالفرق بين حرم الله ورسوله صلى الله عليه وآله والفرق بين القيام والركوع وانما صار جبل احد راسخا ثابتا الى التخوم دون ابيقبيس لسر ان التوحيد لا يتم الا بالنبوة ولذا كان مقام الركوع اعلى من مقام القيام ولانه مقام جلال العظمة ولذا اختص الركوع بذكر العظمة سبحان ربي العظيم وبحمده
ومنها جبل النجف الاشرف وهو من اعظم جبال الدنيا وهو الجبل الذي اوي اليه ابن نوح عند الطوفان لارتفاعه وعظمته وعلوه كما قال مولينا الصادق على ما في البحار عن ابي بصير انه قال عليه السلام ان النجف كان جبلا وهو الذي قال ابن نوح سآوي الى جبل يعصمني من الماء ولم يكن على وجه الارض جبل اعظم منه فاوحى الله عز وجل اليه يا جبل ايعتصم بك مني فتقطع قطعا الى بلاد الشام وصار رملا دقيقا وصار بعد ذلك بحرا عظيما وكان يسمى ذلك البحرني ثم جف بعد ذلك فقيل ني جف فسمي نيجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لانه كان اخف على السنتهم ه وانما تقطع هذا الجبل الى بلاد الشام لانها هي الارض المقدسة وصار رملا دقيقا لظهور نور التجلي حتى تخلل بالاستيلاء والغلبة على كل جزء جزء من اجزائه الى ان عجز عن التماسك فان التماسك لا يكون الا بالاجزاء الارضية المستجنة فيها الاجزاء الرطبة المائية والهوائية المشرق على ظواهرها النار واما اذا تخللت النار في كل جزء جزء واستولت وغلبت تفككت الاجزاء وتفرقت وذابت لعظمة الله سبحانه الى ان صارت بحرا وانما كان اسم ذلك البحر ني لانه اسم للسين الذي ( هو خ ) اسم لمحمد صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل يس والقرآن الحكيم ولما كان كل حرف له اسم يختص به كان اسم السين هو الياء والنون وهما بيناته فان البينات اسم للزبر على ما فصل في علم الحروف وقد اتفق في هذا الحرف خاصة تطابق الاسم والمسمى والزبر والبينات في القوة والعدد ولما كان عليّ عليه السلام هو آية رسول الله صلى الله عليه وآله ( ودليله خ ) وعصي عزه وتاج فخره كان اسما له لان الاسم هو الوسم وهو الدليل والآية فلما كان رسول الله صلى الله عليه وآله اسمه السين كما سماه الله سبحانه بذلك فيكون بينات اسم ( اسمه خ ) هو عليّ عليه السلام قال ( الله خ ) تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم ولا شك ان البينات مطوية ومخفية عند الزبر كذلك عليّ عليه السلام صامت عند ظهور النبي صلى الله عليه وآله ولما كانت المدينة منسوبة الى النبي صلى الله عليه وآله والنجف الى عليّ عليه السلام فجرت المناسبة في الظاهر كما كانت جارية في الباطن فسمى ذلك البحرني تسمية للنور باسم المنير ووجه التقطع لما ذكرنا من وجه ارتفاع جبل ابي قبيس على جبل احد وانخفاض جبل احد فاقتضى الحكم ان ينقطع هذا الجبل لانه مقام السجود بالنسبة الى الركوع في الصلوة وهو مقام جلال القدرة ولذا اختص السجود بذكر سبحان ربي الاعلى وبحمده واما جفاف البحر لاظهار النور وابراز السرور وكونها ارض النشور ودار السلام ودار الحبور صلى الله على محمد وعلى وآلهما الطيبين الطاهرين وهذا الجبل هو الربوة التي في القرآن في قوله تعالى وآويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين فهناك وضع عيسى قال عليه السلام الربوة الكوفة والقرار المسجد والمعين الفرات وعنه عليه السلام مصرحا بالامر ان الربوة نجف الكوفة والمعين الفرات ه ولهذا اشتهر بين الخلق ان ارض النجف اعلى الاراضي كلها بكل معنى
ومنها جبل طور سيناء وهو ربوة النجف ظاهرا وباطنا وما قيل انه في الشام وهي الارض المقدسة فالمراد به قطعة من جبل النجف الذي تقطع وصار قطعا قطعا الى ارض الشام واما ( في خ ) الحقيقة فهو هذه البقعة المباركة قال عليه السلام الغرى قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما وقدس عليه عيسى تقديسا واتخذ عليه ابرهيم خليلا ومحمدا صلى الله عليه وآله حبيبا وجعله للنبيين مسكنا والوجه في الكل ظاهر لانهم تبع فلا يخالف التابع المتبوع من حيث انه تابع ابدا في المقامات كلها وجودا كان ام ظهورا ولما كانت الانبياء متمحضين في الولاء مخلصين في ولاية سيد الانبياء والاولياء ظهر لهم الحق سبحانه في محل ظهور صفوة الاصفياء على امين الله في الارض والسماء عليه سلام الله الى ما لا نهاية له ولا وراء كرفع القائم في قولك جائني زيد القائم ونصبه في قولك رأيت زيدا القائم وجره في قولك مررت بزيد القائم والقائم تابع لزيد في كل احواله فكذلك الانبياء تبعوا امير المؤمنين عليه السلام في كل مظاهره واحواله الظاهرة والصفات اللازمة واما رسول الله صلى الله عليه وآله فمن جهة انه نفسه قال تعالى وانفسنا وانفسكم قال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ انت نفسي التي بين جنبي ولكونه عليه السلام طائفا حول جلال القدرة والنبي صلى الله عليه وآله طائفا حول جلال العظمة وهذا الظهور عام كلي في كل مقام بحسبه ورتبته ولانفصل لما اشرنا سابقا لاهلها وهذا الكلام في مقام الجمع اما في مقام التفصيل فنقول مجملا قال شيخنا اطال الله بقاه : اما الجبل الذي كلم الله موسى تكليما هو جبل طور سيناء وجبل حوريث واما الجبل الذي قدس الله عليه عيسى تقديسا فهو جبل ساعير على المعاني كلها وقيل ساعير جبل بالحجاز يدعي جبل الشراة كان عيسى يناجي الله تعالى عليه اقول انما كان بالحجاز لانه حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله قال سلمه الله وعنده اجابة الدعاء وقيل ساعير قبة كانت مع موسى (ع) كالتخت للملك واما الجبل الذي اتخذ الله عليه ابرهيم خليلا يعني الذي ظهر له عليه فهو الربوة من مني في مسجد الخيف او في ايليا وهي مدينة القدس او في جبل فلسطين عند بئر شيع وهو البئر الذي حفره وبناه عنده مسجدا واما الجبل الذي ظهر فيه لمحمد صلى الله عليه وآله وهو جبل فاران من جبال مكة بينه وبين مكة يوم كذا في الخبر عن الرضا عليه السلام ظهر فيه بربوات المقدسين فوق احساس الكروبيين انتهى كلامه اطال الله بقاه فوق غمائم النور وفوق هذا الجبل كان ينبوع علم الجفر الاحمر والابيض البقرة التي اتى بها جبرئيل من الجنة فذبحها عليّ عليه السلام وسلخ جلدها فاملى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وكتب ذلك العلم على جلد تلك البقرة التي اسمها الجفر وهذه هي البقرة الصفراء فاقع لونها تسر الناظرين فجعلها عليه السلام ثمانية وعشرين ( جزءا في ثمانية وعشرين ورقة في صفحتين في ثمانية وعشرين سطرا في ثمانية وعشرين بيتا في اربعة احرف خ ) وتلك البقرة ظاهر البراق الذي صعد به رسول الله صلى الله عليه وآله الى عالم القدس وبلغ مقام قاب قوسين وبين هذا الجبل ومكة التي هي حرم الله سبحانه يوم جرى الظاهر طبق الباطن فان قلب المؤمن هو عرش الرحمن وهذه البقرة المذبوحة على جبل فاران مقام الروح عالم الظلال على شكل ورق الآس وبينه وبين القلب مرتبة واحدة وهذه الثمانية والعشرون تطورات الوجود وضبط نسبه واوضاعه واحواله وصفاته واضافاته وقراناته كما هو معلوم عند اهله وهذه الجبال المفضلة ( المفصلة خ ) كلها جبل واحد كما قال مولينا الصادق عليه السلام انها هي نجف الكوفة اذ مرجع جميع التجليات الكونية والغيبية ( العينية خ ) بل الامكانية والازلية الوصفية الظاهرة في الرتبة الامكانية كلها الى الولاية قال تعالى واليه يرجع الامر كله وماظهر بالولاية العامة المطلقة الكلية الا مولينا امير المؤمنين عليّ بن ابيطالب عليه السلام وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله فيكون محله ظهور الخاص وموقفه محل جميع الانبياء والمرسلين وهذا معنى ما ورد ان جبرئيل ما كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله الا باذن عليّ عليه السلام فافهم فاني كررت العبارة لتحظى بالاشارة
فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم اني احب ان اذكر في هذا المقام منشأ تكون الجبال واسباب وجودها وعلة تحققها على جهة الاجمال فان بعض المموهين من اهل الضلال من النصارى قد اورد نقوضا على القرآن لابطال امر الله واطفاء نور الله وابى الله الا ان يتم نوره ويحكم امره وكان مما قال خذله الله في النقض عن قوله عز وجل الم نجعل الارض مهادا والجبال اوتادا ان الاجسام من البسائط والمركبات لا شك ان لها مكانا طبيعيا اذا خليت وطبعها ماتطلب الا اياه فلا يحتاج في طلب المكان الطبيعي الى قاسر ومعين فاذا كان كذلك فلا معنى لقوله والجبال اوتادا فان الارض في مكانها الطبيعي لا يحتاج الى الوتد وهذا كلام لو تأملته وجدته ان صاحب هذا القول ماذاق من المعرفة شيئا ليس بناءه الا التمويه لانا نقول له ان الشيء في المكان الطبيعي لا يحتاج الى معين او الى قاسر لو صح لكنك اثبت اولا هل الارض في مكانها الطبيعي ام لا فان قلت انها في مكانها الطبيعي قلت لماذا اخرجت قطعة منها عن الماء دون باقيها مع ان كل سافل مركز للعالي الا ترى الافلاك فانها محيطة على كرة النار في كل جوانبها والنار محيطة على الهواء كذلك والا لم تكونا في مكانيهما الطبيعيين بتقدير الله سبحانه فيجب ان يكون الماء ايضا محيطا بالارض في جميع جوانبها والا لاختل النظام الطبيعي ومع ان الامر ليس كذلك فان الارض قطعة منها بارزة عن الماء ليست في احاطة الماء للبرهان الذوقي والسر الالهي الذي ذكرنا سابقا في البحار فخرجت الارض عن مكانها الطبيعي بتسخير الله سبحانه الذي خضع له كل شيء وذل له كل شيء ولما ان الله سبحانه ابي ان يجري الاشياء الا على اسبابها لانه هو مقتضي الحكمة واظهار الاسماء الجلالية والجمالية وباقي الاسماء المتقابلة جعل لتلك القطعة اسبابا يمنعها عن الغوص في الماء والا فهي بمقتضي ذاتها وطويتها وضعف اختيارها لبرودة القابلية وانحطاطها عن رتبة الصعود الى الفاعل والمقبول فصارت تهوى الى مركز سفلها الا ان يمنعها مانع من اشراقات انوار الفاعل وروابط آثاره المقتضية للصعود وانت قد علمت مما ذكرنا سابقا ان النار هي ظهور الفاعل ومثاله في العالم الجسمي والهواء ظهور المقبول ومثاله في ذلك العالم فالفاعل بذاته يقتضي الرفع والصعود لانه مركز الخفة وكذا المقبول لانه جهته فصار مثاله ايضا كذلك فاذا القى الفاعل مثاله الذي هو النار بواسطة المقبول الذي هو الهواء الرطوبة الذاتية المعتدلة في هوية ( القابل خ ) المفعول فان كان ذلك المثال بالظهور اقوى من ماهية المفعول وانيته فيظهر فعل الفاعل الظاهر من المثال من حقيقة المفعول كالحديدة المحماة بالنار وان كانت الانية والماهية اقوى فيتبع ذلك المثال مقهورا مضمحلا فانيا فيجري على المفعول مقتضى الماهية المجتثة الهابطة الى اسفل السافلين قال سبحانه وتعالى خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين فاذا صح ذلك فاعلم ان الله سبحانه لما خلق العالم كان طالع الدنيا السرطان وكانت الكواكب في اشرافها فكانت الشمس في التاسععشر درجة من الحمل واول وقت الزوال وقت فريضة الظهر والشمس قبل ان تغيبها السحب والموانع واول ظهور المبدأ كانت في كمال القوة من الظهور سيما اذا كانت في بيت شرفها فان الكوكب في بيت الشرف اقوى تأثيرا مما اذا كان في غيره سيما اذا كان بيت الشمس الحمل اول برج من البروج النارية الفاعلية ليس برج في البروج اقوى واشد تأثيرا منه لان الحرف المقابل له الالف وهو من الحروف النارية في مقام الرتبة فظهر الفاعل بكمال التأثير في بدو التدبير فمكن القابل من القبول لحكم التسخير فاحترقت المياه التي كانت على الارض القابلية المانعة من قبولها لتأثير الفاعل مما يحاذي منطقة البروج اذ الشمس انما يكون مسيرها عليها فوقعت اشعة الشمس وكواكب البروج النارية وسائر الكواكب لانا قد قلنا سابقا ان الكواكب شعلات نارية كانت مستجنة في زبد البحر والارض الظاهرة عن الماء المقابلة للكواكب في بدو ظهورها وفقدان الموانع المانعة كانت مهيئة للقبول ومستعدة له وهي الارض الجرز وهي التي قال الله عز وجل وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج فلما وقعت اشعة الشمس الشعلات النارية الخارجة من قدح زناد مقابلة الشمس للارض على الارض حفظها الهواء برطوبتها والا فالشمس حارة يابسة والارض باردة يابسة كانت تحترق ولم يبق لها قرار فاحتاجت الى ملين من جهة النار وملين من جهة الارض لتحفظ تلك الاشعة عن اللحوق بالمركز وتظهر الافاعيل حسب ما اقتضت المصلحة الا ان الفاعل في البدو لما كان قوي الظهور فيكون ظهوره وبروز آثاره وافعاله اقوى من غيره فظهرت الحرارة في الارض واستجنت فيها وتلطفت الارض بالتليين المائي من الاجزاء البخارية والهوائية وغلبت عليها الحرارة اي على الوجه المقابل للشمس والكواكب فلطفت وتخللت الحرارة في جميع الاجزاء الظاهرة المقابلة فتفككت فبعضها صعدت الى الجو وهي اللطائف التي ذهبت انيتها فشابهت اوائل عللها فلحقت بمركزها بمقدار قوة المشابهة وضعفها وقلتها وكثرتها وبعضها بقيت على الارض فهي في حال تفرقها لم يظهر لها تأثير تام بحيث يمنع الارض عن اللحوق بمركزها فارسل الله سبحانه ريح الدبور فحركت تلك الاجزاء المستجنة فيها الشعلات النارية وجعلها الى ناحية من النواحي باسباب يطول بذكرها الكلام فارسل ريح الصبا فهبت عليها واحدثت الرطوبة فيها فلانت الاجزاء ومالت بعضها الى بعض فارسل الله سبحانه ريح الجنوب الموكل به اعوان من جنود اسرافيل فمزجت بين تلك الاجزاء مزجا تاما بقوة الحرارة والرطوبة فارسل الله سبحانه ريح الشمال الموكل به اعوان من جنود عزرائيل فعقدت تلك الاجزاء الى ان انجمدت وعلى هذا القياس تراكمت الاجزاء الارضية وانعقدت باعانة الله سبحانه بتسبيب هذه الملائكة الاربعة الموكلة بالرياح الاربعة فتكونت الجبال فهي بذاتها باستجنان تلك الاشعة النارية تقتضي الصعود الى العلو وغلبة الاجزاء الارضية عليها تقتضي الهبوط الى السفل فالاجزاء النارية القوية تمنعها عن الهبوط والاجزاء المتراكمة الارضية تمنعها عن الصعود فبقيت في مكانها في غاية الاعتدال ولما كانت القطعة الخارجة عن الماء متصلة بهذه الجبال ومرتبطة بها مع ما ظهر عليها ايضا من انواع التسخينات بحفظ الجبال اياها لها ما هبطت فبقيت على الحالة التي نرى ( ترى خ ) فكانت اوتادا للارض واعمدة لتقومها فوق الماء وهذا الذي ذكرنا هو معنى ما قال امير المؤمنين عليه السلام ان الجبال خلقت من الامواج والسماء خلقت من الدخان والارض من الزبد كما روى الصدوق باسناده عنه عليه السلام في حديث طويل الى ان قال فسأله مم خلق السموات قال عليه السلام من بخار الماء قال مم خلقت الارض قال عليه السلام من زبد الماء قال مم خلقت الجبال قال عليه السلام من الامواج الحديث يريد عليه السلام بالماء هو المادة الجسمانية ويريد من بخارها لطائفها وصافيها كما هو الواقع ويريد بالزبد غلظتها وكثافتها وعدم ثباتها وكونها على وجه الماء ويريد بالامواج هي الشعلات المستجنة في المادة الجسمانية بواسطة اشعة الكواكب مع الاجزاء الكثيفة ولذا ترى ان المعادن كلها مادتها الكبريت والزيبق واختلاف انواعها باختلاف وقوع اشعة الكواكب عليها وتصفيتها وعدمها واعتدالها وعدمه وغلبة بعض الطبايع وامثال ذلك وهذه الاحجار الصلبة الحمراء والصفراء والسوداء وسائر اقسامها ماتنعقد الا بحرارة قوية من اشعة الكواكب وشرحها وتفصيلها مذكور في كتب القوم في المعادن ومرادنا هنا الاقتصار بما لم يذكروا وبدن الانسان ايضا كذلك كالشجرة فان الروح تصعد به الى العلو والاجزاء الارضية تهبط به فبقى واقفا مائلا الى العلو متصلا بالسفل والانسان استعلي رأسه ورقبته وصدره لقوة الحرارة فكلما فيه الحرارة اكثر هو اعلى الى الرجل المتصل بالارض لمناسبة البرودة فلولا الروح لوقع ملقي على الارض ما يتحرك كما نشاهد عند نزع الروح عنه ولولا الجسد كان فوق الافلاك باربعة آلاف فرسخ فبالامرين تم خلق الانسان والحيوان في احسن تقويم فالجسد جبل للطينة الحيوانية والانسانية وهكذا والتربة التي يأتي بها الملك فيمزجها بين النطفتين جبل ووتد لنطفة المرأة ولولاها لاحترقت بحرارة نطفة الرجل او انخمدت حرارة نطفة الرجل ببرودة نطفة المرأة ذلك تقدير العزيز العليم
قوله عليه السلام : على تلاطم تيار بيان لحقيقة الجبال ومادة تكونها وبيان لتطورات البحار بالاطوار وشرح لما ذكرنا من الانوار من ان الشيء من حيث الذوبان بحر ومن حيث الانجماد جبل والانجماد لا يكون الا بالذوبان فيكون الجبل موج ( كوجا خ ) من امواج البحر الا ان موج كل بحر على حسبه فالجسم جسماني والروح روحاني والنفس نفساني والعقل عقلاني والجامد منجمد والسيال جار وذائب وانت قد علمت سابقا ان البحر يطلق على الحقيقة على الشيء الواحد الصالح للشؤن والاطوار الكثيرة كما دلت اخبار اهل العصمة ( عليهم السلام خ ) عليه كبحر النار وبحر الظلمة وامثال ذلك والبحر له ثلثة ( ثلث خ ) مقامات الاول مقام ما يتصاعد منه من الابخرة وهذا ليس فيه موج محسوس وان كان فيه موج بحسب مقامه وانما هو اجزاء لطيفة شريفة يخرج عن مركز السفل الى مركز العلو والخفة والثاني مقام سكونه واطمينانه ومقام ذاته من حيث هو والثالث مقام الموج والاضطراب والحركة والميل والاحوال فالمقام الاول فليس مما نحن فيه لانها امور تخرج عن البحر وتدخل في البحر الآخر فان كان فيها حرارة انما هي مكتسبة من امور اخر والمقام الثاني هو مقام السكون وهو على قسمين احدهما سكون ليس فيه حركة اصلا بوجه من الوجوه وهذا السكون ليس ضدا للحركة اذ ليس فيه ذكر للحركة واحد الضدين مذكور عند الآخر فلا يخرج من هذا البحر في هذا المقام شيء ولا يدخله شيء وثانيهما مقام سكون عن الحركة او عن صلوحها فان الواحد وان قيل انه غير متكثر ولا متحرك لكن فيه حركات ذكرية قلبية غير ظاهرة في الجوارح وعالم الحس في كل عالم بحسبه والبحر في هذا المقام مادة للامواج وما يخرج منه الى الاعلى فله في المقام الاول حركات شديدة واضطرابات عنيفة وميولات سريعة لكنها غير ظاهرة وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وفي المقام الثاني حركات ظاهرة لاهل الاشارة يعرفها الملاحون واهل السفينة العالمون باحوال البحر واقتضاءاته فلا يتصور موج في المقامين الا باعتبارات قريبة بعيدة انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا والمقام الثالث مقام ظهور الحرارة لاستدعائها الحركة فكلما تتزايد الحركة تتزايد الحرارة وكلما تتزايد الحرارة تلطف ( تتلطف خ ) الامواج ولذا اذا نظرت الى البحر المواج في الليل ترى الامواج كأنها نيران اشتعلت على وجه الماء وتلك الحرارة هي المستجنة في البحر اظهرها داعي الحركة من العواصف او الادخنة او غير ذلك فالامواج محل النيران ومظهرها والنيران محلها الافلاك فتميل اليها لكن لحقها ثاء الثقيل فبقيت في مكانها فكانت الجبال اوتادا على ما بينا لك سابقا وآنفا واما الامواج بالنسبة الى البحار فاعلم ان امواج بحر الاحدية هي هياكل التوحيد وسكان عرش الله المجيد وجبال التنزيه والتفريد وامواج بحر الواحدية هي الاسماء والصفات ومواقع التجليات ومظاهر التعلقات وظهور الاسماء المتقابلة والصفات المتضادة والمتباينة يسبح الله باسمائه جميع خلقه كم غرقت هذه الامواج سفنا كثيرة وكم كسرت مراكب عديدة ما يسير في هذا البحر عند التلاطم والتيار الا اهل الجزيرة الخضراء المخضرة من نور الزمرد الخضراء كتاب الابرار لكنه في كون الكينونة لا كون البينونة وكون الاطلاق لا كون التقييد وكون ( النار خ ) ولو لم تمسسه نار لا كون الهواء يكاد زيتها يضيء فهم من فهم وامواج بحر اللاهوت هي سطوات الجبروت واعتبار ظهورات قصبة الياقوت ومبدأ الكينونة الثانوية في الرحموت وامواج بحر الجبروت ذوات الملكوت وامواج بحر الملكوت هي الشؤنات الشبحية والمقدارية وامواج البحر الابيض قريب الجزيرة الخضراء هي عالم الملك وامواج هذا العالم على انحاء كثيرة واطوار غريبة عجيبة طور هي الافلاك وطور هي العناصر وطور هي المتولدات وطور هي الجبال وطور هي المعادن وطور هي النبات وطور هي الحيوان لا اله الا الله ذو الملك القديم والمن الجسيم له الكبرياء والقدس والعظمة سبحانه وتعالى عما يصفون
قوله عليه السلام : رقيق رتيق فتق رتاجها فتغطمطت امواجها قال في مجمع البحرين الرق بالكسر من الملك وهو العبودية وهو مصدر رق الشيء من باب ضرب ومنه الدعاء سجدت لك ( يا رب خ ) تعبدا ورقا والرقيق يطلق على الذكر والانثى والجمع ارقاء مثل شحيح واشحاء وقد يطلق على الجمع ايضا فيقال ليس في الرقيق صدقة اي في عبيد الخدمة والرقيق خلاف الثخين والغليظ ومنه الثياب الرقاق وخبز رقاق بالضم اي رقيق الواحدة رقاقة والرقة بالكسر ضد القوة والشدة والرقة بمعنى الرحمة من رق لهم رحمهم ومنه الحديث ان اصحاب ابي اتوه فسألوه عما يأخذه السلطان فرق لهم والرتق هو ضد الفتق وهو الالتيام والفتق الشق والفتح وفتقت الشيء فتقا شققته الفتق شق عصي الجماعة ووقوع الحرب بينهم وفتقت الثوب من باب قتل نقضت خياطته حتى فصلت بعضه عن بعض فانفتق وفتقت بالتشديد مبالغة وتكثير الرتج في المجمع في الحديث السماء تفتح فلا ترتج اي لا تغلق من ارتجت الباب اغلقته ومنه امرنا النبي صلى الله عليه وآله بارتاج الباب اي باغلاقه وارتج على القاري اذا لم يقدر على القراءة وفي حديث فاطمة بنت اسد وقد سئلت من امامها فارتج عليها فقال لها النبي صلى الله عليه وآله ابنك ابنك يعني استغلق عليها معرفته والارتتاج بتائين مثناتين فوقانيتين بمعنى الانغلاق والرتاج بالكسر الباب العظيم وفي المنتجب ( المنتخب خ ) غطمطم وغطم بحر غطيم اقول اذا اخذنا الرقيق بمعنى الرقة ضد الثخين والغلظة يجوز ان يكون صفة للتلاطم والتيار وان يكون صفة للجبال والبحار بالقول بتساوي المذكر والمؤنث في الفعيل بمعنى المفعول كقولك رجل جريح وامرأة جريح فيصح التوصيف او بان يجعل الصفة معنوية ليكون المراد من البحار هو البحر الواحد الحقيقة الجامعة لكل الابحر والجبال هو الجبل الواحد الشامل لكل الجبال ليكون المراد بالبحار هو بحر الاحدية لانه جامع بين الكثرة والوحدة فهو الكل في وحدته على اعتبارين والجبال هو جبل القاف ومظهر الكاف وسر العين وحقيقة اللام ولطيفة الميم ومثل هذا الاستعمال كثير في الكلام الكريم كما في قوله عز وجل وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة حيث ذكر الاسماء وهي في الظاهر مؤنث غير ذات الشعور فالمناسب ارجاع الضمير المؤنث اليها مع انه اتى بالجمع المذكر وكقوله عز وجل اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين وقوله تعالى يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون وامثال ذلك في القرآن والاخبار كثيرة جدا فيجوز ان يأتي بالموصوف في الظاهر بصورة الجمع والصفة بصورة المفرد للاشارة الى سر ولا يقال ان ذلك يستلزم عدم تطابق الموصوف مع الصفة المجمع على بطلانه لانا نقول ان الموصوف في الحقيقة مفرد ليس بجمع وانما اتى بالجمع من باب الحكاية والمظهرية لا للاستقلال ولو اتى كذلك ايضا فلا يضر لانه لا يوصف به وانما الموصوف هو الحقيقة السارية في كل الافراد ولا ضير في ذلك بل هذا هو الواقع الحقيقي والمطابقة الحقيقية موجودة لفظا ومعنى فعلى هذا الوجه يكون المعنى ان الله سبحانه خلق البحار والجبال وهي في اصل مبدئها وفطرتها في مقام الحل الاول او الثاني في الحركة الاولى الطبيعية الذاتية او الثانية قبل انتشارها في الحركة العرضية بالظهورية ( الظهورية خ ) رقيق مشابهة للمبدأ شباهة القشر مع اللب او الاثر مع المؤثر اضمحلت عندها جهات الكثرة ورقت حجب الانية وظهرت في مقام الوحدة لا الوحدة الحقيقية بل على حسب مقامها فكانت رتقا فالبحار بحر واحد والجبال جبل واحد فرتق الله سبحانه ذلك البحر بالبحار على ما فصل سابقا لكن مرجعها كلها الى ذلك البحر وكذا الجبال وهو الجبل الذي عنده عروق كل جبال الارض من الدنيا والآخرة فالبحار امواج ذلك البحر الواحد وخلجان منه وكل موج بحر له امواج متلاطمة متغطمطة كما قال صلى الله عليه وآله قال ابن ابيالحديد :
يا فلك نوح حيث كل بسيطة بحر تجول وكل بحر جدول
فافهم فكان بحر الاحدية او موجه رقيقا رتيقا فتق الله سبحانه رتاجه اي بابه وجهات ظهوراته فتموج ببحر الاحدية بسر الهوية ولب الالوهية وذلك الموج بحر تموج بالاسرار والانوار والاطوار والاوطار والاكدار والاخيار والاشرار الى ما لا نهاية له من الاكوار والادوار ومن اسرار هذا البحر امر النبي صلى الله عليه وآله بالاستزادة حيث قال سبحانه قل رب زدني علما وهو صلى الله عليه وآله استزاد التحير وقال صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا وكل البحار الموجودة في كل السموات والارض امواج من هذا البحر وكل موج بحر يحكي هذا البحر بعينه لسر المشابهة فلا نهاية لامواجه وامواج امواجه وامواج امواج امواجه وهكذا الكلام في كل موج من الامواج الى ما لا نهاية له ولو كان لك بصر حديد لرأيت بالعيان والمشاهدة فتق رتاجها وتغطمط امواجها واضطراب مائها وسرعة حركاتها ولرأيتها قبل الفتق حين الرتق وبعد الفتق ولرأيت انها لا تزال مفتوقة مرتوقة ولا نفاد لهذا الفتق والرتق واضطراب الموج وموج الاجسام جبال وكل جبل معدن كنز ومفتاح باب غيب قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وشرح حقيقة هذه الاحوال لا يسعه المجال واذا جعلت رقيقا وبعده صفة للتلاطم والتيار فالمعنى كما ذكرنا الا انه في المقام الثاني من المقام الثاني للبحر كما مر مرارا ان البحر له ثلث مقامات فراجع اذ في ذلك المقام موج رقيق وتلاطم دقيق لا يحس ولا يدرك لكونه مقام السر المقنع بالسر والسر المستسر والا فالبحر مطلقا لم يزل في الحركة والتموج لاستجنان الحرارة الباعثة للشوق الى التحرك نحو المبدأ في الاجزاء الهبائية المختلطة بالاجزاء المائية وكمون الادخنة ووقوف الماء والحرارة جاذبة ومحركة الى العلو والوقوف والركود كما ذكرنا يجمع الشعلات النارية بكثرة وقوع الادخنة والغبار فيميل اليها بالطبع والوصف واللون وتميل تلك الاجزاء اليه كذلك ولولا ذلك لم يبق ماء للاحتراق ولذا ترى اذا كان الماء قليلا تعدمه الحرارة في زمان قليل فيميل النار الى الماء بتوسط الدخان والهباء بقي الماء على حاله في السيلان وبميل الماء الى النار بتوسط تلك الاجزاء وجدت الحيوانات المائية والحركات الذاتية ودوام التموج الا اذا غلبت جهة المائية ولم يمنعها مانع اقوى وظهور اشتداد التموج انما هو بالامور المؤيدة وزيادة الحرارة او هبوب الريح العاصف من الرياح الاربعة وامثالها وبهذه الامور وامثالها يفتق رتاج البحر حتى ظهر بالامواج والتلاطم العظيم والحرارة وان كانت جاذبة الى العلو الا انها لما علقتها ثاء الثقيل تحرك ( فتحرك خ ) البحر وتموج وهو في مكانه ورتبته بخلاف الاجزاء البخارية فانها قد صعد بها لكمال المشابهة وهذا الحكم ( كلي خ ) في كل عالم بحسبه والعبارة الواقعية في سبب الامواج فاعلم ان الله سبحانه لما حكم ان يظهر آيات صنعه وعلامات قدرته في البر والبحر والسهل والجبل ليتبين للخلق انه الحق خلق في الكل خلقا مختلف الصور مختلف الهيئات والاشباح والهياكل والطبايع ليستدل بهذا الاختلاف والكثرة بالواحد القهار ( القاهر خ ) للكثرات والعاد للاعداد ولما كان حكمه تعالى واحد والايجاد لا يمكن الا بحركتين حركة وجه المبدأ الى المفعول وحركته الى وجه المبدأ فوجب مزج آثار تينك الحركتين واختلاطهما حتى صار معترك المزجين ومصلصل الخلطين منشأ خلق آخر ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين ولما كان المزج في الحيوانات البحرية والمعادن ما لا يكون ( المعادن لا يكون خ ) الا بالبحر والمزج والتعفين لا بد له من الحرارة والماء بطبعه مضاد لها والاجزاء الهبائية بحرارتها لا تقاوم برودة الماء فيأمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بزجر البحر حتى يتحرك ويتموج حتى يحصل كمال المزج والنضج بضم بعض الاجزاء بقوة حرارة الحركة المعينة للحرارة المستجنة في الاجزاء الهبائية ولما كانت هذه الحركة مخالفة لطبيعة البحر من حيث انه ماء وانما هو بزجر الملك يسمع منه تلك الضجة والصوت الهائل وهذا الصوت ضجيج البحر وانينه من شدة زجر الملك وخوفه منه لله سبحانه او قل ان الله سبحانه يأمر الملك ان يلقوا في البحر شعلات نارية موقدة من نوائر الكواكب السيارة والثابتة لتمام الخلقة قال تعالى ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها او قل ان الاشياء كلها خاضعة لله وخاشعة له منكسرة ذليلة عنده فانية لعظمته سبحانه الا ان الاشياء لما اختلفت مراتبها في الشدة والضعف واللطافة والغلظة والجمود والذوبان اختلفت مقامات تذللهم وانكسارهم لباريهم وصانعهم فكلما الى اللطافة اقرب خضوعه لله اكثر قال عليّ بن الحسين عليهما السلام اعلمهم بك اخوفهم لك في الصحيفة ولذا ترى الطائفة الشريفة الانسانية اشد الاشياء خضوعا لله سبحانه في كل احوالها وشرحها يؤدي الى التطويل ثم الحيوانات على مراتبها ثم النباتات على مراتبها وذلك عند التفاتها الى ربها والتفاتها الى نفسها وذلك اذا يبست اغصانها واصفرت اوراقها وغارت مائها وانقطعت اثمارها فهنالك استشعرت عظمة الله سبحانه المذلل لها كل شيء ثم الجماد وهو على اختلاف مراتبه في الذوبان والانجماد فالجدار اذا انشق قيل لابي عبد الله عليه السلام كيف تسبيح الجدار قال عليه السلام اماتراه يتشقق ( ينشق خ ) والتجارات اذا كسدت والعيون اذا غارت والنيران اذا خمدت والابدان اذا مرضت والبحار اذا تلاطمت وتغطمطت ولا يكون ذلك الا اذا اتيها الملك واخبرها بها فهنالك تتلاطم وتضطرب وترتعد فرائصه وتغلغل ( تتغلغل خ ) احشاءه وجوارحه خوفا لله الواحد القهار فاخبار الملك هو فتق رتاجها فافهم او قل تلاطم البحار وتغطمطها عند ذكر مصائب سيد الشهداء سيد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وابن امير المؤمنين عليه السلام وابن فاطمة الزهراء صلوات الله عليها واخ الحسن الزكي عليه السلام وابي الائمة الطيبين سلام الله عليهم اجمعين وذلك ان مصيبته صلوات الله عليه كدرت صافي العيش لكل مخلوق من مخلوق الله سبحانه بقدر لطيفة وجوده فلم يذكره احد الا وقد انكسر قلبه وتغير حاله في كل مرتبة من مراتب التكوين والتكليف فالبحار اذا ذكرت تلك اضطربت وارتعدت من خشية الله فلولا ان الله سبحانه يمسكها بقدرته لاغرق العالم من شدة هيجان ذاته لانها اثرت في الذوات لا الصفات ومصيبته عليه السلام ذاتية للخلق ولذا لا تنقطع وينقطع كل شيء وكذلك الهواء اذا ذكرها يتحرك ويكون ريحا عاصفا فلولا امساك الله اياها لاهلك العالم رقة على الحسين عليه السلام سبحانك يا حليم عما يعمل الظالمون ترى عظيم الجرم من عبادك فلا تعجل عليهم تعاليت عما يعمل الظالمون علوا كبيرا ولا يقال ان البحار كانت متلاطمة قبل قتل الحسين عليه السلام لانا نقول قد بكى عليه عليه السلام كل نبي وكل وصي وكل الخلق وكل الملائكة قبل ان يخلق الله الخلق وبكى عليه كل شيء مما هو في الوجود المقيد ويأتي شرح هذا وبيانه ان شاء الله تعالى واعلم اني لم ارد من الصفة من قولي ان رقيقا ورتيقا صفة البحار والجبال الصفة المصطلح عند النحويين بل ما هو يعمها وخبر المبتدأ فان الخبر صفة للمبتدأ ولذا اذا كان مشتقا وجبت مطابقته مع المبتدأ فاذا قرأتها بالرفع يكون خبر مبتدأ وهو الضمير وهو يصلح لان يرجع الى البحار او الجبال او التيار والتلاطم واذا قرأتهما بالجر تتعين الصفة ثم اعلم ان قوله روحي فداه هذا بشارة لاهل الاشارة من المؤمن الممتحن لما تكدر صافي العيش بغامض العبارة في قوله عليه السلام المتقدم وحبس في الجو سحائب مكفهرات فاشار عليه السلام بهذه الفقرة ( الفقرات خ ) الى قوله تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله واشار بقوله رقيق اه الى الا ان نصر الله قريب واشار بالاول الى قوله عز وجل وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فاذا جاء وعد اوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها واشار بالثاني الى قوله عز وجل فاذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا واشار بالاول الى قوله تعالى قال يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين واشار بالثاني الى قوله عز وجل ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون واشار بالاول الى مقام الحجاب ان شيعتنا يؤذوننا يزعمون انا نعلم الغيب فوالله لقد هممت بضرب جارية مني فانحادت ولم ادر في اي زاوية من البيت هي واشار بالثاني الى كشف النقاب وفتح الباب ان الكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وشيعتنا الفئة الناجية وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام الم وطه والطواسين والاشارة الى بيان ظاهر العبارة بلطيف الاشارة اعلم ان السحب لما اكفهرت وانعقدت وارتتقت وبلغت مبلغها ونالت من الكتاب نصيبها اذابتها حرارة شمس العناية واشعة اسم الله النور القابض الباسط فافتتقت فانعقدت من افتتاقها وجريانها وخضوعها لله سبحانه بارئها ومنشيها البحار ولذا ورد ان مياه الارض كلها من السماء ولما ان الله سبحانه فتح ( فتق خ ) ابواب السماء بماء منهمر يوم الطوفان وامطر من غير كيل ووزن مقدر وفجر الارض عيونا فالتقي الماء على امر قد قدر ولما حصل المقصود وبلغ الكتاب اجله اوحى الله سبحانه يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء فلما ان الارض لم تؤمر ببلع المياه السماوية لانها فوق هاضمتها ولا تقدر على بلعها وما امرت السماء بتصعيد مياهها فبقيت على وجه الارض فكانت مياه الارض كلها من بحارها وانهارها وعيونها وآبارها من انفتاق السحاب المكفهر المحتبس ( المحبس خ ) في جو السماء قال سبحانه هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون وكذلك الجبال انما انعقدت من افتتاق السحاب لانها موج البحار على ما فصلنا سابقا فالبحار والجبال وان انعقدتا وتمتا لكن السحاب المانع من ايصال الحرارة الالهية النورية ومن هيجان الرياح العاصفة المهيجة للماء للتلاطم والتيار والمهيئة للجبال والمعادن والانوار ففتق الله سبحانه رتاجها عند طلوع الصبح اليس الصبح بقريب ان قرآن الفجر كان مشهودا فتغطمطت امواجها عند الظهر يوم الجمعة يوم عاشورا يوم النوروز ( النيروز خ ) فاول موجة ظهرت انهدمت بها سفينة الظلم والجور الجاري على ماء زمزم وذلك البحر المواج هو بحر النار يرمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر او جمالات صفر ويل يومئذ للمكذبين وذلك هو الغاشية في قوله عز وجل هل اتيك حديث الغاشية وهو العذاب الواقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج وكلما ترتفع السحاب تشتد الامواج وتغرق السفن ( السفينة خ ) العتيقة المندرسة الصافية ( الضايعة خ ) وتقوي السفن الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها ثم ظهر بحر العزة بامواجه المتلاطمة المتعاظمة المتغطمطة ثم بحر القدرة كذلك الا انه ما تمايزت امواجه واختلطت بامواج بحر العزة ثم البحور الاخر ظهرت بامواجها وحيواناتها كبحر العظمة وبحر الهيبة وبحر الجبروت وبحر الرحمة وبحر القدس وبحر الكرامة وبحر المنزلة وبحر الرفعة وبحر السعادة وبحر الشفاعة ثم يظهر تأويل قوله تعالى يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا (ظ) فاتصل الاول بالآخر والظاهر بالباطن قال تعالى كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة وظهر قوله تعالى وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا وظهر سر الباء في بسم الله الرحمن الرحيم وانجلت الهاء من الكاف فظهرت الباء وبالمجموع ظهرت النون وبالجميع ظهرت العين فاثرت في الصاد بظهور المداد وبلوغ المراد فاشار الى الامرين في كلامه المجيد بقوله العزيز كهيعص فاشار الى الاول مولينا القائم عليه السلام بان الكاف اشارة الى كربلا والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء الى يزيد والعين الى عطش اهل بيت النبوة والرسالة والصاد صبرهم على ذلك وهذا هو المراد من قوله عليه السلام وحبس في الجو سحائب مكفهرات واشار الى الثاني بباطن هذه الكلمة الشريفة من ان الكاف هي الكاف المستديرة على نفسها والهاء هي حرف ليلة القدر والمقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والياء لاول ظهور الرتبة الثانية والنون ارتباط الهاء مع الياء والعين تمام كلمة كن والصاد هو البحر الذي تحت العرش توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج لصلوة الظهر مع جميع الانبياء والمرسلين او وحده مع اخيه ووصيه امير المؤمنين عليهما السلام وهذا هو المراد من قوله عليه السلام فتق رتاجها فتغطمطت امواجها وجددت الارض ابتهاجها وزينت السماء ابراجها وهنا اشارات غريبة يطول الكلام بذكرها
قال عليه السلام وروحي له الفداء : احمده وله الحمد واشهد ان لا اله الا هو
ابتدأ عليه السلام بالحمد واختتم به لسر ما قدم في الخطبة الشريفة وافتتح الكلام به تبعا لكلام الله سبحانه وتعالى حيث قال الحمد لله فاتي بلام الاختصاص وهو يستلزم عدم الانفكاك والانفصال وقد اوضح هذا السر وكشف في قوله الكريم وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقال تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب فالذي له سبحانه عنده فاذا كان الله سبحانه ايضا عند الذي ( له خ ) هناك يتم يسبحون الليل والنهار لا يفترون فالحمد لله وعنده والله عند الحمد لانه ليس الا صفته وظهوره والموصوف عند الصفة ظاهر بها وحاضر لديها بها ولما كان الله سبحانه احاط بكل شيء وهو في مكانه سبق الاولية والآخرية والقبلية والبعدية فلا يوصف بالقبلية الا بعين البعدية والعكس العكس كان صفته مثال تجلي فعله فلو سبقتها الاولية ولحقتها الآخرية لم يكن صفة له سبحانه وانما هو صفة الممكن الفقير المحتاج هذا خلف فلم يكن الله عنده بل ولم يكن عند الله هذا خلف فوجب ان يكون الحمد قد سبق النهاية والبداية والاولية والآخرية والقبلية والبعدية والظاهرية والباطنية فاذا سبقها فهي تنتها ( تنتهي خ ) دونها فالاول عنده هو عين الآخر والقبل عين البعد كما هو حال كل عال بالنسبة الى سافله فالحمد اذن سبق النهايات والحدود فاحاط بالاشياء لم تجد شيئا الا وتراه حاكيا لمثاله وظاهرا بنوره يسبح الله باسمائه جميع خلقه سبحان الله ذي الملك والملكوت فالحمد اما عين كينونة الشيء من حيث ربه او سابق عليه وتلك الكينونة قبل الشيء ومع الشيء وبعد الشيء لانه صفة كمال الله سبحانه وهي لا تظهر الا في جهة الله ولا شك ان تلك الجهة متقدمة على كل الجهات كتقدم فعل الله على كل الافعال والتأثيرات فتكون الجهات كلها منحطة عن مقام الحمد كما كانت منحطة عن فعل الله سبحانه وتعالى لكن اهل الكثرة المتنزلين عن مقام النقطة الواقفين مقام الشؤن المتمايزة المتضادة لا يرون الاتحاد وسريان ذلك الواحد في الآحاد فيجعلون الحمد اولا ثم يبتدؤن بالمراد واما السالكون مسالك الوحدة والقاطعون مسافة الكثرة والواصلون مقام النقطة لا يرون شيئا الا ويرونه شعبة من شعب الحمد ولمعة من انواره فيبتدؤن بالحمد ويختتمون به ويتوسطون به ولما كانت هذه الخطبة الشريفة شرح حال للخواص وبيان مقام للخصيص ولا حظ للعوام في ذلك وهؤلاء هم اهل النقطة على مراتبهم المتفاوتة في معرفة تلك النقطة الالهية فاجرى الكلام عليه السلام على مقتضى مقامهم لانه يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه من الارزاق الظاهرية والباطنية والغيبية والشهودية والحقية والحقيقية فابتدأ بالحمد لانه المبدأ الاول السابق كل لاحق لانه ظهور الله المطلق ونور الله الحق وقوام الخلق وظهور ( طور خ ) النور وعين السرور وينبوع المعرفة وطمطام المحبة ثم ابان عليه السلام عن مقامات الاطلاق واشعة شموس الاشراق ومبادي الظهورات الاولية وحقايق الماهيات المجعولة الابتدائية والاكوان المطلقة المجملة الغير المفصلة الا بالذكر والصلوح وهي في الحقيقة ابواب يفتح منها الف الف باب من احوال المبدأ والمآب فلما فرغ عن بيان هذا الطور واجرى كلامه عليه كما اجرى الحق سبحانه قلمه المتخذ من قصبة الياقوت عليه واراد التفصيل وشرح حقيقة الحال واظهار الوجوه المطلوبة ( المطوية خ ) في خلال المقال ابتدأ بالحمد لانه مقام لواء الحمد الذي عليّ عليه السلام حاملها بخلاف الاول فان حامل اللواء الاولى هو رسول الله صلى الله عليه وآله ولذا اتى بالجملة الاسمية واطلق الحمد معرفا بلام الحقيقة في المقام الاول وفي المقام الثاني نسبه الى نفسه الشريفة فقال عليه السلام احمده حمدا اه ثم وصفه بما وصفه لكونه مقام التفصيل وهو مقام قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق وقد ظهرت في ولي الله سبحانه الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور الى ان قال وهو العلي العظيم وقال وان الله هو العلي الكبير فعليّ عليه السلام هو ولاية الله بذاته وهي لواء الحمد وهي مجمع الشؤن المتمايزة والاسماء المتقابلة المظهرة لكمال من الكمالات وصفة من الصفات كما كان المقام الثاني مقتضيا لذلك فلما فرغ عليه السلام عن بيان هذا المقام على اكمل ما ينبغي على التفصيل التام والبيان العام اختتم الجهة العليا والمرتبة القصوى بالحمد والتوحيد وقدم الحمد على التوحيد ملاحظا لمقام الصعود فان الحمد مقام الكثرة الاسمائية والصفاتية والجلالية والجمالية والقدسية والاضافية والتوحيد هو نهاية المقصود والمأمول فرجع الامر آخرا كما كان اولا ولذا قال مولينا سيد الشهداء عليه السلام الهي امرت ( امرتني خ ) بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وانما خص الحمد عليه السلام بنفسه واتى بالجملة الفعلية لما تقدم ولبيان سر من عرف نفسه فقد عرف ربه فكشف عن ذلك بقوله عليه السلام وله الحمد فان ذلك اللواء لله سبحانه اعطاه اياها وحمله لها الله اعلم حيث يجعل رسالته الى الاكوان الوجودية والشرعية في الدنيا والآخرة فالحمد هو لله سبحانه وهو الكمال المطلق الظاهر في النقطة الواحدية الظاهرة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله الظاهرة بالتفصيل الالفي في الرتبة العلوية عليه السلام فذواتهم حقايق القدس وحظائر الانس وصفاتهم مظاهر التفصيل ومراتب التعليل فعندهم الكثير والقليل ولديهم الحقير والجليل فذواتهم صفات فكانت حمدا لله رب العزة لا لسواه واصطنعتك لنفسي وصارت فاعل فعل اللازم واتصلت وتخلقت بالاخلاق السرمدية الازلية الثانية فصارت ينبوع الكمالات ومعدن الحقايق والصفات ومخزن التجليات والظاهر بالظهورات والشؤنات لانها له سبحانه فاتخذها اعضادا لخلقه واشهادا عليهم وحفظة لهم وابوابا لفيوضاتهم وامداداتهم فاول ذلك ظهور الكينونات الازلية الظاهرة في العوالم الامكانية وثانيه ظهور الكمالات المنبئة عن الحمد بل هو ( هي خ ) نفس الحمد فكلما ظهر من اطوار الحمد واحواله وجزئياته المتشعبة في كل الخلق المنبثة في كل الوجود فكلها لتلك الحقائق الشريفة اذ عنها صدرت ومنها بدأت فاليها تعود اذا رجعت وتلك الحقايق لله سبحانه فالحمد كان له بحقيقته وماهيته وافراده واجزائه وجزئياته وجميع اضافاته انا لله وانا اليه راجعون وانما قلنا ان الحقايق لبيان تشعب الظهورات والا فما هي الا الامر الواحد كما قال امير المؤمنين عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره وتلك الهياكل والحقايق اربعة عشر كما يشهد عليه لفظ الحمد واثني عشر كما تشهد عليه حروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات وهذا معنى قوله تعالى وآخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين لان هذا هو قول سبحان الله الذي هو اول دعويهم كما قال عز وجل دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين واشار الى مجموع التسبيح والتحميد قوله الحق سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين قال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما اخبرني شيخي وثقتي اطال الله بقاه لا ينبغي ان اصغر ما عظمه الله من قدري اومى ( اوحى خ ) الله عز وجل اليّ يا محمد (ص) فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق وقال ايضا صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعليّ حاملها اجمع بين هذه الكلمات ولاحظ هذه الاشارات لتفهم منها ما لا تسعه العبارات ولا تحد بالاشارات واعلم بان المراد من قوله عليه السلام احمده وله الحمد اني اومن بالله سبحانه بمحمد صلى الله عليه وآله الى ما لا نهاية له في الاكوار والادوار قبل اختلاف الليل والنهار وبعده في الاعلان والاسرار والاطوار والاوطار والحمد هو محمد صلى الله عليه وآله لانه اول نقطة ظهور الكائنات والحمد ليس الا ظهور الصفات بل نفس الكمالات لانه الثناء البالغ وماتم ذلك الثناء الا في تلك الحقيقة المقدسة على ما قال سبحانه ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو الذي استخلصه الله في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء فهو نفس الثناء ومُظهر الثناء ومَظهر الثناء وعلة الثناء وحقيقة الاسماء فالكمال البالغ والظهور المطلق والتجلي الحق انما ظهر عنه ومنه وفيه وله وبه فالحمد حقيقة حقيقته ولذا اشتق له اسم من مادة الحمد محمد واحمد على ما فصلنا سابقا فلا يحمد الله سبحانه احد الا بالتمسك بطور من اطوار ظهوراته صلى الله عليه وآله في جميع المراتب والاكوان من التكوينية والتدوينية والتشريعية فمن ولي الدبر عنه صلى الله عليه وآله كان بقدر ادباره ذما يسبح الله باسمائه جميع خلقه وهو صلى الله عليه وآله الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الاجل الاكرم الذي يحبه الله ويهواه ويرضى به عمن دعاه فهو ثناء الله على نفسه لخلقه في خلقه ولا ثناء اعظم من ذلك قال صلى الله عليه وآله انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك لان ثناء الله على نفسه هو حقيقته فهو صلى الله عليه وآله في مقام حقيقته ثناء الله بلسان الله وفي مقام تعينه وعبادته مقام اياك نعبد واياك نستعين مقرا بالعجز عن ذلك المقام وهو كذلك واما مقام الذات فانقطع الكلام وعليّ صلى الله عليه وآله اول من آمن به واقر بنبوته في عالم اللانهاية واستغرق في ذاته وصفاته حتى صار مثله وحامل لوائه صلى الله عليهما وآلهما ولما كان هذه الاولية هي عين الآخرية ظهرت تلك الشجرة الكلية الالهية التي ليست شرقية ولا غربية في كل ذرة من الذرات وشاهدت كل الذوات والصفات وتعدت عنها وفنيت الاشياء عندها فكانت آخرا بعين كونها اولا وظاهرا بعين كونها باطنا فصارت تدلج بين يدي المدلج من خلق الله في جميع الاحوال وكانت اقرب اليها من انفسها بلا نهاية بمقدار بعدها عنها بلا نهاية فاحاطت بالاشياء اولا وآخرا وظاهرا وباطنا ولا تستغرب هذا الذي سمعت في قدرة الله ولا تصغر عظمة الله فان الله سبحانه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى فوالله ظهور مشية محمد صلى الله عليه وآله في مشية الله بقدر البعوضة يطير في هذا العالم ومشية عليّ عليه السلام في مشية الله بقدر الذبابة تطير في هذا العالم واقل من ذلك بل لا شيء ولا نسبة سبحان الله العظيم وبحمده ولما كان ظهور ولاية محمد صلى الله عليه وآله انما كان بعلي عليه السلام خاصة وبالطيبين من اولاده سلام الله عليهم به عليهم السلام ادى التحميد بالجملة الفعلية وصيغة المتكلم الواحد على الفعل المضارع فدل بالواحد على انه هو الواحد الذي يظهر الحمد ويعلنه في كل العوالم من الالف الف وبالجملة الفعلية على التجدد وبالمضارع على عدم الاستمرار بمعنى ان هذا الاظهار ليس له حد القرار بل لا يزال متجدد وثابت كلما تطول المداء تظهر طراوته وتجدده وفي القيامة الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ويظهر من ولاية الله الظاهرة في القطب الاحمدي صلى الله عليه وآله بالامدادات النعيمية الوجودية لاهل الجنة والتبعيدات الاليمية لاهل النار فوق الاحساس والادراك وسيما في كل جمعة اذا اتوا اهل الجنة لزيارة الرب فيتجلى عليهم الرب ويفيض عليهم من تلك الولاية من التجليات وانواع التنعمات والتلذذات من جهة القرب والمشاهدة او من العلوم والمعاينة او من المئاكل والملابس الطيبة العالية ما لا يدخل تحت النهاية ( الولاية خ ) من اول وقوف اهل الجنة على الباب واكلهم من كبد الحوت ثم من كبد الثور ثم من عين الحيوان ثم من عين السلسبيل الى ان يأتوا مقام الكثيب الاحمر ثم مقام الرفرف ثم مقام ارض الزعفران ثم مقام الاعراف ثم مقام الرضوان ثم الى ما لا نهاية له من الاطوار وكل ذلك انما هو من آثار الحمد الظاهر في هذا الحامد الذي خص نفسه الشريفة فقال احمده وله الحمد وهذه الامدادات دائمة التجدد ابدية الفوران بل هم في لبس من خلق جديد وصلى الله على محمد وآله الطاهرين فاني قد اسمعتك تغريد الورقاء على اغصان سدرة المنتهى والله الموفق والمؤيد والمسدد
قوله عليه السلام : واشهد ان لا اله الا هو هذه الشهادة شهادة عزم وثبات في الذات والصفات والاعتقاد والكينونات والقرانات والاضافات والاقوال والاعمال والعبارات والاشارات وانحاء الظهورات والتجليات وهذه الشهادة هي الصراط المستقيم في كل العوالم ووجه الله في كل الاقاليم ففي عالم المحبة مقام احببت ان اعرف بالفناء في البقاء ومحو السوي والقطع عن كل ما سوى الله شهود التوحيد بطرف الواحد الاحد وذلك الطرف لا يرى سواه قال الشاعر :
اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها
وذلك مقام شهود الموحد بكسر الحاء ظهور الموحد بالفتح بظهوره وشهود الموحد بالفتح له بذلك الظهور فاحبه به واحبه به فاجتمعت محبتان ( المحبتان خ ) والمشاهدتان في شيء واحد وليس ذلك ( هذا خ ) اجتماع اتحاد حاشاه عن ذلك بل اجتماع وحدة واتصال بل ولا اتصال ( بل ولا انفصال خ ) بل وصل بل ولا وصل بل فصل بل ولا فصل ولا وصل قال مولينا الصادق عليه السلام من عرف الفصل من الوصل والحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد قال الشاعر واجاد :
رأت قمر السماء فذكرتني ليالى وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
وهذه الرؤية هي شهادة الله سبحانه له بان لا اله الا الله وبها يناديه اني انا الله لا اله الا انا وهو يحكي عن الله بلسانه فهذه الشهادة نفي الاضافات وسلب الصفات وقطع الانيات وملاحظة الوحدة البحت البات فشهادة الله سبحانه له عليه الصلوة والسلام في هذا المقام في مقام السر المستسر بالسر كما كان شهادته تعالى لاخيه الطيب الطاهر عليهما السلام في ( مقام خ ) السر المقنع بالسر وهذه الشهادة في مقامات هو من حيث المدلول والدال لا من حيث المطلوب والمقصود فان ذلك في العماء التي فوقها هواء وتحتها هواء وقد سئل مولينا الصادق عليه السلام اين كان الله قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام كان في عماء تحتها هواء وفوقها هواء ه والعماء هي السحاب الرقيق وهو السحاب المزجي قبل ان يتراكم ويأتي زيادة شرح لهذا الكلام فيما يأتي ان شاء الله وفي عالم الجبروت محو الاغيار وصافي العيار والصافي عن الاكدار ومشاهدة نور الجمال والجلال وحذف القيل والقال والوقوف على ظهور الحي اللايزال في اول مقاماته مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه وفي اعلى مقاماته مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله واليه يشير كلام مولينا الحسين عليه السلام في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا وكلام مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ما خلا وجهك الكريم وتوحيد اهل هذه المرتبة هو التوحيد الشهودي هذا في الاعتقاد العلمي اما التوحيد العملي فمشاهدة النقطة السارية في كل الاكوان والاعيان ومستجنات سرائر الانسان من الاناسي الثلثة اي الكبير والوسيط والصغير وملاحظة ان العلم نقطة كثرها الجاهلون ومعرفة ما خاطبهم الله سبحانه في كتابه العزيز بقوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال اي الاجسام او الظواهر مطلقا في كل عالم بحسبه من العوالم الالف الف بيوتا اي قواعد وكليات وهي مشاهدة الوحدة في الكثرة والمجمل في المفصل والواحد في الاعداد والمادة في قوابل الاستعداد ومن الشجر اي النفوس المتطورة بالاطوار المختلفة والمتشأنة بالشؤن ( بالشؤنات خ ) المتباينة الراجعة الى اصل واحد او مطلق الغيب الذي هذا صفته وحاله ومما يعرشون من احوال الروابط الغيبية والشهودية والظاهرية والباطنية ثم كلي من كل الثمرات وهو صرف تلك النقطة والوحدة في اطوار الكثرات من الصفات والذوات وسائر الشؤن والاضافات بحيث لا يخفى عليه شيء من احوالها واوضاعها فيجعل كل شيء في محله وعلامة هذا الموحد وهذا التوحيد ان لا يجد في كتاب الله ولا في احاديث آل الله تناقض ولا تعارض ولا اختلاف ولا بينونة وانما يجد كلام الله الحق المبين وكلام ساداته الميامين عليهم سلام الله اجمعين الى يوم الدين كلاما واحدا ساريا في العبارات المختلفة والوجوه المخفية الغائبة سريان الماء في النباتات من الاشجار والبقولات وامثال ذلك فلو قصر عن تحصيل هذه المرتبة فهو ليس بموحد في هذا المقام وغير واصل الى المقام الاول وان كان موحدا في المقامات الاخر والمراتب الاخر والا لجرى عليهم تأويل قوله تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وكذلك من توحيد هؤلاء الطائفة ان لا يلتفتوا الى الرأس المنكوس الى اسفل السافلين علما وعملا قلبا ولسانا قولا وفعلا وجامع هذه العبارات ان لا يجد راجحا الا ان يفعله والا لجرى عليه تأويل قوله تعالى واذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون وفي عالم الملكوت توحيد الله سبحانه في المراتب الاربع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة ومعرفة الصفات الثبوتية والسلبية والقدسية والاضافية والخلقية والعدل والنبوة والامامة والرجعة والمعاد والقيمة الصغرى والكبرى والميزان والصراط وغيرها مما جرت عليه الشريعة الحقة على الصادع بها آلاف الثناء والتحية ومعرفة كل ذلك بالادلة القاطعة والبراهين السادة لجميع حجج الخصم واقاويله واباطيله على جهة المجادلة بالتي هي احسن بان لا يكون فيه انكار حق والاستدلال بباطل على الحق ولا بحق على باطل على جهة التمويه والا فالحق لا يستدل به على الباطل ولا العكس وكذلك من التوحيد اعمال الصالحات وترك المحرمات والاجتناب عن المكروهات وعقد القلب وثبات العزم وحسن السريرة وصفاء القلب عن الاكدار الشيطانية والوساوس النفسانية وعدم التصورات الباطلة الفاسدة والخطورات الغير المرضية وعدم الجدل وتصور الشبهات وايراد الشكوك والتمويهات وان كان لا يعتقدها وعدم البلادة والجربزة وعدم الميولات الغير الشرعية وعدم الالتذاذ بالصور الحسنة ليؤل امره الى العشق الذي يلهيه عن الله سبحانه ومراقبة النظر في ملكوت السموات والارض وتصور العظمة والقهارية لبارئ السموات ومالك الرقاب ومسبب الاسباب والخوف منه وعلامة الخوف الهرب وعلامة الهرب ان لا ينكر حقا ولا يقول بما لا يعلم ولا ينكر ما لم يحط به علما ولا يتوقف اذا ظهر له الحق لقاعدة عنده او لانسه بطائفة تخالف الذي ظهر له او للعناد والعياذ بالله ولا يتكلف ما ليس له اليه سبيل ولا يستحقر طاعة ولا معصية وامثال هذه من انواع الاستقامات كلها اجزاء وحدود لكلمة لا اله الا الله في هذه المرتبة فان خالف شيئا مما ذكرنا دخل في قوله تعالى واذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون وفي عالم الملك وعالم الشهادة عدم اتخاذه مع الله شريكا آخر قال تعالى لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وعدم عبادة الاصنام وعدم انكار ما علم من الدين ضرورة وترك المحرمات البدنية كالزنا واللواط والسرقة والغيبة وامثالها وعدم التقول على الله ورسوله وفعل الواجبات كالصلوة والزكوة والحج والجهاد وامثالها وكذلك فعل المستحبات في كمال التوحيد وعدم المخاصمة والمجادلة والمنازعة والمراء وكونه على اكمل الاستقامة في الخلقة بان لا يكون معوج الخلقة ولا قبيح الصورة ولا طويلا مفرطا ولا قصيرا كذلك ولا مختلف الاعضاء في الاستقامة ولا زائد العضو ولا ناقصه ولا صفراويا بالافراط ولا سوداويا كذلك ( ولا دمويا خ ) ولا بلغميا بل يكون معتدل الطبايع اما الاعتدال التام كما كان فيهم عليهم السلام حتى خوطبوا بلسان الوحي انك لعلى خلق عظيم وما انا من المتكلفين او الاضافي بان يؤخذ جزء من السوداء وجزء من الصفراء والدم وجزءان من البلغم فيطبخ تسع طبخات حتى يكمل توحيده ويستقيم تنزيهه ويتم ايمانه ولا يكون ولد الزنا ولا ولد الحيض ولا ولد الحرام ولا ولد الشبهة ولا ما جعل صداق امه من الحرام ولا اسود ولا احمر ولا ابيض شديد البياض وان كان الاخيران ممدوحين في بعض الاحوال بل يكون معتدل الوجه معتدل القامة معتدل الطبيعة معتدل اليدين والرجلين على اكمل وجه يتصور هذا في ما شهادة ( في شهادة خ ) الانسان واما الحيوان فبان يكون طيب اللحم غير موذ ولا نجس ولا حرام ولا كدر ومستوى الخلقة والطبيعة وتكون الى البرودة والرطوبة والرطوبة والحرارة اقرب منهما الى البرودة واليبوسة واليبوسة والحرارة واما النبات فبان تكون اشجارا طيبة معتدلة مستقيمة مونعة ( مونقة خ ) اثمارها بينة ازهارها حلوة لطيفة طيبة لا حامضة ولا مرة ولا غليظة ولا كثيفة ولا كدرة ولا مدودة ولا يابسة ضايعة وامثال ذلك واما الجبال ( الجماد خ ) فبان يكون كلها معادن والمعادن كلها ذهبا والذهب كله اكسيرا وهنا نهاية الرتبة لانه هنا مثال الفاعل وبالغ مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون ومابلغ الى ذلك الا بكمال العبادة والعمل والعمل لا ينمو ولا يطيب الا بالاخلاص والاخلاص لا يتحقق الا بكمال التوحيد والتوحيد لا يتيسر الا بقطع الالتفات وازالة الانيات وقد جمع الكل في الاكسير ولذا سماه الامام امير المؤمنين عليه السلام اخت النبوة وعصمة المروة والقوم سموه عبدالواسع وعبدالكريم وانا سميته تبعا لسيدي ومولاي امير المؤمنين عليه السلام بعبد الله لكمال بلوغه في مقام التوحيد الجمادي لان العبد هو العالم بالله البائن عما سوى الله الداني الى الله بلا كيف ولا اشارة وهذا الذي ذكرنا مجمل مقامات توحيد عالم الملك وظهور شهادة ان لا اله الا الله في هذا العالم فان خالف امر من الذي ذكرت نوعه فيكون مصداق قوله عز وجل اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون واما ظهور شهادة لا اله الا الله في مقام القرانات والاضافات فهو الصلوة عند قرانه بالحلم ( الحلم خ ) وعدمها عند قرانه بالجنون ( الجنون خ ) وفعلها قاعدا عند قرانه المرض وقائما عند برئه منه وعلى الهيئات المتشتتة عند قرانه الخوف ولقاء العدو وعلى الهيئة المستقيمة مع التوجه الى جهة الكعبة عند عدمه وشبهه والزكوة عند قران ماله النصاب والحج عند وجود الاستطاعة والجهاد عند الامام عليه السلام وتمرد اهل الطغيان وقس على ما ذكرنا سائر العقود والايقاعات والالزامات مما هي مشروحة في محالها وكلها حدود لا اله الا الله في ذلك العالم واجزائها ومنها وجوب الكذب اذا توقف عليه نجاة المؤمن وحد الشهداء على الزنا اذا نقصوا عن اربعة وتنزيه المقذوف به عن ذلك قال تعالى فان لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون وامثال ذلك ومنها التقية لحفظ الدين والبدن والنفس من الظاهرية والباطنية ان توقفت عليها والعمل بالظن والعمل بمختلف الآراء وامساك العلم عن الجهلاء قال تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ومنها سكوت الرئيس المطلق عند منازعة المنافق وتحمله وصبره على الاذى ومتابعته ومشاهدته لخلاف الحق ومزاوجة الكافرة ومباعدة المؤمنة وذكر الكلمات المتشابهة مع الاقتدار على ازالة الكل وتعسكر العساكر للجهاد مع الملحد الكافر وتحمل الاذي من عساكره مع اقتداره بانفراده على دفع ما اراد دفعه بالعساكر والسكوت اذا لم يجد وليا وناصرا مع انه بنفسه يغني عن الكل والرضا بالقتل وسبي العيال ونهب الاثقال مع عدم الناصر وامكان استخلاصه بقوة شوكته من غير تقية او معها بالتسليم والمداراة كما فعل الاوائل وسكوت بعض الرؤساء حتى عن الكلام ونطق بعض الاخر بالكلام والبيان الواضح الصريح او المخفي او المرموز الملوح بالاشارة او بالمنطوق او المفهوم او لحن الخطاب او دليل الخطاب او بالتقرير او بالفعل او بالترك او بالسكوت او بالاعراض او بالاجمال او بالكتمان او بالاعلان او بقول اياك اعني واسمعي يا جارة ولم يأت بصريح العبارة مع اقتداره عليها من غير وصول سوء اليه وكذلك حكم الغائب الخائف المترقب عجل الله فرجه وسهل مخرجه وامساك الكون واهله في ذواتهم وصفاتهم وافعالهم واحوالهم واقوالهم وحركاتهم وسكناتهم ونومهم ويقظتهم وعلومهم ومعارفهم وكلما لهم وبهم ومنهم واليهم وعنهم ولديهم وعليهم وعندهم بنوره وفاضل ظهوره على مقتضى قوله الحق وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا وجعل بعضهم في مقام الظن والآخرون في مقام الشك وطائفة في مقام الوهم وطائفة في مقام الترديد وطائفة في مقام الانكار وطائفة في مقام الجهل البسيط وطائفة في مقام الجهل المركب وطائفة متردد بين الصافي والكدر وطائفة مضطرب الامر مشوش الحال اما بلسانه وقلبه او قلبه دون لسانه او باعماله او بشؤن تطورات احواله وطائفة في مقام صافي العلم وطائفة في مورد اليقين وطائفة في شرايع المصافاة والمحبة والمعرفة اما صافي هذه الثلثة في الاحوال كلها او في بعضها دون بعض في بعض الاحوال فيوصل اهل الوصول اما بالقراين والاحوال او بالكشوف والاقبال بدواعي مقتضيات الاعمال فيرى معاينة انها منقوشة في الواح المحو والاثبات اي في اللوح المحفوظ الثابت الدائم الباقي فيما لا يزال او بالمكاشفات النومية والمشاهدات اللطيفية ( الطيفية خ ) والمعاينات الحقيقية في عالم الرؤيا او بتصفية القلب وتزكية اللب وتطهير السر فيقذف النور في قلبه قذفا من دون المراجعة الى حال من الاحوال او غير ذلك من الاحوال كلها من حدود لا اله الا الله واركانها واجزائها فلولا واحد منها اي مما اشرنا الى نوعه لجري قوله عز وجل اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون ولو اردنا بيان هذه الاحوال ووجه كونها حدود لا اله الا الله يطول علينا الكلام والاشارة كافية لاهلها والعبارة قاصرة عنها انا لله وانا اليه راجعون واما ظهور لا اله الا الله في الاكوان الوجودية في الذوات فاقتضاء الاكوار الاربعة كل كور وكل دور اشرف ما يقتضي ذلك الكور في تلك المرتبة فاذا نقصت عن ذلك كان استكبارا في قوله لا اله الا الله على مراتبه من القولي والعملي والاعتقادي وامثالها ولما كان على امير المؤمنين واولاده الاحد عشر الطيبون الطاهرون قد ظهروا بالمراتب كلها مما ذكرنا وما لم نذكر سواء كان ذلك الظهور لذواتهم او لغيرهم فكملت شهادتهم في كل تلك المقامات سيما عليّ عليه السلام فانه امير المؤمنين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت فكانت شهادته هي الشهادة الصادقة التي لا اعوجاج فيها ابدا بوجه من الوجوه لان الاستقامة التي امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بها هي ولايته والصراط المستقيم هي ولايته والصراط الممدود بين الجنة والنار هي ولايته صلى الله عليه فافرد صيغة الشهادة اما لكون الاربعة عشر قصبة واحدة شهادة احدهم عين شهادة الآخر كما قال عليه السلام كلنا محمد اولنا محمد آخرنا محمد كلنا محمد واما لان ظهور الشهادة التفصيلية ماتحقق بكمالها وحقيقتها الا فيه صلوات الله عليه وشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وان كانت ابلغ الا انها ماظهرت في مقام الظهور مثل ما ظهر منه عليه السلام حتى قالوا بالوهيته وربوبيته وبتفضيله على رسول الله صلى الله عليه وآله وكونه عليه السلام طائفا حول جلال القدرة وكون رسول الله صلى الله عليه وآله طائفا حول جلال العظمة ولبيان ان شهادته عليه السلام هي الشهادة الكاملة البالغة وهي التي ارادها الله سبحانه وتعالى من خلقه حين خلقهم كما قال عز وجل كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وتلك المعرفة المستلزمة للشهادة ماكملت وماتمت وما اعتدلت الا في حقيقته عليه السلام وكل المعارف ( بعده خ ) والشهادات دون شهادته عليه السلام ماتبلغ تلك المعرفة وتلك الشهادة لان كلمة التوحيد حقائقهم وقد اشار سبحانه الى ذلك بقوله الحق ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وهي كلمات التوحيد ان شئت عبرت عنها بكلمة واحدة لها اثني عشر حرفا وان شئت عبرت عنها باثني عشر كلمة وكل الخلق في كل احوالهم واطوارهم ومقاماتهم ومشاعرهم وفيما يعرفون به معبودهم يقصرون عن معرفة تلك الكلم الطيب فلا تزيد معرفة الخلق على تلك المعرفة بل لم تبلغ جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من تلك المعرفة فليست الشهادة الا شهادته قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم فشهادته عليه السلام هي عين شهادة الله لخلقه قال مولينا الصادق عليه السلام ان كنت تريد الله الذي ليس كمثله شيء فذلك لا يعلمه الا نحن كما قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا لمن ارتضى من رسول الحديث لان شهادة الله لخلقه ماتظهر الا بولاية الله وولاية الله لم تظهر ولن تظهر الا فيهم صلوات الله عليهم فحقيقتهم شهادة الله بالوحدانية لنفسه لخلقه لانهم نفس الله وعين الله قال تعالى حكاية عن عيسى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك وقال تعالى واصبر لحكم ربك فانك باعيننا وهم علم الله قال الله عز وجل علمها عند ربي في كتاب وكل شيء احصيناه في امام مبين ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب وهم ذات الله الظاهرة للخلق بالاحداث والايجاد قال عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وبالجملة هم ظاهر الله في خلقه وخليفة الله وبقية الله في بريته قال مولينا الباقر عليه السلام نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم فاذا كان كذلك فيكون شهادة الله لخلقه هي شهادة امير المؤمنين عليه السلام لانه عليه السلام صاحب التفصيل ومحل التأويل او نقول انه عليه السلام انما افرد الشهادة لبيان ان كل الشهادة التي صدرت من (عن خ ) كل الخلق من مبدأ الوجود المقيد الى نهاياته ونهايات نهاياته الى ما لا نهاية له كلها شهادته عليه السلام لربه بالوحدانية فان الخلق كلهم من عكوسات انواره واشعة آثاره ومظاهر اسراره وكلها تسبيحه وتقديسه وتنزيهه عليه السلام لله كما ان الضوء المنتشر في البيت هو بعينه نور السراج واضاءة السراج وانارة السراج الظاهرة ليست الا نفس الاشعة فهو عليه السلام يسبح الله سبحانه باطواره كما انك تسبحه بلسانك او بجنانك او باركانك وافعالك واعمالك وحركاتك وسكناتك وآثارك وسائر اطوارك وكلها خارجة عن ذاتك وانما هي شؤنات لها وتسبيحك في عالم الظهور ليس الا بها وتسبيحها ليس الا تسبيحك لله بها وكذلك الحكم في الشهادة فان شهادة كل احد لله سبحانه هو ( هي خ ) شهادة مولينا امير المؤمنين عليه السلام بلسانه او بجنانه او باركانه فافهم فاني قد كشفت سرا معمي ورمزا منمنما فاشرب عذبا صافيا والله خليفتي عليك ولذا قال روحي فداه اشهد ان لا اله الا الله وهذه الشهادة قد ثبتت وكملت ورسخت وازالت الاغيار وصفت الاكدار الى ان ظهرت في هذه الدار فصار شهيدا عليه السلام فهو شاهد ومشهود وتلك الشهادة العليا والدرجة القصوى والرتبة الاسني وان ظهرت فيه صلوات الله عليه الا انها قد ظهرت كمال الظهور بعظم النور مشروحة العلل ومبينة الاسباب في قرة عينه وفلذة كبده وبهجته ومهجته سيد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين عليه السلام وروحنا له الفداء فان شهادته عليه السلام من تلك الشهادة اي شهادة ان لا اله الا الله وقد اقر الله سبحانه له بذلك حيث قال في كتابه الكريم ان قرآن الفجر كان مشهودا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا ونشير ان شاء الله تعالى فيما بعد الى تفصيل هذه الاحوال ونكشف بعون الله حجاب الاشكال ولا اله الا الله هي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وتلك الكلمة قد التئمت من اثني عشر حرفا وهي اشارة الى ظهور عين التوحيد بتوسط النبي (ص) الى اثني عشر مقاما وهو مجمع الكون ومعدن العين وقد اشار الحق سبحانه اليه في الباطن في قوله عز وجل واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم وتلك العيون منبعها من عين واحدة وقال ايضا سبحانه وتعالى ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما واوحينا الآية وقال ايضا سبحانه وتعالى ان عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم فلا تظلموا فيهن انفسكم وهذه الاثني عشر هي ( مثني خ ) الستة العدد التام الذي تم خلق السموات والارض وخلق كل شيء فيها ومثناها تكرارها في عالم الغيب والشهادة وكل هذه المراتب من منبع التوحيد لقد ظهر فيها على حسب ذلك المقام وتلك المرتبة واشار الى سر ما ذكرنا مولينا الجواد التقي عليه السلام في زيارة ابيه عليهما السلام السلام على اقبال الدنيا وسعودها ومن سئل عن كلمة التوحيد فقال انا والله من شروطها السلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات وقد قال مولينا الحجة المنتظر عجل الله فرجه فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا الله فهم اثني عشر هيكل التوحيد قد حصلت وصدرت عن منبع واحد فهم واحد في عين التكثر ووحدتهم حقيقية منبئة عن كمال التوحيد المستدعي لسلب الجهات ومحو الكثرات وازالة الانيات وقطع عالم الصفات ودك جبل الانيات وذلك التوحيد ما يمكن بروزه وظهوره وانتشاره الا في هذه الهياكل المقدسة المطهرة المنورة لما ذكرنا من سر المراتب وانما خص الاثني عشر من الحروف النورانية دون الاربعة عشر لان ذلك مقام التمام والاربعة عشر مقام الكمال ومقام التوحيد الظاهر مقام الولاية الظاهرة على جهة التكليف ومظهر هذه الولاية ما يمكن الا باثني عشر دون الاربعة عشر ان ( لان خ ) ذلك على نظم اقتضاء الكون الوجودي والتشريعي والحقيقي والصفتي والذاتي والاضافي لكن هنا شيء وهو انه عليه السلام ما اتى بلا اله الا الله ليكون ذلك اتمام ( تمام خ ) اثني عشر وانما اتى بلا اله الا هو وهو تمام العشرة الكاملة ويريد بذلك بيان سر تمام ميقات موسى في قوله عز وجل وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وقوله عز وجل والفجر وليال عشر ويريد بهذا العشر مجموع مراتب الاكوان التي ظهرت فيها تلك الهياكل الاثني عشر التي تمت بها التوحيد وكملت اركان العرش المجيد ووجه الاشارة ان هو يشمل على اسم الله وزيادة هذه الدقة لان هو روح الله وقوام ذلك الاسم ولذا قال سبحانه قل هو الله احد فقدم الهوية على الالوهية فقوم ( فقوام خ ) الالوهية بالهوية فشمل على ما شمل به الله حين قولك لا اله الا الله وزاد على ذلك بعشر لان هو عدده احد عشر وواحد يزاد على عدد الله في الحروف المقطعة ليتم الاثني عشر وتبقى العشرة بعد ذلك اشارة الى ظهور الاثني عشر في العشر ليكون تفصيلا لقول مولينا الحجة عليه السلام فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وقال النبي صلى الله عليه وآله الذي ملأ الدهر قدسه وهذا الذي ذكر عليه السلام بيان لكيفية الامتلاء وسريان النور ( نور خ ) التوحيد الساطع عنهم ( عليهم السلام خ ) في كل ذرات السماء والارض الى ما لا نهاية له لانها لا تخلو عن هذه العشرة وهي القبضات العشر من الافلاك التسعة والارض وما يتعلق بهما من القرانات والمزاجات وكل شيء يتصوره ( المتصور خ ) او يدركه المدرك لا يتقوم الا بهذه العشرة فتم الوجود بسريان نور التوحيد من هياكل التوحيد الاثني عشر وهو المستفاد من كلامه عليه السلام وروحي له الفداء ثم انه عليه السلام اراد بذكر هو الاشارة الى سر آخر وهو بيان اصناف الموحدين وكل من ينطق في التوحيد من المحقين والمبطلين ويجمع الكل بمراتبهم المتباينة المختلفة احد عشر صنفا خمسة منهم من الضالين المضلين وهم الذين نظروا الى انفسهم فعرفوا ربهم بما وجدوا في انفسهم من حيث هي فمنهم من قال انه جسم على الشعب المختلفة ومنهم من قال انه سبحانه صورة ومثال ومنهم من قال انه مادة وهيولي لكل الوجود اي الموجودات من العوالم ومنهم من قال انه طبيعة العالم ومنهم من قال انه نفس العالم وروحه ومنهم انه معنى فهذا ان اشار الى جهة معنوية فهو كغيرهم من الهالكين الضالين المضلين والا فهي ادنى مقام التوحيد والخمسة الاخر درجات الفائزين ومقامات المقربين فالاول مقام الواقف في مقام الظاهر والحق والسر وهذا ادنى المقامات والثاني مقام الواقف في مقام سر السر وباطن الظاهر وحق الحق مقام الكلمة التامة والثالث مقام الواقف مقام السر المستسر بالسر وباطن الباطن وحق الحق مقام الحروف العاليات والرابع مقام الواقف مقام السر المقنع بالسر وباطن باطن الباطن وحق الحق مقام الالف والنفس الرحماني الاولى والخامس مقام الواقف مقام السر المجلل بالسر وباطن باطن باطن الباطن وحق الحق وهو مقام النقطة وهي النقطة الالهية وقطب الدوائر الكونية والامكانية ومقام الوحدة المطلقة التي تنتهي اليها النهايات والبدايات وتدور عليها اللانهايات واللابدايات وهو السر المكنون المخزون فالالف يدور على النقطة دوران تعليم ( تعلم خ ) وارشاد وعطية واستمداد والنقطة تدور عليه دوران افاضة وامداد وتفصيل وانبساط وظهور وانجماد وكذلك الالف بالنسبة الى الحروف وهي بالنسبة الى الكلمة التامة وهي بالنسبة الى الدلالة التي هي آخر المراتب والمقامات وعليها يدور رحى الكائنات وهذه الخمسة هي الهاء المتولدة من الكاف المستديرة على نفسها المتولدة من البسملة المتولدة من الباء المتولدة من النقطة فافهم وساشرح لك ذلك ان شاء الله تعالى
فقوله عليه السلام لا اله الا هو اثبات وقوفه في مقامات الهاء التي هي اشارة الى تثبيت الثابت وتنزيهه الحق سبحانه عن دركات الواو فيكون الاصل في مقامه عليه السلام هو الهاء والواو في هذا المقام انما حصلت باشباع ضمة الهاء لكونها في محل الرفع ومقام الضم فالواو ظهور الهاء وان شئت قلت انها ابنه ( ابنته خ ) المتولدة منها فلا تلاحظ معها ولا ترتبط بها فالهاء هو روح هاء الله وهذه الهاء مثال لها وتلك الهاء سار في كل اطوار الاسم الله ولذا تريها تحفظ نفسها في جميع مراتب التكعيب والتربيع والتجذير وصورة ظاهرها عين صورة باطنها وهي من حروف ليلة القدر وهي الليلة المباركة ( التي خ ) اخبر الله سبحانه بها في كتابه الكريم وقال حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم قال عليه السلام حم هو رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المبين هو عليّ عليه السلام والليلة المباركة هي فاطمة عليها السلام وفيها يفرق كل امر حكيم اي كل امام حكيم بعد امام حكيم وانما اشير بها الى فاطمة صلوات الله عليها لانها خمسة وهي عليها السلام خامسة اهل الكساء وخامسة النقباء النجباء بحسب الفضل والرتبة والمقام والشرف وان كان بحسب القوس النزولي الحسين عليه السلام هو الخامس الا ان المعتبر هو ترتيب الايجاد على نظم الانوجاد بقابلية الاستعداد فالهاء هي السر القيومي في الخلق الكوني والعيني ثم انه عليه السلام بذكر هو اشار الى سر آخر وهو ان هو هو اعظم الاسماء ومتمم لها فاذا اضفته الى التسعة والتسعين الاسم فان لاحظته واحدا يظهر القاف الجبل المحيط بالدنيا على ما سبق وهو ( حم خ ) عسق قال عليه السلام حم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم على كله في عسق فان لاحظته بعدد بسائط حروفه مع الاسماء الحسنى يظهر عدد الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي يحبه الله ويهواه فاضافة سائر الاسماء اليه اضافة المتقوم بالمقوم وتلك الاسماء ليست الا ظهورات هو والدليل عليه انه بنفسه من غير ملاحظة الاسماء الحسنى مستقل في هذه الافادة لانك اذا نزلته في المرتبة الثانية يكون الاسم العليّ العظيم قال الله عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم فان الهاء اذا اشبعتها يتولد منها الواو فيكون المجموع حرفان اشارة الى جلال القدرة وجلال العظمة والى الطائف حول جلال القدرة والطائف حول جلال العظمة ومرتبة الولاية الكلية ومرتبة النبوة الكلية ومرتبة القدس والتنزيه ومرتبة الاضافة ومرتبة الاحدية الظاهرة ومرتبة الواحدية ومرتبة الالوهية ومرتبة الرحمانية قال الله تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى ثم العدد احد عشر فاذا لاحظته في المرتبة الثانية تكون العشرة تظهر في مائة لانها النسبة الثانية للعشرة التي هي النسبة الثانية للثلثة التي هي النسبة الثانية للواحد الذي هو النسبة الثانية للاحد فرجعت الاضافات الى نفسها وفنيت وبقي الدوام والبقاء الابد للاحد وهو الوجه الباقي بعد فناء كل شيء فاذا لاحظت نسبة العددين في المقام الثاني يكون مائة وعشرة وهو عدد على ولذا قال تعالى وهو العلي العظيم وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم وان الله هو العلي الكبير فرجعت تلك الاثنينية التي كانت في هو الى الواحد فغاب المجمل في المفصل والباطن في الظاهر والعرش في الكرسي وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله فلما وصل الى جلال العظمة خلق الله نور عليّ عليه السلام فكان نوري يطوف حول جلال العظمة ونور عليّ يطوف حول جلال القدرة وقال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فافهم الاشارة في التنزيه واليمين هو عليّ عليه السلام لانه مائة وعشرة فالاسم العلي هو الاسم الاعظم لانه هو في مقام المسمى وعلى في مقام الاسماء فجمعت الاسماء الحسنى كلها مع المسمى فماشذ عنه ظهور من الظهورات في اقليم الاسماء والمسميات ومقامات الاسماء والصفات فذكر هو اعظم من ذكر الاسم الله فان الاسم الله وان كان يؤدي هذا المؤدي لكنه في مقام الظاهر على ما يعرفه العوام لدلالة ذلك الاسم المكرم ببيناته على محمد وعليّ لبيان انهما عليهما السلام اسمان لله سبحانه فان البينات اسم للزبر واما هو فقد اشار به الى ما هو الاعظم ولذا قال مولينا الرضا عليه السلام ان اول ما اختاره لنفسه العلي العظيم لانه علا على كل شيء فاسمه العلي ومعناه الله فافهم راشدا موفقا واعرف حدود لا اله الا الله واعلم ان الامر كما قال امير المؤمنين (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا على المعاني الثلثة كلها اي بدلالتنا او بترجمتنا ووساطتنا او بمعرفتنا وهو قول مولينا الجواد المتقدم عليه السلام وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات ثم اعلم ان حروف لا اله الا الله كلها بين ثلثة احرف والاثنان في اغلب المقامات واحد لانهما معا حرف تعريف وهما الالف واللام وحرف التعريف هو الالف وحده الا ان اللام انما اوتى بها اتماما لقابلية ظهور الالف وانما خصوا اللام لانها جامعة لمراتب القابليات فاشار بحرف التعريف الى قول عليّ عليه السلام المتقدم آنفا نحن الاعراف ( الذين اه خ ) وقوله عليه السلام في الزيارة من اراد الله بدأ بكم وذلك لان الله سبحانه هو المعروف الذي لا جهالة فيه والظاهر الذي لا خفاء فيه والوحدة جهة المعرفة والكثرة علة النكرة ولما كانوا عليهم السلام محال معرفة الله فظهرت المعرفة والمعروفية والظهور المطلق فيهم وهم عليهم السلام حقيقة الاعراف ومعروفية كل المعارف بفاضل معروفيتهم صلى الله عليهم ولذا احاطوا علما بكل الوجود علم احاطة لا علم اخبار وعيان وقد اشار الله سبحانه الى هذه الدقيقة اللطيفة والقيومية المطلقة والمعروفية الالهية بقوله الحق في سورة الاعراف وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وقالوا ما اغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون وهؤلاء الرجال هم البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال واول البيوت اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابرهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ولما كان مقام التوحيد مقام المعرفة لا مقام النكرة اتى بحروف المعرفة في اللفظ الدال عليه فجرى الظاهر اللفظي على طبق الباطن المعنوي لكنه ما اوتى ( ما اتى خ ) تلك الحروف على هيئة التعريف وجعلوا اولها مقام النفي لبيان ان هذه المعلومية عين المجهولية وهذا الظهور الذي بفاضل ظهوره ظهرت الاكوان والاعيان ومستجنات غيوب الامكان هو عين الخفاء لشدة الظهور لانه تجاوز عن مقام مدارك الخلق ومشاعرهم بما لا نهاية له فلذا وضع لفظ النفي من مادة حرف التعريف الا انهم قدموا اللام على الالف في النفي لبيان ما قال عليّ بن الحسين عليهما السلام وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك واللام هي مقام الكثرة اللازمة للماهية التي ماشمت رائحة الوجود فهي نفي وعدم ولما ان الكثرة ليست بشيء ولو مجتثا وعدما الا بالوحدة فأتوا بالالف بعد اللام لبيان ان النفي شيء لان فيه ( من خ ) آثار الوجود وهو قول مولينا الصادق عليه السلام ان النفي شيء ولما كانت جهة الوجود فيه ضعيفة تأخرت الالف وانما اتى بالحرفين لبيان ان كل ممكن زوج تركيبي وان العدم ماهيته ( ماهية خ ) الوجود كما فصلنا في كتابنا اللوامع الحسينية عليه السلام فطابق اللفظ المعنى والاسم المسمى واما الاله فلما كان وضع الالفاظ على الحقائق الحقة الالهية الاولية وجرت في الدعاوي المجتثة الباطلة الافكية روعيت فيه جهة المناسبة الحقة فقدم الالف على اللام واما الالف فلبيان الاثبات والتعيين والتعريف واما اللام فلبيان ظهور ذلك التعريف في عالم الخلق من احوال الكثرات وجهات الانيات وبيان اكتسابها التعريف اذا جعلوا الالف الذي هو مثال الوحدة تاجا لهم ومشوا على طريقة رشده وهدايته ظاهرا وباطنا وبينات الالف هو ظاهر عليّ عليه السلام لانها مائة وعشرة وزبره هو باطنه الذي سره عين علانيته كما يأتي واللام ايضا ظهوره عليه السلام محلا لاستواء الرحمن ومؤديا الى كل ذي حق حقه من بحر الجود والامتنان ومثال ذلك القمر الظاهر في فلكه الجوزهر المسبح لله باسمه المبين وهو صاحب التفصيل والعدد والحساب ومميز الصور ومستنطق الطبايع ومستظهر مستجنات السرائر ومنشأ الاختلاف وداعي وسم الايمان والكفر والطيب والخبث ( الخبيث خ ) والمستقيم والمعتدل والحلو والحامض والمر والتفه وامثالها ولا يحصل الكل الا في القمر والقمر يقطع الدورة ثلاثين يوما لحكم مستقر وامر مقدر يطول بذكره الكلام والقمر هو مثال عليّ عليه السلام في الظاهر لانه صاحب التفصيل وعلة الاختلاف قال الله سبحانه عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني فكانت اللام اسما له عليه السلام ولذا جعلت في اسمه الشريف اشارة الى انه الثلثون ليلة لميقات موسى والياء بعد اللام اشارة الى اتمام العشر وهو اولاده الطيبون سوى الحسين عليه السلام وروحي له الفداء لكونه الفجر لا الليل قال تعالى والفجر وليال عشر ومجموع اللام والياء هو الميم فصار في اول اسم محمد صلى الله عليه وآله ثم زادوا الهاء في الاله بعد الالف واللام للاشارة الى التوحيد كما كانت الالف واللام اشارتان ( اشارتين خ ) الى التعريف على الطريق المعلوم لان الهاء خمسة اشارة الى المقامات والعلامات الخمسة التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرف الله بها من عرف ( عرفه خ ) لا فرق بينه وبينها الا انهم عباده وخلقه وتلك الخمسة في عالم ظهور الوحدة عين الوحدة ظاهرها في باطنها وباطنها في ظاهرها قال رسول الله صلى الله عليه وآله التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ظاهره موجود لا يرى وباطنه مفقود لا يخفى والهاء مثال لذلك لكون ظاهرها عين باطنها في الصورة الرقمية وسرها عين علانيتها واسمها عين مسماها وظهورها عين خفائها واوليتها عين آخريتها وقبليتها عين بعديتها وقد ظهرت هذه الصفات كلها في عليّ صلوات الله عليه وروحي له الفداء كما قدمنا يسيرا منها في حق النبي صلى الله عليه وآله وقال عليه السلام انا باطن السين والسين من الحروف التي ظاهرها عين باطنها واسمها عين مسماها لا في الصورة الرقمية بل لقد طابقت زبرها بيناتها ولفظها معناها والهاء اشارة الى تثبيت الثابت وماظهر هذا الثبات والاثبات البحت البات الا في مولينا عليّ عليه السلام ولذا لما ظهر للخضر من قشور ذلك الثبات الحامل للثابت الذات قال في حقه عليه السلام كنت كالجبل لا تحركه العواصف والمشبه عين المشبه به عندنا في القرآن والاخبار والجبل هو جبل الاحدية الظاهرة على جبل الواحدية مع ما تقدم سابقا فتم اسم الاله طبقا لمسماه وظهر العبد دالا على مولاه فاذا اطلق على سواه فليس من باب الوضع الاول ولا المجاز بل هو وضع مجتثي ظلي من باب تناسب التضاد واما الاستثناء فلما كان حصرا واختصاصا وذلك لا يكون الا بنفي السوي اوتي لها باَلْ لدلالة الثبات والتعيين والتخصيص ولا الدالة على النفي لسلب الاغيار وتصفية الاكدار فادغمت من جهة قران المثلين فكسرت الهمزة للمبالغة في التعيين والاختصار او لئلا يشتبه بِاَنْ لا المدغمة لقران المتجانسين ولم يعكسوا لئلا يشتبه باِنْ لا الشرطية فالنفي تنزيه والاثبات توصيف والنفي فناء والاثبات بقاء والاثبات اشارة والنفي سلبها ولذا لا يتحقق الا في مقام ذكر اثبات المخالف واثبات المخالف مخالف للاثبات البحت وهذا الذكر في مقام الواحدية وما بعدها وما تحقق الا بالولاية وما يمحى الا بالولاية فحقيقة الاستثناء هي الولاية والولي المطلق فان ظاهره التعلق والارتباط وهو اَلْ وباطنه التقديس والتنزيه الصرف وهو لا فلما كان هذا الظاهر والباطن في الشيء الواحد جرى الادغام لخفاء احدهما عند ظهور الآخر قال عليه السلام ظاهري امامة وباطني غيب لا يدرك فللاستثناء ( فالاستثناء خ ) حكم البرزخية بين الثابت البحت والنفي البحت فهو يثبت الحق وينفي الباطل قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحق مع عليّ وعليّ مع الحق يدور معه حيثما دار ومن هنا يظهر ان الاصل في الاستثناء الاتصال واما الله فهو الاسم الجامع للاسمين الاعلين لانه مركب في اللفظ من الالف واللامين والهاء ومن بينات المجموع يستنطق اسم عليّ ومحمد فمن بينات الالف يستنطق اسم عليّ عليه السلام ومن الباقي اسم محمد صلى الله عليه وآله لبيان انهما اسمان لله سبحانه وتعالى فقدم اسم عليّ عليه السلام وكان بينات الالف لكونه عليه السلام ظهر بالولاية ومحمد صلى الله عليه وآله ظهر بالنبوة والنبوة ظاهر الولاية وعليّ (ع) ظاهر الولاية الظاهرة بالنبوة ولذا كان جبرئيل اذا اراد ان يأتي النبي صلى الله عليه وآله ما يأتيه الا بامر عليّ عليه السلام واذنه وما عند عليّ عليه السلام وراثة عما عند الرسول عليه السلام فافهم فلا اله الا الله مقام النبوة ولا اله الا هو مقام الولاية ولما كان امير المؤمنين عليه السلام حامل اللواء اختار اسم هو على الله فقال عليه السلام اشهد ان لا اله الا هو ثم اعلم ان ما يتعلق بهذه الكلمة الطيبة في ظاهرها وباطنها من مراتب التوحيد التي هي مائة وستون واحوالها واحكامها واصحابها وعلاماتها وظهوراتها ومقاماتها وسر اختلاف مراتب التوحيد مع وحدة الموحد وما يتعلق بكلمة هو من الاسرار والمعارف والمراتب والكرات والدوائر قد ذكرناها في تفسيرنا على آية الكرسي فلا نطول الكلام هنا بذكرها والذي ذكرنا هنا ما ذكرناها في مقام آخر من الامور المتعلقة بهذه الخطبة الشريفة من اسرار اهل البيت عليهم السلام والا فكم من امور مما يتعلق بالتأويلات وانحاء البواطن والاسرار قد تركتها هنالك وهنا خوفا للتطويل وتقية من اصحاب القال والقيل قال الشاعر واجاد :
اغار ( اخاف خ ) عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
قال عليه السلام وروحي له الفداء : واشهد ان محمدا عبده ورسوله انتجبه من البحبوحة العليا وارسله في العرب العرباء
لما اظهر عليه السلام التوحيد بما لا عليه مزيد واحكم مقامات التنزيه والتفريد وسد ابواب الشبهات وازال اوساخ التوهمات وابان عن مقام الجمال والجلال والعظمة والقدرة والقهارية والرحمانية والالوهية والواحدية والاحدية والقيومية وتفرده بالاحداث والايجاد وعدم تحقق شيء في عالم الكون والفساد وان كل شيء سواه من عالم الكون والفساد وسريان نور التوحيد في افراد الكائنات وظهور الحق للخلق بانحاء التجليات وظهور التجليات في مرايا الاسماء والصفات وتقابل الاسماء والصفات مجالي التعلقات وظهر بيان قول سيدالشهداء عليه آلاف التحية والثناء حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها وما قال هو عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود ولما ظهر لنا من وصف كينونة الازل الظاهر لنا بنا الذي هو حكاية الفاعل عدم استقلال نفسه للمفعول بالمفعول ان الذات الازلية القديمة تعالى شأنه وتقدس في مقام قدسها وكينونة تنزهها منزهة عن الاتصال والاقتران وعن الظهور وعدمه فيكون تلك الظهورات اما بالايجاد والاحداث او بالصفات والاسماء او بالقدرة والعظمة والكبرياء او بغير ذلك ليست من حقيقة الذات البحت البات وانما هي بظهور كينونات الصفات وتلك الصفات هي المتجلية في المخلوقات بالمخلوقات كما قال عليه السلام اقام الاشياء باظلتها وقال كل شيء سواك قام بامرك ولما كان تلك الظهورات كلها متقومة بظهور واحد وتلك الشؤنات متحصلة من شأن واحد والاوامر راجعة الى امر واحد والخلائق آئلة الى مبدأ واحد وذلك هو الذي يبقى عند ازالة الشؤن ويظهر عند سلب الاقترانات والاضافات حتى لا يبقى غيره سوى ربه ويعدم الكل عند ظهور نفسه لمشاهدة جمال ربه والجزئيات مثال للكلي والوحدة الظاهرة في الجزئيات شؤن كثرة للكلي ولما كان في الجزئي يبقى الواحد عند سلب الشؤن وجب ان يكون في الكلي ايضا كذلك فرجعت الجزئيات الى الكليات والكليات الاضافية الى الكلي الحقيقي الذي سد دونه الابواب وانقطع عنده الخطاب وهو الواحد الاحد الذي جمع بوحدته كل الشؤن وظهر بصفة الكاف والنون وذلك هو الظهور المطلق والوجود المطلق والمثل الاعلى والكلمة العليا ومبدأ الاسماء الحسنى ورتبة البرزخية الكبرى ومقام الى ربك المنتهى منه نشأت الفيوضات وعنه تشعبت التعلقات وبه افيضت الامدادات وبفاضل ظهوره ظهر الصاد وبنور تجليه تحقق المداد وباشراق نوره وجد القلم وببسط ظهوره انبسط اللوح وبشؤن كينونته جرى القلم بالمداد في اللوح فلا انقطاع ولا جفاف الى ما لا نهاية له من احوال الذوات والصفات وسائر الاتصالات والقرانات والمفارقات ولما كان ذلك الامر الذي قام به كل شيء وظهرت منه الظهورات وتجلت فيه الاسماء والصفات محتجبا بحجب الغيوب ومقنعا بالسر المستسر بالسر في غيب الغيوب اراد الامام عليه السلام ان يظهر في هذه الخطبة الموضوعة لكشف الاسرار ( ذلك السر ويبين خ ) ذلك الامر ويشرح هذا المعمي ويكشف ذلك العماء برفع الغطاء ويستخرج الكنز من هذا الطلسم ويصرح بحقيقة الاسم والرسم فقال عليه السلام واشهد ان محمدا عبده ورسوله وهو ذلك الامر والشأن وبحر الامتنان والشجرة المباركة الزيتونة التي لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وتلك الشجرة في عالم اللا يتناهى اسمه المثل الاعلى وحامل لواء اني انا الله وهيكل التوحيد وحقيقة التجريد وصبح الازل ومبدء ظهور كن والكاف الظاهر عنها الهاء في كهيعص والنقطة العليا والكلمة الكبرى فلما نظر الى مقام التناهي في مقام اللانهاية فذكرت النهايات من حيث المبادي لديه وحضرت من حيث الذكر الالهي عنده بملاحظة المتعلق بالكسر وقطع النظر عن المتعلق والتعلق فهناك مادة الاسماء ومعنى المسمى واسمه حينئذ حمد ومجد وقدس وتنزيه قال صلى الله عليه وآله في خطبة يوم الغدير عند نصب عليّ عليه السلام للخلافة الذي ملأ الدهر قدسه وهو حينئذ البهاء وابهاه والجمال واجمله والجلال واجله والعظمة واعظمها والكمال واكمله والاسماء واكبرها والمشية وامضاها والعلم وانفذه والرحمة واوسعها والقدرة التي استطال الله بها على كل شيء الى غير ذلك من الاركان المتقومة بها الاسماء ولما لوحظ فيه جهة التعين والظهور وتغشيه بجلباب النور من حيث المتعلق بالفتح دون المتعلق بالكسر الا ضمنا وتلويحا وارادة كان اسمه الماء الذي كان العرش عليه والهواء الذي خلق الله قبل الخلق حين استواء الرحمن عليه والصاد الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج لصلوة الظهر والمدد ( المداد خ ) الذي امتد به القلم والنون وبحر المزن وبرزخ الوجود المطلق والمقيد وبحر النور ومعدن السرور وجنة الصاقورة والالف اللينية ونور الكينونة وهيولي الهيوليات واسطقس الاسطقسات وذات الذوات وبحر الامدادات وخزانة الكائنات وثاني الغيب وامر الله اللاريب وحجاب الله المحتجب بحجب الغيب ومقام المصدر وحقيقة التأكيد والحقيقة المطلقة وجوهر الجواهر ومنقطع الاضافات ومسلوب الرباطات والمنتهى اليه جميع التعلقات ومقام المعاني وعلة الاكوان والمباني والنفس الرحماني الثاني الى غير ذلك من الاسماء في هذا المقام ولما لبس لباس التعين وتردى برداء العز والوقار وتسربل بسربال المجد والاقتدار وتقمص بقميص العظمة والفخار وقام بالعبودية بين يدي الملك الجبار وتنطق باياك نعبد بالذل والانكسار ناداه الله سبحانه بلسان الاقتدار اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال الله عز وجل فوعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا فيمن احب فاسمه الشريف في هذا المقام المنيف حبيب ومحبوب ومحبة وعقل وقلم وروح والروح القدس الذي ذاق من حدائق آل محمد صلى الله عليهم الباكورة قال مولينا الحسن العسكري عليه السلام قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة والولاية والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وقال عليه السلام اول ما خلق الله روحي واول ما خلق الله القلم والقلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد وقال عليه السلام ان الله خلق العقل من الماء العذب الفرات نورانيا وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وقال عليه السلام المحبة حجاب بين المحب والمحبوب وهو الملك الذي له رؤس بعدد رؤس الخلائق ممن وجد ولم يوجد وسيوجد الى يوم القيمة وهو النور الابيض المشرق من صبح الازل الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وهو العرش الثالث وهو مخزن المعاني وهو ينبوع المباني واول العالمين ونور الله الذي اشرقت به السموات والارض واليمين الذي كانت السموات مطويات به والقبضة التي كانت الارض جميعا فيها وبها الى غير ذلك من الاطلاقات المعصومية في هذا المقام ولما ظهر في عالم الشهود واستضاء به ثاني الوجود وظهر بصورة المظاهر وجمع المناقب والمفاخر وتكثرت الشؤن وظهرت بكمال الظهور الكاف والنون كان اسمه محمد واحمد صلى الله عليه وآله فاخذ اسمه من مادة الحمد ليعلم ان هذا الآخر هو عين الحمد الاول الا انه كرر الحمد في اسمه الثاني كما كررت الشؤن والاضافات في العالم الثاني وفي الثاني الذي هو الوسط كان اسمه الباء في بسم الله الرحمن الرحيم اشارة الى الحمد فان الباء اذا كررت تستنطق منه الدال والدال اذا كررت تستنطق منه الحاء والحاء اذا كررت خمس مرات تستنطق منه الميم فبالاجتماع تحقق الحمد والميم كررت مرتان فجعلت احديهما في الاول والثانية في الوسط فلما اجتمع المثلان جاء الادغام فصار محمدا صلى الله عليه وآله فدل اسمه على شخصه وان المسمى بحكم المناسبة الذاتية بين الاسم والمسمى نزل متكررا في ذاته تكرر الواحد في الاعداد وفي آثاره تكرر الشمس بظهورها في مقامات الاشعة واحمد اشارة الى مقامه الاعلى صلى الله عليه وآله لظهور الاصل فقد ظهر الالف في العالم الاول للاشارة الى ظهوره في العالم الاول كما نشير اليه فيما بعد ان شاء الله تعالى فتكرر في الباء فاشار اليه صلى الله عليه وآله في العالم الثاني في البسملة فتكرر في الحمد اشارة الى ظهورات الالف حاملة لكمال النقطة الاحدية في العوالم الثلثة وهي الجبروت والملكوت والملك فالحاء اشارة الى العالم الاول وهو وان كان فيه وحدة الا ان الحاء من الحروف الغيبية وفيها اشارة الى حملة العرش الاعظم والدال اشارة الى العالم الثاني لظهور التربيع تاما مفصلا ممتاز الحكم مشروح العلل فيه والميم اشارة الى العالم الثالث لكونه مقام الكثرة وهي من حرف عالم الشهادة كما كان الدال من عالم الوسط المناسب للمشار اليه ولكونه مقام الاجتماع ومحل قران الاسباب بالمسببات وربط العلل بالمعلولات ولذا كان يومه يوم الجمعة ولما كان المراد من الحروف الثلثة حكاية الظهور في العوالم الثلثة من حيث هو ظهور لا من حيث العالم كان الظهور في الكل متحدا وان اختلف من حيث العوالم الا ترى الاجسام فانها تتحرك الى جهة على جهة الاطلاق بسائطها ومركباتها حتى الافلاك التي ليس فوقها رتبة في الاجسام فتلك الحركات تكون زمانية جسمانية ولها حركات صدورية دائرة مستديرة على قطب مركزها وهو وجه مبدئها لا الى جهة وتلك الحركة سريعة غير زمانية بل ولا دهرية وانما هي حركات سرمدية استمدادية متساوية متحدة وكذلك حكم ظهور الحمد الذي هي النقطة الكمالية الاسمائية والصفاتية من حيث هي في العوالم الثلثة فالظاهر في الاول هو بعينه الظاهر في الثاني والظاهر في الثاني هو بعينه الظاهر في الثالث فالالف هو بعينه الباء وهي بعينه الدال وهي بعينه الحاء وهي بعينه الميم فالحمد هو بعينه محمد صلى الله عليه وآله ومحمد هو بعينه حمد واحمد ومحمود قال تعالى شققت لك اسما من اسمي فانا المحمود وانت محمد وهذا الاسم المشتق منه لا شك انه حادث ولا شك انه موجود وليس لله ذكر وظهور محدث الا عنده صلى الله عليه وآله الا ان الاسماء تختلف حسب الظهورات والاثباتات ( الانتسابات خ ) وتختلف الاحكام بالنسبة اليها الا ترى ان الذي يخرب الكعبة والعياذ بالله يكفر يجب قتله والذي يخرب بيتا من بيوت سائر الناس لم يكفر مع انهما متساويان في اصل المادة والصقع في الظاهر اذ الاثنان من الجص والحجارة وليس هذا التفاوت العظيم الا من جهة الانتساب قال مولينا الصادق (ع) من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فافهم فقد اطلعتك على سر غريب فالمحمود هو مشتق من الحمد واحمد مشتق من الحمد ومحمد (ص) مشتق منه وحامد مشتق منه فالمحمود هو الحمد والحمد هو محمد (ص) ومحمد هو احمد واحمد هو الحامد والمجموع شيء واحد تدور الاحوال عليها وترجع الاحكام اليها وتختلف الآثار لديها كلها بالاضافات الخارجية والقرانات الاضافية فمحمد صلى الله عليه وآله محمود في المقام الاعلى في العالم الاول ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم في المقام الثاني عند التنزل الى السبع المثاني كما ان عليا ( عليه السلام خ ) هو اسم الله هو في المقام الاعلى في العالم الاول في الازل الثاني وعلى في مقام التنزل الى المرتبة الثانية مقام الاسماء والكثرات والاضافات قال الله تعالى وهو العلي العظيم وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم على تفسير ظاهر الظاهر فالاسم احمد اشارة الى عالم فوق عالم الحمد لدلالة الالف القائم الذي حصل الحمد من تكريره مضاعفا فدل على الاصل والاسم الحقيقي هو الاول والباقي مواقع ظهوره فنسبة الحرف الاول الى باقي حروف الاسم كنسبة المرة الصفراء والسوداء والبلغم والدم الى باقي البدن وكنسبة الكوكب الى كل اجزاء الفلك وقد قال الشاعر في وصف الروح :
حتى اذا اتصلت بهاء هبوطها من ميم مركزها بذات الاجرع
علقت بها ثاء الثقيل فاصبح تبين المعالم والطلول الخضع
الابيات ولذا ترى اهل الحروف يجعلون الزبر مسمي والبينات اسما له فدل ما ذكرنا ان احمد في مقام ( فوق مقام خ ) الحمد الا انه ناظر اليه وهو حينئذ مشتق من اسم الله الاحد زادوا الميم لظهوره في مراتب الوجود كلها وهي تمام ميقات موسى قال الله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وهو الميم واما محمد صلى الله عليه وآله في مقام تحت مقام الحمد فهو حينئذ مشتق من الحمد وزادوا الميم ايضا للدلالة على ظهور الحمد الذي هو ظهوره صلى الله عليه وآله في جميع مراتب الوجود ولما كان ذلك مقام التنزل تمايزت الكثرات فظهر مقام الغيب والشهادة فاستدعى تكرر الميم فان الوجود في كل مرتبة اربعون كما حقق في محله فمحمد صلى الله عليه وآله هو الاول والآخر والظاهر والباطن ولا عجب في ذلك فان هو الذي اذا تنزل يكون عليا هو الاول والآخر والظاهر والباطن لان الهاء من عالم الغيب والواو من عالم الشهادة والهاء اول الحروف واعلاها مخرجا ومقاما والواو ادنى الحروف مخرجا ومقاما فالهو هو الاول والآخر والاسم على طبق المسمى واللفظ على وفق المعنى والمتنزل اليه على حسب المبدأ لان التنزل تفصيل بعد الاجمال الا ترى ان الآحاد اذا تنزلت الى العشرات تظهر الكسور التسعة على التفصيل منطقة وهي كانت في الآحاد لكنها ما كانت منطقة فظهرت هنا فلما كان هو هو الاول والآخر والظاهر والباطن كان على كذلك وقد اظهرت الشمس هذا السر لكونها عارفة بحقه عليه السلام لكونها مثاله وآيته ودليله حيث سلمت على عليّ عليه السلام في الحديث المشهور وقال السلام عليك يا اول ويا آخر ويا ظاهر ويا باطن وكان عليّ عليه السلام في محضر جمع من الاصحاب وكان الثاني معهم فانكر هذا المعنى واتى الى النبي صلى الله عليه وآله وقال ان الشمس سلمت على عليّ بما لا يصلح الا لله وقالت السلام عليك يا اول ويا آخر قال صلى الله عليه وآله انها تريد بقولها يا اول ان عليّا اول من آمن بي وهو آخر الاوصياء وهذا الجواب جواب واقعي حقيقي الا ان الحمير مافهم منه الا الظاهر عند العوام انظر الى قوله صلى الله عليه وآله اول من آمن بي وصدق بنبوتي وذلك كان اليوم الذي استخلصه الله في البحبوحة العليا كما يأتي ان شاء الله فعليّ عليه السلام انما كان ظهور هو لكونه حامل اللواء وقد علمت ان اللواء لمحمد صلى الله عليه وآله فعليّ عليه السلام انما تشرف بشرف محمد صلى الله عليه وآله وتعلى بتعليته وتقوى بقوته واستعلى باسمه وعليّ في الحقيقة هو اسم محمد (ص) الا ترى في السجود المنسوب اليه صلى الله عليه وآله تذكر الله باسمه الاعلى وتقول سبحان ربي الاعلى وبحمده وهو مقام محمد (ص) وفي الدعاء اللهم اني اسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الاعظم الاعظم الاعظم وبذكرك الاجل الاعلى الاعلي الاعلى وبكلماتك التامات الدعاء ويريد بالذكر هو الرسول (ص) صلى الله عليه وآله قال تعالى قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا والاسم هو عليّ عليه السلام واشار الحق الى الجميع بالطف اشارة بقوله الحق واذكر اسم ربك بكرة واصيلا فجعل الاعلى منسوبا الى محمد صلى الله عليه وآله وهو صلوات الله عليه وهب ذلك الاسم عليا عليه السلام كما انه حمله اللواء فاعطاه اسمه ايضا وبالجملة فاذا كان عليّ عليه السلام هو الاول والآخر والظاهر والباطن فمحمد (ص) بالطريق الاولى على النهج الاعلى لان عليا عليه السلام حسنة من حسنات محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين فمحمد هو حمد الله والحمد منسوب الى الله ولا ينتسب الى غيره ابدا فهو وجه الله فلا يبلى ولا يفنى فالوجه لا يتناهى لكونه وجها ودليلا لما لا يتناهى ولا يعرف المدلول الا بالدليل فلو تناهى الوجه فيلزم منه تناهي ذو الوجوه ( الوجه خ ) ولم يكن وجها تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فحمد الله هو الاول والآخر وهو محمد صلى الله عليه وآله لكون وجوده الاقدس سبق كل وجود وموجود ومفقود ومشهود فكلما يفرض ففرض كل احد بمقدار وجوده ومعرفته وادراكه بمقدار شهوده ووجوده اذ الشيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه ولا يقرأ الا حروف نفسه فكلما يفرض الاولية والآخرية والظاهرية والباطنية والقبلية والبعدية والخفاء والظهور والغيبة والحضور كل ذلك من حدود نفسه فلا يلحق نفسه التي من عرفها فقد عرف الله وتلك النفس لمعة من لمعات اشعة انوار آل محمد سلام الله عليهم وهم عليهم السلام سرج واضواء استنارت واستضائت من السراج الوهاج وعين المحبة والابتهاج محمد صلى الله عليه وآله صاحب المعراج وهو الذي اراد الله من قوله عز وجل رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله الآية فتأمل بصافي طويتك وخالص فطرتك الى ما ذكرنا تجد مقاما اعلى مما ذكرنا وارفع مما بينا واسنى مما قلنا ولا تنكر ما ذكرنا فانه انكار قدرة الله لانهم عباد وخلق اقدرهم بقدرته وهم بعد بيده ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ولا انكر لله قدرة ولا ازعم الا ما شاء الله سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله باسمائه جميع خلقه وهذا الذي وصفنا وقلنا انه الاول والآخر والظاهر والباطن والقبل والبعد والمخفي والظاهر والآية والعلامة التي لا تعطيل لها في كل مكان والذات المتقومة بها كل ما في الاكوان والاعيان ومستجنات غيوب الامكان ومظاهر قدرة الله المالك ( الملك خ ) الديان والمالي بنوره المكان والزمان المدعو في السماء باحمد وفي الارض بمحمد وعند الله بحبيب ومحبوب وفي السرمد بظل ممدود وماء مسكوب وفي العرش الصاقورة العليا بالشاهد والمشهود وهو عبد الله وملك له وخلق له ورقه في ملك لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا لكنه استقام في العبودية واخلص له الطاعة واقر له بالربوبية والالوهية مخلصا صادقا في كل احواله واقواله واعماله وافعاله وذواته وصفاته وكينونات اشباحه وظهوراته في ايجاده وانوجاده حال الوحدة والانفراد وحال الكثرة والاتصال وحال الاضافة والاقتران وحالة المشاهدة والعيان وقد اشرنا الى نوع تفاصيل بعض ذلك في لا اله الا الله فالعبد في الحقيقة هو اسم خاص له ولذا خصه الى نفسه وقال عز من قائل واصطنعتك لنفسي وقال تعالى ايضا ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله الآية وقال مولينا الصادق عليه السلام روحي له الفداء العبد ثلاثة احرف فالعين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق والاصل في ذلك ان الشيء اذا وجد وحين وجد لحقته نقائص الامكان من حدود الزمان والمكان والجهة والرتبة والوضع والاضافة والاقتران والكم والكيف والاين ومتى واذ ومذ وقد ومن والى وعلى وحتى ومهما واذما وكيفما والا وامثالها من شؤن الكثرات وجهات الانيات فلا يوجد الشيء الا مصاحبا لهذه الامور ولا يمكن انفكاكها عنه لانها حدود القابلية والانوجاد فحينئذ يحصل له ثلثة انظار نظر الى نفسه ونظر الى الاضافات الخارجة من اللازمة والزائلة المفارقة ونظر الى ربه ومبدأ وجوده وعلة كونه وعينه ولا شك انه في الجهات الثلث فقير يحتاج الى مدد ومقوم فهو بمسئلة فقره دائما لائذ بباب الغنا ( الفناء خ ) فان كان ملحدا في الاسماء والتفت الى الاضافات والقرانات ونظر الى الكثرات وجهات الانيات فيما يحتاج اليه من شؤنات فقره فهو الفقير الذي هو سواد الوجه في الدارين ومنكس الرأس في النشأتين والله سبحانه عند ظن كل امرأ يمده بحسب ظنه من المعايش المكدرة والاحوال الضايعة المنقصة قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ولا تتوهم ان الضيق والضنك منحصرة في قلة الاكل والشرب واللباس وامثالها بل هذه عند اهل الله ليس ضنكا وانما هي سعة وفرحة قال الله عز وجل لموسى اذا اقبل عليك الفقر قل مرحبا بشعار الصالحين بل الضنك والضيق هو ضيق القلب واحتصاره بايراد الشكوك والشبهات والظلمات والتمويهات وهو دائما في الاحتصار وهذا الشخص لو كان عنده سلطنة العالم ما يلتذ بها بوجه ابدا قال تعالى اشارة الى هذه اللطيفة ومن يرد الله ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وقال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وهذا هو العيش المنقص والشرب المكدر فلا يرى الخير ابدا فهذا هو الظالم لنفسه على الحقيقة والواقع وهو الظالم الذي يعض على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا وان كان الناظر بنفسه ( الناظر ينظر الى نفسه خ ) من حيث الشؤن المختلفة والكثرات المتباينة ويرى كل شيء له سبب يسد فقره وخلته ويعلم انها كلها من الله خالقه فقد يلتفت الى الله وقد يلتفت الى نفسه وهذا هو الفقر الذي كاد ان يكون كفرا لان الالتفات الى النفس يؤدي الى الانقطاع عن الله سبحانه بالكلية لان الطبيعة الى الباطل اميل منها الى الحق لمناسبتها مع الاول اشد من مناسبتها مع الثاني وقد اشار الحق سبحانه الى هؤلاء بقوله الحق ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم واملي لهم ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم اسرارهم فكيف اذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم ذلك بانهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم وهؤلاء الذين تمسكوا بظاهر الاخبار والآيات وما التفتوا الى البواطن والآيات البينات فجمدوا ووقفوا ونرجو من الله الفرج والمخرج وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر فالاثنان المتقدمان ظاهرهما يخالف باطنهما واعمالهما تخالف كينوناتهما وفعلهما يخالف قولهما وان ادعيا في ظاهر الامر العبودية فانهما بالفعل يدعيان الاستقلال والربوبية فان العبد لا يخالف سيده فان خالف فحين المخالفة لا يرى نفسه عبدا وان كان هو عبدا في الواقع ونفس الامر فان كان الناظر ينظر الى ربه وينقطع اليه ويقطع عن كل ما عداه ويتبرء عن كل ما سواه ويلتفت دائما الى ربه عالما بانه ليس شيء في الوجود مستقلا ثابتا غنيا غير مفتقر وغير مستند الى احد سواه سبحانه فعلمه يدعوه الى ان يبين عن الخلق ويدنو من الخالق وهذه البينونة والدنو لا يكون الا بكثرة الالتفات والمراقبة بالاعمال والتوجه الخالص فكلما خلص عن الغرائب قرب الى ظهور المبدأ المطلق الى ان خلص كليا في جميع الاحوال فهناك يحكي المثال ظاهرا في مرآة الجلال والعظمة والكبرياء وهو مقام كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وآخر هذا المقام مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون وانا حي لا اموت واجعلك حيا لا تموت قال عليه السلام المؤمن حي في الدارين ثم ان خلص عن هذا الشوب الذي هو مشاهدة الاغيار المستلزم للاكدار وان كان هذا الاغيار من اعظم حسنات الابرار لكن فيها ذكر للسوي وان كان على وجه الاضمحلال والفناء لكنها من اعظم المعاصي عند آل الله فانهم يرون اعمالهم سيئات قال عليه السلام وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك لان ذكر السوي حاجبة عن ذكر الله فهو بمقدار ما يذكر الغير غير مقابل لنور الجمال الازلي الظاهر للخلق بالخلق فيتوجه اليه قول الادبار وانا اقرأ عليك دعاء عليّ بن الحسين عليهما السلام في السجدة بعد الثامنة من صلوة الليل على ما رواه البهائي (ره) في مفتاح الفلاح فاعرف منه ما لا يمكن بيانه بالعبارة اكثر مما عبر وفعل صلوات الله عليه حيث قال الهي وعزتك وجلالك لو اني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلايق وشكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك عليّ ولو اني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضيها باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارض ( دما وصديدا خ ) لكان ذلك قليلا من كثير ما يجب من حقك عليّ ولو انك يا الهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق اجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي وملأت طبقات جهنم مني بحيث لا يكون في النار معذب غيري ولا لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلا من كثير ما استحق من عقوبتك تأمل في حدود هذه الكلمات تجد ما لا تسعه العبارة فالعبودية الكاملة هي ان لا يجد نفسه عند جلال عظمة ربه فيفني في بقائه ويمحو في صحو جماله الذي هو عين جلاله فهناك عين المثال ويظهر ما قال في الانجيل يا ابن آدم اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا وهو قولهم عليهم السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن فاذا بلغ هذا المقام يظهر له مقام الفاعل والخالق والرازق ومقام الآمر والناهي وهذا الفاعل هو الذي اشتق من الفعل كالضارب من ضرب فان كان المفعول الخاص والعبد الجزئي تظهر الفاعلية الجزئية الخاصة كالضارب مثلا في ضرب والقائل في قال والناصر في نصر والمتكلم في تكلم وامثال ذلك وان كان المفعول المطلق العام الكلي يظهر فاعل الذي هو جامع كل الشؤن والظهورات على جهة الاطلاق والعموم فيحيط بكل الشؤن قال تعالى كل يوم هو في شأن وهذا معنى قوله عز وجل ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اذ لا شك انه تعالى ما يريد بقوله ما وسعني اي ذاتي وحقيقتي فان ذلك مستحيل بضرورة المسلمين فالمراد به الظهور ولا شك انه ما يريد به الظهور الجزئي فان كل احد بل كل شيء من الاشياء وان صغر وضعف حامل ظهور من الظهورات الالهية والشؤنات الربانية فلا فخر للعبد المؤمن فيجب ان يكون هذا الظهور كليا ولما ان الحكم تعلق بالوصف المشتق علم ان المبدأ هو علة هذا الحكم فايمان العبد هو الذي صار علة لهذه الوسعة والمؤمن كل المؤمن هو الذي امتثل امر الله سبحانه والمخالف ليس بمؤمن على حسب المخالفة ولما قال الله عز وجل واستقم كما امرت وقال ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وقال فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون علمنا ان الايمان التام لم يتحقق الا بالتزام مضمون تلك الآيات ولما كان غير المعصوم كلهم عصاة لم يثبت وصف الايمان لهم دائما ابدا ولما كان ائمتنا سلام الله عليهم اشرف ( من خ ) الانبياء وذلك لا يكون الا بقوة الايمان والمعرفة فيكون ايمانهم بالله سبحانه اقوى من ايمان الانبياء اجمعين ولما كان محمد صلى الله عليه وآله هو فخرهم وشرفهم وسيدهم علمنا انه صلى الله عليه وآله اثبت في تلك بمعنى الكمال فالمؤمن الحقيقي الاولى الاصلي لا يكون الا محمد صلى الله عليه وآله وقد قال الله سبحانه اشارة الى ايمانه الكامل فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تفلحون والايمان هو تفاصيل اقرار العبودية فلما اقر صلى الله عليه وآله لله سبحانه بالعبودية المحضة الخالصة المنزهة عن جميع شوب السوي بكينونته وذاته واعماله وصفته في مقام ادباره واقباله وسع قلبه الشريف جميع الشؤن الربوبية على الاطلاق لكونه مقتضي العبودية لان الله سبحانه يتجلى بفعله فلما كانت مرآة عبوديته وزيت قابليته صلى الله عليه وآله صافية بالغة كاملة معتدلة منزهة عن شوب كدورة وغيرية وظلمة انية حكت المرآة المثال على اكمل ما يكون في الامكان واستنار بمس النار المهيجة من شمس الازل فسبق السابقين وفاق الفائقين فلم يلحقه الاولون والآخرون والعالون ( العاملون خ ) المتهجدون المجتهدون فبفاضل عبوديته ظهرت العبادة والخضوع وبفاضل تذلله لله سبحانه ظهر الانكسار فهو صلى الله عليه وآله اخضع الخلق لله واخشعهم له واخوفهم منه واعبدهم له فتمت فيه مقامات العبودية وهي الاستقامة في دار المقامة التي امر الله سبحانه اياه صلى الله عليه وآله بها في قوله تعالى واستقم كما امرت ومجمل القول ان النور الالهي والكينونة الاحدية الوصفية المخلوقة ما تظهر ولا تستقر في الوجود الكوني الا بصورة وحدود هي تكون محلها ومظهرها فان كان صرف تلك الحدود اللازمة لها الغير المنكسة ( المنفكة خ ) عنها الغير المشوبة لما يضادها وينادها من الحدود المقابلة فتلك هي حدود العبودية وصور الاستقامة التي هي الصورة الانسانية وتلك هي القيام باوامر الله ونواهيه وعزم الانقياد في السريرة بصافي الطوية على البقاء على تلك الحالة وعدم قصد ما يضادها وصفا وذاتا وقولا وعملا والانزجار لفعله والانكسار والخضوع له فيما يطيع به ربه والتذلل له واعدام نفسه وافناء شخصه ومشاهدة حلول رمسه وهو قوله عليه السلام في الدعاء الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت وهو قوله تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وقوله تعالى فاذكروني اذكركم وهذا الذكر وهذا الالتفات هو الاستقامة المأمور بها وتلك الاستقامة هي كمال المقابلة لفوارة النور فلما حصلت المقابلة الكلية فتنطبق على الفوارة فتجمع الانوار ويحتوي الاسرار فيسع قلبه كل الاوامر والفيوضات والامدادات اللاهوتية والجبروتية والملكوتية والملكية والذاتية والوصفية والاصلية والوضعية والحقيقية والمجازية والخلقية والامرية لان المقابلة الكلية تستدعي اولية التلبية حين نادي الحق خلقه بلسانه الناطق فيهم بهم الست بربكم وكان محمد صلى الله عليه وآله اول من لبي ذلك الخطاب ودخل ذلك الباب وشاهد المطلوب بلا حجاب فكان حجابا اعظما احتجب الله سبحانه به عن خلقه ولم تتحقق الحجابية الا اذا استقرت واستقامت في العبودية وهذا احد معاني قوله صلى الله عليه وآله عند قوله تعالى واستقم كما امرت شيبتني هذه الآية والشيبة مقام الكمال وبلوغ الوصال والاستقرار على سرير الاقبال وهذه الشيبة عين الشباب وذلك المبدأ عين المآب وذلك الماء عين التراب حيث قال عز وجل في محكم الخطاب هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وذلك البشر هو ابوتراب فلما تمت مقامات العبودية وظهرت فيها ظهورات الربوبية قال مولينا الصادق (ع) العبودية جوهرة كنهها الربوبية وصار قلبه الشريف على جميع معانيه عرشا للرحمن اي النفس الرحماني الاولى وذلك في ظهورات النقطة قبل الالف واستدارتها على نفسها وحركتها حول مركزها لبيان انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فاستجن في هذا العرش الكلي الاعظم على اعلى المقامات او الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات على احد الاطلاقات جميع ما ظهر ويظهر ويمكن من بديع السموات ذو ( ذي خ ) العرش من علوم الكيفوفة وعلم البدأ وعلل الاشياء وسر المحو والاثبات ومصدر الاصدار ( الاضداد خ ) ومنبع الايجاد ومعدن الحقايق وحقائق لطائف الخلائق وسر اللاهوت ونور الحي الذي لا يموت ودارت نقطة العبودية على نفسها فاستوت جميع نسبها بباريها فصارت في كمال الاعتدال في الطوية والسريرة واللطيفة والكثيفة من الاحوال البشرية كما قال عز وجل وانك لعلى خلق عظيم وما انا من المتكلفين فهناك اقتضت الرسالة المطلقة الكلية والاستعانة الشاملة العامة في قوله تعالى اياك نستعين بعد قوله تعالى اياك نعبد وهذه الاستعانة استعانة استمدادية ( امدادية خ ) الهية في جميع ما يمكن في الاكوار (الاكوان خ ) الخلقية من شرائط الامداد والاستمداد ومتممات القابلية ومكملات الاستعداد فكان بذلك صلى الله عليه وآله رسولا مطلقا الى جميع الكائنات والموجودات وهو قوله عز وجل الله اعلم حيث يجعل رسالته فبالعبودية بلغ مقام الرسالة وبالرسالة ظهرت العبودية المطلقة كما قال تعالى في حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه اذ الشيء كلما يخلص عن شؤن نفسه تخف بنيته وكلما تخف بنيته يسرع سيره وكلما اسرع سيره بلغ مقام السبق وكلما بلغ مقام السبق سطع عليه نور العناية والقرب وكلما سطع عليه نور العناية والقرب استنار واستشرق وكلما طالت الاستنارة والاستشراق وخفت البنية وصفت الانية وطابت الكينونة ظهر المثال وشهد ظهور الحال بصفة الاقبال وكلما ظهر المثال تجلي الممثل الموصوف بالوصف والمثال وكلما تجلي الممثل غاب المثال واضمحلت الصفة وكلما غاب المثال صفي ذكر الممثل الى ان اتى مقام هو فيها نحن ونحن فيها هو ومقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فقام مقامه في الاداء في كل العوالم وهو قوله عليه السلام في الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فافهم والا فاسلم تسلم وهذا معنى قوله عليه السلام واشهد ان محمدا عبده ورسوله والشهادة كينونية وذاتية ووصفية وظهورية وعملية وقولية ومحمد صلى الله عليه وآله هو المحمدية البيضاء في مقام الحجاب الابيض الاعلى والعبودية هي المطلقة الكاملة مقتضي الفقر الذي افتقر به الى الله سبحانه وافتخر به في قوله صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر والرسالة هي الرسالة الواسعة العامة الشاملة لكل من ذرء وبرء في تمام مقتضيات احوالهم كما نذكر ان شاء الله الرحمن
قوله عليه السلام : انتجبه من البحبوحة العليا البحبوحة هي الوسط واللب والصفو والاصل قال الله عز وجل وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وقال امير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل في بيان احوال النفس والعقل وسط الكل وقال ايضا عليه السلام على ما في الخطبة الشقشقية لقد تقمصها ابن ابي قحافة وهو يعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى فالبحبوحة هي القطب والقطب هو الوسط وهو الاصل في الشيء يدور ذلك الشيء بجميع شؤنه واحواله واضافاته وجهاته وحيثياته واعتباراته عليه وهو المدير لها والمسخر لها والمقدر لاقواتها والمتمم لقابلياتها وهو في كل شيء من الاشياء فلكل نفس قطب يدور عليه احوالها فتعددت الاقطاب بعدد نفوس الخلائق ولما كان القطب جهة الحق للخلق كان بذلك ظهوره لهم وهو معنى قوله (ع) الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق ويأتي تحقيق ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى فنقتصر على موضع الحاجة ونقول ان الاقطاب كلها على قسمين احدهما ان تكون نقطة واحدة قد انبسطت فتكثرت وتعددت كالنقطة فانها قطب للالف والالف قطب للالف القائم وهو قطب للالف المبسوط الذي هو الباء والباء قطب للدال والالف والباء معا قطب للجيم والباء والدال معا قطب للهاء وهكذا الى آخر الحروف الكونية والحرفية ومرجع الكل الى الواحد وذلك وجه استمداد الشيء بلواذ فقره وفاقته بباب استغناء الغني المطلق فالوجه السفلى للقطب وجه استمداد الشيء السافل والوجه الاعلى باب استغناء الغني فهو سبحانه يمده منه به اليه الى انتهاء الوجود وهذا الوجه الذي هو القطب يجب ان يكون وسطا ليتساوي نسبة الكرة اليه والا لم تكن الحركة مستديرة واختلفت نسبة العالي مع السافل وهو مستحيل ولا شك ان القطب هو وجه العالي فيجري عليه حكمه وهذا ظاهر وثانيهما ان تكون الاقطاب متعددة لا بالعدد فلا يجمعها عدد الا باعتبار المفهوم اللفظي واما في الحقيقة فاحدها ( فاحدهما خ ) عدم بحت وفناء صرف بالنسبة الى الاخرى بحيث لا ذكر للاخير عند الاول ولو اجمالا الا بالذكر الصلوحي التعلقي وهذه المراتب انما تكون في السلسلة الطولية بمعنى ان المراتب السافلة معلولات للمراتب الاولى فالقطب في المرتبة الثانية شعاع المرتبة الاولى واثرها وفعلها والكرات الدائرة عليه ( احوال خ ) ذلك وشؤناته وظهوراته وقراناته فهي بما هي عليه متقومة بذلك القطب تقوم ركن وعضد وذلك القطب متقوم بالكرة الاولى تقوم صدور وحدوث فهو مثال للكرة الاولية من حيث الاحوال والشؤن لا القطب الذي لتلك الكرة فمثال الاول هو النار الظاهرة في السرج الكثيرة والظهور الواحد الظاهر في المرايا والنور المنبسط في الشعاع والكلي المتعين في الجزئيات والافراد والمطلق الظاهر في المقيدات وامثال ذلك ومثال الثاني هو السراج الظاهر في الشعاع والنار الظاهرة في الحديدة والسراج والشاخص المقابل الظاهر في المرآة وامثال ذلك فانحصرت مراتب الوجود بهذين القسمين ولما كانت السلسلة الطولية مما لا تنكر في الوجود والسلسلة العرضية من الضروريات والبديهيات ولا شك ان الطفرة في الوجود ضروري البطلان فيكون الاعلى والاشرف هو الاصل والقطب ولما دلت الادلة العقلية والنقلية على ان الانبياء اشرف واكرم على الله سبحانه من كل المخلوقات من الجن والانس والملائكة وغيرهم ثبتت ( ثبت خ ) لهم رتبة القطبية ولما كان ائمتنا المعصومون سلام الله عليهم اجمعين قد بلغ الله بهم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين واشرف درجات المرسلين حيث لا يلحقهم لاحق ولا يسبقهم سابق ولا يطمع في ادراك مقامهم طامع حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امرهم وعظم خطرهم وكبر شأنهم وجلالة قدرهم كانوا بذلك قطب الاقطاب فصار يدور عليهم صلى الله عليهم كلما كان ويكون وما هو كائن الى يوم القيمة وبعدها في الجنة والنار ابد الآبدين ودهر الداهرين فوق النهاية واللانهاية ولما كان السافل لا يصل الى ذات العالي وانما حظه ظهوره بكينونته في كينونته قال تعالى روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي كان ظهورهم عليهم السلام في كل المراتب بتلك المراتب الا ترى السراج فانه لا يظهر في مقام الشعاع الا بنفس الشعاع فالقطب للاشعة هو نفس النور الواحد الساري المنبسط في كل اقطار الاشعة وهو مثال السراج وآيته ودليله واثره كما ان السراج مثال النار وآيتها ودليلها وظهورها ولكن الظهور لا فرق بينه وبين الظاهر فيه الا انه عبده وخلقه فكذلك ظهورهم عليهم السلام بالقطبية في العوالم كلها من عالم اللاهوت وعالم الاسرار وعالم الانوار وعالم الارواح وعالم الاشباح وعالم الطبايع وعالم المواد وعالم الاظلة وعالم الاجسام ولما كانت العوالم كلها في حركاتها المستديرة لها حركتان حركة ذاتية اولية الهية وحركة ثانوية ذاتية تبعية ولما كانت الاولى هي الحركة الجوهرية الحقيقية كان سيرها على القطب الحقيقي ففي عالم اللاهوت ظهور حقائقهم قطب لذلك العالم وفي عالم الاسرار ظهور عقولهم قطب له وفي عالم الانوار ظهور ارواحهم النور الاصفر وفي عالم الارواح ظهور نفوسهم الشريفة النور الاخضر وفي عالم الطبايع ظهور طبيعتهم الكلية النور الاحمر وفي عالم المواد ظهور موادهم الجسمية وفي عالم الاظلة ظهور ظلهم من فاضل شعاع نورهم وفي عالم الاجسام ظهور اجسادهم الطيبة بفاضل تشعشع لمعان انوارهم وهذا هو الحكم الكلي المجمل وفي عالم التفصيل ظهور وظهور ظهور وظهور ظهور ظهور وهكذا الى آخر المراتب والاحكام ومنتهى المقام ولذا تسيخ الارض باهلها اذا فقد جسم ( جسد خ ) الامام عليه السلام عن عالم الاجسام كما دلت الاخبار ووقع اجماع الفرقة الناجية عليه الا ان هذه الظهورات شبحية ولا يسعني الآن بيان تفصيل الكلام وتبيان المرام بمقتضى المقام لئلا يرتاب المبطلون والا هنا لطائف واشارات عجيبة وبالجملة فالبحبوحة التي هي الوسط والقطب كثيرة مختلفة متفاوتة المراتب بالعلو والسفل وهم صلى الله عليهم البحبوحة العليا والقطب الاعظم والعماد الاقوم واليهم الاشارة بقوله عز وجل وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس والشاهد على الناس لا يكون الا المحيط باعلاهم واسفلهم واوسطهم والناس اعم من الانسان والانبياء عليهم السلام والملائكة والجن وسائر المخلوقات كلهم لان ما عدا الانسان كلهم على هيئته وصورته كما قرر في محله ولما كان محمد صلى الله عليه وآله اول من اجاب الحق سبحانه بظاهره وباطنه وسره وعلانيته من بينهم سلام الله عليهم فكان عليه السلام منتجبا منهم ومصطفي فيهم فصار نبيهم وسيدهم وفخرهم وذلك الانتجاب انما كان بتحمله صلى الله عليه وآله حرفا واحدا دونهم من احوال المبدأ الحق سبحانه وتعالى خاصة في معرفة التوحيد وهو علة الانتجاب وسر الانتخاب فلم يبلغ احد منهم صلى الله عليهم ذلك الحرف وهذا سر اولية الاجابة بقابلية الاستفاضة وطواف الاسبوع حول جلال القدرة في ثمانين الف سنة من سنين ( سني خ ) السرمد وهو القدم الذي استخلصه الله سبحانه فيه كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام في خطبة يوم الغدير في وصف النبي صلى الله عليه وآله استخلصه الله في القدم على سائر الامم واقامه مقامه في سائر عوالمه ( عالمه خ ) في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وهذا القدم هو البحبوحة العليا وهي الازلية الثانية والقدم الثاني وهو صاحب الازلية الاولية على الحقيقة الواقعية واشار الى هذا الانتجاب بقوله الحق جل وعلا واصطنعتك لنفسي لسر الاصطفاء فلما اصطنعه سبحانه لنفسه واصطنع الاشياء كلها له صار هو صلى الله عليه وآله علة للوجودات ( الموجودات خ ) كلها ومجلي ظهور الواحدية والوحدانية والاحدية والصمدية فالنفس علة وقطب له وهو علة وقطب للكائنات فالبحبوحة العليا كالقلب الذي هو القطب للقوي والمشاعر والمدارك والآلات والاعصاب والعضلات وكالشمس للكواكب والافلاك السبعة وفيما سواها كالشمس للاشعة والمقابل للصورة المنطبعة في المرآة وقطبه صلى الله عليه وآله هو النفس الذي اصطنع لها وهذا النفس هو المتجلي بالاحدية كما قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه ولما كان المتجلي انما يظهر بالتجلي فيكون التجلي انما يدور على المتجلي وهو النفس فكان هذا التجلي هو الكاف المستديرة على نفسها والنفس هو ( هي خ ) نفس الله والكاف هي كلمة الله والاستدارة امداد واستمداد وافاضة واستفاضة وهذا هو حقيقة الانتجاب ومعنى قيامه مقام الله سبحانه في الانتساب ولما كان تلك النفس هي جلال القدرة التي كان يطوف حولها قبل خلق عليّ عليه السلام فلما خلق عليّ عليه السلام بقى يطوف حول جلال القدرة وهو صلى الله عليه وآله يطوف حول جلال العظمة ظهرت تلك النفس في عليّ عليه السلام فكان هو نفس الله ونفس رسوله وذات الله وذات رسوله كما اشار اليه سبحانه وتعالى بقوله حكاية عن عيسى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك ولا شك ان هذا النفس ليست ذات الله سبحانه اذ ليس فيها شيء لانها صمد فيكون هي النفس المخلوقة وقد صرح مولينا الصادق عليه السلام بذلك في زيارة امير المؤمنين عليه السلام برواية صفوان السلام على نفس الله القائمة فيه بالسنن واما نفس رسول الله ( رسوله خ ) صلى الله عليهما فكما قال سبحانه وتعالى وانفسنا وانفسكم ولا نزاع بيننا وبين مخالفينا ان المراد من النفس في هذه الآية الشريفة هو عليّ عليه السلام فهو عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله واما ذات الله فكما في قوله عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى واما ذات رسوله صلى الله عليه وآله فلقوله عليه السلام انا محمد ومحمد انا وقد اشار مولينا الباقر عليه السلام الى هذه الذات بقوله روحي فداه اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وهذه الذات هي امير المؤمنين عليه السلام فان انوارهم سلام الله عليهم انما اخترعت من نوره عليه السلام كاختراع الحروف من الالف وهو سر عدم جواز تسميتهم بامير المؤمنين وتلك الذات وتلك النفس انما كانت خاصة بمحمد صلى الله عليه وآله وهو الاصل والمستقل فيهما وانما ظهرتا في عليّ عليه السلام لكونه حامل اللواء ومكلم موسى في الشجرة اني انا الله اي الظاهر لموسى بموسى بنوره عليه السلام وهو رجل من الكروبيين فتجلى عليّ عليه السلام لموسى في الشجرة عين تجلي الله له فيها لان تجلي الله الاولى هو محمد صلى الله عليه وآله وعليّ هو نفس محمد صلى الله عليهما وآلهما ومظهر آثاره وحامل لوائه وذلك الرجل الذي هو واحد من الكروبيين وهو ( الكروبيين هو خ ) عين تجلي عليّ عليه السلام لموسى وذلك الكروبي هو نفس موسى لقوله عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها فافهم فاني اظهرت السر ولا تقل انه غلا بل ولعمري ذلك عين التقصير اما سمعت ما قال مولينا الصادق عليه السلام لما سئل عن الكروبيين قال عليه السلام قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا ه واذا علمت ان التجلي للشيء يمتنع الا ان يكون بنفس ذلك الشيء يظهر لك صدق ما ذكرنا فافهم راشدا موفقا فمحمد صلى الله عليه وآله هو المنتجب من البحبوحة العليا وهي الاسماء الحسنى والامثال العليا والكبرياء والآلاء والعزة والقدرة والملك والسلطان فان الاشياء من الاكوان والاعيان ومستجنات غيوب الامكان انما تحققت بها وهي جهات الظهور المطلق كما قال سيد الساجدين عليه السلام ( اللهم خ ) يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان الممتنع بغير جنود ولا اعوان والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام ومواضي الازمان والايام عز سلطانك عزا لا حد له باولية واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين وذلك القيومية ( للقيومية خ ) المطلقة والقطبية العامة الشاملة والمنتجب من تلك الآلاء والاسماء والامثال هو اكرم الاسماء الى الله واحبها اليه واقربها منه وسيلة واشرفها عنده منزلة واجزلها لديه ثوابا واسرعها في الامور اجابة وهو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم والمنتجب من هذا الاسم هو الاسم المكنون المخزون الاعظم الاعز الاجل الاكرم الذي يحبه ويهواه وهو الذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى وهو مقام ذكر السجود في الصلوة وهذا هو الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره فهو المنتجب من المنتجب من البحبوحة العليا او ان البحبوحة العليا هي الكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر وخضعت لها السموات والارض وركدت لها البحار وجرت بها الانهار ورست بها الجبال وتمت بها الغدو والآصال وهي الكلمات ( التي خ ) لا يجاوزهن بر ولا فاجر وهي الكلمات التي تلقيها آدم من ربه وهي الكلمات التي ابتلي الله بها ابرهيم فاتمهن فصار اماما وهي الكلمات التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله وهي الكلم الطيب الذي يصعد الى الله سبحانه لا سواها وهي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وهي كلمة الله العليا وهي كلمة واحدة مشتملة على حروف كلها كلمة مستقلة فالجمع باعتبار جعل كل حرف كلمة على حدة والافراد باعتبار جعل المجموع كلمة واحدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا الشجرة وعليّ اصلها وفاطمة فرعها والائمة عليهم السلام اغصانها ففاطمة صلى الله عليها هي تمام الكلمة ولذا كان اسمها الشريف الطاء مع كماليها الظهوري والشعوري فالاول يستنطق مه والثاني فا فعند الاجتماع صارت فاطمة والطاء مجمع مراتب الآحاد ومظهر تمام المبادي في الاعداد من الكونية والحرفية وكذلك هي صلوات الله عليها وقد صرح الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه العزيز بقوله حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم وفسره الامام عليه السلام بالائمة الطاهرين الاربعة عشر المعصومين فقال عليه السلام ان حم هو رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المبين هو مولينا عليّ عليه السلام انا انزلناه يعني عليّا عليه السلام في ليلة مباركة وهي فاطمة عليها السلام لكون الليل منسوبا الى القمر وهو مربي الصور والهيئات والحدود والتعينات والحيوة التي هي الام مع انه بارد رطب كطبع المرأة وهي ليلة القدر التي هي خير من الف شهر وحرفها الهاء وقد ظهرت في آخر اسمها عليها السلام فيها يفرق كل امر حكيم اي في فاطمة عليها السلام يمتاز كل امام حكيم بعد امام حكيم وباقي الائمة سلام الله عليهم حروف الكلمة على تفاوت مراتبها فان الحروف تختلف بالشدة والضعف والجهر والهمس والاطباق والانفتاح والاستعلاء والتسفل وتختلف في المراتب والدرج والدقايق والثواني والثوالث والروابع والخوامس وهكذا اختلاف مراتب تلك الحروف العاليات صلى الله عليهم وعلى امير المؤمنين عليه السلام هو الالف والنفس الرحماني الاولى والثانوي والثالثي والرابعي وهكذا فتشعبت تلك الحروف منه عليه السلام كتشعب الاغصان من الشجرة فهو اميرهم وسيدهم ومولاهم وفخرهم وشرفهم صلوات الله عليه وعليهم ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله هو النقطة الحقيقية الدائرة عليها تلك الرحى وقد قال الشاعر :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة
وتلك النقطة هي حجاب الله الاعظم المنتجبة المختارة المصطفاة من الالف المختار المرتضى من الحروف المختارة من الكلمة المختارة عن كلما عداها بل لا يقال للكلمة بالنسبة الى الدلالة وما سواها من آثارها وافعالها وشؤنها اختيار وانتجاب لان الوجود لا ينتجب من العدم فافهم ولذا خص الامام عليه السلام الانتجاب في البحبوحة العليا اذ ليس لتلك البحبوحة بعضها مع البعض الآخر تأثير وفعل وانفعال وانما هو كالضوء من الضوء فالانتجاب يتحقق فيما اذا كان في صقع واحد ومقام غير متعدد لا في اصقاع مختلفة بحيث كل صقع يعدم عند الآخر وهذا الانتجاب انما صار علة دوران رحى الكائنات عليه ولذا لقب صلوات الله عليه بالمصطفى فاذا اطلق لا يراد به سواه كما لقب عليّ عليه السلام بالمرتضى فان ( فاذا خ ) اطلق لا يراد سواه تفسيرا لقوله عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول والمرتضى من محمد صلى الله عليه وآله ليس الا عليّ عليه السلام وهذا الغيب الذي اظهره عليه عليه السلام هو الرسول الذي هو المصطفى وهو المنتجب في حجاب الغيب وهذا الاصطفاء انما نشأ من المحبة فالمحبوب هو المصطفى للمحب لا غير والمحبة الكاملة المطلقة سيما المحبة الالهية المستدعية للاصطفاء لا تكون الا بميل المحب غراما ومحبة وصبابة وشغفا الى جهة المحبوب فلا يكون المحبوب محبوبا مطلقا الا اذا كان محبا مطلقا ولا يكون المحب محبا صادقا الا اذا كان محبوبا فصار الامر دوريا ولا تتم المحبة الكاملة الا اذا تخلل المحب في كل جزئياته واجزائه وقواه ومشاعره ويخلص عن كل ما سوى المحبوب فان بلغ مقاما لا يستدعي في قوام كونه ووجوده كما كان في وجدانه وشهوده سوى ذكر المحبوب فهو منتهى المقام في المحبة وغاية المني في المعرفة فهو لم يزل مع المحبوب مؤثرا كلما سواه عليه في وجدانه ووجوده واحساسه وشهوده فان كان المحبوب باقيا ببقاء الابد فكذلك محبه لانه مصطفاه ومجتباه ولما كانت المحبة هي علة الخلق والايجاد كما دل عليه فاحببت ان اعرف كانت المحبة اول ما ظهر ووجد ولما كانت المحبة الالهية ليست ذاتية وانما هي خلقية كانت محبته عين محبوبه وذلك اول ذكر الشيء وكونه والمحبوب الثابت له المحبة لا يكون كذلك الا اذا بلغ مقام المحبة ولا تصفو له المحبة الا اذا بلغ مقام تلك النقطة فهناك يكون محبوبا ومحبا ومحبة فاتحدت الامور في عين الاختلاف واختلفت في عين الايتلاف فيبلغ حينئذ مقام فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق الخاص بذلك الخلق المحب لله سبحانه ولما كان محمد صلى الله عليه وآله هو مبدأ الايجاد وعلة الانوجاد تخللت في كله محبة الله سبحانه بحيث استغرق في بحر مشاهدة جمال المحبوب وجودا ووجدانا ولذا قلنا انه من الوجود المطلق كما قال سبحانه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلا يستدعي شيئا سوى فعل الحق سبحانه في كينونة ذاته ووجوده فبلغ مقام المحبة بل ما نزل عن مقامها مذ خلق صلوات الله عليه وآله فاحبه الله سبحانه به فهو صلوات الله عليه وآله محب ومحبوب ومحبوب ومحب وهو مقام فاحببت ان اعرف فلما بلغ نهاية المرتبة في المحبة وتعدي فيها مقام النهاية وبلغ الى اللانهاية كما قال عز وجل ليس لمحبتي غاية ولا نهاية سمى صلى الله عليه وآله حبيب الله وهو اسم المبالغة في الفاعل والمفعول والامران مرادان حقيقة والمبالغة لبيان تعديها طور النهاية ولذا ترانا نعد من اسماء الوجود الوجود المطلق الاختراع والابتداع وعالم فاحببت ان اعرف والحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فلا يراد اذا اطلق الحبيب الا هو صلى الله عليه وآله فهو الحبيب على الاطلاق بكل وجه وبكل معنى مما سطرنا وما لم نسطر ومما علمنا وما لم نعلم فلما صفت المحبة بحقائقها وكل مراتبها على جهة الكمال له صلى الله عليه وآله اختص بالعقل الفعال كما يأتي ان شاء الله تعالى في قوله تعالى ولا اكملتك الا فيمن احب واختص ايضا بالاصطفاء والصفوة فكل مصطفي وصفي فانما هو بفاضل اصطفائه وصفائه وبقدر قربه منه وهو واهل بيته عليه وعليهم السلام عباد الله الذين اصطفى في قوله عز وجل قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى واما قوله عز وجل ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابرهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض فان اريد به آدم الاول ونوح الاول وابرهيم الاول وموسى الاول وعيسى الاول والاولية الاجمالية او التفصيلية فصفي الامر ومرادي بالاجمال والتفصيل هو المبدأ والمشتق فان الملائكة الكروبيين الذين قد تقدم ذكرهم من انهم قوم من شيعة آل محمد عليهم السلام عددهم عدد الانبياء واسماؤهم اسماء الانبياء فان ذلك الرجل الذي تجلي لموسى فخر موسى صعقا اسمه موسى واظن اني رأيت خبرا خاصا ناصا بما ذكرت من التسمية واما العمومات فكثيرة وهذا هو مقام التفصيل فيكون ذلك الرجل آدم الاول والآخر نوح الاول وهكذا وهؤلاء هي الصفوة الحقيقية ( صفوة المحمدية خ ) لانهم مثال المصطفى الحقيقي الغير المشوب بشيء من التعين والغيرية بل هو نفس المثال مع قطع النظر عن الحدود والاعراض والمثال ليس الا حكاية الممثل ووصفه وآيته وليس الا بيانه ودليله فهو عين الصفوة والاصطفاء واما مقام الاجمال فسيأتي ان شاء الله تعالى شرح حقيقة الحال في قوله عليه السلام في هذه الخطبة المباركة انا موسى وانا عيسى وامثال ذلك فترقب وان اريد به الانبياء المعروفون على نبينا وآله وعليهم سلام الله فانما اصطفاهم الله سبحانه لكونهم حملوا نوره وادوا امانته وثبتوا على المحبة والمودة وعزموا على العهد المأخوذ عليهم بالولاية وفرض الطاعة فجرى فيهم ما قال سبحانه في الحديث القدسي يا ابن آدم اطعني اجعلك مثلي فافهم واما آدم عليه السلام فهو وان لم يعزم ونسى ولم نجد له عزما لكنه لحمل ذلك ( هذا خ ) النور الشعشعاني الذي اقتضى سجود الملائكة له بلغ مقام الاصطفاء بالتبعية وبالجملة فهو صلى الله عليه وآله المصطفى والمنتجب لكونه حبيبا ولا يصح اطلاق الاصطفاء والانتجاب والحبيبية على الحقيقة والاطلاق الا عليه صلى الله عليه وآله وهذا الذي ذكرنا وجه من وجوه البواطن واما مقتضى تلك البواطن من الظواهر فاعلم انه عليه السلام وجعلني الله فداه اراد ان يبين شرائط الرسالة والنبوة والخلافة وصفاتها واحوالها وان كلها على كمال ما ينبغي بل اشرف من ذلك واتم واكمل موجودة وثابتة في نبينا صلى الله عليه وآله وذلك لان النبوة والرسالة هي خلافة الله والقيام مقام الله سبحانه في التبليغ والاداء اذ على الله البيان والايضاح بالحجة والبرهان على جهة الفضل والامتنان لانه خلق الخلق رحمة وتفضلا فلم يجعلهم في الحيرة والضلالة لينقص ما خلق ويضيع ما اوجد سبحانه سبحانه بل له الملك الكامل والفعل التام الشامل ولما كان الحق سبحانه في الازل منزها عن الاقتران والحدوث والتنزل الى المقام الادنى وورود الاحوال بالاعمال والاقوال وشرط الاداء والتبليغ ان يكون في مقام المبلغ اليه والا لامتنع التبليغ والتأدية وجب ان يختص بذلك من عباده في عالم الامكان من يصلح للظهورات المختلفة والبروز للتطورات المتشتتة والتقلب في الصور العديدة حيث ما اقتضت المصلحة من احوال الكينونة البشرية لان حكم الله سبحانه على خلقه على مقتضى صفاتهم الكلية والجزئية والا فالذات من حيث هي هي لا حكم لها الا حكم الاذعان والاقرار بالاحدية المطلقة ولم يتغير هذا الحكم ولم يتبدل واما الصفات والاطوار فمن جهة انها مقتضى الحدود والصور فتختلف احكامها كما قال الله سبحانه ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم والمبلغ لو لم يظهر بتلك الصفة لما صح التبليغ وامتنع التأدية فوجب ان يكون ذلك المبلغ ذائبا في ذاته غير منجمد على صفة من الصفات واعتبار من الاعتبارات وحيثية من الحيثيات والا لاختص بتلك الصفة ولاجري عليه حكمها فان كانت حسنة كاملة ولطيفتها زائدة يختص فيما فضل من تلك اللطيفة بالتبليغ والتأدية الى المناسب لتلك الصفة حسب عمومها وخصوصها في رتبة ( مرتبة خ ) مقامها فيكون مبلغا جزئيا لا كليا حقيقيا والا فيختص بنفسه ولا يعم غيره واما المبلغ الكلي فيجب ان يظهر في الوجود كعموم قدرة الله سبحانه ويكون متساوي النسبة مع كل الرعية في طبايعها وصفاتها واحوالها ليعطي كل ذي حق حقه مما اودعه الله سبحانه في سره من مكنون علمه ولا تتساوى هذه النسبة الا اذا كان في ذاته معتدل الطبيعة ومستقيم البنية في الباطن والظاهر بحيث لا تزيد طبيعة على اخرى لتغلب ويجري عليه حكم الطبيعة الغالبة كما في سائر الخلق بل تكون العناصر فيه متساوية النسبة وتكون له طبيعة خامسة غير الطبايع الاربع ليجري حكم كل طبيعة عند اقتضاء المصلحة لذلك بالعوارض الخارجة ولا تتساوى نسبة الطبايع الا اذا خلص وصفا ورق ولا يكون هذا الخلوص والتصفية الا اذا كان نظره مقصورا في عالم غير عالم الطبايع والمزج والتركيب اذ لو كان النظر مقصورا عليه ولا شك انه عالم التضاد والاختلاف وعدم الايتلاف فلا بد من استيلاء احدها على الاخر واتيان حكم الغلبة لتحصيل المزاج ولذا ترى الاطباء احالوا تساوي الطبايع في المركب لقصر نظرهم الى عالم الكون والفساد وعالم التركيب والتضاد واما الذي نظره قاصر الى عالم البساطة ومقام اللانهاية ولم يزل مع الملك القهار الجبار المتكبر المؤلف بين المتعاديات والمفرق بين المتؤالفات فيستولي عليه نور البهاء والكبرياء والعظمة فيتألف الطبايع والعناصر والقوى المتضادة بحيث لا تغالب لبعضها على بعض ولا تضاد في اظهار الاثر فيستوي الذئب والغنم في المرعي وهو قوله عز وجل مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان وهما الضدان الماء العذب الفرات والماء المالح الاجاج فاختلطا فالحاجز من قدرة الله سبحانه منع احدهما على الغلب والبغي على الآخر والآخر عليه ليحصل من المجموع طبيعة اخرى وطعم ولون آخر او تغلب احدى الطبيعتين ومثاله فيك موجود فانك تعصي وتطيع وانت مركب من نور وظلمة لكن ما غلب النور على الظلمة في اصل التركيب لئلا يمكن ان يصدر منه الطاعة في الوجود العيني ولا العكس لئلا يمكن العكس كما ان العسل ما يبرد ابدا وان كان فيه من الطبيعة المائية لكنها مغلوبة والكافور ما يسخن ابدا وان كان فيه من الطبيعة النارية وكذا ما امتزج النور والظلمة بحيث يحدث عن اجتماعهما امر ثالث كتركيب الخل والعسل فيحصل من تركيبهما امر ثالث يخالف طبيعته وفعله وقوته الجزئين لانه يقطع الصفراء بخلاف العسل فانه يزيد مع ولو كان كذلك لوجب ان لا يصدر من الانسان الا الطاعة المشوبة بالمعصية والمعصية المشوبة بالطاعة بل لا تكون طاعة لانها من اقتضاء النور ولا تكون معصية لانها من اقتضاء الظلمة بل يكون امرا ثالثا لا طاعة ولا معصية وهو ممتنع في حق الانسان بل كل شيء هذا صنع الله فاذا بلغت القدرة الى ان يبقى مع المزج والتركيب قوة الاجزاء على ما هي عليه قبل التركيب ويتم التركيب بذلك بحيث يصدق على المجموع اسم واحد ويحكم بحكم واحد ويجري عليه كل احكام الوحدة مع بقاء صرافة حكم الكثرات على ما هي عليه من الاقتضاءات فبان يركب من الاجزاء المتساوية في الطبيعة والوزن والتقدير الطبيعي احرى والقدرة تتعلق عليه بالطريق الاولى فلا معنى لانكار الاطباء ذلك نعم لما لم ينظروا الى جهة الربوبية والسلطنة الكاملة العامة عظم في نظرهم ذلك فصغروا عظمة الله سبحانه فعلى ما قررنا وجب ان يكون المبلغ الكلي في اكمل مقام اعتدال الطبيعة في كل المراتب من الاعتدال الحقيقي لا الاضافي وقد قلنا ان ذلك لا يكون الا اذا سطع عليه نور العظمة والجلال والبهاء ويكون صاعدا مقام الاسماء الجزئية والكلية فيتجلي عليه نور البساطة والوحدة الى ان تفنى مقام الكثرة الوجودية والوجدانية فيستولي عليه نور الجمال وجاء كما قال الشاعر :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها وتشاكلا الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
ويسبح في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية فيحكي المثال فعند ذلك تكون الطبايع احديها عين الاخرى تقول نار وماء وهواء وتراب لكن كل واحد منها عين الآخر فالتراب هو الماء والماء هو الهواء والهواء هو النار والتعدد تعبيري لظهور آثارها في المراتب الكونية اي المبلغ اليها وهذا كمال مقتضى العبودية فتجلى ( فيتجلى خ ) عليها احكام الربوبية فلا يقال بشر لظهور الاحكام ( احكام خ ) الربوبية فيه ولا يقال رب تعالى عن ذلك لانه عبد مخلوق ونور مرزوق وقد قال الشاعر :
ان قلته بشرا فالعقل يمنعني واختشي الله من قولي هو الله
وهذا معنى قوله تعالى في وصف الشجرة المباركة الزيتونة لا شرقية اي ليست بقديمة لانها حادثة مخلوقة مقترنة متطورة بالاطوار بل شجرة متفرعة على الغصون ( والاصول خ ) والاوراق والاثمار وليس هذا صفة القديم تعالى شأنه ولا غربية اي ولا حادثة لان الحادث مختلف متكثر متعدد جهاته وروابطه فان هالك مضمحل وليست هذه المذكورات صفة تلك الشجرة لانها وجه الله الذي لا يهلك ويد الله التي لا تغل ولا تفنى ونور الله الذي لا يطفى وعين الله الشاهدة على الورى يكاد زيتها اي قابليتها للوجود يضيء اي يظهر في عالم الكون لكمال الخلوص والصفا وعدم اقتضائها شرطا ومتمما ومكملا غير مصدره وموجده ولو لم تمسسه نار الايجاد والنار من تلك الشجرة والزيت ايضا من تلك الشجرة كما نص عليه الحق سبحانه في كلامه العزيز وهذا هو مقام البرزخية الكبرى وهو مقام فاعل فعل اللازم مع ان الفاعل معمول للفعل والفعل عامل فيه والعامل اشرف من المعمول كما بينا فراجع ونبين ان شاء الله تعالى فترقب فلما استوت قابليته واعتدلت طبيعته على ما وصفنا لك ظهر في البحبوحة الكبرى العليا وانتجبه الله منها وهذا الظهور في هذا المقام ما تحقق الا بكمال العبودية والعبودية المطلقة تنافي الغفلة ولو يسيرة لانه في مقام الغفلة لا يرى لنفسه عبودية فضلا عن المخالفة فوجب ان يكون معصوما مطهرا من الذنوب مبرءا من العيوب من الظاهرية والباطنية والسرية والجهرية وتمت بشهادة ( شهادة خ ) الله سبحانه له بذلك حيث قال وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين والاصل في ذلك هو اعتدال الطبيعة وتصفية السريرة ففي المقام الاول الذي هو مقام النقطة الحقيقية المستديرة على نفسها لا كلام خوفا من فرعون وملأهم واما حال التنزل الى مقامات الارسال ولما كانت المادة الالهية الاصلية في كمال النورانية والصفا فوق مقام الحد والانتهاء ماغيرتها الحدود والتعينات والظهورات واستولت عليها آثارها فظهرت في كل عالم وكل مقام طيبة طاهرة حتى انتقلت الى الاصلاب والارحام فحفظت بفاضل نورانيته الآباء والامهات عن مخالفة الحق سبحانه لانه نور يطرد الظلمة بفاضل ظهوره وان كان ظهوره بالظهور واشراقه بالنور فكانت الطائفة المنسوبة اليه في كل زمان واوان اشرف الطوائف لسريان ذلك النور اليها من جهة الانتساب فكانت آباؤه في العالم ( عالم خ ) البشرية لاختلاص الصفوة البشرية المنسوبة الى النور المشرق من صبح الازل كلهم طيبون طاهرون منزهون ( طيبين طاهرين منزهين خ ) عن كل دنس ورجس ومن اهل التوحيد والتسليم لله سبحانه لبقاء ذلك النور في الاصلاب اكثر واشد وتخلله في كل اجزاء ( اجزائه خ ) وقواه ومشاعره في الهضمات الاربعة فاثرت نورانية الجسد في الجسد والروح المتعلق به في الروح واما امهاته صلى الله عليه وآله فبقدر حملهن اياه صلى الله عليه وآله فهن معصومات بمقدار ذلك الزمان لاشراق النور الالهي عليهن وهو معنى قوله عليه السلام في الزيارة اشهد انك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ه حتى انتهت مراتب الآباء والامهات الظاهرية الى اشرف الطوائف واحسن القبائل اتفاقا واجماعا من الناس فان العرب لم يزل اشرف من العجم من جهة النوع كما نبين ان شاء الله تعالى واشرف طوائف العرب قريش كما هو الظاهر ولم يزل ( لم تزل خ ) تفتخر قريش على غيرها من الطوائف وهم لا ينكرون ذلك حتى ان ابن ابيقحافة انما احتج عليهم وتقمص بالخلافة على انه من قريش فلا يترأس عليها احد واشرف طوائف قريش بنوهاشم وعبد الله وابوطالب من سادة بني عبدالمطلب كما هو المعلوم المذكور في كتب السير والتواريخ فهذه هي البحبوحة العليا ولذا قال مولينا الرضا عليه السلام في وصف الامام عليه السلام لا يسبقهم احد في نسب ولا يدانيهم في حسب البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرضا من الله عز وجل شرف الاشراف والفرع من بنيعبدمناف فلما انتجب الرسول صلى الله عليه وآله من هذه الطائفة الشريفة في عالم البشرية الظاهرية قطع حجة كل محتج وظهر بالحجة البالغة اذ لم يقدروا على انكاره بالحسب ولا بالنسب ولا بالشرافة ولا بالسيادة ولا بالطهارة لم يعرفوا كمالا الا وقد وجدوا عنده صلى الله عليه وآله اعلاه واسناه ولم يتخيلوا مقاما الا وقد وجدوا عنده اقصاه فعرفوا انه خليفة الله فلم يبق لهم الا الاقرار به او الانكار له بعد المعرفة والجحود بعد العلم قال الله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وقال عز وجل وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا بخلاف ما اذا كان يعصي او لا يكون من الذروة الاعلى بل يكون من اللئام الاراذل فانه حينئذ يكون الحجة عليه للعارف والجاهل اما الجاهل فانه اذا وجد انه من اللئام وليس من الطائفة الكرام تشمئز نفسه وتنبو طبيعته عن الاقرار به والانقياد له والاعتراف بالرقية والعبودية والطاعة له ويشق عليه انقياد ما هو في الحسب والنسب اشرف منه وهذا يبعده في اول الامر عن الانقياد وكذلك اذا رآه يعصي في صغره او كبره قبل نبوته او بعد نبوته لم تطمئن نفسه عليه ولم يركن لقبول قوله والاعتقاد بما يخبر عن ربه وسكون القلب عند اقواله وافعاله اذ له مناسبة مع الشيطان فلم يأمن من ان يتسلط عليه ويفسد عليه امره ودينه ( وايمانه خ ) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض ( واتبع هواه خ ) فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث وله ان يقول لو ان الله سبحانه جعل النبوة والرسالة في طائفة شريفة طيبة طاهرة معروفة بالخير والصلاح والسودد والشرف وفي رجل طيب طاهر معصوم منزه من القبايح والفواحش ما ظهر منها وما بطن كان احسن واوفق بالقبول واحري بالصواب والسداد ولا شك ان ذلك امر ممكن والله سبحانه قادر عليه فلا يعدل عما هو الاحسن الى الحسن لو فرضنا ذلك حتى لا يقال لو كان كذا لكان احسن وكان في الواقع ( احسن خ ) ولم يكن هنا مانع اقوى الا لعاجز تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فدل على ان الذي يدعي النبوة او الولاية والخلافة وهو يعصي او كان كذلك او يكون من ارذل الطوائف واخسها كاذب في دعواه مفتر في مدعاه ليس مبعوثا من الاله الحي القيوم المنزه عن كل نقص ووصمة وعيب ورسوله وجهه وجهته ودليله فلو كان ناقصا ولو كان بوجه من الوجوه لدل على نقصان ذي الوجه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا واما العارف الناظر بنور الله المستدل بدليل الحكمة فيقطع بان الرئيس في التبليغ هو الرئيس في التكوين والايجاد وهو كان مبلغا ومترجما للوحي الوجودي في العالم الاول الى ان ظهرت الصفات وتكثرت الشؤن والاضافات فاقتضى كمال الصنع والايجاد التكليف والتبليغ التوصيفي والظاهر عنوان الباطن والصورة مثال الحقيقة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فلما كان الامر كذلك وجب ان يكون ذلك المبلغ في كمال مرتبة النورانية وتكون نسبته الى رعيته نسبة السراج الى الاشعة فهو منزه عن كل النقائص والرذائل والكدورات التي في الرعية بل عين كمالات الرعية ونورانيتهم هو بلوغهم مقام النور الالهي الظاهر فيهم المشرق من انية الانبياء فاين توصيف ( توصف خ ) الانبياء بالنقائص الموجودة في رتبتهم وذلك النبي اذا تنزل بنوره وظهوره في المراتب النازلة لتتميم الرعية وتكميلهم وتبليغهم الى غاياتهم ونهايات كمالهم فهو في كمال النورانية فيطهر آباؤه وامهاته وقبيلته وطوائفه وكل من ينتسب اليه في الجنس والنوع عن الرذائل والدناءات والكدورات والكثافات بفاضل نورانيته كما عرفت آنفا ومثل النبي او الوصي ( النبي الوصلي خ ) لان حكمهما واحد وامرهما واحد ومقتضاهما واحد فاذا وجد احدهما او كلاهما من الطائفة الغير المعروفة او اللئيمة والدنية او انهما او احدهما يعصي مثال ( مثل خ ) سائر رعاياه في مقام البشرية بما هو معصية للرعية يقطع بانه كاذب لئيم ومفتر خبيث لان الاثر يدل على المؤثر واليه اشار ابن ابي الحديد في قصيدته الى ان قال :
فتى لم يعرقه ( لم يعرق فيه ظ ) تيم بن مرة ولاعبد اللات الخبيثة اعصرا
وما كان معزولا غداة برائة ولا عن صلوة ام فيها فأخرا
وما كان يوم الغار يهفو جنانه حذارا ولا يوم العريش تسترا
القصيدة
قوله عليه السلام : وارسله في العرب العرباء فاتى بعد الانتجاب المنتج من العبودية بذكر الارسال لبيان قوله اقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء وهذه الرسالة كلية عامة مطلقة شاملة لكل من ذرأه الله وبرأه من الاعراض والجواهر والماديات والمجردات والصفات والذوات وكينونة الاقتضاءات ولهذه الرسالة مقامات كثيرة ومراتب عديدة تضيق بذكرها الدفاتر الا اني اذكر في هذا المقام اشارة الى ذلك المرام ما ذكره شيخي ومولاي ومعتمدي واستادي اطال الله بقاه وجعلني في كل محذور فداه في شرحه الشريف على الزيارة الجامعة الكبيرة عند قوله عليه السلام وموضع الرسالة فان ما ذكره اطال الله بقاه وافية كافية لمن فهم الكلام وانا انقل كلامه الشريف بلفظه وهو وان عمم الحكم ليشمل الائمة الطاهرين عليهم سلام الله اجمعين لكن الحكم واحد فان الوصي بدل للنبي في كل الاحكام فالتبعية بدلية فقال سلمه الله تعالى : ولهم في محل الرسالة اربعة مقامات المقام الاول مقام السر المقنع بالسر والثاني هو مقام سر السر والثالث مقام الابواب وهو مقام السر والسفارة والوساطة والترجمة والرابع مقام الامامة وقد اشار الصادق عليه السلام الى هذه المواضع الشريفة والمقامات المنيفة كما رواه محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عنه عليه السلام ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر المستسر وسر مقنع بالسر فاشار الى المقام الاول بقوله عليه السلام وسر المستسر وسر مقنع بالسر والى المقام الثاني بقوله عليه السلام وباطن الباطن وسر السر والى المقام الثالث بقوله عليه السلام وباطن الظاهر وهو السر والى المقام الرابع بقوله عليه السلام وهو الظاهر والى الاخيرين بقوله عليه السلام وهو الحق والى الاولين بقوله عليه السلام وحق الحق وعنه عليه السلام ان امرنا سر مستسر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر الى ان قال سلمه الله وفي رواية جابر الاشارة الى الاولين روي عن جابر بن عبد الله عن ابي جعفر عليه السلام انه قال يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال فقلت وما البيان والمعاني قال قال عليّ (ع) اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه وحقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد فنحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا ونحن وجه الله الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين ومن جهلنا فامامه السجين ولو شئنا خرقنا الارض وصعدنا السماء وان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم الى ان قال سلمه الله تعالى وذكر الامام سيد الساجدين عليه السلام الاشارة الى الكل على ما روي في كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء فقال حدثني احمد بن عبد الله قال حدثني سليمان بن احمد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا ابرهيم بن محمد الموصلي قال اخبرني ابي عن خالد عن القاسم عن جابر بن يزيد الجعفي عن عليّ بن الحسين عليهما السلام في حديث طويل ثم تلا قوله تعالى فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وكانوا بآياتنا يجحدون وهي والله آياتنا وهذه احدها وهي والله ولايتنا يا جابر الى ان قال عليه السلام يا جابر اوتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا وهو قوله عز وجل قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وتلا ايضا ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم يا جابر اثبات التوحيد ومعرفة المعاني ( اما اثبات التوحيد فمعرفة ظ ) الله القديم الغاية الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن كما سنذكره كما وصف به نفسه واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده الحديث وانما ذكرته بطوله لما فيه من الاسرار وسنشير الى بيان بعضها فيما بعد فاما المقام الاول المسمى باثبات التوحيد وبالسر المقنع بالسر وحق الحق فالاشارة الى بيانه من الاحاديث المروية عنهم عليهم السلام كثيرة فمنها ما قال عليّ عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها وقال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اقول الذي يشير الى هذا المقام من الحديث الثاني هو الوجه الثالث منه والمراد من هذا المقام ( الذي ظ ) هو اثبات التوحيد هو معرفة الله بصفته التي وصف بها نفسه لعباده الذين اراد ان يعرفوه بها وهي صفة محدثة لا تشبه صفة شيء من المخلوقات وهي مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان اي في غيبتك وحضرتك من عرفها فقد عرف الله لانها امثاله وليس كمثله شيء وفي دعاء كل يوم من شهر رجب عن الحجة عليه السلام فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء فبين عليه السلام انهم معادن لكلماته يعني انهم اعضاد لخلقه لان العلة المادية لجميع الخلق هو شعاع انوارهم فقد اتخذهم الله سبحانه اعضادا لخلقه يعني يخلق خلقه من شعاع انوارهم والخلايق من الاسباب والمسببات كلمات الله كما قال تعالى بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم فهم عليهم السلام معادن لكلماته وجعلهم (ظ) سبحانه اركانا لتوحيده لان المقام الذي لا فرق بينه وبين الله سبحانه الا انه عبده هو ظهوره للعبد بالعبد وهم عليهم السلام تلك المظاهر كما يأتي في التمثيل بالقائم فانه لا فرق بينه وبين زيد الا انه ظهور زيد بالقيام فهو محدث به وركنه القيام فحقيقتهم عليهم السلام كالقيام وظهوره على تلك الحقيقة كالقائم والقائم هو المقام الذي يعرف زيدا به من عرف زيدا اي لا يعرف زيد الا به والمراد ان الله سبحانه لا يعرف الا بتلك المقامات وهي لا تتحقق الا بهم وفيهم كما ان القائم لا يتحقق الا بالقيام وهذا معنى قول عليّ عليه السلام لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فهم اركان توحيده وآياته كذلك ومقاماته وكونها لا تعطيل لها لانها وجه الله قال الله تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله وكون الاثبات لا يكون الا بالخلق لان ذاته تجل عن ادراك العقول وتوهم الاوهام لان العقول والاوهام انما تدرك انفسها وتشير الى نظائرها وما ذكرنا من المعرفة هي سبيل معرفتهم التي لا يعرف الله الا بها ومثال المقام الذي هو رتبة التوحيد القائم كما مر قبل هذا فانك اذا قلت القائم فهو صفة زيد وهو ظهور زيد بالقيام وليس هو زيدا ولم يستتر ضميره فيه وانما استتر فيه جهة فاعلية قيامه وتلك الجهة قائمة بزيد قيام صدور وقائمة في غيب قائم قيام ظهور وقائم قائم بها قيام تحقق لانها لا تظهر الا في قائم وقائم لا يتحقق الا بها لانها مبدأ وجود قائم وهي حركة احدثها زيد بنفسها وليست زيدا وانما هي حركته فالقائم مثال زيد وظهوره بفعله فاذا اردت ان تعرف زيدا فانما تعرفه بما احدث لك من امثاله ووصفه كالقائم والقاعد والمتكلم وهذا اي المشار اليه والمسمى بزيد وما اشبه ذلك من امثاله وصفاته وتوصيفاته فتعرفه بما وصف به نفسه وهو ما ظهر لك به من هذه الافعال والصفات وكلها غيره وهي وان كانت مثله بحيث يكون بينهما في جهة التعريف والمعرفة مساواة لرجوع ذلك كله الى الصفات والذات عن ذلك كله بمعزل الا انها محدثة به صادرة عنه لا منه وهو قوله عليه السلام في الدعاء المتقدم لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فافهم فقول عليّ بن الحسين عليهما السلام في الحديث المتقدم وهي والله آياتنا وهذه احدها وذلك في بيانه لقوله تعالى وكانوا بآياتنا يجحدون يشير الى ما ذكرنا وانهم ذووا الآيات التي جحد بها الكافرون والمشركون وهم الذين نسوهم كما نسوا لقاء يومهم يوم القيمة وهذا المقام كله وهو مقام واليه يرجع الامر كله احد الآيات وهي تلك الفعلة التي فعل بهم حين حرك الخيط الاصفر وهي ولايتهم الا ان هذا اعلاها لانه ليس له شبه كما قال عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف الله سبحانه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا اما ان ذلك ليس كمثله شيء فلانه وصف الحق سبحانه نفسه للعباد فلا يشابه شيئا من الخلق واما انك تعبده فلانك تعبد الله الظاهر لك به حتى انه غيبه عن نفسه وعن المخلوقات فلا يتوجه العابد الا الى الذات مع انه ابدا لا يجدها حيث لا يفقدها ولا يفقدها حيث لا يجدها ابدا فهذا مقام السر المقنع بالسر وحق الحق وهو البيان والتوحيد وهذا المقام لهم حيث لم يجدوا انفسهم شيئا ووجدوا الله ظاهرا في كل شيء قد جعله دكا ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها كان وحده ولا يسمع فيها صوت الا صوته وهذا المقام لا يكون موضع الرسالة لانه مصدر الارسال فكيف يكون موضع الرسالة الا باعتبار فرض المغايرة ولهذا اعتبرناه وجعلناه الاول والمقام الثاني مقام المعاني وباطن الباطن وهو السر وسر السر وسر على السر وحق الحق وهو كونهم عليهم السلام معانيه تعالى يعني علمه وحكمه وامره الخ يعني علمه الذي وسع السموات والارض وحكمه على كل الخلق ونعمه على جميع خلقه وخيره الذي من به على جميع الخلائق وجنبه الذي لا يضام من التجأ اليه وذمامه الذي لا يطاول ولا يحاول ودرعه الحصينة وحصنه المنيعة ورحمته الواسعة وقدرته الجامعة واياديه الجميلة وعطاياه الجزيلة ومواهبه العظيمة ويده العالية وعضده القوية ولسانه الناطق واذنه السميعة وحقه الواجب وهذا مثل قولك قيام زيد وقعوده وحركته وسكونه وتسلطه واياديه وامتنانه ومعاقبته وامثال ذلك فهذه معاني زيد فقولهم عليهم السلام نحن معانيه كما تقدم في حديث جابر يراد منه نحو ما اشرنا اليه لان هذه المعاني بالنسبة الى الذات ليست شيئا الا بالذات فلا تحقق لها الا بالذات وانما تذوتها بالنسبة الى آثارها واعراضها فهي بالنسبة الى الذات اسماء معان بهذا المعنى وبالنسبة الى آثارها اعيان وذوات قائمة على آثارها واعراضها بما قبلت من امداداتها ولانعني بالذات والعين الا هذا فهم عليهم السلام في هذا المقام اعلى مقامات موضع الرسالة الا على الاعتبار الاول لانه مطارح ارسالات مواد الحيوة الوجودية من الماء الالهي والنفس الرحماني الثانوي في ايجاد الشرعيات الوجودية وايجاد الوجودات الشرعية وهذا هو الدواة الاولى وهو ن والقلم والماء الذي جعل منه كل شيء حي والكتاب الاول ومفاتح الغيب التي لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وهو ارض الجرز والزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار والمقام الثالث مقام الابواب وباطن الظاهر وسر لا يفيده الا سر والسفارة الى الله وترجمة وحي الله وبيانه انه اذا وقع الماء الاول على ارض الجرز والبلد الميت وبعبارة اخرى اذا استضاء الزيت من النار وبعبارة اخرى اذا وقعت الدلالة من الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر على المعنى الميت في قلب العبد المؤمن ظهر على العبارة الاولى الزرع والنبات الطيب وعلى الثانية المصباح وعلى الثالثة المعنى والمراد من الزرع والنبات والمصباح والمعنى شيء واحد وهو الاسم الذي اشرقت به السموات والارضون وهو المعبر عنه عند اهل الاشراق بالعقل الكلي وعند اهل الشرع بالقلم والعقل المحمدي صلى الله عليه وآله وقد يطلق عليه الروح المحمدي صلى الله عليه وآله فلما استوى عليه الرحمن اودع فيه غيوب الاشياء وهي معاني جميع الخلق فهو باب الله الى خلقه ولما امر العقل فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل اخرج منه رقائقها وصورها الى قوابلها فيما لا يزال فهو باب الله الى خلقه ولما تهيأت القوابل لقبول حيوتها وجميع ما لها من ربها وقبلت كان ذلك القبول بواسطته فهو باب الخلق الى الله فلما امرهم بطاعته وامتثلوا امره قبل اعمالهم بواسطته فهو باب الخلق الى الله وهذه الوساطة (ظ) والترجمة والسفارة عامة في جميع الوجودات (ظ) الشرعية والشرعيات الوجودية فهم عليهم السلام في هذا المقام موضع الرسالة بالنسبة الى المقام الاول وهم محل وحيه ومهبط نوره ومسقط نجومه وهكذا بالنسبة الى المقام الثاني هم حفظة شريعته وموضع رسالة الثاني من الاول يترجمون لمن دونهم الامدادات ممن هو فوقهم والمقام الرابع مقام الامامة وهو الحق وهو الظاهر وهو السر المستسر وهو مقام حجة الله على خلقه وخليفته في ارضه افترض طاعته على جميع خلقه جعله الله قيما على العباد وحفيظا وشاهدا وداعيا الى الله وهاديا الى سبيله ووجهه الذي يتقلب في الارض وعينه الناظرة في عباده فكاك الازمات المعضلة وفاتح الحصون المقفلة والقصر المشيد والبئر المعطلة ملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين وامن الخائفين وعون المؤمنين فالامام في مقام الامامة هذا موضع الرسالة انتهى كلامه اعلى الله مقامه ورفع شأنه وعلى كلمته انما ذكرته بطوله لما فيه من الاسرار مما اردنا بيانه وقد ذكر اطال الله بقاه جميع انواع الرسالة وفيما ذكره كفاية لاولي الفهم والدراية ثم اعلم ان حكم الله سبحانه في الايجاد على جهة الاطلاق لما كان على نهج التكليف وهو يستلزم الرسول ينقسم التكليف والرسول الى قسمين تكويني وتشريعي والشريعة والكتاب ايضا كذلك والمجموع الى قسمين عام وخاص والعام على قسمين اضافي وحقيقي فأجر هذه المذكورات فيما ذكره شيخنا اطال الله بقاه من المراتب المذكورة ينتج لك المطلوب وتطلع على ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتفهم ان محمدا صلى الله عليه وآله في كل مقام وكل رتبة تفرض سيد السابقين وامام الفائقين لا يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق ولا يطمع في ادراك مقامه طامع والاشارة اليه اكثر مما بين سلمه الله تعالى وبينا فضح بالحكمة
قوله عليه السلام : في العرب العرباء العرب هو الفصيح الكامل البالغ في الفصاحة الواصل كمال درجة التوحيد المحدود بحدود الايمان المصور بصورة الانسان البعيد عن جهة الطغيان ومقتضيات الشيطان ولذا نزل القرآن باللغة العربية ولذا كانت لغة اهل الجنة العربية وقد قال الامام الصادق عليه السلام ان شيعتنا العرب واعدائنا العجم قال الله تعالى قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلكم تذكرون وفي الحديث على ما رواه في المجمع ان من ولد في الاسلام فهو عربي وفيه الناس ثلثة عربي ومولي وعلج فاما العرب فنحن واما الموالي فمن والانا واما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا وفي حديث آخر نحن قريش وشيعتنا العرب وعدونا العجم ه وقد سمعت عن بعض المشايخ انه قال ان امرأ القيس لما حضرته الوفاة كان يتكلم بالفارسية ويؤيده ما في البحار عن امير المؤمنين عليه السلام انه عليه السلام اخرج رجلا من قبره بعد موته حيا وكان يتكلم بالفارسية فسأله عليه السلام عن ذلك مع انه مات عربيا قال لما مت على غير موالاتك انقلب لساني الى ما ترى وقد ورد عنه عليه السلام على ما في العيون ان اهل النار يتكلمون باللغة المجوسية وبالجملة فالعرب هو الصفوة والمختار في كل عالم وهو المؤمن الحقيقي الطيب الطاهر المحدود بالصورة الانسانية في كل مقام بحسبه ففي النباتات الاشجار الطيبة وفي المعادن معادن الجواهر واليواقيت وفي الحيوانات هي النافعة الطاهرة الغير الموذية بانواعها وفي الانسان هو الباقي على احسن التقويم وفي العالم الكلي هي السموات وفي المجردات العقول والملائكة وهكذا مؤمنوا الجن وكل عالم على هذا الترتيب والعجم اضداد ذلك كله والاصل في ذلك ان الله سبحانه لما اقام الخلق في العوالم الاول في الذرات وكلفهم الست بربكم فمنهم من قال بلى ومنهم من قال نعم فالاولون هم الاول والآخرون هم الثاني اما الاول فمن جهة اللفظ والمعنى اما الاول فلان العرب هو الظهور والفصاحة والمعرفة وهذا شأن المقربين لان الله سبحانه هو الظاهر المعروف الذي لا خفاء فيه ولا نكارة بوجه من الوجوه فكل من تخلق باخلاقه وسلك سبيله ذللا اجرى عليه حكمه كما قال اطعني اجعلك مثلي ولما كانت الالفاظ بينها وبين معانيها مناسبة ذاتية وجب ان يكون الموسومون بهذا الاسم كذلك والعجم عدم الفصاحة والبكم في مقابلته فيجب فيه في المعنى ايضا حكم المقابلة واما الثاني فلما ذكرنا من الاخبار الدالة على ان المؤمن هو العرب وان اهل الجنة يتكلمون باللغة العربية ولما سنذكر ان شاء الله تعالى فلما اجابوا في العالم الاول فامد الله سبحانه المقربين ( المقرين خ ) المطيعين بطينة ( بالطينة خ ) العليين ومن الماء النازل من شجرة المزن المغروسة تحت بحر الصاد ومد ( امد خ ) المنكرين الكافرين بطينة السجين ومن الدخان المتصاعد من شجرة الزقوم طلعها كأنه رؤس الشياطين المغروسة فوق بحر الطمطام قعر السجين اسفل السافلين نعوذ بالله من ذلك ثم كسرهم الله سبحانه تحت الحجاب الاحمر ورجعهم الى الطين ومزج بين الطينتين وانزلهم الى هذا العالم الجسماني حصل لطخ وخلط فيهما فصارت طينة سجين اختلطت لطخا لا اصلا بطينة عليين وبالعكس فظهر مقتضى ذلك اللطخ والخلط في الطينتين على مقدارهما في اللطخ فمن طيب في الذات طاهر في الطوية والجبلة ظهرت عليه باللطخ آثار العجمية كالمعاصي والشرور والسيئات في الاعمال التشريعية والتكوينية فظهر في التكوين على صور معوجة وهيئات منقلبة غير مستقيمة ومن ذلك اللسان واللغة الغير العربية فانها منبئة عن اعوجاج الفطرة اما ذاتا او لطخا وخلطا لكن الغالب في الغالب آثار العربية كالايمان والصلاح والتقوى وامثال ذلك ومن خبيث في الذات وباطل في الطوية والجبلة قد ظهر فيه مقتضي اللطخ الطيب الطاهر وهي الآثار العربية من الصورة الانسانية واستقامتها وحسنها وجودة تركيبها وكونه على اللغة العربية فانها منبئة عن حسن الفطرة والطوية اما باللطخ او بالذات فتبقى احكام هذا اللطخ على مقدار قوته وضعفه الى ان تصفوا الطين بفتح الياء اما بالموت الظاهري او الباطني فيرجع كل الى اصله من العربية والعجمية فرجوع العرب الى الجنة ورجوع العجم في النار فلا يفتخر اذا الذي عنده اللغة العربية او نسبته اليها على الذي عنده اللغة العجمية اذ قد تكونا (تكونان نسخة ٢٤٤ خ ) عرضيتين في الاثنين فالفخر في الفقر الى الله والتوكل عليه وملازمة التقوى والبذل على الفقراء والجود والسخاء فهذه هي الصفات العربية ومقابلها الصفات العجمية واما اللسان فانه ينقلب اذا حان حينه وبلغ الكتاب اجله واما النسبة فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون اما سمعت قوله تعالى يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح اما سمعت ما قال مولينا الكاظم عليه السلام في عليّ بن يقطين انه ولدي مع ان بني امية قد ورد عليهم اللعن قاطبة خصوصا يقطين قد لعنه الصادق عليه السلام وما تولد منه وقد اجمل الله سبحانه القول في كتابه فقال ان اكرمكم عند الله اتقاكم فاذ قد علمت شرافة العرب بالنوع وانهم بيت الشرف والسودد وبيت الحمية والمروة وبيت الوفاء والسخاوة وبيت الاستغناء وعدم الدناء فاعلم ان آل محمد صلى الله عليه وآله لما ظهروا في الكينونة العليا وفازوا بالنصيب المعلى والحظ الاعلى وبقوا في كل مقام صفة الله الا انهم في مقام ارتفعوا بالفاعلية وفي الآخر انتصبوا بالمفعولية واما الكسرة فما اتصفوا بها لانهم ما انخفضوا وما ولوا الا الافعال التي لا يعمل ( لا تعمل خ ) الا الرفع والنصب واما الجر فلا تعمله الا بحرف الجر اما مذكورا او مقدرا فهم سلام الله عليهم ما والوا ( ما ولوا خ ) الحروف الجارة ابدا فما انخفضوا وما انكسروا ولم تزل الوية ضمهم بالله من يطع الرسول فقد اطاع الله لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك على العالمين مرفوعة واعلام نصرهم وفتحهم على جبال الهدى منصوبة فهم عليهم السلام وصف الله وصفة الله ودليل الله ونصر الله ولسان الله في كل مقام من المقامات فظهروا في كل مقام حاكيا لظهور الربوبية المستدعية للخلافة والولاية الكلية ولما كان ما ينسب الى الحق سبحانه في كل عالم يجب ان يكون اشرف ما في ذلك العالم بحيث لا يتصور اشرف منه وكانوا سلام الله عليهم نسبة الرب وصفته والمنسوبين اليه سبحانه وجب ان يظهروا في كل عالم وفي كل مقام باشرف ما في ذلك العالم فظهروا سلام الله عليهم في العالم الجسماني في اشرف الصور في الصورة الانسانية وفي اشرف البيت بيت العرب وفي اشرف طوائفها قريش وفي اشرف طوائف قريش بني هاشم في اشرف اولاد عبد المطلب عبد الله وابي طالب فهم سلام الله عليهم العرب العرباء اي الخالص عن الشوائب العجمية بجميع انحائها ومراتبها دقيقها وجليلها وصغيرها وكبيرها وهذا الخلوص ماتمحض فيه احد سواهم صلى الله عليهم كما شهد لهم الحق بذلك وقال عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وقال تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهذا الفتور حكم عام يشمل التكوين والتشريع والذوات والصفات والافعال وسائر الادوات وهم الذين صرفوا ما خلق الله لاجل ما خلق الله ومافتروا فكانوا بذلك صفوة المرسلين في ظاهر البشرية تكوينا وتشريعا علما وعملا ظاهرا وباطنا سرا وعلانية وهذا معنى كلام اهل الصناعة الفلسفية ان العرب لا تحمل الصخور ه وهي الغرائب والاعراض المضادة للطبيعة التي يجب على الانسان ان يدفعها ويرفعها كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام فاذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فالعرب العرباء عندهم هي المياه الخمسة التي هي الماء الابيض الرقيق ذو الوجهين وذو جسدين ( الجسدين خ ) كوكب عطارد او زحل او المريخ والماء الابيض الغليظ اشبه الاشياء بالزيبق وهي هرمس الحكيم والشيخ العليم والوصي الكريم والماء الاصفر البراق المتلألأ اللامع فاقع لونه تسر الناظرين وذلك عند ظهور الحرارة المشوبة بالاجزاء المائية والماء الاحمر الصافي العمار ( الحار خ ) الذي يغلى وهو الفتى الكوشي وظاهر المريخ والماء الاحمر الصبغ الشمسي الذي عليه مدار رحى العمل وهذا هو الاصل والحاكم الرئيس على المياه كلها والمتولي لدائرتها فالماء الابيض الاول اشارة الى الليلة المباركة انما كانت ( ماء خ ) لسرعة قبولها الى طاعة ربها وان بها الحيوة التي من الماء الذي به كل شيء حي وعندها التفصيل والتقدير قال تعالى كلا والقمر والليل اذ ادبر والصبح اذا اسفر انها لاحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر وهي فاطمة الزهراء على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف التحية والثناء ولذا اتى سبحانه وتعالى بالقمر والليل والصبح القريب بهما في الحكم والتأثير ولذا اشير اليها بالماء الابيض لان البياض من البرودة والرطوبة وهي طبيعة القابلية وهي عليها السلام علتها ومنها نشأت وانما كان الماء ذو ( ذا خ ) الوجهين وجه الى الشمس ووجه الى القمر لانها عليها السلام كذلك لها وجه الى النبوة وهي الشمس البازغة ووجه الى الولاية وهي القمر المنير فهي فلذة كبد الرسول صلى الله عليه وآله وقرة عين الولي منه خلقت وعلى هيئته استقامت وعلى طبيعته وطويته نشأت واستوت صلى الله عليها والماء الابيض الغليظ اشارة الى الولي والى الكتاب المبين والامام المبين ولذا يعبرون عنه بيوشع بن نون وانما كان ماء لنفوذه وسريانه في جميع اقطار الوجود في الغيبة والشهود والرطوبة الحاملة لاثر نار الارادة الناضجة للقوابل والاكوان لقبولها فيوضات الاحسان وامدادات الامتنان ولما كان لاصلاح القابلية فالمناسب لاصلاحها الماء البارد الرطب كما تقدم فظهر الولي بصفة الماء في فلك القمر على فلكه الجوزهر واشار بغلظة الماء الى الحرارة الكامنة المحفوظة فيه التي بها قوام الاكوان والاعيان وقد اشار اليه مولينا الباقر عليه السلام بقوله ان القمر له سبع طبقات ( طبقة خ ) من نور النار والاخرى من صفاء الماء فالطبقة الظاهرة منه المقابلة للعالم من صفاء الماء ه ولذا ظهرت البرودة بواسطته في العالم واما هو في الباطن ففيه من نور النار بعكس الشمس وهذا سر غلظة الماء الزيبقي والماء الاصفر هو اشارة الى سيدنا ومولينا الحسن بن عليّ بن ابي طالب عليهما السلام فانه صلوات الله عليه ظهر باحكام النور الاصفر حيث حقن دماء المسلمين واحياهم بفاضل نوره ومن احيا نفسا فكأنما احيا الناس جميعا ولانه صلوات الله عليه تجرع مرارات الغصص حيث غلبت في دولته وخلافته الظلمة فكان يرى حكم الله متبدلا ( مبدلا خ ) وكتابه منبوذا وسنة رسوله ( رسول الله خ ) صلى الله عليه وآله متروكة وشرائعه محرفة ويمنع عن منع الظلم وسد الثلم واصلاح الفاسد وكسر المعاند واحياء السنن حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو شهيد وهو السر في ان لونه الشريف عند وفاته صلوات الله عليه مال الى الخضرة وقصره عليه السلام في الجنة من زمردة خضراء لان النور الاصفر له جهتان جهة الى النور الابيض والآخر ( اخرى خ ) الى النور الاخضر ولذا كني صلوات الله عليه بابيمحمد اشارة الى النور الابيض فانه ورث سودد الرسول صلى الله عليه وآله والتمكين والوقار المنبئان ( المنبئين خ ) عن قوله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم عن القتال ليظهر امره عليه السلام كظهور الامر في زمان جده صلى الله عليه وآله من حكم الاغتشاش والاختلاط وكني عليّ عليه السلام بابيالحسن اشارة الى النور الاخضر فان عليا عليه السلام هو ابوتراب فعند انتساب النور الاصفر اليه يتحقق النور الاخضر وهذه التكنية لبيان قعوده عليه السلام عن الحرب اولا كالحسن عليه السلام ثانيا اي بعد القيام فقعد عليّ عليه السلام عن الحرب لكونه اباالحسن فذوالقعدة منسوب الى مولينا الحسن عليه السلام وقام عليه السلام بالامر ظاهرا لانه له الحجة البالغة والولاية الكاملة لكونه ابا تراب وشهره ذوالحجة فاستشهد صلوات الله عليه لا في معركة القتال بل على الخديعة والاحتيال لكونه اباالحسين عليهما السلام وتحمل الاذى في جنب الله وتجرع مرارات الغصص لكونه ابا الحسنين عليهم السلام وانشد هذه الخطبة وامثالها مما يشابهها ويشاكلها لكونه اخا رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمه صلى الله عليهم اجمعين فافهم ما اشرنا اليك من السر الحق والكبريت الاحمر فأجر كل هذه المراتب في الباطن لان ظاهرهم طبق باطنهم وسرهم عين علانيتهم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا والماء الاحمر اشارة الى مولينا سيدالشهداء وسند الاصفياء جعلني الله فداه عليه آلاف التحية والثناء من الله رب الاعلى وهو عليه السلام مهيج نوائر الاشواق وباعث دواعي الاذواق ومستنطق سرائر الفساق والمالي بنور حركة ( بركة خ ) ظهوره كل الآفاق والمقرب للشمس الحقيقية الى افق الظهور ليظهره على الدين كله بالاشراق وهو الصبح المشهود الظاهر بحمرة الشفق قال الله تعالى ان قرآن الفجر كان مشهودا وقال مولينا الصادق عليه السلام ما معناه ان سورة الفجر سورة الحسين عليه السلام من واظب عليها في فرائضه او نوافله حشره الله تعالى مع الحسين عليه السلام وقد دلت احاديثنا وكلام مخالفينا كالشافعي وامثاله ان الحمرة الظاهرة في الافق لم يكن قبل قتل الحسين عليه السلام لعن الله قاتله فهو صلى الله عليه وآله النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله حسين مني وانا من حسين وهو صلى الله عليه وآله الشمس كما نبين ان شاء الله تعالى والغالب عليها الحرارة واليبوسة لانها مربية للمواد ومفلحة لاراضي الاستعداد واشار صلى الله عليه وآله الى هذا المعنى بالطف اشارة اني اعطيت الحسين عليه السلام غيرتي وشجاعتي والشجاعة هي قوة الحرارة الغريزية في الانسان في غاية الاعتدال وحسن الحال والحرارة الغريزية هي وجه فاعلية الله سبحانه الظاهرة في الكواكب الظاهرة بها في القلب الظاهر في الحرارة الغريزية والفاعلية طبعها ولونها طبع النار ولونها قال الله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فافهم الاشارة والصبغ الاحمر اشارة الى الشمس المشرقة والنار المحرقة والازلية الثانية وهي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله قال تعالى وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين والشجرة هي الشجرة المباركة التي على سواء جبل طور سيناء ولذا ليست بشرقية ولا غربية تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وهي صبغة الله التي في القرآن صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون وهو مادة الاكسير الاحمر وكل تلك المياه انما هي متفرعة عنه ومأخوذة منه فلما اخذت تلك المياه المطهرة يبقى الثفل الذي هو الارض المقدسة منتنة كثيفة نجسة ملوثة بدرن معاصي القوم الجبارين وهي الصخور التي لا يقدر ان يحملها العرب فوجب تطهير تلك الارض لان تستقر تلك المياه فيها ليظهر مقام الفاعلية وتظهر اخت النبوة وعصمة المروة فيعالجون في تطهيرها بارسال الابيض الغربي اليها مرات عديدة الى ان تطهر وتصير كسحالة الذهب فهناك تسقى بالمياه ليظهر القمر ثم الى ان تطلع الشمس وكذلك الامر في باطن الصنع لما سلت تلك الصفوة الطاهرة من طين العليين النازلة من قطرات شجرة ( شرج خ ) المزن عن الارض ففي عالم الاجساد هذه الارض المعروفة وفي عالم الاجسام ارض النفوس وفي عالم العقول البلد الميت ( الطيب خ ) وفي عالم الامكان الارض الجرز وارض الامكان الراجح ومقامات الوجود المطلق وتلك الارض المقدسة كالتي ( التي خ ) سلت منها تلك الانوار الطيبة والمياه الطاهرة المطهرة الجارية من بحر الصاد اي جنان الصاقورة تحت العرش الواردة على تلك الارض المقدسة وهي وان كانت واحدة الا انها ظهرت في ( خمس خ ) اماكن ارض مكة وارض المدينة وارض الكوفة وحائر سيدنا الحسين عليه السلام وارض بيت المقدس التي هي ارض الشام وهذه الاراضي الطيبة كالقطب السائر في جميع الاراضي وكلها منوطة بها ومتفرعة عليها وهذه الخمسة هي كف الحكيم ويد الله العليم وارض العرب لكنه لما سلت منها تلك الانوار الطيبة ظهرت نتن انيتها التي كانت مستهلكة زائلة مضمحلة عند استجنان تلك الانوار والمياه الطاهرة والقوي الفعالة فصارت انتن الاراضي واقلها نفعا ومسكنا للقوم الجبارين ولذا ترى ما في تلك الاراضي الطيبة اما غور المياه ويبس الاشجار وعدم نضج الاثمار وملوحة الماء وسباخة الارض وحرارة المحل وقساوة الاهل وخباثة الوالي وقد ظهرت شناعة اهل الشام ورذالتهم ودناءتهم وخباثتهم وكفرهم بالله وايذاءهم لآل الله واهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بما ملأ الاصقاع وخرق الاسماع وليس لاحد من اهل الحق والباطل في ذلك نكير ومع ذلك كله ورد عن مولينا الصادق عليه السلام في حديث وجدت في نسخة قديمة عتيقة من مؤلفات بعض اصحابنا وانا اشهد بحقيته لما ظهر لي من قرائن الصدق فيه ان اهل الشام احسن من اهل مكة واهل مكة احسن من اهل المدينة واهل مكة يكفرون بالله كل يوم سبعين مرة او اهل الشام ولم اذكر الآن لفظ الحديث ويكفي اهل الكوفة ذما وخسرانا ما قال فيهم امير المؤمنين عليه السلام لو ان معوية صارفني بكم صرف الدرهم والدينار لفعلت وكنت ارضي بان آخذ واحدا من اهل الشام واعطي عشرة منكم ولا ذم ازيد من ذلك واما اهل حائر الحسين عليه السلام فاسوء حالا واشنع اعمالا واقبح اقوالا وهؤلاء هم القوم الجبارون وهم ريش الغراب في قولهم ازل ريش الغراب ليكون عقابا ولما كان موسى عند محاربة القوم الجبارين بعث وصيه يوشع بن نون اليهم وكذلك الصبغ الاحمر بعث وصيه وهو مادة الصبغ الابيض الماء الابيض الغليظ البراق الشفاف اللامع المتلألأ الى تلك الارض مسكن الاوساخ والكدورات التي هي القوم الجبارون لتطهيرها وتصفيتها واصلاحها وذلك ايضا عبارة عن صوم موسى عشرة ايام تتميما لاربعين يوما وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله امر عليا عليه السلام والطيبين من اولاده بالامساك وتطهير تلك الارض المتوقفة عليها كل الاراضي في عالم الامكان بالهون والبرودة والرطوبة او الحرارة والرطوبة لا النار التي هي الحرارة واليبوسة والا لاحترقت وذابت وانعدمت وهو قوله تعالى حكاية عن هرون اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي وهذا معنى اخذ موسى بلحية هرون وجره اليه وقوله له يا بن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء فافهم الاشارة فان الكلام في هذا المقام عجيب قال الشاعر : ضاع الكلام فلا سكوت معجب فهؤلاء الصفوة عليهم السلام هم العرب العرباء بكل معنى في كل عالم مما اشرنا اليه وما لم نشر اليه ومحمد صلى الله عليه وآله مرسول الى الخلق فيهم ومن بينهم لما فيه من السر المعنوي والحرف الغيبي الذي لم يطلع عليه سرائرهم وضمائرهم بصافي طويتهم وجبلتهم الله اعلم حيث يجعل رسالته وهو صلى الله عليه وآله المنتجب منهم فهو صلى الله عليه وآله صفوة ( صفوة صفوة خ ) الصفوة وبهذا حاز مقام السبق وتفرد في الوسيلة على المرقاة الاعلى الاعلى الاعلى ووقف عليّ عليه السلام تحته بمرقاة صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين المعصومين المظلومين ولعن الله اعداءهم اجمعين
قال عليه السلام وروحي له الفداء : ابتعثه هاديا مهديا حلاحلا طلسميا فاقام الدلائل وختم الرسائل نصر به المسلمين واظهر به الدين صلى الله عليه وآله الطاهرين
قوله عليه السلام ابتعثه اشارة الى قوله عليه السلام في الحديث فاستنطقه وقد اشار الى هذا الاستنطاق والابتعاث مما من الله ومما منه صلى الله عليه وآله اشار الى بيانه مولينا امير المؤمنين عليه السلام على ما في كتاب الانوار لابيالحسن البكري استاد الشهيد الثاني عنه عليه السلام انه قال كان الله ولا شيء معه فاول ما خلق نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسموات والارض واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحوا باربعة وعشرين واربعمائة الف عام فلما خلق الله نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله بقى الف عام بين يدي الله تعالى واقفا يسبحه ويحمده والحق تبارك وتعالى ينظر اليه ويقول يا عبدي انت المراد والمريد وانت خيرتي من خلقي وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت الافلاك من احبك احببته ومن ابغضك ابغضته فتلألأ نوره وارتفع شعاعه فخلق الله تعالى منه اثني عشر حجابا اولها حجاب القدرة ثم حجاب العظمة ثم حجاب العزة ثم حجاب الهيبة ثم حجاب الجبروت ثم حجاب الرحمة ثم حجاب النبوة ثم حجاب الكرامة ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة ثم حجاب السعادة ثم حجاب الشفاعة ثم ان الله تعالى امر رسوله صلى الله عليه وآله ان يدخل في حجاب القدرة فدخل وهو يقول سبحان العلي الاعلى وبقى على ذلك اثني عشر الف عام ثم امره ان يدخل في حجاب العظمة فدخل وهو يقول سبحان عالم السر واخفى احد عشر الف عام ثم امره ان يدخل في حجاب العزة فدخل وهو يقول سبحان الملك المنان عشرة آلاف عام ثم دخل في حجاب الهيبة وهو يقول سبحان من هو غني لا يفتقر تسعةآلاف عام ثم دخل في حجاب الجبروت وهو يقول سبحان الكريم الاكرم ثمانية آلاف عام ثم دخل في حجاب الرحمة وهو يقول سبحان رب العرش العظيم سبعة آلاف عام ثم دخل في حجاب النبوة وهو يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون ستة آلاف عام ثم دخل في حجاب الكرامة وهو يقول سبحان العليم الكريم اربعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الرفعة وهو يقول سبحان ذي الملك والملكوت ثلاثة آلاف عام ثم دخل في حجاب السعادة وهو يقول سبحان من يزيل الاشياء ولا يزول الفي عام ثم دخل في حجاب الشفاعة وهو يقول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم الف عام قال عليه السلام ان الله خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله عشرين بحرا من نور في كل بحر علوم لا يعلمها الا الله ثم قال لنور محمد صلى الله عليه وآله انزل في بحر العز ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضا ثم في بحر الوفاء ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقى ثم في بحر الخشية ثم في بحر الانابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدى ثم في بحر الصيانة ثم في بحر الحياء حتى تقلب في عشرين بحرا فلما خرج من آخر الابحر قال الله تعالى يا حبيبي ويا سيد رسلي ويا اول مخلوقاتي ويا آخر رسلي انت الشفيع يوم المحشر فخر النور ساجدا ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة من نوره نبيا من الانبياء فلما تكاملت الانوار صارت تطوف في حول نور محمد صلى الله عليه وآله كما يطوف الحجاج حول بيت الله الحرام وهم يسبحون الله ويحمدونه ويقولون سبحان من هو عالم لا يجهل سبحان من هو حليم لا يعجل سبحان من هو غني لا يفتقر فناداهم الله تعالى تعرفون من انا فسبق نور محمد صلى الله عليه وآله قبل الانوار ونادى انت الله الذي لا اله الا انت وحدك لا شريك لك رب الارباب وملك الملوك فاذا بالنداء من قبل الحق انت صفيي وانت حبيبي وانت خير خلقي امتك خير امة اخرجت للناس ثم خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله جوهرة وقسمها قسمين فنظر الى الاول بعين الهيبة فصارت ماء عذبا ونظر الى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوى على وجه الماء فخلق الكرسي من نور العرش وخلق من نور الكرسي اللوح وخلق من نور اللوح القلم وقال له اكتب توحيدي فبقي القلم الف عام سكران من كلام الله تعالى فلما افاق قال اكتب قال يا رب ما اكتب قال اكتب لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فلما سمع القلم اسم محمد صلى الله عليه وآله خر ساجدا وقال سبحان الواحد القهار وسبحان العظيم الاعظم ثم رفع رأسه من السجود وكتب لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره بذكرك قال الله تعالى يا قلم فلولاه ما خلقتك ولا خلقت خلقي الا لاجله فهو بشير ونذير وسراج منير وشفيع وحبيب فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد صلى الله عليه وآله ثم قال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله وعليك السلام مني ورحمة الله وبركاته فلاجل هذا صار السلام سنة والرد فريضة ثم قال الله اكتب قضائي وقدري وما انا خالقه الى يوم القيمة ثم خلق الله ملائكته يصلون على محمد وآل محمد ويستغفرون لامته الى يوم القيمة ثم خلق الله من نور محمد صلى الله عليه وآله الجنة وزينها باربعة اشياء التعظيم والجلالة والسخاء والامانة وجعلها لاوليائه واهل الطاعة ثم نظر الى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت فخلق من دخانها السموات ومن زبدها الارضين فلما خلق الله تعالى الارضين صارت تموج باهلها كالسفينة فخلق الله الجبال فارسيها بها ثم خلق ملكا من اعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الارض ثم لم يكن لقدمي الملك قرار فخلق الله صخرة عظيمة وجعلها تحت قدمي الملك ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق الله له ثورا عظيما لم يقدر احد ينظر اليه لعظم خلقته وبريق عيونه حتى لو وضعت البحار كلها في احدى منخريه ماكانت الا كخردلة ملقاة في ارض فلاة فدخل الثور تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه واسم ذلك الثور بهوتا ثم لم يكن لذلك الثور قرار فخلق الله له حوتا عظيما واسم ذلك الحوت بهموت فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت فالارض كلها على كاهل الملك والملك على الصخرة والصخرة على الثور والثور على الحوت والحوت على الماء والماء على الهواء والهواء على الظلمة ثم انقطع علم الخلايق عما تحت الظلمة ثم خلق الله العرش من ضيائين احدهما الفضل والثاني العدل ثم امر الضيائين تنفسا بنفسين فخلق منها اربعة اشياء العقل والحلم والعلم والسخاء ثم خلق من العقل الخوف وخلق من العلم الرضا ومن الحلم المودة ومن السخاء المحبة ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمد صلى الله عليه وآله ثم خلق من بعدهم ارواح المؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وآله ثم خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمد صلى الله عليه وآله فلما تكاملت الانوار سكن نور محمد صلى الله عليه وآله تحت العرش ثلثة وسبعين الف عام ثم انتقل نوره الى الجنة فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره الى سدرة المنتهى فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره الى السماء السابعة ثم الى السادسة ثم الى السماء الخامسة ثم الى السماء الرابعة ثم الى السماء الثالثة ثم الى السماء الثانية ثم الى السماء الدنيا فبقي نوره في السماء الدنيا الى ان اراد الله ان يخلق آدم الحديث وما ذكره عليه السلام هو مجمل كيفية الابتعاث في المجمع بعثه وابتعثه بمعنى ارسله واشار الامام عليه السلام بذكر الابتعاث بعد ذكر الارسال لبيان المقام الثالث من مقامات الرسالة كما ذكرنا نقلا عن كلام الاستاد اطال الله بقاه وفي هذا الحديث المذكور قد شرح عليه السلام جميع مقامات ومراتب هذه الرسالة في التكوين فلما استنطقه فقال له ادبر فادبر فابتعثه الى الحقايق الكونية ليبلغهم عن الله سبحانه الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعلى امير المؤمنين عليه السلام والائمة من ولده الاحد عشر الطيبون الطاهرون اولياءكم فاول ما نزل رسولا في التكوين وقف في الحجاب الابيض الاعلى مقام القلم فبلغ الى القلم من اسرار المعاني الكونية الحقيقية الجوهرية من مداد النون وعلمه القيام بامر الله ونهيه والوقوف بين يديه سبحانه منتصبا قائما خاضعا خاشعا ( ذليلا خ ) وقرأ عليهم القرآن وعلمهم بواطن اسرار الملك الديان ودعاهم وهداهم الى سبيل الله وهو ولاية عليّ امير المؤمنين عليه السلام كما قال مولينا الباقر عليه السلام في قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لالي الله تحشرون قال عليه السلام سبيل الله هو عليّ عليه السلام والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ عليه السلام اقول والحشر الى الله هو الحشر في زمرة عليّ عليه السلام لانه وجه الله الذي يتقلب في الارض والسماء ولا تعطيل له في كل مكان فمحمد يدعو الى سبيل عليّ عليه السلام وعليّ يوصل الى صراط محمد صلى الله عليه وآله قال تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي ورسول الله سبحانه ( صع خ ) يهدي بعليّ عليه السلام فهو عليه السلام هداية رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء الى صراط مستقيم فالله هو الهادي ومحمد هو الهادي وعليّ هو الهادي والهداية واحدة والله الهادي بمحمد (ص) وهو صلى الله عليه وآله هاد بعليّ عليه السلام فيرجع حقيقة الهداية الى عليّ عليه السلام والمثال التقريبي قولك انا ضربت ضربا فانا مثال هداية الله وضربت مثال هداية محمد صلى الله عليه وآله وضربا مثال هداية عليّ عليه السلام فالهادي حقيقة اي ما يستند اليه الفعل اولا هو عليّ (ع) كما تقول ان الضارب هو عين الضرب وتستند الى زيد الضاربية التي في الضرب فالضرب هو ضاربية ( زيد خ ) فافهم ضرب المثل ولذا قال عز وجل انما انت منذر ولكل قوم هاد على احد المعاني والهداية هي ايصال السالكين والمسافرين الى منزلهم الحقيقي ومسكنهم الواقعي الذي حبه من الايمان وبغضه من الكفر وهو الايصال الى اللانهاية وقطع مسافة النهاية او الايصال الى المنازل المقدرة للمسافر حين يخرج من بيته بتيسير ( بتيسر خ ) الاعمال والاقوال والاعتقادات الكونية والوجودية وايصال مقتضي الاسباب اي المسببات بها وايصال المعلولات الى عللها والعلل الى المعلولات والملزومات الى اللوازم والشرائط الى المشروطات وبالعكس وسائر المشخصات والروابط والقرانات وهي ايصال الاعالي الى الاسافل والاسافل الى الاعالي في ملتقى البحرين ومجمع العالمين وايصال الكفار الى الاليم المقيم والمؤمنين الى النعيم المقيم وهكذا من احكام المشية الحتمية او الهداية هي اراءة الجمال الذي هو عين الجلال لاهل الكمال واراءة نور الجمال لطالبي الكمال ففي الاول تجلي له بنفسه وفي الثاني تجلي له بنور نفسه وهويته التي هي عين اللاهوية التي هي مرتبة اللاهوتية فيعبر عن الاول بالتوحيد الحقيقي والثاني بالشهودي او اراءة الالواح الجزئية او الكلية والثانية بالنسبة الى محمد واهل بيته الطاهرين في مقامي الثالث والرابع بمقاميهم الاول والثاني والاولى بالنسبة الى ما عداهم الا انها تختلف بالاضافية وعدمها وتلك الالواح هي الطين بفتح الياء والكينونات باشباحها او بحقائقها منتقشة في الكتاب المبين الذي هو ام الكتاب في اللوحين المحفوظين احدهما لوح العليين وهو كتاب الابرار قال تعالى كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وثانيهما لوح السجين وهو كتاب الفجار قال تعالى كلا ان كتاب الفجار لفي سجين قال تعالى وهديناه النجدين وهو معنى قوله عز وجل فجعلناه سميعا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا وهذه الارادة ( الاراءة خ ) والهداية عبارة عن التكليف وظهور نور التكليف وذلك النور هو اللطيفة الالهية السارية في كينونات الخلايق سريان الروح في الجسد حتى ظهر ذلك النور بالنور اللفظي كقوله تعالى واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين وهذا النور سار في عمل المكلف من موافقته وقبوله تحدث الصورة الانسانية وهي الايصال الى المطلوب وبانكاره تحدث الصورة الشيطانية فذلك النور في الصورة الانسانية يزيد بهاء وشرفا ونورانية وفي الصورة الشيطانية بعكس ذلك كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما وذلك النور هو هداية محمد صلى الله عليه وآله وهو قول الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة من ولده اولياءكم يعني هذه عبارة ذلك وقوام الموجودات كلها بذلك النور وهو امر الله الذي قام به كل شيء قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره قال مولينا الصادق (ع) كل شيء سواك قام بامرك وذلك الامر هو التكليف والخطاب وهو القدر الذي قال مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام القدر في الافعال كالروح في الجسد ولما كان المشبه والمشبه به في القرآن والاخبار هو عين الآخر اي احدهما عين الآخر كان القدر هو الروح حقيقة والعمل جسده والروح يجري في الجسد على حسب الجسد لا على حسب الروح ولذا تختلف احوال الانسان بالصحة والمرض والانقباض والانبساط والفرح والحزن بالادوية والعقاقير وقد قال الله عز وجل قل الروح من امر ربي وقد علمت ان بالامر قد قامت السموات والارض ومن فيهما ومن بينهما وذلك هو الروح وذلك الروح هو الامر والامر هو التكليف والتكليف هو الست بربكم والهداية ليست الا البيان الذي ( هو خ ) عين التكليف او الايصال الذي هو عين وقوع المكلف به على المكلف بالتكليف وقد قلنا لك سابقا ان المصدر والاسم الفاعل والاسم المفعول احدهما عين الآخر فيكون الايصال هو عين البيان وقد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام انا الروح من امر ربي وقد قلنا ان ذلك الروح هو الامر الذي هو النور الذي هو التكليف الذي هو الهداية فيكون عليّ عليه السلام هو هداية الله في مقامات انفسهم بذاته وفي مقامات غيرهم بنوره فالسموات والارض انما قامتا بنور الامر الاول ولما كان المصدر هو اسم الفاعل كان هو الهادي لكل قوم وكل شيء فعلى هذا فافهم ما سبق منا ان الله هو الهادي ومحمد هو الهادي وعليّ هو الهادي صلى الله عليهما وآلهما فقوله عليه السلام ابتعثه هاديا كقولك اعطيته قائما يعني ابتعث وارسل محمدا صلى الله عليه وآله بعد انتهاء سيره الى جلال العظمة وخلق مولينا عليّ عليه السلام وسيره وطوفه حول جلال القدرة وطوف نور محمد صلى الله عليه وآله حول جلال العظمة فالسائر الطائف حول جلال العظمة يكون هاديا بالطائف حول جلال القدرة فمادة الهداية واصلها ومنشأها من محمد صلى الله عليه وآله وظهورها وصورتها وبروزها مشروحة مفصلة من عليّ عليه السلام فبهما معا تحققت الهداية ولما كانت الاسماء تدور مدار الصور وعليّ عليه السلام مبدأ العلة الصورية كانت الهداية منتسبة اليه ومتحققة فالهادي هو الرحمن وعليّ عليه السلام حامل هذا الاسم والخالق هو الله ومحمد صلى الله عليه وآله مظهر هذا الاسم وحامل له فارسله الله سبحانه في التكوين هاديا الى سبيل الله ( الى سبيله خ ) فهدي العقل الاول الى الله سبحانه بواسطة اسم الله البديع والنفس اليه سبحانه بواسطة اسمه الباعث والطبيعة الكلية اليه سبحانه باسمه تعالى الباطن وهدى المادة اليه سبحانه بواسطة اسمه الآخر وهدى الصورة اليه سبحانه باسمه الظاهر وهدى الجسم الكلي ( الكل خ ) اليه سبحانه باسمه الحكيم وهدى العرش محدد الجهات اليه سبحانه باسمه المحيط وهدى الكرسي اليه سبحانه باسمه الشكور وهدى فلك البروج اليه سبحانه باسمه الغني وغني الدهر وهدى فلك المنازل اليه سبحانه باسمه المقدر وهدى فلك زحل اليه سبحانه باسمه الرب وهدى فلك المشتري الى سبيله سبحانه باسمه العليم وهدى فلك المريخ الى سبيله باسمه القاهر وهدى فلك الشمس الى سبيله باسمه النور وهدى فلك الزهرة الى سبيله باسمه المصور وهدى فلك عطارد الى سبيله باسمه المحصي وهدى فلك القمر الى سبيله باسمه المبين وهدى كرة النار الى سبيله باسمه القابض وهدى كرة الهواء الى سبيله باسمه الحي وهدى كرة الماء الى سبيله باسمه المحيي وهدى كرة التراب الى سبيله باسمه المميت وهدى الجماد اول المركب من العناصر الاربعة الى سبيل ربه باسمه العزيز وهدى النبات الى سبيل ربه باسمه الرزاق وهدى الحيوان الى سبيل ربه باسمه المذل وهدى الجن الى سبيل ربه باسمه اللطيف وهدى الملك الى سبيل ربه باسمه القوي وهدى الانسان الى سبيله باسمه الجامع وهدى الجامع الى سبيله باسمه رفيع الدرجات وهو قوله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده وهذه الاسماء كلها جهات اسم الرحمن اذ الكثرة الاسمية التعلقية ليست في اسم الله وانما هي في الرحمن وهذه الاسماء كلها اسماء للرحمن وصفات له والرحمن اسم وصفة لله وقولي هدى العقل باسمه البديع وهكذا الى آخر الاسماء اريد به ان ذلك الاسم هو ترجمان الهداية وهو هداية الله سبحانه له بمحمد صلى الله عليه وآله به واذا كان هو الهداية الالهية فالله سبحانه ورسوله انما يهديه بذلك الاسم فذلك الاسم هو ظهور الله وظهور رسوله وظهور مولينا امير المؤمنين وظهور نفس ذلك الاسم في مقام الانبياء وذلك الظهور هو الكروبيون الذين هم ارباب الانبياء بالله سبحانه كما قال تعالى ولما تجلى ربه الآية وهو رجل من اولئك على ما روي عن مولينا الصادق (ع) في بصائر الدرجات وتحت مقام الانبياء يتربع الظهور والرابع هو ظهور الكروبيين وهذا معنى قول مولينا الكاظم عليه السلام لمن يعقل ويفهم لذلك الراهب ان الاسم الاعظم هو اربعة احرف الاول لا اله الا الله والثاني محمد رسول الله والثالث نحن والرابع شيعتنا ولما كان السؤال انما وقع في الاسم الاعظم الظاهر في تلك الطبقة اجابه كما سمعت ويريد بالشيعة شيعتهم من الخلق الاول الذين جعلهم الله سبحانه خلف العرش بحيث لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا فافهم فالهداية هي اول مذكورية الشيء عند ربه في مقام الخلق وليس ثمة اختلاف قال تعالى فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق وتلك المعرفة النقطة التي كثرها الجاهلون ولما كانت معرفة النقطة انما هي بها لا بغيرها فان الشيء لا يعرف الا بما هو عليه لا بغير ما هو عليه ليتحد العلم والمعلوم وكان التعليم والاراءة والايصال لا يكون الا بذلك الشيء فان الشمس لا توصل الاشعة الى غاياتها ونهاياتها الا بنفسها لا بذاتها كانت تلك النقطة هي عين الهداية وتلك الهداية كما ذكرنا هي قول الست بربكم وهي اول ذكر الشيء ولذا ترى في ام الكتاب التي هي فاتحة الكتاب جعل الله سبحانه اول مقام الخلق واول ذكرهم الهداية فانه ذكر سبحانه اولا مقام الربوبية اذ مربوب بقوله الحق الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ذكر مقام البرزخية الكبرى ورتبة الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية بقوله الحق اياك نعبد واياك نستعين ثم ابتدأ بذكر الخلق فجعل اول ذلك دعاءهم وطلبهم الهداية بقوله الحق اهدنا الصراط المستقيم ولما كانت الهداية هي جهة الله سبحانه والدعاء والسؤال جهة الخلق كانت الهداية متقدمة على كل ذكر الخلق لان ما من الله متقدم على ما من الخلق ولما كان ما من الله ليس فيه كثرة واختلاف وتعدد ونقص وشوب باطل كانت الهداية هي جهة الوحدة والبساطة وهي تلك النقطة فهي مادة كل خلق ( الخلق خ ) فرسول الله صلى الله عليه وآله على هذا المعنى هاد بالاصالة والذات لان مواد الموجودات كلها كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت منه صلى الله عليه وآله لانه حامل لواء الالوهية ولذا قال صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ ولما ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم بعد ما كانت مطوية مذكورة في الالف القائم كانت انواع الهدايات ومراتبها ومقاماتها انما ظهرت مختلفة الآثار والاحكام بعليّ عليه السلام لان صور الموجودات كما مر كائنة ما كانت من منه عليه الصلوة والسلام لانه (ع) حامل لواء الرحمانية قال تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني واذا اتقنت النظر ودققت البصر علمت ان جميع مراتب الموجودات ما اختلفت في الذوات والصفات والاقتضاءات الا بهداية رسول الله صلى الله عليه وآله بمعنى الاراءة في الخلق الاول المعبر عنه بالحل الاول وهداية عليّ عليه السلام بمعنى الايصال في الخلق الثاني المعبر عنه بالحل الثاني والعقد الثاني والمجموع نقطة واحدة ترجع كل تلك الشؤن اليها لان عليا (ع) هو الرجل الذي سلم لرجل فليس فيه اختلاف وانما هو على الصراط المستقيم عليّ ما قال عز وجل فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما وهذا الصراط انما ظهر في عليّ عليه السلام بل هو نفسه (ع) كما قال تعالى قال هذا صراط عليّ مستقيم وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وهذا الصراط وان تكثرت شؤنه وظهوره الا انها كلها ترجع الى امر واحد كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهذا الجمع هو تفاصيل ذلك المفرد فلا فرق بينهما الا بالاجمال والتفصيل الا الى الله تصير الامور واما بيان سر سريان هذه النقطة باقتضاء هيكل التوحيد الى المراتب العالية والنازلة والنورانية والظلمانية والفلكية والعنصرية في التكوينية والتشريعية فمما يطول به الكلام مع ما في بيانه من فضح الحكمة وريبة الجهال واستنطاق سرائر اهل العناد وقالوا عليهم السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وقد اشار عليه السلام بقوله هاديا الى تمام رتبة النزول على ما فصل في الحديث المتقدم وهو قوس ادبر فادبر وان كان في الصعود التكويني فانه صلى الله عليه وآله هاد في الصعودي والنزولي ولما كانت الهداية المتعلقة بالغير مستلزمة للارتباط فهي نزول للهادي وان كانت صعودا للمهتدي لحكم الارتباط والنسبة المستلزمة للاغيار المستلزم للاكدار واما سلب هذه النسب والشؤنات فهو مقام الصعود ولا يكون ذلك الا بمراقبة النظر ومداومته في عالم الربوبية وهو مقام كونه مهديا فاول هذا النظر في عالم الاسماء والصفات واول النظر فيها الى اسم رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده ثم الى الجامع ثم الى اللطيف ثم الى القوي ثم الى المذل ثم الى الرزاق ثم الى العزيز ثم الى المميت ثم الى المحيي ثم الى الحي ثم الى القابض ثم الى المبين ثم الى المحصي ثم الى المصور ثم الى النور ثم الى القاهر ثم الى العليم ثم الى الرب ثم الى المقدر ثم الى الغني ثم الى الشكور ثم الى المحيط ثم الى الحكيم ثم الى الظاهر ثم الى الآخر ثم الى الباطن ثم الى الباعث ثم الى البديع ثم الى الرحمن ثم الى القيوم ثم الى الواحد ( ثم الى الله خ ) ثم الى الاسم الله ثم الى الاسم هو ثم الى الهاء منتزعة عن الواو ثم الى آخر مقامات الهاء وهي الظهور اي الدلالة ثم الى الظاهر من حيث هو ظاهر ثم الى الظاهر ثم الى الباطن من حيث هو باطن ثم الى الباطن ثم الى نقطة ظهور الكينونة ثم الى غيب الهوية ثم الى ظهور اللاهوية فانقطع الكلام وانعدم المقام فلا حس ولا محسوس رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى نفسه والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته فطابق وجوده صلى الله عليه وآله وجدانه فهو مهدي في الوجدان والوجود دون سائر الخلق من الاولين والآخرين والماضين والغابرين فان وجدانهم يخالف وجودهم وروابط انياتهم فهم يسلبون الانية وجدانا لا وجودا واما هو صلى الله عليه وآله فمن الوجود المطلق الذي قال الله عز وجل في حقه يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلا يفتقر الا الى موجده ومصدره خاصة من دون ارتباط واشتراط اخرى ( آخر خ ) غير حقيقة ذاته وبهذا الفقر يفتخر صلى الله عليه وآله ولذا تمحض في الوجهية وحيي بحياة الله وبقي ببقائه كل شيء هالك الا وجهه وقد قال مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام في دعاء الحريق وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما خلا وجهك الكريم فانه اجل واعظم من ان يوصف ( يصف خ ) الواصفون نعت جلاله او تهتدي العقول الى كنه عظمته وهو صلى الله عليه وآله الوجه وهو الجلال وهو العظمة وهو المطيع لله الذي قام مقامه وحكى مثاله قال تعالى اطعني اجعلك مثلي فهو مهدي تكوينا وتشريعا ذاتا وصفة هداه الله سبحانه الى توحيده ومعرفة اسمائه وصفاته وتجليات ظهوراته فاثبت الامام عليه السلام بقوله ابتعثه هاديا مقام النزول وقوس ادبر فادبر وبقوله عليه السلام مهديا قوس الصعود ومقام اقبل فاقبل فان وقفت على سر باطن الباطن وتأملت بصافي النظر علمت ان هذا اشارة الى مقام واحد فالهادي هو المهدي وقد علمت ان الهادي هو عليّ عليه السلام في قوله عز وجل انما انت منذر ولكل قوم هاد فهو الهادي على الاطلاق ولذا انزل الله عز وجل يوم اظهار وجوب اطاعته وولايته يوم الغدير في عالم الاجساد وهو يوم ( اليوم خ ) الثامنعشر من شهر ذيالحجة الحرام وعالم الاشباح وهو ذلك اليوم فيه وعالم الاظلة وعالم الرقائق وعالم العقول وعالم ارض القابليات وما بينها ( بينهما خ ) من المراتب والعوالم انزل الله في كل عالم على طوره اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وهذا الاكمال لمن رضي به اماما وسيدا وسندا وكهفا وذخرا فهو الهادي صلوات الله عليه وتلك الهداية ظهرت في المهدي عليه السلام لانه عليه السلام صاحب الفتح وناشر راية الهدى واليه يشير قوله تعالى اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فجمع صلى الله عليه وآله جميع اوصياء محمد صلى الله عليه وآله بهاتين الكلمتين بذكر مبدئهما ومنتهاهما فهو الهادي بعلي امير المؤمنين عليه السلام وروحي له الفداء ومهدي بمولانا القائم الحجة بن الحسن عليهما السلام وهو قوله عليه السلام ابتعثه هاديا مهديا باوصيائه وخلفائه فلولا ذلك لبطلت النبوة وفي ذلك بطلان النظام وفناء الاحكام ولذا قال الله تعالى مخاطبا له عليه السلام لولاك لما خلقت الافلاك ولولا عليّ لما خلقتك فلما اشار الى الاول والآخر ثبت الباقي اذ لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون واما سر باطن الباطن فبان تقول ان الهادي هو عين المهدي والصفة لرسول الله رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث نفسه لا بالاضافة الى اوصيائه وخلفائه الراشدين عليهم السلام وحينئذ يكون الهادي هو عين المهدي فان الله سبحانه وتعالى هداه به كما قال عليه السلام بل تجلى لها بها فكون الله سبحانه هاديا انما ظهر بالمهدي ولولاه لم يظهر ولما كان الهادي ظهور الحق سبحانه بالهداية وهذا الظهور انما ظهر وقام بالمظهر والمظهر لو كان له جهة غير جهة الظاهر لكان بتلك الجهة حاجبا لا مظهرا فتحقق ان الظاهر هو عين الظهور الذي هو عين المظهر واما الذات البحت فمنزهة عن كل ذلك سبحان ربك رب العزة عما يصفون فعلى هذا فالهادي هو النار والمهدي هو الشجرة اي زيتها وانت قد علمت ان النار ايضا انما ظهرت من الشجرة كالزيت فالنار كمثل قولك حين تقرأ القرآن اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري وكقوله تعالى يا ايها الناس اتقوا ربكم والزيت كقولك لبيك وسعديك يا رب في الآية الثانية وبلى يا رب انت الله لا اله الا انت في الآية الاولى فافهم المثال واعتبر بالمثال ودع عنك القيل والقال فان العلم نقطة كثرها الجهال وهي قول على المفضال عليه سلام الله الملك المتعال انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته هذا على القول بان المهدي اسم المفعول كما هو مقتضى صيغته واما اذا اعتبرناه بمعنى اسم الفاعل فالمعنى كما ذكرنا واعتبار اسم الفاعل لكثرة المباني الدالة على كثرة المعاني والمبالغة فيه الا انك لاحظ ما ذكرنا ينكشف لك الحال
قوله عليه السلام: حلاحلا طلسميا والحلاحل بالضم هو الرئيس والكبير في القوم كما في منتخب اللغة وقد اشار الحق سبحانه الى ذلك بقوله الحق انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم وقال ايضا سبحانه وتعالى يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله وقال تعالى يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم بعضا ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذه الرياسة المطلقة بقوله عليه السلام في خطبة ( خطبته خ ) يوم الغدير ويوم الجمعة واشهد ان محمدا عبده ورسوله انتجبه في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار والاصل في ذلك انه المعنى في قوله عز وجل وما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم فاذا كان هو صلى الله عليه وآله في مقام الاسم الاعلى المذكور في السجود آخذا بناصية كل دابة مما يدب في ارض القابليات والاستعداد فيكون هو الرئيس الحاكم على الكل وهو وجه الله الذي لا تعطيل له في كل مكان والخلق باسره اما شؤن ذاته او آثاره وافعاله وآثار آثاره وشؤن شؤناته صلى الله عليه وآله وهكذا واليه اشار امير المؤمنين عليه السلام بقوله انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات وهذا ان شاء الله ظاهر مما قدمناه ( قدمانا خ ) ونذكر ان شاء الله تعالى
واما الطلسم فالمشهور في معناه على ما نقل اقوال ثلثة : الاول الطل بمعنى الاثر فالمعنى اثر اسم الثاني لفظ يوناني ومعناه عقد لا ينحل الثالث انه كناية عن مقلوبه اعني مسلط وهذه المعاني الثلثة كلها في المقام صحيحة بل مرادة سواء قلنا انه في احدها حقيقة وفي الباقي مجاز او حقيقة في المجموع فان استعمال المشترك في الاكثر من معنى واحد يجوز وكذا استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي بارادتين فيهما لا ارادة واحدة والمسئلة مذكورة في علم الاصول اما المعنى الاول فلانه صلى الله عليه وآله اثر الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وذلك هو الاسم الاعظم الذي تفرد به الله جل شأنه دون خلقه من الاسماء الاعظم الثلثة والسبعين وذلك الاسم هو البحر المواج المظلم كالليل الدامس كثير الحيتان يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير فهو صلى الله عليه وآله مستمد من هذا الاسم الاكبر ومتوجه الى الله عز وجل به وانما قال انه اثر لانه صلى الله عليه وآله بقي على ظهور ذلك الاسم وحكى مثاله وظهر بظهوره فيما لا نهاية له وهو في كل مقام من مقامات عالم الكثرة ما الهته التجارة والبيع عن ذكر الله واقام الصلوة واتى ( ايتاء خ ) الزكوة فلم يغير خلقة الله وبقي صلى الله عليه وآله على الكينونة العليا من اليوم الذي خلقه الله على ما خلقه الله ولذا كان على خلق عظيم وكان لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوي ذو مرة هذا على تقدير الاضافة اللامية في اثر الاسم واما اذا جعلناها بيانية فيكون هو الاسم المكنون المخزون الطهر الطاهر المطهر وهو اسم الله الاكبر ونور الله الازهر يضيء بنوره السموات العلى والارضون السابعة السفلى وهو الاسم الذي قام به كل شيء وخضع له كل شيء وذل له كل شيء قال عليه السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه قال الصادق عليه السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وهو صلى الله عليه وآله الاسم الاكبر الاجل الاعظم عليّ وما ( على ما خ ) ذكرنا فراجع وما نذكره ان شاء الله تعالى فترقب
واما المعنى الثاني فلانه صلى الله عليه وآله عقد لا ينحل لا تهتدي العقول الى كنه عظمته ويعجز الواصفون عن بيان صفات ظهوراته وآثاره وشؤناته وهو السر وسر السر والسر المستسر بالسر والسر المقنع بالسر وقد قال صلى الله عليه وآله يا عليّ ما يعرفني الا الله وانت وذلك لانه عليه السلام نفسه وهما من حقيقة واحدة وطينة واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض ومع ذلك كله فلا يصل عليه السلام الى الحرف الواحد الذي كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله من سر التقديم وظهور الواحد في النقطة الحقيقية الغير المفصلة ونسبة الحسن والحسين عليهما السلام الى ابيهما صلى الله عليه كنسبته عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وآله لان اباهما خير منهما ونسبة القائم عليه السلام اليهما عليهما السلام كنسبتهما الى ابيهما صلى الله عليهم او نسبة سائر الائمة الثمانية عليهم السلام اليه كنسبته عليه السلام اليهما عليهما السلام ( واليهم خ ) ونسبة فاطمة عليها السلام اليهم كنسبتهم عليهم السلام الى القائم عليه السلام وكل واحد منهم صلى الله عليهم يفضل على الآخر بحرف واحد فكلهم لا يحيطون برسول الله صلى الله عليه وآله علما ولا ينالون كنه انيته ومائيته لانه صلى الله عليه وآله في مقام النقطة وهم في مقام الالف والحروف وان كان الجميع في صقع واحد وحقيقة واحدة وطبيعة واحدة فاذا كان عليّ عليه السلام الذي هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحيط به علما وكذلك الطيبون من اولاده واحفاده فما ظنك بسائر الخلق الذين هم اشعة من عكوسات انوارهم وظهور من بروق لمعات اشراقات انوارهم ( اسرارهم خ ) وقد قال الله تعالى فيهم ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله قال الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى ه والاشجار هي الزروع والثمرات والنباتات الحاصلة من وقوع الودق على الارض الجرز قال الله تعالى اولم يروا انا نسوق الماء الى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وانفسهم افلا يبصرون وقال تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء واخرجنا به من كل الثمرات وكان اول من ذاق تلك الثمار روح القدس وهو العقل الكل ( الكلي خ ) فاول الاشجار هو العقل الكلي وآخرها آخر الوجودات المقيدة الى ما لا نهاية ( له خ ) وكلها ناطقة بالثناء على محمد وآل محمد صلى الله عليهم ومظهرة لفضلهم ومعلنة لمجدهم وعلو مقدارهم ولم تبلغ من ذلك جزءا من مائة الف جزء من رأس الشعير مما هم عليه من الفضيلة والمنزلة الجليلة والوسيلة وقد قال عز وجل وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها والامام عليه السلام هو نعمة الله تعالى قال تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا اي من العلم بمحمد وآله عليهم السلام وقال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء والعلم هو آل محمد عليهم السلام لقول الباقر عليه السلام واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حقه على ما تقدم وما شاء الله من ذلك العلم هو لطيفة وجودات كل ذي علم الى ما لا نهاية له كما قال عز وجل وفوق كل ذي علم عليم قال تعالى ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم اي بمحمد صلى الله عليه وآله لان حامل ظهور اسم الله الحي هو محمد صلى الله عليه وآله كما ان حامل ظهور اسم الله القيوم عليّ عليه السلام وقولي حامل مجاراة ومداراة بل اسم الله الحي هو محمد والاسم القيوم هو عليّ ولذا دلت الاخبار الكثيرة على ان الاسم الاعظم هو الحي القيوم والاسم لا تذوت له الا بالمسمى والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد المعنى بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد وبالجملة فهم عليهم السلام عقد لا ينحل واليه الاشارة بقول الحجة عليه السلام في دعاء رجب والبهم الصافين اذ ليس لاحد طريق ولا لقاصد سبيل الى حقيقتهم كما هم عليه وانما عرفوا من رشحات انوارهم ما ظهرت في حقايقهم اي الخلق من المثال ومثال المثال وحكاية الحال في المبدأ والمآل فرسول الله صلى الله عليه وآله هو الطلسم الاعظم وعقد لا يحل ( لا ينحل خ ) ولا يحتال فيه بوجه من الوجوه صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين الميامين
واما المعنى الثالث فلانه صلى الله عليه وآله له هيمنة وتسلط على كل من اكتسى حلة الوجود وذاق ثمرة الشهود وتوجه الى المعبود بالركوع وبالسجود لانه الاسم الاعلى في السجود اما سمعت ما قال هو صلى الله عليه وآله لا ينبغي ان اصغر ما عظمه الله من قدري ولقد اوحى الله الى ان فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق لانه الاسم الذي خضع له كل شيء وذل له كل شيء وفي الزيارة الجامعة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم وفيها بكم فتح الله وبكم يختم وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبكم ينفس الهم وبكم يكشف الضر الزيارة وذلك لانهم ابواب رحمته ومفاتيح خزائنه ومقاليد رضوانه فالواقف على الباب مادته نور الباب والا لم يكن بابا بل كان اصلا وذلك ( هذا خ ) النور هو الست بربكم على ما مرت الاشارة اليه فالباب هو المنير ونوره عضد للواقفين اللائذين به اي مادة لهم والمادة لها هيمنة وتسلط على الشيء بحيث لا يقوم الشيء بحال من الاحوال الا بها وهم سلام الله عليهم العلل المادية للاشياء كلها باشعة انوارهم لا بحقائقهم وذواتهم والشعاع لا شيء عند المنير والمنير مسلط عليه ومهيمن عليه او لانهم سلام الله عليهم مقامات الله وعلاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه وبينها الا انهم عباده وخلقه فتقها ورتقها بيده بدؤها منه وعودها اليه اعضاد واشهاد ومناة واذواد وبهم ملأ الله سمواته وارضه حتى ظهر ان لا اله الا هو وهو معنى قوله تعالى خطابا له صلى الله عليه وآله فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على جميع الخلق لانهم عليهم السلام ولاية الله وهم سلطان الله وهم ملك الله وهم عظمة الله وهم جلال الله وهم قدرة الله وهم سطوة الله ومظهر قهاريته ورسول الله صلى الله عليه وآله فخرهم وسيدهم ورئيسهم والواسطة بينهم وبين ربهم صلى الله عليهم فيكون محمد صلى الله عليه وآله هو السلطان المسلط المهيمن على كل من ذرأه الله وبرأه واوجده واحدثه نواصي الكل بيده وهو المعنى من قوله ( بقوله خ ) عز وجل قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو صلى الله عليه وآله حامل ظهورات الالوهية عليّ ما قال عز وجل ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو صلى الله عليه وآله ذكر الله واسم الله المهيمن المسلط على كل شيء قال تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى وقال عز وجل وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون الم تر كيف افتتح الله سبحانه كتابه الكريم بالاسم الاعظم بسم الله الرحمن الرحيم وقدم الاسم الله على الرحمن والرحيم فافهم وثبت فهو صلى الله عليه وآله المهيمن المسلط والسلطان المتفرد في المقامات كلها اي البيان والمعاني والابواب ومقام انما انا بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد واليه يشير قول مولينا سيد الساجدين زين العابدين عليه السلام في الصحيفة عز سلطانك عزا لا حد له باولية ولا منتهى له بآخرية واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين فظهر انه صلى الله عليه وآله الطلسم الاعظم على المعاني كلها فاثبت بالمعني الاول عصمته وطهارته وانه نبي الله ودليله وآيته لانه اثر الاسم والاثر بما هو كذلك لم يزل يدل على المؤثر وبالمعني الثاني انه الاسم المكنون المخزون في خزائن الغيوب لم يطلع عليه احد الا الله واثبات انه العلة الاولى لايجاد الارض والسماء على المعاني كلها وبالمعني الثالث اثبت ولايته وظهور قيومية الحق فيه وكونه صاحب اللواء ومكلم موسى في الشجرة عن الله اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني قال تعالى من شاطئ الواد الايمن في البقعة المباركة من الشجرة قال مولينا وامامنا الصادق عليه السلام ان شاطئ الوادي الايمن هو الفرات والبقعة المباركة هي كربلا والشجرة هي رسول الله صلى الله عليه وآله وورد في قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها ان من في النار هو عليّ عليه السلام ومن حولها موسى فافهم الاشارة بلطيف العبارة
قوله عليه السلام : فاقام الدلائل انما جمعها عليه السلام لان الدليل ثلثة كما قال الله عز وجل مخاطبا لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وآله ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن اما دليل الحكمة فهو المشاهدة والمعاينة والمعرفة الذوقية الوجدانية وملاحظة الامور عن مباديها العالية الكلية والجزئية ومعاينة ظهور النقطة الاحدية في كل المراتب الكونية والوقوف على ما حده الله سبحانه له في الالواح والكتب المحفوظة في العوالم العلوية والسفلية من الآفاقية والانفسية والظاهرية والباطنية ووجدان مأخذ الاسرار الباطنية والتأويلية في مراتبهما ( مراتبها خ ) السبعة او السبعين والاستدلال بالدليل اللمي في المطالب كلها والدليل الاني على ما قال مولينا الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث وهذا وان كان انيا الا انه بوجه آخر لمي وهذا الدليل معرفة اسباب الشيء وعلله ومعداته وشرائطه ومقومات وجوده ومكملات ظهوره ومتممات قابليته على اقتضاء كينونته وطلب ماهيته على نهج متسق ونظام مضبوط لم يجد فيه اختلافا ولا انتفاضا بل يرى الاشياء بعضها يشرح الآخر ويبينه ويفصله ليظهر للمستدل قوله تعالى وما امرنا الا واحدة ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ويكون نظره الى قوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ويرجع كل انقلابات العالم واضطراباته وتغيراته كلها عنده الى شيء واحد فيعرف مأخذها وعلتها ووجهها وعللها وسبب رفعها ورجوع الامر الى الوحدة ويظهر هناك معنى قول الصادق عليه السلام في الاستدلال على وحدة الصانع اتصال التدبير وتمام الصنع وبالجملة هذا الدليل للخصيصين واصحاب باطن الباطن واهل المشاهدة والمعاينة وليس هنا جهل وشك وارتياب ووسوسة وحديث النفس والاحتمالات الباطلة او المرجوحة بل كلها معرفة او انكار قال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وهذا الدليل يبطل عنده القياسات الاقترانية والاستثنائية والنقيض وعكسه والمستوي ودليل الخلف ودليل الافتراض وامثال ذلك من الامور والاوضاع اذ ليس هنا الا معاينة الواقع فما من فرض ولا خلف ولهذا الدليل شرط ومستند والشرط على قسمين قسم لتحقق هذا الدليل والقسم الآخر لميزان حقيته وبطلانه فان المنكرين المعاندين الذين يلبسون الحق بالباطل كثيرون كالصوفية واتباعهم من سائر الملاحدة فلا بد من ميزان حق يعرف المحق من المبطل ويتميز بين الصادق والكاذب وهذا احد قسمي المستند والقسم الآخر منه الآلة والقوة التي بها يدرك الانسان ذلك الدليل ويستدل على المطلوب وهي الفؤاد وهو ( هي خ ) حقيقة الانسان وذاته من غير نظر الى شيء من الاشياء وهو وجهه من ربه وهو مقام بساطته وهو عين تدرك الواحد والاحد والعلل والوسائط والشرائط من غير كيف ولا اضافة ولا وضع بل ينقطع دونها الكيف والكم والزمان والمكان والجهة والرتبة والشخص حينئذ يسير في العوالم السرمدية سيرا حثيثا ولا غاية لذلك وهناك يستخرج اللئالي والكنوز والدفائن في صدور المؤمنين الممتحنين وهناك محل معرفة الامر بين الامرين ومعرفة البداء والنسخ وكيفية ايجاد العالم وامثال ذلك من الامور المشكلة والاخبار المعضلة وهذا المستدل من المرحومين بقوله تعالى الا من رحم وهو وامثاله المرحومون بفضل الله سبحانه وهو المراد من قوله عز وجل فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم والى هذا الدليل اشار الحق سبحانه بقوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير والكتاب المنير هو هذا الدليل وهو الكتاب الذي كتبه الله بيده والهيكل الذي بناه بحكمته ومجمع صور العالمين والمختصر من اللوح المحفوظ والصراط المستقيم والصراط الممدود بين الجنة والنار والشاهد على كل غائب والحجة على كل جاحد وذلك الكتاب هو ملكوت السموات والارض التي امر الله سبحانه بالنظر اليها والتأمل فيها كما قال اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم وهي التي اراها الله سبحانه خليله ابرهيم ليكون من الموقنين كما قال وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين ولهذا الدليل مقامات وللمستدلين به في كل مقام مواقف قد شرحنا قليلا من كثيرها في شرح بعض كلمات الاستاد امد الله ظلاله على رؤس العباد في اول رسالته الفوائد ولانطول الكلام هنا بذكرها
واما دليل الموعظة الحسنة فهو الوقوف على حد اليقين والاحتراز عن الشبهات والاحتمالات والشكوك والاوهام قال مولينا الكاظم (ع) فما ثبت لك برهانه اثبته وما خفي لك بيانه نفيته وهو اخذ طريق السلامة وطريق النجاة الذي ليس معه هلاك كما استدل مولينا وامامنا الصادق عليه السلام لعبدالكريم بن ابيالعوجاء ان كان الحق كما يقولون وهو كما يقولون فقد نجوا وهلكتم وان كان الامر كما تقولون وليس كما تقولون فانتم وهم سواء ه فانتم ان اتبعتم المسلمين ناجون على القطع واليقين سواء كان الحق معهم او معكم والا ففيه احتمال ان يكون الحق معهم فهناك ينجون وانتم تهلكون فمتابعتهم طريق السلامة على كل حال ومن هذا القبيل قول مؤمن آل فرعون كما اخبر الله سبحانه عنه اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات فاشار الى الدليلين الحكمة والمجادلة ثم قال وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فاشار الى الموعظة الحسنة لانكم ان اطعتموه فانتم على رياستكم وملككم وسلطنتكم لا ينقص من دنياكم شيء سواء كان صادقا او كاذبا والا ففي صورة احتمال صدقه يصبكم التوعيد الذي توعدكم ( يوعدكم خ ) به وان لم يصب الكل لحكم المحو والاثبات فلا اقل من البعض لانه القدر المتعين لان الله سبحانه لا يدحض حجته ولا يخصم برهانه وشرط هذا الدليل انصاف العقل بمعنى ان لا تظلمه فيما يستحقه
واما دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو ما هو مذكور في كتب العلماء في الكتب المنطقية والاصولية وما يتكلمون ويتعاطون من بحث الالفاظ والمفاهيم والقياسات والبراهين المستخرجة من الصغرى والكبرى المستخرجتين من الكليات والجزئيات على ما هو المعروف المشهود عندهم بل لا تكاد تجد غيره بل لا يعرفون الدليلين الاولين ولا يرونهما دليلا ولا يدرون وجه الاستدلال بهما واذا اوردت عليهم شيئا من غير المجادلة يقولون ان هذا قول بلا دليل وهذا الدليل للعوام خاصة ولكل من هذين الدليلين مواقف ومقامات وللسائلين الواقفين بباب الحق اللائذين بجنابه في تلك المقامات مقام ( مقامات خ ) خصوصا اهل المجادلة فان لهم عشرين مقاما كليا تختلف جهات الاستدلال فيها وفي كل مقام ثلاثة مقامات مقام القشر وقشر القشر وقشر قشر القشر فالاول مقام الوبر والثاني مقام الصوف والثالث مقام الشعر قال تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين وهذه المراتب كلها مراتب ظاهر الجلد الا انها تختلف باللطافة والكثافة وهكذا احوال المستدلين بدليل المجادلة اعلى مقاماتهم الصور المجردة واسفل دركاتهم الترب المؤصدة وبينهما متوسطات فالاقرب الاقرب والابعد الابعد فدليل المجادلة للعوام والموعظة الحسنة للخواص والحكمة البالغة التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا للخصيص والاول للظاهر واهله والثاني للباطن واهله والثالث لباطن الباطن وما وراءه واهله وتنحصر مراتب الكائنات في السلسلة العرضية الى هذه الثلثة واما في السلسلة الطولية تنحصر في ثمانية اولاها واعلاها واشرفها واسناها الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وثانيها الملائكة الكروبيون وثالثها الملائكة المقربون ورابعها الملائكة الصافون ( الحافون خ ) حول العرش الكريم حوامل التدبير من الذاريات والحاملات والجاريات والمعقبات والنازعات والمرسلات والصافات وامثالها من المدبرات امرا وخامسها الملائكة الناريون المخلوقون من مارج من نار وسادسها الملائكة الخاضعون الذليلون الخاشعون المنقادون لامره العاملون بارادته لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وسابعها الملائكة القائمون بعبادة الله سبحانه الواقفون بباب ارادته المنتظرون لامره وثامنها الملائكة الساجدون لله سبحانه المعدمون انفسهم عند ظهور معبودهم وسيدهم وتحت هذه المراتب سبعة اخرى وان كانت ثمانية الا ان الاولى الاعلى نجلها عن البيان والتبيان احديها الانبياء المرسلون وغيرهم والثانية رتبة الانسان من الرعايا المأمومين ( المؤمنين خ ) والثالثة رتبة ظهور ( ظهورات خ ) العقل الكلي في مراتب تشأن تطوراته للرتبة الانسانية والرابعة مقام الجان المخلوقة من مارج من نار والخامسة رتبة الحيوانات من البهائم والحشرات والسادسة رتبة النباتات والسابعة مقام الجمادات وتحت هذه المراتب ثمانية اخرى سفلية الاولى الجهل الكلي الظاهر في ظل ذي ثلث شعب الثانية الشياطين المتعلقة بالكفار والمنافقين والاشرار الذين كانوا يقتلون الانبياء بغير حق ويفسدون في الارض اولئك هم الفاسقون الثالثة الشياطين المتعلقة بعصاة الشيعة وفرقة المؤمنين الممتحنين الرابعة هي الشياطين الذين هم تطورات الجهل الكلي في مقامات تدابير العوالم الظلمانية قال تعالى او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وهذه العوالم انما تدبر بتلك الشياطين وهم من اظلة الكروبيين وهم الجنود الخمسة والسبعون التي للجهل على ما في الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام الخامسة هم الشياطين المتعلقة بالجان المغوين لهم عن الايمان وقد تبعوهم كفارهم واقتفوا آثارهم وهؤلاء الشياطين سيئة من سيئات الاولين السادسة الشياطين الذين تبعتهم الكلاب والخنازير والقرود وسائر انواع البهائم الموذية التي قد حرمت لحومهم السابعة الشياطين الذين يمنعون الاشجار وسائر اقسام النباتات عن ذكر الله سبحانه فيبطل تركيبهم او تقبح هيئاتها وصورها او تمر اثمارها او غير ذلك من المفاسد الظاهرة في الاثمار المعلولة لغفلتهم عن ذكر الله الواحد القهار المعلولة بالقاء الشياطين وخصماء رب العالمين فافهم الثامنة الشياطين المانعين للاحجار ان تنعقد معتدلة صافية بالقاء الغرائب والاعراض المعلولة عن الغفلة عليها فيخرجها عما هي عليه ( عليها خ ) ويكدر صافيها ويغير خلقة الله تعالى كما قال الله تعالى حكاية عن ابليس ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ثم في كل مقام من هذه المقامات سبع مقامات اخر وهي الايام الستة الكلية التي خلق الله فيها السموات والارضين ويوم السبت الذي هو يوم كمالها وظهورها مشروحة العلل مبينة الاسباب تامة التأثير كاملة الفعل والتدبير وفي كل مقام من هذه المقامات السبع سبع سموات وسبع ارضين ونجوم وبروج وكواكب واقطاب وبيوت واشراف وثوابت وسيارات والعرش والكرسي الى آخر ما ترى في العالم الجسماني آخر العوالم وفي كل سماء وارض من خلق الله ما لا يعلمه الا الله واني اجمل لك الكلام بما اجمله الامام الهمام محمد بن عليّ الباقر عليهما السلام حيث قال ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين على ما رواه الصدوق في الخصال في آخره وفي كل عالم من خلق الله ما لا يعلمه الا الله ولما كان خلق العالم ليس عبثا وهباء وانما هو لاجل ايصال النفع اليهم ولا يكون ذلك الا بالتكليف والا لكان عبثا ووضعا للشيء في غير موضعه او يكون جبرا و( او خ ) اضطرارا لا يتعقل ولا يتصور الا في محض التلفظ وجب التكليف فاذا وجب التكليف تحققت امور وهي المكلف والداعي والمدعو والدعوة والدليل لان التكليف لا يكون الا بالمكلف وهو لا يكون الا بالمكلف وكلاهما لا يكونان الا بالداعي وهو لا يكون الا بالدعوة فهيهنا خمسة امور الاول المكلف وهو الفاعل والآمر وهو ظهور الذات بالفعل وهو مقام البيان لاهل المعاني وهو البيان في خلق الانسان علمه البيان قال امير المؤمنين عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا فافهم الاشارة ولا تحجبك العبارة والثاني الداعي وهو رسوله سبحانه الى خلقه وترجمان وحيه من الوجودي والتشريعي في كل مقام بحسبه لان الخلق لا يمكنهم ان يأخذوا من الحق سبحانه من غير واسطة وسفير وذلك هو الرسول والثالث المدعو وهو المكلف بفتح اللام والقابلية الموجودة حين الوجود السائلة المجيبة والرابع المدعو اليه وهو السبيل قال تعالى ادع الى سبيل ربك الآية وهو جهة الحق سبحانه في الشرعيات الطاعات والعبادات الموصلة الى الحق وفي الوجوديات لها مراتب ومقامات حسب مقامات المكلفين والقول الجامع هو الذي ذكرنا في الشرعيات والخامس المدعو به وهو الدليل لان الداعي لو لم يكن له دليله ( دليل خ ) لم يقبل منه وذلك لعدم تمكين القابلية فالدليل من تمكين القابلية والايجاد التكليفي والتكليف الايجادي متوقفان عليه وهذه المراتب الخمسة في كل موجود في كل مقام من المقامات المذكورة والغير المذكورة يجب ان تكون موجودة والا لاختل النظام وما استوى على العرش الرحمن اذ الخلق في كل احوالهم واطوارهم هم السائلون الواقفون بباب الحق الكريم والفقراء اللائذون بجنابه يقرعون باب رحمته ويستمدون من فضله وعطائه ولهم مقامات وسؤالات واجابات وتكليفات ودلائل وفيها لهم درجات ومواقف :
الموقف الاول في الحجاب الابيض الاعلى ومقامه ( مقام خ ) السر المقنع بالسر ومقام الظاهر من حيث الظهور بالظهور وللسائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه في هذا الموقف والمقام مراتب ومواقف ومقامات المقام الاول في المقام الاول اول المقامات والعلامات وهو الباطن الظاهر باول الظهور الذي هو نفس الظاهر الذي هو نفس الظهور وهو الصبح الصادق الطالع بعد كشف ظلمة العماء من شمس الازل في عالم الظهور الامكاني المقام الثاني في المقام الثاني ثاني المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهو الباطن من حيث الظهور لكونه تأكيدا للباطن من حيث البطون والمقام الثالث وهو ثالث المقامات والآيات هو الظاهر وهو العماء وهو باطن الظاهر وحق الحق والمقام الرابع في المقام الرابع رابع المقامات وهو الظاهر من حيث هو ظاهر والحق والسر المقنع بالسر وفي هذه المواقف والمقامات كلف الله سبحانه واقفيها ومقيميها بانفسها ففيها المكلف والمكلف والداعي والمدعو به والمدعو اليه واحد بالاجمال اما في المقام الاول فواحد بلا فرض تعدد واعتبار مغايرة وفي المراتب الاخر كل واحد بالآخر والتفصيل والبيان لا يحسن ازيد مما ذكرنا الا ان المجموع من طينة واحدة ونور واحد وسنخ واحد والاول نبي عليهم ورسول من الله اليهم يأمرهم ويبين لهم الوحي بيان المعلم للمتعلم لا بيان السراج للاشعة ويستدل عليه بدليل الحكمة
الموقف الثاني في المداد الاول وقد امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله ان يجيب السائلين الواقفين ببابه والفقراء اللائذين بجنابه في ذلك اي يدعوهم الى سبيل ربهم بالحكمة فالمكلف والآمر هو الله سبحانه بظهوره في المظاهر والمقامات والداعي هو رسول الله صلى الله عليه وآله والمدعو هو الواقفون في ذلك المقام وهو المداد والوجود المقيد وبحر الصاد وشجر المزن والمدعو اليه الذي هو السبيل هو نفسه لان الفاعل انما ظهر له به فهو سبيل ربه اليه وسبيل نفسه الى الله بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وهذا الموقف من الموقف الاول ودليلهما واحد وهو دليل الحكمة الذي هو اعلى الدرجات واقوى الدلالات لكن الثاني طور وراء طور الاول يعرفه من كان من سنخنا وسائر الناس به جاهل
الموقف الثالث في الدرة البيضاء والحجاب الابيض الثاني والكون الجوهري والطور والقلم واول غصن اخذ من شجرة الخلد واول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة وقد امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله ان يجيب السائلين الواقفين ببابه والفقراء اللائذين بجنابه في ذلك يعني يدعوهم الى سبيل ربهم بدليل الموعظة الحسنة واقام لهم الدليل الحق بلسانهم بلباس الموعظة الحسنة لان اهل هذا البلد لا يعرفون لغة البلد الاعلى لانه عالم البساطة وهذا عالم التركيب فيجب ان يترجم لهم تلك اللغة بلغتهم وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه وهو صلى الله عليه وآله مبعوث على كافة من ذرأه الله وبرأه فالمكلف والآمر هو الله الظاهر في الخلق بالخلق في المقامات والعلامات كما تقدم والداعي هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله والطيبون من اولاده صلى الله عليهم والمدعو اهالي ذلك المقام وهم رجال لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة وعليهم ثياب بيض كلهم قائمون بطاعة الله سبحانه لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكيفية دعائه واقامته الدليل صلى الله عليه وآله لهم الى سبيل ربهم هو ما قال مولينا العسكري عليه السلام وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فافهم والمدعو اليه الذي هو السبيل المداد وهو الوجود الصادر عن المشية والماء النازل من السحاب المتراكم الذي به كل شيء حي وهو امر الله الذي به قامت السموات والارض وهو الذي قدر الله السير في منازله ومقاماته بقوله الحق وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين قال الباقر عليه السلام نحن القرى التي بارك الله فينا والقرى الظاهرة شيعتنا قال مولينا عليّ عليه السلام انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات وقال عليه السلام نحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايع لنا وانت ان اتقنت النظر فيما تقدم من بيان موضع الرسالة ينكشف لك المراد هنا وعلمت الفرق بين المقامات قال مولينا الصادق عليه السلام من عرف الفصل من الوصل والحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد فافهم ان شاء الله والا فاسلم تسلم
الموقف الرابع في الحجاب الاصفر وعالم الاظلة وورق الآس وقد امر الله سبحانه ان يجيب السائلين الواقفين في هذا المقام ببابه والفقراء اللائذين بجنابه وان يقيم لهم الدليل ويدعوهم الى سبيل ربهم بالدليلين لان اهل هذا البلد صنفان صنف لهم ربط الى البلد الاعلى ومجانسة ومشابهة معهم فيعرفون لغتهم ويفهمون لسانهم وصنف مالوا الى البلد الاسفل الذي هو الموقف الخامس على ما سيجيء فلا يفهمون لغات البلد الاعلى والنبي صلى الله عليه وآله دعى الصنف الاول واقام لهم الدليل بدليل الموعظة الحسنة التي ( هي خ ) لغة البلد الاول ودعى الصنف الثاني واقام لهم الدليل بلغة اهل البلد الخامس فالآمر هو الله والداعي ومقيم الدليل هو محمد صلى الله عليه وآله والمدعو ما ذكرنا والمدعو اليه الذي هو السبيل هو القلم الاول والمدعو به هو الموعظة الحسنة كما دريت فافهم
الموقف الخامس في الحجاب الاخضر والزمردة الخضراء والذر الاول او الثاني او الثالث واللوح المحفوظ والكتاب المسطور وظهور النقطة في باء بسم الله الرحمن الرحيم مقام ظهور الكثرة ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم على ما رواه ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي وقد امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله ان يجيب السائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه في هذا المقام مقام النقش والارتسام يعني يدعوهم الى سبيل ربهم ويقيم لهم الدليل دليل المجادلة بالتي هي احسن لان اهل ذلك المقام ادنى واسفل مرتبة من اهالي المقام الاول فيجب ان يدعوهم بلغتهم ويترجم لهم تلك اللغة بلسانهم ليعرفوا المراد ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فالآمر هو الله سبحانه والداعي هو رسول الله صلى الله عليه وآله والمدعو اهل تلك البلدة والمدعو به دليل المجادلة بالتي هي احسن والمدعو اليه الذي هو السبيل القلم يفيض الى اللوح والى ما سواه وهو العرش الثالث الذي استوى عليه الرحمن برحمانيته فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وهو اشارة الى تنزلات العقل الى المراتب السفلية الى آخر المراتب التي هي مرتبة الجماد ثم اخذ يصعد بتوفيق الله ( تعالى خ ) ومدده الى المراتب العالية الى آخر درجات العلو في التكوين الى ان انتهى الى رتبة الجامع عليه السلام ثم اخذ في الصعود الى الاسماء من رفيع الدرجات الى اسم الله البديع فتم العرش ودارت الدائرة فهو قطب لها تستمد منه وهو قول امير المؤمنين عليه السلام انا قطب رحى الاسلام وقوله عليه السلام لقد تقمصها ابن ابي قحافة وهو يعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى وقوله عليه السلام سر القرآن في الحمد وسر الحمد في البسملة وسر البسملة في الباء وسر الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء فالعقل سبيل الله الى الخلق في الايجاد والانوجاد وايصال المدد اليهم من رب العباد وسبيل الخلق الى الله في صعود الاعمال والافعال والاعتقادات اليه تعالى وقد اشرنا الى الاول النازل باحاديث يتعلق وجهها الاوسط بهذا المقام واما الى الثاني الصاعد فالاشارة اليه كما في قوله تعالى وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقوله عليه السلام في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك وقول مولينا عليّ عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لمغفرة من الله الآية قال الباقر عليه السلام سبيل الله هو عليّ والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ وليس احد يؤمن بهذه الآية الا وله قتلة وميتة وبيان ذلك ما تقدم لك من الكلام وكذلك الكلام في المواقف الاخر من العوالم الالف الالف فان رسول الله صلى الله عليه وآله اقام الدلائل من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن في كل مقام في التكوين والتشريع اما التكوين فكما عرفت وانا الآن اذكر مثالا حتى يتبين الامر واضحا فاقول ان النار لما تعلقت بالدهن واثرت فيها بمسها له وجدت الشعلة التي هي السراج ولما وجدت الشعلة ظهرت الاشعة فالمؤثر هو النار الظاهرة فيها والقابلية هي الدهن والمقبول مس النار للدهن اي الاثر الحاصل من التعلق والشعلة هي الشيء المركب منهما والاشعة هي آثار ذلك المركب وظهوراته وتطوراته وهذه المراتب كلها متقومة بالنار ومستمدة عنها وهي دائما تمدها بالتكليف والدليل وتدعوها الى السبيل وسبيل النار الى المس نفسه وسبيلها الى الشعلة المس وسبيلها الى الاشعة الشعلة فالنار تدعو المس الى سبيلها بدليل الحكمة وتدعو الشعلة الى سبيلها بالموعظة الحسنة وتدعو الاشعة الى سبيلها بدليل المجادلة بالتي هي احسن ولك ان تجري هذه الادلة في كل مقام فلنمثل ( فالتمثيل خ ) بالاشعة لانها اظهر لان السراج يدعو النور الواحد المنبسط على جميع اعيان الاشعة واقطارها بالحكمة ويدعو ذلك النور من حيث ارتباطه بالاشعة وبقاء وحدته الواحدية في تلك الارتباطات والكثرات الى سبيل النار بدليل الموعظة الحسنة ويدعو ذلك النور ايضا من حيث صيرورته اشعة مختلفة متكثرة محتجبة عن مشاهدة ذلك النور الواحد الى سبيل النار بدليل المجادلة بالتي هي احسن واما التشريع فاعلم ان عليّا عليه السلام هو السبيل الاعظم للخلق الى الله ولله الى خلقه ورسول الله صلى الله عليه وآله يدعو الى ولاية عليّ عليه السلام الذي هو حامل لولاية محمد صلى الله عليه وآله الذي هو حقيقة ولاية الله فاقام الدلائل على الولاية ودعاهم اليها فقد دعى اهل الحكمة الى سبيل ربهم الذي هو ولاية امير المؤمنين عليه السلام بان يفنوا في ذاتهم وحقائقهم التي هي مثال ربهم ويوحدوا الحق سبحانه بالتوحيد الحقيقي وينسوا انفسهم وجهة انيتهم ولا يروا لهم تذوتا وتحققا على ما يناسب مقامهم ونهاهم عن الالتفات الى الغير واثبات السوي وملاحظة شيء سوى الله حتى الملاحظة وقطع النظر وحتى المحبة قال مولينا الصادق عليه السلام المحبة حجاب بين المحب والمحبوب قال امير المؤمنين عليه السلام الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة فاهل الحقيقة هم الكاشفون لسبحات الجلال من غير اشارة فان ارتكبوا ما نهوا عنه فقد عصوا وترددوا وشكوا في ولاية امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) وخالفوا الدليل فانه فؤادهم وحقيقتهم والنور الظاهر فيهم من نور ربهم سبحانه وتعالى الذي ظهر هناك من غير حيث وكيف واستغفارهم هو التلقي بالكلمات والتسليم له بامرة المؤمنين الم تسمع قول امير المؤمنين عليه السلام في سبب شك ايوب قال عليه السلام لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله تعالى اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول خطب جسيم وامر عظيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام ثم ادركته السعادة بي وهذه التوبة والاستغفار والطاعة لامير المؤمنين عليه السلام هو الرجوع الى مقامهم الحقيقي ومنزلهم الواقعي واهل هذا المقام يستغفرون من هذه الجهة لانه التقصير العظيم الذي لا يتصور فوقه قال الشاعر :
لقد قلت ما اذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
ودعى رسول الله صلى الله عليه وآله اهل الموعظة الحسنة الى سبيل ربهم بفعل جميع المستحبات والواجبات وان لا يلاحظوا الى الشيء لا من حيث الاثرية ويقفوا مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه وان يوحدوا الحق سبحانه بالتوحيد الشهودي كما قال مولينا الحسين عليه السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك الدعاء ونهاهم عن جميع المكروهات والمحرمات وملاحظة الاسباب وعما ينافي التوحيد الشهودي من الاستدلال بالدليل الاني لان مقامهم ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فاذا ارتكبوا المكروه فضلا عن الحرام ولم يفعلوا المستحب فضلا عن الواجب فقد عصوا وشكوا وترددوا في ولاية امير المؤمنين عليه السلام واستغفارهم هو التلقي بالكلمات التي تلقي بها آدم من ربه وهي اللهم اني اسألك بحق محمد وانت المحمود الى آخر الدعاء والتسليم له عليه السلام بامرة المؤمنين ومعنى هذا التسليم الرجوع الى الله والندم على ما سلف من الذنوب بالنسبة اليه وان يونس عليه السلام لما قبل الولاية واقر بها اخرجه الله من بطن الحوت وكان هذا القبول هو قوله عليه السلام في بطن الحوت كما اخبر الحق سبحانه عنه بقوله تعالى وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لننقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين المقرين بولاية امير المؤمنين عليه السلام ودعى رسول الله صلى الله عليه وآله اهل المجادلة بالتي هي احسن الى سبيل ربهم بفعل جميع الواجبات وان لا يشركوا مع الله احدا في الذات والصفات والافعال والعبادة ونهاهم عن المحرمات وعما ينافي التوحيد العوامي من اثبات التعدد والقول بقدم الماهيات والحقايق والتكلم في ذات الله سبحانه او في احدى الصفات الذاتية او كلها كالعلم والقدرة الذاتيان ( الذاتيتين خ ) والقول بان علم الله مستفاد من المعلوم وان الله ليس له ان شاء فعل وان شاء ترك وان مشيته وارادته عين ذاته سبحانه وان صفات الافعال مباديها ذاته تعالى ومتعلقاتها حادثة وان شريك الباري يتصور ويتعقل وامثال ذلك من الامور التي ورد النهي الصريح في الشرع ويدل عليها العقل السليم فان ارتكبوا ما نهوا عنه وعصوا فقد انكروا ولاية امير المؤمنين عليه السلام وشكوا وترددوا فيها واستغفارهم هو ان يقولوا تلك الكلمات بظاهرهم وباطنهم بظاهرها وباطنها ويسلموا له بامرة المؤمنين على المعنى الذي ذكرنا وجعل صلوات الله عليه وآله من اشاراته وتلويحاته وتصريحاته في اقواله وافعاله واعماله دليلا عليه في التكوينيات والتشريعيات بحيث لن تجد شيئا الا وتجد فيه دليلا واضحا وبرهانا لا يحا من ارشاداته صلى الله عليه وآله على حقيته وبطلانه وصحيحه وفاسده وحسنه وقبحه ومخالفته وموافقته يطلع الفقيه العارف على ذلك الدليل القائم على كل شيء في كل شيء في كل احواله من التوحيد والتمجيد والنبوة والرسالة والامامة والولاية وساير احوال البدو والعود من الشرعيات التكليفية لا يضيق الامر على الماهر المتتبع العارف باللغة العربية الحقية والحقيقية والظاهرية وان خفي على غيره ثم انه ما يظهر الامر لاحد من تلك الدلائل التي اقامها رسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء سيما في الاحكام التكليفية التشريعية الا اذا اراد صلى الله عليه وآله وليس كل من طلب وجد ولذا قالوا عليهم السلام وان من شيء الا وفيه كتاب او سنة وقالوا عليهم السلام انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم فلا يمكن ان يوجد شيء مهمل الحكم ومهمل البيان ولا يمكن ان لا يذكر محمد وآله صلى الله عليهم ذلك في كلماتهم واشاراتهم ولا ينصبوا له دليل حق من ارشاداتهم والا لم يكونوا حجة بالغة ولم يكمل الدين ولا يمكن ان يحتاج الى شيء احد من الرعية فمنعوه عنه لانهم اعضاد للخلق واركان للبلاد وادلة رشد للعباد ولا يمكن ان لا يقتدروا على التبليغ عند اختفاء اشخاصهم وابدانهم وهياكلهم البشرية عن اعين الخلق للمستحقين لانهم ايدي الله الباسطة بالانفاق ونوره المالي كل الآفاق وعلى هذا لجاز لاحد ان يقول ان الله لم يقدر ان يعطي كل ذي حق حقه لاختفائه عن الابصار تعالى ربي عن ذلك وهم صلى الله عليهم وجه الله لكل ذرة من ذرات الكائنات لا تعطيل لهم في كل مكان كما مر غير مرة فمابقي الا كما قال عليه السلام اقام الدلائل على جهة العموم كما يدل عليه الجمع المحلي باللام فاقام لكل شيء دليلا على كل شيء بحيث لا يخفى على المتتبع الماهر العارف باللغة وهذا الاختلاف في ارباب الملل والاديان اغلبهم ( اغلبه خ ) من جهة اعراضهم عن ذلك الدليل الذي اقامه صلى الله عليه وآله واما الناظرون المتمسكون بالدليل فاغلبهم ما توقفوا للتمسك الكلي فلذا مثلهم كمثل الذي استوقد نارا كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا والمتمسكون على الحقيقة ايضا من جهة مصلحة كينوناتهم لبقاء اشخاصهم وانواعهم اوقعوا الخلاف بينهم فاخفوا سلام الله عليهم بعض القرائن عن بعض واظهروها لآخرين فلو اظهروا للاولين ما اظهروا للآخرين لارتفع الخلاف من البين الا ان ذلك مما لا يطابق كينونة الوجود في الحكم الثانوي كما قال لعبيد بن زرارة راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم وهذا الاختلاف عيب في هذه السفن الجارية في اللجج الغامرة لئلا يتسلط عليها الملك الذي من ورائهم يأخذ كل سفينة غصبا فهذا الاختلاف ايضا منهم نشأ ودليله قام بهم عليهم السلام فادلتهم سلام الله عليهم ظاهرة واعلام حججهم باهرة وانوار براهينهم في كل كلي وجزئي ساطعة وشموس بياناتهم على اراضي قلوب شيعتهم مشرقة ما امسكوا عن بيان شيء وما ابهموا امرا من الامور وما احوجوا رعاياهم الى غيرهم كيف وقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم وليس من العطف والرحمة والرأفة ان يجعل المنقطعين اليه والقارعين بابه والمنيخين بفنائه في ظلمة بهماء حاشا وكلا بل ادى الرسائل واقام الدلائل واتم الحجة واوضح المحجة الا ان الاعمي لا ينتفع بمصباح الهدى ولا تنكشف عنه ظلمة الدجي قال الشاعر :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
وروى الكليني (ره) في روضة الكافي ما معناه ولم احفظ لفظه ان مولينا الصادق عليه السلام قال لواحد من اصحابه واظن انه مفضل كيف بكم اذا اتاكم زمان هرج او حرج فبكي الرجل قال عليه السلام والله ان امرنا ابين من الشمس الظاهرة وهو كما قال عليه السلام فلنقبض عنان القلم خوفا من التطويل وصونا عن اصحاب القال والقيل قال الشاعر :
واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
قوله عليه السلام : وختم الرسائل الختم اشارة الى البدو قال الله عز وجل كما بدأكم تعودون وقال ايضا سبحانه وتعالى وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا وقال عليه السلام في الدعاء لمحمد وآله وادخلهم مسجدك عودا كما دخلوه اول مرة وبيان حقيقة هذا المطلب وسره ومنشأه واصله يحتاج الى بحث طويل وفيه ايضا بيان ما لا يحسن بيانه لعدم اتيان اوانه ومجمل القول فيه هو ان كل شريف يجب ان يكون في عالم الظهور اخيرا وكل كثيف يجب ان يكون في عالم الظهور اولا فكل شريف مقدم في الوجود مؤخر في الظهور وكل كثيف مؤخر في الوجود مقدم في الظهور وذلك لاجتثاث الكثيف والباطل واستقامة الحق وثباته واظهار مستجنات السرائر ومطويات الضمائر ولما كان الله سبحانه خلق الخلق والسموات والارض في ستة ايام يوم العقل وهو يوم الاحد ويوم النفس وهو يوم الاثنين ويوم الطبيعة وهو يوم الثلثاء ويوم المادة وهو يوم الاربعاء ويوم الصورة والمثال وهو يوم الخميس ويوم الجسم وهو يوم الجمعة وفيه تجتمع المراتب وخفيت وماتت ثم اظهرها في ستة ايام اخر يوم النطفة وهو يوم الاحد ويوم العلقة وهو يوم الاثنين ويوم المضغة وهو يوم الثلثاء ويوم العظام وهو يوم الاربعاء ويوم اكتساء اللحم وهو يوم الخميس ويوم انشأناه خلقا آخر وهو يوم الجمعة فهناك اجمع ( اجتمع خ ) المراتب كلها ظاهرة ويوم السبت يوم كمالها وظهورها مشروحة العلل مبينة الاسباب فتمام الشيء في الستة وكماله في السبعة وهو مقام ظهور العقل فالعقل اول ما وجد في القوس النزولي فاستنطقه الله ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر عن الخلق فاخذ يصعد فاول ما ظهر في النطفة ثم في العلقة ثم في المضغة ثم في العظام ثم في اكتساء اللحم ثم في الروح القديمة وهي النفس الحيوانية الحساسة الفلكية ثم في مقام الرضاع ثم في مقام الفطوم ( الفطم نسخة ٢٤٤ خ ) ثم في مقام الصبي ثم في مقام التمرين ثم في مقام المراهقة ثم في مقام البلوغ الذي هو مقام ظهوره في مقامه ثم اخذ يصعد في تمامية الظهور وقوته ونموه شيئا فشيئا الى الثلاثين فهناك يتم نموه ثم يأخذ في الكمال في رتبته ومقامه الى الاربعين فهنا نهاية الترقي ونهاية الظهور وهذا حكم جار في كل مراتب التكوين والتشريع في الكلي والجزئي والذاتي والصفتي والعلوي والسفلي ثم يأخذ في النزول فيضعف شيئا فشيئا على ترتيب قوته حتى يناله نصيبه من الكتاب ويبلغ الكتاب اجله فهناك تنهدم البنية وتنكسر الصيغة ثم تصاغ جديدا فاول صعوده في المحشر او اول نزوله الى مقامات صعوده الى اسفل السافلين اعاذنا الله منه ثم فيما اذا سقي من عين الكافور ثم عند سقيه من عين السلسبيل ثم عند اكله كبد الثور ثم عند اكله كبد الحوت ثم عند وقوفه في الكثيب الاحمر ثم عند وقوفه في الرفرف الاخضر ثم عند وقوفه في ارض الزعفران ثم عند وقوفه في مقام الاعراف ثم عند وقوفه في مقام الرضوان وهذا ختم المقام فيترقي في هذا المقام الى ما لا نهاية له ولما كان العالم الجزئي على مثال العالم الكلي جرى هذه الاحكام كلها في العالم الكلي حرفا بحرف ولما كان القلب الذي هو القطب في العالم الجزئي قد تطور في ظهوره مترقيا في ستة اطوار من النطفة والعلقة وغيرهما الى ان ظهر بالظهور المطلق وكانت تلك الشؤن اطوار ظهورات القلب فعند كل طور كان يقتضي حكما من الاحكام الى ان يظهر في مقام الحيوة فكذلك العالم الكلي انما تم ظهوره في هذه الاطوار الستة على حسب قواه الكلية ولما كان كل طور يقتضي حكما كليا خلاف ما كان يقتضي الطور الاول لزوال المقتضي عند زوال المقتضى فيقتضي الحكم الكلي الثانوي وزوال الاولى والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم جعل الله سبحانه لكل طور من هذه الاطوار الستة حكما كليا خاصا به وذلك الحكم هو الشريعة الخاصة باهل ذلك الوقت وكينونات احوالهم من الشريعة الوجودية في تلطيف بنيتهم وابدانهم وعدمه ورقتهم وغلظتهم واعتدال هوائهم وعدمه وقلة معرفتهم وكثرتها وامثال ذلك من الاحوال الجارية عليهم على مقتضى ذواتهم وصفاتهم واعيانهم واكوانهم مما جرى في علم الغيب من بدو شأنهم ومن الشريعة التكليفية العملية الوصفية من طهاراتهم وصلوتهم ( صلواتهم خ ) وعباداتهم ومعاملاتهم ولما كان كل طور من هذه الاطوار قشور ( قشورا خ ) لمقام انشأناه خلقا آخر ومعداة سيالة لظهور ذلك المقام كانت اطوارهم واوطارهم واحوالهم قشور وظواهر لمقتضيات اطوار ذلك المقام واوطارهم فكانت شريعتهم قشورا وظواهر للشريعة المختصة بذلك المقام فكانت الانبياء الحاملون لتلك الشرايع قشورا وامثالا للنبي الحامل لتلك الشريعة اذا السلسلة في القوس الصعودي تترقى من الاسفل الى الاعلى فلما انقضت مدة مقتضيات كل طور نسخت الشريعة الخاصة به واتت الشريعة الخاصة بالآخر الى ان اتى الطور الثابت المستقل مثل مقام الحيوة فظهرت تلك الشريعة وظهر الاصل الحامل لها ومحيت آثار غيرها لانها قشور تفنى وتعدم عند ظهور اللب والاصل فرجع الآخر الى الاول ( والاول الى الآخر خ ) فلما كان نبينا صلى الله عليه وآله هو صاحب الشريعة السادسة كان صلى الله عليه وآله هو الخاتم لانه كان هو الفاتح لان المقام السادس لا فناء له ولا زوال ولا اضمحلال فتبقى احواله ومقتضياته نعم هو يضعف ويقوي شيئا فشيئا الى ان يبلغ مقام البلوغ فان العلقة اذا ظهرت وتحققت بطلت احوال النطفة واحكامها ومقتضياتها وكذا المضغة لما ظهرت وتحققت بطلت آثار العلقة واحوالها بالكلية واما الروح اذا ولجت في البدن وحيي البدن فلا تفنى ولا تبطل والروح و( هي خ ) القطب المدبر للبدن كله وتلك المراتب المتقدمة كلها انما هي لاظهارها نعم هي في اول ظهورها وبروزها ضعيفة فتقوى شيئا فشيئا فهنالك ( فهناك خ ) تختلف الاغذية التي يغتذي بها وكذلك شريعة نبينا صلى الله عليه وآله لان ظهوره صلوات الله عليه كالروح المحيية للبدن فحيي العالم بظهوره صلى الله عليه وآله واستنارت القلوب ومحيت الظلمات ومنعت الشياطين عن استراق السمع وذلك لغلبة النور المستدعية لنفي المناسبة او قلتها لكن في اول بعثته واوان ظهوره صلى الله عليه وآله ما اظهر اسرار شريعته واقتصر على القشور والظواهر ثم طرأ على بعض الجزئيات احكام النسخ ووقع الاختلاف كل ذلك لضعف بنية المكلفين وقلة ثباتهم في اليقين وعدم رسوخهم في الدين وغلبة الظلمة باستيلاء الشياطين عند ظهور نفس الامارة بالسوء الى ان يأتي اوان بلوغ العالم الاكبر وهو اذا خرج مولينا القائم عليه السلام وهو اشارة الى اول ظهور العقل الذي هو القائم في الذات في الجزئي ولذا اول ما يظهر العقل في البدن تريه ضعيفا وليس له ناصر والبدن قد تصرفت فيه النفس الامارة بالسوء وكذلك مولينا القائم عجل الله فرجه لا يظهر الا اذا امتلأ العالم جورا وظلما فيملأه عدلا وقسطا ان شاء الله تعالى وهو اول النشاط وغلبة ظهور العقل والامر الالهي فيترقى ويأخذ في الصعود والترقي الى ان يظهر مولينا الحسين عليه السلام ويرجع بعد الوفاة ويطهر الارض الى ان يرجع سيدنا ومولينا عليّ عليه السلام في الكرة الثانية ويقاتل ابليس فينزل رسول الله صلى الله عليه وآله ويقتل ابليس فتبقى الارض طاهرة مطهرة نقية زكية وهذا بلوغه الى ثلثين سنة الذي هو تمام النشاط والقوة وهنالك محل ظهور خاتم الرسالة بالظهور الاولى البدوي في الرسالة التكوينية والتشريعية ومقام ظهور ليظهره على الدين كله كما كان في البدو كذلك فان الانبياء عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله اخذوا وبه في الاحكام الالهية استندوا وبشريعته عملوا وعلى الكتاب المنزل عليه حكموا فهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم لانهم عنده صلى الله عليه وآله كالشعاع للمنير فالمنير يحيط بجميع الاحوال الاشعة علما لا يخفى عليه شيء من احوالهم مما بين ايديهم وما خلفهم لان الكروبيين الذين اذا اظهروا بقدر سم الابرة من نورهم لا يطيق اولوا العزم من الرسل التثبت عنده والتحمل لديه فيخر مغشيا عليه واحد من رعايا محمد وآله صلى الله عليهم وشيعتهم خلقوا من شعاع انوارهم ولذا قال تعالى في باطن باطن التفسير يعلم اي محمد صلى الله عليه وآله ما بين ايديهم اي الانبياء وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى دينه بولاية الولي عليه السلام على المعاني الكثيرة في التكوين والتشريع وهم من خشيته اي من خشية الله الحاصلة من نور العظمة الظاهرة في محمد والطيبين من آله صلى الله عليه وآله مشفقون اي حذرون ومن يقل منهم اي الانبياء اني اله من دونه اي يصل الى الفيض والمدد او اني ابلغ وابين واترجم للرعايا حكم الله سبحانه من دون توسط محمد صلى الله عليه وآله والاخذ عنه والتسليم له والاقرار بذل العبودية الرقية لله سبحانه بطاعته صلى الله عليه وآله وولاية الطيبين من اولاده واحفاده صلى الله عليهم كما رواه محمد بن جرير الطبري من العامة واخطب خوارزم منهم في تفسير قوله تعالى واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي صلى الله عليه وآله ليلة اسرى بي الى السماء فاجتمعت مع الانبياء في المسجد الاقصى فاتاني جبرئيل وقال يا محمد صلى الله عليه وآله واسئل الانبياء بماذا بعثتم فسئلتهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله وبنبوتك وبولاية عليّ بن ابي طالب عليهما السلام فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين آل محمد (ص) حقهم والملحدين في اسماء الله وبالجملة فلما كان نبينا صلى الله عليه وآله في البدو هو الاصل والقطب لاكوار الوجود واطواره والشرايع كلها شرايعه والاديان كلها دينه والملل باسرها ملته والنواصي كلها بيده ومصادر الامور عنه ومواردها اليه في العوالم العلوية وفي السفليات اظهروا اطوارهم واشباحهم المحتجبون بها عن الخلق فالعارفون لم يزل على يقين في امر ربهم ونبيهم لا تلهيهم التجارة ولا البيع اي الكثرات الظاهرة والاسباب الواردة عن ذكر الله وهو محمد صلى الله عليه وآله واقام الصلوة وهو ولاية امير المؤمنين (ع) والطيبين من اولاده سلام الله عليهم والى ( ايتاء خ ) الزكوة وهو التبري من اعدائهم ومخالفيهم والجاهلون في مقام الفرق والكثرة متحيرون والمعاندون لخبائث بواطنهم وقبائح سرائرهم مظهرون الى ان ظهر سر كما بدأكم تعودون فتشعشعت الانوار الاحمدية وظهرت اشراقات شمس الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فاستنارت العوالم وحييت قلوب بني آدم فكان بتلك الاشراقات تصفي قوابل الاستعدادات وتلطف اراضي القابليات لتصعيدها الى السماء لالقاء مثال الكينونة واظهار جلال الربوبية الى يوم قتل ابليس لعنه الله فهناك طهرت الاراضي الكلية والجزئية واستنارت وتلألأت تجلى لها النور المحمدي صلى الله عليه وآله فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله الجسمي فاستنارت فيكون العود الدنياوي كالبدو الدنياوي من اليوم الذي خلقت السموات وكان طالع الدنيا السرطان والكواكب في اشرافها وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض كان بدو بعثته صلى الله عليه وآله اول الاستدارة وعند قيام القائم عليه السلام ظهور الاستدارة وعند ظهور مولينا عليّ عليه السلام في الكرة الثانية تمام الاستدارة وعند نزوله صلى الله عليه وآله لسر الخاتمية كمال الاستدارة ولذا تظهر الجنتان المدهامتان في ظهر الكوفة وما وراءها الى ما شاء الله ثم لما جاء امر الآخرة وانقضت مدة الدنيا صعد الله سبحانه بمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم الى السماء فيبقى اهل الارض في هرج ومرج اربعين يوما ثم ينفخ اسرافيل نفخة الصعق وهذا مقام التنكيس في الخلق ومن نعمره ننكسه في الخلق فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات والارض الا من شاء الله وهم آل محمد صلى الله عليهم شاء الله ان لا يصعقوا لانهم وجه الله الذي لا يهلك ابدا ولا يفنى سرمدا وهذا موت العالم الاكبر فيبقى ميتا اربعمائة عام ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون وهو بعث العالم الاكبر واشرقت الارض بنور ربها وهو محمد وآله سلام الله عليهم عادوا كما بدأوا في الظهور والا فهم لم يزل في حالتهم وكينونتهم ومقامهم المحمود فاشرقت ارض المحشر بهم وهم نور ربهم وجيء بالكتاب والنبيين وهذا بيان لاشراق نور الرب والكتاب هو مولينا امير المؤمنين عليه السلام وهو الكتاب الذي ينطق بالحق اعمال كل احد قال تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ورد ان ذلك هو عليّ عليه السلام واحاديث عرض اعمال الخلق على النبي والائمة عليهم السلام كادت ان تبلغ حد التواتر والنبيين هو محمد صلى الله عليه وآله كما ورد في تفسير قوله تعالى اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ان المراد بالنبيين هو محمد صلى الله عليه وآله والصديقين هو عليّ عليه السلام والشهداء هو الحسين عليه السلام وحسن اولئك رفيقا هو القائم عليه السلام وبالجملة في المحشر رسول الله صلى الله عليه وآله في الوسيلة وهي المعروفة في الاخبار وعليّ عليه السلام تحته بمرقاة فيؤتى بلواء الحمد ظاهرا كما كان عنده باطنا ويعطي محمد ( محمدا خ ) صلى الله عليه وآله فيعطي عليّا عليه السلام ثم يؤتى بمفاتيح الجنة والنار فيؤتي اياه صلى الله عليه وآله فيعطي عليّا عليه السلام ثم يرد اليهما امر الخلايق في الحساب والميزان والصراط واليهما عليهما السلام الاشارة في قوله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله الها آخر فالقياه في العذاب الشديد فظهر العود كالبدو كما ان الخلق بهما وجدوا وبنورهما تأصلوا فرجع في العود امرهم اليهما والى الطيبين من اولادهما كما بدأكم تعودون فاختتم بهم كما افتتح بهم بكم فتح الله وبكم يختم ثم اذا ادخلوا اهل الجنة الجنة واهل النار النار وجازوا كل احد بميزان القسط من اعمالهم كانوا ظهور الحق سبحانه لاهل الجنة وتجليه لهم فهم ملوك الجنة ويأتي اهلها كل يوم جمعة بزيارتهم وهي زيارة الرب التي وردت في الاخبار اذ القديم سبحانه منزه عن ان تنال اليه ايدي الابصار والعقول تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فمحمد (ص) هو الخاتم لانه هو الفاتح وهو الفاتق لانه هو الراتق واليه المرجع لانه منه البدو واليه يرجع الامر كله قال الصادق عليه السلام ان الضمير في اليه يرجع الى الولي عليه السلام فاعبده والضمير فيه يرجع الى الله سبحانه يعني اعبد الله بهذا الاعتقاد ورسول الله اصل الولاية وحقيقتها فهو صلى الله عليه وآله ختم الرسائل الوجودية والشرعية في المراتب كلها فليست بعده رسالة ولا نبوة اذ المقتضي دائم الاقتضاء والمانع دائم الارتفاع ذلك تقدير العزيز العليم
قوله عليه السلام : نصر به المسلمين اتى بالجمع المحلي باللام ليفيد الاستغراق فكل مسلم من اول الايجاد الى آخر نهايات الانوجاد في عالم الذرات وخلق النسمات الى ما لا نهاية له في التكوين والتشريع انما نصرهم الله سبحانه بمحمد صلى الله عليه وآله والطيبين من آله واولاده واحفاده عليهم السلام روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله انه (ص) قال لن تجد عند احد حقا الا بتعليمي وتعليم عليّ عليهما السلام هذا معنى الحديث اما المسلمون في التكوين فكما بينا سابقا عند قوله عليه السلام اشهد ان لا اله الا الله ( هو خ ) وقد اشار مولينا الرضا عليه السلام الى ذلك بقوله ان في يوم الغدير عرض الله الولاية على اهل السموات السبع فسبق اليها اهل السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبق اليها اهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبق اليها اهل السماء الدنيا فزينها بالكواكب ثم عرضها على الارضين فسبقت مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت اليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد صلى الله عليه وآله ثم سبقت اليها الكوفة فزينها بامير المؤمنين عليه السلام وعرضها على الجبال فاول جبل اقر بذلك ثلثة جبال جبل العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن ثم سبقت اليها جبال اخر فصارت معادن الذهب والفضة وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا وما انكر صار ملحا اجاجا وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلوا طيبا وما لم يقبل صار مرا ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما انكر صار اخرس مثل اللكن ومثل المؤمنين في قبولهم ولاء امير المؤمنين عليه السلام في يوم غدير خم كمثل الملائكة في سجودهم لآدم ومثل من ابي ولاية امير المؤمنين (ع) في يوم الغدير كمثل ابليس في تركه السجود لآدم وفي هذا اليوم انزلت قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا الآية الحديث فاشار عليه السلام الى بعض وجوه نصرة المسلمين من الموجودات العلوية والسفلية والاصل في ذلك ومجمل القول فيه ان نصرة الشيء باعطاء مادته وصورته وتهيئة اسباب قوابله وشرائط ترقياته ومكملاتها ومتمماتها وايجاد الدواعي والبواعث والميولات الذاتية الحقيقية الى الخيرات والكمالات على حسب القابليات ونهج الاستعدادات وتيسير المسببات بالاسباب وتمكين القوابل والماهيات ورفع الموانع والعوارض عن مقابلة فوارة النور والرجوع الى عالم السرور وهذه الامور وامثالها انما ظهرت وانتشرت ووجدت وتحققت في الاشياء كلها تحت الحجب والسرادقات الى ما لا يزال بمحمد وآله صلى الله عليه وآله فلا يصل الى مخلوق فيض مادي او صوري اضافي او وضعي رابطي او اصلي الا بهم ومنهم وعنهم صلى الله عليهم لانهم ابواب الافاضة والاستفاضة في كل شيء قال مولينا وسيدنا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فالنور هو مادتهم والرحمة هي صورتهم لان النور مدخول من وكلما ( هو خ ) كذلك في مقام الصنع فهو المادة كما تقول صنعت الخاتم من الفضة وصنعت السرير من الخشب والرحمة هي الصبغ وهي الصورة وهذا النور هو نور محمد صلى الله عليه وآله لان النور في قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة هو محمد صلى الله عليه وآله كما دلت عليه الروايات الكثيرة وظهر ذلك النور في العرش الذي هو محدد الجهات ومنه ظهر في الشمس وهي تربي ( ترقى خ ) المواد اي مواد الاجسام وحقائقها ولذا يرى فيها الانوار الاربعة اذا نظرت اليها في البلور او تحت حجاب اسود وهو دليل على انها مثال العرش وصفته ودليله ووجهه لان العرش مركبة من اربعة انوار كما ورد عن امير المؤمنين عليهما السلام وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام فيقتضي ان تكون الشمس ظاهر النبي صلى الله عليه وآله لان النبوة مقام الوحدة والاجمال والبساطة والكلية ولذا يعبرون عنها بالشمس فظهر ان النور الذي هو مادة الاشياء من المؤمنين وعكسه وظله مادتها من الكافرين هو نور محمد صلى الله عليه وآله ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة وهو قوله عليه السلام ابوه النور فنور النبي صلى الله عليه وآله هو العلة المادية للاشياء كلها ونور عليّ عليه السلام هو العلة الصورية لانه عليه السلام هو الرحمة الواسعة التي ظاهرها من قبله العذاب وباطنها الرحمة المكتوبة وهو باب المدينة قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فاصل وجود الشيء متقوم بمادته وصورته وهما قد عرفت انهما من فاضل نور محمد وعليّ عليهما السلام وكل الاحوال والامدادات والصفات انما هي متقومة بهما ومتفرعة عنهما اي المادة والصورة وقد دلت الآيات والروايات على ان الله سبحانه وتعالى اتخذهم اعضادا لخلقه كما يشير اليه مفهوم قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فاشار الى انه سبحانه اتخذ الهادين عضدا وصرح بهذا المفهوم مولينا الحجة المنتظر عجل الله فرجه في دعاء رجب اعضاد واشهاد ومناة واذواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فرسول الله صلى الله عليه وآله هو العضد القوي للخلق لان مواد كل الموجودات من مسلمي اهل التكوين من نوره وذلك النور الواحد قد تشعب بالشعب الكثيرة ظهر بتلك الشعب جهات الشيء ومداركه واحساسه وقواه وحيوته فصار الشخص بذلك سميعا بصيرا كاملا لان الله سبحانه خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله ياقوتة حمراء فنظر اليها بنظر الهيبة فذابت وصارت بحرا واحدا فخلق من زبده الارض ومن بخاره السموات والسموات كانت رتقا ففتقها الى سبع سموات وعرش وكرسي فجعلها مدارا للموجودات فكل موجود من الموجودات لم يظهر في الوجود الا مصاحبا لقبضة من السموات والارض والعرش والكرسي ولما كانت تلك المراتب كلها في الانسان ظاهرة مشروحة نقول ان فؤاد الانسان المؤمن قطرة من شجرة المزن الواقعة تحت العرش الاكبر جنان الصاقورة التي خلقت ووجدت من فاضل فاضل نور محمد صلى الله عليه وآله وقلبه خلق من العرش الثالث الذي هو من شعاع الملائكة العالين الذين هم خدام محمد صلى الله عليه وآله والاته وصدره خلق من الكرسي وعقله ودماغه خلق من الفلك السابع وعلمه خلق من الفلك السادس ووهمه خلق من الفلك الخامس ووجوده اي مادته الثانوية خلق من الفلك الرابع وخياله خلق من الفلك الثالث وفكره خلق من الفلك الثاني وحيوته خلقت من الفلك الاول وجسده خلق من الارض فتمت قوي الشيء وجهاته واعتباراته باتمام هذه المراتب وموادها كلها من شعاع نور محمد صلى الله عليه وآله ولما قلنا مواد الموجودات كلها من نوره صلى الله عليه وآله فلا بأس ان نشير الى تمايز المواد في كل مرتبة على ما ذكره شيخنا اطال الله بقاه في شرح الفوائد فنقول هي في عالم العقول نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الجوهرية والمثالية وفي الارواح نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة النفسية وفي النفوس كذلك الا انه ليس مجردا عن الصورة الجوهرية وفي الطبيعة نور احمر بسيط ذائب مجرد عن متممات قوابل الاجسام وعن المواد العنصرية وفي جوهر الهباء اي المواد المجردة عن الصورة المثالية نور منعقد لم تلزمه الصورة المثالية وفي المثال ابدان نورانية لا ارواح لها اي ليس لها مواد جوهرية ولا جسمانية وفي الاجسام والزمان والمكان انوار منعقدة لزمتها صورها ومدد مقدرة وفراغات محدودة وفي العناصر طبايع متزاوجة وفي المعادن اصول من لطائف العناصر متألفة وفي النباتات لطائف اغذية نامية وفي الحيوانات شعلات فلكية حساسة وفي الصفات هيئات ذاتية وحركات فعلية وصور ظلية وامثال ذلك هكذا نصر الله سبحانه به المسلمين حيث خلقهم من اعلى عليين وكتب في قلوبهم الايمان باملاء محمد صلى الله عليه وآله وكتابة امير المؤمنين ( عليّ خ ) عليه السلام وشرح صدورهم للاسلام بالتمسك بمتابعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله اجمعين واعطاهم حسن الصورة وصفاء الطوية بقبول التوحيد الواصل اليهم من سيد المرسلين ومنحهم عز الدارين بمتابعته صلى الله عليه وآله في الدين وشرفهم بالعلم والمعرفة لسلوكهم سبيل محمد صلى الله عليه وآله باليقين وطيب مولدهم ومسكنهم ومضجعهم لاهتدائهم به الى الحق المبين ومابلغ احد مرتبة ومقاما ودرجة وقربا ومكانة عند الله الا به صلى الله عليه وآله من الاولين والآخرين فان الانبياء والملائكة به وبآله عليهم السلام اهتدوا وهدوا الى الله ( سبحانه خ ) بحسن اليقين وعنه اخذوا معالم الدين لانه صلى الله عليه وآله كان نبيا وآدم بين الماء والطين واما الكفار فهم ايضا به صلى الله عليه وآله تأصلوا وبظل نوره تذوتوا الا ترى السراج فان النور والظل متقومان به يمد النور بالنور ويمد الظل بالظلمة قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا وذلك العطاء وحامل ظهور المعطي هو محمد صلى الله عليه وآله بعلي عليه السلام لان الله سبحانه لما اراد ان يخلق الكافر خلق فؤاده وحقيقته من الماء المهين من شجرة الزقوم التي تخرج في اصل الجحيم طلعها كأنه رؤس الشياطين تنبت في سجين طينة خبال ارض الجحيم اصلها لا على قرار فاول نبات ورقها تحت الثرى الذي لا يعلمه الا الله وتتم تلك القطرة في الثرى فيتصلصل قطرها في الطمطام ويتصاعد كالابخرة بين معرك تلك المركبات الخبيثات فيأخذ في ادبارها صاعدة لتلاطم امواج بحور تلك المركبات الى ان تصل الى الحوت الذي على البحر فخلق منه قلبه وذلك الحوت ظل العرش وعكسه وضده متقوم به كتقوم الظلمة بالنور ثم الى الثور الذي هو ظل الكرسي فخلق الله بمحمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام منه صدره ( السلام صدره خ ) ثم الى الارض السابعة القصوى ارض الشقاوة ظل الفلك السابع فخلق منها دماغه ثم الى الارض السادسة ارض الالحاد فخلق منها علمه اي جهله المركب ثم الى الارض الخامسة ارض الطغيان فخلق منها وهمه ثم الى الارض الرابعة ارض الشهوة خلق منها وجوده ثم الى الارض الثالثة ارض الطبع خلق منها خياله ثم الى الارض الثانية ارض العادة خلق منها فكره ثم الى الارض الاولى ارض النفوس وارض الممات خلق منها جسده وخلق من السماء الدنيا حيوته وهذه المراتب كلها متقومة بتلك المراتب المتقدمة وتلك المراتب ومقتضياتها كلها متقومة بمحمد وآله صلى الله عليه وآله فانتهت المراتب كلها اليه صلى الله عليه وآله فالعالم والاكوان كلها قد نصرها الله سبحانه به صلى الله عليه وآله وانما خص عليه السلام المسلمين بها لان النصرة اعانة وامداد ولا يستحقها الكفار وما فيهم تخلية وخذلان مع انه عليه السلام اشار بالكناية فان خذلان الكفار وتعذيبهم في النار تابع لنصرة الابرار وتنعيمهم في دار القرار فذكر الاصل المتبوع المقصود لذاته وترك المقصود بالعرض لسر نسوا الله فنسيهم فافهم راشدا موفقا مؤيدا ان شاء الله وفي مقامات النصرة وبيانها وكيفيتها ومراتبها ودرجاتها كلمات كثيرة اغلبها لم اعط لها عبارة ومنها ما لا يجوز بيانه لانه يعسر برهانه ومنها ما لا تتحمله العقول فطويتها لقوله عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول في انكاره وان كان عندك اعتذاره ثم ان ما ذكرنا هنا كلها مستخرجة ومستنبطة من كلام الله واحاديث اهل البيت عليهم السلام محكماتها فان وجدت بعض الاخبار تعارض بظاهره ما ذكرناه فاعلم انه لا تعارض فيه بوجه وانما هو بيان مقاماتهم سلام الله عليهم حسب ترقياتهم في القوس الصعودي وظهور تنزلاتهم في النزولي كل ذلك حسب افهام السائلين والمخاطبين وفي كل ذلك اشارة للعارفين الى ما كتبنا من الحق اليقين فلو اردت اتعرض لبيان هذه الامور الجزئية لطال علينا الكلام ولا محصل فيه الا للعوام وليس وضع هذا الشرح لهم وانما هو للعارفين البالغين وحظ العوام في هذا التسليم والقبول والا فقد انكر قدرة الله في اوليائه كما قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث المعرفة بالنورانية
قوله عليه السلام : واظهر به الدين وهو المعرفة وشؤناتها واحوالها وصفاتها ومقتضياتها في قوله عز وجل كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فمحبته سبحانه للايجاد اظهار دينه المشتمل على ظهور الوهيته المقتضية لتوجه الخلق بصدق العبودية اليه سبحانه وتعالى كما قال عز وجل وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فالمعرفة والعلم هي العبادة والعبادة هي العلم والمعرفة فان المعرفة عمل الفؤاد واليقين والاعتقاد عمل القلب والعلم عمل الصدر والنفس والصلوة والصيام والحج والجهاد وباقي العبادات هي عمل الجسد فمعرفة الجسد والبدن لله سبحانه ليست الا فعل تلك العبادات كما ان معرفة القلب ليس الا ثبوت ذلك الاعتقاد ومعرفة الفؤاد ليست الا الاقبال والتوجه بغير كيف فالعلم عمل والعمل علم والدين هو جامع هذا العلم والعمل قال عز وجل ان الدين عند الله الاسلام والاسلام ينقسم الى قسمين تكويني وتشريعي وكلاهما على قسمين مقتضى المشية الحتمية ومقتضى المشية العزمية ففي مقتضى المشية الحتمية لا يقابله الكفر ولا يقبل الكفر ولا يتطرق اليه ابدا بوجه من الوجوه وهو قوله عليه السلام لا يخالف شيئا ( شيء خ ) منها محبتك وقوله عليه السلام كلهم صائرون الى حكمك وامورهم آئلة الى امرك واما مقتضى المشية العزمية فيقابله الكفر فحينئذ ينقسم الكفر كالاسلام على قسمين كفر تكويني وكفر تشريعي واما الاسلام فقد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام في بيانه وتفسيره ونسبته كما في الكافي عنه عليه السلام انه قال لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه احد قبلي ولا ينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الاداء ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربه فاخذه فان المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى انكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا امرهم فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين باعمالهم الخبيثة وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله (ص) الاسلام عريان فلباسه الحياء وزينته الوفاء ومروته العمل الصالح وعماده الورع ولكل شيء اساس واساس الاسلام حبنا اهل البيت وفيه عن عبد العظيم الحسيني ( الحسنى خ ) عن ابي جعفر الثاني عن ابيه عن جده صلوات الله عليهم قال قال امير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله خلق الاسلام فجعل له عرصة وجعل له نورا وجعل له حصنا وجعل له ناصرا فاما عرصته فالقرآن واما نوره فالحكمة واما حصنه فالمعروف واما انصاره فانا واهل بيتي وشيعتنا فاحبوا اهل بيتي وشيعتهم وانصارهم وانه لما اسرى بي الى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل عليه السلام لاهل السماء استودع الله حبي وحب اهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة فهو عندهم وديعة الى يوم القيمة ثم هبط الى اهل الارض فنسبني لاهل الارض فاستودع الله حبي وحب اهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني امتي فمؤمنوا امتي يحفظون وديعتي الى يوم القيمة الا فلو ان الرجل من امتي عبد الله عز وجل عمره ايام الدنيا ثم لقي الله عز وجل مبغضا لاهل بيتي وشيعتي مافرج الله صدره الا عن نفاق وهذا الاسلام وفروعه وشعبه واحواله واقتضاءاته هو الدين الخالص لله عز وجل والدين هو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض كما ورد عنهم عليهم السلام وهذا الماء هو بحر الصاد الذي ظهر من العين المستنطق من الكاف والهاء والياء والعين هو العرش المحمول على الماء وهذا الماء هو بحر المحبة في قوله تعالى فاحببت ان اعرف وهذه المحبة الالهية اي محبته للخلق ومحبة الخلق له سبحانه لما ظهرت وانبسطت في مرايا القوابل اقتضت انحاء الشرعيات من الاعتقاديات والعمليات وكلها عين حقيقة المحبة والدين هو عين الماء الذي هو عين المحبة التي قد تشعبت في كل عالم بطور ونهج والمآل الى واحد وجميع مراتب تلك المحبة بانواعها واقسامها ماظهرت مفصلة الا في محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين فهم الصلوة وهم الزكوة وهم حج بيت الله وهم بيت الله وهم صوم شهر رمضان وهم شهر رمضان وهكذا باقي العبادات وهذه العبادات المنتثرة ( المنتشرة خ ) بين كافة الخلق من الانبياء واممهم الى هذه الامة الى القيامة كلها فروع لتلك العبادات التي هي دين الله ودين الله هو الاسلام والاسلام اسم محمد صلى الله عليه وآله فان زبر الاسلام يطابق بينات محمد صلى الله عليه وآله والبينات اسم للزبر والزبر هو المسمى فحقيقة الاسلام اسم وصفة لمحمد صلى الله عليه وآله كما ان حقيقة الايمان اسم وصفة لعليّ عليه السلام لان زبره عين بيناته عليه السلام ولذا نسب الاسلام الى محمد صلى الله عليه وآله في قوله عليه السلام نصر به المسلمين ولما كان من هذه الصفة يظهر ان كل من اقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله هو المسلم وان لم يقر بولاية عليّ عليه السلام فانه هناك مؤمن مع ان الاقراران ( الاقرارين خ ) متساوقان ومتساويان لا ينفك احدهما عن الآخر رفع الحق سبحانه هذه الشبهة ونسخ هذا الالقاء من الشيطان بقوله الحق الا لله الدين الخالص وقوله فاعبدوه مخلصين له الدين وقوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين بعد ما قال عز وجل ان الدين عند الله الاسلام فارتفعت الواهمة فان الاسلام الخالص الذي هو الدين الخالص لا يكون ولا يتحقق الا بالاقرار بولاية امير المؤمنين عليه السلام فالايمان والاسلام مقترنان متفقان بل متحدان لا يتفارق احدهما عن الآخر نعم قد يجري ذلك في ( يجري في خ ) الحكم الظاهري اثبات الفرق توسعة للمكلفين وابقاءا لهذا السد وجريا على حكم الله في التكوين فان الله سبحانه قد خلق بعض الكلاب والخنازير والقرد في الباطن على الصورة الانسانية للاقرار الظاهري الكذب واما اذا عادت الاشياء الى مباديها ترجع الاغلاط والاخلاط كلها الى اصولها ومباديها فالدين هو الاسلام والاسلام هو الايمان والايمان هو الاخلاص والاخلاص هو التوحيد والتوحيد هو اثبات الهوية ومحو الاغيار وكمال التوحيد نفي الصفات ونفي الصفات يستلزم ظهور الهاء في هو بنفي الواو وظهور الهاء لا يكون الا في ذلك الماء الذي كان العرش عليه الذي هو الدين فرجع الامر دوريا واتصل الاول بالآخر والآخر بالاول والقبل بالبعد والبعد بالقبل فارتفعت الاولية والآخرية والظاهرية والباطنية والقبلية والبعدية وهذا الدين ماظهر في اكوار الوجود وادواره واطواره الا بمحمد وآله صلى الله عليه وآله فكلما في الوجود على دين محمد صلى الله عليه وآله ومنه اخذوا واليه استندوا في كل مقام من مقاماتهم ومرتبة من مراتبهم ودرجة من درجاتهم في التكوين والتشريع الى ما لا نهاية له الا ان هذا الدين على قسمين قسم على مقتضى الهياكل الانسانية ( وخ ) في كل درجاتها ومقاماتها وترقياتها وتنزلاتها الى مقامات اجسامها واعراضها وقراناتها وامثالها الغير المشوبة بشيء من مقتضيات الهياكل الشيطانية وقسم على مقتضى المزج والشوب بين الهيكلين وعدم بقاء واحدة منهما على صرافتها ( صرافتها خ ) اذ حين الصرافة في الثانية وعدم ذكر الاولى يقتضى لعدم الكون وافناء الوجود واضمحلال العالم لان العالم لا يدور على الباطل لانه مجتث لا اصل له فلا يصلح للقطبية الدائمة الباقية وفي صورة الصرافة في الاولى تنزل السماء بركتها وتخرج الارض نباتها وعشبها ويستدير الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والارض وفي صورة المزج لا يصح الابطال لوجود الحق ولا يصح الاعطاء الكامل لوجود الباطل فالشريعة والطريقة والحكم تتغير في الموضوع لان المراد ابقاء الهياكل الانسانية عند المزج خاصة لا غير فاذا توقف هذا الابقاء على اجراء بعض مقتضيات الهياكل الشيطانية وجب اجراءه لبقاء تلك الهياكل الطيبة وصونا لها عن التلف المستلزم لخراب الكون والوجود فان الله سبحانه خلق الخلق ليبقيهم لا ليهلكهم الا ترى تعاقب الليل والنهار وتقدم الليل على النهار وتقدم الظلمة على النور مع ان الظلمة متقومة بالنور والليل متقوم بالنهار والنهار متأصل في الايجاد والوجود ووجود العقاقير المرة المنتنة والسموم القاتلة وغيرها والحيوانات الموذية وغير ذلك كل ذلك لبقاء النوع الانساني والنور الالهي لان الله سبحانه ابي ان يجري الاشياء الا بالاسباب والا فهو سبحانه فعال لما يشاء لا راد لقضائه ولا مانع لحكمه والاصل في ذلك ان الله سبحانه لما خلق العقل من الماء العذب الفرات نورانيا وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش ثم قال له ادبر فادبر فنزل في ادباره الى عالم الاجسام مظهر اسم الله المميت فخلق الجهل من الماء المالح الاجاج ظلمانيا ثم قال له ادبر فادبر واخذ في ادباره صاعدا الى الطمطام الى السجين الى جهنم الى نار السموم الى الريح العقيم الى الماء ( المالح خ ) الاجاج الى الحوت الى الثور الى الارض ( الارضين خ ) الى ارض الدنيا التي هي ( بازاء خ ) سماء الدنيا فمزج آثار الجهل والعقل في هذه الارض في نقطة الالتقاء فصارت احكام احدهما سرت وجرت في الآخر فانكسرت سورة نورانية العقل وظلمانية الجهل في هذا العالم فاقتضى الاختلاف وتعاقب الليل والنهار وامتزاج الحلو والمر والسم والترياق واختلفت الامزجة وخرجت عن الاعتدال فطائفة غلبت عليهم الصفراء والاخرى البلغم والاخرى الدم والاخرى السوداء او المركب عن احديهما مع الاخرى ولما كانت القوى والمشاعر الروحانية تظهر في الاجسام على مقتضى حكم الابدان والاجسام فاختلفت الميولات والشهوات والمدارك والافهام والاهوية وغير ذلك فاقتضت اختلاف الاديان والملل واختلاف الآراء والاهواء في كل ملة واختلاف المذاقات في الرد والقبول والجرح والتعديل ووجوب التقية والكذب على الله ورسوله عند الضرورة والحاجة والقول بغير العلم والعمل بمجرد الظن وفي بعض المواضع لمحض الشك وكل ذلك من دين الله الذي انزله على رسوله ونبيه صلى الله عليه وآله فيجريها على مقتضى القوابل والاقتضاءات من الانسانية والشيطانية من احكام النسخ والبداء وذكر المتشابهات من المجملات والمطلقات والعمومات وغير ذلك من سائر الاضافات والاوضاع والقرانات الى ان تفترق النقطتان ويتمايز البحران ويبطل المزجان فتذهب النقطة الظلمانية نازلة الى اسفل السافلين والنقطة النورانية صاعدة الى اعلى عليين فتعود الاحكام الى الصرافة الالهية ويخلص الدين لله سبحانه لمقتضى الهياكل الانسانية وتلحق الاحكام الشيطانية باصلها ومبدئها واول مقام التمايز عند خروج مولينا القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلني الله فداه وصلى الله عليه وعلى آبائه الهداة وكمال التمايز الدنياوية في آخر الرجعات بعد قتل ابليس لعنه الله وطهارة الارض عن كل رجس ونجس وخبث في عالم التشريع وكمال التمايز في العالمين عالم التشريع وعالم التكوين في القيمة فينقطع الليل وكل ما لا تهوى الانفس ويعود العود كالبدو ذلك تقدير العزيز العليم فدين الله سبحانه وتعالى واحد هو محمد صلى الله عليه وآله ( والحكم الجاري على المخلوقات هو من فروعه وشعاعه صلى الله عليه وآله خ ) يجري في الموضوعات جريان الماء النازل من السماء في عروق النباتات فيتكيف بكيفية ذلك النبات على حسب تلك الارض فمنه نبات طيب ومنه نبات مر منتن
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
قال الله عز وجل ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال فكل الاديان دينه وكل الشرايع شريعته وكل الملل ملته وهو واحد يجري فيها كجريان الماء في النبات كما مر آنفا فحقها من موافقته ومتابعته وباطلها من خذلانه لتقوية الحق وتسديده وتأييده كل شيء عنده بمقدار وقد قال الله عز وجل وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال والصيغة اما متكلم معه غيره او معظم لنفسه وليس مع الله وعنده الا محمد واهل بيته الطاهرون الطيبون صلى الله عليهم اجمعين لقوله تعالى وله من في السموات ومن في الارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته الآية قال مولينا الصادق عليه السلام الذين في السموات هم الملائكة والذين في الارض هم الجن والانس ونحن الذين عنده وقال عليه السلام لنا مع الله حالات الحديث وليست عظمة الله الظاهرة في المخلوقين الا محمد (ص) واهل بيته صلى الله عليه وعليهم كما في الدعاء وبعظمتك التي ملأت كل شيء وقال الحجة عجل الله فرجه في دعاء رجب فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فعلى كلا التقديرين فالضمير في نقلبهم ذات اليمين وذات الشمال يرجع اليهم كما قالوا عليهم السلام ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم عن الباقر عليه السلام وقالوا عليهم السلام في قوله تعالى وكانوا بآياتنا يجحدون هي والله آياتنا وهي والله ولايتنا الحديث عن مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام فافهم راشدا ما القينا عليك من السر الحق والكبريت الاحمر اذ ماتسمعه من غيرنا الا اذا ورد ماءنا واكل زادنا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
بقي هنا شيء وهو قوله عليه السلام نصر به المسلمين فان قال قائل كيف نصر الله المسلمين به صلى الله عليه وآله مع انهم في ذل شديد ومحكومون للكفار ويجري عليهم الحكم ( حكم خ ) الاغيار ويتقون من الفجار ويصدقون الباطل ويكذبون الحق خوفا من الاشرار مع ما هم عليه من عدم التصفية والتزكية وشيوع المعاصي عندهم وخيانة الامانات وكسالتهم في الطاعات وقعودهم عن الخيرات واشتغالهم بالشهوات وتوغلهم في الكدورات وليس ذلك الا لتمكن المخالفين فيهم واصابتهم من لطخهم قلنا ان جواب ما ذكر يعرف مما ذكرنا لان ذلك كله انما هو لبقاء كينونتهم وحفظ ذواتهم وانيتهم ولو لم تكن معهم نسبة مع الكفار والفجار وهم اهل الغلبة لاخذوا برقابهم ولاهلكوهم عن آخرهم وهذه الامور كلها نصرة لهم كالطبيب الذي يسقي المريض شرابا مرا وليس ذلك الا لنصرته لا لعداوته وهو كما فعل الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقال اردت ان اعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وذلك الملك الجابر ( الجائر خ ) المسلط الكافر هو مخالفونا فانهم في الظاهر اكثر منا مالا واعز نفرا ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم قال مولينا الصادق عليه السلام لعبيد بن زرارة حين لعن اباه زرارة قال عليه السلام اني اردت بذلك ما اراد الله حكاية عن الخضر فاردت ان اعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وانه لمن افضل السفن الجارية في اللجج الغامرة الى ان قال عليه السلام ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ولو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الامر الينا وسلموا لنا واصبروا لاحكامنا وارضوا بها والذي فرق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه وهو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتسلم من فسادها وخوف عدوها الحديث وهذا اختلاف الانظار وتعاقب الليل والنهار وظهور الاشرار والفجار انما هو لنضج بنية المسلمين وايتهالهم ( استيهالهم خ ) لدوام اشراق الحق المبين وتخلصهم عن شوب نسبة الشياطين وكل ذلك نصرة لهم قال عز وجل في الحديث القدسي ان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر فلو اغنيته لافسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا الغني فلو افقرته لافسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا المرض فلو صححته لافسد عليه دينه وان من عبادي من لا يصلحه الا الصحة فلو اسقمته لافسد عليه دينه الحديث فافهم وتفهم
قوله عليه السلام : صلى الله عليه وآله الطاهرين لما ابان فضل محمد وآله صلى الله عليه وآله بما لا مزيد عليه وذكر فيهم ما ( مما خ ) لا طاقة للعقول لتثبته وتحمله وابان ان بيدهم ملكوت السموات والارض وعندهم مفاتح الغيب التي لا يعلمها الا الله وكلما سوى الله مما اكتسى حلة الوجود منهم وبهم وعنهم واليهم ولهم لا تذوت لهم الا بهم وكلهم واقفون ببابهم لائذون بفقرهم بجنابهم واليهم مردهم وايابهم وفيه رايحة من التفويض على ظاهر ما يعرفه العوام اراد عليه السلام ان يزول هذه الشبهة ويرفع تلك الواهمة ويثبت الامر ويحقق الحق ويبين انهم عليهم السلام لا تذوت لهم الا بالله ولا شيئية ولا تأصل ولا حكم لهم الا بمدده وليسوا شيئا الا بفيض فضله وظهور امره بان دعا لهم وسأل لهم من الله سبحانه المعونة والعطية ليعلم انهم ليسوا بمستقلين وليسوا ايضا كالوكلاء بان الله سبحانه امرهم فهم يعملون ورفع يده عنهم كالسيد اذا اعطي عبده اربعة دنانير بان يشتري له من السوق الشيء الفلاني فذهب العبد عنه فان هذا كفر وزندقة وخروج للحق سبحانه عن السلطنة ولذا ورد النهي عن ذلك وكذب مولينا الصادق عليه السلام من زعم انهم فاعلون بامر الله بل انما هم كالسراج بالنسبة الى النار والى الاشعة فان نواصي الاشعة كلها بيد السراج وليست شيئا الا بالسراج وفي كل احوالها متقومة بالسراج ومتحصلة عنه الا انه ليس شيئا الا بالنار فلو قطعت النار مددها عنه لهلك وفنى وبطل فهو لا يزال مستمدا ( من النار خ ) ومتقوما بها ومستمدا عنها فلا استقلال له بوجه فهو حين ما يفيض الى الاشعة بيد النار بل السراج يد النار الباسطة بالانفاق على الاشعة واذنه الواعية والنار هي فعل الله سبحانه وتعالى والسراج مثال العقل الكلي المقبل المدبر والدهن المكلس البخاري اي الدخاني هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فحينئذ يتوجه الدعاء لهم عليهم السلام والاستمداد لهم من الله سبحانه كما امر بذلك بقوله الحق قل رب زدني علما فهم دائما ابدا سرمدا في الاستزادة والاستمداد من العلم فان الوجود علم وما من الله سبحانه معرفة وذلك العلم يتقدر بتقدير العمل فالعلم من الله سبحانه والعمل من العبد باعانته وتسديده بل كل ذرة من الذرات لما كانت على مثال مباديها وجواهر اوائل عللها جرى فيها حكم الاستزادة الدائمة فلا وقوف للفيض ولا تعطيل للمدد كما قال عز وجل في حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وانما اختار في مقام الدعاء الصلوة لانها الدعاء الكلي لانها صورة ولايتهم التي هي هيكل التوحيد التي هي عين الفقر الى الله سبحانه فانه لا ينال مقام ولا مرتبة الا بالخلوص في الافتقار وكل من تمحض في الفقر ظهر فيه نور الكبرياء بقدر تمحضه فيه والاستغناء عن الخلق والاقبال بفقره وذله الى الخالق قال تعالى انا عند المنكسرة قلوبهم ولذا قال صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر فاعظم الدعاء في حق المرأ ان يشعره الله سبحانه فقره ثم يديمه عليه كما قال تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فاذا بقي الفقر واستدام وتخلل في كل اجزائه وجزئياته يكون خليلا فاذا غلب التخلل بحيث كان عين الفقر كان حبيبا فالصلوة اما مشتقة من الوصل او من الصلة او من الصلوان فعلى الاول يكون المعنى وصل الله حبله بحبلهم كما تقول اهدنا الصراط المستقيم ونوره بنورهم وحكمه بحكمهم وقوله بقولهم وولايته بولايتهم بمعنى ان يجعل حبله عين حبلهم كما فعل تعالى كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وحبل الله هو التمسك بهم وبولايتهم واقوالهم وافعالهم فانه حبل الله وسبيله وطريقه ودليله ويجعل نوره عين نورهم لا نور لله سبحانه ظاهرا في الخلق سواهم قال مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام اخترعنا من نور ذاته ه اي المخلوقة وقال تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره فالنور هو محمد صلى الله عليه وآله وهذه الآية لبيان مثل نور محمد صلى الله عليه وآله الذي هو عين نور الله الا ترى انه ليس للنار نور ظاهر للاشعة الا السراج ويجعل حكمه تعالى عين حكمهم سلام الله عليهم كما قال مولينا الباقر عليه السلام اما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه قال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم ويجعل ولايته عين ولايتهم سلام الله عليهم كما قال تعالى هنالك الولاية لله الحق وقال عز وجل ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى ويجعل معرفته تعالى عين معرفتهم كما اشار اليه مولينا امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا على المعنى الثالث وقال الحجة المنتظر عجل الله فرجه في دعاء رجب وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك الى ان قال عليه السلام فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت الم تر ان لا اله الا الله اثني عشر حرفا والوجه اربعة عشر حرفا وهكذا ساير احكام الربوبية فدعاؤه عليه السلام لهم بذلك الوصال والاتصال ابقاء ذلك لهم فيما لا يزال من الخلق والصوغ الجديد قال عز وجل افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد وكل شيء دائم التجدد في الصوغ والكسر ولا غاية لهما على مقتضى الحركة الجوهرية فالدعاء بان يصيغهم الله سبحانه في كل صوغة هكذا ويستمر ( يسقر خ ) لهم مقام الوصال الى ما لا نهاية له فلعمري لقد استجاب الله لهم هذا الدعاء فهم اهل الوصال دائما في الدنيا والآخرة فيما لا نهاية له في التكوين والتشريع فهم الساكنون وهم المتحركون ( وهم المحركون خ ) وهم المتصلون وهم المنفصلون فصل في عين الوصل ( وخ ) وصل في عين الفصل حركة في عين السكون وسكون في عين الحركة محركون في عين متحركيتهم ( وخ ) متحركون في عين محركيتهم قال مولينا الصادق عليه السلام من عرف الفصل من الوصل والحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد وقد اشار الى هذه الدقيقة مولينا امير المؤمنين عليه السلام في خطبته كما ذكر غير مرة اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وهذا القول اشارة الى جميع مراتب الوصل فان هذا الوصل له مراتب كثيرة يضيق صدري لبيانها ولا يضيق لكتمانها وعلى الثاني يكون المعنى وهبهم الله تعالى واعطاهم من كرمه وجوده وفضله ما اغنيهم عن كل ما سواه سبحانه من انحاء الشرائط واللوازم والمتممات والمكملات الذاتية في التكوين والتشريع ويكونوا بذلك في صقع الوجود المطلق وصار زيت قابليتهم يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار فكانوا بذلك نور على نور فيهدي الله لنوره من يشاء فاول من هداه الى ذلك النور بعد ما وهبهم واكملهم الانبياء ثم الاوصياء ثم الانسان اي المؤمنين ثم الملائكة ثم الجن ثم البهائم ثم النبات ثم الجماد هذا في التكوين وكذلك في هذه المراتب في التشريع لكن لكل مرتبة في مراتب التشريع مقامات كثيرة يطول بذكرها الكلام
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
وعلى الثالث يكون المعنى كما اشار اليه عليه السلام في الحديث في المعراج الى ان قال يا محمد (ص) لقد وطأت موطأ ما وطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل قف فان ربك يصلي قال صلى الله عليه وآله كيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة والروح ه وهذه الصلوة بمعنى الصلوان فيصل النبوة بالولاية والولاية بالنبوة فلما استجاب الله سبحانه لهم هذا الدعاء بهذه المعاني الثلثة كانوا اولياء الله من العز ولما كان المحدث دائم التجدد والسيلان زمان بقائه هو عين زمان وجوده وجب على كل الخلق ان يدعوا لهم بالصلوة ليستقر الكون وينتظم الوجود والا لبطل واختل لان نظام الوجود متقوم بهم من حيث كونهم اولياء الله وظهور المعاني الثلثة التي للصلوة فيهم او ( وخ ) ليسوا الا هذه فلو فقد ( فقدت خ ) واحدة من هذه الثلثة لانعدم الوجود وفسد النظام وابطل ( بطل خ ) القوام ولذا صلى الله عليهم وامر ملائكته بالصلوة عليهم وامر المؤمنين بذلك فقال عز من قائل ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فالله سبحانه يعطيهم هذه الثلثة والملائكة والمؤمنون يسألون الله اياها لهم ولذا خص الصلوة فافهم قال شيخنا اطال الله بقاه معنى اللهم صل على محمد وآل محمد ظاهرا بان نسأل الله تعالى لهم ان يرحمهم وان يرحم بهم وان يصلهم برحمته وان يمدهم بمدده الذي استوى به على عرشه بجميع خلقه بهم من جميع رحمانيته التي غيبت العرش بظهوره بها عليه وباطنا بان يكون نريد من قولنا اللهم صل على محمد وآل محمد هو انا نسألك يا ربنا الصلوة عليهم اجابة لما اخذت علينا من العهد المؤكد لهم بان نعبدك بحبهم وبالقيام بحدود فروعهم واوامرهم ونواهيهم التي ندبتهم بها الينا وندبتنا الى اجابتهم في دعوتهم اليك في كل ما دلوا عليه كما اشار اليه موسى بن جعفر عليهما السلام قال قال الصادق عليه السلام من صلى على النبي وآله فمعناه اني انا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله الست بربكم ه رواه في مختصر بصائر سعد الاشعري الى ان قال سلمه الله تعالى معنى هذا الباطن تعاهد منا لما اخذ علينا من الميثاق لهم بالقيام بجميع التكاليف التي هي صورة ولايتهم وهياكلها واداء منا لتلك الامانة فقولنا اللهم صل على محمد وآل محمد من ذلك والطهارة من الحدث الاصغر والاكبر الظاهرين والباطنين من ذلك والطهارة الترابية ايضا من ذلك في مواضعها المشروعة والصلوة بجميع اصنافها ظاهرة وباطنة من ذلك والزكوة ظاهرة وباطنة من ذلك والصيام ظاهرا وباطنا من ذلك والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحكام الله في جميع ابواب الشريعة من ذلك وآداب الله في جميع فرائضه وسننه وما دعا اليه من معرفته بصفاته التي وصف بها نفسه لعباده ومعرفة انبيائه ورسله وحججه وكتبه وملائكته وآياته وامثاله والنظر في عجائب مصنوعاته في الآفاق وفي الانفس بل جميع ما لله فيه رضى من اعتقاد واجتهاد وعمل وقول وحال وفعل من احوال الدنيا والآخرة من ذلك انتهى كلامه اعلى الله شأنه وطول عمره والصلوة المعدية بعليّ بمعنى الصلوة المعدية باللام فلا يرد الاعتراض المشهور من ان الصلوة بمعنى الدعاء والدعاء اذا عدى بعليّ يكون بمعنى الضرر وهو خلاف المقصود والصلوة هي الدعاء وهي هيئة العبادة المطلقة واول ظهورها في مقام اياك نعبد والعبادة ليست الا الطلب الذي هو العمل الذي هو القابلية فكلما في الوجود المطلق في عالم الفرق والوجود المقيد كلها طلب واستدعاء من الله سبحانه وكل هذه الطلبات صور واوعية للفيوضات والامدادات فكل عبادة دعاء حقيقة لا مجازا ولما كانت العبادات تختلف مراتبها ومقاماتها في الطلب والدعوة كان اطلاق لفظ الصلوة والدعاء عليها من باب التشكيك فالصلوة التي هي ذات الاركان دعاء حقيقة والدعاء المعروف صلوة حقيقة وهي ذات الاركان ولكن تحقق الدعاء في الصلوة التي هي صورة الولاية باطن وعام في ذات الاركان وتحقق الصلوة في الدعاء المعروف باطن وخاص يعني ان معنى الدعاء في ذات الاركان باطن وعام كمعنى ذات الاركان في الدعاء المعروف الا انه خاص فكان المعنى من مدلول لفظ الصلوة يوجد في ذات الاركان قويا شاملا لكل خير وكل مطلب وفي الدعاء ضعيفا خاصا ببعض الخير والمطلب فلذا كان الوضع فيها من باب التشكيك فافهم فان هذا الموضع ليس مقام استقصاء ثبوت الحقيقة الشرعية وفيما اشرنا اليه كفاية لاهل الدراية وتعيها اذن واعية
قوله عليه الصلوة والسلام : وآله الطاهرين اما الآل فمستغني ( فمستغن خ ) عن الكلام اذ لا كلام بين الفرقة المحقة انهم الائمة المعصومون صلى الله عليهم اي عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمد وجعفر وموسى وعليّ ومحمد وعليّ والحسن والحجة الخلف القائم المنتظر صلى الله عليهم اجمعين انما ذكرت اسمائهم الشريفة مع انهم في الظهور كالشمس في رابعة النهار في مقام الاعلان والاظهار تيمنا وتبركا ولما اجد فيه من الراحة لانه المسك ما كررته يتضوع وانهم طاهرون من كل الاكدار اذ الاكدار من ملاحظة الاغيار وهم لم يزالوا ولا يزالون عند الله ومع الله وعن الله ولله ووجه الله فمن اين تلحقهم كدورة لا في تكوينهم وذواتهم وصفاتهم وسائر كينوناتهم وهم حقيقة الاستقامة وعلى خلق عظيم وهو معنى قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فان ارادة الله هي عين فعله وايجاده لقول الرضا عليه السلام وارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له وليس عند الله مستقبل وحال وماضي ( ماض خ ) اذ ليس لربك زمان فكل ارادته واقعة فلما كانت ( الارادة خ ) في الازل الثاني اي في عالم السرمد كان المراد معها هناك لقوله عليه السلام لا تكون الارادة الا والمراد معها ولما كان المراد اذهاب الرجس لمحض الصلاحية والذكر لا للوجود والكون فكانوا سلام الله عليهم في ذلك العالم في تلك الطبقة مطهرين منزهين بتطهير الله وتقديسه وتنزيهه فكانوا ( فكان خ ) وصف تطهير الله وتنزهه وتقدسه عن جميع الشوائب الامكانية لان الله سبحانه انما اراد تطهيرهم ليتخذهم بابا وعضدا لخلقه ولما كان الباب مترجما لا اصلا والظاهر من الترجمان هو الترجمة التي هي صفته ووصفه لكنها حاملة لصفة الاصل ودليله الظاهرة ( الظاهر خ ) في الترجمان الظاهر بالترجمة فحكم الترجمان حين الترجمة حال الاصل المترجم عنه لا فرق بينه وبينه الا انه وصفه ودليله ولذا كان الفاعل في قام زيد مرفوعا معمولا للفعل مع انه ما يتوجه به الا الى الذات مع قطع النظر عن الفعل ولذا اشتهر عند الناس ان الفاعل اصل للفعل مع انهم مجمعون ان الاصل في العمل هو الفعل والعامل اشرف من المعمول فلطهارتهم صلى الله عليهم مقامات كثيرة ففي مقام انما انا بشر مثلكم مطهرون عن كل المعاصي والسيئات من المحرمات والمكروهات من الظاهرية والباطنية والحقيقية والمجازية في مقام الشريعة ومقام الطريقة ومقام الحقيقة فلا يلتفتون الى انفسهم ولا الى غيرهم عاملون بمقتضى قوله عز وجل ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وقوله عز وجل واستقم كما امرت وشهد الله لهم بذلك حيث قال وله من في السموات ومن في الارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ثم مدحهم بذلك فقال كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالكتاب كله والايمان الحقيقي هو الاقرار والاقرار هو العمل ومما في الكتاب واستقم كما امرت وما امر هو قوله تعالى فاعبدوا الله مخلصين له الدين فالذي يعصي ليس بمخلص وليس بمؤمن لقوله عز وجل بئس الاسم الفسوق بعد الايمان فجعل الايمان مقابل الفسق والفسق هو العصيان حقيقة لان العاصي باي وجه كان ولو صغيرة يصدق عليه انه فسق عن امر ربه فحينئذ ما آمن بالكتاب كله فلما طهرهم الله سبحانه وهم تطهروا وشهد لهم بذلك ومدحهم على ذلك ثم الزم الخلق محبتهم وولايتهم في قوله قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والله سبحانه لا يأمر بمودة العاصي حين ما يعصي وفيه وان كان اشارة الى الخلافة الا انها لا تظهر الا للخواص فصرح بالامر في قوله الحق يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وكيف يكون العاصي صادقا مع انه خلف ( اخلف خ ) الله وعده حين اخذ عليه الميثاق عند قوله الست بربكم قالوا بلى فاقروا له بالوفاء والمعصية ليس ( ليست خ ) من امر الرب وانما هي من امر الشيطان وقال عليه السلام من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فالعاصي حين المعصية يعبد الشيطان فماصدق في قوله بلى يوم الست بربكم فالله سبحانه امر بالكون مع الصادقين الذين اوجب مودتهم وهم ذووا القربى الذين هم اهل البيت الذين طهرهم الله من الرجس وهذه الآية وان كان ( كانت خ ) اصرح مما قبلها في اثبات ولايتهم ووجوب متابعتهم لاتيانه سبحانه بلفظ الامر الدال على الوجوب لكنها ليست ناصة تقطع حجة الخصم فاوضح الامر وصرح بوجوب المتابعة في قوله عز وجل اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم والامر هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تقدم في الآية كنتم الى ان قال تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فتعين ان اولي الامر هم الصادقون الطاهرون ثم ابان الحق سبحانه عن عدد اولي الامر في قوله عز وجل ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلما كان في الامم الماضية والقرون السالفة يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وقال تعالى لتركبن طبقا عن طبق ولن تجد لسنة الله تبديلا فيكون القوم الهادون في امة محمد صلى الله عليه وآله اثني عشر ويجب ان يكونوا اسباط الانبياء فانحصر اولوا الامر في ذوي القربى وهذه الآية وان كانت صريحة في نفي المخالفين المدعين للقرابة لعدم كونهم اسباطا لكن فيه نوع خفاء يمكن ان يدلسوا على الجهال فاظهر الامر سبحانه وتعالى لتعيين ذوي القربى لئلا يدعي كل من له نسبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وان كانت عرضية فقال سبحانه وتعالى النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين فهذه الاولوية ليست الا في الولاية التي اثبتها للنبي صلى الله عليه وآله والولاية هي الاولوية في التصرف لقوله اولى بهم من انفسهم فاخرج المهاجرين عن هذه الولاية اجمع واثبت الامر في اولي الارحام فخصص ذوي القربى بهم فبطل الذين كانوا متمسكين بالقرابة السببية من المناكحة والمزاوجة و( ثم خ ) اولوا الارحام ايضا ما دخلوا كلهم لقوله تعالى بعضهم اولى ببعض والامر في الحقيقة وان ظهر في هذا المقام لان اولي الارحام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان الا العباس وامير المؤمنين عليه السلام والعباس قد عرف الخلق كلهم عدم ايتهاله ( استيهاله خ ) لهذا الامر وكذلك باقي بني هاشم لكن الله سبحانه تأكيدا للامر واتماما للحجة واكمالا للنعمة صرح بالامر ونص عليّا عليه السلام لهذا الامر بما لا يحتمل الخلاف لقوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وما اجتمع الصفتان الا في عليّ عليه السلام لان العباس وغيرهم من بني هاشم ( العباس وغيره من بني هاشم وغيرهم خ ) كانوا نسبا ولم يكونوا صهرا وعثمان وان كان صهرا على ظاهر دعويهم لكنه لم يكن نسبا وليس النسب والصهر الا مولينا امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه السلام فقوله تعالى جعله نسبا اشارة الى انه سبحانه جعله كذلك واختصه بنبيه صلى الله عليه وآله فهو نسب واقعي الهي قد جعله الله لمحمد صلى الله عليه وآله وارثا اذ ما كل نسيب في الظاهر واولي رحم هو نسيب واولو رحم في الباطن والحقيقة واحكام النبوة والولاية والمودة الالهية للنسيب الواقعي الاصلي لا الظاهري الم تر الى قوله تعالى انه ليس من اهلك وحكم النجاة ماشمل ابن نوح الشامل لكل اهله لانه ابنه في الظاهر ولم يكن ابنه في الباطن ولما شهد الحق سبحانه لعليّ عليه السلام بالقرابة الواقعية والمناسبة الذاتية المجعولة من الله سبحانه وتعالى ولم يشهد لغيره علمنا انه لمزية عنده ليست لغيره فيكون هو المناسب لرسول الله صلى الله عليه وآله دون غيره ثم بان زوجه الله سبحانه ابنة محمد صلى الله عليه وآله فشهد لها بالطهارة وعلو القدر والمقام اذ الله سبحانه ما يختار للنبوة والرسالة اهل الباطل واهل المعصية مردة الشيطان وفعلة الطغيان والعصيان وانما يختار الطيب الطاهر لانه سبحانه هو الطيب الطاهر الطيبات للطيبين والخبيثات للخبيثين فما ينسب الى الله سبحانه وتعالى يجب ان يكون اشرف واولى واطهر من كل احد مما لم ينسب الى الله سبحانه وتعالى فلما اختار محمدا صلى الله عليه وآله بالرسالة والنبوة علمنا ان ذلك لجليل شأنه عنده وعظم خطره لديه وكبر محله وقرب منزلته منه فلما اختار من بين المنتسبين اليه صلى الله عليه وآله واحدا واثبت له القرابة والنسب دون الآخرين علمنا ان ذلك ليس لمجرد النسبة الظاهرية والا لكان لغوا بل لمناسبة حقيقية ذاتية ليست في غيره خصوصا عند قوله تعالى خلق من الماء بشرا مع ان البشر كلهم خلقوا من التراب قال تعالى ومن آياته خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون فلو كان المراد الماء الذي جزء العناصر فالكل كانوا مشتركين في هذا الحكم مع ان ذلك لا يصح فان الحكم على الجزء الغالب لا الجزء المغلوب ولذا شاع وذاع ان الانسان خلق من التراب والجن من النار والملائكة من النور مع ان هذه الثلثة في الكل موجود ولا يقال ان الملائكة خلقوا من النار او من التراب او الجن خلقوا من التراب او من النور او البشر خلقوا من النار او من النور او من الهواء فكذلك من الماء فتحقق ان الله سبحانه يريد في هذه الآية بيان حقيقة مناسبة هذا الخلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وانه لا يشبه غيره من اولي القربى واهل النسب فانهم خلقوا من التراب اي من فاضل الجسد البشرى واما هذا الخلق عليه السلام فهو من الماء والماء هو الذي به كل شيء حي فهو مادة الحيوة والخلق من هذه المادة اشارة الى وجودها وتحققها فيه والا لكان عبثا يعني ان حيوته الابدية ذاتية فطرية الهية ليست كساير الخلق بالاكتساب والاختلاط الترابي وانما هو حيوة صرف ونور بحت والحيوة هي العلم والايمان والتقوى والعمل الصالح والطهارة ولذا كان الماء طهورا لقوله عز وجل افمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فجعل الجاهل والكافر ميتا لقوله كمن هو في الظلمات وهو ( هي خ ) السواد الذي طبعه بارد يابس الذي طبع الموت قال تعالى وما يستوي الاحياء ولا الاموات ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور ان انت الا نذير فاذا اثبت الحق سبحانه ان عليّا عليه السلام هو مادة العلم ومنشأه وحقيقته وفطر على اليقين والتقوى في اصل خلقته بحسن ( لحسن خ ) قابليته وان النبوة ليست حكم الغالب ( القالب خ ) البدني الترابي وانما هو حكم القالب البدني المائي الذي هو آثار رحمة الله يحيي بها اراضي القلوب الميتة وعليّ عليه السلام مناسب ( مناسبه خ ) في هذه الحقيقة فيرد الامر من المناسب الى المناسب لا المباين ثم لما اراد الله سبحانه اظهار ذوي القربى وحملة النبوة والولاية جعل هذا الطيب الطاهر المخلوق من الماء الذي هو نسيب رسوله ( رسول الله خ ) صلى الله عليه وآله صهرا حقيقيا بان زوجه ابنته الحقيقية التي لها مناسبة ذاتية مع ذلك البشر المخلوق من الماء فتكون هي ايضا مخلوقة من الماء لحكم المناسبة فهي ايضا عين العلم ومعدنه ومنبعه وما كانت مخلوقة من الجسد البشري وانما هي مخلوقة من الماء الالهي الذي به ( حيوة خ ) كل شيء حي نزل الى رسول الله صلى الله عليه وآله فتولدت منه على الواقع ( الواقعي خ ) الحقيقي لا الظاهري المحض فلما قارن السعدان والتقي البحران اخرج الله سبحانه منهما اللؤلؤ والمرجان وهما الحسنان عليهما سلام الله الملك الديان فورثا حكم الله واستودعا امر الله اذ من الطيب والطيبة ابنة الطيبة ( الطيب خ ) ما يظهر الا الطيب فالمناسب للمناسب لرسول الله صلى الله عليه وآله مناسب له فذوي القربى ولاة الامر يجب ان يكونوا من نسل هذين الطيبين الطاهرين واليه اشار مولينا الحسين عليه السلام في يوم كربلا الى ان قال عليه السلام :
لا لشيء كان مني قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين
بعلي الخير من بعد النبي والنبي القرشي الوالدين
خيرة الله من الخلق ابي ثم امي فانا ابن الخيرتين
فضة قد خلصت من ذهب فانا الفضة وابن الذهبين
من له جد كجدي في الوريا وكشيخي فانا ابن القمرين
فاطم الزهراء امي وابي قاصم الكفر ببدر وحنين
الى آخر الابيات صلى الله عليه وآله فكان ائمتنا سلام الله عليهم مأخوذين من تلك الصفوة ومن تلاقي ذين البحرين المخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فهم ليسوا من نسبة هذا التراب البشري المحض وانما هم من نسبة الماء الذي به كل شيء حي ولما كان المعاند قد يلبس الامر على بعض العوام المستضعفين على ان السبط والذرية انما هي من جهة الاب لا الام الا الجزئي على ما قال شاعرهم :
بنونا بنو ابناءنا وبناتنا بنوهن ابناء الرجال الاباعد
والائمة سلام الله عليهم منسوبون الى رسول الله صلى الله عليه وآله من جهة الام لا من جهة الاب فلا يقال لهم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله الا مجازا ابطل هذه الشبهة ورفع هذه الواهمة في سورة الانعام باثبات ان عيسى من ذرية نوح ولا ريب انه من جهة الام لا من جهة الاب وبالجملة براهين طهارتهم واضحة وحجج ولايتهم ظاهرة لا ينكر طهارتهم الا خبيث المولد خبيث الذات خبيث الصفات خبيث الافعال المشرك المرتاب اللهم صل على محمد وآل محمد وثبتنا على دينك ودين نبيك ولا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب وهذا مقام طهارتهم صلى الله عليهم في المقامات البشرية واما طهارتهم في مقام الوجهية فمما يقصر الكلام لبيانها ويحسر اللسان لادائها اذ فيها مقام ارتياب الجهال وفتنة اصحاب القيل والقال الا اني فيما مثلت لك من امر الفاعل ومعموليته للفعل واشتقاقه منه وهيمنة الفعل عليه مع نسيان الفعل وعدمه عند وجود ذكر الفاعل يظهر المقصود فيظهر لك ان اقصى مقامات التنزيه واعلى درجات التقديس بالنسبة الى الطبقة الانسانية ادنى درجات تنزيه آل محمد سلام الله عليهم وتقديسهم وان اقصى مقامات تنزيه الانبياء وتطهيرهم الحق سبحانه عن كل ما سواه جزء من سبعين الف جزء من رأس الشعير من تنزيههم صلى الله عليهم وهكذا وانا اذكر لك حديثا تعرف منه ما ذكرنا ظاهرا وباطنا ان وفقت لذلك روى الصدوق (ره) باسانيده عن عبدالسلام بن صالح الهروي عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ بن ابي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا افضل مني ولا اكرم عليه مني قال عليّ عليه السلام فقلت يا رسول الله انت افضل او ( ام خ ) جبرئيل فقال صلى الله عليه وآله يا عليّ ان الله تبارك وتعالى فضل انبياءه المرسلين على الملائكة المقربين وفضلني على جميع المرسلين والفضل بعدي لك يا عليّ وللائمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا عليّ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا عليّ لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا جنة ولا نار ولا السماء ولا الارض فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سبقناهم الى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه وتمجيده لان اول ما خلق الله عز وجل خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة انا خلق مخلوقون وانه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة ان لا اله الا الله وانا عبيده ولسنا بآلهة يجب ان نعبد معه او دونه فقالوا لا اله الا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله اكبر من ان ينال عظيم المحل الا به فلما شاهدوا ما جعله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة ان لا حول ولا قوة الا بالله فلما شاهدوا ما انعم الله به علينا واوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله رب العالمين لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا الى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده ثم ان الله تبارك وتعالى خلق آدم فاودعنا صلبه وامر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا واكراما وكان سجودهم لله عبودية ولآدم اكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم اجمعون ه تأمل في هذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فانه تمام الامر لكنه لوح صلى الله عليه وآله لاهل التلويح الى ما ذكرنا فان قوله صلى الله عليه وآله قلنا لا اله الا الله الى آخره هو ما كتبوا في حقائقهم من وصف عدم تذوتهم وهو الفاعل في ضرب زيد عمرا الذي هو معمول الفعل بل لا يكون الفاعل الا معمول الفعل ابدا فتكون طهارتهم سلام الله عليهم هي طهارة الله وتقديسه وتنزيهه فافهم راشدا موفقا ان شاء الله تعالى
قال عليه الصلوة والسلام : ايها الناس انيبوا الى شيعتي والتزموا بيعتي وواظبوا على الدين بحسن اليقين وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم وبحبه يوم الحشر منجاتكم
لما وصف الحق سبحانه على ما وصف الله سبحانه له على قدر ما نطيق وندرك ونفهم اذا عرفنا انفسنا ووصلنا الى مقام ذواتنا وحقائقنا من بارينا ومبدئنا وادركنا بالعين التي جعلها الله سبحانه فينا لنشاهد بها جلاله وجماله وعزه وقدسه ولما كان تلك العين لا نهاية لادراكها ولا غاية لمعرفتها ولا نفاد لامدها ولا انقطاع لمددها لانها ظهور من ظهورات الوجه الاعظم واشراق من اشراقات النور الاقدم الذي لم يطرء ولا يطرء عليه العدم ولا تزل له في توحيد الحق سبحانه قدم فهي لم تزل في الارتفاع ولا يزال ( لا تزال خ ) في الوصل والاتصال فاذا كان النهر منبعه ذلك البحر والكلام مستمد من ذلك النور والسر فلا ينقطع ولا يتكرر وان ظهر الكلام والبيان بصورة الحدود لكنها متصلة بذلك البحر فدائما يأتيه المدد ودائما يتجدد ومع ذلك كله لا يتبين المراد لقصور الاستعداد فان مقام التعبير مقام الحدود ومقام التفهيم والتصوير مقام الكيف والنهاية ففهم ذلك العالم منقطع وادراكه في مقام العبارة منعدم ثم ان مراتب الناس اهل الطبقة الانسانية مختلفة اذا بلغوا ذلك المقام وسمعوا ذلك الكلام من الملك العلام الذي هذه الخطبة الشريفة قد شرحت خافيها واظهرت ما فيها لمن ورد ذلك المنهل وادرك العل والنهل فكل احد من هؤلاء الاخيار يعرفون من تلك الاسرار المطوية في هذه الكلمات الشريفة على مقدار ظهور ذلك النور الذي ظهر لهم من فاضل ظهور صاحب هذه الخطبة المباركة فابدا يترقون وفي بحر الترقي يسبحون فكلما اشتدت السباحة كثر ظهور اللئالي ثم لا يلحقون قعره ولا يبلغون قدره وبالجملة بابي هو وامي كذلك وصف ربه لخلقه في توحد ذاته وظهور اسمائه وبروز صفاته ومواقع تجلياته وافعاله واشراقات انواره وسطوع عظمته وجلاله وكيفية بدو مخلوقاته واستداراتهم على اقطابهم واستدارات الاقطاب على اقطابها واقطاب اقطابها وهكذا الى ما لا نهاية له على حد قوله عز وجل ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ثم وصف اول الظهور التجلي الاول والتعين الاول وقطب دائرة الاكوار والادوار من مبدأ الوجود الى آخر نهايات ظهور المعبود مقام السفارة الحقيقية مبدأ شكل المثلث آدم الاول ولذا كان المثلث احسن الاشكال وابو الاشكال وهو شكل آدم النبي في كل مقام في كل آدم من الآدميين الالف الف ولكل آدم حواء وهي احد اضلاعه وهي الضلع الايسر وظهر ببيانه صلى الله عليه وآله ان الشكل المستدير هو وجه من وجوه المثلث الوجه الاعلى والشكل المربع وجهه الاسفل كالاحد والواحد الظاهرين من الله ولما كان هذه النقطة هي المحبة الاولية فلها استدارات تجمعها استدارتان استدارة على الوجه الاعلى وهي بذاتها وكينونتها وهي استدارة ذاتية وحركة جوهرية واستدارة على نفسها في اظهار شؤنها وكمالاتها ومراتبها ودرجاتها ومشاهدة ظهور الجلال والجمال والكبرياء والعظمة كالتدوير للكوكب بالنسبة الى الحامل واستدارة على غيرها استدارة امداد وايجاد واظهار وارشاد ففي الاستدارتين الاخيرتين لا بد لها من ظهور في مقامات التفصيل عن مقام الاجمال وفي الانبساط عن الوحدة المطلقة اذ بدون ذلك يمتنع الظهور لمراتبه السافلة او لآثاره النازلة ولما كان مقام الاجمال غير مقام التفصيل ومقام الانبساط ظاهر الدلالة واضح الحجة غير مقام الوحدة المحتجبة بشعاع نورها عن نواظر المخلوقين وكانت المراتب والمقامات والآثار وروابط العلل بالمعلولات والاسباب بالمسببات واللوازم بالملزومات والشرائط بالمشروطات ومظاهر القدر والقضاء والاذن والاجل والكتاب وغيرها كلها منتسبة الى المقام الثاني لا المقام الاول فظهور الربوبية اذ لا مربوب لا يمكن الا في تلك النقطة التي هي الربوبية الثانية اذ لا مربوب عينا واذ مربوب ذكرا وظهور هذه الربوبية يمتنع الا في مقام تفصيل تلك الربوبية الثانية في عالم الظهور اي ( في خ ) مقام الربوبية اذ مربوب عينا وكونا وذكرا فوجبت معرفة الربوبية الثالثة اولا للتوصل الى الثانية للتوصل الى الاولى فمن لم يعرف الثالثة او انكرها فقد انكر الثانية وجهلها ومن انكر الثانية وجهلها فقد انكر الاولى وجهلها فمن انكر الاولى وجهلها فهو كافر خارج عن ربقة المسلمين ومستحق للخلود الدائم في العذاب المقيم وعليه لعنة الله ابد الآبدين ودهر الداهرين ولا يزكيه الله ولا ينظر اليه يوم القيمة وله عذاب عظيم ولما كان السافل جاهلا في حد ذاته بل ليس شيئا الا بظهور العالي له به فلا يعرف ولا يدرك شيئا الا بوصف العالي وبيانه له ولما ان هذا البيان والوصف ليس في مقام الذات البحت لانها صمد لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيها شيء وليس في مقام الربوبية الثانية لان فيها ذكر واجمال وقدس وعزة ووحدة وبساطة والبيان يقتضي بسطا وكثرة وانتشارا ودعوة وتفصيلا وظهورا وليس ذلك الا في مقام الربوبية الثالثة فوجب البيان في هذا المقام لعامة الخواص والعوام ولما كان آية الربوبية الاولى هي النقطة وهي الوحدة الاحدية المنزهة عن كل اقتران وانتساب وآية الربوبية الثانية هي الالف اللينية المائلة الى الالف القائمة بل آخر مراتبها الالف القائمة وآية الربوبية الثالثة في مقام الظهور هي الالف المبسوطة التي هي الباء قال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما رواه ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم فان مقام الظهور والانبساط متميز الدرجات والمقامات في الباء ونسبة الباء الى الالف نسبة الكرسي الى العرش ونسبة الحروف الى المداد ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الواقف مقام الربوبية اذ لا مربوب عينا واذ مربوب ذكرا وصلوحا اي حامل ظهوراتها وآثارها وتجلياتها ومولينا عليّ عليه السلام هو حامل ظهورات الربوبية اذ مربوب ذكرا وعينا وهو عليه السلام الواقف في هذا المقام قال عليه السلام وكل ما في البسملة في الباء وكل ما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء وهذه هي النقطة الظاهرة في الباء ونسبة هذه النقطة الى الباء نسبة الكرسي الى البروج والمنازل ولما كان مقام الربوبية الثانية ليس فيها الا محض التأدية الى الربوبية الثالثة وفي مقام الربوبية الثالثة ينتشر الفيض ويتميز وينال كل احد نصيبه من الكتاب ويعطي كل ذي حق حقه ويساق كل مخلوق الى رزقه ان خيرا وان شرا وان نورا وان ظلمة قال الله عز وجل خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله انما انت منذر ولكل قوم هاد وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي لان رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب المقام الثاني ومولينا عليا عليه السلام صاحب المقام الثالث ولما كان الاختلاف والامتياز انما هو في المقام الثالث دون المقام الثاني فان فيها ( فيه خ ) وحدة نوعية وفي الثالث الوحدة الشخصية المستلزمة للكثرة الشخصية وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في الاول وعليّ عليه السلام في الثاني كما مر آنفا قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال الله عز وجل عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام اي نبأ اعظم مني ولما كان وصف الله نفسه لخلقه هدايته لهم الى ما فيه صلاحهم وما فيه هلاكهم في كل مقام بمعنى الاراءة في المشية العزمية وبمعنى الايصال في المشية الحقية وكان صاحب الهداية على ما نص الله عز وجل هو عليّ عليه السلام كان ذلك الوصف انما اتى اليهم به عليه السلام فرسول الله صلى الله عليه وآله انما ادى خطاب الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة من ولده وفاطمة الصديقة عليها وعليهما السلام اوليائكم عن الله سبحانه ومكن قابلياتهم واثبته في هوياتهم ويسر السبيل وسبب التيسير لهم ليقولوا بلى او نعم عليّ عليه السلام فرسول الله صلى الله عليه وآله هو المبلغ وعليّ عليه السلام هو الكاتب المثبت بل هذه المبلغية ما ظهرت له صلى الله عليه وآله الا بعليّ عليه السلام فكان عليّ عليه السلام هو الواصف للخلق حدود الربوبية ولما كان الوصف وصفين حالي ومقالي وقد تحقق بالامرين كان عليّ عليه السلام هو مصور حقائق الخلق على فطرة التوحيد عن الله عز وجل كما كان مبين شريعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله عز وجل كما ان الله لم يكن عاجزا عن التأدية والتبليغ في التشريع كذلك لم يكن عاجزا في التكوين تعالى عن ذلك كما انه جعل واتخذ سبحانه رسلا وسفراء في التبليغ التشريعي كذلك في التكويني لان الاختلاف في التدبير ليس من شأن الحكيم الخبير فقد اتخذهم الله سبحانه لخلقه اعضادا ووسائط في التكوين كما انه جعلهم واتخذهم في التشريع كما ان السفير والواسطة في التشريع ليس مستقلا كذلك في التكوين كما ان هنا ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى كذلك هناك ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولما كان الايجاد لا يكون الا في مقام الربوبية اذ مربوب عينا وكونا ولا يصح ان تكون هذه الربوبية ذات الله عز وجل اذ لا تصور على الله حالتان فتكون ربوبية اذ لا مربوب وربوبية اذ مربوب فتنقسم ( فتقسم خ ) تلك الى العدم الكوني والوجود الذكري والوجود الكوني والذكرى معا لان مختلف الاحوال محدث ولا يصح ان تعرض تلك الحالتان ذاته سبحانه اذ نقول انهما حادثتان او قديمتان فان كانا ( كانتا خ ) حادثتين تكون ذاته محلا للحوادث وان كانتا قديمتين تعددت القدماء مع انها لا يفرض ولا يتصور سيما في المقام فاذا صح حدوث تين الربوبيتين فنقول لا يخلو انهما امران اعتباريان لا محصل لهما في الوجود الخارجي وليسا الا فرض الذهن والتصور على ما يزعمون في الامور الاعتبارية ام لهما تأصل في الوجود وتحقق في الشهود فان قلت بالاول نقول ان قوام الموجودات واصولها انما نشأت من الربوبية فان الاشياء كلها ما سوى الله مربوبون والاصل في المربوب هي الربوبية لانها مادة اشتقاقهم فاذا كانت الربوبية امرا اعتباريا فالمربوب بالاعتبارية اولى واحرى واحق الا ترى انك اذا تصورت الضرب واعتبرته يكون المضروب امرا اعتباريا ولا يتحقق ( مضروب خ ) متحقق موجود في الخارج بحيث يجري عليه الاحكام الخارجية بمحض تصور الضرب واعتباره ولا يكون ذلك الا بايجاد الضرب في الخارج فيكون المضروب حدودا عارضة لذلك الضرب والضرب اصل للمضروب فلو كانت الربوبية امرا اعتباريا لم يوجد في الخارج شيء ابدا ثم ان الاعتبار والوجود الذهني هو ان لا محصل له الا باعتبار المعتبر وفرض الفارض وقبل ذلك لم يكن له وجود اصلا فعلى هذا يلزم ان لا تكون لله ربوبية اذا ( اذ خ ) مافرضها احد وهذا كفر بالله العلي العظيم وعناد للدين ( القويم خ ) ثم ان الربوبية اذ لم تكن موجودة عينية لكان وصف الله عز وجل رب كل شيء كذبا كما اذا قلت لك انت سلطان ولم تكن لك سلطنة خارجية كان كذبا نعوذ بالله من ذلك واستجير به من طغيان الافهام وزلل الاقدام فان الحكم ان كان ذهنيا لا يشترط وجود الصفة في الخارج نعم يشترط حضورها في الذهن وان كان خارجيا يجب وجودها في الخارج والا كان كذبا وهذا لا اشكال فيه لمن له فهم او القى السمع وهو شهيد فاذا وجب ان تكون الربوبيتان موجودتين في الخارج فنقول هل هما عرضان ام جوهران ذاتان فان كان الاول فما معروضهما فان كان هو الله يلزم المحال وان كان خلق الله فهو مربوب فالربوبية اصل له ولا يصح ان يكون الاصل عرضا والفرع ذاتا والمشتق ذاتا والمشتق منه فرعا بحكم الضرورة والبديهة فاذا بطل كونهما عرضا ثبت انهما ذات اذ لا واسطة بينهما معقولة فاذا ثبت انهما ذاتان فهل تقدم عليهما خلق ام لا فان تقدم فهل هو مربوب ام لا والثاني يبطل مخلوقيته فيتعدد القدماء والاول يثبت تقدم الربوبية لما مر فتكون الربوبيتان اقدم الخلق واسبقهم فتكونان اشرفهما ( اشرفهم خ ) وقد انعقد الاجماع الضروري بين الفرقة الناجية على ان محمدا صلى الله عليه وآله اشرف الخلق واقدمهم وكذا عليّ بن ابي طالب امير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسبقهما سابق ولم يلحقهما لاحق ولا يطمع في ادراكهما طامع وكذا ( كذلك خ ) الطيبون من اولادهما صلى الله عليهم وعليهما فانهم طينة واحدة وحقيقة واحدة باجماعنا مع قطع النظر عن الاخبار الواردة من الفريقين البالغة على حد التواتر فاذا كانا سلام الله عليهما اسبق الخلق لم يسبقهما خلق وما فاقهما خلق ( موجود نسخة ١٤٢ خ ) وقد اثبتنا بالبرهان القطعي الذي لا ينكره الا جاحد معاند ان الربوبية هي اسبق الخلق واقدمهم فوجب ان يكونا صلى الله عليهما اما عين الربوبيتين او محلهما كالمضروب الذي هو محل للضرب والحديدة المحماة بالنار التي هي محل للنار والقلب الذي هو محل للحركات القلبية والخطورات الذهنية وامثال ذلك ولما كانت الربوبية اذ مربوب ذكرا اشرف واعظم من الربوبية اذ مربوب كونا وعينا لان الثاني مقام الكثرة المتمايزة والاول مقام الوحدة وهي اشرف من الكثرة المتمايزة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله اشرف من عليّ امير المؤمنين عليه السلام باجماعنا معاشر الشيعة وفوق كل مقام تحت مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ولذا قال صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت كان محمد صلى الله عليه وآله هو حامل الربوبية الثانية وعليّ عليه الصلوة والسلام هو حامل الربوبية الثالثة واما الربوبية الاولى التي لا ثاني لها وهي الربوبية اذ لا مربوب بوجه من الوجوه هو الحق سبحانه وتعالى فلا كلام فيها ولا سبيل اليها الطريق مسدود والطلب مردود دليلها آياتها ووجودها اثباتها ولما كانت الربوبية اذ مربوب بها ظهر الكون وبرز الوجود وتحقق الشهود وامتاز العابد من المعبود وانتشرت آثار الرحمة الواسعة التي عمت ووسعت كل شيء وكان مولينا امير المؤمنين عليه السلام هو الحامل لها والقائم بها والمقوم لها بتقويم الله سبحانه اياها له عليه السلام كانت تلك الاوصاف كلها منتسبة اليه وراجعة اليه فهو عليه السلام الكتاب الناطق على كل شيء بالحق قال تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق فنطق للخلق بصفات الاحدية والواحدية والنبوة والولاية والقى في هويات الاشياء هذا المثال اي هذه الصفات واليه اشار بقوله والقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وهذا التوصيف والقاء المثال هو الرشح الذي اشار اليه عليه السلام لكميل ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فهو عليه السلام الهادي والكاتب في قلوب الخلق الايمان والكفر ففي كل شيء مكتوب بقلم النور من مداد السرور والكاتب امير المؤمنين عليه السلام باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله سبحانه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولي الله فماتجد ذرة الا وهذه الكتابة فيها ظاهرة في ذاتها وصفاتها وشؤنات اطوارها وهنادس هيئاتها كما دلت عليه اخبارهم وشهدت له آثارهم مجملة وانا اذكر لك حديثا تعرف نوع ما ذكرنا في الاحتجاج روى القسم بن معوية قال قلت لابي عبد الله عليه السلام هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وآله رأى على العرش لا اله الا الله محمد رسول الله ابو بكر الصديق فقال سبحان الله غيروا كل شيء حتى هذا قلت نعم قال عليه السلام ان الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اسرافيل كتب على جبهته لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل جبرائيل كتب على جناحه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل السموات كتب في اكنافها لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الارضين كتب في اطباقها لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الجبال كتب على رؤسها لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين وهو السواد الذي ترونه في القمر فاذا قال احدكم لا اله الا الله محمد رسول الله فليقل عليّ امير المؤمنين ولي الله ( انتهى خ ) ولما كانت حقائق الخلق ( الخلايق خ ) وذواتهم امثلة ونقوش لا اله الا الله محمد رسول الله عليّ امير المؤمنين ولي الله وتلك النقوش والصور انما حصلت في الربوبية الثالثة التي كان مولينا امير المؤمنين عليه السلام حاملا لها ومظهرا اياها وهي آثار ولايته اي ولاية الله الظاهرة فيه عليه السلام ولما حكم الله سبحانه ان يقرن الوصف الحالي بالوصف المقالي اتماما للحجة واكمالا للنعمة وايضاحا للمحجة وكان حكم الله سبحانه واحدا لا يختلف من ذاته وجب ان يكون الواصف المبين المظهر المعلن في التشريع والتدوين هو الواصف والمبلغ في التكوين ليطابق العالمان ويتحد الوصفان ولما عرفت ان الواصف في التكوين بالوصف الحالي هو مولينا عليّ عليه السلام كان الواصف في التشريع والتدوين ايضا هو عليه السلام ولذا اختص عليه السلام بانشاء مثل هذه الخطبة الشريفة دون محمد صلى الله عليه وآله ودون سائر الائمة عليهم السلام على هذا التفصيل والتبيين وان ظهر منهم صلى الله عليهم امر اعجب وخطب اغرب لكن على جهة الرمز والتلويح والاشارة وان كان في بعض المواضع بصريح العبارة الا انهم عليهم السلام صانوها عن الجهال وعن اصحاب القيل والقال بجعل اغلب تلك الاحاديث مرفوعة السند او ضعيفة على مصطلحهم وامثال ذلك من الامور التي يطعنون بها في الحديث ولا يعملون به واما اهل تلك الاحاديث والاخبار وشيعتهم المقتبسون من تلك الانوار فما اخفوا عليهم ( الحكمة خ ) بل اظهروها لهم بالقرائن القطعية والادلة العلمية المستندة اليهم صلى الله عليهم لقولهم عليهم السلام لا تمنعوا الحكمة من اهلها فتظلموه وكتموها ( اكتموها نسخة ١٤٢ خ ) عن غير اهلها لئلا يظلموها وكيفية الكتمان من بعض وجوهها ما اشرنا اليها آنفا من اخفاء تلك الاحاديث وعدم جعلها مشهورة متكررة في الكتب والاصول وجهل بعض الرواة او استنادها الى الذين يزعم الذين ما يعرفون انهم غلاة او جعل بعض الاحاديث الدالة بظاهرها على خلافها لتعارض ( لتتعارض خ ) عندهم ليسكتوا عنها او يرجحوا الاخبار المعارضة على الظاهر ويقولوا بمضمونها ويتركوا تلك الاحاديث والاخبار اذا اقتضت المصلحة ذلك وبالجملة هم اعلم بمصالح غنمهم يدبرونهم حيث لا يشعرون ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين فافهم ولما كان مولينا وسيدنا عليّ عليه السلام امير المؤمنين والمؤمنون هم الائمة عليهم السلام وهو عليه السلام اميرهم وسيدهم يميرهم العلم وهو امير النحل في قوله تعالى واوحى ربك الى النحل الآية قالوا عليهم السلام نحن النحل وهو عليه السلام اصل الولاية وقطبها وكتاب الله الاكبر وولي الله الاعظم وجب ان ينطق على الخلق بالحق مما اودعه الله من سر هياكل التوحيد الذي اودعه عليه السلام في اسرار الخلق فقام عليه السلام خطيبا لسانا للحق سبحانه لكن لا في مقام هو هو ونحن نحن ولا في مقام نحن هو وهو نحن بل في مقام انزل من الثاني في البساطة واعلى من الاول في الكثافة الامكانية بل هو في مقام كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ومقام ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ومقام المفعول المطلق المنصوب لا الفاعل المرفوع ولا المضاف اليه المجرور ومقام الكرسي شارحا معلنا عن المبهمات البسيطة العرشية ومفصلا للمجملات الكلية ومظهرا للخفايا الغيبية ومبينا لمعرفته بالنورانية وكاشفا عن حقيقة الصمدانية الالهية وموضحا لسر الفاعلية وشارحا للتوحيد الحقيقي بالوحدة الحقيقية ومنزها لربه عز وجل عن جميع الشوائب الامكانية ومقدسا له تعالى عن كل القرانات والاضافات الخلقية ومطهرا ساحته عز وجل عن الاوهام الخيالية والتصورات الافكية وواصفا لما عليه الكينونة البشرية وحاصرا جميع المقامات الخلقية والحقية مما يمكن الوصول اليه لاحد من البرية فقال روحي فداه ايها الناس على جهة المشافهة والخطاب طبقا لذلك الكتاب المستطاب الست بربكم وبيانا لسر كن فيكون وتعليما على ان للاشياء جهة انية متأخرة عن الخطاب فبلحوقها اياه يكون مخاطبا فان مخاطب كن هو فاعل يكون مع ان فاعل يكون معمول له ويكون انما هو اثر كن مع حرف المضارعة وحركة الآخر فان اقتضى المقام نذكر حقيقة الامر في ذلك فيما بعد ان شاء الله تعالى والمخاطب بفتح الطاء كل اكوار الوجودات ( الموجودات خ ) وادوار الكائنات واوطار الروابط والقرانات من العالم الاعلى الاول من الآدم الثاني الى آخر الآدميين الالف الف وما وراءه الى ما شاء الله وكلما يتصور ويتخيل ويتوهم ويتعقل ويشاهد ويحس ويجس من الوجودات القوية التامة والوجودات الضعيفة الناقصة من الاعراض والالوان والاسقام والامراض والآلام والممات والحيوة والانوار والظلمات والاصول والظلال وكل شيء من خلق ربنا مما يرى وما لا يرى اما للطافة ذاته او لظلمة ماهيته او لشدة نورانيته او لاستعلائه عن مقامات الادراك وهو على اقسام من رتبة الاعراض الى الاجسام الى النبات الى الحيوان الى الانسان الى الملائكة الى الجن الى الانبياء الى الكروبيين الى العالين وفي نسبهم واضافاتهم وقراناتهم وروابط انياتهم وخصوصيات مراتبهم من افئدتهم وعقولهم وارواحهم ونفوسهم وطبايعهم وموادهم واجسامهم واجسادهم وافلاكهم وعناصرهم واعراضهم غرائبها وذاتياتها وخصوصيات كل مرتبة من مراتبهم ( من نطفتهم وعلقتهم ومضغتهم وعظامهم ولحومهم وحيوتهم ثم خصوصيات مراتبهم خ ) بعد حيوتهم من لحومهم ودمائهم واعصابهم وعروقهم وعضلاتهم واواردهم وشراسيفهم واضلاعهم وجوانبهم ورؤسهم واسماعهم وابصارهم والسنتهم وحركات لفظ السنتهم ومغرز حنك افواههم ومنابت اضارسهم واضراسهم وحبائل وتينهم واعناقهم ومساغ مطاعمهم ومشاربهم وحمالة ام رؤسهم وام رؤسهم وتامور صدورهم وحجاب قلوبهم وافلاذ حواشي اكبادهم واطراف اناملهم وقبض عواملهم وشعورهم واشعارهم وجلودهم وقويهم ومشاعرهم وسائر مداركهم وشؤناتهم الى ما لا يحصى في كل مرتبة من المراتب وانما فصلت هذا التفصيل مع ان الكلية المذكورة في اول الكلام تشمله اشعارا على انا ما نريد من هذه الكلية الكلية العرفية حتى يخرج منها الافراد النادرة التي لا ينصرف اليها الاطلاق سيما في مثل هذا المقام فان اهل هذا الزمان لا يرون لهذه الاشياء في اغلبها وجودا وفي بعضها شعورا حتى يصح عليها الخطاب سيما خطاب امير المؤمنين عليه السلام دون خطاب الله سيما كونها شيعة ومنقادة لامير المؤمنين عليه السلام ولما انا في هذا الشرح تبعا لامامنا وسيدنا روحي فداه لم نسلك مسلك اهل الظاهر في الحكم الظاهري كما ان الامام عليه السلام ايضا ماسلك هذا المسلك بل المطلوب منا هنا هتك الاسرار وكشف الاسرار فصلنا مجملات تلك الكلية واشرنا الى الافراد النادرة التي ما كان يخطر ببالهم ولم يتصوروا ذلك فبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وانما قلنا ان المراد بالناس المخاطب كل الخلق لانهم كلهم شيعة عليّ عليه السلام وكلهم مأمورون بطاعته واما الانبياء المرسلون والملائكة المقربون وغيرهما منهما والجن والانس والوحوش والطيور والجماد والنبات وغيرها من الجواهر من كل انواعها طاعتهم لامير المؤمنين عليه السلام كادت ان تبلغ حد الضرورة بين الشيعة فان احاديث عرض ولايته عليه السلام على كافة الخلق سيما الجمادات والنباتات كادت ان تبلغ حد التواتر واما عندي فمن المتواترات واما الاعراض فدلت عليها جملة من الاخبار والادعية والزيارات عموما وخصوصا واما العمومات فاكثر من ان تحصى كزيارة الجامعة فان فيها هذا المعنى كثير مثل قوله عليه السلام حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم الزيارة واما الخاص فكما في دعاء للحمي عن رسول الله صلى الله عليه وآله يا امملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله والايمان بالله لا ينعقد الا بالايمان برسول الله صلى الله عليه وآله والايمان به صلى الله عليه وآله لا ينعقد الا بالايمان بمولينا عليّ امير المؤمنين عليه السلام لانه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله ومظهر ولايته وباب حطته وفي الرواية المشهورة ان مولينا الحسين عليه السلام عاد عبد الله بن شداد في مرضه فلما دخل عليه ارتفعت الحمي عنه فقام وقال رضيت بكم ائمة وان الحمي لتهرب عنكم فقعد عليه السلام وقال ان الله سبحانه لم يخلق خلقا الا وقد امره بالطاعة لنا ثم قال عليه السلام يا كباسة فسمعوا الصوت ولم يروا الشخص يقول لبيك فقال عليه السلام الم يأمرك امير المؤمنين عليه السلام ان لا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل ه انظر في صراحة هذا الحديث على المطلوب وامثاله كثيرة واما الاجزاء فكما دلت الاخبار على ان كل جزء من الانسان مكلف بما لا يكلف به الجزء الآخر واما الادلة العقلية في هذا المعنى فنذكرها ان شاء الله تعالى فيما بعد وانما قلنا ان الناس يشمل كل ذرة من ذرات الوجود مع ان الناس في ظاهر اللغة لا يطلق الا على الانسان لان الصورة الانسانية المعينة للمادة الحيوانية الخاصة بهذه المرتبة المعينة اي مرتبة الرعية صورة وآية للصورة الانسانية التي مبدأ وعلة لهذه الصورة وهذه انما هي منها كالاشعة بالنسبة الى الشمس اذ كل سافل حكاية العالي ودليله وآيته وكل المراتب النازلة والمقامات السافلة كلها امثال وقشور لهذه الانسانية وان اختلفت الصورة باعتبار كثرة الاختلافات والمناقضات وظهور الغرائب والامور الخارجة والاعراض المانعة كالمقابل بالنسبة الى المرايا الكثيرة المختلفة ولما كانت الانسانية هي مقتضي تعلق التكاليف والاوامر والنواهي والاحكام الوجودية والشرعية وهي محل نظر العالي اطلق اللفظ الدال عليها ليعمها في كل مقام ورتبة فان الاثر من حيث هو اثر والنور من حيث هو نور على مثال المنير واسمه وصفته فكل شيء انسان على اختلاف المراتب كما تقول لجرم الشمس الشمس وللاشعة ايضا يقال لها الشمس وكما تقول ان محمدا واهل بيته صلى الله عليهم انسان والانبياء انسان والمؤمنون وغيرهم انسان كذلك غيرهم من البهائم الا ان جهة الظلمة لما غلبت عليهم وجهة النور لما خفيت خفي الاسم النوري الذي هو الانسانية وظهر الاسم المناسب لمقامه من الظلمة ونعم ما قال مجنون العامري مخاطبا للغزال :
ايا شبه ليلى لا تراع فانني انا لك من دون الانام صديق
فعينك عيناها وجيدك جيدها ولكن عظم الساق منك دقيق
فافهم وتفهم
فان قلت هب ان الانسانية تطلق على محمد وآله صلى الله عليهم وعلى الانبياء عليهم السلام وعلى الطبقة تحتهم على الاشتراك اللفظي اي الحقيقة بعد الحقيقة وعلى غيرهم بالمجاز اذ لم يوضع لهم هذا الاسم لكن من اين تحكم ان هذه ( هذا خ ) الخطاب يشملهم اجمع لان الخطاب لا يكون الا للحكم والحكم يختلف باختلاف الموضوعات سيما اذا كان الاختلاف ذاتيا اصليا فما هذا شأنه لا يحكم عليهم بحكم واحد لاختلافهم ثم اذا كان اللفظ مشتركا معنويا يشمل الحكم الجهة الجامعة والمفروض انعدامها واذا كان مشتركا لفظيا يبقى في زاوية الاجمال حتى يتبين بالقرائن فان كان على ما تزعمون انه حقيقة بعد حقيقة فالحقيقة الاولية مقطوع بها والباقي في محل الشك ( فيتوقف مع ان مقطوعية الحقيقة الاولى ايضا في محل الشك خ ) لجواز ان المتكلم ما ارادها واراد غيرها ومع هذا كله كيف يشمل الحكم الوارد على الحقيقة والمجاز لان الاصل حمل الكلام على الحقيقة ولا تجمع ( لا يجمع خ ) الحقيقة والمجاز مقام واحد حتى يشملهما حكم واحد فلا ينطبق هذا القول وهذا التعميم على القواعد اللفظية قلت قولكم وعلى غيرهم بالمجاز ممنوع على مذاق اهل الالفاظ واما على مذاق اهل الاذواق والاشراق فالحقيقة هو محمد واهل بيته الطاهرون صلى الله عليهم وكلما سواهم مجازات وهذه مجازات حقيقية لا لفظية ولا ارتباط لهذا الحكم في عالم الالفاظ لانه فوق مدلول الالفاظ واما في عالم الالفاظ فلما كان الواضع هو الله سبحانه والوضع لا يكون الا لمناسبة ذاتية بين المعنى واللفظ بحيث لا يؤدي ذلك اللفظ بتلك الهيئة الملتئمة من المادة النوعية المناسبة والصورة الشخصية الا ذلك المعنى فلما خلق الله سبحانه تلك اللطيفة الالهية المسمى بهيكل التوحيد التي هي الصورة الانسانية التي هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الشاهد على كل غائب والحجة على كل جاحد وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار فاستدعت اسما وظلت واقفة على باب فوارة النور فاعطاها الله سبحانه الانسان مناسبا لها ومقترنا معها ثم لما تشعشعت انوار تلك الحقيقة خرجت الاشعة من حيث هي حاكية لذلك المثال وشاهدة على حقيقة الحال فهي في نفسها لا تدل الا على تلك الحقيقة وليست الا تلك اللطيفة في مقامها فلا تطلب من تلك الحيثية الا اللفظ الدال عليها فالمناسبة الذاتية وحكمة الحكيم تقتضيان بان يكون لها ذلك الاسم الذي كان للاصل بالدليل الذي كان ذلك الاسم للاصل اذ لا فرق بين الشعاع والمنير في مقام التعريف ابدا الا ترى ان السراج اذا اشرق في المرءاة او غيرها من الاجسام الصيقلية كان ذلك النور على مثال السراج بل هو السراج لا تفرق بين الامرين في الصورة والدلالة ابدا مع ان السراج اصل وهذا فرع ولا تسميه الا سراجا ولكن لا يجوز ان يكون ذلك اللفظ الذي للاصل يكون هو بعينه للفرع لمكان التناقض مع ان فرض ذلك مستحيل فيجب ان يكون اللفظ من شعاع اللفظ الاول ويكون مشتقا منه كما ان المعنى من شعاع المعنى الاول وكان مشتقا منه فكما ان المعنى جزء من سبعين جزء من الاصل كان اللفظ ايضا كذلك فالالف في الانسان الذي يطلق على الانبياء اشتقت من الالف الذي في الانسان المطلق على محمد وآله صلى الله عليهم ونونه مشتقة من نوره ( نونه خ ) وهكذا باقي حروفه اي كل حرف من الاصل اقوى من الحرف الذي في الفرع بسبعين او سبعين الف او سبعمائة الف درجة واهل التجربة الكاملون الماهرون في علم الحروف اذا جربوا الامرين يرون الذي قلت واضحا ظاهرا كالشمس في رابعة النهار فذلك اللفظ الثاني الموضوع للمعني الثاني ليس مجازا وانما هو وضع حقيقي لكنه على هيئة ذلك وصورته لسر المناسبة الذاتية وهذا حكم الله في الاشياء كلها فالاثر لم يزل من حيث هو اثر على هيئة المؤثر وصفته واسمه لا يطلب الا صفة المؤثر لفظا كان ام معنى ولذا في المفعول المطلق يقولون انه تأكيد مع ان لفظه ( انه لفظ خ ) مشتق من لفظ فعله الواقع عليه تقول ضربت ضربا فضربا في قوة قولك ضربت ضربت وهذا ليس بمجاز وانما هو حقيقة ولكن لما كان الاثر له جهتان جهة من مؤثره وجهة من نفسه فالتي من مؤثره هو مثاله ودليله وآيته لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وخلقه والتي من نفسه خلاف مؤثره والادبار عنه فالاولى تطلب اسم المؤثر والثانية تطلب عكسه فحين الضم والتركيب فان كان ( كانت خ ) الجهة الاولى غالبة عالية والجهة الثانية مقهورة مضمحلة فيظهر ذلك الاسم الذي للمؤثر بالرشح والاشتقاق وهو اسمه حقيقة كما ان المعنى ذاته حقيقة وليس ذات المؤثر حقيقة وان كانت الجهة الثانية غالبة والجهة الاولى مقهورة مستهلكة فانية فلا يجري عليه حكم المغلوب فيوضع له لفظ يناسب تلك الجهة الغالبة باعتبار جهاتها وقراناتها واضافاتها وامثال ذلك فحينئذ ليس اطلاق الاسم الاول من جهة المؤثر اذا ارادوا التنبيه والاشعار بتلك الجهة حين يطلق على ذلك الاثر من تلك الحيثية مجازا وانما هو حقيقة خفيت باختفاء مسماه وظهر عند ظهورها ولما كان الغالب في الانبياء ورعاياهم جهة المؤثر لا جهة انفسهم اما ظاهرا وباطنا كما في الانبياء وخواص المؤمنين الممتحنين واما ظاهرا دون الباطن كالكفار والمنافقين اطلق عليهم الاسم الاول ولم يوضع لهم اسم آخر مناسب للجهة الاخرى واما البهائم وحشرات الارض وما سويهم لما كان الغالب فيهم جهة الانية ولذا كانوا ناكسوا رؤسهم عند ربهم واستقهرت فيهم الجهة الالهية الربانية وضع لهم اسم يناسب مقامهم ومرتبتهم ويوافق كينونتهم فخفي ذلك الاسم فاطلاق الانسان عليهم من جهة تلك الجهة التي من مؤثرهم قد كتب فيهم حقيقة لا مجازا اما سمعت قول مولينا وسيدنا امير المؤمنين عليه السلام انا الذي كتب اسمي على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم فكل شيء فيه انسانية يكون اطلاق الانسان عليه حقيقة لا مجازا فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم واما قولكم ان الحكم يختلف باختلاف الموضوعات فلا يشمل الخطاب فجوابه من وجهين احدهما في الظاهر والثاني في مقام الحقيقة اما الاول فاعلم ان حكم الله سبحانه واحد لا يختلف ولا يتكثر كما قال عز وجل وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ونسبة الحق سبحانه على كل من سواه واحدة ( واحد خ ) والاختلاف هذا من قبل انفس الخلق لا من جهة الحق فما من الله سبحانه عام كلي واحد منبسط وما من الخلق جزئي خاص غير منبسط لكن قد يكون للكلي افرادا ( افراد خ ) متواطية في الاقتضاءات الكلية وقد يكون فيها افراد لقرانات اخر تغير الحكم الجاري على الكل فاذا كان كذلك فعلى الله سبحانه المطلع بالاقتضاءات والموانع ان يخرج تلك الافراد كما اخرج البلل المشتبه وغسالة الحمام وغيبة الحيوان عن حكم لا ينقض اليقين الا بيقين مثله فاذا سكت عن الاخراج فيحصل القطع بان الحكم عام ولا شك ان الخطاب جهة المخاطب ووجهه لا المخاطب بفتح الطاء فهو كلي وحكمه عام جار منبسط الا اذا دل دليل الهي على عدم جريانه واذ ليس فليس واختلاف المخاطبين لا يستلزم عدم عموم الخطاب اذ قد يكون بينهم جهة جامعة يتشاركون فيها وقولي جهة جامعة اعم من ان تكون في صقع واحد او في اصقاع متعددة الا ان السافل رشح وصفة للعالي فلا يخالفه من تلك الجهة فيتحدان في الحكم الا ان في احدهما بالاصالة وفي الثاني بالتبعية كما في قولك جاءني زيد القائم فان القائم مرفوع بتبعية زيد ورفعه جزء من سبعين جزء من رفع زيد فالفعل منسوب الى زيد بالاصالة والى القائم ايضا لانه صفته ودليله وآيته بالتبع وهذا مرادي بالجهة الجامعة فخطاب الله سبحانه لا يتخصص ببعض دون الآخر وفي مقام دون الآخر اذ ليس لله سبحانه نسبة باحد ازيد منه الى الآخر فانه سبحانه استوى على العرش فلا شيء اقرب اليه من شيء واختلاف الاشياء انما هي ( هو خ ) بالنسبة بعضها الى بعض فلما كان العالي قد تقدم في الوجود وسبق الى الاجابة وكان السافل تابعا له واثرا منه ومتفرعا عليه كان حكمه سبحانه على العالي اولا وعلى السافل ثانيا اذ لم يرفع الله سبحانه نظره عن مخلوقاته وخطاب مولينا عليّ عليه السلام هو خطاب الله لانه لا ينطق عن الهوى ولا يتطرق اليه الميل الداعي الى السهو والغفلة كلا بل هو عين الله الناظرة ويده الباسطة واسم الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم اما سمعت ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينام عينه ولا ينام قلبه وعليّ عليه السلام نفسه وحكمه حكمه قال عليه السلام انا محمد ومحمد انا صلى الله عليهما وآلهما فافهم واما الثاني فاعلم ان الاختلاف متقوم بالخطاب فلولا الخطاب لم يكن شيئا لا الاختلاف ولا الايتلاف فبالخطاب نشأت الاحكام وتميزت الحلال من الحرام فمنهم من قال بلى اصالة ومنهم من قالها تبعا ومنهم من قالها اثرا ومتقوما بالغير ومنهم من انكرها على هذا التفصيل فالخطاب يجري في الاحكام الشرعية والتكوينية مجري الروح في الاجساد فاذا تحققت للشيء شيئية فذلك بوقوع الخطاب عليه ولما كان حكم الله واحدا وخطاب الله جهة الله سبحانه وطلب ( طلبه خ ) من خلقه فيكون واحدا جاريا على كل شيء مما جرى عليه الايجاد فافهم والا فاسلم تسلم وعلى هذا البيان ظهر الجواب عن القول بان الحكم اذا تعلق بالمشترك اللفظي يبقى في زاوية الاجمال فانا نمنع الاشتراك اللفظي في هذا المقام بان تكون المعاني كلها في صقع واحد ونظر الواضع الى محض خصوصية احدها ( فوضع اللفظ المناسب لها بازائها ثم نظر الى الخصوصية الاخرى ورأي صلاحية اللفظ باحد وجوهه خ ) فوضعه لها وهكذا وهذا دليل على ان في المشترك اللفظي لا تلحظ الا جهة المباينة والخصوصية مع الاتحاد في الحقيقة والذات التي هي جهة الحق سبحانه فالحكم لتلك الخصوصية لا للشيء من حيث هو هو في الحقيقة الالهية ليعم الحكم والخصوصية من جهة انها مقام الكثرة جهة النكارة فيحتاج الى معين فان اقتضى الحال التعيين فعل الحكيم والا فيبقى في زاوية الاجمال الى ان يأتي اجله وذلك مقدر عند الله سبحانه ولا كذلك الحكم في الحقيقة بعد الحقيقة فانها لا تكون الا لجهة الموافقة لا لجهة المخالفة وجهة الاتحاد لا لجهة الاختلاف فلولا ان كل واحد منهما في صقع غير الآخر لماقيل بالفرق ولما كان في عالم آخر مشابه مناسب للعالم الاول سمى باسمه واجرى عليه حكمه كالقائم المرفوع بتبعية زيد على ما مثلت لك سابقا فالحقيقة بعد الحقيقة جهة الموافقة والاشتراك اللفظي جهة المخالفة وبينهما بون بعيد فاذا جرى حكم على امر من الامور فكل المراتب المتنزلة التي نسبتها اليه كالشعاع من المنير المستدعي لاثبات الحقايق المترتبة مشتركة في ذلك الحكم على حسب مقامها ومرتبتها بالدليل الذي اختصت به الحقيقة الاولى فان الثانية هي عين حكاية الاولى بل عين الاولى للثانية لا فرق بينها وبينها الا انها اثرها وشعاعها وهذه الجهة اي الاثرية مقطوع النظر عنها والا لم تكن مثالها اما سمعت قوله عليه السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن والمثال التقريبي لذلك ان الكلب المعلم بشرايطه صيده حلال ويجوز الاكل منه قال تعالى فكلوا مما امسكن عليكم لانه حينئذ ليس له جهة انية بوجه فلا يترتب على جهته حكم ابدا وكذلك الذمية اذا غسل ميتا بامر المسلم واذنه فيطهر الميت على الاصح عن نجاسة الحدث وينجس بنجاسة الخبث وهو من مباشرة الكافر وكذلك انت اذا حكيت عن الله وعن رسوله وعن الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين فالحكم الجاري على ما له حقائق مترتبة على كل تلك الحقائق مقطوع به لا يشك فيه الا الجاهل بالامر واما المجاز فلا يشمل ( فلا يشمله خ ) الحكم الوارد على الحقيقة الا اذا دل دليل قطعي عليه وليس في هذا المقام مجاز فافهم ما اسعدك لو وفقت لفهم هذه الدقايق واما كيفية شمول الخطاب لكل شيء فاعلم ان الامام عليه السلام قطب لكل اكوار الوجود وادواره وكل ما في الوجود المقيد من شؤنات ذاته وآثاره وافعاله وصفاته واحواله والذات لها قيومية على كل الصفات والآثار والاضافات والسبحات فكل الكائنات عنده عليه السلام كالنقطة بين يدي احدكم والمستقبل والحال والماضي عنده بمنزلة سواء فاحاط بكل شيء علما في مكانه وزمانه ( فخاطب كل شيء في زمانه ومكانه خ ) بالخطاب الشفاهي وان كان ذلك بالنسبة الينا مستقبلا فان الزمان عنده عليه السلام منقطع فاحاط بالذي يأتي بعد الف سنة فاشرف على مكانه وزمانه فخاطبه هناك عند الخطاب فشافه كل شيء في وقته ومكانه ورتبته وسيأتي ان شاء الله تعالى في هذه الخطبة عند ذكر بعض المغيبات عن الخلق الى ان قال عليه السلام كل ذلك علم احاطة فلو لم يكن الذي اخبر حاضرا عنده عليه السلام لم يكن العلم علم احاطة بل ولا علم عيان وانما كان علم اخبار الذي هو ادنى المقامات واخس الدرجات وقد روي ما معناه ان النبي صلى الله عليه وآله صعد المنبر وقال ايها الناس اتدرون ما في يدي اليمنى قالوا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله ان في يدي اسماء اهل الجنة واسماء آبائهم وما يتوالدون الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل اعمال اهل النار ثم عند الموت يختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله اتدرون ما في يدي اليسرى قالوا الله ورسوله اعلم قال عليه السلام ان في يدي اليسرى اسماء اهل النار واسماء آباءهم وامهاتهم وما يتوالدون الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة طول عمره ثم عند الموت يختم له بالسوء فيدخل النار ه وروي ايضا انه عليه السلام بلغ كل احد مشافهة ولا شك ان هذا العلم لا يكون الا بالمعلوم وهو ان لم يكن شيئا كان كذبا وان كان شيئا لا على ما هو عليه ايضا كان كذبا لان العلم شرطه المطابقة بمعلومه والا لم يكن علما به ولما كانت المشخصات الستة التي هي الزمان والمكان والكيف والكم والجهة والرتبة لا تنفك عن شيء بلا ( بل لا نسخة ١٤٢ خ ) شيئية للشيء الا بهذه الستة ولا تختلف الموجودات في السلسلة العرضية الا بهذه فالمعلومات كلها مساوقة لهذه الستة وهي مختلفة فيجب ان يكون العلم بالمعلوم في زمانه ورتبته لا في زمان الغير ورتبته فانت حين تعلم انك غدا تفعل كذا فقد اشرفت نفسك على الغد ورأتك فاعلا له في غيبه ( غيبته خ ) فاذا اوقعته في شهادتك وهي يوم تصورك اياه وعلمك به اذ الامس هو الغد وبعد غد ( الغد خ ) هو اليوم عند نفسك لان الزمان والزمانيات كلها نقطة في الدهر وبالجملة فالعالي يرى السافل في وقته ومكانه وجهته ورتبته فيخاطبه ويحكم عليه في ذلك الوقت وذلك المكان فيبقى ذلك الخطاب واقفا على باب فوارة النور فيقع عليه في وقته ومكانه وهو حين سماعه ذلك الخطاب الم تر ان الرجل اذا كان في مجلس واحد يخاطب اشخاصا كثيرة وهم متفاوتون في الاستماع والادراك لا شك انهم لا يفهمون خطابه دفعة واحدة بل لا يسمعونه كذلك فقبل السماع والفهم لا شك انهم ليسوا مخاطبين وان وقع الخطاب وانما الخطاب بعد السماع والفهم فهناك مخاطبون حقيقة لا مجازا وذلك ظاهر لمن يفهم والاصل في المسئلة اعلم ان الخطاب خطابان خطاب وجودي عيني وخطاب وصفي لفظي واللفظي لم يزل تابعا للمعنوي الوجودي فان الالفاظ اعراض لغيرها فحسنها وقبحها والحكم عليها كلها من جهة المعاني والحقايق كما قال مولينا امير المؤمنين نفسي فداءه ان المعنى في اللفظ كالروح في الجسد فالالفاظ مرايا لظهور المعاني وحكايات لها وانما هي على طبقها ووفقها واما الوجودي المعنوي فهو وجه الشيء للآخر وتوجهه اليه ووجه الشيء ليس الا ظهور فعله والمراد بظهور الفعل اثره وهذا الاثر من حيث هو والفعل من عالم الوجود المطلق اي ليس لهما في تحققهما شرط خارج عن حقيقة ذاتهما ولا يفتقران الا الى مبدء وجودهما وهو العلة الفاعلية خاصة وهذا الاثر هو فيض الفاعل ولا انقطاع له ابدا الا ان ذلك غيب يحتاج في اظهاره الى قابل كالضرب فانه لا يظهر الا بالمضروب وتلك القابلية هي حدود ذلك الاثر وصوره متقوم به ومتحقق بعده في الذات ومعه في الظهور فاذا تحققت تلك القابلية ظهر ذلك الاثر الذي كان غيبا في ظهور المؤثر فلا يزال توجد القابلية وتظهر ( فيظهر خ ) اثر الفاعل الى ما لا نهاية له كالشمس اذا قابلت نورها مرايا لا نهاية لها مجتمعة او متفرقة متعاقبة ام متراخية يظهر في كلها نور واحد خاص بها من الشمس وليس من جهة ازدياد مرآة يزيد نور الشمس او ينقص عند نقصانها بل النور على ما هو عليه وانما يختلف ظهورا وخفاءا لا ذاتا وحقيقة وهذا النور خطاب للشمس الى المرايا والقوابل اي تكليف لها الاختيار في قبوله وعدمه وانحاء القبول كثرة ( كثيرة خ ) هي مختارة لها ولذا ترى يظهر النور في كل مرآة على مقتضى تلك المرآة فان كانت حمراء فالنور احمر وان كانت صفراء فالنور اصفر وهكذا فلو كان الامر بالقهر لا بالخطاب والتكليف لما اختلفت احوال نور الشمس التي بيدها ازمتها ولا شك ان المخاطب الذي هي الكثافة من المرايا وامثالها انما هي متأخرة عن النور ولا اقل مساوقة معه لانها ( لا انها خ ) متقدمة عليه فتحقق عندنا ثلثة مخاطب وهو المؤثر الفاعل ومخاطب وهو المفعول وخطاب وهو الاثر اي المصدر والمفعول المطلق فلولا الخطاب لم يكن مخاطبا ( مخاطب خ ) بالكسر ولا مخاطبا ( مخاطب خ ) بالفتح لان الخطاب ركن لهما لان المخاطب بالكسر هو الظاهر بالخطاب فلا يكون ذلك الظهور الخاص الا في الخطاب والمخاطب بالفتح هو حامل الخطاب ولا يكون ذلك من حيث هو حامل الا بالخطاب وقد تقدم الكلام في ان الفاعل والمفعول ليسا عين ذات الشيء وانما هما امثاله وصفاته واسماؤه والاسم غير المسمى والصفة غير الموصوف وقد قلنا ان تلك الصفة ماظهرت الا بالخطاب فيكون الخطاب اصلا للمخاطب بالفتح في المعنى كما كان في اللفظ فيوجد الخطاب فيظهر بذلك المخاطب بالكسر فان وجد المخاطب بالفتح يتعلق به كالنور اذا وجد له جسم كثيف والا فيبقى مخفيا في عالمه فالمخاطب بالفتح ليس الا موجودا ولا يصح الخطاب بالمعدوم ولا يتصور ذلك ولكن لا يلزم ان يكون المخاطبون في مكان واحد وزمان واحد بل يجوز ان يخاطب زيدا في هذه البلدة وعمرا بهذا الخطاب في بلدة اخرى وبكرا الآن وخالدا بعد سنة او الف سنة كما ان ابرهيم على نبينا وآله وعليه السلام اذن في الناس بالحج فكل من سمع نداءه حج وكل من لم يسمع لم يحج وذلك الاستماع عند الاحرام بالحج حيث يجب نداء ابرهيم عليه السلام عن الله ويقول لبيك اللهم لبيك وكذلك الملك ينادي عند الظهر او غيره من اوقات الصلوة قوموا على نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها بالصلوة فهو دائما ينادي فكل من سمع نداءه قام يصلي ويقول في افتتاح الصلوة لبيك وسعديك فمنهم من يسمع الآن ومنهم من يسمع بعد ساعة ومنهم من يسمع بعد ساعتين وهكذا على اختلاف الآفاق في الطلوع والغروب فمن الناس من يصلي الظهر ومنهم من يصلي العصر في ذلك الوقت ومنهم من يصلي فيه المغرب ومنهم من يصلي فيه العشاء ومنهم من يصلي فيه الصبح ولما كانت اسماعنا مريضة ثقيلة لم تسمع خطاب الملك ونداءه عيّن حديد البصر والسمع لنا اوان وصول ذلك النداء الينا فصدقنا قوله وقلنا لبيك وسعديك فمجرد عدم السماع لثقل في الاذن لا ينفي الخطاب لان المترجم هو لسان الاصل فقوله قوله حقيقة وكذلك عدم السماع لبعد مسافتنا عن المخاطب بالكسر لا ينفي الخطاب اذا سمعنا لان ذلك بعينه وصل الينا بحامل وامين مؤدي وذلك الحامل حين التأدية حاك محض كاللسان بعينه للمخاطب فان المخاطب ليس هو اللسان وانما هو الشخص وليس هو الجسد لانه لا حراك وانما هو ذاتك المجردة عن كل السبحات وانما اوصل خطابه اليك بآلته الخارجة وهو اللسان وانما كان اللسان لا تعتبر فيه الا جهة المخاطب بالكسر لانه لا انية له يدعي لنفسه فصار محض حكاية غيره وكذلك غيره اذا صار منزلته منزلة اللسان كما انك اذا قرأت القرآن وقلت اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني الآية لا احد يعترض عليك لانك حينئذ في هذا المقام الخاص لسان الله تحكي عن الله سبحانه فما تقول انت هو كلام الله حقيقة ولا ينكره الا منكر ضروري الاسلام وكذلك اذا قلت قال النبي صلى الله عليه وآله اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي فانك حينئذ لسان النبي صلى الله عليه وآله ولذا نقبل منك اذا عرفناك صادقا فيما تدعي من اني لسان واما اذا اخبرت عن نفسك بشيء مما ذكرنا فانت كافر وجب قتلك انظر بين المقامين من الفرق الواضح البين فاذا كان الشيء لسانا لا ينسب الكلام او الخطاب الى اللسان حقيقة والى صاحب اللسان مجازا وانما النسبة الى صاحب اللسان حقيقة والى اللسان مجازا والا لكان ( لكانت خ ) الخطابات القرآنية كلها مجازات لا حقائق لها ابدا لانه ما وصل الى القلم الا بعد ان اتى الى النون وهو ملك يؤدي الى القلم وهو ملك والقلم ادى الى اللوح واللوح ادى الى ميكائيل وميكائيل ادى الى اسرافيل واسرافيل ادى الى جبرائيل وجبرائيل ادى الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صلى الله عليه وآله ادى الى الرعية وهو لسان الله الناطق على الخلق ولم يكن ذلك مجازا لكونه صلى الله عليه وآله لسانا لله مع الملائكة المتقدمة فكذلك خطابات النبي ( صلى الله عليه وآله خ ) بالنسبة الى الرعية لانهم حين النقل والحكاية بمنزلة اللسان بل اللسان حقيقة ولذا قال صلى الله عليه وآله رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها واداها كما سمع وقال تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها والفارق بين المقامين مكابر مباهت اذ ليس له دليل لا من العقل ولا من النقل ولا من اللغة قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين فقولهم ان الخطاب توجيه الكلام نحو المخاطب الحاضر مسلم لكن هذا الحضور يجب عند الخطاب ولا يجب اجتماع المخاطبين كلهم اجمعين في مشهد واحد ومحضر واحد ووقت واحد فان الخطاب لو وقع الآن واتى من شأنه ان يخاطب به بعد الف سنة نطق لسان المخاطب بالكسر بذلك الخطاب فخاطب ( فخاطبه خ ) به حقيقة اما سمعت ما وردت الاخبار المتكثرة وشهد لها العقل السليم ان القاري اذا قال قل هو الله احد يقول في نفسه هو الله احد واذا قال قل يا ايها الكافرون يقول يا ايها الكافرون واذا قال يا ايها الذين آمنوا يقول لبيك يا رب وسعديك فان الله سبحانه يخاطبه بلسانه وقد اجمع المسلمون الظاهر والفرقة المحقة يقينا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد خلقه الله قبل الخلق وقبل آدم وقال صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وما كان نبيا الا بالقرآن كما في قوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم واذا كان القرآن نازلا عليه صلى الله عليه وآله جملة في ذلك العالم وكله او جله خطابات فاين المخاطبون وكذا مولينا عليّ امير المؤمنين عليه السلام يوم الذي تولد قرأ القرآن من اوله الى آخره ولم ينزل في ذلك اليوم حرف واحد فكيف وجد الخطاب من غير مخاطب فلنقبض الكلام فان ذيل هذه المسألة طويل وقد توحل فيها اصحاب القال والقيل فما اصابوا شيئا من حقيقتها لا كثيرا ولا قليلا من الطرفين من القائلين بعموم الخطاب والنافين له الا ان فيما اشرنا اليه ( كفاية خ ) ان كنت علامة تستبصر لمنتهي المطلوب وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر فمولينا وسيدنا امير المؤمنين عليه السلام قد خاطب اهل الاكوار الجسمية والادوار البشرية بذلك الخطاب في ذلك اليوم في الخطاب اللفظي المطابق لخطابهم بالخطاب الوجودي الكينونتي ( الكينوني خ ) وخاطب اهل المثل النورية والابدان النورانية والاشباح الظلية قبل خلق السموات والارض في الاقليم الثامن عالم هورقليا الف سنة وكل سنة الف شهر وكل شهر الف اسبوع وكل اسبوع الف يوم وكل يوم الف سنة مما تعدون وكان الموقف في ذلك العالم بين المدينة والكوفة والخلق كلهم مجتمعون في صعيد واحد وخاطب عليه السلام اهل الاظلة والذر قبل خلق السموات والارض بالفي عام على ذلك التقدير وربما يكون هنا اطول واشد وخاطب عليه السلام اهل الكثيب الاحمر في الكون الناري قبلهما بثلاثة آلاف سنة وخاطب عليه السلام اهل الرفرف الاخضر قبل خلق السموات والارض باربعة آلاف سنة وخاطب عليه السلام اهل ارض الزعفران قبل خلقهما بخمسة آلاف سنة وهم حينئذ ذر على هيئة ورق الآس مكتوب في وسط الورقة لا اله الا الله وفي الجهة اليمنى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الجهة اليسرى عليّ امير المؤمنين ولي الله وخاطب عليه السلام اهل الاعراف الذين لا تعتريهم وهجات النوم ابدا وقد تأخذهم سنة خاطبهم قبل خلق السموات والارض بستة آلاف سنة او بسبعة آلاف سنة وكل سنة دهر وهم حينئذ انوار بيض قائمون بعبادة الحق المعبود جل جلاله وخاطب عليه السلام اهل الافئدة الناظرين الى عالم اللانهاية والسابحين في تلك اللجة بلا غاية يوم الذي كان العرش على الماء قبل خلق السموات والارض وقد سئل امير المؤمنين عليه السلام كم كان العرش على الماء قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام اتحسن ان تحسب قال بلى قال عليه السلام اخاف ان لا تحسن قال بلى فقال عليه السلام لو صب خردل في الهواء بحيث سد الفضاء وملأ ما بين الارض والسماء ثم لو عمرت مع ضعفك ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله عن التحديد بالقليل ه وخاطب عليه السلام اهل الرضوان وقال تعالى ورضوان من الله اكبر الا انهم لا يوصفون بالقبل والبعد والقرب والبعد لانهم خارجون عن حدود الزمان والزمانيات فانتفت مقتضياتهما وخاطبهم بباطن باطن هذه الخطبة الشريفة الذي هو سر التوحيد وحقيقة التفريد والتمجيد وخاطبهم من غير لفظ ولا اشارة ولا عبارة ولا تلويح ولا كيف ولا كم بل ذلك عين مقام الخطاب وبطلان وجود المخاطب ليتحد الخطاب والمخاطب بالفتح وذلك غير الذي نريد من شرح هذه الخطبة فانا بصدد شرح ظاهرها وبعض وجوه باطنها واما باطن باطنها فاغلبه ماندركه ولانعلمه والذي نعلم لا يجوز البيان لقول الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه وخاطب السموات قبل ذلك المجلس بستة او خمسمائة سنة او سبعمائة او تسعمائة او الف وخاطب الارضين بمراتبها من الاولى والثانية والثالثة والرابعة الى السابعة التي كل اول بالنسبة الى آخره كحلقة ملقاة في فلاة قي على ما قال النبي صلى الله عليه وآله فيكون الخطاب على كل ارض واهلها بعد الارض المتقدمة بالف سنة تقريبا للافهام والا فهو ازيد وهكذا المراتب النازلة الى اسفل السافلين الى الثرى الى ما تحت الثرى وهكذا الى ما شاء الله الى ( ان خ ) انقطع علمه الا عن الله سبحانه ومن اطلعه على مكنون علمه من خلفائه وحججه عليهم السلام وخاطب البهائم بعد ذلك المجلس في ذلك المجلس بالف عام وخاطب عليه السلام النباتات بعده بالفي عام وخاطب عليه السلام المعادن بعده بثلثة آلاف عام وخاطب عليه السلام الجمادات بعده باربعة آلاف عام وخاطب عليه السلام الاعراض والكيفيات بعده بسبعين الف عام وكذلك الصفات والهيئات والامثلة القارة والغير القارة وانحاء الروابط والنسب والاوضاع والمجازات المجازية والحقيقية وسائر الاوطار في نهايات الاكوار والادوار وهذه البعديات هي عين تلك القابليات ( القبليات خ ) وتلك القابليات ( القبليات خ ) هي عين هذه البعديات اذ ليس لربك قبل ولا بعد وكذلك لوجه ربك ذي الجلال والاكرام فان الوجه ان لم يكن على صفة ذي الوجه اي آيته ودليله لم يكن وجها وانما هو حجاب وقد دلت اخبارهم وشهدت آثارهم على انهم هم وجه الله وما وصل على الكل الا خطاب واحد وما خاطب عليه السلام الا بامر واحد ظهر ذلك الامر الواحد على كل تلك المراتب المتقدمة على مقدار قابليته وحسب استعداده من ذات او صفة لطافة او كثافة علو او سفل معنى او لفظ او صوت او همهمة او ايقاع صوت كوقع السلسلة في الطست كلها بخطاب واحد ولما كان امر البدو كذلك عند الخطاب اي التكليف صار الامر في العود عند مجازاة مواقع التكليف عند الحساب قال عز وجل اشارة الى العود تصريحا والى البدو عموما وهو ايضا نوع من التصريح قال الله عز وجل وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وقد تقدم ذكر ذلك عن اهل العصمة عليهم السلام ان الكتاب المشار اليه هو امير المؤمنين عليه السلام فانه يقف على المحشر والخلق كلهم كتابهم بيمينهم وشمالهم فيقرأ عليه السلام بلفظ واحد ينظر كل احد في كتابه ويرى انه عليه السلام يقرأ عليه اعماله خاصة دون باقي الخلق هذا حكم العود وقد قال عز وجل كما بدأكم تعودون فالخطاب عند البدو بل هو البدو حقيقة فصار خطابه عليه السلام خطاب واحد فسمع المخاطبين ( خطابا واحدا فسمع المخاطبون خ ) كلهم على مقدار افهامهم بلغاتهم واشاراتهم وما يناسب درجتهم اذ اختلاف تلك اللغات ايضا من الله سبحانه بولي الامر عليه السلام وروحي فداءه قال الله عز وجل ومن آياته خلق السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم قال امير المؤمنين عليه السلام اي آية اكبر مني وقال مولينا الصادق عليه السلام اي آية اراها الله سبحانه اهل الآفاق غيرنا وفي قوله عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الا انه بكل شيء محيط ه وخلق السموات والارضين واللغات وما ذكر في القرآن من الآيات كلها تفاصيل ظهورات تلك الآية الكبرى والكلمة الحسنى والمثل الاعلى فافهم وكان خطابه عليه السلام للكل في مشهد واحد خاطب كل اهل الوجود المقيد دفعة واحدة الا انهم اختلفوا في سماع هذا الخطاب والوصول اليهم فجائت الاعداد والسنون والحساب والقبل والبعد كما بينا فافهم ولا تكذب بما لم تحط به علما والله سبحانه يقول واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون وهذا الخطاب كان بين المدينة والكوفة في البدو فان هذا الخطاب والبيان انما كان بعد استقرار الاسلام وظهور التوحيد والنبوة وظهور شرف المدينة والكوفة وانتساب كل فرع الى اصله وان كان ذلك الظهور ايضا ما حصل الا بهذا الخطاب الا انه على طور غير طور هذا الخطاب وهذا التفصيل وان كان على هذا التفصيل لكنه ما اظهر لهم ذلك هناك ومثال ذلك انك اذا قابلت مرآة تظهر صورتك فيها وان قابلت مرآة اخرى هذه المرآة التي انطبعت فيها صورتك تنطبع فيها صورة مرآة وصورة فالناظر في الثانية له نظران مرة ينظر فيها لمشاهدة المقابل الخارجي الاصل وما له التفات الى خصوص المرآة والصورة والوسائط وقلتها او كثرتها فيتوجه الى المقابل بهذه المرآة من غير التفات اليها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها ومرة اخر ( اخرى خ ) ينظر الى حقيقة المرآة والصورة والوسائط والتوصيفات التي وصف بها المقابل هل هي بلا واسطة او مع الواسطة والوسائط قليلة او كثيرة مغيرة للشيء عما هو عليه ام لا فهناك يلتفت فيرى ان الذي توجه اليه تحت ستة حجب الحجاب الاول الشبح المتصل بالمقابل والثاني الشبح المنفصل عنه الكلي والثالث الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل وهو الجزئي الذي في المرآة الاولى والرابع الشبح المتصل بالصورة والمرآة والخامس الشبح المنفصل عنهما الكلي والسادس الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل الذي هو في المرآة الثانية من الصورة والمرآة وهناك يعرف مقامه ومرتبته ولا يدعي ما ليس له به علم ولا شك ان النظر الاول ماحصل والذي فهم بالملاحظة الاولى ماتحقق الا في هاتين المرآتين والصورتين فلهما هيمنة عليه مع انه اذا ظهر يغيب المرايا والصور فافهم ولذلك ( لذا خ ) ترى النحاة يقولون ان الفاعل مشتق من المصدر المشتق من الفعل فالفعل له هيمنة على الفاعل لانه يؤثر فيه ويعمل عليه ويرفعه ومع ان الفاعل يمحي ذكر الفعل وحتى ان القوم ما يتصورون تأخر الفاعل عن الفعل واني كررت هذا المثال في هذا الشرح تذكرة لمن يتذكر وتبصرة لمن يستبصر فعلى هذا فافهم ما ذكرنا لك ان هذا الخطاب انما كان بعد ظهور التوحيد والنبوة مع انهما ماظهرا الا به لان مقام الولاية الظاهرة تحت مقام النبوة المطلقة واليه اشار عليه السلام بقوله انا آية محمد صلى الله عليه وآله فولايته على الناس انما وجبت بعد معرفة توحيد الله سبحانه والاذعان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكان ذلك الخطاب بين المدينة ( والكوفة خ ) في كل عالم من العوالم الالف الف الى آخر نهايات الحركات في الاكوار والادوار وظهرت ( فظهرت خ ) تلك الفواصل الدهرية والسرمدية في عالم الزمان والمكان في ذلك الوقت و( في خ ) ذلك المكان ( ولم يسمع هذه الخطبة احد الى يوم القيمة وما بعده الى ما شاء الله الا في ذلك الوقت وذلك المكان خ ) وعلى هذا المعنى قولهم ان كل ارض كربلا وكل يوم عاشورا وكل مكان وكل وقت يوم الغدير لان المدد لا ينقطع وسر الله لا ينفد ولا يتبدد فافهم
قوله عليه السلام : انيبوا الى شيعتي اعلم ان الامر طلب لا يقوم المأمور الا به وذلك الامر على قسمين امر هو فعل وامر هو مصدر اي المفعول المطلق والامر الثاني مشتق من الامر الاول اشتقاق الحركة عن المتحرك والصورة في المرآة عن الشاخص والشعاع عن المنير وامثال ذلك والفعل عند تمام قابلية المفعول ورفع الموانع عنه وسلب المنافي والمعارض لحكم التنجيز امر حاضر ام غايب ولذا كان آخره ساكنا واوله متحركا من غير دخول عامل عليه فالحركة اشارة الى الاستدارة على المفعول للامداد والاحداث والميل الى الصنع والايجاد وسكون الآخر اشارة الى وقوفه وثباته في مكانه وعدم تعديه الى رتبة غيره وان المفعول هو فاعل فعل الفاعل الظاهر بالامر ولذا ترى الضمير الفاعل في الامر انت وقد قال مولينا الرضا عليه السلام في الاختراع انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون مع انه عليه السلام قال المشية والارادة والاختراع معناها واحد واسماؤها ثلثة وقال عليه السلام ان ارادة الله احداثه لا غير والله تعالى فسر الامر والارادة بقوله عز وجل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فبين سبحانه وتعالى ان قول كن هو امره وارادته لمن يعقل ويفهم هذا هو الامر الفعلي والامر المفعولي متقوم بهذا الامر تقوم الصورة بالشاخص قال عز وجل وكان امر الله مفعولا وذلك هو المفعول المطلق وهو مادة المأمور والمأمور حدود ذلك الامر واعراضه مع الامر لان حقيقة المأمور امر مع امر خارج فلا تقوم للمأمور الا بالامر ولذا قال عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال مولينا الصادق عليه السلام في الدعاء كل شيء سواك قام بامرك فابان ان قوله تعالى السماء يريد بها سماء المقبول وارض القابليات ليشمل كل شيء وقد اشار سبحانه وتعالى الى تفصيل هذا الامر وكيفية تقوم السماء والارض به في قوله عز وجل ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فيريد بالامر الذي قام به السموات والارض هو المعبر عنه بقوله ائتيا فلما قبلا واتيا طائعين فتقوما بالامر الذي هو من الله والى الله سبحانه وتعالى فالمأمور انما تقوم بالامر فيكون فعل المأمور به واجبا وتركه حراما لانه يستلزم اعدامه فالامر الكلي يستلزم المأمور به كليا والجزئي يستلزم ذلك جزئيا فلا ينفك المأمور عن الامر الا وقد بطل قال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان قلت كيف يكون قوام المأمور بالامر مع ان ذلك خلاف المحسوس والواقع فان الآمر هو الله والمأمور هو المكلف والامر هو قوله تعالى اقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين وامثالها مع انه سبحانه قال وكان يأمر اهله بالصلوة والزكوة والاهل هو المفعول الواقع عليهم الامر وقد شاع وذاع ان المفعول به يجب ان يكون موجودا ليقع الفعل عليهم ( عليه خ ) ولذا قالوا في خلق السموات والارض ان السموات والارض مفعول مطلق لا مفعول به قلت الواقع كما ذكرنا الا ان معرفة ذلك صعب مستصعب والاشارة اليها للمؤمن الممتحن ان الالفاظ حكاية للمعاني ومرايا لها قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام المعنى في اللفظ كالروح في الجسد وقد صح عندنا وعند العارفين ان المشبه في الكتاب والسنة عين المشبه به فالمعنى هو روح اللفظ وان لم تسلم هذه المقدمة يظهر المراد من التشبيه ايضا لان الالفاظ قوالب وتوابع للمعاني فلا يوصف بحكم الا باعتبار المعنى وتحقيق ذلك فيما كتبنا في اصول الفقه وما قررنا في اثناء البحث ويطول الكلام بذكره فاذا صح ذلك فنقول ان المأمور لا شك ولا ريب انه ذات ثبت او وقع عليه الامر فقبل وقوع الامر هل كان مأمورا ام لا والثاني باطل وعلى الاول ثبتت مساوقية ( تثبت مساوقة خ ) المأمور مع الامر ثم اقول ان هذه المساوقة في اللفظ فقط ام في المعنى فان قلت في اللفظ فقد ابطلنا آنفا مع انا نقول هل معناه كان موجودا قبل الامر ام لا فان قلت بلى قلت اذا ما اثر الامر الجديد شيئا والضرورة تقضي ببطلانه فان قلت في المعنى قلت هل المعنى هو ذات الشخص في رتبة ذاته او في مقام ظهوره بآثاره فان قلت ذاته في مرتبة ذاته فلا يجوز سلبه عنه ما دام وجود ذاته والبديهة تشهد بخلافه فتقول زيد مأمور وليس بمأمور وذاته في كلا الحالين باقية فان قلت في مقام ظهوره بآثاره فلا شك ان مقام الذات غير مقام الظهور لان الظهور اثر الذات وصفتها ولا تجمع الصفة والموصوف حقيقة واحدة لتجعل الذات والظهور اي الاثر شيئا واحدا ثم تسمى هذا المجموع المركب اسما واحدا فان ذلك مستحيل عقلا فان في التركيب يشترط تساوق الاجزاء وتجامعها في صقع واحد ليصح ميل احدهما في الآخر والآخر فيه حتى يحصل من المزج والتعفين شيء واحد ولا يجوز ذلك في الاثر والمؤثر اذ ليس بينهما اتصال ولا انفصال ولا اقتران ولا افتراق ولا تناسب ولا تباين فثبت ان المأمور هو ظهور الشخص بتلك الصفة وذلك الظهور قابلية للامر وصورة له والامر هو مادة له فاذا تعلق الامر بذلك الظهور ظهر المأمور فقبل الامر ما كان مأمورا ولا امرا ( مأمور ولا امر خ ) فلما تعلق الامر ووجد ظهر المأمور فصح ان الامر والمأمور جهات الامر ولذا قالوا ان المصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول ويستعمل في معناه المصدري وهذا لا اشكال فيه لمن تأمل ونظر ثم ان قوله تعالى كن لا شك انه فعل امر فمن كان المأمور فان قلت كان المأمور موجودا وهو الاعيان الثابتة في غيب الذات على ما يزعمه اصحاب الجهالات يلزم منه مفاسد قبيحة لانطول الكلام بذكرها لانا ذكرناها في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا من ان تلك الاعيان ان كانت شيئا غير الله قديما مع الله فيلزم منه تركيب الذات وظهور الكثرات فيها وان لم تكن شيئا لم تكن موجودة اذ لا واسطة بين الوجود والعدم معقولة كما قال مولينا الصادق عليه السلام اذ ليس بين النفي والاثبات منزلة فان قلت لم يكن المأمور موجودا قلت اذن صح ما ذكرنا ان المأمور انما يوجد بالامر والامر مادة له والتعلق صورة له والمجموع هو المأمور وهو يكون فان الضمير فيه يرجع الى المأمور بكن لا الى الامر فان قلت ان هذا الكلام تعبير لفظي وليس في الواقع لفظ ولا كلام ولا امر وانما هو ايجاد واحداث قلت هل التعبير مطابق للواقع ام مخالف له فان قلت مطابق صح ما قلنا وان قلت مخالف والله اجل من ذلك وان قلت ان هذا التعبير مجاز قلت ان المجاز لا يصرف اليه الا بدليل قطعي ومجرد عدم المعرفة لا يكون دليلا بل الدليل على نفي المجازية قائم كما ذكرنا وربما نذكر فيما بعد ان شاء الله تعالى فالامر امران امر اولي وامر ثانوي وكلاهما تكويني وتشريعي والامر الثانوي على قسمين احدهما ما يتعلق بوجود الامر الاولى وظهوره في الكون ولولا ذلك لم يظهر ولم يوجد وثانيهما لتكميل الاول وتتميمه في مقام الكمال فالامر الاولى هو المقصود لذاته وهو الذي تعلقت به مشية الله العزمية واراده ارادة محبة وهو المجعول بالاصالة وعليه يدور رحى التكوين والتشريع اي لولا ذلك لم تتكون الكينونة الاولية ولم تتقوم ( لم يتقوم خ ) وجود الخير ولم يبلغ الى الغاية التي خلق لاجلها ولم يتم له ما خلقه الله سبحانه لاجله فهذا هو الحتم المقضي اللازم الثابت الذي لا مرد عنه ( له خ ) والا لانعدم اي طرق باب الاستغناء فولى مدبرا الى جهنم وبئس المصير على حسب مراتبها ومقاماتها والامر الثانوي هو المقصود بالعرض وهو من شعاع الامر الاولى ونوره وجزء من سبعين جزء منه كالظل للاصل وهذا لا يكون الا لاظهار الاول حقيقة وذاتا ام كمالا وصفاتا فان كان الاول فهي الواجبات الغيرية وان كان الثاني فهي المستحبات والاول ان كانت فيه جهة مطلوبية ذاتية وتأثيرات حقيقية او لانه ليس السر الاستلزامي فيه ظاهرا ولا ينوط ذلك الامر به فعلا على حسب الظاهر فيتعلق به الامر الظاهري كالواجبات الغيرية كالطهارة والا فلا يظهر تعلق الامر به ظاهرا وانما هو متعلق به حقيقة وذلك كمقدمة الواجب فانه واجب شرعا الا انها ليست كذي المقدمة وانما هي جزء من سبعين جزءا منه فلا تجتمع معه في صقع واحد ولذا اذا نذر الرجل بان يأتي بواجبين فاتي بالمقدمة وذيها فلا يكفي لان المتبادر من الواجب الذي تعلق به الامر الالهي الاولى لا الثانوي العرضي وبالجملة الواجب والمستحب ليسا في صقع واحد ولا تجمعهما حقيقة واحدة والواجب هو الاصل والمستحب هو الفرع واللفظ اذا اطلق على الاصل والفرع فلا شك انه على الاصل حقيقة واما على الفرع فهل هو كذلك ام لا ففي محل الشك ولما لم نجد علامة الحقيقة في الاطلاق على الفرع قلنا انه مجاز ولما كان الامر الثاني في الصورة على مثال الامر الاول فاذا لم يتميزه الناظر فليحمل على الواجب قطعا لان الله سبحانه اذا اراد منه المندوب لنصب له القرينة واذ لم يفعل فلا يريد الا الوجوب فقوله عليه السلام انيبوا الى امر وجوبي حتمي الزامي زائدا على ما ذكرنا من انه امر يفيد الوجوب والالزام فيه اشارة الى تمام ظهور الامر البدوي الذي هو كن لانه لما ظهر بالمتعلق ( التعلق خ ) اخذ في التنزل بالتعلق فكل نزول لا بد له من صعود وكل عسر لا بد له من يسر قال عز وجل فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا فاشار عليه السلام في هذه الفقرة الشريفة الى قوس الصعود ليتم ظهور استدارة الكاف على نفسها ذاتا وظهورا ويظهر معنى قوله صلى الله عليه وآله ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض وقوله عز وجل وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون فقوله تعالى انا لله اشارة الى قوله تعالى كن فيكون وانا اليه راجعون اشارة الى ما قال الامام عليه السلام لان الله عز ذكره ذكر في محكم كتابه العزيز وانيبوا الى ربكم واسلموا له من قبل ان يأتيكم العذاب قال تعالى منيبين اليه وقال تعالى الا الى الله تصير الامور واليه يرجع الامر كله وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون واراد الامام عليه السلام شرح هذه الآيات وامثالها في مقام كشف الاسرار واشراق الانوار على ان هذه الانابة التي هي الرجوع الى الله ليس هي الرجوع الى ذات الله سبحانه فانه تعالى اجل من ان يقرب بساحة جلاله الاقتران او الاتصال او النسبة او الارتباط او الاضافة او الوصل او الفصل او غير ذلك من الاحوال المستلزمة للافتقار والتركيب والكثرة وسائر الامور القبيحة المنكرة فلا يصل احد اليه اذ المحال ان يكون المراد الرجوع الاتصالي على ما تزعمه الصوفية بان الخلق ليس الا الحق مع التعين فالرجوع الى الله على دعويهم سلب الكثرات ودفع ( رفع خ ) الانيات وازالة الماهيات فيكون هناك حق لا خلق فيه فرجع الى الله فان هذا الاعتقاد كفر بالله العلي العظيم وخروج عن الدين القويم فان ذلك يستلزم الاقتران والكثرة الذاتية وقد فصلنا شناعة هذا القول في تفسيرنا على آية الكرسي بما لا مزيد عليه فاذا بطل هذا القول فما بقي الا القول بان الخلق اثر لفعله سبحانه والشيء لا يجاوز ( لا يتجاوز خ ) مبدءه اي ذاته لانه فوق ذاته عدم محض لا ذكر له فرجوعه عبارة عن الرجوع الى مبدئه وهذا الرجوع له معنيان احدهما رجوع ذاته وصفاته واحواله وحركاته وسكناته وكلما له ومنه واليه وفيه وعنه وبه وعليه وعنده ولديه كلها الى الله تعالى بمعنى اضمحلالها وبطلانها وفقرها واستمدادها من الحق سبحانه بحيث لا يجد لنفسه شيئا كما انه لا يملك لنفسه شيئا ( ولا خ ) نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فالشيء في كل احواله طارق باب فيضه وقارع باب رحمته بانامل قابلية فقره وفي كل حاله راجع اليه فغير ( فقير خ ) مضطر واقف بباب الاذن سائل منه سبحانه المدد ولما كان العالم يدور بالاسباب والمسببات والعلل والمعلولات والادلة والمدلولات واللوازم والملزومات والآثار والتأثيرات والشرائط والمشروطات وسائر المتممات والمكملات والاضافات والقرانات والجهات والاعتبارات وامثالها من الذوات والصفات والشيء لا يتم الا بتلك الحالات وهي كلها بيد قهار البريات فاطر السموات بارئ المسموكات فلا يؤثر سبب في مسببه ولا ملزوم في لازمه ولا شرط في مشروطه ولا علة في معلوله ولا دليل في مدلوله الا بمشيته وارادته وقدره وقضائه واذنه واجله وكتابه فرجع الامر في كل شيء في كل حال اليه سبحانه وتعالى هو القاهر المتسلط في ملكه والمتصرف في خلقه لا اله الا هو العزيز الحكيم واليه تشير الآيات المتقدمة من قوله عز وجل واليه يرجع الامر كله والا الى الله تصير الامور وانا لله وانا اليه راجعون وامثالها مما قدمنا شطرا منها وثانيهما اعلم ان في كل شيء جهتان وكينونتان الكينونة الاولى هي التي من ربه وهي متعلق الجعل الالهي اولا وبالذات وهي الغاية والغرض في الايجاد وهي المحبة التي صارت علة للخلق لمعرفة الخالق وهي مهابط الانوار الالهية ومجالي اشراقات لمعات السفلية ( لمعان الصفات الفعلية نسخة ٢٤٤ خ ) ونسبتها الى فعل الله عز وجل وظهور التوحيد له نسبة الحديدة المحماة بالنار اي النار الظاهرة في الحديدة وليس فيها الا صرف ظهور النار ولك ان تقول انها هي النار ولك ان تقول انها غيرها لا فرق بينها وبين النار الا انها اثر النار وحدثها ودليلها وصفتها حكمها حكمها وامرها امرها والكينونة الثانية هي التي من نفسه وهي متعلق الجعل الثانوي العرضي لم يتعلق بها غرض ( عرض خ ) بوجه غير اظهار تلك الكينونة وشأنها شأن مقدمة الواجب ونسبتها الى الاولى كالظل خلف الجدار بالنسبة الى النور الذي في وجه الجدار وهذه هي الانية والماهية والتي تشير بها اليك وتقول انا وبها يمتاز اهل السلسلة العرضية بعضها عن بعض وهي منشأ الكثرات ومبدأ الاختلافات ومحل الروابط والاضافات وتعدد الجهات والكينونة الاولى جهة الوحدة والبساطة والنورانية هي كظهور ربها لا يشوبها صفة من الصفات الخلقية وحال من احوالهم واضافة من اضافاتهم هي كالسراج الوهاج لكن باعتبار اقترانها بالكينونة الثانية تكثرت ظهوراتها وتعددت جهاتها فكل الكمالات المتشتة في كل مقامات الشيء ودرجاتها ومراتبها فانما هي كلها ظهورات تلك اللطيفة الالهية والكينونة الحقية وكل الكمالات والصفات فيها شيء واحد بذاته مصداق كل الصفات وكل واحد منها هناك عين الآخر وتلك الكينونة هي لله سبحانه اذ كل ما سواه منقطع لديها باطل عندها فرجوع الامر الى الله رجوع الاعداد كلها الى الواحد ورجوع الواحد الى الاحد وجذب الاحد بظهوره كل صفات الواحد وفناءها عند ظهوره وبطلانها عند سطوع نوره والاحد هو تلك الكينونة الاولية ومنشأ كثرات الاعداد وهي الكينونة الثانية فالواحد الذي هو نور الاحد وظهوره عاد العدد وترجع كلها اليه وكذلك الاحوال الخلقية والاضافات الحقيقية كلها تفنى وتعدم عند ظهور تلك الحقيقة وهي ظهور الله سبحانه له به فرجعت الكثرات كلها الى الوحدة الحقيقية عند كشف السبحات وهتك الستر ومحو الموهوم واطفاء السراج فيظهر هناك الجلال والسر والمعلوم والنور الذي اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره وهذا الرجوع في الجزئي والكلي اي العالم الاكبر والعالم الاصغر موجود والرجوع في كل حال من احوالهما متحقق الا انه يكون له ظهور غالب ففي الجزئي حين موته لا بعد ان مات بالموت الطبيعي او بغيره المتحقق بازهاق الروح وهو في تلك الحال لم يشعر بشيء ابدا وكذلك عند دخوله في النوم فان هناك ايضا ظهور تلك الوحدة وكذلك عند خروجه منه الا ان في هذه الاحوال لم تشعر بتلك الوحدة ولم تنظر الى تلك الكينونة لانه لم يكن باختياره ظاهرا كما انك كثيرا ما ترى مطلوبك ومحبوبك وماتعرفه انه هو فاذا رأيته وانت تعرفه فهناك بلوغ الآمال ومنتهى الوصال وهذه المعرفة والرؤية انما تحصل في الدنيا اذا امتثل قوله تعالى فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم وقوله تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وقوله عليه السلام موتوا قبل ان تموتوا فهناك يظهر له معنى قوله تعالى انا لله وانا اليه راجعون واما في الكلي فتظهر تلك الكينونة الباقية عند فناء كل شيء واضمحلاله ورجوع الامر اليها الذي هو عين الرجوع الى الله سبحانه اذا نفخ في الصور فصعق من في السموات والارض الا من شاء الله وذلك هي تلك الكينونة التي خاطب الله سبحانه آدم على نبينا وآله وعليه السلام يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي فهناك جذب الاحدية لصفة التوحيد تكوينا كما كان تشريعا فهناك يسأل الله عز وجل اين الجبارون اين الذين يأكلون رزقي ويعبدون غيري لمن الملك اليوم فتجيب تلك الكينونة وتقول لله الواحد القهار وذلك كما تقرأ القرآن وتقول يا ايها الذين آمنوا ثم تقول لبيك اللهم لبيك وهذا معنى قولهم عليهم السلام نحن السائلون ونحن المجيبون فافهم ولهذا الرجوع معنى آخر الا انه قريب من المعنى الاول وهو ان الله عز وجل لما جعل هذه الدار الدنيا دار التكليف والتكليف يستلزم ان يمزج سبحانه في بنية المكلفين بعض الغرائب والاعراض الخارجة لتمنعه عن مشاهدة ملكوت السموات والارض في اول المرة الا بعد التصفية لئلا يلزم الالجاء والاضطرار وهو قوله عز وجل اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى وتلك الغرائب والاعراض وغفلته والنظر الى نفسه تمنعه عن التبصر والاستبصار بان لا مؤثر الا الله ولا مالك الا هو ولا مدبر غيره ولا متصرف سواه بل ينظر الى الاسباب فينسد عليه ذلك الباب فيريها مستقلة وهذه الرؤية تختلف مراتب الرائين فيها وجهات الانيات التي يلاحظونها وذكرها يحتاج الى بسط طويل ولسنا بصدده فاذا ماتوا انتبهوا ورأوا ان الامور كلها بيد الله وراجعة اليه ومطيعة لامره ونهيه ومنزجرة لارادته فهناك يظهر لهم رجوع الامر كله الى الله ولذا استحب اذا مات الانسان يقول الاحياء انا لله وانا اليه راجعون فان الله سبحانه في الدنيا ابتلي بعضهم ببعض وعاملهم بالاسباب الجزئية واظهر لهم عن امره حسب ما يظنون فاذا ماتوا بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون هذا معنى الانابة الى الله سبحانه وتعالى وتفصيلها في التكوين والتشريع مما يطول به الكلام والاشارة لاهلها كافية شافية ومولينا امير المؤمنين عليه السلام حامل ظهورات هذه المعاني كلها لا يظهر في الكون والوجود معنى منها الا به اما المعنى الاول فهو انما حصل ( يحصل خ ) عند ظهور الرحمن على العرش واستوائه عليه واعطائه كل ذي حق حقه وسوقه الى كل مخلوق رزقه وقد بينا ونبين ان شاء الله تعالى ان الرحمانية هي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء وهي الولاية المطلقة الظاهرة بالتدبير والتصرف في كل ذرة من ذرات الوجود من الازل الى الابد الى الازل الذي هو عين ذلك الابد وامير المؤمنين عليه السلام هو حامل الولاية المطلقة ولذا قال عليه السلام ما يخطو ملك خطوة الا باذني وامري كما في حديث البساط والملائكة هي مظاهر التدبير فرجوع الخلق الى الله سبحانه في كل احوالهم وارزاقهم وآجالهم وسائر مقتضياتهم الى الله سبحانه عين الرجوع الى عليّ عليه السلام لان تلك القيومية المحيطة القهارة لكل شيء انما ظهرت في عليّ عليه السلام بل هي عينه عليه السلام فولايته عين ولاية الله قال الله تعالى والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون والايدي هو محمد وعلي والطيبون من اولادهما سلام الله عليهم وهم اربعة عشر بعدد يد وقال عز وجل بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعليّ عليه السلام هو اليد الباسطة بالنعم على كل الامم وقال مولينا الصادق عليه السلام على ما في الكافي والتوحيد في الله ان الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا فكانوا مظاهر التقدير والتدبير فعنهم بدأت الاشياء واليهم تعود ومثالهم صلى الله عليهم كالسراج فانه يد النار وقيوميته للاشعة فبدو الاشعة من السراج وعودها في كل احوالها على ما فصلت سابقا الى السراج ورجوع الاشعة الى السراج عين الرجوع الى النار اذ ليس للنار باب الى الاشعة و( لا خ ) للاشعة باب الى النار سوى السراج فالاشعة هي الواقف ( الواقفة خ ) بباب النار الذي هو السراج والفقراء اللائذة بجنابها وهو هو ولذا قالوا عليهم السلام ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وقد ذكر شيخنا واستادنا اطال الله بقاه في بيان اياب الخلق اليهم عليهم السلام كلاما شريفا مشتملا على اسرار شريفة احببت ان اورده هنا بلفظه الشريف تيمنا وتبركا قال اطال الله بقاه : اقول قد تقرر في ادلة الكتاب والسنة في بواطن التفسير وفي دليل الحكمة ان الله سبحانه لا يجري افعاله في المفعولات الا على ما هي عليه مما ينبغي لها ويمكن فيها حين كونها وذلك لا يجري على جهة قسرها بل تكون في تكوينه لها مختارة ويلزم من ذلك ان افعالها تصدر عنها على جهة الاختيار وما تراه في بعضها من الاضطرار فهو ما يظهر لك في بادي الرأي ولو نظرت بالعين الحديدة ظهر لك انه ليس في شيء من الموجودات قسر اصلا بل كلها على الاختيار في صنع الله تعالى لها وفي صنعها لافعالها وما يصدر عنها وذلك شيء تكون به ويكون فيه وليست شيئا قبل بدوها واول ذكرها وهو سبحانه ذكرها بالاختيار واذا اردت معرفة كونها مختارة في كل حال فعليك بما كتبناه في الفوائد فاطلبه لتعرف حقيقة ما ذكرنا ثم انه عز وعلى نزلها من منازل ذكرها الاول في مراتب التكوين على حسب قبولها من عطائه لم تعدم في جميع احوالها اوامره بما فيه نجاتها ونواهيه عما فيه هلاكها وهي كما كانت مختارة في نفسها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري كذلك افعالها مختارة في نفسها وفي تعلقاتها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري ولما كان الشيء المختار اذا لم يمنعه مانع من مقتضي اختياره لا يميل الا الى ما يلا يمه وكان لا يلايم الشيء الا ما كان احدهما من الآخر او لازما له او متقوما به او مستمدا منه ومستعينا به وكان كل ما سويهم عليهم السلام من سائر الخلق اما لازما لهم متقوما بهم مستمدا من فضل خيرهم مستغنيا بهم او متقوما باللازم لهم لازما له كسائر اعدائهم فانهم ماوجدوا الا بفاضل وجود شيعتهم من جهة شمائلهم وجب في الحكمة رجوع الخلق اليهم كل واحد من الخلق يرجع بحكم التمكين والاختيار الى مبدئه منهم ولما ثبت بالدليل كما اشرنا اليه مما تقدم ويأتي ان المخلوق من حين ذكره الاول الذي هو مبدأ شيئيته الى ان يعود اليه محتاج في بقائه الى المدد في جميع تلك المراتب في كل ذرة وحال هو مكلف محصور بالاوامر والنواهي في غيبه وشهادته وقد بينا ان كل ذرة في الوجود التكويني والتشريعي انما يوجدها الله سبحانه عنهم ولهم وقد انهي علمها اليهم في كل شيء من الوجودين وقد جعلهم الله سبحانه مانين لكل ما شاء اي مقدرين وجب في الحكمة الالهية ان يكون حسابهم عليهم وهذا بحمد الله لمن وفقه الله لفهم ما كشفنا له من السر واضح ليس عليه غبار بل ضروري لاولي الابصار الذين يفرقون بتوفيق الله بين الليل والنهار وذلك لبيانهم عليهم السلام لهذا المعنى في احاديثهم في بواطنها وفي ظواهرها انتهى كلامه اعلى الله مقامه واما امير المؤمنين عليه الصلوة والسلام فهو عليه السلام لما كان اميرهم وكبيرهم ورئيسهم وفخرهم وسيدهم صلى الله عليهم ( وخ ) كان هو الاصل لانهم عليهم السلام تفرعوا عنه كتفرع الاغصان من الاصل وتفرع الحروف من الالف واصل الولاية هو صلى الله عليه وآله ونسبتهم اليه كنسبته الى رسول الله صلى الله عليه وآله نسب الانابة الى نفسه الشريفة دونهم فقال (ع) انيبوا الى وانما لم ينسب الى محمد صلى الله عليه وآله مع انه اقدم واشرف لما ذكرنا سابقا من ان مقامه صلى الله عليه وآله مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا وامكانا ومقام امير المؤمنين (ع) مقام الربوبية اذ مربوب عينا وكونا والاشياء في مقام تفصيلها وانبساطها ترجع الى مباديها الخاصة بها من وجوه ذلك المبدأ الكلي الذي هو امير المؤمنين عليه السلام واما المعنى الثاني فاعلم ان تلك اللطيفة الالهية التي هي جهة العبد من ربه هي مثال جزئي قد اشتق من المثل الاعلى كاشتقاق النور من المنير والمصدر من الفعل فهو متقوم بذلك المثل الكلي ومتحقق به وراجع اليه رجوع الاشعة الى الشمس اما على فنائها عند ظهورها او فقرها واضمحلالها عندها واستمدادها منها وكلا المعنيين مرادان وهذه الكينونة وان كانت مثالا للحق سبحانه في الجزئي الا انه معمول للفعل كالفاعل في قولك ضرب زيد عمرا فان زيدا فاعل مع انه معمول ومفعول ومتأثر عن ضرب فالمثل الاعلى بمنزلة ضرب لا لكونه مثلا بل لكونه فعلا وتلك اللطيفة بمنزلة الضارب من حيث انه مثال واذا اعتبرت المثالية المحضة في المثل الاعلى يكون المثل الاعلى بمنزلة قولك ضربت ضربا فالمثل الاعلى هو ضربت وهذه اللطيفة الجزئية كقولك ضربا الذي في قوة ضربت تأكيدا لضربت الاول فيكون ضربت الثاني المتحصل من ضربا مثال المثال وآية الآية ودليل الدليل وشبح الشبح كالمرآة الثانية بالنسبة الى المرآة الاولى فافهم وقد دل العقل والنقل ان آل محمد صلى الله عليهم هم الامثال العليا والاسماء الحسنى وعليّ عليه السلام هو المثل الاعلى من الاسماء الحسنى والصفات العليا فيكون هو المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وكل ما في الخلق من المظاهر والمجالي فكلها متقومة بتلك المقامات قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا اي بمعرفتنا ولذا قالوا عليهم السلام لولانا ما عرف الله ولولانا ما عبد الله والزيارة من اراد الله بدء بكم ( ومن وحده قبل عنكم خ ) ومن قصده توجه اليكم فافهم ان شاء الله تعالى واما المعنى الثالث فعليّ عليه السلام هو سلطان الآخرة واليه والى الطيبين من اولاده يرجع امر الخلق في دار الآخرة فهم وان كانوا ملوكا في الدنيا والآخرة الا ان السلطنة انما تظهر في الآخرة لا في الدنيا لما ذكرنا ففي الكافي عن مولينا الباقر عليه السلام اذا كان يوم القيمة وجمع الله الاولين والآخرين لفصل الخطاب دعى رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام فيكسي رسول الله صلى الله عليه وآله حلة خضراء يضيء ما بين المشرق والمغرب ويكسي عليّ عليه السلام مثلها ويكسي رسول الله صلى الله عليه وآله حلة وردية تضيء لها ما بين المشرق والمغرب ويكسي عليّ (ع) مثلها ثم يصعدان عندها ثم يدعي بنا فيدفع الينا حساب الناس ونحن والله ندخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وعن الكاظم عليه السلام ان الينا اياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الناس استوهبناه منهم واجابوا الى ذلك وعوضهم الله عز وجل وفي الامالي عن الصادق عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة وكلنا الله بحساب شيعتنا فما كان لله سألنا الله ان يهبه لنا فهو لهم وما كان لنا فهو لهم وروى الفقيه ابو الحسن محمد بن احمد بن عليّ بن الحسين بن شاذان (ره) في كتابه الذي جمع فيه مائة فضيلة ومنقبة لاهل البيت كلها من طرق العامة باسناده الى الحارث وسعد بن قيس عن عليّ بن ابيطالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا واردكم على الحوض وانت يا عليّ الساقي والحسن الرائد والحسين الآمر وعليّ بن الحسين الفارط ومحمد بن عليّ الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعليّ بن موسى الرضا منير المؤمنين ومحمد بن عليّ منزل اهل الجنة في درجاتهم وعليّ بن محمد خطيب الشيعة ومزوجهم الحور العين والحسن بن عليّ سراج اهل الجنة يستضيئون به والهادي شفيعهم يوم القيمة حيث لا يأذن الله الا لمن يشاء ويرضى وايضا باسناده قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ بن ابيطالب يا عليّ انت نذير امتي وانت هاديها والحسن قائدها والحسين ساقيها وعليّ بن الحسين جامعها ومحمد بن عليّ عارفها وجعفر بن محمد كاتبها وموسى بن جعفر محصيها وعليّ بن موسى الرضا معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها ومحمد بن عليّ قائمها وسائقها وعليّ بن محمد سائرها وعالمها والحسن بن عليّ الهادي ناديها ومعطيها والقائم الخلف ساقيها ومناشدها ان في ذلك لآيات للمتوسمين ه والاخبار المذكورة والتي نذكرها ان شاء الله تعالى فيما بعد صريحة في انهم صلى الله عليهم اولياء الخلق ايابا وابتداءا وقد قال تعالى اشارة الى اتحاد حكم البدو والعود كما بدأكم تعودون وعليّ صلى الله عليه وآله في كل حال من الاحوال له الرياسة والسلطنة والمكنة والاقتدار فقوله عليه السلام انيبوا الى شيعتي هو قوله تعالى وانيبوا الى ربكم واسلموا له وهو قوله تعالى ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل وان الله هو العليّ الكبير وانما قال انيبوا الى مع ان الخلق كلهم منيبون اليه لا يخالف احد منهم محبته وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال تبعا لقوله تعالى وانيبوا الى ربكم واسلموا وانما قال الله ذلك لدعوتهم ليقابلوا فوارة النور ليفور عليهم من انوار القدس ما يشغلهم عن انفسهم ولذا قال عز وجل وتوبوا الى الله توبة نصوحا وقال عز وجل ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فان الطهارة هي المحبة في احببت ان اعرف وتلك لم تحصل الا بالتوبة وهي الرجوع فان الرجوع والانابة على قسمين انابة على مقتضى المشية الحتمية ولا يتخلف عنها احد من الخلق وما تشاؤن الا ان يشاء الله افحسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون وهي انما ظهرت على باب مدينة الحكمة وسور بلد المعرفة بظاهر الباب وباطنه قال عز وجل فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والانابة الثانية هي الانابة على مقتضى المشية العزمية وهي المحبة الاصلية المقصودة لذاتها المستدعية للتكليف ويراد بهذه الانابة الرجوع اليه والتمسك بحبله كما قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا والاعتصام بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها بالكفر بالطاغوت والايمان بالله ليخرجه الله تعالى من الظلمات الى النور ولذا خصها بالشيعة فقوله عليه السلام انيبوا الى هو قوله تعالى انيبوا الى ربكم او ( وخ ) انيبوا الى الله وتوبوا اليه وقوله انيبوا الى ربكم هو معنى قوله عليه السلام انيبوا الى وكيفية هذه الانابة زائدا على ما ذكرنا نذكره فيما بعد ان شاء الله ( تعالى خ ) واما الشيعة فانها اما مشتقة من الشعاع او من المشايعة والامران مرادان ومئالهما الى واحد وقال عليه السلام انما سموا الشيعة شيعة لانهم من شعاع انوارنا ومنه قول الحجة عليه السلام اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا الدعاء فان الشعاع هو من فاضل طينة السراج ولا شك في ان الشعاع تابع للسراج المنير تبعية تكوينية وتشريعية اختيارية غير اضطرارية اذ الشعاع صفة والصفة بذاتها وطبعها مائلة الى الموصوف غير مفارقة عنه ومقترنة به في مقام ميلها اليه ونسبة الشعاع الى المنير كنسبة القائم الى زيد والصورة في المرآة الى المقابل وقد ظهر مما قررنا ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله اتخذهم الله اعضادا لخلقه مطلقا في كل عالم من العوالم التكوينية والتشريعية وعضد الشيء انما هو مادته وصورته اذ بهما قوام الشيء فلو فقدت احديهما فقد الشيء وفنى فالعضد القوي انما هو هما لا غيرهما وان كانت المادة اقوى من الصورة وقد قررنا سابقا ان مواد الكائنات كلها من نور محمد صلى الله عليه وآله وصورها كلها من نور مولينا عليّ والطيبين من اولاده صلى الله عليهم فالاخيار موادهم من موافقة محمد صلى الله عليه وآله وصورهم من موافقة عليّ عليه السلام والاشرار موادهم من مخالفة محمد صلى الله عليه وآله وصورهم من مخالفة عليّ عليه السلام فالاشرار اظلال وعكوس للاخيار متقومون بهم فهم لوازم ذواتهم والمجموع من الامرين متقوم بهما صلى الله عليهما وآلهما كالسراج المتقوم به النور والظل واليه الاشارة بقوله عز وجل كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فمقام التضاد في رتبة الشعاع واما في رتبة المنير فلا تضاد ولا تناقض ولا تعارض ولا تمانع فلا يقال ان الظل ضد للشمس كيف وانما هو والنور نسبتهما الى الشمس في التقوم متساويان الا ان النور جهة موافقتها ومقصود لها بالذات والظل جهة مخالفتها ومقصود بالعرض فلو قيل لهذا المعنى ضد يلزم ان يكون لله سبحانه وتعالى ايضا ضدا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فان الطاعة جهة موافقته ومحبته والمعصية جهة مخالفته لكن الامرين ما يتحققان الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد اشرك وقد علمت وستعلم ان محمدا وآله صلى الله عليهم محال مشية الله وحملة قدرته والسنة ارادته وتراجمة وحيه واركان توحيده فهم العلة الفاعلية فليس لهم حينئذ شعاع وانما هو في مقام انهم ابواب الافاضة والاستفاضة وهم في ذلك المقام العلة المادية والصورية للاشياء كلها على ما قال الامام الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ولا شك ان هذا النور والرحمة ليسا عين ذات الحق سبحانه فكانا مخلوقين وما خلق الله سبحانه خلقا قبل محمد وعليّ والطيبين من اولادهما صلى الله عليهما وعلي اولادهما ولا يصح ان يكون النور الذي خلق المؤمن منه هو عين ذاتهم فتكون ذواتهم كالبحر والخلق كالموج او كالخشبة والخلق كالسرير والباب مثلا فان ذلك كفر بالله وزندقة عظيمة فيجب ان يكون ذلك النور من شعاع انوارهم وظهور آثارهم وكذلك الرحمة ولما كانت الرحمة هي الواسعة المعطية كل ذي حق حقه وهي مبدأ الاختلاف والتمايز والكثرات وكان مولينا عليّ عليه السلام هو مبدأ الاختلاف ومحله ومنشأه وهو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وعنه يسألون وعليه يعرضون فكانت الرحمة التي هي العلة الصورية من نور عليّ عليه السلام فبالنور والرحمة تحققت الاشياء وتذوتت وتأصلت والمادة هي الاب وهو ( هي خ ) النور والصورة هي الام وهي الرحمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة اي امة الدعوة فاذا كان كذلك فكل ما برأه الله وذرأه من اشعة انوارهم وعكوسات آثارهم فالظل متقوم بنفس النور من حيث هو نور والنور متقوم بهم صلى الله عليهم فكل شيء في الوجود المقيد واقف بباب فيضهم ولائذ بمسألة فقره ( فقرهم خ ) بجنابهم قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه فما شيء منا الا وانتم له السبب واليه السبيل خياره لوليكم نعمة وانتقامه من عدوكم سخطة فلا نجاة ولا مفزع الا انتم ولا مذهب عنكم يا اعين الله الناظرة وحملة معرفته ومساكن توحيده في ارضه وسمائه الزيارة الا ان الاشياء على قسمين نور وظلمة فالنور هو جهة موافقتهم ومتابعتهم فهو الشيعة والشعاع فمن تبعني فانه مني والظلمة جهة المخالفة والعداوة والبغضاء وهي العدو واهل البغض فالظلمة والمتكونون فيها لا يميلون الى النور ابدا والنور والمستنيرون به لا يميلون الى الظلمة فيسير هؤلاء صاعدين الى نقطة وجههم من مبدئهم ويسير اولئك هابطين الى نقطة وجههم من مبدئهم من الظلمة وسير هؤلاء على التوالي وسير اولئك على خلاف التوالي ولا وقوف لهذا السير ابدا ولكن الله سبحانه قارن بين النور والظلمة لكمال قدرته وليعلم ان لا ضد له فصار المتحصل من هذا القرآن على اقسام قسم بقوا على صرافة نوريتهم وصفاء طويتهم لم تكدرهم الظلمات ولم تنجسهم درن الجهالات فبقوا على ما هم عليه من الصفا والنورانية وهؤلاء هم الانبياء والمرسلون والملائكة المقربون والمعصومون المطهرون المنزهون فصاروا لا يعصون ولا يغفلون فحكوا المثال وبلغوا الوصال حتى قال فيهم ولي الملك المتعال انا آدم انا نوح انا ابرهيم انا موسى انا عيسى لانهم امثلة واشعة ما غيرت مرايا قوابلهم اياها فبقيت تحكي الممثل هو هو بالحكاية الواضحة كصورتك اذا ظهرت في المرآة المستقيمة تحكي مثالك من غير تغيير فتجري احوالك كلها عليها وكلها صحيحة ولذا قال عز وجل اشارة الى عيسى بن مريم لما قال المنافقون ان محمدا صلى الله عليه وآله يبالغ في مدح ابن عمه حتى يريد انا نعبده كما عبدت النصارى عيسى بن مريم وذلك حين قال صلى الله عليه وآله ما معناه ان لاخي فضايل لو بينتها لكم لقلتم فيه كما قالت النصارى في عيسى بن مريم فاخبره سبحانه عما اسر المنافقون ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون وقالوا ءآلهتنا خير ام هو ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ان هو اي عيسى على نبينا وآله وعليه السلام الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل وهم آل محمد صلى الله عليهم وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلام السلام على اسرائيل الامة فعيسى عليه السلام مثل لهم عليهم السلام وهم في كلما يتعلق باحوال الخلق على حد سواء والمثال لا يخالف الممثل ولذا قال عليه السلام من رآهم فقد رآني اذ من رأى الصورة في المرآة او نور الشمس الظاهر في الماء او غيره من الاجسام الصيقلية فقد رأى الشمس لعدم ظهور الانية لها من دون الشمس ويأتي ان شاء الله تعالى زيادة بيان لهذا في موضعه فهؤلاء هم الشيعة الحقيقي بل الشيعة الحقيقي المخلص الكروبيون الذين جعلهم الله خلف العرش بحيث لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا فهؤلاء هم افاضل الشيعة المخلصين ( المخلصون خ ) عين المثال ليس فيهم شوب وشبه وربط لا جهة لهم الا ظهور سيدهم ومولاهم وهم الخصيصون واخص الخواص لا يضطربون ولا يتحيرون اذا ظهر لهم سر من اسرار آل محمد عليهم السلام والانبياء تحتهم ودون مقامهم ومرتبتهم في مقام التشيع ولذا قد يحصل منهم ترك الاولى الذي هو تقصير في حقهم وتكاهل عن تأدية واجب حقهم وامرهم كآدم على نبينا وآله وعليه السلام حيث اخبر الله سبحانه عنه في كتابه ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فنسي ولم نجد له عزما وكايوب لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله اليه اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول خطب جسيم وامر عظيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلام وكيونس اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وهكذا غيرهم وما ثبت على ولايتهم وطاعتهم والقيام بواجب حقهم من الانبياء الا اربعة وهم نوح وابرهيم وموسى وعيسى اما نوح فقد قال الله تعالى ووصفه فقال انه كان عبدا شكورا واما ابرهيم فقال سبحانه وتعالى فيه واذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما وتلك الكلمات هي التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وقال مولينا الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى والمراد بالاتمام هو القيام بحقهم واداء لما كلفه الله سبحانه من طاعتهم حتى تسمى بذلك خليلا بمعنى ان الفقر الى الله تخلل في كل ذرة من ذرات وجوده وبذلك وصل الى مقام الخلة التي هي المحبة وهو مقام عظيم ما نال ذلك الا بالتثبت في ولايتهم والاقرار بفرض طاعتهم كما قال عز وجل وان من شيعته لابرهيم وذلك لان ابرهيم عليه السلام لما اراه الله ملكوت السموات والارض رأى الاشياء كلها في اماكنها واوقاتها ومحالها ومراتبها فنظر الى ظهور رسول الله صلى الله عليه وآله ووفاته عليه السلام واختلاف الاوصياء والخلفاء المدعين وقد اخبر الله سبحانه عن قصته فقال عز شأنه فلما جن عليه الليل بعد غروب شمس النبوة الاحمدية في المرتبة الختمية وظهرت الاختلافات وظلمة الشبهات وظهر قوله عز وجل وما محمد صلى الله عليه وآله الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم رأى كوكبا وذلك هو الثالث وانما ابتدأ به لان النظر الحقيقي لا يكون الا هكذا فان الاخبث اسفل مكانا ودركا الا ترى الجهل الكلي فانه في تحت الثرى تحت كل الظلمات والنجاسات والعالي اذا نظر الى السافل لا يكون نظره الا بالترتيب من الاسفل الى اسفل الاسفل وهكذا كما اذا نظرت في الماء الى ظلك ترى ظل رجلك اولا وظل بطنك ثانيا وظل رأسك اخيرا وثالثا فافهم قال هذا ربي اي صاحبي في مقام الانكار فان الله تعالى اخبره بانه من شيعة وصي النبي الامي صلى الله عليهما فلما افل اي رآه تعصى وتغشاه ظلمة العصيان والكفران وذهب بنوره فرط الطغيان والعدوان قال لا احب الآفلين فاني معصوم لا يكون رئيسي وصاحبي الا معصوما مطهرا والعاصي بدت بيني وبينه العداوة والبغضاء الى يوم القيمة فلما رأى القمر بازغا وهو الثاني اي قمر الضلالة ابو الشرور العلة الصورية لكل الكفار والمنافقين والخبائث والنجاسات والرذائل الى يوم الدين الشجرة التي طعام الاثيم طلعها كأنه رؤس الشياطين وهو المنكر ان انكر الاصوات لصوت الحمير وكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وهو المؤنث ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله قال الاول ان لي شيطانا ليعتريني فلما رآه ابرهيم داعيا الى نفسه والى عبادته من دون الله وقد عبده طائفة من دون الله قال هذا ربي في مقام الانكار والتعجب فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين حيث عبدوا الشيطان واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي وهي ( هو خ ) الاول وانما عبر عنه بالشمس لانه ابو الدواهي مواد الظلمات واصل الشكوك والشبهات ومنشأ الضلالات كلها منه واليه وهو النقطة التي تدور عليها رحى الجهل الكلي باحواله واطواره وصعوده ونزوله وهو وشيطانه المعنيان بقوله عز وجل الشمس والقمر بحسبان وهو طبقة من طبقات جهنم فلما رأي ابرهيم عليه السلام ما به من الرسوخ في الكفر والغي والضلالة لانه الفحشاء وشيطانه المنكر في قوله تعالى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي هو ثالثهم قال عليه السلام هذا اكبر اشد كفرا وضلالة وبغيا وجهالة عن الثاني والثالث فلما افلت عصت وولت دبرها وخرجت من بيتها وخالفت ربها ونبيها وتبرجت تبرج الجاهلية الاولى وهتكت سر النبوة قال ابرهيم عليه السلام يا قوم اني بريء مما تشركون حيث رآهم يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم وصدهم عن السبيل اي ولاية عليّ عليه السلام قال مولينا الصادق عليه السلام من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ثم لما اعرض عنهم واعتزلهم وما يعبدون من دون الله توجه وخلص له التوجه فقال وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين فقد توجه الى فاطر السموات بعلي عليه السلام لانهم يتوجهون الى رب عاجز حقير ذليل جاهل لشيوع عجزهم وجبنهم وفرارهم من الزحف وجهلهم في العلوم واذا سئلوا مسألة وعصيانهم فان العاصي ذليل حقير فاذا توجهوا الى الله بالتمسك بحبل هؤلاء الجهال فقد توجهوا الى ما ذكرنا فان الوجه آية ذي الوجه ليست لها جهة سواه كما اذا نظرت الى المقابل في مرآة سوداء غبراء عوجاء فانك تصف المقابل بالاعوجاج والسواد والقبح واما اذا توجه الى الله سبحانه بعلي عليه السلام فقد توجه الى رب عليّ على كل شيء مطهر عن كل رجس ونقص وعيب لعصمته عليه السلام وطهارة ذيله عن الشهوات وخوفه وخشيته من بارئ السموات وعزيز غالب قادر لشيوع ظهور المعجزات والكرامات وخوارق العادات التي لا يشك العاقل بل ولا الجاهل انه من فاطر السموات وعالم حكيم لعدم توقفه عليه السلام في مسئلة من المسائل وحكم من الاحكام ومشكل من المشكلات وسكوته عن الاستيلاء مع الاقتدار عليها بيانا لقوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى وامثال هذه من الاحوال الظاهرية واما الامور الباطنية فقد شرحنا شيئا ( منها خ ) ونشرحها ان شاء الله تعالى فيما بعد فالتوجه بعليّ عليه السلام الى الله هو الدين الخالص وهو التوحيد الخاص وهو قول لا اله الا الله من غير استكبار وقال تعالى واذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون وهي الكلمة التوحيد التي اتمها ابرهيم عليه السلام فبذلك صار من اولي العزم وقد روي ان النبي صلى الله عليه وآله جلس ليلا يحدث اصحابه فقال يا قوم اذا ذكرتم الانبياء الاولين فصلوا عليّ ثم صلوا عليهم واذا ذكرتم ابي ابرهيم فصلوا عليه ثم صلوا عليّ قالوا يا رسول الله (ص) بما نال ابرهيم ذلك قال صلى الله عليه وآله اعلموا ليلة عرج بي الى السماء فرقيت السماء الثالثة نصب لي منبر من نور فجلست على رأس المنبر وجلس ابرهيم عليه السلام تحتي بدرجة وجلس جميع الانبياء الاولين حول المنبر فاذا بعليّ عليه السلام قد اقبل وهو راكب ناقة من نور وجهه كالقمر واصحابه حوله كالنجوم فقال ابرهيم يا محمد هذا اي نبي معظم او اي ملك مقرب قلت لا نبي معظم ولا ملك مقرب هذا اخي وابن عمي وظهري ووارث علمي عليّ بن ابيطالب عليه السلام قال وما هؤلاء الذين حوله كالنجوم قلت شيعته فقال ابرهيم اللهم اجعلني من شيعة عليّ عليه السلام فاتي جبرئيل بهذه الآية وان من شيعته لابرهيم ه فكان ابرهيم عليه السلام بذلك الثبات والوقوف في مقام التشيع من اولي العزم حتى قال العلماء انه افضل من نوح واما موسى وعيسى فلا شك انه افضل منهما وكان شيخي اطال الله بقاه يقول ان نوحا افضل واما انا فعندي ترجيح ابرهيم قوي جدا لان الذي اعرف من الاخبار ومن لطائف الآثار في بواطن الاسرار امور عجيبة فيه على نبينا وآله وعليه السلام والله سبحانه اعلم واما موسى فقد قال فيه مولينا الحسن العسكري عليه السلام في كتابته بخطه الشريف قد صعدنا ذري الحقائق باقدام النبوة والولاية والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فلما عزم موسى وثبت على ولايتهم وطاعتهم وفرض حقهم وماشك ولا ارتاب وبقي على العهد والوفاء في كل الائمة الهداة صلى الله عليهم وما نسي مثل آدم ابينا على نبينا وآله وعليه السلام وما توقف في القائم عليه السلام مثله عليه السلام فلما عهدوا سلام الله عليهم منه الوفاء في العوالم المتقدمة وفي البشرية الظاهرية شهدوا له بالوفاء فحلاه الله سبحانه حلة الاصطفاء فصار بذلك من اولي العزم واما عيسى روح الله على نبينا وآله وعليه السلام فقد اشار الحق سبحانه الى تشيعه وبقائه على صفائه وعدم تغيير فطرته وحكايته للمثال كما تقدم من الآية الشريفة ولما ضرب ابن مريم الآية ( على ما بينا خ ) ولوح ايضا الى ذلك بقوله الحق وكلمة منه اسمه المسيح وقوله عز وجل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته القيها الى مريم وروح منه فتعبيره سبحانه وتعالى بالكلمة مع انها انما اطلقت على محمد وآله عليهم السلام في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ولنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولما كان اطلاق الكلمة عليهم وعلى عيسى ( عليهم وخ ) عليه السلام من باب الحقيقة بعد الحقيقة وقد ذكرنا سابقا ان الحقيقة الثانية انما هي صرف ظهور الحقيقة الاولية الغير المشوب بشيء من احوال تعينها وانيتها علمنا ان عيسى عليه السلام قد بقي على الصفاء الاصلي الذاتي فهو الشيعة المخلص لامير المؤمنين عليه السلام والطيبين من اولاده واحفاده فبذلك صار من اولي العزم فهؤلاء الاربعة من افاضل الشيعة بعد الملائكة الكروبيين ثم بعدهم سائر الانبياء وتختلف مراتبهم في التشيع الى آخر طبقاتهم في القرب والبعد من اولي العزم وهذا الذي ذكرنا مجمل احوال القسم الاول واما القسم الثاني فهم الذين غلبت جهة نوريتهم لكن الظلمة قد تمكنت فيهم وظهرت آثارها عليهم وبرزت جهة انيتهم وادعت وان كانت دعوى ضعيفة الا ان هذه الدعوى والظهور اخفت المثال فلم يبلغ الوصال ولا يرى الحقيقة في كل الاحوال كالنور المتشعشع الساطع على الجدران وعلى غيرها من الاجسام الكثيفة الغاسقة فانه نور تجري عليه احكام النور حقيقة ولا يحسب مع الظلال والظلمات الا انه ليس نور يحكي مثال الشمس والسراج كما اذا اشرقا على المرايا والمياه وسائر الاجسام الصيقلية الشفافة وهؤلاء هم الشيعة غير المعصومين من طبقة الرعية ولهم مراتب كثيرة في علمهم وعملهم وتجمعهم ثلث مراتب : الاولى مقام الخصيص وهم الذين انقطعت جهات انياتهم وذهبت ماهياتهم وماتوا قبل ان يموتوا ونظروا في الآفاق والانفس حتى يتجلى لهم الحق تعالى بساداتهم ومواليهم في كل شيء فعرفوا الكيف والكم والحيث واللم وعرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤل اليه امورهم فبذلك عرفوا باطن باطن القرآن والاخبار والعلوم والصنايع والآداب والحركات والسكنات والاوضاع والاضافات والقرانات وباطن باطن التأويل وهكذا المراتب التي فوقها الى السبعة او الى السبعين على مقدار مقامهم وعملوا بمقتضى قوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه والثانية مقام الخواص وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وتوجهوا في العبادة الى فاطر السموات باوليائه سبحانه وتعالى وعرفوا باطن القرآن وتأويله وظاهر ظاهره وعرفوا عليا والطيبين من اولاده عليهم السلام بالنورانية واستدلوا في ادلتهم بالموعظة الحسنة والثالثة مقام العوام وهم الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات وتوجهوا في العبادة الى الله سبحانه بولاية امير المؤمنين (ع) والطيبين من اولاده عليهم السلام وعرفوا تنزيل القرآن والاخبار وظواهر الاحكام وهم على ثلاثة طبقات الاولى اهل القشر وهم اصحاب الاشعار الثانية اهل اللب من اهل الظاهر وهم اصحاب الاصواف الثالثة اهل لب اللب وهم اصحاب الاوبار قال تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين والقسم الثالث وهم الذين بقوا على صرف الظلمة ومخالفة الحق المبدأ واجابوا نعم عند قوله تعالى الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة الاحد عشر من ولده وفاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعليهم اوليائكم فتلبس ( فتلبسوا خ ) بلباس الكفر والنفاق وتصوروا بالصورة الشيطانية وعاندوا الحقائق الربانية فصاروا بتلك الاجابة عين الظلمة ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم فقوام وجودهم بذلك السؤال المتقوم بنور عليّ عليه السلام فهم ناكسوا رؤسهم عند ربهم والقسم الرابع هم الذين تساوي فيهم النور والظلمة فيتعادلان في ظهور الآثار حتى تتم البنية وتكمل الصيغة وهم المرجون لامر الله اما يعذبهم ان مالوا بعد اكمال الصيغة الى الظلمة او يتوب عليهم ان آلوا ( مالوا خ ) بعدها الى النور هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والاقسام الثلثة الاخيرة يتحقق ( تتحقق خ ) في كل صقع من الاصقاع وكل نوع من الانواع من الجن والبهائم والطيور والحشرات والنباتات والجمادات والصفات والاعراض والروابط والقرانات وكل شيء من خلق الله على القول المجمل ولا يسعني الآن تفصيل احوالهم فكلهم توابع اما تابع بالاصالة كالشيعة او تابع بالعرض كالاعداء فرجوع الاقسام كلها اليهم صلى الله عليهم وانما خص الشيعة بالانابة والرجوع وترك غيرهم لانهم المقصودون بالاصالة والمعنيون بالذات وغيرهم منسيون نسوا الله فنسيهم فانابة كل انواع الشيعة اليه عليه السلام على مقتضى مقامهم ومرتبتهم فالسابقون الاولون الذين هم الانبياء والمرسلون انابتهم الى عليّ عليه السلام الثبات على الامر والدوران حول ربهم ولم يروا لهم تذوتا ولا تأصلوا ( تأصلا خ ) ولا يتركون الاولى في مقامهم ويمضون في طاعة ربهم ولا يلتفت منهم احد ولا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وانابة الكروبيين اليه عليه السلام بدوام الاستمداد والوقوف على باب المراد وحكاية المثال وعدم قول انا في حال من الاحوال ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين اي يقول اني انا وانابة خصيص الشيعة ان يحفظوا سرهم ويعرفوا امامهم وسيدهم بالنورانية في اعلى مقاماتها ودرجاتها وعدم التفاتهم الى مصائب الدنيا وسيرهم الى الله سبحانه وانابة الخواص اليه عليه السلام بالعمل بقولهم عليهم السلام حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ارتكب الشبهات ارتكب المحرمات فهلك من حيث لا يعلم وقولهم عليهم السلام الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وبالتسليم الى ائمة الحق والرد اليهم في كل الاحوال من المبدأ والمآل وانابة العوام اليه عليه السلام قريب مما ذكرنا في الخواص وانابة الاكوان في الكينونات التكوينية ان تكون على صورة الانسان لانها هيكل ولايته عليه السلام وانابة تلك الصورة ان تظهر حسنة جيدة غير متناكرة ولا غير متناسبة في التركيب والترتيب وان تكون معتدلة خارجة عن حدي التفريط والافراط في الاحوال كلها ولا تكون قبيحة غير ملائمة بل تكون بحيث اذا نظر اليها الناظر تهش اليها وتدهش عندها وتفصيل هذه الانابة وكيفيتها التكوينية الغير التشريعية ظاهرا يطلب في علم الطب وانابة الحيوانات ان تكون ذليلة للانسان على اختلاف مراتبها على اختلاف مراتب الذلة في جميع الحالات وانابة النباتات اليه عليه السلام ان تظهر مستقيمة مخضرة مورقة مثمرة طيبة الثمار على اختلاف مقاماتها ومراتبها وانابة الجمادات ان تظهر معادن وما يقرب اليها وانابة الاعراض والالوان والهيئات والصفات وغيرها اليه عليه السلام ان تظهر عند المحال المناسبة لها والمقتضية اياها كلون الصفرة عند الحرارة والرطوبة مثلا والحمى عند تعفن الاخلاط وامثالهما وهذه الاقتضاءات تختلف وكذا المحال المناسبة وقد تتداخل وتتعارض المناسبات فتقتضي صفة ثالثة الى غير ذلك من الاحوال والاوضاع والاضافات التي يطول بذكرها الكلام ولسنا بصدد ذلك وانابة الملائكة اليه عليه السلام ان تجري على حد ما قرر الله سبحانه لها من المقامات المعلومة فاذا تعدت عنها اعرضت واستحقت الغضب والسخط كالذين اعترضوا على الله عز وجل حين قال لهم اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وقصتهم مذكورة في الاخبار وكذلك فطرس الملك الذي تاب الله عليه باللواذ بمهد الحسين بن عليّ عليهما السلام ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام على ما في حديث البساط المشهور انه لا يخطو ملك خطوة الا باذني وامري قال تعالى حكاية عنهم وما منا الا له مقام معلوم ومجمل القول ان الموجودات كلها توابع ولوازم له عليه السلام فالطيب المعتدل المستقيم منها شيعة له عليه السلام والخبيث المعوج الباطل عدو له ولما كانت الشيعة لهم مناسبة نوعية مع الاعداء وتتقوي تلك المناسبة بتكرر الميل والالتفات وذلك يستلزم الغضب الالهي والسخط الرباني كما اخبر الحق سبحانه عنهم اي عن المائلين عن الحق الى جهة الاعداء بقوله الحق ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم واملى لهم ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر وهذه الاطاعة في بعض الامر قد دعتهم وجرتهم الى الاطاعة في البعض الآخر الى ان يستوجب الغضب واعراضه عليه السلام عنه نعوذ بالله من سخط الله ولما كان الامر كذلك دعاهم عليه السلام الى الاستقامة والاعتدال وعدم الميل الى الاعداء فقال عليه السلام انيبوا الى فان مرجع العبد الى سيده ومعوله الى مولاه وقوله عليه السلام هذا اختبار وتنبيه على قول الله عز وجل فيه عليه السلام حيث خاطبه وقال ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك يا عليّ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك يا عليّ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فابان سبحانه وتعالى عن حقيقة الانابة اليه روحي فداءه فان حقيقة الايمان اسم له عليه السلام فلا يكون مؤمنا الا بالانتساب اليه عليه السلام ولا يكون منتسبا اليه عليه السلام الا اذا كان مسلما له ولا يكون مسلما له الا بان لا يجد حرجا في نفسه فيما قضي به امامه وسيده ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب
قوله عليه السلام : والتزموا بيعتي اعلم ان الربوبية لها خمسة مقامات : المقام الاول هو الربوبية اذ لا مربوب لا ذكرا ولا عينا ولا ظهورا وهي الذات البحت القديمة سبحانه وتعالى ولا كلام فيها ولا بيان ولا عبارة ولا اشارة الطريق مسدود والطلب مردود والمقام الثاني دليل تلك الربوبية وصفتها وآيتها اي العين التي تستدل ( نستدل خ ) بها اليها وهي ايضا لا ذكر ولا عين ولا ظهور للمربوبين فيها بوجه من الوجوه لانها وجه الله ودليله فلو كانت فيها كثرة لعرفنا الله بالكثرة لان معرفة الوجه عين معرفة ذي الوجه وهو معنى قول امير المؤمنين عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملائمة كيفياته والمقام الثالث مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا واذ لا مربوب عينا وظهورا وهو مقام الهوية اعلى مراتب الواحدية فهناك ذكر اجمالي للمربوبين فيها الا ان جهة الاضمحلال والاستهلاك اغلب والمقام الرابع مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا تفصيليا مقارنة للمربوب العيني وغير واقعة عليه العام الواسع الجامع المحيط على الافراد كلها والمقام الخامس مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا وعينا ووقوعا وظهورا وهنا مقام سادس وهو مثال الربوبية الواقعة الملقى في هوية المربوب واليها اشار مولينا الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك الحديث وهذه الربوبية السادسة وجه للربوبية الخامسة وهي وجه للرابعة وهي وجه للاولي فانقطع عندها مقام الذكر وجهة الكثرة فالاوليتان لا اسم لهما ولا رسم ولا عبارة ولا اشارة والثالثة اسمها هو وهو اعظم لان هو العلي الكبير والعلي اول الاسماء على ما قال الامام الرضا عليه السلام انه سبحانه اول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه على على كل شيء والرابعة اسمها الله لانه الاسم للظاهر ( الظاهر خ ) بالالوهية الجامعة المحيطة لكل الظهورات والمظاهر والمهيمنة على كل الاسماء والصفات هيمنة الواحد على الاعداد يعني ان كل الاسماء ظهور من ظهورات الاسم الله وتجلي من تجلياته فهو في مقام نفسه واحد وفي مقام ظهوره متكثر ومرجع الكثرات كلها الى الوحدة الحقيقية في ذلك الاسم المبارك فافهم والخامس اسمها الرحمن المستوي على العرش المعطي كل ذي حق حقه السائق الى كل مخلوق رزقه ولما كان المربوبون متقومين بالربوبية ولا قوام ( لهم خ ) في حال من احوالهم الا بها وحكم الرب سبحانه وتعالى بمقتضى الربوبية ان يعطيهم ما سألوه ويسألونه بارادتهم واقتضاءاتهم في كل احوالهم ( وخ ) لا يتحقق ذلك الا بمعرفة المسئول وكيفية السؤال عنه وكانوا جهالا لا يعرفون ذلك لانهم معدومون من دون ذلك وجب في الحكمة على الرب سبحانه ان يعرفهم نفسه ويعرفهم ابواب فيوضاته ليأتونه ويسألونه من تلك الابواب والابواب هي تلك الربوبيات الاربعة المتأخرة ولما كان محمد وعليّ والطيبون من اولادهما صلى الله عليهما ( وآلهما خ ) حاملي تلك الربوبية ومظاهر تلك القيومية وهم ابواب ( الافاضة خ ) للافاضة والاستفاضة واعضاد لكل البرية ومناة للعطية وبهم قوام الخليقة وجب ان يقرن باسمه اسمهم ومعرفته معرفتهم وولايته ولايتهم لانهم عليهم السلام فاعلوا فعل اللازم الغير المتعدي الى غير الفعل الاسم المستقر في ظل الله الذي لا يخرج الى غيره ولذا اشتق الله سبحانه اسماءهم من اسمائه ونوههم باسمائه ولما كان الفيض الالهي لا يجري الا على الاختيار من غير جبر واضطرار ابان لهم عن تلك المعرفة على جهة السؤال المستدعي للاجابة اما بالادبار او بالاقبال ليجرى عليهم حكمه على مقتضى الحالين في كل الاحوال ولما كان السؤال المستدعي لمعرفة السائل بنفس ذلك السؤال تكوينيا وتشريعيا والحقيقة ان التكوين عين التشريع والتشريع عين التكوين والشيء الواحد يجمع الامرين والخلق لهم مراتب في تكوينهم وكينوناتهم وكل مرتبة في عالم من عوالم القدس والعزة اقامهم في تلك العوالم بتلك المراتب فسألهم الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ عليه السلام واولاده الاحد عشر وفاطمة الزهراء عليها السلام اوليائكم فاجاب من اجاب وانكر من انكر وتوقف من توقف وتقدم من تقدم وتأخر من تأخر وتوسط من توسط فما بقي ذرة من ذرات الوجود الى ما لا نهاية له ابد الابد الا وقد سألهم الله سبحانه بذلك السؤال واجابوا في مرتبة من مراتبهم اما بكلها او ببعضها او باكثرها او باقلها ولم يخل شيء من الاشياء مما يتصور او يتعقل او يشاهد او يتوهم او يتخيل او يحس او يعاين من الاعيان والذوات والاكوان والصفات والاعتبارات والاضافات مما احاطته لجة الامكان الا وقد اجابوا ذلك السؤال وعرفوا حقيقة الحال اما ادبروا او اجابوا بالاقبال واليه يشير قول مولينا الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم ( وشرف محلكم خ ) وقرب منزلتكم منه بابي انتم وامي الزيارة اذ لا يمكن ان يوجد شيء من الاشعة الا بعد معرفة السراج والنور الساطع الساري منه فيها فلما ان الله سبحانه عرف الخلق السائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه معرفة المسئول اراد ان يعرفهم كيفية السؤال لجهلهم وعجزهم وقصورهم عن ادراك ذلك من دون تعريفه سبحانه ولما كان السؤال ليس الا جهة السائل الى المسئول وهي جهة الافتقار والذل والانكسار والاستقامة مع المسئول في الاعلان والاسرار وهذه الجهة لم تتم ولم تكمل في كل الاحوال الا في محمد واهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وكان كلهم وجزؤهم وذاتهم وصفتهم وقولهم وفعلهم وحركتهم وسكونهم ونومهم ويقظتهم سؤال الله سبحانه واستمداد منه تعالى وتوجه واقبال اليه عز ذكره امر الخلق كلهم بطاعتهم صلى الله عليهم اذ ليس لهم عليهم السلام جهة غير وجه الله فكان طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وحبهم حب الله وبغضهم بغض الله وغضبهم غضب الله ورضاهم رضي الله فطاعة الخلق لهم عين طاعتهم لله وطاعتهم ليس الا سؤالهم منه سبحانه الافاضة والامداد والاستعداد لبلوغ المراد فاخذ الله سبحانه في كل عالم من العوالم وكل مرتبة من المراتب عن كل الخلق من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وسائر الخلق اجمعين من الذوات والصفات والاضافات والاعراض من الاسقام والامراض العهد بطاعتهم وجعل على اعناق كل البرايا مبايعتهم في الذرات كلها فاخذ لهم البيعة عن كل ذرة من ذرات الوجود الى اقصى نهايات الشهود وجعل ذلك العهد والعقد والبيعة وديعة عند ملك من الملائكة كان شديد الحب لآل محمد عليهم السلام وكان ذلك عنده الى اول مقامات ظهور الطاعة بكل وجوهها وبروز مراتب العبودية بكلها وهو عند خلقة ابينا آدم ابي البشر على نبينا وآله وعليه السلام ولما كان اول مظهر لاشراق تلك الانوار امر الله سبحانه الملائكة كلهم وسائر الخلق ان يسجدوا لله سبحانه عبودية ولآدم حيث كونه حاملا لتلك الاشباح النورانية هياكل التوحيد تعظيما وتجديدا للعهد والعقد والبيعة المأخوذة عنهم في تلك العوالم من العبودية لله سبحانه والسؤال منه تعالى بالتوجه الى تلك الاشباح المطهرة القدسية اللاهوتية وذل الطاعة والانكسار بالرقية لها وهو قوله عليه السلام من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وقوله عليه السلام طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم ولما ان الله سبحانه انزل آدم الى الارض وكان مستودع تلك الانوار نزل ذلك الملك الذي عنده الوديعة وصحيفة عقد العهد واخذ البيعة على كل الخلق من الانبياء والرعايا بالطاعة لآل محمد عليهم السلام والانكسار لهم والتوجه الى الله بهم والعبادة لله بحبهم وبما اسسوا من ارشاداتهم سلام الله عليهم وذلك لشدة استيناس ذلك الملك بآدم لكونه حاملا لظهور تلك الانوار وتنزل بصورة الحجر ليكون قبلة مستمرة لكل من اخذت عنه البيعة وتذكيرا لهم عند توجههم الى ربهم في حال صلوتهم التي هي اصل عباداتهم وقوام امرهم وعماد دينهم ثم ان الله سبحانه تأكيدا للعهد واتماما للحجة واكمالا للنعمة اظهر تلك الارض التي اخذ البيعة عن الخلق لآل محمد عليهم السلام بالولاية ولنفسه بالربوبية وبني عليها بيتا مربعا نسبه الى نفسه وعظمه وكرمه فالركن الاول بازاء الست بربكم وهو سبحان الله والركن الثاني بازاء ومحمد نبيكم وهو الحمد لله والركن الثالث بازاء وعليّ وليكم والائمة الاحد عشر من ولده وفاطمة سلام الله عليها وعليهم اوليائكم وامنائكم وهو لا اله الا الله الا تراه اثني عشر حرفا والركن الرابع بازاء اوالي من والوا واعادي من عادوا وهو الله اكبر والمجموع تمام الاسم الاعظم وهو قول مولينا الكاظم عليه السلام ان الاسم الاعظم اربعة احرف الحرف الاول لا اله الا الله والحرف الثاني محمد رسول الله والحرف الثالث نحن والحرف الرابع شيعتنا ثم اوجب سبحانه الطواف على ذلك البيت اسبوعا تذكيرا لهم بعدد الهياكل الذي اخذ لهم البيعة عن الخلق ثم اظهر تلك السبعة في الحمد فجعلها في صلوتهم في الاوليتين ( الاوليين خ ) ولما كانت الصلوة لا تنقص عن الركعتين ابدا اوجب سبحانه عليهم في كل منهما الحمد خاصة لتمام اربعة عشر قياما بحقهم ووفاء ببيعتهم ولما كانت الاخيرتين في الصلوة قد تنقص واحدة منهما كما في المغرب جعل التسبيح في كل منهما ثلث مرات لتمام الاثني عشر فجمع الكل في الكعبة فجعل البيت مربعا والطواف اسبوعا ولما كان كل حج لا يتم الا بالعمرة مفردة او متمتعا بها وكليهما ما يتمان ( كلاهما لا يتمان خ ) الا بالطواف ( بطواف خ ) الاسبوع فيتم اربعة عشر ثم جعل سبحانه الملك المتنزل بصورة الحجر المخزون عنده ودائع العهد والبيعة على ركن من اركان البيت وهو الركن العراقي اشارة الى ظهور الاصل والمولى وسيد الملك في ارض العراق اي الكوفة ليكون وجهه اليه ابدا واوجب على كل الخلق البدءة بالطواف من محاذاة الحجر واوجب عليهم استلامه تجديدا للبيعة لانه حامل الوديعة والقراءة عنده بالدعاء المأثور امانتي اديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة وذلك موافاة للعقد المأخوذ عنهم في العوالم المتقدمة ثم اوجب على الخلق كلهم من اهل الارض من اهل المشرق والمغرب التوجه الى الكعبة عند الصلوة التي هي اعظم العبادات واشرف الطاعات واوجبها على البريات بحيث لا تنفك عنهم في حال من الحالات من الصحة والمرض والسفر والحضر والخوف والامن والشباب والشيب والسعة والضيق والفقر والغناء والحرق والغرق وسائر احوالهم فجعلها التي هي مثال لتلك الحقائق المقدسة المطهرة وذكر للبيعة المأخوذة لهم عن الخلق وجها لكل الخلق من الانس والجن والطيور والوحوش والملائكة الا ان ملائكة السموات يتوجهون الى بيت المعمور الذي هو على محاذاة الكعبة ومقابلتها وعلى وصفها وهيكلها وهيأتها فصار الخلق في كل يوم وليلة يذكرهم الله سبحانه العهد الذي اخذ عنهم في عالم الذر والبيعة التي احكمها هناك لامير المؤمنين ( عليه السلام خ ) وليه وخليفته باوقات الصلوة حيث جعلها خمسة اوقات لظهور الهاء في هو في اهل العباء صلى الله عليهم فوقت الظهر لكمال الاستيلاء وبدو الوجود وهو اشارة الى رسول الله صلى الله عليه وآله ووقت العصر الذي هو بعد الظهر بلا فاصلة وهو اشارة الى امير المؤمنين عليه السلام لانه ظهر في جلال العظمة بعد جلال القدرة فالثاني للشمس والاول للقمر ووقت المغرب هو اشارة الى فاطمة الصديقة روحنا فداها صلى الله عليها وهي اول وقت بعد غروب شمس النبوة ولذا كان وقت المغرب ضيقا جدا لانها قد توفت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في مدة قليلة الظاهر انها خمس وسبعون يوما ووقت العشاء وهو اشارة الى مولينا الحسن عليه السلام اذ في زمانه واوانه اشتدت ظلمة النفاق والكفر والطغيان وانمحت بالكلية ظهور آثار النبوة ووقت الصبح ( اشارة الى مولينا الحسين عليه السلام خ ) ان قرآن الفجر كان مشهودا لعن الله قاتله فان شهادة الحسين صلى الله عليه وآله اذهب الظلمة اي الشكوك والشبهات عن قلوب المؤمنين لكنه بعد ما طلعت الشمس عجل الله فرجهم وسهل مخرجهم وسنشرح الامر ان شاء الله فيما بعد وهذه الاوقات الخمسة المتعلقة بهؤلاء الطاهرين وجبت فيها الصلوة اشارة الى ان التوجه الى الله ما يمكن الا بهم صلى الله عليهم من اراد الله بدأ بكم ( ومن وحده قبل عنكم خ ) وكذا ذكر الله الخلق ذلك العهد بكيفية الصلوة من اعدادها وهيئاتها وفرائضها ونوافلها وكذا ذكر ( ذكرهم خ ) الله سبحانه اياها بقبلة الصلوة التي هي جهة الكعبة لاستقرار الحجر في ركن من اركانها وكذا غيرها من شرائطها ومقدماتها واركانها وافعالها ومنافياتها وكل العبادات غيرها ايضا تذكير ( تذكر خ ) للعهد والبيعة المأخوذان ( المأخوذين خ ) في عالم الذر لامير المؤمنين والطيبين من اولاده عليهم السلام وانما خص عليه السلام تلك البيعة بنفسه المقدسة مع ان الائمة كلهم مشتركون فيها حيث قال عليه السلام والتزموا بيعتي لانه عليه السلام قد مر مفصلا انه حامل لواء الرحمانية وحامل لواء الحمد وسائر الائمة عليهم السلام منه كالبدل مع المبدل منه وهو الاصل في هذا اللواء كالالف وهم منشعبون منه كالحروف المنقطعة من الالف وكالافلاك المنشعبة عن الكرسي والكرسي المنشعب عن العرش فافهم ان شاء الله والروايات والآيات في كلما ذكرنا كثيرة لا تحصى من الفريقين من طرقنا ومن طرق المخالفين وذكر المجموع يؤدي الى التطويل وقد مر ذكر بعضها وسنذكر فيما بعد ان شاء الله تعالى في خلال الكلام اذ ( اذا خ ) اقتضى المقام ولما كان طاعة الله سبحانه ليست الا العمل بمقتضى الربوبية اذ مربوب كونا وعينا ومقتضاها امران عبادة وعبودية والعبادة هي فعل ما يرضى والعبودية هي رضى ما يفعل فكل عبد يلزمه الطاعة على النهج المذكور وكان حامل تلك الربوبية عليّ امير المؤمنين عليه السلام فوجب اخذ البيعة على الكل بولاية امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) ويجب على كل احد الالتزام ببيعته والانقياد عند دعوته حتى انفسهم المباركة المقدسة في مقام الطاعة والعبودية فيتحد المقامان هناك لان الله عز وجل لما جعلهم محال المعرفة ومساكن البركة ومواقع الربوبية ثم امرهم بالقيام بمقتضى تلك الربوبية الظاهرة فيهم بهم وذلك الامر انما تعلق بهم بهم قال عليه السلام تجلى لها بها وبها امتنع منها فافهم اذ لا يجوز التصريح بازيد من ذلك فاول ما اخذ الميثاق والعهد عن محمد صلى الله عليه وآله فقال له به الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم فهو صلى الله عليه وآله اول من اجاب وهي الاستقامة التي امر الله نبيه صلى الله عليه وآله بان يستقيم عليها ثم اجاب امير المؤمنين عليه السلام ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلام بذلك ثم القائم المنتظر عجل الله فرجه ثم الائمة الثمانية سلام الله عليهم ثم فاطمة الزهراء صلى الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها فهؤلاء هي قصبة الياقوت وحجاب الملك والملكوت وابواب اللاهوت والجبروت لقد التزموا هذه البيعة واجابوا هذه الدعوة اشد التزام واعظم اجابة ماقام بها احد سويهم ولذا ورد ان في الصراط عقبات كؤد لا يقطعها بسهولة الا محمد واهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم اجمعين فقد قاموا بحقها وادوا واجبها وما التفتوا الى ما سوى الله ووقفوا وبقوا في مقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو وهو هو ونحن نحن ففي عالم التوحيد لا كلام ولا مقام ولا مذهب فان بالبيان يظهر عناد المنافقين وريبة الجاهلين
ومستخبر عن سر ليلى اجبتهب عمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا وانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
ففي ( وفي خ ) عالم الاسماء هم اسماء الله الحسنى قال عليه السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان يدعوه ( تدعوه خ ) بها وفي عالم المعاني هم معاني الله ومعادن كلماته قال عليه السلام اما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد وفي عالم العظمة والجبروت هم عظمة الله وجبروته وهم قدرته وعلمه وجنبه ورحمته وكبرياؤه وهم عرشه والمستوي والمستوي عليه وفي عالم الربوبية هم ربوبية الله سبحانه وهم باب الله وهم بيت الله وهم روح الله وهم نور الله وهم ذات الله وهم نفس الله القائمة ( فيه خ ) بالسنن وفي كل ذلك وقع التصريح في كلماتهم عليهم السلام يجده المتفحص الفطن المتتبع في الاخبار بنظر الاعتبار وبالجملة هم لما التزموا هذه البيعة اختصوا بالله سبحانه قال الله عز وجل ما زال العبد يتقرب اليّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت عني ابتدأته ه وقال ايضا عز وجل يا ابن آدم اطعني اجعلك مثلي واجمل القول في ذلك مولينا امير المؤمنين عليه السلام كما ذكر غير مرة اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ه وهو كلام جامع لجميع ما ذكرنا وما لم نذكر فتفطن فهم سلام الله عليهم كل افعالهم واقوالهم كلها حكم الله الواجب عليهم والمستحب لهم وربما يرتكبون المكروه وهو واجب عليهم واما الانبياء عليهم السلام فلما سمعوا نداء الحق سبحانه الست بربكم اه وذلك النداء نور قد سطع من نور النداء الذي وقع على محمد وآله عليهم السلام فاخذ عنهم البيعة لامير المؤمنين عليه السلام بالولاية كما رواه محمد بن جرير الطبري من العامة عن ابن عباس في تفسير قوله عز وجل واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا ان النبي صلى الله عليه وآله قال لما عرج بي الى السماء فاجتمعت مع الانبياء باجمعهم فجاءني جبرئيل فقال يا محمد صلى الله عليه وآله واسألهم بماذا بعثوا فسألتهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله وبنبوتك وبولاية امير المؤمنين عليه السلام ه وكلهم عليهم السلام اجابوا هذه الدعوة والتزموا البيعة الا انه تختلف مراتبهم في ذلك فاولوا العزم ثبتوا واستقروا في التزام البيعة وما ترددوا وما شكوا وما توقفوا وقد مضى قليل من احوالهم واما غيرهم عليهم السلام فوقعت منهم بعض الهفوات الموهمة للتردد والشك كما في ايوب على نبينا وآله وعليه السلام انه لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول خطب جسيم وامر عظيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلام وذلك لما ظهر لايوب نور التجلي وسمع الوحي من كل جانب بكل المشاعر وعلم ان ذلك من مخلوق مصنوع لا يشغله شأن عن شأن استعظمه عند ذلك اذ غاية ما يفرقون بين المخلوق والخالق انما هو ذلك فلما وجده منتفيا في المخلوق استعجب وبذلك حدثت حرارة باطنية استلزمت ذوبان الجوارح فاستعبر وبكى واخرج الدموع المتحقق من عصر القلب الساري في الجوارح كلها بحرارة حركة الباطن واضطرابه وانما تخرج الدموع من العين لانها اقرب القوي الى الرطوبة والرطوبة فيها دائمة مستمرة كالانف فميل المناسب الى المناسب اشد واعظم بالنسبة الى غيره ولما كانت تلك الحرارة الداعية لذوبان الباطن المستلزم للبكاء لم تكن من جهة الحق سبحانه احدثت الداء فان الدواء ليست الا اسم الله وذكره يا من اسمه دواء وذكره شفاء ولما كانت تلك الحرارة مجتثة لم يكن لها اصل من النور الالهي ذهبت وولت بعد ما عفنت القوي والجوارح واذابت وما اتى لها مدد قوي لانعقادها ونضجها اقتضت دوام عفونة البدن وتكون الدود بذلك ولما كان ذلك التردد والخطور ليس امرا حقيقيا قلبيا من ايوب النبي عليه السلام ليقتضي الظهور يوم القيمة ظهرت تلك العفونة الردية المستلزمة لتكون الدود في ظاهر جسده عليه السلام ولم يتسلط على قلبه اللحم الصنوبري لانه لم يزل متصلا بحرارة ظهور الحق سبحانه فافهم ان شاء الله واما آدم على نبينا وآله وعليه السلام فقد ورد عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال عهدنا اليه في محمد والائمة من بعده فترك ولم يكن له عزم انهم هكذا وانما سمى اولو العزم اولو العزم لانه عهد اليهم في محمد والاوصياء من بعده والمهدي وسيرته واجمع عزمهم على ان ذلك كذلك والاقرار به وعن ابي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل كلمات في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والائمة عليهم السلام من ذريتهم فنسي هكذا والله انزلت على محمد صلى الله عليه وآله في الكافي عن ابي جعفر عليه السلام في حديث الطينة الى ان قال عليه السلام ثم اخذ الميثاق على النبيين فقال الست بربكم وان هذا محمد رسولي وان هذا عليّ امير المؤمنين قالوا بلى فثبت ( فثبتت خ ) لهم النبوة واخذ الميثاق على اولي العزم اني ربكم ومحمد صلى الله عليه وآله رسولي وعلى امير المؤمنين واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي عليهم السلام وان المهدي انتصر به لديني واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا اقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الاقرار به وهو قوله عز وجل ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال انما هو فترك ثم امر نارا فاججت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها وقال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال اصحاب الشمال يا رب اقلنا فقال قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية ولما كان الظهور الكلي التام الذي به القوام انما يكون بالقائم عليه السلام صعب الاقرار به كصعوبة الاقرار بعليّ عليه السلام بالنسبة الى رسول الله صلى الله عليه وآله ولذا قال عز وجل واستعينوا بالصبر والصلوة فالصبر هو محمد صلى الله عليه وآله والصلوة هو امير المؤمنين عليه السلام وانها اي الصلوة التي هي ولاية امير المؤمنين عليه السلام لكبيرة عظيمة لصعوبة امرها وشدة ثقلها الا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم عند ظهور القائم عليه السلام فلذا اقروا برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقروا بعلي عليه السلام فصاروا المقرين ( فصار المقرون خ ) بعلي عليه السلام هم الخواص وترى كثيرا ممن اقر بامير المؤمنين عليه السلام في الظاهر وجعله اماما في الاعتقاد بلا فصل لكنه انكر القائم وكل من اقر بالقائم عليه السلام ( وخ ) استقام فمن اهل النجاة يقينا فهم اخص الخواص واليهم الاشارة بقوله عز وجل وما امن معه الا قليل وقال عز وجل وقليل من عبادي الشكور ولذا كان توقف الانبياء كلهم في القائم عليه السلام وهذا التوقف هو بعينه التوقف في غيره صلى الله عليه وعليهم كما سمعت من الاخبار المتقدمة في توقف آدم على المجموع وعلى القائم عليه السلام وذلك حين اظهر ( اظهره خ ) الله من الاسرار الربوبية الظاهرة فيه عليه السلام ما لم يتحملها آدم عليه السلام لعدم الاعتدال التام فيه وغلبة اليبوسة الترابية المانعة عن الذوبان والانتشار في عوالم القدس ليرى مقاماته عليه السلام الظاهرة فيه به فتوقف عن حمل تلك الاسرار والسير في خلال تلك الديار لا انه هل هو ولي ام لا فان هذا التوقف يؤدي الى الكفر العياذ بالله وآدم على نبينا وآله وعليه السلام اجل شأنا من ذلك وانه المخلص في ولائهم فتلقى آدم من ربه بكلمات ( كلمات خ ) وهم الائمة عليهم السلام الاربعة عشر المعصومون او ان عدم التزام البيعة في آدم كان من جهة اكل الشجرة المنهية وامثال ذلك من الامور التي يطول بذكرها الكلام وهكذا كان تردد يونس ذي النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لننقدر عليه فنادي في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وتردد يعقوب عليه السلام لما قال اني ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون وتردد يوسف عليه السلام لما قال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك فانسيه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين وهكذا الكلام في غيرهم من الانبياء الكرام على نبينا وآله وعليهم السلام الشامل التام العام وهذا التردد انما هو حسنات الابرار التي هي سيئات المقربين وبيعة امير المؤمنين عليه السلام هي الدين الخالص في قوله عز وجل الا لله الدين الخالص فالتزام البيعة لكل احد هو ان يقول لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون واما الطبقة الانسانية فلما سمعوا ذلك النداء من نور النداء الساطع من نور نداء الانبياء عليهم السلام اجابوا ذلك وقبلوا بيعة مولينا امير المؤمنين عليه السلام والتزموا بيعته على مقتضى المشية الحتمية لكن ذلك الالتزام ما يثمر لهم النور ولا يبلغهم الى عالم السرور اذ لم يتخلف عنها احد الا فنى وعدم واضمحل سواء قبلها على جهة الموافقة او على جهة المخالفة لان عليّا عليه السلام هو باب السور الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وكل الوجود من الغيبة والشهود يجري على البيعة التي اخذها الله عز وجل له عليه السلام عنهم وتلك هي البيعة العامة الشاملة فالكافر انما دخل النار بالتزامه بيعة عليّ عليه السلام والمؤمن انما دخل الجنة بالتزامه اياها والمستقيم انما استقام بالتزامها والمعوج انما اعوج بالتزامها وهي البيعة المطلقة العامة للمقصود بالذات والمقصود بالغير واما البيعة الحقيقية وهي وفق المشية العزمية وهي صرف ما خلق لما خلق اولا وبالذات لا ثانيا وبالعرض وهي صورة الكينونة الالهية واللطيفة الربانية وهيكل التوحيد وشبح التفريد والتمجيد وهذا الهيكل مركبة ملتئمة عن حدود وخطوط حد التقوى وحد الايمان وحد العمل وحد الذكر وحد الفكر وحد التوجه والاقبال الى الله سبحانه وحد الرضا بقضاء الله وقدره وحد الصلوة وحد الزكوة وحد الصيام وحد الحج وحد الجهاد كلها في الظاهر والباطن وحد الصبر وحد الاطمينان وحد التوكل وحد الصمت عن الخلق وحد الانقطاع عن المخلوقين وحد الاخلاص وحد الورع وحد الزهد وحد الخوف وحد الرهبة وحد العلم وحد الخشوع والخضوع والمسكنة وحد اليقين وحد التواضع وحد الرجا وحد السكون وحد طمأنينة القلب وحد المعرفة وحد المحبة وحد الفقر المحض والفناء الخالص وامثال ذلك من الشرائط الانسانية فالاخذ بكل حد من هذه الحدود هو التزام بيعة امير المؤمنين عليه السلام والعاصي لا يلتزم البيعة حين عصيانه بل مخالف لها وحاد عنها قال ( تعالى خ ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات وكل من اقبل على اعداء امير المؤمنين عليه السلام في امر من الامور وحال من الاحوال في المآكل والمشارب والملابس والصحبة الظاهرية او اخذ المسائل عنهم من دون التقية او مراجعة كتبهم ومطالعة مصنفاتهم او تفحص الحق من اساطيرهم وزبرهم او النظر في تفاسيرهم واخبارهم وسيرهم وعن كل ما ينسب اليهم فهو ممن ما التزم بيعة امير المؤمنين وما امتثل لقوله عليه السلام والتزموا بيعتي ولذا قال عليه السلام ان شيعتنا لا يسألون اعداءنا ولو يموتون جوعا والسؤال عام شامل لما ذكرنا كله وما لم نذكره فانه عليه السلام وروحي فداه عالم مطلق وغني مطلق وكامل مطلق جعله الله سبحانه امينا على خلقه وحافظا لعباده وعينا في بلاده وعنده عليه السلام جميع ما يحتاج اليه الخلق في تكوينهم وتشريعهم وذواتهم وصفاتهم ولا فرق بين حيوته وموته ( مماته خ ) فانه يتصرف في مماته كما يتصرف في حيوته ولا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء بفضل الله وحوله وقوته لانه عليه السلام حامل ارادته ومحل مشيته والله سبحانه يقول عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول والمرتضى من محمد صلى الله عليه وآله هو عليّ عليه السلام فاحوال الخلق كلها كلهم عنده عليهم السلام كالدرهم بين يدي احدكم فما طلبه احد الا وقد وجده وما استغاث به احد الا وقد اغاثه وما دعاه مريض الا وجده طبيبا وعطشان الا ( وقد خ ) وجده ساقيا وجوعان الا وقد وجده معطيا ومظلوم الا وقد وجده ناصرا ومكروب الا وقد وجده كاشفا ومتوحد الا وقد وجده مونسا وغريب الا وقد وجده صاحبا وسائل الا وقد وجده معطيا مليا ومتعلم الا وقد وجده عالما معلما وبالجملة هو غياث المضطر المسكين ( المستكين خ ) وملجأ الخائفين وعصمة المعتصمين ولا تضره غيبته عن ابصار الخلائق وانما هو يريهم ولا يرونه ويدبرهم ولا يشعرونه فاني يعدل عنه واني يسأل غيره وكيف تراجع كتب المخالفين المملوة من القاء الشياطين وشبهات المنافقين وكيد الفاسقين وضغن الكافرين والله لقد ارتكب العار والتزم الشنار من توهم ان الحق يطلب من غيره والطيبين من اولاده عليهم السلام او انه يحصل من كتب الحكماء الفلسفيين وخرافات الصوفية الملحدين ومخترعات المشائين وهذيانات المتكلمين وقياسات اصحاب الظن والتخمين واستحسانهم بمجرد الرأي من دون بصيرة ويقين لعنة الله عليهم الى يوم الدين ما للشيعة ولهم وقد بدت بينهم وبينهم العداوة والبغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده فكل من تبعهم فانه منهم يا ايها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الله الكذب وهم يعلمون يحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ويأتي ان شاء الله لهذا الكلام زيادة شرح فيما بعد بعون الله وقوته واما البهائم من انواع الحيوانات الغالبة عليهم التراب كالفرس والبقر والغنم وامثالها مما يدب في الارض والغالب عليهم عنصر الهواء كالطيور والحيوانات المتكونة في الجو والغالب عليهم عنصر الماء كالحيتان والحيوانات المتكونة في الماء والغالب عليهم عنصر النار كسمندر آكل النار وامثاله والغالب عليهم الطبيعتان كالتراب والماء كالحيوانات التي يعيشون في الماء والارض معا وكالهواء والماء والتراب كالحيوانات التي تعيش في الماء من الطيور كالبط وامثالها والحيوانات التي هي برازخ بين النبات والحيوان كالحشرات من الحية والوزغ واقسام الدود وغيرها منها وكذا غيرها من الحيوانات لما اتاهم النداء بالبيعة قبلوا الا ان البيعة وقبولها على قسمين كما ذكرنا في الانسان حرفا بحرف وهكذا حكم النباتات والجمادات ويعرف امرها مما سبق في التوحيد وقد جمع مولينا الحسين عليه السلام كل ذلك في حديث حمران بن اعين في ذكر عبد الله بن شداد الليثي حين مرض وعاده الحسين عليه السلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمي عن الرجل فقال قد رضيت بما اوتيتم به حقا حقا والحمي لتهرب عنكم فقال له (ع) والله ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لنا يا كباسة قال فاذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول لبيك قال اليس امرك امير المؤمنين الا تقربي الا عدوا او مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الحديث وقد نطقت الحمي بلسان عربي مبين حين ناداه الحسين عليه السلام وهي ليست في الظاهر من الجواهر والكلام المسموع منها فعل الاجسام وقد اقسم عليه السلام واخبر انه ما خلق الله شيئا الا وقد امره بالطاعة لهم واخذ البيعة لهم عليهم السلام عنهم وقد صرح بذلك مولينا الصادق عليه السلام في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم قال عليه السلام الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله والالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا ه فلما الزم كل الخلق ولايتهم فوجب على كلهم التزام بيعتهم والا فهوان عليهم ووبار ودثور وقوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا اشارة الى هذا الذي ذكرنا فانه قد تواردت الاخبار والآثار عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله ان الامانة هي ولاية امير المؤمنين عليه السلام لقد عرضها الله سبحانه عرض تحمل فابين عن ذلك وابائهن اقرارهن بالتابعية للولاية اذ لا واسطة بين التابع والمتبوع في هذا المقام وقد تقدم حديث عرض الولاية على الخلق فنذكره ايضا ايضاحا للامر في حديث الرضا عليه السلام على ما رواه السيد في الاقبال في وصف يوم الغدير الى ان قال عليه السلام في يوم الغدير عرض الله الولاية على اهل السموات السبع فسبق اليها اهل السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبق اليها اهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبق اليها اهل السماء الدنيا فزينها بالكواكب ثم عرضها على الارضين فسبقت مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت اليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد صلى الله عليه وآله ثم سبقت اليها الكوفة فزينها بامير المؤمنين عليه السلام وعرضها على الجبال فاول جبل اقر بذلك ثلاثة جبال العقيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن ثم سبقت اليها جبال اخر فصارت معادن الذهب والفضة وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا وما انكر صار ملحا اجاجا وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلوا طيبا وما لم يقبل صار مرا ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما انكرها صار اخرس مثل اللكن الحديث وهو وما ورد في هذا الشأن من سائر الاخبار صريح فيما ذكرنا من اخذ البيعة على كل مخلوق ووجوب التزامها عليهم اذ للمخالف الهوان الاكبر العياذ بالله منه
قوله عليه السلام : وواظبوا على الدين بحسن اليقين تأكيد وتثبيت للزوم البيعة وبيان ان تلك الملازمة هي دين الله الخالص الا انه عليه السلام اشار بهذه الفقرة المباركة الشريفة الى بيان مراتب ملتزمي البيعة والمواظبين على الدين اي المعاهدين والملازمين والمداومين عليه ورفع العذر في عدم تفرده بجهاد المنافقين والكافرين وتجنيد الجنود وجمع العساكر لذلك وقطع شبهة الجهال حيث ركنوا الى كل من ينتحل الولاية وقبلوا منه كل ما يقول ويختار وبيان ذلك بالاجمال اعلم ان الله سبحانه لما اقام الخلق في الخلق الاول في عالم كان الناس امة واحدة فسألهم عن الولاية الجامعة للربوبية والنبوة والامامة فصار الخلق كلهم في الاجابة على خمسة اقسام وتجمعها ثلثة اقسام الاول الذين اجابوا وقبلوا عن معرفة وبصيرة ويقين خالص وهم الذين قال الله سبحانه الا من شهد بالحق وهم يعلمون وهؤلاء خلقهم الله سبحانه في الخلق الثاني من طينة عليين على هيكل التوحيد الصورة الانسانية الثاني الذين انكروا وعاندوا وكفروا عن بصيرة ومعرفة قال الله سبحانه فيهم وجحدوا بها اي بالولاية واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وقال عز وجل يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وهؤلاء خلقهم الله سبحانه من طينة سجين اسفل السافلين والبسهم صور البهائم والحيوانات كالكلب والخنزير والقرد والسبع والفيل وامثالها لكن لما كان المنكرون في غاية النفاق ومنتهى مقامات الشقاق اظهروا النفاق واقروا ظاهرا ليلبسوا على المقرين ويخرجهم عن الدين والتلبيس لا يمكن الا بتحقق المناسبة اما سمعت ان ابليس كيف توصل الى آدم وصعد الى السماء بواسطة الطاوس والحية فلو لم يكونا لم يتوصل ابليس الى آدم ابدا ابدا فهؤلاء الاخباث لاظهار النفاق واغواء الخلائق عن طريق الرشاد اقروا بظاهر اللسان فعاملهم الله سبحانه بظاهر دعويهم فالبسهم الصورة الانسانية كما قال مولينا سيد الساجدين عليه السلام في دعاء سحر فان قوما آمنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ما املوا الدعاء فهم كلاب وخنزير وقرد وسباع وغيرها من صور البهائم ناكسوا رؤسهم عند ربهم وفي الظاهر انسان في الصورة الثالث الذين توقفوا وتحيروا ما عرفوا الامر وماظهر لهم الحق لغلبة الرطوبة عليهم او لتمكن شبه المخالفين فيهم بحيث اوصلتهم الى مقام التوقف وعدم ترجيح الامر او لتعلق قلوبهم بامر آخر لم يشعر بما سواه او لعدم دخول البيت من بابه لجهله او بامور اخر هؤلاء توقفوا في الباطن وتحيروا واجابوا في الظاهر فخلق ظاهرهم من الصورة الانسانية اي صورة الاجابة وبقيت بواطنهم لم تخلق فمنهم من تخلق بواطنهم في الدنيا ومنهم في البرزخ ومنهم في الآخرة على حسب رقة الموانع وغلظتها وهؤلاء الاقسام كلهم في الصورة الظاهرية سواء قد قبلوا الولاية حسب دعويهم ولا ينجو من هذه الثلثة الا الاولون الذين واظبوا على الدين الذي هو ولاية امير المؤمنين عليه السلام على اليقين وشهدوا بالحق وهم يعلمون ولا بد ان تظهر هذه الفقرة ( الفرقة خ ) من بينهم فلهم علامات وعلة هذا الظهور امور واسبابه اشياء نذكرها ان شاء الله تعالى عند قوله عليه السلام فيما بعد و( بالامس خ ) تكفهر عليه جنود اهل الشام فلا يخرج اليها ثم المواظبة على الدين هي المعاهدة بتلك الحدود السابقة المتقدمة من حدود الصورة الانسانية وقد اشار الى المقامات مولينا ابو جعفر عليه السلام قال ان القلوب اربعة قلب فيه نفاق وايمان وقلب منكوس وقلب مطبوع وقلب ازهر اجرد فقلت ما الازهر قال فيه كهيئة السراج فاما المطبوع فقلب المنافق واما الازهر فقلب المؤمن ان اعطاه شكر وان ابتلاه صبر واما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الآية افمن يمشي مكبا على وجهه اهدي امن يمشي سويا على صراط مستقيم فاما القلب الذي فيه ايمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطايف فان ادرك احدهم اجله على نفاقه هلك وان ادركه على ايمانه نجا وعنه عليه السلام قال القلوب ثلثة قلب منكوس لا يعي شيئا ( من الخير خ ) وهو قلب الكافر وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه يعتلجان فايهما كانت منه غلب عليه وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره الى يوم القيمة وهو قلب المؤمن ه فشيعة امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) هو الثالث لان ذلك الانفتاح وظهور تلك المصابيح لا يتحقق الا بالاخلاص والاخلاص مسبب عن اليقين واليقين مسبب عن دوام النظر والفكر في الآفاق والانفس ودوام النظر مسبب عن الصمت والصمت هو الاعراض بالقلب عن كل ما سوى الله تعالى فلما اوجب عليهم ( عليه السلام خ ) المواظبة على الدين بحسن اليقين اوجب هذه الامور كلها اذ ما لا يتم الواجب الا به وهو مقدور واجب فمن لم تجد فيه هذه الامور فاعلم انه في انتحاله ولاية امير المؤمنين عليه السلام مدع بغير حقيقة ولذا قال مولينا ابو عبد الله عليه السلام لاصحابه ذات يوم تجد الرجل لا يخطي بلام ولا واو الا وتجده خطيبا مسقعا ولقلبه اشد ظلمة من الليل المظلم وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه وقلبه يزهر كما يزهر المصباح ه ولا تتحقق الموالاة الكاملة والعبودية المحضة الا بحسن اليقين واليقين له درجات ومقامات وهو اقل ما قسم الله بين العباد وقد سئل مولينا الرضا عليه السلام عن الايمان والاسلام فقال قال ابو جعفر عليه السلام انما هو الاسلام والايمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شيء اقل من اليقين قال قلت فاي شيء اليقين قال التوكل على الله والتسليم لله والرضا بقضاء الله والتفويض الى الله قلت فما تفسير ذلك قال هكذا قال ابو جعفر عليه السلام وعنه عليه السلام قال الايمان فوق الاسلام بدرجة والتقوى فوق الايمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين العباد شيء اقل من اليقين وعن ابي بصير قال قال لي ابو عبد الله عليه السلام يا ابا محمد الاسلام درجة قلت نعم قال والايمان على الاسلام درجة قال قلت نعم قال والتقوى على الايمان درجة قال قلت نعم قال واليقين على التقوى درجة قلت نعم قال فما اوتي الناس اقل من اليقين وانما تمسكتم بادنى الاسلام فاياكم ان يتفلت من ايديكم واما حقيقة هذا اليقين الذي امر عليه السلام بالمواظبة على الدين به فهي كما روي عن ابي جعفر عليه السلام قال عليه السلام بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض اسفاره اذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول الله فقال ما انتم فقالوا نحن مؤمنون يا رسول الله قال فما حقيقة ايمانكم قالوا الرضا بقضاء الله والتفويض الى الله والتسليم لامر الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله علماء حكماء كادوا ان يكونوا من الحكمة انبياء فان كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ول اتجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي اليه ترجعون وعن مولينا الصادق عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بالناس الصبح فنظر الى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرا لونه وقد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله كيف اصبحت يا فلان قال اصبحت يا رسول الله موقنا فعجب رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله وقال ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال ان يقيني يا رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي احزنني واسهر ليلي واظمأ هو اجري ففرقت عن الدنيا وما فيها حتى كأني انظر الى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلايق لذلك وانا فيهم وكأني انظر الى اهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون على الارائك متكئون وكأني انظر الى اهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه هذا عبد نور الله قلبه بالايمان ثم قال صلى الله عليه وآله الزم ما انت عليه فقال الشاب ادع الله لي يا رسول الله ان ارزق الشهادة معك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وآله فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر ه ويقابل اليقين الظن والراجح والشك والوهم والمرجوح والريب والوسوسة والنجوى والسفسطة اما الراجح والظن فان كانا ممن له الاستيضاح فهما علم ويقين لا انهما ظاهر وظن قائمان مقام العلم والفرق بينهما مع اشتراكهما في الرجحان ان الرجحان هو ما تظهر امارات تحققه في نفسه بنفسه وانتفاء الطرف المقابل له والظن تظهر امارات تحققه وانتفاء الطرف المقابل له في نفس الظان او من خارج غير جهة المظنون واما الشك فهو تردد النظر في الطرفين وانتقاله من واحد الى الآخر قبل استقراره وان قوي ميله الى احدهما دون الآخر ما لم يكن ذلك الميل سببا لزهده في ذلك لان مجرد الميل لا يخرججه عن التساوي في الجملة واما الوهم فهو الطرف المرجوح من الظن والمرجوح وهو الطرف المرجوح من الراجح واما الريب فهو احتمال الطرف المقابل للطرف المتحقق باستقرار النظر القلبي واطمئنانه عليه ولا تحقق في متعلقه اذا كان الطرف المتحقق عن علم او لاحقا بالعلم كظن المستوضح بادلة الحق وترجيحه ولو كان الطرف المتحقق عن اعتقاد بغير علم او عن علم وانس نظره بذلك الريب فهو اول مبادي الشك ولا يزيد في كل احواله عن الشك وفي الحديث النبوي صلى الله عليه وآله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا واما الوسوسة فهو ان يلتفت النظر الى الطرف المقابل للحق او الى ما نهى عن الالتفات اليه غير مريد للالتفات ولا محبا له وانما ذلك لانه عود نفسه بالالتفات الى مثل ذلك من خدع الشيطان بواسطة الغفلة عن ذكر الله فتبعث النفس نظرها الى ذلك بما تعودته مما علمه الشيطان وعلامة هذا انه اذا وقع ذلك منه تضجر وتأوه وتألم لانه لم يحب وقوعه منه ولهذا قال صلى الله عليه وآله لمن وقع ذلك التأوه لاجل ما وقع منه ذلك من محض الايمان وكما اتاه ذلك الرجل فقال يا رسول الله هلكت فقال له هل اتيك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله فقال لك الله من خلقه فقال اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك والله من محض الايمان وقال ابن ابيعمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال حدثني ابي عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما عنى بقوله هذا والله من محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض ذلك في قلبه انتهى واما النجوى فهو ان يذكره الشيطان شيئا ينافي الحق والمحبة في اليقظة او في النوم وربما استجره الى ما يناسبه فيذكره القائل به وربما قاده الى انه لو كان القائل كيف كان يكون فيدخل همّا من ذلك عليه وربما يكون ذلك الهم شاغلا عن حظه من ذكر الله وربما يكون منشأ للوسوسة فمثال ما ينافي الحق كأن يذكره ولاية الغير ويستجره الى ان تلك ولاية تدعو الى النار لمناسبتها لدخول النار ثم يذكره فلانا الذي تولي ذلك الامام الضال المضل يقوده الى ان يفرض نفسه لو كان هو المتولي فيدخل عليه من ذلك هما شديدا يشغله عن ذكر الله ومما ينافي المحبة مثلا انه اذا كان يقرأ في قوله تعالى ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( وخ ) يسبب له سببا حتى يمس صدره عند قراءة هذه الآية فيذكره ان ذلك المس قد يكون سببا لان يدخل قلبه في اطلاق هذه الآية فيدخل عليه من ذلك حزنا يشغله عن ذكر الله وفي النوم كما يصور له ما ينافي الحق او محبته بحيث يحزنه كذلك قال الله تعالى انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون يعني بان يذكر الله كما تقدم سابقا ويعتقد ان ذلك لا يضره الا ان يشاء الله فيستريح من ذلك الهم والحزن فيذهب عنه طائف الشيطان والفرق بين النجوى والوسوسة ان النجوى يقدر المكلف على الخروج عنها ما لم تعتد نفسه بها فتكون من الوسوسة لان الوسوسة بسبب اعتياد النفس بها لا يكاد يتمكن من تركها لظهور الشيطان في النفس التي تعودت بذلك حتى ملك قيادها فهو يأمرها وينهيها فهي تطيعه كارهة له ولطاعته واما السفسطة فهو اعتقاد ان كل ما يمكن موجودا ويجوز ان يوجد في عالم الاجسام على جهة التمايز ولا تزاحم بين شيء منها بحيث يكون الف جبل مثلا كل واحد منها طوله خمسة فراسخ وعرضه فرسخ فدخلت كلها بيت حيوان اصغر من النملة فلما كانت تلك الجبال الجسمانية في هذا المحل الصغير الجسماني بقى منه مكان يسع اجرام السموات والارض ويدخل ذلك الحيوان في بيته ولا يحس بشيء من تلك وهي اجسام محسوسة في مكان محسوس ولا شك ان هذه لا تحقق بشيء منها فهذا الكلام ومثله في هذه الاشياء المذكورة على الظاهر واما على جهة الباطن فكل شيء من هذه الامور فلها تحققات لكل بنسبته فكما ان المعلوم متحقق كذلك المعتقد بفتح القاف والراجح والمظنون والمشكوك والموهوم والمرجوح والمستراب فيه او به والموسوس فيه والمناجي فيه او به والمسفسط فيه فان لكل تحققا في محله وكذلك فعل فاعله وكذلك حكم فاعلها معها وحكم فعله لها وحكم ما يترتب فيها من التكوينات ( التكوينيات خ ) بحسب ملائكتها او شياطينها وحكم ثوابها او عقابها او عدم المؤاخذة بها والتأثر بها وعدمه كما وكيفا في الوجود وشرعه وفي الشرع ووجوده الى غير ذلك من احكام الذوات والصفات فافهم واما مراتب اليقين فانها يختلف ( تختلف خ ) وينقسم الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فالاول للعامي الكامل في مقامه والثاني للخواص والثالث لاخص الخواص وقد كتبنا بعض احوال هذه المراتب في بعض ما كتبنا من الفوائد في العلم وذكرها هنا يؤدي الى التطويل وبالجملة فاليقين في كل مرتبة هو المطلوب للمتوالي
ثم لما كان لهذا المتوالي الشيعي علائم وامارات تدل على يقينه وعدمه كما قال عليه السلام يقين المرء يرى في عمله اشار عليه السلام الى ظهور مراتب اليقين في كل احواله واطواره بقوله عليه السلام وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم اما انه وصي النبي صلى الله عليه وآله وعليه فمما لا اشكال فيه ولا خلاف لاحد من المسلمين فيه وعلى مدعي الغير الفاصل بينه وبين النبي البيان ولا يحتاج في هذا المقام اثبات وصايته عليه السلام ونفي الغير فان علمائنا شكر الله مساعيهم الجميلة قد تصدوا لذلك في الكتب المبسوطة والمطولة والمختصرة مع انه لا يحتاج الى البيان والعميان لا يرون الحق بالف ميزان ولما نص الحق سبحانه على عليّ (ع) بانه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى وانفسنا وانفسكم دل على انه عليه السلام حكمه حكمه في كل عالم من العوالم فكل من اقر لمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة اقر لعليّ عليه السلام بالوصاية اذ ليس اقرب بين الشيء ونفسه ولو كان لقال ذلك سبحانه وتعالى في حقه عليه السلام فهو عليه السلام كان وصيا في البدو الاول يوم الذي استخلص الله محمدا صلى الله عليه وآله لنفسه في القدم على سائر الامم فكان عليّ عليه السلام اول من آمن به ذلك اليوم واعطاه لواء الحمد وكذلك يوم العود حين عرج الى الله عز وجل لتمام القوسين الكوني والشرعي والاسمي فهناك حتمت له الوصاية كما في الكافي عن عليّ بن ابي حمزة قال سئل ابو بصير ابا عبد الله ( عليه السلام خ ) وانا حاضر فقال جعلت فداك فقال كم عرج برسول الله صلى الله عليه وآله فقال مرتين فاوقفه جبرئيل موقفا فقال له مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفا ماوقفه ملك قط ولا نبي ان ربك يصلي فقال يا جبرئيل وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملئكة والروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللهم عفوك عفوك قال وكان كما قال الله قاب قوسين او ادنى فقال له ابو بصير جعلت فداك ما قاب قوسين فقال عليه السلام ما بين سيتها الى رأسها فقال كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال زبرجد فنظر من مثل سم الابرة الى ما شاء الله من نور العظمة فقال الله تبارك وتعالى يا محمد قال لبيك ربي قال من لامتك من بعدك قال الله اعلم قال عليّ بن ابي طالب امير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين قال ثم قال ابو عبد الله عليه السلام لابي بصير يا ابامحمد والله ما جاءت ولاية عليّ من الارض ولكن جاءت من السماء مشافهة ه وهذا العود الذي ذكرنا هو عين البدو لان النبي صلى الله عليه وآله قد وقف على كل شيء في عروجه يوم خلقه حين خلقه ولذا نودي يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر والظهر هو مبدأ الوجود واول الشهود والصلوة لقاء المعبود ومناجاته بالركوع والسجود المصلي يناجي ربه والنجوى هي الكلام السري والظهور الامري وهو قوله عليه السلام جاءت من السماء مشافهة فان السماء هي جهة المبدأ والارض جهة السفلى فكلما ينسب الى الله فهو حق وصواب لقد نزل من السماء وكلما صدر عن النفس وانتسب الى الشخص فهو كذب وباطل لان الاول شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء والثاني شجرة مجتثة فهي خبيثة ما لها من قرار قال تعالى جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا انظر الى مخالفينا حيث اجمعوا على ان الرسول لم ينصب خليفة من بعده ولم يجعل له وصيا فالذين جعلوهم خلفاء لم يتصل سببهم الى السماء اذ لم يصل الى النبي صلى الله عليه وآله بزعمهم فاذا انقطع عن النبي صلى الله عليه وآله انقطعوا عن الله اذ النبي صلى الله عليه وآله باب وسفير بين الله وبين خلقه فمن شذ عن الباب شذ الى غير الله ومن شذ الى غير الله فقد شذ الى النار واما استنادهم الى حديث لا تجتمع امتي على الخطأ فان اريد منه مطلق الاجتماع او الاغلب او بما يحصل القطع بدخول المعصوم او اجتماع الكل فان كان الاول فيكذبه الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وآله المتفق عليه بين الفريقين ستفترق امتي على ثلثة وسبعين فرقة فرقة منهم في الجنة والباقي كلهم في النار وهذا الحديث كذب مطلق الاجتماع وكذب القول بالاغلب ايضا اذ الفرقة الواحدة بالنسبة الى اثنين وسبعين فرقة قليلة جدا ويكذبه ايضا قوله عز وجل في ذم الاكثر الاغلب في مواضع عديدة من كلامه عز وجل كقوله تعالى ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل واكثرهم لا يعقلون ولكن اكثرهم لا يفقهون ولكن اكثرهم لا يسمعون وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وامثالها من الآيات ومدح الله القلة في كتابه وقال وقليل من عبادي الشكور وقليل ما هم وما امن معه الا قليل وامثالها من الآيات الكثيرة كيف يذمهم الله سبحانه والرسول شهد بزعمهم على صوابهم وعدم خطائم اذن اين قوله عز وجل وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ويكذبه ايضا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وفاقا بيننا وبينهم وتصديقا لقوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق وقوله تعالى سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا قال صلى الله عليه وآله كلما كان في الامم الماضية والقرون السالفة يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ه وكان موسى عليه السلام في بني اسرائيل لما اراد ان يذهب الى ميقات ربه جمعهم في محل واحد وكانوا سبعين الفا واخذ عليهم العهد والميثاق بولاية هرون عليه السلام واتباعه فلما مضي الى ميقات ربه نكث كلهم بيعة هرون وخالفوا امر موسى وعبدوا العجل ومابقي مع هرون الا اربعة فوجب ان يكون في هذه الامة مثالها ودليلها وقد كشف رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا السر حيث قال يا عليّ انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي وصرح الحق سبحانه بالامر لاهله حيث قال وما محمد صلى الله عليه وآله الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ونص رسول الله صلى الله عليه وآله على عليّ عليه السلام بالوصاية في مخاطبته لعايشة يا حميراء اشارة الى انها اخت الصفوراء ( صفوراء خ ) التي تدعي صفيراء زوجة موسى بنت شعيب حيث خرجت من بيتها وخالفت ربها وخانت نبيها وانكرت امامها وسيدها وخرجت على يوشع بن نون وصي موسى وابن عمه واشار الى ان الحميراء اشد منها عملا واقبح فعلا واشنع آثارا فان الحمرة اشد من الصفرة حرارة وشدة وغلظة وغضبا واشار الى تأويل ما روت العامة ان نعل موسى كان من جلد حمار ميت فان النعل هي الزوجة ولذا من يرى في المنام ان نعله فقدت تموت زوجته فقال لها يا حميراء اشارة الى قوله تعالى ان انكر الاصوات لصوت الحمير هذا كله في تفسير ظاهر الظاهر ولما كانت الحمرة انما تنعقد من خلط المرة الصفراء التي هي طبع النار مع البلغم والمرأة طبعها بارد رطب والرجل حار يابس فاشار اليها بالخلط واللطخ اشارة الى خروجها الذي هو فعل الرجال وركوبها على الجمل مرة وعلى البغل اخرى ونعم ما قال الشاعر الشيخ مفلح الصيمري :
ابوها يولي الدبر في كل موقف وابنته عند اللقا تتقدم
وفيه اشارة آخر ارادها صلى الله عليه وآله يطول الكلام بذكرها وربما ينكرها بعض السفهاء وبالجملة لا يصح من هذا الحديث لا تجتمع امتي على الخطأ ارادة مطلق الاجتماع واما الاجتماع الموجب للقطع بدخول المعصوم فهو لم يتحقق ابدا فان العصمة ما ادعيت لاحد من الخلق الا لعليّ عليه السلام والطيبين من اولاده عليهم السلام وهم قد اعترفوا ان ذلك اليوم لم يكن حاضرا ولم يبايع الا بعد ثلثة ايام مكرها واما اجتماع كل الامة فما حصل يقينا لا ذلك اليوم ولا بعد ذلك فثبت انهم مجتثون لا اتصال لهم مع الله ابدا بدليل اجماعهم في عدم اشتراط العصمة في الامام وجعلهم اولياء الله اولياء الشيطان فان العاصي حين المعصية ولي الشيطان لا ولي الرحمن لانه مدبر معرض ولو لم يكن في اجتثاثهم الا هذا لكفى وكذا تجويزهم الصلوة خلف كل بر وفاجر فجاءت ولاية كل امام غير عليّ عليه السلام عن الارض عن مبدئها من تحت الثرى الى الثرى الى الطمطام الى سجين الى جهنم الى نار السموم الى ريح العقيم الى الماء المالح الاجاج الى الارض السبخة الى البحر الى الحوت الى الصخرة الى بهموت الى الثور الى ارض الشقاوة الى ارض الالحاد الى ارض الطبع الى ارض الشهوة الى ارض الطغيان الى ارض العادات الى ارض الممات الى الشياطين الى شياطين الجن الى شياطين الانس الذين هم اولياء شياطين الجن وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون فتلك الولاية والوصاية هي الشجرة الخبيثة المجتثة الملعونة في القرآن وهي المثل السوء واما ولاية مولينا عليّ عليه السلام ووصايته انما جاءت من السماء من الرب الاعلى الى الحجب والسرادقات اي بحر الصاد والنون الى القلم الى اللوح الى ميكائيل الى اسرافيل الى جبرئيل الى محمد صلى الله عليه وآله فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون والدليل على ان ولايتهم من الله اجماع تابعيه على انه معصوم مطهر وانه منصوب من قبل الله سبحانه وان الله منزه عن ان يجعل الارض خالية عن الحجة المعصوم وان عند وليه ووصي نبيه علم البلايا والمنايا وفصل الخطاب وكلما يحتاج اليه الخلق من اول الوجود الى آخره فتكون ولايته ( عليه السلام خ ) ووصايته هي الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها وهي الكلمة العليا والمثل الاعلى وقد مر بعض ما يدل على ذلك من الآيات والروايات واما التمسك به عليه السلام فاعلم انه عليه السلام حكيم لقد وصفه الله سبحانه بذلك في كلامه ( كتابه خ ) العزيز بقوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم والحكمة هي الاستقامة كما وصفه الله سبحانه بها في قوله تعالى هذا صراط عليّ مستقيم بقراءة الحسن ويعقوب من غير اضافة وان كان المقامان واحدا الا ان في هذه القراءة تصريح بالامر والحكمة هي التي قال عز وجل فيها ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وقد شرحها سبحانه في سورة بني اسرائيل من قوله عز وجل ولا تجعل مع الله الها آخر لانه يقول ذلك مما اوحي اليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله اله آخر فالمتمسك به عليه الصلوة والسلام الذي هو المتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والمعتصم بحبل الله جميعا هو الراسخ في الحكمة بقسميها من العلمية والعملية واني احب ان ابين تلك الآيات القرآنية الواردة لبيان الحكمة الحقيقية على جهة الباطن ليظهر على المؤمن ( للمؤمن خ ) كمال التمسك به عليه السلام ويتبين كذب المنافقين ( المنافق خ ) من صدق الشيعي الصادق والذي نذكر اجمالا ان شاء الله تعالى كلها مأخوذة من احاديثهم صلى الله عليهم اذ التفسير الباطني من غير بيان عنهم عليهم السلام كذب وزور وباطل وغرور ولا تكذب بما لم تحط به علما ان افتريته فعلى اجرامي وانا بريء مما تجرمون قال الله سبحانه في بيان كيفية التمسك بولاء وصي النبي الامي صلى الله عليهما وآلهما وقضى ربك اي بوصي النبي كما قال عز وجل في عليّ عليه السلام على ما بينا مجملا ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت وهذا القضاء في هذه الآية في هذه الصورة ( هذا التفسير خ هذه السورة نسخة ١٤٢ خ ) من ذلك القضاء ولما اني لست بصدد باطن الباطن اعرضت عن بيان ما يقتضي قوله تعالى وقضي ربك ان لا تعبدوا الا اياه شرع سبحانه في ( بيان خ ) الحكمة العلمية لانها مقدمة مع ان العلمية والعملية ليست الا محض الاصطلاح وفي الحقيقة الحكمة العلمية عملية والعملية علمية وشرع في بيان التوحيد لانه الاصل لكل الاعمال اذ اول مقام الشيعي الموالي هو الاقرار بالتوحيد في المراتب كلها من توحيد الذات والصفات والافعال والعبادة يرى المجموع في اربعة مقامات اي التوحيد الحقيقي وهو لاخص الخواص والتوحيد الشهودي وهو للخواص والتوحيد الذاتي وهو للعوام اهل التحقيق والتوحيد العبادتي وهو للعوام اهل التقليد والمجموع في ثمانية مراتب في مرتبة اهل البيت عليهم السلام والانبياء والانسان من الرعية والملائكة والجن والحيوان والنبات والجماد فتبلغ المراتب وقد شرحناها على التفصيل في تفسيرنا على آية الكرسي فلانعيدها هنا خوفا للتطويل وبالوالدين احسانا وهما والدا العقول وذلك الاحسان بعدم اطاعة والد الشرور اي والد ( والدي الشرور اي والدي خ ) النفس الامارة ووالدا الجسد ان تبعا والدا ( والدي خ ) الشرور اي النفس الامارة يلحقان بهما وتبعا والدا العقول باحسان يلحقان بهما فان الوالدين ثلثة كما اشار اليهم ( اليه خ ) سبحانه وتعالى في قوله ووصينا الانسان بوالديه احسانا وهما والدا العقول وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وهما والدا النفس الامارة وصاحبهما في الدنيا معروفا وهما والدا الجسد وهما الابوان المعروفان واما والدا العقول فهما محمد وعليّ عليهما السلام قال صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة واما والدا النفس الامارة وهما حبتر والدلام اي ابو الدواهي وابو الشرور فان الجهل الكلي الذي من اعظم مظاهره ابليس هو جهلهما فنشرت ظلمتهما كل الوجود والى شدة ظلمتهما وقساوتهما وظلمة تابعيهما بالحقيقة اشار سبحانه وتعالى في كتابه العزيز او كظلمات في بحر لجيٍ وهو حبتر ابو الدواهي يغشاه موج وهو ابو الشرور من فوقه موج وهو النعثل من فوقه سحاب وهو المنافق الملعون الد الخصام اي الرابع ظلمات بعضها فوق بعض وهي فتن بني امية او بنوالعباس فوق بني امية واما فالاحسان بالوالدين انما يكون بترك متابعة الوالدين الآخرين الذين يجاهدان ان يشرك بالله وترك المتابعة لا يكون الا بترك المعاصي اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما المراد بالكبر هو ضعف الظهور لغلبة رطوبات الجهل وزيادة بلغم الحمق والكفر بحيث ضعف نور العقل عن الظهور وبقي في حجاب الخفاء تحت الستور احدهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الهجرة مختفيا مدة متمادية في شعب ابي طالب او كان صلى الله عليه وآله ولم يكن متمكنا لاظهار الامر فالضعف بالنسبة الى ظهور الامر او كلاهما وذلك بعد وفاته صلى الله عليه وآله وثوران الفتنة ورجوع القوم قهقري وانقلابهم على اعقابهم وارتدادهم كفارا فبلغهما الكبر اي الضعف فلم يقدرا للمصلحة والحكمة على الاظهار فحينئذ انت يا ايها الذي ظهر لك الحق وعرفت امرهما وفهمت قدرهما وانهما المتبوعان فلا تقل لهما اف ولا تظهر التضجر والتكاسل عن طاعتهما والاعتقاد الثابت الجازم بانهما المدار في عالم الاكوار والادوار ما اختلف الليل والنهار ولا تقل عند ظهور الغيبة ووقوع التقية انهما لن يدبراني وعلى ان ابذل مجهودي وانظر كلمات اعدائهما فاطلب الحق فيها فان ذلك علامة التضجر عن طاعتهما وانقياد سلطنتهما والاقرار بذل عبوديتهما كما قال سيد الساجدين عليه السلام في الصحيفة واجعلني اهابهما هيبة السلطان العسوف فلا يمنعك عدم ظهور امرهما فان لهما مع كل ولي اذن سامعة ولا تنهرهما بكثرة المعاصي والسيئات وارتكاب القبايح والخطيئات فان اعمالك كل يوم وساعة ودقيقة وثانية وثالثة تعرض عليهما فان وجدا فيها قبايح حزنا صلى الله عليهما وانتهرا وتأذيا وان وجدا فيها طاعات وحسنات استرا صلى الله عليهما وآلهما وقل لهما قولا كريما اي عاملهما معاملة العبد الذليل مع المولي الجليل الكريم الملي الولي الوفي ولذا قال عز وجل واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا اشارة الى قوله عز وجل فاسلكي سبل ربك ذللا اي ذلل لطاعتهما واقم نفسك بين يدي امرهما ونهيهما واسلك سبيل معرفتهما وطاعتهما وانقطع في كل الامور اليهما وادخل في كل الشدايد عليهما واحزن لحزنهما وافرح لفرحهما وصل في جميع احوالك عليهما واطلب لهما من الله الوسيلة والفضيلة حسب ما انعم الله عليك بهما وربياك صغيرا في تكوينك وتشريعك وظاهرك وباطنك وسرك وعلانيتك واولك وآخرك وعلماك ما لم تعلم واوصلاك الى ما لم تصل اليه الا بهما فانت في يوم الجهل والفقر صغير وعند العلم والغني كبير فهما يزيلان الجهل والفقر بازدياد الجهل والفقر فكان الجهل الثاني عين العلم وفقره حقيقة الغني قال (صع) الفقر فخري وبه افتخر فانت لم تزل صغيرا او كبيرا وهما صلى الله عليهما وآلهما يربيانك في الصغر الى ما لا نهاية له ثم ان الله سبحانه عطف القول على المؤمن الموالي الظاهر بالتشيع والتمسك بوصي النبي (ص) وقال ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للاوابين غفورا اي مربي وجوداتكم ( وكينوناتكم خ ) ومقوم احوالكم وصفاتكم اعلم بما في نفوسكم من حسن السريرة وخبثها والعمل بما وصيناكم من التوحيد وطاعة الوالدين قال مولينا الصادق عليه السلام حيث سأله المفضل قال كيف كنتم حيث كنتم في الاظلة فقال يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده احد غيرنا في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا حتى بدا له في خلق الاشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة و( او خ ) غيرهم ثم انهى علم ذلك الينا ان تكونوا صالحين اي مخلصين لامير المؤمنين عليه السلام الولاية والمسلمين لامره ونهيه والمؤمنين بسره وعلانيته حيث امركم الله بذلك وجعله من شرط الايمان كما قال عز وجل خطابا لعلي عليه السلام فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فانه اي الرب كان للاوابين الراجعين المنيبين اليه على ما قلنا في بيان قوله عليه السلام انيبوا الى شيعتي غفورا مجبرا للكسير ومسهلا للعسير قال عليه السلام انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم وقال ايضا عليه السلام راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم ثم لما ان الله سبحانه شرح الحكمتين مجملا واشار الى العلمية بقوله وقضي ربك الآية والى العملية بقوله وبالوالدين احسانا الآية عطف القول على محمد وآله صلى الله عليه وآله فيبين له ما اوجب له عليه السلام بالنسبة الى رعيته واظهر ليفهم الرعية وتطمئن بذلك نفوسهم وتستقر عليه عقولهم فيبصرون ( فيصبرون خ ) في البأساء والنعماء والضراء واللأواء فقال عز وجل وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا امره سبحانه وتعالى ان يعطي كل ذي حق حقه من الامدادات الوجودية والشرعية لكل شيء من الموجودات بحسب مقاماتها الثلثة خصوصا للانسان ( الانسان خ ) لشرفهم وو مكرمتهم ( تكرمتهم خ ) خصوصا المسلمين ( منهم خ ) خصوصا الفرقة الناجية بمراتبهم الثلثة من ذوي القربى وهم اخص الخواص الذين عرفوا الوالدين عليهم السلام بالنورانية وزادوا عليها بالعمل والايمان ووقفوا مقام الايقان والاطمينان وعرفوا باطن باطن القرآن كما قالوا عليهم السلام سلمان منا اهل البيت وسلمان من العلماء وسلمان محدث كما ان عليا (ع) محدث فآتيهم صلى الله عليه وآله من الانوار الباطنية والاسرار الالهية والحقايق اللاهوتية بدليل الحكمة والمساكين هم المسكين ذو متربة وهم اهل الاجساد والاجسام كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو وهم العوام اهل المجادلة بالتي هي احسن فاتيهم من العلوم الظاهرية القشرية بدليل المجادلة وابن السبيل وهم الخواص الذين يرجي لهم الوصول الى الوطن الحقيقي الواقعي وهم اهل الموعظة الحسنة فاتيهم من الانوار القلبية اليقينية بدليل الموعظة الحسنة وعدم التبذير اشارة الى عدم الزيادة عن اعطاء كل ذي حق حقه فيعطي للخواص ما للخصيص والعوام ما للخواص والخصيص ما للمقربين وهذا النهي وارد لمعرفة الخلق وظهور العبودية والا فهو صلى الله عليه وآله اجل من ان يرد عليه نهي وانما هو تعليم للمؤمن مراتب ظهورات الحق للخلق بوليه عليه السلام يعرفه المؤمن الصادق ثم عطف القول سبحانه على مبدأ المعاصي والانكار وبيان ان كل ما ينسب الى الشيطان فهو باطل زور ( وخ ) مخالف ومناف للتمسك بوصي النبي عليهما السلام فقال عز وجل ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وهم الذين اسرفوا وتعدوا حكم الله وخالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وهم الذين قدموا المفضول على الفاضل وتبعوا صخر الجني على ملك سليمان واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر والشياطين هم سلسلة جهنم سبعون ذراعا بذراع ابليس والشيطان هو الذي قال الاول ان لي شيطانا ليعتريني فنهي الله سبحانه عن اتباعهم قولا وعملا واعتقادا وميلا ومحبة وارادة وهذه الاحكام من الاوامر والنواهي في الحكمة العلمية والعملية انما هو بحسب الكينونات الاولية من الظاهرية والباطنية والقشرية واللبية لكن لما كان الحق لم يخلص ولو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فامتزجا ليهلك من هلك وينجو من سبقت له من الله الحسنى ووجب تقديم الظلمة لاجتثاثها وزوالها وثبات الحق واستمراره كما قال عز وجل تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ولما كان حكم الله سبحانه يجري على صفات المكلفين في التكوين والتشريع ويدور على اختلاف احوالهم كما قال عز وجل ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فحين اختلاط النور بالظلمة وظهور الظلمة وخفاء النور وشيوع الباطل يقتضي الحكم الثانوي الظاهري لا الاولى الواقعي وذلك في مقام التقية ومحل الهدنة وغيبة الحجة اما مطلقا او ظاهر الحكم نافذ الامر فاشار سبحانه الى حكم عالم التقية واثبات الحكم الثانوي وان ذلك لا يكون الا بنظر النبي والامام عليهما السلام وبمرءي ومسمع منهما قال عز وجل واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا اي اذا اعرضت عنهم حيث لم تتمكن من اجراء الاحكام الالهية الواقعية الاولية عليهم لعدم اقتضاء كينوناتهم لشوب الباطل ولطخه وتمكنه فيهم اما بنفسه الشريفة كما كان صلى الله عليه وآله مختفيا في مكة او بنفسه الشريفة كما كان عليّ عليه السلام ساكتا عن الامر الاولى كالائمة عليهم السلام وكالقائم عليه السلام حيث خرج واعرض خائفا يترقب وذلك الاعراض وعدم الايصال الى الامر الواحد الغير المختلف الغير المشوب بالشكوك والشبهات الظاهرية والباطنية من التكوينية والتشريعية ليس من جهة الغضب والسخط على المؤمنين وانما هو لاجل ابتغاء رحمة الله ترجو لهم لتبقى بنيتهم واشخاصهم وتزكى وتستأهل لوقوع تلك الاحكام عليهم فقل لهم قولا ميسورا اي لا تقطع نظرك عنهم بل اجرهم الى سبيل اليسر ولا تسلك بهم سبيل الحكم الاول حيث لا يقدرون عليه بل احملهم على ما يسلمون به من شر المنافقين والكفار الملحدين ولذا قال عليه السلام انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم ولو كشف لكم الغطاء لما اخترتم الا الواقع فاذا كان الله سبحانه اوصى نبيه صلى الله عليه وآله بان لا يهمل رعيته حال التقية ولا يقطع نظره صلى الله عليه وآله عنهم فهو صلى الله عليه وآله اولى برعاية وصية الله سبحانه واهل بيته الطاهرون عليهم السلام اولى بمراعاة وصيته فالمؤمن الموحد يجب ان يمد عنقه في كل حال من احواله اليهم ويطلب الحق في العلم والعمل والاعتقاد والديانة والرشاد عنهم فانهم سلام الله عليهم لا يهملون رعاياهم وغنمهم ولا يجعلونهم في حيرة وشدة كيف وهم غياث المستغيثين وملجأ الهاربين نعم ذلك لا يكون الا لمن هرب اليهم ودخل عليهم وتمسك بحبل ولايتهم وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك ثم لما كان الباطل لا يقوم الا بالحق فلو جرى حكم الباطل كليا بطل الكون وفسد النظام ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض ومن عليها ولو جرى حكم الحق ايضا يلزم اما بطلان الكون كليا لاجماع اهل الباطل على ابطال الحق وافنائه وذلك يستلزم اختفاء القطب الكلي الذي هو الغوث ومادة الحيوة عن العالم فتسيخ الارض باهلها وتبطل السموات ومن عليها او الجبر والظلم الممتنعان على الله سبحانه فوجب الامران معا اذ امتنع الجبر فيجري الحكم الاول ( الاولى الواقعي خ ) تارة حد الامكان لاقتضاء الاكوان والحكم الثاني ( الثانوي خ ) الظاهري اخرى مشيا على حد التقية والهدنة لما كان الامر كذلك امر نبيه صلى الله عليه وآله لتعليم الرعية بذلك فقال عز وجل ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا اي لا تمنع الخلق المكلفين عن الامور الالهية الواقعية من الاسرار والمعارف والحقايق والاشارات اذا وجدت لها حملة وحفظة او عن اجراء الاحكام الواقعية الاولية اذا غنمت ( اغتنمت خ ) الفرصة بواسطة او بغير واسطة اي بنفسك الشريفة او باوصيائك ولا تمنع الحكمة من اهلها فتظلمهم ولا تظهر ولا تبين لكل احد حتى يصل الى الذين ما يستأهلون لها فيكفرون او لا يتحملون فيقتلون او لا تظهر الاحكام الاولية كل الاظهار فتقعد ملوما محسورا ولذا قال مولينا الباقر عليه السلام ما معناه ان امير المؤمنين عليه السلام انما لم يسل السيف ولم يقاتل الناكثين لبيعة يوم الغدير لانهم كانوا حديث عهد بالاسلام فيردون كفارا وهو قول هرون عليه السلام لموسى عليه السلام حين قال اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي فافهم ثم قال عز وجل ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه كان بعباده خبيرا بصيرا فابان عز وجل ان هذه السعة والضيق في العلم والمعرفة والمعيشة الدنياوية والاخروية لحكمة الهية جرى عليها قلم التقدير باذن اللطيف الخبير فالتوسعة بالله والضيق به ولا يكونان الا باوليائه واحبائه لانه عز وجل خاطبهم بعد ما منحهم وقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وقال ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله فقد كشف الله سبحانه عن حقيقة الحكمة في هذه الآيات المباركة وذكر جميع مراتبها بالاجمال ثم اخذ في التفصيل ونحن نكتفي بما ذكرنا فان من عرف ما اردت من هذه الكلمات في هذه الآيات ظهرت له حقيقة التمسك بوصي النبي وكيفيته ومجمل القول ان امير المؤمنين عليه السلام هو باب الله في كل شيء لانه وليه وكل شيء من آثار الولاية وظهوراتها وشؤناتها وهو الوجه الذي لا تعطيل لها ( له خ ) في كل مكان فالعارف العاقل يتمسك ( متمسك خ ) في كل احواله واقواله واعماله ومعتقداته في اصوله وفروعه به وبالطيبين من اولاده عليهم السلام ومعنى هذا التمسك الاعراض عن كلما يخالفهم وكلما ينسب الى الاعداء والى كتبهم وزبرهم وتصانيفهم واشاراتهم علما وعملا اما في العلم فبان يكون يأخذ علمه عنهم عليهم السلام فان من اخذ عنهم فقد اخذ النصيب الاوفر من العلم قال عليه السلام انتم افقه الناس ما عرفتم معنى كلامنا وقال الله عز وجل فلينظر الانسان الى طعامه قال عليه السلام اي الى علمه ممن يأخذ انا صببنا الماء صبا وهو ماء المعرفة والايمان عن سحاب كلمات الائمة عليهم السلام ثم شققنا الارض شقا اي ارض قلب المتعلم الآخذ من الامام عليه السلام قال نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء واليه اشار عز وجل وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت الآية فانبتنا فيها حبا وهو علم صافي المحبة وخالص المودة وظهور اسرار احببت ان اعرف وعنبا سكر المعرفة وعلم معرفة الله سبحانه باسمائه وصفاته على مراتبها واحوالها من الامور والعلوم والاحوال الباطنية وقضبا من العلوم الظاهرية المتعلقة بظواهر افعال المكلفين وزيتونا من علوم الطريقة علم الاخلاق وتهذيب النفس ونخلا علم الايمان والتقوى وجامع العلوم الثلاثة الآية المحكمة والفريضة العادلة والسنة القائمة وحدائق غلبا من سائر انواع العلوم الجمة الكثيرة الملتفة بعضها ببعض المنشعبة كلها من الاصل الواحد ولاء اهل البيت عليهم السلام وفاكهة وهي لذة الولاية وابا من العلوم القشرية متاعا لكم وهي الفاكهة وما فوقها من العلوم التي كلها تحتها ولانعامكم وهي الابّ اي رعاياكم قال عليه السلام انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما ثم اعلم ان مدعي هذا المقام كثير وكل من هذه الفرقة يدعون انا قد اخذنا علومنا عن اهل البيت عليهم السلام لكن للآخذين علامات يمتازون عن غيرهم ومن العلامات ان لا يكونوا من اهل العناد والجدال والعصبية بل يكون مدارهم مدار الحق فان وجدوا قبلوا ومنها ان لا يكون عندهم قواعد اعتمدوا عليها مأخوذة عن الناس غير مصححة بميزان ( اهل خ ) الحق عليهم السلام فكلما يوافق قواعدهم يقبلون وكلما يخالفها ينكرون وان لم يكونوا من اهل الجدال والعصبية فان ذلك ايضا مبعد عن الحق اذ قد يكون الخطأ في تلك القواعد التي اعتمدوا عليها ومنها ان لا يكونوا مستأنسين بطائفة ليميلوا اليهم ويعموا عن الحق فان حبك للشيء يعمي ويصم ومنها ان لا يكونوا ممن غلبت عليهم مادة البلغم فيؤل امرهم الى البلادة فلا يفهمون ولا يعقلون ومنها ان لا يكون ممن غلبت عليهم المرة الصفراء فيؤل امرهم الى الجربزة فلا يستقيمون على شيء ويدورون مع كل شبهة ويميلون مع كل ريح ومنها ان لا يكونوا ممن غلبت عليهم الرطوبة فيؤل امرهم الى النسيان فلا يحفظون ما يسمعون ومنها ان لا تكون قلوبهم مشغولة بهموم الدنيا اذ الدنيا باطلة وهمومها زائلة باطلة وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ومنها ان لا تكون قلوبهم متعلقة بامور كثيرة تميل الى كل جانب فتتعارض الميول والجهات فتبقى متوقفة لا الى هذا ولا الى ذاك ولذا قال عليه السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن قيل ومن يحتمله قال عليه السلام من شئنا وفي رواية نحن وفي الاخرى ( اخرى خ ) او مدينة حصينة وهي القلب المجتمع ومنها ان لا يكونوا منهمكين في الدنيا وطالبين زخارفها ومتشبثين بذيل قبائحها وراغبين الى رياستها فانهم في هذا الوقت منكس رؤسهم الى اسفل السافلين فاين يجدون الانوار المشرقة من اعلى عليين ومنها ان يكونوا باقين على الفطرة وطالبين للحق الواقعي مبتغين رضاء الله ودار الآخرة من الباب الذي قرر ( قرره خ ) الله سبحانه لهم ومخلصين في ولاء اهل بيت ( البيت خ ) الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين معتقدين على انه لا يخفى عليهم شيء من احوالهم وظواهرهم وبواطنهم وان لهم عليهم السلام مع كل ولي اذن سامعة وان الله سبحانه لا يدع الخلق متحيرا ضالا وان من طلبه بالتوجه الى اهل بيت العصمة والطهارة وجده ولا يريدوا الا الاخلاص في العبادة والتوجه في الطاعة غير ملتفتين الى الشهوات النفسانية والميولات الشيطانية فان هؤلاء هم المحسنون اذ ليس للاحسان معنى سواه وهم المجاهدون في الله فوجب ان يصلوا الى الصواب ويعرفوا الشيء على ما هو عليه فان كان في حكم الاعتقادات فعلى الواقعي الاولى وان كان في الشرعيات فعلى ما تقتضي كينوناتهم وصفاتهم ولا يخطون من هذه الجهة لان الله معهم وليس الله مع المخطين والله سبحانه وعد ان يهدي المجاهدين فيه الى سبيله ومن اصدق من الله قيلا ولنيخلف الله وعده قال تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ومنها ان لا يخرججوا في مسألة من المسائل الدينية من الاعتقادية والعملية عن الكتاب والسنة ولا يتكلوا على الآراء الفاسدة والعقول الضعيفة الناقصة ولا يقولوا ان الكتاب اغلبها متشابهات وظواهر فلا يوصل الى القطع واما الاخبار فغير المتواترات كلها اخبار آحاد لا يفيد علما ولا عملا فان المنافقين قد كذبوا على الله ورسوله وافتروا على اولياء الله ودسوا في كتب اصحاب الائمة ( عليهم السلام خ ) ونقل الحديث بالمعني وحذفوا بعض الحديث وذكروا الآخر وانهم قالوا عليهم السلام واني لا تكلم بالكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج وقالوا عليهم السلام انتم افقه الناس ما عرفتم ما معنى ( عرفتم معنى خ ) كلامنا وان الكلمة منها لتنصرف الى سبعين وجها فلو شاء انسان يصرف كلامه الى ما احب لم يكذب وامثالها فلا يمكن لنا الاستدلال بها لان الله سبحانه قطع حجة كل محتج وشرح هذه المسألة في الكتاب ( كتابه خ ) الكريم واجاب عنه ( عنها خ ) حيث قال وما ارسلنا من رسول ولا نبي وفي قراءة اهل البيت عليهم السلام ولا محدث الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم والامنية هي القراءة كما قال الشاعر :
تمنى كتاب الله في كل ليلة تمني داود الزبور على الرسل
والقاء الشيطان هي ما ذكر من انواع الاحتمالات والشكوك والشبهات والاحتمالات والافتراءات والدس وامثال ذلك ونسخ الله سبحانه هو اثبات القرائن الدالة على المراد النافية لغير المراد فيقع عليها المتصفح البالغ ويعرض عنها الكسل الجاهل وهكذا اولياؤه سلام الله عليهم ماذكروا شيئا بل لا يوجد شيء وجهة من جهات العبارات ولا نحو من انحاء النفوس ولا مذهب من مذاهب العقول الا وقد وضعوا لنا عليهم السلام عليه دليلا يبينه من صحة او فساد وامارة توصل الى المراد والى ما فيه السداد وحجة واضحة موضحة لسبيل الرشاد وذلك يحصل بالعبارة او بالارشاد او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او عموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل وما اشبه ذلك ولهذا ( لذا خ ) قال عليه السلام وان من شيء الا وفيه كتاب او سنة فاذا استفرغ من له اهلية الاستيضاح وسعه في تحصيل معرفة حكم الامام عليه السلام وقع عليه وعرف قوله وحكمه فيه لانه عليه السلام مهما طلب من النحو الذي امر بطلبه منه وجد لانه هو القيم على هذه الفرقة وهم رعيته وعليه تسديدهم كما اشارت اليه النصوص واما ارادة السبعين وجه في كلماتهم فاذا ارادوا عليهم السلام معرفة كل المعاني من الرعية يعلمونها اياه بنصب القراين والا فعلى حسب ما يريدون من تلك المعاني وبالجملة فالمتمسك بهم ناظر الى نور ربه ومهتد الى صراط مستقيم فاذا استقام في التمسك يعرفونه الحيث والكيف واللم ( الكم خ ) واذ ومن وعن وعلى والى ومذ وقد ويعرفونه مفصوله وموصوله وما يؤل اليه اموره فهو لا يخطي حين يعرف ويقول ويبين حين تمت له هذه الشرائط وقوي نظره وتفكره في العالم في الآفاق والانفس لان الله عز وجل امر بمتابعتهم ولا يأمر بمتابعة المخطي مع انه سبحانه نص بصوابهم حيث قال وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين قال عليه السلام نحن القرى التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا ه واذا كان الشيعة هي القرية الظاهرة لا يكون السير فيهم الا الاخذ عنهم علوم ائمتهم عليهم السلام بالليالي اي بالتقليد في الاحكام الشرعية الفرعية والايام هي المعرفة الموصلة الى المراد ومعرفة المأخذ والدليل والامن هو الامن عن الخطأ لان تلك البلدة والقرية انما عمرها الله سبحانه فلا يسلط عدوه الشيطان الرجيم على تخريبها وتضييع اهلها فلا يتطرق في كلام اهل الله ما دام هم ناظرين الى سبيل الله الخطا وسبيل الله للخلق هو امير المؤمنين عليه السلام والطيبون من اولاده عليهم السلام فمن تبعهم فقد سلك في مسلكهم واستنار بنورهم وادركتهم نور عصمتهم وولايتهم كما قال امير المؤمنين عليه السلام المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون منهجهم فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى واوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم والخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلى فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل طوبى لهم على صبرهم على دينهم حال هدنتهم ويا شوقاه الى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم وسيجمعنا الله واياهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم وقال مولينا الباقر عليه السلام ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسألة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة وبالجملة فالذي تمسك به عليه السلام فقد فاز وبلغ المني سعد والله من والاكم وهلك والله من عاداكم وخاب من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم وامن من لجأ اليكم وسلم من صدقكم وهدى من اعتصم بكم وهذا الذي ذكرنا هو كيفية التمسك به عليه السلام في العلم واما العمل فهو الصدق مع الله في كل المواطن ويختلف مراتب الخلق في هذا الصدق وجامع القول في الصدق ان لا يجدك الله سبحانه حيث نهاك عنه فللخصيص في فعل المباحات وللخواص في فعل المكروهات وللعوام في فعل المحرمات وتفصيل المقال يؤدي الى التطويل وقد روى مولينا وسيدنا عليّ بن موسى الرضا عن ابيه الصادق عليه السلام عن ابيه محمد بن عليّ الباقر عن ابيه عليّ بن الحسين عليهم السلام عن ابيه الحسين بن عليّ عليهما السلام عن ابيه عليّ بن ابي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن اسرافيل عن ميكائيل عن اللوح عن القلم عن الروح عن الله سبحانه وتعالى انه تعالى قال ولاية عليّ حصني فمن دخل حصني امن من عذابي فاشار عز وجل الى باطن قوله ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة وهذا البيت هو اول بيت من البيوت الذي ( التي خ ) اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه كما في قوله عز وجل في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها على البناء للمفعول بالغدو والآصال رجال على انه خبر مبتدأ محذوف اي هم رجال والرجال هم اولي الايدي والابصار بل هم الايدي والابصار والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون والايدي هم مظاهر الوهاب والجواد ووجه الله لكل ذي روح من الانسان والحيوان والجماد وهم آل محمد الامجاد عليهم سلام الله الى يوم التناد واولهم هو امير المؤمنين عليه السلام ولما كان الظاهر قد جرى على طبق الباطن صار تولده البشرى عليه السلام في مكة فقال تعالى ان اول بيت وضع للناس اماما وسيدا وقبلة ووجها لكل الوجود والموجود للذي ولد في مكة التي هي بكة هدى ورحمة للعالمين قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي وهو عليه السلام رحمة الله الواسعة نعمة على الابرار ونقمة على الفجار وهو الماء النازل من القرآن وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فيه آيات بينات قال عليه السلام واي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقال مولينا الصادق عليه السلام واي آية اراها الله الخلق في الآفاق والانفس غيرنا في تفسير قوله عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الآية مقام ابرهيم اشارة الى الشجرة الزيتونة التي لا شرقية ولا غربية اي شجرة ابرهيم لا يهودية ولا نصرانية والمقام هو المظهر والآية كما في قوله عليه السلام في الدعاء وآياتك ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك ( وخلقك خ ) الدعاء وابرهيم هو ابرهيم الاول قال عليه السلام انا آية محمد صلى الله عليهما وآلهما لقد ظهر صلى الله عليه وآله به على كل الوجود فهو حامل اللواء ومكلم موسى في الشجرة اني انا الله ومن دخله كان آمنا لانه عليه السلام حصن الله المحكم وذمام الله المنيع الموقي عن شر كل غاشم وطارق وهو النور الذي كل من قرب اليه استنار وهو الهداية التي كل من تمسك به اهتدي وهو الوجه الباقي الذي كل من توجه اليه خلص ونجا من الفناء وهو عين الله الشاهدة على الورى وهو يد الله الباسطة ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا وهو قوله عليه السلام وتمسكوا بوصي نبيكم وهو اللواذ به والاتيان بباب كرمه فعلى ما ذكرنا اتضح لك الامر في سر تقديم الجار والمجرور في قوله عليه السلام به نجاتكم فان النجاة في الدنيا والآخرة منحصرة بالتمسك به وهو الحصر المستفاد من قوله عليه السلام في الزيارة وبموالاتكم علمنا الله معالم ديننا واصلح ما كان فسد من دنيانا بموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ولكم المودة الواجبة الزيارة فافهم واغتنم فان فيما ذكرنا كفاية لاولي الرشد والدراية
قوله عليه السلام : وبحبه يوم الحشر منجاتكم فان النجاة في الحشر منحصر ( منحصرة خ ) في محبته (ع) كما دلت عليه النصوص المتواترة بيننا وبينهم والاحاديث في هذا الباب لا تكاد تحصى وانما اقتصر على واحد منها تذكرة لاولي الالباب روى الكليني في روضة الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال في خطبة له عليه السلام ايها الناس ان الله عز وجل وعد نبيه محمدا صلى الله عليه وآله الوسيلة ووعده الحق ولن يخلف الله وعده الا وان الوسيلة اعلى درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة ونهاية غاية الامنية لها الف مرقاة ما بين المرقاة الى المرقاة حضر ( عدو خ ) الفرس الجواد في مائة الف الف عام وفي نسخة الف عام وهو ما بين مرقاة درة الى مرقاة جوهرة الى مرقاة زبرجد الى مرقاة لؤلؤة الى مرقاة ياقوتة الى مرقاة زمردة الى مرقاة مرجان الى مرقاة كافور الى مرقاة عنبر الى مرقاة عود الى مرقاة ذهب الى مرقاة فضة الى مرقاة غمام الى مرقاة هواء الى مرقاة نور قد اناقت ( انافت ظ ) على كل الجنان ورسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قاعد عليها مرتدي بربطتين ربطة من رحمة الله وربطة من نور الله عليه تاج النبوة واكليل الرسالة قد اشرف ( اشرق ظ ) بنوره الموقف وانا يومئذ عل الدرجة الرفيعة وهو دون درجته وعل ربطتان ربطة من ارجوان النور وربطة من كافور والرسل والانبياء قد وقفوا على المراقي واعلام الازمنة وحجج الدهور فعن ايماننا قد تجللتهم حلل النور والكرامة ولا يرانا ملك مقرب ولا نبي الا بهت بانوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلى الله عليه وآله غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء يا اهل الموقف طوبى لمن احب الوصي وآمن بالنبي الامي العربي ومن كفر به فالنار موعده وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى الله عليه وآله ظلة تأتي منها النداء يا اهل الموقف طوبى لمن احب الوصي وآمن بالنبي الامي والذي له الملك الاعلى لا يجاز احد ولانال الروح والجنة الا من لقي خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما فايقنوا يا اهل ولاية الله تبييض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم بابكم ( ما بكم خ ) وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين ويا اهل الانحراف والصدور عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه واعلام الازمنة ايقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون الحديث وفي روضة الكافي عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن ابيه قال كنت عند ابي عبد الله اذ دخل عليه ابو بصير وقد حفزه النفس فلما اخذ مجلسه قال له ابو عبد الله عليه السلام يا ابا محمد ما هذا النفس العالي فقال جعلت فداك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله كبرت سني ودق عظمي واقترب اجلي لست ادري ما ارد عليه من امر آخرتي فقال ابو عبد الله عليه السلام يا بامحمد وانك لتقول هذا قال جعلت فداك وكيف لا اقول فقال عليه السلام يا بامحمد اماعلمت ان الله عز وجل يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول فقال قلت جعلت فداك كيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول فقال يكرم والله الشباب ان يعذبهم يستحيي الكهول ان يحاسبهم قال قلت جعلت فداك هذا لنا خاصة ام لاهل التوحيد فقال لا والله الا لكم خاصة دون العالم قال قلت جعلت فداك قد نبزنا انكسرت له ظهورنا وماتت افئدتنا واستحلت له الولاة دمائنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم قال فقال ابو عبد الله عليه السلام الرافضة قال قلت نعم قال لا والله ما هم سموكم بل الله سماكم به اماعلمت يا بامحمد ان سبعين رجلا من بني اسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالتهم فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لانهم رفضوا فرعون وكانوا اشد اهل ذلك العسكر عبادة واشد حبا لموسى وهرون وذريتهما عليهما السلام فاوحى الله عز وجل الى موسى اني اثبت لهم هذا الاسم في التورية فاني قد سميتهم ونحلتهم اياه فاثبت موسى عليه السلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه يا بامحمد رفضوا الخير ورفضتم الشر افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع اهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم واردتم من اراد الله لكم فابشروا ثم ابشروا فانتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم يوم القيمة من لم يأت الله عز وجل بما انتم عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له سيئة يا بامحمد وهل سررتكم قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا بامحمد ان لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب من ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في اوان سقوطه وذلك قوله عز وجل والملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق يا بامحمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا انكم وفيتم بما اخذ الله عليه ميثاقكم ومن عليكم ولايتنا فانكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره وما وجدنا لاكثرهم من عهد وان وجدنا اكثرهم لفاسقين يا ابامحمد فهل سررتكم قال قلت جعلت فداك زدني فقال عليه السلام يا بامحمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال اخوانا على سرر متقابلين والله ما اراد بهذا غيركم يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال عليه السلام يا بامحمد الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين والله ما اراد بهذا غيركم يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا ابامحمد لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال عز وجل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولوا الالباب ( فنحن الذين نعلم وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا هم اولوا الالباب خ ) يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا ابامحمد ما استثني الله عز ذكره باحد من اوصياء الانبياء واتباعهم ما خلا امير المؤمنين وشيعته فقال في كتابه ( وقوله الحق خ ) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون الا من رحم الله يعني بذلك عليا وشيعتنا يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال عليه السلام لقد ذكركم الله عز وجل في القرآن اذ يقول يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم والله ما اراد بهذا غيركم فهل سررتك يا بامحمد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا بامحمد لقد ذكركم الله في كتابه وقال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان والله ما اراد بهذا الا الائمة وشيعتهم فهل سررتك يا بامحمد قال قلت جعلت فداك زدني قال يا بامحمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وانتم الصالحون فتسموا انفسكم بالصلاح كما سماكم الله عز وجل يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال فقال يا بامحمد لقد ذكركم الله في القرآن اذ حكى عن عدوكم في النار بقوله وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم الابصار والله ما عنى الله ولا اراد بهذا غيركم صرتم عند اهل هذا العالم شرار الناس وانتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون يا بامحمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا بامحمد ما من آية نزلت تقود الى الجنة ولا يذكر اهلها بخير الا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت يذكر اهلها بشر ويسوق الى النار الا هي في عدونا ومن خالفنا فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا بامحمد ليس على ملة ابرهيم الا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك برآء يا بامحمد فهل سررتك وفي رواية اخرى فقال حسبي ه وهاتان الروايتان مشتملتان على حقيقة البيان لقوله عليه السلام وبحبه يوم الحشر منجاتكم فلا بيان ازيد من ذلك
بقي الكلام في المحبة وحقيقتها وبيان مراتبها ونحن لو تصدينا لشرح جميع احوالها ومراتبها ومقاماتها لادي الى تطويل المقال زائدا عما يقتضيه الحال لكني اشير الى بعض احوالها حسب ما ذكرته في اللوامع الحسينية عليه السلام في بيان قوله تعالى في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف قلت هناك هل تجد في ذاتك تجدد ( تجددا خ ) وحركة ام لا فان قلت لا صدقت وان قلت نعم كذبت فان الذات لا تتوقع شيئا من حيث الكينونة والتحقق غيرها فان توقعت فلم يكن ما فرضناه هو هذا خلف فاذا ليس في الذات الا هي وهي من حيث ليست الا هي وكلما يتأخر فهو المتأخر ولا يكون الا المتأثر فان المتأخر تأكيد للمتقدم في السلسلة الطولية كقولك ضربت ضربا وقعدت جلوسا فانت في كينونتك انت ثم تميل الى الشيء بحركة قلبك اليه لكنها في غاية السرعة لانها في اعلى مراتب اللطافة بالنسبة اليك وبالنسبة الى ما يصدر منك وهو اول ذكرك للشيء وذلك هو المشية قال عليه السلام اتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول وهي الارادة قال عليه السلام الارادة من الخلق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل وهي الاختراع قال عليه السلام المشية والارادة والاختراع معناها واحد واسماءها ثلثة ومن حيث ان الميل لا يكون الا الى الملايم يسمى حبا ومحبة فالمحبة هي ذلك الذكر الاول وهي سر الوجود وظهور الحق المعبود فيعبر عنها حسب الارادات باسماء مختلفة ولما كان هذا الذكر المسمى بالارادة يختلف في الشدة والضعف والزيادة والنقصان وله مراتب كثيرة غير محصورة لكن كلياتها تجتمع في تسع مراتب على الترتيب سميت كل مرتبة باسم يغاير الاخرى وان اجتمعت في اسم المحبة وكل ذلك مظاهر ذلك الذكر وشؤنه ومقاماته الاولى تسمى ميلا وهو انجذاب القلب الى مطلوبه والثانية تسمى ولعا وهو اذا قوي ودام ذلك الانجذاب والثالثة تسمى صبابة وهو اذا اخذ القلب في الاسترسال الى من يحب فكأنه انصب كالماء اذا فرغ لا يجد بدا من الانصباب والرابعة تسمى شغفا وهو اذا تفرغ له بالكلية وتمكن ذلك منه والخامسة تسمى هوي وهو اذا استحكم في الفؤاد ( فؤاده خ ) واخذه عن الاشياء والسادسة تسمى غراما وهو اذا استولى حكمه على الجسد والسابعة تسمى حبا وهو اذا نما وزالت العلل الموجبة للمنع للميل والثامنة تسمى ودا وهو اذا هاج حتى يفنى المحب عن نفسه والتاسعة مقام فناء المحبة والمحب والمحبوب قال مولينا الصادق عليه السلام المحبة حجاب بين المحب والمحبوب وهذا مقام لا اسم ولا رسم وهذا مقام الدنو بلا كيف ولا اشارة وفي هذا المقام يرى المحب محبوبه ولا يعرفه يعني يرتفع جهة التمايز في عالم الظهور فيتوجه الى محبوبه لا من حيث انه كذلك قال عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة فان الاشارة مبعدة واهل المحبة المجازية سموا هذا المقام عشقا والوجه في هذه المراتب ان الشيء له شؤن ذاتية وشؤن عرضية وشؤن اضافية ووصفية وحقيقة صرفة لطيفة محضة وهي المجردة عن الشؤن المنزهة عن الاضافات وتلك الشؤن هي سبحاتها وهياكل تنزلاتها واذا التفتت اليها كانت في عوالم غربتها وهجرتها وعدم الوصول الى مسكنها وموطنها فاذا غفلت عنها فهي في انسها وكمالها وذلك الذهول المطلوب لا يكون الا بالميل الى عاليها كما انها ليست الا هو فاذا مالت الى العالي او الى المناسب ميلا غريزيا اخذت تنجذب تلك السبحات وتنكشف تلك الاضافات فاولا يذهل عن غيره من الشؤن العرضية وبينها تلك المراتب الاولية من الميل الى الهوى ثم يأخذ في الذهول عن نفسه بمراتبه من الغرام الى الود ثم يذهل عن العالي المنظور اليه ويتصل به اتصالا عيانيا من حيث فقدانه ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فان المحبة حجاب بين المحب والمحبوب لاقتضائه التثليث وهو ينافي المحبة فاذا عرفت هذه المراتب فاعلم ان حبك للشيء جهتك اليه واستدارتك عليه فان كانت ذاتية تدور لا الى جهة ولا وضع ولا محور لها فان كانت الاستدارة على خلاف التوالي كان ذلك عين محبوبك لك فانه قد تجلي لك بك فهو محبك ومحبوبك احبك به ( بك خ ) واحببته به فنظرت اليه به ونظر اليك بك وهذه هي المحبة الصادقة التي لا زوال لها ولا اضمحلال بل هي باقية ببقاء المحبوب فيما لم يزل ولا يزال فلا يزال هو متجلي له به وجاذبه عنه وهو فان فيه ومنجذب اليه كانجذاب الحديد للمقناطيس وهو مثال تقريبي لا تحقيقي وهذا الانجذاب بلا كيف ولا اشارة وهذا هو الاستيناس في ظلال المحب احب محبه فاحبه بعين محبته له فمحبة المحبوب في هذه السلسلة اقدم احب جماله بجلاله فنظر جلاله الى جماله بعين جماله كما نظر الى جلاله بعين جماله فافهم هذا البيان المكرر المردد بالفهم المسدد فان هذا عكس ما يزعمون فان جهة العالي وميله الى السافل لو كان في رتبة العالي لكان السافل عاليا فيجب ان يكون في رتبة السافل لا بحيث يلزم العكس من كون العالي سافلا بل العالي عال والسافل سافل فالظهور للسافل بالسافل من حيث كونه عاليا وهو المحبوب المتقدم محبته على محبه ومحبة السافل للعالي بالعالي من حيث كونه سافلا قال الشاعر :
رأت قمر السماء فذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
واما حب الشيء نفسه عين نفسه وهذا معنى محبة الخلق للولي عليه السلام ومحبة الولي لهم يحبهم ويحبونه فتام المحبة من لا يرى سوى المحبوب وكاملها من يفقد المحبوب بالاشارة لانه دخل المدينة على حين غفلة من اهلها فاتحد المحبوب والمحب والمحبة الا انه هو هو ونحن نحن ولما كان الايجاد بالمحبة سرت وجرت المحبة في كل ذرات الوجود فماتم شيء موجود او معدوم جوهر او عرض لفظ او معنى الا بها فهي شمس عالم الوجود لانها نار الشجرة الغير الشرقية ولا الغربية الماسة زيت تلك الشجرة الصافي الذي يكاد يضيء في عالم الشهود ولو لم تمسسه تلك النار في فلك الاسم الودود فبحرارتها استقام كل مزاج وهي منشأ كل سرور وابتهاج فهي مادة المواد وصورتها الاتصال بالمراد وببرودتها ظهر ذلك النور بما فيه من القابلية والاستعداد فكل محبة تستلزم الاتصال وكل اتصال يلزمه الانفصال فبالاتصال يسكن المحب وبالانفصال يتحرك سريعا فلولا الاتصال بطلت المحبة لكونها فرع مشاهدة الجمال فلا محب ولا محبوب ولولا الانفصال تمت وانتهت وليس لمحبتي غاية ولا نهاية فهو دائما يسير الى محبوبه ودائما يتجلى له محبوبه فاذا سكن عنده تجلى له في مقام الاعلى فيشتد سيره ويعظم ميله
كلما جاء كأس يأس مري رجاء كأس من الرجا معسول
فبالحب سكن السواكن وتحركت المتحركات فالساكن لسرعته لا ترى لها حركة قال عليه السلام في المشية خلق ساكن لا يدرك بالسكون مع انها عين الحركة وقال عز وجل وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء وتلك الحركة لتلك الحرارة والداعية المشوقة السارية في كل الذرات من باب الآيات وهي اثر حب الله قد سري في خلقه وذلك الاثر هو ظهورات الولي من العز في الحقائق والذوات قال عليه السلام انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات وسري ذلك الاثر في الخلق ليكمل به ميولاتهم اليه مع تباين اطوارهم وقد ضجت اليه الاصوات بفنون اللغات واجتمعت لديه العقول المتخالفات وهو سر توحيده وآية تفريده الظاهر في كل شيء لكل شيء بكل شيء قال عليه السلام :
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
وهي تلك المحبة السارية في كل اقطار الوجود وهي سر الايجاد وعلة الانوجاد وجهة الاتصال ومادة الانفصال تسرع بالاشياء الى مباديها وتوصلها الى اصولها وجواهرها وتعرفها مقامها ورتبتها اجمل لك المقال بانها عين الكمال في المبدأ والمآل ثم اعلم ان العالي لا يزال يحب السافل ويلتفت اليه من حيث هو كذلك ولولاه لا سبيل للسافل اليه والسافل ليس الا عين محبة العالي ومحبوبيته له ومحبيته له فالقول بان العالي لا يلتفت الى السافل بظاهره باطل اذ السافل ليس الا التفات العالي فوجوده نقض لقولهم نعم التفات الانتفاع منتف وكذا الذكر عند الذات هذا في السلسلة الطولية فكل سافل سائر الى جهة العالي ومشتاق اليه وراغب فيما لديه ومنقطع اليه ولا يريد سواه ولا يطلب غيره من حيث هو وكذا العالي بالنسبة اليه الا ان محبة العالي مقدمة فاحبه بما جعل فيه من محبته فاحبه بمحبته له لا العكس ومحبة السافل تقتضي الدوران والاستدارة الابدية على نفسها لانه يطلب العالي في سيره لفرط شوقه فكلما يصعد اليه يرجع قهقري عند نفسه فيطلب الغير في مقامه ولا يمكن الوصول اليه فلذا لم يزدد الا حبا وشوقا وشغفا وغراما وولعا ولا يزال يتجدد له تجلي المحبوب ولا ينزل اليه ابدا
قذفتهم الى الرسوم فكل دمعه في طلوله مطلول
فجمال المحبوب له ظهورات حسب مراتب المحبين المشتاقين الولهين الفانين ثم لجماله جمال ولجمال جماله جمال وهكذا وللكل طالب ومشتاق لكن لا يطلب جماله الا جماله ولا يريد وصاله الا جلاله ولا يبصر نوره الا طرفه اعرفوا الله بالله قال الشاعر :
اذا رام عاشقها نظرة فلم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها
فافهم واذ قد علمت ان الوجود قام بالحب وعاد اليه فاعلم ان المحبة محبتان ذاتية وعرضية والذاتية ذاتيتان احديهما هو اللانهاية السائرة الدائرة على محبوبها بالاستدارة الحقيقية لا الى جهة وقد تقدم حكمها وثانيهما مقامات النهاية وكل نهاية سيرها الى جهة فلا تكون الدوران على القطب بل على المحور فتختلف مراتبها في المحبة حسب ميولاتها التكوينية المحضة والتشريعية فاعلاها المقامات العقلية فانها من حيث كينونتها لا تسير الا الى جهة تلك المحبة وتميل الى الحدود الغيبية المعنوية والى المعاني الكلية ولقربها الى المحبة الحقيقية سريعة الوصول بخرق حجب النهاية لادراك اللانهاية ولذا لا يميل الى ما ينافي ( لا تميل الى ما ينافيها خ ) ويضادها ولا يشتاق الا الى خدمة المحبوب وملازمته وامتثال اوامره ونواهيه وايثار محبوبه على ما سواه فهو لا ينظر الا الى تلك المحبة لكنها ( لكنه خ ) في حجاب رقيق يتلألأ بخفق وهو من زبرجد واسفلها المقامات الصورية المترتبة الى العشرين وتجمعها الصور النفسية والجسمية والعرضية من الكيفيات والكميات والجهات والاعراض وغيرها واعلاها الاعلى وهي الاسفل الادنى فاقدة للمحبة الحقيقية لكمال بعدها عنها واحتجابها بالغواشي حتى تشغله الكثرات وتلهيه الاضافات والميل في هذه المقامات لا تكون لذاته بل لجهة من الجهات وحيث من الحيثيات وذاتية هذا العرضي تنبئ عن ميل محبوبه اليه لتؤالفهما في الذر الثالث حين تفردهما عن ( تغردهما على نسخة ١٤٢ ) دوحات سدرة المنتهى وتواجههما وقد لا تنبئ لجواز ان يكون على ذلك الغصن وجهه على ظهره فاحدهما مقبل والآخر مدبر وهذه صورتهما
وعرضي هذا العرضي يكون بدواعي اللطخ والخلط وقد ينبئ ذلك عن ميل الآخر اليه اذ ( اذا خ ) استحكم اللطخ والخلط بينهما فالواقف في هذا المقام لم يزل في احتجاب عن وجه المقصود الحقيقي وعن المحبة الالهية وهم المشار اليه في قوله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا فسيرهم ابدا عرضي معكوس وشمس مدارجهم في الافول والطموس واوسطها الاوسط وهو الاسفل وهو الحجاب الاسود لا يدور الا الى الجهة وهي الجهات الحسية المتكثرة والمدارج الرسمية حجاب غليظ وميلها عكس الميل الكلي لا تميل الا الى الصور ( الصورة خ ) الجسمية ولا يشتاق الا اليها ولا يهوى الا اياها وفيها نسيان المحبوب الاول لان كينونتها على خلافه وان كان قوامها به ودلالتها عليه فشوقها الغريزي وميلها الذاتي الى الجهات وذوات الاوضاع والحدود وكذا الشوق الوجداني والشعور الحيواني فانهما قد يتخالفان عند احتجاب الواقفين بالحجب الظلمانية والا فلا اختلاف كاهل الجنة في درجاتهم ومقاماتهم حسب اقتضاء كينوناتهم باعمالهم ودواعي اقبالهم ولا يميلون الى ما ليس لهم ولا يشتاقون اليه ليكدر عليهم صافي شربهم كما في الدنيا قال الله عز وجل ام يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض واسفلها السفلى وهي ( هو خ ) مقامات الاعراض وتلك المحبة حجاب اسود غليظ كالليل الدامس كثير الحيات والعقارب فيه احوال مظلمة ومقامات منكرة ولا تميل الا الى الحدود الكثيفة وهي عن المحبة الحقيقية بعيدة بعيدة وفي هذا المقام يحصل الميل الى الصور المقدارية الجميلة والشمائل المستحسنة واصوات مطربة كما هو معهود الآن في ابناء هذا الزمان من لعبهم بالصبيان وعشقهم بالمردان واستماعهم لصوت الغنا ومجالستهم لاهل الشقاء والعناء مدعين بانها من الكمالات وعشقهم مجاز توصل الى الحقيقة فان المجاز قنطرة الى الحقيقة وانت اذا امعنت النظر علمت ان هذا الكلام ليس الا من جهة التسويل والتمويه على الجهال والا فلا مناسبة بينهما الا باللفظ وها انا انبهك ولا حول ولا قوة الا بالله على حقيقة الامر في ذلك فاعلم ان الحدود من حيث هي حدود لا تكون مجازا اذ حركتها تبعية وسيرها لظهور الحقيقة وحركتها ضدية مجتثة فتدور على خلاف جهتها فبطلت المجازية نعم المحدود مجاز للمطلق والنور مجاز للمنير والحركة مجاز للمتحرك لا من حيث الحدود فاذا نظرت اليها لا من حيث هي بل من حيث ظهور العالي كان مجازا فاذن ( فاذا خ ) انطوت الحدود واضمحل لها الوجود والشهود فالواقف في مقام المجاز حيث لم يصل الى الحقيقة ان كان صادقا لم يكن نظره الا اليها فحيث لم يصل اليها فهو بعد في مقام صحوه ورتبة فعله وعالم فرقه ففي عالم الفرق للمحبوب ذكر عند المحب كما في عالم الجمع محو وسكر واتحاد بل وحدة في مقام الحب الحقيقي الذي هو عين المجازي الذي هو عين الحقيقي فاهل المجاز الواقفين في عالم الاغيار والاكدار حيث فقدتهم العين فاين هم من الذكر ولما كان ذكر المحبوب اللايق له لا يمكن الا بعد الاتصال في مقام هو نحن ونحن هو ويتعذر ذلك لاهل المجاز لانهم بعد طالبون للجواز ابان لهم المحبوب في مستسرات الغيوب وجعل لهم في عالم البين والفرق تلك الاذكار لتكون موصلة لهم الى تلك الديار اذ قد عرفت ان المحبة في الرتبة الاولى هي ذكر المحبوب وذلك الذكر هو ما اسس الشارع عليه السلام من انواع الطلب واقسام التذكر لكونه هو المحبة في تلك المقامات ولذا قال عز وجل خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال الله عز وجل واذكروه كما هديكم ومن المعلوم البين ان المحب ان حرم عن المشاهدة وهو صادق لم يزل في ذكر المحبوب وفكره فاذا نسي الذكر فهو كاذب في دعواه ومفتر في مدعاه
تعصي الاله وانت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديع
ان كنت فيه صادقا لاطعته ان المحب لمن احب مطيع
فالذي نظر الى الحدود واحتجب عن مشاهدة المعبود واشتغل بها عن الركوع والسجود ويدعي انه من اهل المجاز فهو كذب وزور وفرية وغرور فاذا اشتغل بذكر المحبوب ذكره المحبوب فاذكروني اذكركم فجذبه اليه واخرجه عن الحدود فلا يرى شيئا الا ويرى لمحبوبه فيه شهود فان كان من اهل المجاز يبكي ويشتد حزنه وبكاؤه وغلقه واضطرابه لفقدانه الجلوس مع المحبوب على سرير القرب في عوالم ( عالم خ ) الغيوب فاذن لا يتفاوت له مظهر دون مظهر واثر دون اثر اذ لا غاية له الا ملاحظة المؤثر المحبوب فكل الايام له يوم واحد وكل الاشياء عنده شيء واحد وهو ظهور المحبوب فلم يزل ناظرا في آثاره وآياته ولاحظا في مقاماته وعلاماته وملتزما ذكره وفكره كما كان للاولياء الصديقين والاحباء الراشدين واهل العرفان واليقين مثل ذلك الرجل الهندي الذي كان ينظر الى السماء فيبكي والى الارض فيبكي والى الشرق فيبكي والى الغرب فيبكي ولم يزل يشتغل بتلك الاحوال ومثل سلمان اعجوبة الزمان وهؤلاء قليلون وهم عظيمون جليلون فمن فرق بين مظهر ومظهر واثر واثر وقصر نظره في واحد دون الآخر فهو محدود محجوب ناس لله عز وجل قال تعالى نسوا الله فنسيهم فلا يريد في قصده المحبوب ولا يقصد الا ذلك الشيء المطلوب وجعل قوله المجازي شبكة لصيد الجهال ومجازا الى الكفر والاضلال الم تنظر الى ما قاله اهل الاصول التي هي ظاهر الوصول وباطن الحصول ان استعمال الكلي في الفرد حقيقة اذا لم تلاحظ ( لم تلحظ خ ) فيه الخصوصية بوجه والا فهو مجاز ومرادهم بالحقيقة هو المجاز وبالمجاز هو ظاهر الجواز وهو الحقيقة الثانية المجتثة يا اخواني لا تغتروا باقوال بعض المتسمين بالحكماء حيث رخصوا اهل الدواعي النفسانية الشهوانية في عشق الصبيان والغلمان المردان وصرف بضاعة العمر في عشقهم الذي هو عين الطغيان بادعاء انه المجاز والمجاز قنطرة الحقيقة فاشتغلوا بها عن الصلوة والصيام والاقبال على الله والخضوع لله والخشوع والتضرع له والابتهال اليه في السر والاعلان فلا يتوجه الى الصلوة لو وقف اليها ولا يقوم لله بعبادة ونسك فلو وقف للصلوة فهو مشغول بذلك الغلام الامرد بل ربما يخاطبه فاذا ناداه وهو في الصلوة قطعها ولباه واذ رآه شهق شهقة ونعق نعقة كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة كيف يكون المجاز مخالفا للحقيقة مع ان الصلوة وجه المحبوب واعلى ما يتوجه به المحب الى المحبوب الحقيقي حتى انها صارت من اعظم اصول العبادة فيهدم الصلوة لاجل ذلك الغلام ولحبه ومع ذلك يدعي انه مجاز الى الحقيقة ولا يبعد ان يكون ارادتهم من الحقيقة امر آخر يتكرم الانسان عن ذكره بئس ما سولت لهم انفسهم والداهية العظمى انهم يجعلونه مع هذا من المحسنات ( الحسنات خ ) الالهية حتى قال صاحب الاسفار انه من الاخلاق الالهية المحمودة المترتبة عليها غايات شريفة وانه فضيلة نفسانية وما اعجب ما استدل على هذا الطريق الباطل والمسلك الهائل بوجود هذا العشق في المبادي العالية مثل اهل فارس واهل العراق واهل الشام والروم وكل قوم فيهم العلوم الدقيقة والآداب الحسنة والصنايع اللطيفة وفقدانه في مثل الاكراد والاعراب والترك يا سبحان الله ما عرف ان اكثر الناس لا يعقلون واكثر الناس لا يعلمون ولا تجد اكثرهم شاكرين ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل وان اهل الحق قليلون وقليل ما هم وقليل من عبادي الشكور وما امن معه الا قليل والسر في ذلك عدم اطلاعه على حقيقة الامر وها انا اشير الى ذلك مجملا
فاقول فاعلم ( اعلم خ ) ان الله سبحانه لما امر اللطيفة الالهية والحقيقة السرمدية بالادبار لتصحيح الاقبال فنزل الى الجماد وكلما كان بالفعل كان بالقوة وخفيت المبادي العالية والعوالم الاولية فلما امرها بالاقبال لاتمام ( لتمام خ ) الادبار اخذ في الصعود فكل مقام وصل اليه رآه حسنا وحسبه منزلا لنسيانه تلك الفسحات النورية والعوالم الغيبية وكل سافل يظهر في الصعود قبل العالي الى ان وصل في صعوده الى مقام النفس مقام الكثرة ومقام الاختلاف والصورة ورأي فضاء واسعا وعالما فسيحا اقام فيها ومكن النفس في مدينة حقيقتها واستولت على عرش سلطنتها واطاعتها الحواس والقوي والمشاعر وهي لا تشتهي الا المخالف وبرهانه فليطلب من سائر رسائلنا فاذا ظهر العقل بعد تمكنها واستقرارها ودعى القوي ان يتوجه الى عالمه فانه احسن واوسع واشرف وفيه وجه المحبوب عصب ( عصت خ ) النفس وصعبت على القوي اطاعته لتمكنها ومنعها فارسل الله الرسل معينين ومظاهرين للعقل فكلف سبحانه الخلق اي امرهم بالكلفة والمشقة مع ان الطاعات كلها من مقتضيات العقل وراحة للملائكة العقليين ومشقتها لما بينا من صعوبة سلب ما عادت النفس عليه ولذا طلب الاكثر الراحة وماتقلدوا بهذه القلادة واقلهم الذين قبلوا اكثرهم انكروا ما يدعوهم الى مخالفة النفس كثيرا كالولاية واقلهم الذين قبلوا اقتصروا على الظواهر وغمضوا عن البواطن وماقتلوا انفسهم الا قليل قليل قليل وقد قال الامام الكاظم عليه السلام ما معناه لو غربلت شيعتي ما خلص من الالف واحد مع ان كون هذا العشق من مشتهيات النفس في عالم الاعراض مما لا شك فيه لان الصورة هي التي تدركها النفس وتميل اليها وليست في العالم العقلي صورة ولا شهوة الا وجه الله وطاعته وما كان اهل فارس والروم من المبادي العالية الا من جهة شيوع اشتغالهم بالكثرات وغلبة الفسق والكفر فيهم ويجب ان يقال الرشد في خلافهم كما قالوا عليهم السلام واما علومهم فليست مما يتعلق بالدين ولو فرض ذلك فانما هي صناعات لان العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل ولا عمل الا ذكر الله وليس ذكر الله الا كما حدده الله في كتابه وبينه رسله وخلفاؤه فمن تعدى ذلك الحد فقد استوجب الحد واستحق الرد واما الاكراد والاعراب الذين اشار اليهم فهم بعد ما ترقوا من عالم الحس والجمادية كانهم ( كلهم خ ) خشب مسندة وما التفتوا الى ما التفت تلك المبادي العالية من تسخير سلطان النفس اياهم وليتهم ايضا ما وصلوا وما ترقوا وما التفتوا ليسلم الناس من شرهم واعلم ان شرافة الكينونة هي الصورة الانسانية وحدودها التقوى والحب في الله والاشتغال بذكر المحبوب كما اراد منه واذكروه كما هديكم لعلكم تفلحون فاذا نقص شيء منها نقصت انسانيته وجاءت شيطانيته وهل تجد تلك الحدود وخواص الانسانية التي هي العلم والحلم والفكر والذكر والنباهة والنزاهة والحكمة في اهل الفارس والروم التي اشار اليهم وهل وجدت هذا العشق عند احد من خواص الائمة سلام الله عليهم في مبادي امورهم او اواسطهم او نهاياتهم وما كان ذلك الا دأب العباسيين وخلفاء الجور وخلفاء الشياطين ولما كان التصوف انما وضع لاطفاء نور الله المبين وصد الناس عن اهل بيت العصمة والطهارة وكانت رغبة الخلفاء في محبة الغلمان والنسوان واستماع الغناء وكذلك طبايع الناس لكونهم في مقام النفس الى هذه الامور اميل رخصهم الصوفية الملحدون في ذلك وحببوا اليهم الكفر والفسوق والعصيان ثم موهوها ببعض التمويهات واستدلوا عليها ببعض المزخرفات ليجلبوا الناس اليهم فانهم همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق وجاء بعض المتشبثين بالولاية حيث لم يدخلوا فيها بقدم ثابت وقلب مطمئن روي ولم يردوا على حوض ولاية اهل البيت ( امير المؤمنين عليه السلام واولاده الطاهرين عليهم السلام خ ) وان ادعوا ذلك وقلوبهم ناشفة عطاشي فوجدوا هذا السراب يلوح كأنه ماء فولجوا فاشتدوا ظمأ وعطشا وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا قال صاحب الاسفار :
واما العناية في هذا العشق الموجود في الظرفاء وذوي لطافة الطبع فلما ترتب عليه من تأديب الغلمان وتربية الصبيان وتهذيبهم وتعليمهم العلوم الجزئية كالنحو واللغة والبيان والهندسة وغيرها والصنايع الدقيقة والآداب الحميدة والاشعار اللطيفة الموزونة والنغمات الطيبة وتعليمهم القصص والاخبار والحكايات الغريبة والاحاديث المروية الى غير ذلك من الكمالات النفسانية فان الاطفال اذا استغنوا عن تربية الآباء والامهات فهم بعد محتاجون الى تعليم الاستادين والمعلمين وحسن توجههم والتفاتهم اليهم بنظر الاشفاق والتعطف فمن اجل ذلك اوجدت العناية الربانية في نفوس الرجال البالغين رغبة في الصبيان وتعشقا ومحبة للغلمان والحسان الوجوه ليكون ذلك داعيا لهم الى تأديبهم وتهذيبهم وتكميل نفوسهم الناقصة وتبليغهم الى الغايات في ايجاد نفوسهم والا لما خلق الله هذه الرغبة والمحبة في اكثر الظرفاء والعلماء عبثا وهباء فلا بد في ارتكاز هذا العشق النفساني في النفوس اللطيفة والقلوب الرقيقة الغير القاسية ولا الجافة من فائدة حكمية وغاية صحيحة ونحن نشاهد ترتب هذه الغايات التي ذكرناه فلا محالة يكون هذا العشق في الانسان معدودا من جملة الفضائل والمحسنات لا من جملة الرذائل والسيئات انتهى كلامه قوله فلما يترتب عليه من تربية الغلمان الخ ان اراد كل الغلمان وكل الصبيان او بعضها ممن له الشمائل الحسنة وتناسب الاعضاء وجودة التركيب قبل ان يبلغوا حد الالتحاء فان اراد الاول فباطل بالضرورة اذ اغلب الغلمان والصبيان ليسوا ممن يريده حتى بل ليس فيهم الا القليل من الكثير اقل من الواحد والالف بل اكثر افراد الناس واغلبهم بل كل اهل سواحل البحر وبلاد الحبش والسودان واطراف اليمن والمواضع التي غلبت فيها الحرارة واليبوسة من ذلك القبيل والمواضع التي يمكن ان يتحصل من ذكر لا يحصل الا قليل فعلى هذا يلزم ان لا تتعلق العناية الالهية في تربية اغلب افراد الناس واكثرهم وجل الصبيان والغلمان وتكون العناية خاصة بمن وجدت فيهم الشمائل اللطيفة فعلى هذا لا يبقى الا القول باحد الامرين اما ان الله سبحانه ايضا يعشق الصبيان حتى جعل العناية بالنسبة اليهم اشد واكثر بالنسبة الى غيرهم تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا و( او خ ) انه رجح من غير مرجح او ان عدم جودة الشمايل يستلزم عدم حسن الذات في الواقع وجودتها تستلزم حسن الذات حتى تكون مرجحة فعلى هذا يلزم ان يكون اغلب الانبياء مبغوضين عند الله وكذا لقمان الذي آتاه الله الحكمة وكذا مؤمن آل فرعون واغلب الاخيار والصلحاء والمؤمنين والعلماء والمتقين من القسم الاول لا الثاني ويلزم ان يكون صبيان الكفار وغلمانهم ومعاندي الحق كلهم محمودون لان حسن ظاهرهم دليل حسن باطنهم وقوله هذا في الباطل اظهر من ان يرد ولا يشبه هذا القول بقول حكيم قوله والاشعار اللطيفة والنغمات الطيبة الخ فيه انه ليست تعليم هذه الامور من العناية الربانية فان العقل والنقل دالان على مذمة هذه الامور ولو فرضنا اباحتها ينبغي ترك هذه الآداب للصبيان لانها كلها جهات النفس الامارة بالسوء وهي تعينها الى مطالبها من الشهوات ولذا ورد النهي عن تعليم النسوان سورة يوسف عليه السلام والامر بتعليمهن سورة النور وكذا الصبيان فانهم في اول الامر لسذاجة طبايعهم يجب ان يعلمونهم المواعظ والنصايح واحاديث اهل بيت العصمة والطهارة ويعلمونهم طريقة ( طريق خ ) الزهد والعبادة والنسك والطاعات ويزوون عنهم الاشعار والنغمات والقصص والحكايات ولذا قال عليه السلام ما معناه ان البطن يمتلأ قيحا خير من ان يمتلأ شعرا فان الناس مامالوا الى التصوف والى العشق والى الزنا واللواط الا من جهة الاشعار والنغمات واهل الانس من اهل الملاهي وهو عند المؤمن الممتحن معروف وشرح ذلك يحتاج الى تطويل المقال والعاقل تكفيه الاشارة قوله والا لما خلق الله هذه الرغبة في اكثر الظرفاء والعلماء فيه ان هذه الخلقة بسر الامر بين الامرين لا تدل على حسن ذلك لان الله خالق كل شيء كتب الايمان في قلوب المؤمنين بايمانهم وخلق الكفر في قلوب الكافرين بكفرهم قال عز وجل بل طبع الله عليها بكفرهم وخلق الشك والوهم والقساوة والريبة في القلوب على حسب مقتضيات طلباتها ولا شك ان اغلب الناس لو تركوا وشهوتهم لا شك في ان رغبتهم الى المعاصي كانواع الفجور وشرب الخمر وامثال ذلك اكثر من رغبتهم الى الطاعات بل اغلب الناس ليست عندهم رغبة الى الطاعات فيتكلفون لذلك فعلى هذا يجب ان تكون المعاصي احب الى الله والا لما خلق الله هذه الرغبة في طبايع اكثر الظرفاء والعلماء فان قلت ان العلماء لا يرغبون في المعاصي قلت عدم الرغبة لنهي الله لا لاقتضاء طبايعهم الا قليل من المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث والكيف واللم ( الكم خ ) وعرفوا مبادي المعاصي ومبادي الطاعات وسر الشريعة وهؤلاء اعز من الكبريت الاحمر وهؤلاء ايضا لا يرغبون في هذا العشق ابدا ولا يلتفتون ابدا لانهم قد صعدوا وتجاوزوا عن مقام الصورة وبالجملة كل مؤمن مراقب لله وعظمته وقيوميته مشتغل بطاعته وعبادته معرض عن هذا العشق ولذا مانقل عن اكابر الصحابة من احدهم هذا الامر ولو فعلوا لوصل الينا كما وصل الينا مخفيات امورهم نعم الظرفاء والعلماء الذين استشهد ( هو خ ) برغبتهم في السابقين بنوامية وبنوالعباس لانهم كانوا شديدي الرغبة في هذا العشق ولهذا ( لقد خ ) قال يزيد لعنه الله في مدح غلام امرد :
دعوت بماء في اناء فجائني غلام بها خمر فاوسعته زجرا
فقال هو الماء القراح وانما تجلى له خدي فاوهمك الخمرا
وهكذا غيرهم يطول الكلام بذكر احوالهم وشدة انهماكهم في هذا العشق وظهور هذا الامر الشنيع في الغاية والنهاية انما كان في دولة بنيالعباس حتى انهم كانوا يعقدون المجالس فاذا سمعوا شيئا يذكرهم معشوقهم كانوا يشهقون ويقطعون ثيابهم ويغشي عليهم وامرهم مشهور وفي هذا الزمان الظرفاء الجامعون لهذه الصفة الطيبة هم الحكام وخدام السلاطين والفساق المتجاهرون والذين لا يبالون بصيام ولا صلوة ولانسك واما العلماء المشار اليهم فهم ليسوا الا الصوفية ومن تبعهم من المنافقين المذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء واما علماء اهل البيت صلى الله عليهم الذين كانت ترد التوقيعات في مدحهم وجلالة شأنهم عموما وخصوصا كالابواب الاربعة رضي الله عنهم حتى قال بعض العلماء انهم معصومون وكوالد الصدوق عليّ بن الحسين بن بابويه الذي ورد التوقيع في حقه ويخاطبه الامام الغايب صلى الله عليه شيخي وابي وثقتي وكالكليني ثقة الاسلام وكالمفيد الذي ورود ( ورد خ ) التوقيعات عليه خرق الاسماع وما بعدهم من علمائنا كالمقدس الاردبيلي والعلامة والمحقق والشهيدين وامثالهم من الاكابر من اهل الظاهر والباطن فماعهد منهم ظهور هذا الامر الشنيع ولم يزل دأبهم وديدنهم الرد عليه والنهي عنه وهذا شيء معلوم اتجوز ان تقول ان هؤلاء وامثالهم ارباب القلوب القاسية والجافة فان قلت هكذا فلا جواب لك عندنا وان قلت قد كان عندهم فلا يظهرونه فلا يمكن في العادة اذ ما من خصلة في شخص تخفي فلا بد ان يظهر ولو بعد حين مع ان هذا شيء اقرب الاشياء الى الاظهار كما انه قد ظهر من غيرهم من العلماء الذين يزعمون انهم اهل ورع وتشعير ( تشمير خ ) وقد ظهر ذلك من الصوفية وباصطلاحكم من العارفين وانتم فيما تزعمون ان اهل الباطن اشد احتمالا من اهل الظاهر فاذا ما احتمل اهل الباطن بزعمكم حتى اظهروه فاهل الظاهر اولي بذلك مع ان احتمال الوجود فيهم موهوم مرجوح فلا يصار اليه الا بدليل قطعي فلو فتح هذا الباب اي المصير الى كل شيء ممكن محتمل فيبطل اساس الدين مع انه ادعي ظهور ذلك في العلماء وقد ثبت ان اولئك العلماء ليسوا من علماء اهل البيت عليهم السلام كما انه الآن ديدنهم وطريقتهم لا ينكرون ذلك ولو لم يكن شيء في ابطال هذا الامر الا شيوعه عند الصوفية والعامة لكان كافيا في ابطاله وتزييفه لان الرشد في خلافهم وقد قال الله عز وجل انما يخشى الله من عباده العلماء وقد قال عليّ بن الحسين عليهما السلام في الصحيفة لا علم الا خشيتك ولا الحكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم والذي يخشلا الله لا ينسلا الله والعاشق حين التفاته الى معشوقه لا يذكر الله ابدا وقد ذكر لي بعضهم اني قد التهيت بمعشوقي من اول الظهر وفقدت ادراكي وشعوري وماتنبهت الا وقد رأيت ان الدنيا قد اظلمت والسرج قد علقت قلت ما الخبر قالوا جاء الليل وانا ماصليت صلوة الظهر والعصر هل هذا من خشية الله سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ثم قال صاحب الاسفار ولكن ( وخ ) لعمري هذا العشق ترك النفس فارغة عن جميع الهموم الدنياوية الا هم واحد فمن حيث يجعل الهموم على ( الى خ ) واحد الى آخر ما قال وانت خبير بان الهم الواحد ان كان هو الله سبحانه هو المطلوب ( والمني خ ) واما غير الله فلا حسن فيه بل فيه قبح فان الشخص وان كان في عالم وقوفه له شؤن كثيرة لكنها ليست ثابتة ( بثابتة خ ) بحيث تشغله عن كل شيء والكثرة دليل عدم الثبات فتتساقط حال التعارض ويتفق للشخص التخلية والاقبال الى الله في بعض الاحيان وبعض الاحوال بل في اغلب الاحوال لكنه في تلك الحالة الميشومة المسماة بالعشق لا يرى لغير معشوقه تحقق وتأصل لا يبرح في ذكره وفكره في الخلوات واوقات الصلوة بل لا يلتفت الى الله ابدا في تلك الحالات ويقطع الرحم وكل شيء يقطعه عن معشوقه وان كان طاعة لله جل شأنه فيكون العاشق في كل تلك الاحوال مشركا الى ان يخرج منها وهو في محل الشك والغالب ان النفس اذ تعودت بذلك لا تفارقه ابدا بل تنتقل الى الآخر اذا ارتفع حسن الاول كما قال شاعرهم :
ورِدْ كل صاف لا تكن عند مورد تنقل فلذات الهوى في التنقل
نعوذ بالله من مضلات الفتن يا اخي تنبه عن سنة الغفلة واعلم ان الله سبحانه لا يتوجه اليه من جهة الغفلة عنه ولا سبيل اليه الا بما دلوا وامروا عن الله سبحانه وهم المعصومون المطهرون المنزهون عن الخطأ والزلل ودع غيرهم ان كنت آمنت بهم فانهم الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتهم وطريق هدايتهم فحبك للولي عليه السلام هو عين حبه لك بك لانك مثاله وظهور جماله بل الانسان مثال المثال وجمال الجمال فمحبتك له عليه السلام هو توجهك الى جهته التي ظهرت لك وتلك الجهة هي نور جماله الظاهر فيك فاحبك بذلك النور لانه مثاله وآيته ودليله فظهر ذلك المثال ان كنت صادقا في حبه في كل اطوارك فيكون سمعك وبصرك ويدك ورجلك لان هذه القوي والمشاعر شؤنات ذلك النور والمثال وحكايات له فان كان الرجل غير ملتفت الى المحبة وغير ملتفت الى جهة المحبوب تستقل هذه القوي والمشاعر بالاستقلال الاجتثاثي وان كان ملتفتا وناظرا ومنقطعا عن وجدان نفسه بذي الظهور الذي هو ذات الشخص ونفسه فغيب الصفات والشؤن فقال بي يسمع وبي يبصر كما تقول انا سمعت انا رأيت ولا شك ان هذا السماع الخاص والابصار الخاص ليسا عين ذاتك وانما هو ظهوران من ظهورات ذاتك ولما كان الظهور فانيا مضمحلا عند الذات نسبتهما واشباههما اليك وكذلك الحق عز وجل كما قال في الحديث القدسي ما زال ( لازال خ ) العبد يتقرب اليّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت عني ابتدأته فاذا عرفت ان الكلام لا يقع في ذاته تعالى والمتكلم هو صفته علمت بان المتكلم في هذا الحديث الشريف هو مكلم موسى في الشجرة باني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وذلك المتكلم عن الله رجل من الكروبيين وذلك يأخذ عن رجل من العالين وذلك يأخذ عن نفس دلالة الكلام المتحصلة من الكلمة المتحصلة من نفسها بالله سبحانه ولا يحسن التعبير عن حقيقة العبارة عن حقيقة الارادة الا ان في الكلام اشارة صريحة الى المراد يعرفه اهل الفؤاد فقوله عز وجل كنت سمعه الخ كقوله عز وجل الكعبة بيتي ونفخت فيه من روحي فيكون هذا الذي يكون سمعا وبصرا للمحب هو الولي بظهوره للشخص لا بذاته وهذا مقام الود واما في مقام هو نحن ونحن هو فهو ايضا ذلك الظهور لان ظهور الظهور من حيث الظهور ظهور وهو معنى قوله عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا على اعلى المعاني وقولهم عليهم السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله فيوم الحشر الى الله في الظاهر والباطن والحقيقي والمجازي تنحصر فيه النجاة في حب عليّ امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) واولاده الطيبين الطاهرين المعصومين والصديقة الطاهرة صلى الله عليها مع السيد الاكبر صلى الله عليه وآله وسلم على ما شرحت وفصلت ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال عليه الصلوة والسلام وروحي له الفداء : فَأَنَا الآمل والمأمول أَنَا الواقف على الطتنجين أَنَا الناظر في المغربين والمشرقين
اعلم ان الرياسة الكبرى ( العظمى خ ) والسلطنة العظمى ( الكبرى خ ) تقتضي ان يعطي كل ذي حق حقه من الامدادات الوجودية من الذاتية والوصفية على اختلاف مقاماتها وان لا يهمل شيء الا وقد اعطي ما تسد به فاقته وتكون ذلك مستمرا له الى الابد والاشياء لها مقامان مقام وحدة ومقام كثرة وفي المقام الثاني لها مقامان مقام كثرة ذاتية ومقام كثرة عرضية فالاول من الاول مقام فقرهم وحاجتهم الى الحق سبحانه الفياض على الاطلاق فهم في هذا المقام كرة واحدة مستديرة تدور لا على محور بل على القطب بدوا وعودا وقابلا ومقبولا والثاني من الاول مقام ابتلاء بعضهم ببعض والتفاتهم الى جهاتهم واحوالهم قال عز وجل ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين والاول من الثاني هو مقام الموجودات ورتبتهم في الطول ليكون الآخر تابعا واثرا ومعلولا للاول والاول متبوعا ومؤثرا وعلة من حيث الحكاية للآخر والكل يرجع الى الله واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما يعملون ومعنى ذاتية الكثرة الذاتية فيهم هو ان لا تجمعهم حقيقة واحدة وليس بينهم حد مشترك ابدا فكل واحد غير الآخر وان بلغوا ما بلغوا وان صعد السافل الى ما لا نهاية له ونزل العالي الى ما لا نهاية ( له خ ) والثاني من الثاني هو مقام الموجودات ورتبتهم في العرض ليكون كل واحد منهم تجمعهم حقيقة واحدة ولا تكون بينهم تابعية ولا متبوعية ولا اثرية ولا مؤثرية ويتيسر لكل الوصول الى مقام الآخر والكثرة العرضية هي اختلاف قابلياتهم في انحاء القبول واختلاف ميولاتهم وطلباتهم للفيض الواحد الغير المتكثر الغير المختلف وعمدة الاختلاف انما حصلت في القوس الصعودي بعد نزولهم وصيرورة الانوار والاسرار كلها بالقوة فمنهم من وصل الى المقام الاقصى الذي اتى منه ومنهم من بقي الى الاسفل الادنى ومنهم من ادبر موليا ولم يقبل ابدا ومنهم من قرب الى الوصول ومنعه عن الوصول بعض الفضول ومنهم من استولت عليه الامراض فقعدت به عن المسير ومنهم من سافر ولم يأخذ زاد التوكل وراحلة الاستغناء فخلص زاده وتلفت راحلته وبقي متحيرا ومنهم من اخذ الزاد والراحلة بقدر ما يكفي لكنه قطعه قاطع الطريق واخذ ما كان معه فبقي واقفا تعبانا ومنهم من توقف ولم يسافر لشدة الكسالة وهكذا امثاله من القواطع والموانع وهذا في كل شيء مما شملته دائرة الكون والوجود في كل مرتبة من المراتب وظهر في كل مقام لاهله ففي الرتبة الانسانية ظهر للانسان وما للانسان خفي على البهائم وما لهم من الاحوال والاختلاف حسب صعودهم الى مبدأهم خفي على النباتات وهكذا حالها بالنسبة الى الجمادات ولا يعرف هذه الاختلافات في كل مرتبة من اهلها الا الذي صعد الى الاعلى ودخل المسجد الاقصى عودا كما دخله بدوا فهنالك هو في اعلى مقام ينظر الى احوال السافلين بعين اليقين لا على جهة الظن والتخمين الا ترى الانسان فمنهم من هو واقف في مقام الجماد آخر مراتب النزول مظهر اسم الله المميت وماتوقف ( ماتوفق خ ) للصعود ابدا بالتشريع وان صعد في ظاهر التكوين الصوري واما باطنه بعد في مقام النزول ولقد اخبر الله سبحانه عنهم بقوله الحق ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة والتشبيه ينبئ عما ذكرنا على انا نقول ان المشبه عين المشبه به في القرآن والاخبار ومنهم من هو واقف في مقام النبات لا هم له الا جذب الغذاء اليه ودفعه عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان همته ( همه خ ) ما يدخل في بطنه كان قدره ما يخرج عن بطنه ولقد اخبر الله سبحانه عنهم بقوله الحق كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون قال احدهم عليهم السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء ومنهم من هو واقف في مقام البهائم منكس رأسه لا يلتفت الى المبدأ الحق سبحانه وتعالى ولا هم له الا ما يؤل الى نفسه من انواع الملاذ من الظلم والغشم وحب الرياسة وامثال ذلك ولقد اخبر الله سبحانه عنهم بقوله الحق ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا اولئك هم الغافلون وقال مولينا الباقر عليه السلام الناس كلهم بهائم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل ومنهم من هو واقف في مقام الانسان هو اقصى المقام وهم الذين ظهرت فيهم الخواص الانسانية كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الناطقة القدسية ان لها خمس قوي وخاصيتان علم وحلم وفكر وذكر ونباهة والخاصيتان هما النزاهة والحكمة وهؤلاء لهم مراتب كثيرة اسفلها وادناها مقام النفس المطمئنة واوسطها مقام النفس الراضية والمرضية واعلاها وافضلها مقام النفس الكاملة وهي التي تشابه اوائل جواهر العلل وتشارك السبع الشداد وسر هذه الاختلافات والوقوفات هو ما ذكرنا لك من الموانع المتقدمة ولما كان اهل كل مرتبة فقراء لائذين بباب الله سبحانه الذي هو فناء الولاية يحتاجون الى الغذاء المقوي والغذاء قسمان روحاني وجسداني يفاض عليهم الامران من فوارة النور والقدر بامر مستقر فسالت اودية بقدرها فيأتي لاهل كل مرتبة الغذاء المناسب له الموافق لطبيعته ليعلم كل اناس مشربهم الا ترى زرع الحنطة والشعير فان لبها لبني آدم وقشرها وتبنها وما يجمع منهما للبهائم والتي لا تجمع منهما من الصغار المطروحة على الارض للطيور والتي لا تقدر على جمعها الطيور هي حظ الارض وهكذا غيرها فهذه الاغذية بالنوع يقال انها واحدة لكنها تختلف هذا الاختلاف الشديد ولما كان الغذاء الروحاني هو العلم وهو الزرع الذي اشار اليه الحق سبحانه في كلامه الحميد المجيد فلينظر الانسان الى طعامه اي الى علمه على ما فسره مولينا الصادق (ع) انا صببنا الماء صبا وهو العلم اللدني والمعارف الكشفية الالهية التي لا كيف لها ولا وضع ولا اضافة ولا حدود ولا صورة ثم شققنا الارض شقا وهو ( هي خ ) قلب الامام عليه السلام وصدره وخياله عليه السلام فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وابا متاعا لكم ولانعامكم وهي انحاء العلوم والمقامات والدرجات واظن اني قد ذكرتها سابقا وهذه العلوم تنقسم الى هذه الاقسام التي كانت تنقسم الحنطة والشعير اليها باعتبار فتحقق اولوا الالباب واولوا الاوبار واولوا الاصواف واولوا الاشعار ولكل منهم حظ في معرفة العلوم الناشئة عن آل الرسول صلى الله عليه وعليهم وقد قالوا عليهم السلام انا لانخاطب الناس الا بما يعقلون وهذه كلمة جامعة ثم ابانوا عليهم السلام اقسام المخاطبين وقالوا ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد قيل فمن يحتمله قالوا عليهم السلام في رواية نحن وفي الاخرى من شئنا فعلمنا ان هنا علوما لا يخاطب بها ولا يكلف بها غيرهم سلام الله عليهم يخاطبون بها بعضهم بعضا ليس لاحد فيها نصيب سواهم صلى الله عليهم وعلوما اخر يخصون بها من شاؤا وارادوا بمشية خاصة بخطاب خاص وليست كل ما طلبت وجدت وان بلغوا في العلم ما بلغوا في المقامات الباطنية او الظاهرية والظاهر في رواية اخرى قالوا عليهم السلام او مدينة حصينة وسئل عنها قال عليه السلام هي القلب المجتمع ه فيكون ذلك نوعا آخر من العلم يدرك بصفاء القلب وسكون الباطن وطمأنينة النفس وعدم تطرق ابليس وجنوده لادخال الشكوك والشبهات فيها وقد قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ه وهذه ( العلوم خ ) علوم واسرار كينونية تخص بهذه الفرقة الثلاثة ولها فيها مادة اجتماع ومادة افتراق فيفترق النبي المرسل بما لا يحتمله المؤمن الممتحن والمؤمن الممتحن بما لا يحتمله الملك المقرب ففي محل الاجتماع يخاطب بها الفرقة الثلثة خاصة دون غيرهم فليس احد يراد لفهمها سواهم فلا يطمع لذلك وعلامة ذلك ان ذلك حديث موجود في كتب الامامية او غيرها وما انعقد اجماع الفرقة المحقة على نفي ذلك عنهم عليهم السلام وان كان بظاهره ينافي المذهب او ينافي العقل حسب ما يفهمون فان العلم لا يخص الا بهم عليهم السلام ويريدون احد سبعين وجها من كلماتهم كما قالوا عليهم السلام اني اتكلم بكلمة واريد بها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج ولذا اجاب عليه السلام ذلك الرجل حيث قال ان الناس ينقلون عنكم امورا لا يقبله العقل قال عليه السلام يقولون انا نقول الليل نهار والنهار ليل قال لا يقولون ذلك قال عليه السلام وان قالوا ذلك لا تكذبوهم فانكم تكذبوني فاذا كان الامر بهذه المثابة فلا يجوز طرح شيء مما ينسب اليهم صلى الله عليهم الا ما قام الاجماع بوضع ذلك الحديث كما قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله نحن معاشر الانبياء لانورث وامثال ذلك واما ما لا يكون كذلك فلا يجوز طرحه نعم ان الذي لم يعرف ليس مخاطبا به ولا مرادا منه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها واداها كما سمع فرب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه فاذا لم يخاطب به فليس مكلفا بمضمونه فيذره في سنبله لان الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وامر مشكل يرد علمه الى الله والى رسوله والى اهل بيته صلى الله عليه وعليهم لان لهم عليهم السلام في كل خلف عدولا ينفون عن دينهم تحريف الغالين وانتحال المنتحلين فلو كان كل خبر وحديث يرد منهم عليهم السلام فيعرفه كل احد اين اذا صعوبة حديثهم حتى يختص به من هو مضاهي للانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والمؤمن الممتحن هو الذي يصدق قوله فعله فيتجافى عن دار الغرور وينيب الى دار الخلود ويستعد للموت قبل نزوله فاذا وجدت هذه الصفات الثلثة في نفسك فاعلم انك المؤمن الممتحن الذي يتحمل اسرار اهل البيت عليهم السلام والمدعون لها كثير لكن لها علامة وهي ان يحصل العلم من غير تعلم فينفتح قلبه فيشاهد الغيب وينشرح صدره فيتحمل ( فيحتمل خ ) البلاء قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب فينشرح فيتحمل ( فيحتمل خ ) البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه فهذا هو المؤمن الممتحن وله علامة اخرى ان لا يجد تعارضا في الاخبار وفي كلمات الائمة الاطهار صلى الله عليهم مع اختلافاتها وان لا يحتاج لتصحيح الاخبار وتهذيبها الى تصحيح الرواة والرجال فان ذلك لمن لم يشاهد المطلوب وهو بخلاف سبيل المؤمن الممتحن لانه عرف الحقيقة الثابتة التي مع كل حق والنور الذي مع كل صواب وله علامة اخرى وهي اعلاها ان يستند في كل اقواله الى اربعة متطابقة لا يختلف بعضها مع بعض الكتاب والسنة والوجدان اما الفؤاد لدليل الحكمة او العقل لدليل الموعظة الحسنة او النفس والعلم لدليل المجادلة بالتي هي احسن وآية الآفاق والانفس فان لم يكن جامعا للمجموع في مجموع المسائل فليس من المؤمن الممتحن الذي يضاهي النبي المرسل والملك المقرب وله علامة اخرى وهي ان لا يحصل علمه من الاقوال وافواه الرجال الا الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ولا يأتي بكلام الغير لتتميم كلام الله ( كلامه الا خ ) تأييدا لرضاء الخصم به او ابطالا لحججه فاذا سألته عن شيء يجيب عنه مؤسسا لا ناقلا وله علامات اخر يطول الكلام بذكرها واعظم العلامات هو ما ذكره الامام عليه السلام في هذه الخطبة الشريفة لان هذه الخطبة من الاحاديث الصعبة المستصعبة التي لا يتحملها الا المؤمن الممتحن ولا يخاطب بها غيرهم ولا حظ لاهل البحث والجدل فيها ولذا ( لذلك خ ) خصص عليه السلام شيعته بالخطاب فان هذا الخطاب يقبح ان يقع على غيرهم ولما كان منتحل التشيع كثيرا وليس كلهم مستأهلين لهذا الخطاب جعل لهم عليه السلام اولا طريقة لتمكين قابلياتهم ليستأهلوا للخطاب ويقرعوا ذلك الباب وتلك الطريقة هي التزام بيعته عليه السلام وهو الذي قال مولينا الصادق عليه السلام في تفسير الله ان الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا ثم شرح هذا الالزام والملازمة للبيعة بالمواظبة على الدين بحسن اليقين وعدم متابعة الشيطان والتوجه الى الله سبحانه على الصدق واليقين والتمسك بحبل الله المتين ومتابعة الوصي الامين ومحبته التي بها تفتح ابواب المعارف والحقائق والاشارات الغيبية كما قالوا عليهم السلام ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسألة الا وقد نفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة وقال امير المؤمنين عليه السلام المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون منهجهم يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون الحديث فاذا بلغ الشيعة الى هذا المقام في العمل فتنفتح ( تنفتح خ ) عليه ابواب الاسرار الالهية المخزونة في الخزينة العلوية فلما ابان عن مقدمات الاستيهال كشف الغطاء عن وجه الاجمال فقال عليه السلام انا الآمل والمأمول هذا اول مقام الاسرار واول مقام ظهور الانوار واول مقامات معرفتهم بالنورانية واول مظهر من المظاهر الربانية لكنه اعلم اولا ان جميع ما يذكر في هذه الخطبة الشريفة من جميع ما ينسب الى نفسه الشريفة فكل الائمة سلام الله عليهم مشتركون فيه لانفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون فلا تتوهم انها مخصوصة نعم لهم مقامات اختصاص نشير اليها في مواضعها
اما بيان هذه الفقرة بالاجمال فاعلم ان اول مبادي الكون واول جواهر العلل هي النقطة البسيطة امر الله الواحد الذي به قوام الاشياء كما قال عز وجل وما امرنا الا واحدة ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وانما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهذه النقطة لما خفيت عن نفسها وانقطعت عن غير باريها فظهرت بظهور الحي القيوم الواحد الاحد القائم على كل نفس بما كسبت فحكت ذلك المثال وظهرت كعموم قدرة الله عز وجل متشأنة بكل الشؤنات وحاملة لكل الظهورات فتنزلت في مقامات الادبار وصعدت درجات الاقبال فاظهرت تلك الشؤن والاطوار فكانت كل الكثرات والاضافات متقومة ومتحصلة بتلك النقطة الالهية قيام تحقق وعضد وركن كقوام الاعداد بالواحد وقوام الحروف بالالف اللينية وقوام الكلمة بالنفَس فمبدأ الوجود كله واحد والموجودات الكثيرة كلها اطوار ذلك الواحد واكواره وادواره واوطاره وقوامها وحياتها وتقومها وتحققها وفعلها وتأثيرها كلها بذلك المبدأ الواحد الذي هو حامل الفيض وباب الوجود ووجه الله المعبود كالقلب للشخص الانساني فان آلات البدن واحوالها وافعالها وحركاتها وسكناتها وتأثيراتها وتأثراتها وانفعالاتها وقابلياتها وكلما لها ومنها واليها وعنها وفيها وبها وغيرها كلها متقومة بالقلب اي حامل الحرارة الغريزية وتلك الحرارة متقومة بما لها واليها وعنها وبها بالروح الحيوانية الحساسة وتلك الروح متقومة بالروح الانسانية والروح الانسانية متقومة بالعقل والعقل متقوم بذلك الامر الواحد الذي منه كل شيء حي وهو الماء الذي به كل شيء حي فكل حركات الشخص وآثاره من ذاته وصفاته كلها منتسبة اليه فالصفات والآثار كلها لا تتوجه في جهات استمدادها في مقامات قابلياتها الا الى ذلك الامر فهو المأمول لكل ما تحته فكل ما تحته لا يأملون شيئا سواه لان كل آمال الشيء ترجع الى مناسبات تقوي ذاته او تلايمه وكل المناسبات كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت مجتمعة في ذلك الامر وتلك المناسبات انما صارت مما يؤمل لظهور ذلك الامر فيه فليس مأمول في الواقع للشيء الا ما به يتقوم وجوده وحقيقته لان مرجع المناسبات كلها اليه ولا يكون ذلك الا قطب دائرة وجوده وينبوع خيره ونوره وباب استفاضته من المبدأ فاليه تنتهي الآمال واليه ترجع الاحوال وعنده تنقطع الاقوال فهو مأمول كل امل من ظهوراته وشؤناته وجهاته واضافاته لان الانسان مثلا الاصل فيه القلب وجميع احوال البدن كلها تنتهي اليه فلا تشذ عنه شيء والا لانعدم لان مبدأ وجوده عنده بل ليس البدن الا تطورات القلب وظهوراته وهو سار مع كل البدن لا يفقده شيء من البدن في حال من احواله فجميع طلباته وآماله وسؤالاته كلها ترجع الى القلب هذا اذا كان المأمول هو جهات المناسبات من الاحوال المتمايزة وجهات الامدادات والافاضات او غيرها من الحالات واما اذا كان المأمول هو الذي ضجت اليه الاصوات بصنوف اللغات بارئ المسموكات وداحي المدحوات فكذلك ايضا لان الحق سبحانه انما ظهر للخلق بالخلق فتجلى لكل شيء بكل شيء فلا يصل احد الى رتبة حقيقة ذاته تعالى وتقدس بل يتوجهون اليه سبحانه بما ( اظهر خ ) لهم فيهم من امثاله وآياته وذلك الظهور انما ظهر في تلك النقطة التي هي وجه المبدأ لهم بهم فكان المأمول هو تلك النقطة من غير اشارة فالمأمول الواقع عليه الامل هو تلك النقطة والمقصود منه هو الحق القديم تعالى شأنه وتبارك فصح ان ذلك الوجه او تلك النقطة او ذلك الامر هو المأمول حقيقة لكل ما تحته من الشؤن والاطوار فاذا كان ما تحته شؤناته واحواله وجهاته واضافاته فلا شيئية لها الا بذلك الامر بل كل مرتبة من مراتب الشيء ليست الا ذلك الامر من حيث حدوده بذلك الحد الخاص كالالف في الحروف فانها ليست الا الالف لكن لما ظهرت الالف في كل مرتبة بحد خاص بها سميت باسمها لان الاحكام تدور مدار الصور فقيل باء تاء ثاء جيم وهكذا وكالخشبة فان الصنم والسرير والباب والصندوق ليست شيئا سوى الخشبة والصور المميزة والحدود المشخصة لا قوام لها الا بها فلا يستند الى هذه الامور فعل الا واصله ومبدأه هي ( من خ ) الخشبة ويلزم ذلك المحدود مقتضاه ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا فظهر لك ان قوام اركان البدن والقوي والمشاعر كلها بذلك الامر الواحد الساري في الكل وتلك المشاعر والقوي حدود معينة لاذوات فعالة وانما يقدرون الفعل فالقدرة ( في القدرة خ ) والقوة والحيوة لذلك الامر وانما التقدير والتكييف والضعف والقوة بتلك الحدود فيكون الآمل في الحقيقة هو ذلك الامر وان ظهر في المظاهر والمرايا فذلك الامر الالهي الوحداني الساري في كل مراتب الشخص هو الآمل حقيقة وهو المأمول حقيقة لان كل ما سواه ميت لا حيوة له ولا حراك فهو روح وكل المراتب اجساد لا قوام للجسد الا بالروح ولا ظهور للروح الا بالجسد فكل الاحوال الظاهرة في الجسد كائنة ما كانت انما هي للروح لا للجسد الا ان للروح حكم التدبير وللجسد حكم التقدير فافهم هذا البيان المكرر بالفهم المسدد فاذا فهمت هذا فاعلم انه قد دل العقل والنقل ان اول الموجودات واشرفها هو محمد واهل بيته الطيبون الطاهرون وان كل ما سواهم صلى الله عليهم من فاضل نورهم وزائد ظهورهم على تفاوت مراتبهم ومقاماتهم ودرجاتهم ولا شك ولا ريب ان النور لا تقوم له الا بالمنير ( فلا تأثير له ولا حكم عليه الا بالمنير خ ) فنور المنير عضد وركن لكل الانوار المختلفة فلا مأمول للنور الا المنير ولا مطلوب للاشعة الا الشمس وهو قول عليّ بن الحسين عليه السلام الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك والامل الذي هو الميل الى المأمول المطلوب لا يكون الا وجه المأمول وظهوره له به فالمأمول مأمول بالامل الذي جعله من ظهوره في الآمل وذلك الظهور وهو الذي قد تعلق به الامل والآمل هو الظاهر بالامل فيكون ذلك هو عين المأمول على ما قلنا سابقا في المحبة بانها عين المحب والمحبوب لان الآمل الذي هو الظاهر بالامل لو كان فيه جهة غير جهة المأمول لم يكن آملا والمأمول لو كان خارجا عن حقيقة الآمل لم يقع عليه الامل فاذا لم يقع عليه الامل لم يكن مأمولا فثبت ان المأمول ليس الا ما ظهر للآمل عند الامل لا عند الخارج وذلك الظهور ليس الا نفس الامل فيكون الامل هو نفس المأمول وذلك كالصورة في المرآة فان ظهور المقابل للصورة بنفس الصورة وتوجه الصورة الى المقابل بنفس ما جعل المقابل في الصورة من ظهوره الذي هو عين الصورة فالمقابل من حيث هو مقابل هو المتوجه اليه به فالصورة وعاء وحاملة لذلك الظهور والتوجه فان الصورة من حيث ( هي خ ) صورة حدود خارجة مبائنة دائرة على خلاف التوالي فالتوجه الى المقابل لا يكون الا من حيث هو مظهر والمظهر لا يكون الا اذا تمحض في الظهور والظاهر ليس الا ما ظهر بالظهور فاتحدت المراتب كلها ولما كان عليّ امير المؤمنين عليه السلام هو السراج الوهاج الذي استضاء منه كل شيء فيكون نوره صلوات الله عليه وآله مادة لكل الذرات الوجودية فتكون الاشياء كلها اشباح ومثل تحكي ظهوره الاقدس المقدس عليه السلام والحدود شؤن وحدود لذلك الظهور الواحد المكرم فلا قوام لها الا بذلك الظهور في كل احوالها وهو سر قوله عز وجل وما تشاؤن الا ان يشاء الله فرجوع الاشياء كلها الى ظهوره عليه السلام وظهوره ليس الا حكاية عنه والموجودات كائنة ما كانت ليست الا حكاية ومرايا ذلك الظهور فكل كمالاتها تنتهي اليه عليه السلام وكل نقائص احوالها متقومة به عليه السلام كتقوم الظل بالشمس فلا متكلم سواه ولا يسمع صوت الا صوته ولا يرى نور الا نوره فكلهم سكوت غيره اذ اموات واعدام بدونه فاذا تكلم عليه السلام باي نحو من انحاء الكلام يقدر ذلك الكلام على حسب السائلين السامعين الذين ليسوا شيئا الا ذلك الكلام الواقع في ذلك الحد فتختلف الاصوات واللغات والحروف والكلمات وليس عنده عليه السلام الا كلام واحد وهو الذي القى على الخلق في البدو ( وخ ) يحاسبهم بذلك الخطاب والكلام الواحد في العود وهو قول لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّ امير المؤمنين ولي الله والائمة من ولده اولياؤ الله وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق من عند الله وكل شيء لا شيئية له الا بهذا القول والجواب الحاصل من هذا القول في كل حد فتختلف الاقوال والافعال والذوات والصفات وهو قول مولينا الصادق عليه السلام نحن السائلون ونحن المجيبون على المعنى العام الكلي فهو صلوات الله عليه هو الآمل والامل الحقيقي هو الذي عنده عليه السلام بسر احببت ان اعرف ولما كان كل الاشياء ظهورات شؤناته فيحكي تلك الاملية فسري ذلك الامل والميل في كل اقطار الوجود وذرات الشهود بل ليست الموجودات الا ذلك الامل بكل معانيه في كل مقاماته والآمل هو الظاهر بالامل فهو صلوات الله عليه الآمل وهو المأمول فان كل مأمول انما هو ظهوره بنسبة ذلك المقام وقد شرح هذه الدقيقة الشريفة بقوله روحي فداه انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات فقوله عليه السلام انا على حد ما قال الله عز وجل خطابا لموسى اني انا الله لا اله الا انا وكان ذلك ظهور من ظهورات ظهوره عز وجل الظاهر لموسى بموسي وكذلك قوله عليه السلام انا ويريد به الظاهر بالكلام وذلك الظاهر هو صفته عليه السلام لا ذاته وذلك الظاهر هو ظهوره عليه السلام فظهوره ذات الذوات وهو العلة المادية للذوات كلها وهو قولهم عليهم السلام انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا ومدخول من فيما يتعلق بالصنع والايجاد لا يكون الا مادة كما تقول صنعت الخاتم من الفضة وذلك النور هو مرادنا بالظهور فاذا كان نورهم عليهم السلام هو المادة فالصورة لا تكون الا عرضا للمادة غير متقومة الا بها فتكون الصور كلها اعراضا للمواد والمواد التي هي النور اعراضا قائمة بالمنير قيام صدور فالمنير هو الذات القائمة به كل الاعراض فاذا كان عليّ امير المؤمنين واولاده الطيبون صلى الله عليهم هم المنير فيكون الخلق بذواتهم وحقائقهم اعراضا لهم قائمة بهم قيام صدور وبنورهم قيام تحقق وقال الشاعر :
يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
وقال ابن ابي الحديد :
صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر
يجل عن الاعراض والكيف والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر
ولا ريب ان الاعراض لا قوام ولا حركة لها الا بمعروضاتها والصفات لا وجود لها الا بموصوفاتها فالاصل المقوم في الكل هو الجوهر الموصوف فهو عليه السلام الآمل والمأمول وهو السائل والمجيب ولانتعدي عما قالوا عليهم السلام لئلا تسارع العقول الى انكاره فاذا انكروا ما ذكرنا وسطرنا فقد انكروا قول الامام عليه السلام وقول الله عز وجل ايضا حيث يقول وما تشاؤن الا ان يشاء الله ولما اجرى الامام عليه السلام الكلام في التوحيد والنبوة على الترتيب التكويني على وجه الاجمال اجرى الكلام في الولاية ايضا على ذلك المنوال الا انه شرح الحال على جهة التفصيل كما هو مقتضى الولاية فشرع عليه السلام في بيان مفتتح الكون ومعنى ظهوره به ومنه وعنه لان الله عز وجل بهم فتح وبهم ختم ويختم قال عليه السلام في الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم ومفتتح الكون على قسمين ظهور الهي وظهور خلقي والظهور الالهي على قسمين ظهور بالتوحيد وظهور بالاسماء والصفات والظهوران قسمان ظهور ينفي التقابل والتضاد في كل الاصقاع وعلى جهة الاطلاق وقولي ينفي تعبير والا فالنفي فرع الاثبات وظهور ينفي المقابل والاضداد بذكرهما والعبارة الاخرى هي ان تقول ظهور لا ذكر للضد معه وظهور للضد فيه ذكر ولذا اشتهر عندهم انما تعرف الاشياء باضدادها وقال مولينا الرضا عليه السلام بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف ان لا جوهر له وبمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له فالظهور الاول هو جامع الاضداد ورافعها بخلاف الظهور الثاني فاشار عليه السلام بقوله الشريف انا الآمل والمأمول الى القسم الاول من قسمي القسم الاول اي رفع مقام التضاد والى قوله عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقوله عليه السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عرف ( ما عبد خ ) الله وبيانه بالاشارة والاجمال باللسان الظاهري ان اول ما خلق الله سبحانه المشية وهي اول الظهور الالهي ولما كان الظهور يحكي مثال الظاهر وآيته فلا يكون لها اول ولاحق ( لا آخر خ ) ولا قبل ولا بعد ولا جهة ولا كيف ولا ضد ولا ند لان هذه الاوصاف وامثالها صفة الحق الظاهر للخلق بالخلق فلو لم يكن انموذج لهذه الصفات عند الواصف لما امكنه الوصف الا من غير شعور وروية ولكان التكليف بالمعرفة اذن تكليفا بما لا يطاق مع ان ظهور الحق جل شأنه لو كان على خلاف صفته لم يكن ظهورا له بل كان عكسا ومخالفا له مع ان الاولية والآخرية مخلوقتان بالمشية فالمشية قد سبقت الاولية والآخرية والا لما يعقل خلقهما بها وبالجملة فكل الصفات المتقابلة هنا منتفية مجتمعة فلما تحققت المشية اي الاختراع الاول حصلت لها جهتان جهة الى مبدئه وجهة الى نفسه فوضع لها لفظ مركب من حرفين وهو كن فالكاف للجهة العليا والنون للجهة السفلى والمشية كلها عليا لانها من الوجود الراجح وهي القدرة الا ان الجهة العليا منها تحكي التوحيد الصرف الذي لا ذكر لشيء من الاشياء وذرة من الذرات وان عظمت وجلت فيها وهو الفناء المحض والشهود الصرف والتجلي الذاتي بالعنوان الوصفي وهذا هو المنقطع الوجداني ومنقطع الاشارات وذات ساذج واللاتعين وعين الكافور والكنز المخفي وشمس الازل وهو مقام التوحيد الحقيقي الذي لا مقام فوقه ولا منزل دونه وقد تكرر الكلام عن هذا المقام الا ان الواصلين والمشاهدين قليلون والجهة السفلى هي عموم قدرة الله الظاهرة لخلقه بخلقه وهي مقام الواحدية التي فيها ذكر لكل شيء وضده فلا يوجد شيء ولا يتخيل ولا يتصور ( ولا يتعقل خ ) ولا يشاهد شيء الا وهو مذكور في تلك الجهة فتناسب تلك الجهة كلما برز ويبرز في الكون وما لا يبرز ويبرز ويعدم وهكذا الى ما لا نهاية له في كل الاكوار والادوار والاوطار والاطوار وغيرها من المقامات ولا يعاند شيئا اصلا فيحكي الكل في كل احواله مثالها سبحان من هو قدرته واسعة وفيضه عميم وملكه قديم فالمشية في ذاتها لا تناسب شيئا من الاشياء وفي ظهورها تناسب كل شيء فارتفعت فيها الاضداد واجتمعت فالجهة العليا تحكيها الكاف والجهة السفلى تحكيها النون ولما كانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله هي اول ظهور المشية فقد ظهرت بكلها فيها كما قال عز وجل في الحديث القدسي المشهور ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ه وهو النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته فلما ظهرت المشية بكلها اي بالجهتين في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله حكت الحقيقة المقدسة المباركة كل تلك الاحوال فجمعت فيها الاضداد في مقام ظهوراتها وارتفعت في ذاتها فصار حكم المشية حكم الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وآلها في كلما لها واليها وعنها وبها في حكاية التوحيد والقيومية على الاشياء كلها فتوجهت الجهات المتقابلة والحدود المتضادة كلها الى تلك الحقيقة المقدسة بالاضافة الى اماكن الحدود ورتبها ومقاماتها ثم تشعشعت منها الانوار وظهرت عنها الآثار فوقع كل نور بحسب مقام قابليته من حدوده واوضاعه فافيض عليه من فوارة القدر التي تفور عن تلك الحقيقة المقدسة المباركة على حسبه فقام معلنا للثناء على الله جل وعلا على ما ظهر له من الوصف الالهي الظاهر في تلك الحقيقة الظاهر في ذلك الشيء ولما كان الشيء في مداركه ومشاعره لا تتعدى رتبة ذاته ولا تتجاوز عن حقيقته التي هي وجه مبدئه بالضرورة اذ لا وجود له كونا قبله والامكان عدم ووجود ذكرى صلوحي وهو في الازل ممتنع فليس له الا مراتب وجوده ولما كانت المراتب السافلة الزائدة عن حقيقة الذات مشوبة بلطخ الانية والماهية فلا يتوجه بها الى المبدأ الحق جل وعلا فينحصر توجهه بذاته المجردة عن السبحات النفسية والانية وتلك الذات المجردة في الانسان هو نور النور للحقيقة المحمدية فيتوجه في توحيده الى الله بظهور تلك الحقيقة وذلك الظهور رسمي فذلك هو الموحد لان الانية مشركة والتوحيد منحصر في سلبها فاذا ارتفعت وانعدمت لم يبق الا صرف الظهور فهو الموحد المتوجه الى الله الاحد الظاهر له في ذلك الظهور وليس الا في ذلك الظهور وليس ذلك الظهور الا حقيقة نور النور ورشح الرشح فافهم هذا الرمز المنمنم فكان معرفة تلك الحقيقة بذلك النور الظاهر فيه هو عين معرفة الله وذلك النور لا شيئية له الا بالمنير ففعله هو فعل المنير وهو الحاكي عنه فيكون المنير هو الآمل والمأمول وهذا لا يستقيم الا في مقام الوحدة القيومية فرجوع التوحيدات لكل احد وكل شيء الى محمد وعليّ والطيبين من اولاده عليهم السلام وهو معنى قوله عليه السلام فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وقوله عليه السلام بنا عرف الله وقوله عليه السلام والسلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات فكشف عليه السلام بذلك عن حقيقة توحيد كل المخلوقين وحقيقة توحيدهم اما توحيد المخلوقين فليس الا ظهورهم ووصفهم العنواني لهم فهو الآمل والمأمول في كل ذرات الوجود واما توحيدهم عليهم السلام فظاهر فان مقام التوحيد ليس كمقام الكثرة والحقيقة الواحدة الظاهرة بالشؤن المتكثرة في مقام التوحيد والوحدة لا تبقى الا شيء واحد فيصح ان يقول عليه السلام حينئذ انا الآمل والمأمول ثم انه عليه السلام كشف عن كيفية المعرفة وبيان قوله اعرفوا الله بالله بقوله انا الآمل والمأمول لان الادوات انما تحد انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فمعرفة الله سبحانه لا تكون الا بوجه من الله ومعرفة العبد لا تتعلق الا بالوجه ولم تتعلق بالذات البحت تعالى شأنها فتوجه نحو المأمول بوجهه وذلك الوجه هو الآمل فامل الآمل لمأموله انما كان بمأموله وذلك المأمول وجه الآمل الى المأمول ووجه المأمول اليه فافهم هذه العبارات المكررة المرددة للتفهيم وذلك الميل والامل والمأمول كل ذلك ظهور مولينا عليّ عليه السلام ونوره وانما لم تخصص ( لم يخصص خ ) الكلام في التوحيد لئلا تزل الاقدام وليكون علما ( عاما خ ) لجميع التوجهات وبابا واسعا لمعرفة كل ابواب المشتقات ليعرفوا بذلك ان المفعول ليس مقدما على الفعل بل مؤخر وان الخطاب هو المخاطب وظهور الذات بالخطاب وبالجملة هذا حكم جار في كل الموجودات مما صح فيه الاقتران والارتباط الغير الذاتيين ( الذاتيتين خ ) كالصفات الافعالية على الوجه العام وانما خصص الآمل والمأمول دون غيرهما اذ ما سويهما كائنا ما كان داخل في شمولهما واحاطتهما اذ كل شيء بالامل والميل ونسب الى نفسه الشريفة لبيان واليه يرجع الامر كله وما تشاؤن الا ان يشاء الله ولبيان ( اظهار خ ) مظهر الالوهية الحاوية لكل ذرات الكائنات المنفي ( المنتفي خ ) عندها الاضداد والجامعة للانداد والاضداد في رتبة مقامهما فلا شيء الا وهو مضمحل تحت حيطة الالوهية ولا شيء الا وله وجه اليها ولها وجه فيه وذلك الوجه هو محل الارتباط ومقام الاتصال وباب الانفصال وقد قال الله عز وجل وان الله هو العلي الكبير اعلم ان الله اذا حذفت منه الالف يبقى لله ما في السموات والارض فيفيد التمليك والاختصاص واذا حذفت منه اللام الاولى يبقى له ما في السموات والارض فيفيد التمليك بسلب الاسم الكلي واذا حذفت منه اللام الثانية تبقى الهاء المتحصلة من الكاف المتحصلة من البسملة كما قال عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص كما تقدمت الاشارة اليها والهاء اذا اشبعت يتولد منه الواو فينتج هو واذا نزلت هو الى مقام الاسماء في الرتبة الثانية يستنطق منها عليّ ولما كانت الاسماء اللفظية طبق الاسماء المعنوية لانها دوال وعلامات للاسماء المعنوية وقد قالوا عليهم السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي زيارة مولينا امير المؤمنين عليه السلام التي زار بها عليّ بن الحسين عليهما السلام السلام على اسم الله الرضي ونور وجهه المضيء وفي الزيارة التي زار بها الصادق (ع) السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء وصراطه العلي ورحمة الله وبركاته كان الاسم العلي الباطني الحقيقي في مراتب بساطته واجماله وعدم تنزله الى مقام التعلقات والروابط والجهات والاضافات كان هو الاسم هو في قل هو الله احد كما قال عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم فهو في قل هو الله احد اسم من اسمائه عز وجل وهو اعظم الاسماء وليس اسما للذات ولا اشارة اليها لانها تعالت عن المنال وعزت وهذا الاسم قد جمع الاضداد ورفع الانداد كما قال عز وجل هو الاول والآخر والظاهر والباطن ولما كان عليّ عليه السلام هو حامل هذا الاسم على المعنى الذي قد تكرر بيان المراد عنه ( منه خ ) في هذا الشرح كان هو عليه السلام في ذلك المقام فوق مقام التضاد فلا يتصور الضد اذ الاثر لو كان ضدا لمؤثره لم يكن عنه وفرض ذلك مستحيل فاذا كان هو صلى الله عليه وآله واسطة في ايجاد كل الذرات ارتفعت عنه جهة الضدية لان ضد الشيء يمتنع ان يكون واسطة بينه وبين الآخر اي العلة فافهم وهذا المقام هو اعلى مقاماته عليه السلام اذ في هذا المقام ظهر فيه عليه السلام سر اسم الله القيوم وقد ظهر فيه سر اسم الله الحي لما استجاب الله دعاءه عليه السلام وارتمس في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية كما قال عليه السلام رب ادخلني في لجة بحر احديتك وطمطام يم وحدانيتك فبعد هذا الانغماس المظهر لآثار الحيوة ظهرت فيه صلى الله عليه وآله آثار قيومية الحق سبحانه فكان محلا لذلك الاسم واثرا لذلك الطلسم ولولا خوفي من بعض اشباه الناس الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس لاظهرت في بيان قوله عليه السلام انا الآمل والمأمول رموزا عجيبة واسرارا غريبة ولكن يضيق صدري باظهارها ولا يضيق بكتمانها
ومستخبر عن سر ليلي اجبته بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
قوله عليه السلام : انا الواقف على الطتنجين الطتنج هو الخليج المنشعب من البحر ( والطتنجان خليجان منشعبان من البحر خ ) الواحد كما يأتي تفسيره من كلامه عليه السلام وبيان المراد بالاجمال اعلم انه عليه السلام لما اشار بالفقرة الاولى الى ظهورات اسم الله الظاهرة فيه عليه السلام بمراتبه العالية والمبادي الالهية الظاهرة المتجلية في ذلك الاسم من اسرار باطن الباطن وما فوقه من الاسرار اللاهوتية والهوية واللاهوية واحكام النهاية واللانهاية مما طوينا ذكر اكثرها وشرحنا قليلا من كثيرها اراد ان يبين عليه السلام مظاهر الرحمانية واحكام الاستواء على العرش ليكون كلامه عليه السلام شرحا مفصلا لقوله عز وجل قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى وذكر ان ليس في مقام الاسم ( اسم خ ) الله تقابل وتضاد اصلا وانما تظهر الاسماء المتقابلة كلها في اسم الرحمن والرحمانية هي الرحمة التي وسعت كل شيء وهي مقام الظهور على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه وهي بمنزلة اليد للالوهية والالوهية ذات شاملة محيط جامعة والرحمانية يدان لها يد العدل وهي الشمال ويد الفضل وهي اليمين فاثر الالوهية هو البحر الواحد المحيط بكل ما كان ويكون واثر الرحمانية العليا اي الوجه الاعلى منها اي متعلقها مقصودا لذاته اي اليمين هو الخليج العذب المنشعب من ذلك البحر وهذا البحر يسمى مزنا في قوله عز وجل افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون ويسمى صادا كما في قوله عز وجل ص والقرآن ذي الذكر الآية واوحى الله الى النبي صلى الله عليه وآله يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر ويسمى نونا كما في قوله عز وجل ن والقلم وما يسطرون ويسمى ماءا عذبا فراتا سائغا شرابه كما في قوله عز وجل وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وامثال ذلك من الاشارات والعبارات واثر الرحمانية السفلى اي يد الشمال وان كانت كلتا يديه يمين الا انها باعتبار التعلق الى ما هو المقصود ( مقصود خ ) بالعرض لاظهار آثار الغضب الذي ( التي خ ) سبقت الرحمة اياها وهو الخليج المنشعب من ظاهر مخالفة البحر الاول وهو المسمى بسجين اسفل السافلين وبحر الطمطام المعكوس والبحر الذي تحت الارضين السابعة الذي يسبح فيه الحوت بهموت والبحر المالح الاجاج الذي يقطع قلوب شاربيه ثم خلق الله سبحانه وتعالى باسم الرحمن عند استوائه على العرش من كثافة نزول ذلك الماء اي الخليج الاول ارضا طيبة صالحة خاشعة وهي البلد الطيب الذي يخرج منه نباته باذن ربه فاجرى ذلك الماء عليه فاستجن في تلك الارض فامتزج بها واخذ لطائفها بسر اشراق شمس ( اسم خ ) الله النور من الوجه القابض فتعفن بذلك الجزء الارضي اي ربع منها فاجرى الله من ذلك الماء الواقع على الارض عليها اربعة انهار وهي خلجان قد تشعبت من ذلك الخليج اي الطتنج الاول وتلك العيون والانهار هي التي اخبر الله عز وجل عنها في كتابه العزيز النهر الاول هو نهر الماء الغير الآسن الباقي على صفائه ونورانيته وظهور بساطة ذلك البحر فيه وقلة مزج التراب وقلة الحرارة نهر السكون والاطمينان وبرد اليقين وثلج الفؤاد وان كان لونه ابيض لكن لشدة مناسبته وقرب اتصاله بالبحر الصاد ليس بغليظ في البياضية بحيث يظهر مع كل ذي لون بلونه وكل ذي شكل بشكله فظاهره ظهور صرف الماء وباطنه الغالب عليه التراب ولذا كان نهر الذل والمسكنة والفقر الى بارئه والاستغناء عن كل ما سواه فشاربه يسكن في ذات الله ويصبر الاذي في جنب الله ويقبل الى طاعة الله العين الثاني والنهر الثاني من لبن لم يتغير طعمه لزيادة مزج التراب الحافظ لحرارة النار المشرقة من شمس اسم الله المستدعية لغلظة الماء بقوة الحرارة واصفرار اللون ولم يتغير طعمه بوقوع الاعراض اي المياه الفاسدة والميولات الغير المرادة والذرات الغير المناسبة بل هو باق على صفائه وطراوته نهر الشوق والمحبة وطبعه يقتضي الجريان والحركة الى الملايم الطبيعي اصفر اللون في الحقيقة لقوة الحرارة مع الرطوبة المعتدلة وابيض غليظ في غاية الغلظة في ظاهر النظر لغلبة الرطوبة والاجزاء الترابية المستدعية لبياض ظاهره مع الغلظة للحرارة المستجنة فيه وانما كان مزج التراب هنا اكثر دون النهر الاول لان الاول انما جرى في اول وقوعه على الارض واتصاله بها بخلاف الثاني فانه بعد مكث وبعد جريان الاول فاكتسبت اليبوسة اكثر من الاول فغلبت الحرارة فصار لبنا خالصا يقوي القلب والاعضاء المولدة ويولد الدم الصافي ويهيج الاعضاء والعضلات بصفائه وتصفيتها للتوليد وهذا اللبن هو الذي قال الله عز وجل وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وتلك هي البقرة الصفراء التي خلقت من زعفران الجنة جنة الخلد من جنان الصاقورة وتلك البقرة انما وجدت من تلك الارض الطيبة لقوة استعداد الارض مما اكتسبته من حرارة الشمس الاولى التي هي في الغاية من الحرارة والما وبرودة ورطوبة الماء الاول وحفظ الحرارة في الاجزاء الترابية وزيادة الاجزاء الناعمة المستأهلة المصلصلة فانعقدت واجتمعت فصارت باذن الله وامره بقرة صفراء فاجرى منها اللبن الخالص الذي لم يتغير طعمه وهذا النهر انما جرى من ميم الرحمن كما ان النهر الاول قد جرى من هاء الله في بسم الله الرحمن الرحيم والنهر الثالث نهر الخمر الذي هو لذة للشاربين من غير صداع ولا خمار ولا سكر ولا اغماء ولا اذهاب عقل وذلك لزيادة الحرارة المستجنة في الاجزاء الترابية ومالت الاجزاء الى اليبوسة وذهبت برودة السكون والانية فماعت وسالت بالرطوبة الظاهرية وبقيت على الصفاء الاصلي ولم تخالطه الاعراض الفاسدة فصارت لذة للشاربين من غير نصب ولا تعب ولا رحمة وانما كانت الاجزاء الترابية في هذا المقام اكثر لزيادة مكث الماء في التراب وشدة قابلية الارض ونعومتها وصلاحيتها للاتصال فتتصل بقدر المكث لما بينهما من المناسبة قال الله عز وجل ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وذلك الاهتزاز هو سبب الاتصال والانفعال في القلة والكثرة وانما كان مكث الماء على الارض اكثر لان هذا النهر انما جرى بعد النهرين المتقدمين فلهما الصفو وله الممزوج وهذا النهر انما جرى من ميم الرحمن من بسم الله الرحمن الرحيم والنهر الرابع فهو ( نهر خ ) العسل المصفى عن اكدار الاوساخ والاعراض كالشمع وامثال ذلك الذي هو شفاء للناس وهو نهر المحبة والوداد الغريزي الطبيعي الذاتي قد تزايدت الحرارة وكثرت بتكرر المزج والكسر والتعفين وكثرت ( كثرة خ ) الاجزاء الترابية وقويت واستجنت فيها تلك الشعلات وصفت الاجزاء عن الاعراض الفاسدة والفضول الغير المرادة فاقتضت الحرارة مع اليبوسة الحلاوة وفيه شفاء للناس حيث كان ظهور الحرارة فيه على الوجه المعتدل المستدعي لظهور الآثار الالهية فيه فليس بنا فيما ( فليس فيما خ ) من الله سبحانه مضرة ولا تعب ولا وصب بل يذهب الامراض ويزيل الاعراض ويحقق الاغراض وزيادة الاجزاء الارضية فيه لما قلنا من شدة خلطه بالارض لكثرة مكثه على وجهها لاستخراج تلك الانهار كلها ( من خ ) قبل هذا النهر وهذا النهر هو الجاري من ميم الرحيم في بسم الله الرحمن الرحيم ثم ان الله عز وجل اجرى من كل من هذه الانهار عشرة مشارع واجرى من كل شريعة اربعين جدولا فصار مجموع الجداول اربعمائة ومجموع المشارع اربعين ومجموع الانهار اي الاصول اربعة فانسب بعضها مع بعض فيبلغ الى انهار ومشارع وجداول كثيرة لا تتناهى وكلها انما نشأت من ذلك الاصل الواحد الخليج الاول من ذلك البحر اي الطتنج الاول ثم خلق الله عز وجل من ذلك الطتنج العقل الكلي نور ابيض قائم مشرق من صبح الازل فنطق بحمد الله عز وجل وثنائه ومجده وبهائه قال عز وجل والله خلق كل دابة من ماء وقال عز وجل وجعلنا من الماء كل شيء حي فاستنطق الله عز وجل حتى يسأله تعالى ان يسأله فيقول له اقبل فاجاب الله عز وجل دعوته ثم قال له ادبر يعني انزل الى المراتب النازلة النورانية واد رسالتي الى كل مذروء ومبروء فادبر واول ما ظهر من الادبار الروح الكلية ثم النفس الكلية وهي الباء في الحروف كما ان الالف القائم مقام الالف من الحروف ثم الطبيعة الكلية وهي الجيم ثم المادة الكلية وهي الدال ثم شكل الكل وهو الهاء ثم جسم الكل وهو الواو ثم محدد الجهات الفلك الاطلس العرش الاعظم وهو الزاء ثم فلك الكرسي وهو الحاء ثم فلك البروج وهو الطاء ثم فلك المنازل وهو الياء ثم فلك زحل وهو الكاف ثم فلك المشتري وهو اللام ثم فلك المريخ وهو الميم ثم فلك الشمس وهو النون ثم فلك الزهرة وهو السين ثم فلك عطارد وهو العين ثم فلك القمر وهو الفاء ثم كرة النار وهي الصاد ثم كرة الهواء وهي القاف ثم كرة الماء وهي الراء ثم كرة التراب وهي الشين فاذا بلغ العقل في مقام الرسالة الى هذا المقام وادي المرام ناداه الله سبحانه فامره بالاقبال فقال له اقبل فاقبل وصعد الى مقام المعدن وهو التاء ثم الى مقام النبات وهو الثاء ثم الى مقام الحيوان وهو الخاء ثم الى مقام الجن وهو الذال ثم الى مقام الملك وهو الضاد ثم الى مقام الانسان وهو الظاء ثم الى مقام الجامع عليه السلام وهو الغين ثم اخذ يصعد في مقام الاسماء بعد صعوده في مقام الاكوان فصعد الى رفيع الدرجات الى آخر الاسماء الذي هو البديع فاتصل الاول بالآخر والظاهر بالباطن وتمت الكرة ودارت الدائرة وظهرت الكاف المستديرة على نفسها ثم ان الله سبحانه خاطب العقل بعد ما امتثل امر الله عز وجل وتمحض في العبودية فوعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك بك اثيب وبك اعاقب وفي رواية اخرى اياك اثيب واياك اعاقب ولا اكملتك الا في من احب فجعل سبحانه للعقل خمسة وسبعين جندا من الملائكة الذين قد خلقوا من شعاع نوره وظهروا بفاضل ظهوره ووكل كل نوع منهم بنوع من انواع الخير والطاعة وجهات الاقبال الى الحق عز وجل لئلا يشذ عنه وعن حيطته حق من حقوق الله عز وجل الظاهر للمكلفين لئلا يقول الناس لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل ان ( نذل خ ) ونخزي وجنود الخمسة والسبعون اولهم الخير وهو وزير العقل ثم الايمان ثم التصديق ثم الرجاء ثم العدل ثم الرضا ثم الشكر ثم الطمع الى رضوان الله ثم التوكل ثم الرأفة ثم الرحمة ثم العلم ثم الفهم ثم العفة ثم الزهد ثم الرفق ثم الرهبة ثم التواضع ثم التؤدة ثم الحلم ثم الصمت ثم الاستسلام ثم التسليم ثم الصبر ثم الصفح ثم الغناء ثم التذكر ثم الحفظ ثم التعطف ثم القنوع ثم المواساة ثم المودة ثم الوفاء ثم الطاعة ثم الخضوع ثم السلامة ثم الحب ثم الصدق ثم الحق ثم الامانة ثم الاخلاص ثم الشهامة ثم الفهم ثم المعرفة ثم المداراة ثم سلامة الغيب ثم الكتمان ثم الصلوة ثم الصوم ثم الجهاد ثم الحج ثم صون الحديث ثم بر الوالدين ثم الحقيقة ثم المعروف ثم الستر ثم التقية ثم الانصاف ثم التهيئة ثم النظافة ثم الحياء ثم القصد ثم الراحة ثم السهولة ثم البركة ثم العافية ثم القوام ثم الحكمة ثم الوقار ثم السعادة ثم التوبة ثم الاستغفار ثم المحافظة ثم الدعاء ثم النشاط ثم الفرح ثم الالفة ثم السخاء فلما استكملت هذه المراتب رشح من هذا الطتنج الاول بشرايعه وجداوله وانهاره رشحا كان ذلك الرشح بحرا قد تشعب منه اربعة خلجان بازاء الانهار الاربعة وكذلك الشرايع والجداول بازاء تلك الشرايع والجداول فبعد اتمام مراتب هذا الرشح حصل رشح آخر وهو رشح الرشح فكملت فيه المراتب والمقامات والدرجات والجداول والشوارع وهكذا كل ما يرشح يكمل بحرا ويكون في الانقسام والانشعاب كالاول الا انه اضعف واقل من الاول وهكذا الى ثماني رشحات مترتبات على الترتيب الذي ذكرنا والاصول التي اصلنا فلا يزال من ذلك البحر اي الصاد يفيض على الانهار الاربعة وتفور هذه الانهار وتجري في الشرايع وهن في الجداول والرشح في الرشح ورشح الرشح في مقامه والرشح وما بعده متقوم بالاصل والاصل متقوم بذلك البحر وذلك البحر متقوم باليد اليمنى للرحمن فلا نهاية لهذا السريان ولا غاية لهذا الجريان ولا امد لهذا السريان فيجري الى ما لا نهاية له واليمين ليس الا سيدنا امير المؤمنين (ع) واليد هم الائمة الميامين عليهم سلام الله اجمعين والرحمانية ماظهرت الا فيهم وماتظهر ( ماتصدر خ ) آثاره الا عنهم وماترجع شؤناتها الا اليهم ولا تظهر احوالها الا بهم وماكانت تعلقاتها الا لهم وما اختلفت متعلقاتها الا لتشييد سلطانهم وتثبيت برهانهم لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون هذا مجمل بيان الطتنج الاول اما الطتنج الثاني فاعلم ان مبدأه من تحت الثرى وذلك بحر الذي ( ذلك الذي خ ) انقطع علم الخلق عنه لانه بحر لا اول له ولا آخر ولا غاية ولا نهاية ولا ساحل ولا مد ولا جزر لانهما على فرض الساحل ومنه مداد اهل جهنم والنار الى ما لا نهاية له فلو كان له انقطاع لانقطع ولذا ابوا عليهم السلام ان يخبروا عنه وهذا الاخبار اخبار رسم لا اخبار حقيقة ومبادي كل باطل بكل نوع انما هو في ذلك البحر ولا يزال من الحرارة الغضبية المستجنة في اسفله تتصاعد الابخرة المنتنة النجسة ولم يزل يغلي ويفور ويتموج الى ان حصلت من ضرب الامواج بعضها مع بعض والتصاق الاجزاء اليابسة المنتشرة في ذلك البحر التي هي عبارة عن انحاء القساوات وجمود القريحة وعدم الذوبان والانتشار الى المبدأ الحقيقي عز وجل وذلك الالتصاق برطوبة الابخرة المنتنة وحرارة الادخنة النجسة الخبيثة الى ان انعقد زبدا فخلق الله عز وجل بحكم التمكين وبحكم سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم فخلق عز وجل من ذلك الزبد على وجه ذلك البحر ارضا خبيثة منتنة قذرة مجتثة صلبة في الباطن ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة ورخوة في الظاهر يرضونكم بافواههم وتأبي قلوبهم واكثرهم الفاسقون وتلك الارض هي الارض الخبيثة التي اشار اليها عز وجل في قوله والذي خبث لا يخرجج الا نكدا وهي الارض الملعونة فتصاعدت الابخرة المنتنة والادخنة القذرة ونفذت في تلك الارض واستجنت فلما كثرت استجنان تلك الابخرة وزادت الرطوبات الخبيثة تفجرت عيونا وانهارا اربعة وهي خلجان قد تشعبت من ذلك الطتنج البحر الاسود المظلم النهر الاول عين آنية وهي عين حارة بلغت منتهاها في الحرارة وهذا النهر في مقابلة الماء الغير الآسن وحرارة هذا ( هذه خ ) العين لما غلبت وزادت واستولت وكثرت خفيت القبايح الاخر كنتنها وخباثتها وهي اعظم العيون شدة وقبحا وعذابا بحيث قد اثرت حرارتها في كل ما سواه فلا توجد حرارة من الحرارات الكلبية ( الكلية خ ) الغضبية الا مبدأها من تلك العين فعلى حسب قوة الحرارة في الميولات الباطلة والشهوات الخبيثة تظهر له ذلك ( تلك خ ) العين في الآخرة وهذه الحرارة هي ضد لبرودة الماء الاول لانها قد نشأت عن ( من خ ) عين الانكار وقول اني انا الله وليست فيها برودة السكون والتسليم والتفويض والخوف واليقين كالماء الاول فكلما هو اقرب الى الانكار واشد الى الاغترار فقد شرب من هذه العين ويؤل اليها ويرجع اليها وانما سميت آنية لانها تؤن شاربيها اعاذنا الله منها بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم النهر الثاني عين الكبريت وهي عين منتنة قذرة استولت على باطنها وظاهرها الحرارة الغضبية ورطوبة الميولات الباطلة الشهوانية والروابط الشياطينية كثرت كثافتها ( كثافاتها خ ) والاجزاء الارضية لكونها اسفل من العين الاولى ولهذا ظهر نتنها وخبثها الظاهري والباطني دون الاولى ولذا حصلت فيها قوة السريان والربط فافهم النهر الثالث عين ابرهوت وهي بئر غلظت الاجزاء المنتنة اليابسة واختلطت بالرطوبات المتصاعدة من ذلك البحر فاستحالت ماء حارا غليظا منتنا لم يزل بالحرارة المستجنة في تلك الاجزاء الترابية يتصاعد منها دخانا اغبر خبيثا منتنا النهر الرابع نهر الغساق او نهر الحميم وهو ماء كالمهل كالنحاس الذائب يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا قال تعالى وسقوا ماء حميما فقطع امعاءهم والغساق صديد اهل النار وذلك الصديد من غلظة تلك العين ونتنها لحقت اهل المعاصي لما شربوها فيظهر ما شربوا منها في مقامها وعالمها اعاذنا الله منها بمحمد وآله الطاهرين ( سلام الله عليهم اجمعين ابدا الآبدين خ ) وهذه الانهار قد انشعب من كل منها عشرة عيون اخر كدرة يفرغ بعضها في بعض ومن كل من العيون العشرة تشعبت اربعون جدولا على طبق ما قلنا في الطتنج الاول حرفا بحرف ثم ان الله عز وجل خلق الجهل الكلي من البحر الاجاج على ما وصفت لك ظلمانيا فقال له ادبر فادبر فاول ما وجد بادباره وظهر وتحقق الثرى في مقابلة النفس الكلية وحرفه
في مقابلة ب واسمه المتوهم في مقابلة الاسم الباعث ثم الطمطام في مقابلة الطبيعة الكلية وحرفه
في مقابلة ج واسمه المجتث في مقابلة الاسم الباطن ثم النيران في مقابلة المادة الكلية وحرفها
في مقابلة د واسمه الاسفل في مقابلة الآخر ثم الريح العقيم في مقابلة شكل الكل وحرفه
في مقابلة ه واسمه المخيل في مقابلة الاسم الظاهر ثم البحر في مقابلة جسم الكل وحرفه
في مقابلة وو اسمه العابث في مقابلة الاسم الحكيم ثم الحوت في مقابلة العرش وحرفه
في مقابلة ز واسمه المختال في مقابلة الاسم المحيط ثم الثور في مقابلة الكرسي وحرفه
في مقابلة ح واسمه الكفور في مقابلة الاسم الشكور ثم الصخر في مقابلة فلك البروج وحرفه
في مقابلة ط واسمه فقر الزمان في مقابلة الاسم غني الدهر ثم الملك الحامل في مقابلة فلك المنازل وحرفه
في مقابلة ي واسمه العاجز في مقابلة الاسم المقتدر ثم ارض الشقاوة في مقابلة فلك زحل وحرفه
في مقابلة ك واسمه المفسد في مقابلة الرب ثم ارض الالحاد في مقابلة فلك المشتري وحرفه
في مقابلة ل واسمه الجهول في مقابلة العليم ثم ارض الطغيان في مقابلة فلك المريخ وحرفه
في مقابلة م واسمه المهين في مقابلة القاهر ثم ارض الشهوة في مقابلة فلك الشمس وحرفها
في مقابلة ن واسمها الظلمة في مقابلة النور ثم ارض الطبع في مقابلة فلك الزهرة وحرفها
في مقابلة س واسمها المهمل في مقابلة المصور ثم ارض العادات في مقابلة فلك عطارد وحرفها
في مقابلة ع واسمها الناسي في مقابلة الاسم المحصي ثم ارض الممات في مقابلة فلك القمر وحرفها
في مقابلة ف واسمها المنكر في مقابلة الاسم المبين ثم كمثل الكلب في مقابلة كرة النار وحرفه
في مقابلة ص واسمه المسول في مقابلة الاسم القابض ثم السموم في مقابلة الهواء وحرفه
في مقابلة ق واسمه الميت في مقابلة الاسم الحي ثم الماء الاجاج في مقابلة كرة الماء وحرفه
في مقابلة ر واسمه المبطل في مقابلة الاسم المحيي ثم الارض السبخة في مقابلة كرة التراب وحرفها
في مقابلة ش واسمها النكد في مقابلة المميت فاذا انتهى الجهل في ادباره الى هذا المقام قال الله عز وجل له اقبل فلم يقبل فولي مدبرا فظهر من ادباره الحجارة والحديد في مقابلة المعدن وحرفها
في مقابلة ت و( اسمها خ ) الذليل في مقابلة العزيز ثم النبات المر في مقابلة النبات الطيب وحرفها
في مقابلة ث واسمها الحادم في مقابلة الاسم الرزاق ثم المسوخ في مقابلة الحيوان وحرفها
في مقابلة خ واسمها الغاسق في مقابلة الاسم المذل ثم الشياطين في مقابلة الملائكة وحرفها
في مقابلة ذ واسمها الضعيف في مقابلة القوي ثم شياطين الجن في مقابلة الجن وحرفها
في مقابلة ظ واسمها الغليظ في مقابلة الاسم اللطيف ثم شياطين الانس في مقابلة الانسان وحرفها
في مقابلة ض واسمها الناقص في مقابلة الاسم الجامع ثم ابليس في مقابلة الجامع عليه السلام وحرفه
في مقابلة غ واسمه اسفل السافلين في مقابلة رفيع الدرجات فلما بلغ الجهل في ادباره الى مبدئه وتوغل في الاعراض والعتو والاستكبار عن امر الله عز وجل قال الله عز وجل بلسان اوليائه خطابا للجهل استكبرت عن امري واستنكفت عن حكمي وعن انقياد قولي فلعنه عز وجل وطرده عن مقام القرب فلما رأي ما اكرم الله به العقل وما اعطاه اضمر له العداوة فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وانا ضده ولا قوة لي به فاعطني من الجند مثل ما اعطيته فقال نعم فان عصيت بعد ذلك اخرجتك وجندك من رحمتي قال قد رضيت فاعطاه خمسة وسبعين جندا اولهم الشر وهو وزير الجهل ثم الكفر ثم الجحود ثم القنوط ثم الجور ثم السخط ثم الكفران ثم اليأس ثم الحرص ثم القسوة ثم الغضب ثم الجهل البسيط ثم الحمق ثم التهتك ثم الرغبة الى ما لا يرضي الله سبحانه ثم الخرق ثم الجرأة على معاصي الله سبحانه ثم الكبر ثم التسرع والاستعجال ثم السفه ثم الهذر ثم الاستكبار ثم الشك ثم الجزع ثم الانتقام ثم الفقر ثم السهو ثم النسيان ثم القطيعة ثم الحرص ثم المنع ثم العداوة ثم الغدر ثم المعصية ثم التطاول ثم البلاء ثم البغض ثم الكذب ثم الباطل ثم الخيانة ثم الشوب ثم البلادة ثم الغباوة ثم الانكار ثم المكاشفة ثم المماكرة ثم الافشاء ثم الاضاعة ثم الافطار ثم النكول ثم نبذ الميثاق ثم النميمة ثم العقوق ثم الرياء ثم المنكر ثم التبرج ثم الاذاعة ثم الحمية الجاهلية ثم البغي ثم القذر ثم الخلع ثم العدوان ثم التعب ثم الصعوبة ثم المحق ثم البلاء ثم المكاثرة ثم الهوى ثم الاغترار ثم التهاون ثم الاستنكاف ثم الكسل ثم الحزن ثم الفرقة ثم البخل وهذه جنود الجهل فلما استكملت هذه المراتب وتمت صعد عن كل مرتبة دخان فانقسم الى هذه الاقسام كلها ثم صعد من ذلك الدخان دخان آخر انقسم الى تلك الاقسام وهكذا الى ثمانية مراتب وهذان الطتنجان قد اختلطا في الصورة الظاهرية في هذا العالم الجسماني دار التكليف فما استولى فيه الطتنج الاول خلق الذكر من اهل تلك المرتبة وما استولى الطتنج الثاني خلقت الانثى وهذا ( هكذا خ ) الحكم في كل المراتب والمقامات والدرجات فتعددت الميولات المتضادة فوقع التكليف وشرح هذه الاحرف لا يناسب هذا المقام لطول بيانه فاذا فهمت حقيقة الطتنجين فاعلم ان معنى قوله عليه السلام انا الواقف على الطتنجين هو انه عليه السلام قطب مركزهما ومقوم دائرتهما وممد عطيتهما لانه عليه السلام حامل اسم الرحمانية وعنده تمايز الاشياء وعنه مبدء السعادة والشقاوة وفيه تحقق ( يتحقق خ ) الاختلاف قال الله عز وجل كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا والامتياز بين الاشياء بمراتبها واحوالها ما كان الا به لانه العلة الصورية وولايته عرضت على كل الخليقة فمن قبلها لحق بالطتنج الاول ومن انكرها لحق بالطتنج الثاني وهو باب السور الذي في القرآن فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فان موافقته طاعة ورحمة وجنة ونور ومخالفته عليه السلام معصية ونقمة وعذاب وظلمة وهو عليه السلام قسيم الجنة والنار وهو المعنى في قوله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فانه عليه السلام الهادي بمعنى الموصل الى المطلوب بتيسير ما خلق لاجله اما الى النار او الى الجنة لانه عليه السلام حامل الربوبية اذ مربوب ذكرا ورسول الله صلى الله عليه وآله الهادي الذي يرى الطريق لانه صلى الله عليه وآله حامل الربوبية اذ مربوب ذكرا ولا مربوب كونا ووجودا قال الله عز وجل اشارة الى هداية عليّ عليه السلام بالايصال في قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد قال صلى الله عليه وآله انا المنذر وعليّ الهادي وقال عز وجل انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء اي يوصلهم الى مطلوبهم بعليّ عليه السلام اما الى الجنة او الى النار لانه عليه السلام هو الواقف على الطتنجين لان الايمان والكفر انما يتحقق بالاقرار بولايته والطيبين من اولاده عليهم السلام لانه اذا آمن بالله سبحانه يظهر فيه نور مضطرب فاذا آمن برسول الله صلى الله عليه وآله يثبت ذلك النور في الجملة فاذا آمن بعلي عليه السلام وتبعه كما قال عز وجل فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه وهو عليّ عليه السلام فاثبت عز وجل لعلي عليه السلام الولاية حيث اوجب له الطاعة والمتابعة فيكون حينئذ ثابت الايمان مكتوب في عليين فيخرجه الله عز وجل من ظلمات الجهل والكفر والنفاق والخيانة الى نور العلم والايمان والصفاء ولذا كان الايمان اسما لعلي عليه السلام لانه حروف بينات اسمه الشريف صلوات الله عليه واذا لم يؤمن بعليّ عليه السلام وان آمن بالله ورسوله اكبه الله على منخريه في النار ويخرجه من النور الذي حصل له من الايمان بالله ورسوله الى ظلمات الكفر والنفاق فاساس الايمان والكفر انما قام وتأسس بعليّ عليه السلام والعقل وجنوده انما هو متقوم به ومنتسب اليه عليه السلام والكفر والجهل وجنوده انما هو متقوم به غير منتسب اليه فلولا عليّ عليه السلام ما كان ايمان ولا كفر ولا ظلمة ولا نور ولا خير ولا شر كما ان الشمس لولاها لم يكن نور ولا ظلمة فانا قد بينا ان الموجودات من الانوار ومراتب الطتنج الاول في مراتبها الثمانية كلها من شعاع انواره عليه السلام وكل الظلمات من الطتنج الثاني ومراتبه كلها متقومة بنفس تلك الانوار من حيث نفسها لا من حيث مبدأها كما قال عز وجل يسجدون للشمس من دون الله فلا قوام للظلمات الا بالانوار ولا قوام للانوار الا بمولينا عليّ عليه السلام فهو مقوم الطتنجين والممد للموجودات في البين صلى الله عليه وآله المصطفىن ففي هذا المقام ظهور الاسماء المتقابلة كالرحيم والمنتقم والغافر والرازق والمهلك والمحيي والمميت والقابض والباسط والمعطي والمانع والضار والنافع وامثالها من الاسماء لانها من ظهورات انحاء التعلقات بوجود هذين الطتنجين او يكون المراد بالطتنج الاول احكام الربوبية بكل احوالها ومقاماتها من التوحيد والصفات والافعال والاعمال والطتنج الثاني احكام العبودية فهو صلى الله عليه وآله باب لاجراء الاحكام الربوبية وتوصيف مقاماتها من انحاء التنزيه والتقديس والافاضة والامداد والايجاد والاختراع والاسماء والصفات وامثالها من الحالات للعبودية ولاستمداد الواقفين في مقامات العبودية والسائلين اللائذين بالربوبية انحاء الافاضات والامدادات فلا يصل من الحق الى الخلق فيض باي نحو كان على التفصيل الذي يتكرر في هذا الشرح الا به عليه السلام ولا يقبل الخلق شيئا من فيوضات الحق جل وعلا وامداداته الا به عليه السلام ولا يصعد من الخلق صريخ و( لا خ ) ضجيج الى الله عز وجل الا به عليه السلام ولا يقبل الله عملا لخلق من المخلوقات الا به عليه السلام فهو روحي فداه البرزخ بين العالمين والواقف على الطتنجين والاشارة الى جميع ما ذكرنا في قوله عز وجل من حيث المفهوم ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فدل بالمفهوم على ان الهادين قد اتخذهم الله اعضادا لخلقه والدليل على اعتبار هذا المفهوم وحجيته هو قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه في الدعاء في كل يوم من شهر رجب اعضاد واشهاد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فاذا كانوا سلام الله عليهم عضدا لخلق الله فلا قوام لهم في حال من احوالهم الا بهم صلى الله عليهم ولا تذوت لهم في جميع ميولاتهم الا بهم عليهم السلام ولا يصل الفيض اليهم الا بهم روحي فداءهم وقد قال مولينا العسكري عليه السلام ما معناه قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة والولاية والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة الى آخر كلامه صلى الله عليه فهو عليه السلام الواقف على الطتنجين شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية فله البرزخية الكبرى لانه المثل الاعلى وهو المعنى من قوله عز وجل لقد رأى من آيات ربه الكبرى وهو عليه السلام الازلية الثانية صاحب الازلية الاولى ومبدء العلل الاولى ولسان الله الناطق لكل الخلق مما يرى وما لا يرى صلى الله عليه وعليّ ابن عمه وزوجته وابنائه ما دامت الآخرة والدنيا او يكون المراد من الطتنج الاول بحر الامكان اي العمق الاكبر بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان والطتنج الثاني بحر الاكوان وهو صلى الله عليه وآله واقف بين البحرين فلا يخرج من الامكان الى الاكوان شيء من ذات او صفة لفظ او معنى اصل او فرع لطيف او كثيف نور او ظلمة الا يمر عليه اي يظهر بواسطته ولا يخرجج شيء من الاكوان الى الامكان بنزع حلة الكون الا به عليه السلام فكل المكونات واقفة بباب خياله ( جنابه خ ) طالبة لوصاله وشاهدة لجماله فهو عليه السلام باب الامكان الى الاكوان وباب الاكوان الى الامكان فهو واقف على فوارة النور والقدر عنه نشأت الاشياء واليه تعود بالكمال وهو عليه السلام عبد لله خاضع له مطيع لامره لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون او يكون المراد من الطتنجين بحر القابل والمقبول كلاهما قد انشعبا عن بحر الكون وهو عليه السلام واقف عليهما يمكن القابل في ثلاثين يوما حتى يستأهل للقبول ثم يهيئ المقبول بالميل الى القابل عشرة ايام فذلك اربعون ليلة واليه الاشارة في قوله عز وجل وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة ثم يؤلف بينهما في اربعة ايام يوم ايلاج الليل في النهار ويوم ايلاج النهار في الليل ويوم الغشيان ويوم الشأن قال ( الله خ ) تعالى وذكرهم بايام الله وقال عز وجل كل يوم هو في شأن وقد عرفت حقيقة ضمير هو فلا نعيد او يكون المراد من الطتنجين امر النشأتين من احوال الدنيا والآخرة وبينهما هو الرجعة فلها حكم البرزخية لانها ليست من الدنيا لصفاء زمانها ومكانها ولطافة اهلها وبطؤ حركات افلاكها وظهور الجنتين المدهامتين فيها وظهور الملائكة والجان والاشباح المثالية والمثل النورية كلها فيها وسماع اهلها صرير الافلاك وتسبيح الاملاك باسماعهم الظاهرية الى غير ذلك من الاحوال التي لا تكون في الدنيا وسنشرحها فيما بعد ان شاء الله وليست من الاخرى لطلوع الشمس فيها وغروبها واحكام التكاليف والعبادات والاعمال والافعال وانحاء الطاعات والمجاهدات والمقاتلة مع الكفار وامثالها من الامور المتعلقة بالدنيا فهي البرزخ بينهما وهي الاولى والحاكم فيها ونافذ الامر والظاهر بالامر ليس الا مولينا وسيدنا امير المؤمنين واولاده الطيبون الطاهرون ( الطيبين الطاهرين خ ) والسيد الاكبر صلى الله عليه وعليهم الا ان حكم الرتق والفتق والقبض والبسط لامير المؤمنين عليه السلام خاصة لانه الظاهر بالولاية والحامل للربوبية الثانية المقترنة واما اولاده فهم اولاده واما السيد الاكبر فانه قد اعطي اللواء اياه صلى الله عليهم اجمعين فهو عليه السلام الواقف الظاهر بالامر على الطتنجين اي بينهما وان كان باسمائه وظهوراته الى ان يظهر بما كان يظهر به صلى الله عليه وآله او ان المراد انا الواقف على الطتنجين اني انا الواقف القائم على احوال النشأتين الدنيا من دوران افلاكها واظهار ليلها ونهارها وايلاجهما وغشيانهما بعضهما الآخر واظهار الكثافات والرذائل وتغليظ حرارة النظر لاختلاط اجزاء الدنيا واركانها باهلها بعضها مع بعض وتعفين بعضها في بعض ثم تغليظ الحرارة وتشديدها الى ان ينطبخ الغير الناضج المستعد للنضج ويحترق الاخلاط الفاسدة والاعراض الغريبة وتصفو البنية وتذهب الكدورة والمقوم لاهل الآخرة بجميع احوالهم باظهار لواء الحمد واعطاء كل ذي حق حقه من انواع الاهوال والعرق والحرارة الشديدة والاستظلال في ظل ظليل وسقي البعض من حميم اليم وغساق وزقوم وضريع والآخرين من الحوض الكوثر ومن عين الكافور و( من خ ) عين السلسبيل ووقوفهم في الكثيب الاحمر والرفرف الاخضر وارض الزعفران ومقام الاعراف وايصالهم الى مقام الرضوان وسيرهم هناك الى ما لا نهاية له وجعل البعض في الجنة والنار الاصليتين الذاتيتين والآخرين في الحظائر فهما على مراتبهما واحوالهما وهكذا باقي احوال الدنيا والآخرة كلها هو روحي فداءه سلطان فيهما وكل امورهما واحوالهما راجعة اليه ومتقومة به قالوا عليهم السلام ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم قال ابن ابيالحديد :
واليه في يوم المعاد ايابنا وهو الملاذ لنا غدا والمفزع
وقد اشير الى هذا المعنى بالواو المنكس في آخر الاسم الاعظم
فان الواو واوان والالف ( الف خ ) قائم في الوسط فالاولى اشارة الى الدنيا لانها خلقت في ستة ايام والثانية اشارة الى الاخرى لانها كذلك والالف القائم بينهما اشارة الى القطب القائم على كل نفس بما كسبت وهذا القطب ليس هو ذات الله سبحانه لمكان الاقتران والارتباط فوجب ان يكون ظهوره بفعله وذلك الظهور الفعلي ماتحقق الا في اشرف المخلوقات واكرمها واعظمها وليس هو الا محمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام فللاول مقام الاجمال وللثاني مقام التفصيل فصح ما ذكرنا
قوله عليه السلام : انا الناظر في المغربين والمشرقين اعلم ان الشمس لها حركتان حركة على القطب وهذه الحركة ليست لها جهة ووضع ونسبة فمالها على حالة واحدة لا تتخلف ولا تتبدل ولا تتغير والواقفون مقام القطب في الجزئي او الكلي عين المقام او المحاذي ليس لهم غيبوبة عنها ولا غروب ولا افول وانما هو نور موجود وظل ممدود وقطب الشمس حينئذ نفس فلك البروج لا من حيث البروج بل من حيث نفس العرش والحركة الاخرى هي الحركة على المحور وذلك لان الشمس جعلها الله عز وجل مهبطا للانوار ومخزنا للاسرار ومحلا للتجليات الفاعلية ومظهرا للعلل المادية فهي وجهها دائما الى مبدئها في جميع احوالها حسب تجلي المبدأ لها بها وافتقارها اليه واستمداد غيرها منها ولما كانت جهات الاستمداد مختلفة جهة كينونية جوهرية اصلية وجهة تفصيلية امتيازية لمقام الاظهار مشروح العلل ومبين الاسباب ومقام ظهور القابليات والاستعدادات والسؤلات والطلبات وهذه الجهة على اقسام جهة اصلية الهية موافقة للفيض الالهي ومقتضى الظهور الحقي والقبول الخلقي وجهة ظلية مخالفة لمقتضى الفيض ومقتضى الايجاد وحقيقة الانوجاد وجهة مزجية مشوبة للجهتين وهذه الجهات كلها فقيرة متقومة بالمدد وسائلة وطالبة له والشمس هي منبع الامداد بالاستمداد عن مبدئه فيكون حركة الشمس مختلفة فان الحركة ليست الا استمداد او امداد وكلاهما ( كلتاهما خ ) في الشمس موجودتان واختلاف جهة الاستمداد يقتضي اختلاف الحركات وهي مقتضي ( تقتضي خ ) اختلاف حركات الممد للامداد فتكون للشمس حركتان لانهما اول مبدأ الاختلاف احديهما الحركة لا الى جهة وهي الحركة على القطب لا الى جهة لانتفاء الجهات في القطب الذي هو النقطة والثانية الحركة الى جهة وهي الحركة على المحور فتحدث من الحركات دوائر فاذا تحققت الجهة تحقق الحجاب لان الجهة ظلمة انية وماهية فصارت كلما كانت في جهة تحتجب عن الجهة الاخرى ففي هذا المقام لهذه الحركة تحقق الغروب والطلوع والافول والغيبوبة فتحقق المغرب والمشرق الا ان هذه الحركة المستدعية للمغرب والمشرق على قسمين حركة اولية وحركة ثانوية والحركة الاولية على المحور على مقتضى القسم الاول من اقسام الحركة على المحور وهي مقتضى التضاد والاثنينية الاولية في قوله عز وجل ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وقول سيدنا ومولينا الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق ( شيئا ظ ) فردا قائما بذاته لما اراد من الدلالة على نفسه بل خلق كل شيء وخلق له ضدا وهو قوله عز وجل ومن كل شيء خلقنا الآية فينقسم الكون واهله في التقسيم الاول الى الانوار والظلمات وكل الانوار متوجهة الى المبدأ وكل الظلمات مدبرة عنه ومعرضة عنه وهذا هو الحكم الاول للموجودات كلها في التكوين او في التشريع في الذوات او في الصفات كما قال عز وجل هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ولما كانت الشمس هي ظهور المبدأ ومجلي تجليه كانت الانوار والاخيار كلها متوجهة اليها وناظرة وحاضرة لديها والظلمات مدبرة عنها غير مقبلة اليها كالعود وقد قال عز وجل كما بدأكم تعودون فيكون للشمس في هذا المقام مشرق واحد ومغرب واحد وهو اول يوم خلق الله عز وجل الدنيا كما قال مولينا الرضا عليه السلام ان الله عز وجل خلق الخلق وكان طالع الدنيا سرطان والكواكب في اشرافها وكانت الشمس على دائرة نصف النهار ووقت صلوة الظهر اول فريضة اوجبها الله عز وجل على خلقه ففي هذه الحركة في هذا المقام ابدا لها مشرق واحد ومغرب واحد ولذا كانت صلوة الظهر اول فريضة لكل اهل الآفاق فافهم ففي هذا المشرق والمغرب النهار مقدم على الليل كما قال عز وجل ولا الليل سابق النهار والظلمة مؤخرة عن النور والحركة الثانية هي حركة المزج والشوب والاختلاف وظهور الخلط واللطخ والضعف والقوة والخفاء والظهور ففي هذا المقام تحركت الشمس واختلفت نسبها واوضاعها على الارضين لاستدارة الارض وكرويتها فتحققت الافلاك ( الآفاق خ ) المائلة واختلف المشرق والمغرب لانهما تابعان لدائرة الافق وقطب دائرة الافق سمت الرأس من موضع وقوف الشاخص وهذا السمت يختلف باعتبار كل جزء من اجزاء الارض وانما التفاوت في الاجزاء المتقاربة لما كان جزئيا جعلوا الاختلاف في المواضع المحسوسة ( المخصوصة خ ) وتفصيل الامر على ما عندنا يطول به الكلام مع اني الآن في غاية الكسالة الا ان النظر في كتب الرياضيين قد يحصل منه بعض البصيرة الاجمالية التقليدية وفي هذه الآفاق تقدم الليل على النهار والظلمة على النور والظل على الحرور والشتاء على الربيع والربيع على الصيف وزاد الليل على النهار والنهار على الليل واستوت نسبتهما فصار الليل يغشي النهار والنهار يغشى الليل وبين الطلوعين والغروبين اجتمعت آثارهما وفي ذلك آيات ودلالات لاولي التبصرة والابصار وتنبيهات لاولي البصائر والانظار ان في اختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض وهذا مزج وتعفين لطبخ اكسير الاجابة في العوالم الالهية فافهم فظهر لك ان الشمس لها مقامان احدهما لا شرق لها ولا غرب لا طلوع ولا افول وانما هي امر واحد مستقر ثابت وثانيهما لها شرق وغرب وفي هذا المقام لها مقامان احدهما ملاحظتها في البدو التكويني والعود التكويني اي مقام الوطن والمنزل والاصل والمسكن وهنا لها باعتبار المتوجهين اليها مشرق واحد ومغرب واحد وهي حينئذ دائما في بيت شرفها فالذين يقابلونها دائما في النور والضياء لا تطرء عليهم ظلمة الليل والذين يعاكسونها دائما في الظلمة والظلام كما تقدم في حديث سيدنا الرضا عليه السلام وثانيهما ملاحظتها في تدبير قوسي النزولي بعد المبدأ والصعودي قبل ان يصل الى المبدأ وفي هذا المقام يكون اختلاف المشرق والمغرب وايلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل وظهور الامر بينهما كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فامتزجا فهنالك يهلك من هلك وينجو من سبقت له من الله الحسنى فكان المغرب مغربين والمشرق مشرقين وعليّ امير المؤمنين عليه السلام هو الناظر فيهما نظر التدبير والقيومية واليه عليه السلام يرجع امرهما ففي الاول بالاستقامة الاولية واظهار هيكل التوحيد في رتبة مقامه لانه عليه السلام باب الاحدية في ظهور الوحدانية في حجاب الرحمانية وهيكل التوحيد هو موافقة الباب في ذلك الحجاب وتنكيس هيكل الشرك والكفر والنفاق والعناد في رتبة مقامه لانه ظهر البيت وخلاف الباب ومعاندة الحجاب ولا خلط لاحدهما في الآخر بوجه من الوجوه ولا لطخ كل منهما يسير في ادواره ويسبح في افلاكه فاهل جابلصا وجابلقا هما من اهل المشرق الاول والمغرب الاول ولذا تريهم في كمال الاستقامة في دار المقامة كما روي في منتخب البصائر عن الصادق عليه السلام ان لله عز وجل مدينتين مدينة بالمشرق ومدينة بالمغرب فيهما قوم لا يعلمون بخلق ابليس نلقاهم في كل حين فيسئلونا عما يحتاجون اليه ويسئلونا عن الدعاء فنعلمهم ويسئلونا عن قائمنا متى يظهر وفيهم عبادة واجتهاد شديد ولمدينتهم ابواب ما بين المصراع الى المصراع مائة فرسخ لهم تقديس وتمجيد ودعاء واجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم يصلي الرجل منهم شهرا لا يرفع رأسه من سجدة طعامهم التسبيح ولباسهم الورق ووجوههم مشرقة بالنور واذا رأوا منا واحدا لحسوه واجتمعوا اليه واخذوا من اثره من الارض يتبركون به لهم دوي اذا صلوا كاشد من دوي الريح العاصف منهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا يدعون الله عز وجل ان يريهم اياه وعمر احدهم الف سنة اذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم الى الله عز وجل اذا احتبسناهم ( احتبسنا ظ ) عنهم ظنوا ان ذلك من سخط الله يتعاهدون اوقاتنا التي نأتيهم فيها لا يسئمون ولا يفترون يتلون كتاب الله عز وجل كما علمناهم وان فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولانكروه ولا يسئلونا عن الشيء اذا ورد عليهم من القرآن لا يعرفونه فاذا اخبرناهم انشرحت صدورهم لما يستمعون منا ويسألون لنا طول البقاء وان لا يفقدونا ويعلمون ان المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة ولهم خرجة مع الامام اذا قام يسبقون فيها اصحاب السلاح ويدعون الله عز وجل ان يجعلهم ممن ينتصر بهم لدينه فيهم كهول وشبان اذا رأي شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبيد لا يقوم حتى يأمره لهم طريق هم اعلم به من الخلق الى حيث يريد الامام عليه السلام فاذا امرهم الامام عليه السلام بامر قاموا عليه لا يخالفون ابدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره لو انهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من الخلق لافنوهم في ساعة واحدة لا يختل فيهم الحديد لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد لو ضرب احدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصل ويغزو بهم الامام عليه السلام الهند والديلم والترك والروم وبربر وفارس وبين جابرسا الى جابلقا وهي مدينتان واحدة بالمشرق وواحدة بالمغرب لا يأتون الى اهل دين الا دعوهم الى الله عز وجل والى الاسلام والى الاقرار بمحمد صلى الله عليه وآله والتوحيد وولايتنا اهل البيت عليهم السلام فمن اجاب منهم ودخل في الاسلام تركوه وامروا عليه اميرا ومن لم يجب ولم يقر بمحمد صلى الله عليه وآله ولم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل احد الا آمن وعن الحسن بن عليّ عليهما السلام انه قال ان لله مدينتين احديهما بالمشرق واخرى ( الاخرى خ ) بالمغرب عليها سوران من حديد وعلى كل مدينة سبعون الف الف مصراع من ذهب وفيها سبعون الف الف لغة تتكلم ( يتكلم خ ) كل لغة بخلاف لغة صاحبه وانا اعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير الحسين عليه السلام اخي وعن امير المؤمنين عليه السلام ان لله بلدة خلف المغرب يقال لها جابلقا وفي جابلقا سبعون الف امة ليس منها امة الا مثل هذه الامة فماعصوا الله طرفة عين وما يعملون عملا ولا يقولون قولا الا الدعاء على الاولين والبراءة منهما والولاية لاهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وفي المشارق عن الصادق عليه السلام ان لله مدينتين احديهما بالمغرب والاخرى بالمشرق يقال لهما جابلقا وجابرصا طول كل مدينة منهما اثنا عشرالف فرسخ في كل فرسخ باب يدخلون في كل يوم من كل باب سبعون الفا ويخرج منها مثل ذلك ولا يعودون الى يوم القيمة لا يعلمون ان الله خلق آدم ولا ابليس ولا شمس ولا قمر هم والله اطوع لنا منكم يأتوننا بالفاكهة في غير اوانها موكلين بلعنة فرعون وهامان وقارون ه وكذلك العوالم الخمسة الاخر كلها من العالم الاول الذي لها مشرق واحد ومغرب واحد وذلك بعد قطع الظلمات كما روى جابر عن الباقر عليه السلام قال سألته عن قول الله عز وجل وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض قال فكنت مطرقا الى الارض فرفع يده الى فوق ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت الى السقف قد انفجر حتى خلص الى نور ساطع حار بصري دونه ثم قال لي رأي ابرهيم ملكوت السموات والارض هكذا ثم قال لي اطرق فاطرقت ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فاذا السقف على حاله قال ثم اخذ بيدي وقام واخرجني من البيت الذي كنت فيه وادخلني بيتا آخر فخلع ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا غيرها ثم قال لي غض بصرك فغضضت بصري فقال لا تفتح عينيك فلبثت ساعة ثم قال لي اتدري اين انت قلت لا جعلت فداك فقال لي انت في الظلمة التي سلكها ذو القرنين فقلت جعلت فداك اتأذن لي ان افتح فقال لي افتح فانك لا ترى شيئا ففتحت ( عيني خ ) فاذا انا في الظلمة لا ابصر فيها موضع قدمي ثم سار قليلا ووقف فقال لي هل تدري اين انت قلت لا قال انت واقف على عين الحيوة التي شرب الخضر منها وخرجنا من ذلك العالم الى عالم آخر فسلكنا فيه ورأينا كهيئة عالمنا في بنائه ومساكنه واهله ثم خرجنا الى عالم ثالث كهيئة الاول والثاني حتى وردنا خمسة عوالم قال ثم قال عليه السلام هذه ملكوت الارض ولم يرها ابرهيم وانما رأى ملكوت السموات وهي اثنا عشر عالما كل عالم كهيئة ما رأيت كلما مضى منا امام سكن احد هذه العوالم حتى يكون آخرهم القائم عليه السلام في عالمنا الذي نحن ساكنوه قال ثم قال لي غض بصرك فغضضت بصري ثم اخذ بيدي فاذا نحن بالبيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب ولبس الثياب التي كانت عليه وعدنا الى مجلسنا فقلت جعلت فداك كم مضى من النهار فقال عليه السلام ثلث ساعات ه وهذه العوالم هي عوالمهم وعوالم شيعتهم المخصوصون وفي كل عالم الشمس في شرفها ولا اختلاف بين اهلها في مقابلتهم للشمس حتى تختلف الآفاق وتختلف المشارق والمغارب فمولينا امير المؤمنين عليّ محمد وعليه السلام هو الناظر في المغربين اي المغرب الاول والثاني والمشرقين المشرق الاول والمشرق الثاني وهو المتولي لاحوالهم وحركاتهم وسكناتهم بالله عز وجل على حد ما قال عز ذكره وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال والضمير المتكلم اما معظم نفسه او معه غيره في مقام الفعل والحدوث ولا شك ان العظمة المتعلقة بالفعل والاحداث لا تصح ان تكون هي الذات القديمة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا تتحقق العظمة الا في مقام الربوبية اذ لا مربوب ( اذ مربوب خ ) لا اذ لا مربوب وليس حامل تلك الربوبية الا محمد وعليّ والطيبون من اولادهما صلى الله عليهم فان كان الضمير للمتكلم الذي معه غيره فليس سواهم لان لهم مع الله حالات وهم الذين عند الله عز وجل في قوله عز وجل وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال مولينا الصادق عليه السلام الذين في السموات هم الملائكة والذين في الارض هم الجن والانس فمن الذين عنده ثم قال عليه السلام نحن الذين عنده فعلى كل حال فالضمير في نقلبهم يرجع اليهم اما الضمير المنصوب ففي الباطن واما الضمير المرفوع ففي باطن الاول اي باطن الباطن او معنى انه ناظر اي شاهد عالم علم احاطة بكلما في المغربين والمشرقين واحكام النشأتين فلا يعزبه عليه السلام علم شيء ولا امر شيء لانه عليه السلام هو المرتضى من محمد صلى الله عليه وآله حتى علمه الله غيوب الاشياء وعلم ما كان وما يكون الى فناء الخلق كما قال عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول او هو الشاهد على الخلق من اهل المغربين والمشرقين كما قال عز وجل افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى هكذا نزلت فالذي على بينة من ربه هو رسول الله صلى الله عليه وآله والشاهد على الخلق التالي لرسول الله صلى الله عليه وآله هو امير المؤمنين عليه السلام وهو عليه السلام امام على كل من ذرأ وبرأ ورحمة واسعة وسعت الخلق كلهم فمعنى سعتها اياهم هو مشاهدته لهم عليه السلام وقد قال عز وجل ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فاشهد الله عز وجل الهادين خلق السموات والارض وخلق انفسهم كما قال امير المؤمنين عليه السلام سلوني عن طرق السماء فاني اعلم بها من طرق الارض في الكافي عن سماعة قال قال ابو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال عليه السلام نزلت في امة محمد صلى الله عليه وآله خاصة في كل قرن منهم امام منا شاهد عليهم ومحمد صلى الله عليه وآله شاهد علينا وفيه عن سليم بن قيس الهلالي عن امير المؤمنين عليه السلام صلوات الله عليه قال ان الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في ارضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا ونشير فيما بعد ( ان شاء الله تعالى خ ) الى حدود علومهم عليهم السلام او يكون المراد من المغربين والمشرقين ما قاله عز وجل حكاية ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فكل موت غروب وكل حيوة طلوع وشروق الحيوة الاولى في الخلق الاول في عالم الغيب من اول مبدأ العقل والروح والنفس فان فيها تمام ظهور عالم الغيب وبروزه مشروح العلل مبين الاسباب وجريان التكليف بالاقرار بالالوهية والنبوة والولاية الموت الاول في عالم الطبيعة وهو الكسر الاول وتمام الكسر في المادة والحيوة الثانية اولها اي اول الصوغ بعد الكسر في المثال وتمام الحيوة والنشو في الجسم والموت الثاني فناء هذه الاجسام وبلاء هذه الاجساد والحيوة الثالثة التي هي ظهور الحيوة الاولى لا غير في الآخرة قال الله عز وجل ملاحظا للترتيب الصوري حيث نسي الخلق الحيوة الاولية كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون هذا لعدم ملاحظة العالم الاول والذر الاول فاذا اردت الحقيقي حيث ان القرآن لم يجر على الظاهر المحض فيكون المراد كنتم امواتا في عالم الامكان حيث كانوا صلوحا من غير وجود قال تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وقال عز وجل هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فاحياكم يعني في عالم الوجود الكوني في عالم الغيب ومقام الذرات الاولية والثانية والثالثة ثم يميتكم في عالم الطبيعة ثم يحييكم في عالم الاجسام الظاهرية البشرية ثم اليه ترجعون في الرجعة وفي القيمة اما الى الجنة او الى النار او يكون المراد من المغربين والمشرقين الحلين والعقدين اللذين لا يتكون الشيء الا بهما في الكلي والجزئي فان العقد ظهور وبروز والحل خلط وكسر وموت وافول وغروب وكيفية الحل والعقد مذكورة في العلم الطبيعي الالهي عند توليد المولود الفلسفي فلانطول الكلام بذكرهما هنا او يكون المراد من المغربين والمشرقين ظهور اشراق الشمس النبوي والقمر الولوي صلى الله عليهما في كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وكنت وليا وآدم بين الماء والطين وغروبهما وافولهما بالنسبة الى الناظرين الواقفين في الآفاق المائلة والمنغمسين في بحر الكثرات وعدم مشاهدة الوحدة الظاهرة في الآيات بعد وجود ابيالبشر وظهور التناسل وبعثة الانبياء المرسلين وظهور الملائكة المقربين وطلوعهما وشروقهما صلى الله عليهما في القالب البشرى بعد ما كانا في الظل الالهي والآن كما كانا من صلب عبد الله وابي طالب رحمة الله عليهما واستشراق العالم بنورهما ثم غروب شمسهما وافول نورهما بالنسبة الى اهل المكابرة والمكاثرة وظهور الباطل وشيوعه واستيلائه على الحق وغشيان الليل النهار عجل الله ظهورهما وازاح الغيوم والحجب المانعة عن اشراق نورهما ولعن الحاجبين المعاندين الصادين عنهما الساعين لاطفاء نورهما ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون ولو كره المشركون فبعد ذلك تطلع الشمس من مغربها وتغلق ابواب التوبة على اهل الارض ومن اخلد فيها او يكون المراد منهما طلوع العقل في اول الاستنطاق وغروبه عند الامر بالادبار وشروقه اذا بلغ الطفل الحلم والقرار وغروبه اذا استولت النفس الامارة ( بالسوء خ ) وتمكنت في اقطار البدن فتحتجب شمس العقل بحيلولة ارض الشقاوة وارض الطبع وارض العادات وارض الطغيان وارض الشهوة وارض الممات وارض الالحاد واما بيان كيفية نظر امير المؤمنين عليه السلام في هذه المراتب من المشرق والمغرب فمما تضيق به الدفاتر وتكل عن تحمله الخواطر وفيما اشرنا ولوحنا كفاية لمن استبصر ولمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد او يكون المراد من المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف فانه يختلف طلوعهما وغروبهما في القرب والبعد فان في الشتاء تميل عن سمت الرأس وفي الصيف تمر عليه او قريبا منه كما روي عن امير المؤمنين عليه السلام حين سأله ابنالكوا وقال يا امير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا قال عليه السلام ثكلتك امك يا ابنالكوا كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا فسل عما بدا لك فقال يا امير المؤمنين سمعته يقول رب المشارق والمغارب وقال في آية اخرى رب المشرقين ورب المغربين وقال في آية اخرى رب المشرق والمغرب قال عليه السلام ثكلتك امك يا ابنالكوا هذا المشرق وهذا المغرب واما قوله تعالى رب المشرقين ورب المغربين فان مشرق الشتاء على حدة ومشرق الصيف على حدة اماتعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها واما قوله رب المشارق والمغارب فان لها ثلاثمائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في برج فلا تعود اليه الا من قابل الحديث وكلامه روحي فداه ينطبق بجميع مراتبه اما الظاهر فهو الظاهر المعروف لا يحتاج الى بيان ازيد مما ذكر عليه السلام نعم فيه بيان سر القرب والبعد وسبب التقطيع الى هذه البروج التي هي الدرجات وسر سيرها الى هذه البروج وقطعها في هذه المدة المعلومة وبيانها من جهة المجادلة بالتي هي احسن مذكور في كتب الرياضيين واما من جهة دليل الحكمة فيحتاج الى تطويل في المقال مع انه يظهر ان شاء الله مما قدمنا في ذكر خلق السموات والارض وما نذكر ان شاء الله تعالى واما الباطن فله مراتب كثيرة وبيانه عليه السلام ينطبق على المراتب كلها والاشارة الى المرتبة الاولى منها اعلم ان الوجود اول مقامه نور بالاصالة وظلمة بالعرض مخلوقة من نفس النور فلا يخلو موجود من الموجودات منهما فالوجود هو الشمس حقيقة والنور شرق ممتد الى جهة الغرب الى نقطة سقوط القرص وهي آخر نهايات ظهور النور واول ظهور الظلمة فتمتد نقطة الغرب من اول السقوط الى آخر نهايات الظلمة وهي عند المشرق وهذا المجموع ينقسم الى قسمين صيف وهي عالم الغيب وشتاء وهي عالم الشهادة ومحل ظهور البرودة والرطوبة مع اليبوسة المقتضية للانجماد فيختلف المشرق والمغرب في كل عالم من عالمي الغيب والشهادة ثم ينقسم كل منهما الى ثلثمائة وستين قسما آخر من ظهور الاركان الاربعة العرشية في القبضات العشرة في الادوار الثلثة فينقسم هذه البروج اي الدرجات الى ثلثين برجا وكل برج شهر اي مكث الشمس فيه فتكون مشارق باعتبار ظهور الوجود في هذه الحدود ومولينا امير المؤمنين عليه السلام ناظر الى هذه المراتب كلها بالمعاني كلها بالنظرين اي نظر التدبير او نظر الشهادة او نظر العلم والاحاطة والقيومية فعلى ما فصلنا في هذا الشرح وانما قدم المغرب على المشرق مع ان الامر في الوجود بالعكس لامرين متضادين احدهما لكون المغرب طبع الرحمة اي البرودة والرطوبة الاضافية هذا باعتبار القرب الى نقطة السقوط واعتبار ( باعتبار خ ) الجهة والوضع والطبيعة او لكونه مقام الكمال وبلوغ الوصال ومقام السفر ومشاهدة الغرائب والعلم يرفع كل من لم يرفع بخلاف المشرق فانه اول الظهور قبل النضج والطبخ وحصول الجامعية فالمغرب جهة الجامعية والمشرق جهة ظهور المبدأ ولذا ترى جنان الدنيا في جهة المغرب ونار الدنيا في جهة المشرق او لكونه طبع الحيوة وهو الحرارة والرطوبة فان الشمس اذا مالت الى جهة المغرب مالت عن الحرارة واليبوسة الى الحرارة والرطوبة لكثرة رطوبات تلك الجهة وهذه الاحوال وامثالها تقتضي الشرافة الذاتية المستدعية للتقدم الذاتي الجاري على تقدم ( التقدم خ ) اللفظي وثانيهما ملاحظة ما يترتب على الغروب اي بعد سقوط القرص من الظلمة وايلاج الليل في النهار وغشيان النهار لليل ( وغشيان الليل للنهار خ ) واستيلاء سلطان الظلمة المستدعي لتقدم الليل على النهار فان القوس الصعودي على خلاف القوس النزولي ففي النزولي فكلما كان اولا كان اشرفا وكلما كان آخرا كان كثيفا بخلاف الصعودي فان الكثيف فيه مقدم على الشريف فلما كان هذا العالم في القوس الصعودي تقدمت الظلمة على النور والليل على النهار لينالا نصيبهما من الكتاب قال الله عز وجل الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور فقدم الظلمة على النور لسر ما ذكرنا فكذلك الامام عليه السلام قدم المغرب على المشرق مع ان المشرق في هذا النظر يراد به ما يترتب بعد ذلك فلا شك انه اولي واشرف واحق بالتقديم فقدم المغرب ليحصل الترتيب التام في كلامه روحي فداءه فانه عليه السلام اثبت بقوله عليه السلام انا الواقف على الطتنجين النور والظلمة على التفصيل الذي ذكرناه مجملا واثبت بالمغربين والمشرقين حكم الايلاج والغشيان وتقدم الليل على النهار لان في اول الخلق كان الوقت وقت فريضة الظهر وكان العالم في كمال الصفاء والنورانية ثم تحرك العالم نازلا لاظهار المستجنات التي فيه فجاء الليل ثم جعل الحساب من مبدأ الظلمة فتقدم الليل على النهار والا لكان النهار نصف الليل ويختل الامر من جهات اخر على عموم الخلق واما المنجمون فجعلوا الحكم على الواقعي الاولى اذ اليوم عندهم من زوال الشمس الى زوال الشمس ولما كان هذا الترتيب لا يناسب الترتيب الواقعي الثانوي الذي عليه مدار الوجود المزجي والخلطي جعل اهل العصمة عن الله سبحانه الترتيب المعروف فجعل مبدأ اليوم اول الليل الى غروب الشمس لاظهار القوس الصعودي وتقدم النفس الامارة على العقل وتقدم العقل على الفؤاد وتقدم الجماد على النبات وهو على الحيوان وهو على الانسان وهو على المعصومين سلام الله عليهم اجمعين وقدم عليه السلام المغرب لبيان حكم مزج الطتنجين بالتلويح كما يصرح به عليه السلام فيما يأتي ان شاء الله وانما قال عليه السلام المغربين وما اتى بالجمع للاشارة الى اول الجمع ومبدأ المزج والتركيب فاشار عليه السلام بقوله انا الآمل والمأمول الى مقام البساطة واشار بالطتنجين الى اجزاء المركب واشار بالمشرقين والمغربين الى اول الخلط والتركيب واول مقام الحل واما المشارق والمغارب فانما تحصل بعد ذلك فافهم
قال عليه الصلوة والسلام : رأيت الله والفردوس رأي العين وهو في البحر السابع يجري فيه الفلك في ذخاخيره النجوم والفلك والحبك
اعلم ان في هذا الكلام اشارات كثيرة واسرار غريبة نشير الى بعض وجوهها فنقول لما اشار ( الامام خ ) عليه السلام الى مقام البيان اي التوحيد التكويني التأسيسي الثابت له دون كل ذرات الوجود المشار اليه بقوله عز وجل خلق الانسان علمه البيان وقد قال عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا وذلك هو مقام الاعراف الاصل لكل معرفة كما قال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وهذا هو اعلى المقامات واسنى الدرجات الثابتة لهم عليهم السلام كما تقدمت الاشارة اليها في قوله عليه السلام وارسله في العرب العرباء وبالجملة لما اشار اليه بقوله عليه السلام انا الآمل والمأمول واشار الى مقام المعاني بقوله عليه السلام انا الواقف على الطتنجين على احد التفاسير المتقدمة لكونه مقام المصدر الواقف بين مقام الفاعل ومقام المفعول فالمصدر له جهتان وله ركنان وهما متقومان به تقوم عضد وركن كما هو المذكور في محله واشار الى مقام الابواب بقوله عليه السلام انا الناظر في المغربين والمشرقين نظر التدبير والاحاطة على حد ما قال عز وجل وما كنا عن الخلق غافلين فهو عليه السلام باب الافاضة والاستفاضة اراد عليه السلام ان يشير الى مقام الامام ومقام حجة الله على الانام ومقام ( انما خ ) انا بشر مثلكم فاراد ان يبين الجهة العليا من الامامة وشرائط الامام وصفاته واحواله والامور اللازمة له حتى يكون بذلك رئيسا على كل الخلق من اهل المشرق والمغرب بل الدنيا والآخرة فمن الشرائط اللازمة ان يكون قاطعا مسافة الاسفار الاربعة اي يكون عند ما قال الله عز وجل له اقبل ممتثلا لقوله عز وجل غير ناكل ولا ساهل ولا واقف حتى يقطع المقامات التحتية التكوينية فاذا بلغ حد التميز والرشد لم يقف بالميل الى الشهوات ومتابعة اللذات بل يكون سائرا الى خالق البريات وعاملا بقوله عز وجل ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون الى ان يقطع مسافة النهاية ووصل في سيره الى ما لا نهاية له فاذا وصل هذا المقام فهو نهاية السفر الاول الذي هو السفر من الخلق الى الحق فلما خرق حجاب الحدود ( وخ ) وصل الى مقام الشهود وهو مبدأ السفر الثاني الذي هو السفر في الحق بالحق فهناك يرى الله برأي العين وهي العين التي جعلها الله سبحانه في العبد ليشاهد بها ظهوره لا ذاته فانها هي المجهول المطلق والغيب الذي لا يدرك ولكن الله عز وجل لما كان ازليا انقطع الممكن عنه وعن معرفته وصف نفسه لهم بهم فلما كان وصفه لا يشبه وصف المخلوقين لانه ليس كمثله شيء فيجب ان يعطيهم مشعرا وعينا يدركون بها ذلك الوصف خاصة فان القوى المدركة لا بد ان تكون بينها وبين مدركاتها مناسبة ليصح الادراك بل الادراك ليس الا وقوع المدرك بفتح الراء في المدرك بالكسر اي ظهور المدرك له وذلك الظهور ليس الا عين ما عند المدرك على المراتب كلها فلا يصح ان يكون المدرك مباينا للمدرك والا لم يقع الادراك فوجب ان يكون بين العين التي تدرك ظهور الحق سبحانه ومعرفته والعين التي تدرك ظهور المخلوق تمييزا كاملا مطلقا والا لعرف الله بصفات المخلوقين لان تلك القوة محدودة لا ينطبع فيها ولا ينعكس عنها الا محدودا كما قال مولاي امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فاذا وجب التميز وجب ان لا يكون تلك القوة محدودة بالحدود الخلقية التمييزية لان كل محدود كما ذكرنا لا يقع فيه الا محدود كالمرآة السوداء فان كلما يقع فيها يكون اسود ولما كان ظهور الحق للخلق ليس ظهور المساوي للمساوي ولا السافل للعالي وانما هو ظهور العالي للسافل وظهور العالي للسافل ليس الا عين السافل وكان وصف العالي نفسه للسافل هو ظهوره له به فنفس العالي للسافل هو ظهور العالي الذي هو نفس السافل فكانت حقيقة ذات الخلق هي عين وصف معرفة الحق سبحانه للخلق بالخلق وهو شهادة الحق للخلق ولذا قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وفي الانجيل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا وانا ظهور الذات بالكلام المتفرد وهو قوله تعالى لموسى اني انا الله رب العالمين والظهور الخاص غير الظهور المطلق والظهور المطلق غير الذات فالنفس هي عين ظهور الله وهي عين وصف الله لكن بشرط ان لا تلاحظ معها امرا آخر او تشعر ( تستشعر خ ) بان هنا امرا آخر ايجب عدم النظر اليه كما قال عليه السلام لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة الجلال هو تلك النفس التي قد يطلق عليها روح الله وكينونة الله كما في الكافي في احاديث الطينة فيما خاطب الله عز وجل به آدم يا آدم بروحي نطقت وبضعف قوتك تكلفت ما ليس لك به علم وقال عز وجل فيه له روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وهذه الروح وهذه الكينونة هي ما وصف الله سبحانه ( نفسه خ ) بظهوره له به والسبحات عبارة عن الحدود والتعلقات لانها انوار وحجب عن مشاهدة تلك العين وكشف السبحات عبارة عن سلب الحدود والحجب عن وجدانه لا عن وجوده لان ذلك مستحيل وهذا لا يكون الا بعدم الاشارة لان الاشارة من الوجدان والحجب فاذا ازال تلك الحدود يظهر لك الجبار بصفة الجلال ويتجلى له من نور الجمال بقدر سم الابرة فيفنى في ذلك النور عند ملاحظة ذلك الظهور فيندك جبل انيته ولم يقدر على الاستمساك فيقع مغشيا عليه تحت العرش ويبقى في هذا المقام الى ما شاء الله وهذا نور حادث قد خلقه الله بفعله وامسكه بظله وجعله وجها وآية لتعريفه وتوصيفه بحيث لا فرق بينه وبينه في المعرفة الا انه عبده وخلقه فتقه ورتقه بيده عوده اليه كما كان بدأه منه واليه الاشارة بقول امير المؤمنين عليه السلام ارشادا للمسترشدين في بيانه انه نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ه صبح الازل هو الفعل لانه اول ظهور شمس الازل التي هي التعبير عن الذات الظاهرة بالمقامات والعلامات وهذا النور انما اشرق وحدث من الفعل لكنه حكاية عدم استقلالية الفعل وكونه اثرا للغير ومستندا الى الغير كالضارب المشتق من ضرب المعمول له والاشتقاق والمعمولية دليل الفرعية مع انك حين ذكرك للضارب لا تذكر الفعل ابدا وانما تذكر الذات الظاهرة بالضرب الذي هو نفس الضرب فان حقيقة ذات ضارب من حيث هي لا من حيث ضارب غيب لا يدرك ولا يوصف ولا ينعت فثبت للمؤمن الممتحن ان ذلك النور الذي هو عين وبصر يدرك ويعرف بها الله سبحانه حادث لا يقع الا على حادث وهو قوله عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته وقوله عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص عن العجز والبيان على ( عن خ ) الفقد والجهد على اليأس الحديث فمن زعم ان ذات الله تنكشف لاحد وان الله يتجلى لعبد بذاته فقد كذب وافتري وضل وغوى تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر له الجبال هدا لان الذي ينكشف له حقيقة الشيء لا يكون الا عين ذلك المنكشف او اعلى منه تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فلو كان الحق عين الخلق وليس كذلك لزمه الاقتران والاجتماع والحركة والسكون والتركيب والفقر والحاجة تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وقد شرحت تفصيل الامر في هذه المسألة في تفسيرنا على آية الكرسي فليس الخلق الا ظهور الحق وهذا الظهور اذا نظرت اليه قبل الاقتران بالحدود ينبئ عن الظاهر بذلك الظهور ومع الاقتران لا ينبئ فكل قوة ومدرك فيه جهة الغير لا يعرف ولا يرى به الله عز وجل فالعقل وما دونه من المشاعر لا يعرف بها الله بل انما يعرف الحق عز وجل بعين الفؤاد الذي هو وجه الله للخلق بالخلق وهو النفس وفي هذا المقام تتحد المقامات
واياك واسم العامرية انني اغار عليها من فم المتكلم
وهذه الرؤية هي بالله لان العبد انما عرفه بظهوره له به في اعلى مقامات ذاته وهذا ( هو خ ) معنى قول امير المؤمنين عليه السلام يا من دل على ذاته بذاته ويريد عليه السلام بالذات هي الذات الظاهرة للخلق لا الذات البحت فان الطريق اليها مسدود كما صرح عليه السلام وهو ضروري الدين فالذات المدلول عليها هو الذات الظاهرة وتلك الذات هي عين الظهور الذي للسافل وذلك الظهور هو عين السافل فنظر الحق الى الخلق بما ظهر لهم به ونظر الخلق الى الحق بما ظهر لهم به وهو قول الشاعر :
كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
وقال ايضا :
اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها
فاذا اردت ان تعرف ذلك انظر الى الصورة التي في المرآة فان المقابل انما ظهر لها بها لا بصورة اخرى لا بذاته لاستحالة ان تكون الصورة عين المقابل فتصف الصورة المقابل بالاوصاف الموجودة فيها لا من حيث هي وانما هي من حيث ظهور المقابل لها بها فافهم والا فاسلم تسلم وهذا معنى قول الصادق عليه السلام اعرفوا الله بالله وقوله عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به وامثال ذلك من الاخبار المتكثرة قال مولينا الحسين عليه السلام في دعاء عرفة على ما رواه السيد في الاقبال يا من استوى برحمانيته على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فقوله عليه السلام محقت الآثار الخ اشارة الى ما قال ابوه الطيب الطاهر جذب الاحدية لصفة التوحيد فالاحدية الجاذبة هي الاثر الذي يمحق الآثار والآثار هي صفة التوحيد وهي سبحات الجلال وهي الوصف الذي رجع الى الوصف الذي هي الاحدية التي هي النور المشرق من صبح الازل وهذه الرؤية هي المرادة في الاخبار والآيات وكلام العلماء الاخيار من الفرقة المحقة دون الصوفية الاشرار وفي مناجاة سيد العابدين عليه السلام ورؤيتك حاجتي ووصلك منيتي وقال عز وجل وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة كما قال عز وجل ولما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا واليه اشار امير المؤمنين عليه السلام في قوله لم اعبد ربا لم اره وقال عليه السلام لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقايق الايمان فالسالك في السفر الثاني الذي هو السفر في الحق بالحق له مقامات ومنازل ومواقف : منها مقام التوحيد ففي هذا المقام يرى الله الظاهر له به وحده بنفي الصفات والظهورات كما قال عليه السلام كمال التوحيد نفي الصفات عنه ففي هذا المقام لا يرى الموحد نفسه ولا غيره ولا رابطة ولا نسبة ولا صفة ولا اضافة ولا حكم ولا امر ولا نهي لانه واقف في مقام صرف الظهور وقد طلع له الصبح المستدعي لاطفاء سرج الحواس والقوي والمشاعر كما قال عليه السلام اطفأ السراج فقد طلع الصبح فهذه هي الرؤية الحقيقية الممكنة في حق الممكن والراؤن في هذه الرؤية مختلفون منهم من يرون ذلك الظهور ويشاهدون ذلك النور بغير واسطة انفسهم التي هي صرف الظهور المطلق وهم اول التعين واول المرايا لاشراق نور شمس الازل الظاهرة في صبح الازل عليها واول الحاكين واول الرائين وهم الحجب الاولى الشاهدون من غير حجاب وهم محمد وآله صلى الله عليهم ولهم مقامات فيه ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا ولقد تجلى الله عز وجل فيهم بما لا يسعه ممكن من الممكنات ولا يطيق احد له ولا يقابلهم ( لا يقابله خ ) سواهم الا وقد احترق وهم الحجب الاعلى والمثل الاعلى والكلمة العليا ونور الله في الورى وهذه الرؤية هي رؤية امير المؤمنين عليه السلام وهي المرادة في قوله عليه السلام رأيت الله وقوله ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه ومنهم من يرون ذلك الظهور بواسطة مرآة اخرى لانهم ما قابلوا الا تلك المرآة فينطبع ( المنطبع خ ) فيها ظهور المقابل فحكت المرآة الاخيرة ذلك الظهور والمرآة بجميعهما ( بجميعها خ ) فلا يمكنهم الظهور الحاصل للاولين ابدا لكون رتبتهم تحت ذلك وهذا المقام منازل الكروبيين الذين تجلى الله لموسى بهم وهم قوم من شيعة آل محمد صلى الله عليه وعليهم جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا على ما رواه عن الصادق عليه السلام في بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار فتوحيد هؤلاء شرك بالنسبة الى توحيد الاولين وكمال وتوحيد واسلام بالنسبة الى رتبة مقامهم كما ان توحيد الاولين بالنسبة الى ذات الله عز وجل كفر وشرك لكن ذلك عين توحيد ما ظهر لهم وذلك مقدار العين الموجودة المودعة عندهم انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها اي انزل من سماء المتجلي ماء التجلي فسالت اودية القوابل بقدرها فصارت كل واحدة تخبر عن الماء اي ماء الظهور لا ذات البحت تعالى وتقدس بقدر ما فيها ومنهم من في المرتبة ( الرتبة خ ) الثالثة فيرون ذلك الظهور بواسطتين وهكذا تتكثر المرايا والصور والوجوه حتى تضعف الرؤية لضعف العين المدركة الى ان تزعم وترى ان لله زبانيتين وهكذا سائر المراتب والموجودات في جميع انحاءها يرون الحق ويشاهدونه الا انهم في مقامهم على ما بينت لك فتفهم ومنها مقام الاسماء والصفات وجهات الروابط والتعلقات وله فيه مقامات ومواقف يسير فيها منها مقام الاسماء القدسية ( الفعلية خ ) التنزيهية كالقدوس والسبحان والعزيز والعلي وامثال ذلك فيسير في هذا المقام الى الفناء والاضمحلال وعدم مشاهدة ذاته وفناء الاشياء واستهلاكها وظهور كل شيء هالك الا وجهه وفي هذا المقام اغلب مقامات الادعية والمناجاة كقول سيدالشهداء روحي له الفداء وعليه السلام ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي الموصل ( التي توصل خ ) اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء وقول مولينا عليّ بن الحسين عليهما السلام وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل ( مضمحل خ ) ما عدا وجهك الكريم وامثال ذلك من الادعية والكلمات والاشارات والعبارات ومنها مقام اسماء الاضافة ( الاسماء الاضافية خ ) كالعالم والسميع والبصير والقادر والقيوم وامثال ذلك ومنها مقام اسماء الافعال كالخالق والرازق والمحيي والمميت وامثال ذلك وله في هذه المقامات سير وسفر وسلوك يطول الكلام بذكر الاحوال المقتضية ومنها مقام العظمة والجلال والكبرياء والبهاء والنور والجمال والرحمة والقدرة والارادة والمحبة وامثال ذلك وهذا السير يحصل له اذا بلغ رتبة المعاني فتظهر فيه هذه المباني بل هو في تلك الحالة عينها على مقتضى حالها من الكلية والجزئية فالعظمة عظمتان وكذا الجلال والجمال وغيرهما كما في الدعاء اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي اللهم اني اسألك ببهائك كله فالعظمة الكلية كما اشار اليها الله عز وجل وهو العلي العظيم واما الجزئية فنور تلك العظمة الساري في كل اقطار الوجود فكل موجود من الموجودات له مقام يحكي عظمة الله ومقام يحكي جلال الله وجماله وكبريائه وهذه الحكاية هي عين وجه ذلك الكلي فاذا سافر يصل في مقام سيره الى هذا المقام وهذا المقام اول منزل سفر ( السفر خ ) الثاني ومبدئه ثم يسير منه الى مقام الاسماء اول مراتبها اسماء الافعال ثاني مراتبها اسماء الاضافة ثالث مراتبها اسماء القدس وهي آخر منزل الاسماء ثم يسير منه الى مقام التوحيد ومحل التفريد وموضع التجريد وله فيه مقامات كثيرة وهو نهايات السفر الثاني وهو المنزل المقصود لذاته ونحن عكسنا الترتيب في البيان ملاحظا لمقام النزول الاشرف فالاشرف واما الصعود فبعكس النزول فهو من الادنى الى الاعلى فافهم ان شاء الله تعالى وللسالكين الواصلين الى هذه المقامات مراتب ودرجات ومشاهدات حسب ما بينا في مقام التوحيد فاعظم المشاهدين واشرف الواصلين في اعلى مقامات هذه المقامات هو سيدنا ومولينا امير المؤمنين عليه السلام مع اخيه وزوجته وابنائه سلام الله عليهم اجمعين الى يوم الدين وليس قولي اشرف الواصلين بافعل التفضيل حتى يتوهم شركة الغير معه عليه السلام في هذا الوصول وانما هو كما قال عز وجل احسن الخالقين وخير الرازقين والا فليس معهم في صقعهم احد كما قال مولينا الصادق (ع) وليس في مثل الذي خلقنا منه لاحد نصيب فعليّ امير المؤمنين (ع) هو شاهد الاسماء والواقف عليها والصاعد الى درجاتها ومقاماتها ولما كانت الاسماء كلها مستقهرة تحت هيمنة اسم الله عز وجل فالله هو اسم جامع لكل الاسماء والاضافات والصفات فخص عليه السلام ذلك الاسم المبارك فقال عليه السلام رأيت الله فان الالوهية الظاهرة في محمد الظاهرة في عليّ عليهما السلام هي الالوهية المطلقة المشتقة من اسم الله او اسم الله مشتق منها وقائم بها قيام تحقق لا قيام صدور كقيام الضارب بالضرب هي اعلى مقامات الالوهية وليست لها رتبة في الوجود اعظم منها وهذه الرؤية هي الرؤية في مقام الاسماء لا في مقام المسمى وهو ( هي خ ) دون رؤية التوحيد الذي فصلت لك سابقا فمعنى اني رأيت الله كقولك اني رأيت ( زيدا خ ) قائما فان القائم ليس هو عين زيد وانما هو ظهور زيد بالقيام وهذا الظهور قائم بالفعل الذي هو نفس الظهور لقول مولينا الصادق عليه السلام خلق المشية بنفسها فاذا قلت رأيت القائم لا يدل على انك رأيت ذات الشخص فان رتبة الذات غير رتبة الظهور وبينهما من النسبة وان كان لا نسبة من الثريا الى الثرى واستغفر الله عن التحديد بالقليل بل نسبة الوجود الى العدم فان الظهور عدم بحت عند الذات فلا استلزام بينهما ابدا فضلا عن العينية فلا يستلزم اثبات الحكم للظهور اثباته لكنه الذات بوجه من الوجوه ابدا وكذلك الكلام في قولك اني رأيت زيدا فان زيدا ليس اسما للذات البحت المجردة عن كل الشؤن والاضافات وانما هو اسم للذات الظاهرة بالاسم وهو المسمى فمقام المسمى مقام الاسماء ومقام الذات فوق ذلك كله لان الاسم غير الذات لقول امير المؤمنين عليه السلام كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فاذا كان الامر كذلك فلا يكون المسمى في مقام الذات لحدوثه عند الاسم اي الصفة فلا يؤثر في الذات فالاسم انما وقع على الظهور لا الذات فلا يدل قولك رأيت زيدا اني رأيت ذات زيد لان ذات زيد لا مجال للاسم فيها ولا الرسم وهذه الالفاظ والتوجهات والتعبيرات انما تقع في مقام الظهورات فيكون زيد الظاهر بالاسم غير الذات البحت وهو الذي تتوجه عليها ( اليه خ ) الاحكام وتقع عليه اللغات وتدور عليه الصفات وكذلك الاسم الكريم العظيم الله فانه في مقام الظهور بالالوهية المطلقة ومحل هذا الظهور وحامله هو امير المؤمنين عليه السلام فهو عليه السلام بمنزلة الحديدة والالوهية كالنار الظاهرة فيها وآثار الالوهية ماظهرت في الكون الامكاني الا به عليه السلام وهو قوله عليه السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله وهاتان الكلمتان جامعتان لكل ظهورات الالوهية وشؤنات آثارها فقوله عليه السلام رأيت الله رأي العين اشارة الى اسرار كثيرة يسكن عندها العارف ويضطرب لديها الجاهل بعظمة الله وظهورها في اوليائه لان الاسم المقدس الله اذا حذفت عنه الروابط والاضافات التي هي الحروف اللفظية الدالة على الحروف والجهات المعنوية لما ثبت بالدليل القطعي ان بين الاسم والمسمى مناسبة ذاتية مع ظهورها في هذا الاسم الكريم فاذا حذفت عنه الالف واللامين تبقى الهاء التي هي من حروف ليلة القدر المشار بها الى تثبيت الثابت المحض فاذا اشبعت تولد منها الواو للاشارة الى مقام الهوية الجامعة للالوهية فكانت الهوية موصوفة بالالوهية لا العكس ولذا قال عز وجل قل هو الله احد بتقديم هو على الله فالهوية لا شك انها مقدمة على الالوهية تقدم الذات على الصفة وقولي الذات لم ارد به الذات البحت القديمة جل شأنها بل المراد بها الهوية التي فيها شوب لذكر الاسماء وان كان بالاجمال وهذه الهوية اذا نظرنا الظاهر فيها اشتق منها لفظ هو وان كان الامر بالعكس كما اشتق الله من الالوهية اي اشتقاق الظهور او التحقق وان كانت الهوية مشتقة منه اشتقاق الصدور وهذا الهو اذا التفت الى مقام ظهوراته اشتق منه العليّ العظيم قال عز وجل وهو العلي العظيم كما ذكر غير مرة فعليّ هو هو وهو له هيمنة على الاسم الله واعظم منه فهو محيط به ومهيمن عليه وحاضر لديه رأي العين حضور الالف لدي النقطة وحضور الرياح لدي الرحمة وحضور الكرسي لدي العرش فاشار الحق سبحانه الى المقام الاول الذي ذكرنا من كون عليّ عليه السلام هو حامل ظهور الله بالالوهية ببينات لفظ الله فان البينات حاملة لآثار الزبر وتفاصيل واسماء لها فاشار ببينات الالف الى عليّ عليه السلام اشارة الى انه روحي فداءه ( له الفداء خ ) وعليه السلام حامل لهذا الاسم ومنه يظهر آثاره وهو ظهور هذا الاسم واشار ببينات اللامين والهاء الى محمد صلى الله عليه وآله اشارة الى ان الالوهية ما ظهرت وما تحققت آثارها وما تكثرت شؤنها الا فيهما صلى الله عليهما وقدم اسم عليّ عليه السلام لانه عليه السلام كان يطوف حول جلال القدرة ونبينا محمد صلى الله عليه وآله يطوف حول جلال العظمة مع ان الطائف حول جلال القدرة هو محمد صلى الله عليه وآله تنبيها لقوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام اعطيت لواء الحمد وعليّ حاملها واعطيت الحوض وعليّ عليه السلام ساقيها واعطيت الجنة والنار وعليّ عليه السلام قسيمها ولولا خوفي ان يقولوا جن او ارتد لبينت في هذا المقام امورا عجيبة تدهش لها النفوس وتذهل لديها العقول واما غيره صلوات الله عليه من التابعين فلهم في مقام مشاهدة الاسماء طبقات ودرجات ومقامات على حسب ما لهم ( حالهم خ ) يطول بذكرها الكلام والاشارة اليها ربما تفضي الى ما لا يحسن والله المستعان وعليه التكلان فاذا وصل المؤمن الموحد في سيره الى هذه المقامات رجوعا ليكون الوصول ثلاث مرات مرة من حيث لا يشعر في مقام التكوين الاولى النزولي ومرة عند الصعود والبلوغ فان الرجل لم يبلغ مقام التوحيد الحقيقي الا بعد خرق حجاب الاسماء ومرة عند النزول بعين الله وحفظه لاتمام الناقصين واعانة الضعفاء والمساكين وجبر كسر المنكسرين والقاء الاكسير على الاجساد البالية والفلزات الناقصة وهذا النزول الثاني هو السفر الثالث وهو السفر من الحق الى الخلق بعد اكمال السير في منازل السفر الثاني ومقاماته ودرجاته وفي هذا المقام مقام اشهده الله خلق نفسه في الجزئي وخلق السموات والارض في الكلي قال عز وجل ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم فكما ان الله تفضل عليه وعرفه نفسه ومقامات توحيده واسمائه وصفاته وكذلك يتفضل عليه فيعرفه حقايق خلقه ويريه ملكوت السموات والارض فانه ذو من بعباده ومتفضل على خلقه لا يخيب من انقطع اليه ونزل بساحته والخلق لا يخلو من قسمين احدهما مقصود لذاته وهو الجنة ومراتبها ودرجاتها واهاليها وسكانها وخدامها وولدانها وثانيهما مقصود بالعرض وهو النار ودركاتها ومقاماتها وخزنتها وسكانها واهاليها وحياتها وعقاربها اذ لا يجوز ان يكون الثاني مقصودا بالذات او يكون متساويا مع الاول في تعلق القصد وهو ظاهر قال عز وجل سبقت رحمتي غضبي ولما كان المؤمن سيره من الاعلى الى الاسفل في السفر الثالث لا العكس كان مروره ومشاهدته الاعلى ( للاعلى خ ) اولا فاول ما يريه الله سبحانه الجنة ومراتبها ومقاماتها فيريها بتوفيق الله عز وجل رأي العين ويرى مقامه ومرتبته ومقامات اهل الجنة ومراتبهم فيها ومقامهم في طبقاتهم ( طبقاتها خ ) وسائر احوالها وكذلك النار الا ان هذه الرؤية رؤيتان احديهما بالاحاطة والعلية والثانية بالمشاهدة والعيان على حسب مقامه فالرؤية الاولى هي رؤية امير المؤمنين عليه السلام والاحد عشر المعصومين عليهم السلام وفاطمة الصديقة الطاهرة وراثة عن رؤية السيد الاكبر صلى الله عليه وآله وهو ( هي خ ) رؤية احاطة لان الجنة والفردوس عنهم حدثت ومنهم نشأت واليهم انتسبت وبهم تأصلت وتحققت وبنورهم استنارت وبوجودهم استقامت واستدامت فالجنة لهم عطية من الله سبحانه لهم وهدية اليهم وهي بستانهم يسكنون فيها من شاؤوا وارادوا من شيعتهم المخلصين لهم والمنتحلين لمحبتهم ومودتهم والواردين حوض ولايتهم والصافين في ولائهم والساعين لاعلاء كلمتهم والمتمسكين بحبلهم والآخذين عنهم والمعتصمين بحججهم وبراهينهم صلى الله عليهم فقد احاطوا عليهم السلام بها علما وهي بما فيها حاضرة لديهم حضور النور للمنير والاثر عند المؤثر وكذلك الجنان الخاصة بهم صلى الله عليهم من الفيوضات والامدادات الواردة عليهم من بحر القدر الاول من انحاء الترقيات في مراتبهم الذاتية التي لا يصل اليها احد من الخلق فانهم عليهم السلام احاطوا بها احاطة الشيء اطوار نفسه وشؤنات ذاته وتنعمات قلبه وهو المراد من قوله عليه السلام رأيت الله والفردوس رأي العين فان المراد بالفردوس مطلق الجنان لا الجنة الاولى على ما قيل في اسماء الجنان ان الاولى جنة الفردوس والثانية جنة العالية والثالثة جنة النعيم والرابعة جنة عدن وهي التي لا حظيرة لها والخامسة جنة المقام والسادسة جنة الخلد والسابعة جنة المأوى والثامنة جنة دار السلام والفردوس في اللغة بمعنى البستان كالجنة بعينها فيطلق عليها الفردوس كما يطلق عليها الجنة الا ان الجنة اشهر اطلاقاتها ولكن لا يذهب عليك ان مقام الله والفردوس في الرؤية واحد لان ذلك باطل فان العين التي يرى بها الله عز وجل يجب ان يكون ليس كمثلها شيء اذ لو كان لها مثل فقد ادركت الحق بالمثل لان الصفة لا تخالف موصوفه تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وكذلك العين التي يدرك بها الله في مقام الاسم الاعظم فان ذلك مقام الاحاطة والقيومية العامة الشاملة للفردوس والجحيم والفردوس احد ظهورات آثاره وهو اعلاها ولكن العين التي يرى بها الفردوس تحت تلك العين ايضا الهية لان الفردوس بيت رضاء الله سبحانه فما ينسب اليه منسوب الى الله سبحانه مع ان الواقف في هذا المقام يكون الله سمعه وعينه ويده جمع عليه السلام الرؤيتين في صقع واحد وذلك لشدة الاتصال في الظهور فان ظهور كرامة الله ومواهب الله وعظم قدرة الله وجميل صنع الله وتمام نور الله وكمال رضوان الله ومنتهى امتنان الله وغير ذلك كله في الجنة والفردوس وهو حقيقة جامعة لكل الظهورات الغير المتناهية وهو الثناء البالغ مجمع ( كل خ ) الكمالات ومعدن كل الخيرات وهو اول ما اشتق من الاسم المقدس الله فهو لكمال المناسبة وشدة حكاية الظهورات الالهية ادخل في تلك الجهة وحوسب من ذلك الصقع كما قال عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى فجعل الجنة هي ذات الله العليا كما قال ونفخت فيه من روحي فلهذا صح هذا الجمع وهذا الكلام يجري مجري الظاهر واما في الحقيقة فاعلم ان الفردوس اشارة الى مثل نور الله جل جلاله في قوله عز وجل مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم وليس لله عز وجل نور خارج عن الجنة فان الجنة ليست الا جهة الله والاقبال اليه في التكوين والتشريع الا ان لهذا الاقبال مراتب كثيرة لا تتناهى في مقامات الوجود المقيد وكذا وجوه تعلقات الوجود المطلق كالسراج الجامعة ( الجامع نسخة ١٤٢ ) لمرتبة النار الغائبة الظاهرة فيه ومسها مثال الوجود المقيد والنار الظاهرة مثال الوجود المطلق فتكون الجنة هي نور السموات والارض وقد قال عز وجل الله نور السموات والارض وهو الالوهية الظاهرة في الجنة المقومة لها بنفسها والنار بنفسها الا ان النفس الاولى هي الجهة العليا والنفس الثانية هي الجهة السفلى وهي القيومية الظاهرة بالوجود ( في الوجود خ ) المقيد وذلك النور هو نور الانوار الذي نورت منه الانوار فيكون الاسم الكريم الله هو المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والفردوس حامل تلك المقامات ومظهر تلك الآيات فافهم التلويح اذ بالتصريح يرتاب فيه الجاهلون ويسلك سبيل الانكار المعاندون فعلى هذا ظهر المراد من قوله عليه السلام رأيت الله والفردوس رأي العين فان الفردوس محل لذلك الظهور ومقر لذلك النور كما تقول ضربت ضربا فهو ضارب وذلك مضروب فالله هو اسم الفاعل والفردوس هو المصدر المفعول المطلق والفردوس المنقسمة ( المنقسم خ ) الى الثمانية هو المفعول به فان جعلت الفردوس هي الولاية الظاهرة المحيطة بالوجه الاعلى لكل ذرات الكائنات في وجهها الاعلى كما قال عليه السلام لمن قال اللهم ادخلني الجنة لا تقل هكذا انتم في الجنة بل قل اللهم لا تخرجني منها وهذه الجنة هي الولاية مظهر الاسم الرحيم على مراتبها في النعيم المشار اليه في قوله عز وجل ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فيكون الفردوس محلا للاسم المبارك الله في الوجه الاعلى الذي اشار اليه مولينا وسيدنا الصادق عليه السلام في تفسير الله الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا وهذه الالوهية هي التي محلها ومصدرها ومظهرها الجنة العامة لكل الخلق من التابعين وتابعي التابعين والخلق اجمعين والله مشتق من الالوهية او قائم بها قيام تحقق على ما فصلت سابقا فعلى هذا يكون المراد بالرؤيتين في قوله عليه السلام رأيت الله والفردوس رأي العين هي رؤية الاحاطة وان كانت العينان تختلفان وقولي هذا مسامحة ومداراة والا فعين واحدة لها جهتان عليا وسفلى وعليّ امير المؤمنين (ع) محيط بهذه العين ومدركاتها ولما صح عندنا ان العلم عين المعلوم والادراك عين المدرك كانت هذه العين الرائية عرضية لا ذاتية له عليه السلام وتلك العين هي عين الجنة ( بصر هي عين حقيقة الجنة خ ) والفردوس والله هو الظاهر بالالوهية الظاهرة في الفردوس المذكور وهذا الاسم الفاعل هو الذي يعمل فيه الفعل وكذلك المفعول المطلق والمفعول به الذي هو عبارة عن الجنة وابوابها ومورد انقسامها فافهم وهذه الجنة الحاملة لتلك الالوهية المفسرة في كلام الامام عليه السلام بالولاية المنبسطة على كل اعيان الممكنات والمكونات لها مراتب كثيرة في السلسلة الطولية والعرضية وكل مرتبة على التفصيل الذي ذكرت من تقوم اسم الفاعل بالفعل لكونه معمولا له والمعمول متقوم بالعامل لفظا ومعنى واهل كل مرتبة من المراتب الثمانية في السلسلة الطولية اذا سمعوا هذه الخطبة المباركة وهذه الفقرة الشريفة يصرفونها في رتبة مقامه ومرتبته
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
وانما اجمل ( في خ ) الكلام واغمض العبارة لعدم احتمال الناس والا لسمعوا الحان طيور القدس على دوحات شجرة طوبى وسدرة المنتهى وان جعلت الفردوس هي الولاية الحقيقية اي المحبة الاولية في احببت ان اعرف في اول الذكر فتكون هي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله الظاهرة في الحقيقة العلوية عليه السلام المجتمعة المتنزلة في الرتبة الفاطمية صلى الله على ابيها وبعلها وبنيها وعليها فالالوهية الظاهرة عليها المقرونة بها التي اشتقت من الاسم المقدس الله وتقومت به قيام تحقق كالعكس هو الله الذي قال النبي صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرفك الا الله وانا وما عرفني الا الله وانت وما عرف الله الا انا وانت فحينئذ يكون المراد من الرؤيتين رؤية شهود وعيان لا احاطة وعلية لانه عليه السلام اذ ذاك يقرأ حروف نفسه ونظر الى نور العظمة الاولية مقدار سم الابرة فتناهي كونه فاتي مقام التحير فاستدار على نفسه وظهرت نقطة المحبة الاولية فاحببت ان اعرف فصارت مبدأ الجنان والحور والغلمان حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فالرؤية الثانية المتعلقة بالفردوس مبدأ دليل الحكمة ومعرفة حقايق الاشياء وذوات الموجودات ولما كانت المعرفة عين المعروف كما ان العلم عين المعلوم فصارت تلك المعرفة هي وجود المعروف ومبادي الموجودات واصولها وذواتها التي هي محال لمشيات الخاصة بها هي الجنان ومقابلها هي النيران فصارت الجنة جنتين جنة تخص بهم صلى الله عليهم وجنة يعمهم وغيرهم فالاولى هي الاسم الاعظم الله ومتعلقه في مقامهم ورتبتهم والثانية هي الاسم الاعظم الله ومتعلقه في مقام غيرهم فعندهم الجنة معلومة مرئية رأي العين وقد دخلها النبي صلى الله عليه وآله ليلة اسرى به الى السماء وكذلك سيدنا عليّ عليه السلام كيف وقد قال روحي فداءه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا يعني بالغطاء غطاء الجسد كما قال الله عز وجل فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ويريد باليقين هو العلم باحوال الآخرة واطوارها ودورها وجنتها ونارها ونعميها واليمها وهو عليه السلام قسيم الجنة والنار ولا تكون القسمة خاصة في الآخرة بل في الدنيا فانه عليه السلام زائد ( رائد خ ) اوليائه وقائد اصحابه الى مقاماتهم التي خلقوا لها في الدنيا والآخرة ويطول الكلام بذكر تلك الاحوال مع ما انا فيه من شدة الكسالة والملال وقد قال النبي صلى الله عليه وآله يوما لاصحابه ما معناه اتدرون ما في يدي اليمنى قالوا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله فيها اسماء اهل الجنة وآبائهم وامهاتهم الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل طول عمره عمل اهل النار فيختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله اتدرون ما في يدي اليسرى قالوا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله فيها اسماء اهل النار وآبائهم وامهاتهم الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة طول عمره فيختم له بالسوء فيدخل النار في الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام يقول اني لاعلم ما في السموات وما في الارض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون قال ثم مكث هنيئة فرأى ان ذلك كبر على من سمعه منه فقال عليه السلام علمت ذلك من كتاب الله عز وجل ان الله عز وجل يقول فيه تبيان كل شيء ه وهذا الكتاب الذي اخذ العلم منه صلوات الله عليه هو امير المؤمنين عليه السلام لان الله عز وجل يقول هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وقد دلت الاخبار على ان هذا الكتاب هو عليّ عليه السلام والائمة عليهم السلام انما تعلموا كل ما عندهم من العلوم عنه صلى الله عليه وآله وهذا الكتاب الصامت الذي هو القرآن هو ظهور من ظهورات ولايته المتعلقة بمخلوقات الله عز وجل ولذا لا يجوز لاحد من الائمة عليهم السلام ان يسمى امير المؤمنين غير عليّ عليه السلام لانه عليه السلام يمير الائمة العلم وهم المؤمنون حقيقة وما سواهم حقيقة ثانية بعد حقيقة فاذا كانت ( كان خ ) الائمة سلام الله عليهم يعلمون كلما في الجنة والنار وكان ذلك بتعليم عليّ عليه السلام فهو صلوات الله عليه اولى واحرى واليق بعلم الجنة ومشاهدتها ورؤيتها وكيف يخفي عليه ما هو باعثه ومنشأه ومقيمه بالله عز وجل والفردوس بيته عليه السلام لنفسه ولرعاياه وهم كل الخلق فلا يخفى عليه امر بيته وهو فضل الله يؤتيه من يشاء فالامامة الكبرى والرياسة العظمى في الظاهر مطابقا للباطن لا تكون الا لمن كمل في السفر الثالث ولا يكون عنده شيء يحجب نور الله الساطع عليه والظاهر له كما قد يتوهم حصوله في القوس النزولي فيجب تصفية ذلك كله حتى يظهر له نور الجلال فيتخلل في كل احواله واقواله وحركاته وسكناته فيمشي بالله ويبطش بالله ويقول بالله ويعلم بالله فاذا ظهر ذلك النور فازال الغيور فيرى كل شيء في مكانه ومرتبته قال عز وجل قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون فيشاهد كل الاشياء من احوال الدنيا والعقبى وما تنتهي اليه الامور الى ما لا يتناهى لان المقتضي موجود والمانع هو كثافات الادبار مرفوع قال عز وجل ودخل المدينة اي مدينة الوجود الانساني والداخل هو الظهور الرحماني على حين غفلة من اهلها اي اشتغال الحواس والقوي والمشاعر وجميع روابط الماهية اذ الشيء حين ينظر الى روابط ذاته ونسب حدوده ويشتغل بمدركات القوي والمشاعر فهو غافل عن النور الواحد المنبسط على كل الاكوار والادوار والاطوار فلا يظهر ذلك النور له الا اذا سكنت الحواس وهجعت العيون وهدأت الاصوات فاذا ظهر ذلك النور في مدينة الكينونة بعد ما كان هاربا لتسلط الظالمين القوي والمشاعر ورئيسهما النفس الامارة بالسوء فاذا دخل وقد سكنت الحواس وجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهو العقل المستنير بنور الله وهذا من عدوه وهو النفس الامارة بالسوء المدبرة عن الله فوكزه موسى فقضى عليه فقتل العدو الذي هو النفس الامارة وهو معنى القاء موسى عصاه قال هذا اي النفس الامارة بالسوء من عمل الشيطان وهي الماهية الخبيثة انه عدو مضل مبين فاذا انقتل العدو الظلماني واستولى الشيعي النوراني فغلب النور وظهر في كل المدينة فكان يرى الاشياء وذلك النور هو العمود من النور الذي يعطيه الله وليه فيرى بذلك اعمال الخلائق واحوالهم كما عن الرضا روحي فداه فاذا لم يكن نورانيا كما وصفنا فلم تجز له الامامة والرياسة الكبرى لانه مثل ساير رعاياه فيحتاج اليهم احيانا لان ذلك النور مانفد وماتخلل في كل ذرات وجوده حتى لا يخفى عليه شيء فبقدر عدم التخلل يبقى جاهلا فاذا احتاجوا للحكم المتعلق بذلك الذي ما تخلل فيه النور ولم يصل اليه العمود فيبقى واقفا متحيرا كسائر رعاياه حاشا ربي ان يرخص ( يدحض خ ) حجته وينقص نوره ويجعل الجاهل الناقص خليفة له على خلقه فمن اين يظهر اذن قدرته وقوته وكماله فان الخليفة ظاهر للاصل ونائب عنه فيجري عليه حكمه كما قال عز وجل الذين يبايعونك انما يبايعون الله من يطع الرسول فقد اطاع الله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فلما كان العلم بحقايق الموجودات وقرانات احوالها ومقتضيات آثارها هو علامة الامامة والرياسة كما اخبر الحق عز وجل في كتابه العزيز عن ذلك فقال عز من قائل واوحى ربك الى النحل وهو منتحل العلم وهو الامام عليه السلام كما ورد النص عنهم عليهم السلام قالوا نحن النحل ان اتخذي من الجبال اي من علم الشهادة واحوال الاجسام والقرانات الصورية والحدود المقدارية جوهرية كانت ام عرضية حقيقية ام مجازية بيوتا وهو اخذ النقطة الواحدة من العلم الذي كثرها الجاهلون فيأوي اليها ويسكن عندها ويستريح لديها ويجريها في كل ما اراد جريان الماء في النبات او جريان الشمس في الشعاع او جريان الشجرة في الاغصان والاوراق ومن الشجر اي من المقامات الغيبية والحقائق المعنوية لانها اصل واحد يتشعب الى الصور والحدود والظواهر والاحوال كالشجر ومما يعرشون اي الموالي وهي العلوم البرزخية والروابط والنسب بين الغيب والشهادة والظاهر والباطن في كل المراتب والاطوار فان اغلب العلوم مما يتعلق بهذه الروابط والبرازخ ثم كلي من كل الثمرات بصرف تلك القواعد والابواب من العلوم الى افرادها واجزائها وجزئياتها ورد الفرع ( الفروع خ ) الى اصولها والآثار الى مباديها حتى لا ينظر الى شيء من الاشياء الا ويلحقه بمبدأه واصله ويجري عليه حكمه فان الثمرات علوم كما فسرت في اخبار اهل البيت عليهم السلام لتكون ( فتكون خ ) هذه علوما جزئية اضافية وهي الابواب الالف المنفتحة من باب واحد وذلك هو البيت كما ذكرنا فاسلكي سبل ربك ذللا وسبيل الرب هو عليّ عليه السلام كما عن الباقر عليه السلام في حديث الى ان قال عليه السلام انه يعلم ان سبيل الله هو عليّ عليه السلام والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ روحي فداءه ومعنى هذا السلوك يختلف باعتبار اختلاف السالكين فان كان السالك هو الامام عليه السلام فمعنى سلوكه ذللا هو ما اشار اليه الحق عز وجل ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فمن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين اي يقول اني انا وقال عز وجل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه وقال عز وجل لنيستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا وان كان السالك غير الامام عليه السلام فمعنى سلوكه ذللا في سبيل الرب في العلم ان يكون في جميع احواله وعلومه مستندا الى على والطيبين من اولاده صلى الله عليهم كما قال عز وجل اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وقال عز وجل ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها الارض هي الامام عليه السلام وهي التي وضعها للانام ليستأنسوا بها ويستريحوا عليها ويلجأوا اليها ويستمدوا منها ويمشوا في مناكبها لان الامام عليه السلام هو اللوح المحفوظ الذي فيه كل احوال ذرات الكائنات وكل شيء احصيناه في امام مبين والجبال هي الامام عليه السلام لانه وتد الارض ولولاه لساخت الارض باهله ( باهلها خ ) قال تعالى الم نجعل الارض مهادا والجبال اوتادا وبالجملة فاذا سلك العالم سبيل الله ذللا منقادا خاضعا خاشعا يخرج من بطونه شراب مختلف الوانه من علوم المبدأ والمآل والاحوال وحقائق الاشياء وماهياتها وجهات وحدتها وجهات كثرتها ومبدأ ايتلافها ومحل اختلافها وقشورها والبابها وحدودها واوضاعها ونورها وظلمتها وظاهرها وباطنها وعلم الحقيقة وعلم الطريقة وعلم الشريعة وعلم ما كان وعلم ما يكون من حيث اقتضاء الذي كان وسائر الاطوار والروابط والاضافات والجهات والنسب فان كل شيء من الاشياء مبدأ علم من العلوم وماظهر للناس الا ما توفرت دواعيهم وعظمت حوائجهم اليه فيه شفاء للناس من امراض جهالتهم لان العلم هو اسم الله وذكره لان نظر العالم في الاشياء ليس الا من جهة مبدئها ولهذا يحصل الابواب والبيوت والقواعد فلو كان من جهة انفسها لم يتمكن من ذلك لان تلك الجهة جهة الاختلاف والتمايز والكثرات والجزئية وامثال ذلك فالعالم في كل احواله عند استفادته للعلم يذكر الله وقد قال عليه السلام في الدعاء يا من اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غني فيكون العلم شفاء من كل داء لانه حينئذ جرعة وشربة من حوض الكوثر وقطعة من الاكسير الاحمر فاذا شربه الانسان واستعمله لم يبق عنده ظمأ ولا داء فتندفع عنه امراض الجهالات الحاصلة من انواع التقليدات والشكوك والشبهات وسائر الواردات والايرادات وهذه الآية الشريفة مشتملة على جميع مراتب العلم بانحاءها فاذا وجب في الرياسة الكبرى العلم والعلم علمان العلم الظاهري والعلم الباطني والامران يجب ان يكونا في الامام عليه السلام على حد الكمال وكان المدعي بهما ( لهما خ ) كثيرين واستيلاء الباطل على الحق بالدعاوي الكاذبة المجتثة والافتراءات الباطلة الافكية متحقق والمؤمنون الذين يطلبون الحق لا يجوز في الحكمة ان يجعلهم الله مهملين متحيرين لا يدلهم على النجاة بل يجب ان يكون امر الله وحكمه اوضح من الشمس وابين من الامس لئلا يكون للناس على الله حجة وجب على الامام الحق عليه السلام اظهار العلمين وابانة طرق الهداية في النشأتين ليهلك من هلك عن بينة وينجو من سبقت له من الله العناية اما علم الظاهر فقد ابانوا عنه وكشفوا عن حقيقته واشاروا الى ماهيته ورموزه واشاراته بحيث لم يبق لاحد من شاهدهم وسمع كلامهم شك وريبة انهم اعلم الخلق بالحلال والحرام ومواقع الاحكام وقد افسدوا مذاهب مخالفيهم وغاصبي حقوقهم بالنهي عن القياس والرأي والاستحسان والقول عما لا يعلم والخروج عن الكتاب والسنة وامثال ذلك من الاحوال التي لا يشك عاقل بان الذي جميع علومه حاصلة من غير قياس ولا استحسان ولا رأي ليس الا من الله عز وجل وممن اشهده الله خلق السموات والارض فان العلم الغير المستند الى الله عز وجل لا بد ان يكون مأخوذا عن احد هذه الامور او المجموع او الملفق منها لا محالة وشرح كيفيته مما يطول به الكلام والعاقل تكفيه الاشارة واما علم الباطن فقد اشاروا اليه عليهم السلام في تلويحات كلامهم واشارات جميع ما تكلموا في الظاهر حتى كان لكلامهم صلى الله عليهم سبعون وجها مرادا لكن تلك الوجوه السبعين ( السبعون خ ) كلها محتجبة تحت حجاب الظاهر وذلك لعدم تحمل الناس وضعف بنيتهم وعقولهم عن ادراكه لان الطبايع بعد ما صفت والاحكام ماظهرت والظلمة ما ارتفعت بل غلبت فغطت على الافهام والعقول ومنعتها عن الوصول فلو سمع الناس من تابعيهم شيئا من ذلك ما استقرت لذلك عقولهم وما اطمأنت به قلوبهم ولاضطربت حواسهم ومشاعرهم وكانوا يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وذلك لامور احدها لانكارهم ذلك حتى حيث ( ذلك حيث خ ) اتاهم شيء ما يعقلون ولا يدركون ولا يسع اكثر الناس التسليم والرضا لانهما من شعار اهل الصفا والوفاء وهم اقل من الكبريت الاحمر وثانيها لتصديقهم وتسليمهم عن غير بصيرة يتصورون ( فيتصورون خ ) شيئا خلاف الواقع ويضعون الاشياء في غير مواضعها فيفسد عليهم دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم وثالثها لعدم احتمالهم وتحملهم وصبرهم عليه وكتمانهم فيخبرون من لا اهلية له فيقع منه الفساد العظيم الذي لا يسد ورابعها لعدم فهمهم لجهات كثيرة يطول بذكرها الكلام فيكون البيان عبثا وامثال ذلك من الامور ولذا نقول كما استفدنا من كلام امير المؤمنين عليه السلام انه ما كل من حضر مجلس العلم سمع ولا كل من سمع عرف ولا كل من عرف احسن التعبير عنه ولا كل من احسن التعبير عرف مواقع القول اذ لكل مقام مقال وهو قول مولينا الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله وقال مولينا امير المؤمنين عليه السلام اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة ومن هذه الجهة ما صرحوا في الباطن بل اخفوه صونا عن الاعداء والاحباء وخوفا عنهما ولكن لاجل اقامة الحجة وابانة للامر واحكاما للدين واعانة للمؤمنين الممتحنين في معرفتهم وديانتهم صرحوا ببعض مقامات الباطن وباطن الباطن لاناس مخصوصين وامروهم بالكتمان عن ابناء الزمان فما اشتهرت تلك الاخبار بكل لسان فبقيت مطروحة حتى جرت على لسان بعض المجاهيل وكثير منها ليست مسندة بل بقيت مرسلة واغلبها مرفوعة لم يذكر الراوي وكثير منها ايضا جرت على لسان بعض الغلاة والصوفية وغيرهم من المخالفين والغلاة كثير منهم تقول عليهم وكثير منهم هم الغلاة في الواقع وهم سلام الله عليهم تعمدوا لاظهار تلك الاخبار على هذا الطريق حتى لا يلتفت اليها من لا اهلية لها من الموافقين والمخالفين لتصون الفرقة المحقة عن شر هؤلاء الشياطين اعداء الدين اما الموافقون ممن لا يعرفون فلا ينظرون ولا يلتفتون اليها لضعف اسانيدها وعدم الاعتماد على رواتها وهو عذر موجه صحيح واما الموافقون ممن يعرفون فهم على بصيرة ويقين ينظرون بنور التوسم فيعرفون كلام الامام عليه السلام ويميزونه عن غيره باعانتهم عليهم السلام ونصب القرائن لهم فلا يضرهم فسق الرواة وكفرهم لانهم عليهم السلام قالوا ان لنا اوعية من العلم نملأها علما لتنقلها اليكم فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فتنكبوها فانها اوعية سوء وكذلك ارسال السند ورفعه فان قرائن الصحة اذا كانت موجودة فلا يضر الارسال والرفع واما تلك القرائن فليست مشرعة لكل خائض ومنهلا لكل وارد وانما هي امور يخصون بها من ارادوا سلام الله عليهم وقد تقدم ما ورد عنهم عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتى الملك المقرب والنبي المرسل والمؤمن ( الممتحن خ ) الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام من شئنا ه وهم الذين ينصبون لهم قرائن وامارات مخصوصة وهم اهل التعليم الخاص ممن قال فيهم عليه السلام لا جبر ولا قدر بل منزلة بينهما اوسع من السماء والارض لا يعلمها الا العالم او من علمه اياه العالم وهذا التعليم ليس هو التعليم العام لكل احد لان هذه المسألة لا يعرف حقيقتها الا اوحدي الزمان فيكون التعليم هو التعليم الخاص وهو حيث لم يشافه يكون بنصب القرائن المخصوصة لهم خاصة لا يطلع عليها سويهم ولا يكلف بها غيرهم ولما كان هذه الخطبة المباركة من تلك الاخبار التي ظهر فيها بعض الاسرار الباطنية والعلوم الحقيقية لاثبات علم الامامة في مقام ( انما خ ) انا بشر مثلكم قال عليه السلام رأيت الله والفردوس رأي العين وهو اشارة الى جوامع العلوم لان العلوم لا تخلواما ان تكون متعلقة باحوال المبدأ الخالق وصفاته واسمائه او متعلقة بالآثار والمخلوقين وهم على قسمين مقصود لذاته ومقصود لغيره فالمقصود لذاته هو الخير وجوامع الخير مقامات الفردوس والمقصود بالغير هو الشر وجوامعه هو النار وهو ( هي خ ) ظل الجنة متقومة بها حكمها حكمها في مقام التضاد والعلم علمان علم بالاخبار والمفهوم وعلم بالمشاهدة والعيان والعلم الثاني قسمان علم بالاحاطة وعلم بدون ذلك فقال عليه السلام رأيت الله فاشار به الى علم التوحيد وما يتعلق به من المراتب والاحوال والاسماء والصفات واحكام القيومية وغيرها مما هو مذكور في علم التوحيد مما هو ظاهر للعلماء وما هو مخفي عنهم وظاهر للمؤمنين الممتحنين وما هو مخفي عنهم وظاهر للملائكة المقربين وما هو مخفي عنهم وظاهر للانبياء والمرسلين وما هو مخفي عنهم وظاهر للفاطمة الصديقة ( ظاهر للصديقة خ ) الطاهرة صلى الله على ابيها وبعلها وبنيها وعليها وما هو مخفي عنها وظاهر للائمة الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وما هو مخفي عنهم وظاهر للقائم بالحق صاحب الزمان حجة الله على الاولين والآخرين وما هو مخفى عنه وظاهر لسيدي شباب اهل الجنة اجمعين الحسن والحسين صلى الله عليهما وما هو مخفي عنهما وظاهر له صلى الله عليه وآله الطاهرين وذلك كما مر غير مرة والله اسم جامع لجميع الصفات والاسماء فاثبت علم التوحيد الذي هو علم البيان الذي علمه الله الانسان في قوله عز وجل خلق الانسان وهو عليّ صلوات الله عليه وآله لانه الكامل في الانسانية البالغ في النهاية والغاية وهو اسم حقيقي له واخيه ( لاخيه خ ) واولاده وزوجته الطاهرين وفي مقام التفصيل يختص به عليه السلام في عالم الظهور علمه البيان وهو علم التوحيد لقول الباقر عليه السلام عن جده الطيب الطاهر امير المؤمنين عليه السلام واما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا ثم اثبت القسم الاعلى من العلم الذي هو العلم العياني والمشاهدة الكشفية البالغة حد الرؤية على ما فصلنا سابقا وهو اعلى مقامات العلم ونسبته الى العلم المفهومي والاخباري نسبة العلم الى الجهل فلما اثبت هذا العلم الشريف على هذا النهج الشريف لنفسه روحي فداه اثبت الوجه الثاني من العلم الذي هو العلم بالمخلوقين ولما كان اهل الحق ليس نظرهم الى الباطن والى المجتثات ولا يعدونه شيئا ولا يلتفتون اليه خص الجنة بالذكر تشريفا وتكريما فيلزمها النار والعلم باحوالها واوضاعها وسكانها ولا شيء من العلوم يخرج عنهما ولا يؤل اليهما ولما كان هذا قد يكون بالاخبار والمفهوم وهو لا يشمل الاحاطة بجميع الوجوه فلا يعم العلم بكل احوال الخلق اذ كثير منها يؤل اليهما بواسطة او بوسائط فالانظار المجتثة قد تقصر الى الواسطة والسبيل من حيث نفسها لا من حيث كونها واسطة كالعلوم المتداولة بين الناس اثبت عليه السلام العلم الاعلى وهو العلم العياني الشهودي الذوقي اي القسم الاعلى منه لانه عليه السلام يصرح فيما بعد ان كل هذه العلوم علم احاطة لا علم اخبار ولا عيان محض والاحاطة لا تتصور الا بمعرفة جميع مبادي الشيء وعلله واسبابه وشرائطه ولوازمه ومعداته ومتمماته ومكملاته وحدوده ومقتضيات احواله وآثاره وشؤن ذاته وامثاله ( امثالها خ ) مما يتوقف عليه وجود الشيء الواحد ولما كان العالم قد خلق على نسق واحد وطور غير مختلف ولا متعدد اذا عرف الشيء الواحد عرف الاشياء كلها لاشتراكها في الروابط والشرائط والمتممات والمكملات وغيرها فقد اثبت العلم الكلي بكل ذرات الوجود على جهة الرؤية والشهود وهو تمام العلم وتمام الفخر وقد قال الله عز وجل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ولا شرف الا بالعلم ولا فخر الا به فاذا حصل العلم الكلي لاحد بحيث لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء فلا يساويه احد ولا يدانيه احد وله الرياسة الكبرى من قبل الله عز وجل على كل ما سواه وهذا معلوم بالضرورة فاذا علم شيئا وجهل الآخر لا رياسة له على غيره اذ لا احد الا ويعلم شيئا ويجهل آخر الا انهم يتفاوتون في القلة والكثرة لكنهم محتاجون بعضهم الى بعض فيما يجهلون ولا يجوز ان يكون حجة الله على خلقه الرئيس على الكل محتاجا الى رعاياه وغنمه فلما اثبت العلم كله بجميع انحائه واقسامه على اكمل وجوهه لنفسه الشريفة اثبت له عليه السلام الرياسة الكلية والخلافة العامة ولكن لما كان قد يتوهم من ذلك ان المدعين لذلك كثير وان كان على الباطل لما ثبت من تقابل دعوى الحق ودعوى الباطل اراد عليه السلام ان يجعل ميزانا ليعرف كذب المدعي من صدقه وهو بيان نوع العلم الجامع المدعي وشرحه على ما يقتضيه اذ لا كل علم يمكن تفسيره في لسان الظاهر المعروف لان من العلوم سر لا يفيده الا سر ومنها سر مستسر ( بالسر خ ) ومنها سر مقنع على السر فاذا عبر بلسان الظاهر لا يفيد الا الوجه الواحد الظاهر وهو خلاف المقصود ويجب ان يكون لما ذكر شاهد من كتاب الله عز وجل يشهد بتصديقه ومن السنة النبوية ومن نوع مذهب الفرقة المحقة لا ان يكون كلاما مجملا لمحض الادعاء لان هذه الكلمات المجتثة كثيرة واهل الحق لا يزالون مستنيرين بنور الله فيشملهم بهاء رحمة الله وتكون علومهم لها اصل ثابت محكم ونور يتلألؤ على قلوب المؤمنين كما قالوا عليهم السلام ان لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نور ولكن معرفة تلك الشواهد والانوار حظ اولي البصائر والابصار وهم خواص شيعتهم المستنيرين بنورهم والمعتصمين بحبل ولايتهم المنقطعين اليهم وهم حملة مثل هذه الاخبار وحفظتها قال الله عز وجل انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون اي عند اهله في كل مقام بحسبه ولذا اراد عليه السلام شرح الجنة والفردوس على حسب ما ادعى على لسان الحقيقة وان كان قد يتراءي لاهل النظر انه رمز واشارة ولكن اهل المعرفة يرونه لسانا حقيقيا لا رمز فيه لكن الامر عظيم والمطلب خطب جسيم فقال روحي فداءه صلى الله على محمد وآله وعليه وزوجته الطاهرة وابنائه المعصومين المطهرين المنزهين اشارة لبيان حقيقة الفردوس ومبدئه واصله ومنشأه ومستقره
قال عليه السلام : وهو في البحر السابع يجري فيه الفلك وهو اشارة الى قوله عز وجل ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وقد اشار بابي هو وامي لاهل الكلام الى دليل اثبات العلم المدعي ولاهل المعاني الى حقيقة المباني ولاهل البيان الى حقيقة سر الانسان وبكل ذلك قد نطقت اخبارهم وشهدت آثارهم ونطق القرآن بتصديقه ودل العقل المستنير بنور الله وظاهر القول اولا اعلم ان الخطاب لما كان على مقدار فهم المخاطب ومناسب مرتبته وكانت الجنة سبع طبقات لكن طبقة منها لا حظ ولا نصيب لاحد فيها وهي تخص بهم ( عليهم السلام خ ) وهي التي لا حظيرة لها لان لكل جنة حظيرة سوى جنة عدن وهي لا حظيرة لها لانقطاع روابطها من غير اهلها وتعلقها ولو بالاضافة بما دون سكانها فلا يناسب ذكر تلك الجنة لانها ليست لهم فلا تصل اليها مشاعرهم ومداركهم وقويهم فيكون البيان لهم عبثا اشار عليه السلام الى المراتب المقدرة للخلق والجنة التي يسكنونها بفضل الله ورحمته وتلك الجنان تكون سبعة وكل جنة بحر من عظمة الله عز وجل نور واحد قد ظهر بالشؤنات المختلفة المتكثرة على حسب شؤن المؤمنين واحوالهم فان الجنة ظاهرها طعام وشراب ونكاح وباطنها علم قال عليه السلام اسفلها طعام واعلاها علم ه وباطن باطنها لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية كما قال عليه السلام في الدعاء رب ادخلني في لجة بحر احديتك وطمطام يم وحدانيتك فاعلاها بحر لا موج له ولا حركة ولا صوت ماء واحد يجري من تحت جبل الجمال ويجري فيه فلك الوصال واللقاء والتلاق والفلك سرير المحبوب وقد ورد ان اهل الجنة كل يوم جمعة يأتون لزيارة الرب وملاقاته فيفاض عليهم من النعيم ضعف ما كان عندهم من قبل وتلك الزيارة هي السباحة ( السياحة خ ) في تلك اللجة والركوب على ذلك الفلك والفلك هو ما قلنا انه سرير المحبوب يجري في البحر لا في ذات المحبوب فافهم واوسط هذا الاعلى طمطام يم الوحدانية وهذا بحر له موجات لطيفة شريفة يدهش الناظر لحسن تقلباتها وظهوراتها وتلك انما حصلت من نسمات الالطاف الربانية وهبوب الميولات الصمدانية اي ظهور التجليات وبروز الاسماء والصفات وطور الشؤن والاضافات وهذا البحر يجري من تحت جبل الازل اي العرش قال الشاعر :
انظر الى العرش على مائه سفينة تجري باسمائه
يسبح ( يذهب خ ) في لج بلا ساحل في جندل الغيب وظلمائه
وموجه احوال عشاقه وريحه انفاس ابنائه
والفلك الجاري في هذا البحر هو فلك المعاني وحقيقة المباني والنور الشعشعاني مبادي مقام الرضوان واشرف احوال الجنان وآخر هذا الاعلى بحر الصاد واول المداد ومنشأ الاستعداد ومجري الانهار الاربعة التي هي الماء الغير الآسن واللبن الذي لم يتغير طعمه والخمر الذي لذة للشاربين والعسل المصفى على ما مضي شرحه وبيانه وهذا هو البحر الذي اتاه النبي صلى الله عليه وآله في ليلة المعراج لما دخل الجنة وقت صلوة الظهر ونودي يا محمد صلى الله عليه وآله ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وهو بحر الجود واصل الوجود والفلك الجاري هي ( في خ ) هذا البحر مراكب كبار بحيث يسع كل واحد منها الدنيا وما فيها مائة الف مرة وكل واحد منها قطعة من زمردة خضراء متشعشعة متلألأة لها نور يجلي الابصار ويصفي الانظار ويذهب الاكدار ويكشف الغبار ولا يزال تتزايد نورا وبهاءا وشرفا وجدة تسير في ذلك البحر وتجري الى ما لا نهاية له وراكبوا تلك السفن رجال شبان في سن ابناء ثلثين حسن الوجه حسن الشمائل لوجوههم نورا يتلألؤ كالشمس في اشراقها اذا كانت في رابعة النهار لو ظهر نور واحد منهم بقدر سم الابرة لاهل هذه الدنيا كلهم ماتوا عشقا ومحبة وغراما وصبابة وتنجذب ارواحهم اليه انجذاب الحديد للمقناطيس وملك الموت عند قبض روح المؤمن يظهر بظهور نور تلك الصور الجميلة والشمائل اللطيفة للمؤمن تنجذب روح المؤمن وترتحل عن هذه الدنيا وهي ( هو خ ) في كمال الشعف والشوق الى ذلك الجمال والنور الحق اللايزال واعظم ملاذ اهل الجنة انما هي مشاهدة تلك الصور والشمائل قال عز من قائل ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين والسير في هذه السفن في هذه الابحر الثلاثة اعظم ملاذ اهل الجنة لانها مقامات الرضوان ورضوان من الله اكبر الا ان البحر الاول هو الاكمل ثم البحر الثاني ثم الثالث لكن كل واحد اذا اراد راكب السفينة ان يظهر بخاصية البحر الآخر امكن له ذلك لان ( له خ ) فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون ولا تتوهم من كلامي عن هذه الابحر انها ماء مثل المياه الدنيا كثيف غليظ اسود او اخضر او ابيض وتتصور ركوب البحار الدنيوية فتنقص عليك الشوق فو الذي نفسي بيده ان ذلك الماء ليس مثل هذا الماء ولا فيه كثافة ولا غلظة ولا شيء مما تتوهمه وانما هو ماء به حيوة كل شيء وانه ماء لو ذاق احد شربة منه لا يؤثر عليه شيئا من نعيم الجنة وانه ماء لو رآه احد لا يحب ان يصرف نظره عنه لما يرى من شدة حسنه وطراوته ونظارته وانه ماء يحصل منه كل طعام وشراب وغيرهما من كل ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين في الظاهر والباطن والصورة والمعنى وانه ماء مجمع الملاذ وجامع اللذات كل لذة ظهور لذة من لذاته وكل حسن من فاضل حسنه فلا يلحقه شيء من اللذات ومنه ينبوع عين الحيوان ومنه ينبوع حوض الكوثر ومنه ينبوع عين الكافور ومنه ينبوع عين السلسبيل ومنه ينبوع الشراب الطهور ومنه منابت الاشجار والثمار وبفاضل حلاوته وطيبه تكون حلاوة الثمار في الجنة ومع هذا كله فمن ذلك البحر على ذلك الفلك يسار به الى ملاقات الرب عز وجل سقاكم الله وايانا منه بمحمد وآله الطاهرين الاكرمين واوسطها بحر العلم وعين الحلم فاعلاه بحر عين اليقين ومقام التمكين واول التعيين وهو بحر ابيض كالدر الصافي يجري من جبل الميم في بسم الله الرحمن الرحيم والفلك الجاري فيه قطعة من اللؤلؤة ظاهرها ابيض وباطنها احمر وبينهما خضرة ممتدة وهذه الجوهرة بكل الوانها لها نور يتلألؤ ويشرق اشد من اشراق الشمس في رابعة النهار فاذا نظر اليها المؤمن يمحو لشدة ( من شدة خ ) حسنها لاجتماع تلك الانوار في تلك الالوان وراكبوا تلك السفن جماعة مبيضة وجوههم مشرقة الوانهم مزهرة انوارهم رزقنا الله مرافقتهم وجمعنا واياهم وهذا البحر في جريانه ينتهي الى البحر الاصفر اي ماء الذهب يجري من الهاء في بسم الله الرحمن الرحيم وفلك هذا البحر من الذهب المكلل بانواع الجواهر وآلاته من الفضة واعمدته من الزمردة الخضراء وشراعه من الاستبرق وعلى ساحل هذا البحر سدرة المنتهى وعلى دوحاتها طيور تغرد لها الحان مطربة لو سمع شيئا منها اهل الدنيا لماتوا من شدة انجذاب قلوبهم اليها فاذا هبت نسمات الالطاف الالهية على اغصانها وتحركت تظهر نغمات من اصطكاك اوراقها اشد واحسن من تلك النغمات الطيبة بما لا مزيد عليه وتلك النسمات لها روايح طيبة فاذا شمها المؤمن يفني عن مقامه ويميل الى الاعلى ويفاض عليه من الانوار ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا البحر هو مبدأ النهر من لبن وهذا هو الذي اراد الشاعر بقوله :
ان في الجنة نهرا من لبن لعليّ وحسين وحسن
صلى الله عليهم واسفله علم اليقين وهو البحر الاخضر قد اجتمعت فيه ابحر وانهار كثيرة مختلفة في الالوان واعظمها البحران المتقدمان يجري من تحت جبل ميم الرحمن في بسم الله الرحمن الرحيم والفلك الجاري في هذا البحر من فضة صافية مكللة بالزمردة الخضراء المذهب بالذهب الصافي الخالص له اعمدة من الياقوت الاحمر ومن الدر والزبرجد وشراعه من السندس والراكبون في غاية الحسن والجمال حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان وعلى المركب غلمان وولدان مخلدون لو رأى اهل الدنيا نور واحد منهم لهلكوا ولهم اصوات حسنة ونغمات طيبة يترنمون ويتغنون بها لا يحب السامع ان يلتفت الى شيء غيرها اذ لا لذة عندهم احسن والذ واطيب منها ولو ظهرت شعرة واحدة من شعور الحور العين في الدنيا لماتوا من شدة طيبه وشدة ضيائه وكثرة نوره وبهائه فاذا كان هذا حال شعرة منها فكيف حالها واهل الجنة مع تلك الانوار العظيمة التي احاطت بهم اذا تبسمت الحور يظهر من ثناياه نور متلألؤ حتى يزعموا انه من نور تجلي الرب فاذا التفتوا فاذا هي حورية قد تبسمت حيث نظرت الى ولي الله فتأتيه فيتعانقان في معانقة واحدة مقدار خمسمائة سنة او سبعمائة فيفترقان من غير كلال ولا ملال ولا تغير حال ولا نقصان شوق ولا فتور محبة سبحان من لا غاية لنعيمه وعلى ساحل ذلك البحر شجرة طوبى وتلك الشجرة اصلها في بيت سيدنا ومولينا امير المؤمنين عليه السلام ثم انتشرت اغصانها في كل بيت في الجنة وعليها كل فاكهة من الفواكه التي يتعقلها ( يتعلقها خ ) الانسان واغصان تلك الشجرة من الياقوت والزبرجد والزمرد وحول تلك الشجرة قصور وبساتين وجنات تجري تحتها الانهار وهذا الذي ذكرنا هو باطن الجنة وهو العلم بمراتبه واقسامه واحواله وقد سماه الامام عليه السلام بحرا لما اشرنا اليه وللسر الذي اراد ان يبين روحي فداه واسفلها طعام وشراب ونكاح وتلذذ وتنزه كما هو المشروح المفصل في الاخبار عن الائمة الاطهار واني احب ان اذكر حديثا في هذا الباب يشمل بظاهره المقام الثالث وبباطنه وباطن باطنه المقامات الاخر في روضة الكافي عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن قول الله عز وجل يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا فقال صلى الله عليه وآله يا عليّ ان الوفد لا يكونون الا ركبانا اولئك رجال اتقوا الله فاحبهم الله واختصهم ورضي اعمالهم فسماهم المتقين ثم قال له يا عليّ اما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وان الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وحلائلها ( جلائلها ظ ) الاستبرق والسندس وحطبها ( خطمها ظ ) حبك الارجوان يظهر بهم الى المحشر مع كل رجل منهم الف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم الى باب الجنة الاعظم وعليّ باب الجنة شجرة ان الورقة منها ليستظل تحتها الف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط عن ابشارهم الشعر فذلك قول الله عز وجل وسقاهم ربهم شرابا طهورا وهو من تلك العين المطهرة قال ثم ينصرفون الى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحيوة لا يموتون ابدا ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والاسقام والحر والبرد قال فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم احشروا اوليائي الى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي فيهم ووجبت رحمتي لهم فكيف اذا اوقفهم مع اصحاب الحسنات والسيئات قال فتسوقهم الملائكة الى الجنة فاذا انتهوا بهم الى باب الجنة الاعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربا فتصير ( فتصر ظ ) صريرا يبلغ صوت صريرها كل حوراء اعد الله لاوليائه في الجنان فيتباشرون بهم فاذا سمعوا صرير الحلقة فيقول بعضهم لبعض قد جاءنا اولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم ازواجهم من الحور العين فيقلن مرحبا بكم فما كان اشد شوقنا اليكم ولقن بهن اولياؤ الله مثل ذلك فقال عليّ يا رسول الله اخبرنا عن قول الله عز وجل غرف مبنية من فوقها غرف بماذا بنيت يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا عليّ تلك غرف بناها الله لاوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها الف باب من ذهب على كل باب ملك موكل به وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بالوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول الله عز وجل وفرش مرفوعة فاذا دخل المؤمن الى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة والبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوم في الاكليل تحت التاج قال والبس سبعين حلة حرير بالوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الاحمر فذلك قوله عز وجل يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير فاذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فاذا استقر بولي الله جل وعز منازله في الجنة استأذن عليه الموكل بجنانه ليهنأه بكرامة الله اياه فيقولون له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف مكانك فان ولي الله قد اتكأ على اريكته وزوجته الحوراء تهيأت له فاحبروا ( فاصبروا خ ) ولي الله قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها مقبلة وحولها وصائفها ووصفائها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ شراكهما ياقوت احمر فاذا دنت من ولي الله فهم ان يقوم اليها شوقا فتقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم انا لك وانت لي قال فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من اعوام الدنيا لا يملها ولا تمله قال فاذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر الى عنقها فاذا عليها قلائد من قصب من ياقوت احمر وسطها لوح صفحته در مكتوب انت يا ولي الله حبيبي وانا الحور حبيبتك اليك تناهت نفسي والى تناهت نفسك ثم يبعث الله اليه الف ملك يهنونه بالجنة وبزوجته الحوراء قال فينتهون الى اول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بابواب جنانه استأذن لنا على ولي الله فان الله بعثنا اليه نهنيه فيقول لهم الملك حتى اقول للحاجب فيعلمه بمكانهم قال فيدخل الملك الى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي الى اول باب فيقول للحاجب ان على باب العرصة الف ملك ارسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنوا ولي الله وقد سألوني ان آذن لهم عليه فيقول الحاجب انه ليعظم على ان استأذن لاحد على ولي الله وهو مع زوجته الحوراء قال وبين الحاجب وبين ولي الله جنان قال فيدخل الحاجب الى القيم فيقول له ان على باب العرصة الف ملك ارسلهم رب العالمين يهنون ولي الله فاستأذن لهم فيتقدم القيم الى الخدام فيقول لهم ان رسل الجبار على باب العرصة وهم الف ملك ارسلهم يهنون ولي الله فاعلموا بمكانهم قال فيعلمونه فيؤذن لهم للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها الف باب وعلى كل باب من ابوابها ملك موكل به فاذا اذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال فيدخل القيم كل ملك من باب من ابواب الغرفة قال فيبلغونه رسالة الجبار جل وعز وذلك قول الله عز وجل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب من ابواب الغرفة سلام عليكم الى آخر الآية قال وذلك قوله عز وجل واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا يعني بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير الملائكة من رسل الله عز ذكره ليستأذنون عليه فلا يدخلون عليه الا باذنه فذلك الملك العظيم الكبير وقال والانهار تجري من تحت مساكنهم وذلك قوله عز وجل تجري من تحتهم الانهار والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بقبة ( نقية خ بفيه ظ ) وهو متكئ وان الانواع من الفاكهة ليقلن لولي الله يا ولي الله كلني قبل ان تأكل هذا قبلي قال وليس من مؤمن في الجنة الا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات وانهار من خمر وانهار من ماء وانهار من لبن وانهار من عسل فاذا دعى ولي الله بغذائه اي ما يشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير ان يسمى شهوته قال ثم سيخلي من اخوانه ويزور بعضهم بعضا ويتنعمون في جنانهم في ظل ممدود في مثل ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس واطيب من ذلك ولكل مؤمن سبعون زوجة حوراء واربع نسوة من الآدميين وللمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع الآدمية وساعة يخلو بنفسه على الارائك متكئا ينظر بعضهم الى بعض وان المؤمن ليغشاه شعاع من نور وهو على اريكته ويقول لخدامه ما هذا الشعاع اللامع لعل الجبار لحظني قال فيقول له خدامه قدوس قدوس جل جلال الله بل هذا حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد اشرفت عليك من خيمتها شوقا اليك وقد تعرضت لك واحبت لقاءك فلما ان رأتك متكأ على سريرك تبسمت نحوك شوقا اليك فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غشيك فهو من بياض ثغرها وصفائه ونقائه ورقته قال فيقول ولي الله ائذنوا لها فتنزل اليه من خيمتها وعليها سبعون حلة منسوجة بالذهب والفضة مكللة بالياقوت والدر والزبرجد صبغهن المسك والعنبر بالوان مختلفة كاعب مصمومة خميصة كفلا مسوقا ترى مخ ساقها من وراء سبعين حلة طولها سبعون ذراعا وعرض منكبيها عشرة اذرع فاذا دنت من ولي الله اقبل الخدام بصحائف الذهب والفضة فيها الدر والياقوت والزبرجد فينثرونه عليها ثم يعانقها وتعانقه لا تمل ولا يمل قال ثم قال ابو جعفر عليه السلام اما الجنان المذكورة في الكتاب فانهن جنة عدن وجنة فردوس وجنة النعيم وجنة المأوى قال وان لله جنانا محفوفا بهذه الجنان وان المؤمن ليكون له من الجنان ما احب واشتهي يتنعم فيهن كيف شاء واذا اراد المؤمن شيئا او اشتهي انما دعواه به اذا اراد ان يقول سبحانك اللهم فاذا قالها تبادر اليه الخدام لما اشتهي من غير ان يكون طلبه منهم او امر به فذلك قول الله عز وجل دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام يعني الخدام قال وآخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين يعني بذلك عند ما يقضون من لذاتهم من الجماع والطعام والشراب يحمدون الله عز وجل عند فراغهم فاما قوله اولئك لهم رزق معلوم قال يعلمه الخدام فيأتون به اولياء الله قبل ان يسألوهم اياه واما قوله فواكه وهم مكرمون قال فانهم لا يشتهون شيئا في الجنة الا اكرم به انتهى الحديث وانما ذكرت الحديث بطوله لما فيه من المنافع وتفصيل احوال الجنة معها فاذا عرفت ان الجنة بحر وان الجنة العامة للمؤمنين انما هي سبعة فاعلم ان الفردوس له اطلاقان مرة يطلق ويراد به الجنة كما مر ومرة يطلق ويراد به الطبقة الاولى من طبقات الجنة وهذه الاولى يحتمل ان يكون اعلى الجنان كلها ويكون بعد جنة عدن في الشرف والرتبة كما يشير اليه قول مولينا الباقر عليه السلام في الحديث المتقدم وما تقدم من ذكرها اولا فلا يضر حينئذ جعله ( جعل خ ) جنة عدن في الرابعة لان تلك الجنان كلها تستمد منها كاستمداد الافلاك الستة من الشمس وهي في الفلك الرابع وفلك زحل في السابع والمريخ متصل بالشمس مع ان فلك زحل اشرف من المريخ واوسع واعلى واول ما يستمد منها من ذات العقل الكلي فكذلك جنة الفردوس فانها تكون اعلى الجنان وهي الواقعة في الطبقة الاولى من الاعلى فاذا صعدت من الاسفل الى الاعلى فتكون هي السابعة وان كان العكس فتكون هي الاولى فقوله عليه السلام وهو في البحر السابع يريد به انه اعلى الجنان واقربها الى جنة عدن التي اهلها لا يلتذون الا بمشاهدة جمال الحق وجلاله ولا يزالون يسبحون في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية فاذا رأي عليه السلام الاعلى واحاط به علما فقد رأي الاسفل بالطريق الاولى فان كل من رأي فلك زحل بالمشاهدة العيانية ووصل اليه فقد وصل الافلاك الاخر واحاط بها علما في كل الاحوال من حيث الحجم والمقدار وثخن الفلك وسعته ومن حيث الحركة لانه ابطأ الكل حركة لانه يقطع كل دورة في مدة ثلاثين سنة ولا كذلك الكواكب الاخر فاذا قلنا بعيدا ان جنة الفردوس تحت الجنان كلها وهي الاولى بالنسبة الى الصعودي والسابعة بالنسبة الى النزولي فاختصاصها بالذكر لحكايتها ومظهريتها لما فوقها كما ان جسم الانسان يكون محلا ومظهرا للمراتب الفوقية من الارواح والمجردات فالواقف في هذا المقام على جهة اليقين اذا علم هذه المرتبة برأي العين والعلم الشهودي فقد شاهد المقامات الفوقية بما فيها لارتباطها بها واتصالها معها وسر النزول زيادة العلم والمعرفة والكمال والمرتبة والا لكان النزول عبثا وهواءا وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى وان كان المراد بالفردوس هو الاطلاق الآخر اي مطلق الجنة فاعلم ان الموجودات ماظهرت في الوجود الا مسبعة ويطول الكلام بذكر هذا التسبيع وربما اشرنا اليه فيما بعد ولما كان الوجود على نسق واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت جرى هذا السر في الكلي والجزئي والكل والجزء ولذا كانت مراتب العالم سبعة وكل مرتبة بحر كما اشرنا اليه عند قوله عليه السلام خلق البحار فراجع المرتبة الاولى عالم الاجسام من الافلاك والعناصر والمتولدات الثانية عالم المثال وعالم الاشباح الثالثة عالم المواد وجوهر الهباء آخر المجردات الرابعة عالم الطبايع النور الاحمر اول الحل الثاني الخامسة عالم النفوس ووسط الملكوت وظل الرحمة والولاية السادسة عالم الارواح عالم الرقائق السابعة عالم العقول واعلى الجبروت والانسان ايضا مركب من هذه السبعة وهي كلياتها تجمعها ثلاث مراتب : الاولى عالم العقول ومبدأ هذه هو العقل الكلي النور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وهو اقرب الاشياء الى المبدأ وبياضه عبارة عن غاية لطافته وعدم شوبه بالطبايع الاخر وبقائه على صرف البساطة والنورانية وهو الذي خلقه الله عز وجل قبل الخلق وهو حامل الانوار وجامع الاسرار المنزه عن كل الاكدار ميله دائما الى الاعلى ولا يميل الى شيء سوى الله ولذا استنطقه الله ثم قال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له عز وجل فوعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك بك اثيب وبك اعاقب ولا اكملتك الا فيمن احب فجعله عز وجل مبدأ الثواب والعقاب ولما كان الثواب ذاتيا فهو منه واليه ولما كان العقاب عرضيا فهو به ولا اليه ولا منه الخير في يديك والشر ليس اليك والعقل هو يد الله وفيها كل الخير اذ بها يفاض على كل الخلق فهو بمنزلة السراج الوهاج الذي لا ظلمة فيه ولا كثافة وفيه اصل الخير وهو معدنه فان وصل شيء الى احد فهو منه ولذا قال تعالى ما خلقت خلقا احب الى منك ولما كانت الجنة دار محبة الله جل وعلا ففيه اصلها ومستقرها ومنشأها لانه منبع الانوار وجامع الاسرار وقد سبق تفصيل الامر في ذلك وعلمت ان كل نور وبهاء وخير تنتهي اليه كما بينا من جنود العقل واطواره فاليه مرد كل حق وصواب وما لم ينسب اليه فهو باطل ( وخ ) كذب وزور الثانية عالم النفوس وهذا العالم له وجهان وجه الى العقل اي الى المبدأ ووجه الى الشيطان فالوجه المتعلق بالعقل والناظر اليه هي النفس المطمئنة وما فوقها من الراضية والمرضية والكاملة فهي حينئذ اخت العقل قال عز وجل فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين ومواليكم والوجه المتعلق الناظر الى الشيطان هي النفس الامارة بالسوء والنفس الملهمة والنفس اللوامة وهذه الثلاثة نظرها الى الشيطان ويسجدون للشمس من دون الله وما اطاعوا العقل وما انقادوا فصاروا الى جهنم وبئس المصير الثالثة عالم الاجسام وهذا العالم ايضا له وجهان وجه الى العقل ووجه الى النفس الامارة بالسوء واما المراتب الاخر فكلها روابط وبرازخ لا استقلال الا لهذه الثلثة وتلك توابع فلا حكم لها الا بالتبعية فالانسان مركب من هذه الثلثة واحد طيب طاهر والاثنان من حيث انفسهما نجس فلا يطهر الانسان الا اذا ذهب ثلثاه وهو نصيب الشيطان وفي رواية اخرى بول الشيطان وفي اخرى مصه كما في التمر والعنب وهما مثالان للانسان فاذا ذهبت جهة النفس من الشهوات واللذات المعنوية الغير المرادة لله عز وجل وجهة الجسم من اللذات الحسية الجسمية من شهوة الاكل والشرب والجماع وامثال ذلك على غير الوجه المأمور من قبل الله عز وجل وتبقى جهة العقل ومقتضياته وهو ما يقتضي الا الخير ولا يدعو الا اليه فهناك يفتح له ابواب الجنان فالعقل هو البحر السابع من الابحر السبعة وفيه الفردوس والجنة لا في سواه الا اذا آل اليه والفلك الجاري في ذلك البحر هو سفينة المعاني توصل الى معرفة غيوب الاشياء واسرار حقايقها والى معرفة الله والى الجنة التي فيه او الفلك هي الاعمال والعبادات والطاعات وانحاء القابليات الموصلة الى اللئالي المكنونة في قعر ذلك البحر واستخراج الكنوز وفك الرموز فالجنة مبدؤها العقل واليه تعود بل العقل منشأ ظهورها واول من ذاق الباكورة في حديقتها واول غصن اخذ من شجرة الخلد التي فيها كما تأتي اليه الاشارة ان شاء الله تعالى او يكون المراد من الابحر هي التي اشار اليها مولينا الكاظم عليه السلام لما سأله يحيي بن اكثم عن قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة ابحر قال عليه السلام انها عين اليمين وعين الكبريت وعين ابرهوت وعين الطبرية وجمة ماسيدان وجمة ناجروان وفي نسخة بلعوران ه ولما ان الله سبحانه حصر الوجود في هذه الابحر السبعة لمن يفهم كانت الجنة في البحر السابع وهو عين اليمين فان الله عز وجل في الخلق الاول لما اراد ان يخلق الخلق قبض قبضة بيمينه فخلق منها ماء طيبا وارضا طيبة قال تعالى فسقناه الى بلد ميت وخلق منهما الجنة ونعيمها ثم قبض قبضة من تلك الارض الطيبة التي ( هي ارض الجنة التي خ ) هي العليين فصلصلها فعركها عركا شديدا وخلق منها اهل الجنة من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والمؤمنين الممتحنين واولي الصفوة من الخلق اجمعين فعين اليمين بحر يجري من الجبل الذي تحت العرش ومنها الجنة ونعيمها واهلها وسكانها وحورها وغلمانها او يكون المراد من الابحر السبعة هو السبع المثاني وكل واحد من تلك السبعة بحر خضم وطمطام متلاطم من عظمة الله وجلاله وكبريائه ونوره وبهائه واما الجنة اي ظهور آثارها وتفاصيل احوالها في البحر السابع وهو اول اسم خلقه الله لنفسه ليدعوه به واول ما اختار لنفسه وهو العلي العظيم واول بيت وضع للناس واول نور اصطفاه الله وهو عليّ صلى الله عليه وآله فان السبع المثاني هم الائمة الاربعة عشر وهم سبعة قد كررت ومن غير تكرير سبعة وهم محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى صلى الله عليهم والبحر السابع وان كان محمدا صلى الله عليه وآله لكن لما كان عليّ عليه السلام هو حامل اللواء فكان يطوف حول جلال القدرة ومحمد صلى الله عليه وآله يطوف حول جلال العظمة مع ان الامر بالعكس ولذا كان عليّ عليه السلام قسيم الجنان وهو عليه السلام ساقي الحوض وولايته جنة لا تكفي ولاية النبي صلى الله عليه وآله وحدها لدخول الجنة فكم قد اقروا بالنبي صلى الله عليه وآله ودخلوا النار والاصل في ذلك ما ورد ان الجنان سقفها عرش الرحمن فالجنة في مقام الكرسي لا في مقام العرش وان كانت متقومة به قال تعالى وسع كرسيه السموات والارض وقال عز وجل وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض فتكون في الكرسي وعليّ صلوات الله عليه هو صاحب الكرسي كما ان محمدا صلى الله عليه وآله صاحب العرش فيكون البحر السابع هو عليّ عليه السلام فيكون الفردوس فيه ومنه وله وعنه وبه ولديه صلى الله عليه والفلك الجاري فيه هو ولايته عليه السلام وطاعته والاخلاص في محبته والطيبين من اولاده واحفاده والصديقة الطاهرة صلى الله عليها وعليهم قال النبي صلى الله عليه وآله مثل اهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك ومن الفلك الجاري فيه الشيعة المخلصون لانهم القرية الظاهرة للسير الى القرية المباركة كما قال مولينا الصادق عليه السلام لعبيد بن زرارة في ابيه زرارة والله انه لمن اعظم السفن الجارية في اللجج الغامرة وهم الذين يوصلون الى ساداتهم وكبرائهم وائمتهم سلام الله عليهم فان ولايتهم جنة كما قال الصادق عليه السلام للرجل لما قال اللهم ادخلني الجنة قال عليه السلام لا تقل هكذا انتم في الجنة قل اللهم لا تخرجنا منها واليه يشير تأويل قوله تعالى واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك فاذا بلغ الكلام الى هذا المقام فلا علينا ان نذكر السر في كون الجنان ثماني طبقات والنيران سبع طبقات وهو ان الخلق بدأ عن فعل الله عز وجل على الاستدارة الصحيحة الكاملة ولما ان غاية الايجاد هي المحبة وهي الوصلة بينه وبين خلقه خلق الله عز وجل اياها قبل كل شيء وخلق الخلق منها فهم حاملوا المحبة والحاملون جرت الحكمة واقتضت ان يكونوا سبعة لما اشرنا سابقا من اقتضاء الايجاد التسبيع لظهور مراتب اول الفرد واول الزوج فيه ولما كان الايجاد على مقتضى الانوجاد كان لكل شيء ضد فتلك النقطة الالهية بقيت لا ضد لها لان التضاد تقابل وتحديد ولا حد ولا تقابل في تلك النقطة اذ لا كثرة فيها فلما دارت الموجودات على الاستدارة فان دارت على خلاف التوالي وخلاف وجه المبدأ صار وجههم على جهة الضد فنكست رؤسهم على مقتضى ذلك الضد على ترتيب طبقات الاصل ولما انهم نظروا الى انفسهم وحدود انيتهم واعرضوا عن تلك النقطة الحقيقية الالهية التي هي المحبة بقوا في مقام التحديد والتقييد فنساهم الله كما نسوه قال تعالى نسوا الله فنسيهم فكان مقامات الادبار ومظاهر الغضب سبعة لا تزيد عليها لان الضد على طبق ضده ولا ينقص عنها فان دارت على الاستدارة على نقطة مبدئها ودارت على وجه مبدئها تستنير المراتب ولما انها تصعد الى مبدئها تخرق الحجب والدوائر الى ان وصلت الى النقطة الحقيقية التي هي نقطة المحبة وهي عالم اللانهاية وتصعد في مقامات ذلك العالم فتبقى تنزع الحدود ويظهر له الشهود ويتشرف بلقاء ظهور المعبود فيؤثر محبوبه على من سواه فلا يلتذ الا بذلك فمن هذه الجهة ليست لتلك الجنة حظيرة لانقطاع الروابط وانفصام العلائق واول ظهورها في البحر السابع فلذا كان حظيرتها اعلى الحظائر واشرفها واقويها واشدها فلذا وجب ان تكون الجنة ثماني طبقات لاتصال سلسلتهم الى الله عز وجل والنار سبع طبقات لانقطاع سلسلتهم عن الله فتبقى تلك المراتب السبعة المجتثة وكانت لكل تلك المراتب حظائر لانها عين العلاقة والارتباط والوجه الآخر لهذه الخصوصية وهو ما سمعت من شيخي وثقتي واستادي اطال الله بقاه وجعلني فداه وهو ان الانسان له ثماني مراتب العقل والنفس والجسد والحواس الخمسة فاذا اطاع بكل مرتبة يفتح له باب من الجنة واذا عصى يفتح له باب من النار واما العقل فلا يعصى فليس بازائه باب في الجحيم وهذا الوجه انما قال اطال الله بقاه للمبتدئين الذين لا يعرفون والا فالوجه الحقيقي هو الذي اشرنا اليه ان وفقت لفهمه فان ذلك مما استفدنا منه اطال الله بقاه الا ان كلماته على مقامات الاشخاص ثم اعلم ان قوله عليه السلام اشارة الى ما في الآية الشريفة ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وفسر سبحانه هذا البحر وفصله بقوله عز وجل والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وقد قال مولينا الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وهذا هو الذي قلنا انه اشارة الى اهل المعاني بحقيقة المباني لانه عليه السلام جعل جنات الفردوس ومنازلها كلها في البحر السابع وذلك البحر من بعض ما جعله الله سبحانه مدادا لبيان احوال الكلمات العاليات التامات التي لا يتجاوزهن ( لا يجاوزهن خ ) بر ولا فاجر وينفد قبل ان تنفد كلمات الله وهذا لا يكون الا اذا كان ذلك المداد من شعاع الكلمات ودلالة تلك الحروف العاليات فينقطع الشعاع دون المنير والدلالة دون الكلمة فلا يصلان الى حقيقة المنير والكلمة او يكون من المراتب النازلة لها اي بمنزلة القشور والظواهر فلا تصل الى حقيقة اللب والاصل ولا يجوز ان تساوي مع الكلمات والا لم يتصور النفاد دونها مع كونه عينها وداخلا في حقيقتها ولا يجوز ان يكون اعلى فان الاسفل ينفد عند الاعلى لا العكس فلم يبق الا ما ذكرنا ( ذكرناه خ ) فحينئذ يكون الجنة وما فيها من الاشعة والعكوسات بالنسبة اليهم صلى الله عليهم وهو ( هي خ ) سابع الابحر اول ظهور انوارهم ومفتتح بروز اسرارهم وهي الجنة التي للخلق كلهم فان المكان في مقام المتمكن فلا يكون اعلى منه بل مساوق لوجوده وقد دل العقل والنقل ان حبهم جنة وذلك الحب هو ما جعل ( الله خ ) في حقيقة ما سويهم من رشح سر احببت ان اعرف الظاهر فيهم وذلك الحب هو نقطة الكون ومنها انبسطت الموجودات والكائنات فحق وباطل فالحق من موافقة النقطة والباطل من مخالفتها والاول ظهور الرحمة وتفاصيل الجنة والثاني ظهور الغضب وتفاصيل الجحيم هذا بالنسبة الى الجنة التي لغيرهم واما التي تخصهم فما في البحر السابع وما دونه من المراتب النازلة تنفد وتنقطع عند سر فاحببت ان اعرف بل كنت كنزا مخفيا وتلك هي الكلمة العليا والمثل الاعلى وهي حقيقتهم وذاتهم صلى الله عليهم لانها اول كلمة تكلم بها الحق سبحانه ومن فروع تلك الكلمة وقشورها عيسى على نبيا وآله وعليه السلام حيث يقول الحق سبحانه بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وهذه الكلمة مثال لتلك الكلمة حيث يقول الحق سبحانه ولما ضرب ابن مريم الى ان قال ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل وهم بنو عليّ عليهم السلام لانه عليه السلام اسرائيل هذه الامة كما قال عليه السلام في الزيارة السلام على اسرائيل الامة وابي الائمة الزيارة واما الاشارة لاهل البيان فهم لا يحتاجون الى البيان مع انه لا يجوز فان للحيطان آذان وما كل علم يقدر العالم ان يفسره اذ من العلوم ما تحتمل ومنها ما لا تحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل والاشارة الى بعض وجوهه السفلى اعلم ان المراد بالبحر المطلق هو بحر الوجود المطلق عالم الرجحان ولا تعدد هناك ولا اختلاف وانما هو عالم الوحدة والايتلاف والابحر السبعة هناك هي جهات الوحدة بلحاظ انه مخلوق اذ كل مخلوق مما جرى عليه اسم الايجاد والاختراع سواء كان بنفسه او بغيره لا بد له من السباحة في السبعة الابحر وان كانت بنفسها البحر الاول في القوس الصعودي وهو الاسفل بحر التراب الممسك لفيض المفيض الفاعل فلولا ذلك بطل الظهور والبحر الثاني بحر الماء القابل المائل من جهة القابل الى الفاعل لتلقي الفيض والبحر الثالث بحر الهواء المائل الى القابل الموصل لاثر الفاعل الى القابل الممكن للقابلية حتى تقبل بكمال النضج والتعفين والبحر الرابع بحر النار الفاعلة المشار اليها في قوله عز وجل ولو لم تمسسه نار والبحر الخامس بحر المظهر الحامل لظهور ( الظاهر خ ) الواصف والبحر السادس بحر الظهور وتجلي النور الحامل للظاهر والبحر السابع بحر الظاهر بالظهور في المظهر وفي عالم الوجود المطلق هذه الابحر كل واحد منها عين الآخر الا ان هذه الجهات لا بد من اعتبارها لظهور آثارها في عالم الجواز والوجود المقيد فمقام الفردوس انما هو البحر السابع اي بحر الظاهر لانه الاصل والباقي كله شؤن وظهور له والجنة مقام الظاهر وقطع الاسباب والرجوع الى الاحباب واول الامر الى الواحد في كل باب ولذا كان اهل الجنة دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين وهذا البحر هو اول مبادي الفردوس الاصلية وما ذكرنا كلها مباد اضافية واما الحقيقية فلا تتجاوز هذا الحد ولا تتعدى هذا المحل والمبدأ الاصلي وان كان في الظاهر الظاهر في النار لكن مبدأ نشوها ومقام صلوح ظهورها حاكية لثناء الله ومظهرة لجماله هو في الزيت الذي يكاد ان يضيء ولو لم تمسسه نار ولما فرغ عليه السلام عن بيان شرح الجنة واحوالها ومقاماتها ومحلها وموقعها ومقامات اهلها في درجات ترقياتها ( ترقياتهم خ ) بالامور الثلثة المذكورة الاول انها في البحر الثاني السابع الثالث يجري فيه الفلك بضم الفاء وسكون اللام اراد عليه السلام ان يبين مبادي الجنة وعللها ومقومات وجودها والمراتب التي فوقها وان كان لا مرتبة
فقال عليه السلام : في ذخاخيره النجوم والفلك والحبك اي في قعر البحر السابع او علو ارتفاعه وبالامرين نطقت اخبارهم صلى الله عليهم اما الاول ففي قوله عليه السلام في القدر انه بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان والحيات يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد واما الثاني فقد اشار اليه مولينا العسكري عليه السلام قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة والولاية والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وقال عليه السلام ان الجنان سقفها عرش الرحمن والامر في المجموع واحد وليس بمختلف لان كلامهم صلى الله عليهم له سبعون وجها مرادا ولكل وجه لهم المخرج وقد يجعلونه لمن شاؤا وارادوا من شيعتهم المنقطعين اليهم صلوات الله عليهم فروح القدس هو العقل الكلي الاعظم لقوله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله روحي واول ما خلق الله العقل وهو ما ذكرنا من اول الوجود انه البحر السابع وفي قعره اي قطبه وهو الوسط وهو الاعلى المحيط بكل الكرات والدوائر فلك ان تقول ان القطب في قعر الدائرة ولبها فالدائرة حجاب له فمهما ارتفعت لا يظهر فهو يظهر بعد رفع حجاب الكرة والدائرة فهو في مقام القوس الصعودي واقع في القعر اي الاصل واللب كما قال امير المؤمنين عليه السلام في قعره شمس تضيء وهذه الشمس هي اللب والقطب كما قال عليه السلام والعقل وسط الكل ولك ان تقول ان القطب فلك كلي والكرة والدائرة بمنزلة المركز السفلي وهو محيط بكل احوالها وشؤنها واطوارها وقد اشار بالامرين والملاحظتين سيد الثقلين ابو الحسنين عليهم سلام الله في النشأتين بقوله في ذخاخيره النجوم والفلك والحبك فاشار بالاول الى القطب والوسط والصعود اليه في القوس الصعودي واشار بالباقي الى الاحاطة والاستدارة الامدادية الافاضية فاذا جعلنا البحر السابع هو العقل فتكون الجنة الثامنة هو الوجود المقيد اي امر الله الذي قام به كل شيء ونور الله الذي نورت منه الانوار وشجرة الخلد التي كان العقل اول غصن منها وهو محيط بكل الجنان وفوق كل جنان واقربها اليه جنة الفردوس الذي هو في البحر السابع وهي للجنان كالنقطة للالف والحروف والاشارة اليها بالالف اللينية المطوية لفظا وخطا في البسم وهي جنة عدن التي لا حظيرة لها لعدم الروابط والتعلقات فيها وهي التي اهلها لا يلتذون بطعام ولا شراب ولا جماع وانما يلتذون بمشاهدة اللقاء واستماع اني انا الله وفلك هذه الجنان وسماءها وقطبها ومبدءها ومنشأ فيوضاتها هو العرش وهو قوله عليه السلام الجنان سقفها عرش الرحمن وهي الصاقورة وانما عبر عليه السلام عن العرش بالصاقورة لانها قحف الرأس المحيط به كالعرش المحيط بكل شيء والعرش في هذا المقام اشارة الى العرش الاعظم الاعلى فان العرش له في كلمات اهل البيت عليهم السلام اطلاقات كثيرة والوجود المطلق اعظم واشرف ما يطلق عليه العرش والحبك قال في جمع الجوامع الحبك الطرائق مثل حبك الرمل والماء اذا ضربته الريح ( الى ان قال خ ) والدرع محبوكة لان حلقها مطرقة طرائق وعن الحسن حبكها نجومها وعن عليّ عليه السلام حسنها وزينتها الى ان قال وهي جمع حباك كمثال ومثل او حبيكة كطريقة وطرق انتهى والفلك تسعة افلاك واليها اشار مولينا الحسين عليه السلام في الدعاء يا من استوى برحمانيته على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار ه وتلك الافلاك هي حدود العرش المستوي عليه الرحمن برحمانيته واول ظهور الرحمانية في الوجود المطلق في عالم التفصيل في ذلك العالم فان الرحمانية مقام التفصيل والالوهية مقام الاجمال كما تقدمت اليها الاشارة ولما كان العرش هو مستوي الرحمن فيكون في مقام الارتباط والتفصيل ولما كان الوجود المطلق هو كلمة كن المؤلفة المتحصلة من النقطة والالف والحروف وتمام الكلمة وكان مقام النقطة مقام الغيب الصرف والعماء المطلق والسر المقنع بالسر كان اول مقام التفصيل مقام الالف وما بعده من المراتب الثلاثة وكان لكل واحد منها ثلثة مقامات احدها مقامه مع الاعلى وثانيها مع الاسفل وثالثها هو مقامه في رتبة ذاته وكل مقام له تأثيرات واحكام واحوال وحركات واستدارات فتكون الافلاك الواقعة تحت قعر البحر السابع تسعة وهي افلاك الانوار التي اشار اليها سيدالشهداء عليه السلام وهي تمحو الاغيار وتهتك الاستار في كل مقام ( عالم خ ) بحسبه يطول الكلام بذكر كيفية محوها الاغيار وهتكها الاستار ونجوم تلك الافلاك هي رؤس المشية ووجوهها ومواقع تعلقاتها وروابطها وارتباطها وهذه النجوم الموجودة في الافلاك الجسمانية ظهورات وامثال وحكايات لتلك النجوم على تلك الافلاك وانت لو تأملت في الحديث المتقدم عن العسكري عليه السلام روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وفي قول النبي صلى الله عليه وآله ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء وانه عليه السلام جعل الجنة ارضا والعرش سماء لان قحف الرأس سماء للبدن يظهر لك ان الفلك هو رسول الله صلى الله عليه وآله والحبك هو عليّ عليه السلام والنجوم هم الائمة الهادون عليهم السلام كما روي في تفسير قوله تعالى والسماء ذات الحبك ان السماء هو رسول الله صلى الله عليه وآله والحبك هو مولينا عليّ عليه السلام فرسول الله ذات عليّ عليه السلام كما قال عز وجل وانفسنا وانفسكم والنفس هي عليّ صلوات الله عليه فقد اشار عليه السلام لاهل الاشارة في هذه اللطيفة الدقيقة الى احوال عجيبة من سر باطن الباطن فقد اشار الى الجنة بعللها الاربع : العلة الفاعلية وهي الافلاك والنجوم والحبك فان الافلاك هي مظاهر العلة الفاعلية لا يظهر الفاعل الا فيها ولذا اشتهر عند العامة ان الافلاك آباء والعناصر امهات وقولنا مظهر ( المظهر خ ) على ما فصلنا سابقا من احكام المشتق والمبدأ واسم الفاعل والمفعول والمصدر ونسبة البعض مع الآخر فراجع تفهم العلة المادية وهي اشعة الكواكب الظاهرة في الكرة النارية ولذا ورد ان ثمار الجنة نضجها من النار ويريد عليه السلام بهذه النار هي نار الشجرة التي ليست شرقية ولا غربية والافلاك هي نفس تلك الشجرة لكونها الاصل الواحد المتشعب الى الاغصان والاصول قال النبي صلى الله عليه وآله انا الشجرة وفاطمة اصلها وعلى لقاحها والائمة اغصانها وعلومهم ثمرتها والاشعة الظاهرة في الهواء المنضج المعفن لتلك الثمار بقوة ما فيه من الحرارة والرطوبة والظاهرة في الماء بقوة البرودة الدافعة وفي التراب بقوة الماسكة في المقامات النورية وفي قول الله عز وجل لنفدت قبل ان تنفد كلمات الله صراحة ان مواد الجنة وعناصرها اما من اشعة نجوم الافلاك والحبك او من ظهور تنزلات تلك الافلاك على ما تقدم اليه الاشارة فافهم العلة الصورية وهي الحور والقصور والانهار والبحار والبساتين والجنان وامثال ذلك من الاحوال والاطوار الظاهرة لاهل الاسرار وهذه العلة هي النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقال عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى فافهم المراد من هذه الاخبار الصحيحة القطعية المعلومة عندنا بكثرة القرائن الموجبة للقطع ووجود اللطيفة الثابتة التي مع كل حق والنور الذي مع كل صواب قالوا عليهم السلام ان لكل حق حقيقة وعلى كل صواب نور العلة الغائية قال الله عز وجل لولاك لما خلقت الافلاك وقال امير المؤمنين عليه السلام نحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايع لنا ويأتي الكلام ان شاء الله عن هذا المرام وان جعلنا البحر السابع هو مقامات الوجود المطلق ومراتب المشية فيكون الفلك اشارة الى الهوية التي هي قطب للالوهية التي هي قطب للاحدية التي هي مقام الظاهر على الظاهر قال الله عز وجل قل هو الله احد فقدم الهوية على الالوهية وقدمها على الاحدية لسر ما قلنا فاذا كان البحر هو بحر الظاهر والفلك المقوم له هو الهوية والحبك مقام الالوهية لكونها الطريق والمجاز الى الهوية كما ذكرنا غير مرة والنجوم هي الاسماء الحسنى والصفات العليا فكل اسم نجم يؤثر فيما يتعلق به من دون روابط ( من روابط خ ) الجنة واحوالها فقوام الجنة بما فيها بالاسماء الجزئية وقوامها بالالوهية وقوامها بالهوية وهذه الافلاك ايضا تسعة اذ الهوية الظاهرة في الظاهر الظاهر في المظاهر متعددة فظهور في مقام الجماد وظهور في مقام النبات وظهور في مقام الحيوان وظهور في مقام الجان وظهور في مقام الملك وظهور في مقام الانسان وظهور في مقام الانبياء وظهور في مقام الحقيقة المحمدية صلى الله عليهم وظهور في المشية الوجود المطلق وهذه تسعة افلاك اختلف الظهور باختلاف المظاهر وقد ذكرنا وفصلنا في اول الشرح عند قوله عليه السلام فتق الاجواء حقيقة تلك الافلاك ومراتبها واسمائها وكيفية ترتيبها فلانعيد فراجع هناك تفهم ان شاء الله تعالى والنجوم التي على منطقة الفلك الاعظم المذكور في اول الكتاب اثني عشر نجما وهي الاسماء التي اشار اليها مولينا الصادق عليه السلام في قوله ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت ( الى ان قال عليه السلام فجعله اربعة اجزاء معا ليس واحد منها قبل الآخر ه وهي نقطة الجنوب والشمال والمغرب والمشرق في عالم الاسماء وافلاكها ثم قال عليه السلام فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق اليها خ ) الى ان قال (ع) فجعل لكل واحد منها اثني عشر ركنا ه فصار كل ركن برجا فجعل لكل ركن ثلثين اسما منسوبا اليه والثلاثون الاسم هي الدرج لكل برج فصار مجموع الدرج في مجموع البروج ثلاثمائة وستين درجة على تلك الافلاك وهذا الترتيب على الافلاك الجسمانية مثال لترتيب الافلاك العقلية وتلك الافلاك دليل ومثال لترتيب الافلاك الفعلية ومراتب المشية وتلك مثال وحكاية لترتيب افلاك الاسماء وقد قال مولينا الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث وقال مولينا الرضا روحي فداه وعليه السلام قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فافهم وفقك الله لما يحب ويرضى فان المسلك وعر والسلام والاشارة الى بيان قول امير المؤمنين عليه السلام بحر مظلم كالليل الدامس مراده في نظرنا هذا هو بحر الامكان الجائز لانه عالم التكثر والاختلاف المستلزمين للظلمة والسوداء ( السواد خ ) وشدة الظلمة كثرة الروابط والقرانات والاوضاع والاضافات يعلو مرة بالنظر الى وجه مبدئه والاستشراق بنوره ويسفل اخرى بالنظر الى نفسه وحدود انيته في قعره شمس تضيء هذه الشمس هي الوجود والفؤاد الذي هو حقيقة الاثر ومبدأ الجنان وحقيقة الانسان لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد لانه عين الله ووجه الله فلا يعرف بها الا الله ولا يعرفها الا الله بظهوره لانه صرف ظهوره فاذا لاحظت معه شيئا غيره فكان محدودا فلو عرفت الله به لجعلته محدودا ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لو عرفت الله بمحمد لكفرت لان الله لا يعرف بغيره فعند معرفة الله يجب سلب كل ما عداه ورفع كل ما سواه فاذا رفع كل ما عداه لم يبق الا نور الله وظهوره وهو الناظر والمنظور لانه الطرف قال الشاعر :
اذا رام عاشقها نظرة فلم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها
فافهم فمن تطلع عليها مع ملاحظة الحدود وعدم رفع القيود فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير لانه نظر الى الله في الامكان وعرفه بالقيود والحدود والتشبيه والصفات الامكانية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا ينافي ما ذكرنا ما جعلنا الجنة في البحر السابع وقلنا انه المراد من قوله عليه السلام بحر مظلم اه لان الاغيار اكدار لا يصفو العيش الا برفعه قال عليه السلام انت الذي ازلت الاغيار عن قلوب احبائك حتى لم يعرفوا سواك فاهل الجنة ما دام لم يدخلوا لجة بحر الاحدية ففيهم شوب الكدورة الاضافية فاذا دخلوا تلك اللجة فقد تطهروا عن كل كدورة ووصمة ونقص وهو معنى قوله عز وجل وسقيهم ربهم شرابا طهورا هذا اذا جعلنا البحر السابع هو العقل واذا جعلناه ( جعلنا خ ) الرتبة السابعة من المشية فيراد به الامكان الراجح وظلمات البحر كثرة الاسماء والصفات وهي طمطام يم الوحدانية يعلو مرة اي المشية تقرب الى مبدئها من نفسها ومن السرمد والامكان الراجح حتى تكاد تفنى عن نفسها وتظهر في كل شيء ويسفل اخرى اذا نظرت الى الروابط والمتعلقات حتى تكاد تظهر في المفعولات في قعره شمس تضيء وهي شمس الهوية ومصباح الاحدية وظهور شمس الازل لان البحر صبح الازل الى آخر ما قلنا ولهذا الحديث الشريف معان اخر في مقام العلم وسر القدر الذي يشير اليه صريح لفظه المبارك وقد اشار اليه مولينا واستادنا جعلني الله فداه في رسالته الموضوعة في العلم شرحا لكلام الملا محسن وهو ليس مما نحن بصدد بيانه فاثبت عليه الصلوة في هذا الكلام الموجز جميع علم المبادي والعلل والذوات المستقلة الالهية والكينونات الرحمانية والمقامات النورية وجهات الفاعل وظهورات آثاره فافهم فهمك الله
قال عليه الصلوة والسلام : ورأيت الارض ملتفة كالتفاف الثوب المقصور وهي في خرق من الطتنج الايمن مما يلي المشرق والطتنجان خليجان من ماء كأنهما ايسار طتنجين وانا المتولي دائرتها
لما اظهر صلوات الله عليه العلوم المتعلقة بالمبادي والعلل والحقائق والامور التي لها استقلال في القصد وشرح مقامات الاسماء والصفات ومواقع الظهورات والتجليات اراد عليه السلام ان يشرح المراتب النازلة والمقامات السافلة ورتبة القوابل ومرتبة الماهيات واحكامها ولواحقها على ما نطق به الكتاب المجيد والسنة ودل عليه العقل السديد فاشار اليه بقوله عليه السلام رأيت الارض اه والكلام في الارض وحقيقتها ومراتبها واحوالها واحكامها طويل الا اني اشير الى نبذة من الاخبار الواردة فيها تيمنا وتبركا ثم ابين بعض رموزها وافتح بعض مغلقها ذكر بعض السادة الاجلاء في بعض مؤلفاته عن الصادق (ع) انه قال الارض سبع منهن خمس فيهن خلق من خلق الرب واثنتان هواء ليس فيهما شيء وفي تفسير القمي عن امير المؤمنين عليه السلام الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة اربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام ه وفي الدر المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله ان الارضين بين كل ارض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام والعليا منها على ظهر الحوت قد التقا طرفاه في السماء والحوت على الصخرة والصخرة بيد الملك والثانية مسجن الريح فلما اراد الله ان يهلك عادا امر خادم الريح ان يرسل عليهم ريحا يهلك عادا فقال ارسل عليهم من الريح قدر منخر الثور فقالت له الجبال ان يكفي الارض ومن عليها ولكن ارسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله تعالى في كتابه ما تذر شيء من اتت عليه الا جعلته كالرميم والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريت جهنم قيل يا رسول الله للنار كبريت قال صلى الله عليه وآله نعم والذي نفسي بيده ان فيها لاودية من كبريت لو ارسل فيه الجبال الرواسي لماعت والخامسة فيها حيات جهنم ان افواهها كالاودية يلسع الكافر اللسعة فلا يبقى منه لحم على ( ولا خ ) وضم والسادسة فيها عقارب جهنم ان ادنى عقربة منها كالبغال المؤكفة والسابعة فيها ابليس مصفدا بالحديد يد امامه ويد خلفه فاذا اراد الله ان يطلقه لما يشاء اطلقه وعن الصادق عليه السلام ان الله خلق النهار قبل الليل والشمس قبل القمر والارض قبل السماء ووضع الارض على الحوت والحوت على الماء والماء على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الثرى والثرى على الريح العقيم والريح على الهواء والهواء تمسكه القدرة وليس تحت الريح العقيم الا الهواء والظلمات ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء يتوهم في روضة الكافي في حديث زينب العطارة وقد سئلت رسول الله صلى الله عليه وآله عن عظمة الله جل جلاله قال صلى الله عليه وآله ساحدثك عن بعض ذلك ثم قال صلى الله عليه وآله ان هذه الارض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي وهاتان بمن فيهما ومن عليهما عند التي تحتهما كحلقة ملقاة في فلاة قي والثالثة كذلك حتى انتهى الى السابعة وتلا هذه الآية خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن والسبع الارضين بمن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي والديك له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب ورجلاه في التخوم والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قي والصخرة بمن فيها و( من خ ) عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم على الهوى الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهوى على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى ثم انقطع الخبر عند الثرى الحديث وفي حديث ابنالسلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال اخبرني عن الارض مم خلقت قال من زبرجد قال فالزبرجد مم خلق قال صلى الله عليه وآله من الموج قال فالموج مم خلق قال صلى الله عليه وآله من البحر قال صدقت يا محمد (ص) فكيف ذلك قال صلى الله عليه وآله ان الله عز وجل لما خلق البحر امر الريح ان تضرب الامواج حتى اذا ازبدت امواجه ثم امرها ان تجتمع فاجتمعت ثم امرها ان تلين فلانت ثم امرها ان تعتدل فاعتدلت ثم امرها ان تمتد فامتدت فصارت ارضا قال صدقت فاخبرني من اين سكونها قال صلى الله عليه وآله من جبل قاف وهو اصل اوتاد الارض التي نحن عليها قال فاخبرني ما تحت هذه الارض قال تحتها ثور قال وما صفته قال صلى الله عليه وآله يا ابنسلام له اربع قوائم وهو قائم على صخرة بيضاء قال ما صفته قال صلى الله عليه وآله له اربعون قرنا واربعون سنا رأسه بالمشرق واذنه بالمغرب وهو ساجد لله تعالى الى يوم القيمة من القرن الى القرن مسيرة خمسينالف سنة قال ما تحت الصخرة قال صلى الله عليه وآله جبل يقال له الصعود قال ولمن ذلك الجبل قال صلى الله عليه وآله لاهل النار يصعده المشركون الى يوم القيمة وهو مسيرة الف سنة حتى اذا بلغوا اعلى ذلك الجبل ضربوا بمقامع فيسقطون الى اسفله فيسحبون على وجوههم قال ما تحت ذلك الجبل قال ارض قال ما اسمها قال صلى الله عليه وآله جارية قال ما تحتها قال صلى الله عليه وآله بحر قال وما اسمه قال صلى الله عليه وآله سهسك قال فما تحت ذلك البحر قال صلى الله عليه وآله ارض قال وما اسمها قال ناعمة قال وما تحتها قال صلى الله عليه وآله بحر قال وما اسمه قال صلى الله عليه وآله الزاخر قال وما تحته قال الارض قال وما اسمها قال صلى الله عليه وآله فسيحة قال فصف لي هذه الارض قال صلى الله عليه وآله وسلم هي ارض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك وضوؤها كالقمر ونباتها كالزعفران ويحشر عليها المتقون يوم القيمة قال صدقت يا محمد (ص) قال فاخبرني اين تكون هذه الارض التي نحن عليها اليوم قال صلى الله عليه وآله تبدل هذه الارض غيرها قال ما تحت تلك الارض قال صلى الله عليه وآله البحر قال ما اسمه قال صلى الله عليه وآله القمقام قال وما فيه قال صلى الله عليه وآله الحوت قال وما اسمه قال صلى الله عليه وآله بهموت قال صدقت يا محمد (ص) فصف لي الحوت قال صلى الله عليه وآله رأسه بالمشرق واذنه بالمغرب قال فما على ظهره قال صلى الله عليه وآله الارض والبحار والظلمة والجبال قال فما في عينيه قال صلى الله عليه وآله سبعة ابحر في كل بحر سبعون الف مدينة في كل مدينة الف لواء تحت كل لواء سبعون الف ملك قال فما يقولون قال صلى الله عليه وآله يقولون لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير قال صدقت يا محمد (ص) فاخبرني ما تحت الريح قال صلى الله عليه وآله الظلمة قال فما تحت الظلمة قال صلى الله عليه وآله الثرى قال فما تحت الثرى قال صلى الله عليه وآله لا يعلمه الا الله عز وجل ه واعلم ان الارض لها اطلاقات كثيرة وجامعها ثلث الاول ارض البسيط ( الارض البسيطة نسخة ٢٤٤ ) وهي صرف العنصر البرودة واليبوسة الثاني الارض البيضاء محشر المتقين ومسكن المؤمنين العارفين الثالث الارض السوداء مسكن الشياطين ومحشر المنافقين الفاسقين الظالمين والاطلاقات الاخر كلها لمقامات هذه المراتب كلها اما مجتمعة او متفرقة واصل الارض وحقيقتها هي ما ذكرنا من البرودة واليبوسة الصرفة ومنشأهما الجهة السفلى في فيكون عند صدور الامر كن وانوجد عند قوله اوجدته وقوامهما بكلمة كن والوجه الاعلى من فيكون سماء والوجه الاسفل ارض وكيفية تكونها ان الله عز وجل خلق بقدرته خلقا القي فيه مثالها اي مثال القدرة فظهر حاكيا لصفتها فكان بذلك ياقوتة حمراء لان القدرة هي نار الشجرة ومثالها وصفتها الصلابة والجفاف والحمرة فاجتمعت كلها في الياقوتة وهذا الخلق هو مظهر القهارية والعلو والجلال ثم نظر سبحانه اليه بنظر العظمة المستدعية للكثرة المتحصلة بكثرة الشؤن والروابط والميولات المستدعية لكثرة الرطوبات فماع ذلك الخلق اي الياقوتة فذابت وتفرقت الشؤن المجتمعة والصفة الحاكية وارتفع التمايز وصارت شيئا واحدا ثم ان الله عز وجل امر الريح وهي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر ( وهو الامكان خ ) من حيث روابطها بالمفعولات وتعلقها بها عند تكوينها وتقطيرها بعد تعفينها وتفصيل المراتب المجتمعة الى الاحوال المتمايزة فاحدثت الريح فيها حرارة ورطوبة مهيجة لما قد استجنت فيها وتصادمت الاجزاء واضطربت الى ان ظهرت كل المراتب منفصلة لازمة لمقامها فتصاعدت اللطائف والشعلات النارية والامثلة الظاهرة في الجوهرة الياقوتة واجتمعت الكثافات النازلة فانعقدت زبدا باقية على وجه الماء واللطائف ( فاللطائف خ ) هي السماء والكثافات اكثفها الارض فيجب ان تكون ساكنة لكونها طبع الموت وعدم الحرارة المستلزمة للتهيج والانبعاث ولكثرة اكتنافها بالاعراض والدواعي المانعة عن الحركة هذه حكمها في نفسها واما باعتبار تقومها بمبدئها فهي تتحرك اليها حركة استمداد واما قوله عز وجل وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب فمن جهة ما فيها من الحرارة القوية المستجنة فيها كما ذكرنا غير مرة ولما كانت الارض هي الماهية والقابلية وهي لا تتم الا في سبعة ايام لان الستة حدود تمام القابلية والسبعة مقام اجتماعها وتراكمها وصيرورتها شيئا واحدا كانت الارض سبع طبقات ولما كان ( كانت خ ) السماء هي وجه الفاعل المتعلق بالمفعول وذلك واحد يختلف ويتعدد بتعدد الحدود وجب انقسام ذلك النور ايضا الى سبعة لانه انما يتقدر في هذه السبعة فكانت السموات ايضا سبعة قال عز وجل الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن واما العرش والكرسي فهما فوقها لكونهما ظهوري الاسمين الاعلين اللذين اذ اجتمعا افترقا واذ افترقا اجتمعا فهذا حقيقة القول في السماء والارض واصله وهذه الارض هي الارض البسيطة الصرفة الساذجة وهي الارض الاولى قبل دوران الشمس والكواكب عليها ومحاذاتها ومقابلتها بالمبادي العالية لتنقسم الى ارض الجرز وارض الكبريت وارض السبخة وامثالها وهذا في كل عالم فالسماء هو النور الالهي والفيض السرمدي والارض هي القابلية والانية فلما اقترن القابل بالمقبول واتصل العالي بالسافل وامتزجت النطفتان نطفة الاب التي هي السماء ونطفة الام التي هي الارض فاختلفت الاولاد فمنهم من يشابه اباه ومنهم من يشابه امه مع اشتراك المجموع فيما من الاب وما من الام وما من الله فصار ما يشابه الاب ويشاكله قد اجرى عليه حكم ( حكمه خ ) وما يشاكل الام ويشابهها اجرى عليها حكمها وهو قوله عز وجل الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا فكذلك اختلف حكم السماء والارض اذ بعد انبساط الفيض وجريانه على القوابل فكلما كثر فيه النور وغلب عليه السرور بطل حكم القابلية فيه بحيث اضمحل فكان سماء وسمى باسمها حقيقة فهذا تلطف واستعلي وكلما قل فيه ( النور خ ) وغلبت عليه الماهية المظلمة الغاسقة كان ارضا وسمى باسمها حقيقة فصار يستمد من الذي فوقه وغلب عليه النور فجريا في الطبقات والاحوال مجري ما قلنا فتعددت السموات والارضون في كل عالم من العوالم ولك ان تجعل العالم السفلى بسمائه وارضه ارضا للعالم العلوي ولذا نقول ان محدب محدد الجهات وهو السطح الاعلى من الفلك الاعلى الذي ليس في السموات الطف ولا اعلى ولا اشرف منه ارض لعالم المثال في عالم الاشباح وهكذا سطح محدب فلكه الاعلى ارض بالنسبة الى عالم النفوس وعلى هذا القياس وهذا حكم ثان يجري في كل ذرات الوجود والحكم الثالثي ان العوالم والمراتب تختلف في غلبة الحكم الغالب وظهوره فيختص كل من الغالب بالاسم الخاص به من السماء والارض ومن هنا اختلفت اطلاقات الارض بين ما اطلقت على الانوار واطلقت على الظلمات وهما باعتبار ملاحظتها مقابلة للشمس والكواكب ومستمدة منها ما هو من سنخها وجنسها وملاحظة عكسها فبالاولى تطلق على الانوار في هذا المقام اي مقام ظهور القابلية وبالثانية تطلق على الظلمات فمن الاطلاقات وهي اعلاها اطلاقها على ارض الامكان الراجح وهي اعلى الاراضي وتنتهي كلها اليها فما تتجاوزها ابدا وهذه الارض قبل الاكوان وقبل الاعيان وسماء هذه الارض هي المشية الامكانية والظهور الكلي الاولى السرمدي ومنها ارض الجرز والبلد الطيب والقابلية الاولى والدواة الاولى وهي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله على معنيين احدهما ملاحظة كونها محل المشية فتكون هذه الارض هي نور الانوار والنور الذي منه وبه الانوار والبهاء الذي هو ابهى البهاء واشرفه والامر الذي قام به كل شيء والماء الذي حيي به كل شيء وسمائها هي المشية الكونية المسبوقة بالعلم قال عز وجل ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء لان تلك الارض ما تنبت الا ما اتيها من سمائها فافهم وقوله عليه السلام فبعلمه كانت المشية وثانيهما هو الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار وسماء هذه الارض هي مس النار قال عز وجل يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ومنها ارض الامكان الجائز وهو العمق الاكبر وهي كل الممكن وهي مطارح اشعة كواكب سماء المشية الكونية الظاهرة في العقل الكلي والنور المحمدي صلى الله عليه وآله والمصباح الذي في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ومنها ارض النفوس قال تعالى اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام بموت العلماء فجعل العالم طرف الارض ونهاياتها وهو آخر ما تنتهي اليه الارض والعلم في الصدر الذي هو النفس قال الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف وقال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وقال مولينا عليّ بن الحسين عليه السلام في الصحيفة لا علم الا خشيتك ولا الحكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لا يؤمن ( لم يؤمن خ ) بك حكم وانما اطلقت الارض على النفس دون العقل للحكم الثالث فان القابلية والحدود والكثرات والاضافات والقرانات التي هي حدود الماهية وجهاتها اكثر واشد بالنسبة الى العقل وفيه ليس الا جهة الوحدة والاجمال والعموم والانبساط الذي هو مقتضى الفيض الاول وبذلك كان العقل سماء لغلبة النور فيه والنفس ارضا لغلبة الظلمة فيها ولذا كانت النفس نورا اخضر والعقل نورا ابيض ومنها الامام عليه السلام وهو الوصي عليه السلام والسماء هو النبي صلى الله عليه وآله قال تعالى والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام وقال عز وجل ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا والارض في الموضعين والمواضع الاخر في القرآن قد فسرت بالامام عليه السلام فانه عليه السلام محل الرسالة ومطرح فيوضات النبوة ومقام التمييز والتفصيل كما كانت النبوة مقام الوحدة كالسماء بالنسبة الى الارض قال الله عز وجل عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ ومنها الصديقة الطاهرة على ابيها وبعلها وبنيها وعليها الصلوة والسلام لانها موقع النجوم ومحل ظهور تفاصيل الولاية وسماءها هو امير المؤمنين عليه السلام قال الله عز وجل افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت وهو امير المؤمنين عليه السلام والى السماء كيف رفعت وهو رسول الله صلى الله عليه وآله والى الجبال كيف نصبت وهم الائمة الهداة صلى الله عليهم والى الارض كيف سطحت وهي المطهرة الزهراء صلى الله عليها ومنها الصورة مطلقا نوعية كانت ام شخصية وسماءها المادة والوجه ظاهر واليها الاشارة بقوله عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره والوجه ظاهر فيهما ومنها مطلق الزوجة وسماءها الزوج ومنها هذه الارض المعروفة التي هي مسكن ابداننا وهذه الاطلاقات ليست مجازات وانما هي حقايق اولية وهذه الارض حقيقة بعد حقائق كثيرة فهي مجاز لها وحقيقة في مقامها ومحلها لان الواضع حكيم فلا يجعل المتبوع تابعا ابدا والتابع متبوعا ابدا الا في ظاهر الغلبة لحكم التمكين فافهم وقوله عليه السلام رأيت الارض يريد هذه المعاني كلها ورؤيتها رؤية احاطة وعلية لا مشاهدة وعيان خاصة لان الله عز وجل اشهده خلق السموات والارض وخلق نفسه واتخذه عضدا لخلقه وجعله وليا من العز وملأ به السموات والارض حتى ظهر ان لا اله الا الله لانه يساوي عليّ ولي الله فافهم قوله عليه السلام : ملتفة اي مطبقة طبقات على الاستدارة بحيث تكون بعضها في الآخر وهي حقيقة واحدة قد انقسمت الى هذه الطبقات بعضها على الآخر ولذا شبهها بالتفاف الثوب المقصور وتلك الطبقات الملتفة بعضها ببعض سبعة على ما دل عليه العقل والنقل وقد اختلف تعبيرات اهل البيت عليهم السلام عن تلك الطبقات بحسب الجهات والملاحظات الا ان ما ذكرنا من القاعدة الكلية في الارض ومراتبها يتبين لك الامر وجمع تلك الاخبار من غير منافرة ومضادة لانا قد بينا ان اصل الارض وحقيقتها هي القابلية والسماء هي المقبول وبعبارة اخرى ان السماء وجه الفاعل والارض قابليته ومظهره فعلى هذا اذا تطابقت السموات فيكون كل ارض تحت سمائها لاستحالة الانفكاك فتكون ارض السماء الاولى فوق السماء الثانية وهكذا واليه اشار مولينا الرضا عليه السلام في الحديث الذي رواه في مجمعالبيان عن عليّ بن ابرهيم عن ابيه عن الحسين بن خالد عن ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلت له اخبرني عن قول الله عز وجل والسماء ذات الحبك فقال محبوكة الى الارض وشبك بين اصابعه فقلت كيف تكون محبوكة الى الارض والله تعالى يقول رفع السماء بغير عمد فقال عليه السلام سبحان الله اليس الله يقول بغير عمد ترونها قلت بلى قال فثم عمد ولكن لا ترى فقلت فكيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها قال عليه السلام هذه ارض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قبة والارض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة ثم هكذا الى الارض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة وهو قوله تعالى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن فصاحب الامر هو النبي والوصي من بعده وهو على وجه الارض انما يتنزل الامر اليه من فوق من بين السموات والارضين قلت فما تحتنا الا ارض واحدة قال عليه السلام وما تحتنا الا ارض واحدة وان الست لفوقنا ه ويريد عليه السلام بهذه الارضين هو الاصل الارض البسيطة الصرفة وهي قابلية كل سماء فوجودهما متساوق لا تكون السماء الا بالارض ولا الارض الا بالسماء ولذا جعلها عمودا وهو القيام التحققي فاذا قطعت النظر عن الارض لم تكن السماء سماءا لما بينهما من المساوقة والتضايف فبطل ما توهم بعض العلماء من هذا الحديث الشريف انه عليه السلام جعل محدب كل سماء ارضا لمقعر السماء التي فوقها اذ كل سماء منفصلة عن الاخرى وليس قوام احديها بالاخرى من حيث هي سماء واما الملاحظة الثانية اي جعل كل سافل ارضا للعالي فهي وان كانت صحيحة الا انها لا تستقيم هنا لان هذه السموات المعروفة في صقع واحد ليس بينهما ترتب شرف وعلو وسفل مع ان الشمس اعلى السموات واشرفها وباقي السموات كلها بالنسبة اليها ارض مع انها في السماء الرابعة ومجرد العلو الحسي والتقدم الزماني لا يوجب الارضية والا كانت القشر سماء لللب والجسد للروح مع ان الامر بعكس ذلك بالبديهة ولهذا الحديث الشريف معنى آخر ذكره شيخي اطال الله بقاه في بعض اجوبة المسائل واذا نظرت الى الارض من حيث نفسها وادبارها ونتنها وكثافتها فهي حينئذ تكون تحت السموات السابعة كل طبقة واد من اودية جهنم لغلظة الانية وظلمة الماهية وهي كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله فيما تقدم من الحديث ان الارض الثانية سجن ( مسجن خ ) الريح والارض الثالثة فيها حجارة جهنم الى آخر ما قال واذا نظرت الى مقام التعاكس وجعلت كل ارض ضدا وظلا وعكسا لسماء فتكون اذن الارض الثانية اوسع واعظم من الارض الاولى لان ظل كل سماء على حسب تلك السماء وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله كما تقدم ان الارض الاولى بمن عليها وفيها في الارض الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي والثانية بمن فيها وعليها مع الارض الاولى بالنسبة الى الارض الثالثة كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الى آخر ما ذكره صلى الله عليه وآله وفي هذا المقام وضع لكل ارض اسم فالسابعة اسمها ارض الشقاوة والسادسة اسمها ارض الالحاد في مقابلة السماء السادسة والخامسة اسمها ارض الطغيان في مقابلة السماء الخامسة والرابعة اسمها ارض الشهوة في مقابلة السماء الرابعة والثالثة ارض الطبع في مقابلة السماء الثالثة والثانية ارض العادات في مقابلة السماء الثانية والاولى ارض الممات في مقابلة السماء الدنيا سماء الحيوة ولما كان كل سماء اوسع من الذي تحتها كان كل ارض اوسع من الذي فوقها لان ظل الاعلى اسفل والى هذه السبعة اشار مولينا الصادق عليه السلام في الحديث المتقدم ان الارض سبع منهن خمس فيهن خلق من خلق الرب واثنتان هواء ليس فيهما شيء ويريد عليه السلام بهما ارض الشهوة وارض المماة فان ظل الوجود عدم مجتث وظل الحيوة موت ففيهما ظلمة صرفة ليس فيهما شيء من التمايز والتشخصات كما في الخمسة الاخر فان الارض الرابعة ظل فلك الشمس والارض الاولى ظل فلك القمر فعلى هذا التقدير لا يجوز ان تكون تلك الطبقات اجساما كالارض المعروفة وانما هي ارواح لنص قوله صلى الله عليه وآله ان الثانية اوسع من الاولى فلو كانت جسما كانت في جوف هذه الارض فلم تكن اوسع ولقول الرضا عليه السلام وليس تحتنا الا ارض واحدة وتمام الكلام في ذلك يأتي ان شاء الله تعالى فترقب او يكون المراد بالالتفاف عدم ظهور بسطها وسعتها وبروز عشبها وثمرها والانوار المستجنة فيها والحقايق المستقرة فيها لاحاطة الظلمة وتقدم الليل وسيكون لها ظهور وبسط وانتشار وسعة واحاطة اما الارض الاولى اي ارض الامكان الراجح فقد خفيت آثارها وظهوراتها بكثرة التغيرات والتبدلات والكثافات وطريان العدم والفناء والفقر الى الاسباب وظهور الاسباب المخصوصة الجزئية وكذلك الارض الثانية التي هي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ولذا قد اختلف الناس فيهم فمن قائل بانهم عليهم السلام ارباب ومن قائل بتقدم غيرهم عليهم ومن قائل بعدم حظ لهم في الاسلام ومن قائل بانهم رعايا كسائر المخلوقين ومن قائل بانهم حجج الله واولياؤه وهم في هذا القول مختلفون اختلافا شديدا يطول بذكره الكلام وما ظهر كونهم محلا للمشية الا لقليل من خواص المؤمنين الممتحنين فلو لم يكن امرهم مطويا ملتفا لما وقع الاختلاف لكنهم اوقعوا الاختلاف باخفاء اللطيفة ( اللطيف خ ) ليصح التكليف ويمتاز الخبيث من الشريف وسيظهر الامر بعد الخفاء ويدخلون المسجد عودا كما دخلوه اول مرة فينكشف الغطاء ويرجع الامر كله الى الله هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وكذلك الارض الثالثة اذ قد طويت آثارها وخفيت اثقالها وماظهر للناس ما لها ولذا تريهم يستحيلون كثيرا من الامور الممكنة بل المتحققة في عالمها كحكمهم باستحالة انفكاك اللازم من الملزوم وبامتناع وجود الحقايق المطلقة معراة عن القيودات الشخصية كقولهم الشيء ما لم يتشخص لم يوجد وبامتناع ( وجود خ ) كل ما يوجد في الذهن ويتصور في الخارج وامثالها من الامور التي يطول بذكرها الكلام وستنبسط تلك الارض وتظهر المستجنات الكامنة فيها يوم تبدل الارض غير الارض ويقال لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وكذلك الارض الرابعة وقد قال الله عز وجل وما اوتيتم من العلم الا قليلا وقال عز وجل واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم وقال عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وقال امير المؤمنين عليه السلام اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة وقال مولينا سيد العابدين عليه السلام :
اني لاكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابوحسن الى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
وقال مولينا الصادق عليه السلام ذكرت التقية يوما عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال عليه السلام لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله ان علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان انما قلت علم العلماء لان سلمان من العلماء ه وقال ايضا عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ه وهذا معلوم تشهد به البديهة فان العلم لم يزل مكنونا مخزونا عند اهله فاذا آن اوان انبساط الارض وتبديلها بالارض الطيبة الطاهرة تنتشر العلوم وتنبسط المعارف فيغن الله كلا من سعته وكذلك الارض الخامسة والسادسة والوجه في التفافهما وطيهما وعدم انتشارهما وانبساطهما معلوم مستغن عن البيان وكذلك ظهورهما وانبساطهما لما قد خرق الاسماع وملأ الاصقاع من امر الرجعة والقيمة وانهم ولاة الامر واولياء الحساب ومقدرة ( مقدروا خ ) الثواب والعقاب وكذلك الارض السابعة فان هذه الارض تنبسط وتنتثر ( تنتشر خ ) في الآخرة بحيث ان من ادى زكوة ماله يخلق الله عز وجل فرسا احسن جواد في الدنيا فيقال للمؤمن اركب هذا الفرس واركض في ارض الجنة سنة فما بلغ جوادك فهو لك وانه ليقطع في كل طرفة عين بقدر ( مقدار خ ) الدنيا سبع مرات وكل يوم من السنة كالف سنة مما تعدون فاستبصر من ذلك ضيق هذه الارض والتفافها وطيها وعدم نمو اشجارها ونضج ثمارها وجريان مياهها وعذوبتها وحلاوتها وطهارتها وشوبها بالكدورات والكثافات والرذائل والدناءات ثم اعلم انه قد تقرر عندنا ان المشبه في القرآن والاخبار عين المشبه به فقوله عليه السلام كالتفاف الثوب المقصور ( ليس المراد ان الثوب المقصور شيء والارض الملتفة شيء آخر كقولك زيد كالاسد بل الثوب المقصور نسخة ٢٤٤ ) هو عين الارض الملتفة وليس هذا بمجاز وانما هو حقيقة اصلية لان الارض قد قلنا سابقا انها هي القابلية وجهة الانفعال والقابلية هي الصورة كما ان الاثر الصادر من الفاعل الذي هو وجه الفاعل هو المادة والصورة ثوب ولباس لان المادة هي الاب والصورة هي الام لقول الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فاذا صح ان الارض هي الصورة والصورة هي الام والليل منشأ العلة الصورية لان سلطانه وآيته القمر ومنه الصور الجسمية كما ان من الشمس مادة ( المادة خ ) العنصرية فقد قال الله عز وجل هن لباس لكم وانتم لباس لهن وقال عز وجل وجعلنا الليل لباسا فتكون الارض هي الثوب في كل درجاتها ومقاماتها فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم واما توصيفها بالمقصور اشارة الى طبقاتها وكونها حقيقة واحدة متطبقة بطبقات لان تسلم من الاعدام والافناء على التفصيل الذي ذكرناه وسيأتي قريبا ان شاء الله تعالى اوان لبس هذا الثوب فيزول ( هذا خ ) الالتفاف وينبسط الطوى لكن هذا الثوب على قسمين ثوب من نار وثوب من نور فالثوب الذي من النار هي طينة سجين خبال جهنم التي قد خلق الله سبحانه منها الكفار والمنافقين والمشركين فقال لهم للنار ولا ابالي والثوب الذي من النور هي طينة عليين من بحر المزن والصاد التي قد خلق الله عز وجل منها المؤمنين الموحدين والانبياء والمرسلين والملائكة المقربين واهل الخير اجمعين ففي دار التكليف يكون الثوبان ملتفين مطويين في ظاهر الامر فاذا انقطع التكليف ترى كل احد لابسا ثوبه وما ربك بظلام للعبيد وقولي في دار التكليف مرادي قبل تمييز الخبيث من الطيب وما دام حكم الخلط والمزج باقيا قال امير المؤمنين عليه السلام لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فامتزجا فهنالك هلك من هلك ونجى من سبقت له من الله الحسنى واول ظهور الثوبين اذا خرج مولينا وسيدنا القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه فيأخذ الامر في الظهور والامتياز الى ان تظهر الجنتان المدهامتان في ظهر الكوفة ثم كمال الظهور على التفصيل يوم حشرناهم ولم نغادر منهم احدا والرجعة يوم ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا وهم الفريقان اي ماحض الايمان ( محضا خ ) وماحض الكفر والنفاق والطغيان
قوله عليه السلام : وهي في خرق من الطتنج الايمن مما يلي المشرق اعلم ان الوجود ينقسم الى سماء وارض والارض تنقسم الى ارض طيبة وارض خبيثة كم قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرجج الا نكدا والجهة باعتبار حركة الشمس تنقسم الى قسمين شرق وغرب والطتنج باعتبار الجهة ينقسم الى قسمين يميني وشمالي ولا ريب ان السماء اشرف من الارض والارض الطيبة اشرف من الارض الخبيثة وما يلي المشرق اشرف مما يلي المغرب لان الذي يلي المشرق نور والذي يلي المغرب ظلمة ولا ريب ان النور اشرف من الظلمة وان كانت جهة الغرب لكونها طبع الرحمة اشرف من جهة الشرق لكونها طبع الغضب والطتنج الايمن اشرف من الطتنج الايسر فاذا نظرنا الى القاعدة المطردة والاصل المؤسس في قوله عز وجل الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات والخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وجب ان نحمل الاشرف على الاشرف لئلا تنخرم القاعدة ويبطل الاصل الكلي فوجب ان نحمل قوله عليه السلام وهي في خرق اه بالارض الطيبة لا مطلق الارض اذ ليس الكلام في المطلق والحقيقة وانما هو في الافراد الشريفة والكثيفة لان مقتضي الحكمة حمل المناسب على المناسب على انه لو كان مطلق الارض فما الذي يكون في خرق من الطتنج الايسر ان كان هو السماء فباطل بالضرورة وان كان هو الارض فقد جعلت الارض كلها في الطتنج الايمن وان كان هو الظلمة والبحر والحوت والصخرة والثور والثرى وتحت الثرى فهل الاراضي الخبيثة المتقدمة داخلة فيها ام لا فان كانت داخلة فخلصت الاراضي الطيبة للطتنج الايمن وان لم تكن داخلة فيلزم خلاف الحكمة اذ كل شيء له مقام معلوم وحد معين عند الله وعند اوليائه فثبت ما قلنا من التخصيص وانما خص الارض الطيبة والطتنج الايمن في الذكر دون المجموع كما يقتضيه مقام التفصيل لان الباطل والخبيث مجتث مقصود بالعرض لا قوام له الا بالمقصود بالذات فاذا ذكر المقصود بالذات في الايجاد والاحداث فيدخل تحت ذكره المقصود بالعرض فيذكر معه في مقام التضاد فتحصل به الغاية مع ما هو المطلوب في الكلام والاداء من الايجاز المؤدي الغير المخل وفيه سر آخر لبيان انهم منسيون قال الله تعالى نسوا الله فنسيهم مع انه عليه السلام يذكر فيما بعد تفصيل احوالهم وشرح مستجنات ضمائرهم واسرارهم والتفصيل المطلوب انما هو هذا بان يذكر جميع خصوصيات الحقايق والمعاني من غير تكثير الالفاظ فان ذلك دليل كمال البلاغة والفصاحة كما ان الثاني دليل كمال العجز وعدم الاطلاع على مأخذ الالفاظ والمباني ولذا ترى القرآن الكريم فانه قد احتوي تفصيل كل شيء وهو على ما هو عليه من الايجاز والاختصار ولما شرح عليه السلام محل الارض وموضعها ومستقرها واصلها وحقيقتها اراد عليه السلام ان يشرح ذلك الاصل وحقيقته ليكون قد ذكر العلم الاعلى والاسفل بجميع فنونهما واحوالهما قوله ( فقال نسخة ٢٤٤ خ ) عليه السلام : والطتنجان خليجان من ماء كأنهما ايسار طتنجين وهذا الماء هو الماء الذي به كل شيء حي ( به حيوة كل شيء خ ) وهو الماء الذي خلق الله منه بشرا فجعله نسبا وصهرا وهو الماء الذي انزله الله من القرآن فكان شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهذا هو الماء الذي خلقه الله سبحانه قبل خلق كل شيء من القلم واللوح والكرسي والعرش والسموات والارضين وهذا الماء هو بحر الصاد والمزن وهو اول المداد وهو النون وهو طمطام يم الوحدانية وهو امر الله في قوله عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وهو هيولي الهيوليات ومادة المواد وعنصر العناصر وذات الذوات وهذا الماء هو ظهور الولاية المطلقة وهو اثر رحمة الله عز وجل قال تعالى فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وهذا الماء لطايف ابخرة صافية متصاعدة من ارض الجواز بحرارة العناية الالهية والظهورات الفاعلية فهو دائم الجريان على الاراضي الميتة لدوام الحرارة المتقابلة ( المقابلة خ ) ولطائف الابخرة القابلة ولكن هذا الماء من جهة وقوعه على الاراضي والمتعلقات انقسم قسمين فكان كل قسم ( منه خ ) خليجا مختصا بجهة من الجهات ينبت النبات والثمرات على مقتضى تلك الجهة من الاعتدال وعدمه فسكّر وحنظل وحشيش وغثاء فالخليج الايمن الاعلى محل الانوار ومشرب الاطهار والخليج الثاني الايسر الاسفل كتاب الفجار ومورد الاشرار والثاني هو ظاهر الاول لقوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فالماء واحد وهو ما يحصل من البرودة والرطوبة المستجن فيهما جزء من الحرارة المستجنة في جزء من اليبوسة الحاصل من تدبير ( قمر خ ) الولاية الناشي من نظر الكرسي فلك البروج الظاهر في الجوزهر وهذا الماء هو مادة الصور والحيوة وهي العلة الصورية في الكائنات ففي الارض الطيبة تظهر الصور الطيبة الموافقة للرحمة وفي الارض الخبيثة تظهر الصور الخبيثة المخالفة للرحمة الموافقة للغضب فيقع البلد الطيب في خرق من الطتنج الايمن والارض الخبيثة في خرق من الطتنج الايسر وقوام الامرين بواحد وهو باب مدينة العلم عليه السلام وانما جعل عليه السلام الارض في خرق من الطتنج مع ان الامر بالعكس على الظاهر فان الماء يقع على الارض لا العكس والماء يتولد منها لا العكس لان الامر في الحقيقة بالعكس لانا قد قلنا فيما سبق ان الارض هي القابلية وهي وان كان بعد التحقق ووقوع المقبول عليه محلا للمقبول الا انها لا تتحقق الا به لان القابلية حدود وصور لا قوام لها الا بالمحل والموضع ( الموضوع خ ) الذي هو المقبول ولما كانت الارض هي القابلية والماء هو المقبول كانت الارض متقومة بالماء فكانت الارض الطيبة في الطتنج الايمن والارض الخبيثة في الطتنج الايسر على ما ذكرنا فالارض هنا عامة كالماء فافهم ولما كان المفعول على هيئة الفعل ويحكي مثاله وصفته ووجه تعلقه بل ليست حقيقة المفعول الا مثال الفعل وصفته وكان الطتنجان المذكوران اصولي الاكوان والمفاعيل فلا يشذ عنهما شيء منها اراد عليه السلام ان يبين ربوبية ذينك الطتنجين كما قال مولينا الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فالعبودية من حيث الربوبية حقيقة ثانية ثابتة في كلما للربوبية فقال عليه السلام كأنهما ايسار طتنجين اي كان الخليجين اللذين هما الطتنجين حدود وخطوط للطتنجين الاولين المنشعبين من بحر الرحمانية فاتي بالكاف لاثبات المثل اي الصفة فالطتنجان اللذان هما اصولا المفاعيل نقش فهواني للطتنجين اللذين في مقام الاسماء الفعلية تحت حجاب الرحمانية لان مقام الالوهية مقام الاجمال الصرف والجمع البحت فلما ظهر الله سبحانه بصفة الرحمانية على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه ظهرت الاسماء المتقابلة المتضادة في مقام اسم الرحمن فكان غافرا ومنتقما رؤفا عطوفا وقهارا وجبارا ومحييا ومميتا وموجدا ومعدما وهكذا فانقسم الى اسماء الفضل واسماء العدل الظاهرتين في اليدين المبسوطين اللتين ينفق بهما كيف يشاء واليدان هما الطتنجان فهما في المقام الثاني اي مقام المفعول مثالهما في المقام الاول اي مقام الفعل في مقام اسم الرحمن لان قبله مقام الوحدة ومقام الكثرة والاختلاف انما هو في الرحمانية ولذا استوى بها على العرش واول مقام الكثرة في الاثنين فانقسم الفعل بالمفعول والمفعول بالفعل الى القسمين وهما الطتنجان فتكثر كل قسم من الامرين بعد القسمين الاولين وشرح ذلك في الاسماء المخصوصة الجزئية هذا هو العبارة الحقيقية في الواقع اما العبارة الظاهرة ( الظاهرية خ ) تحت الاولى فاعلم ان الرحمن هو الظاهر بالرحمة الواسعة وهذه الرحمة لها طرفان فضل وعدل فالاول هو الرحمة المكتوبة وهو الطتنج الايمن الاعلى وهو رحمة الفضل والثاني هو رحمة العدل وهي التي تشمل الكافر وتسعه في النار وهو الطتنج الايسر الاسفل والماء المفعولي النازل من ذلك السحاب وهو القرآن ايضا ينقسم الى القسمين فقسم يحكي رحمة الفضل وهي الذوات الطيبة والقسم الآخر يحكي رحمة العدل وهي الذوات الخبيثة والنفوس الغاسقة اللئيمة فالطتنجان الآخران المنشعبان من الماء هما صفة امير المؤمنين عليه السلام في مقام الافعال والظهورات الجزئية وفي هذا المقام هو البشر الذي خلق من الماء فجعله نسبا وصهرا فكان هنا الباب الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهو القوم الذي يحبون الله ويحبهم الله اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وهو عليه السلام في هذا المقام ذكر الرحمن قال عز وجل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين اي من اعرض عن ولاية عليّ عليه السلام وقال عز وجل وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وهم شيعة عليّ عليه السلام وهو عليه السلام سبيل الله فمن سلكه نجى ومن تخلف عنه هلك قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال عز وجل ولئن قتلتم في سبيل الله او متم قال الباقر عليه السلام سبيل الله هو عليّ عليه السلام والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ عليه السلام وهو عليه السلام في هذا المقام الباب المبتلي به الناس وهو باب حطة فمن دخله موقنا بولايته وعارفا بفرض طاعته سلك سبيل الجنة ومن لم يدخله ولم يؤمن به انحط الى اسفل السافلين وهو عليه السلام في هذا المقام قسيم الجنة والنار وهو عليه السلام هنا نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وهو عليه السلام هنا بيت الله الذي من دخله كان آمنا ومن لم يدخله كان هالكا وهو عليه السلام هنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وعنه يسئلون وعليه يعرضون وهو عليه السلام هنا ساق ( ساقي خ ) اوليائه من نهر الكوثر وذائد اعدائه عنه والطتنجان الاولان هما طتنج الرحمة والغضب المنشعبان عن اسم الرحمن هو معنى امير المؤمنين عليه السلام قد ظهرت الصورة والصفة على هيكل المعنى قال عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ومن هنا تحققت الكينونات من الذوات والصفات وهنا قال روحي فداءه انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات فظهرت آثار الغضب به عليه السلام في مراتب الجهل ومقامات ادباره وظهور اسمائه الخبيثة والحقايق المنتنة المجتثة وظهرت آثار الرحمة به عليه السلام في العقل ومراتبه ومقامات اقباله وادباره الذي هو عين اقباله وظهور اسماء الله الحسنى وصفته ( صفاته خ ) العليا وكلمته القصوى وهنا طتنجان آخران هما باطن هذين الطتنجين وهما طتنج الحيوة والقيومية المنشعبان من الالوهية وهما باطن امير المؤمنين روحي له الفداء وهو عليه السلام في هذا المقام معنى الاسم الاعظم ومحله ومظهره وقد قال مولينا الصادق عليه السلام ان الحي القيوم هو الاسم الاعظم ( ومحله ومظهره نسخة ٢٤٤ وهو في ثلاثة مواضع في كتاب الله وهو عليه السلام في هذا المقام امر الله الذي قام به كل شيء كما قال عليه السلام في الدعاء كل شيء بامرك لا سواك قام ( كل شيء سواك قام بامرك خ ) وهو عليه السلام الروح من امر الرب قال عليه السلام انا الروح من امر ربي وهو عليه السلام امر الله الواحدة قال تعالى وما امرنا الا واحدة وهو قد ظهر بالامرين في الطتنجين وهو عليه السلام ولاية الله التي قامت بها الاشياء قال تعالى هنالك الولاية لله الحق قال عليه السلام ظاهري امامة او ولاية وباطني غيب لا يدرك وهو عليه السلام هنا يد الله الباسطة ورحمته الواسعة ونعمته البالغة وجنبه القوي ووجهه المضيء واسمه العلي وصراطه السوي وبهاؤه وجماله وجلاله ونوره وعظمته وكبرياؤه وقدسه وعزه وقهاريته وهنا طتنجان آخران هما باطن هذين الطتنجين وهما طتنج الاحدية والواحدية المنشعبين من بحر الالوهية وهما غيب امير المؤمنين عليه السلام وهنا قد استجيب دعاءه حيث قال رب ادخلني في لجة بحر احديتك وطمطام يم وحدانيتك فصار عليه السلام بالاول محل معرفة الله ودليل توحيد الله وآية تنزيهه وتفريده وتسبيحه وبالثاني ينبوع الاسماء والصفات ومعدن الظهورات والتجليات وقد قال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وهو عليه السلام هنا ركن توحيده بل عين توحيده ومستودع سره ومخزن علمه كما سيأتي ان شاء الله وهنا طتنجان آخران هما باطن هذين الطتنجين وهما طتنج الهوية والالوهية المنشعبين من بحر الازل لم يزل عز وجل في عالم الظهور الامكاني والكوني والعيني وهما سر امير المؤمنين روحي له الفداء فمن هذه الجهة كان اسمه الشريف المبارك عليا عليه السلام وقد قال مولينا الرضا عليه السلام ان اول ما اختار الله لنفسه العلي العظيم لانه عليّ على كل شيء فاسمه العلي ومعناه الله ه ومعنى الله هو وهو في عالم المسمى عليّ وفي عالم الاسماء كما تقدم فراجع ولا تتعجب فيما ذكرت فان كل ذلك تحقيق عبوديته عليه السلام وتبيين انهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وشرح لقوله عليه السلام نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وما لم اذكر اكثر وتدخل هذه المراتب كلها في قوله عليه السلام كأنهما ايسار الطتنجين لان كلا من هذين الطتنجين على هيئة الطتنجين الاعليين ومثالهما وخطوط ظهورهما ونقوش رسومهما وقد قال امير المؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة الشريفة المباركة انا الواقف على الطتنجين كما تقدم فيرجع امرهما اليه وان صعدا وترقيا في المراتب العالية من مراتب المفعولات والافعال والصفات والاسماء والمسميات وهكذا وهو عليه السلام يدلج بين يدي المدلج من خلق الله سبحان من هو على كل شيء قدير ويجوز في الظاهر ان تجعل الطتنجين المادة والصورة في الموجودات التكوينية والتشريعية والطتنجين الاعليين محمدا وعليا عليهما السلام قد تشعبا من بحر القدرة والعظمة المنشعبيتن ( المنشعبين خ ) من بحر السلطنة والقيومية فخليج المادة انما هو محمد صلى الله عليه وآله وخليج الصورة انما هو عليّ ولي الله قال عليه السلام انا الذي كتب اسمي على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم فمواد الاشياء من نور محمد صلى الله عليه وآله لان الشمس التي هي ظهور من ظهورات النبوة انما هي تربي المواد والحقايق لان الشمس مظهر العلة الفاعلية متولدة من العرش الذي خلق من نور محمد صلى الله عليه وآله وصور الاشياء من نور عليّ عليه السلام لان القمر الذي هو ظهور من ظهورات الولاية انما هو يربي الصور كما مر لانه متولد من الكرسي الذي خلق من نور عليّ عليه السلام فلما سئل الله سبحانه الخلق حيث اقامهم في الاظلة الست بربكم ومحمد نبيكم فمن اجابهما خلق له الامكان والكون فلما سألهم وقال لهم وعليّ وليكم والائمة من ولده وفاطمة الصديقة عليهم السلام اولياؤكم فمن اجاب مقبلا خلقه من طينة عليين ومن اجاب منكرا مدبرا مستهزءا خلقه سبحانه من طينة سجين ومن اجاب ظاهرا وتوقف باطنا خلق ظاهره من طينة اجابته وبقي باطنه مادة مع الصورة النوعية الصلوحية ولم تتعين ولم تتشخص ( لم يتعين ولم يتشخص خ ) حتى يقر بان عليا ولي الله وهكذا الحكم في كل الذوات والصفات فمن اجاب قوله تعالى الست بربكم وتوقف في محمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام خلق الله عز وجل امكانه ولم يخلق كونه لتوقفه على المادة والصورة فبقي في حيز العدم في عالم الذكر حتى يقر بهما صلى الله عليهما وهو قول مولينا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة وقال صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة ه فالنور هو رسول الله صلى الله عليه وآله والرحمة هو عليّ عليه السلام فافهم او يكون المراد من الخليجين الا خليج ( خليج خ ) الاسلام وخليج الايمان فالاول اسم ورسم للطتنج الاول وهو رسول الله صلى الله عليه وآله لانه قد تحقق في محله ان كل اسم له زبر وبينات فالزبر هو المسمى والبينات هي الاسم فاذا حاسبت بينات اسم محمد صلى الله عليه وآله يستنطق منها الاسلام من غير زيادة حرف ونقصانها فعلمنا ان الاسلام اسم له صلى الله عليه وآله والاسم هو حد المسمى ورسمه ووسمه واذا حاسبت بينات اسم عليّ عليه السلام يستخرج منه لفظ الايمان من غير الحاجة الى الاستنطاق العددي والحرفي كما في الاسلام فعلمنا ان الايمان هو اسم عليّ عليه السلام وحده ورسمه ووسمه فطابق اليمين الايمان في المسمى اي زبر عليّ عليه السلام فكان اصحاب اليمين هو اصحاب عليّ عليه السلام كما ان محمدا وعليا اسم لله عز وجل فان بينات الاسم الجلالة تطابق زبر محمد وعليّ عليهما السلام كما هو المعروف
قوله عليه السلام : وانا المتولي دائرتها اما في الظاهر فلان الارض كلها عمرانها وخرابها ظاهرها ومخفيها للامام عليه السلام كما دلت عليه اخبارهم وشهدت آثارهم في الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال وجدنا في كتاب عليّ (ع) ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين انا واهل بيتي الذين اورثنا الله الارض ونحن المتقون والارض كلها لنا فمن احيي ارضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها فان تركها او اخربها واخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها واحياها فهو احق بها من الذي تركها يؤدي خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها حتى يظهر القائم عليه السلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم على ما في ايديهم ويترك الارض في ايديهم وفيه عمن رواه قال الدنيا وما فيها لله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا فمن غلب على شيء منها فليتق الله وليؤد حق الله تبارك وتعالى وليبر اخوانه فان لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه وفيه عن عمر بن يزيد قال رأيت مسمعا بالمدينة وقد كان حمل الى ابي عبد الله عليه السلام تلك السنة مالا فرده ابو عبد الله عليه السلام فقلت له لم يرد عليك ابو عبد الله عليه السلام المال الذي حملته اليه قال فقال لي اني قلت له حين حملت اليه المال اني كنت وليت البحر ( البحرين خ ) الغوص فاصبت اربعمائة الف درهم وقد جئتك بخمسها بثمانين الف درهم وكرهت ان احبسها عنك وان اعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في اموالنا فقال عليه السلام اوما لنا من الارض وما اخرج الله منها الا الخمس يا باسيار ان الارض كلها لنا فما اخرج الله منها من شيء فهو لنا فقلت له وانا احمل اليك المال كله فقال يا باسيار قد طيبناه لك واحللناك منه فضم اليك مالك وكل ما في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا عليه السلام فيجبيهم طسق ما كان في ايديهم ويترك الارض في ايديهم واما ما كان في ايدي غيرهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم ويخرجهم صغرة قال عمر بن يزيد فقال لي ابوسيار ما اري احدا من اصحاب الصنايع ( الضياع خ ) ولا ممن يلي الاعمال يأكل حلالا غيري الا من طيبوا له ذلك وفيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له اما على الامام زكوة فقال عليه السلام احلت يا بامحمد اماعلمت ان الدنيا والآخرة للامام عليه السلام يضعها حيث يشاء ويدفعها الى من يشاء جائز له ذلك من الله ان الامام يا بامحمد لا يبيت ليلة ابدا ولله في عنقه حق يسأله عنه وفيه عن معلي بن خنيس قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ما لكم من هذه الارض فتبسم ثم قال ان الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل (ع) وامره ان يخرق بابهامه ثمانية انهار في الارض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت او استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء الا ما غصب عليه وان ولينا لفي اوسع فيما بين ذه الى ذه يعني بين السماء والارض ثم تلا هذه الآية قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيمة بلا غصب وفيه عن محمد بن الريان قال كتبت الى العسكري عليه السلام جعلت فداك روي لنا ان ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا الا الخمس فجاء الجواب الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله وفيه عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان جبرئيل كري برجله خمسة انهار ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ فما سقت او سقي منها فللامام والبحر المطيف بالدنيا ه وامثال هذه من الاخبار كثيرة ويشير اليه في التأويل قوله تعالى واصطنعتك لنفسي وقوله تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وقوله تعالى ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وقوله تعالى ومن يطع الرسول فقد اطاع الله وقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني وقوله تعالى ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله فجعله صلى الله عليه وآله في جميع الاحوال المتعلقة بالمخلوقين مثاله وصفته لا فرق بينه وبينه فكلما ثبت له سبحانه في الصفات والاحوال الراجعة الى الخلق فهو ثابت له صلى الله عليه وآله الا العبادة فانها لا تصح الا لله عز وجل لانها مقام طي الوسائط وقطع المسافة فلولا ذلك لقلنا بها ولذا من جعل العبادة له صلى الله عليه وآله لا تصح وتقع باطلة ويأتي ان شاء الله تعالى تفصيل القول في ذلك وقد قال عز وجل ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ومحمد وعليّ وآلهما الطيبون الطاهرون هم العباد الذين اورثهم ( الله خ ) الارض وهم المتقون وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله في الرجعة على ما في حديث المفضل الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء فاذا كانت الارض كلها لهم صلى الله عليهم فعليّ عليه السلام هو المتولي دائرتها والمحامي حوزتها لانه عليه السلام صاحب الولاية والامر والنهي وهو الهادي لكل قوم فتولي امرها واقام فيها ما هو صلاح النشأتين فيما يتعلق بها ويتعلق بمن عليها فمن التولي ان جعلها ملائمة لاطباع الساكنين عليها على اختلافها وموافقة لاجسادهم لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة بطول مكث الشمس وبطؤ حركتها او تقليل الرطوبات ببطؤ حركة القمر وامثال ذلك فتحرق تلك الاجساد وتفنيها ولا شديدة البرد فتجمدها ولا شديدة نتن الريح فتصدع هامات اهل الشعور في الظاهر والباطن بالنتن الظاهري والباطني ولذا ماجاز ان يكون الامام عاصيا ولم يكن الا معصوما لان العاصي منتن الريح خبيث الرائحة لان الامام عليه السلام ارض وضعها الله للانام فيها فاكهة ونخل ورمان كما مر ولاجعلها شديدة اللين كالماء فتغرقها ( فيغرقها خ ) ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليها في حرثها وبنائها ودفن موتاها ولكنه تعالى جعلها بوليه الحق مناسبة ومشابهة للطبايع لينتفعون بها ويتماسكون عليها وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثهم وقبورهم ودفن موتاهم وكثير من منافعهم وهو قوله تعالى جعل لكم الارض فراشا ومن التولي ان جعل قطعة منها وهو ( هي خ ) مقدار الربع خارجة من الماء لتحصل الطبايع المعتدلة وتظهر احكام السموات والافاضات النورية الظاهرية والباطنية ومن التولي اختصاص بعض القطعات ( منها خ ) بطبايع تخص بها من انحاء مقابلات الكواكب لتنشر حوائج الخلق وشؤناتهم وما به تسد خلتهم ليظهر قوله عز وجل قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ومن التولي جعلها محلا للينابيع والانهار وحافظة لها لئلا تغلب بمن عليها اليبوسة التي من ذاتياتها ليهلك اذا قلت الامطار ولا تصح كثرة الامطار لاستلزامها الاسترخاء في الطبايع المستدعية لاضمحلالها كالعروق في البدن الانساني الحافظة للرطوبات التي يستمد بها البدن من الله عز وجل ولو اردنا شرح هذه التولية وبيان حقيقتها فانه لا يمكن استقصاؤه لعموم قدرة الله وعموم فقر الخلق والامران قد ظهرا في الارض والمتولي هو الواقف بين الطتنجين والبرزخ بين العالمين يجري احكام الكل مما يقتضي الكل لانه رئيس الايجاد والوجود اقامه الله مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولو اردنا شرح ما ظهر لنا من ذلك فكذلك لاحتياجه الى بسط في المقال وتمهيد المقدمات وبيان الاحوال التي لم تجر على بال ولم يخطر بخاطر احد من اصحاب المقال وذلك يؤدي الى بيان ما لا يمكن بيانه لغموض تبيانه وخفاء برهانه الا ان فيما ذكرنا كفاية لمن اعتبر واستبصر فمجمل القول ان العالم كله بيت واحد وهو لامير المؤمنين واولاده الطيبين وفاطمة الصديقة صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها فهم يتصرفون في بيتهم كيف ما اراد الله وقدره وقضاه وامضاه واهل البيت ادري بالذي فيه فيدبرون امر العالم كيف شاؤوا وارادوا وما يشاؤن الا ان يشاء الله قال عليه السلام اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وقد تقدم ان الارض هي النفس الكلية الظاهرة في الكرسي المنشعب الى البروج الاثني عشر المقسم للاوقات والازمان كلها الى الشهور الاثني عشر فيكون قوله عليه السلام انا المتولي دائرتها تصحيحا وتبيينا لوجه اختصاصه عليه السلام دون الخلق كلهم باسم امير المؤمنين عليه السلام وقد وردت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام ان هذا الاسم لا يصلح الا له عليه السلام ولا يدعيه الا كافر او من طعن في عجانه ووجه الاختصاص هو ما اشار اليه عليه السلام من انه المتولي لدائرة ارض النفس الكلية الملكوتية الالهية وماظهرت هذه النفس الا في الهياكل الاربعة عشر عليهم السلام وماظهرت فيها الا به عليه السلام كالضوء من الضوء اما سائر الائمة عليهم السلام فانهم اغصان لتلك الشجرة وطابقت الولادة الظاهرية بالولادة الباطنية فان الضوء الثاني متولد من الضوء الاول وناش عنه فظهر سر البدلية فيهم ظاهرا وباطنا واما الصديقة الطاهرة عليها السلام فانها خلقت من ظاهر صفته كما قال عز وجل ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ومن هنا قال الله عز وجل الرجال قوامون على النساء الآية واما رسول الله صلى الله عليه وآله فان عليا عليه السلام هو مرآت ظهورات الربوبية اذ مربوب كونا وعينا وفيها يشاهد المقامات التفصيلية كالعقل والنفس فان العقل اذا اراد ان ينظر الى الصور والكثرات والاضافات ينظر في مرآت النفس فيها يرى ما يرى من الامور مما اراد الله ان يطلع عليها فكان عليه السلام نفس رسول الله (ص) كما قال صلى الله عليه وآله يا عليّ انت نفسي التي بين جنبي وقال عز وجل وانفسنا وانفسكم فعليّ عليه السلام هو متولي دائرة ارض النفوس يمير المؤمنين وهم الائمة عليهم السلام العلم قال تعالى ونمير اهلنا ونحفظ اخانا فهو جامع الشؤن في المقامات التفصيلية كلها ويمير اهاليه القريب والبعيد وان لا بعد فالقريب هم الائمة عليهم السلام والبعيد هم الانبياء وغيرهم (ع) من الخلائق ويحفظ اخاه في عالم الظهور لانه سيفه ولسانه ونفسه ولولاه لانعدم الحفظ ولذا قال الله عز وجل على ما سمعت عن بعض المشايخ لولاك لما خلقت الافلاك ولولا عليّ لما خلقتك لعدم الحفظ والمراد بهذا الحفظ هو حفظ الدين والايمان والعلم والايقان وهو معنى ما سيجيئ ان شاء الله عز وجل في هذه الخطبة وعلمني علمه وعلمته علمي وان اريد من الارض القابلية والصورة كما تقدم فالمعنى حينئذ ظاهر لانه عليه السلام هو العلة الصورية وصور الاشياء كلها من ظل صورته فالصور الانسانية من ظل موافقته وباطنه ومن شعاع وجهه وهو ( هي خ ) هيكل التوحيد والايمان والصور الشيطانية والباطلة من ظل مخالفته وعكسه وظاهره وهي هيكل الشرك والكفر والنفاق فالاولى به ومنه والثانية به لا منه واصل القابلية انما نشأت من هاتين الجهتين فهو عليه السلام المتولي دائرة ارض القابليات ( القابلية خ ) بوجهيها وطرفيها والممكن لها والسبيل اليها وهي لا تتم الا به واصل الايجاد متوقف على القابلية والقابلية هي الاجابة وهي لا تستقر ولا تثبت ليتوجه اليه الايجاد الا به عليه السلام لانه الجزء الاخير للعلة التامة فلا يقبل احد الايجاد الا به ولذا لما عرض التكليف على الخلق فقيل لهم عن الله الست بربكم قالوا بلى لم يستقر لهم ايمان ولا كفر وكذلك لما قيل لهم ومحمد نبيكم صلى الله عليه وآله ولما قيل لهم وعليّ وليكم وامامكم فمن اجاب على انحاء مراتبه نفيا واثباتا جهلا او علما جحودا او اخلاصا ثبت له الحكم ولذا قال صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ لان منشأ الاختلاف انما هو الصورة التي هي القابلية والاصل في ذلك هو ما ذكرنا ان عليا عليه السلام هو حامل الربوبية اذ مربوب كونا وعينا وبهذه الربوبية ظهرت القيومية المطلقة واما ربوبية الله سبحانه فهي اذ لا مربوب مطلقا واما التي ظهرت في النبي صلى الله عليه وآله هي الربوبية اذ مربوب ذكرا فهاتان الربوبيتان لا ظهور لهما الا بالثالثة فنهاية الاشياء انما هي اليها واستنادها عليها وهي الواقفة بين الطتنجين اي عالم الحق في صقع الظهور الخلقي وعالم الخلق كنسبة الضرب الى الضارب والمضروب فان المضروب لو لم يقبل الضرب ولم يعرفه لم يكن موجودا فقوام وجوده بالضرب والضارب انما ظهر له بالضرب فلولاه لم يكن له تحقق اصلا وكالسراج بالنسبة الى النار والمس والاشعة فمقام الظهور الالهي بالمثال التقريبي هو النار والظهور النبوي هو المس والظهور العلوي عليهما السلام هو السراج والخلق كلهم كالشعاع فالاشعة لما قبلت عن السراج وظهرت وتحققت ظهرت آية المس والنار فيها وفي الحقيقة هاتان الآيتان حكاية السراج للاشعة صفة عدم استقلاليته واستناده الى غيره وتلك الصفة هي الضارب الظاهر في ضرب فالاشياء لا غناء لها عن عليّ عليه السلام بوجه من الوجوه اما في التكوين فمن لم يقبل لم يوجد اصلا ولنيوجد اذ قوامها بمادتها وصورتها وهما انما يفاضان من نوره عليه السلام عليها الا ان في المادة يفيض عليه السلام حكاية عن محمد صلى الله عليه وآله وفي الصورة ينسبها الى نفسه الشريفة بمحمد صلى الله عليه وآله ومثال ذلك في الظاهر اذا قلت لك قال الله عز وجل انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري ان الساعة الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كذب عليّ متعمدا فليتبوء مقعده من النار وانا اقول في بيانهما كذا وكذا فان هذه الاقوال الثلثة برز اليك مني ولولا تكلمي ما كنت تعرف ذلك فبي ظهرت لك الا ان القولين الاولين لا تنسبهما الى ولا تستندهما عليّ فافهم وهكذا نسبة الاشياء في التوحيد والنبوة والولاية الى الولي في تلقيهم اياها عنه في اكوانهم واعيانهم فالقابليات وروابطها الى المقبولات وروابط المقبولات اليها في مراتب الحل والعقد والمزج والفرق والتمكين والتمكن والاجمال والتفصيل والظهور والخفاء والتفريق والتركيب وغيرها من اسبابها وشرائطها ومتمماتها ومكملاتها كلها متقومة بعلي عليه السلام لانه عليه السلام صاحب التقدير وحامل التدبير وولي اللطيف الخبير فهو المتولي لدائرة تلك الارض على سعتها لان طيبها وسعيدها من اشعة هيئات اعماله عليه السلام وخبيثها ومنتنها من عكوسات هيئات اعماله عليه السلام فكلها ترجع اليه بالذات وبالعرض قال تعالى واليه يرجع الامر كله فاعبده قال عليه السلام ان الضمير في اليه يرجع الى الولي والضمير في اعبده يرجع الى الله اي اعبد الله بهذا الاعتقاد والى هذه الولاية اشار الحق سبحانه وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وقد دل العقل والنقل ان اليمين والقبضة هو عليّ عليه السلام فكانت السموات والارض منتهيتين اليه عليه السلام ومنقطعتين لديه وهو المهيمن بالله عليهما والمتولي دائرتهما وهذا التأويل صريح في ان المراد من الارض في الخطبة هي الارض القابلية لا الارض المعروفة التي هي تقابل السماء لان الله عز وجل صرح بانه عليه السلام هو المتولي لدائرة السماء والارض فقوله عليه السلام انا المتولي دائرتها لا ينافي ذلك لان الارض القابلية تعم السموات السبع والعرش والكرسي والجنة والنار وما خلق ربنا مما يرى وما لا يرى في الدنيا والآخرة وكل العوالم الالف الف وكذلك الى ما لا نهاية له لانه عليه السلام حامل ظهور الله الذي لا نهاية له ولا غاية بدوا وعودا فلا نفاد له
قال عليه الصلوة والسلام : وما أفرودوس وما هم فيه الا كالخاتم في الاصبع
لما شرح الامام عليه السلام حقائق الانوار والظلمات وحقائق المبادي ومقامات العلل واوائل جواهرها وعلمه عليه السلام بتلك الحقايق والاسرار والانوار اراد عليه السلام ان يبين كيفية علمه بها فان العلم على انحاء كثيرة علم على جهة الاحاطة القيومية وعلم على جهة الاحاطة العضدية الركنية وعلم على جهة اللوازم والاسباب وعلم على جهة المشاهدة والعيان وعلم على جهة الاخبار والمفهوم فبين عليه السلام ان علمه بالاشياء مما تحت المشية الكونية كلها بالاحاطة القيومية لكنه ابان عن هذه الحقيقة باطوار مختلفة طور التلويح وطور الاشارة وطور التصريح لاهل النظر الصحيح جريا على مقتضى كتاب الله التكويني والتدويني فقال روحي فداه وما افرودوس وهي كلمة سريانية يراد بها المبادي العالية والانوار المتجلية المشرقة من صبح الازل والاعيان الطيبة والاكوان الطاهرة والصفات الحسنة والروايح الطيبة والمطاعم اللذيذة مما ظهر فيه ذلك النور الالهي والتجلي القيومي والنور المفعولي والقدر الخلقي نور الانوار وسر الاسرار والحكم الظاهر في كل الاقطار والامصار وضمير هم يحتمل ان يكون راجعا الى افرودوس لاحتمال كونه جنسا شايعا في افراده الذي يعطي ما تحته اسمه ويحتمل ان يرجع الى الخلق المؤلف المركب من ظهورات تلك المبادي وقوابل انياتهم والموصول يراد به الاحوال والاقوال والصفات الناشية عن كينونات الذوات وهي ارض القابلية المحدودة بالحدود الستة المتحققة في الايام الستة او هي نفس الايام الستة يوم الكم ويوم الكيف ويوم الزمان ويوم المكان ويوم الوضع ويوم الرتبة وما يتعلق بها ويترتب عليها من القرانات والاضافات والاحكام والنتايج والاوضاع وما تستدعي وتقتضي من الشرايط والاسباب والمكملات والمتممات والمعدات وكون ذلك النور المتشعب الى الانوار في تلك الاحوال في بعضها بالظرفية الحقيقية وفي بعضها بالاستجنان وفي الآخر بالظهور وفي الآخر بالاقتران والاتصال وفي الآخر بالوجود الامكاني لا الكوني ولا العيني وفي الآخر بالقوام والقطبية الى غير ذلك من احكام القرانات والاضافات والجهات مما جرت فيه المشية والارادة والقدر والقضاء والامضاء والاذن والاجل والكتاب في الاحكام الوجودية والشرعية والذاتية والصفتية واللفظية والمعنوية وما اشبه ذلك كلها بجميع احوالها عند مولينا عليّ عليه السلام كالخاتم في الاصبع وكالدرهم بين يدي احدكم وكل ذلك حقير صغير لكمال ( بكمال خ ) عظمته عنده عليه السلام صغر الخاتم اذا كان في الاصبع يديره حيث يشاء ويتصرف فيه كيف يشاء لان الله عز وجل خلق الخلق له وفوض اليه امره لا كما تزعمه المعطلة لعنهم الله لانه تعالى خلق الخلق من نور محمد وعليّ والطيبين من اولادهما صلى الله عليهما وعليهم فالنور واقف بين يدي المنير وطارق بابه لا يجد لنفسه نفعا ولا ضرا الا بالمنير وهو يدبره حيث يشاء واليه اشار عليه السلام في الزيارة من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم الى ان قال عليه السلام بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبكم ينفس الهم وبكم يكشف الضر لانهم عليهم السلام محال تدبيره والسنة ارادته كما عن الصادق عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام ارادة الله ( الرب خ ) في مقادير اموره تهبط اليكم فيكونوا هم القدرة الظاهرة في المخلوقين ولا شك ان المخلوق اثر القدرة والمتقوم باليد فلا قوام له الا بها فكانت نسبة الموجودات كلها اليه والى اخيه وزوجته الصديقة واولاده الطاهرين سلام الله عليهم نسبة الخاتم الى الاصبع فما احقر الخاتم بالنسبة الى الاصبع وما احقر الاصبع بالنسبة الى اليد وما احقر واصغر اليد بالنسبة الى الجسد وما احقر الجسد بالنسبة الى النفس وما احقرها بالنسبة الى العقل وما احقره بالنسبة الى الحقيقة التي هي الفؤاد فاذا اردت ان تزن نسبة حقارة الخاتم وصغره مع الحقيقة لا يمكن ذلك لان الحقيقة من عالم الامر وهو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض وقد قدر امير المؤمنين عليه السلام مقدار القبلية بامر تقريبي ثم استغفر عن ذلك كما روي ( ما معناه خ ) انه عليه السلام سئل كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض فقال عليه السلام اتحسن ان تحسب قال بلى قال عليه السلام اخاف ان لا تحسن قال بلى احسن فقال عليه السلام لو صب خردل حتى ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء وانت لو عمرت وامرت مع ضعفك ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله من التحديد بالقليل ه فاذا تأملت في ذلك وجدت نسبة صغر الزمانيات كلها بالنسبة اليه سيما نسبة الاصبع الذي هو من جزء البدن فترتفع النسبة لغاية الحقارة سيما اذا قست الخاتم الذي هو المراد مع تلك المراتب العالية فانك تجد شيئا لا يوصف لغاية الصغر والحقارة والذلة فعلى هذا فقس الموجودات بعظمها وكبرها وكثرتها وشعبها الى مولينا عليّ عليه السلام فاذا اردت ان تعرف نوع عظمة العالم من جزء من مائة الف جزء من مثقال الذر فاعلم ان نسبة شهودك الى هذا العالم كنسبة غيبك اليه لان عالم الغيب قد ظهر في الوجود على طبق عالم الشهادة من حيث ظهوره في عالم الشهادة فاذا نسبت جسدك الى جبل من جبال الارض تراه في الصغر ما لا يكاد يدركه الطرف واعظم جبال الارض نسبة الى كرة الارض نسبة سبع الشعير بالنسبة اليه على ما قيل بالتقريب والكوكب الصغير الذي في الكرسي اسمه السها اصغر نجم فيه اعظم من الارض كلها خمسةعشر مرة ونسبة هذا الكوكب الى كل الفلك ( والى العرش خ ) شيء لا يقاس وكذلك نسبة الغيب الى الشهادة فان كل عالم الشهادة بكل كثراته وازمنته وامكنته وسمائه وارضه ونجومه وافلاكه وكلما برز في عالم الاجسام من اول العرش الى الثرى اي الارض بمراتبها كل ذلك كنقطة واحدة في الغيب اي الخيال الا ترى انك تتصور السموات والارضين والمشرق والمغرب والازمنة الماضية والمستقبلة كلها دفعة واحدة في محشر واحد ومجمع واحد ونسبة كلما في الخيال الكلي اي اللوح المحفوظ الى العقل كنسبة الاجسام الى الخيال الذي هو النفس لانها بجميع كثراتها نقطة لديها على ما قال عليه السلام كحلقة ملقاة في فلاة قي ونسبة العقل المطوي لديه كلما في اللوح المحفوظ المطوي لديه كلما في عالمي الاشباح والاجسام الى عالم اللاهوت اي حقيقتك ام حقيقة العالم الاكبر وفؤاده نسبة النهاية الى اللانهاية فلا يمكنك تفرض نسبة وان عظمت وجلت لان اقصى مراتبه في العقل الذي هو عالم الجبروت وكلما تفرض مقاما اعلى تجد اعلى منه فلا تنتهي الى حد سبحان من ملكه عظيم ومنه قديم وفيضه عميم ولا حول ولا قوة الا به وهذا الخلق العظيم والامر الجسيم عند محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين كالخاتم في الاصبع الذي لا يمكن قياس نسبة الى الشخص لغاية الصغر والحقارة ولذا قصرت الخلائق عن ادراك ادنى مقام من مقاماتهم عليهم السلام كما قال عز وجل وان تعدوا نعمة الله اي الامام عليه السلام لا تحصوها وقال عز وجل ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله والاشجار هي افراد الكائنات النابتات على حافة النهر الجاري من بحر الصاد المتحصلة بحرارة شمس الاسماء الكونية الخاصة بكل شجرة وبرطوبة ذلك النهر وبيبوسة ارض القابلية والبحر هو بحر الوجود وينبوع الجود ومظهر الاسم الودود والابحر السبعة خلجان ذلك البحر المتلون المتكيف بكيفية الارض الواقع عليها فحار وبارد وطيب ومنتن وغليظ ورقيق والجامع وهي مداد الاشجار التي هي الاقلام كل واحد منها مختص بنوع من الاشجار والكلمات قال مولينا الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى فصح ان كل الوجود والموجود بجميع انحائه منقطع عند ذكر وصف آل محمد عليهم السلام لانه منهم عليهم السلام كالخاتم في الاصبع واليهم الاشارة بقوله تعالى وبئر معطلة وقصر مشيد قال الشاعر :
بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقي والبئر علمهم الذي لا ينزف
ثم اعلم انه عليه السلام انما شبه الخلق بالخاتم في الاصبع اما الخاتم ففي تفسير ظاهر الظاهر فيه اشارات تصعب ( يصعب خ ) على الاذهان قبولها والاذعان بها لدقة مأخذها قال عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول في انكاره وان كان عندك اعتذاره واما غيره فاعلم ان الخاتم انما هو للزينة وسمة الخير والايمان ولذا جعلوه عليهم السلام من علامة المؤمن ولما كان الخلق من شعاع انوارهم عليهم السلام ومن فاضل طينتهم وكان النور كلما كثر وعظم زينة لظهور المنير والورق كلما كثر وعظم زينة للشجرة وان كانت الشجرة مستغنية عن الورق والورق محتاج مستمد منها وكذلك الشيعة اذا كثرت والمظاهر والمرايا اذا تعددت ولذا قال صلى الله عليه وآله تناكحوا وتناسلوا فاني مباه بكم الامم الماضية والقرون السالفة ولو بالسقط وذلك لان المخلوقات كل ذرة من ذراتها ثناء لآل محمد عليهم السلام ووصف لمحامدهم ومحاسنهم فكان الخلق زينة لهم في ظهوراتهم وشروق انوارهم في الدنيا والآخرة والجنة والنار فلذا شبههم بالخاتم فان الخلق باجمعهم سمات وصفات لهم عليهم السلام او سمات عبوديتهم لله حيث اظهروها في هوياتهم بلسان انهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فالقوا مثال عبوديتهم عليهم السلام في الخلق بالقاء مثال الربوبية في الخلق حتى ظهر عندهم ان لا اله الا الله فلولا ذلك المثال الملقى بهم في هويات الخلايق لم يدرك احد التوحيد ولا يشك احد في استقلالهم وتفردهم بالامر كما زعمت الملائكة ذلك حتى قالوا عليهم السلام للملائكة لا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله لتعرف الملائكة انهم عبيد مربوبون وذلك المثال بهم تحقق وبظهور نورهم تذوت وعنهم استمد لكنه يدل على الله عز وجل دلالة استدلال لا دلالة التكشف ولذا ترى اهل النحو يقولون في مثل ( مثال خ ) ضرب زيد عمرا ان الفاعل معمول للفعل والفعل عامل فيه ولا شك ان العامل له هيمنة على معموله مع ان المعروف بين الناس ان الفاعل اقوى من الفعل ويرون ان الفعل متقوم بالفاعل مع انهم يجعلونه فرعا وتابعا للفعل فافهم فانه من الاسرار المستصعبة واليه الاشارة بقوله (ع) في الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فحقايق الخلق سمات توحيدهم لله عز وجل وعبوديتهم له قد صاغوها بيد القدرة الالهية فتختموا به وهذا السر انما ظهر في الخاتم فاستحب وصار علامة للايمان ففي الحقيقة سماة ايمان الشخص وحدود توحيده آثاره واعماله القائمة به كما قال امير المؤمنين عليه السلام يقين المؤمن يرى في عمله ويقين الكافر يرى في عمله فصيغت هذه الهيئة الظاهرة كاشفة عن تلك اللطيفة المعنوية فجعلت دائرة لبيان استدارة المعلولات على عللها والآثار على مؤثراتها وجعل الفص عليها اشارة لظهور النور الالهي العملي الصاعد به الى اعلى درجات القرب في تلك الاعمال والآثار فان الاعمال الخالصة لها نور تشرق وقد روي ان البيت الذي يعبد الله فيه له نور يزهر كما يزهر النجوم ومقدار الخاتم على مقدار فصه من الغلا والرخص وهو صفة اخلاص العمل ونور الولاية الظاهرة ( الظاهر خ ) في الوجه الاعلى من الدائرة فان لها وجهان اعلى واسفل وجعل الخاتم في الاصبع لبيان تقوم الدائرة بالقطب وان القطب هو الوسط واللب وقوام الاثر والعمل بظهور العامل المؤثر وذلك الظهور هو قطب وجوده وهو لب وجوده والحدود المميزة للظهورات قشور قد اكتنفت بذلك اللب الباطني كاكتناف الخاتم بوجه من وجوه الاصبع وجعل في الاصبع وهو وجه من وجوه اليد وهي القدرة الكلية اي الفعل الكلي بالنسبة اليك والآثار الجزئية المتعددة متقومة بوجه من وجوه ذلك الفعل الكلي وقطب كل اثر هو الفعل الخاص بذلك الاثر ولذا جعل الخاتم في الاصبع وجعل الاغلب في الخنصر لبيان ان المخلوق من ظهور المقام الخامس من مقاماتهم عليهم السلام وذلك المقام هو القطب لوجودات الخلايق لانهم عليهم السلام هم اليد في قوله عز وجل يد الله فوق ايديهم وقوله تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة وهم اليدان في قوله عز وجل بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وهم الايدي في قوله عز وجل والسماء بنيناها بايد والوحدة لمقام الجمع كلنا محمد صلى الله عليه وآله والتثنية لظهور النبوة والولاية او بملاحظة الظهور والبطون اي اليمين والشمال وكلتا يديه يمين والجمع لمقام التفصيل والفرق والمراد باليد هي القدرة الواسعة الجامعة الشاملة لكل المقدورات وتلك القدرة هي كلمة كن وهذه الكلمة ظهرت دلالتها وملأت الوجود وسرت في كل غيب وشهود فقوام الموجودات كلها بتلك الدلالة الظاهرة من تلك الكلمة الالهية التي انزجر لها العمق الاكبر وقوام الدلالة بالكلمة وهي لها اربع مراتب اي النقطة والالف والحروف وتمام التركيب اي الحل الاول مع العقد الاول والحل الثاني مع العقد الثاني والدلالة هي خامسها وهي اصغرها وادونها وقوام الموجودات بها ولذا ظهرت اليد الظاهرية المجازية مفصلة بتلك المراتب الخمسة وجعل الخاتم في الآخر الاصغر اشارة الى هذا السر لمن يعقل ويتفكر فاذا ثبت ان الاصبع هو القطب للخاتم وثبت ان القطب هو وجه الشيء الى مبدئه ووجه مبدئه اليه وهو مورد المدد ووجه المستمد فيكون من التجلي الظاهر للشيء بالشيء فيكون من نوع مقامه ومرتبته بحيث يغيب الشيء اذا ظهر ولا يحرقه كما غيب موسى على محمد وآله وعليه السلام من نور الكروبيين وما احرقه كما احرق بني اسرائيل فكان قوام الموجودات بظهورهم عليهم السلام في الرتبة الخامسة لا بنفس ذلك المقام وذلك الظهور هو قطب رحى وجودات الخلائق وكينوناتهم منه يستمدون واليه ينتهون وعن الله به يصدرون فافهم ولما كانت القدرة الظاهرة انما تمت في التعلق في اربعة عشر مرتبة لان مقام الموجودات كلها في جميع مراتبها لا يخلو عن مقامين احدهما مقام الاجمال اي جهة الوحدة والبساطة والعموم والانبساط الشامل كما هو شأن المبدأ المتجلي في الشيء بالشيء وثانيهما مقام التفصيل اي مقام التمييز والتعيين وكل مقام انما تم في ستة ايام وظهر مشروح العلل مبين الاسباب في اليوم السابع فثنيت السبعة فتمت اربعة عشر فاختير بهذه القدرة الاولية الظاهرة ( الظاهرية خ ) في الهياكل الاربعة عشر اسم اليد ليكون الظاهر على طبق المعنى والاسم مشيرا الى مراتب المسمى واختير للظاهر بهذه القدرة الواسعة الكاملة الاسم الجواد والوهاب لهذا السر الحقيقي ولما كان هذه القدرة هي الرابطة بين الخلق والحق الظاهر بالامداد والايجاد اختير له الاسم الوجه ليطابق الاسماء التي كل واحد منها بالاستنطاق الحرفي والعددي اربعة عشر معانيها ولما كانت هذه اليد الجسمانية المعروفة المحسوسة الملموسة ظاهر تلك اليد المتنزلة في العوالم كلها ظهرت في هذا العالم حاكية لتفاصيل ما كان مجملا في العالم الاعلى فظهرت بوحدتها في خمسة اصابع اشارة الى سر ما ذكرنا وظهرت بالخمسة في اربعة عشر عقدا ليتطابق العوالم كلها فاذا لاحظت ظهور الخمسة في كل من الاربعة عشر كان المجموع سبعين وهو تمام كلمة كن التي بها انزجر ( التي انزجر لها خ ) العمق الاكبر فدل صحيح الاعتبار والعقل الصافي عن شوائب الاغيار بمعونة كلام الله واخبار الائمة الاطهار عليهم السلام ان اليد هي كلمة الله العليا والمثل الاعلى وان الاسماء رجوعها كلها اليها الم تر ان اليد بالعدد اربعة عشر والوجه كذلك وهما اسماء المعاني والجواد والوهاب ايضا عددهما اربعة عشر وهما اسماء الله ولهذا السر كان المصدر والمشتق اي اسم الفاعل والمفعول من مادة واحدة كما هو المعلوم في النحو فكانت اليد هي قول كن ولما كانت هذه الكلمة رتبتها رتبة الواحدية وهي لا تتم ولا تكمل الا بالاحدية وكان الواحد بالعدد الاسمى المطابق للعدد الرسمي الباطني تسعة عشر وهو قوله تعالى عليها تسعة عشر وتمام الرتبة انما هو بالواحد اي الاحد الذي هو القطب فتم العشرون فاستنطق الاسم الاعظم بسم الله الرحمن الرحيم ولما كان الوجود ينقسم الى العلوي والسفلى انقسم العشرون الذي هو ظهور الواحدية بالاحدية في اطوار الوجود الى العلوي والسفلى فظهرت العشرة في اصابع اليدين والاخرى في اصابع الرجلين فكانت طينة عليين مخلوقة من عشر قبضات وطينة سجين كذلك لتمام المعادلة والمقابلة فالخاتم سمة واسم لعليّ عليه السلام لان فصه حكاية عن ظهور الهاء في هو اي مقامات المبادي والعلل كما ذكرنا سابقا والدائرة اشارة الى الواو في هو لانها دائرة نصفها منبسطة وقوس منها ملتفة مطوية فاذا بسطت المجموع يكون دائرة تامة صحيحة الاستدارة والهاء فص عليها اي حكاية للاقطاب القريبة والبعيدة فاذا نزلت كلا منهما الى مقام انزل لتصحيح الشعاعية والاثرية كان المجموع حاكيا لاسم عليّ عليه السلام فهذا الاسم المبارك للخلق في رتبة النزول بالظهور للمخلوقين ليدعوا الله باسمائه ويعرفوه بصفاته من الاسماء والصفات الظاهرة لهم بهم ولذا قال عليه السلام اول ما اختار لنفسه العليّ العظيم فهذا الاسم الشريف بمسماه في رتبة الظهور الاسمي الغير ( الغيري خ ) واما في رتبة ذاته المباركة فهو هو مع الاشباع ودونه كما قال عز وجل وهو العلي العظيم فهذه الثلثة في مراتب ثلثة فالاول في مقام الحقيقة والثاني في مقام الظهور النوري الجبروتي والثالث في مقام الظهور الملكوتي وقد قال عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم فحذف الاشباع وقال مولينا الرضا عليه السلام ان معنى العليّ معناه الله واخبر الحق عز وجل عن معنى المعنى ومعنى معنى المعنى وقد قال عز وجل وان الله هو العليّ الكبير دل على ان الله معنى للاسم العلي وقال عز وجل وهو العليّ العظيم دل على ان هو معناه وقال عز وجل وانه في ام الكتاب الآية دل على ان الهاء المضمومة من غير اشباع معنى العليّ فاذا لاحظنا خبر مولينا الرضا عليه السلام مع هذه المراتب ظهر وجه الجمع فكان كما ذكرنا من ان الله معنى لعليّ وهو معنى لله لانه مستخرج منه والهاء المضمومة معنى لهو لان الواو رسم قد تولدت من الهاء عند الضمة ولذا لما ارادت الشمس ان تسلم على عليّ عليه السلام قالت السلام عليك يا اول ويا آخر ويا ظاهر ويا باطن فلم تصرح بالمراد وذكرت بعض اوصافها فان الهاء من اوائل الحلق واغمض الحروف واعلاها واشرفها وهي الاشارة الى تثبيت الثابت ومراتب الاقطاب والمبادي والواو من عالم الشهادة من ادنى المخرج لانها من الشفة فهو الاول بالهاء لفظا ومعنى والآخر بالواو لفظا ومعنى وهو الظاهر بالواو والباطن بالهاء لكنها لم تصرح باللفظ المقصود المطلوب الذي لوحنا اليه الآن لئلا تفضح بالحكمة فعلى ما ذكرت وفصلت واجملت وابرزت وكتمت علمت ان الكاف في قوله عليه السلام وما افرودوس وما هم فيه الا كالخاتم في الاصبع تأكيد وتثبيت للمثل والا فالمشبه عين المشبه به بل الخلق كلهم اجمعون خاتم في اصبع امير المؤمنين عليه السلام حقيقة لا مجازا كما وصفنا وهذا الخاتم المعروف انما سموه خاتما لكونه مجازا لذلك الخاتم لكن لما كان اهل هذا العلم ( العالم خ ) محجوبين عن مشاهدة تلك الحقايق ليعلموا ان كلما في الدنيا والآخرة مجازات للحقائق والاصول المستودعة في اسرار اللاهوت وخزانة الحي الذي لا يموت وضعوا ( امثلة خ ) تلك الالفاظ على امثلة تلك المعاني وضعا ذاتيا تبعيا فكانت المعاني الثابة ( الثانية خ ) في تلك الالفاظ حقائق بعد حقائق وهي في الترتيب الطبيعي بالمجاز اشبه منها الى الحقيقة فافهم وهذا التشبيه ليس كما يزعمون من الاتحاد في الكيف كقولهم زيد كالاسد لاشتراك زيد والاسد في الوصف الكيفي اي الشجاعة بل حقيقة هذا المشبه به عين المثال والصفة لا انها امر آخر لها صفة توافق هيأة المشبه فان المتناسبين بقول مجمل لا يخلواما ان يكونا في صقع واحد او في صقعين مختلفين بالعلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية ولا ثالث فان كانا في صقع واحد كان الاختلاف بينهما بالامور الخارجية عن الحقيقة الجامعة فتوافقهما في الشيء الواحد ام اكثر مثلا ينبئ عن وجود ذلك الشيء فيهما بالوجود الجمعي وان اختلف بعض صفاته من جهة المشخصات الخارجية لكن عند ملاحظة التوافق والنسبة لا تلحظ جهة المخالفة فيقطع النظر عن الحدود المميزة فيكون ما في احدهما عين ما في الآخر كالشجاعة اذا فرضتها في زيد وعمرو فانها حقيقة واحدة فيهما اختلفت بالمشخصات فظهرت في احدهما اكثر واشد وخفيت في الآخر فتقول ان ما في زيد من الشجاعة مثل ما في عمرو من جهة اظهار شجاعة زيد لظهور ( زيد لا لظهور خ ) شجاعة عمرو والا فالشجاعة فيهما واحدة والاصل في ذلك ان الاشياء في كل احوالها في ذواتها وصفاتها واقفة بباب الفيض ومقابلة لفوارة القدر فيفاض على الكل بما يقتضي ذاته وكينونته من الهيئات وانحاء الاقتضاءات فان كان الواقفان في رتبة واحدة يفاض على كل واحد من نوع ما يفاض على الآخر وان كان ذلك الفيض من جهة الحدود والعوارض يختلف بالشخص لكن في مقام الجمع ورتبة الوحدة واحد حقيقي لا تخالف بينهما بوجه من الوجوه وان كانا في رتبتين في السلسلة الطولية فيفاض على المسبوق من فاضل ما افيض على السابق مثاله الشمس فاذا كانت اجساما كثيفة تقابل جرم الشمس كلها فتفيض الشمس باشراقها عليها نورا واحدا يختلف بالقابلية والا فالنور الواقع على احدهما عين الواقع على الآخر واذا كانت اجساما اخر تقابل النور الواقع على تلك الاجسام لا اصل الشمس فان النور الواقع عليها من فاضل النور الواقع على الاجسام المقابلة للشمس وهذا واضح ان شاء الله تعالى فاذا فهمت هذا المثال فهمت ان المتوافقين في الصفة سواء كانت الصفة ذاتية ام فعلية كانت احديهما عين الاخرى في الحقيقة وان اختلفتا في الجهات والحدود والتشبيه يكشف عن هذه العينية الوصفية وتغاير المحل فالكاف لاظهار تلك الجهة الجامعة للامرين وان كانا في صقعين كان حقيقة المتأخر التابع صفة ومثلا للسابق المتبوع وان كان للتابع لا من جهة التابعية جهات منافية للمتبوع وهو غير ما نحن فيه ومن جهة هذه الحكاية والمثلية اجرينا على الثاني كل احكام الاول ثانيا وبالعرض لانه من شعاع الاول وبالذات فالتشبيه والمشبه والمشبه به ووجه الشبه في المقامين واحد لا فرق بين شيء منها في احد منهما اذ التشبيه لا يقع في جهة المخالفة وانما هو في جهة الموافقة وهي كما ذكرنا من الاتحاد في الذات او في الظهور فافهم والا فاسلم تسلم ولما كان محمد وعليّ والطيبون من اولادهما عليهما وعليهم السلام محال مشية الله والسنة ارادته واركان توحيده لا يساويهم شيء من الاشياء في الرتبة الذاتية كما قال مولينا الصادق عليه السلام ان الله خلقنا من طينة مخزونة مكنونة عنده ولم يكن لاحد فيما خلقنا منه نصيب ه فاذا وقع التشبيه بينهم في صفة من الصفات وبين شيء من الاشياء كان ذلك عين ذلك الشيء كما قال عز وجل الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الآية فان المشكوة الموصوفة هي عين مثل النور وقوله تعالى واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه الآية فمثل الحيوة الدنيا ( هو خ ) عين الماء النازل من السماء وقوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا الآية فان مثلهم هو عين مثلهم ثم قال عز وجل او كصيب من السماء ولم يقل او كمثل صيب فان حقيقة الصيب هو المثل لا مثله فاذا امعنت النظر وتتبعت في الكتاب والسنة وجدت كل التشبيهات القرآنية والمعصومية من هذا القبيل بل اني اقول ان كل مشبه هو عين المشبه به لانك اذا قلت زيد كالاسد لا تريد بزيد هو زيد من حيث هو هو او من حيث انه انسان او من حيث انه كاتب او شاعر او قائم او قاعد وامثالها فان هذا كذب محض ولا تريد ايضا بالاسد هو الاسد من حيث هو هو او من حيث انه حيوان مفترس او من حيث انه سبع وامثال ذلك وانما تريد بزيد من حيث ظهوره بالشجاعة والاسد ايضا من حيث ظهوره بالشجاعة وقد برهنا سابقا ان المشتق انما يظهر في المبدأ المصدر بنفس ذلك المصدر لا بنفس الظاهر ولا بامر آخر فان القائم ما يظهر الا بالقيام والقاعد الا بالقعود والآكل الا بالاكل وهكذا وكذلك الشجاع لا يظهر الا بالشجاعة فهي مرآة ظهور الشجاع كما ان العلم مرآة ظهور العالم فزيد والاسد من حيث هما مثال الزجاجة الحاملة للمرآة اي الصورة والشجاع الظاهر بالشجاعة كالصورة المتجلية في المرآة فاذا تجلي زيد مثلا في مرآتين كان ظهور زيد في احديهما عين ظهوره في الاخرى اذ ليس المراد خصوصية المحل فانها جهة المباينة لا جهة الموافقة والمفروض خلافها فالشجاعة الظاهرة في زيد عين الشجاعة الظاهرة في الاسد ان قلت باتحاد المقام فيهما كما هو المعروف عند الجمهور ان صدق الشجاعة او الشجاع على زيد وعلى الاسد بالاشتراك المعنوي لا اللفظي كصدق الجسمية والجسم عليهما فاذن يكون الشجاعان ايضا واحدا وان اختلف محل الظهور كما تقول ان الانسان واحد في الافراد ليس بمتعدد وان اختلفت مواقع ظهوراته فافهم وان قلت ان الاسد هو من فاضل طينة الانسان وشعاعها فتكون شجاعة الاسد مثل شجاعة زيد وصفته بل الاسد الشجاع مثل لزيد الشجاع ووصف له كما كانت الاشعة وصفا للشمس ولنا في هذا المقام بحث عجيب ينكشف منه اسرار البواطن القرآنية اعرضنا عنه للتطويل ولادائه الى ما لا ينبغي ان يؤدي فان الله عز وجل يقول ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وقد اشرنا لتأدية الامانة وماصرحنا خوفا لتصرف السفهاء والله الموفق فعلى ما شرحنا واوضحنا ظهر لك ان افرودوس وما هم فيه هو نفس الخاتم وحقيقته وان هذا الخاتم المعروف مثال لذلك وشرح له ودليل عليه وان الاصبع هو وجه من وجوه اليد وان عليا عليه السلام هو حقيقة اليد والاصبع قطب الوجود المتقوم باليد المتقوم به الاشياء وهو ذات عليّ عليه السلام الظاهرة للذوات والاعيان المالي لكل الاكوان كما قال عليه السلام انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات ه والذات في الذوات هي الاصبع في الخاتم وهو ( هي خ ) الشبح المنفصل منه عليه السلام المتقوم به الكائنات بل اقول انها شبح الشبح المنفصل الذي هو شبح للشبح المتصل فهذا الشبح الثالث هو جوهر اي عرض لعليّ عليه السلام قائم به قيام صدور قد تقوم به الكون وهو قول الشاعر في مدحه روحي فداه :
يا جوهرا قام الوجود به والخلق بعدك كلهم عرض
وقال عبدالحميد بن ابيالحديد في قصيدته الرائية :
صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر
يجل عن الاعراض والكيف والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر
فظهر من هذا البيان ان علمه عليه السلام بالخلق كلهم علم احاطة قيومية لان الله عز وجل اقامه مقامه في الاداء واتخذه وليا من العز واشهده خلق السموات والارض وانهى اليه علمها بمعنى انه سبحانه جعلها في قبضته وطواها وقهرها وسواها فعدلها بيمينه كما قال عز وجل وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ويريد بالقبضة واليمين هو عليّ عليه السلام او قبضته ويمينه وكلا المعنيين مرادان كما قال مولينا الباقر عليه السلام يعتقد ان سبيل الله هو عليّ والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ عليه السلام وقد قال عز وجل ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها فانه في تفسير ظاهر ظاهر الظاهر مصرح باسم عليّ عليه السلام لان الله عز وجل ظهر بالقيومية فيه وفي اخيه وزوجته واولاده الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وقد اجمل الكلام الامام الهمام الصادق الامين عليه السلام بقوله ما معناه اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا قال الراوي ما شئنا قال عليه السلام ما شئتم وما عسى ان تقولوا فوالله ما وصل اليكم من فضلنا او من علمنا الا الف غير معطوفة ه اشهد ان هذا هو الحق وما اوتينا من العلم الا قليلا ولما كان كون الموجودات كالخاتم في الاصبع ليس فيه شيء يوهم الاختصاص ما خصه بنفسه الشريفة في الظاهر كما خص الارض بقوله عليه السلام وانا المتولي دائرتها لكنه في هذا المقام اطلق ليشمل كل تلك القصبة المباركة النابتة في اجمة اللاهوت لان كل واحد منهم عليهم السلام علة مستقلة في العالم
قال عليه الصلوة والسلام : ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطير المنصرف الى وكره
لما بين عليه السلام ظهور سلطانهم وعلو ارتفاع مكانهم وتشييد قواعد اركانهم وبطلان الخلائق واضمحلالهم وشدة افتقارهم اليهم وعدم استغنائهم عنهم واثبت بالخاتم في الاصبع حقيقة السر في قوله عز وجل وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فان الخاتم وان كان معتمدا على الاصبع ومستندا اليه لكنه ليس شيئا الا باليد لانه وجه من وجوهها فلا شيئية للوجه الا بذي الوجه وكذلك اليد لا استقلال ولا شيئية لها الا بذي اليد فان القدرة صفة القادر القائمة به قيام صدور في رتبة وجوده وحدوثه ولا يمكن تحقق الصفة الا بالموصوف ولا حراك لها الا به كما ترى في اليد بالنسبة الى الشخص والصورة بالنسبة الى المقابل الخارج الشاخص فاليد كالسراج فانه يد النار لا توصل فيضا الى الاشعة الا به ولا غناء له عنها ولا تذوت ولا تحقق له الا بها فهو مظهر قيوميتها وعرش سلطنتها فهي الظاهرة فيه به فاذا اعتبرت وفرضت استقلال السراج لم يصح اذ لو فرض ذلك في الواقع لانطفي ولاضمحل ولو فرضت ايضا ايصال امر وحكم من النار الى الاشعة بدونه لم يصح ايضا والا لكان الشعاع سراجا فان الشعاع من حيث هو شعاع لا يمكن ان يتكون في الوجود الا تابعا للسراج ومتقوما به وهذا مقام قد فرط فيه القالي وافرط فيه الغالي ونجى النمط الاوسط اذ من ادعي استقلال اليد والسراج والابواب الواسطة بين الله وبين خلقه فقد هلك وهوي وخر من السماء سماء المعرفة والقرب والاتصال بالحبل المتين فتخطفه الطير اي شياطين الانس والجن او تهوى به الريح اي هوي النفس في مكان سحيق اي بعيد عن الخير والصواب وهي صخرة سجين ومن ادعي عدم الوسائط وانه اول ما تعلق ( يتعلق خ ) به كن ولا تفاضل بين الاشياء الا بالامور العرضية وانكر ما جعله الله سبحانه ابوابا ووسائط في الايجاد فقد فرط وهلك ومن جعلهم كما وصف الله عز وجل عباد مكرمون بالقرب والوصال والنور الباقي لم يزل ولا يزال لكونهم وجه الله ذي الجلال كل شيء هالك الا وجهه لا يسبقونه بالقول التكويني والتدويني بل واقفون بباب القدر ومقابلون لفوارة النور التي تفور من حقائقهم بالله العلي العظيم وهم بامره يعملون وهو الامر الوجودي والكوني الذي كشف عن مثاله الامر القولي فانه صفة له ودليل عليه كالسراج الذي يعمل بامر النار وهو ما افاضت عليه من النور والظهور الكوني الوجودي ولم يزل متقوم بذلك الامر الذي هو المدد لا كما يزعمه بعض المعطلة انهم عليهم السلام خالقون بامر الله واذنه ويفهمون منهما كما يأمر السيد لعبده افعل كذا واترك كذا فان العبد حين ما يفعل مستقل في فعله مستغن عن سيده وان كان حين فعل مافعل الا بامر سيده فان هذا هو التفويض الكفر الذي اتفقت الفرقة الناجية على بطلانه كما قال مولينا الصادق عليه السلام على ما رواه المجلسي (ره) في كتاب الاعتقادات عنه عليه السلام ما معناه ان من زعم انا خالقون بامر الله فقد كفر لانهم ما يعرفون من الامر الا كما يأمر الوكيل موكله فتكون يد الوكيل يد الموكل تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وانما الامر الذي هم يعملون به ما ذكرنا ( لك خ ) من الامر التكويني اي المدد الوجودي وهو الامر المفعولي الذي به قوام الاشياء كما في قوله عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره ثم اشار سبحانه الى مقهوريتهم ومحاطيتهم بقوله عز وجل يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم يعني مبدءهم ومنشأهم ومعادهم وما يصير اليه امورهم كلها حاضرة عنده عز وجل حضور النقطة في الدائرة ولا يشفعون الا لمن ارتضى والشفاعة دليل التوسط للغير من الغير والاستمداد له منه وهم من خشيته مشفقون ان يعدمهم بقطع الالتفات عنهم فان السراج لم يزل وجلا مشفقا من النار ان تأخذ عنه ما اعطته اياه وتذهب بالذي اعطاه قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا الا رحمة من ربك ان فضله كان عليك كبيرا ثم اشار سبحانه الى الرد على الغالين المفرطين بقوله عز وجل ومن يقل منهم اني اله من دونه اي اني انا وينظر الى نفسه نظر استقلال في حال من الاحوال فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين المتعدين عن الحد الذي حده الله سبحانه لهم من الاقرار بربوبيته ونبوة انبيائه وولاية خلفائه واحبائه فهؤلاء الواصفون على حد ما وصفهم الله سبحانه هم اهل النمط الاوسط قال عليه السلام هلك في اثنان محب غال ومفرط او مبغض قال وكل هذا الذي ذكرنا ولم نذكر كله مطوي في قوله عليه السلام وما افرودوس وما هم فيه الا كالخاتم في الاصبع وقد اشرنا الى نوع التلويح وبالتفصيل يطول المقال وبالجملة لما بين عليه السلام ظهور ولايتهم وسطوة سلطنتهم وهيمنتهم على كل الوجود والموجود بقدرة الله عز وجل اراد ان يبين عليه السلام وقوع الفتن والابتلاء والمحن وخفاء الامر وظهور الظلمة وسر ذلك ومنشأه فقال عليه السلام ولقد رأيت الشمس عند غروبها ابتدأ عليه السلام بالغروب وذكر احكامه واحواله لما قلنا مما هو بصدد بيانه اعلم ان الشمس كثيرة شرقها وغربها بعددها وتتعدد الشمس بتعدد العوالم ففي كل عالم شمس وقمر ونجوم وسماء وارض وقد روي ان وراء هذه الشمس اربعين شمس ما بين شمس الى شمس اربعون عاما فيها خلق كثير وما يعلمون ان الله عز وجل خلق آدم او لم يخلقه وان من وراء هذه اربعين قمرا ما بين قمر الى قمر مسيرة اربعين يوما فيها خلق كثير لا يعلمون ان الله عز وجل خلق آدم او لم يخلقه قد الهموا كما الهمت النحلة لعنة الاول والثاني في كل وقت من الاوقات وقد وكل بهم ملائكة متى لم يلعنوهما عذبوا في الكافي قال دخل رجل على ابي عبد الله عليه السلام فقال له جعلت فداك هذه قبة آدم قال عليه السلام نعم ولله قباب كثيرة الا ان خلف مغربكم هذه تسعا وثلثين مغربا ارضا بيضاء مملوة خلقا يستضيئون بنوره لم يعصوا الله تعالى طرفة عين ابدا ما يدرون خلق آدم ام لم يخلق يبرؤن من فلان وفلان ه فجعل عليه السلام المغرب تسعا وثلاثين مغربا ولا يكون المغرب الا بالشمس وتعدد المغرب وان لم يستلزم تعدد الشمس الا ان في هذا المقام يراد به التعدد وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال ان الله عز وجل خلق اثني عشر الف ( ان لله عز وجل اثنا عشر الف خ ) عالم كل عالم منهم ( منه خ ) اكبر من سبع سموات وسبع ارضين ما يرى عالم منه ان الله عز وجل خلق عالما غيرهم واني الحجة عليهم ه ولا شك ان في كل عالم شمس فيكون الشمس اثني عشر الف شمس وعن الباقر عليه السلام ان الله عز وجل خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين فتكون الشمس بمقتضى هذا الخبر الف الف وكل هذه الشموس يراد بها من قوله عليه السلام ورأيت الشمس كما سنذكر ان شاء الله تعالى واما حقيقة الشمس فقد روي ان الله عز وجل خلقها من نور النار وصفو الماء كما روي عن الباقر عليه السلام قيل له لاي شيء صارت الشمس اشد حرارة من القمر فقال عليه السلام ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباسا من النار ثم صارت اشد حرارة من القمر قيل والقمر فقال ان الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت له سبعة اطباق البسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر ابرد من الشمس ه فذكر عليه السلام ان حقيقة الشمس مركبة من نور النار وصفو الماء وان لها سبع طبقات في حقيقة وجودها وذاتها كما يأتي ان شاء الله واما قطر جرمها ومقدار ثخنها فقد روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه عليه السلام سئل عن طول الشمس والقمر وعرضهما قال عليه السلام تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ وعنه عليه السلام قال الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسير اربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام والشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا والقمر اربعون فرسخا في اربعين فرسخا بضوئهما يضيئان لاهل السماء والكواكب كاعظم جبل على الارض وخلق الشمس قبل القمر وروى القمي في تفسيره عنه عليه السلام قال هذه النجوم التي في السماء مداين مثل المدائن التي في الارض مربوطة كل مدينة الى عمود من نور طول ذلك العمود في السماء مسيرة مأتين وخمسين سنة واما محلها حين ما خلق الله العالم فعن مولينا الرضا عليه السلام انها حين ما خلق الله الخلق كان في وسط السماء لانه عليه السلام قال ان طالع الدنيا عند الايجاد كانت ( كان في خ ) السرطان والكواكب كانت في اشرافها وشرف الشمس في التاسععشر من برج الحمل فتكون عند الزوال في دائرة نصف النهار واما كيفية غروبها ففي التوحيد عن ابيذر قال كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه وآله ونحن نتماشي جميعا فما زلنا ننظر الى الشمس حتى غابت فقلت يا رسول الله (ص) اين تغيب فقال صلى الله عليه وآله في السماء ترفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها ثم تقول يا رب من اين تأمرني ان اطلع امن مغربي ام من مطلعي فذلك قوله عز وجل والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم يعني بذلك صنع الرب العزيز بخلقه قال فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف او قصره في الشتاء او ما بين ذلك في الخريف والربيع قال فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها قال صلى الله عليه وآله فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسي ضوء وتؤمر ان تطلع من مغربها فذلك قوله تعالى اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت والقمر كذلك من مطلعه ومجراه من افق السماء ومغربه وارتفاعه الى السماء السابعة ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بحلة من نور الكرسي وذلك قوله تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا في الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام ان للشمس ثلاثمائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كل يوم على برج منها فاذا غابت انتهت الى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة الى الغد ثم ترد الى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وان وجهها لاهل السماء وقفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحرقت الارض ومن عليها من شدة حرها ومعنى سجودها ما قال الله سبحانه الم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وعن السجاد (ع) قال من الاقوات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والارض وان الله قد قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا ومعه سبعون الف ملك وهم يديرون الفلك فاذا اداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فتنزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها فاذا كثرت ذنوب العباد واراد الله سبحانه ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيأمر الملك اولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري الفلك فيه فيطمس ضوؤها ويتغير لونها فاذا اراد الله ان يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فاذا اراد الله ان يجليها ويردها الى مجراها امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس الى مجراها فيرد الملك الفلك الى مجراه فيخرج من الماء وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال السجاد عليه السلام اما انه لا يفزع بهما ويرهب بهاتين الآيتين الا من كان من شيعتنا فاذا كان كذلك فافزعوا الى الله تعالى ثم ارجعوا اليه في الفقيه عن محمد بن مسلم انه سأل اباجعفر عليه السلام عن ركود الشمس فقال للسائل ما اصغر جثتك واعضل مسألتك وانك لاهل للجواب ان الشمس اذا طلعت جذبها سبعون الف ملك بعد ان اخذ بكل شعاع منها خمسةآلاف من الملئكة من بين جاذب ودافع حتى اذا بلغت الجو وجازت الكرة قلبها ملك النور ظهرا لبطن فصار ما يلي الارض الى السماء وبلغ شعاعها تخوم العرش فعند ذلك نادت الملائكة سبحان الله ولا اله الا الله والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا فقيل له عليه السلام احافظ على هذا الكلام عند زوال الشمس فقال عليه السلام نعم حافظ عليه كما تحافظ على عينيك فاذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبحون في ذلك الجو الى ان تغيب الشمس وفي رواية حريز قال كنت عند الصادق عليه السلام فسأله رجل ان الشمس تنقص ثم تركد ساعة من قبل ان تزول فقال عليه السلام انها تؤمر تزول ام لا تزول ه اقول وهذا الذي تلوت عليك من الاخبار عام لكل شمس من الشموس من الالف الف الا انه في كل عالم بحسبه واعلم انا لو اردنا شرح هذه الاخبار ورفع التنافي من ظواهر بعضها وبيان حقيقة المراد منها لطال علينا الكلام الا انا نشير الى حقيقة الامر في ذلك مما يطابق مراد الامام عليه السلام في هذه الخطبة وهو جامع الامر فان وفقت لفهمه ارتفع التنافي بين الاخبار وظهر المراد بصحيح الاعتبار واعلم انه لما كان بين الله وبين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة القى الله عز وجل مثاله اي صفة ظهور فعله في هويات الاشياء فاظهر منها افعاله كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الملأ الاعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ولما اختلفت الاشياء بالحدود والعوارض والقرانات والاوضاع والاضافات والميولات الذاتية والعرضية والنورانية والظلمانية فتأخرت بعضها عن بعض لتأخر اسبابه وشرائطه ومتمماته وتوقفها على الامور المتقدمة وتقدمت بعضها على بعض لتقدم اسباب وجوده وشرائط حدوده اختلف ظهور المثال الملقى في هوياتها كذلك بالتقديم والتأخير فتحقق مثال والحاكي عن مثال والناقل لاحكام افعاله الى غيره ومثال مثال ومثال مثال مثال وهكذا ولما كان كل اثر يشابه صفة مؤثره من حيث هي من حيث هو والمثال يتكثر وجوهه بتكثر المتعلقات كان اول متلقي الفيض عن المبدأ من غير توسط اعلى الامثال واوسع الاشياء شمولا واحاطة وقوة واشدها وحدة وبساطة فلما كان المثال جهة الوحدة والعموم والشمول والقهر والغلبة والقيومية وجهة القبول اي الهوية جهة الكثرة والضعف والفقر والنكارة والقبول مما لا بد منه لكنه لما وقع في اول الوجود ومبدأ الشهود غلبت عليه سلطان الوحدة والعموم والغلبة بحيث اضمحلت جهة القبول بمعنى خفى آثارها وخمدت نارها واستولى عليها حكم المثال وخفى عنه ما يقتضيه الحال فظهرت الوحدة فيه وخفيت الكثرة وما بقي منها الا الذكر والصلوح والقابلية اذا وجد متعلق ولما كان الوجود يتنزل بتكثر دوران الحدود واختلاف اوضاعها وانقلاب احوالها واعتوار الاضافات عليه كان ذلك المبدأ اذا ظهر متنزلا من جهة بعد النور الوحداني وقوة القابلية ظهرت فيه تلك الوجوه والحدود المستجنة المخفية من جهة غلبة ظهور سلطان الوحدة ولما ظهرت الكثرات تكثرت الامثال من جهة التعلق وتميزت بعضها عن بعض فكان الجامع لاول المثال هو العرش ولذا كان امرا وحدانيا بسيطا بعيدا عن لحوق الكثرات واضافة التشخصات فكان اول الخزائن واعلاها واشرفها لكمال المناسبة بالوحدة الحقيقية حتى يكاد ان لا تدركه الابصار في كل عالم بحسبه ولذا ترى العرش الجسماني اظهر مثال اللفظ الصمد المطابق لمعناه لوجوده بذاته وظهوره بآثاره فلا تدركه البصر الحسي لعدم ظهور الكواكب التي هي الامثال الشهودية الالهية فيه فكان هو المثل الاعلى والآية العليا والدعوة الحسنى في كل عالم بحسبه والحاكي الجامع للامثال وظهور الاسماء متميزة المراتب هو الكرسي فالعرش هو الحاكي للمثال الاجمالي والكرسي هو الحاكي والحاوي للمثال التفصيلي فصار ( فصارا خ ) مبدء الايجاد يفاض المعاني والحقائق على العرش ومنه ينتثر ( ينتشر خ ) الى الكرسي وينبث ويتصور فيه كالضوء من الضوء فكان العرش والكرسي اخوين مرضعين من ثدي ام القابلية الاولى والدواة العليا المتربين في حجر آدم الاول الاكبر وهو المداد الاول وهو النون وبحر الصاد الا ان الكرسي اصغر الاخوين ظاهر بالاولاد والبنين والعرش هو الاخ الاكبر قوي عظيم سلطان ظهرت رياسته وسلطنته وحكمه في اخيه اي الكرسي فهما كانا نورا واحدا امرهما داعي الايجاد من قبل رب العباد فقال لنصف كن عرشا وللآخر كن كرسيا ولا يصح العكس في القول في الاولية والآخرية فكان العرش هو جلال القدرة والكرسي هو جلال العظمة ولما كان العرش هو اول ابواب الاستغناء اي اعظم ابواب الفقر ظهرت العلل الوجودية كلها فيه بالمعنى لا بالصورة ولما كان الحادث لا يستغني عن الخلق والرزق والحيوة والموت ظهرت مبادي هذه الاركان فيه فكان مربعا كل ربع نور من انوار العظمة ومثال من الامثلة الفعلية الالهية قد تلون بلون متعلقه فمبدأ الخلق نور احمر ومبدأ الرزق نور ابيض ومبدأ الحيوة نور اصفر ومبدأ الممات نور اخضر وهذه المبادي والالوان والانوار كلها معنوية ليست ظاهرة بالصورة بوجه من الوجوه الا في الكرسي فانها قد ظهرت فيه على اكمل وجه اذ ظهرت الاربعة فيها في ثلثة عوالم فكانت البروج الجامعة لتلك الحقايق والحاكية لتلك الامثال اثني عشر على ما اشرنا الى مجمله سابقا ولما ان الله سبحانه خلق الخلق مشروح العلل ومبين الاسباب اظهارا لكمال القدرة البالغة ما اقتصر على خلق العلويات وحدها لاسباب يطول الكلام بذكرها بل خلق السفليات كما خلق العلويات ولما كانت القوي السفلية ما يمكن لها تلقي الفيض من العرش والكرسي من غير واسطة لبعدها عنهما ولاحتراقها لديهما لكمال الحرارة الفعلية الظاهرة فيهما وكمال البرودة والكثافة واليبوسة الظاهرة المجتمعة فيها فجعل الله سبحانه لهما بابا من كرمه اليها ليكون حاملا لآثارهما اليهما ( اليها خ ) وموصلا لحوائجهما ( لحوائجها خ ) لديهما ليفاض عليهما ( عليها خ ) به من نفسهما اللتين هما خزينة الوجود بجعل الحق المعبود ما تستحق تلك القوي على حسبها وذلك الباب والجناب هو الشمس وهي ( هو خ ) نور الله عز وجل وحجاب قدرته في العلويات والسفليات كساها الله عز وجل حلة النور من العرش فكانت به ضياء وخلقها من نور النار اي الحرارة الفعلية من قوله عز وجل ولو لم تمسسه نار الظاهرة في العرش باركانه وقوائمه وابوابه وحملته ومن صفو الماء اي الماء الذي به حيوة كل شيء او من صافي القابلية المأخوذة من ( القابلية خ ) الاولى الكبرى مظهر الابتداع ومحل الاختراع لكن احكام المثال اي الفاعلية قد ظهرت وغلبت واستولت وبطنت احكام القابلية اي البرودة فظهرت حرارتها وبطنت برودتها وجعلها سبع طبقات لظهور قوي الافلاك السبعة فيها لانها مدبرة بالله فيها او لكونها اي السبعة من مكملات الوجود الظاهرة في كل غيب وشهود وهي الكيان الثلثة والكيفيات الاربعة او ظهورات الايام الستة التي هي ايام التمام مع يوم الكمال فتكون سبعة وهي مأخوذة من العرش ومثال له ومتولدة منه ولما كانت من جهة بعض الوسائط حصل لها بعد اضافي من المبدأ ظهرت لها انية تحفظ النور وتظهره لا انية تخفيه وتبطنه كالهواء فانه لغاية اللطافة لم يظهر فيه النور وان وجد فيه باكمل الوجوه واما المرآة الصافية المنورة فانها لكونها اكثف من الهواء تمسك النور ولكونها صافية متلألأة تظهره على اكمل ما ينبغي ولذا ترى النور العرشي الغيبي في الظاهر قد ظهر في الشمس على كمال ما ينبغي وظهرت فيها تلك الانوار الاربعة الغيبية لانها مباديها في العالم الادنى ( الاولى خ ) ولذا اذا نظرت اليها تحت حجاب اسود تشاهد الالوان فيها لكن من جهة الغلبة ( غلبة خ ) الحرارة ماتظهر في بادي النظر الا لون الحمرة عند الغروب ولون الصفرة عند ارتفاع النهار فان النور اذا ارتفعت الشمس تنبث وتنتثر ( تنتشر خ ) في الهواء الممزوج بالبخار والدخان المتكثر فيها انواع الرطوبات المحفوظة في الاجزاء الهبائية وتكون سببا لصفرة النور بخلاف وقت الصبح ووقت المغرب لقلة وقوع النور على ما ذكرنا لانخفاضها وقربها الى الافق فالشمس هي محل العلة الفاعلية في الرتبة وجعلها الله سبحانه مقوم الاجسام والاجساد وهي كالحرارة الغريزية في البدن واظهر نورها وبث حرارتها ليعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه فكانت الشمس مقامها مقام الاجمال والبساطة ومرتبتها في عالمها مرتبة الاختراع والاسم المربي لها من الاسماء الحسنى الله وهي تسبح الله عز وجل باسمه البديع والملك الموكل بها من الملائكة ملك على مثال روح القدس ووجه من وجوه الروح من امر الرب والروح على ملائكة الحجب وهو ملك واحد كلي والملائكة الاربعة الذين هم جبرئيل ومكائيل واسرافيل وعزرائيل لائذون وحاملون لاركانها من الاركان ( حاملون لاركان خ ) الاربعة العرشية فجبرئيل لركن الخلق في النور الاحمر وميكائيل لركن الرزق في النور الابيض واسرافيل لركن الحيوة في النور الاصفر وعزرائيل لركن الموت في النور الاخضر ومحلها السماء الرابعة وهي البيت المعمور والسقف المرفوع وقد سئل مولينا الصادق عليه السلام عن الكعبة لم كانت مربعة قال عليه السلام لانها بازاء البيتالمعمور وسئل عن البيتالمعمور لم كان مربعا قال عليه السلام لانه بازاء العرش وسئل عن العرش لم كان مربعا قال عليه السلام لانه بازاء الكلمات الاربع التي بني عليها الاسلام وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فالبيت المعمور هو الشمس والملائكة كلهم لائذون بهذا البيت وجعل الله سبحانه حوائج الخلق مما تحت الكرسي كلها فيها وقد وكل عليها سبعون الفا من الملائكة وهي ذرات المراتب المستمدة منها والملائكة حملة الامثال والاسماء المتكثرة بتكثر تلك الذرات المتعلقة بفتح اللام وتلك الامثال من ظهورات المثال الملقى في هوية الشمس وتلك الاسماء من وجوه الاسم الذي حملته الشمس والملائكة من شؤن الملك الموكل بالشمس والسبعون لظهور السبعة المجتمعة الحاصلة من تثليث الواحد وتربيع ظهور الاحد في الواحد في القبضات العشر التي خلق منها الشيء وذلك هو السبعون وكل رتبة مشتملة على الف طور قال الله عز وجل وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون وموكل على كل شعاع منها خمسةآلاف ملك لان كل ذرة من الشعاع فيها حرارة ويبوسة وضياء ومادة وصورة والملائكة حملة امر الله فاذا رقيت كل مرتبة منها الى رتبة الملائكة اي ظهور امر الله فيها تتسع الدائرة وتنفرج لان السافل في كمال الضيق والضنك فكلما رقيته مرتبة اتسعت الدائرة في مرتبة اعلى واوسع وفي الثانية تكون الفرجة اوسع وكذا في الثالثة الى الرابعة وهي نهاية المرتبة ولذا قال عز وجل وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون اعتبر ما ذكرنا لك بحال النقطة في الدائرة اذا رسمت منها خطوط الى المحيط فان الزاوية الحادثة عند النقطة بمنزلة الواحد فكلما يتصاعد الخط تنفرج الزاوية فيكون الواحد عشرة وفي الرتبة الثالثة يكون مائة وفي الرابعة يكون الفا فاذا نسبت شيئا الى الله اي الى امره والى حكمه تلاحظ فيه هذه النسب الاربعة لان مقام امر الله فوق عوالم الخلق الثلاث ( الثلاثة خ ) من الملك والملكوت والجبروت وان كان في احدى العوالم ولذا نقول ان حركة الاجسام في مقام الصدور ليست الى جهة بل حركتها حركة سرمدية والملائكة حملة انوار تلك الافلاك فتكون واحد في السفلى الفا في العلوي فافهم لقد كررت العبارة للتفهيم اذ قل ما تصل اليه افهام الناس فالشمس هي الاصل الثاني التي تدور عليها الاصول الثانوية كلها فزحل يدور على ذات النور الابيض الظاهر فيها والقمر يدور على صفة النور الابيض الظاهر فيها والمشتري يدور على ذات النور الاخضر الظاهر فيها وعطارد يدور على صفة النور الاخضر الظاهر فيها والمريخ يدور على ذات النور الاحمر الظاهر فيها والزهرة تدور على صفة النور الاحمر الظاهر فيها وهي مجمع الانوار ومهبط الاسرار ومعدن الاخيار وكما ان الشمس باب للعرش يفاض بها الانوار العرشية حين استوى الرحمن عليه برحمانيته على ذرات الوجود كذلك خلق الله سبحانه القمر بالشمس وجعله بابا للكرسي في ايصال الصور والهيئات والحدود والاوضاع ورسوم الهيكلين هيكل التوحيد وهيكل الكفر والنفاق الى افراد الموجودات السفلية كما كان العرش محلا للاختراع والكرسي محلا للابتداع كذلك الشمس ظاهر الاختراع والقمر ظاهر الابتداع فالشمس انما تولدت من العرش كما ذكرنا والقمر انما تولد من الكرسي كما قال عليه السلام ان القمر كسي حلة النور من الكرسي وقد قلنا ان العرش والكرسي اخوان كان الشمس والقمر ابني عم وقلنا ان العرش هو جلال القدرة والكرسي هو جلال العظمة كانت الشمس ظهور الطائف حول جلال القدرة والقمر ظهور الطائف حول جلال العظمة فيدوران على نقطة قطبهما ويسبحان الله ربهما على حكم التقديم والتأخير لحكم التدبير قال عز وجل لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ولما كان المبدأ لقربه الى فعل الله سبحانه يجب ان يكون اشرف واعلى ما يتصور في حق ذلك الشيء وجب ان تكون الشمس حين ان توجد في اشرف احوالها واعلى مقامات ظهوراتها في ذاتها وفي اشراقاتها ولا شك ان اشرف احوالها واحسنها واظهرها واعلاها ان تكون في كبد السماء في دائرة نصف النهار وان تكون في بيت شرفها وهو التاسععشر من برج الحمل اما الحمل لكونه ( فلكونه خ ) اشرف البروج واولها واكملها وهو اعلى البروج النارية في عالم الجبروت وهو اول المبدأ مثال الفاعل اي اسم الفاعل وهذه الصفات هي صفات الشمس في الكواكب فاذا اجتمع الشرف مع الشرف واقترن السعد بالسعد كانت نهاية الشرافة والسعادة اما التاسععشر فلبيان ان الشمس في الكون الثاني ظهور الواحدية ورتبة الفاعلية واول استنطاق بسم الله الرحمن الرحيم في التكويني ليطابق حكم التدويني ولما كانت القوابل السفلية بظاهرها وباطنها مفتقرة الى الشمس ومستمدة عن الله منها كانت الشمس محيطة بها وهي كالنقطة لها ولما كان دوام الاشراق عليها مما يفسدها ويهلكها ويعدمها ويحرقها كانت الشمس ابدا في جانب عنها ومقابلة بجزء منها فمرة فوق الارض ومرة تحتها ومرة عن يمينها ومرة عن يسارها هذا الكلام على ظاهر الحال قشري فان الشمس ابدا فوق الارض لا فوقية تقابل التحتية المعروفة وانما هي فوقية الاحاطة وعلى الحقيقة فله معنى دقيق قل من عثر عليه وسانبئك به ان شاء الله وهذا الظهور في بيت الشرف على ترتيب البروج وقطع دائرة الافق الفلك نصفين فوقاني وتحتاني لا يكون الا اذا كان طالع الدنيا سرطان فيكون بيت الوتد الذي هو الرابع الحمل وتكون الشمس في شرفها في الحلقة وهو اول الزوال وهو وقت يسبح الله كل شيء لكونه ظهور المبدأ واستيلاء الحي القيوم على كل دائرة الامكان واستواء الرحمن على العرش وهذا احسن احوال العالم واشرف اوقاته ولا يرجع الى هذه الحالة الا يوم العود لانه يوم البدو قال عز وجل كما بدأكم تعودون فاذا جعلنا ما مصدرية يكون التقدير كبدئكم عودكم ونحن قد قررنا فيما مضي ان المشبه عين المشبه به سيما في القرآن والاخبار فيكون التقدير بدؤكم عودكم فاذا عكست يكون عودكم بدؤكم وهذا معنى كلام سيدنا ومولانا الرضا عليه السلام المتقدم وقد يعترض عليه الجاهل بالمراد فيقول لا شك في استدارة الارض وميل الآفاق فكيف يمكن ان يكون طالع الدنيا سرطان فان اريد في بعض الآفاق فهذا لا يحتاج الى البيان لانه شيء ضروري مع انه عليه السلام في صدد اثبات تقدم النهار على الليل على الاطلاق لا في موضع دون موضع وقد ظهر الجواب عن ذلك فيما مضي في بيان تعدد المشارق والمغارب وقلنا ان الشمس لها حركات حركة لا مشرق لها ولا مغرب وهي الحركة الصدورية الوجودية وحركة لها مشرق واحد ومغرب واحد وهي الحركة البدوية التي هي الحركة العودية وحركة لها مشارق ومغارب وهي الحركة النزولية والصعودية قبل ان يرجع كل شيء الى اصله فاذا رجع كل شيء الى اصله ترى نهارا دائما وليلا دائما من غير ان يختلط الليل بالنهار والنهار بالليل ليحصل من اختلاطهما هذه الاوقات كالصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وانما هو وقت واحد وهو وقت الربيع عند شرف الشمس فاسألك هل في الجنة ليل وفي النار نهار وهل في الجنة غدو وعشي وهل خرجت ارض الجنة عن الاستدارة بل استدارتها انما ظهرت هناك وهل كان اهل الجنة لا سماء يظلهم ولا ارض يقلهم اما سمعت قوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار فمراد مولينا الرضا عليه السلام انما هو في البدو الاول لا الثاني اذ لا يستريب احد تقدم الليل الآن على النهار وانعقد عليه اجماع كل العقلاء والاخبار والاحاديث مشحونة بذلك ولا شك ان الاوراد والادعية والنوافل الوارد في الليالي المعينة لا تفعل بعد يومها فلا تقول ان ليلة الجمعة انما هي بعد يوم الجمعة فاذا امرت بزيارة مولينا الحسين عليه السلام ليلة الجمعة او نذرت انك تزوره ليلة الجمعة فلا يجوز لك ان تزور الليلة التي بعد يوم الجمعة لانها ليلة السبت اجماعا ضروريا وهذا لا ريب فيه ومع ذلك كيف يحكم سيدنا ومولينا الرضا عليه السلام بان اليوم مقدم على الليل او ان هذا التقدم شيء جرى على خلاف الحق فاذن قد خرج الحق عن الفرقة الناجية وقد قال عليه السلام لا يزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة وها انا اشير الى شيء لا بد من بيانه لتتميم المقصود فاذا فهمته بفهم مسدد يظهر لك المراد من الحديث وهو انه اعلم ان الارض ارضان ارض تحجب نور الشمس اذا قابلتها وارض لا تحجب والارض الثانية هي الارض البسيطة التي هي من العناصر الاربعة فانها شفافة لا تحجب ما وراءها ولقد سمعت من شيخي واستادي اطال الله بقاه وجعلني فداه ان الحكماء حفروا الارض الى ان وصلوا الى ارض هي ثقيلة ينطرس المواعين بها ( هي ثقيلة تمتلئ بها الاواني خ ) لكنها لا ترى وهو كما قال ويؤيده العقل والنقل والمشاهدة والارض الاولى هي الاراضي السبعة الظلمانية المتقدمة وهي ارض الشقاوة وارض الالحاد وارض الطغيان وارض الشهوة وارض الطبع وارض العادات وارض المماة وهذه هي التي تحجب نور الشمس عن النفوذ لانها ظلها وضدها وعكسها وجهة ادبارها ومخالفتها فلا تصل الشمس اليها وهي في اماكنها في المراتب الظلمانية قوامها بالشمس قوام الظل بالنور فلا تشرق عليها نور الشمس ابدا لان لها جهة غير جهتها ولكن الشيء بالعرض من جهة المعين الخارجي قد يصل الى غير مرتبته كما وصل ابليس الى الجنة بعد طرده ولعنه بواسطة الحية والمناسبة العرضية مع حوا المناسبة لآدم فكذلك الارض فمن جهة المعين المناسب صارت بحيث تشرق عليها نور الشمس فتحجب نورها وبيان ذلك بالاجمال ان الارض التي هي احدى العناصر وان كانت شفافة لطيفة لكنها لبعدها عن عالم النور وقربها بعالم الغرور لانها الخط الفاصل بين الانوار والظلمات فهي في عالم النزول قد غمسها الماء المتنزل المشوب بلطخ الاغيار من اكدار الادبار وكثرت وغلبت عليها الرطوبة والبرودة والرطوبة اذا لحقت اليبوسة والبرودة تزيد في كثافتها وقذارتها كما هو المحقق المعلوم فبعدت مناسبتها عن الشمس لغلبة البرودة واليبوسة المختلطة بالرطوبة اللزجة وقويت الانية بطبيعتها فناسبت تلك الظلمات فتعلقت بها على مقتضى انواع المناسبات فغلظت الارض بتلك الظلمات وتكاثفت فصارت تحجب الشمس اذا حاذت وقابلت جزء منها ولما كانت الشمس لا بد ان تشرق عليها لاستخراج تلك الانوار المستجنة فيها والقوي الكامنة فيها لانها لا تخرج الا بتكليس الحرارة الحجب والاعراض والغرائب المانعة ليخرج الحجر المكرم وتطهر الارض المقدسة وذلك التكليس لا يمكن الا بتدبير الحكيم العليم بانحاء التعفين والتقطير وتقليل الحرارة وتكثيرها وتوسيطها على مقتضى تحمل تلك الارض المشوبة فلو زيدت الحرارة اول المرة لاحترقت بكلها ولو لم تزدد لماتكلست ولما ازيلت ريش الغراب ولما اخرجت القوم الجبارون والتسعة المفسدة في الارض فجرى التقدير ان تطلع الشمس في جهة وتغرب في جهة وتبعد عن جهة وتقرب الى جهة على مقتضى حاجة الحرارة اذ في بعض المواضع لو زيدت الحرارة عن مقدار حرارة جناح الطائر لاحترق وفسد وفي بعض المواضع لو نقصت الحرارة عن مثل نار السبك لجمد وخمد وبطل وفسد وكذلك الاوساط لها حكم خاص لكل مرتبة ( منها خ ) لا يجوز التعدي عنها وكل ذلك يحصل بتغير اوضاع الشمس مع القوابل السفلية الى ان يأتي اوان الحل الكلي والتعفين الاصلي فامتزجت القوابل بالمقبولات والعلويات بالسفليات مزجا لا يبقى لشيء منها التمايز الحسي وبطل فعل الكلي ( الكل خ ) وهو اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت واذا الجبال سيرت فلا يبقى لشيء حيوة الا لله الواحد القهار الظاهر بوجهه المحتجب بشعاع نوره ثم تقطر فيمتاز كل عن الآخر ثم تشتد النار شيئا فشيئا الى ان بلغت الى حد النار ( بلغت حد نار خ ) السبك على حسبه وذلك يوم القيمة فتحترق الاعراض والغرائب ويخلص الاكسير ويعود كل شيء الى اصله فيبطل المشرق والمغرب لعدم الحاجب وتطهير الارض المقدسة عن القوم الجبارين وتصفية الاحمر الشرقي والابيض الغربي والفتى الكوشي والجمع بينها وسقيها من عين الحيوان وعين الكافور وعين السلسبيل فيظهر سر كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون المؤمنين فقد ظهر وتبين ان بدو وقوع الفتن والاختلاف من الارض الصرفة عند اختلاطها مع الاراضي الخبيثة وذلك الاختلاط سر غروب الشمس وعلة تحقق المغرب فحينئذ وجب احد الامرين اما تحقق المغرب وغيبة الشمس في عرض اربعة وعشرين ساعة ووقوع الغيوم والسحب المكفهرة المانعة لظهور اشراق نور الشمس على الارض او خراب الوجود ( او عدم الخلط خ ) والاول اولي بالاختيار من الثاني لانه ( لان خ ) به يحصل الكمال التام الاتم شيئا فشيئا متدرجا بخلاف الثاني وعدم الخلط يستلزم النقصان في الوجود وعدم كمال الخلق وتمامه وعدم ظهور الفيض والجود فوجب تحقق المغرب والمشرق والجنوب والشمال وحدوث البخار والدخان والغيوم والامطار والثلوج والطل والشهب والنيازك وامثالها من الاحوال الجارية المستحدثة من حصول الخلط ووجود الاعراض والغرائب وانتفاء الكل عند ظهور جمال مولينا عليّ بن ابي طالب (ع) وجه الله في المشارق والمغارب اينما تولوا فثم وجه الله واعلم ان ما ذكرنا في هذا المقام من اوله الى آخره كلها ظواهر وقشور وامثال ومجازات ولها بواطن ولباب واصول وحقايق يرتاب بتصريحها المبطلون ولو اريد البيان مع الدليل والبرهان يطول الكلام اذ الكلام يجر الكلام والحقائق تكشف عن حقائق اخر اذ البواطن كلها حرف واحد انقسم قسمين محمد وعليّ صلى الله عليهما اختراع وابتداع نقطة وخط عرش وكرسي نار وتراب كاف ونون وكل الخلائق نشئات ( نشأت من خ ) ظهورات هذين الحرفين الى ما لا يتناهى وهما الخزينة الواسعة وسعت كل شيء مما كان وما يكون الى يوم القيمة وما بعده ابد الآبدين وكلها امثال وصفات لذينك الحرفين قال احد الانبياء واظنه موسى على نبينا وآله وعليه السلام يا رب ارني خزانتك فاوحى الله اليه انما خزانتي بين الكاف والنون ولقد كشفت لك عن السر المقنع بالسر وتفصيل القول وحل الرمز واظهار الحقيقة يأتي ان شاء الله تعالى فقوله عليه السلام رأيت الشمس عند غروبها يشير في مقام لحن القول الى ما ذكرنا فان المغرب انما حصل بالاختلاط بين النور والظلمة في الظاهر والباطن وهو قوله عليه السلام لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فامتزجا فهنالك هلك من هلك ونجى من سبقت له من الله الحسنى وقوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم الا ترى الغيوم والسحب والثلوج والامطار والكسوف والخسوف كلها بالشمس من حيث تكره فافهم وهكذا جرى حكم شمس النبوة وقمر الولاية حرفا بحرف من غروبهما وافول نورهما وغروب شمس النبوة وطلوع قمر الولاية ممحوا لقوله عز وجل ومحونا آية الليل وتكثر غيوم الشكوك والشبهات وظلمات النفاق والفسوق والعصيان وارتفاع العلم القطعي في اغلب المسائل بل جلها وتسلط سلطان الظلمة وهكذا من الاحوال المعروفة بين الناس ووقوع الاختلاف الشديد بين العلماء والمعارضات والمناقضات الشديدة العظيمة الواقعة في العالم هذه وامثالها كلها اجريت بشمس النبوة وقمر الولاية قال عز وجل وما كنا عن الخلق غافلين وهما صلى الله عليهما واولادهما عليهم السلام اعضاد للخلق في ذواتهم وصفاتهم وكينوناتهم وقوامهم بهم عليهم السلام في موادهم وصورهم فكيف يتصور وقوع حادثة من الحوادث في عالم ( العالم خ ) الكوني والشرعي بدونهم عليهم السلام اليسوا عين الله الناظرة ويده الباسطة ورحمته الواسعة واذنه الواعية ووجهه الظاهر في كل شيء لا تعطيل له في كل مكان الا ان الامور القبيحة والاحكام التي يكرهها الله عز وجل لا ينسب اليهم لانها ليست منهم ولا اليهم وانما هي بهم كما تقول الخير في يديك والشر ليس اليك وقد عرفت انهم يد الله فالخير منهم وبهم واليهم وعنهم وفيهم وعندهم والشر ليس منهم ولا اليهم ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله على ما رواه ابن عباس ما معناه انه لم يوجد في يد احد حق الا بتعليمي وتعليم عليّ عليهما وآلهما الصلوة والسلام وهذه الرؤية رؤية قيومية احاطية كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى مشروحا
قوله عليه السلام : وهي كالطير المنصرف الى وكره كما قلنا ان المشبه عين المشبه به فتكون الشمس هي الطير حقيقة تطير بجناحيه في هذا العالم وهو الطاووس مقامه جبل سرانديب لاجنحته الوان مختلفة غريبة عجيبة قوية نظرة يدهش الناظر عند النظر اليها بل يكاد يموت من شدة انجذاب نفسه اليها لما تجد من شدة المناسبة وكل العالم مستضيء لشدة نور ضياء تلك الاجنحة لان له جناحان على احدهما مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله الله نور السموات وبهذا الجناح يستضيء اهل السماء وعلى الآخر مكتوب على واولاده الطيبون وفاطمة الصديقة خلفاؤ الله واولياؤه على نور الارضين وبهذا الجناح يستضيء اهل الارض والآن من جهة خلط الطبايع بالظلمات احتجبت الابصار عن مشاهدة تلك الكتابة الواضحة فاذا ارتفع الخلط او قل تنفتح العين وتظهر حدتها على مقدار خلوصها عن الخلط فتشاهد الكتابة الواضحة ولذا ورد في زمان الرجعة تظهر جسد مولينا امير المؤمنين عليه السلام في قرص الشمس وهذا الجسد هو تلك الكتابة لان المراد بالكتابة اثبات الاشباح المنفصلة فلو نظرت باذن القلب الواعية لشاهدت ببصر قلبك المتنزل الى هذا البصر الحسي تلك الكتابة على كل ذرة من ذرات الوجود وهو ما تقدم من حديث كتابة لا اله الا الله محمد رسول الله على امير المؤمنين في العرش ( والكرسي خ ) واللوح والقلم والسماء والارض وغيرها مما فصل بعض كلياتها فيه ولذا ظهر لطلحة بن عبد الله ذلك حين موته لما خلص عن الخلط الارضي شاهد الاصل من غير حجاب ورأي ان عليا عليه السلام يصعد الى السماء وينزل الى الارض ويخرقها ويرمي بالنبل ويضرب بالسيف ويطعن بالرمح ويقول مت يا عدو الله فيموت في ساعته ولم ير شيئا سواه عليه السلام وهذا الذي رآه هو اشباحه المنفصلة وهو كتابة اسمه الشريف على الانسان والجماد والنبات وقد قال عليه السلام انا الذي كتب اسمي على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم فالشمس بهذين الجناحين بقوة تلك الاسماء المتبركة العالية تطير في فضاء الملك والملكوت وتلحق بهواء اللاهوت وهو وكرها اذا غربت عن عالم الادبار الى عالم الاقبال وهو قوله عليه السلام حب الوطن من الايمان وليس التعلق بالعالم الخلقي من الوطن وانما هو دار غربة وكربة كما قال عليه السلام اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتي وعند الموت كربتي فالطير المنصرف الى وكره هو الخارج عن وكره لما قال الله عز وجل له ادبر فادبر مبعدا عن وكره وموليا عن مبدئه حتى بلغ غاية الضيق فلم يجد مسلكا للطيران مدبرا فناداه الله عز وجل اقبل فاقبل منصرفا الى وكره وطار متصاعدا الى ان بلغ كبد سماء الكون الكلي وهو عالم النفوس وهناك ظهر نوره وتفرقت اجنحته وتكثرت وتزايدت رياشه وزادت الوانه سيما خضرته واصفراره واحمراره فلما انحرف في طيرانه عن ذلك العالم قرب الى عالم البساطة فخفي ظهوره ونوره الغيري شيئا فشيئا الى ان بلغ الى عالمه وغرب عن العوالم التحتية كلها والتفت الى مبدئه وانصرف الى وكره وهو ليلة المعراج حين بلغ مقام قاب قوسين وهذا الوكر له مراتب كثيرة ومقامات عديدة كما ان او ادنى كذلك فوصل الى مقام الدلالة للكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهو اول بيت من وكره ثم ترقى في الطيران بجناح واحد الى مقام الكلمة ومنها الى مقام الحروف العاليات ومنها الى مقام النفس الرحماني الاولى اي الاولى الى هنا شاهده امير المؤمنين عليه السلام حين انصرافه الى وكره مشاهدة عيان ثم ترقى منها الى مقام النقطة وظهر له صلى الله عليه وآله سر لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل هو فيه انا وانا هو واتصل الحبيب بالمحبوب والطالب بالمطلوب والشاهد بالمشهود وهذا الاتصال اتصال رسمي وهو الاتصال بلحظ المطلوب المحبوب الذي لحظه به وهو الطرف الخاص به كما قال :
قذفتهم الى الرسوم فكل دمعه في طلوله مطلول
منتهى الحظ ما تزود منها للحظ والمدركون ذاك قليل
جاءها من عرفت يبغي اقتباسا وله البسط والمني والسئول
فتعالت عن المنال وعزت عن دنو اليه وهو رسول
الابيات فتفطن وافهم ما قاله عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته الخطبة وهذا المقام الاخير الذي هو آخر بيوت وكره ولا آخر انما شاهده ورآه امير المؤمنين عليه السلام رؤية وصف ومشاهدة صفة ومثال وقد دلت الاخبار بشهادة صحيح الاعتبار ان رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج ما وصل مقاما الا وقد رأى عليّا عليه السلام فيه الى ان وصل مقام المناجاة والمناداة سمع كلام الجبار بلسان عليّ عليه السلام لانه لسان الله الناطق على الخلق بما كان و( ما خ ) يكون ولما وصل الى مقام الامداد واكل طعام القرب رأى يد الله يشاركه فيه وهو يد عليّ عليه السلام فاذا انقطع الكلام واشتعلت نايرة المحبة وفنى الحبيب في محبوبه فناء رسم وصفة انقطع مقام عليّ عليه السلام اعلم ان الغروب غروبان احدهما نور وجمال وكمال فالجنة في هذا المغرب ونورانية هذا الغروب من جهتين احديهما ( احدهما خ ) لقطعه المقامات وسيره الدرجات ومشاهدته الآيات وحصول منافع السفر الذي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام في الشعر المنسوب اليه :
تغرب عن الاوطان في طلب العلي وسافر ففي الاسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
والشرق المذموم الذي نار جهنم فيه في مقابلة هذا الغرب كما اشار اليه عليه السلام بعد تلك الابيات :
فان قيل في الاسفار ذل ومحنة وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حيوته بدار هوان بين واش وحاسد
والثانية هو الغروب عن عالم الخلق بالكلية والرجوع الى مشاهدة الجمال ( جمال خ ) الاحدية بما تجلي له في ذات الشيء نفسه وصفاته وآثاره ونورانية هذا المغرب لمحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر واشراق النور المشرق من صبح الازل فهو غاية المني والقصد وليس وراء عبادان قرية وهو اعلى مراتب الوطن الذي حبه من الايمان وثانيهما ظلمة واختلاف وتضاد واعراض وغرائب واهوال واحوال لا يحبها المبدأ وهو عليه السلام اراد بقوله الشريف ولقد رأيت الشمس عند غروبها اراد المعنيين جميعا فاشار الى الاول بقوله عليه السلام وهو كالطير المنصرف الى وكره وقد اشار النبي صلى الله عليه وآله في الحديث المتقدم لما سئل عن الشمس اين تغيب قال صلى الله عليه وآله في السماء ترفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة تحت العرش الحديث ويريد عليه السلام من السماء الى السابعة هي الطبقات السبعة التي التئمت وجود الشمس فيها ( منها خ ) كما تقدم في الحديث عن الباقر عليه السلام وتحت العرش هي جنة الصاقورة التي بدأت الشمس منها فعادت اليها فخرت ساجدة لله عز وجل بكينونتها وذاتها وغروبها عن كل ما سوى الله فالملائكة الحاملون للانوار والاسرار المنشعبة من النور والسر الظاهرين فيها كلها تتبعها لانها تجذبها قال عليه السلام جذب الاحدية لصفة التوحيد ولما كانت الموجودات كلها طرية دائمة السيلان والاستمداد فهي في كل الاحوال سائلة من الله سبحانه الامداد اذ لا تستغني عنه ابدا في حال اذ لو جاز ذلك جاز في كل الاحوال فهي محتاجة في كل آن في ذواتها وصفاتها وآثارها ومقادير اطوارها وهيئات حركاتها وسكناتها وهكذا الى نهاية اطوار وجوداتها ومن هذه الجهة قال صلى الله عليه وآله ان الشمس تقول يا رب من اين تأمرني اطلع من مغربي ام من مشرقي فان الطلوع من المغرب علامة العود وفناء البدو ( وخ ) هذه الحالة ثابتة للشمس في كل الاوقات لان لها في كل وقت طلوع بالنسبة الى مكان وغروب بالنسبة الى مكان آخر اما في الظاهر فانها في كل حركة تقرب الى افق وتبعد عن افق وهذا معلوم واما في الباطن فلسؤالها وامداد الحق اياها دائما فافهم وقد اشار الى الثاني بقوله عليه السلام فيما بعد من قوله عليه السلام دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة كما يأتي شرحه ان شاء الله اما ان الشمس طير فلان الموجودات كلها اطيار يطيرون الى سماء الفقر الى الله عز وجل بجناحيهم احدهما جناح الوجود وبه يطيرون الى سماء المعرفة وفضاء هواء عالم اللاهوت وثانيهما الماهية وبها يطيرون في هواء الشهوات والميولات والمعاني والعلوم والادراكات وبهما يطيرون في هواء الطاعات والعبادات والخيرات والمبرات وانواع الحوائج والميولات في الذاتيات والعرضيات والشمس هي مثال الفاعلية لها جناحان جناح لاهل السماء من السموات السبع وتمدهم بما جعل الله فيها من السر المعنوي الغيبي وجناح لاهل الارض من العناصر والمتولدات تمدهم بما قواها الله عز وجل بما جعل عندها من الاسم الاعظم والسر الاقدم وبذينك الجناحين يطير بهما الى الله عز وجل في استمدادها وفقرها ولواذها بالباب الاعظم وانما عبر عنها بالطير في هذا المقام لوجهين احدهما للحركة الى المبدأ بكله بجميع اعضائه والثاني لتكثر شؤنها ووجوهها وروابطها اذ ليس فيما تحت الكرسي ذرة من الذرات الذاتية والوصفية الا ولها علاقة بها وهذه العلائق كلها عرضية لا ذاتية وانما هي ظهوراتها تعلقت بظاهر تأثيراتها كالطير وتكثر رياشه وانها كلها خارجة عن حقيقة الطير وانما هي لاعانة الطيران واستمساكه في الهواء واما قولنا انها طاوس فلطبيعتها من الحرارة واليبوسة وظهور اصول الالوان الاربعة من الانوار الاربعة العرشية والالوان الحاصلة من قرانات تلك الالوان بعضها مع بعض تظهر شبه الوان الطواويس واهل الصناعة يعبرون عن النار الفعالة بالطاوس كما قالوا في الطيور الاربعة التي ذبحها ابرهيم عليه السلام على رواية انها الطاوس والديك والحمامة والغراب قالوا ( ان خ ) الطاوس اشارة الى النار الحائلة والديك اشارة الى هواء راكد والحمامة اشارة الى ماء جامد والغراب اشارة الى ارض سائلة ولذا قالوا ازل ريش الغراب يكون عقابا واما قولنا انه في جبل سرانديب نريد به جبل الوجود والحيوة الاولية لانه اول جبل نزل آدم عليه على نبينا وآله وعليه السلام ويعبرون عنه بجبل العلم فان الشمس آدم من الآدميين الالف الف وحواءها ( حواءه خ ) الارض ونريد بهذه الحواء في مقام الظهور بالفعل والتأثير وفي الحقيقة تكون الارض حواء لاشراق الشمس لا ذاتها وزوجتها الاصلية هي الارض القابلية زوجها النور الحامل للمثال فتكونت الشمس وهذه ايضا عبارة قشرية فان الارض القابلية حينئذ تكون امها لا زوجتها والحق ان الزوجة لا تكون ذاتية وانما هي عرضية عند ظهور الآثار فتكون كما ذكرنا هي الارض لكن لا الارض المعروفة فافهم ويحتمل ان يراد من الشمس ما اراد الله عز وجل في قوله الشمس والقمر بحسبان وحسبان طبقة من طبقات جهنم لقوله عز وجل ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا او يصبح ماءها الآية وقال احدهما عليهما السلام ان الشمس والقمر يؤتيان بهما يوم القيمة ويؤخذ نورهما ويحشران بصورة العجل ويدخلان في النار والمراد بهما شمس الضلالة وقمرها والتسمية من باب التضاد والالحاد اذ ما من حق الا وله صورة ضد تقابله وما منها الا وقد ظهر في الوجود ونال نصيبه من الكتاب فولي مدبرا موليا ولحق باصله حاملا لصفات اعماله ولما كانت الشمس هي النبوة المالئة بنورها كل الوجود المظهرة لآثار الحي المعبود ( كانت ضدها الظاهر معها المالي بظلمته كل الوجود المانع لظهوره مظاهر الحي المعبود خ ) كما قال عز وجل ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها فكانت الشمس في عالم الضد هو الاول وشيطانه هو الثاني وقد ظهرا في هذه الدنيا بعد ظهورهما في عالم الغيب وادبارهما موليا عن تحت الثرى الى هذه الارض وسكنا فيها بنتنها وخبثها واظهرا شرهما فكثفت الارض وغلظت وتكدر العالم بظلمتهما ولبسا لباس الانسانية لاظهار منتهى مراتب خبثهما فوهبهما الله سبحانه اياها استدراجا وهي نورهما على ما قال عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين فاظهرا الظلمة والعناد واكثرا في الارض الفساد حتى تقدم الليل على النهار فمكثا في الارض حتى نالا نصيبهما من الكتاب الى ان يردا الى اصلهما وينصرفا الى وكرهما فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام في الكتاب الذي كتبه الى ابيبكر الى ان قال عليه السلام ولكني اهون وجدي حتى القي ربي بيد جذاء صفرا من لذاتكم خلوا من طخيائكم فما مثل دنياكم عندي الا كمثل غيم على فاستعلى ثم استغلظ فاستوى ثم تمزق فانجلى رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل فتجدون ثمر فعلكم مرا وتحصدون غرس ايديكم زعاقا ممقرا وسما قاتلا وكفى بالله حكيما وبرسول الله خصيما وبالقيمة موقفا ولا ابعد الله فيها سواكم ولا اتعس فيها غيركم والسلام على من اتبع الهدى ه فكان هو الطير المنصرف الى وكره ووكره جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة اذا اراد الله ان يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب وهذا اصل بيوت وكره والا فكل جهنم وكره وصاحبه وكلما فيها من الجحيم والعذاب الاليم له ولصاحبه وعليهما وزر كل ما على الخلق كما روى عبد الله بن جعفر بن ابي طالب بمشهد من معوية في حديث طويل الى ان قال ثم نص اي رسول الله صلى الله عليه وآله بالامامة على الائمة تمام الاثني عشر عليهم السلام ثم قال صلوات الله عليه ( وآله خ ) ولامتي اثنا عشر امام ضلالة كلهم ضال مضل عشرة من بني امية ورجلان من قريش وزر جميع الاثني عشر وما اضلوا في اعناقهما ثم سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسمى العشرة معهم الحديث وقد قال سلمان رضي الله عنه خطابا للثاني اني لاشهد اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ان عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب امته الى يوم القيمة ومثل عذابهم ه فكان وكرهما كما وصف الله سبحانه ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار لان ابليس المعنوي ( المغوي نسخة ٢٤٤ ) لكل الخلائق هو مظهر جهلهما الكلي فكان وكرهما في مبدأ الاليم والجحيم وهو اسفل طبقات جهنم والكلام في هذا المقام طويل اعرضنا عنه لان مرادنا الاشارة ببعض المراد والله لهما بالمرصاد لعن الله صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما وهذه الشمس الظلمانية لها ظهورات في المراتب الظلمانية واصل كل مرتبة اسمه شمس كمقابلها فتعدد الشموس من الطرفين الى ما لا نهاية والغروب في كل مقام له معنى يناسبه اما نوراني او ظلماني او فناء وعدم او اضمحلال واستهلاك او خفاء نور او استيلاء باطل او ظهور الكثرات وغلبة الروابط والقرانات او حل العقد وفك النظم في الحلين الاول والثاني او تداخل الامرين بحيث ارتفع التمايز من البين او مقام التعفين ورتبة التلوين وانصراف الشمس الى وكره حين اجتماع المياه الاربعة او الخمسة او الستة او السبعة اي الماء الرقيق الابيض كوكب زحل كوكب امير المؤمنين عليه السلام والماء الابيض الغليظ الفتاة الغربية وهرمس الحكيم والفرار والماء الاصفر الشرقي والماء الاحمر الشرقي والمجموع شيء يشبه البرقا والصبغ الاحمر وهو الشمس الغائبة في افق الخفاء والانفخة وهي القاضي والماء السيال اي الارض المقدسة فاذا اجتمعت هذه المياه في الارض المقدسة وسقيت لها ( بها خ ) فتغرب الشمس التي هي الصبغ الاحمر ويعود الى اصله وهو الطير المنصرف الى وكره لانه قد استخرج من اصله وهي الارض المقدسة الملوثة بكثافات القوم الجبارين فظهر منفردا ثم رد منصرفا الى وكره عائدا الى اصله ذاهلا عن وجدانه فظهر بعد ما غرب شمسا مشرقة ونارا محرقة يجذب الاشياء اليه جذبا ميليا معنويا ويوصلها الى غاياتها وكمالاتها ايصالا حقيقيا فطلعت من مغربها واعادت الاشياء الى اصولها ومباديها فهناك ينسد باب التوبة والاستغفار وتهتك الاستار ويفضح الاغيار سترك الجميل يا ستار ويحتمل ان يكون المراد من الشمس شمس الوجود وهو الماء النازل من سحاب المشية مبدأ الموجودات المقيدة واصل الاكوان النورية وغروبها تعلقها بالماهية وخفاء احكامها حال البساطة والماهية هي ارض القابلية وارض الجرز والبلد الطيب او ( وخ ) الذي خبث وهي وكر الوجود في عالم الظهور بل العوالم كلها لان الممكن زوج تركيبي فالماهية وكر الوجود وقابليته وبيته الذي يأوى اليه وانما عبر عن الوجود بالشمس لانه حامل مثال الفاعلية الظاهرة في المشية فقد ظهرت المشية به لافراد الكائنات جميعا وهو الفاعل الذي هو معمول الفعل الذي هو المشية وهو المصدر والمفعول المطلق التأكيدي ومنه يشتق اسم الفاعل والمفعول فقوامهما التحققي ( التحقيقي خ ) الركني به وقوام المصدر بالفعل ولذا ترى المصدر يعمل في الفاعل والمفعول بشرطه وهذه المذكورات هي صفات الشمس الظاهرة في العالم الجسماني بل هذه الشمس صفة ومثال لتلك الشمس وحكاية عنها واما ان امير المؤمنين عليه السلام رآها ففي الظاهر لان الله عز وجل اشهده خلق السموات والارض وخلق نفسه كما قال الله عز وجل لما قال النبي صلى الله عليه وآله اللهم انصر الاسلام باحد العمرين ويريد بهما عمر بن الخطاب وعمر بن هشام اباجهل قال الله عز وجل ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فدل مفهوم الآية على انه عز وجل اتخذ الهادين عضدا واشهدهم خلق السموات والارض وخلق انفسهم وقد تكثرت الروايات بالطرق المتعددة عن الفريقين ان المراد بقوله عز وجل انما انت منذر ولكل قوم هاد هو عليّ عليه السلام وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزولها وقال انا المنذر وعليّ الهادي فكان ( عليّ خ ) عليه السلام ممن اشهده الله خلق السموات والارض والخلق لا يكون الا بالوجود والماهية واقترانه بها واتصاله معها وهذا ظاهر واما في الباطن فكما ذكرنا مرارا ان الموجودات كلها موادها التي هي وجوداتها وصورها التي هي ماهياتها من نور عليّ عليه السلام ومن هيئات اعماله فكانت متقومة به فهو عليه السلام يريها ويشاهدها بالمشاهدة القيومية كمشاهدة السراج للاشعة فافهم
قال عليه الصلوة والسلام : ولولا اصطكاك رأس أفرودوس واختلاط الطتنجين وصرير الفلك لسمع من في السموات والارض رنيم حميم دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة
هذا اشارة الى ذكر الوجه الثاني مما يراد من المغرب كما ذكرنا سابقا من ان المراد به بيان سر الاختلاف ووقوع الفتن والشكوك والشبهات باعتبار لحن القول وكشف سر الباطن من السر المقنع بالسر وبيان هذه العبارات الشريفة في الظاهر المراد هو انه اعلم ان الله عز وجل خلق الخلق من مادة نورانية وطينة ظلمانية ثم ان الموجودات اختلفت باختلاف جهات التركيب ومراتبه وانحائه وحدوده من الكم والكيف والجهة والرتبة والوضع والزمان والمكان بزيادة النور وقلته فكلما زاد فيه النور وقلت فيه الطينة الظلمانية زادت مشابهته باوائل جواهر العلل فلطف ورق واستعلى وكلما كثرت فيه الظلمة وقل النور فيه كثف وتسافل اذ بعدت المناسبة بينها وبين اوائل جواهر عللها فالمادة النورانية هي وجه الله سبحانه في الاشياء وهي ظهور توحيده واسمائه وصفاته وما ينسب اليه تعالى من آثار صنعه واحكام فعله وايجاده واختراعه وبالجملة هي دليله والناطقة بتحميده وتقديسه وتنزيهه وتهليله في كل عالم وكل زمان واوان ولما كان هذا النور قد سري وجرى في كل شيء من الاشياء كان كل شيء على مقدار ما فيه من النور ناطقا بالتسبيح والتقديس والتهليل بكل مراتبه مما ظهر ذلك النور فيه فكل شيء يسبح بحمده وفي الزيارة يسبح الله باسمائه جميع خلقه واليه يشير قوله عز وجل وان من شيء الا يسبح بحمده وتسبيح الاشياء كلها بالنور المستودع في سرائرهم وضمائرهم واحوالهم واطوارهم ولكن هذا النور لما كان في العلويات واشد واظهر واكثر كان ظهور هذه الآثار فيها اقوى واشد وفي السفليات لما كان اضعف كان هذا الظهور اقل وهذا لا شك ( فيه خ ) ولما وجب اقتران العلويات بالسفليات واتصالها بها لحصول النظام ولان السفليات لا قوام لها الا بالعلويات حصل من هذا الاقتران والوضع احوال واوضاع اخر تأليفية تركيبية غير الاوضاع الاولية البسيطة الناظرة الى وجه المبدأ واسمائه وصفاته وتلك الاحوال والاوضاع والحركات ليست في اللطافة والنورانية مثل العلويات ولا في الكثافة والدنائة مثل السفليات وانما هي حالة برزخية فاذا جمع الواقف في السفلى حواسه ومشاعره واجتمعت قوي قلبه يدرك تلك الاحوال والاوضاع كما انك اذا سديت اذنك ظاهرا ام ظاهرا وباطنا ام باطنا تسمع دويا كدوي صب الماء في شيء وهو صوت صب الماء من بحر الصاد في الحوض الكوثر واذا قعدت نصف الليل اذا هجعت العيون وهدأت الاصوات وانت فارغ البال تسمع اصواتا والحانا وهي اصوات اقلام حملة الكتابة من الملائكة الموكلين بتدبير الاجسام وهي احوال غيبية متعلقة بالاحوال الشهودية والاطوار الجسمانية او السفلية مطلقا كلها على وزان تلك الاحوال وعلى طبقها وهذه الكثرات كلها خلاف جهة الوحدة والنور لكن اقتران العلوي بالسفلي يستلزم ذلك لان العالم النازل عالم ظهور مجملات العالم الاول ولما كانت الكثرة جهة الانية والظلمة لا جهة النور والوحدة وجب قطع الالتفات عنها وعدم النظر اليها والاقتصار على جهة النور ليستولي في الاحاطة بالاشياء فيعرف الاشياء كلها على ما هي عليه في اماكنها واوقاتها واوضاعها ويعرف جهاتهم الى ربهم وجهاتهم الى انفسهم والجهات المتوسطة بين الجهتين ويعرف اسباب نجاتهم ووصولهم الى مباديهم ويعرف اسباب حرمانهم وهلاكهم وكيفية تسبيحهم وتهليلهم وتقديسهم وتنزيههم لباريهم وخالقهم وكيفية الاحوال الواردة عليهم ومبدأ السعادة والشقاوة والتوفيق والخذلان والتوقف والاستضعاف وما يحدث من قرانات الاشياء بعضها مع بعض وامثالها من الاحوال لانه قد وقف في مقام عال ينحط دونه كل مقام وكل مرتبة فيرى كل شيء في موضعه كمن كان فوق المنارة ويتسلط على كل البلد فان مقام الوحدة له قيومية على كل الكثرات وكلها عنده نقطة فهو محيط بها مستولي عليها ولكن المنغمسين في بحر الشهوات والملتفتين الى جهات الانيات قد حجبتهم ملاحظة تلك القرانات والاوضاع والكثرات عن مشاهدة نور التوحيد الظاهر في كل شيء بالتحميد والتمجيد حتى جمدوا وخمدوا ولم ينالوا حظا من مشاهدة الاشياء وتنطقها بتوحيد الله وتسبيحه وتحميده واختيارها ما اختارت من الشؤن والاحوال ومسئلتها من الله عز وجل بانحاء الطلبات والسؤالات ( السؤلات خ ) وتضرعها وضجيجها اليه سبحانه بانواع اللغات من الصفات والكينونات ولذا قال عز وجل وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم واليهم الاشارة بقوله عز وجل الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر اي الهيكم مشاهدة الكثرات والانهماك في الشهوات وملاحظة الانيات حتى ذهبت عنكم روح الحيوة وبقيتم امواتا كالخشب المسندة واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون والى هذا المعنى الذي ذكرنا اشار مولينا امير المؤمنين عليه السلام بقوله الشريف ولولا اصطكاك رأس افرودوس وقد قلنا ان افرودوس هو جهة النور وعالم الوحدة والسرور ومقام المبدأ على مراتبه واصطكاك رأسه اشارة الى اقتران العلوي بالسفلي والروابط الحاصلة عند الاقتران وظهور ذلك النور لانه حامل ظهور الحق عز وجل بالتأثير والفعل وذلك يظهر حال الاقتران على مقتضى ذلك المقام لانه منشأ الحيوة والحركة والسفلى علة التقدير والتصوير والاختلاف حال اتصاله بالعلوي انما قال رأس افرودوس لان العلوي على جهة الاطلاق لا يقترن بالسفلى بذاته وانما الاقتران بوجه من وجوهه وذلك الوجه هو رأس منه الى ذلك الشؤن فاقتران العالي بالسافل برؤسه ووجوهه لا بذاته كما هو المعلوم المبرهن وانما افرد الرأس مع ان تعلقات العالي بالسافل كثيرة لان مقام السفلى مقام الكثرة وكل منها لا يتقوم الا برأس ووجه من العلوي فلم قال عليه السلام رأس ولم يقل رؤس لان ما ظهر من العلوي هو شيء واحد وهو رأسه ووجهه الكلي وتلك الكثرات كلها وجوه ذلك الرأس الا ترى الشخص فانه اذا وجد في مكان انفصل شبح منه هو وجهه وهو رأسه وهو شيء واحد ولو قابلته الف مرآة في كلها ينطبع وجه من وجوه ذلك الشبح المنفصل وهو واحد والكثرة في وجه الوجه ورأس الرأس ووجه آخر وهو ان تقول ان الرأس واحد والكثرة في وجوه ذلك الرأس الواحد وان جاز لك ان تفرض كليات الوجوه رؤسا واشخاصها وجوها او انواعها وجوها واشخاصها السنة او اصنافها السنة واشخاصها لغاتا كما ورد ان لله عز وجل ملكا له الف رأس وعلى كل رأس الف وجه وعلى كل وجه الف لسان وعلى كل لسان الف لغة يسبح الله تعالى بها ه وهذا الملك انما هو لاصطكاك رأس افرودوس والملائكة كلها وجوه ذلك الرأس وعند ذلك الرأس ينقطع سير الملائكة ويتناهى وجودهم فليس لهم فوق ذلك مقام ولا رتبة
قوله عليه السلام : واختلاط الطتنجين الاول هو الخليج المنشعب من الجهة اليمنى من بحر الصاد والثاني هو الخليج المنشعب من الجهة اليسرى وهذان الخليجان يسيران على جهة الاستدارة لكن من جهة الاختلاط قد حصل شكلان مخروطان متوازي السطحين قاعدة كل منهما عند رأس الاخر ومع ذلك لا يوجد ذرة من ذرات احد الخليجين الا وجرى فيه الخليج الآخر الا ان اطوار الاختلاط مختلفة كما مثلنا بالشكل المخروطي ووجه هذا الاختلاط وعلته من دليل الموعظة الحسنة فاعلم ان الله عز وجل عدل حكيم خلق الخلق لاظهار كرمه ونشر عوائد مننه فلو اضطرهم على وجه واحد لم يصح فرض ايصال النفع لان المجبور ليس له انية حتى ينتفع بها مما افيض عليها من مبدئها وبارئها فيكون كالآلة للشيء وعلى ذلك لم يصح فرض اختلاف انحاء الموجودات المستلزم لاختلاف مظاهر الاسماء والصفات فلم تظهر الكمالات الالهية والصفات الربانية وهي خلاف فائدة الايجاد فلو انه تعالى جعل الاختلاف من دون داع وحكمة لكان فاعلا للعبث تعالى ربي وتقدس عن ذلك ثم انه لو فرض الجبر فاما ان يجبر الخلق على الخير او على الشر او يجبر بعضهم على الخير والبعض الاخر على الشر فان كان الاول فقد ظلم لانه وضع الشيء في غير محله اذ لا ريب ان كل الخلق لو خلوا واختيارهم لم يقبلوا الخير والنور كما لم يقبلوا مما نشاهد فاعطاء الخير اياهم من غير شهوتهم واختيارهم وضع للشيء في غير موضعه وابطال لاصل فائدة الايجاد فان الايجاد للانتفاع والانتفاع لا يحصل الا بما يلايم الطبع فان حصل للشيء ما لا يلامه كان اكراها لا انتفاعا كما هو المعلوم فاذن جريان الاشياء على نحو واحد ليس نفعا ( لها خ ) وانما هو نفع لصانعها والا كان عبثا مع ان النفع لا يتصور الا عند امكان المضرة والا فلا فتبطل فائدة الايجاد وان كان الثاني كان قبيحا لان الشر لا يكون مقصودا بالذات للحكيم وان كان الثالث فهو الترجيح من غير مرجح مع ما ذكرنا من ان الشر لا يكون مطلوبا للحكيم لان الشر خلاف جهة الحق فهو متوقف ومتقوم بجهة الحق وكيف يتصور ان يريد الشيء اولا خلاف مقصوده وهو باطل بالبديهة فرجع الامر الى القسم الاول وقد عرفت بطلانه فاذا بطل الجبر والاضطرار وجب الاختيار لان صنع الحكيم الكامل يجب ان يكون على اكمل ما يتصور واشرف ما يكون الا ان يكون اسباب اقوى من المقتضي ولا شك ان الخلق على وجه الاختيار اكمل من الخلق على وجه الاضطرار والاختيار لا ينشأ الا بوجود اسبابه وعلله وعلته وجود الامرين المتضادين في شيء واحد ليكون كل منهما مبدأ ميل بخلاف الآخر حتى حصل له الداعيان فتضاف اليهما القدرة والحيوة فان قويت ظهرت آثار الميلين باجمعهما كالانسان وسائر الحيوانات تريهم يفعلون ويتركون وان ضعفت قويت جهة وضعفت الاخرى فتحتاج لاظهار ميلها الى معين خارج عن حقيقة ذات الشيء كالجمادات والنباتات من الاجسام اللطيفة المائلة بالطبع الى الصعود فيحتاج في النزول الى معين خارجي والاجسام الكثيفة المائلة بالطبع الى النزول فيحتاج في الصعود الى معين خارجي فمن جهة تحقق الاختيار خلق الله سبحانه بحرا من النور تحت العرش الاعظم وهو الصاقورة للجنان التي اكل روح القدس منها الباكورة وخلق ارضا طيبة تحت ذلك البحر واجرى ماء البحر عليها فصلصلهما وعركهما حتى صار شيئا واحدا وطينة واحدة ثم خلق سبحانه بحرا من الظلمة تحت الثرى وخلق ارضا خبيثة فوقها ثم تبخر ذلك البحر بالحرارة الغضبية فصعدت تلك الابخرة الى ان وصلت تلك الارض الخبيثة فتراكمت الابخرة الخبيثة عليها حتى اذابتها فتصلصلت الى ان صارت طينة واحدة وهو قوله عز وجل وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ثم ان الله عز وجل خلط بين الخليجين اي البحرين فصاغ الموجودات كلها من هذا المختلط وهو قول ابي جعفر عليه السلام لو علم الناس كيف ابتداء ( ابتدأ خ ) الخلق ما اختلف اثنان ان الله عز وجل قبل ان يخلق الخلق قال كن ماء عذبا اخلق منك جنتي واهل طاعتي وكن ملحا اجاجا اخلق منك ناري واهل معصيتي ثم امرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن الحديث وقال ايضا عليه السلام لما سئل عن قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى الى آخر الآية فقال وابوه يسمع عليهما السلام حدثني ابي ان الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم عليه السلام فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحا فلما اختمرت الطينة اخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وامرهم جميعا ان يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما وابي اصحاب الشمال ان يدخلوها ه وقال ايضا عليه السلام ان الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا اجاجا فامتزج الماءان فاخذ طينا من اديم الارض فعركه عركا شديدا فقال لاصحاب اليمين وهم كالذر يدبون الى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال الى النار ولا ابالي الحديث وقال مولينا الصادق عليه السلام ان الله عز وجل لما اراد ان يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل عليه السلام في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة الى السماء الدنيا واخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة اخرى من الارض السابعة العليا الى الارض السابعة القصوى فامر الله عز وجل كلمته فامسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة الاخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرأ من الارض ذروا ومن السموات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل والانبياء والاوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثم ان الطينتين خلطتا جميعا وذلك قول الله جل وعز ان الله فالق الحب والنوى فالحب طينة المؤمنين التي القى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير وانما سمى النوى من اجل انه نأي عن كل خير وتباعد عنه وقال الله جل وعز يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن والميت الكافر وذلك قوله عز وجل اومن كان ميتا فاحييناه فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حيوته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته وكذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الى النور ويخرج الكافر من النور الى الظلمة بعد دخوله الى النور وذلك قوله عز وجل لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ه والاخبار في هذا الاختلاط كثيرة اقتصرنا على بعضها فلما حصل الاختلاط تحقق الاختيار فلما تحقق الاختيار وصيغ به الكائنات فخرجت في الوجود مجتمعة في صعيد ( واحد خ ) ومحشر واحد فحصل بذلك قرانات واوضاع ونسب واضافات بين بعضها مع بعض فكلفهم الله سبحانه وبعث محمدا صلى الله عليه وآله ( عليهم خ ) بشيرا ونذيرا فقال لهم عن الله عز وجل الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة من ولده الاحد عشر الطيبون وفاطمة الصديقة اولياءكم فاقر الانبياء عليهم السلام وتبعهم خواص الشيعة المخلصون العارفون وانكر المنافقون وهم رؤساء الضلالة وهم اثني عشر ورئيسهم الاثنان وهما الاعرابيان وتبعهم خواصهم من المنافقين وساير الشياطين فاستولت الانوار على الاولين باقرارهم والبسوا من طينة عليين قال عز وجل يهديهم ربهم بايمانهم وغلبت الظلمة وتراكمت على الآخرين والبسوا طينة سجين وطبع الله على قلوبهم بكفرهم ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وبقيت طائفة قد تراكمت عليهم ظلمة اولئك الفجرة واستولت عليهم انوار تلك الطبقة الطيبة العالية ففسدت بنيتهم بتخلل تلك الظلمات فماكملت في النضج بحرارة نورانية تلك الانوار فبقيت واقفة متحيرة فمنهم من انكر ظاهرا بالتبع الظاهري ( الذكري خ ) ممن كانوا في جنب تلك الظلمات ومنهم من اقر بمناسبة تلك الانوار بالاقرار العرضي التبعي ثم ان الله عز وجل كسر صيغتهم ودك بنيتهم واذابهم كلهم ومزجهم وجعلهم طينة واحدة تحت النور الاحمر فبقوا كذلك اربعمائة سنة فاختلط الطتنجين مرة ثانية بعد الاختلاط الاول والامتياز الاول فبقوا في هذا الكسر المدة ( بالمدة خ ) التي ذكرنا حتى انزلهم الله عز وجل الى هذه الدار واستودعهم في التراب فتعلقت لطخات من المناسبة العرضية بالفريقين فمنهم من قوى اللطخ فيهم في الارواح والابدان معا حتى تعلقت الظلمة بالنور للمناسبة العرضية واستجنت فيها وتولد منها واكتسب من عاداتها وآدابها وطبايعها حتى نسي اصله وصبغ بصبغها الى ان يحصل له منبه ينبهه اصله ومبدأه ومنشأه ووجه عداوته معها ومباينته اياها فيذكر فيعود الى عالمه فيرجع الى اصله وهم متفاوتون في وصول هذا التنبيه اليهم او تنبههم بذلك فمنهم من قويت المناسبة فيه لا يتنبه الا عند موته ومنهم من لا يتنبه الا في القبر ومنهم في الدنيا اوان بلوغه وربما بعضهم قبل بلوغه الحلم وهكذا في سائر الاطوار ومنهم من حصل اللطخ في الابدان العنصرية خاصة قد تعلق بها لمناسبة البدن العرضي لغلظته وكثافته وهذا يتنبه في اول الامر بادنى شيء ويتبرأ منها كما في عليّ بن يقطين ومنهم من لم يحصل اللطخ والمناسبة في الابدان لكنها قد حصلت في العادات والآداب من الظاهرية والباطنية حتى مال اليها وقال بقولها وتطور بطورها فبقدر الميل قويت الظلمة فيه الى ان ينجيه الله سبحانه منها ومنهم من لم يبلغ الخلط في الابدان الى ان يتولد منها ويستجن فيها لكنه قد حصل في المزاج والبنية بعد التركيب والتوليد او حين التوليد والتركيب من افراط احدى الطبايع اما من غلبة البلغم ليوصله الى البلادة او من غلبة الصفراء مع الدم ليوصله الى الجربزة او لغلبة الدم والبلغم ليوصله الى النسيان او لغلبة السوداء المحترقة ليوصله الى الاضطراب والاغتشاش في ظاهره وباطنه وبالجملة مناسبة تخرجه عن الاستقامة البدنية فتهجم عليه الامراض والاسقام والآلام ومنهم من قويت المناسبة فيه في الطبايع والغرائز والاقوال والاحوال تحت حجاب الزمرد وامثال ذلك من المناسبات الخلطية اللطخية العرضية وهكذا من جانب العكس والباطل ومناسبتهم العرضية في جانب النور ومن جهة تلك المناسبة ترى الكفار والمنافقين قد تصوروا بالصورة الانسانية وتصدر عنهم افعال حسنة كالاحسان على الفقراء والمساكين وصلة الارحام وبناء المساجد والقناطر وسائر الخيرات التي يحصل منهم وهم في ذلك على انواع شتى يطول الكلام بذكرها
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
وها انا اشير الى بعض الاخبار الدالة على ما ذكرنا مما ذكره محمد بن يعقوب الكليني ثقة الاسلام في الكافي عن عبد الله بن سنان قال قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك اني لارى بعض اصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش فاغتم لذلك غما شديدا واري من خالفنا فاراه حسن السمت قال عليه السلام لا تقل حسن السمت فان السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء فان الله عز وجل يقول سيماهم في وجوههم قال قلت فاراه حسن السيماء له وقار فاغتم لذلك قال عليه السلام لا تغتم لما رأيت من نزق اصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ان الله تبارك وتعالى لما اراد ان يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقا باذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعي وقال لاهل الشمال كونوا خلقا باذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج ثم رفع لهم نارا فقال ادخلوها باذني فكان اول من دخلها محمد صلى الله عليه وآله ثم اتبعه اولوا العزم من الرسل واوصياؤهم واتباعهم ثم قال لاصحاب الشمال ادخلوها باذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لاصحاب اليمين اخرجوا باذني من النار فخرجوا لم تكلم منهم النار كلما ولم تؤثر فيهم اثرا فلما رآهم اصحاب الشمال قالوا ربنا نرى اصحابنا قد سلموا فاقلنا ومرنا بالدخول قال ( قد خ ) اقلتكم فادخلوها فلما دنوا واصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فامرهم بالدخول ثلثا كل ذلك يعصون ويرجعون وامر اولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم كونوا طينا باذني فخلق منه آدم على نبينا وآله وعليه السلام قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق اصحابك وخلقهم فمما اصابهم من لطخ اصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفهم ووقارهم فمما اصابهم من لطخ اصحاب اليمين في الكافي عن عبد الله بن كيسان عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له جعلت فداك انا مولاك عبد الله بن كيسان قال اما النسب فاعرفه واما انت فلست اعرفك قال قلت له اني ولدت بالجبل ونشأت في ارض فارس وانني اخالط الناس في التجارات وغير ذلك فاخالط الرجل فاري له حسن السمت وحسن الخلق وكثرة امانة ثم افتشه فاتبينه عن عداوتكم واخالط الرجل واري منه سوء الخلق وقلة امانة ودعارة ثم افتشه فاتبينه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك قال فقال لي اما علمت يا ابنكيسان ان الله عز وجل اخذ طينة من الجنة وطينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه وهذه من هذه فما رأيت من اولئك من الامانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة وهم يعودون الى ما خلقوا منه وما رأيت من هؤلاء من قلة الامانة وسوء الخلق والذعارة (كذا) فمما مستهم من طينة النار وهم يعودون الى ما خلقوا منه وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال ان الله تعالى خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وابدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وجعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وابدانهم وخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هيهنا يصيب المؤمن السيئة ومن هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن الى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن الى ما خلقوا منه ه والاخبار في هذا الباب كثيرة اكتفينا بما ذكرنا وبهذا اللطخ والخلط انقطعت الاستقامة وكثرت المعاصي والسيئات وصارت بحيث ملأ الدهر ظلما وجورا لان النطف الطيبة قد استقرت في الاصلاب الخبيثة والنطف الخبيثة قد استودعت في الاصلاب الطاهرة فلا يمكن تطهير الارض من اوساخ اولئك الارجاس ملاحظا لاستخراج تلك النطف لئلا ينقطع الفيض عن الطيبين ولا يتنجس الارض مرة ثانية بالخبيثين فضعف النور من جهة هذا الاختلاط والاختلاف العظيم والاختلال الجسيم لان النور مقام الوحدة والايتلاف فلا يبقى مع الكثرة والاختلاف وهذا الاختلاط والنظر الى تلك الخصوصيات وحصول اللطخ والخلط اقتضى اختلال طبايع الموجودات الدنيوية ظاهرا وباطنا واورث فيها الامراض على اختلاف مراتبها فضعفت المدارك والمشاعر والقوي بل عميت كثير من الابصار المعنوية الباطنية فصارت لم تدرك الانوار ولم تشاهد الاسرار وبقيت في مقام الجماد واحتجبت عن مشاهدة جلال رب العباد وسر هذا الخلط التكويني في الذوات اقتضى الخلط في الصفات والالفاظ والعبارات فاشتملت الكتب الالهية والاخبار المعصومية على الظواهر والمتشابهات ليكون التشابه الوصفي كاشفا عن التشابه الذاتي ومبينا ومظهرا لاحكام الخلط واللطخ اذ الاشياء كلها تميل الى ما يناسبها فالمحكم الى المحكم والمتشابه الى المتشابه واهل الحق الى الحق واهل الباطل الى الباطل لتميز ( ليتميز خ ) الخبيث من الطيب ولولا ذلك لماحصل التمايز وماتمت الحجة على الخلق ولذا قال عز وجل هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ وقد ظهروا بزي المخلصين المؤمنين لحكم اللطخ فيتبعون ما تشابه منه مما يحتمل خلاف الحق والمراد في الصورة الظاهرية ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الآية وقال ايضا سبحانه وتعالى وما ارسلنا من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم والتمني هو القراءة والقاء الشيطان هو احتمال خلاف الحق والمراد المحتمل في القراءة بحكم اللطخ والنسخ اثبات القرائن الدالة الناصة على المراد ثم ان الله عز وجل بين وجه هذا الالقاء وعلته فقال سبحانه ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم من المعاندين والمنكرين باطنا الذين قد ظهروا بصورة المؤمنين لللطخ وان الظالمين آل محمد صلى الله عليهم حقهم لفي شقاق بعيد عن النور والصواب وليعلم الذين اوتوا العلم من اصحاب اليمين المخلصين الذين ما اعتورهم لطخ من اهل الباطل او شيء لا يعبأ به لقلته انه الحق من ربك فيؤمنوا به مخلصين عن الشبهات فتخبت له قلوبهم وازدادوا ايمانا للتسليم والتصديق بما هو الحق من عند الله وان الله لهادي الذين آمنوا وصدقوا بالحق وما مالوا الى المتشابه من الكلام الى صراط مستقيم صراط النور والهداية والرشد والتسديد والتوفيق والخير والاخلاص والمحبة واليقين وفي الاخبار والآيات بيان هذا الخلط واللطخ كثير وهذا الخلط انما هو لتمييز الخلط واللطخ الاولى التكويني فلولا هذا اللطخ والخلط لم يحجب شيء من اسرار الملك والملكوت على تفاوت درجاتها على احد من الخلق الا ان اهل السجين عندهم الاسرار الظلية السفلية الجحيمية الى ما تحت الثرى واهل العليين قد جمعوا الاسرار واحاطوا بالانوار فيسمعون تسبيح الاشياء وجهات خضوعهم لخالق الارض والسماء بالسماع الحسي من السمعي والبصري والشمي واللمسي والذوقي والمعنوي والحقيقي بل الحقي وهكذا من سائر الجهات بل بكل الجهات بل بلا جهات فهناك يسمعون صرير افلاك الانوار الظاهرة ( على عرش الاسرار كما قال سيدالشهداء عليه السلام يا من استوى برحمانيته خ ) على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار واما اهل الخلط اي الواقفين مقامه من الطرفين فهم محجوبون عن مشاهدة تلك الاسرار من النورانية والظلمانية لتدافع الميلين الا ان احدهما اقوى في الجملة ولذا ترى لاحدهم يصح الاستدلال بكلام الآخر كما ترى مخالفينا قد يستدلون بكلام اصحابنا لا ( الا خ ) في الامور التي لها مدخلية في المذهب فيما هو الظاهر المعلوم من الطرفين وجه المنافاة والمخالفة وترى اصحابنا كثيرا ما يتمسكون بكلامهم ويميلون اليه وينقلون عنهم ويطلبون العلم بالتتبع في كلماتهم وهذا كله من جهة اللطخ الذي بينهم فحجبهم ذلك عن مشاهدة وجه المنافرة التي بينهم والمعاداة التي عندهم واما الخالصون من اللطخ في ( من خ ) الطرفين فلا يرون لكلامهم وجه صحة ابدا فلا يميل احدهم الى الآخر لما يرون من كمال المعاداة والمنافاة والمنافرة ولما كان امتزاج هذا الخلط ليس امتزاجا بحيث لا يمكن انفراد صاحب الخلط باحدهما دائما وليس كالمركبات الجسمانية في ظاهر الحال جاز للشخص ان ينفرد في مقام احدهما فيرق الآخر ويلطف حتى يشابهه كما قال عز وجل فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين وقال الشاعر :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها وتشاكل الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم وقال ايضا عليه السلام في وصف الملأ الاعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم وانما هو نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ه وامثالها من الاخبار الدالة على الخلوص من شوائب اللطخ والخلط كثيرة والعقل يؤيدها الا ان الخلوص على قسمين خلوص في الوجدان وخلوص في الوجود واما الخلوص في الوجدان فهو مما لا بد منه فان لم يحصل في هذه الدنيا فهو يحصل في الآخرة ان كان من اهل الخير في الجنة وان حصل هنا فيزيد جلاء وصفاء في الآخرة كالاكسير الذي سقيته من الماء الذي من نوعه وسنخه فانه يزيده بهاء وقوة فكلما يزداد السقي يزداد القوة والتأثير والفعل كما هو المعلوم عند اهله واما الخلوص في الوجود في الخلط الاول لتحصيل الصوغ فمستحيل لتوقف الايجاد على التكليف وتوقف التكليف على الاختيار وتوقف الاختيار على الخلط كما ذكرنا اذ البسيط لا يمكن تحققه كما عن الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه الحديث واما في اللطخ فهو لا بد منه فلا يصفو الا بازالة ذلك عنه ( منه خ ) ورجوعه الى اصله ومبدئه وهذه الدنيا ومحنها وابتلا اتها والتكاليف والاعمال والاعتقادات كلها لتصفية هذا اللطخ وهذه التصفية تختلف مراتبها في القوة والضعف فمنها ما تحصل في هذه الدنيا بالاعمال الصالحة والاقبال الى الله عز وجل وهذا له مراتب كثيرة اعرضنا عنها خوفا للتطويل ومنها ما تحصل عند الموت ومنها ما تحصل في البرزخ ومنها ما تحصل في القيمة ومنها ما تحصل بالشفاعة ومنها ما لا تحصل الا بالنار والمكث فيها احقابا استجير بالله من النار ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم اعلم ان ما ذكرنا كله في باب اللطخ من دليل الموعظة الحسنة وفيه شوب المجادلة بالتي هي احسن واما الكلام فيه من دليل الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا فقد اعرضنا عنه لاحتياجه الى بسط في الكلام بذكر بعض المقدمات الا ان من عرف سياق كلامنا تمكن من معرفته من اشارات العبارات
قوله عليه السلام : وصرير الفلك اعلم ان من الامور التي تحجب عن مشاهدة الاشياء على نهج وحدتها وبساطتها ومعرفتها على ما هي عليه وتشغله وتلهيه عن ادراك مقام القرب والوصال والاتصال صرير الافلاك وهو الاصوات والنغمات الحاصلة من نسب حركات الافلاك السبعة او التسعة فان الحركات العلوية كلها اربعة وعشرون حركة وتلك الالحان المطربة والنغمات المتناسبة انما تحصل بنسبة حركة بعضها مع بعض واقلها الحركتان فلذا جعلوا مقامات الاصوات اي اصولها وكلياتها اثني عشر مقاما ولكن يحصل بملاحظة اختلاف نسب بعضها مع بعض نغمات عجيبة غريبة لا تكاد تتحمل سماعها النفوس وهي ربما تبلغ الى ما لا يحصى وقد ذكر استادنا ومولينا اطال الله بقاه وجعلني في كل محذور فداه في شرحه للحكمة العرشية للملا صدرا انه نقل عن قدماء الحكماء باكتفاء تماس الافلاك بعضها مع بعض في السماع كما نسب الى اساطين الحكمة كافلاطون ومن قبله انهم يثبتون للافلاك اصواتا عجيبة ونغمات غريبة يتحير من سماعها العقل ويحكي عن فيثاغورس انه عرج بنفسه الى العالم العلوي فسمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات الافلاك واصوات حركات الكواكب ثم رجع الى استعمال القوى البدنية ورتب عليها الالحان والنغمات الى ان قال سلمه الله تعالى وانما السامع لتلك الاصوات اذن القلب الواعية وينزل معانيها القلب الى الروح فتخلع عليها الخلع الصفر وتنزلها الروح الى النفس فتلبسها ثيابا خضرا من سندس واستبرق وتنزلها النفس طينا وذرا وتتقاسمها القوى الخمسة النفسانية على نسبة سيرها في افلاكها فتخرجها بتلك النسب الحانا موسيقية وان اردت اني اتكلم بها تكلمت فاقول كما قال علماء العروض ان الكلام باعتبار الحركات والسكنات يجمعها قولهم لم ار على ظهر جبلن سمكتن لم سبب خفيف وهو كحركة زحل وار سبب ثقيل وهو كحركة المشتري وعلى وتد مجموع وهو كحركة المريخ وظهر وتد مفروق وهو كحركة الخيال وجبلن فاصلة صغري وهو كحركة عطارد وسمكتن فاصلة كبرى وهو كحركة القمر لان فلك قمر يماس فلك عطارد بنقطة هي شخصية من فلك القمر ونوعية من فلك عطارد وعطارد يماس فلك الزهرة او الشمس مثلا والا فالثلاثة متقاربان فتختلف النوعية والشخصية فيها بالمحاذاة ونحن نريد التمثل للالحان فنقول لاجل البيان النقطة من عطارد او الزهرة او الشمس شخصية ومن المريخ نوعية ومن المريخ شخصية ومن المشتري نوعية ومن المشتري شخصية ومن زحل نوعية ومن زحل شخصية ومن فلك البروج نوعية فاذا نسبت حركات الافلاك الاربع والعشرين الحركة بنسبة ما مثلنا بالشخصية والنوعية حصل من تناسب الاوضاع بين الشخصية والنوعية ونوعية النوعية وبين النوعية ونوعية نوعية النوعية وبالعكس ونحو هذا هيئات واوضاع بين الاسباب والاوتاد والفواصل اذا اخرج الصوت عليها خرج بالحان ونغمات تكون اقرب كل شيء الى مطابقة النفوس وملايمتها لان النفس مركبة من تلك الالحان حيوتها من الفاصلة الكبرى وفكرها من الفاصلة الصغرى وخيالها من الوتد المفروق ووهمها من الوتد المجموع وعلمها من السبب الثقيل وتعقلها من السبب الخفيف انتهى كلامه اعلى الله كلمته ومقامه
اقول اعلم ان الاشياء لكونها قد بدت عن فعل الله سبحانه لها مقامان احدهما مقام تحليلها الى الاجزاء اي البسائط وثانيهما مقام تركيبها وجمعها وتأليفها ولما كان تركيب الممكنات من جهة العلة ومن جهة نفس المعلول كان لكل شيء جهة وحدة وبساطة وعموم وشمول وانبساط واطلاق وجهة تقييد واختصاص وانجماد فالاولى جهة العلة والثانية جهة المعلول ويحصل عند اقتران تلك الجهتين مراتب بل عوالم كثيرة من اول ميل الجهة العليا الى الجهة السفلى لا تحصى وهي مذكورة في اشارات ادعية اهل العصمة عليهم السلام وبواطن اخبارهم لكن تجمع كليات تلك المراتب ثلاث مراتب الاولى ميل الجهة العليا الى السفلى قبل الاقتران والثانية اقترانهما والثالثة مزجهما وتأليفهما بحيث تصير الجهتان جهة واحدة والطبيعتان طبيعة واحدة تستحق اسما واحدا فالاولى يوم الايلاج قال تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل والنهار هو جهة العلة وهو الجهة العليا والليل هو جهة المعلول وهو الجهة السفلى والثانية يوم الغشيان قال تعالى يغشى الليل النهار والثالثة يوم الشأن قال تعالى كل يوم هو في شأن وهو تمام الامر بالاقتران والامتزاج ولما كانت الجهة العليا بعد التركيب تنصبغ بصبغ الجهة السفلى كان الحكم التركيبي التحديدي على مقتضى الجهة السفلى وهذه المراتب الثلثة كلها جهة احتجاب المعلول عن مشاهدة العلة وعن مشاهدة انوار الوحدة السارية في اطوار الوجود الا انها تختلف بالغلظة والرقة فالاولى ارقها والطفها والثانية اوسطها والثالثة اكثفها واغلظها ولما كان الامام عليه السلام بصدد اثبات علة احتجاب الخلق عن مشاهدة الاشياء بحقايقها واسرارها على ما هي عليه ذكر عليه السلام المراتب الثلاثة لاحتوائها جميع المراتب واطوار الحجب فاشار الى الاولى بقوله عليه السلام ولو لا اصطكاك رأس افرودوس وهذا الاصطكاك هو اتصال الميلين والتقاء البحرين والى الثانية بقوله عليه السلام واختلاط الطتنجين وهو مزج الخليجين ورفع التمايز من البين والى الثالثة بقوله عليه السلام وصرير الفلك وهو ظهور الولد على ما اعطته امه من الصورة والهيكل وانما اختار عليه السلام الصرير لانه يريد بيان ظهور الجهة العليا من حيث الجهة السفلى محدودة بحدودها ومصبوغة بصبغها وان لا قوام للجهة السفلى الا بالعليا وانها مع ذلك تحتجب بها كما قال عليه السلام بل تجلى لها بها وبها امتنع عنها واليها حاكمها لان الصرير هو الصوت والصوت هو الامر الوحداني المحدود بالحدود الخاصة فقوام تلك الحدود بذلك الامر الواحد والاحكام الجارية على ذلك الامر الواحد باعتبار الحدود ولان الصرير اغلظ الحجب لانه انتقالات باطوار قبل الاستقرار بطور من اطوارها فالناظر الملتفت اليها لم يزل في التردد والانتقال ولم يثبت له الاستقرار في حال من الاحوال ولذا كان ( كانت خ ) اكثف الحجب وابعدها عن مشاهدة المبدأ الاول ولذا سميت الالحان والنغمات بالملاهي لانها تلهي عن ملاحظة الحق الظاهر في المخلوقات وانما نسب الصرير الى الافلاك لانها المبادي والاصول ومنها نشأت الى غيرها فكلما في غيرها من السفليات فانما هو من ظهورات العلويات ولما كانت المبادي التسعة التي هي الافلاك التسعة كما ذكرنا سابقا مختلفة الاوضاع والنسب واختلافها بالقرب والبعد والسرعة والبطؤ كانت ملاحظة ذلك المبدأ الواحد في تلك الاوضاع القريبة والبعيدة والتنقلات السريعة والبطيئة مستلزمة لظهور النغمات والالحان العجيبة الملهية المطربة وهذه النسب وان كانت كثيرة لا تعد كاختلاف الاصوات والنغمات الا ان كلياتها تجتمع في ستة اطوار الاول حركة وسكون وهو المسمى عند اهل العروض بالسبب الخفيف الثاني حركتان وهو المسمى عندهم بالسبب الثقيل الثالث حركتان وساكن وهو المسمى عندهم بالوتد المجموع الرابع حركتان بينهما ساكن وهو المسمى عندهم بالوتد المفروق الخامس ثلث حركات وساكن وهو المسمى عندهم بالفاصلة الصغرى السادس اربع حركات وساكن وهو المسمى عندهم بالفاصلة الكبرى ويجمعها قولهم كما ذكر الشيخ سلمه الله تعالى : لم ار على ظهر جبلن سمكتن وهذه هي مجمع الاوضاع المتناسبة المتوافقة وما سواها من الاوضاع خارجة عن التناسب الطبيعي مثل خمس حركات وساكن او ازيد فاذا نسبت هذه الاوضاع بعضها مع بعض تستخرج منها الاوزان الشعرية في الالفاظ والكلمات والاوزان الموسيقية في الاصوات والحركات ولا يخرجج منها وزن في حال من الحالات واعم من الحركات الذاتية او العرضية والوصفية فاذا نسبت الاقرب مع الابعد كان ( كانت خ ) حركة الاقرب بالنسبة الى الابعد اكثر فلا اقل من حركتين وحركة فالابعد له حركة والاقرب له حركتان فللابعد سبب خفيف وللاقرب في اول المرتبة سبب ثقيل فكلما تسافل مرتبة فتزيد بحركتين او اكثر او اقل وبهذا الاعتبار قال شيخنا اطال الله بقاه ان حركة فلك زحل سبب خفيف لانها ابعد الحركات وابطئها في السموات السبع وحركة فلك المشتري سبب ثقيل لانها تحتها وحركة فلك المريخ وتد مجموع وحركة فلك الزهرة وتد مفروق لكونها انزل رتبة منها وحركة فلك عطارد فاصلة صغري وحركة القمر فاصلة كبرى لانها اقرب الكواكب واسرعها وانما لم يجعل بازاء الشمس شيء من هذه النسب لان ما من الشمس هو المادة والاصل وما من غيرها من الافلاك هو الصورة والحدود ونسبة حركة الشمس بالنسبة الى سائر الحركات الفلكية نسبة النفس بفتح الفاء الساري في المزمار فالحركات السريعة القريبة هي الزير والحركات البطيئة هي البم والالحان كلها منوطة بهما ولهما احوال واوضاع يطول بشرحها الكلام من ملاحظة الاوتاد مع الاسباب والفواصل مع الجميع او الفاصلتين احديهما مع الاخرى كذلك السببين والوتدين او الاسباب مع الاوتاد والاوتاد مع الفواصل وهكذا واصول الاصوات من الافلاك السبعة لانها هي المنتقلة ( المتنقلة خ ) في الاطوار لكن في الحقيقة انما هي من مجموع التسعة مع الحركات الافلاك الجزئية وهذه النغمات لازمة لتلك الحركات بكل الاوضاع الا ان السامعين يلتفتون الى الوجه المناسب لهم في الحالات والصفات لان الافلاك لما تحركت وقعت على السفليات اشعتها وانوارها الحاملة لصفاتها واحوالها فاستجنت فيها فاذا قوي نضج القوابل السفلية واعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شابه السبع الشداد فيظهر المثال الحاكي لتلك الاحوال فذلك المثال هو العين المبصرة لتلك الانوار والسمع السامعة لتلك النغمات ولذا ترى الصوفية يقولون لا بد للسلاك من استماع الغناء لان النفس مخلوقة من حركات الافلاك والالحان انما هي مأخوذة ومستنبطة من حركاتها فاذا سمعت شيئا منها ذكرت عالمها وتوجهت الى مبدءها فترتفع من حضيض الجهل الى ذروة النور والعلم وهم حفظوا شيئا وغابت عنهم اشياء نعم هذا شأن من ادبر عن ائمة الحق عليهم السلام وانت قد علمت ان الامام عليه السلام جعل صرير الافلاك مما تحجب عن مشاهدة انوار الوحدة ومن هذه الجهة حرم الشارع عليه السلام استماع الغناء لان الاصوات والالحان من حدود الماهية والانية وهي جهات البعد عن المبدأ لانها مقامات الكثرة الممتنعة في المبدأ لانه مقام الوحدة نعم اذا ظهرت انوار الوحدة فغيبت بظهورها الكثرات ومحت الانيات وظهر رجوع الاشياء الى الواحد فهنالك لم تمنع الاصوات والالحان عن المشاهدة والعيان كما قال امير المؤمنين عليه السلام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه ولذا ترى كل هذه الاشياء المحرمة مما اعتراه القبح العرضي لوجود المانع القوي كالغناء وشرب الخمر وامثالهما تحل وتباح في الجنة غير ما هو قبحه ذاتي كالزنا واللواط وقتل النفس وامثالها فالافلاك الجسمية صريرها حسي لكن لا كالاحساس المعروف عند عامة الخلق فان الانسان لما تنزل من تلك العوالم لحقته في كل عالم احوال ذلك ( العالم خ ) وعرف لغة اهله وصفاتهم والحانهم ونغماتهم وتلبس بلباسهم الى ان نزل الى ادنى العوالم واخس المقامات واردى المراتب وهو عالم العناصر الجمادية فانصبغ بصبغها بالعرض وتلبس بها فلما انس بهذا العالم ونسي مركزه واصله كان احساسه البدنية منحصرا فيما يتعلق بهذه العناصر المعروفة ولما ان العناصر اختلط بعضها مع بعض وصيغ للانسان لباس من المختلط لا من البسيط وهو قد قصر نظره في المركب المختلط وما تروح حتى يدرك البسائط كانت ادراكاته الحسية منحصرة في المختلط لا البسيط ولذا تريهم يقولون ان البسائط اي الماء والهواء والنار والارض شفافة لا تدركها الابصار والسر هو ما ذكرنا لك ان مقامهم مقام الكثافة فلا يرون الانوار اللطيفة ولذا احتجبوا عن مشاهدة الوان الافلاك والسموات فان لها الوانا عجيبة غريبة تدهش الناظر عند النظر اليها هي ( بين خ ) صفرة وخضرة وحمرة وبياض وخلط من المجموع كما تقدم مجملها وعن استماع الحان الافلاك ونغماتها وترنماتها وعن استشمام روائحها فان الروايح الطيبة هي اصلها ومنشأها ومنها بدؤها واليها عودها وهي انما تحصل من تصادم الطبايع وهي اصلها من الافلاك فما عند السفليات انما هو من الافلاك فكيف يتصور فقدانها في الافلاك وعن ذوق حلاوة طعومها عند شرب ماء الحوض اي الكوثر حين ما ينصب من العرش الى السماء الرابعة او الى السماء السابعة وقد يتفق هذا الذوق من هذا الحوض لكثير من الناس ممن محض الايمان محضا وهكذا سائر القوى فان في الانسان بدن آخر له حواس تدرك الذي ذكرنا بالحس الظاهر دون الباطن وذلك البدن غيب في البدن العنصري وقد يظهر لاناس كما نقلنا عن فيثاغورس انه كان يسمع صرير الافلاك وانما وضع العلم الموسيقي من ترتيب اوضاع حركاتها وشاهد الوانها وذاق طعومها وشيخنا جعلني الله فداه قد رآها وسمعها وذاقها وقد ارانا شيئا من ذلك وبين لنا كيفية ترتيب الالحان الموسيقية واستنباطها من الافلاك كل ذلك بالمشاهدة من دون سماعه من احد فاذن فالشرائط المعتبرة في ادراك الحواس الظاهرية بالبدن العنصري لا يلزم ان تكون معتبرة في ادراكات البدن السماوي الغائب في البدن العنصري وصرير الافلاك الشبحية والمثالية برزخي يدرك بالحواس الغيبية بمعونة الحواس الظاهرة كاستماع صرير اقلام حملة الكتابة من الملائكة وصب الماء من العرش في الحوض الكوثر وامثالهما وصرير الافلاك النفسية علوم وصور وقوي وسائر الاحوال المتعلقة بالصور من الاوهام والخيالات والافكار وغيرها وصرير الافلاك العقلية معان وتسبيح وتقديس وتنزيه وتحليل وصلوة وصيام وغيرها من انحاء العبادات وهذه الالحان والاصوات ايضا حجاب على ما ذكره سيد العابدين على آبائه وعليه وابنائه الصلوة والسلام في الدعاء الى ان قال عليه السلام ولو اني كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضها ( ارضيها خ ) باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارض دما وصديدا لكان ذلك قليلا من كثير ما يجب من حقك عليّ ولو انك يا الهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق اجمعين وعظمت في النار ( للنار خ ) خلقي وجسمي وملأت طبقات جهنم مني بحيث لا يكون في النار معذب غيري ولا لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلا من كثير ما استوجب من عقوبتك فتدبر في هذا الكلام تجد ما ذكرنا واضحا ظاهرا وصرير الافلاك الفؤادية ومرادنا بالفؤاد هو الوجود الذي يتركب مع الماهية فيحصل منهما العقل لا الفؤاد الذي هو نور الله وآيته وصرير هذه الافلاك ادلة الحكمة وعلم الحقيقة والاسرار الباطنية والمراد بها الاسرار المقنعة بالسر لا مطلق الباطن فانه من صرير الافلاك القلبية ومن صرير هذه الافلاك ان عليا عليه السلام هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وما ظهر من خطاب الشمس له عليه السلام بهذه الكلمات فقالت له السلام عليك يا اول يا آخر ويا ظاهر وباطن ويا من هو بكل شيء عليم فانما هو حكاية ووصف لوصف شمس تلك الافلاك لكنك اعلم ان لصرير تلك الافلاك وجهان وجه علوي فهو كما ذكرنا لك من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من ادنى معانيه ووجه سفلي وهو منشأ غروب شمسها وافول نجمها وظهور ظلمتها وبالجملة كل الافلاك الالف الف لها صرير ونغمات والحان على مقتضى عالمها لكن تلك الاصوات من ( وخ ) مقتضيات انياتها وظهور نسبة بعضها مع بعض فلذا كانت ملهية عن المبدأ الواحد اذ ليس ( ليست خ ) فيه نسبة ولا كيف ولا وضع ولا قرب ولا بعد ولا سرعة ولا بطؤ ولا غير ذلك فمن تفضل الله عليه واشهده خلق نفسه وبلغه الى تلك اللطيفة الالهية ثم يشاهد سريانها في الاطوار والمراتب المتنزلة فهو الممدود بالنصر من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة واتى ( ايتاء خ ) الزكوة ومن قصر نظره الى صرف الحدود فهو من الذين نسوا الله فنسيهم استجير بالله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قوله عليه السلام : لسمع من في السموات والارض رنيم حميم دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة قال شيخنا ومولينا اطال الله بقاه وجعلني فداه : اما السمع فهو عبارة عن ادراك الصوت والصوت يحدث من بين شيئين يكون بينهما قرع او قلع او ضغط فيصدم ما بينهما من الهواء باحد الثلاثة ما يليه ويصدم ما يليه ما بعده بهيئة ما صدمه ما قبله وهكذا يتدافع الهواء بعضه لبعض بهيئة الدفع الاول والدفع الذي حصل بالهواء المتحرك بالقرع او القلع او الضغط يكون بتلك الهيئة في الشدة والضعف والجهر والهمس والرخاوة واللين والقلقلة وما اشبه ذلك من صفات الحروف وامثالها كالدق على القرطاس والنحاس والماء فان هذه الاصوات المختلفة هيئات تلك الحركات الثلث بين جسمين فيخرج من بينهما الهواء حاملا لتلك الهيئات والاوضاع ويدفع ما يليه اي يصدم ما يليه بنحو ما صدمه به الجسمان وهكذا حتى يصل الجزء الاخير من الهواء الى الصماخ من اذن السامع فيصدم تلك الجلدة الرقيقة التي تلي الدماغ كهيئة الطبل بما حمل من الهيئات فتتوجه القوة السمعية عند دق بابها لهيئة الدق فتدرك الصدم الاول بما حمل لها الهواء من هيئاته بتدافعه كما يتدافع ماء الحوض ويكون من جميع الجهات فيسمع كلامك من هو امامك وخلفك ويمينك وشمالك وفوقك وتحتك لانه يتموج الهواء بالصدم الاول مستديرا كما ترى اذا حركت وسط حوض الماء الا انه قد لا تستوي جهات امتداده على الحقيقة وان تساوت في الجملة لان الهواء المدفوع اولا وهو المصدوم الذي يصدم ما وراءه ربما يكون في جهة انبعاثه اطول واظهر واقوى ولا بد من حمل الهواء في حمل الهيئات وما يشابهه في التخلل والسيلان الا انه ضعيف جدا لا يحكيها كما هي الا الهواء ولهذا قد يسمع الدق والصوت تحت الماء بسيلانه وامكان تدافعه ولكنه لا يتميز الصوت لاجل ثقله وبالجملة ليس الحافظ للحروف مثلا العقل او النفس او غير ذلك كما توهمه بعضهم وانما يحملها الهواء اذ هو المجانس لها والمتكيف بها فاذا دق باب السامعة تلقته من وراء الحجاب فاذا دق بابها حفظت صورته بواسطة الحس المشترك المسمى ببنطاسيا فيرفعه الى خزانته الخيال وحفظته النفس وتناول العقل معناه من الصورة النفسية فاذا اراد مالك القرية ابراز ذلك كما وصل اليه امر خدامه فصاغوا اصواتا بهيئات كما وصلها والبس تلك المعاني والصور تلك الهيئات المصاغة على هيئة ما وصله اليه الهواء والاصح ان المسموع هو الصوت القائم بالهواء القارع للصماخ وهو المحسوس لا الصوت القائم بالهواء الخارج عن الاذن وشرط تحقق السماع على كماله توسط الهواء بين السامع وذي الصوت انتهى كلامه جعلني الله فداه وما ذكره من الاحوال كلها راجعة الى السماع في عالم العناصر بالبدن العنصري واما في العوالم الاخر فليست فيها هذه الشرائط ولا يحتاج الى توسط الهواء الا بالمعنى الحقيقي لان الهواء هو الرابطة بين العالي والسافل بل مطلق الرابطة ولما كان السماع فيه حكم التعلق وجب الرابطة وبدونها يستحيل ولما كان العوالم الالف الف وكل عالم فيه اشخاص واهل وكل الاشخاص والاهالي مجتمعة في العالم الانساني كان للانسان الف الف بدن وكل بدن على مثال البدن العنصري المحسوس على حسب ذلك العالم والشخص بذلك البدن سائر في ذلك العالم فان كان قد حبست الابدان كلها في البدن السافل كانت المدارك والمشاعر كلها منقطعة عن تلك العوالم لحكم الاحتجاب فلا يسمع الحانها ولا يبصر الوانها ولا يشم روائحها والا فان وصل الى البدن الاصفى ( الاصلي خ ) في مقام الانسان الحقيقي ظهر كل بدن بجميع قواه ومشاعره المدركة لما في العالم المختص به كما سبق فراجع تفهمه ان شاء الله تعالى فمراد الامام عليه السلام من هذه العبارة انه لولا احتجاب الخلق بظهورات الابتداع في مظاهره ومجاليه وقطع التفاتهم عن مقامات الاختراع وظهور النور الوحداني الساري في كل النشئات الانسانية ولولا حكم التمكين للتمرين ووقوع التعفين ومزج النور بالظلمة ونظر اكثر الناس الى الممتزج او الى الظلمة الصرفة لقويت بنية الخلق وتم نضج قابلياتهم ولشاهدوا الاشياء على ما هي عليه ولعرفوا مبدأ الاختلاف وسر الاختلاف وسبب وقوع الاختلاف والاحكام الثابتة عند الاختلاف ولعرفوا مطلوبية الاختلاف في عين لا مطلوبيته فالمطلوبية عرضية واللامطلوبية ذاتية فقويت الاعراض حتى خفيت آثار الذوات والاصول والحقائق فلا بد للشمس من الغروب والافول لما ذكرنا سابقا من السر الخفي والحكم المخفي لكن لها انين ورنين وترنم عند الغروب عند دخولها في الماء الاسود وهو كرة البخار عند الافق وهو المراد بالعين الحمئة لانها ( هي خ ) الطين الاسود فالماء هو البخار والطين هو الهواء المنبث في كرة البخار فعند اختلاط الطين بالماء يحصل الماء الاسود لغلبة البخار على الهباء او ان المغرب طبعه بارد رطب اما البرودة فلخفاء الحرارة اللازمة للشمس الحاملة لمثال الفاعل واما الرطوبة فلظهور ميل السافل الى العالي لكن العالي قد غاب في السافل باثره كفصل الشتاء فان الحرارة قد توجهت الى الباطن وغابت فيه واحاطت بظاهرها البرودة والرطوبة المختلطة باليبوسة فانسدت المسام وانجمد الشيء فاحتاج الى حرارة اخرى غير ما في الغرائز والطبايع فتكون الغالب آثار البرودة والرطوبة واليبوسة وهي الماء الاسود وهي الماء والطين وهي العين الحمأة وهذا الاختفاء ليس لمغلوبية الشمس او الحرارة بل انما هو تمكين لقابليات الاشياء واعانة لقبولها الفيض من مبدئها وبارئها على مقتضى قبولها حتى يظهر في فصل الربيع والصيف كل بذر ما حمل سكرا كان ام حنظلا فافهم ان شاء الله تعالى وعن امير المؤمنين عليه السلام في عين حامئة في بحر دون المدينة ( التي خ ) مما يلي المغرب يعني جابلقا وعنه عليه السلام لما انتهى اي ذو القرنين مع الشمس الى العين الحامئة وجدها تغرب فيها ومعها سبعون الف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الارض الايمن كما تجري السفينة على ظهر الماء وفسر عليه السلام بالبحر ومن ذلك الانين والرنين قول سيد الساجدين عليه السلام في دعاء يوم الجمعة ويوم الاضحى اللهم ان هذا المقام لخلفائك واصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها وانت المقدر لذلك لا يغالب امرك ولا يجاوز المحتوم في تدبيرك كيف شئت وانى شئت ولما انت اعلم به غير متهم على خلقك ولا ارادتك حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا وفرائضك محرفة عن جهات اشراعك وسنن نبيك متروكة اللهم العن اعداءهم من الاولين والآخرين ومن رضي بفعالهم واشياعهم واتباعهم ه وبهذا الكلام الشريف نختم الكلام ليكون ختامه مسك
قد تم الجزء الاول من شرح الخطبة الشريفة الطتنجية في يوم من شهر ذي قعدة الحرام في سنة ١٢٣٥ ويتلوه الجزء الثاني ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم وظالميهم اجمعين حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير