شرح الخطبة الطتنجية - الجزء ٢

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

شرح الخطبة الطتنجية

الجزء الثاني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد السادس

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني محمد كاظم بن محمد قاسم الحسيني الرشتي ان هذا هو الجزء الثاني من شرح الخطبة الشريفة المشهورة ( بالخطبة خ ) الطتنجية لمولانا وسيدنا وامامنا امير المؤمنين على محمد وعليه وزوجته الصديقة وابنائه المعصومين صلوات الله ابد الآبدين ودهر الداهرين ولعنة الله على اعدائهم ومبغضيهم اجمعين من الاولين والآخرين

قال عليه الصلوة والسلام : ولقد علمت من عجائب خلق الله ما لا يعلمه الا الله

لما بين عليه السلام واوضح مقدار ما يحتمله اولوا الافهام من الخلق من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والمؤمنين الممتحنين وسائر الموحدين من الناطقين والصامتين من اسرار ولاية الله الظاهرة في تلك الذات المقدسة التي هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من تفاصيل مراتب الموجودات الامكانية والكونية على جهة الاجمال والتفصيل والابهام والتبيين والتلويح والتصريح والاشارة والعبارة بما لا يمكن بيان اكمل واتم من ذلك بحيث قطع حجة كل محتج واثبت عذر الخلق وابان عن ( من خ ) سبب تحير الخلق مع وضوح الامر واثبت التحير لاهل الحكمة بايضاح الصبح الظاهر من شمس الازل بقوله عليه السلام انا الآمل والمأمول وازاح التفكر عن اهل الموعظة الحسنة بما قد يعتريهم من السنة المعلولة عن الحدود وان كانت رقيقة بقوله عليه السلام ورأيت الشمس عند غروبها اه وقطع عليه السلام حجة المحتج من اهل المجادلة بالتي هي احسن بقوله عليه السلام ولولا اصطكاك اه على ما دل عليه الكتابان ونطق به اللسان ( اللسانان خ ) كما هو الظاهر لاهل المشاهدة والعيان والاشارة الى ما ذكرنا في قوله عز وجل وآية لهم الارض الميتة احييناها واخرجنا منها حبا فمنه يأكلون الارض هي ارض الجواز وحيوتها ( هي خ ) باشراق نور الرجحان الظاهر من شمس الوجود الراجح عليها والحب المخرج منها هو بحر المحبة وهو ما ذكر ( ذكرنا خ ) من نور الرجحان وهو الوجود المقيد ومثال الالوهية ومجلي الاسماء الحسنى والامثال العليا والكبرياء والآلاء ومن ذلك الوجود اكل كل موجود مشهود ام مفقود وبه امدادهم ومنه استمدادهم وعليه مردهم ومعادهم وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب وفجرنا فيها من العيون الجنات هي العوالم المتحصلة من ذلك الحب في قوله عز وجل فاحببت ان اعرف النخيل هي عالم العقول الى عالم الارواح وهي الى عالم النفوس اي الخلق الاول من عالم الغيب والاعناب هي عالم الطبايع والمواد الى عالم الاجسام بجميع مراتبها وافلاكها وعناصرها وهي الخلق الثاني اي عالم الشهادة والعيون المفجرة ( المنفجرة خ ) هي مواد الامدادات الواقعة على اراضي الاستعدادات على حسبها كما قال عز وجل انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها في العالمين من الغيب والشهادة والعوالم التي تحصل من قران العالمين من ميل الغيب الى الشهادة وميل الشهادة الى الغيب والروابط الحاصلة كلها من انفجار تلك العيون وهي انما تحصلت من ذلك الماء النازل من السماء المستجن في الارض الظاهر بمزج الهباء عيونا مختلفة فالعين الروحاني لاهل عالم الغيب والعين الجسماني لاهل عالم الشهادة وبينهما مراتب كثيرة واحوال عجيبة غريبة فاشار سبحانه وتعالى الى الكون الاول من الكونين وهو الواقعي الاولى فلا اختلاف في هذا الكون ولا اضطراب واشار سبحانه بالضمير المتكلم معه غيره الى ما قال امير المؤمنين عليه السلام انا المتولي دائرتها وما افرودوس وما هم فيه الا كالخاتم في الاصبع فاشار سبحانه الى بدو العالم بعللها واسبابها من الفاعلية والمادية والصورية ولو اردنا شرح كيفية الاشارة لطال الكلام زائدا عما يقتضيه المقام الا انه يظهر مما ذكرنا وما نذكر ان شاء الله تعالى وهذا العالم المشار اليه وهو الواقعي الاولى هو المعاد يوم الآخرة عند رجوع كل شيء الى اصله ثم اشار سبحانه الى العالم النفس الامري الثانوي ومكملات العالم الاول بل ومتمماته ليكون الاول مقصودا بالعرض للثاني فقال عز وجل انما جعلنا هذه العوالم ليأكلوا من ثمره وما عملته ايديهم افلا يشكرون الثمر هو مقتضى الاعمال والميولات الى ما خلقوا لاجله اما شراب طهور من الحوض الكوثر وهو الثاني المكمل للعالم الاول البدئي واما طلع شجر ( الشجر خ ) الزقوم الذي طعام الاثيم كأنه رؤس الشياطين وهذا ان كان في مركزه وفي اصله الذي هو خبال جهنم يكون ايضا كالبدو في الايجاد اذ كل نور لا بد له من ظلمة تقابله وكل جنة لها نار تضاده الا ان كلا منهما في رتبته ومقامه واما اذا جاء حكم الاختلاط واللطخ على ما فسر سابقا فيكون تحصل العالم الثانوي والاحكام هي الاحكام النفس الامرية التي هي الواقعي الثانوي او الثالثي ومن هنا بدو وقوع الاختلاف وظهور النقصان في الوجود من اول ما خرج آدم على نبينا وآله وعليه السلام من الجنة الى يوم قتل ابليس بيد النبي صلى الله عليه وآله وبعد ذلك يرجع العود كالبدو كما بدأكم تعودون وما عملت الايدي على ان ما موصولة هي الاسباب المنتسبة الى القابليات وانحاء الطلبات والثمر هو المسبب والمقتضى اسم المفعول على الحكم الوضعي واليه الاشارة في كلام امير المؤمنين عليه السلام ورأيت الشمس عند غروبها الخ ثم ان الله عز وجل اشار الى العوالم بقسميه من الواقعي والنفس الامري والى مقام التنزيه الذي هو مقام العزة وظهور الولاية بقوله سبحانه سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم الازواج هي مراتب الامكان والاكوان كلها لما اتفقوا عليه من ان كل ممكن زوج تركيبي والارض هي ارض القابليات ومقام الصور والهياكل والهيئات والنفس هي وجه الله ومدد الله واثره وهو مواد الاشياء واقطابها ونقطة دوائرها وهما تفاصيل كيفية خلق الازواج وبهما استقرت الاكوان والاعيان وكل التأثيرات منهما واليهما وهما مجمع الموجودات والخليجان اللذان كل الموجودات جداول وانهار وشرايع منشعبة منهما كما ذكرنا ونذكر ان شاء الله تعالى فتم في هذه الآية الشريفة جميع ما ذكر عليه السلام من اول الخطبة الى هذا المقام ثم لما بين عليه السلام هذه الاطوار والاوطار في الاكوار والادوار اراد عليه السلام ان يشير الى سر وهو ان السافل وان بلغ ما بلغ ما يصل رتبة ظهور العالي ابدا فكل مقام يصل يرى ظهورا ومقاما اعلى وهكذا فلا ينتهي الى حد وهو في مقامه انظر الى الواحد في الاعداد فان العدد في كل مقام يبلغ يظهر الواحد فوقه فيصير بانضمامه اليه رتبة ( مرتبة خ ) اخرى وهكذا الى ما لا نهاية له اذ كل رتبة في الحدود ظهور وجه من وجوه العالي فلا يحصره وهو معنى قوله عليه السلام تدلج بين يدي المدلج من خلقك والمخاطب هو الظاهر للخلق في رتبة الخلق اي الذي هو قطب وجودهم ونقطة دائرة تكوينهم لا الذات البحت سبحانه وتعالى ولا الفعل المطلق ولا المفعول المطلق في المراتب الطولية وانما هو ما تجلى له به كالواحد المدلج بين يدي الاعداد فكل مرتبة يصل اليه العدد يكون الواحد بين يديه فلا يلحق السافل ظهور العالي ابدا وهكذا في كل مقام في معرفة العالي ومعرفة كينونات الاشياء فان الكاتب الابداع بقلم الصنع والاختراع من دواة الجود والعلم في لوح الكائنات والمبدعات يكتب فيما لا يزال فلا جفاف لذلك المداد ولا انقطاع في اللوح من جهة الاستعداد ولا تعب للكاتب لسر الامداد وهذا رزقنا ما له من نفاد كل يوم هو في شأن قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يد الله ( يداه خ ) مبسوطتان ينفق منهما كيف يشاء كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ومع ذلك كله فقد جف القلم بما هو كائن فالعالي وان وصف نفسه ووصف غيره للسافل لكن ذلك الوصف ليس الا ما يقتضي مقام السافل لا مقام العالي والا لكان عبثا فلما وصف عليه السلام الخلق بمراتبه ومقاماته لشيعته اراد ان يبين لهم ان ذلك قطرة من رشح ما طفح منه عليهم كما قال عليه السلام لكميل لما قال اولست بصاحب سرك قال عليه السلام بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني وهذا الرشح هو المداد الذي به يمد الخلق من الانبياء وغيرهم الا انهم يختلفون بالرشح ورشح الرشح ورشح رشح الرشح وهكذا فلا يصلون الخلق نهايات هذا الرشح وان بلغوا ما بلغوا ولما انه عليه السلام اشار الى بعض مقاماته ومراتبه التي جعلها الله عز وجل له لا لغيره وبعض احوال المخلوقات المتقومة بقيومية الله الظاهرة فيه عليه السلام اراد ان يبين لهم مقامه عليه السلام ومقامهم من ان ما ذكرت لكم ليس غاية علمي ومنتهى فهمي ومبلغ ادراكي فقال عليه السلام ولقد علمت من عجايب خلق الله ما لا يعلمه الا الله بيانا لقوله عز وجل خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون فبين عليه السلام انه يعلم ذلك لان الله سبحانه جعله والمعصومين عليهم السلام اعضادا لخلقه واشهادا عليهم وحفظة وروادا وبهم ملأ سماءه وارضه حتى ظهر ان لا اله الا هو كما قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه كما يأتي ان شاء الله لذلك زيادة بيان واما قوله عليه السلام ولقد علمت اه فله معنيان كلاهما مرادان احدهما ان ما يعلمه عليه السلام من عجايب بدايع الخلق وصنوف غرائب احوالهم لا يعلمه احد من الخلق سواه عليه السلام وسوى الائمة الطاهرين من ولده عليهم السلام فان المشية الكلية ( الكونية خ ) قد تعلقت بحقيقتهم فهم على طبقها في الاكوان كل واحد مساوق للآخر كالكسر والانكسار وكالحديدة المحماة بالنار ولا اريد بالحديدة هي الحديدة المعروفة وانما هي قابلية ظهور النار فيها والمعروفة حاملة لها كالزجاجة للمرآة والى سر ما ذكرنا اشار الحق في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن وذلك العبد هو تلك الحقيقة المقدسة التي هي قصبة الياقوت لقولهم عليهم السلام نحن محال مشية الله والسنة ارادته وترجمان وحيه وهذه المشية الظاهرة في هذه الحقيقة المقدسة لها وجوه ورؤس كثيرة يتعلق كل وجه بكل فرد من افراد الموجودات من ذات او صفة وذلك الرأس هو مشية الله الخاصة بذلك الفرد ولهذه المشية الخاصة اثر في حقيقته هو قطبها ونقطة دائرة وجودها ومحل الامدادات الواردة عليها بجمع انحائها واحوالها في قواها ومشاعرها وذلك القطب هو متقوم بذلك الرأس وهو حرف باضافته الى الفعل المطلق وهو كلمة كلية انزجر لها العمق الاكبر جامع لكل تلك الحروف والخلق بجميع افراده كلمة واحدة وكل فرد منه حرف منها على طبق الفعل لانه هي الربوبية والمفعول هي العبودية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية لكن كل مفعول يحكي الوجه المختص به من الفعل الكلي كالكتابة بالنسبة الى حركة يد الكاتب ولذلك الرأس وجوه كثيرة باعتبار تعدد جهات المفعول باعتبار اسبابه وشرائطه ومقوماته من الوجود والماهية والزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف والوضع والاجل والكتاب والاذن وغير ذلك ونهايات تلك الاشياء المذكورة واعراضها واشعتها الى انقطاع وجوداته كل واحد متعلق بوجه مختص به من ذلك الرأس المختص بذلك الفرد من الفعل الكلي نسبة كل وجه الى ذلك الرأس كنسبة ذلك الرأس الى الفعل الكلي فهذه حروف لهذه الكلمة والكلمات الجزئية حروف للكلمة الكلية ولما كان الشيء لا يتجاوز مبدئه ولا يقرأ الا حروف نفسه كان كل فرد من افراد الموجودات يحكي مثال ذلك الوجه الخاص به على مقتضى هيئة كينونته لا غير في معرفة العالي واما معرفة سائر الموجودات وتطوراتها فبقدر سعته لان مداركه كلها متقومة بالمدرك الاعلى وهو ذاته وحامل ظهور ذلك الوجه كالضرب لضرب والقيام لقام والقعود لقعد وهكذا ومن نوره يستنير كل قواه ومشاعره فكلها في الادراك تحت الاعلى ولا شك انه لا يساوي الكل ولا البعض لعدم المادة الكلية والمدد الكلي وانما هو يقدر الاشياء على ما هو عليه لا على ما هي عليه كما هو الظاهر المعلوم فانك اذا قابلت مرايا عديدة فكل مرآة انما تحكي ظهورك على ما هي عليه لا على ما هو عليه وكل منها لا يدرك ولا يوصف ظهورك او غيرك من امثاله من سائر المرايا ولا تعرف الواحدة ما عليه الاثنان من حيث هما كالضرب فانه لا يحكي الا الضارب والنصر لا يحكي الا الناصر والقيام لا يحكي الا القائم وهكذا كل اثر من الوجه الخاص من الفعل الكلي لا يحكي الا ذلك الوجه الخاص فلا يحيط كل واحد بالمجموع وما عليه من معرفة اوائل جواهر العلل وسائر المعلولات وهكذا الحكم بالنسبة الى صفة الصفة وشعاع الشعاع فان الخطب فيه اعظم اذ نسبة ذلك الوجه الى الشعاع والصفة كنسبة الفعل الكلي اليه وهكذا الى ترامي سلسلة الموجودات في الشعاعية والوصفية الى نهاياتها فهيهنا مقامان :

احدهما نسبة قوة ذلك الوجه في المعرفة والادراك الى ذلك الفرد وهذه النسبة نسبة الواحد الى السبعين وهذا الكلام تقريبي لكن هذه عبارة عن الحقيقة لسهولة الحصر والعد والا فكل واحد يرتقي الى ما لا نهاية لان الوجه من عالم السرمد والاثر من عالم الدهر ولو فرضنا سرمديته لكنه متأخر عن علته الف دهر كما روي عنهم عليهم السلام وكل دهر مائة الف سنة وهكذا في سائر النسب من قوة الكم والكيف والنورانية والقوة وغيرها والرتبة الثانية التي هي رتبة الشعاع نسبتها الى ذلك الوجه ملاحظة جميع تلك النسب المتقدمة اي ضربها في نفسها فان كانت سبعين ضربها في مثلها وان كانت مائة الف كذلك في مثلها بل ربما اقول يتضاعف الثانية بالضرب في نفسها سبع مرات فيبلغ الى امر عظيم فيكون للثانية واحدة من المجموع وهكذا الرتبة الثالثة فيتضاعف المجموع هناك بالضرب سبع مرات فتكون الثالثة واحدة من المجموع وليس لي الآن اقبال ضبط هذه الاعداد مع انه لا فائدة فيه اذ المطلوب هو الاشارة الى نوع المسألة لا استقصائها بحدودها فانه لا يمكن في مثل هذا الشرح وهذا الذي ذكرنا هو حكم القوة والضعف في الشيء الواحد الثابت للوجه وذي الوجه الخاص به في مقام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فاذا قال الامام عليه السلام زيد قائم وقلت انت زيد قائم فاعلم ان نسبة قولك الى قوله عليه السلام في الدقة واللطافة والمعنى المدلول عليه والمفهوم منه والمعنى به نسبة الواحد الى مضروب مائة الالف ( المائة الف خ ) في نفسها سبع مرات ثم كذلك انظر وتأمل وتدبر فيه اعرف مقامك ومعرفتك بالنسبة الى الامام عليه السلام فسلم له كلما يقول لان الانبياء وجوه واشعة لهم عليهم السلام والانسان وجه وشعاع للانبياء كما ذكر غير مرة ولذا قال عليه السلام اني لاتكلم بكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج وقالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان هذا في الرتبة الجامعة وقال في مقام الفرق ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتى الملك المقرب والنبي المرسل والمؤمن الممتحن قيل فمن يحتمله قال عليه السلام نحن وفي رواية من شئنا فلا يطمعن طامع معرفة كلامهم وتحمل ظهور المعاني المطوية فيه اذ كما ان لهم عليهم السلام مع شيعتهم وغنمهم مقامان مقام اجتماع مع الانسان في النفس الناطقة القدسية ومع الانبياء فها ايضا على الحقيقة الاولية ومقام افتراق في النفس الملكوتية الالهية التي هي ذات الله العليا وشجرة طوبى كما مر كذلك لكلامهم عليهم السلام فيفهم العوام ظواهر ( ظاهر خ ) ما ظهر لهم من الاشعار والاصواف والاوبار والخواص والخصيص يفهمون بواطنه على حسب مقامهم ومرتبتهم الى ان ينتهي كونهم وينفد وجودهم ونظروا في معانيه بعين الفؤاد الى ما لا نهاية له فبكل نظر ياتيهم معنى جديد لم يكن وهو قوله عليه السلام زكى اي طرى ابدا فلا ينتهي الى حد فاذا انتهت اكوان هذه المرتبة وانقطعت وجوداتهم اتى مقام الانبياء عليهم السلام في النظر فيه ( فيهم خ ) على مراتبهم ومقاماتهم الكثيرة العظيمة في اطوار الظاهر والباطن وباطن الباطن وهكذا الى المراتب السبعة او السبعين فتنقطع وجوداتهم عند ظهور الكروبيين الذين هم رجال من شيعة امير المؤمنين عليه السلام ثم يرجع كلامهم عليهم السلام اليهم ما عرف احد حقيقة المراد منه وهو قوله تعالى وبئر معطلة فافهم ومع ذلك نقول انهم عليهم السلام يحيطون بظاهر القرآن وباطنه وباطن باطنه فلا يشذ عنهم منه شيئا لان القرآن انما نزله روح القدس على قلب النبي صلى الله عليه وآله باذن الله عز وجل وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقهم الباكورة وهي اول الثمرة فالقرآن تجلي الله عز وجل لهم عليهم السلام في مقام قلبهم واين قلبهم من فؤادهم الذي هو حقيقتهم والقرآن هو تفاصيل مقامات التوحيد واركانه وشرائطه في العوالم الثلثة عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك ومجمع الكل هو قوله لا اله الا الله فانزل الله عز وجل على فؤاده بكلمته لا اله الا الله وعلى قلبه صلى الله عليه وآله بروح القدس معاني القرآن وحقائقه المعنوية وعلى صدره بالروح الذي هو من امر الله هذه الصور والهيئات المعروفة قال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وهم الائمة صلى الله عليهم وعلى لسانه صلى الله عليه وآله بواسطة جبرئيل عليه السلام هذه الالفاظ المخصوصة فهو وامير المؤمنين والطيبون من اولادهما عليهم السلام يحيطون بحقيقة القرآن وان تجددت الاحكام الكونية والوجودية بتجدد الصنع على مقتضى كل يوم هو في شأن فيه كالمرآة مثلا اذ كلما يحصل مقابل تظهر صورته فيها لكن تلك الاحكام انما تنشأ منهم وتعود اليهم صلوات الله عليهم كشعاع الشمس بالنسبة اليها وليست للقرآن حقيقة خارجه عن حقيقة ذاتهم وشؤناتها فتصل اليها مداركهم ومشاعرهم ولا كذلك كلماتهم الشريفة بالنسبة الى غيرهم فاذا تكلموا بكلام فله حقيقة ومعنى عندهم عليهم السلام يريدونها ثم ينزل نور تلك الحقيقة وذلك المعنى وذلك اللفظ ايضا الى الانبياء عليهم السلام فيسمعون اللفظ باسماعهم ويدركون المعاني بقلوبهم واذهانهم والحقيقة بافئدتهم وذواتهم ثم ينزل نور من المراتب الثلثة الى الرتبة الانسانية فيسمع من ارادوا عليهم السلام ما ارادوا من المعاني والحقايق الظاهرة لهم بهم فاذا قالوا عليهم السلام الماء طاهر او الماء اذا بلغ كرا لم ينجسه شيء فقد تكلموا ونطقوا به قبل خلق الخلق مقدار ما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض كما ذكرنا سابقا من التحديد القليل الذي حدده امير المؤمنين عليه السلام ثم استغفر الله عن التحديد بالقليل وسمع الانبياء ذلك الصوت قبل خلق الخلق بالف دهر وهو مائة الف سنة وسمع اهل الرتبة الانسانية كل واحد في زمانه ومكانه مثلا نحن الآن سمعنا ذلك القول الذي قالوا عليهم السلام بعينه واهل زمان حضورهم عليهم السلام سمعوه في ذلك الوقت والذي يأتي بعد ذلك بالف سنة يسمعه بعينه في مكانه وزمانه فيدركون معناه قبل خلق السموات والارض بسبعمائة سنة ويعرفون حقيقته قبله بما لا نهاية له من المدد لانها كلها منقطعة عندها وتلك الحقيقة قشر قشر قشر القشر بالنسبة الى ما عرف الانبياء ومعرفتهم قشر قشر قشر القشر بالنسبة الى مرادهم عليهم السلام وقولي قشر لا اريد به الذي هو قشر اللب لتجمعهما رتبة واحدة الا ان اللب اشرف واقوى وانما المراد به القشر بمعنى الظاهر الذي هو الاثر والنور فلا يلحق رتبة المؤثر المنير ابد الآبدين ودهر الداهرين واين الثريا من يد المتناول وقد قال الشاعر واجاد في مدح النبي صلى الله عليه وآله :

انما مثلت صفاتك للناس كما مثل النجوم الماء

فالذي يريدون من كلامهم صلى الله عليهم لا يصل اليه احد من الخلق وانما يعرفون اي الانبياء جزءا من مائة الف جزء من ظاهر مرادهم كالنور من المنير فان مداركهم من عقولهم وحقايقهم بالنسبة اليهم كالنور للمنير فانظر ماذا ترى وهكذا نسبة ما فهمه الشيعة بالنسبة الى الانبياء عليهم السلام فلا يصل احد من الخلق غور علومهم ومعاني كلامهم وحقيقة مرادهم وهو قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع الخ ( الزيارة خ ) وانقطاع الطمع في كلما ينسب اليهم عليهم السلام من ذواتهم وصفاتهم ومقاماتهم وعلومهم ومعارفهم في كل شيء من الاشياء وكل جزئي من الجزئيات فماوصل ( مما وصل خ ) الى الخلق قطرة من بحار رشح علومهم واسرارهم فادركوا ما لم يدركه احد وفهموا ما لم يفهمه خلق ولا شك ان الذي لا يفهمونه بالنسبة الى ما يفهمونه غريب عجيب عندهم فغرائب علومهم عليهم السلام لا يعلمها الا الله عز وجل

وثانيهما نسبة ذلك الوجه الى الوجه الكلي بالنسبة الى الفعل المطلق الكلي وهو ( هي خ ) نسبة الواحد الى ما لا نهاية له فان الوجه ظهور منه وذلك الظهور لا نهاية له في الوجود من البدو والعود انظر الى القيام مثلا بالنسبة الى جميع الآثار الصادرة عن الشخص فانه لا يدرك شيئا منها سواه وشؤناته فلا يعرف القعود ولا الاكل ولا الشرب و( لا خ ) الضارب وغير ذلك وانما انحصر ادراكه ومعرفته في القيام والقائم خاصة فما احقر واقل نسبة قيام زيد الى الفعل المطلق منه بخلاف قلب زيد فانه حامل لجميع الظهورات والآثار والاحكام فلا يصدر شيء من زيد الا بالحركة القلبية ثم الحركة النفسية ثم الحركة الجسدية من العضلات والشرائين والغضاريف ثم الظاهرية من اللسان واليدين والرجلين وامثال ذلك فاذا صح وثبت ان محمدا واهل بيته صلى الله عليهم اجمعين محال مشية الله والسنة ارادته وتراجمة وحيه فلا يبرز شيء في الوجود الا بهم ومنهم وعنهم ( عليهم خ ) صلوات الله عليهم فهم المحيطون بكل دائرة الاكوان وكلها عندهم كالنقطة في الدائرة وكالدرهم بين يدي احدكم فالانبياء عليهم السلام لما خلقوا من شعاع انوارهم كانت علومهم بالنسبة الى علوم ائمتنا عليهم السلام نسبة المتناهي الى الغير المتناهي ولذا ورد في الحديث ما معناه ان موسى وخضر لما اجتمعا وكانا على ساحل البحر اذ نظرا الى طير على ساحل البحر قد اخذ بمنقاره قطرة من ماء البحر فرمي بها نحو المشرق واخذ قطرة اخرى ورمي بها نحو المغرب واخذ قطرة اخرى ورمي بها نحو السماء واخذ قطرة اخرى ورمي بها في البحر فتحير موسى وخضر في امره وما عرفا المراد منه اذ رأيا صيادا على ساحل البحر فقال لهما ما بالكما متحيرين قالا عليهما السلام في امر الطير وما فعله فقال ذلك الصياد ان الطير يريد بذلك ان نبيا يبعث في آخر الزمان له وصي علمكما وعلم من في المشرق وعلم من في المغرب وعلم من في السماء وعلم من في الارض بالنسبة الى علمه كنسبة القطرة الى البحر المحيط ه‍ وهذا المثال تقريبي وتعبيري اذ لا تمكن العبارة الا هكذا والا فالامر اعظم واعظم وقد قال مولينا الصادق عليه السلام لو حضرت موسى وخضر لاخبرتهما باني اعلم منهما ه‍ والمراد بهذا الحضور هو الحضور الحسي الصوري في اللباس البشرى والا فما تقوما الا به وآبائه وابنائه عليهم السلام وهذه الاعلمية كما تقول الله اعلم فانه سبحانه صرح بالامر في حديث رواه شيخي واستادي جعلني الله فداه عن النبي صلى الله عليه وآله ان يهوديا اتى اليه صلى الله عليه وآله فقال يا محمد بلغ من امرك الى ان تقول اني نبي واني افضل من موسى وعيسى فقال صلى الله عليه وآله يا يهودي اما قولك اني نبي فهو كذلك واما قولك اني افضل من موسى وعيسى فلا ينبغي ان اصغر ما عظمه الله في حقي ولقد اوحى الى ربي ان فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق فتدبر في هذا الحديث تجد فيه ما لا تسعه الدفاتر ونسبة الانسان الى الانبياء في المعرفة والعلم نسبة الانبياء اليهم عليهم السلام فاذا كان ما عند الانبياء عليهم السلام وجه من وجوه تجليهم فيهم بهم كالقائم بالنسبة الى القيام والقاعد بالنسبة الى القعود وهم عليهم السلام محل مشية الله فلا يظهر منها شيء الا بهم من كل الوجوه فما ظنك بسائر الخلق ونسبة علومهم وافهامهم وادراكاتهم اليهم عليهم السلام فقد علموا من عجائب خلق الله عز وجل وغرائب صنعه وايجاده ما لا يعلمه الا الله لانهم عبيد مربوبون نسبتهم وكل الخلق اليه سبحانه نسبة الكلام الى المتكلم وما احقر الكلام بالنسبة الى المتكلم فالخلق كلهم من العلل والمعلولات كلمة واحدة تكلم الله عز وجل بها بظهور فعله وحدوث صنعه ولذا قال عليه السلام ان الغلاة صغروا عظمة الله عز وجل فهم سلام الله عليهم مع ما هم عليه من الجلالة والسلطنة والهيمنة في كل حال من الاحوال فقراء محتاجون لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا لكنهم لما تمحضوا في الفقر والعبودية ولاذوا بباب رب العزة فشرفهم الله وعظمهم ومنحهم ما لم يمنح به احدا من الاولين والآخرين فقد نالوا بفضل الله ما لم ينله احد وبلغوا الى ما لم يبلغ اليه مخلوق وعلموا ما لم يعلمه احد من الخلق فقد علموا من عجائب خلق الله ما لا يعلمه احد الا الله لان عندهم سلام الله عليهم الاسم الذي رواه الكليني في الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على اربعة اجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر فاظهر منها ثلثة اسماء لفاقة الخلق اليها وحجب واحدا منها وهو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك وتعالى وسخر سبحانه لكل اسم من هذه الاسماء اربعة اركان فذلك اثني ‌عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسما فعلا منسوبا اليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق البارئ المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلثمائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الاسماء الثلثة وهذه الاسماء الثلثة اركان وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة وذلك قوله تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى ه‍ فاذا كانت الاسماء كلها ظاهرة مفصلة من ذلك الاسم الواحد كانت المسميات ايضا كذلك لما قد قدمنا مرارا ان المسمى هو الظاهر بالاسم لا بالذات ولما كانت الاشياء كلها قائمة بالاسماء في مقام التفصيل والاجمال والاسماء بذلك الاسم الواحد وذلك الاسم عند محمد واهل بيته عليهم السلام كانت الاشياء كلها حاضرة لديهم يرونها ويشاهدونها وكل شيء عند جزء من ذلك العلم فلهم الكل والكلي ولما سويهم الجزء والجزئي واين الجزئي من الكلي واين الجزء من الكل فاذا ثبت وصح لك هذا الامر الضروري فسلم الامر لهم تسليما ولا ترد شيئا مما يرد عليك مما ينسب اليهم من غير دليل الا لعدم الفهم والمعرفة لانك ما اوتيت العلم الا قليلا وروى الكليني في الكافي عن ابي بصير قال دخلت على ابي ‌عبد الله عليه السلام فقلت جعلت فداك اني اسئلك عن مسألة هيهنا احد يسمع كلامي قال فرفع ابو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا بامحمد سل عما بدا لك قال قلت جعلت فداك ان شيعتك يتحدثون ان رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليّا بابا يفتح له منه الف باب قال فقال يا بامحمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله عليّا عليه السلام الف باب يفتح من كل باب الف باب قال قلت هذا والله العلم قال فسكت ( فنكت خ ) ساعة في الارض ثم قال عليه السلام انه لعلم وما هو بذاك قال ثم قال يا بامحمد وان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك وما الجامعة قال صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله واملاءه من فلق فيه وخط على بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس اليه حتى الارش في الخدش وضرب بيده الى فقال لي تأذن لي يا بامحمد قال قلت جعلت فداك انما انا لك فاصنع ما شئت قال فغمزني بيده وقال حتى ارش هذا كأنه مغضب قال قلت ان هذا والله العلم قال انه لعلم وليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال وان عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر قال قلت وما الجفر قال وعاء من ادم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل قال قلت ان هذا هو العلم قال عليه السلام انه لعلم وليس بذلك ثم سكت ساعة ثم قال وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام قال قلت وما مصحف فاطمة عليها السلام قال عليه السلام مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد قال قلت هذا والله العلم قال عليه السلام انه لعلم وما هو بذاك ثم سكت ساعة ثم قال ان عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن الى ان يقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال انه لعلم وليس بذاك قال قلت جعلت فداك فاي شيء العلم قال عليه السلام ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الامر والشيء بعد الشيء الى يوم القيمة ويأتي لهذا الحديث بيان ان شاء الله تعالى في الكافي ايضا عن سدير قال كنت انا وابو بصير ويحيي البزاز وداود بن كثير في مجلس ابي عبد الله عليه السلام اذ خرج الينا وهو مغضب فلما اخذ مجلسه قال يا عجبا لاقوام يزعمون انا نعلم الغيب ما يعلم الغيب الا الله عز وجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فماعلمت في اي بيوت الدار هي قال سدير ( فلما ظ ) ان قام من مجلسه وصار في منزله دخلت انا وابو بصير وميسر وقلت له جعلنا فداك سمعناك وانت تقول كذا وكذا في امر جاريتك ونحن نعلم انك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك الى علم الغيب قال فقال يا سدير الم تقرأ القرآن قلت بلى قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك قال قلت جعلت فداك قد قرأته قال عليه السلام فهل عرفت الرجل وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب قال قلت اخبرني به قال عليه السلام قدر قطرة من الماء في البحر الاخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب قال قلت جعلت فداك ما اقل هذا فقال يا سدير ما اكثر هذا ان ينسبه الله عز وجل الى العلم الذي اخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل ايضا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال قلت ( قد خ ) قرأته جعلت فداك قال فمن عنده علم الكتاب كله افهم ام من عنده علم الكتاب بعضه قلت لا بل من عنده علم الكتاب كله قال فاومأ عليه السلام بيده الى صدره وقال عليه السلام علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله عندنا ه‍ الكتاب في الظاهر هو اللوح المحفوظ وفي الباطن هو عليّ عليه السلام والذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وصى سليمان على نبينا وآله وعليهما السلام وقد وصف عليه السلام هذا العلم بما وصف من قلته وضعفه بما وصف وذلك العلم هو الاسم الاعظم وذلك هو ظهور ما استودع في سر آصف من نور الولي عليه السلام الذي هو ظهور اسم الله وهو بقدر سم الابرة وقوله عليه السلام وعلم الكتاب والله كله عندنا لانه عليه السلام من حقيقة عليّ عليه السلام لقد ولده عليهما السلام في الظاهر والباطن فهم حقيقة واحدة عند كل واحد ما للآخر وعلمهم عليهما السلام على انحاء كثيرة نذكرها فيما بعد ان شاء الله تعالى وانما افرد الضمير عليه السلام واتى بصيغة المتكلم وحده في قوله عليه السلام ولقد علمت بناء على ان الحصر حقيقي لا اضافي لان الائمة عليهم السلام كما ذكرنا لهم مقامان مقام تفصيل ومقام اجمال وجمع ففي المقام الثاني يطلق على المجموع الحقيقة المحمدية وهو قوله عليه السلام كلنا محمد اولنا محمد وآخرنا محمد صلى الله عليه وآله فاذن حقيقتهم واحدة وقولهم واحد وحكمهم واحد فالحقيقة الواحدة تخاطب باربعة عشر لسان كلها تنسب ما تقول الى نفسه فالظهورات المختلفة لتلك القصبة في اربعة عشر عقدا كظهور النار في اربعة عشر سراجا فالحقيقة واحدة والظهورات مختلفة وعلة الاختلاف في تلك الحقايق المقدسة ضعيفة جدا لا تكون سببا لاختلاف الآثار والاحوال كما في ظهور الانسان في زيد وعمرو فان علة الاختلاف فيهما قوية فلا يجري على احدهما حكم الآخر ولا كذلك اختلاف حقائق الائمة عليهم السلام بل جميع الاحوال الجارية على احدهم عليهم السلام هي الجارية على الآخر فاذا نسبت اليه صدقت ولذا ورد عنهم عليهم السلام انهم رخصوا شيعتهم ان يسندوا الحديث الذي قاله احدهم عليهم السلام الى الآخر فتقول ما قال الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقال امير المؤمنين عليه السلام وهكذا بالعكس لان الاختلاف فيهم ضعيف وحكم الاتحاد والوحدة جار عليهم على الحقيقة فعلى هذا مفاد الافراد والجمع واحد فان ( معنى خ ) قوله عليه السلام علمت هو معنى قوله عليه السلام علمنا فافهم والمقام الاول اي مقام التفصيل ملاحظة جهة الاختلاف وان كانت ضعيفة فان الاختلاف يستلزم القرب والبعد وزيادة التركيب وقلتها وامثال ذلك فحيث كانوا عليهم السلام كلمة واحدة تكلم بها الحق عز وجل فانزجر وانقاد لها كل شيء وكانت الكلمة متفاوتة الحكم في النقطة والالف والحروف واجتماعها على الهيئة المناسبة للمعنى المطلوب وكان الالف ظاهرا من النقطة ومنبسطا عنها والحروف متقطعة من الالف والكلمة مجتمعة من الحروف كانت مراتبهم عليهم السلام تختلف في عالم التفصيل فيكون رسول الله صلى الله عليه وآله هو النقطة التي يدور ( تدور خ ) عليها الكلمة كما قال صلى الله عليه وآله انا الشجرة وعليّ اصلها وفاطمة فرعها والائمة اغصانها فهو صلى الله عليه وآله القطب الذي يدور عليه الرحى وهو المنتجب من البحبوحة وعليّ صلوات الله عليه هو الالف المنبسط من النقطة كما قال عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء فهو عليه السلام محل الانبساط والظهور بالشؤن والاطوار وحامل اللواء والحروف المنشعبة منه هم الائمة عليهم السلام ولذا جرت الحكمة في تولدهم عليهم السلام منه عليهم السلام فهو ابوهم ظاهرا وباطنا ولذا كان عليه السلام امير المؤمنين يمير المؤمنين الذين هم الائمة عليهم السلام العلم والامامة والولاية وغيرها من الاحكام والاحوال والكلمة الجامعة هي مولاتنا فاطمة عليها السلام لان الائمة عليهم السلام كلهم قد اجتمعوا فيها وتفجروا منها عليها السلام كما في تفسير قوله تعالى واذ استسقى موسى وهو رسول الله صلى الله عليه وآله لقومه اي لامته فقلنا اضرب بعصاك الحجر وعصا هي عليّ عليه السلام والحجر هو فاطمة عليها السلام فانفجرت منه اثنتي ‌عشرة عينا هم الائمة عليهم السلام فهم عيون قد تفجرت من ذلك الحجر فاذا كان كذلك فعليّ صلوات الله عليه هو المتفرد بالعلم التفصيلي حقيقة اما سائر الائمة وفاطمة عليهم السلام فعنه عليه السلام اخذوا واليه استندوا فهو مولاهم وسيدهم واما رسول الله صلى الله عليه وآله فظهرت تفاصيل علومه في عليّ عليه السلام لانه الطائف حول جلال القدرة ويأتي ان شاء الله تعالى بيان هذه المسئلة في محلها فعليّ عليه السلام هو المتفرد بمعرفة عجائب العلوم وغرائبها في المقامات التفصيلية وفي قوله عليه السلام علمت اشعار الى ذلك فان العلم مقام النفس والنفس الكلية انما ظهرت فيه عليه السلام فهو اللوح المحفوظ والكتاب المسطور وكل شيء احصيناه في امام مبين وكل شيء احصيناه كتابا وقال تعالى اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماء فافهم

قال عليه الصلوة والسلام : وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الاول مع من تقدم مع آدم الاول

اقول هذا تتميم لكلامه السابق وبيان وتفصيل له او ان هذا جامع القول وخلاصة ما تقدم من ذكر العوالم والاكوار والادوار او انه بيان للرياسة الكبرى والسياسة العظمى والدرجة القصوى وجامع مظاهر الصفات والاسماء واما ان الامام عليه السلام يعرف ما كان وما يكون فمما لا اشكال فيه لمن نظر في الاخبار بصحيح الاعتبار واستعمل العقل المستنير بنور الله عز وجل وجانب العناد واللجاج فمن الاخبار ما في الكافي عن سيف التمار قال كنا مع ابي عبد الله عليه السلام وجماعة من الشيعة في الحجر فقال عليه السلام علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر احدا فقلنا ليس علينا عين فقال عليه السلام ورب الكعبة ورب البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لاخبرتهما اني اعلم منهما ولانبأتهما بما ليس في ايديهما لان موسى والخضر عليهما السلام اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة وفيه عن عدة ( من خ ) اصحابنا منهم عبدالاعلي وابوعبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا اباعبد الله عليه السلام يقول اني لاعلم ما في السموات وما في الارض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون قال ثم مكث هنيئة فرأي ان ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله عز وجل ان الله عز وجل يقول فيه تبيان كل شيء وفيه عن ضريس الكناسي قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول وعنده اناس من اصحابه عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا ائمة ويصفون ان طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكبرون ( يكسرون ظ ) حجتهم ويخصمون انفسهم بضعف قلوبهم فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من اعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا اترون ان الله تبارك وتعالى افترض طاعة اوليائه على عباده ثم يخفي عنهم اخبار السموات والارض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم وفيه عن ابي حمزة قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول لا والله لا يكون عالم جاهلا ابدا عالما بشيء جاهلا بشيء ثم قال عليه السلام ان الله اجل واعز واكرم من ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وارضه ثم قال عليه السلام لا يحجب ذلك عنه وفي الحديث المتقدم عن الصادق عليه السلام انه قال ان عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفيه عنه عليه السلام في وصف مصحف فاطمة عليها السلام الى ان قال عليه السلام اما انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون وفي الصحيفة السجادية يا من خص محمدا وآله بالكرامة وحباهم بالرسالة الى ان قال عليه السلام وعلمهم علم ما كان وما بقي وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم الدعاء وفي القرآن المجيد عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقال عز وجل ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وعن الباقر عليه السلام في حديث ليلة القدر على ما في الكافي ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى به لم يهبط حتى اعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر وكذلك كان عليّ بن ابي طالب عليه السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليلة القدر كما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله الى ان قال ( قال قال خ ) السائل يا باجعفر ارأيت النبي صلى الله عليه وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه قال عليه السلام لا يحل لك ان تسأل عن هذا اما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي الا والوصي الذي بعده يعلمه اما هذا العلم الذي تسئل عنه فان الله عز وجل ابى ان يطلع الاوصياء عليه الا انفسهم الحديث وامثالها من الاخبار كثيرة وهذه الاخبار عامة تدل على ان عندهم سلام الله عليهم علم ما كان وما يكون وهنا اخبار اخر تدل على انهم عليهم السلام يزدادون في كل يوم جمعة وفي كل يوم وفي كل آن ودقيقة وقد قال عز وجل ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ولا شك ان المراد بالعلم ليس هو الذات البحت عز وجل اذا جعلت المستثني متصلا كما هو الاصل فيه واما اذا جعلته منقطعا فالمعنى انهم عليهم السلام لا يحيطون بعلمه الذاتي لكنهم يحيطون بما شاء الله من علمه الحادث الفعلي وهو الذي في الكتاب وهذا الكلام له وجهان احدهما انهم عليهم السلام يحيطون ما شاء الله بالمشية الامكانية والكونية معا وثانيهما انهم عليهم السلام يحيطون بما شاء الله بالمشية ( الكونية خ ) ويؤيد الثاني بل يحققه ويرجحه قوله تعالى قل رب زدني علما فان الاستزادة عن الذات البحت مستحيلة وعما عنده قبيحة فيجب امر دون الامرين اي لا يكون ذاته تعالى ولا يكون ما عنده وانما ما استجن في الامكان فلا تصح ارادة المعنى الاول من الآية في الكافي عن ابي ‌يحيى الصنعاني عن ابي عبد الله (ع) قال قال لي يا بايحيى ان لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن قال قلت جعلت فداك وما ذاك الشأن قال عليه السلام يؤذن لارواح الانبياء الموتى عليهم السلام وارواح الاوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين اظهركم ( اظهرهم خ ) يعرج بها الى السماء حتى توافي عرش ربها فتطوف به اسبوعا وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين ثم ترد الى الابدان التي كانت فيها فتصبح الانبياء والاوصياء قد ملؤا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير وفيه عن المفضل قال قال لي ابو عبد الله عليه السلام ذات يوم وكان لا يكنيني قبل ذلك يا باعبد الله قال ان لنا في كل ليلة جمعة سرورا قال قلت زادك الله وما ذاك قال عليه السلام اذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافى الائمة عليهم السلام معه ووافينا معهم فلا ترد ارواحنا الى ابداننا الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لانفدنا وفيه ايضا عن يونس او المفضّل عن ابي عبد الله عليه السلام قال ما من ليلة جمعة الا ولاولياء الله فيها سرور قلت كيف ذلك جعلت فداك قال اذا كان ليلة الجمعة وافي رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافي الائمة ووافيت معهم فما ارجع الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي وفيه عن زرارة قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول لولا انا نزداد لانفدنا قال قلت تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله قال اما انه اذا كان ذلك عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم على عليّ عليه السلام ثم انتهى الامر الينا وفي الحديث المتقدم عن ابي بصير الى ان قال عليه السلام ان عندنا علم ما كان وما هو كائن الى ان تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال عليه السلام انه لعلم وليس بذاك قال قلت جعلت فداك فاي شيء العلم قال عليه السلام ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الامر والشيء بعد الشيء الى يوم القيمة وفيه عن سماعة عن ابي عبد الله (ع) قال ان لله تبارك وتعالى علمين علما اظهر عليه ملائكته وانبيائه ورسله فما اظهر عليه ملائكته ورسله وانبياءه فقد علمناه وعلم استأثر به فاذا بدا لله في شيء منه اعلمنا ذلك وعرض على الائمة الذين كانوا من قبلنا وفيه ايضا عن ضريس قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ان لله عز وجل علمين علم مبذول وعلم مكفوف فاما المبذول فانه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل الا نحن نعلمه واما المكفوف فهو الذي عند الله عز وجل في ام الكتاب اذا خرج نفد وعن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول قال عليه السلام وكان والله محمد ممن ارتضياه واما قوله تعالى عالم الغيب فان الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل ان يخلقه وقبل ان يقضيه الى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده اليه فيه المشية فيقضيه اذا اراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فاما العلم الذي يقدر الله عز وجل ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الينا وفيه عن عمار الساباطي قال سألت اباعبد الله (ع) عن الامام يعلم الغيب فقال لا ولكن اذا اراد ان يعلم الشيء اعلمه الله ذلك وعنه عليه السلام ان الامام اذا شاء ان يعلم علم ه‍ والاحاديث في هذه المضامين كثيرة

فاذا سمعت بعض الاخبار مما يحضرني الآن فاسمع ما ذكره القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة اعني شيخنا واستادنا اطال الله بقاءه وجعلني فداه في شرح الزيارة الجامعة عند قوله عليه السلام وخزان العلم قال سلمه الله تعالى : العلم الذي هم خزانه العلم الحادث وهو علم موجود بالمعنى المتعارف وهو قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء يعني ان ما لم يشأ من علمه ان يعلموه لا يحيطون به وليس المراد بهذا العلم الذي لا يحيطون بشيء منه هو القديم الذي هو الذات ليكون المعنى ولا يحيطون بشيء من ذاته الا بما شاء ان يحيطوا به منها وهذا معنى باطل بل المراد به شيئان احدهما ان العلم الحادث الذي هو غير الذات منه ممكن مقدور غير مكون ومنه تكوين ومنه مكون فالممكن المقدور غير المكون هو الممكنات قبل ان تكسي حلة الوجود في جميع مراتب الوجود فهذه لم تكن مشاءة الا في امكانها فهذا لا يحيطون بشيء منه احاطة وجود ويحيطون به احاطة امكان لانه اذ ذاك مشاء مشية امكان والتكوين الممكن وهذا يحيطون به لانه مشاء بنفسه وهم محال ذلك والمكون قسمان مكون مشروط ومكون منجز والمكون المشروط يحيطون به لانه مشاء ولا يحيطون بالشرط الا بعد ان يكون مشاء والمكون المنجز يحيطون به ثم ما كان يحيطون به قسمان قسم كان وهم عليهم السلام يحيطون به انه كان ولا يحيطون به انه مستمر او منقطع الا احاطة اخبار وقسم لم يكن فهم يحيطون به احاطة اخبار لا احاطة عيان فظهر لمن نظر وابصر من هذا التفصيل انهم عليهم السلام لا يحيطون بشيء من علمه الذي هو غير ذاته الا بما شاء ان يحيطوا به والذي شاء ان يحيطوا به ما سمعته في هذا التفصيل فافهم وثانيهما ان ما احاطوا به وعلموه لم يكونوا علموا شيئا منه الا بتعليم الله سبحانه ولم يكن تعليمه لهم انه اعلمهم ورفع يده عنهم فيكون ذلك الشيء لا يحتاج الى الله تعالى الله عن امكان استغناء شيء عنه علوا كبيرا بل ما علموه انما هو بتعليم الله لهم في لحظة بمعنى انهم اذا علموا ان غدا تطلع الشمس ان شاء الله م املكوا من هذا العلم شيئا الا لحظة علمهم بذلك حين علموا لا قبلها ولا بعدها ولم يعلموا بعد تلك اللحظة ما علموه من ان الشمس تطلع غدا ان شاء الله الا بتعليم جديد من الله تعالى كما هو حال المحتاج الى الغني المطلق وذلك التعليم الدائم القائم حين يكون هو ما شاء الله وهو الذي يحيطون به وهو ما ملكوه من العلم فافهم فانه دقيق لطيف رشيق والعلم الذي هم خزانه هو هذان الشيئان من العلم على نحو ما ذكرنا لا غير انتهى كلامه اطال الله عمره واعلى الله مقامه

وانا اجمل لك المقال واشرح به حقيقة الحال بكلام موجز مختصر فخذه قاعدة كلية فاعرف منها معنى علم الامام عليه السلام بما كان وما يكون الى انقضاء الوجود فاقول اعلم ان الله عز وجل لم يزل متفردا متوحدا ولم يكن معه سبحانه شيء والآن على ما عليه كان اذ لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا بل اوليته عين آخريته وظاهريته نفس باطنيته ( وخ ) مشهوديته عين مفقوديته وخفاءه عين ظهوره ثم خلق محمدا واهل بيته الطيبين الطاهرين اولا قبل كل شيء واكمل خلقتهم واتم نورهم صلى الله عليهم اجمعين ثم هم يعبدون الله عز وجل كما عبدوه باعمالهم وافعالهم واقوالهم وحركاتهم وسكناتهم وسائر احوالهم وشؤنهم وتلك الاعمال والافعال والعبادات ليست صادرة عنهم بالاستقلال او ( اذ خ ) لا دخل لهم فيها ليستلزم الاجبار وانما ذلك بسر الامر بين الامرين كاعمالك واقوالك وحركاتك وسكناتك مثل قيامك وقعودك واكلك وشربك وكتابتك وسائر اعمالك فان كلها اشياء وجودية قد تقومت بك وبيدك ناصيتها الا ان الاشخاص تختلف في صدور الاعمال عنهم باختلاف القدرة من قوتها وضعفها وذلك الاختلاف من جهة اختلاف كينونات العاملين بقابلياتهم ولذا ترى الملائكة تحرك الجبال والارض كلها وتدير الافلاك بامر الله واذنه واقتداره وانت ما تقدر على ذلك وليس ان الملائكة مجبورون في ذلك او انت مجبور فيما ذكرنا لان الجبر قد سبق منا انه عبارة مفهومية لا حقيقة لها في الواقع وان كانت لها حقيقة في نفس الامر فاذا اتقنت هذا فاعلم ان الموجودات كلها بسمواتها وارضها ( ارضيها خ ) وعرشها وكرسيها وملائكتها وجنها وحيوانها ونباتها وجمادها وكل ما يحصل من قراناتها واوضاعها وجميع ما يرى وما لا يرى ومن يتقلب في الجنة والنار وحقيقتهما وحقايق ( حقيقة خ ) الانبياء وسائر ما خلق الله عز وجل كلها على العموم الاستغراقي الحقيقي اللغوي لا العرفي مختارة في صدور الافاعيل المنسوبة اليها واما الافعال التي صدرت عن الله بها وبواسطتها فليس لها الا حكم التوسط فلا تنسب اليه على الحقيقة كالخلق والرزق وليست هي مختارة في الايجاد وانما هي اسباب وابى الله ان يجري الاشياء الا باسبابها ولما ثبت ان محمدا واهل بيته عليهم السلام هم الباب الاعظم والسبب الاتم اوجد الله الموجودات بهم في جميع احوالهم فالامام هو العلة والسبب وليس نسبة الخلق اليهم كنسبة اعمالك وحركاتك وسكناتك بل نسبتهم اليه كنسبة الافعال الالهية الى الملك فهو عليه السلام حامل اللواء والذات في الذوات للذات فالعالم كله بيته الذي بناه الله ( عز وجل خ ) بقدرته وكلما في العالم آلات البيت التي احدثها على حكم المقتضيات والاوضاع انشأ الله مادتها باختراعه لا من شيء وصورتها لا بشيء ( لشيء خ ) فهو روحي فداه صاحب البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله فخره وسيده والله من ورائهم محيط فهم عليهم السلام ليسوا شيئا الا بالله عز وجل فلا عمل لهم الا به وبامره كما قال عز وجل لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فظهرت قدرة الله عز وجل فيهم فتحملوا اوامره ونواهيه واحكامه الوجودية والشرعية كلها كما قال في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فهم وسعوا جميع احكام ( الاحكام خ ) الربوبية فظهرت بهم احكامها ولما تمحضوا في العبودية ودكوا جبال الانية بلغوا مقام الحديدة المحمية فصار فعلهم فعل الله وقولهم قول الله وحكمهم حكم الله وامرهم امر الله ونهيهم نهي الله كما قال الله عز وجل من يطع الرسول فقد اطاع الله ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم ولما كان الحق سبحانه هو الثابت المستقل الموجود الدائم الباقي فلا تنسب الاشياء في كل احوالها الا اليه فلا يعبد الا اياه ولما كانت الاشياء متقومة بهم ومبدئة بهم وصادرة عن الله لهم عليهم السلام وهم عليهم السلام لا ينظر اليهم نظر الاستقلال صارت التعبيرات تختلف بالنسبة اليهم عليهم السلام فمرة يعبر عنهم باليد ومرة بالقدرة ومرة بالعلم ومرة بركن التوحيد ومرة بالجلال ومرة بالجمال ومرة بالعظمة ومرة بالرحمة ومرة بالوجه ومرة بالجنب ومرة بالاسم ومرة بالمعنى وهكذا من سائر التعبيرات ومرجع كل ذلك الى ما ذكرنا لك من سر الامر بين الامرين فاذا صح ان الموجودات كلها آثار الله الصادرة عن الله عز وجل بالامام عليه السلام فوجودها كلها عنده كالنقطة في الدائرة لانه لها كالقطب بالنسبة الى المحيط ولا شك ولا ريب ان المحيط عالم بجميع جهات المحاط مما احدثه الله ومما يحدثه فيما بعد وكل ذلك حاضر عنده موجود لديه لانه الباب الذي لا يؤتى الا منه وفي الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد الزيارة فالذوات والحقايق باسرها صدرت عن الله تعالى بهم فهم باب الفيض في الصدور والورود بالنسبة الى كل موجود والموجودات كلها اعراض قائمة بهم عليهم السلام فهم عليهم السلام بهذا الاعتبار يعلمون علم السموات والارض وما كان وما يكون الى يوم القيمة والى ما لا نهاية له لانهم وجه الله الذي لا تعطيل له في كل مكان ويده المبسوطة بالبر والامتنان ورحمته الواسعة وقدرته الكاملة الشاملة فيعلمون ما يكون حين ما كان قبل ان يكون ولما كان الوجود دائم الفيضان ودائم التجدد والسيلان كانوا عليهم السلام يزدادون في العلم في كل آن من الامور المتخصصة في الاكوان المتنزلة ( المنزلة خ ) مطلقة من بحر الامكان فلا يعلمون عليهم السلام الا ما ظهر مكونا في عالم الاعيان واما الامكان فيعلمونه على ما هو عليه من عدم التخصص والتعين ولما كان ظهور الحق عز وجل لهم قبل كونهم في عينهم فهو سبحانه اقرب اليهم بما لا نهاية له في بعده عنهم كذلك فعلم سبحانه الخلق في اماكنهم ورتبتهم ( رتبهم خ ) قبل خلقهم وقبل وجودهم عليهم السلام بما لا نهاية له ولما كان ظهورهم عليهم السلام للخلق كذلك كان تعليم الله سبحانه اياهم حقائق الخلق من المستقبل والماضي والحال قبل كون الخلق وعينهم بما لا نهاية له في رتبة وجودات الخلق لا قبلها فنسبتهم عليهم السلام الى الخلق نسبة واحدة وكل الخلائق عندهم عليهم السلام نقطة واحدة فيرون كل شيء في مكانه ووقته قبل وجوده حين وجوده لان التقديرات الزمانية والتقدم والتأخر السيالين الغير المجتمعين مرتفعة عندهم فالمستقبل عندهم ( عليهم السلام خ ) عين الماضي والماضي عين الحال ومعنى ذلك رفع الماضي والحال والاستقبال فالوقت الذي عرفوا القيمة الكبرى مثلا هو الوقت الذي عرفوا وجود آدم ابينا عليه السلام لان زمانهم عليهم السلام سرمد بالنسبة الى الانبياء وزمان الانبياء سرمد بالنسبة الينا والسرمد انقطعت عنده النهايات والبدايات والجهات الدهرية والدهر انقطعت عنده كل المدد الزمانية وكلها عنده كنقطة واحدة فالاشياء كلها في جميع احوالها من المضي والاستقبال حاضرة لديهم معلومة لهم ويشاهدونها حين وجودها وصدورها من المبدأ ولذا قد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بجميع الاشياء حين خلقه الله عز وجل ودخل الجنة والنار والحسين صلوات الله عليه ارى ام‌سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله مقتله ومذبحه ويوم شهادته وحال شهادته وشهادة الشهداء المستشهدين بين يديه وسبي النساء وساير الاحوال وهو صلوات الله عليه في المدينة فالاشياء كلها مما جرى عليه قلم الابداع على حكم الاختراع مما يصح في الحكمة ان يبرز في الوجود كلها قد صار عندهم وتحقق لديهم سلام الله عليهم وثبت في اللوح المحفوظ الذي لم يتغير ولم يتبدل قال عز وجل واجل مسمى عنده وهذا معنى قولهم عليهم السلام ما معناه ان الله عز وجل خلق القلم وامره ان يكتب في اللوح فكتب ما كان وما يكون ثم جف ولم ينطق ابدا والى هذا الذي ذكرنا من السر المنمنم يشير قوله عليه السلام وعرفت ما كان وما يكون فهم عليهم السلام يشاهدون الاشياء بمراتب سياليتها وتدرج مراتبها ومقاماتها الى نهايات انقطاع وجوداتها على التفصيل حين وجوداتها قبل ان تخلق بالف الف دهر وهذا باب غامض يدركه اهل الافئدة ولذا لما سأل السائل عن ابي جعفر الباقر عليه السلام عن ان النبي صلى الله عليه وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه قال عليه السلام لا يحل لك ان تسأل عن هذا اما علم ما كان وما سيكون ( يكون خ ) فليس يموت نبي ولا وصي الا والوصي الذي بعده يعلمه اما هذا العلم الذي تسأل فان الله عز وجل ابى ان يطلع الاوصياء عليه الا انفسهم الحديث فافهم والقلم الذي كتب ما كان وما يكون ثم جف هو عقلهم عليهم السلام وهو روح القدس الذي يأتي في ليلة القدر عند الامام عليه السلام وهذا الروح قد قالوا عليهم السلام فيه روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وهذا العلم الثاني هو ظهورات العلم الاول في مراتب تنزلاته حسب سيالية الاشياء في مراتبها وحسب مقابلتها لفوارة القدر فليلة القدر هي ليلة الجمعة التي قد تقدم في الحديث انهم عليهم السلام يزدادون فيها وليلة الجمعة هي الآن والآنات التي يزدادون فيها اذ مواد العلم لا تنقطع عنهم صلى الله عليهم والايام والاسبوع منقطعة دونهم وفوارة الفيض الذي هو العلم دائم الفوران عليهم لكنا نحن عندنا الايام والاسبوع والسنة فيقدر ذلك النور فيها على حسبها كنداء الملك الذي على نصف النهار ينادي قوموا على نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها بصلوتكم وهذا هو صوت واحد غير منقطع على دائرة نصف النهار فاهل كل بلدة يحاذونها سمعوا صوته ووجبت عليهم صلوة الظهر وكذلك العصر والمغرب والعشاء والصبح على هذه الاوقات وليست هذه الاوقات عند الملك ولا عند الفلك وانما هي بالنسبة الى اهل الارض وكذلك ليلة القدر فانها ليلة افاضة الفيض عليهم عليهم السلام من فوارة القدر الذي هو بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان والحيات في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير ولا انقطاع لفوران تلك الفوارة ابد الآبدين وذلك الفوران على تلك الاراضي الطيبة والقابليات الراجحة التي كادت ان تضيء ولو لم تمسسها نار التأثير بماء الاثر يسمى مرة بليلة القدر انما سمى بالليلة لان ذلك النور اي الفيض اي العلم الذي هو النقطة قد ظهرت في تلك الهياكل والحدود الطيبة الطاهرة فكانت ليلة وانما سميت بالقدر بمعنى الضيق اشارة الى تهجم تلك الانوار وتطابق ظهور الاسماء واجتماعها كلها في تلك الحقائق المقدسة الطاهرة والملائكة مظاهر تلك الاسماء ويسمى مرة بليلة الجمعة اما الليلة فلما اشرنا اليه سابقا واما الجمعة فلاجتماع القوابل مع المقبولات واتصال الاسماء بالمسميات والاسباب بالمسببات ويعبر عنه بظهور العلم في كل الآنات في جميع الدقائق والساعات لسريان ذلك النور في جميع المراتب وكل الاطوار في كل الاحوال وانما عينت ليلة القدر بليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان اما شهر رمضان فلكونه مبدأ الشهور واول السنة جرى له حكم المبدئية ولذا وجب احترامه وصيامه اما العشر الثالث منه اما على الظاهر فلان العوالم ثلثة عالم الجبروت وهو العشر الاول منه وفيه الفيوضات الواردة على العقول وعالم الملكوت وهو العشر الثاني منه وفيه الفيوضات الواردة على النفوس وما بعدها وعالم الملك وهو العشر الثالث وفيه الفيوضات الواردة على الاجسام من العلوية والسفلية وعالم الظهور هو الثالث والمبدء هو الاولان فلا يتحقق الا بهما واجراء الاحكام عليهما فوجب ان يكون لاهل العالم الثالث الرتبة الثالثة فلذا كان في العشر الثالث واما في الحقيقة ليعم الحكم في كل عام ( عالم خ ) فلان المبدأ له ثلث جهات جهة الى الاعلى والثانية الى نفسه والثالثة الى شؤنه واطواره وظهورات آثاره والفيض في عالم التفصيل والتمييز والظهور الفعلي مشروح العلل مبين الاسباب لا يكون ولا يتم الا في الرتبة الثالثة فجري حكم ليلة القدر في العشر الثالث مقترنا ومرتبطا بالثاني وانما ظهرت ليلة القدر في ثلث ليال وكملت في الثالث لان تمام الشيء من المبدأ لا يكون الا بعد ايجاد عينه وتقدير حدوده والقضاء اي الحكم عليه بما هو عليه من تلك الحدود فالمقام الاول مقام المشية وبدو الارادة والمقام الثاني مقام القدر اي الهندسة ووضع الحدود والمقام الثالث مقام القضاء ومقام في اي صورة ما شاء ركبك فكان تمام الفيض في هذه المقامات الثلثة وهي الكليات التي اذا فصلت ظهرت السبعة ايام الاسبوع قال عليه السلام لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك وانما كانت ليلة تسعة عشر الاولى المبدأ لانها مقام الواحدية واول ظهور المشية قبل التعلق الذي هو عبارة عن اتمامها بالاحدية وتلك الليلة مقام بسم الله الرحمن الرحيم في الكتاب التكويني فظهر الظاهر مطابقا للباطن فان المشية هي الذكر الاول وهذا مبدأ وجود الشيء لا يترتب عليه حكم ولا يظهر منه اثر الا بما بعده من المراتب والحدود ثم ليلة احدى وعشرين لان الواحدية اذا تمت بالاحدية ظهرت الكاف المستديرة على نفسها ثم اثرت في الرتبة الثانية فليلة العشرين مقام ظهور الكاف وليلة احدى وعشرين مقام التأثير في التقدير او قل ان ليلة تسعة عشر بازاء المشية والعشرين في مقام الارادة وحكمها في الليلة الاخرى وهي رتبة القدر وتقدير الآجال والارزاق ووفد الحاج وامثالها او قل ان ليلة احدى وعشرين اول البدو في العشر الثاني وليلة تسعة عشر لمقام الارتباط والثالث والعشرين لتمام المراتب وظهور شكل المثلث الذي هو ابو الاشكال وهو شكل ابينا آدم على محمد وآله وعليه السلام فافهم وانما ظهرت ليلة الجمعة ويومها في آخر الاسبوع او في اليوم السادس لظهور التسبيع والتسديس في كل شيء كما قال عز وجل خلق السموات والارض في ستة ايام واليوم السادس مقام الاجتماع وتمام الامر والسابع كماله وظهوره مشروح العلل مبين الاسباب وهذا الحكم يجري في كل شيء من الموجودات العلوية والسفلية واما عالم الاجسام اي العناصر لما كان عالم الزمان الغليظ الكثيف ظهر نور القضاء في ذلك اليوم ولذا كان عيدا لنبينا صلى الله عليه وآله وبالجملة لا تنافي بين ما ذكروا عليهم السلام ان عندنا علم ما كان وما يكون على مقتضى الاخبار الكثيرة المستفيضة وبين ما قالوا عليهم السلام انا نزداد في كل ليلة الجمعة وما قالوا انا نزداد في كل آن وما قالوا ان الملائكة يأتيهم ليلة القدر بجميع ما يحدث في تلك السنة فان المراد من ما يكون من المحتومات لا المشروطات والموقوفات وذلك للدليل القطعي على انهم عليهم السلام حادثون والحادث لا يستغني عن المدد اذ لو جاز ان يستغني آنا لجاز الاستغناء الى الابد كما يأتي مشروحا ان شاء الله تعالى فالمدد الذي يأتيه لو كان هو الذي عنده كان تحصيلا للحاصل ثم لا يتصور الاتيان وهو المفروض فلو لم يكن عنده كان ممكنا في حقه ان يأتيه اذ لا يصح ان يأتيه شيء من الازل تعالى عن ذلك علوا كبيرا فيجب ان يكون في الامكان فيأتيه اشياء ليست عنده فاذا ثبت حدوثهم عليهم السلام وانهم مخلوقون مربوبون فيجب ان يأتيهم اشياء ليست عندهم وهو قوله تعالى قل رب زدني علما وقال صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا فعلى هذا وجب ان نقول ان عندهم عليهم السلام علم ما كان لانه لا يكون شيء الا واشهدهم الله خلقه فلا يوجد الا بمشهد منهم عليهم السلام ولا يعمل عبد عملا الا وقد يعرض عليهم عليهم السلام لانهم المناة المقدرون لاحوال الخلايق والاعضاد الذين بهم قوام الاشياء بموادها وصورها فلا يشذ عنهم شيء موجود قد تعلق به الجعل واما علم ما يكون فان المحتوم منه الذي لا مرد له يعلمونه بتعليم الله عز وجل واما ما سوى ذلك من الامور الممكنة فانها تتجدد عليهم دائما يفيض عليهم من بحر الامكان الى ساحل الاكوان والاعيان وهم عليهم السلام حملة ذلك الفيض وذلك العلم وعلم ما في قعر بحر الامكان ليس الا عند الله عز وجل فيخبرهم ما شاء واحب من ذلك وذلك هو علم الغيب كما قال عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول والمرتضى من محمد صلى الله عليه وآله هو عليّ عليه السلام ولذا سمى بالمرتضى وقال عز وجل وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وهذا العلم الذي يأتيهم لا غاية له ولا نهاية له نهر يجري ( من خ ) تحت جبل الازل على اراضي قلوبهم الى ابد الابد فيظهر ذلك في العالم الزماني بالمكمم ( المكمم خ ) بهذه المقادير المخصوصة بالنسبة الى اهله واما بالنسبة اليهم عليهم السلام فليلة القدر هي ليلة الجمعة كما ذكرنا الا ترى انه من جهة اختلاف الآفاق يكون ليلة في بلدة جمعة وفي اخرى السبت وفي اخرى الاحد وهكذا وكذا ليلة القدر اي الليالي الثلثة تختلف باختلاف البلدان باختلاف الآفاق فدل ذلك على ما ذكرنا من وحدة الامر النازل في ليلة القدر واختلافه بالقوابل قال تعالى وما امرنا الا واحدة وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فافهم وليس الغيب ما توهمه بعض الناس من انه الاخبار بما في القلوب والضماير وامثال ذلك فان ذلك غيب اضافي لا حقيقي والموجودات دقيقها وجليلها ومجردها وماديها كلها حاضرة لديهم مشهودة لهم فلا تغيب عنهم لانهم عليهم السلام وجه الله الذي لا تعطيل له في كل مكان والخواطر انما نزلت الى الاوهام والاذهان بعد ان نزلوها عليهم السلام من خزائنها المقدرة لها والمستقبلات كلها حاضرة عندهم يرونها ويشاهدونها في اماكنها واوقاتها فلا يخفى عليهم شيء من احوالها فلا ينبغي لاحد ممن له تتبع في الاخبار وتعمق نظر واعتبار ان يشك ان عندهم عليهم السلام كلما برز في عالم الكون فاذا سألهم السائل عن شيء لا بل اذا اتاهم من قبل السؤال يعلمونه بجميع احواله وما يريد ان يسأله وما الذي تقتضي المصلحة في حقه وامثالها لان ذلك ليس بغيب عندهم عليهم السلام وانما هو شهادة وعيان فلا تشمله ما دل على انهم لا يعلمون الغيب فان قلت فما معنى الحديث المتقدم عن ابي عبد الله عبد الله عليه السلام ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا يزعمون انا نعلم الغيب ولقد هممت بضرب جارية مني فانحادت ولم ادر في اي زاوية من البيت هي الحديث فان ذلك مخالف لما قررت من انهم عليهم السلام يعلمون جميع ما تحلي بحلية الكون ويدل ايضا على ان المراد بالغيب الذي لا يعلمونه هو الغائب عن الابصار من احوال القلوب والضمائر والخفايا والخبايا قلت ليس المراد من الحديث الشريف ظاهره لدلالة عجز الحديث عليه وهو صريح في انه كان منه (ع) ( منه عن خ ) تقية من الذي كان في مجلسه فان معنى الحديث ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا اي المخالفون يؤذوننا في ضعفاء الشيعة لتأذيهم منهم فينا يزعمون اي العامة انا نعلم الغيب يحتمل ان يكون ضمير المتكلم راجعا الى العامة المخالفين يعني يزعمون انفسهم انهم يعلمون الغيب اي الاسرار والبواطن والامور المغيبة عن الخلق حتى انهم يقولون ان ابا بكر وعمر اوتيا علما لم يؤت رسول الله صلى الله عليه وآله من الاسرار وغوامض العلوم ووصل اليهما العلم من الله عز وجل بدون توسط النبي صلى الله عليه وآله من العلوم المكتومة وكما قال ايضا بعضهم لو شئت لاوقرت سبعين جملا من تفسير الحمد لله رب العاليمن في مقابلة قول عليّ عليه السلام لو شئت لاوقرت سبعين جملا من تفسير باء بسم الله وامثال ذلك مما يدعون بمحض الدعوى ويحتمل ايضا ان يكون ضمير المتكلم راجعا اليهم عليهم السلام والزعم هو ركوب مطية الكذب والخيال الباطل والظن وشبهه يعني انهم في شك وارتياب في انا نعلم الغيب وليس كذلك بل يجب اليقين والاعتقاد في ذلك وقوله عليه السلام ولقد هممت بضرب جارية مني فانحادت المراد بالضرب هو النوع وكانت له عليه السلام جارية عامية اراد عليه السلام ان يجعلها من نوع شيعته ومواليه فماقبلت وقوله (ع) ولم ادر في اي زاوية من البيت هي يعني ما ابالي في اي طريقة تموت يهودية او نصرانية هذا هو مراد الامام عليه السلام ولا تقل انه بعيد لانا نقول انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وانهم عليهم السلام يتكلمون بالكلمة ويريدون منها احد سبعين وجها ومثل هذا الحديث كثيرا ما يقع عنهم عليهم السلام في مورد التقية كما اشتهر عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال ان ابا بكر وعمر كانا امامين عادلين كانا على الحق وماتا على الحق ورحمة الله عليهما وقالوا ايضا من فضل عليّا على عمر فقد كفر وامثالها كثير ولا يمكن ارادة ظاهر هذه الاحاديث على ما يفهمه العوام فان المراد من الاول انهما كانا امامين من الائمة الذين يدعون الى النار ويوم القيمة هم من المقبوحين عادلين عن الحق والصراط المستقيم كانا على الحق الحق هو عليّ عليه السلام لقوله تعالى وانه لحق اليقين وعلى للضرر يعني انهما كانا دائما على ضرر عليّ عليه السلام وايصال الاذية اليه عليه السلام وماتا على الحق كالاول رحمة الله عليهما يعني رسول الله صلى الله عليه وآله على ضررهما واهانتهما في الدنيا والآخرة والمراد من الحديث الثاني ان تفضيل شيء على شيء فرع ان يكون في المفضل عليه فضيلة فاثبات التفضيل لاحد على احد اثبات الفضيلة في الآخر وذلك كفر فيما نحن فيه كما قال الشافعي شعرا :

يقولون لي فضل عليّا عليهما وكيف اقول الدر خير من الحصى

الم تر ان السيف يزري بحاله اذا قيل ان السيف خير من العصا

فان قلت ان ارتكاب التقية خلاف الاصل وخلاف الاصل انما يصح اذا قام الدليل القطعي عليه كما في الحديثين الآخيرين واما فيما اذا لم يقم فلا فيجب حمل الكلام على ظاهره قلت بلى لكن في عجز الحديث قرينة صريحة في ذلك حيث قال عليه السلام كل علم الكتاب عندي والله سبحانه يقول ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وفيه تفصيل كل شيء وتبيان كل شيء وكل شيء احصيناه في امام مبين وكل شيء احصيناه كتابا فاذا ثبت ان في الكتاب كل شيء ثبت انهم عليهم السلام يعلمون كل شيء فاذا اثبت هذا المعنى في آخر الحديث ثبت ان اول الحديث لا يخالف آخره فصح ما ذكرنا فان قلت قد تواترت الاخبار عنهم عليهم السلام بانهم لا يعلمون الغيب وورد اللعن على من ادعى ذلك والتكذيب على من يدعيه فلا تنطبق على ما ذكرت قلت نحن نقول بموجبها ونتبرأ ممن ينسب الغيب اليهم عليهم السلام لكن على المعنى الذي ذكرنا من ان المراد بالغيب الذي لم يكن ولم يكتس حلة الكون وهو في الامكان معدوم العين مشروط الوقوع وهذا لا يعلمونه ولا يحيطون به والا لساوي علمهم علم الله جل شأنه ولاستغنوا عن المدد وخرجوا عن الامكان لان المحيط بكل احوال الشيء لا يمكن ان يكون معه في رتبته وهو علم خاص بالله سبحانه وهو الاسم الذي اختص به عز وجل من الاسم الاعظم كما ورد ان الاسم الاعظم ثلثة وسبعون اسما اثنان وسبعون عندنا وواحد يتفرد به القديم عز وجل وذلك الاسم هو الشمس المضيئة تحت قعر بحر القدر كما روي عن امير المؤمنين عليه السلام الى ان قال عليه السلام في قعره شمس تضيء لا يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وكلما خرج من هذا العلم الى الوجود فيصل اليهم صلى الله عليهم الا ما كان من المحتومات التي لا يقع فيه البداء كما سبق او نقول انهم عليهم السلام لا يعلمون شيئا الا ما علمهم الله عز وجل فلا يعلمون شيئا بدون تعليمه تعالى وهو احد معاني قوله ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ولا اختصاص له بالغيب بل يدخل فيه العلم بان السماء فوقنا والارض تحتنا وامثاله ايضا لكن ابى الله عز وجل الا ان يعلمهم علمه لانهم عيبة علمه وحفظة سره ومستودعوا حكمته وحملة كتابه كما قال عز وجل وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء كما تقدم فان قلت اذن فما معنى قوله عليه السلام ان الله تفرد بخمسة وهي ما في الآية الشريفة ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت قلت معناه ان الله عز وجل تفرد بها مستقلا لكنه سبحانه ارتضاهم وعلمهم ذلك اما علم الساعة فانه عليّ عليه السلام كما في قوله عز وجل لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيك يا عليّ ستة خصال من الانبياء وذكر فيهم ( منهم خ ) عيسى بن مريم فقال المنافقون انه يحب ان نعبد ابن عمه كما عبدت النصارى المسيح فانزل الله عز وجل ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون وقالوا ءآلهتنا خير ام هو ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني ‌اسرائيل وهم آل محمد عليهم السلام ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها والضمير لا يخلوا اما ان يرجع الى عليّ عليه السلام او الى عيسى وهما مرادان فعليّ عليه السلام في الباطن وعيسى عليه السلام في الظاهر ولا شك ان عيسى مثال لعليّ عليه السلام فهو انما صار علم الساعة لظهور النور العلوي عليه السلام فيه وقوله تعالى وعنده علم الساعة يعني عليّ عليه السلام هو الذي عنده كما قال عز وجل ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون وقال مولينا الصادق عليه السلام نحن الذين عنده وقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب والمفاتيح هم آل محمد عليهم السلام ثم اعلم ان قوله تعالى وعنده علم الساعة ان اريد بها القيمة الكبرى او الصغرى اي قيام القائم عليه السلام والرجعة والاحوال الجارية فيها وتفاصيل ما يقع فيها فلا شك ان عليّا عليه السلام هو متوليها ومجري احوالها وبيده لواء الحمد كما قال عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وان اريد بها زمان وقوع الساعة ووقت قيامها فان ذلك لم يوجد ولم يحتم وهو بعد في عالم الامكان مشروط متوقف ولذا قال تعالى يسئلونك عن الساعة ايان مرسيها فيم انت من ذكريها الى ربك منتهيها وقال عز وجل يسئلك الناس عن الساعة قل انما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا وقد قلنا انهم عليهم السلام يعلمون ما هو موجود في الاكوان وما سيكون من محتومات الامكان وكذلك القول في باقي الاربعة فان نزول الغيث ما يمكن الا بهم عليهم السلام كما في الزيارة وبكم ينزل الغيث والمبادي كلها عندهم والمفاتيح بيدهم صلى الله عليهم فيعلمون اوان نزوله قبل نزوله حين نزوله بتعليم الله عز وجل فافهم واما علم ما في الارحام ففي الزيارة عن الحجة عليه السلام انا سائلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض الى ان قال وعندكم ما تزداد الارحام وما تغيض ه‍ كيف وان الولد لا يتكون في بطن الام الا بعد اقراره بولاية عليّ عليه السلام والائمة او انكاره اياهم ليخلق سعيدا او شقيا لان الشقي من شقي في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امه واما علم المنايا فقد تواترت اخبارهم وشهدت آثارهم عليهم السلام بان عندهم علم البلايا والمنايا والوقايع لكنهم عليهم السلام في كل هذه العلوم مسبوقون متعلمون من امر الله وصنعه ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاءه ( شاء خ ) وكل علومهم في كل احوالهم متجددة كما قال مولينا عليّ عليه السلام لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهذا دليل على انهم يعلمون الاشياء كلها في مراتبها ومقاماتها لكنهم ليسوا بمستقلين حتى يثبت علمهم بل لله عز وجل المشية فيهم وفي الاشياء فلا يحتم عليه ( عليهم خ ) بشيء كما قال تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك لان ذلك صفة العبودية فان قلت اذا كان عندهم عليهم السلام علم ما كان وما يكون وكل الاشياء كانت حاضرة عندهم موجودة لديهم فما معنى ما ورد ان عليّ بن الحسين عليهم السلام امر ابنه الباقر عليه السلام ان يأتي له بماء يتوضأ وكان ذلك عند موته عليه السلام فاتى الباقر عليه السلام بالماء فقال ابوه عليه السلام اهرقه وآت بغيره فان الفارة قد ماتت فيه ولا يصلح للوضوء وهذا معنى الحديث ولا شك ان موت الفارة كان امرا وجوديا قلت ان لهم عليهم السلام حالات ومقامات ودرجات ففي الحالة البشرية حالة يشغلهم شأن عن شأن فاذا التفتوا وتوجهوا الى جهة فلا يلتفتون الى الجهة الاخرى كما ان الانسان اذا التفت الى مسئلة تغيب عنه المسألة الاخرى حين التفاته اليها وليس هذا بجهل وانما هو عدم الالتفات والنظر فاذا التفتوا علموا ووجدوا وانما الجهل انما يتحقق فيما اذا التفتوا لم يجدوا وهو معنى قولهم عليهم السلام اذا شئنا امرا علمنا اذا شئنا كما تقدم وعن هذا المعنى قد يعبرون بغيبة روح القدس عنهم فان قلت فما معنى حديث الطست والابريق الذين اتى بهما جبرئيل من الجنة لعلي عليه السلام ليتوضأ حين شك في وضوئه ورجع عليه السلام ليتوضأ سريعا ويرجع الى المسجد ليدرك النبي صلى الله عليه وآله للصلوة والحديث مشهور معروف قلت ان هذا الحديث ليس على ظاهره اجماعا من الشيعة لان الشك لا يصح ان يعتري المعصوم عليه السلام فيجب تأويله فنقول انهم عليهم السلام قد ينسبون اليهم نقايص شيعتهم كما نسبوا اليهم ذنوب شيعتهم واستغفروا منها فغفرها الله كما في قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وهم عليهم السلام ينسبون اعمال شيعتهم اليهم لانهم منهم كما قال الحجة عليه السلام اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا الدعاء فكذلك الشك فهو انما وقع على بعض شيعته عليه السلام ولم يتدارك فتدارك عليه السلام عنه لاظهر تلك ( اظهارا لتلك خ ) الفضيلة العظيمة التي خرق الاسماع وملأ الاصقاع من اتيان الطست والابريق والماء من الجنة لوضوئه عليه السلام في عالم البشرية وحالة الامامة فافهم فان قلت لو كانوا يعلمون كل شيء لعلموا السم حين اكلوه وعلم الحسين عليه السلام انه يقتل يقينا ويسبي عياله وذلك يستلزم القاءهم انفسهم بايديهم الى التهلكة وفي ذلك مخالفة الله عز وجل حيث يقول ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة اذ يمكن لمولينا الحسين عليه السلام ان لا يخرجج ويبايع خوفا كما بايع وصالح ابوه واخوه عليهم السلام وكذا الحسن عليه السلام يمكنه ان لا يشرب من الماء المسموم وكذا عليّ عليه السلام يمكن ان يمنع ابن ‌ملجم من ضربه وكذا غيرهم عليهم السلام ولا شك ان مخالفتهم لله عز وجل باطل لعصمتهم وطهارتهم فلا يبقى الا القدح في العلم قلت جواب هذا من دليل الحكمة واضح بل اهل الحكمة نظرا الى قواعدهم لا يستشكلون في ذلك بل يوجبونه بالضرورة لكنا نتكلم على دليل المجادلة بالتي هي احسن فنقول لانشك انهم عليهم السلام كانوا يعلمون جميع ذلك وان واقعة الحسين عليه السلام قد اطلع عليها كل الانبياء والاولياء وبكوا عليه وفي الدعاء عن الحجة عليه السلام في الثالث من شعبان بكته السماء ومن فيها والارض ومن عليها ولما يطأ لابتيها وكذلك عليّ عليه السلام قد اخبر ان ملجم ذلك الوقت الذي استشهد فيه عليه السلام بما اراد والذي اختفى تحت عبائه من السيف المسقي بالسم وكذا مولينا الرضا عليه السلام حين تناول العنب وقبل ان يتناول اخبر خدامه بذلك وهكذا ساير الائمة عليهم السلام ولا ينبغي التشكيك فيه لتوارد الاخبار بل تواترها في ذلك واما اقدامهم على ذلك فليس من قبيل القاء النفس الى التهلكة وانما هو طاعة وامتثال لامر الله عز وجل كما قال الحسين عليه السلام شاء الله ان يراني قتيلا وان يراهن اسيرا ولله عز وجل في ذلك حكم ومصالح نشير الى بعضها فيما بعد ان شاء الله تعالى وحينئذ فعدم الاقدام كان الالقاء الى التهلكة فان الهلاك في مخالفة الله عز وجل وذلك كالجهاد فاذا امر الامام عليه السلام واحدا من رعاياه بان يقاتل حتى يقتل ولا يرجع وجب عليه الامتثال والطاعة ولا يجوز له الاعتذار بالآية الشريفة ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وهذا ظاهر وبالجملة يجب على المؤمن المخلص ان يعتقد انهم عليهم السلام يعلمون كل شيء بالاجمال والتفصيل والكلية والجزئية ولا يقول ان الاصل عدم علمهم ( عليهم السلام خ ) لانه مسبوق بالعدم الازلي فعدم علمهم قطعي واما علمهم بالاشياء كلها فمشكوك فيه ولا ينقض اليقين بالشك ابدا فان ذلك باطل لان الاصل علمهم والعدم الازلي كلام مزخرف فان العدم ان كان شيئا لا يخلو اما ان يكون حادثا او قديما والا فلا يعقل توصيفه بالازلية فان الصفة فرع وجود الموصوف واذ ليس فليس وقد دلت الاخبار المتكثرة وشهد صحيح الاعتبار ان الله سبحانه قد خلقهم قبل ان يخلق الخلق بالف دهر وكل دهر مائة ‌الف سنة او ثمانين‌ الف سنة او مائة‌ الف وعشرين ‌الف سنة ولما بطلت الطفرة وعدم اتساق النظام كان جميع الخلق انما خلقوا بواسطتهم عليهم السلام فهم الشاهدون لاحوالهم حين خلقهم الى منتهى امرهم لان الواسطة لا تخلو اما ان يكون على جهة التنزل والانجماد كالعقل الذي هو واسطة للنفس في ايصال الافاضات عليها وكالنفس بالنسبة الى الجسم وهكذا حكم كل لب بالنسبة الى قشره وكل ذائب بالقياس الى انجماده ولا يصح ان يكون وساطتهم عليهم السلام في ايجاد الاشياء على جهة التنزل والا لكانت الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله مادة كل الاشياء ومنه يلزم ان تكون الاشياء كلها من سنخ محمد وآله صلى الله عليهم ومن سنخ واحد وتكون على اختلافاتها في غاية الشرف وكمال اللطافة لانها تنزلات اول ما خلق الله وظهوراته في مقام التفصيل ومقتضي ذلك ان تكون الاشياء كلها على الصورة الانسانية لانها اشرف الكينونات التي يقتضيها المخلوق الاول ويلزم ان يكون الخلق كلهم معصومون حيث كانت المادة الواحدة سارية في الكل وتلك المادة نور باهر يضيء ما جاوره من الصور والكينونات كما ان الذات وان تنزلت التنزلات الكثيرة لم تصل الى رتبة الصفات ولا الجوهر الى الاعراض وتلك اللطيفة محفوظة في كل المراتب ثم يلزم ان لا تكون الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله سراجا وهاجا وان لا يكون لذلك النير الاعظم والشمس المضيئة المشرقة من صبح الازل نورا وان لا يكون لجمال الحق جمالا ولجماله جمالا ولجمال جماله جمالا ( ولجمال جماله جمالا ولجمال جمال جماله جمالا خ ) وان لا يصدق قوله تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم وقد استفاضت الاخبار بل وتواترت معنى عن الائمة الاطهار عليهم السلام ان مثل نوره يراد به محمد صلى الله عليه وآله فاذا كان صلى الله عليه وآله هو السراج الوهاج فلا بد ان يكون له شعاع ونور والا لم يكن سراجا ولا ريب ان الشعاع والنور ليس امرا عدميا وانما هو امر وجودي فيكون له تحققا وتأصلا في الوجود ولا شك ان النور والشعاع على هيكل المنير ومثاله وكلما قرب الى المنير بصفاء القابلية ونورانيتها يكون ظهور المثال هناك اكثر وحكاية القابلية اوضح وابين ولما امتنع التعدد الوجودي في المخلوق الاول لكمال بساطته وفقدان جهات الارتباطات المتكثرة المتضادة وتوجهه الى المبدأ الحقيقي وعدم الالتفات الى ما سواه الا بقدر ما يمسك نفسه من التعين اقتضى ان يكون واحدا قد ظهر في اربعة عشر طورا فكل ما عداه من اشعة انواره واظلة عكوسات آثاره منه بدأت واليها ( اليه خ ) تعود ولذا قال عليه السلام في الحديث المشهور في خلق النور المحمدي صلى الله عليه وآله انه لما اتم السباحة في الابحر الاثني عشر قطرت منه مائة واربعة وعشرون الف قطرة خلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء ولوح بلطيف الاشارة الى ما ذكرنا فان القطرة ليست من حقيقة ذاته المقدسة وانما هي امر خارج عنها متأصلة بها وعن هذه القطرة قد يعبرون بالشعاع كما قال مولينا الصادق (ع) في الكروبيين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا ه‍ وقد قالوا عليهم السلام انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا وقد قال ايضا عليه السلام على ما في الكافي ان الله عز وجل خلقنا من طينة مخزونة مكنونة عنده ولم يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيبا لاحد وقال امير المؤمنين عليه السلام انا النقطة تحت الباء ه‍ وانا الذات وذات الذوات والذات في الذوات للذات ه‍ فاذا ثبت ان الموجودات كلها من فاضل انوارهم او من عكوسات آثارهم او من اظلة كينونات هيئاتهم كالقيام بالنسبة الى القائم وكالقائم بالنسبة الى الذات كانت كلها بكل اطوارها حاضرة لديهم حاصلة عندهم لا تغيب عنهم في حال من الاحوال وهم ناظرون اليها نظر المقوم الى المتقوم بل لا شيئية لها الا بذلك النظر فكيف يخفي عليهم حال من حالات المخلوقين الموجودين المربوبين اليس الله قد اشهدهم خلق الخلق وانهي اليهم علمه وجعلهم شهداء عليهم فهم عندهم عليهم السلام كالدرهم بين يدي احدكم فكيف يقال ان الاصل عدم علمهم مع ظهور هذه الادلة المتقنة المحكمة مع انا نقول ايضا لولا ما ذكرنا لقلنا ايضا ان الاصل علمهم عليهم السلام بحكم الاستصحاب كما ادعوا لان الله عز وجل خلق العلم قبل الجهل والعلم مساوق لحقيقة الشيء وذاته بل هو عين ذاته لان الاشرف في الايجاد مقدم على الاخس بالضرورة فالعلم الحقيقي خلق قبل العوارض والغفلات الموجبة للجهل بعد التنزل من العوالم العلوية الى العوالم السفلية على ما تشهد به الاخبار ودل عليه صحيح الاعتبار وعلم كل احد على مقدار سعته واحاطته في الوجود من الجزئي والكلي فالمتنزل الى المقامات السفلية ان كان معصوما مطهرا تمنع عصمته وطهارة ذيله عن الاشتغال بما سوى الله سبحانه والاعراض عن العالم الاعلى وعدم الاقبال الى الملأ الاعلى فيدخل في عالم الاجسام بالولادة الدنياوية الظاهرية وهو اعلم اهل زمانه لانه باق على العلم الاصلي حيث فطره الله سبحانه عليه وباق على المعرفة الحقيقية الاصلية ولذا ترى عيسى على نبينا وآله وعليه السلام لما تولد تكلم مع امه بما تكلم وعلمها بما تعيش به وما ( بما خ ) تنجو به من قومها وقال للقوم اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلوة والزكوة الآيات ولما ان مريم عليها السلام اتت به الى المعلم ليعلمه قال له المعلم قل ابجد قال (ع) اتدري ما معناه فعلمه معناه كما هو مذكور في التوحيد وهكذا غيره وقد ورد ان المعصوم اذا تولد يقول اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وبالجملة هذا امر معلوم فلا يحتاج المعصومون عليهم السلام الى الكسب والتعلم والمعالجات للتعليم لانهم على الفطرة الاصلية واما غيرهم فيحصل لهم في ادبارهم ونزولهم انحاء السهو والغفلات فينسون ما كانوا عالمين به في الاول بالعلم اللدني الالهي فيحتاجون الى رفع الحجب والغشاوات لظهور ذلك النور من العلم الاصلي وهو يحصل بامور منها الكسب والتعلم وامثال ذلك وهم متفاوتون في ذلك فمنهم من يظهر لهم ( له خ ) الامر سريعا في الدنيا بعلاج جزئي لضعف الموانع وقلة العوارض فيهم ( فيه خ ) ومنهم من يحتاج الى تعب وعلاج وكسب شديد ليظهر لهم شيء يسير من ذلك العلم في الدنيا ومنهم من لا يحصل في الدنيا ويصل اليه عند موته وفي البرزخ ومنهم من لا يصل اليه الا في القيمة والجنة فاذا كان المعصوم عليه السلام لا يمنعه القوس النزولي عن مشاهدة القوس الاول الصعودي فيكون الاصل علمهم بالاحوال والاوضاع الوجودية الخلقية الثابتة في عالم الاكوان وبما ذكرنا ( وهو خ ) ان ظهور العلم على حسب احاطة العالم ومقدار كتابته في اللوح المحفوظ على حسب الكلية والجزئية فمن الاشخاص من هو ورقة في شجرة الخلد ومنهم من هو غصن فيها ومنهم من هو نفس الشجرة وتتفاوت علومهم على حسب تفاوتهم في كونهم ورقة وغصنا وشجرة ويظهر علمه على مقدار مادة وجوده اندفع ما عسى ان يتوهم تساوي علم المعصومين كلهم من الانبياء والائمة الطاهرين عليهم السلام على مقتضى ما قلنا من بقائهم على الفطرة وعدم غفلتهم ونسيانهم ما سبق عليهم من العوالم والمقامات وهذا الذي ذكرنا كلام على ظاهر الحال من جهة المماشاة والمداراة مع اصحاب الجدال والا فالامر اعظم من ان يقال وان يحيط به المقال بل الموجودات الكائنة من الغيبية والشهودية كلها متقومة بتخيلات ( بتقومات خ ) الامام عليه السلام وتصوراته اذا سكن عنها انعدم العالم فتصورهم عليهم السلام هو علة للكون كما ان تصورك للكتابة والقيام مثلا علة لهما لا يمكن تحققهما بدونه فافهم حقيقة الامر ولا تنظر الى خصوص العبارة فانها حجاب وغشاوة وانما هي تنبيه بتلويح واشارة فكلما يفعله الانسان وغيره من ذوي الارواح بل غيرهم من سائر الاشباح في اعمالهم واقوالهم وساير مقتضيات احوالهم انما يتحقق في الكون الخارجي بعد ما يتنزل من الخزائن العليا او يتصاعد من الخزائن السفلى بحكم وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقوام تلك الخزائن المنقسمة الى تينك الخزانتين بالامام عليه السلام وعنده مفاتح الغيب التي لا يعلمها الا هو وهذه القيومية بسر الامر بين الامرين واشار الى هذه الدقيقة اللطيفة بقوله الحق سبحانه وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال فاذن لا تخفى عليهم خافية وقال عز وجل واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير والهاء هو المخفف من الله والبسيط من لفظ الجلالة واذا اشبعت كانت هو لان الضم بالاشباع يتولد منها الواو وهو اذا نزلت في رتبة الاسماء عن رتبة المسمى كان الاسم المقدس العلي ولذا قال عز وجل اشارة الى ما ذكرنا من غير الاشباع في قوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم ومع الاشباع في قوله عز وجل وهو العلي العظيم فافهم ولنقبض العنان فللحيطان آذان قال الشاعر :

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

فلنكتف بهذا المقدار من الكلام فان امر الله لا ينفد وسره لا يتبدد

قوله عليه السلام : وما كان في الذر الاول اعلم ان الذر عالم مستقل خلقه الله سبحانه بفيض قدرته واقام الخلق فيه على مقتضى مشيته وارادته وهم حينئذ على هيئة ورق الآس فكلفهم بلسان مشيته من لسان عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون واخذ عليهم العهد والميثاق بربوبيته ونبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية عليّ عليه السلام والائمة الطاهرين وفاطمة الصديقة المطهرة عليها وعليهم سلام الله ابد الآبدين وقد نطق بوجود هذا العالم وهذا التكليف القرآن والاخبار المتظافرة المتكاثرة التي كادت ان تبلغ حد التواتر المعنوي والعقل المستنير بنور الله وقد انكر وجود هذا العالم بعض الاجلاء لمجرد الاستبعاد من ان الله تعالى كيف يكلف الذر ولا يتصور التكليف في حقه وانا الآن بعون الله اتلو عليك بعض الاخبار الواردة في هذا الباب ثم اشرح حقيقة الامر في هذا العالم ومعنى تعدده وكيفية وجوده وظهوره لينكشف المراد ويرتفع الاستبعاد لاهل الاستعداد ومن الله سبحانه المعونة والامداد في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق ما اختلف اثنان ان الله عز وجل قبل ان يخلق الخلق قال كن ماء عذبا اخلق منك جنتي واهل طاعتي وكن ملحا اجاجا اخلق منك ناري واهل معصيتي ثم امرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم اخذ طينا من اديم الارض فعرك ( فعركه خ ) عركا شديدا فاذاهم كالذر يدبون فقال لاصحاب اليمين الى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال الى النار ولا ابالي ثم امر نارا فاسعرت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها وقال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فقال كوني بردا وسلاما فكانت بردا وسلاما فقال اصحاب الشمال يا رب اقلنا فقال قد اقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوا فثم ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء ان يكونوا من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء وفيه عن زرارة ان رجلا سأل ابا جعفر عليه السلام عن قوله عز وجل واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى الى آخر الآية فقال وابوه يسمع عليهما السلام حدثني ابى ان الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم عليه السلام فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحا فلما اختمرت الطينة اخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر يدبون من يمينه وشماله وامرهم جميعا ان يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما وابي اصحاب الشمال ان يدخلوها وفيه ايضا عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله جل وعز لما اراد ان يخلق آدم (ص) ارسل الماء على الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذراهم فاذا هم يدبون ثم رفع لهم نارا فامر اهل الشمال ان يدخلوها فذهبوا اليها وهابوها ولم يدخلوها ثم امر اهل اليمين ان يدخلوها فدخلوها فامر الله عز وجل النار فكانت عليهم بردا وسلاما فلما رأى ذلك اهل الشمال قالوا ربنا اقلنا فاقالهم ثم قال لهم ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها فاعادهم طينا وخلق منها آدم عليه السلام وقال ابو عبد الله عليه السلام فلن يستطيع هؤلاء ان يكونوا من هؤلاء وهؤلاء ان يكونوا من هؤلاء قال فيرون ان رسول الله صلى الله عليه وآله اول من دخل تلك النار فلذلك ( فذلك خ ) قوله عز وجل قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين وفيه ايضا عن زرارة عن حمران عن ابي جعفر (ع) قال ان الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا اجاجا فامتزج الماءان فاخذ طينا من اديم الارض فعركه عركا شديدا فقال لاصحاب اليمين وهم كالذر يدبون الى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال الى النار ولا ابالي ثم قال الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين ثم اخذ الميثاق على النبيين فقال الست بربكم وان هذا محمد رسولي وان هذا عليّ امير المؤمنين قالوا بلى فثبتت لهم النبوة واخذ الميثاق على اولي العزم اني ربكم ومحمد رسولي وعليّ امير المؤمنين واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي عليهم السلام وان المهدي انتصر به لديني واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا اقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الاقرار به وهو قوله عز وجل ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال انما هو فترك ثم امر نارا فاججت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها وقال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال اصحاب الشمال يا رب اقلنا فقال قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية وفيه ايضا عن حبيب السجستاني قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ان الله عز وجل لما اخرج ذرية آدم عليه السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي فكان اول من اخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ثم قال الله عز وجل لآدم انظر ماذا ترى قال فنظر آدم عليه السلام الى ذريته وهم ذر قد ملأوا السماء قال آدم عليه السلام يا رب ما اكثر ذريتي ولامر ما خلقتهم فما تريد منهم باخذك الميثاق عليهم قال الله عز وجل يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم قال آدم ( يا رب خ ) فما لي ارى بعض الذر اعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور فقال الله عز وجل كذلك خلقتهم لابلوهم في كل حالاتهم الحديث وفيه ايضا عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة جميعا عن ابي جعفر عليه السلام قال ان الله جل وعز خلق الخلق فخلق من احب مما احب فكان ما احب ان خلقه من طينة الجنة وخلق من ابغض مما ابغض وكان ما ابغض ان خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال فقلت واي شيء الظلال فقال الم تر ظلك في الشمس شيئا وليس بشيء ثم بعث منهم النبيين فدعوهم الى الاقرار بالله عز وجل وهو قوله تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ثم دعوهم الى الاقرار بالنبيين فاقر بعضهم وانكر بعض ثم دعوهم الى ولايتنا فاقر بها والله من احب وانكرها من ابغض وهو قوله تعالى ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ثم قال ابو جعفر (ع) كان التكذيب ثم وفيه ايضا عن صالح بن سهل عن ابي عبد الله (ع) ان بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله باي شيء سبقت الانبياء وانت بعثت آخرهم وخاتمهم فقال اني كنت اول من آمن بربي واجاب حيث اخذ الله ميثاق النبيين واشهدهم على انفسهم الست بربكم فكنت انا اول نبي قال بلى فسبقتهم بالاقرار بالله عز وجل وفيه ايضا عن عبد الله بن سنان قال قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك اني لاري بعض اصحابنا الى ان قال فقال عليه السلام لا تغتم لما رأيت من نزق اصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ان الله تبارك وتعالى لما اراد ان يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقا باذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعي وقال لاهل الشمال كونوا خلقا باذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج ثم رفع لهم نارا فقال ادخلوها باذني فكان اول من دخلها محمد صلى الله عليه وآله ثم اتبعه اولوا العزم من الرسل واوصياؤهم واتباعهم الحديث وفيه ايضا عن ابي بصير قال قلت لابي عبد الله (ع) كيف اجابوا وهم ذر قال عليه السلام جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا يعني في الميثاق وفي ثواب‌الاعمال بالاسناد عن سهل بن سعد الانصاري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قول الله عز وجل وما كنت بجانب الغربي اذ نادينا قال كتب الله عز وجل كتابا قبل ان يخلق الخلق بالفي عام في ورق آس انبته ثم وضعها على العرش ثم نادي يا امة محمد ان رحمتي سبقت غضبي اعطيتكم قبل ان تسألوني وغفرت لكم قبل ان تستغفروني فمن لقيني منكم يشهد ان لا اله الا انا ومحمد عبدي ورسولي ادخلته الجنة برحمتي والاخبار الواردة عن الائمة الاطهار عليهم السلام كثيرة لا تحصى وهذا الذي ذكرنا جملة مما حضرني حال الكتابة ولا معارض لها بوجه من الوجوه فطرح هذه الاخبار الكثيرة التي لا معارض لها اقوى ولا مساوي لمحض الاستبعاد خارج عن طريق الانصاف ولا كل حديث يدرك معناه ومضمونه فان علم آل محمد صلى الله عليه وآله صعب مستصعب لا يحتمله احد الا الملك المقرب والنبي المرسل والمؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان والاصل في المسألة هو ان الذر في اصطلاح اهل البيت عليهم السلام على ما افهم يطلق على الامر الشايع المشاع في نوعه او جنسه الغير المتميز بحد من الحدود الصالح لذلك وقد يعبرون عنه بجوهر الهباء ودليل ذلك الذر وآيته الذرات المبثوثة في الجو فان كل جزء منه يصلح للتعين والتميز بالعوارض والحدود والكيفيات مع عدم التمايز المعروف ولما ان الله عز وجل اراد ان يخلق الخلق قبض قبضة بيمينه من الارض الطيبة المسقاة بالماء العذب الفرات وقبض قبضة اخرى بشماله من الارض الخبيثة المسقاة بالماء المالح الاجاج ثم خلط بينهما ومزجهما وعركهما عركا شديدا فصنع منها ( منهما خ ) هيولي الخلايق وموادها وحقائقها فمزج فيهم الميولات والشهوات المتضادة والشعور وانحاء الادراكات واقسام الاختيار فتلك الحقايق حصص غير متمايزة فلا يعرف الشقي منهم من السعيد والطيب منهم من الخبيث وصحيح الخلقة من ناقصها والزوجة من زوجها وكذلك انواع البهائم قبل التكليف كانت حصصا غير متمايزة فلا ميز بين الفرس والبقر والغنم والكلب والحية والحوت وغيرها من الحيوانات من الدواب والحشرات والطيور وكذلك انواع النباتات من الاشجار المثمرة وغيرها وذوات الاثمار الطيبة الحلوة والمرة وسائر البقولات كلها طينة واحدة غير ممتازة ( متمايزة خ ) بالشخص والخصوصيات وكذلك الاحجار والمعادن من انواع الجمادات فلا تمايز بين الياقوت والزمرد والمرجان والالماس والفيروزج والبلور وسائر المعادن المنطرقة وغيرها كمعدن النفط والزرنيخ والملح والجص وامثالها كانت طينة واحدة غير ممتازة والى هذا الاشارة بقوله عز وجل كان الناس امة واحدة فيطلق الذر بهذا المعنى على كل الموجودات بكل الذرات قبل وقوع التكليف عليها فاذا وقع التكليف عليها فاختلفت على حسب القبول على مقتضى اطوار القبول والانكار على مقتضى اطواره فامتاز كل ذر عن الآخر على مقتضى حدوده بقابلية عمله من القبول والانكار فاختلفت الصور الانسانية على مقتضى اختلافهم في قبول التكليف قوة وضعفا وظاهرا وباطنا وكذلك الذكورية والانوثية ولو اردنا شرح حقيقة الاحوال لطال المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال فالخلق قبل التكليف كانوا موادا غير ممتازة ذرات غير مصورة كل ذرة تصلح للتصور بالصورة التي تصور بها غيرها وهذا هو المراد في هذه الاخبار المتقدمة وليس المراد ان الخلق كانوا ذرا على هيئة الذر من النمل وغيرها كما توهموه واستغربوه مع انا لو قلنا ذلك لا استغراب فيه لانا نقول بتكليف الذرات كالنملة واشباهها وارسال الرسل وانزال الكتب عليها ولكن هذه الهيئة المخصوصة وهذه الصورة المشخصة لا تقتضي الحكمة ان يخلق الخلق عليها في العالم الاول والا فهو قادر على ما يشاء يخلق ما يشاء بما يشاء كيف يشاء او نقول انهم عليهم السلام عبروا عن الخلق في تلك العوالم بالذر كناية عن بعد كل عالم بالنسبة الى الآخر فانك اذا نظرت الى شيء من بعيد تراه صغيرا كالذر بل هو ادنى وكذلك كل مقام بالنسبة الى مقام آخر الذي اقام المكلفين فيه وكلفهم واخذ عليهم الميثاق بالتوحيد والنبوة والولاية من البعد فان المسافة بين العالمين الف دهر وهو مائة الف عام فيكون اهل كل عالم بالاضافة الى العالم الآخر ( عالم آخر خ ) كالذر فعلى ما ذكرنا اتجه الكلام وصح المقام وبقيت الاحاديث بصرافة صحتها بل بظاهر حقيقتها فلا عقل يأبى ما ذكرنا بل العقول الصحيحة تؤيده وتقويه ولا

النقل يعارض ما سطرناه ويبطل ما حررناه فلم يبق الا القبول

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا

فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا

واما سر تعدد عالم الذر بالاولية والثانوية فاعلم ان الله عز وجل لما خلق الخلق اقامهم في عوالم كثيرة ومقامات عديدة بل مراتب لا تحصى ثم انزلهم من عالم الى عالم ومن طور الى طور ولا يزال ينقلهم من طور الى طور ومن عالم الى عالم الى ان تصفوا المراتب وتجلوا الضماير اما الى الاقبال او الى الادبار ثم ينقل المدبرين من عالم الى اسفل ومن طور الى انزل وينقل المقبلين ويصعدهم من عالم الى اعلى ومن طور الى اشرف ولا نهاية لهذا النقل والاطوار لان فيضه سبحانه لا ينقطع وظل امره لا يتبدد ولا ينفصم واليه الاشارة في قوله عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالشيء في اطواره واوطاره يسير الى الله عز وجل بلا نهاية وكل طور له مقتضيات واحكام وآثار فلا يترتب تلك الاحكام والآثار على الشيء الا بالتكليف لان الله عز وجل اكرم من ان يجبر العباد او يظلم في البلاد بل هو سبحانه باسط الفضل وناشر العدل والفيض كل من قبله وطلبه اخذه وما ربك بظلام للعبيد فاذا بطل الجبر لم يبق الا الاختيار فلم يبق الا ان يعطي الاشياء على حسب ما يريدون من الفيض وهذا لا يكون الا بالتكليف فلولا التكليف لم يتحقق الاختيار ولولا الاختيار لم يحسن الايجاد لان الله عز وجل اكرم واشرف من ان يجبر الخلق الى ما لا يريدون ويعطيهم ما لا يتحملون ويشدد عليهم ما لا يطيقون او جعل الاختلاف بينهم وهم لا يشعرون فيكون قد اجرى فعله وخلقه على غير وجه الكمال بل بمقتضي النقصان فان الاختلاف مذموم والوحدة هي المحمودة ثم على فرض الاختلاف جعل الاشياء المختلفة واختصاص بعضها بما اختص به دون غيره مع تساوي الجميع في الصلوحية والقابلية لا شك انه ترجيح من غير مرجح فتنتفي بذلك الحكمة ويكون الخلق عبثا وهباء سبحان الله سبحان الله سبحان ربك رب العزة عما يصفون فصح انه لولا التكليف لم يحسن الايجاد فبالتكليف قام الوجود وحصل الشهود وظهر سر المعبود ولما كان الخلق له اطوار واكوار وادوار له في كل كور ودور حركات ذاتية جوهرية وطبيعية ووضعية الى مبدئه والى نفسه والى غيره كان له تكليف بحسب ذلك الكور والدور بنسبة مقامه والتكليف قسمان تكويني وتشريعي والقسمان مسبوقان بالمادة والصورة النوعيتين المعبر عن كل حصة منهما بالذر فتتعدد ( فتعدد خ ) الذرات الى ما لا نهاية له والتكليف واقع عليهم في كل ذر من الذرات وهو واحد من واحد يجري في كل عالم وكل ذر بحسبه فلا نهاية للذرات بحسب العرض وتنقل الاطوار لا من جهة البدو ولا العود والخطاب التكليفي الذي هو قول الست بربكم خطاب واحد غير منقطع يظهر في كل عالم وكل طور على لسان اهله وكذا الرسول الحامل للخطاب انما قلنا ان العوالم لا تتناهى لان فيض الله عز وجل لا يتناهى والله سبحانه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى فلو كان لاول الخلق نهاية زمانية للزم التحديد المستلزم للشرك وحيثما ظهر الفيض فانما هو على جهة التكليف والاختيار فتعددت الذرات الى ما لا نهاية له لكن بعض الاخبار تشير الى حصر كلياتها ففي بعضها ان تلك العوالم الف الف كما في رواية جابر عن الباقر عليه السلام ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين ولا شك ان كل آدم في كل عالم مكلف ومأخوذ عليهم العهد والميثاق لقوله عز وجل واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى ويراد بآدم كل من الآدميين الالف الف وقال عز وجل وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم مافرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون وقال ايضا وان من امة الا خلا فيها نذير فاثبت سبحانه ان كل امة مكلف وكل مكلف قبل التكليف هباء وذر وفي بعضها انها الف كما في قوله عليه السلام ان لله عز وجل الف قنديل معلق بالعرش سمواتكم وارضيكم في قنديل واحد وفي بعضها اقل الى ستة عوالم وهي الاكوان الستة التي اشار اليها الصادق (ع) في حديث المفضل الكون الجوهري والكون الهوائي والكون المائي والكون الناري والكون الترابي وكون الاظلة والذر وترجع الكليات كلها الى ثلثة عوالم وثلثة ذرات الاول ذر العقول وهو عالم المعاني المجردة عن الصور الشخصية والمدة الملكوتية والزمانية وصورتهم القيام وهم انوار بيض فخاطبهم الله سبحانه بالخطاب التكليفي فآمن من آمن وكفر من كفر لكن الايمان والكفر في العالم الاول معنويان لا تمايز بينهما الا بالمعنى واما في الظاهر فلا تمايز بينهم وكانوا امة واحدة لا يعرف احد بايمان الآخر وكفره والثاني عالم النفوس وهذا هو الذر الثاني وهو عالم الصور المجردة عن المادة البرزخية والعنصرية والمدة الفلكية الزمانية اقام الله سبحانه المكلفين في هذا العالم بعد ان كانوا على هيئة ورق الآس وجههم الاعلى الى عالم التجرد والايتلاف ووجههم الاسفل الى مقام الكثرة والاختلاف فكلفهم بلسانه وترجم عليهم لغته وخاطبهم على مقتضى مداركهم فآمن من آمن ظاهرا مشهورا وكفر من كفر كذلك فهناك عرف الخلق بعضهم مقام الآخر وامتازت صورهم وتباينت هياكلهم وظهرت آثار الهيكلين هيكل الايمان وهيكل الكفر والنفاق وانقسم الموجودات الى مقر مؤمن عارف مصدق بلسانه وقلبه والى مؤمن بلسانه كافر في قلبه والى كافر في لسانه وقلبه والى كافر بلسانه دون قلبه مثل كلب اصحاب الكهف وحمار بلعم بن باعور وامثالهما والى متحير متوقف المؤمن بلسانه من غير بصيرة ولا معرفة والمنكر بلسانه من غير معرفة المرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم وفي هذا العالم ظهرت شقاوة الاشقياء وسعادة السعداء وامتاز اهل اليمين من اهل الشمال ودخل المؤمنون الجنة والكافرون النار ومقام ظهور الطينتين من طينة العليين وطينة السجين و( الطينتين طينة عليين وطينة سجين خ ) قد يطلق على هذا العالم الذر الاول لكونه اول مقام الظهور بعد الخفاء ومقام ظهور الباء كما قال النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم لانه تمام الصوغ الاول في الخلق الاول اي عالم الغيب والثالث عالم الاجسام من العرش الى الثرى وهو الذر الثالث وفي هذا العالم كانت الموجودات قبل اوان بلوغها ذرات صالحة غير متمايزة بالسعادة والشقاوة والايمان والكفر الجسمانيين فاذا وصلت حد البلوغ بلغت مقام التكليف فقام النبي الامي صلى الله عليه وآله عند الحجر الاسود في الركن العراقي ولقنهم شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الحكاية عن قوله عز وجل الست بربكم ومحمد نبيكم فلما استكملت هذه الشهادة وظهرت وانتشرت وثبتت اقامهم صلى الله عليه وآله عند الزوال بحكم كما بدأكم تعودون في غديرخم وسألهم الست اولي بكم من انفسكم قالوا بلى فقال صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فكمل هنالك الدين ونزل قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وبين هذه العوالم برازخ ولكل عالم مراتب كثيرة يمكن احصاء كلياتها لكنا اعرضنا عنه لطول المقال وبلبال البال وعدم استقامة الاحوال هذا مجمل مراتب السلسلة العرضية

واما السلسلة الطولية فالذر الاول في الخلق الاول عالم الامر عالم الوجود المطلق بمراتب ظهوره وبطونه وظهور ظهوره وبطون بطونه وهكذا الى مقام السر المجلل بالسر اذ في كل مقام من هذه المقامات وقع التكليفان الا ان المراتب الخمسة التي تحصل في التكليف من المكلف والمكلف والتكليف والسبيل والدليل كلها شيء واحد بالوحدة الحقيقية التي لا تبلغ بساطتها الوحدات التي في الوجود المقيد وعالم الذر قبل عالم التكليف الا انه مساوق له موجود معه والذر الثاني في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله لانه صلى الله عليه وآله اول من اجاب داعي الحق حين قال له الست بربكم وفي تلك الحقيقة سبع مراتب وقع التكليف عليها بالافتراق بعد حكم الاجتماع فتحققت هناك سبع ذرات الاول الحقيقة النبوية صلى الله عليه وآله حين ما يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار الذر الثاني الحقيقة العلوية عليه السلام حين وصول النور النبوي عليهما السلام الى جلال العظمة فهناك وقع التكليف على عليّ عليه السلام فقال ملبيا لداعي الحق وحاملا للواء المطلق الذر الثالث الحقيقة الحسنية عليه السلام حين ظهور الجمال فخر عليه السلام ساجدا ملبيا للسؤال حين قيل له كف عن القتال وذلك بعد اربعين‌الف سنة من ظهور النور العلوي عليه السلام الذر الرابع الحضرة الحسينية عليه السلام حين تشعشع انوار الجلال والكبرياء فقام ( عليه السلام خ ) ملبيا للنداء حين قال له اني انا الله فاظهر الجلال تحت حجاب الخضوع واظهر الكبرياء بالذل والخشوع واظهر التوحيد تحت حجاب الياقوت رتبة الركوع المؤدي الى السجود الذر الخامس الحقيقة المهدية ( المهدوية خ ) عليه السلام القائم المنتظر عجل الله فرجه حين اشراق انوار القهر والغلبة والاستيلاء فسمع داعي الحق ولباه فتحمل قوله عز وجل ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون الذر السادس بقية الائمة عليهم السلام والذر السابع الحقيقة الفاطمية الصديقة الطاهرة عليها السلام حين سطوع نور العظمة والبهاء فلبت داعي الحق وصارت له الوعاء فنزل قوله تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم وهذه سبع مراتب كل مرتبة عالم مستقل جرى عليه التكليف والحكم والامر واليها الاشارة في قوله عز وجل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والمخاطب عليه السلام من السبعة وكل تكليف مسبوق بعالم الذر كما ذكرنا الذر الثالث في السلسلة الطولية مقامات الكروبيين ورتبة الانبياء والمرسلين حين اتم نبينا صلى الله عليه وآله السباحة في الابحر الاثني عشر وخرج فقطرت منه صلى الله عليه وآله قطرة قبل ان تنقسم ( ينقسم خ ) الى مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة او بعد ذلك وقبل ان تتميز هذه القطرات بعضها عن الآخر فان الانقسام والتمايز انما هو بالتكليف فتلك الذرات كانت تسبح الله وتقدسه سبحانه الف دهر الى ان اتيهم النداء من الرب الاعلى باني انا الله ومحمد رسولي وعلى والائمة من ولده وفاطمة عليهم السلام اوليائي واحبائي وهو قوله عز وجل واسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا وذلك لما جمعهم في المسجد الاقصى يوم الذي خلقوا لان العود هو عين البدو والنبي صلى الله عليه وآله في ليلة المعراج مر على الاشياء كلها يوم خلقها الله عز وجل ولذا امره الله عز وجل فقال يا محمد (ص) ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر فجمع الانبياء وسألهم بماذا بعثتم قالوا بشهادة ان لا اله الا الله وانك رسول الله وان عليّ بن ابي طالب ولي الله رواه محمد بن جرير الطبري واخطب خوارزم من المخالفين الذر الرابع الرتبة الانسانية مقامات الرعية حين وقع الماء الذي به حيوة كل شيء على الارض الميتة وقبل ان تخرج الارض ثمرها وتنبت عشبها وشجرها لان الانبات تكليف والثمرة تلبية وقبول فمن وصل اليه التكليف وقبل اثمر الثمرة على مقدار قبولها وانكارها فتختلف بالطيب والنتن والحلاوة والمرارة وتختلف مراتب الحلاوة في الشدة والضعف كاختلاف مراتب المرارة وهكذا القول في الذر الخامس الذي هو في رتبة الملائكة قبل وقوع التكليف عليهم بانهم يسبحون الله ويقدسونه بولاية محمد وعليّ عليهما السلام يسبح الله باسمائه جميع خلقه وفي الذر السادس الذي هو في رتبة الجان حين ظهور نار الشجر الاخضر وفي الذر السابع الذي هو في رتبة البهائم والحشرات من الحيوانات حين وقوع الشعلات الغيبية من غيب الافلاك والكواكب على غيب الارض والتمايز انما هو بالتكليف كما مر وفي الذر الثامن الذي هو في رتبة النباتات حين وقوع اشعة الكواكب والافلاك على الارض وفي الذر التاسع الذي هو في رتبة الجمادات ( الجماد خ ) حين اجتماع العناصر ومزج بعضها مع بعض وتحقق الحلين والعقدين بمراتبهما الى هنا انتهت الذرات في السلسلة الطولية وفي كل مرتبة منها مراتب لا تحصى ولا تعد لانها لا نهاية لها بدوا وعودا فقوله عليه السلام في الذر الاول في الطول يريد به عالم الوجود المطلق وعالم الحقيقة فان هذا العلم هو الذي يختص به عليه السلام دون ما عداه اما المشية فلانه عليه السلام محلها ومجمع شؤنات ظهوراتها واطوارها ونسبته عليه السلام اليها كالانكسار الى الكسر وكالحديدة المحماة بالنار اليها كما قالوا عليهم السلام نحن محال مشية الله وقال الصادق عليه السلام في زيارة سيدالشهداء عليهما السلام ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم ما فصل ( الصادر لما فصل خ ) من احكام العباد وليس لاحد من العلم بالمشية الا ظهور وجه واحد منها له كالقيام الحامل للقائم والقعود الحامل لظهور القاعد واما هو عليه السلام فانه حامل ( مظهر خ ) لكل الظهورات وهو محل كلي جامع للظهور بكل المقامات كالفعل بالنسبة الى الفاعل لان كل الخصوصيات وجوه الفعل وكل الاسماء وجوه الفاعل ولذا قال عز وجل في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والعبد المؤمن في الحقيقة ليس سواه ولذا ورد في الخطابات القرآنية ليس في كل موضع فيها يا ايها الذين آمنوا الا وان عليّا عليه السلام هو المخاطب به حقيقة فقلبه الشريف وسع كل الشؤنات الالوهية والربوبية والرحمانية وغيرها فهو المظهر الكلي الجامع المملك بيده نواصي الاشياء وعنده ازمة الخلايق لان الله سبحانه اختاره وليا من العز فلا يحيط باحوال الوجود المطلق وذراته سواه عليه السلام ومن في صقعه عليهم السلام واما الحقيقة فهو عليه السلام منها وهي منه لا فرق بينهما الا بالاجمال والتفصيل والظهور والخفاء ولذا قال صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا واما في العرض فيريد عليه السلام بالذر الاول عالم العقل ( الاول خ ) الكلي حين وقوع المداد الاول والنفس الرحماني الثانوي في الدواة الاولى وارض الجرز والبلد الطيب فظهرت ( فظهر خ ) بوقوع الماء الاول الذي به حيوة كل شيء علي ارض الجواز او ارض الوجود الراجح القابلية الاولى الشجرة شجرة الخلد وهي شجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى والعقل الكلي الذي هو روح القدس الذي هو القلم هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد واول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة والقلم الذي يؤدي الى اللوح واول الملائكة العالين وذرات الخلائق كلها تحت هذا الذر الكلي حاضرة لديه حضور الاشعة للسراج والآثار للمؤثرات فاذا احاط عليه السلام علما بالذر الاول في العالمين في المقامين فقد احاط علما بجميع الذرات الثانوية والثالثية وهكذا بالطريق الاولى لان العالي يحيط بالسافل من غير عكس وقوله عليه السلام وما كان في الذر الاول يريد عليه السلام بما كان فيه من اخذ الميثاق والعهد على الولاية فان الاقرار بالربوبية والنبوة من فروع الاقرار بالولاية لانها الجامعة لهما والولاية ما ظهرت الا في عليّ عليه السلام وان كانت لمحمد صلى الله عليه وآله ولذا ورد في الحديث المتقدم في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله ان اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وكان يطوف حول جلال القدرة ثمانين سنة فلما وصل الى جلال العظمة خلق الله نور عليّ عليه السلام فكان نوري يطوف حول جلال العظمة ونور عليّ يطوف حول جلال القدرة ه‍ والقدرة هي الولاية المطلقة والسلطنة العظمى والرياسة الكبرى وهي القدرة اذ لا مقدور في الرتبة الثانية لان هذه القدرة في ثلثة مواضع الاول في الذات البحت تبارك وتعالى اذ هناك قدرة ولا مقدور وسمع ولا مسموع وعلم ولا معلوم وامثال ذلك ومعنى ذلك نفي الصفات كما قال امير المؤمنين عليه السلام كمال التوحيد نفي الصفات وتلك القدرة قد انسد باب العلم والفهم عنها فلا تحوم حول معرفتها الافكار ولا تنال ما فيها بكمال دقتها الانظار تعالى عما يقول الواصفون علوا كبيرا والثاني في القدرة الظاهرة في الحقيقة النبوية صلى الله عليه وآله فانها مثال وصفة ودليل وآية للقدرة اذ لا مقدور فالذي عرفنا من هذه رشح من رشحات آثار بحر فيضه صلى الله عليه وآله فهذا الدليل لا يخالف المدلول وهو عين ذاته صلى الله عليه وآله ففي هذا المقام لا يصح الطواف ولا يظهر الجلال ولا يتحقق الاشواط والثالث القدرة الظاهرة فيه لا من حيث كونه ( صلى الله عليه وآله خ ) مثالا وآية بل من حيث انه اقامه الله عز وجل مقامه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار فهناك قد صح الطواف وظهر الجلال فالقدرة هي الفعل الظاهر بالولاية المطلقة التي قد محيت عنده الآثار واضمحلت لديه الاطوار فهو هناك قدرة اذ لا مقدور كونا وعينا وان كان مقدور ذكرا من باب صلوح التعلق وتحقق المقدور فطواف الحقيقة على هذه القدرة كطواف الحديدة بالنار لما ظهرت فيها وطواف الانكسار بالكسر واستدارته عليه فهذا مقام الواحدية ومقام الالف القائم بقي صلوات الله عليه في هذا المقام مستكملا لرتبتي الوجود من الغيب والشهود بحسب نوع عالمه لتمام ظهور الميمين في محمد صلى الله عليه وآله وهو تمام ثمانين‌الف سنة على جهة البساطة والاجمال لا التفصيل فلما وصل الى مقام العظمة اي مقام ظهور الاسماء المتقابلة المتضادة ومقام الكثرة المستلزمة للعظمة المستدعية للنبوة والرسالة خلق الله عز وجل فيه نور عليّ عليه السلام فانبعث نوره منه صلى الله عليهما انبعاث الضوء من الضوء فلما وجد صلى الله عليه وآله كان حامل اللواء فبقي يطوف حول جلال القدرة التي كانت لمحمد صلى الله عليه وآله فتحققت له البرزخية الكبرى وظهرت بالرياسة العظمى والسلطنة العليا فاوجب الله سبحانه على كل الذرات مما احاطته المشية الاقرار بولايته والاعتراف بفرض الطاعة له لان ولاية الله التي انقادت وخضعت كل شيء لها انما ظهرت فيه عليه السلام فلا تجد مرتبة في الوجود من المطلق والمقيد الا وترى عليّا عليه السلام ظاهرا فيها فاني يعدل عنه واللفظ يطابق المعنى وغيب الهوية وسر الالوهية ماظهر الا فيه عليه السلام لفظا ومعنا كما ذكرنا مرارا ولذا قال مولينا الرضا عليه السلام ان الله اختار لنفسه اسماء ليدعوه بها فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه علا على كل شيء فاسمه العلي ومعناه الله ه‍ ومعنى الله هو ومعنى هو ه وه هو العلي قال تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وقال ايضا عز وجل انا انزلناه في ليلة مباركة قد فسرت الليلة في روايات اهل البيت عليهم السلام بفاطمة عليها السلام وه هو الذي انزله الله فيها وهو عليّ عليه السلام لان ه اذا اشبعت تتولد منها الواو كما هو القاعدة في الاشباع من تولد الحرف المناسب للحركة المشبعة فاذا نزلت الهاء في الرتبة الثانية اي مقام الاسماء يكون خمسين والواو اذا نزلت يكون ستين والمجموع مأة وعشرة وهو الاسم العلي فالعين تمام كلمة كن التي هي عالم الامر واللام تمام الميقات وتمام عدد القابليات وتمام دورة القمر والياء هي العشرة الكاملة المتممة للميقات كما قال عز وجل وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فاللام والياء رتبة الخلق لانه لا يتم في كل اطواره الا بالقابل المعبر عنه باللام لسر يطول بذكره الكلام والمقبول المعبر عنه بالياء فيستنطق عن المجموع الميم الذي هو اول ما ظهر من كلمة كن ولما كان محمد صلى الله عليه وآله طائفا حول ( جلال خ ) العظمة في الظهور بعكس الوجود جعلت الميم في اول اسمه الشريف ولما كان عليّ عليه السلام طائفا حول ( جلال خ ) القدرة جعلت العين التي هي استنطاق كلمة كن في اول اسمه الشريف ولما كان مقامه عليه السلام مقام التفصيل فصل رتبة الخلق بالقابل فجعل بازائه اللام والمقبول فجعل بازائه الياء ولما كان مقام محمد صلى الله عليه وآله مقام الاجمال لا التفصيل مافصلت المرتبتان في اسمه صلى الله عليه وآله فجعل في اول اسمه المبارك الميم فاذن فافهم قوله تعالى الا له الخلق والامر فتبارك الله احسن الخالقين

ومستخبر عن سر ليلي اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين

يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين

ومن هذه الدقيقة اللطيفة يظهر لك السر في ليلة المعراج ان الله سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وآله بلسان عليّ عليه السلام لان كل مقامات الفرق والتميز مقام عليّ عليه السلام وهو الباء وهو النقطة تحت الباء ومحمد صلى الله عليه وآله هو النقطة المطلقة الحقيقية ومقامه مقام البساطة والاجمال لا النقطة تحت الباء فافهم فمقامات الوجود المطلق وجهة الاسفل هو مقام انية محمد وعليّ عليهما السلام وان احترقت فالاسم لذلك المقام والوجه الاعلى منه هو الاسماء الالهية التي قد اشتقت اساميها ( اساميهما خ ) منها كما قال عز وجل انا المحمود وانت محمد شققت لك اسما من اسمي وانا الاعلى ووصيك عليّ شققت له اسما من اسمي وانا فاطر السموات والارض وابنتك فاطمة شققت لها اسما من اسمي وانا المحسن وسبطك الحسن شققت له اسما من اسمي وانا قديم الاحسان وسبطك الآخر الحسين شققت له اسما من اسمي نقلت معنى الحديث وهذه الاسماء هي المقامات العليا من الوجود المطلق وهي مقام المشتق منه ولنا في بحث الاشتقاق كلام شريف قد اشرنا الى بعض منه فيما تقدم ولا يجوز فضح السر واذاعة الامر والله ولي التوفيق فعلى هذا ماظهر مقام من المقامات الخلقية في الظاهرية والباطنية والشهودية والغيبية والعلوية والسفلية والذاتية والوصفية الا وكلف الله عز وجل فيه الخلق بولاية عليّ عليه السلام فالميثاق المأخوذ والعهد المعهود انما كان في الذر الاول في السلسلتين وظهور الموجودات من كتم الامكان الى رتبة الاعيان انما كان بذلك العهد واختلاف الظهور انما هو باختلاف التعهد بالعهد والقبول للميثاق والعهد ايضا يختلف في المقامات ففي بعض المقامات العهد بالويلاية لعليّ ( بولاية عليّ خ ) عليه السلام هو صرف التوحيد والتنزيه والتفريد وعدم ملاحظة شيء من السوي وفي بعضها الاعتقاد وفي بعضها الاعمال وطرق الاعتقاد والاعمال والاقوال في ولاية عليّ عليه السلام كثيرة مختلفة جدا يؤدي شرحها الى تطويل ممل او ايجاز مخل ولا واسطة في المقامين في هذا المقام فلما خلق الله محمدا واهل بيته عليهم السلام في حظيرة القدس وضحضاح الانس خاطبهم بلسانه الذي هو حقيقتهم الظاهر في عليّ عليه السلام الست بربكم ومحمد نبيكم وعلى والائمة الراشدون وفاطمة الصديقة ائمتكم واول ( فاول خ ) من لبى هذا النداء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم عليّ ثم الحسن ثم الحسين ثم القائم ثم الائمة الثمانية ثم الصديقة الطاهرة عليهم السلام فلولا قبولهم لهذا التكليف وعملهم على مقتضى الولاية لما كانوا شيئا ولما وصلوا الى ما وصلوا الله اعلم حيث يجعل رسالته وهذا التكليف هو الاستقامة المأمور بها في قوله تعالى واستقم كما امرت ولذا لا يمر على الصراط الذي هو ظهور من ظهورات الولاية بسهولة سواهم عليهم السلام فافهم الاشارة وهذا الذي ذكرنا هو بعض ما كان في الذر الاول وليس علم كله الا عندهم صلوات الله عليهم لان الذي ظهر لنا من فضائلهم باب او بابان من العلم وهذا هو الالف الغير المعطوفة وقوله عليه السلام في الذر الاول يحتمل ان يكون هذا هو الاول الذي لا ثاني له ولا آخر له اما الاول الذي لا ثاني له فهو الاول الذي لا يكون معه في صقعه غيره والا كان ثانيا له اما كونه اولا اذ لم يتقدم عليه في تلك الرتبة شيء والا لم يكن اولا واما الاول الذي لا آخر له فهو الذي لا ينقطع وجوده ولا يتصرم شهوده فلا ينتهي الى حد ليكون ذلك آخرا له فالذي ليس له آخر لعدم الانقطاع لا يكون له اول بمعنى ابتداء بعد انقطاع لان الذي ليس له آخر لا يخلو اما ان يكون مستمرا بنفسه مستقلا بذاته او استمراره بالغير فان كان الاول بطل انقطاعه في البدو اذ الابتداء بعد الانقطاع لا يكون من نفسه وانما يجب ان يكون من غيره فاذا كان من غيره بطل تقومه بنفسه اذ ما من الغير لا يقوم بنفسه ابدا فيجب ان يكون المستقل بنفسه لا اول له والا لم يكن كذلك هذا خلف وان كان الثاني فهل المقوم متناه في البدو ام لا فان كان الاول فهو محتاج الى قيم آخر لما ذكرنا مع ان المنقطع لا يمكن ان يستمر ابدا لان حكم البدو هو حكم العود قال الله سبحانه كما بدأكم تعودون فاذا انقطع اولا يجب ان ينقطع آخرا لان الموجودات المستمرة الى الابد اما في سلسلة النزول وهو مستحيل الا ان يكون المبدأ الباري عابثا سفيها تعالى عن ذلك علوا كبيرا فيجب ان يكون في سلسلة الصعود والنازل في الصعود يصعد الى مبدئه والى اصل لحقيقته ( حقيقته خ ) فاذا كان مبدؤه منقطعا يجب انقطاعه فاستمراره الى الابد دليل ان المبدأ الذي هو ذاته وحقيقته لم يكن منقطعا من الابد والا لم يستمر الى الابد ثم ان المقوم القيوم ان كان غير متناه في البدو فلا معنى لتعطيل الفيض الا اذا كان مستكملا من غيره وهو يستلزم النقصان وهو دليل كونه متناهيا وعدم مبدئيته واستقلاله بنفسه واما ان يكون متناهيا فلا يصلح للمبدئية كما تقدم ولذا اجمع العقلاء على ان ما سبقه العدم لحقه العدم وما له اول له آخر وما له آخر له اول وما لا اول له لا آخر له ولا اشكال في ذلك ولما كان فيض الله عز وجل لا يتناهى وهو سبحانه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى كانت اولية الاشياء في ذواتها وحقائقها عين آخريتها وان عرضت لها الاولية والآخرية باعتبار الاضافات والقرانات وبالجملة فالاول الذي لا آخر له وتسميته ( تسميه خ ) بالاول لعدم تقدم شيء عليه لا في مقابلة الآخر هو عالم الوجود المطلق من عالم الامر فان البدايات والنهايات والاوليات والآخريات اشياء حدثت من امره تعالى كن فلو لم يسبقها لكان في رتبتها ولو كان في رتبتها لا يعقل احداثها به وهذا الذر بحر مملو من فضائل عليّ عليه السلام ووصف مناقبه وهذا هو الذي كان في هذا الذر واما الاول الذي لا ثاني له فهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله لانها ملأت الاكوان ولم يبق مكان يظهر فيه غيرها هناك على ما قال عليه السلام في الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وكذلك حكم الاولية والآخرية في هذا فان الاول فيه هو عين الآخر من غير فرق لان الاشياء كلها تحت تلك الحقيقة المقدسة فلا يكون شيء هناك حتى يفصل بين اوله وآخره مع ان الآخر منتف والفاصلة غيرها مرتفعة فلا يعقل ان يكون لها آخر غير اولها فهي اول ولا تزال باقية على اوليتها وآخر ولا تزال باقية على آخريتها اقامها الله سبحانه بمدد فيضه وامسكها بهيئة توحيده واشرق عليها فيما لم يزل وادامها فيما لا يزال فمقامها الازلية الثانية والله سبحانه من ورائهم محيط وهو ازل الآزال والى هذا المعنى اشار مولينا الصادق عليه السلام في حديث المفضل الى ان قال عليه السلام كنا بكينونته كائنين غير مكونين ازليين ابديين منه بدءنا واليه نعود هذا معنى الحديث وهذه الكينونة انما هي كينونة حادثة وهي رتبة الفاعل ومقام الخالق بل سر الهوية ومبدأ الالوهية وقوله عليه السلام غير مكونين لان المكون هو يكون بعد وقوع قول كن عليه والواقف في هذا المقام روح القدس الذي ذاق من جنانهم الباكورة وهم عليهم السلام اما قول كن او التكوين وهما كائنان غير منقطعين ازلا وابدا لكونهما من الوجود الراجح لوجود المقتضي وارتفاع المانع الذي هو انواع الروابط والشرايط الغيرية وهذا الازل هو عين الابد وهما الازل والابد الثانيان اي اللامتناهي في رتبة الخلق كما قال سيد الساجدين عز سلطانك عزا لا حد له باولية ولا منتهى له بآخرية واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين ولا شك انهم عليهم السلام سلطان الله الظاهر للمخلوقين وهم ملك الله اي تملكه وقدرته التي سقطت الاشياء دونها والذي كان في هذا الذر هو ظهور سلطنة عليّ عليه السلام واقتداره واستيلائه على كل من ذرأ وبرأ وهو ظاهر معلوم ويحتمل ان يكون هذا الاول له ثاني فيكون حينئذ هو العقل الكلي والقلم الاعلى وثانيه الروح وثاني الروح النفس وثانيها الطبيعة وثانيها المادة وثانيها المثال وثانيه الجسم وثانيه الاعراض وهذه المرتبة آخر ذلك الاول ونهايته وكل هذه الذرات على طبق الذر الاول وفي كلها قد اخذ الله عز وجل العهد والميثاق على ولاية عليّ عليه السلام وان يطيعوه ولا يخالفوه كما في حديث الحمي عن الحسين عليه السلام وقد خاطبها وقال لها يا كباسة الم يأمرك امير المؤمنين ان لا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكون كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل وكذلك الجمادات والمعادن من الاجسام وقد عرضت عليها الولاية فقبلها بعض وانكرها بعض آخر وقد قال عز وجل انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا ومن الذي كان في هذا الذر الاول الاخذ والميثاق على الانبياء والمرسلين وامتياز اولي العزم من غيرهم كما قال عز وجل واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابرهيم وموسى وعيسى بن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم واعد للكافرين عذابا اليما وفي هذا العهد شك آدم عليه السلام وتوقف في القائم عجل الله فرجه وشك يعقوب وتردد يوسف ويونس وشك ايوب وغيرهم من افاضل الانبياء وفي ذلك سر عجيب نذكره فيما بعد ان شاء الله تعالى في خلال الكلام وربما اشرنا اليه فيما قبل ولا تتوهم ان الانبياء يشكون او يترددون في ولاية عليّ عليه السلام في انه ولي ام لا بمعنى عدم استقرار الاعتقاد فيها كلا ولو كان الامر كذلك لكفروا وانما يراد من الشك معنى غير ما هو المعروف عند العامة لان احاديثهم عليهم السلام صعبة مستصعبة والايمان بها والتسليم لها اصعب والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم

وقوله : مع من تقدم مع آدم الاول اعلم ان آدم تمام الكمال الظهوري لآخر رتبة الاصل الواحد الاول او للرتبة التفصيلية من الاصل الاول الذي هو الواحد وبيان ذلك بالاجمال ان الواحد لما ظهر من نقطة الاحد بنفس ظهور الواحدية في رتبة الواحد يتثلث ( تثلث خ ) اذ نظر الى الاحد والى العدد والى رتبة مقامه لكن التثليث في غاية البساطة الامكانية بحيث لا تعتبر فيه جهة الا من حيث التعلق وهذا التثليث انما ظهر من الظاهر والظهور والمظهر فلا يتحقق كون من الاكوان الامكانية والآثار الربانية والظهورات السبحانية الا مثلثا اذ لا يمكن تكون الممكن بسيطا كعدم امكان شريك الباري ولا يمكن ان يكون مبدأ الكون زوجا والا لم يكن متحققا اذ كل من الثلثة شرط لوجود الآخر وتحققه على جهة التساوق فلولا الظاهر امتنع الظهور والمظهر ولولا الظهور امتنع الظاهر والمظهر لان الظاهر لم يكن ظاهرا الا بالظهور كالضارب فانه لم يكن ضاربا الا بالضرب وليس الظاهر هو الذات كما ذكرنا مرارا لان الذات هي الكنز المخفي وانما هو الصفة وهي لا تقوم الا بمعنى من معاني الذات في الآثار الفعلية كالقيام للقائم والضرب للضارب والظهور للظاهر وامثال ذلك وكذا لولا المظهر لم يكن الظاهر والظهور فان المظهر ليس الا وجههما فافهم ولذا كانت الثلثة اول الاعداد واول الافراد اذ الواحد هو الثلثة لكنه غير متمايزة والعدد مقام التمايز والتفصيل لانه الكم المنفصل فالثلثة في التفصيل هو الواحد في مقام الاجمال لان في الواحد قد غلب عليه ظهور الاحد فنفي كثرته واظهر سر وحدته والكثرة مضمحلة مطوية كالنار المعروفة المرئية فانها مركبة من العناصر لكن الجزء الناري قد غلب واستولى فسمي الشيء المركب باسمه وكذلك الماء والهواء والتراب وكذلك الواحد فانه ثلثة لكن جهة الوحدة قد غلبت عليه لكونه اول مظاهر الاحدية فلا يعتبر فيه التعدد فافهم واتقن وبالجملة فالثلثة لما ظهرت جذرت في مقام التفصيل لاظهار مبادي الوجوه الممكنة في الواحد الذي هو الثلثة فكانت تسعة فهي تمام الاصل الاول الذي هو الواحد واذا اظهرت كمالها الظهوري يكون خمسة واربعين وهو تمام الوفق في الشكل المثلث العددي فاذا استنطقت هذا الوفق يكون آدم فهو اسم للاصل الاول وانما استنطق على هذا الترتيب وقدم الالف لبيان انه الاصل الاول ثم الدال لبيان انه خلق من العناصر الاربع ( الاربعة خ ) من نار الفاعل وهواء اثر الفعل وماء قبول المفعول لفعل الفاعل وارض القابلية الحافظة الممسكة لفيض الفاعل ثم الميم لبيان التخمير في اربعين يوما كما قال عز وجل في الحديث القدسي خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا فآدم هو كل اصل قد تشعب منه فروع كثيرة غير متناهية وشكله الشكل المثلث وهو ابو الاشكال واصلها وكل شكل انما هو فرع منه حتى المستدير فانه الوجه الاعلى من المثلث بكونه ( لكنه خ ) متقوم به كالفاعل المعمول للفعل المتقوم به وان كان في الدلالة والبيان اقوى وهو المثلث الناري وحوا احد اضلاعه لان التسعة اذا كتبتها في المثلث يحصل الوفق في كل ضلع خمسة‌عشر وهو حوا وهي ( هو خ ) الضلع الايسر من آدم من المثلث المائي فلا يتم آدم الا بحوا ولا توجد حوا الا بآدم فافهم وعلى هذا فكل اصل آدم وهذا اللفظ لاجل المناسبة الذاتية انما وضع له على الحقيقة لا على جهة الاشتراك ولا على التواطي والتشكيك ولا على العام والخاص بل على الحقيقة بعد الحقيقة وكل اصل تسعة فان كان في عالم التمييز ( التميز خ ) والتفصيل الجسماني فعددية وان كانت في غيرها ام لا من جهة التفصيل فمعنوية ولذا سميت الصديقة الطاهرة على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف السلام بالطاء لان فاطمة هي الطاء بالكمالين الظهوري والشعوري وما اتفق اجتماع الكمالين في حرف من الحروف الا في هذا الاسم المبارك لهذا السر لان رتبة الآحاد التي هي الاصل الواحد تنتهي في عالم الظهور الى التسعة والطاء جامع لها وهي حاو ووعاء للمراتب الآحادية كلها فالطاء هي اصل الاسم والكمال الظهوري هو مه لان الكمال الظهوري لكل حرف ان تزيد عليها الواحد ثم تضربه في نصف ذلك العدد فالحاصل هو الكمال الظهوري كالطاء فاذا زدت عليها واحدا يكون عشرة فاذا ضربت العشرة في نصف التسعة وهو الاربعة والنصف يكون الحاصل خمسة واربعين فاستنطق فكان مه وانما سمى بالكمال الظهوري لان هذا كمال ظهورات ذلك العدد في تلك المراتب والكمال الشعوري هو مجموع الكمالين الظهوريين اللذين لذلك الحرف والحرف التي قبلها كالحاء التي قبل الطاء وكمالها الظهوري ستة وثلثين فاذا جمعته مع خمسة واربعين يكون الحاصل واحدا وثمانين فاستنطق فكان فا فاذا جمع الكمالان اللذان هما فا ومه مع الطاء كانت فاطمة عليها السلام وهذه التسمية لانها عليها السلام آخر مراتب الاصل الواحد وآدم هو مجموع المراتب ولذا ترى علماء الصرف يقولون انه يحصل من الاصل الواحد الذي هو المصدر او الفعل تسعة اصول وهذه التسعة هي تفاصيل ذلك الاصل الواحد ولو اردنا شرحه مفصلا يطول الكلام والتسعة اذا جعلتها في الشكل المثلث يستخرج آدم ومن ضلعه الايسر حوا فهو اول من ظهرت فيه آثار الالوهية وشؤنات الرحمانية والعرش المستوي للرحمن وبه ينشأ الفيض وينتشر في ابنائه وفروعه وتوابعه بالبدلية لا بالصفتية ولا بالتأكيد بل على جهة البدل وكل آدم ثان مثال وصورة للآدم الاول او تفصيل وتمييز لمراتب الاول التي كانت مستجنة فيه ومندرجة في غيبه فعلى ما ذكرنا تعدد الآدميون بتعدد اصول الخلق وبتعدد الافلاك التسعة في كل عالم وهذه الاصول على وجهين احدهما اصول كلية جامعة شاملة لما تحتها من الاصول كالغصن الكبير من الشجرة الذي يشتمل على غصون كثيرة مشتملة على اوراق كثيرة وثانيهما خصوصيات الغصون المشتملة على الاوراق لا على الغصون فعلى الاول يمكن حصرها وتعدادها واختلفت الروايات عن الائمة السادات عليهم السلام فيه لا بمنطوقها وصريح لفظها وانما هو باشاراتها وتلويحاتها لكن ما وقع التصريح فيه منها ما رواه الصدوق (ره) في آخر الخصال عن الباقر عليه السلام لجابر الى ان قال عليه السلام اترى ان الله ما خلق الا عالم واحد وآدم واحد ( الا عالما واحدا وآدما واحدا خ ) والله لقد خلق الله الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين ه‍ وفي رواية اخرى ما خلق الله من التراب غير آدم ابينا وهذه المراتب الالف الف مرتبة الاصول وهذه الاصول كلها انما نشأت من اصل واحد لا من ذاته والا لم تتكثر اذ الذات على صرافة بساطتها في الوحدة لا تنشأ منها الكثرات ولذا ترى ضرب الواحد في نفسه او في غيره لا يؤثر شيئا بل النشو انما هو من الصفات وقرانات النسب والاوضاع وملاحظة النسب بعضها مع بعض فاول ما يؤخذ من ملاحظة النسب من الاصول في الواحد هو الثلثة وهو العوالم الثلثة التي هي عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك وفي كل عالم آدم هو الاصل وله اولاد تشعبوا منه اما من سنخ ذاته او من امثاله واشباحه فالآدم في الجبروت العقل الكلي والعقول الجزئية اشباحه وامثاله قد ظهرت منه وتعود اليه وآدم الذي يكون اولاده من سنخ ذاته في الجبروت هو النور الواحد العقلاني المنبعث من العقل الكلي الساري في كل العقول الجزئية فتكون حينئذ افراد العقول واشخاصها اولادا لذلك النور الكلي الساري فافهم وهو في عالم الملكوت هو النفس الكلية والنفوس الجزئية المتكثرة الظاهرة في افراد الخلق هي ظهورات تلك الكلية وامثالها واشباحها والآدم الثاني في هذا العالم كما ذكرنا في الجبروت حرفا بحرف وهو في عالم الملك العرش ابو الاجسام في الكلية والوالدان في الجزئية بالمعنى الثاني وبالطور الاول فكما ذكرنا في العقل والنفس ثم اذا لاحظت نسب هذه الثلثة بعضها مع بعض اذ لا غيرها تبلغ قراناتها ونسبها في اول اللحاظ تسعة وهي العوالم التسعة عالم القلوب وعالم الصدور وعالم العقول وعالم العلوم وعالم الاوهام وعالم الوجودات الثانوية وعالم الخيالات وعالم الافكار وعالم الحيوة وفي كل عالم آدم هو اصل ذلك العالم ويكون ما سواه من الاحوال الغير المتناهية كلها من فروعه وشعبه ذاتا ( او صفة خ ) او مثالا على المعنى الذي ذكرنا بوجهيه ثم اذا اضفت الى هذه التسعة واحدا لتنقلها الى الرتبة الثانية يكون عشرة وهي العوالم العشرة تلك التسعة المذكورة وعالم الاجساد ثم اذا لاحظت نسبة هذه العشرة بعضها مع بعض فاول ما يحصل من ملاحظة هذه النسب مائة عالم وهو ظهور تلك العشرة في عشرة عوالم عالم الوجود المطلق وعالم الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وعالم الانبياء وعالم الانسان وعالم الملك وعالم الجن وعالم البهائم وعالم النباتات وعالم الجمادات وعالم الاعراض وكل عالم له آدم متأصل يكون ما عداه من شعبه وفروعه اما امثاله واشباحه او ابداله واشباهه على التفصيل الذي ذكرناه بالاجمال ثم اذا لاحظت نسبة هذه المائة مع العشرة يكون الحاصل الفا وهو ظهور كل من هذه المائة في عشرة عوالم عالم المسميات عالم الاسماء عالم الافئدة وعالم العقول وعالم الارواح وعالم النفوس وعالم الطبيعة وعالم المادة وعالم المثال وعالم الاجسام وفي كل من هذه العوالم آدم وهو اصل ذلك العالم وعليه يدور رحى ذلك العالم كما ذكرنا ثم اذا لاحظت نسبة هذا الالف بعضها مع بعض يكون الحاصل الف الف وهو المراد من قوله عليه السلام المتقدم من ان الله تعالى خلق الف الف عالم والف الف آدم وهو مجموع نسب الاصول من الاصل الواحد وكذلك اذا لاحظت نسب هذا الالف الف بعضها مع بعض يبلغ تلك الملاحظات الى ما لا يدخل تحت حصرنا وعدنا وانما هو مختص بالله عز وجل ومن اشهده ( الله خ ) خلق السموات والارض وخلق انفسهم وفي كل عالم من هذه العوالم الكثيرة آدم فقوله عليه السلام انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين يريد به الكون الجسماني او الاعراضي وهو مركز للعوالم كلها بروابطها وقراناتها فتدور عليه العوالم مستديرة بتنقلات الاطوار واختلاف الاوضاع ليكون كل وضع وكل طور مبدأ حكم من الاحكام الوجودية التكوينية بسيالية وجودات الاشياء في الايام من ايام الشأن وهو قوله تعالى كل يوم هو في شأن وكل هؤلاء الآدميين لهم اولاد وقد اخذ عليهم الميثاق بولاية عليّ عليه السلام ويدخل الجميع في قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى وليس هذا العموم من اللفظ من باب الاشتراك حتى ترد عليهم شبهة عدم الجواز وانما هو حقيقة بعد حقيقة فما هذا شأنه لا يجمع المعنيين صقع واحد فيكون المراد منه دائما معنى واحد الا انه لاهل كل عالم بلسانه واصطلاحه فقوله عليه السلام مع من تقدم مع آدم الاول يريد عليه السلام بالتقدم التقدم الحقيقي السرمدي لا التقدم الزماني والمكاني والشرفي والطبيعي بل التقدم الذي يجمع المتأخر بعين كونه المتقدم الذي انقطع عنده الماضي والحال والاستقبال ويجمع المتفرق ويفرق المجتمع وهو عاد لوجود الموجودات كلها ولا يعده شيء الذي قد سبق وجوده الاحوال والاطوار في الاكوار والادوار وكلها محبوسة تحت حيطته وسابحة في لجة احديته قد انقطعت دونه المدارك وتحيرت عنده المشاعر وسنتكلم عن هذه الاولية اذا آن اوانه وحان وقته عند قوله عليه السلام انا الاول والآخر واما آدم الاول فهو المشية مبدأ الوجود المطلق ومقام كن وعالم فاحببت ان اعرف والذكر الاول والاختراع والابتداع وهو آدم لانه اول من اقر لربه بالربوبية ولنبيه وامامه بالطاعة والولاية واصل واحد قد ظهرت منه الاصول الثلثة والتسعة والخمسة والاربعين والثلثمائة والستين والالف والف‌الالف وحواءه ارض الامكان الراجح فلما تعلق بها وادلج فيها نشأت منهما الاولاد ذكورا واناثا وهو قوله تعالى يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء فالرجال ما تولدوا من الجهة اليمنى اي الوجه الاعلى وهم الاسماء والصفات المتولدة من تعلق الوجود المطلق بارض الامكان من جهة العليا والنساء هي الوجوه والجهات الفعلية المتعلقة بالمفعولات والمشاءات المتقومة والمنشعبة المتفرعة عن المشية الكلية واما آدم الثاني هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وحواءه الارض ( ارض خ ) الجرز واول اولاده العقل الكلي ثم الروح الكلي ثم النفس الكلية وهكذا الى آخر مراتب العرش المركب من الانوار الاربعة وعلى هذا القياس سائر العوالم والآدميين كل آدم له حواء ومن كل منهما في كل العوالم وقع ما اخرجهما عن الجنة ثم عادا وتابا فقبل الله توبتهما واسكنهما ارضه الى ان يرث الله الارض ومن عليها الا ان معصية كل آدم على مقتضى مقامه ورتبته مع حفظ حكم حسنات الابرار سيئات المقربين فتفطن فان المسلك وعر يحتاج الى شرح وبسط وليس لي الآن اقبال ذلك والاشارة المجملة الى شيء يسير منه فاعلم ان اعلى مقامات الجنة هو الرضوان واعلى مقاماته لقاء الرب ومشاهدة جماله بلا حجاب في مقام ذات المشاهد الرائي ومقام السكر الذي لا صحو فيه ورتبة الصحو التي لا سكر فيها ولا تسع ذلك المقام سنة ولا نوم فالمشية اعلى مقاماتها هيكل التوحيد وسر التفريد على اعلى المعاني ويعبر عنه ولا عبارة باحببت والمحبة التي هي حجاب بين المحب والمحبوب ومقام المحبوب من غير ملاحظة المحبة وهذا المقام هو الجنة التي لا اعلى منها بل الجنة انما هي الظهورات العلوية لهذا المقام فاذا تعلقت بحوائها التي هي ارض الامكان وتحقق الزواج ونظرت الى الامكان ظهرت الكثرات الاسمائية والصفاتية والتعلقات الامكانية والكونية فتنزلت الى ارض الكثرات والاضافات والحجب بعد ما كانت في السماء في جنة المشاهدة وصرافة الوحدة وهذا التنزل ما كان سببه الا ارض الامكان التي هي حواء ( حوائه خ ) واكل الشجرة هو النظر الى مقام الانية المتطورة باطوار الكثرة المدعية الساجدة للشمس من دون الله فهم من فهم وهذا ( هكذا خ ) الحكم في كل المراتب لقد ملكتك القواعد ان كنت علامة يحصل لك منتهى المطلب والله الموفق

قال عليه السلام : ولقد كيف لي فعرفت وعلمني ربي فتعلمت الا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد لاخبرتكم بما كانوا وما انتم فيه وما تلقونه الى يوم القيمة علم اوعز الى فعلمت

اعلم ان العلوم على قسمين علوم لا كيف لها وعلوم لها كيف والاولى على قسمين حقيقية واضافية ومرتبة الاضافيات تختلف في البساطة والكثرة فالتي لا كيف لها هي العلوم التي لا تحدها الادوات والمشاعر من العقل وما تحته وانما هي خاصة بادراك الذات والكينونة فيدركها الشخص بذاته ليتحد هناك المدرك والمدرك والادراك وهي العلم بمعرفة الله سبحانه ومعرفة صفاته واسمائه وازليته وابديته وخفائه وظهوره واوليته وآخريته ومعرفة علمه وقدرته وحيوته وسمعه وبصره ونحو احاطة العلم بالمعلومات قبل المعلومات وبعد المعلومات وكيفية صدور الاشياء من المشية وصدورها من الله عز وجل ومعرفة انتفاء الخالقية والفاعلية في الذات الاحدية ومعرفة النفس التي هي معرفة الرب ومعنى ان هذه العلوم لا كيف لها هو ان الناظر حين النظر اليها لا يلتفت الى جهة دون اخرى والى حد دون آخر والى تمييز واشارة وعبارة وانما يعرفها بالوجدان من غير ان يرى لها صورة ثم يعبر عنها في مقام التميز بعبارة منبهة للمراد على حكم الاستعداد ومرادي بالكيفية الكيفية العقلانية والروحانية والنفسانية والمثالية والجسمانية والمقادير العرضية والا ففيها ولها كيفية لا تدركها العقول وانما تدركها الذوات ومرادي بالاضافية والحقيقية نفي التمييز والحدود مطلقا على اي حال في الواقع الاولى ونفيهما في الواقع الثانوي اي في نفس الامر وبيانه بالاجمال ان التجلي في المجلي الاول ليس الا نفسه فلا يحكي ولا يصف الا الواحد المحض اذا نظر الى نور العظمة في مقدار سم الابرة والتجلي في المجلي الثاني انما هو بالاول فالثاني فيه ظهوران ونفس ظهور نفس الاول الذي هو خلاف كينونة الاول كما اذا نظرت الى المرآة الثانية المقابلة للاولى المقابلة للشاخص فتري في الاولى صورة المقابل وحدها وفي الثانية صورتين ومرآة وفي الثالثة ثلث صور ومرآتين وهكذا ولما كانت الكثرة في كل رتبة ( مرتبة خ ) من لوازم ماهية تلك الرتبة فاذا ازال الانية ارتفعت له الهوية فتنفي عنده الكثرات وتبطل القرانات ويكون ذلك المقام عنده اعلى مقامات التوحيد مع ان هذا المقام هو ظهور انية العالي فلو وصف الحق بما يصف به السافل لوصفه بغير ما هو عليه ولشبهه بخلقه بخلاف السافل فان هذا هو حقيقة التوحيد بالنسبة اليه فالكيفيات في الرتبة الثانية وان ارتفعت فيها لها لكنها باقية عند من هو اعلى منها ومن العلوم التي لا كيف لها بالاضافة العلم بمسألة سر الامر بين الامرين وسريان نور الاختيار في كل الاقطار بكل الاطوار وتحقق القابلية المقبلة والمدبرة حين الايجاد لا قبله ولا بعده ووقوع الخطاب عليها ليكون المخاطب نفس الخطاب الواقع في الحد المخصوص وتحقق ذلك الحد بذلك الخطاب لان هذه الامور انما حصلت قبل التركيب في التكوين والكون التقييدي والعقل اول ما ظهر من المركب فلا يدرك الا المركب من حيث هو كذلك لان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظائرها ولا شك ان حال التركيب في الاقتضاءات غير حال البساطة وهو ظاهر معلوم لمن يفهم الكلام ومجمل القول اسرار باطن الباطن وما فوقه كلها من العلوم التي لا كيف لها من الكيفيات المدركة للعقل واما العلوم التي لها كيف فهي علم الشريعة وعلم الطريقة وما يتعلق بهما في التكوين والتشريع من العلوم الكلية المعنوية والعلوم الجزئية الصورية والعلوم الشبحية المقدارية والعلوم الجسمانية وجملة ما احاطت به دائرة الوجود المقيد اذ كل ذلك مما له كيف من انحاء احوال الكلام وما يترتب على قرانات الاشياء واضافاتها واوضاعها من العلوم التي لا نهاية لها فاذا عرفت هذا فاعلم انه عليه السلام لما ابان عن سعة علمه الشريف واحاطة دائرة مقامه المنيف وانه علم ما كان وما يكون وما كان في الذر الاول من احوال البدو التي هي تمام احوال العود فانه عليه السلام في القوس الصعودي وكذلك الخلائق كلهم فكل من اخبر عن حكم من احكام البدو فانما قطع مسافة العود ووصل الى ذلك المقام في البدو فكان عوده عين بدوه فاذا ثبت ان العود هو عين البدو وان المخبر في القوس الصعودي فانما وصل الى البدو عودا كما قال عز وجل كما بدأكم تعودون وقد اخبر عليه السلام عما كان في الذر الاول في الكون الاطلاقي في اعلى مراتب الوجود الراجح وكان فيه ما ربما قد يتوهم ما توهمه بعض الغلاة من حكاية الاستقلال وعدم توهم الاضمحلال اشار عليه السلام الى رفع هذا التوهم واثبات كمال رتبة العبودية وشدة الفقر والحاجة فقال عليه السلام ولقد كيف لي على بناء المجهول يعني ان هذه العلوم التي ذكرت اني جامع لها ومحيطا بها ليست هي مني بالاستقلال وانما هي امور قد وصفها الله عز وجل وكيفها اي ابان كيفها وكشف عن حقيقتها لي من فضله وكرمه وعلمني بالاسم الاعظم الاعظم الاعظم المكنون المخزون الطهر الطاهر الذي قد جعله عندي فعرفت ذلك بتكييفه تعالى وتوصيفه ثم بتسديده فعرفت ما كيف لي والقى عليّ من السر المكنون والدر المصون فعرفت ما القى عليّ بصحة القابلية ونور الهداية وبذلك فزت مقام السبق ولما اشار الى العلوم التي كانت في الذر الاول والى الاسرار المطوية المكنونة المستودعة في آدم الاول من حجب الغيب مثل حجاب الدر في السر المقنع بالسر في اعلى مراتب آدم الاول وحجاب العقيق الاصفر في ثاني مراتبه والحجاب الاخضر حجاب الزمرد والحجاب الاحمر حجاب الياقوت في المقامات العلوية من آدم الاول والى ظهور نقطة علمه عليه السلام بما كان وبما يكون كل شيء في رتبة وجوده قبل وجوده وشهوده وامثالها من العلوم والاسرار التي عرف الوجه السفلى الذي هو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من الوجه الواحد السفلى الذي هو كذلك من الوجه الواحد السفلى الذي يريده عليه السلام العارفون الكاملون باعلى مشاعرهم الذي هو ذواتهم وحقائقهم التي لا كيف هناك ولا حد ولا وضع ولا اضافة ولا نسبة بل عرفوها بما كل الجهات عنده جهة واحدة وكل الاطوار طور واحد وكل الشؤنات المتكثرة المتضادة المتخالفة لا تحجبه عن ظهور الوحدة السارية في الكل ومشاهدة كل شيء في مكانه وقد انتفت عنده كل الجهات العقلية والروحية والنفسية والمقدارية والجسمية فلا يشك ( فلا شك خ ) ان تلك العلوم التي لا يدرك ظاهر قشرها الا بذلك المشعر المنزه عن كل الجهات لا تكون لها جهة ولا كيف اراد ان يبين على ان تلك المراتب والعلوم التي لا كيف لها عند الخلق لصرافة وحدتها وكمال بساطتها كلها عنده عليه السلام مكيفة محدودة متمايزة متكثرة مختلفة نسبتها اليه عليه السلام نسبة الامور المشاهدات بالابصار الجسمية الى المعارف والاسرار الغيبية والاسماء والصفات الحقية الالهية ولذا قال عليه السلام انه كيف لي ما وصفت لكم وان كان لا كيف له ولذا اتى بصيغة الكيف التي هي اخص من الوصف وان كان يريد عليه السلام بذلك الوصف لكن خصوصية ( خصوصيته خ ) للسر الذي قلنا لك ان الغيوب كلها عنده عليه السلام حاضرة مشهودة والسرمديات التي عند الخلق من رتبة الانسان زمانيات عند الانبياء والمرسلين والسرمديات التي عند الانبياء في المعارف اللاهوتية والاسرار المقنعة بالسر من اسرار الباطن في مقامات السبعين في مقام الوصف ومقام الذات ومقام التشريع ومقام التكوين كلها بكل طور يفرض زمانيات عنده عليه السلام ومن معه في تلك الاجمة النابتة فيها قصبة الياقوت وسر اللاهوت وفي تلك السماء التي فيها الشمس المشرقة والنار المحرقة لان حقائق الانبياء عليهم السلام وذواتهم التي في مقام الكروبيين الذين قد تجلى رجل منهم لموسى الذي هو من اولي العزم من الرسل بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا واولئك الملائكة كلهم شعاع من فاضل اجسامهم عليهم السلام فاذا كل الوحدات في كل العوالم بكل الاطوار في كل فرض في مقامه وعالمه عليه السلام كثرات مكيفة محدودة فافهم ما القيت اليك من السر المكنون وخلاصة المقال في هذه الاحوال هي انه عليه السلام كشف عن امور مهمة عظيمة :

الاول حكاية الاضمحلال وعدم الاستقلال لنفسه لانه عليه السلام جابر الكسير ومتمم النقصان في التكوين والتوصيف في التشريع لان الولاية الكلية هي النقطة التي عليها المدار في كل الاكوار والادوار وهي الربوبية اذ مربوب كونا وعينا وذكرا فكل شيء انما تشيأ بها في جميع مراتب كينونتها كما قال عليه السلام اذ كان الشيء من مشيته وقد سبق منا مرارا ان الامام عليه السلام هو حامل الولاية ومحل المشية فوجه الاشياء كلها اليه واستمدادها منه فلولا انه عليه السلام يصف نفسه بالحدوث والفقر والاستمداد من الغير لكان الخلق كلهم ناظرين اليه عليه السلام نظر استقلال ومتوجهين اليه بالعبودية فوجب عليه عليه السلام البيان في كل مراتب الاكوان حتى يفرق الناس بين الوجه وذي الوجه واليد وذي اليد ولذا لما ظهرت انواره عليه السلام واشرقت وتلألأت في عالم الانوار فظنت الملائكة انها نور الله عز وجل فسبحوا الله وحمدوه لتعلم الملائكة انهم عبيد كما رواه الصدوق عن عبد السلام بن صالح الهروي عن عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام عن عليّ بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا افضل مني ولا اكرم عليه مني قال عليّ عليه السلام فقلت يا رسول الله فانت افضل ام جبرئيل فقال صلى الله عليه وآله يا عليّ ان الله تبارك وتعالى فضل انبياءه المرسلين على الملائكة المقربين وفضلني على جميع المرسلين والفضل بعدي لك يا عليّ وللائمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا عليّ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا عليّ لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الارض فكيف لا نكون افضل من الملائكة وقد سبقناهم الى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتحميده لان اول ما خلق الله عز وجل خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة ان لا اله الا الله وانا عبيده ولسنا بآلهة يجب ان نعبد معه او دونه فقالوا لا اله الا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله اكبر من ان ينال عظيم المحل الا به فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة ان لا حول ولا قوة الا بالله فلما شاهدوا ما انعم الله به علينا واوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله رب العالمين لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا الى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده الحديث وهذا القول والتعليم هو نقش ما في حقائق الملائكة وسائر الخلق من سر التوحيد وانهم باب الله ووجهه الذي اليه يتوجه الاولياء كما مثلنا سابقا باسم الفاعل المشتق من الفعل المعمول له لكن في اسم الفاعل ليس الا ذكر المبدأ دون الفعل فلولا تلك اللطيفة المودوعة في اسرار الخلق لما اهتدى احد الى معرفة الله سبحانه ولقصدوهم بالعبادة والطاعة وهو قوله عليه السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عرف الله ولا عبد الله هذا الحكم التكويني واما الحكم التوصيفي التشريعي فكما في هذه الخطبة وامثالها من الكلمات مهما اظهر عليه السلام من سر الولاية شيئا قارنه بما يلزم منه العبودية والامكان والحاجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولذا قال عليه السلام ولقد كيف لي اي وصف لي وحكي لي هذه المقامات فالمكيف هو رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله عز وجل فكلما يأتي اليه صلى الله عليه وآله على وجه العموم والاجمال والابهام واللاكيفية يكيفه النبي صلى الله عليه وآله بكيفية تفصيلية لعلي عليه السلام كالعرش للكرسي فان الفيوضات اولا ترد على العرش على جهة الاجمال وعدم التميز فكيف ( فيكيف نسخة ٢٤٤ ) العرش للكرسي بكيفيات مخصوصة وحدود معينة في البروج والمنازل والصور والدوائر العظام والصغار وكالنقطة للالف وهي للحروف والكلمة فاثبت بهذا ان لا استقلال له بذاته فيما يرد عليه من الاحوال وهو المطلوب كما اشار عليه السلام بقوله انا ذات الذوات فاثبت ان الذوات كلها اعراض لا تجوهر لها ولا تحقق لها بانفسها الا بي ولما كان في هذا القول احتمال توهم الاستقلال صرح بالمراد بقوله عليه السلام انا الذات في الذوات للذات فاثبت انه عليه السلام ملك ومملوك للذات الثابت المستقل سبحانه وتعالى وهذه الطريقة هي صفة الكينونة الالهية الظاهرة في الرتبة الاحمدية المفصلة في الحقيقة العلوية حيث يقول عز وجل فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم وهذا التكييف في كل مقام وكل عالم بحسبه ومقتضي رتبته من العوالم الالف الف وغيرها مما احاطت به دائرة الوجود

الامر الثاني هو ان الاشياء من العلوية والسفلية في السلسلتين من الطولية والعرضية لا تدرك ولا تفهم شيئا من احوال الدنيا والآخرة باي نحو يفرض الا اذا وصفه الله عز وجل لها وكيفها له وعلمه اياها لان النور والمدد والفيض الذي هو العلم انما هو من جهته سبحانه قائم بمدد فعله قيام صدور وتحقق فلو انقطع عنها لانعدمت فالله سبحانه هو الذي يعرف الاشياء انفسها وخالقها وما لها وعليها كما قال عز وجل فالهمها فجورها وتقويها وقال ايضا سبحانه وعلى الله قصد السبيل وهو من معاني قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فالعلم المطلق سواء تعلق بكينونة الخالق او كينونات ( بكينونة خ ) المخلوقين فانما هو لله عز وجل يعلم من يشاء بما يشاء كيف يشاء والخلق في مراتبهم ومقامات وقوفهم ولواذهم بباب ربهم يسألون منه سبحانه العلم بالسنة اعمالهم وافعالهم واحوالهم واقوالهم وهو سبحانه يعطي كل ذي حق حقه من الجزئية ( الخزينة خ ) الخاصة به ويكيف له ما يناسب مقامه ويفيض عليه من الباب الذي توجه به اليه سبحانه فمن كان واقفا في مقام الاجسام ولازما لرتبة الجماد حسب عمله ( علمه خ ) بالاستعداد لا يكيف الله عز وجل له الا بالجمادات فلا يدرك قلبه الا ما ابصرت عيناه وسمعت اذناه وشمت منخراه وذاق بلسانه ولمست جوارحه واركانه وهم الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة او اشد قسوة ومن كان واقفا في مقام النفس ورتبة الصور والهيئات واشغلته الكثرات والهيئات ( الهته خ ) فلا يكيف له الا الصور والهيئات والمقادير المجردة والاشباح والهياكل وليس كلما اراد الواقفون في المقامين وجدوا بل اذا اراد لمن اراد ما اراد من الصور على مقتضى الكينونة ومن كان واقفا في مقام القلب ورتبة اللب وسائلا من الله سبحانه المدد من الانوار العقلانية والنفحات الروحانية يفيض سبحانه اياها عليه ويكيفها له بالكيفية الوحدانية ( الوجدانية خ ) من الصور الكلية والهندسات المعنوية وهؤلاء الذين طلبوا معرفة المخلوقين وان كانت السنتهم المقالية الكاذبة تطلب معرفة الخالق فان الذي يطلب معرفة الله بدليل المجادلة الذي هو مقام النفس او دليل الموعظة الحسنة الذي هو مقام القلب فانما طلب معرفة الممكن المخلوق لان تلك الادلة لا تقدر الا مخلوقا وان كان بعضها اشرف من الآخر ومن كان واقفا مقام الفؤاد ولائذا بباب المراد وقد هاجت له ريح المحبة المستدعية للاستظلال والاستيناس في ظلال المحبوب وايثار محبوبه على ما سواه فهذا هو طالب المعرفة الالهية والاسرار الاسمائية والصفاتية ولما كان هو طالبا للعلم بالله اكرمه الله عز وجل وعلمه وكيف له حقيقة معرفته بعدم الكيفية وعدم المثال وعلمه حقائق المخلوقين واحوال جميع مباديهم وشرائطهم ولوازمهم وما يوصلهم وما يقطعهم وما يصلحهم وما يفسدهم وما يؤل اليه امورهم وهذا الواقف قد فتح له الباب واذن له النواب فلا يمنعه ( فلم يمنعه خ ) البواب فيستمر عليه الفيض من جناب الحق عز وجل ولا نفاد ولا انقطاع ان هذا لرزقنا ما له من نفاد وفي الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهذا التكييف عبارة عن كتابة كون ذلك الشيء في رق مكانه وزمانه والكتابة عبارة عن نقش وجود الشيء على ما هو عليه فيما يصلح له فان كان المكيف بفتح الياء معرفة الله جل اسمه فهو عبارة عن ظهور التوحيد في حقيقة الشيء وظهور التوحيد عبارة عن القاء مثال من المثل الاعلى واحتجاب ذلك المثال بحجب الكينونة والمجموع اي المحتجب والحجاب حقيقة الشيء وظهور التوحيد والمعرفة انما هو في المثال وهو الجهة العليا من الشيء ووجه الله ذو الجلال وهو مقام الاحدية وان كان المكيف بفتح الياء اسماء الله وصفاته فهي منتقشة وموجودة في رتبة الواحدية وهي عبارة عن ظهور المثال بوجهه في مرآة الجلال بعد ما كان مصونا بنور الجمال في غيب الوصال ووجهه الى كل مرآة اي متعلق ظهور اسم وصفة وان كان فعل الله ومشيته فهو منتقش في لوح السرمد ومكان الامكان وان كان اثر فعل الله فهو منتقش ومكون في المتوسط بين السرمد والدهر ووجهه الاعلى ناظر الى السرمد بل فيه والسفلى ناظر الى الدهر بل فيه وهو ملتقي البحرين لكن كيفه وهيئته الانبساط والشمول والاحاطة وعدم النهاية وهو وان كان انزل رتبة من المشية لكنه قد ظهر حاكيا لها ودليلا عليها وهو عام واسع لعموم ( كعموم خ ) قدرة الله عز وجل وان كان القلم فهو في لوح المعاني ورق الدهر اعلاه وان كان اللوح فهو مكتوب في لوح الصور واوسط الدهر وان كان الاجسام فهي منتقشة ومكتوبة في لوح الزمان ورق المكان وقس عليه سائر المقامات والمكيف له ان كان اعلى من المكيف بالفتح فهو منقوش بجميع مراتبه على ما هي عليه بتوسط قلم ذلك العالي ومداد نوره في اقليم ظهوره فهو حاضر لديه حاصل عنده في ملكه متقوم بيد قيوميته وان كان اسفل منه فهو منقوش في حقيقة ذاته البسيطة قبل التركيب بحدود قابليته فلا يصل اليه الا اذ ( الى خ ) حل التركيب ووصل مقام البساطة وان كان مساويا له فهو منقوش في مراتب كينونته اي في حقيقة ذاته المركبة من الحدين فيصفه بما يقرأ من حروف نفسه وحدود ماهيته ولا ثالث في اقسام المكيف له وادراك السبب الاعظم هو من القسم الاول فقد كيف له كل شيء من البدو الى العود الى ما لا نهاية له في مقام الظهورات والتجليات والآثار والشؤنات فلا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء وهذا هو المراد من قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم من جهة مفهوم المخالفة

الامر الثالث ان ما من الله عز وجل لم يزل مقدما على ما من الخلق فلا يتصور رتبة في الخلق اي في السوي الا وقد سبق فيها شأن من شؤن الربوبية يكون ذلك الشأن مقوما لذلك الشيء في الصدور والتحقق والا لكان قديما غيره مستقلا بنفسه فيتحقق بذلك تعدد القدماء فلا يمكن القول بان القابليات يجب ان تكون موجودة قد سطع عليها نور الوجود فقبل كل منها ما اقتضته من الاعوجاج والاستقامة والشيقي ( فالشقي خ ) شقي بقابليته المتحققة قبل ظهور نور الوجود وكذلك السعيد ولم يتعلق بتلك القابلية جعل وليس لله فيه حكم وانما القابليات هي الاعيان الثابتة المستجنة في غيب الذات الحق عز وجل وشؤن ذاتية له وذاتيات الحق لا يقبل الجعل والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان كما هو مذهب اكثر الصوفية وقد صرح بذلك الملا محسن في كلماته ( الكلمات خ ) المكنونة ولا شك ان هذا القول باطل لا سبيل فيه الى الحق لان القابلية التي هي الاعيان الثابتة ان كانت هي عين الله سبحانه وتعالى فلا يتصور الاختلاف فيها في حد ذاتها وظهوره بالوجود لان ذات الله سبحانه لا يختلف ولا يتغير ولا يتبدل وان كانت غير الله فهل هي حالة في ذات الله او في غيرها فان كانت في ذات الله تعالى الله سبحانه فكان محلا لها وهو يستلزم التأثير والانفعال وان كانت في غيره سبحانه فقديم آخر سواه وبالجملة هذا القول لا ينطبق على قواعد اهل الاسلام ولا الاصول المقررة عن اهل البيت عليهم السلام ولذا عبر امير المؤمنين عليه السلام في هذا المقام مما ( بما خ ) هو صريح الرد عليهم حيث قال عليه السلام ولقد كيف لي فعرفت التكييف ونسبه الى غيره ثم اتى بالفاء التعقيبية في القبول للدلالة على ان القابلية مؤخرة عن المقبول والمخاطب مؤخر عن الخطاب بل ليس الا نفس الخطاب الواقع على الحد الخاص في رتبة من المراتب وذلك الحد هو القابلية وهو ( هي خ ) امر عرضي لا قوام له الا بذلك الخطاب فقوام المخاطب بالخطاب وظهور الخطاب بالمخاطب وهو السر في كن فيكون ووقوع الخطاب على المخاطب هو السر بين الكاف والنون لكن في هذه المسألة سر دقيق لا ينكشف الا بنور التوفيق والهداية بالاعتصام بعروة اهل بيت العصمة والطهارة ولا احب شرح هذه المسألة في هذا المقام لادائه الى ما لا يحسن من الكلام فان سر الخليقة ابى الله ان يطلع عليها الا الخواص من الاعلام فلا حظ فيه لغيرهم من العوام مع انا قد اشرنا اشارة مجملة ولوحنا التلويح التام لمن يفهم الكلام

الامر الرابع ان حكم الله سبحانه على كل المخلوقات واحد وفيضه لكل الممكنات عام فلا تفاوت بين خلق وخلق في اصل الافاضة والاعطاء والفيضان كما قال عز وجل وما امرنا الا واحدة لانه سبحانه واحد وفعله واحد واثر فعله واحد ولو جوزنا صحة صدور الكثرات من الواحد من جميع الجهات فلا موجب لذلك اذا كان المصدر البديع حكيما لكن لما كان جريان فيضه ( فعله خ ) تعالى من بدو الامر الى عوده الذي هو عين البدو على جهة السؤال والطلب والنداء من غير الاضطرار والمنع ليأخذ النصيب من فيضه سبحانه كل من على حسب شهوته واختياره وارادته لئلا يكون للناس على الله حجة اختلفت الموجودات بالشرافة والكثافة والقرب والبعد والتابعية والمتبوعية باختلافهم في التلبية والاجابة في التكوين والتشريع فمن لبي اولا توجه ذلك النور الاعظم والفيض الدائم الاقدم اليه فحبسه بالتلبية لديه فكان سراجا وهاجا قابلا لما يفاض عليه من فوارة النور وعارفا لما يلقي اليه من الاسرار والمعارف غير معوج الفطرة بل على الاستقامة الكاملة الحقيقية التي لا اكمل منها فيعرف بذلك جميع اسرار المبدأ والمعاد ويبلغ به منتهى المقصد والمراد فيتسع قلبه جميع المرادات الالهية من الخلق على ما قال تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ه‍ وهذا المؤمن هو اول من آمن بالله ولبي نداء اني انا الله فبصفاء القابلية ونورية الطوية والسريرة التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار عرف ما كيف الله تعالى له من العلوم والاسرار بنفس تلك العلوم الحاصلة عند التلبية فسبق هذا العارف بمعرفته الحاصلة من الله سبحانه بصفاء قابليته ( القابلية خ ) المسببة عن سرعة اجابته لدعوة ربه الخلق كلهم في العلم والمعرفة وكذلك المراتب انما اختلفت بذلك عند من يفهم الكلام فالامام عليه السلام انما نبه على السر اهله بهذه الدقيقة باني ما نلت هذه المرتبة ومافزت بهذه الدرجة لنسبة بيني وبينه تعالى سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا وليس انه جبرني بذلك كلا وحاشا وهو اكرم واعظم من ذلك ولا اني مستقل في ذلك والله اجل واعظم من ذلك ليستقل في ملكه غيره وانما هو منة من الله عليّ بالعطية قبل الاستحقاق وانا قبلت ذلك منه بتوفيقه ولولا قبولي لم اصل الى ما وصلت ولولا عطيته لم اكن شيئا ولم اعرف حرفا فهو عز وجل كيف لي وانا عرفت ما كيف والا فالتكييف واقع وليس انه سبحانه كيف لي دون غيري وانما هو تكييف وحداني سار في جميع الذرات ولكني عرفت ذلك دون الخلق كلهم فسبقتهم بالعلم والمعرفة واليقين على حسب قبولي وطاقتي ( طاعتي خ ) فالقبول له مدخلية تامة في وجود الشيء ولولاه لم يوجد كالانكسار للكسر ومن هذه الجهة سبق آدم على الملائكة لما علمه الله سبحانه الاسماء فتعلم وماقدرت الملائكة ان تتعلم من غير واسطة البشر فامر آدم عليه السلام بانبائهم اياها فتعلموا عن الله بواسطة آدم عليه السلام وليس ذلك الا لتقدم آدم عليه السلام بالاجابة والتلبية وتبعية الملائكة اياه ولذا سجدوا له وتعلموا منه على ما تقتضي رتبتهم وتطيق كينونتهم وذلك لتقدم قابلية آدم عليه السلام على قابلية الملائكة وهذه القابلية لم تكن شيئا قبل وجود المقبول وانما هي وجدت حين وجود المقبول ( القبول خ ) بوجود المقبول كما ذكرنا والى هذه الدقيقة اشار عليه السلام بقوله ولقد كيف لي فعرفت وعلمني ربي فتعلمت فاثبت بذلك الامر بين الامرين وابان عن وجه الجمع بين كل الكلمات المتنافية كما يعرفه اهله من اهل الاستيضاح والحجة

الامر الخامس اشار بقوله عليه السلام : وعلمني ربي فتعلمت اشار بالتعليم الى تمكين القابلية وانه من شرط وجود الشيء وهو من جهة الفاعل لا من جهة القابل فان تحقق وجود الشيء يتوقف على امور الاول الفاعل الثاني اثر فعل الفاعل الذي هو المقبول الثالث القابل الرابع نسبة المقبول الى القابل الخامس نسبة القابل الى المقبول السادس تمكين القابلية لصلوحها لقبول فعل الفاعل كالنار المتعلقة للدهن للاستضائة فان الدهن بكثافته لم يستأهل لقبول النور والاستضاءة فالنار تكلسه وتلطفه وتزيل اوساخه تمكينا لقابليته واصلاحا لها للقبول والمراد بتمكين القابلية تخلية السرب ورفع الموانع بينه وبين اثر الفعل فاظهار العلم اي النور الوحداني النقطة الحقيقية التي كثرها الجاهلون هو رتبة المقبول والحدود المشخصة والظهورات المعينة الخاصة بذلك العلم ومكث ذلك العلم في تلك الحدود رتبة القابل ورفع الموانع وعدم الحيلولة بين العالم اي القابل المستأهل للعلم وعلمه الخاص به هو تمكين القابلية وهو المسمى في عرف العلماء بالتعليم وهذا التمكين الذي هو التعليم على انحاء مختلفة واطوار متشتة ويجمع الكل الدليل لارائة السبيل فالدليل من تمام القابلية فما من الله سبحانه ( وتعالى خ ) اولا وبالذات اربعة امور لا دخل للعبد فيها شيء ان وجد في شيء ( الشيء خ ) هذه الاربعة فيريد الفاعل ( فيريده الله الفاعل خ ) سبحانه والا فلا واثنتان منها للقابل اي من الله سبحانه وتعالى بالعرض لا بالذات ولا تكملان الا بتلك الاربعة وبالمجموع اتمام الشيء فلو اخل بواحد منها لم يحصل الشيء وهذا هو السر في الامر بين الامرين وسر تعقب الاشياء بعضها عن بعض وسر الاختلاف مع تساوي نسبة الباري بكل مخلوقاته وسر الابتداء الزماني وانتهائه فان الفيض الاول دائم قائم لا تعطيل له فلا يعرف له اول ولا آخر ولكن المفاض عليه في اصل تحققه او لعدم استيهاله اول المرة لقبول الفيض يتقدم ويتأخر وكذلك ظهور الفيض فهم من فهم

الامر السادس اشار عليه السلام الى مقامه ومرتبته في التلقي في التكوين والتشريع فان مقام الخلق مقامان الاول مقام الاجمال والابهام والعماء واللاتعين وهو مقام النقطة الحقيقية الغير المتطورة بالاطوار الغير الظاهرة بالانوار قد غشيها نور وحدة المبدأ وصفة كينونته فزاغت عنها الابصار وانحسرت دونها الافكار وصفت عن كل الاكدار وزالت عنها كل الاغيار فهي عماء محض ونور بحت ووجه الحق للاسماء ولها القيومية المطلقة لكن اذ لا متقوم فلا كيف في هذا المقام ولا حد ولا اشارة نعم له كيفية باطنية واينية غيبية لا تتميزها العقول ولا تكتنهها الاوهام الثاني مقام التفصيل والانبساط والتمييز والتعين وظهور الآثار الفعلية ونشو الاسماء الحسنى والصفات العليا وبروز التعلقات والاسماء المتقابلات ولا شك ان في الكون الاول لا وجود الا لمحمد وعليّ عليهما السلام ولا شك ان محمدا صلى الله عليه وآله هو الافضل والاقدم والاسبق فيكون مقامه صلى الله عليه وآله مقام النقطة مقام الابهام وعدم التكييف ولا شك ان عليّا عليه السلام هو التالي له صلى الله عليهما ولا فصل بينهما بشيء ابدا وهو عليه السلام اقرب الاشياء اليه صلى الله عليه وآله والله جل اسمه سماه نفسه فيكون المقام الثاني مقام التفصيل والتعيين والتمييز والاختلاف مقام عليّ عليه السلام وهو قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال النبي صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ فمقامه عليه السلام مقام التكييف والتوصيف والانبساط ولذا قال عليه السلام ولقد كيف لي فهو عليه السلام في عالم الوجود المطلق في مقام الالف والنفس الرحماني الاولى والازلية الثانية والسر المستسر بالسر وفي عالم الوجود المقيد من الخلق الاول خلق الانوار في مقام النفس الكلية وفي الخلق الثاني خلق الاجسام في مقام الكرسي وفي مقام السموات في مقام القمر وهكذا مقامه عليه السلام كما ذكرنا مرارا في مقام الصفة وظهور الربوبية اذ مربوب كونا وعينا وهو مقام الانبساط والانتشار والتفضل ( التفصيل نسخة ٢٤٤ ) ولذا قال عليه السلام كيف لي فان التكييف توصيف وتحديد وان كان يطلق على محض الصفة وحدها من غير كيف الا انه ليس من اصل وصفه وحقيقته بخلاف التوصيف فلو عكس الامر لم يؤد هذا المؤدي فافهم وفقك الله لما يحب ويرضى واشرب عذبا صافيا

الامر السابع اشار بذكر المعرفة والعلم وتقدم المعرفة على العلم الى الدليلين دليل الحكمة وهو المفيد للمعرفة وبه يعرف الله ويعرف ما سواه وهو دليل الكشف ومشاهدة الشيء على ما هو عليه ولذا اتى عليه السلام بالكيف في مقام المعرفة فان المعرفة انما تحصل بالفؤاد كما قال الصادق عليه السلام واذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة الحديث والفؤاد محيط بكيفيات ( بكليات خ ) كل الاشياء وكلها تحت مقامه فيدركها على ما هو عليه بخلاف المشاعر الاخر اذ لا تخلو واحدة منها عن الكيف ويريد عليه السلام بالكيف ما هو اعم من الكيف الذاتي اي الصفة الذاتية والعرضية من الاثرية وغيرها والمعرفة قالوا في معناها انها الادراك الثاني بعد الذهول عن الادراك الاول وقالوا ولذا لا يصح ان يطلق على الله العارف بخلاف العالم اذ ليس هذا الذهول شرطا في العلم كما في المعرفة وهذا الذهول انما حصل في القوس النزولي عند خطاب ادبر اذ في كل ( اذ كل خ ) مرتبة عالية تغيب في الرتبة السافلة وتستجن فيها استجنان الشجرة في النواة ثم يعدم شعورها ويبطل حسها الى ان ترجع الى مقامها في القوس الصعودي فهناك يحصل ادراك مقامها ومقتضياتها بعد ما كان ذاهلا عنها ولما كان الادراك التام والكشف الحقيقي والمعرفة الواقعية لا يحصل الا اذا نظر بمشعر الفؤاد المحيط بكل المشاعر ونظر به الى نور العظمة المنيرة لكل المراتب والمقامات فهناك يحصل له الادراك التام بعد الذهول ولذا اختص الواقفون بذلك المقام والواصلون الى تلك المرتبة باسم العارف واما مولينا امير المؤمنين عليه السلام فهو وان لم ينس المراتب المتقدمة حين تنزل لاستحالة السهو والنسيان في حقه في التكوين والتشريع لكن من جهة الالتفات في مقام يشغله شأن عن شأن قد يحصل له ذلك فان النفس حال الالتفات من حيث الالتفات الى النظر في المسألة الفقهية ( مثلا خ ) لا يمكن ان تكون ناظرة الى المسألة الهندسية والا لم يشغلها شأن عن شأن والمفروض انه ليس من صفتها وليس عدم الالتفات جهلا والا لم يكن عالما بشيء من الاشياء في الوجود وهو مكابرة وسفسطة واما اذا كان النظر بعين الفؤاد فتكون الالتفاتات كلها واحدا فينظر بنظر واحد الى الكل دفعة واحدة كالشمس الناظرة الى اشعتها المتكثرة لان التلقي عن المبدأ لا يكون الا بتلك العين وذلك النظر فعلى ما ذكرنا صح اطلاق اسم العارف عليه وعلى من معه في مقامه عليهم السلام ودليل المجادلة بالتي هي احسن وهو المفيد ( مفيد خ ) للعلم ولم يذكر عليه السلام ما يدل على دليل الموعظة الحسنة لعدم الحاجة اليه لان الوسط يعرف ويذكر اذا ذكر اعلاه واسفله لان الطفرة في الوجود باطلة فتم ما ( بما خ ) ذكره عليه السلام العلم بالموجودات من العلوية والسفلية كلها من منّ الله تعالى عليه عليه السلام فان الله عز وجل قد حصر الادلة كلها في ثلثة كما قال عز وجل ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فلو بقي علم في العالم اي ما سوى الله لم يقم الله سبحانه له دليلا يوصل الطالب اليه لما كان حكيما تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد نص امير المؤمنين عليه السلام بان الله عز وجل علمه مدلولات كل هذه الادلة فقد احاط بكل شيء علما ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ويريد عليه السلام بالرب هو المربي وهو رسول الله صلى الله عليه وآله او الحق جل وعلا ولا يكون ذلك الا بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله وسيأتي بيان كيفية هذا التعليم وسر هذا التفهيم ان شاء الله تعالى

قوله عليه السلام : الا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد لاخبرتكم اعلم ان الحق القديم تعالى وتقدس لم يزل في قدسه وازليته متفردا متوحدا لا شيء معه ولا غير عنده بل هو هو ولا يعرف كيف هو الا هو ثم انه سبحانه ظهر بالمحبة التي هي عين الظهور فاحتوى الظهور جميع السبحات الالهية والشؤن ( الشؤنات خ ) الربانية وكلما يمكن ان يظهر به بفعله وهذا الظهور اول الذكر وهو بامكانه بحر لا اول له ولا آخر ولا نهاية له ولا بداية له اذ لو انقطع حتى يحصل الابتداء كان الازل مقترنا بالفاصلة اذ العدم لا يصلح للانفصال اذن لا انقطاع والشيء مع لزوم الاقتران ان كان قديما يلزم تعدد القدماء وان كان حادثا فبطل الفرجة والفاصلة حتى تتحقق الاولية المسبوقة بالعدم وقد شرحنا هذه المسألة في كتابنا اللوامع الحسينية عليه السلام من اراد الاطلاع على حقيقة الامر فليرجع اليها وهذا الظهور وجهه الاعلى بحر الاحدية والواحدية ووجهه الاسفل بحر الامكان الذي هو العمق الاكبر وهو الامكان الراجح لجمعه كل شؤنات الحق سبحانه قد خزنها فيه ومنه يبديها لانه كل يوم في شأن اي شؤن يبديها لا يبتديها والوجه الاسفل من هذا الامكان الراجح هو الوجود وهو محل تلك الامكانات وموقع ظهوراتها وهو وان كان اضيق احاطة من بحر الامكان لكن لما كان اقرب الاشياء واول السابحين في تلك اللجة كان بينهما كمال المناسبة والمشابهة وهو ايضا غير متناه التعلق مع ورود الشؤنات الامكانية من ظهورات الاسماء والصفات عليه فلا نهاية لعجائبه ولا غاية لغرائبه ولا يتكرر ما فيه بل دائم السيلان والافاضة من بحر الجود والوجود الامكاني المستلزم لكمال التحير فكلما يمكن للازل ان يظهر في الامكان والاكوان كله دائما ترد عليه ولا نفاد لذلك ولا انقطاع وذلك البحر هو بحر العلم لان العلم ليس الا ظهور حقايق الاشياء شهودا ووصفا ولما كان ذلك الوجود اقرب الاشياء الى المبدأ الحق الذي ظهر فيه علمه وسلطانه وجبروته وملكه وقدرته كان له جمال يتلألأ وبهاء يتشعشع فصار ذلك النور مبدأ وجودات لاهل الرتبة الثانية وهو نور واحد قد انقسم الى الاقسام وانت تعلم ان الاثر وجه واحد من وجوه ظهورات المؤثر بل لو اردت حصر نسبة الوجه الواحد مع تلك الوجوه الكثيرة التي لا ذكر لشيء منها في ذلك الوجه الواحد لماقدرت ان تحصيها كثرة انظر الى نسبة قيامك وحده مع سائر ظهوراتك من قعودك واكلك وشربك ونومك ويقظتك وحركاتك وسكناتك وسائر اطوارك واوطارك من بدو امرك ووجودك الى منتهى اكوارك وادوارك ولا شك ان القيام وحده فاقد علم كل تلك الاطوار والآثار والظهورات وليس عنده الا محض الظهور بالقيام فلو رآك احد متكلما يحكم عليك بصفة الكلام خاصة ولا يعلم ان لك صفة اخرى غيره فاذا اتقنت ما قلنا لك علمت ان نسبة الرتبة الثانية الى المرتبة الاولى جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير واستغفر الله من التحديد بالقليل فليس عند الثانية الا رشح من وجه واحد من الظهورات والوجوه الغير المتناهية التي لتلك الرتبة العليا الاولى بل ولا نسبة فلو اخبر اهل الرتبة العليا بشيء من تلك الوجوه اهل الرتبة الثانية لانكروا وكفروا وقطعوا ببطلانه اذ لا يجدون ذلك عندهم ولا يمكن ذلك ايضا في حقهم فتكون نسبة اهل المرتبة الاولى مع السفلى نسبة العالم المطلق الى الجاهل المطلق ثم اذا اشرق نور من اهل المرتبة الثانية وظهر منهم اثر فتحققت به الرتبة الثالثة وتحددت بحدود كثيرة وخلقت منها ذوات كثيرة ذوات شعور وادراك تكون نسبة الرتبة الثالثة الى الرتبة الثانية نسبتها الى الاولى فيكون ما عند الثالثة وجه واحد من وجوه الثانية الغير المتناهية وذلك الوجه ايضا رشح لا اصل وذات فانظر الآن نسبة الثالثة في العلم بالرتبة الاولى بل لا يتحقق ( لا تتحقق خ ) نسبة ولا يعبر عن قلته بعبارة بل لا يفهم من تلك المرتبة وعلومها شيئا اصلا لا بالاصالة ولا بالتبعية وقد علمت المراد من هذه المراتب التي ذكرنا فان بحر الامكان الراجح هو المشية وبحر الوجود هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والرتبة الثانية رتبة الملائكة الكروبيين والمقربين والانبياء والمرسلين والرتبة الثالثة رتبة الانسان انظر الآن الى نسبة علم الناس الى علوم اهل البيت عليهم السلام هل لهم علم معهم عليهم السلام وهو المراد بقوله تعالى وبئر معطلة وقصر مشيد وقد قال الشاعر :

بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقي والبئر علمهم الذي لا ينزف

فلأظهر من علمهم ذلك للخلق ابدا لا الانبياء المرسلين ولا الملائكة المقربين فلا يذكرون عليهم السلام ذلك ابدا لاحد الا انفسهم بعضهم مع ( من خ ) بعض كما قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد لا الملك المقرب ولا النبي المرسل ولا المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام نحن نحتمله فانقطع طمع الخلق كلهم عن هذا ولا يطمع في ادراكه طامع وهكذا نسبة كل رتبة الى ما دونها وهذا لا سبيل له الى الاظهار ولا يجوز ذلك بل لا يمكن ايضا الا اذا انقلب الحقايق فيكون التابع متبوعا والشعاع منيرا والفرع اصلا وهو باطل بالضرورة نعم بذلك العلم يتكلم بعضهم عليهم السلام مع بعض في الامور المشتركة واما في الامور المختصة فيختصون عليهم السلام بحروف من العلم في باب التوحيد والمعرفة لا يحتملها ( لا يتحملها خ ) بعض آخر منهم عليهم السلام كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يختص بحرف من العلم لم يعلمه عليّ عليه السلام ولا يتحمله وكذلك عليّ عليه السلام بالنسبة الى سيدنا الحسن عليه السلام وكذلك الحسن عليه السلام بالنسبة الى مولينا الحسين عليه السلام وكذلك مولينا الحسين عليه السلام بالنسبة الى القائم المنتظر عجل الله فرجه وعليه السلام وكذلك القائم عليه السلام بالنسبة الى الائمة الثمانية عليهم السلام وكذلك الائمة بالنسبة الى فاطمة عليها السلام وذلك الحرف هو سر التقدم والتأخر فالمقدم عنده حرف يقصر عنه المتأخر في سر التوحيد واما في الاحوال المتعلقة بالخلق فكلهم سواء ليس واحد منهم اعلم من الآخر في ذلك وكذلك علمهم عليهم السلام لم يظهر للانبياء ولن ‌يظهر ابدا كيف وقد ظهر لموسى عليه السلام قدر من مثقال الذر من نور علمهم عليهم السلام في الرتبة الثانية لكن في اعلى مراتبها ما قدر ان يطيقه حتى وقع مغشيا عليه وايوب لما ظهر له عليه السلام نور من صفة علم عليّ عليه السلام في رتبة ايوب ماقدر ان يصبر حتى شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم وآدم عليه السلام لما ظهر له سر علم القائم عليه السلام في مقامه تحير وتوقف وهكذا سائر الانبياء عليهم السلام فكيف يطيقون علمهم عليهم السلام لا ما يطيقون ابدا ولا يتحملونها سرمدا فلا يجوز لهم الاظهار بوجه ابدا وكذلك سر بواطن القرآن الظاهر في حجاب العالمين ( العالين خ ) واليه اشار ما قال سيد العابدين حجة الله على العالمين في الشعر المنسوب اليه عليه السلام :

اني لاكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا ابوحسن الى الحسين ووصى قبله الحسنا

فرب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا

وليس هذا النوع من العلم هو المراد من قول امير المؤمنين عليه السلام الا فعوا ولا تضجوا الخ وان كان يمكن تطبيق هذه الابيات على المراد واما النوع فليس بمراد قطعا لانه عليه السلام لا يظهر للخلق ما ليس في مقامهم ويشهد بما قلت قوله عليه السلام لاخبرتكم بما كانوا وما انتم فيه اه بل المراد هو العلم الثاني الواقع في السلسلة العرضية وبيانه بالاجمال هو ان الله عز وجل لما خلق الانسان جعل له ثلثة خزائن لثلثة علوم وهي كليات تجمع الخزائن كلها والعلوم باسرها فالخزينة الاولى هي الفؤاد اعلى مشاعر الانسان وهذه خزينة واسعة لا نهاية لها وهي اشرف الخزائن واصل الخزينة هي واحدة وبابها واحد ومفتاحها بيد الله سبحانه لا سواه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل لكن في اطراف هذه الخزينة بيوتات متصلة بها ابوابها متصلة بتلك الخزينة الواحدة لا طريق اليها الا من الباب الاعظم الذي مفتاحه عند الله سبحانه ومخزون في هذه الخزينة علم الحقيقة اي معرفة الله سبحانه ومعرفة حقايق الاشياء كما هي مما قال النبي صلى الله عليه وآله اللهم ارني الاشياء كما هي وفيها دليل الحكمة والخزينة الثانية هي القلب ومفتاحه عند الملائكة العالين الاربعة الذين يستمد منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل والمفتاح الاعظم بيد الملك الاعظم روح القدس وهي خزينة واحدة مشتملة على اربع بيوت وهي القبة التي دخلها محمد صلى الله عليه وآله ليلة المعراج وكان مفتاحها بسم الله الرحمن الرحيم ورأى فيها اربعة انهار تجري من اربعة حروف من البسملة وفي هذه الخزينة علم الطريقة وتهذيب الاخلاق والعلوم المعنوية والاحكام اليقينية والمعاني الكلية ولتلك الخزينة حجرات كثيرة كل مسألة منها موضوعة في حجرة منها ومقفل عليها بقفل من النور وموكل عليها ملك خاص بها والخزينة الثالثة هي الصدر الى ( اي خ ) الجسم وهذه الخزينة مشتملة على ابواب وبيوتات كثيرة وحجرات غير عديدة لكن ابوابها يجمعها عشرون بابا وبيوتاتها ثلثمائة وستون بيتا وحجراتها لا تحصى كثرة ومفتاحها بيد اسرافيل او عزرائيل وفيها علم الشريعة وعلم ( علوم خ ) الصور والمجادلات بالتي هي احسن وكل مسألة من مسائلها في حجرة من الحجرات مقفلة بقفل من الفضة والحديد وموكل عليها ملك من الملائكة الخاص بها والعلوم كلها ترد عليه من الخزائن الثلثة المذكورة والشخص في القوس النزولي لما تنزل الى الجماد ثم اخذ في القوس الصعودي فمهما وقف في موقف من هذه المواقف الثلثة احتجب عن العلوم المخزونة في الخزانة التي هي اعلى منها فاذا ورد عليه شيء من العلوم المكنونة في تلك الخزينة العليا التي بابها قد انسد عليه ولم يفتح له ولم يشاهد ملكوت ذلك العالم يبادر بالانكار ويسرع الى الرد والابطال ويلج ( يلح خ ) في العناد والجدال ولما كان الناس في الاغلب واقفين على باب الخزينة الثالثة ولم يملكوا الباب ولم يأخذوا المفتاح بل اذا اورد ( ورد خ ) عليهم شيء يقفون بقابلية عملهم وفكرهم على باب تلك المسألة الخاصة ويلتمسون فتحها فان اراد الله عز وجل تفهيمهم اياها خاصة امر الموكل على ذلك الباب بفتحه فيعلمونها وهكذا والذين ملكوا المفتاح من ( لمن خ ) القليلين لم يبلغوا الى الخزينة الثانية العليا وان وصلوا وبلغوا اليها لم يستقروا فيها ولما كان وقوفهم في هذه المواقف السفلية اذا ذكر لهم شيء من اسرار الولاية الظاهرة في مولينا عليّ عليه السلام او سائر الائمة عليهم السلام او سر حقيقة من حقائق الكون مثل ما اذا قيل لهم ان الالفاظ كلها حقائق لا مجاز فيها وان القابليات مساوقات ( مساوقة خ ) للمقبولات في الظهور ومتأخرة عنها في الوجود وان الخلق كلهم امثال وادلة بعضها على بعض وان الوجود كله نقطة واحدة قد ظهرت باطوار واكوار وادوار وان كل شيء فيه بيان كل شيء وان الاشياء يدور عودها على بدوها وبدوها على عودها وان جميع الخلق كرات مستديرة صحيحة الاستدارة ( وخ ) مع ذلك شكلان مخروطان متوازيا السطحين وما انوجد شيء في التكوين والتشريع في الذات والصفة الا بالاختيار وان كل ذرة من ذرات الوجود ماوجدت الا بالولادة بالنكاح الصحيح على كتاب الله وسنة نبيه (ص) وامثال ذلك من اسرار المشتقات والمبادي واسم الفاعل واسم المفعول ومقامات المسمى والاسم وسائر ما لم يجر على قلمي ولم ينطق به فمي من اسرار الوجه السفلى من الخزينة العليا ولبادروا الى الانكار وقد اخبر الله عز وجل عن حالهم بقوله تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم هذا حال من لم يصل الى تلك المرتبة واما الواصلون ايضا فتختلف احوالهم لان تلك الخزينة تمتلي على قدر سعتها فكلما تتسع يكثر النور فيها فتزيد المعرفة وهذا الاتساع انما يكون بكثرة المرور عليها وقلته وشدة الاخلاص والتوجه في العمل وقلته فكلما ازداد نورا وضياء ازداد معرفة وعلما بخلاف الآخر الواقف في مقام السكون فانه لم يبلغ مقام الزيادة وهكذا فلم يزل الخلق تختلف علومهم بشدة سيرهم وضعفه وقوة طلبهم وعدمها الا ان الواصلين الى تلك الخزينة ارتفع عنهم الانكار وخلص لهم التسليم والانقياد اذ شاهدوا عيانا قوله تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا ومن هذه الجهة قال امير المؤمنين عليه السلام اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة وقال مولينا الصادق عليه السلام ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله وقال امير المؤمنين عليه السلام ما كل العلم يقدر العالم ان يفسره فان من العلوم ما يحتمل ومنه ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل وقال سلمان لعلي عليه السلام يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم الله قاتل سلمان لقلت فيك كلاما اشمأزت منه القلوب يا محنة ايوب الحديث وامثالها من الاخبار كثيرة والوجه واضح ظاهر واما المؤمن الممتحن الذي شرح الله صدره للاسلام ونور قلبه وهداه للايمان اذا ورد عليه شيء من ذلك ان عرفه فهو المطلوب والمني وان لم يعرفه يسهل عليه التصديق ولا يستنكف ان يقول لا اعلم ويسلم ولا يعترض فبقدر التسليم يوفقه الله للفهم والمعرفة القطعية الغير المشوبة بشيء من الشكوك والشبهات حتى لا يرتاب والناس في ريبهم يترددون وهم في كمال الراحة في دنياهم وآخرتهم ولذا ترى احاديث اهل البيت (ع) مشحونة بان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وفي رواية اخرى او مدينة حصينة قيل وما المدينة الحصينة قال عليه السلام هو القلب المجتمع وقال عليه السلام في وصفهم المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون نهجهم ( منهجهم خ ) فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى واوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم والخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلى فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل طوبى لهم الحديث فتمحض لك من هذا الكلام ان العلوم كلها مما يتعلق بها الادراك لمن هو تحت المشية على اربعة وجوه وجه منها يعم الكل من اهل تلك المرتبة ادناها واعلاها واسفلها وفي مقام الافتراق والاختصاص والامتياز يختص به الادنى والاسفل من اهلها والعالي اذا نظر اليه فانما هو بعد تنزله بظهوره ونوره او بتطوره وشؤنه الى الاسفل وهو الوجه الظاهر المشتمل على اللب والقشر وقشر القشر المعبر عنها بالوبر والصوف والشعر كما في قوله تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين والوجه الثاني منها ما يختص به الخواص من اهل الباطن في علم الاسرار الباطنية اللدنية كما في مقام الانسان معرفة ان الصلوة هي ولاية عليّ ( امير المؤمنين خ ) عليه السلام والزكوة هي البراءة من اعدائه والشجرة الطيبة والكلمة الطيبة والمثل الاعلى والكتاب المبين والآيات والصراط والقسطاس المستقيم وسبيل الله عليّ عليه السلام والطيبون من اولاده والصديقة الطاهرة (ع) ومقابلات ما ذكر ( ذكرنا خ ) لمقابليهم ومعانديهم ومعرفة ان اطلاق هذه الالفاظ عليهم عليهم السلام ليس من باب المجاز لقوة المناسبة ودلالة القرينة وانما هو من باب الحقيقة الاولية واطلاقها على المعاني المعروفة مجاز على الحقيقة وحقيقة على المجاز والوجه الثالث منها ما يختص به الخصيص من اهل باطن الباطن الذين قد وقفوا مقام نقطة العلم التي كثرها الجاهلون وفرقوا بين الفعل اللازم والفعل المتعدي فعرفوا معنى اسم الفاعل وكيفية اشتقاقه من المصدر واشتقاق المصدر من الفعل وكيفية انبعاث الفعل الى سبعة اطوار من الماضي والمضارع والامر والنهي والجحد والنفي والاستفهام وتطور كل من هذه السبعة الى اربعة عشر طورا او انبعاث الفعل الى تسعة لتجعل الاسم الفاعل والمفعول مما انبعث عنه وان كان بواسطة المصدر فظهر لهم حقيقة شكل المثلث المشفوع بالمربع المستخرج منه شكل الاستدارة والمخروط فرأوا ظهور الجميع في اليد فلاحظوا الخمسة الاصابع في العقود الاربعة عشر فاستنطقت ( فاستنطق خ ) لهم منها كلمة كن فعرفوا بذلك اسم عليّ عليه السلام لا معناه بملاحظة ما هو الحق المقرر في الاسماء ان الحرف الاول من الاسم عليه المدار وباقي حروف الاسم شرح لاجمال ذلك الحرف ولذا قال في قصيدته :

حتى اذا اتصلت بهاء هبوطها عن ميم مركزها بذات الاجرع

علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم والطلول الخضع

ولا تتوهم ان مرادي من هذه الكلمات اللغز والتعمية وانما اردت بها حفظ السر على ما قال الشاعر :

ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين

يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين

واهل هذه المرتبة هم المؤمنون الممتحنون الذين يتحملون اسرارهم كما في اخبارهم عليهم السلام والوجه الرابع ما يختص به من شاؤا وارادوا عليهم السلام بارادة خاصة من الخصيصين وليس هذا لهم مهما ارادوا وطلبوا بل انما هو تفضل وعطية يمنون به من سبقت له من الله الحسنى وبذلك تتفاضل درجاتهم واليه الاشارة في قولهم عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه ( للايمان خ ) قيل فمن يحتمله قال عليه السلام من شئنا وهؤلاء ممن تعلقت بهم عناية خاصة من الله بهم لان الله سبحانه يؤتي كل ذي فضل فضله والعلوم كلها لا تخلو من هذه الاربعة ولما كانت المراتب الطولية ثمانية كما ذكرنا مرارا تكون مراتب العلم بملاحظة هذه الاربعة في تلك الثمانية اثنين وثلثين مرتبة وان اضفت عالم المشية الى المراتب الطولية وجعلتها عالما مستقلا تكون المراتب ستة وثلاثين وان ثلثت هذه المراتب الاربعة كل مرتبة منها بملاحظة الاعلى والاوسط والاسفل تكون اثني عشر مرتبة فاذا لاحظتها مع الثمانية تكون ستة وتسعين ومع التسعة تكون مائة وثمانية وفي الاثنين والسبعين منها للانسان فيها حظ والباقي يخلص لغيره من المراتب العالية وكل هذه المراتب التي للانسان بالنسبة الى الدائرة المحيطة بها كالنقطة في الدائرة العظيمة وكل رتبة اذا نسبتها الى الرتبة التي يقابلها تتسع الدائرة وتنفرج الكرة وان كانتا في النوع متساويتين لكن ما عند العالي اوسع مما عند السافل بما لا نهاية له والى هذه الدقيقة في باطن الامر ولب السر اشار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث زينب العطارة ان الارض بما فيها ومن عليها بالنسبة الى الارض الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الى الارض السابعة والى البحر والى الثرى كل واحدة بالنسبة الى الاخرى كحلقة ملقاة في فلاة قي ثم قال صلى الله عليه وآله والثرى ومن فيها ومن عليها بالنسبة الى السماء الدنيا كحلقة ملقاة في فلاة قي والمجموع بالنسبة الى السماء الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الى الكرسي وهو مع ما فيه بالنسبة الى العرش كحلقة ملقاة في فلاة قي الحديث ويريد صلى الله عليه وآله بالحلقة في فلاة قي النقطة في الدائرة وهذا هو حكم كل سافل بالنسبة الى عاليه وهو كما ذكرنا لك من نسبة المراتب بعضها مع بعض وستة من هذه المراتب حظ العوام وبها يتخاطبون ويخاطبون ولا يراد منهم في مقامهم غيرها والباقي حظ الخواص والخصيص فتختلف احوال العوام عند استماع تلك المراتب فهم فيها بين عارف بكلفة شديدة ودقة عظيمة وبين مجوز لها على جهة الرجحان مع احتمالهم خلافها وبين محتمل غير منكر وبين منكر وبين مكذب حاكم للقائل بالفسق وبين مكذب حاكم للقائل بالكفر مع قبول التوبة وحاكم بالكفر والارتداد مع عدم قبول التوبة وتختلف احوالهم في مراتبهم في انفسهم ومراتبهم في مراتب العلوم

ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول

واذا عرفت ما سطرنا لك عرفت مراتب الخلق ومقاماتهم في العلوم فلا يشتبه عليك شيء من احوالهم ووقوفهم في مقاماتهم ومواقفهم ان سددك التوفيق وقادك التأييد ولما كانت العناية الالهية جرت في اصلاح القوابل السفلية وتمكينها لتحمل الانوار العلوية المشرقة من شمس فلك القدرة بانضاجها وطبخها لتتقوي لها وتتهيأ لتحملها والا لاحترقت لان ما من الفاعل في غاية الحرارة وما من القابل في غاية البرودة واليبوسة فلو القيت الحرارة على البرودة دفعة واحدة على حد الكمال لافنتها وعدمتها واحرقتها فلم يتحقق الشيء فلا بد من القاء الحرارة شيئا فشيئا حتى يحصل النضج ويتحقق ( تتحقق خ ) المناسبة التامة بين تلك القوابل وتلك الانوار حتى تكون صابرة ومتحملة عند اشراقها عليها وبرهان هذا على التفصيل في العلم المكتوم سيما عند ظهور القاضي الذي هو الانفحة باصطلاحهم اي النوشادر اذ في اول الامر يوقدون تحته نارا حرارته كحرارة جناح الطائر ثم يزيدون في النار كل يوم ضعف ما كان في اليوم الاول الى سبعة ايام فتبلغ الحرارة في اليوم السابع الى مقدار حرارة نار السبك فلو كانت الحرارة الحاصلة بعد السبعة في اليوم الاول لاحترق الثفل وفني ذلك تقدير العزيز العليم الحكيم

واذا فهمت هذا فاعلم ان عالم الشهادة آيات وامثال لما في عالم الغيب كما قال عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فكما ان في عالم الاجسام لم يتحقق الشيء الا بحلين وعقدين ففي الحل الاول والعقد الاول الغلبة والاستيلاء للرطوبة والبرودة والحرارة ضعيفة مغلوبة وفي الحل الثاني والعقد الثاني بعكس الاول بل الاستيلاء والغلبة للحرارة واليبوسة والبرودة والرطوبة ضعيفة مغلوبة فكذلك الامر في خلق الارواح وقد قلنا سابقا ان الذين خلقوا على الصورة الانسانية على ثلثة اقسام احدها من خلق ظاهرهم وباطنهم على الصورة الانسانية وهؤلاء الخصيص والخواص على اختلاف مراتبهم وثانيها من خلق ظاهرهم على الصورة الانسانية وباطنهم اي روحهم على الصورة الشيطانية من صور البهائم وحشرات الارض وهؤلاء المعاندون من الكفار والمنافقين وهاتان الطائفتان قد قضي لهم الامر وصيغوا على ما قبلوا من فيض الفياض فلا يكون هؤلاء من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء وثالثها من خلق ظاهرهم على الصورة الانسانية وباطنهم بعد لم يخلق وانما هو ساذج قابل للطرفين حيث غلبت عليهم الرطوبات البلغمية فثقلت مداركهم عن استماع الامر الالهي حتى يقبلوا او ينكروا وهؤلاء العوام الذين لم يذوقوا حلاوة المحبة ولم يردوا ماء المعرفة ولما كان الانبياء والرسل والكتب والاوصياء والعلماء انما هم لتتميم قوابل الارواح وتمكينهم للنضج والاصلاح ليستأهلوا للخطاب ويصاغوا بعد الخطاب بما نطق به الكتاب وقد قلنا ان هذا التمكين لا يحصل الا بالحلين والعقدين جرت عادتهم عليهم السلام مع العوام بذلك ان لم يكونوا من المعاندين فان كانوا قاطعين عالمين بشيء بالجهل المركب وهو غير مطلوب منهم بالكينونة الاولية وهم لا يعلمون ذلك فاولا يوردون عليهم السلام عليهم ما يبطل به قطعهم ويقينهم وينزلونهم منزلة الاحتمال والتجويز هذا اول الحل الاول ثم بعد ذلك ينزلونهم الى مقام الشك عما كانوا قاطعين به وهذا تمام الحل الاول وعقده ثم بعد ذلك يظهرون عليهم السلام لهم الحق الواقعي على جهة البرهان اللايق بهم وهو الحل الثاني ثم يلزمونه ( يلزمونهم خ ) عليه وهو العقد الثاني فاذا تتبعت كلماتهم عليهم السلام وسلوكهم مع العوام من هذا القسم لا تجد الا كما ذكرنا ولقد اوضح مولينا الصادق عليه السلام الامر كما شرحت لك في احتجاجه مع ذلك الزنديق الشامي حتى جعله بتوفيق الله مؤمنا خالصا وهو مذكور في الكافي في اول كتاب التوحيد وكذلك فعل الله سبحانه مع المنكرين للبعث حيث قالوا ءاذا كنا عظاما ورفاتا ءانا لمبعوثون خلقا جديدا قال الله عز وجل في الرد عليهم قل كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم فتنزلوا منزلة الاحتمال والتجويز حتى قالوا من يعيدنا فقال سبحانه قل الذي فطركم اول مرة ثم تنبهوا واحتملوا وجوزوا ذلك ثم سألوا عن وقته كما اخبر عنهم سبحانه فسينغضون اليك رؤسهم ويقولون متى هو قل عسى ان يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان ‌لبثتم الا قليلا وهذا هو نمطهم وديدنهم عليهم السلام مع المخالفين الغير المعاندين وان كانوا جهالا لا يعلمون ما يريدون عليهم السلام ان يلقوا اليهم ويعلمونهم فكما فعل امير المؤمنين عليه السلام في هذا المقام فقال عليه السلام الا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا لانه عليه السلام اراد ان يلقي اليهم اسرار الولاية الظاهرة في كينونات ذواتهم المخزونة في اعلى مراتب قلوبهم وافئدتهم وهم في مقام الجسم واقفون وبباب الجدال والقيل والقال لائذون فامرهم بالوعي وعدم الاضطراب وفي هذا تمام الحل الاول في الخلق الاول لان ما القي عليهم ( اليهم خ ) عليه السلام من اسرار هذه الخطبة هو نار جعلها الله في الشجر الاخضر الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية وبهذه النار نضج ثمار الجنة التي هي علوم الولاية ولما كانت القرائح جامدة والطبايع خامدة وغلبت الرطوبات الباردة وخفيت بل انطفت الشعلات الغيبية الواردة فلا يمكنها الصعود الى الدرجات العالية جعل عليه السلام في روعهم قبسة من قبسات النور على جبل الطور الظاهر في الشجرة المذكورة فامرهم بعد الالقاء بوعيها وحفظها بالسكون والاطمينان لتستقر تلك الشعلة وتجفف الرطوبة فلو اضطربوا وارتجوا واستغربوا واستبعدوا تفتح مسام القابلية فتخرج حرارة تلك الشعلة عن خلالها فلا تؤثر فيها ولا تنضج القابلية بها ومن هذه الجهة كثرت الثلوج في فصل الشتاء وانسدت المسام لتتوجه الحرارة الى الباطن وتتسخن القوي والجوارح بها لتمام نضجها وطبخها والا لفسدت القوي واضمحلت الاشياء فاول باب المعرفة والحكمة القبول والانقياد والسكون والاطمينان فلولا السكون لم يستقر القبول ولولا القبول لم ينفع السكون بل لم يتحقق وهذا للاستيهال لافاضة الفيض على تلك القوابل الباردة الفاسدة والى هذا الاشارة بقوله عز وجل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فذكر سبحانه وتعالى لتحقق الايمان امرين احدهما الاخذ من عليّ عليه السلام لا غير وثانيهما عدم الحرج والاضطراب بل التسليم والتصديق فبهما يتحقق الايمان الذي لما تجسد في عالم الاجساد والاجسام ظهر بالصورة الانسانية فبالامرين يتم نضج طبيعة الايمان ولذا قال مولينا الصادق عليه السلام على ما في الكافي انكم لا تكونوا صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا الحديث فجعل عليه السلام التسليم هو اول باب المعرفة واليقين فلا يكمل اليقين ولا تتم المعرفة ولا يستقر الحكمة الا به والتسليم كما فسره عليه السلام هو استماع الحق ووعيه باذن قلبه وعدم اضطرابه وعدم القول فيه لم وكيف واين وعلى م بل لا يجد في نفسه شيئا ويسلم الامر لاهله فان وجدوه اهلا ابانوا له وكشفوا عن حقيقته له فيعرف بما عرفوه اياه والا فلا يطلب ما ليس له بمصلحة فالمؤمن المخلص هو المسلم وهو الذي يعرف بحقيقة الايمان ان الخلايق باسرها عند آل محمد عليهم السلام كالدرهم في يد احدكم وهم عليهم السلام مطلعون بجميع احوالها واطوارها واوطارها فاذا ورد على احد من الخلق حديث من احاديثهم عليهم السلام فهم الذين اجروه على لسان القائل وسببوا الاسباب حتى اصغي اليه المخاطب او نظر الى المكتوب لحكم ومصالح اقتضت ذلك فان اقتضت الحكمة ان يعرفوه هيأوا له اسبابها على مقتضى ما يريدون بمقتضى استدعاء الدواعي وان اقتضت انكاره مع انه هو الحق في الواقعي الاولى لا النفس الامر الذي هو الواقعي الثانوي سببوا له اسباب الانكار اما باحاديث اخر تعارضه او بادلة عقلية او باجماع وشهرة واشارة في لحن الخطاب وفحواه ومفهومه وامثال ذلك وان اقتضت الجهل به في حقه ابقوه على حاله فلا يذكرون له معارضا ولا يجعلون قرائن وادلة موضحة ففرضه حينئذ التسليم والرد الى اهله والوقوف عنده والعمل بما استقر عليه المذهب ودلت عليه الاخبار المحكمة ولا يخوض في لجج المتشابهات ولا يطرح الاخبار ولا ينكرها فان صاحبها اولى بها لعلهم ارادوا بها ما لا يخالف المذهب ونحن لا نعرف ولا ندرك وجه التطبيق وهذا هو سلوك سبيل الرب ذللا فاذا واظب بالذي ذكرنا وتحقق الذي سطرنا وآمن قلبا بالذي قلنا فهو المؤمن الممتحن وقد دخل البيت من بابه ويفتح له ان شاء الله ابواب الحكمة وترزق المعرفة ولكن الموفقين لهذه المعرفة قليلون ومن هذه الجهة تراهم في كل واد يهيمون حيث اعرضوا عن ائمة الهدى عليهم السلام بلسان اعمالهم وارادوا فتح باب الشريعة بعقولهم ومداركهم فضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل

وقوله عليه السلام : ولولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد واليه اشارة ما روي عنهم عليهم السلام لم يبلغ الرجل كمال الايمان حتى يشهد الف صديق بانه زنديق وهذا الحديث ما رأيته مسندا في كتاب من الكتب المعروفة ولكني وجدته في حاشية من حواشي بعض الكتب ( مرسلا مقطوعا لكن تعاضده الاخبار ويشهد بصحته صحيح الاعتبار خ ) وقوله عليه السلام لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخي رسول (ص) بينهما فما ظنكم بسائر الخلق دليل على ذلك وكذا في قول عليّ بن الحسين عليهما السلام :

فرب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا

وكذا قوله صلى الله عليه وآله لو عمل سلمان عمل مقداد لكفر ولو عمل مقداد عمل سلمان لكفر وقول الصادق عليه السلام لمحمد بن هلال والى المدينة في سر حمل رسول الله صلى الله عليه وآله عليّا عليه السلام لكسر الاصنام الى ان قال عليه السلام ما معناه لو اني بينت لك ما اراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حمل عليّ عليه السلام لقلت جن جعفر بن محمد الحديث وقول سلمان لعليّ عليه السلام يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم الله قاتل سلمان لقلت فيك كلاما اشمأزت منه القلوب يا محنة ايوب فقال عليه السلام اتدري ما محنة ايوب قال لا قال عليه السلام لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول امر عظيم وخطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين ثم ادركته السعادة بي وامثال هذه من الاخبار كثيرة وليس معنى شهادة الف صديق بانه زنديق انه يظهر منه كلمات توجب ذلك حاشاه لانه من اهل السر وهو بنور التوسم يعرف المتحمل عن غيره فلا يذيع سر اهل البيت عليهم السلام المأمور بكتمانه عند غير اهله فلم يبلغ اذن كمال الايمان فان مخالفتهم عليهم السلام في اذاعة اسرارهم من افسق الفسق كما دلت عليه الاخبار المتكثرة فلا يراد منه ان المؤمن البالغ في الايمان حد الكمال يظهر تلك الاسرار بل المراد ان عنده ما لو اظهره للناس لشهد الف صديق بانه زنديق حيث ينزه الحق سبحانه عن كل اوصافهم وهم انما اثبتوا تلك الاوصاف زعما منهم بان الربوبية لا تكون بغيرها والذات الكاملة يمتنع ان لا تكون لها صفات كمالية فاذا وجدوا عنده مخالف معتقدهم وانه سبحانه منزه عما يقولون قدروا بانه كافر زنديق مع ان قوله هو الحق والله عز وجل يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون فاذا اتى العارف الكامل البالغ وقال انه سبحانه منزه عن التنزيه وليس مقام التنزيه مقام التوحيد فيقدر اهل التنزيه بان ذلك كفر وزندقة واذا ذكرت لاهل هذه المرتبة ما لا ينطق به فمي ولا يجري به قلمي يقدرون ان هذا تشبيه وكفر بل يحكمون على السفاهة والجنون كما قال روحي فداؤه فان العقل وقواه وجنوده ومشاعره ومداركه وكل الآلات البدنية والقوى الروحانية لم تبلغ تلك الدرجة والفوز بتلك الاسرار وانما هي سر بينهم وبين بارئهم في مكمن الغيب على سرير الحب فلا يسع ذلك المقام ملك مقرب ولا نبي مرسل فان اقصى مقامات النبوة مقام العقل والملائكة من اشراقاته وعكوسات انواره وحوامل ظهورات آثاره وذلك المقام ينحط دونه مقام النبوة والملائكة والمراد بالنبوة مطلقا في كل مقام بحسبه من الكلية والجزئية فان عقل كل احد نبي بالنسبة اليه كما دلت عليه الروايات المتكاثرة فاذا خرج ذلك السر عن مقتضي العقل وانما ظهر بطور الشهود في عالم اللانهاية من غير مستقر البداية في مقام النقطة السرمدية الجامعة بين النفي والاثبات والجمع والتفريق الجامعة للمتفرقات المفرقة للمجتمعات فيحكم على الليل بانه نهار في عين كونه ليلا وبالعكس فيحكم العاقل الواقف في مقام العقل بان ذلك جنون وسفاهة لكونه خارجا عن مقتضي العقل وليس لذلك الواقف سبيل الى ما وراه ليحكم بان ذاك ( ذلك خ ) حقيقة وما حكم به العقل وما دونه من المشاعر بالنسبة اليه مجاز فيحمل على السفاهة والجنون فيرون اقبح ما يأتونه حسنا ومن هذه الجهة بقيت العلوم كلها مكتومة لان الانسان الاكبر الذي هو العالم في القوس الصعودي وصل الى مقام البهائم والحيوانات مقام النفس الامارة بالسوء وقد تسلطت النفس واغلب اهل الدنيا في ذلك المقام واقفون وبذلك الباب لائذون فلا يسعهم ادراك تلك المقامات والوصول الى تلك الدرجات فلا يقبلون من الواصل ولا يسمعون من الكامل وهو قول مولينا الحجة المنتظر عجل الله فرجه في بعض توقيعاته لا لامر الله تعقلون ولا من اوليائه تقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر نعم اذا بلغ في القوس الصعودي مقام البلوغ الذي هو رتبة العقل فهناك يكمل ادراكه وتقوي مشاعره فيستغني كل عن علم صاحبه كما قال مولينا عليّ عليه السلام ثم قال عليه السلام وهو تأويل قوله تعالى يغن الله كلا من سعته فهنالك تبدوا الاسرار وتفشوا الاخبار فلا ينكر احد علم صاحبه لان هناك وان كان مقام العقل لكن فيه نور الفؤاد ثم اعلم ان الممكن لما لم يتم له الوجود الا بالتركيب وهو لا يتحقق الا من ضدين جرت الحكمة الالهية ان يكون لكل شيء ضدا كما قال الرضا عليه السلام ان الله لم يخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه فخلق لكل شيء ضدا وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ه‍ وهذا يقتضي ان يكون كل حق يقابله باطل في مقامه فان كان في عالم الشهود يكون ضده فيه وان كان في عالم الغيب فكذلك ايضا وقد عرفت سابقا ان الخزائن العالية ( العلوية خ ) مهابط الانوار القدسية من الملكية والملكوتية والجبروتية ثلثة فكذلك الخزائن السفلية في مقام التقابل على العكس فالخزينة السوئي السفلى في مقابلة الاعلى في تحت الثرى فيها من احكام الانكار وتلبيس الباطل على الحق بقدر ما في الاولى الاعلى من المعرفة والمحبة واظهار الحق والخزينة السوئي السفلى في مقابلة الثانية في الثرى وفيها من احكام الشكوك والظنون والوساوس بقدر ما في مقابلها من اليقين ومفتاحها بيد الجهل والخزينة السوئي السفلى في مقابلة الثالثة الاعلى في الطمطام او جهنم وتمتد الى الارض الثانية ارض العادات ومفتاحها بيد الشياطين الثلثة ولا منزلة ولا واسطة بين الحق والباطل فماذا بعد الحق الا الضلال والانسان لقلبه عينان واذنان فباليمنى ناظر الى العليا وباليسرى ناظر الى السفلى فاذا اعرض عن النظر الى الحق في العليا فلا بد ان ينظر الى السفلى فاذا مال اليها واستقر ميله واستمر وعمل بمقتضاه وقلل الاكل والشرب وسائر المقتضيات من الرياضات المقررة عندهم اتصل باولئك الشياطين على مقتضى عمله فمنهم من يتصل بشياطين الارض الثانية ومنهم من يتنزل الى الطمطام وجهنم وبئس المصير ومنهم من يتنزل الى تحت الثرى وهؤلاء سيما الاخيرتين منهم لا خير فيهم ظلمة محضة تجري عليهم احكام الانكار والكفر والجحود لا يرغبون الى الخير ابدا ناكسوا رؤسهم عند ربهم لكن جميع احوالهم مشابهة ومماثلة في الصورة الظاهرة بادي الامر لاحوال اهل الحق وعلماء الدين كالشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة وهؤلاء مثل فرق اهل الضلال من الكفار والجمهور والصوفية تريهم يتكلمون بالاسرار والحقائق ويفعلون خوارق العادات كل ذلك كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه وهم الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فهؤلاء عندهم من العلوم الباطلة من احكام الطغيان والكفر والصد عن سبيل الحق بقدر ما عند اهل الحق من العلوم والاسرار الالهية من مقتضيات الايمان وحدود الاسلام وفيهم يقع الاشتباه للجهال لا لهم في انفسهم لكون كل منهم سائرا الى جهة غير جهة الآخر وكلا السيرين على الاستقامة بلا اقامة ولا رجوع وذلك يصعد وذاك يهبط فاين موضع الاشتباه واما اذا مال الشخص الى الباطل ميلا كليا واعرض عن الحق اعراضا حقيقيا لكنه لم يعمل ما يقتضي اتصاله بالشياطين وهذا بقي جمادا لا يعرف شيئا الا ما اكتسبته (اكتسبه خ ) ببعض الكسب من الامور الصناعية اجراء للمسببات على نهج الاسباب مثل حكام اهل الباطل وخلفاء الجور وقد يتوسط بين الامرين مع الميل الكلي الى الباطل وهو مثل علمائهم وقضاتهم وهؤلاء على اقسام مختلفة حسب قربهم الى مبدئهم من الجهل الكلي وبعدهم عنه وقد يكتسب البعيد من احكام الباطل المنطبع في اسفل السافلين بالكسب وهو لا يفتح له الا بعض الابواب الجزئية من تلك الخزائن السوءي كاكثر علمائهم وقضاتهم ( فضلائهم خ ) اذ ليس لهم يد طولى وباع طويل في باطلهم بخلاف المتشبثين باذيال اولئك الشياطين والمتمردين كالصوفية فان لهم ( يد طولي وخ ) باع طويل في باطلهم فمن اطلع على هذيانات ابن عربي في الفتوحات والفصوص واحياء العلوم للغزالي والانسان الكامل اي الشيطان المضل لعبد الكريم الجيلاني وجامع الاسرار اي الاشرار للسيد حيدر الآملي يرى صدق ما ذكرنا وسطرنا من شدة تغورهم في باطلهم ولما كان كل باطل كما ذكرنا يشابه الحق وهم ايضا زينوا ظواهر كلماتهم بزخرف القول فاشتبه الامر على اغلب الجهال من اهل الحق بل كلهم حيث لم يردوا على حوض ولاية امير المؤمنين واولاده الطيبين الطاهرين عليهم السلام وما عرفوا حقايق مراداتهم عليهم السلام في مخاطباتهم ومحاوراتهم ومكالماتهم وافعالهم واقوالهم وسائر اعمالهم صلى الله عليهم ورأوا هذا السراب يلوح كأنه ماء سيما مع تشبث اولئك الاباطيل بمثل كلمات الائمة عليهم السلام من مثل هذه الخطبة لولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد وقول الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله وقول عليّ بن الحسين عليهما السلام لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله وامثالها مما تقدم بعض منها فيقولون ان الذي اظهرنا ما فيه توهم الكفر هو مما قالوا عليهم السلام :

فرب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا

ولما سمعوا مثل هذه الكلمات منهم وما عرفوا ان قولهم هذا من القاء الشياطين في امنية الرسول والنبي والمحدث كما في قوله عز وجل وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته الآية حكموا بحقية مقالهم وصدقوهم في افعالهم واقوالهم فضلوا واضلوا كثيرا والآخرون من الجهال حيث رأوا ما ظهر من اولئك الضلال من قبايح معتقداتهم ومنكرات اعمالهم وافعالهم ولم يكن لهم ضرس قاطع حتى تبين لهم الغث من السمين والظن من اليقين ولم يتعلق بهم اتصال الى الملائكة ولا الشياطين ولم يتهنأوا بحظ وافر في الدين فحكموا على كل من تكلم بالباطن وبعض الاسرار بالكفر والتزندق لانه لم يتميز ( لم يميز نسخة ٢٤٤ ) بين القولين ولم يعرف الماء والبول الصافيين وتعيين احدهما من البين فاذا القيت عليهم الاخبار المتقدمة فهم بين طارح ومنكر لها وبين مأول اياها وبين متوقف فيها والاصل في ذلك كله وقوفهم على باب الخزينة الاولى وهو باب ضيق حرج لا يهتدي الواقف عليه الى سعة وفسحة ابدا ولكن لما كان لله الحجة البالغة والدلائل الظاهرة والآيات الباهرة والانوار الساطعة والنجوم المضيئة ولم يدع الخلق في ظلمة عمياء ولا دهمة بهماء وجعل للخلق علم هداية ودليل رشد وميزان قويم يعرف به الحق من الباطل والغث من السمين وهو الائمة الهداة عليهم السلام وما ظهر من الكتاب والسنة باوضح دلالة حتى لا تبقى لمحتج حجة ولولا ذلك لما قامت حجة الله على الخلق ولكان للخلق حجة على الله وهو سبحانه يقول لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي وقال قبله اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون فوجب ان نذكر بعض العلامات المأخوذة من سادة البريات عليهم السلام لبيان الفريقين وامتياز كل منهما عن الآخر لقطع حجة المعاند ورفع شبهة الجاهل فنقول اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الى القرية المباركة وتلك العلامات على وجهين منها ما يتعلق بعلمهم ومنها ما يتعلق بعملهم اما الاولى فاعلم انهم اذا نظروا في مسئلة من المسائل لا ينظرون فيها حتى ترتفع ثلثة ( ثلث خ ) خصال وتجتمع خمسة ( خسم خ ) خصال اما الاولى فاولها ان يتمحض قصدهم ونيتهم في معرفة تلك المسئلة من العلم لله سبحانه ليتوصل بها الى طاعته ورضاه من عمل او قول او ظهور قدرة وعظمة يوجب كمال الخوف او نعمة واحسان يوجب الرجاء والطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه ويفقده عن نفسه لينقطع الى ربه وامثال ذلك من الاحوال الراجعة الى الحق سبحانه ولا يطلبها ليعاند بها العلماء ويماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك ويشتهر به وامثال ذلك من انواع العصبية والجدال والمراء كما ترى في اغلب احوال الناس وثانيها ان لا يكون حين النظر مأنوسا بطائفة من اهل العلم او غيره فيميل ( ليميل خ ) قلبه اليهم والى ما يقولون فان حبك للشيء يعمي ويصم وقد يكونون على باطل وخطاء فيقع فيما وقعوا فيه بل يكون انسه بالله وميله فيما عند الله ورغبته فيما اختاره الله سبحانه من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وثالثها ان لا يكون عنده قاعدة قد اخذها من غير اهل بيت العلم على النمط الذي نذكره ان شاء الله تعالى فان من عنده قاعدة لا يأمن ان يركن اليها ويصرف العلم اليها وقد تكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء والغلط كما ترى الآن اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة المتكثرة وينكرونها لمخالفتها لقاعدتهم وقد تكون القاعدة باطلة واما الثانية من الخصال الوجودية فاولها ان يكون باقيا على الفطرة الاصلية الاولية غير مغير لها بمتابعة الشيطان فلم تسبقه الشكوك والشبهات وعلامته ان يكون دائم النظر والتفكر في خلق الله من السموات والارض وخلق نفسه واحواله وعظيم التحير حين ما ينظر اليها وعلامة ذلك صفاء طويته وذكاء سريرته وعلامته ان لا يشغله علم عن الآخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلا للآخر فلا يقال فيه انه كامل في علم دون العلم الآخر بل العلوم كلها عنده على حد سواء لان الباقي على الفطرة يرى آية الوحدة في كل شيء فعين بصيرته مفتوحة فلا يفرق عنده في الرؤية بين شيء وشيء كما في العين الجسمي اذا كانت مفتوحة يرى الاجسام على اختلاف الوانها واحوالها وكذلك عين القلب اذا كانت مفتوحة واما الذي يقتصر على شيء فلا يعرف الآخر فهو كالاعمي الذي يعلمونه بعض الاشياء فلا يعلم الا الذي علم وقولي كل العلوم عنده على حد سواء مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم كلها وهي النقطة التي قالها عليه السلام ولا يلزم ان يكون ظهورات تلك النقطة على التفصيل كلها حاضرة عنده بلى اذا طلب كلما اراد منها وجد بمشاهدة تلك النقطة فيها ويستدل بكلها على كلها كما مر فهم من فهم وثانيها ان يجد لها دليلا من كتاب الله سبحانه من الآيات المحكمات التي هن ام الكتاب بحيث لا يمكن انكارها ولا اعتذارها للمنصف واما المعاند فلا يقطعه الف حجة ولا يتشبث في الاستدلال بالمتشابهات وهي التي لم تظهر دلالتها والمراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعينة للمراد منها وان كانت هي على الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات وثالثها ان يجد لها دليلا من احاديث اهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا في الكتاب ويجتنب عن الاحاديث التي لم يقبلها الاصحاب الا اذا كانت راجعة اليها وان لا يكون لها معارض اقوى بل لا يجد معارضا اصلا اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له واما تغيير المغيرين والمبدلين وسهو الساهين والناسين في الرواية وامثالها فجعلوا عليهم السلام في ارشاداتهم قرائن وادلة تنفيها وتثبت الامر الواقعي المراد ولولا ذلك لما استقام قولهم عليهم السلام ان لنا اوعية من العلم نملأها علما لتنقله الى شيعتنا فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فنكبوها فانها اوعية سوء هذا معنى الحديث فلولا القرائن الناصبة ( الناصة خ ) لما تتأتي التصفية فان الخلق جهال لا يعلمون شيئا الا ما علموهم اياه كما قال صلى الله عليه وآله ما معناه يا ابن‌عباس لا تجد في يد احد حقا الا بتعليمي وتعليم عليّ عليه السلام والكلام في هذا المقام طويل والاشارة كافية لمن اهتدى الى السبيل ولم يتعود بالقال والقيل فمجمل القول انه لا يتمسك برواية على خلاف القانون الذي جرت العادة بين الفرقة المحقة و( في خ ) التمسك بها فان هذه الطائفة لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة ورابعها ان يدل عليها العقل المستنير بنور الله والمستوقد بضياء ائمة الهدى عليهم السلام ومعناه انه تربي ونشأ في شدة الاعتناء والنظر في اخبارهم مع الاعتقاد الجازم بانهم عليهم السلام لا يهملون رعاياهم وغنمهم وعالما بانه حين ما ينظر ويلاحظ الاخبار هو بين يدي امامه وسيده يتعلم منه عليه السلام كما قالوا نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء وهو عليه السلام لا تمنع غيبته عن مشاهدة رعيته واصلاح احوالهم وطرد الشيطان والباطل عنهم كما قال تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه وقال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وهذا هو العقل المستنير فيجب ان يكون له دليل عقلي عليها اي على المسألة زائدا عما دل عليه الكتاب والسنة ليكون على بصيرة ومعرفة وخامسها ان يجد لها دليلا عيانيا شهوديا في العالم فانه كتاب اكبر كتبه الله سبحانه بيده وبناه بحكمته ورباه بقدرته وحفظه بصنعه وجعله من اعظم آياته وحث الناس بقرائته حيث يقول قل انظروا ماذا في السموات والارض ويقول ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وكاين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ثم ان الله سبحانه بين كيفية الاستدلال بتلك الآيات فقال وان كل لما جميع لدينا محضرون فهذا هو المدعي ثم جعل لهذا آية ودليلا ليعرف الخلق كيفية هذا الحشر والعود بعد موت الخلق واضمحلالهم فقال سبحانه وآية لهم الارض الميتة احييناها واخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات الآية ثم شرح هذه الآية في سورة ق حيث قال سبحانه ونزلنا من السماء ماءا مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج والقرآن مشحون ببيان هذه الاحوال وبالجملة ما خلق الله سبحانه شيئا وماكلف العباد بامر الا وقد بينه باكمل التبيان والبيان الكامل انما يتم بالبيانين الحالي والمقالي والبيان الحالي هو العالم والمقالي هو الكتاب والسنة وكل منهما شرح وبيان للآخر ومطابق له وفي صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلا تخالف السنة الكتاب ابدا ولا العكس ولا العالم الامرين فاذا تطابقت هذه الادلة الاربعة مع عدم مخالفة الفرقة المحقة التي لازال الحق فيهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق والعادل عن الحق لا ينجو ومع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجة ومع رفع تلك الخصال وجب ان يكون حقا والا لكان الحق سبحانه مغريا بالباطل او مخلفا للوعد تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا اما الوعد فقد قال الله عز وجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين والمجاهدة في الله ما تتحقق على اكمل المراتب الا كما ذكرنا لانه هو الطريق المؤدي الى الحق قطعا ولا تصح ان تكون المجاهدة بالادبار والاعراض عن الحق سبحانه كما في مقابلات ما ذكرنا فيجب على الله سبحانه الهداية ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله واما الاغراء بالباطل فلا يمكن فرض وقوعه بالنسبة الى الله سبحانه مع ان الله سبحانه نص بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثم شرح الايمان واوضح حقيقته فيما يتعلق بالعلم او مع العمل بقوله الحق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والمخاطب في الظاهر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الباطن هو امير المؤمنين عليه السلام والاخلاص في حكم امير المؤمنين عليه السلام هو الذي ذكرنا لك من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بين الله سبحانه اصابة المؤمنين فيما صاروا اليه من معتقداتهم واعمالهم وعدم خطاهم فيما ينسبون الى الله عز وجل بقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقال مولينا الباقر عليه السلام نحن القرى التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا فنص سبحانه وتعالى باتباع الشيعة المؤمنين الذين هداهم الله للحق مع اختلاف الناس في الآراء ونص ايضا على انهم لا يخطؤن اذ حكم للسائرين فيهم الآخذين عنهم بالامن ولا يكون الا الامن من الخطاء فاثبت صحة مجاهدتهم في الله لترتب الآثار عليهم وهي الهداية وقد قلنا ان المجاهدة في العلم لا تكون الا كما ذكرنا وكلما سواه طريق الهلاك والوبار وسبيل الخسران والنار ثم ان كل شيء لما كان له ثلث جهات جهة الى الحق وجهة الى نفسه من حيث انه اثر لغيره وجهة الى غيره من حيث ارتباطاته لترتب نظام معيشته في دنياه وآخرته عليه ولكل مقام احكام واقتضاءات تجري على ذلك المقام ولكل مرتبة دليل خاص بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة وللثانية دليل الموعظة الحسنة وللاولى دليل الحكمة وفي كل مقام يجب تحقق تلك الخصال كلها من الوجودية والعدمية فيكون للعارف من المؤمنين الممتحنين والشيعة المخلصين اربعة وعشرين دليلا وميزانا في معرفة كل شيء وفي كل واحد ربما يتطرق فيه الخطاء واما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لما ذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلها في شيء من الاشياء وان تمكن عنه في اغلبها واكثرها فذلك لا يوثق به واما اذا كان في كل شيء بحيث لا يشذ عنه شيء اتى بالمذكورات فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام ووجب على الخلق اتباعه والاقتداء به فيما يجهلون من امور دينهم ودنياهم وآخرتهم وعقباهم وهو القليل من المؤمنين وهو اعز من الكبريت الاحمر وهؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لا يحتمله ( لا يتحمله خ ) الا الصديقون والابرار فاذا سمعت منهم شيئا فلا تقابله بالانكار وسلم الامر له تسلم بشرط تحقق الامر الثاني فيهم كما نذكره ان شاء الله تعالى فاذا رأيت فيهم ما يخالف ذلك فتبرأ منهم فانهم اعداء الدين وخصماء النبيين وخلفاؤ الشياطين هذا الذي ذكرنا هو علامة اهل الحق في العلم واما العلامة الثانية وهي العمل وهو ان يكون جميع اعماله واقواله كلها مطابقة لما عليه الشريعة الغراء النبوية العامة للمخلوقين كلها فلا ينكر شيئا منها بادعاء ان الباطن غير الظاهر وان هذه الاعمال لاهل الظاهر واما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب ولطافة السر لا هذه الاعمال المشترك فيها العوام وسائر الخلق فان ذلك من صفات الفسقة اهل الجور حيث تثاقلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه امير المؤمنين عليه السلام بعض صفاتهم لهمام وانا اذكر الحديث ان شاء الله بطوله لما فيه من المنافع الجليلة واظهار اهل الحق وامتيازه عن اهل الباطل روى الكليني باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال قام رجل يقال له همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا الى امير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب فقال يا امير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر اليه فقال عليه السلام يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه اوسع شيء صدرا واذل شيء نفسا زاجر عن كل فان خاض ( حاض ظ ) على كل حسن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رضين ( رصين ظ ) الوفاء قليل الاذى لا متأفك ولا متهتك ان ضحك لم يخرق وان غضب لم ينزق ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد ومكادحته احلي من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف ولا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم حمول قليل الفضول راض عن الله عز وجل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرجق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه ولا يصرف اللعب حكمه ولا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش ولا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف ولا بختال ولا بغدار ولا يقتفي اثرا ولا يحيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرا كثير البلوي قليل الشكوي ان رأى خيرا ذكره وان عاين شرا ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف فيصلحه امين رضين ( رصين ظ ) تقي نقي زكي رضي يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالناس الظن ويتهم على الغيب نفسه يحب في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرجق به فرح ولا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه وكل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه قريب وحيد حزين يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريمة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس ولا بحساس ( بجساس ظ ) صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يجهل وان جهل عليه لا يبخل وان بخل عليه صبر عقل فاستحيي وقنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو حسده وعفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب ولا يلبس الا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته بنية خالصة اعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في السر والعلانية لا يهجر اخاه ولا يغتابه ولا يمكر به ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما اصابه ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا امله قليلا زلله متوقعا لاجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا امره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما امره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم ويتجر ليغنم لا ينصب للخير ليفخر به ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه نفسه منه في عناء والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال امير المؤمنين عليه السلام اما والله لقد كنت اخافها عليه وقال هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين فقال عليه السلام ان لكل اجل لن ‌يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك الشيطان انتهى صلى الله على قائله فهذه الاوصاف هي علامات لايمان المؤمن العارف بالله عز وجل فهذه ( فبهذه خ ) الاوصاف والاعمال تصفو قابليته وتزكو سريرته فتشرق على قلبه نور اليقين وعلى فؤاده نور المحبة وعلى صدره نور العلم فكلما ازداد حبا ويقينا وعلما ازداد عملا وتوجها واقبالا فازداد استنارة واستضاءة لان الله عز وجل قريب المسافة فمن دعاه اجابه ومن سأله اعطاه فاذا استنارت قابليته تحملت لظهورات المثال وتلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته وخبث اعماله فاذا تكلم مثل هذا الشخص بشيء من الاسرار فيصدق ولا ينكر عليه لانه لا يقول شيئا يخالف ما عليه عامة المسلمين الموحدين وان لم يدركوا وجه المطابقة كما ان مولينا وسيدنا القائم عجل الله فرجه يخبر اصحابه بتلك الكلمة فيتفرقون عنه عليه السلام سوى الوزير واحد عشر نقيبا فاذا تفرقوا وجالوا الارض ولم يجدوا ملجأ غيره يأتونه مسلمين قابلين لعلمهم بانه عليه السلام معصوم لا يخطو فكذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلقون باخلاقهم ويتأدبون بآدابهم ولا يخالفونهم باقوالهم واعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم واعمالهم في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وهذا التصديق لا يكون الا بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم يظهر منهم ما هو صريح مخالفة عقول الخلق ولا يظهرون الحكمة لغير اهلها كيف وان اذاعة سرهم عليهم السلام من افسق الفسق وهم لا يتجرؤن الى مثل ذلك واما الصوفية فيأبى الله الا ان يفضحهم ويظهر للناس شناعة احوالهم واقوالهم ومكابرتهم مع الله وادبارهم عنه لئلا يتسلط المنافقون على المؤمنين ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا واذا اردت ( ان خ ) اذكر شناعة امرهم ووقاحتهم وفضائحهم عموما وخصوصا يطول به الكلام فعليك بمطالعة كتب العلماء المدونة فيهم وفي صفاتهم واعمالهم وان تكتموا وتستروا واخفوا قبايح امرهم فعلى الله سبحانه ان يظهرها ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة الا ان الذين غطت الشبهات اعينهم وابصارهم بسوء اعمالهم ورداءة ميولاتهم فلا يرون تلك القبايح او لا يرونها قبايح يرون اقبح ما يأتونه حسنا فلا يعتمد اذن فيما يقولون ويجب الاعراض عما يصفون فان ما عندهم انما اتى من الخزائن السوءي من سجين قد تصاعد اليهم بمعونة الشياطين وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون فظهر لك بعون الله ان الصوفية او المتصوفة او غيرهم من المتعسفين لا يمكنهم الاحتجاج لباطلهم بمثل تلك الاخبار السالفة وبقوله عليه السلام في هذه الخطبة ولولا خوفي عليكم اه

وقوله عليه السلام : لاخبرتكم بما كانوا وما انتم فيه وما تلقونه الى يوم القيمة يريد عليه السلام بذلك احوال المبدأ والمعاد والحال ( الحال والمآل خ ) وضمير الجمع يعود الى من تقدم مع آدم الاول وهذا سر عزيز وباب غامض لا يطلع عليه على الواقع سواهم عليهم السلام لكن المنقطعين اليهم والطارقين لابوابهم قد تعلموا منهم عليهم السلام شيئا يسيرا من ذلك الباب وهو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما ظهر لاهل الرتبة الثالثة اي الرتبة الانسانية فاعلم انا قد ذكرنا سابقا ان العالم الاول عالم الوجود المطلق وآدم الاول المشية وحواءه ارض الامكان الراجح واول الاولاد او الظهورات او المهابط الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فكانت المشية هي العرش والحقيقة هي الماء فكان مستويا عليه اي كانت المشية ظاهرة في الحقيقة المحمدية لان المشية هي محل الامدادات والفيوضات والتكاليف التكوينية والتشريعية فكانت هي الدين والحقيقة هي الماء الذي به كل شيء حي وهي العلم الساري المتعلق بكل معلوم موجود من غيب وشهود كما قالوا عليهم السلام نحن معانيه ونحن علمه ونحن حقه الحديث فبقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض اي سموات عالم الوجود المطلق وارضه لان كل عالم فيه العرش والكرسي والسماء والارض والبر والبحر ففي عالم الوجود المطلق العرش هو المشية وبحر الصاد والمزن والنون الذي تحت العرش هو الحقيقة المقدسة النبوية صلى الله عليه وآله ولذا اتاه الوحي ليلة المعراج ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر لان الظهر اول الظهور وبدو لمعان النور والسموات هم الائمة الاثني عشر عليهم السلام حملة فيوضات العرش وامداداته كما قالوا نحن محال مشية الله والسنة ارادته وتراجمة وحيه والارض هي فاطمة الصديقة الطاهرة عليها السلام لانها محل تلك الانوار ومنبت تلك الازهار فهؤلاء عليهم السلام اول من تقدم مع آدم الاول فكان العرش على الماء قبل خلق السموات والارض في المشارق روي ان رجلا قال لامير المؤمنين عليه السلام كم مقدار ما لبث الله عرشه على الماء قبل ان يخلق الارض والسماء فقال عليه السلام اتحسن ان تحسب قال نعم قال عليه السلام لعلك لا تحسن قال بلى اني لاحسن ان احسب قال عليه السلام لو صب خردل في الارض حتى سد الهواء وملأ ما بين الارض والسماء ثم اذن لمثلك على ضعفك ان تنقل حبة حبة من ( مقدار خ ) المشرق الى المغرب ثم مد في عمرك واعطيت القوة على ذلك حتى تنقله واحصيته لكان ايسر من احصاء عدد اعوام ما لبث الله عرشه على الماء من قبل ان يخلق الارض والسماء وانما وصفت لك بعض عشر العشير من جزء من مائة الف جزء واستغفر الله من القليل من التحديد فان اردت بالعرش والسموات والارض ما ذكرنا فيكون هذا التقدير تقريب ثمانين الف سنة من سني مبادي الوجود المقيد في السنين والاعوام المعروفة بين العوام وفي الحقيقة هذا تقريب للنوع ويحق الاستغفار بالقليل لان كل السنين والاعوام من الوجود المقيد الذي عندنا كلها منقطعة عند نقطة من تلك السنين والاعوام فاين يقدر تلك السعة والفسحة بهذه الامور التي هي كالنقطة الفانية بالنسبة الى سعة العرش الذي كل السموات والارض بالنسبة الى الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة قي والكرسي مع المجموع بالنسبة اليه كحلقة ملقاة في فلاة قي واستغفر الله عن التحديد بالقليل ثم هذا العرش الظاهر بالماء تنزل في اطواره وشؤناته بمشية الله وقدرته الى ما لا يحصى من المراتب ولا يتناهى من العدد

وقد اشير الى نوع هذه التنزلات والكسر والصوغ الواقفين في مراتب الوجود بقوله صلى الله عليه وآله على ما رواه في جامع الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان موسى سئل ربه ان يعرفه بدو الدنيا منذ كم خلقت فاوحى الله الى موسى تسئلني عن غوامض علمي فقال يا رب احب ان اعلم ذلك فقال يا موسى خلقت الدنيا منذ مائة الف الف عام عشر (عشرة خ ) مرات فكانت خرابا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام ثم خلقت فيها خلقا على مثال البقر يأكلون رزقي ويعبدون غيري خمسين الف عام ثم امتهم في ساعة واحدة ثم خربت الدنيا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام ثم مكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت فيها بحرا فمكث البحر خمسين الف عام فجاجا من الدنيا يشرب ثم خلقت دابة وسلطتها على ذلك البحر فشربته بنفس واحدة ثم خلقت خلقا اصغر من الزنبور واكبر من البق فسلطت ذلك الخلق على هذه الدابة فلدغها وقتلها فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت خمسين الف عام ثم جعلت الدنيا كلها آجام القصب وخلقت السلاحف وسلطتها عليها فاكلتها حتى لم يبق منها شيء ثم اهلكتها في ساعة واحدة فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت ثلاثين الف آدم من آدم الى آدم ثلثون الف سنة فافنيتهم كلهم لقضائي وقدري ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة من الفضة البيضاء وخلقت في كل مدينة مائة الف الف قصر من الذهب الاحمر فملأت المدن خردلا الى ان سد الهواء والخردل يومئذ الذ من الشهد واحلي من العسل وابيض من الثلج ثم خلقت طيرا واحدا اعمي وجعلت طعامه في كل الف سنة حبة من الخردل فاكلها حتى فنيت ثم خربتها فمكثت خرابا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت اباك آدم بيدي يوم الجمعة وقت الظهر ولم اخلق من الطين غيره واخرجت من صلبه محمدا النبي صلى الله عليه وآله ه‍ وهذه المراتب هي مراتب تنزلات الوجود وشؤنات اطوار آدم الاول قوله تعالى خلقت الدنيا منذ الف الف عام عشر ( عشرة خ ) مرات يريد به والله اعلم ما ذكرنا ( ذكرناه خ ) سابقا في كيفية تعدد العوالم والآدميين الى الف الف من ضبط نسب تلك المراتب او لمجرد الكثرة على ما مضى من كلام امير المؤمنين عليه السلام في مدة اقامة العرش على الماء قبل خلق الارض والسماء وقوله تعالى فكانت خرابا خمسين الف عام يريد بالخراب حل الشيء مقام الخلق الاول قبل نشو الصورة وتمام الهيئة بل رتبة الحل وصلوح النسبة قبل التعين والتشخص وبالخمسين ظهور الهاء في الياء لان مقام التعلق والارتباط مقام النون في كن اي مقام الابداع لا الاختراع لانه محل النشو والتفصيل فالمتعلق على حسب المتعلق بكسر اللام فيحكي مثاله واما عدد الالف فلظهور تمام التربيع فيه وهو شكل الايتلاف والايتلاف انما يتحقق بالابداع فالمربع شكل الابتداع والمثلث شكل الاختراع والجامع لرتبة مقام الابتداع في العدد هو الالف فلذا وقع التعبير عن هذه الحقيقة بخمسين الف عام وهذا اشارة الى اقبال العقل وادباره فاشار سبحانه وتعالى الى كيفية بدو الوجود المقيد لظهور التركيب فيه يمكن تقدير الاوقات والازمنة والابتداء والانتهاء فيه بخلاف الوجود المطلق فانه صرف البساطة فاول تنزل العقل الى مقام الروح قبل ان يكمل مقام الروح بل قبل ان يكمل العقد الاول من الحل الاول والخراب اشارة الى محض الحل الاول وقوله تعالى ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام يريد بالعمارة العقد الاول والمدة كما ذكرنا لك وقوله تعالى ثم خلقت فيها خلقا على مثال البقر وهو تمام الحل والعقد الثانيين واكمال حقيقة الروح وهو البقرة الصفراء التي فاقع لونها تسر الناظرين وقد قال عليه السلام ان البقرة خلقت من زعفران الجنة وذلك المقام في الطبيعة حار رطب ومقتضى لونه الصفرة كما هو الحق وقوله تعالى يأكلون رزقي ويعبدون غيري وذلك لانه في مقام التنزل وقوس الادبار ونظر المتنزل المدبر الى الانية المشركة والماهية الكافرة قوله تعالى ثم امتهم في ساعة واحدة هو امر العقل بالتنزل من مقام الروح الى الآخر والموت والوفاة هو الانتقال من دار الى دار كما قال تعالى يا عيسى اني متوفيك ورافعك الى الآية قوله تعالى ثم خربت خمسين الف عام ثم مكثت عامرة خمسين الف عام على ما مضى من حكاية الحل والعقد الاولين وقوله تعالى ثم خلقت فيها بحرا وهو البحر الاخضر اواسط الملكوت وهو بحر النفوس عالم الذر الاول قبل وقوع التكليف عليهم كانت بحرا واحدا غير ممتاز بالصورة والخلقة الظاهرية والباطنية وقال تعالى كان الناس امة واحدة وقوله تعالى ثم خلقت دابة وهي الصورة التميزية وبها يدب الشيء ويدرج ويسعي الى وكره ومستقره ويستحق له اسما ورسما وصفة واحوالا وهي التي جففت البحر الذي هو الذوبان والسيلان والصلوح لكل صورة وكل حد فتجفف واختصت كل حصة منه بما لبسه من الصورة من السعادة او الشقاوة وقوله تعالى ثم خلقت خلقا اصغر من الزنبور واكبر من البق يريد به سبحانه عالم الطبيعة انما كان اصغر من الزنبور لان المراد به النحل وهو الخلق الاول منتحل العلم والمعرفة والادراك وعالم الطبيعة تحت الخلق الاول ومقام فقدان الادراك والشعور فتكون اصغر من الزنبور واكبر من البق لان المراد به عالم الاجسام ادنى الموجودات والعوالم بقاء واكثرها اضمحلالا وانقطاعا وعالم الطبيعة فوق عالم الاجسام وهي من اعالي اسافل الدهر قوله تعالى فسلطتها عليها يريد به بطلان تركيب النفوس واضمحلال صورها وتشخصاتها ورجعت كما كان اولا اما بحر الماء او بحر التراب قوله تعالى ثم جعلت الدنيا كلها آجام قصب يريد به عالم المواد وجوهر الهباء وانما هي اجمة لانها آخر المجردات ليست بتجرد الارواح والعقول ولا بكثافة الاجسام كالاجمة ليست بكثافة الارض ولا بلطافة الماء الخالص والقصب هو ذكر الصور والهيئات الكامنة فيها المستأهلة لظهورها لكن لما كانت جهة التجرد فيها غالبة خرجت على هيئة القصب من الميل الى الاعلى والظهور بالعقود التي هي نقوش مراتب ما مضى عليها من الاحوال ولما كان الاختلاف الصوري فيها منتفيا ظهرت كلها قصبات قوله تعالى ثم خلقت السلاحف وسلطتها عليها فاكلتها ذاك ( ذلك خ ) عالم المثال لغلظة ظاهره وقشره لارتباطه بعالم الاجسام مقام النقش والارتسام وهو حجاب اسود غليظ ورقة باطنه لكونه متوجها الى العالم الاعلى بذاته وحقيقته وكيفية الاكل كما ذكرنا آنفا من غيبة كل مادة في بطن الصورة قوله تعالى ثم اهلكتها في ساعة واحدة يريد به تمام حكمه واضمحلال تأثيره من حيث نفسه والصعود الى رتبة اعلى وهي ( هو خ ) مقام التركيب الاول في الحلين والعقدين قوله تعالى ثم خلقت ثلاثين الف آدم من آدم الى آدم ثلاثين الف سنة يريد به ظهورات المراتب التي كانت في القوس النزولي وكانت مستجنة في المادة فهي الاصول التي عليها مدار الوجود وهي القلب والصدر والعقل والعلم والوهم والوجود والخيال والفكر والحيوة والجسد كل منها في ثلاثة ( ثلاث خ ) مراتب عليّا ووسطي وسفلي اي نسبته الى مبدئه والى نفسه والى غيره وكل اصل آدم له اولاد تنشعب ( تشعب خ ) منه كما ذكرنا فيما تقدم مفصلا قوله تعالى فافنيتهم كلهم يريد به اضمحلال ذكرهم ونسيان امرهم حيث ابتدأ بخلق الاجساد والقشور فلا ذكر لها فيها فان تلك مراتب الاقطاب وما بعدهم مراتب الدوائر والكراة المستديرة عليها قوله تعالى ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة اه يريد به خلق السموات والارض لانها مدينة للآدميين كلهم وانما كانت خمسين لاشتمال كل من السموات على المتممين والخارج المركز والتدوير والممثل الذي هو المجموع وهذه الخمسة اذا ضرب في نفسها عند ملاحظة نسبها واوضاعها تكون خمسة وعشرين وهي اذا ثنيت بالغيب والشهادة تكون خمسين واما الالف فلما ذكرنا من ان هذه السموات مظاهر الابتداع وشكله التربيع والجامع لهذه الرتبة هو الالف في الاعداد ولذا قال من الفضة البيضاء قوله تعالى فملأت المدن خردلا والخردل هو مواد الفيوضات والامدادات الجسمانية الكامنة في المبادي العالية من السموات والطير الاعمي هو الحد الجسمي المفني لظهور تلك الحبوب فتغيب الحبة بحكمها وظهورها في ذلك الحد وكونه اعمي لجموده وعدم مشاهدته للانوار العالية لانه مظهر الاسم المميت قوله تعالى ثم خربتها اشارة الى الحل للتركيب الثانوي في مقام التوليد الجمادي والنباتي والحيواني والانساني فالعمارة هي العقد الاولى من ذلك الحل قوله تعالى ثم خلقت اباك آدم اه يريد به اول ما نشأ وظهر من التركيب الثانوي في الحد الجسمي في الكون النوري ويداه سبحانه فاليمني بها مبدأ النور والخير واليسرى بها مبدأ الظلمة وهما قد عجنت في طينة آدم عليه السلام وقت الظهر هو ظهور المبدأ وبدو وجود الشيء وقوله تعالى ولم اخلق من الطين غيره هو دليل ما ذكرنا من التفسير بعد ملاحظة الترتيب فتلك المراتب المتقدمة كلها انوار وارواح مجردة والماديات ايضا انوار لم تخلق من الطين والمراد منه الطين المركب من العناصر الاربعة المعروفة لا المجردات من عناصر هورقليا وجابلصا وجابلقا وهذه المراتب هي مراتب اطوار آدم الاول في عالم الوجود المقيد واما آدم الاول في عالم الوجود المطلق حامل لاسم ( الاسم خ ) الاعظم فقد تطور بحمل الاسماء من القدس والاضافة والخلق ثم ظهر في اسم الرحمن فكان عرشا لاستوائه عليه ثم ظهر في حجاب الملائكة العالين ثم تجلي للكروبيين فظهر لهم بهم حتى عرفوه وتلقوا منه ولقنهم ما حمله ربه من اسرار الرياسة الكلية والجزئية ثم لبس لباس الانبياء وذلك اللباس هو المثال الملقى في هويتهم وذلك بدن نوراني لا روح له ثم ظهر في الحجاب الاسفل رتبة الانسان وتقلب في صورهم حيث شاء الله من اول ظهور آدم الى خاتم الانبياء عليه وعليهم افضل الثناء والصلوة فصارت الهياكل هياكله والاشباح اشباحه والصور صوره والمواد مواده والاضافة في هذه الاشياء كلها لامية واريد بها التمليك والاختصاص لا الحقيقة كما ان السراج المتجلي في المرايا يكون كل تلك الصور والاشباح الظاهرة فيها للسراج ثم ظهر لفرعون لابسا لباس الذهب وقابضا برمح من الذهب لما اراد فرعون ان يقتل موسى وهرون فمنعه عن قتلهما ثم ظهر لسلمان في حال طفوليته لما اراد السبع ان يفترسه فنجاه منه باذن الله ثم ظهر لفاطمة بنت اسد قبل بلوغها وحال طفوليتها ونجاها من السبع ثم ظهر لطلحة بن عبد الله بما ظهر وقتله حتى قال طلحة لمن كان عنده اماتراه كيف يصعد الى السماء وينزل الى الارض ويذهب الى المشرق والمغرب ويقاتل بالسيف ويرمي بالنبل ويقول مت يا عدو الله فيموت في ساعته ثم ظهر لجبرئيل عليه السلام حين سأله ربه من انا ومن انت وما اسمي وما اسمك ولم يدر الجواب فقال (ع) له قل انت ربي وانا عبدك اسمك الجليل واسمي جبرئيل ثم ظهر بالكوكب الذي يطلع بعد ثلثين الف سنة وقد رآه جبرئيل ثلثين الف مرة في جبهته الشريفة ثم تلك العوالم والمراتب المتقدمة في الحديث من المخرب لها والعامر لها في تلك المدد المتطاولة والله سبحانه لا يباشر الاشياء لانه مكرم عن ذلك واخبر الله سبحانه بالمقوم المباشر حيث قال وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه القبضة باليد وهي عليّ عليه السلام واليمين هو عليّ عليه السلام فاذا كانت السموات والارض مقهورة ومضمحلة ومطوية عنده ولديه فما ينكر منه مثل ما ذكرنا لا بل الامر اعظم واعظم واعظم فلا ينكر ما ذكرنا الا المنكر لقدرة الله وعظمته وكرامة الله في اوليائه كل ذلك منة من الله سبحانه عليه وكرامة منه اليه لان الله اعلم حيث يجعل رسالته وما طوينا وكتمنا من الاسرار خوفا من الاشرار اكثر مما سطرنا تذكرة لاولي الابصار وتنبيها لاهل الاعتبار وهذا واشباهه من المراد من قوله عليه السلام لاخبرتكم بما كانوا اي آدم الاول مع من تقدم وقد اشرنا الى نوع ما صاروا اليه مجملا في عالم الذوات وقس عليه الصفات وحكم الوجودات الشرعية من الاعمال واجرائها حسب الاحكام واجراء الاحكام حسب القوابل واظهار نقطة العلم اللدني العرفاني في مرتبة الشرايع فكانت ستة كلية تشهد بمثناها على تمام حروف لا اله الا الله وتمام الدورة الشمسية في البروج والسنة القمرية في الشهور فالشريعة واحدة والنبي واحد والوصي واحد والكتاب واحد والاختلاف بالقابليات كما قال عز وجل ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم والانبياء نواب وكلهم لاتمام الكلمة واتمام ظهور النعمة التي ان تعدوها لا تحصوها والكلمة هي الكلمات التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت وهي الكلمات التامات التي لا يتجاوزهن ( لا يجاوزهن خ ) بر ولا فاجر وهي الكلمات التي تلقيها آدم فقبلت توبته وهي الكلمات التي ابتلي بها ابرهيم فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما وهكذا الكلام في مقامات كيفية خلق آدم ابينا وحواء امنا ودخولهما في الجنة وسجود الملائكة لآدم وانكار ابليس واغوائه اياهما واخراجهما عن الجنة وقتل قابيل هابيل وتزويج الجنية والحورية من شيث ويافث ابني آدم (ع) وهلم جرا من الاحوال الواقعة الى زمان ظهوره وكل ذلك آيات وادلة له عليه السلام اقامها الله سبحانه به لانه روحي فداه يد الله الباسطة ورحمته الواسعة ونعمته السابغة ونقمته الدامغة وعينه الباصرة واذنه السميعة ولسانه الناطق المعبر عنه واسمه الرضي ووجهه المضيء وصراطه العلي وركنه القوي ولطفه الخفي وسره المخفي وعبده المرضي فاذا كان كذلك فلا يبعد منه ما ذكرنا عنه تلويحا واشارة وتصريحا بل الامر اعظم

وقوله عليه السلام : وما انتم فيه اي الآن من المحن والابتلاء واستيلاء الجور واخفاء الحق وشيوع الباطل وكثرة الاختلاف واصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه اما اصله فاعلم ان الله عز وجل خلق اصل الفطرة في غاية الصفا واللطافة لانها المقصود للايجاد واول ما وقع عليه فعل الله سبحانه فوجبت ان تكون في اللطافة غايتها وفي الشرافة نهايتها وفي البهاء اعلاه وفي المجد اسناه ثم لما حكم الله على خلقه بالادبار لتتميم الاقبال فانزلهم الى الدركات والمهابط ولما كانت جهة التعين ومقام الانية تكاثفت كلما نزلت الى ان انتهت الى الجماد ثم امرها بالاقبال فاخذت تصعد الى الدرجات وتطوي المقامات فاخذت تصعد الى النبات ثم الى الحيوان ثم الى الانسان فوجد ابونا آدم في هذه المرتبة ثم لما كان الكمال كمالين والصوغ صوغين صوغ الابدان وصوغ الارواح ولما كمل صوغ الابدان في عالم الظهور اخذ في صوغ الارواح وهي لما تنزلت الى الرتبة الجمادية بمقتضي مقامها اخذت تصعد من اول كونها نطفة الى علقة الى مضغة فتمت الرتبة الاولى في شريعة آدم عليه السلام والرتبة الثانية في شريعة نوح عليه السلام والرتبة الثالثة في شريعة ابرهيم عليه السلام والرابعة التي هي رتبة العظام في شريعة موسى عليه السلام والخامسة التي هي رتبة اكتساء اللحم في شريعة عيسى عليه السلام والسادسة التي هي مقام انشاء الخلق الآخر الذي هو مقام الحيوة من فلك القمر في شريعة محمد صلى الله عليه وآله ولهذه الرتبة مقامات تختلف الاحوال فيها وتتبدل وتتغير تبدلا سيالا من كون الولد في بطن الام الى ان يخرج الى كونه رضيعا الى كونه فطيما الى كونه صبيا الى كونه مراهقا الى كونه بالغا الى كونه تاما في مقام البلوغ وهو ثلثون سنة الى كونه كاملا في البلوغ وهو اربعون سنة فاذا كان اول ظهوره صلى الله عليه وآله بشريعته اول مقام ظهور الحيوة وبينه وبين البلوغ الواقعي الكامل الذي هو اربعون سنة تلك المراتب المتقدمة وهي دائمة السيلان والتبدل وتختلف الاحكام بهما فوجب النسخ والاختلاف والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان وغلبة الرطوبات التي هي الميولات الشهوانية وبها استيلاء الجور والخلاف وظهور القبايح والشنايع وخفاء العقل وتسلط النفس الامارة بالسوء وتوجه الحرارة الغريزية التي هي الامدادات الالهية والانبعاثات الشوقية والتوجهات الحقية الى الباطن اي الى الاختفاء وعدم الظهور وسكون الجوارح والآلات الغيبية والشهودية عن الارتقاء الى معالي الدرجات وظهور فصل الشتاء وجمود القرايح وخمود الطبايع وسد المسام وكل ذلك بتقدير الحكيم وتدبير العليم ولولا هذا الاختلاف والاوضاع المتشتة المتفرقة لاحترقت الطبايع وفنيت او انجمدت وخمدت وما استوت فجري الامر بين الامرين لتنضج الطبايع وتبلغ الى غاياتها الكمالية وتصير انسانا وتخرج عن الظلمات البهيمية فلو اخبرهم الامام عليه السلام بهذه الدقيقة والسبب الذي به جرى هذا الاختلاف ولو اراد لجمعهم على كلمة واحدة بحيث لم يختلف اثنان ولكن في ذلك خلاف الاستقامة وخلاف العدل لانكروا ولم يقبلوا لما ذكرنا من جمود قرائحهم وخمود طبايعهم ولقالوا كما قال عليه السلام لولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد فافهم واما مبدأ الاختلاف فاعلم ان الله عز وجل لما خلق النور انعكس عنه الظل الذي هو الظلمة فاستدار النور على التوالي واستدارت الظلمة على خلاف التوالي وهذه المخالفة جرت بينهما فاستدار النور هابطا والظلمة صاعدة لحكم العكس المستوي الى هذه الدنيا فالتقى الكرتان بنقطة وظهرت آثار كل في الآخر فاختلط ما حاذي النقطتين من الكرتين بعضها مع الآخر فصارت في كل واحد من الفريقين طبيعتان اصلية وعرضية وعرضية كل تخالف ذاتية الاخرى فالميل الى العرضي يضاد الميل الى الذاتي فمن هنا جاء الاختلاف والاحكام تجري على مقتضاه الى ان تفترق النقطتان بالكلية وذلك اذا مات الشخص او تميل النقطتان عن مستقرهما وان لم يحصل الافتراق التام وهو في قيام القائم عليه السلام والرجعة والافتراق التام انما يكون في القيمة واكمل اذا ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وذلك منتهاه والخلق قبل ان يقوم القائم عليه السلام في الابتلاء والامتحان ليميز الخبيث من الطيب وليعلم اهل الطبيعة العرضية من الذاتية والعكس وهو قوله تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقال عز وجل ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون وقال عز وجل الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وعن امير المؤمنين عليه السلام لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يصير اسفلكم اعلاكم واعلاكم اسفلكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا الحديث والخلق الآن في اشد ظلمة من الليل الدامس من غلبة الظلم والجور ولكن المصلين بالليل هم الفائزون وهو قوله تعالى ان ناشئة الليل هي اشد وطأ واقوم قيلا اي النفوس التي ينشأ ( تنشأ خ ) بالليل لذكر الله سبحانه ولاقامة الصلوة هذا الذي ذكرنا هو نوع احوال الخلق في هذه الازمان وقبلها وهو يريد عليه السلام بقوله وما انتم فيه الذي ذكرنا على جهة العموم والكلي ويريد به خصوصيات احوالهم في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وآدابهم واطوارهم وما استجنت في سرائرهم واستكنت في ضمائرهم وما انعقد عليه ضمائرهم وما قويت به عزيمتهم والاسباب والاحوال التي تهيجت لهم نيران الشوق الى مآربهم ومطالبهم وحوائجهم وما اهل الكوفة عليه من النفاق والشقاق عازمون بذلك المعاندة مع الله رب العالمين وسيجزيهم وصفهم انه حكيم ( عليم خ ) واما فرع هذا الاختلاف فهو التقية وتعدد الاحكام الواقعية الثانوية والنفس الامرية وظهور خباثة الظالمين وبروز بواطن المنافقين المعاندين وهلاك الفاسقين وتخليص المؤمنين من كيد الكافرين وتصفية المخلصين عن شوب لطخ الجاحدين وخروج الشيعة من اصلاب الفاسقين وخلوص الامر لله رب العالمين واللعن والوبار على اعداء الدين وهلاك خلفاء الشياطين وتطهير الارض من كل رجس نجس لعين وتخليصها للقوم الصالحين ان الارض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين فافهم مجمل الاحوال

وقوله عليه السلام : وما تلقونه الى يوم القيمة وقد ذكر عليه السلام شرذمة من ذلك في خطبة البيان ولكن ما اظهر لهم فيها السر الذي لو سمعوه لقالوا انه جن او ارتد وهو مقلب تلك الاحوال ومدبر تلك التدابير والآمر والناهي الذي بيده ازمة التقدير وسيبين لك في هذه الخطبة قليلا من كثير مما يلقونه الى يوم القيمة ونؤخر شرحه الى ذلك المقام ثم اعلم ان المخاطب بهذه الخطابات كما مر في قوله عليه السلام ايها الناس كل الموجودات لا اختصاص بالمشافهين ولا بالانسان في كل افراده بل هو عام للانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والانسان والجن والحيوان والبهائم وحشرات الارض والجماد والنبات وتلك الاحوال الثلثة جارية للكل الا ان لكل بنسبة مقامه الا ترى فساد الثمار وقلة الامطار وتعاور الليل والنهار وعدم اعشاب البراري والقفار وتراكم السحب وامثال ذلك مع ان في الفطرة الاولى والكينونة الحقيقية خلق الله الدنيا والكواكب كانت في اشرافها وطالع الدنيا سرطان فالشمس في بيت الوتد في الحمل في الدرجة التاسعة‌ عشر والوقت الظهر وقت الصلوة واسماع صوت الملك قوموا على نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها بصلوتكم وهذا هو الفطرة الاولى والمقصد الاقصى ولما تحركت الافلاك ومالت الآفاق وخفي نور الشمس عن الاشراق وتراكمت السحب المكفهرة وتصاعدت الادخنة والابخرة الفاسدة المدلهمة وتكاثفت الاجزاء الارضية وحجبت الشمس عن اشراقها وتلألأها ولمعانها فتحققت بها الظلمة وسرت في كل شيء من البقول والثمار في الحيوان والانسان فتولد بذلك ابدانهم وهكذا في عالم الارواح والاشباح والبقول والثمار في تلك الاطوار والحاصل كل شيء الآن من الغيب والشهادة والروح والجسد مما في الدنيا الوجه السفلى من عالم المثال الى الارض الاولى كلها مشوب مختل لا يصفو الا بين النفختين

قال عليه الصلوة والسلام : ولقد ستر علمه عن جميع النبيين الا صاحب شريعتكم هذه صلى الله عليه وآله فعلمني علمه وعلمته علمي

اقول اما الاخبار الدالة على ان الائمة عليهم السلام عندهم جميع ما عند الانبياء عليهم السلام فكثيرة ومن الانبياء في عالم الظهور محمد صلى الله عليه وآله ولا شك انه (ص) اعلم الانبياء باجمعهم فيكون ما عندهم مستورا عن الانبياء كلا سوى محمد صلى الله عليه وآله روي في الكافي عن عبد الله بن جندب انه كتب اليه الرضا عليه السلام اما بعد فان محمدا صلى الله عليه وآله كان امين الله في خلقه فلما قبض كنا اهل البيت ورثته فنحن امناء الله في ارضه عندنا علم المنايا والبلايا وانساب العرب ومولد الاسلام وانا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وان شيعتنا لمكتوبون باسمائهم واسماء آبائهم اخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم ونحن النجباء والنجاة ونحن افراط الانبياء ونحن ابناء الاوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله عز وجل ونحن اولي الناس بكتاب الله ونحن اولي الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ونحن الذين شرع الله لنا دينه وقال في كتابه شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك يا محمد وما وصينا به ابرهيم وموسى وعيسى فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم نحن ورثة اولي العزم من الرسل ان اقيموا الدين يا آل محمد ولا تتفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من شرك بولاية عليّ (ع) ما تدعوهم اليه من ولاية عليّ ان الله يا محمد يهدي اليه من ينيب من يجيبك الى ولاية عليّ عليه السلام وفيه عن ابي‌ جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان اول وصي كان على وجه الارض هبة ‌الله بن آدم وما من نبي مضى الا وله وصي وكان جميع الانبياء مائة الف نبي وعشرين الف نبي منهم خمسة اولوا العزم نوح وابرهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وان عليّ بن ابيطالب عليه السلام كان هبة ‌الله لمحمد صلى الله عليه وآله وورث علم الاوصياء وعلم ما كان قبله اما ان محمدا صلى الله عليه وآله ورث علم ما كان قبله من الانبياء والمرسلين على قائمة العرش مكتوب حمزة اسد الله واسد رسوله وسيد الشهداء وفي ذائبة العرش على امير المؤمنين فهذه حجتنا على من انكر حقنا وجحد ميراثنا وما منعنا من الكلام وامامنا اليقين فاي حجة يكون ابلغ من هذا وعن ابي عبد الله عليه السلام ان سليمان ورث داود وان محمدا (ص) ورث سليمان وانا ورثنا محمدا وان عندنا علم التورية والانجيل والزبور وتبيان ما في الالواح قال قلت ان هذا لهو العلم قال ليس هذا هو العلم ان العلم الذي ( يحدث خ ) يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة وعنه عليه السلام ان داود ورث علم الانبياء وان سليمان ورث داود وان محمدا صلى الله عليه وآله ورث سليمان وانا ورثنا محمدا صلى الله عليه وآله وان عندنا صحف ابرهيم والواح موسى فقال ابو بصير ان هذا لهو العلم فقال يا ابامحمد ليس هذا هو العلم انما العلم ما يحدث بالليل يوما بيوم وساعة بساعة وعنه عليه السلام ان الله عز وجل لم يعط الانبياء شيئا الا وقد اعطاه محمدا (ص) قال وقد اعطي محمدا جميع ما اعطي الانبياء وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل صحف ابرهيم وموسى الحديث وعنه عليه السلام في قوله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الذكر عند الله والزبور الذي انزل على داود وكل كتاب نزل فهو عند اهل العلم ونحن هم وعن موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام انه سئل عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم قال نعم قال السائل من لدن آدم حتى انتهى الى نفسه قال ما بعث الله نبيا الا ومحمد صلى الله عليه وآله اعلم منه قال قلت ان عيسى بن مريم كان يحيي الموتى باذن الله قال صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل قال فقال ان سليمان بن داود قال الهدهد حين فقده وشك في امره فقال مالي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين حين فقده وغضب عليه فقال لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه او ليأتيني بسلطان مبين وانما غضبه ( غضب خ ) لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد اعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والانس والجن والشياطين المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه وان الله يقول في كتابه ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى ( وخ ) قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال او تقطع به البلدان ويحيي به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء وان في كتاب الله لآيات ما يراد بها امر الا ان ياذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في ام الكتاب ان الله يقول وما من غائبة في السماء والارض الا في كتاب مبين ثم قال ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل واورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء ه‍ اعلم ان معنى وراثة ائمتنا عليهم السلام لعلم الانبياء عليهم السلام هو معنى وراثة الله الارض حيث يقول عز وجل في كتابه انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون ومعنى هذه الوراثة رجوع كل شيء الى مبدئه واصله وليس انها ترجع الى ذات الله عز وجل وانما ترجع الى آثار فعل الله ومحال مشيته والسنة ارادته وبين هذا المعنى في موضع آخر من القرآن حيث يقول عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون والارض هي العلم والعباد هم المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وهم الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فعلوم الانبياء والمرسلين كلها تنتهي اليهم عليهم السلام حين ما تبتدأ منهم اليهم فمنهم اليهم عين ما اليهم منهم فابتداءها منهم عليهم السلام الى الانبياء هو عين انتهائها ورجوعها عنهم اليهم عليهم السلام فحين ما رجعت اليهم لم تخرج عن الانبياء وحين ما بدأت منهم الى الانبياء عليهم السلام لم تخرج منهم كالشمس فنورها منها بدأ واليها يعود فعلوم الانبياء وان كانت هي علمهم لكنها ليست علمهم حقيقة وان كان صافي تلك العلوم علمهم في مقام انا بشر مثلكم يوحى الى فنسبة علمهم في هذا المقام الى علم الانبياء (ع) نسبة الاكسير الخالص الصافي الى الحجرة الكدرة الغير المصيقلة ومعنى علمهم اي ملكهم وفي قبضتهم كالشعاع الذي هو في ملك السراج والشمس وليس تلك العلوم علومهم حقيقة في مراتبهم ومقاماتهم فما عندهم عليهم السلام ستر ( سر خ ) على غيرهم من الانبياء والمرسلين والخلق اجمعين وذلك لان ما عندهم من الاسم الاعظم الذي به مواد العلم وقوامه كما روي ان بلعم بن باعور قد تعلم اسما واحدا من الاسم الاعظم وكان يملي على اربعة الف كاتب كلهم يكتبون من علومه المنشعبة من ذلك الاسم سمعت هذا من شيخي اطال الله بقاه وجعلني فداه وقد عبر الله سبحانه عن الاسم الاعظم بالعلم حيث قال وقال الذي عنده علم من الكتاب وذلك آصف بن برخيا كان عنده حرف من الاسم الاعظم وقد دل العقل والنقل على انهم عليهم السلام حووا الاسماء العظام كلها ماخلا الاسم الواحد المختص بالله سبحانه ومن الاخبار ما روي في الكافي عن ابي جعفر عليه السلام قال ان اسم الله الاعظم على ثلثة وسبعين حرفا وانما كان عند آصف منها حرفا فتكلم به فخسف بالارض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرفة العين ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وعن ابي عبد الله عليه السلام ان عيسى بن مريم صلى الله عليه اعطى حرفين كان يعمل بهما واعطى موسى اربعة احرف واعطى ابرهيم ثمانية احرف واعطي نوح خمسة ‌عشر حرفا واعطى آدم خمسة وعشرين حرفا وان الله تبارك وتعالى جمع ذلك كله لمحمد صلى الله عليه وآله وان اسم الله الاعظم ثلثة وسبعون حرفا اعطى محمد صلى الله عليه وآله اثنين وسبعين حرفا وحجب عنه حرف واحد وعن ابي‌الحسن العسكري عليه السلام ان اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الارض فيما بينه وبين سبا فتناول عرش بلقيس حتى صيره الى سليمان ثم انبسطت الارض في اقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب وعن ابي عبد الله عليه السلام انه قال عليه السلام اني لاعلم كتاب الله من اوله الى آخره كأنه في كفّي فيه خبر السماء وخبر الارض وخبر ما كان وما هو كائن قال الله عز وجل فيه تبيان كل شيء وعنه عليه السلام قال قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك ففرج ابو عبد الله بين اصابعه فوضعها في صدره ثم قال وعندنا علم الكتاب كله وعن ابي جعفر الباقر عليه السلام في قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ايانا عنى وعليّ اولنا وافضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله وعن ابي عبد الله عليه السلام يقول ان عندنا ما لانحتاج معه الى الناس وان الناس ليحتاجون الينا فان عندنا كتابا املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط عليّ عليه السلام صحيفة فيها كل حلال وحرام وانكم لتأتون بالامر فنعرف اذا اخذتم به ونعرف اذا تركتموه وعن معمر بن خلاد قد سأل اباالحسن عليه السلام رجل من اهل فارس فقال له اتعلمون الغيب فقال قال ابو جعفر عليه السلام يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلانعلم وقال سر الله عز وجل اسره الى جبرئيل عليه السلام واسره جبرئيل الى محمد صلى الله عليه وآله واسره محمد صلى الله عليه وآله الى من شاء الله وقال ابو جعفر عليه السلام في قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا فان الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل ان يخلقه وقبل ان يقضيه الى الملائكة فذلك علم موقوف عنده اليه فيه المشية فيقضيه اذا اراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فاما العلم الذي يقدر الله ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الينا فاذا اتقنت هذه الاخبار ونظرت اليها بصحيح الاعتبار علمت ان ما عند ائمة الهدى عليهم السلام من العلوم مستور ومخفي عن كل الانبياء والمرسلين كما قال مولينا الصادق عليه السلام لو كنت مع موسى وخضر لانبأتهما باني اعلم منهما واخبرني شيخي اطال الله بقاه عمن رواه عن احدهم عليهم السلام ان موسى وخضر كانا قاعدين على ساحل البحر اذ اتى طير فاخذ بمنقاره قطرة من الماء فرمي بها الى نحو المشرق ثم اخذ قطرة اخرى فرمي بها نحو المغرب ثم اخذ قطرة اخرى فرمي بها نحو السماء ثم اخذ قطرة ( اخرى خ ) فرمي بها في البحر فتحير موسى وخضر عن ما فعل الطير ولم يدريا ما تأويله اذ جاء صياد فقال ما لكما متحيرين قالا تحيرنا مما صنع هذا الطائر ولم ندر ما اراد فقال الصياد انه يقول يبعث الله سبحانه نبيا في آخر الزمان وله وصي يكون علمكما وعلم من في المشرق والمغرب ومن في السماء كالقطرة بالنسبة الى هذا البحر انتهى ما نقلت من معنى الحديث وانت لو تأملت فيما حققنا لك سابقا في حقيقة العلم لعلمت بان الانبياء ما يمكنهم اللحوق الى مراتب علومهم عليهم السلام بل يمتنع ذلك في حقهم الا ان ينقلبوا عن حقائقهم ويغير الله خلقتهم وهو على كل شيء قدير

وقوله عليه السلام : ولقد ستر علمه عن جميع النبيين الضمير في علمه يرجع الى احوال آدم الاول والذين معه وما صاروا اليه وما ينتهي اليه امرهم يريد عليه السلام بآدم الاول على احد الوجوه رسول الله صلى الله عليه وآله والذين معه هم الائمة الاثني عشر البروج الثابتة في الكرسي الليلة المباركة التي هي فاطمة عليها السلام وما صاروا اليه من بدو كينونتهم في القدم في عالم اللانهاية وكانوا يعبدون الله سبحانه الف دهر وكل دهر مائة الف سنة الى ان خلقت الملائكة الاربعة العالين ( العالون خ ) فبقيت هذه الملائكة يعبدون الله سبحانه معهم عليهم السلام الف دهر الى ان خلق الله سبحانه الكروبيين وبالكروبيين خلقت الانبياء وتقوموا بهم فهم باب فيضهم من الله سبحانه بالملائكة العالين والمنتهى الى تلك المبادي ايضا لقوله تعالى كما بدأكم تعودون وتلك المراتب فوق ذكر الانبياء وفوق ذاتهم ولا شك ان الشيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه فلا ريب ان تلك العلوم كانت مخفية عليهم ومستورة عنهم ثم لما كانت الانبياء ليس كل واحد منهم علة مستقلة لما تحتهم بل المجموع علة للمجموع من المراتب النازلة فلا يكون لكل واحد السعة العامة المحيطة بكل ما تحته من احوال الذوات والصفات والكينونات ولاهل البيت عليهم السلام تلك السعة والاحاطة فعلموا عليهم السلام حقيقة آدم الثاني اي الماء الثاني الذي صعد منه دخان فكان مبدأ الافلاك وزبده صار مبدأ الارضين فتولد الانبياء من دوران تلك الافلاك على تلك الارضين فاذا كانوا عليهم السلام من جزئيات ذلك العالم فلا يحيطون بحقيقته وذلك خاص بمن خصه الله سبحانه بالاسم الاكبر الاعظم الاعظم وهو محمد صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام والائمة الطاهرون سلام الله عليهم

قوله عليه السلام : وعلمني علمه هذا لا اشكال فيه لان البدل يجب ان يكون قائما مقام المبدل منه وذلك لا يكون الا ان يكون مساويا له في احواله والا لم يكن بدلا مع ان مقام النبي صلى الله عليه وآله مقام الاجمال والبساطة ومقام الوصي عليه السلام مقام التفصيل والكثرة فلا تزال العلوم تظهر من مقام الاجمال الى مقام التفصيل ولذا قال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم لان الباء مقام الكثرة والتفصيل ولذا اختص اسم الله بالنبي صلى الله عليه وآله واسم الرحمن بالوصي عليه السلام كالعرش والكرسي فان الفيوضات ترد على العرش مجملة بسيطة كلية فمنه تفاض على الكرسي مفصلة متمايزة منقسمة في البروج والمنازل وسائر الكواكب في الكافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان جبرئيل اتى رسول الله صلى الله عليه وآله برمانتين فاكل رسول الله صلى الله عليه وآله احديهما وكسر الاخرى بنصفين فاكل نصفا واطعم عليّا عليه السلام نصفا ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا اخي هل تدري ما هاتان الرمانتان قال لا قال اما الاولى فالنبوة ليس لك فيها نصيب واما الاخرى فالعلم انت شريكي فيه فقلت اصلحك الله كيف كان يكون شريكه فيه قال عليه السلام لم يعلم الله محمدا صلى الله عليه وآله علما الا وامره ان يعلم عليّا عليه السلام وفيه عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله برمانتين من الجنة فاعطاه اياهما فاكل واحدة وكسر الاخرى بنصفين فاعطى عليّا عليه السلام نصفها فاكلها فقال يا عليّ اما الرمانة الاولى التي اكلتها فالنبوة ليس لك فيها شيء واما الاخرى فهو العلم فانت شريكي فيه وفيه ايضا عنه عليه السلام ان جبرئيل نزل على محمد صلى الله عليه وآله برمانتين من الجنة فلقيه عليّ (ع) فقال ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك فقال اما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب واما هذه فالعلم ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله بنصفين فاعطاه نصفها واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله نصفها ثم قال انت شريكي فيه وانا شريكك فيه قال فلم يعلم والله رسول الله صلى الله عليه وآله حرفا مما علمه الله الا وقد علمه عليّا عليه السلام ثم انتهى العلم الينا ثم وضع يده على صدره وقد دلت الاخبار المتكثرة بل المتواترة معنى على ان النبي صلى الله عليه وآله علم عليّا عليه السلام الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب ه‍ وكل باب اشارة الى سر عالم من العوالم وتتضمن ابوابا كثيرة فان العالم الف الف فالالف هو الاصل ونشأ من كل واحد من الالف الف وقد علمها اياه صلى الله عليه وآله مجملا بالكينونة والذات وبالبيان بالصفات وعند عليّ عليه السلام فصلت تلك الابواب لانه عليه السلام الكتاب الذي احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فلا يمكن احصاء تلك الابواب الا للذي يسبح في لجة اللانهاية على جهة الكلي لا الجزئي ثم ان هذا التعليم لا انقطاع له ولا نفاد لان العلم دائما يجري من بحر القدر الذي تحته شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فلم يزل ينزل من ذلك البحر المحيط بحور وان كانت خلجان بالنسبة الى البحر الاول فالبحر الاول المظلم كالليل الدامس هو بحر العين المستنطق من كهيا اي من الكاف الظاهرة في الهاء والياء فان الكاف هي الظاهرة المستنطقة من البسملة لانها تسعة عشر وهي استنطاق الواحد فاذا نظرت ظهور الاحد في الواحد كانت الكاف فالكاف هي هاء وقد كررت اربع مرات مرة في البسم والثانية في الله والثالثة في الرحمن والرابعة في الرحيم والهاء في مقام التكرير تظهر منها الياء وفي مقام التربيع تظهر منها النون فالهاء هو السر والامر في الكاف والنون واذا جمعت الكاف والنون استنطقت العين واذا ظهرت الكاف في العين ظهرت الصاد ففي الباطن على اعلى مقاماتها يكون الصاد هي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله والعين هي مقام القيومية ومرتبة المشية الكلية والعمق الاكبر على الحقيقي وهو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء وظهر في بحر الصاد كما روي ان الصاد بحر تحت العرش ينزل منه الماء الذي به حيوة كل شيء وقد امر رسول الله صلى الله عليه وآله بالتوضي منه لصلوة الظهر ليلة المعراج فاتى النداء ادن يا محمد من صاد وتوضأ لصلوة الظهر ولما كانت الصلوة معراج المؤمن والتوضيء هو التطهير والاستعداد لملاقاة الرب وهو وجه التوجه اليه تعالى وتوجه السافل الى العالي بكينونة ذاته لا بصفاته وآثاره علمنا ان الصاد هو حقيقته صلى الله عليه وآله حيث توجه بها الى ربه في مقام الدنو بدليل صلوة الظهر لانها صفة ظهور المبدأ ولذا كانت اول صلوة فرضها الله عز وجل على العباد برحمته فلم تزل العلوم والاسرار تفاض من بحر العين الى بحر الصاد بلا انقطاع فلو انقطع آنا واحدا بل اقل انقطع الوجود كله وهو قوله تعالى قل رب زدني علما فهذه الاستزادة لا انقطاع لها والافاضة كذلك لان الله عز وجل يقول ادعوني استجب لكم فالاستجابة مقترنة بالدعاء والاستزادة دعاء فوجب الاستجابة ولذا قال عز وجل كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه‍ لا في البدو ولا في العود لان العود نفس البدو وهذا العلم الجاري من بحر العين له شعبتان وخليجان فخليج يجري من بحر الكاف والآخر من بحر النون والآخر من ( بحر خ ) العين والذي من بحر الكاف له اربعة انهار نهر يجري من البسم والآخر من الله والآخر من الرحمن والآخر من الرحيم وفي كل نهر خمسة جداول جدول النقطة والالف والحروف والكلمة التامة والدلالة وهذه العلوم كلها علم التوحيد الصرف والتعدد باختلاف المحال والمهابط للتجلي وفي كل مقام ومجلي لا يرى الا الواحد بنفي الكثرات وسلب الاضافات والامتيازات وعند العلم يقال انها خمسة وعند العمل هو واحد لا بالعدد والعلم الذي يتصور فيه التعدد عند جمع شؤنات الكينونة لمن اشهده الله خلق نفسه واما عند الصعود الى ذروة المجد والعلى فيتحد العلم والعمل وان كانا متحدين في كل مقام فالجدول الاول من النهر الاول من الخليج الاول هو الذي يختص به النبي صلى الله عليه وآله لا يشترك فيه معه عليّ عليه السلام وذلك علم لم يعلمه اياه عليهما السلام يعني لا يمكن ذلك الا ان تنقلب الحقايق فيرتفع الامتياز حينئذ هذا خلف وبذلك العلم كان افضل واعلى فلو تساويا لما كان احدهما افضل لئلا يستلزم الترجيح من غير مرجح وقد قال عز وجل يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ولما صح ان يكون النبي صلى الله عليه وآله واسطة بين الامر و( بين خ ) عليّ عليه السلام لان المساوي لا يكون واسطة بالضرورة فوجب ان يكون عند النبي صلى الله عليه وآله علم في التوحيد لم يكن عند عليّ عليه السلام وبذلك كان كما قال عليّ عليه السلام انا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله فقوله عليه السلام وعلمني علمه وان كان العلم مصدرا مضافا يفيد العموم الا ان ذلك العلم ليس داخلا لانه عين حقيقة ذاته والتعليم فعل والفعل متأخر عن مرتبة الذات فيتعين ان يكون المراد بالعلم ما هو تحت مرتبة الذات فعلى هذا فلا احاطة لعليّ عليه السلام في مقام الحقيقة النبوية عليها السلام فقوله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت يريد المعرفة الحاصلة لسائر المخلوقين لا مساواتهما عليهما السلام في المعرفة وكذا قوله صلى الله عليه وآله وما عرفني الا الله وانت اما الله سبحانه وتعالى فهو بالكنه والحقيقة واما عليّ عليه السلام فهو بالبيان والصفة لا بالحقيقة وكذا قوله صلى الله عليه وآله ما عرفك الا الله وانا يريد بالكنه والحقيقة ( يريد المعرفة بالكنه خ ) في المقامين وفصل القول ان في هذا المقام مباحث هي مفتاح للابواب المقفلة وحل الرموز المشكلة فلا يعرف حقيقة الامر في هذا المقام الا بها وانا اشير اليها مجملا الاول ما العلم وحقيقته والثاني ما العلم المنسوب الى الله المختص به والمنسوب الى محمد صلى الله عليه وآله كذلك والمنسوب الى عليّ عليه السلام كذلك والثالث ما كيفية التعليم وربط هذه العلوم بعضها ببعض والرابع ما كيفية تعليم محمد صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام وتعليم على لمحمد صلى الله عليهما وينكشف لك الامر ويتضح لك السر بعد معرفة هذه الابواب ان شاء الله تعالى

اما الاول فاعلم ان العلم نور من عند الله سبحانه ( وتعالى خ ) يقذفه في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء ومبدأ هذا القذف هو المثال الذي القى سبحانه في هويات الاشياء كما قال امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وهذا المثال هو سر كن في فيكون وهو السائل الآمر بالله سبحانه القائل كن وهو المجيب الممتثل من قبل نفسه بالله سبحانه الفاعل ليكون وقد ورد عنهم عليهم السلام في بيان قوله تعالى بين النفختين خطابا للارض اين الجبارون واين المتكبرون واين الذين يأكلون رزقي ويعبدون غيري لمن الملك اليوم ثم قال سبحانه لله الواحد القهار قالوا عليهم السلام نحن السائلون ونحن المجيبون ه‍ لانهم وجه الله الذي لا يهلك وقال امير المؤمنين عليه السلام بل تجلى لها بها ولا تستغرب من ذلك فانك تراه بالعيان فانك اذا قرأت القرآن وقرأت قوله تعالى اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري فلا يتوهم احد انك تدعي الربوبية والالوهية لانك حينئذ حاك ولسان له تعالى ثم يستحب لك ان تقول اذا قرأت امثال هذه الآيات بلى يا رب انت الله لا اله الا انت لانعبد الا اياك مخلصين لك الدين فانت الذي اجبت فكنت في الحالة الاولى لسان المخاطب وفي الحالة الثانية لسان المخاطَب وهذا آية ما ذكرنا لك ودليله فافهم فذلك المثال هو العلم والهوية هي القلب وهي اول ما ظهرت به كينونة الخلق الذي احبه الله للايجاد لان يعرف كما قال كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فقذف الله سبحانه هذا النور في قلب من احب وقد علمت انه تعالى احب كل خلق من حيث الخلقة فقذف هذا النور في قلب كل احد من المخلوقين وقد مثل سبحانه لهذا النور ونسبته مع القلب مثالا غريبا لا تفنى عجائبه ولا تنفد غرائبه حيث يقول سبحانه مثل نوره كمشكوة فيها مصباح النور الظاهر في هذا المصباح الذي في الزجاجة التي كأنها كوكب دري هو المستوقد ( استوقد خ ) من الشجرة المباركة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية فالنار منها كزيتها ذلك هو العلم فلما استضاء المصباح الذي هو العلم الظاهر في القلب صار له وجهان وجه الى الحرارة المحضة واليبوسة من النار ووجه الى البرودة واليبوسة التي هي ثفل الزيت ونفسه ووجه الى الحرارة والرطوبة من توجه النار الى الدهن ووجه الى البرودة والرطوبة من توجه الدهن الى النار ولذا كان لون النور الظاهر في الدهن اصفر براقا شفافا وبهذه الصفرة ينير لتحقق المناسبة التامة وتلك الصفرة هي المصدر الذي يشتق منه اسم الفاعل والمفعول ولذا وضع لذلك النور اسم وهو المصدر فقيل علم ونور وكلاهما مصدران وتوضيح الكلام ان العلم هي نقطة الكون المنبسطة على حقائق الاكوان الوجودية والحروف الكونية والوصفية والشرعية واللفظية وتلك النقطة بظاهرها تحكي ظاهر الاكوان وبباطنها تحكي باطن الاكوان والاعيان وبكينونتها وذاتها تحكي المبدأ الذي هو الاصل في الكلام الذي يتشعب منه اصول وكل اصل يتشعب الى اصول وهكذا وبسرها المستودع في هويتها تحكي سر الاسماء والصفات الجلالية والجمالية وبسر سرها تحكي الوحدة الحقيقية البسيطة كل ذلك في مقام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فالعلم ظل نوراني وشبح منفصل يشرق على كل مذروء ومبروء وعلى تجليات الذاري الباري المصور التي هي نفسه وعلى نور هيكل التوحيد وشبح التجريد والتفريد ولذا وضع له المصدر كما ذكرنا فان المصدر هو الواقف على الطتنجين والبرزخ بين العالمين عالم الفاعل وعالم المفعول وعالم الفعل والاسماء دليل المسميات وصفاتها ولما كان ظهور هيكل التوحيد في الهاء التي ظاهرها عين باطنها كما قال صلى الله عليه وآله التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ظاهره موصوف لا يرى وباطنه موجود لا يخفى وهو رتبة التوحيد ولما كانت الاسماء رتبة التعلقات فوجب اشباع الهاء فظهر به سر الاسماء وموصوفها ومسماها واصلها وهو الهوية التي تقوم به الالوهية ولما كانت الظهورات الخاصة لها ارتباطا اكثر واقوى فلوحظت بيناتها مع زبرها فاستنطقت منها الواحد والواحد اذا اضيف اليها ( اليه خ ) الاحد كان عشرين فتستنطق منه الكاف فكانت الكاف هي تمام مقامات الاسماء والصفات والتجليات الالهية من العامة والخاصة والظاهرة والباطنة وبقي مقام التعلق الخاص والربط المتعلق ولا يتم ذلك الا بانضمام النون لان الهاء اذا كررت تكون منه الياء واذا كعبت الهاء في الياء تظهر النون وهما تمام كلمة كن وكذا قال سبحانه بعد البسملة كهيعص فالكاف انما حصلت من اشباع الهاء والنون من تكريرها واذا جمعتا تستنطق من المجموع العين فالعين اشارة الى عالم الوجود المطلق وعالم الامر بجميع تفاصيله واحواله ولذا كانت السبعة هي العدد الكامل بنفسها وبتكريرها وتنزيلها وهي مشتملة على مراتب الاسم الاعظم الظاهرة في المخلوقين والغير الظاهرة وهي اسرار مبادي الوجود وعلله الفاعلية ومبادي العلل المادية والسر الاعظم الاعظم السر المقنع بالسر من رتبة التوحيد الظاهرة للمخلوقين بجميع انحائها واطوارها وتجدد الفيوضات والامدادات من بحر القدرة الى طتنج المشية ومنها الى جدول الحقيقة ومنها الى مستسرات سرائر الاكوان ومستوضحات شهادة الاعيان وهكذا الى ما شاء الله ولما كانت العين تحكي تلك الاسرار ومنها تظهر تلك الانوار وهي الوجه الاعلى من النقطة بمراتبه وجب ان توضع في اول حرف اسم تلك النقطة ملاحظا لنظم ( للنظم خ ) الطبيعي في العالم التكويني والتدويني كما جعلت في اول حرف اسم حاملها كما قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن وقال عز وجل وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا واشهد ان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ولما كان الوجه السفلى لتلك النقطة ظهورها في الالف وانعطاف الالف بالحروف وتشعبها منها وهو مقام الخلق والخلق انما يتحقق ( يتكون خ ) بيكون عند خطاب كن وذلك له مقامان مقام صلوحه واستيهاله لوقوع الخطاب عليه والمقام الثاني مقام وقوع الخطاب عليه فالاول نسميه بالقابلية والثاني نسميه بظهور المقبول في القابل وقد نطلق عليه المقبول على جهة الاجمال ولا يصلح المخلوق ولا يستأهل لوقوع خطاب كن عليه ظاهرا وباطنا على جهة الكمال والتمام فيهما الا بعد ان يستودع في سره بالتجلي ثلثون اسما من الاسماء الحسنى فاذا استودعت فيها وعمل كل اسم فعله وتمت البنية ونضجت الطبيعة فهناك تنضج الطبيعة ويقوم الشيء رافعا صوته بالتلبية ويظهر فاعل يكون بعد وقوع خطاب كن عند الخطاب والسر في هذا الثلثين هو ان المبدأ كما ذكرنا مرارا هو المثلث وهو اذا جذر يكون تسعة فاذا تممت التسعة بظهور الاحد يكون تمام العشرة وهذه العشرة لها ظهورات في كل ( ظل خ ) العوالم وانما تختلف بالاجمال والتفصيل والظهور والخفاء والبساطة والتركيب ولها مقامان مقام نزول ومقام صعود فالنزول هي تلك الثلثة الى ان تصير عشرة والصعود هو ظهور سر تلك الثلثة في كل من العشرة وهو تمام الثلثين واليه الاشارة في قوله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة ومعنى ما ذكرنا هو ان الشيء لما بدا من فعله تعالى له ثلثة وجوه وجه الى مبدئه ووجه الى نفسه ووجه الى غيره ولكل منها ثلاث حالات حالة عليّا وحالة وسطى وحالة سفلى والعاشر هو الوحدة الجامعة لتلك الحالات كلها اما الصعود فهو ظهور الاحوال الثلثة الاسفل فالاسفل الى الاعلى فالاول ظهور الحالة السفلى في المجموع وهناك مقام الجماد والثاني ظهور الحالة الوسطى وظهور بسط ( ربط خ ) المبدأ وهيجانه الى جهة المبدأ في الاستمداد وهو مقام المعدن والثالث ظهور الحالة العليا من ظهور الربط الكلي وهو مقام النبات وهناك مقام فكسونا العظام لحما وذلك تمام الثلثين فالاربعون من ظهور الحالة الرابعة وهي سر الثلثة الجامع لها باطوارها في كل هذه الثلثة في كل مقام بحسبه وفي مقام الوحدة والجامعية فلها مقام مع كل واحد منها ومقام منفرد متوحدة فيها وهي تمام الاربعين فمقام الخلق يتم في مقامين على اختلاف مراتبه مقام القابل وهو الثلثون ومقام المقبول وهو الاربعون ومن هذه الجهة كان في مبدأ الكتاب الكريم ومفتتح سورة البقرة الم فالالف لبيان المبدأ واللام والميم لمقام رتبة الخلق في اطوار القابليات والمقبولات ولما كانت الاسماء صفات المسميات ووجب بينهما المطابقة في كل الجهات اللازمة فوجب ان يجعل ثاني حرف ( احرف خ ) اسم تلك النقطة اللام لانها متقدمة في الظهور وكذا في الوجود وثالثها الميم لبيان تمام المراتب واجتماع العلل مع المعلول والاسباب والمسببات واللوازم والملزومات والشرائط والمشروطات وهو يوم الجمعة في ايام الاسبوع ولم تكن هنا رتبة اخرى لتزاد حرف آخر فانحصرت احرف الاسم في ثلثة ( الثلثة خ ) فصارت على مقتضى الترتيب علم ع ل م ثم دلت بصفاتها الى معاني اخر فالعين من عالم الغيب لانها من حروف الجبروت واللام من عالم الاوسط لانه من عالم الملكوت والميم من عالم الاسفل لانه من عالم الملك وكل من الاحرف ثلاثية فتكون تسعة والمجموع واحد فيكون عشرة على التفصيل الذي اشرنا آنفا واشار سبحانه ( وتعالى خ ) الى هذا الصوغ والتأليف في كتابه العزيز واوحى ربك الى النحل اي منتحل العلم ان اتخذي من الجبال اي من العرب وهي المبادي العالية واطوار كن والعوالم الغيبية والاشارة اليها العين في الظاهر والباطن كما ذكرنا ومن الشجر وهي اطوار عالم الشهادة والمقامات الخلقية لظهور ( لظهورات خ ) الجهات التفصيلية والكثرات فيها وتشعبها الى الاغصان واغصان الاغصان والاوراق وهكذا والاشارة اليها الميم ومما يعرشون من الاحوال البرزخية بين الغيب والشهادة والظاهر والباطن والاشارة اليها اللام لانها من حروف الاوسط ثم كلي من كل الثمرات هي الاطوار الحاصلة من القرانات والاضافات والروابط وانحاء الحيثيات فالعلم هي نقطة الوجود السارية في الغيب والشهود ( الشهادة خ ) وبها ظهر المعبود باحواله وافعاله وهو بحر دائم الفوران يصعد ماءه من الارض وينزل اليه من السماء ونداء يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء لا يقع على هذا البحر لان ذلك للرحمة وهذا للغضب وشتان ما بينهما ان هذا لرزقنا ما له من نفاد فشهد لفظ العلم بسر معناه ودل شهادته على غيبه ذلك تقدير العزيز العليم هذا مجمل بعض احوال العلم

واما الامر الثاني فاعلم ان تلك النقطة هي السر الذي لا يحيط بكينونتها واصلها وفرعها ومبدءها ومنتهاها ولوازمها وشرائط ظهوراتها واطوار كينونات نشئاتها وامداداتها وكلما لها ومنها واليها وعنها وبها وعليها وعندها ولديها وساير احوالها واوضاعها وان كان لا وضع لها ولا حال لها على جهة الحقيقة والاحاطة القيومية بنحو الشهود والظهور لا يحيط بها الا الله سبحانه وتعالى لان تلك النقطة هي الاسم الذي رواه في الكافي ان لله سبحانه اسما ( الله سبحانه خلق اسما خ ) ليس بالحروف مصوت وباللفظ منطق وبالشخص مجسد وباللون مصبوغ وبالتشبيه موصوف بريء عنه الحدود منفي عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهذا هو السر المخزون عند الله والاسم الاعظم الاعظم الاعظم والذكر الاعلى الاعلي الاعلى وهو الشمس المضيئة في قعر بحر القدر وفيه مصدر البداء وعلل الاشياء ومن ذلك يستزاد خاتم الانبياء عليه السلام وكذلك صفوة ذريته وعترته صلى الله عليهم حيث امره الله سبحانه بذلك بقوله تعالى قل رب زدني علما وقال صلى الله عليه وآله اللهم زدني فيك تحيرا وهذا العلم هو حقيقة الكائنات والممكنات والمكونات وليس فيه تجدد ولا تغير ولا تبدل ولا مضى ولا حال ولا استقبال ولا اضمحلال ولا نقصان ولا زوال ولا تحول ولا انتقال ولا حركة ولا سكون ولا ظهور ولا خفاء وانما هي نقطة عند الحق القديم المحيط بالاشياء كلها وهي حاضرة عنده سبحانه والله سبحانه وتعالى عالم بها قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق ولا يصل الى هذه الرتبة احد من المخلوقين الا ان يكون خارجا عن صقع الامكان فيختص به الله سبحانه فالممكن ليس عنده الا نفسه وما تحته واما التجددات الواردة لحفظ بقاء ذاته فليست حاضرة عنده واما القديم سبحانه فليس عنده تجدد اذ ليس مستندا الى الغير ولا متقوما بسواه سبحانه وتعالى وهذا هو العلم الذي لا يحيطون بشيء منه الا بما شاء وهذا هو علمه سبحانه بالاشياء بها وهو الذي قال عليه السلام علمه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها وهذا العلم خاص بالله سبحانه ليس لاحد فيه نصيب كما قال امير المؤمنين (ع) في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير ومن هذا العلم جف القلم بما هو كائن فافهم واليه الاشارة فيما ورد عنهم عليهم السلام ان الاسم الاعظم ثلثة وسبعون اسما اثنان وسبعون اسما عندنا وواحد تفرد به الحي القيوم سبحانه وتعالى ثم ما ظهر في الاكوان من غيب الامكان بعلم الله سبحانه في مقامين مقام النقطة الكونية والحقيقة الوجودية اي السر المستسر في كل الغيوب والاحوال والظاهر في كل شيء بالتفصيل في مقام الاجمال اما بذاته او بصفاته او بشؤنات آثاره او بظهورات انواره على جهة البساطة وعدم الكثرة ومقامه الاختراع ولها القيومية والهيمنة على كل الاكوان وكل شيء تحت هيمنة تسلطه ومضمحلون لدى سطوع نوره وبهائه وهو العلة المادية لكل الموجودات فظهرت في تلك النقطة من الحقايق الالهية والذوات السرمدية والازلية الثانية على جهة الوحدة والبساطة فالاسماء كلها من الاسماء الكونية والظاهرة في ذلك المقام اسم واحد والذوات ذات واحدة والحقايق حقيقة واحدة ليس هناك اختلاف وتعدد وتغير وتبدل وظهور وخفاء وظلمة وعماء واولية وآخرية وتقدم وتأخر لانه مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا لا عينا وهو مقام الواحد واول ظهور الاحد لا الواحد المقابل للثاني بل الواحد الذي ليس له ثاني يجتمع مع الاعداد بكلها بصفاته وتعدها ( بعددها خ ) ويفارقها بذاته والاعداد تكثر وتزيد بظهور امثاله ولذا لا تصعد مقاما في العدد الا وترى الواحد قدامه لن يبلغ اليه العدد وان صعد الى ما صعد وبلغ الى ما بلغ فهذه النقطة هي القطب الذي يدور عليه الاكوان الوجودية من الازل الى الابد الذي هو عين ذلك الازل ولا يحيط بهذا العلم على جهة الحقيقة الا النبي الامي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله خاصة وهو صلى الله عليه وآله الواسطة الكبرى والبرزخية العظمى وله الرسالة المطلقة وهذه الوساطة والرسالة اعلى مقاما من الولاية اذ شملته جهة الوحدة واضمحلت له الانية حتى لا يبقى في مقام الفرق الا الوساطة المحضة كما ذكرنا سابقا وهذا بحر لا يساحل وطمطام لا يحاول فلا نهاية له ولا بداية ودائما يفاض على هذا البحر من بحر القدر الذي في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد ولا نهاية لذلك الفيضان ثم يفور ذلك البحر بورود ذلك الفيض لسر يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولا غاية لهذا الفوران وذلك البحر هو حقيقة المحبة ولذا لقب صلى الله عليه وآله بالحبيب ووجود الكائنات كلها تدور على المحبة لقوله تعالى فاحببت ان اعرف وهو بحر صاد وتمام كهيعص وبحر المزن افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون وبحر النون وبحر المعرفة وسر الوجود وبحر النور وجنان الصاقورة التي ذاق روح القدس منها الباكورة وبحر الماء الذي به كل شيء حي وبحر العلم الذي منه يغترف كل خلق ولا ينقص منه شيء وامر الله الذي لا ترى فيه اختلاف وبالجملة هو نقطة بسيطة غير ظاهرة الا بصفاتها تدور عليها المكونات باسرها وهي حقيقة العلم وينبوعه واصله ومعدنه وهذا هو المقام الاول مما ظهر من العلم الاول واما المقام الثاني منه فهو مقام التفصيل وشرح العلل والاسباب وظهور تلك النقطة في الشؤنات والاطوار ظهور الاسماء المتقابلة والاحوال المتضادة وهو مقام الربوبية اذ مربوب كونا وعينا وهناك محل ظهور الاختلاف وتمايز الخلق بعضهم عن بعض بالحدود والصور والهيئات وتفاصيل ذلك الاجمال كالمداد والكتابة المتمايزة بما ( مما خ ) يختلف به الاحكام والمعاني مع صلوح الكل للكل ومقام استواء الرحمن على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه ومقام اعطاء ( كل خ ) ذي فضل فضله وتمايز الاركان الاربعة في العرش من الركن الابيض ركن الرزق والركن الاصفر ركن الحيوة والركن الاخضر ركن الممات والركن الاحمر ركن الخلق فظهر في الركن الاول اسم الله المحيي وفي الثاني اسم الله الحي وفي الثالث اسم الله المميت وفي الرابع اسم الله القابض فهو مقام اول انقسام الوجود وتشعب الملائكة حملة الاسماء الظاهرة بالتدبير والتأليف والتكييف والتصوير وفي المقام الاول لم يكن انقسام ولا تمايز ولا اختلاف وانما التمايز حصل في هذا المقام اذ الوجود كله له مقامان مقام الاجمال ومقام التفصيل ومقام البساطة ومقام الكثرة فلما كان حامل العلم الاول هو محمد صلى الله عليه وآله كان حامل العلم الثاني هو مولينا عليّ عليه السلام ولذا نسب الاختلاف كله اليه عليه السلام كما قال تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقال صلى الله عليه وآله يا عليّ ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ ه‍ وذلك لان مقام الله سبحانه هو الربوبية اذ لا مربوب فليس هناك شيء حتى يتصور الاختلاف ومقام النبي صلى الله عليه وآله هو الربوبية اذ لا مربوب عينا وليس للكثرات هناك ظهور حتى يتصور الاختلاف فانحصر الامر في هذا المقام اي مقام الربوبية اذ مربوب ذكرا وعينا فهناك يتحقق الاختلاف وتظهر الاشياء كلها على مثال المبدأ وتنسي نفسها واضمحلالها وتدعي فوق مقامها ورتبتها فمن متوقف جاهل ومن منكر معاند ومن موافق صادق ولذا ترى الاختلاف في مقام الرحمانية لا الالوهية وهو قوله تعالى يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين الى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا وقالوا اتخذ الرحمن ولدا الى ان قال تعالى ان كل من في السموات والارض الا اتى الرحمن عبدا لقد احصيهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا فافهم المراد فعليّ عليه السلام هو مبدأ العلة الصورية بظهوره كما ان محمدا صلى الله عليه وآله مبدأ العلة المادية بشعاعه وقد تقدم مرارا ان مثاله صلى الله عليه وآله العرش ووجهه الشمس ومثال عليّ عليه السلام الكرسي ووجهه القمر ولذا تسير الشمس وتقطع دورة بعد ان سار القمر وقطع اثني عشر دورة ولذا كانت منطقة البروج منقسمة على اثني عشر قسما كل ( لكل خ ) قسم برج فمقامه عليه السلام مقام الابتداع فمقام النبي صلى الله عليه وآله في العالم الاول الاختراع الاول والولي عليه السلام فيه الابتداع والنبي صلى الله عليه وآله في العالم الثاني الاختراع الثاني والولي عليه السلام الابتداع الثاني والنبي صلى الله عليه وآله في عالم الوجود المقيد مثاله العقل الكلي والولي عليه السلام مثاله النفس الكلية والنبي صلى الله عليه وآله الالف في عالم الصفات والولي (ع) الباء فيها والنبي صلى الله عليه وآله النقطة والولي عليه السلام النفس الرحماني الاولى والنبي صلى الله عليه وآله محل المشية والولي عليه السلام محل الارادة والقدر والقضاء والامضاء والنبي صلى الله عليه وآله حامل ظهور الالوهية ويدعو باسم الله والولي عليه السلام حامل آثار الرحمانية ويدعو الله باسم الرحمن والنبي صلى الله عليه وآله مبدأ العلة المادية والولي عليه السلام مبدأ العلة الصورية والنبي صلى الله عليه وآله ظاهر بالانذار والولي عليه السلام ظاهر بالهداية والنبي صلى الله عليه وآله ابوالقاسم والولي عليه السلام ابوتراب وابو الحسنين والنبي صلى الله عليه وآله نور الله مثل نوره والولي عليه السلام مشكوة والنبي صلى الله عليه وآله فضل الله والولي عليه السلام رحمة الله والنبي صلى الله عليه وآله امر الله والولي عليه السلام قدرة الله والنبي صلى الله عليه وآله رسول الله (ص) والولي عليه السلام آية الله وروح الله وعظمة الله ويد الله ولسان الله وعين الله وجنب الله ونفس الله وذات الله ووجه الله وحامل فيض الله ومظهر امر الله ونهيه فالعلم المنسوب الى امير المؤمنين (ع) المختص به علم الولاية الظاهرة بالتفصيل وكل علوم الربوبية اذ مربوب مطلقا فهو صلوات الله عليه معدنه وينبوعه منه بدأ واليه ينتهي ويعود وهو قوله تعالى واليه يرجع الامر كله فاعبده قال عليه السلام الضمير في اليه يرجع الى الولي وفي فاعبده يرجع الى الله يعني اعبد الله بهذا الاعتقاد ويكفيك في هذا المعنى كونه عليه السلام قسيم الجنة والنار لان الخلق باجمعهم اما من اهل الجنة والكرامة او من اهل النار والاهانة كما قال عز وجل هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فافهم

واما الامر الثالث فاعلم ان العلم على المعنى الذي ذكرت كله عند الله عز وجل قل انما العلم عند الله وما عند الله لو كان في ذاته تعالى لاختلفت ( لا اختلفت خ ) فان تلك النقطة التي قلنا انها العلم وهي وان كانت واحدة لكن لها شؤنات علوية وسفلية وهذا لا يصح ان يكون صفة القديم تعالى شأنه فان الذي وجوده من ذاته لا تكون له جهتان ولا يفرض ذلك فان الجهتين انقسام والانقسام منفعل ومتأثر عن المقسم الفاعل وذلك لا ريب فيه مما ( فما خ ) عند الله من الاحوال الخلقية كلها في ملكه عز وجل كما قال سبحانه الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب وقال عز وجل قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقال تعالى ايضا علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وامثالها من الآيات كثيرة فعلمه سبحانه ذاته والتعلق جهات خلقية في الخلق فالعلم المتعلق لو كان عين العلم القديم لكان له حالتان حالة التعلق وحالة عدمه وورود الحالتين لا يكون الا بمرجحات خارجية والا استحال الانفكاك وامتنع التعاقب لان ذات الشيء لا تتخلف عنه والمرجحات الخارجية دليل عدم استكمال الشيء في نفسه وافتقاره الى امور خارجية لاظهار شؤناته الذاتية ثم لا تتحقق الشؤنات والاحوال الا لحادث ممكن تكون له جهتان متضادتان فتحصل جهة من مبدئه والاخرى عنه به فاما الذي لا يستند الى الغير فليس له الا جهة واحدة فثبت ان يكون العلم المتعلق غير العلم القديم سبحانه وتعالى وقد صرح بالامر مولينا الصادق عليه السلام على ما في الكافي عنه عليه السلام لم يزل ربنا عز وجل عالما والعلم ذاته ولا معلوم الى ان قال عليه السلام فلما اوجد الموجودات وكان المعلوم وقع علمه على المعلوم والسمع على المسموع الحديث انظر في قوله عليه السلام وقع فانه فعل لا يجوز استناده الى الذات مع ما ثبت من مذهبه (ع) من امتناع ورود الحالتين على الحي القيوم سبحانه وتعالى فعلمه المتعلق بالمعلومات في خزائنه الامكانية التي هي مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو واصلها ومنشأها في الخزانة العليا الاولى وهي لا وجود لها في الكون عند اهله فلا احاطة لاهل الكون بشيء من تلك العلوم ولما كان فيض الله سبحانه واسع ( واسعا خ ) وامداده متجدد ( متجددا خ ) ونعمته شاملة بالغة فلا يزال يمد الخلق سبحانه وتعالى بفاضل جوده وتلك الامدادات انما هي من تلك الخزينة بها فترد اولا على ( الى خ ) الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله جملا جملا على جهة الكلية والشمول والبساطة اذ الاثر على صفة فعل المؤثر ولما كان الفعل لا حد له فيكون الاثر ايضا كذلك يظهر كعموم قدرة الله سبحانه صالحا للاحوال الغير المتناهية من جهة الحدود والاضافات والقرانات والخزانة الاولى ايضا ليست مستقلة وانما هي دائما يفاض عليها من بحر الجود والعطاء بها نفسها وفي الواقع وحقيقة الامر الخزانة العليا غيب للثانية وليست شيئا غيرها والا لكانت الثانية معلولا وهو لا يصح وانما هما شيء واحد له وجهان وجه فيه ذكر الاشياء ووجه فيه حقيقتها اما بذاتها او بصفاتها او بظهورات آثارها الا ترى كيف جعل الله سبحانه الاسم الاعظم كهيعص اسما واحدا وكلمة واحدة فالصاد هو الخزينة الثانية والعين هي الاولى والهاء والياء والكاف هي تفاصيل العين على ما فصلنا سابقا فمن الاعلى ينزل الى الاسفل ومن الغيب يأتي الى الشهادة لست اريد بالشهادة الاجسام الظاهرية او النفوس المصورة ولا العقول المحدودة وانما اريد بالشهادة الظاهر الذي هو عين الظهور بعد ما كان في مكمن الخفاء وذلك المخفي هو علم الغيب الخاص بالله سبحانه فان قلت فعلى ما ذكرت يلزم ان لا يجهلوا شيئا لان الغيب هو وجههم الاعلى والشيء اذا اشهده الله خلق نفسه يحيط بحقيقة ذاته على ما هي عليه قلت نعم يعلمونه على ما هو عليه لان ذلك الوجه بعد ما لبس حلة الكون فيعلمونه ممكنا ولا يعلمونه مكونا الا حين كون ولذا قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء اي حين شاء كيف شاء بالمشية الكونية وتلك المشية هي ظهور تلك الحقيقة لنفسها بنفسها اي من حيث كونها حاملة لظهور الله سبحانه لها بها واما الذي لم يكن فيعلمونه كذلك واما الله سبحانه فلما كان ليست له حالتان ولا ينتظر وجهان فليس له العلمان فلا يقال له تعالى اكوان وامكان يعلم الاكوان بعد الامكان فان ذلك باطل واعتقاده كفر واما النبي صلى الله عليه وآله فهو مصدر الفيض وله مقامات واحوال ففي كل حال منها يحكي وجها من وجوه التجليات الالهية والاحكام الصمدانية ويكفيك في ذلك قول امير المؤمنين عليه السلام فيه صلى الله عليه وآله اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار ولما كان الفيض والمدد دائم الفيضان عليه عليه السلام وذلك يعين ويشخص تلك الاذكار فدائما يظهر من مكمن الخفاء الى الاعلان والاظهار ان هذا لرزقنا ما له من نفاد فكل افاضة يظهر ما لا نهاية من الاحكام الامكانية لكنها جملا يفصل عند الولي عليه السلام فكلما سيوجد عندنا وجد عندهم عليهم السلام وكلما سيوجد عندهم وجد عند الله فالذي لم يوجد عندهم هو علم الغيب واليه الاشارة بقوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وهو محمد صلى الله عليه وآله على احد التفاسير وكيفية ذلك التعليم هو اشراق ما عند الله فيه له به فعلمه تعالى فيه به قبله بما لا يتناهى لانه صلى الله عليه وآله النور المشرق من صبح الازل وهو ايضا الصبح الازل او صبح الازل وفيه ظهرت الشمس الازل والتعليم اشراق المعلم على المتعلم بما فيه من نور العلم فيستنير المتعلم بذلك مع حفظ الاصل للمعلم وفي هذا المقام اتحدت الاحوال واضطربت الاقوال ولم يبق للمقال مجال فان الاشراق ظهور المشرق به والمشرق هو الظاهر بالاشراق والاصل محفوظ عند المشرق وهو ظاهر بالاشراق فاليه يرجع الامر كله قال عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وهو قوله تعالى ان ذلك في كتاب فافهم فاني قد اشرت الى مخزون العلم ومكنون السر فهو صلى الله عليه وآله علم الله ومشيته مشية الله اماسمعت ما في الزيارة الخارجة عن الناحية المقدسة حرسها الله تعالى في زيارة الحجة عليه السلام الى ان قال عليه السلام مجاهدتك في الله ذات مشية الله ومقارعتك في الله ذات انتقام الله الزيارة

واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

هذا بيان مجمل كيفية تعليم الله لمحمد صلى الله عليه وآله فاذا فهمت ما قررنا وحررنا من مكنون العلم علمت ان نبينا صلى الله عليه وآله هو معدن العلم واصله وينبوعه لان عنده صلى الله عليه وآله الاصل وكلما لغيره وعند غيره فروع وحدود وصور قد نشأت منه صلى الله عليه وآله فلا يقال لغيره العالم الا بالاضافة لان قوام الشيء بمادته وصورته والمادة هي الاصل في الشيء بل لا اصل سواها والصورة هي الحدود والاعراض والاضافات والنهايات فلا تقوم لها الا بها فلما كانت الحقيقة المحمدية (ص) هي نور الانوار والنور الذي منه نورت ( تنورت منه خ ) الانوار وهي مادة المواد واسطقس الاسطقسات كان هو صلوات الله عليه وآله ينبوع العلم واصله ومعدنه كما قال روحي فداءه انا مدينة العلم وعليّ بابها وفي رواية اخرى انا مدينة الحكمة وعليّ بابها والحكمة وان كانت هي العلم الا انها اشرف مراتبه اي كل مراتبه بوجهها الاشرف فان الحكمة عبارة عن السين المكتنفة بالاحدية فالاحدية هي المحيطة بجميع اطوارها والسين هي المحاط فان الكاف والميم اذا استنطقتهما يتولد منهما السين وهو اعظم اسماء النبي صلى الله عليه وآله لان اسمه يطابق مسماه فان زبره عين بيناته ولفظه عين معناه ومن هذه الجهة كانت السورة المباركة قلب القرآن وهو عليّ عليه السلام في مقام ظهوره عليه السلام في عالم التفصيل بالتكرير وهو السين في بسم الله الرحمن الرحيم وهو الاسم الاعظم وهو اشارة الى كل مراتب الموجودات على كمال التفصيل فانا قد ذكرنا ان مراتب القابليات ثلثون والشيء له مقامان مقام الاجمال ومقام التفصيل ومقام الغيب ومقام الشهادة فيكون الحاصل ستين وهو السين وكل قابلية فلا يتخلف عنه المقبول فيلزمها مع دلالة الاحد عليه والحاء والهاء اذا مزجتهما واستنطقتهما يتولد منهما احد وهو الجامع الاصل لمرتبتي الوجود صعودا ونزولا وجميع احوال القوسين واطوارهما ومقتضياتهما ورسول الله صلى الله عليه وآله هو المدينة لها لفظا ومعنى واما اللفظ فلان ميم المدينة مثال ميم محمد صلى الله عليه وآله والدال داله وبالتكرير حاؤه وبالاضافة الى الياء الميم الثاني والنون اشارة الى الميم الثالث المدغم ومن هذه الجهة اشير اليها بينات الميم التي هي النون دون زبرها لبيان انها غائبة في الخط ومذكورة في اللفظ كالبينات فانها غائبة في الخط ومذكورة في اللفظ في بعض الاحوال فاستنطق من المدينة من دون الهاء اسم محمد صلى الله عليه وآله ومن الهاء اسم الباب لفظا ومعنى اي لفظ معناه اما اللفظ فلان الهاء خمسة كما هي قوي الباب فالهاء نطق الباب فالمدينة بلفظها تدل على محمد وبابه صلى الله عليهما ويتعين الباب باسمه اذا اشبعت الهاء لتظهر منها الواو ثم نزلتها الى الرتبة الثانية فيستنطق اسم عليّ عليه السلام فظهر الاصل والفرع كليهما من لفظ المدينة ولما كان الناس لا يعرفون تلك الدقائق ولا يستشعرون بتلك الحقايق كشف صلى الله عليه وآله عن حقيقة الامر واوضح السر وقال صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعليّ بابها فمن يأت المدينة فليأتها من بابها فكشف صلى الله عليه وآله عن قول الله تعالى ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها وانما كان عليّ عليه السلام هو الباب لانه عليه السلام مبدأ العلة الصورية والصورة باب المادة فلا يوصل اليها الا بها في القوس الصعودي ولذا ترى فلك القمر ككوكبه اقرب الافلاك والكواكب الينا وهي باب للآثار والامدادات والافاضات الشمسية فلا يوصل اليها الا بالقمر في كل مقام ولذا تريهم في الحل الاول يأخذون جزء من الحرارة وجزء من اليبوسة واربعة اجزاء من البرودة والرطوبة ولهذا السر جعلوا في اسم العلم من اسم عليّ عليه السلام حرفين ومن اسم محمد صلى الله عليه وآله حرفا واحدا لسر ان مقامه صلى الله عليه وآله مقام العقل ورتبة الاجمال ومقام عليّ عليه السلام مقام التفصيل والنفس الكلية والجسم من قشور النفس فاقتضي ان يكون حرفان من اسمه وحرف واحد من اسم اخيه صلى الله عليهما حتى تتحقق انه المدينة وانه الباب والسافل لا يتوجه الى العالي الا من الباب التي بينه وبينه كلما كان عند محمد صلى الله عليه وآله على جهة الاجمال فيلقي الى عليّ عليه السلام كذلك فيفصل هناك ولذا كان يعلمه عليه السلام من العلم ابوابا اي قواعد كليات لا حدودا جزئية اذ ليس ذلك شأن النبي صلى الله عليه وآله ولذلك ما كان ينبغي له ان ينشد الشعر كما اخبر سبحانه وما علمناه الشعر وما ينبغي له لان الشعر والنظم ترتيب وتصوير ومقامه عليه السلام فوق مقام الصورة والفرق والامتياز

واما الامر الرابع فاعلم انه قد ظهر لك مما بينا كيفية تعليم النبي صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام من انها افاضة مادية اصلية كالعرش بالنسبة الى الكرسي فان الفيوضات ترد على العرش مجملا ومن العرش ترد على الكرسي فيفصل هناك الى الكواكب وهي الى البروج والمنازل وكالعقل والنفس فان العلوم والفيوضات كلها ترد اولا الى العقل بعد ما وردت الى الفؤاد وهي في العقل مجملة بسيطة كثرتها معنوية صلوحية لقد فصلت في النفس وانتشرت وكتبت في اللوح فالكاتب هو المشية بيدها وهي الفؤاد والقلم العقل والنفس اللوح فهذه كتابة ابدية لا تنقطع لان الكاتب لا يعجز واليد لا تقصر والمداد لا ينقطع والقلم لا يجف واللوح لا يخلص ولا يقصر فارتفعت الموانع وبقي المقتضى والمفروض عدم بخل الكاتب الكريم وعدم جهله فعلم القلم في الكتاب وكذا علم الكاتب فيما يظهر في الكتابة في الكتاب والكتاب هو الامام عليه السلام والقلم هو النبي صلى الله عليه وآله في تفسير الباطن في الظاهر وقد قال عز وجل وكل شيء احصيناه كتابا وكل شيء احصيناه في امام مبين وفيه تفصيل كل شيء ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقال تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون واما سر باطن الباطن وباطنه وباطنه فان ذلك ابى الله الا ان يستره وان لا يكتب فالعلم المنسوب الى محمد صلى الله عليه وآله هو العلم الاجمالي ورتبة الربوبية اذ لا مربوب عينا وكونا ومقام الوحدة الظاهرة في الواحد الصالح للظهور في الاعداد ومقام اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء ومقام نقطة العلم الظاهرة المنبسطة على اطوار ظواهر الكائنات وبواطنها المقتضية لرفع الاختلاف وظهور الايتلاف ولذا قال صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في والعلم المنسوب الى مولينا عليّ عليه السلام هو العلم التفصيلي ورتبة تجلي الربوبية اذ مربوب عينا وذكرا ومقام ظهور استواء الرحمن على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والايصال الى كل مخلوق رزقه ومقام الواحد الظاهر في الاعداد ومقام الاختلاف ورتبة الالف الظاهرة بالحروف والكلمات ولذا قال صلى الله عليه وآله وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال عز وجل عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال عليه السلام اي نبأ اعظم مني واي آية اكبر مني ولما كانت الاشياء لها مراتب ومقامات منها مقام العلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية ففي هذا المقام يعلم العالي العلة السافل المعلول باحواله في مرتبة ذات السافل فحقيقة السافل هي عين علم العالي بالسافل به فالعالي وان علم السافل به لكن لا يقال ان هذا تعليم اي السافل المعلول علم العالي نفسه اي اعطاه علمه به اذ علمه به في مقامه لان التعليم تأثير للمعلم في المتعلم وليس هذا العلم في ذات العلة حتى يكون مستكملة بعلمها باثرها وانما هو في رتبة الاثر بل هو عين الاثر وانما التعليم حينئذ من جهة العلة حيث ان وجوده من فيض جودها ونور وجودها فلازاد علم العالي للسافل شيئا للعالي في ذاته شيئا لانه لم يصل اليها بوجه ابدا والا لتغيرت الذات باثرها وذلك مستحيل بل السافل لم يزل متعلما من العالي من فاضل علمه الظاهر فيه فهو قابل لذلك العلم بكينونته وذاته ومنها مقام الترتب في القوس الصعودي والنزولي وذلك لما كان من جهة الاستكمال والاستتمام يجري فيه التعليم وبيانه مجملا هو ان الشيء لما بدا من فعل الله تعالى خرج حاكيا لمثاله فظهر بلا كيف ولا كم ولا وضع ولا عين ولا جهة ولا رتبة ولا تحديد ولا تقييد ولا توصيف ولا تكييف فكانت له عين واحدة يرى بها التوحيد المحض الخالص ولما كانت الالوهية تقتضي الظهور بكل وجه من طور الوحدة والكثرة الاسمائية والصفاتية ومقام الاسماء لم يكن يجتمع مع مقام التوحيد وذلك المقام ايضا لا يكون الا بالظهور بالاثر فنزل سبحانه الشيء المخلوق من عالمه الى اطوار تعيناته وتنزلاته فقال له ادبر عني واقبل الى الخلق فسبح في لجة تلك الغمرات وانغمس في بحر الانيات حتى استكمل ما اراد سبحانه به اظهار اسمائه وصفاته وجلاله وجماله ولما ان المطلوب والمقصود لذاته هو التوحيد وحده وما سواه من المراتب لاثبات تحققه عند المخلوق امره سبحانه بعد الادبار الى الاقبال فقال له اقبل فاقبل الى ان بلغ اشده واستوى فحصل للشيء بطي مسافة هذين القوسين علمان علم الوحدة والايتلاف وعلم الكثرة والاختلاف وعلم الاجمال وعلم التفصيل فعلم الوحدة هو الذي يدركه في كينونة ذاته بذاته من غير توسط امر آخر وعلم الكثرة يدركه بظهوراته في مقامات ( مقام خ ) التفصيل لا في مرتبة الذات ومقام التفصيل لا يتحقق الا بظهور مقام الوحدة وعالم الاجمال فيه فلا يزال ينزل العلم من المبدأ مجملا فيفصل ويتشعب في مقام التعلق فلما كان العقل في الانسان هو حامل العلم الاجمالي الكلي المعنوي والنفس هي حامل العلم التفصيلي الصوري الشخصي فلا يزال العقل يمد النفس ويعلمها بالمدد والعلم الحقيقي الاجمالي والنفس ايضا تعلم العقل العلم التفصيلي الشخصي الصوري فاذا اراد العقل شيئا من احكام التفصيل نظر الى رتبة النفس فعلمها كما ان الحواس الباطنية تعلم النفس احكام الظهورات الخاصة التفصيلية يعني ان النفس اذا ارادت معرفة شيء من تلك الوجوه نظرت اليه بتلك القوة فهي تعلم النفس علمها وذلك العلم من النفس وللقوة حظ الخصوصية وكما ان الحواس الظاهرة تعلم الباطنية احكام الاجسام الشهودية اذ لولاها لماتمكنت الارواح الباطنية استعلام الاحوال الجسمانية الشهودية وكما ان الملائكة تعلم الانبياء والرسل احكام التشريعي التفصيلي وكذلك التكويني كذلك فتقول النفس مثلا علمني العقل علمه من العلم المعنوي والقواعد الكلية المبهمة وعلمته علمي من الصور الجزئية والتفاصيل الشخصية والاحكام المحدودة وان كان هذه التفاصيل لا قوام لها الا بتلك المجملات والمبهمات ولكن تلك الخصوصيات انما ظهرت هنا دون تلك الرتبة فيتناولها العقل عندي لا عنده ولا نقص في ذلك له بل انما هو لغاية الكمال والتمام وكذلك تقول الحواس علمت النفس اياي علمها وعلمتها علمي وكذلك سائر القوي والمشاعر والآلات فان لكل واحد منها علما خاصا بها ينظر العقل اليه به وكذلك جبرائيل علم النبي صلى الله عليه وآله مما علمه النبي صلى الله عليه وآله اياه لكن بطور آخر فانه كان يأخذ من ميكائيل وهو من اسرافيل وهو من الروح القدس وقد سمعت مرارا ما قاله العسكري عليه السلام في روح القدس انه ذاق من حدائقهم الباكورة فعلى هذا تبين لك معنى قول مولينا عليّ عليه السلام علمته علمي لان عليّا عليه السلام في مقام الولاية وهي مقام التفصيل فالاحكام التفصيلية ماوصل الى النبي صلى الله عليه وآله الا بواسطة عليّ عليه السلام وذلك الوصول انما كان بالنبي صلى الله عليه وآله لانه كان طائفا حول جلال القدرة اي الولاية المطلقة قبل خلق نور عليّ عليه السلام عند جلال العظمة وهي النبوة فلما خلق عليّا عليه السلام بقي نور عليّ عليه السلام يطوف حول جلال القدرة اي الولاية ونور محمد صلى الله عليه وآله يطوف حول جلال العظمة فاذا كان كذلك فكل المقامات والمراتب التي فيها التعلق والتكيف والتوصيف والتعريف والامتياز لا يصل الى النبي صلى الله عليه وآله الا بعلي عليه السلام وهو بابه فيما يصدر منه ( عنه خ ) الى غيره وفيما يصل اليه من غيره فهو بابه عليهما السلام الى غيره وباب غيره اليه ولما كانا عليهما السلام حقيقة واحدة صحت نسبة تعليم احدهما الى الآخر وان كان احدهما بالاصالة والآخر بالقشر والصورة فمن التعليم ظهور النبي صلى الله عليه وآله بالكينونة البشرية الظاهرية الصورية في الهيكل الانساني فان هذه الصورة وان كانت على مقتضى كينونة النبوة في الشكل التثليثي في الواحد لكن كانت غير ظاهرة وغير متمايزة الاضلاع والحدود وانما تمايزت بالصور في رتبة الابتداع ولما كان عليّ عليه السلام هو حامل ركن الابداع كما ان نبينا صلى الله عليه وآله حامل ركن الاختراع فالارادة منسوبة الى الولي كما ان المشية منسوبة الى النبي عليهما السلام فالكاف للنبي صلى الله عليه وآله والنون للولي (ع) وكذلك ظهور الكاف في النون ولذا كان مجموع الكاف والنون استنطاق اول حرف اسم الولي عليه السلام فالاشياء المتمايزة نسبتها الى الارادة والارادة نسبتها الى الولي اما الاول فلقوله عليه السلام ( في الدعاء خ ) ومضت على ارادتك الاشياء واما الثاني فلقوله عليه السلام في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد الزيارة فالكينونة البشرية للنبي صلى الله عليه وآله مما علمها اياه الولي عليه السلام بالترجمان وان كان من النبي واليه ومن الولي واليه صلى الله عليهما ( وآلهما خ ) فافهم ومن التعليم ظهور النبي صلى الله عليه وآله ببعث الانبياء والرسل فان تعدد الانبياء بحسب ظهورات الاسماء في مرايا التعلقات وتلك انما نشأت من حكم الابداع بالارادة وحاملها الولي كما ان المشية حاملها النبي صلى الله عليهما وبالمشية كانت الارادة والانبياء حكاية ظهورات تلك الاسماء فافهم ومن التعليم انزال القرآن الكتاب الذي فيه تفصيل كل شيء من الاسرار الغيبية والشهودية مما كان او يكون الى ما لا نهاية له فان الكتاب التكويني حقيقة هو الولي عليه السلام والكتاب التدويني صفة للكتاب التكويني وقد دل العقل والنقل على ان الكتاب هو عليّ عليه السلام وهو الكتاب الذي كتبه الله بيده وهو الهيكل الذي بناه بحكمته وهو مجمع صور العالمين وهو الصراط المستقيم وهو الصراط الممدود بين الجنة والنار وقد قال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقال عز وجل وكل شيء احصيناه كتابا وقال هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وهو عليّ عليه السلام وهذا لا اشكال فيه لمن نظر وتدبر وانصف واعتبر والله سبحانه اخبر عن ذلك بقوله وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم وقد اتفق المفسرون ان هذا الروح هو القرآن وقال عليه السلام انا الروح من امر ربي وانا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت فالولي هو الكتاب الذي اوحي الله الى نبيه عليهما السلام فعلم به ما كان وما يكون كما انه يعلم بالقرآن مع انه اشرف واعظم من القرآن فافهم ضرب المثل فكم من خبايا في زوايا ومن التعليم الاسماء الحسنى التي كان النبي صلى الله عليه وآله يدعو بها الله فان النبي صلى الله عليه وآله انما علم عليّا الاسم الاعظم الله وهو الاسم الواسع العظيم الجامع فعلمه عليّ عليه السلام الاسم الرحمن وما سواه من الاسماء الخاصة المتفاوتة المختلفة المتقابلة لانها كلها انما نشأت من اسم الرحمن حين استوائه على العرش وقد ظهرت كلها بعلي عليه السلام ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله يدعو الله بعليّ عليه السلام على ما روي عن ابن‌ مسعود وعايشة وعليّ عليه السلام يدعو الله بمحمد صلى الله عليه وآله وهو السر في قوله عليه السلام وعلمني علمه وعلمته علمي فافهم ومن التعليم بعثة الانبياء بالشرايع والسنن فان الشرايع كلها من شريعة ابينا آدم على نبينا وآله وعليه السلام الى شريعتنا الموجودة الآن كلها من حدود القرآن كتاب الله الذي فيه تفصيل كل شيء وقد علمت ان القرآن هو صفة الولي عليه السلام وتلك الشرايع صفة القرآن على الحقيقة او نسخة منه على الظاهر فيرجع الى الولي عليه السلام امرها قال تعالى واليه يرجع الامر كله قال عليه السلام ان الضمير يرجع الى الولي عليه السلام وقد ورد من طريقنا وطريقهم في تفسير قوله تعالى واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي صلى الله عليه وآله ليلة اسري بي الى السماء اجتمعت في المسجد الاقصى مع كل الانبياء والمرسلين فاتاني جبرئيل وقال يا محمد (ص) اسألهم بماذا بعثوا فسألتهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله وان عليّا ولي الله وهذا التعليم والالهام في الكل انما كان بعليّ عليه السلام بمثاله في هويتهم وفي نبينا صلى الله عليه وآله لكونه علمه ولسانه ونفسه اما علمت ان النبي صلى الله عليه وآله كسر الاصنام وهدمها لكن بعليّ عليه السلام لما علا عىي ظهره صلى الله عليهما ومن التعليم انزال الملائكة وحفظة الوحي وحملة الالهام على النبي صلى الله عليه وآله فان ذلك كان بالولي (ع) اماعلمت ان جبرئيل سيد الملائكة وقد علمه عليّ عليه السلام شرايع دينه ومعرفته بربه واسمه وهذا دليل انه ما يمكنه ان يتعلم ويأخذ من الله سبحانه الا بواسطة عليّ عليه السلام لان الملائكة حملة التدابير الخاصة المتعلقة الناشئة من الارادة التي يحملها الولي عليه السلام وتهبط اليه والكروبيين الذين هم سادة الملائكة حيث ان موسى النبي عليه السلام الذي من اولي العزم قد خر مغشيا عليه عند ظهور نور رجل منهم بقدر سم الابرة كلهم من شيعة عليّ عليه السلام على ما رواه الصفار في بصائر الدرجات والشيعة اما مشتق من الشعاع او من المشايعة كما ورد عنهم عليهم السلام وكلا المعنيين يستلزم اخذهم في كلما لهم وعليهم ومنهم واليهم عن عليّ عليه السلام ولذا قال عليه السلام في حديث البساط والله انه لا يخطو ملك خطوة الا باذني وامري كيف وهو عليه السلام امر الله الذي قامت به السموات والارض وقام به كل شيء كما قال عليه السلام كل شيء سواك قام بامرك وقد نص الله على ذلك في كتابه العزيز بقوله ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون وقد قال عليه السلام انا الروح من امر ربي فالملائكة انما تنزل به عليه السلام على من يشاء من عباده من الانبياء والمرسلين والخلفاء والصالحين والمؤمنين الممتحنين في حياتهم وبعد مماتهم وقد سمعت ممن اخبرني عنهم عن احد الائمة عليهم السلام انه قال ان جبرائيل ما دخل على النبي صلى الله عليه وآله مرة الا وقد استأذن من عليّ عليه السلام فكان يدخل على النبي صلى الله عليه وآله باذن عليّ عليه السلام وهذا الحديث وان كان مرسلا لكنه مؤيد بالاخبار الاخر والآيات كما اشرنا الى بعض منها وبالجملة انحاء هذا التعليم كثيرة واسرارها ( اسراره خ ) غريبة ولذا ورد ان النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج ما مر على مقام من المقامات الا وقد رأى عليّا عليه السلام فيه ولما وصل الى مقام قاب قوسين فخاطبه الله سبحانه خاطبه بلسان عليّ عليه السلام لان العالم كله مثل وهياكل لعليّ عليه السلام لانه نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فما تجد ذرة من ذرات الكون الا وهو متقوم بذلك الهيكل ولذا كان يجده النبي صلى الله عليه وآله عند كل ذرة ولما صعد المقامات الغيرية ووصل الى المقامات الذاتية وفي المقامات التفصيلية يجد عليّا عليه السلام بذاته فيها حتى اذا وصل الى مقامات تجلي ربه فهناك انقطع ذكر عليّ عليه السلام لانه صلى الله عليه وآله اذ ذاك في مقام النقطة ورتبة عليّ عليه السلام مقام الالف فالواصل في مقام النقطة ينقطع عندها الالف بخلاف العكس لكن جميع احوال النقطة وسريانها في الحروف انما هي بالالف فلا فارق بينهما ولا تقدم للنقطة وان كان لها التقدم في كل مقام لكن بحسب الظهور والوجود وترتب الآثار لا يتفارقان الا اذا قطعت مسافة الالف فهنالك انقطع الاسم والرسم والذكر فلا تعرف النقطة ولا تشاهد لها اثر ولا ظهور فكانت الالف هي آية النقطة وظهور سلطانها ولذا قال عليّ عليه السلام انا آية محمد صلى الله عليه وآله فلولا عليّ عليه السلام لم يظهر لمحمد صلى الله عليه وآله ذكر بوجه ابدا فعليّ عليه السلام مظهر آثاره وناشر اخباره ومعلمه اسرار الولاية الظاهرة بما جعله الله فيه عليهما السلام كما مثلنا لك بالعقل والنفس فان الاحوال والاسرار والقوى والشؤنات العقلانية ما ظهرت الا بالنفس وما احاط العقل بالعلوم التفصيلية الا بالنفس فقد تعلم منها علمها لكن هذا علم قشري هو جعله وديعة في النفس ليشاهده فيها اذا احتاج اليه ولذا قال صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعلى حاملها ومجمل القول ان جميع الاحوال الثابتة للنبي صلى الله عليه وآله مما فيه اقتران وتعلق وارتباط كل ذلك كان بعليّ عليه السلام كما ان رؤس المشية الظاهرة في المشاء انما هي بالارادة لان كلمة كن بها قد استقام الخلق فالكاف صاحب الاجمال والنون صاحب التفصيل فاحكام التفصيل اذا لحقت الكاف باي نحو كانت فانما هو بالنون واحكام الاجمال اذا لحقت النون باي نحو كانت فانما هو بالكاف فظهور الكاف في النون هي الولاية الظاهرة في الاكوان ومستجنات غيوب الامكان وقد اشار عليه السلام الى ما ذكرنا من التصريح بتلويح قوله عليه السلام علمني علمه وعلمته علمي على تفسير ظاهر الظاهر الذي يشير الى باطن الباطن فانه عليه السلام قال علمني فاتى بمتعلق التعليم الياء للاشارة الى انها تكرير الهاء وهو مقام عليّ عليه السلام لانه بالنسبة الى محمد صلى الله عليه وآله نسبة الاجمال الى اول مقام التفصيل ولذا كان مقامه عليه السلام الباء لانها اول تكرير الالف وميلها الى الانبساط ثم اتى بالنون اي للوقاية ( اتى بنون الوقاية خ ) للاشارة الى المراد وهو ظهور الهاء في الياء وهو رتبة مقام عليّ عليه السلام فالذي علم النبي عليّا عليهما السلام هو الهاء وهي مقامات ( هو مقام خ ) التوحيد ومراتب التفريد ووجوه المبدأ وكف الحكيم ولذا اشير الى النبي صلى الله عليه وآله في رقوم الاسم الاعظم بخاتم خماسي الاركان هكذا 79 والهاء لما استدارت في اربعة ادوار لكمال الاعتدال او لظهور سر الاحد في الواحد ظهرت الكاف فكان العلم المنسوب الى النبي صلى الله عليه وآله اسرار المشية المتلقاة عن الله بنفسها قبل تعلقها ولذا كان اثرها الهاء لانها اول مقامات الظهور وموضوع علم البيان الذي علمه الله الانسان وسر مقام اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء فهذا العلم عن النبي صلى الله عليه وآله خاص به لا يشاركه فيه عليّ عليه السلام وهو غاية مقامات الظهور ونهاية مقصد القاصدين وغاية آمال العارفين وقد حدد ( حد خ ) ذلك المقام في المقام الزماني من اول زوال الشمس الى مضى مقدار اربع ركعات بازاء اسم محمد صلى الله عليه وآله المربع وذلك الوقت خاص بصلوة الظهر لا يجوز فيه العصر سهوا ولا عمدا ( وهو المختص لا المشترك خ ) ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج قيل له ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وهو ( الوقت خ ) المختص لا المشترك ولذا كانت صلوة الظهر منسوبة الى النبي صلى الله عليه وآله لان مقامه مقام الظهور المطلق والوحدة الصرفة الغير المشوبة بشيء من تعلقات الكثرة لتظهر الظلمة من جهتها وهو اول ظهور نقطة الهاء وعند التجذير اول الخمسة من الخمسة والهاء هي سر مقام جلال القدرة فعلم النبي صلى الله عليه وآله عليّا عليه السلام اسرار الهاء ولذا قال (ع) علمني علمه لكن هذا الهاء لا اشباع فيها ومع الاشباع تكون عين عليّ روحي له الفداء فحقيقته عليه السلام علم محمد صلى الله عليه وآله علمه اياها وتلك الحقيقة الصرفة هي الهاء فلما اشبعت بالتكرير والتفصيل والظهور والتحديد اشتق من الهاء بعد الاشباع له عليه السلام اسمه فكان جامعا للاسماء الحسنى كلها ومعنى هذا الاسم هو الله ومعنى الله الهاء وهي التي علمها عليّا عليه السلام ثم قوله عليه السلام وعلمته علمي اشارة واضحة الى ان الهاء او المعبر عنه بالهاء حقيقة بسيطة صرفة لا تكثر فيها من حيث ذاتها وانما تكثرها بتكريرها وتفصيلها واول تكريرها الياء فهي منشأ الكثرات ومبدأ العشرات وعليّ عليه السلام هو الواقف في هذا المقام وهو الباب لذلك الجناب فاذا اراد النظر الى مقام الكثرات والتعلقات ومشاهدة الاسماء والصفات فانما ينظر المعبر عنه بالهاء الى المقام المعبر عنه بالياء فذلك علمه اسرار الهاء وذا علمه اسرار الياء وهي اول ظهور الهاء في مقام التعلق فعند اتمام ظهور الهاء في الياء هو المقام المختص بعلي عليه السلام من حيث مقامه ومرتبته ولذا كان صلوة العصر مخصوصة بعليّ عليه السلام لانها اول تكرير صلوة الظهر فالمختص بها هو المحدد ( المحدود خ ) في الوقت الزماني مقدار بقاء اربع ركعات الى غروب الشمس لان عليّا عليه السلام هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله ومقامه المختص مقام كثرة التعلقات المورثة للظلمة ولما كان منتهى الظلمة مقام السكون وهو مقام المفعول البارد اليابس والفعل وان كان فيه التعلق الا ان جهة الوحدة فيه غالبة فقبل التعلق مقامه مقام الكاف وهو المختص بصلوة الظهر وبعد التعلق مقامه مقام النون اي ظهور الهاء في الياء وهو المختص بصلوة العصر لقرب النون بكمال الكثرة التعلقية الى المفعول المظلم المتكثر من حيث كونه مفعولا وما بينهما اي عند الميل الى التعلق هو الوقت المشترك وهو السر ما بين الكاف والنون وذلك السر في هذا المقام فاطمة الصديقة عليها السلام لانها الجهة الجامعة بين الكاف التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله والنون التي هي مولينا امير المؤمنين عليه السلام فمن هذا السر ظهر ذلك السر في الواو الغائب بين الكاف والنون لا تمام الاثني عشر بمثناها فتمت الكلمة بتمام الاربعة عشر يد الله ووجه الله وهو قوله عليه السلام في الزيارة بكم تمت الكلمة وهي كلمة كن على بعض الوجوه فافهم فاني قد كشفت السر واوضحت الامر ولا قوة الا بالله ولهذا الكلام بيان آخر وهو انك اعلم ان لهما عليهما السلام مقامين مقام في العالم الاول في الخلق الاول في رتبة الاختراع الاول والابتداع كما قال مولينا الرضا عليه السلام ان الله سبحانه اول ما خلق الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فلهما مقام هناك فهما عليهما السلام هناك اخوان قد رضعا من ثدي واحد من مشية الله سبحانه بنفسها بنفسهما فمحمد صلى الله عليه وآله هو الاختراع الاول وهو الاخ الاكبر وعليّ عليه السلام هو الابتداع الاول وهو الاخ الاصغر كالعرش والكرسي فانهما اخوان الا ان الكرسي هو الاخ الاصغر والعرش هو الاكبر ولا شك ان الكرسي مستمد من العرش ولم تزل الفيوضات والامدادات من العرش تجري الى الكرسي فتفصل هناك بالنجوم والكواكب والبروج وامثالها من الاحوال وما ذكرنا من حكم التعليمين كله يجري في هذا المقام على تفاوت درجاته ومقاماته فراجع تفهم ان شاء الله تعالى والمقام الثاني في رتبة الحروف من الوجود المقيد ظهرا متنزلين في هذا المقام لتكميل الناقصين وارشاد المسترشدين على المعاني كلها كالشمس والقمر المتنزلين من العرش والكرسي وهما عليهما السلام في هذا المقام يقتضي ان يكونا ابني عم فان الشمس قد تولدت من ضوء العرش بواسطة الكرسي والقمر من الكرسي بالعرش ولا شك ان الشمس في هذا المقام مستمدة من الكرسي ولذا لا تفارق في مسيرها منطقة البروج ابدا لاستمدادها منها كما قال عليه السلام الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش فالعرش يعلم الكرسي والكرسي يعلم الشمس فيحتمل ان يكون المراد علمني علمه في العالم الاول من حيث ذلك العالم من العلوم واسرار الولاية الظاهرة في الاكوان لا اسرار النبوة الاولية فانها اشرف واعظم من الولاية المطلقة وتلك خاصة به صلى الله عليه وآله لا يشترك فيها معه عليّ عليه السلام كما دلت عليه الروايات كحديث الرمانتين واشباهه كما مر والعقل المستنير ايضا يدل على ذلك ولا اشكال فيه للفطن ويكون المراد من قوله عليه السلام وعلمته علمي اي في العالم الثاني الظاهر بالنبوة الظاهرة والاحكام والشرايع فان ذلك في هذا العالم مستمد من الابتداع وقد قلنا ان عليّا عليه السلام هو حامله فيكون في هذا المقام مستمدا منه عليه السلام بما امده به في المقام الاول وذلك كجبرئيل وسائر الملائكة فانهم يأخذون من غيبهم ويؤدون الى شهادتهم عليهم السلام لان الملائكة روابط بين الغيب والشهادة وكذلك عليّ عليه السلام علم رسول الله صلى الله عليه وآله في مقام الشهادة ما اخذه منه صلى الله عليه وآله وعلمه اياه في عالم الغيب في الخلق الاول ولا منافاة بين هذا وبين كون النبي صلى الله عليه وآله اشرف وافضل من عليّ عليه السلام كما ذكرنا غير مرة صلى الله عليهما وعلى اولادهما الطاهرين وعلى الصديقة الطاهرة المعصومة المظلومة المقصوبة ( المغصوبة خ ) المطهرة

قال روحي فداؤه وعليه الصلوة والسلام : ألا وأنا نحن النذر الاولى ونحن الآخرة والاولى ونذر كل زمان وأوان وبنا هلك من هلك ونجا من نجا

لما اشار عليه السلام بل صرح بانحصار العلم المطلق على الوجه المطلق في محمد وفيه عليهما السلام وان ما عندهما مستور عن كل الانبياء والمرسلين والملائكة والمقربين وكل ذي وجود من الخلق اجمعين اراد عليه السلام ان يزيل ما عسى ان يختلج في وهم بعض القاصرين الغافلين الذاهلين عما سبق في بيان مقاماته عليه السلام ما يوجب انحصار العلم فيهما عليهما السلام ولكن للغفلة والذهول ربما يتخيلون كيف يكونان اعلم واعظم واشرف من غيرهما مع انهما ما وجدا الا بعد الانبياء وان كل سابق في كل صقع ومقام اعلم واشرف من اللاحق لبطلان الطفرة فلا يسبق السابق الا لكونه اشرف من اللاحق ولا يكون اشرف الا اذا كان اعلم فاجاب عليه السلام بان الطفرة في الوجود باطلة وان الفيض متسق غير معطل لكن لا كل سابق في الظهور سابق في الوجود بل السابق في الوجود يجب ان يكون لاحقا في الظهور لان كل موجود لا بد له من قطع قوسي النزول والصعود وفي النزول كل سابق اشرف وفي الصعود بالعكس فيكون ما ظهر آخرا هو اشرف الكل الا ترى ان الانسان في الولادة الجسمانية اول ما يظهر منه النطفة ثم العلقة وهي اشرف من النطفة ثم المضغة وهي اشرف منها ثم العظام ثم اكتساء اللحم ثم تظهر الروح الحيوانية ثم يتولد ويظهر العقل كاملا سويا من اول بلوغه خمسة‌عشر سنة الى اربعين وليست رتبة اعلى من رتبة العقل في الوجود المقيد انظر كيف ظهر آخرا وليس لعاقل ان يقول ان العقل ما خلق الا ذلك الوقت لان الله سبحانه اجل واعظم من ان يختار الكثيف على الشريف والظلمة على النور والليل على النهار مع ما دلت الاخبار وشهد بصحتها صحيح النظر والاعتبار ان العقل اول ما خلقه الله سبحانه فاذا فهمت هذا علمت ان خاتم النبيين هو اول النبيين واشرفهم وافضلهم واعلمهم وخاتم الوصيين هو اول الوصيين بعد خاتم النبيين لان الوصي المطلق العام الكلي يجب ان يكون من سنخ النبي ليكون بدلا قائما مقامه وبالغا مبلغه وظهور الختم هو دليل البدو وقد قال عز وجل كما بدأكم تعودون فاذا كان خاتم النبيين هو الاول وهو واحد بدليل انه في العود واحد فتكون الشريعة شريعته والسنة سنته والدين دينه والحكم حكمه والامر امره ووجود ساير الانبياء عليهم السلام مقدمة وتوطئة لظهوره صلى الله عليه وآله بل سائر الانبياء عليهم السلام قشور وظواهر متقومة بالاصل واللب اللذين هما هو صلى الله عليه وآله على المعاني كلها ولولا خوفي من اشباه العلماء لصرحت بالمراد ولكني اقول كما قال الشاعر :

تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هند

وسيدنا ومولينا جعلني الله فداه قد اشار الى كل ذلك باتم الاشارة بانحاء شتى فنحن ان شاء الله تعالى نقفو اثره ونتبع امره

فقال عليه السلام : الا ونحن النذر الاولى اتى عليه السلام بكلمة العرض للتنبيه والتبيين واظهار ما كان مستجنا في طبايع الاكوان من مستودعات اسرار الانسان لغيب البيان فخفيت تلك الاسرار باحتجاب تلك الانوار بتراكم الابخرة والادخنة الارضية الكثيفة فتلايمت بالرطوبات الغريبة والحرارة الغريبية فانجمدت القرائح وخمدت الطبايع لوقوع هذا الحجاب الغليظ الاسود فاراد عليه السلام كشف هذا الحجاب وفتح ذلك الباب على جهة الحكمة متدرجا لا دفعة ليفسد لمزج هذا الحجاب العرضي واختلاطه بالاجزاء الذاتية فلو نزع الحجاب دفعة واحدة لانتزعت معه الاجزاء الذاتية فتفسد الطبيعة وتجمد القريحة وهو خلاف الحكمة فمن هذه الجهة اتى عليه السلام بكلمة العرض وهي اللام المكتنفة بالالفين في اولها وآخرها اشارة الى انه ليس فيه اثبات الزامي كما لو حذف الالف الثاني ولا نهي تحريمي كما لو حذف الالف الاول فهو اثبات مع النفي اي امر بين الامرين وسر بين العالمين ولذا ( لذلك خ ) كانت حرف التنبيه لا امر ولا نهي ولذا يجوز له الفعل والترك يعني لا يعاقب على الترك وان كان الفعل مطلوبا بدليل اصدارها بالهمزة وهذه اشارة الى ظهور نور الولاية في الكون على جهة الاختيار وسطوع ذلك النور مشروح العلل مبين الاسباب وشرح حقيقي لقوله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى الست بربكم ولذا وضعت لها هذه الحروف فاللام في هذه الكلمة رشح لام ( للام خ ) عليّ عليه السلام لما بينا من ان اسمه عليه السلام اللام والالفان رشح لاسم محمد صلى الله عليه وآله لما ذكرنا من ان اسم محمد صلى الله عليه وآله الالف المكررة فالالف واللام اذا ( اذ خ ) اجتمعتا فان تقدمت الالف كان اثباتا لان مقامه صلى الله عليه وآله مقام المدد والمادة والعطية والسكون والاطمينان والثبات والبيان والتأدية وان تأخرت الالف في الظهور في مقام وعلمته علمي كان نفيا لان مقام عليّ عليه السلام مقام القهر والغلبة والاستيلاء والتسلط والسلب والنفي مع مناسبة الالف مع الوحدة الثابتة واللام مع الكثرة النافية ودليل ما ذكرنا ووجهه يطول به الكلام والاشارة كافية لاولي الافهام فاذا ظهرت الالف اولا وآخرا مع اللام كان تنبيها وتبليغا لا حكما وتثبيتا وهو المقام الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وآله كما قال عز وجل وما على الرسول الا البلاغ وقال تعالى انما انت منذر والهادي هو عليّ عليه السلام الذي يعطي كل ذي حق حقه من حكم الاجابة او الانكار ومن هذه الجهة وجب ان يكون في هذه الكلمة مثال محمد صلى الله عليه وآله اكثر من مثال عليّ عليه السلام وجعل مثاله صلى الله عليه وآله في الطرفين لبيان انه صلى الله عليه وآله محيط اول وآخر وظاهر وباطن وعليّ عليه السلام محاط بالنسبة اليه وهو الفرع الكريم بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله والاصل القديم بالنسبة الى غيره فهذه الكلمة اي كلمة العرض من تعليم النبي صلى الله عليه وآله اياه هذا هو الوضع الاولى بهذه الكلمة اشارة الى سريان نور الولاية من الولي المطلق من البدو الى العود الذي هو عين ذلك البدو ولذلك كررت الالف اولا وآخرا فاثبت بهذه اللفظة ما اراد اظهاره وبيانه روحي فداءه ثم اتى عليه السلام بالضمير المتكلم المنفرد لبيان الحصر والحقيقة واكده مع ذلك بحرف التأكيد المثقلة ثم ادغم احد النونين في الآخر حرصا للبلوغ الى المراد وخروجا من المقدمة الى ذي المقدمة وقد علمت ان الضمير المتكلم مع ( معه خ ) غيره له صيغتان احديهما للمنفصل وهي نحن والثانية للمتصل وهي نا وجمع عليه السلام في هذا المقام بين الصيغتين وانما اختصتا بهذه الحروف المخصوصة على الهيئة المخصوصة لان الالف ( هي خ ) دليل الوحدة والنون هي دليل الكثرة لانها مقام الارادة في كن فيكون ولما كانت الضماير في نفسها متكثرة وان اشيرت بها الى الواحد لان تعريفها بالتقييد لا بالذات فلها جهة وحدة وجهة كثرة من جهة الحدود والقيود ولذا فرقوا بين الضماير وبين الاعلام ان الاعلام تعين المسمى من حيث هو بخلاف الضماير فانها بالقيد كما قال ابن ‌مالك :

اسم يعين المسمى مطلقا علمه كجعفر وخرنقا

فمن هذه الجهة وجب في الضماير ما يدل على الكثرة كالواو في ضمير الغايب والنون في ضمير المخاطب والنون في ضمير المتكلم ولما ارادوا المتكلم وحده زادوا الالف قبل النون وبعدها مبالغة في الوحدة وانها هي المقصود لا الكثرة وقد قلنا لك ان الالف اسم محمد صلى الله عليه وآله فالمتكلم وحده ينسب اليه حقيقة دون الخلق كما قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر وكان يطوف حول جلال القدرة ثمانين‌الف سنة وكان في هذه المقامات متكلما وحده لا شريك معه الا ذكر ظهور نور عليّ عليه السلام ولما لم يكن الا الذكر كان حرف اسم النبي صلى الله عليه وآله غالبا وجهة الوحدة فيه ظاهرة كما ذكرنا فوجب ان يكون ضمير المتكلم وحده انا في الوضع الاول الاصلي وانما اختيرت النون لانها اول كلمة وقعت في الوجود من الحروف كما قال مولينا الرضا عليه السلام ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فالكاف والنون هما اول ما نطق بهما الرحمن عند استوائه على العرش والمتكلم اعرف الضماير وقبلها واعظمها فاختيرت لها النون وهي مشتملة على سر الكاف بخلاف العكس وذكر المجموع مستلزم للتطويل ولا فائدة في ذلك فافهم الاشارة واما في المتكلم معه غيره فحيث كان المطلوب فيه الكثرة دون الوحدة قدموا النون على الالف لان النون اسم عليّ عليه السلام فتأخرت الالف في هذا المقام لانها اسم محمد صلى الله عليه وآله فيجب التأخير كما قال صلى الله عليه وآله في تتمة الحديث المتقدم حتى بلغت الى مقام جلال العظمة فخلق نور عليّ عليه السلام فكان نوري يطوف حول جلال العظمة ونور عليّ يطوف حول جلال القدرة ه‍ وقد علمت ان المتكلم مع الغير انما تحقق عند خلق عليّ عليه السلام فكان مبدأ الضمير فنص النبي صلى الله عليه وآله على السر حيث قال فكان نوري يطوف حول جلال العظمة فوجب حينئذ تقديم النون وتأخير الالف للاشارة الى هذه المرتبة فمن هذه الجهة كان ضمير المتكلم مع الغير المتصل نا من غير الالف الاولى مع ان الاختصار والوحدة مطلوبة في المتصل لكونه بمنزلة الكلمة الواحدة مع ما يتصل به واما في المنفصل فلما كان مطلوبية الكثرة وظهور التعدد والحصر والتأكيد في ذلك فيه اشد واكثر فكرروا النون في الاول والآخر للاشارة الى مقصودية الكثرة لذاتها في هذا المقام وظهور الولي في الاول والآخر والظاهر والباطن فالمتكلم معه غيره في مقام الولاية والقيومية وان كان للتعظيم فان العظمة من آثار ظهور سلطان الولاية كما قال عز وجل هنالك الولاية لله الحق بخلاف المتكلم وحده فانه في مقام التوحيد والتفريد والتقديس كما قال عز وجل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا ه‍ وهو الظهور بالتوحيد لا الذات البحت تعالى عما يقوله الظالمون علوا كبيرا وقال عز وجل يا موسى اني انا الله لا اله الا انا الآية وقال في مقام الولاية والسلطنة نحن قسمنا بينهم معيشتهم انا نحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم الآية انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا الآية انا ارسلنا نوحا الى قومه الآية وهكذا امثالها ولما ان الوجود لا يستقيم الا بمثال محمد وعليّ عليهما السلام ولا يستقر الكون بواحد منهما وجب مثالهما في كل شيء الا انه يلاحظ في المقام حكم الغالب في الظهور وفي هذا المقام وان كان المطلوب ظهور مثال عليّ عليه السلام لكنه لا يستقر الا بمثال سيده ومولاه نبي الرحمة فزادوا الحاء لبيان نسبة تقدم المتكلم وحده على المتكلم معه غيره يعني نسبة تقدم نفسه الشريفة على نفس عليّ عليه السلام ولما كانت تلك النسبة في الرتبة الثانية تبلغ الثمانية الى الثمانين فما منه صلى الله عليه وآله جهة الوحدة وينبسط وينتشر في مقام عليّ عليه السلام فابان سبحانه وتعالى بوضع الضميرين مرتبة كل واحد منهما صلى الله عليهما على كمال التفصيل ولا كلما يعلم الانسان يقدر ان يسطر وهذا الذي ذكرنا اشارة الى نوع المسئلة في هذا الباب نعم بالمشافهة ربما ينال بعض المأمول والله الموفق للسداد فاذا اتقنت ما ذكرنا فاعلم ان الامام عليه السلام عدل عن الضمير المتكلم وحده الى المتكلم معه غيره في هذا المقام ثم عدل عن الضمير المنفصل الى المتصل ثم اكده بالضمير المنفصل اما الوجه في العدول الاول فلانه عليه السلام فيما تقدم في المقامات في صدد بيان ظهور الولاية الكبرى والسلطنة العظمى والغاية القصوى وهو روحي فداؤه في تلك المقامات متفرد بالاصالة لما ذكرنا مرارا عديدة من ان النبي صلى الله عليه وآله مقامه النقطة الحقيقية فلا ظهور لها الا بالالف وهو مقام عليّ عليه السلام وباقي الائمة عليهم السلام مقامهم مقام الحروف والكلمة التامة فلا قوام لهم الا بالالف فيها تقومت الحروف ولذا كان عليه السلام امير المؤمنين وحده من غير مشاركة احد اياه في هذا الاسم لان المؤمنين حقيقة هم الائمة عليهم السلام وهو عليه السلام يميرهم العلم ففي مقام الولاية هو عليه السلام متفرد مستقل بالله سبحانه والائمة عليهم السلام كلهم يشاركون معه في الولاية بالبدلية والوراثة وهو الاصل القديم فمن هذه الجهة افرد عليه السلام ضمير المتكلم في تلك المقامات واما في هذا المقام يريد يبين عليه السلام الاحكام المشتركة الحاصلة لكل واحد منهم من غير اختصاص احد منهم بذلك لان لهم عليهم السلام مقام جمع ومقام فرق وفصل ففي مقام الجمع يشتركون في الاحوال الثابتة فيه ولذا قالوا عليهم السلام كلنا محمد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد ( صلى الله عليهم خ ) وهذا من ذلك المقام واما الوجه في الامر الثاني فاعلم ان الله سبحانه خلق محمدا وآله صلى الله عليهم في عالم مستقل منفرد ليس معهم سويهم كما قال مولينا الصادق عليه السلام ان الله سبحانه خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده ولم يجعل في مثل الذي خلقنا منهم نصيبا لاحد وفي الزيارة الجامعة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع الزيارة فعالمهم غير عالم المخلوقين وطورهم غير طور المربوبين المصنوعين فلما خلقهم الله واكمل خلقتهم اعطاهم ما يستقيم به معاشهم ومعادهم ومن ذلك وضع الالفاظ حيث يحتاجون في مقام اظهار الكمالات الى المحاورات وانحاء المخاطبات فوضع سبحانه لهم الالفاظ كيف ما ارادوا مما اقتضت كينوناتهم الذاتية والوصفية والاصلية والعرضية ولما كانت الالفاظ على طبق الذوات والكينونات وكان الاصل فيها محمد وعليّ صلى الله عليهما وآلهما فيجب ان يكون الاصل في الالفاظ كلها اسمهما واللفظ الدال عليهما فكل لفظ بكل معنى بكل حقيقة ينبئ صفة من صفاتهما الظاهرة في الهياكل الاربعة عشر صلى الله عليهم ثم لما كان سائر المخلوقات من اشعة انوارهم ومن عكوسات آثارهم ظهرت تلك الحقائق والانوار في الرتبة الثانية على طبقها في الاولى وهكذا في الثالثة والرابعة والخامسة الى ما لا نهاية له فلهم الالفاظ والمعاني ولهم الحدود والمباني ولكن لما كان الناس في القوس الصعودي اكثرهم بقوا في مقام الانجماد ومابلغوا المراد في مقام الفؤاد فرأوا تقدم الانبياء والملائكة وسائر الامم عليهم عليهم السلام وعلى اممهم ورعاياهم ظنوا السبق الحقيقي والتقدم الواقعي فخصوا الالفاظ بما عرفوا من اللغات والصفات والاقتضاءات بما ظهر لهم من مقتضيات تلك المقتضيات فحرموا عن معرفتهم عليهم السلام ولما ان الله سبحانه ابان عن شرفهم وفضلهم حيث قال تعالى هذا نذير من النذر الاولى ما عرفوا المراد من ذلك وحملوا النذر الاولى ( على خ ) الانبياء وقالوا ان نبينا صلى الله عليه وآله من نوع الانبياء ومن سنخهم او انه من النذر الاولى يعني كان نبيا وآدم بين الماء والطين وليس هذا هو المراد الحقيقي من قوله عز وجل وان كان يراد ظاهرا حسب متفاهم العوام فبين عليه السلام حقيقة المراد مع غاية التأكيد الذي يفهمونه تأكيدا والا فكل حرف من كلامه عليه السلام تأسيس وتأصيل فاتى بالالف في قوله عليه السلام انا لبيان انه عليه السلام هو النقطة تحت الباء فانها الالف فقوام الباء بالالف لا النقطة التي يتقوم بها الالف ثم اتى عليه السلام بالنون للاشارة الى تمام كلمة كن فمهما تحققت النون فقد تحققت الكاف ثم اتى بالنون الثاني لبيان ظهور الابداع في العالمين في العالم الاول عالم الغيب والشهادة ثم ادغم احديهما في الثانية لبيان انهما ليسا عالمين متمايزين منفصلين وانما هما واحد مع كونهما اثنين ومن هذه الجهة صار لفظ ان حرف التأكيد والتثبيت لاجتماع مرتبة المقبول ورتبتي القابليات فيها فتقرر مدخولها وتثبت ثم وصلها عليه السلام بالضمير المتصل نا وادغم النونين لبيان كمال الوحدة المعتبرة في هذا المقام وهذا وان كان مقام الفصل والتعدد ولكنه مقام الجمع والاتحاد لمكان الادغامين ثم اراد ان يشير الى مقام الفرق والفصل متمايز الاحكام فاتى بنحن فيشير عليه السلام بانا الى مقام محمد صلى الله عليه وآله ونفسه الشريفة لانهما صلى الله عليهما في كمال الاتحاد وان كان بالمغايرة ولذا قال صلى الله عليه وآله يا عليّ انت نفسي التي بين جنبي انت مني بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة الروح من البدن ولحمك لحمي ودمك دمي والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي وهذه الاحكام وان كانت تجري في سائر الائمة عليهم السلام الا انه بالتبعية البدلية لانهم شعب نشأت من عليّ عليه السلام وهو الاصل القديم عليه السلام وان كان هو الفرع الكريم بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله واشار عليه السلام بنحن الى مقام سائر الائمة عليهم السلام لانه عليه السلام كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ان لا تعبدوا الا الله ولذا جرت الحكمة ان تكون كلمة التوحيد لا اله الا الله اثني عشر حرفا وهي تفصيل الكتاب الى الآيات البينات والدلائل الظاهرات والحجج البالغات صلى الله عليهم ما دامت الارضون والسموات فبين عليه السلام بالتأكيد البالغ حسب متفاهم العوام والتأصيل الواقع حسب متفاهم الخواص انهم عليهم السلام اي قصبة الياقوت وحجاب الله في الملك والملكوت وظهور سلطانه في القدرة والجبروت هم النذر الاولى وهم المراد من قوله تعالى هذا نذير من النذر الاولى ومؤدي من السنخية يعني ان محمدا صلى الله عليه وآله منهم ومن حقيقتهم وطينتهم لا فرق بينه وبينهم وذلك بخلاف الانبياء عليهم السلام اذ لا يصح القول بان نبينا صلى الله عليه وآله منهم اي من سنخهم الا مجازا او نظرا الى ظاهر الهيكل البشرى وذلك غير ملحوظ في هذا المقام بل في كل المقامات والاحوال ولما كان الناس ربما يستشكلون في كون فاطمة عليها السلام نذيرا بخلاف سائر الائمة عليهم السلام فانهم لا اشكال في كونهم نذرا ازاح الله سبحانه هذا الاشكال واوضح هذا الاجمال بصريح المقال في قوله عز وجل كلا والقمر والليل اذ ادبر والصبح اذا اسفر انها لاحدى الكبر نذيرا للبشر لمن كان منكم ان يتقدم او يتأخر في تفسير عليّ بن ابرهيم عن الصادق (ع) انها اي فاطمة عليها السلام لاحدى الكبر وهم الائمة عليهم السلام وهي نذير للبشر فهم اي الاربعة عشر المعصومون الطيبون الطاهرون عليهم السلام النذر الاولى قد خلقهم الله سبحانه في العالم الاول واقامهم اشباحا تحت عرشه الى ان خلق الخلق فصاروا نذرا لهم من الله عز وجل واما الانبياء عليهم السلام فهم اشباحهم وامثالهم واشعة انوارهم وهياكل آثارهم فلهم معهم عليهم السلام مقام لا فرق بينهم وبينهم ففي ذلك المقام ينتمون اليهم وينتسبون بهم كما في قوله عليه السلام انا آدم انا نوح انا ابرهيم انا موسى انا عيسى الى غير ذلك من الانبياء لان الانبياء صفاتهم كما يقول زيد انا القائم انا القاعد انا الآكل انا الشارب الى غير ذلك من الاسماء اذ كلها صفات زيد لا فرق بينه وبينها الا انها عبده وخلقه فعلى هذا يصح لك ان تقول انهم عليهم السلام هم النذر الاولى على هذا المعنى الثاني فهم آدم وهم شيث وهم ادريس وهم نوح وهكذا الى آخر الانبياء وذلك لانه قد دل العقل والنقل على ان الانبياء خلقوا من شعاع انوارهم فنسبتهم اليهم نسبة الشعاع الى الشمس ولا شك ان الشعاع على مثال المنير وهيئته جار على طبق صورته كما ترى انه اذا وقع شعاع الشمس على المرآة او الماء او امثالهما من الاجسام الصيقلية تريه بعينه على هيئتها ومثالها لا تفرق بينهما ابدا الا بالحاجة والغناء والاضمحلال والاستقلال وكذلك حكم صورتك في المرآة اذا نظرت اليها فانك تجدها على هيكلك وتحكم عليها بما تحكم عليك فتقول انا ذا مع ان تلك الصورة ليست عين حقيقتك ولا جزؤها ولا تعود اليها ولا تصل اليها وانما اقمتها في مقامها وامددتها في ظلها هذا هو حكم الاثر والنور من حيث هو اثر ونور اذا بقي على ما هو عليه واما اذا تغير على حسب القابليات فيحكم على التغيير بنهج ذلك التغيير كما اذا ظهرت صورتك في المرآة العوجاء والمحل الغير المصيقل فانك لا تحكم عليها بما يجري عليك من ظهوراتك في اطوارك وكذلك الكلام في هذا المقام فان شعاع آل محمد عليهم السلام لما تشعشع وتلألأ ووقع على الاراضي الطيبة ( وخ ) قابليات الانبياء عليهم السلام فبقي ذلك الشعاع على ما هو عليه من حكاية وصف الكينونة فصح توصيفهم بالانبياء وحمل الانبياء عليهم فتقول ( فيقول خ ) عليّ عليه السلام مثلا او احد الائمة عليهم السلام هو نوح وابرهيم كما تقول زيد قائم فان القائم ليس عين زيد ولا ضميره يعود اليه وانما هو صفة تدل على ظهور زيد ومثاله وبذلك حملته على زيد في مقام لا فرق بينك وبينها فالموضوع والمحمول وان كانا من حيث المقصود متغايرين ولكنهما من حيث الحقيقة الواقعية متحدان اي الموصوف بكونه قائما هو الوجه الاعلى من القائم فان زيدا ظهر في الوجه الاعلى على نحو عموم قدرته فمن حيث الظهور كل الصفات تحكي زيدا بل لا تسمى الا زيد ومن حيث الخصوصية تختص بالوجه الخاص كقولك قائم وقاعد فقولك زيد قائم فزيد هو عين القائم وكذلك بالعكس مع ان القائم ليس حقيقة زيد ولا ذاته وانما هو صفة من صفاته وقد قال امير المؤمنين عليه السلام لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران ويريد عليه السلام بهذا الموصوف هو المقصود من الصفة والذي نقول هو الظاهر في الصفة وان كان الظاهر في الصفة ايضا هو غير الصفة فافهم هذه الكلمات فان التصريح بالمراد مما لا يمكن والا فصريح العبارة غير ذلك فاذا وفقت لفهم ما ذكرنا علمت معنى ما قال الامام عليه السلام انا الآمل والمأمول كما تقدم ونحن النذر الاولى اذا جعلت النذر الاولى هم الانبياء عليهم السلام ويكون المراد من الائمة عليهم السلام وقوفهم في مقامهم ( المقام خ ) الاصلي من غير ملاحظة نزولهم في صقع من الاصقاع ومقام من المقامات حسب تنزلات الاشياء فانهم عليهم السلام لهم مقام في رتبة ذواتهم وكينوناتهم وصعودهم ونزولهم الذاتيين من مراتبهم الحقيقية من افئدتهم وعقولهم وارواحهم ونفوسهم وطبايعهم وموادهم وهياكلهم واجسامهم واجسادهم وهم عليهم السلام في هذه المقامات علة فاعلية لكل ذرات حقائق الكائنات وذوات الموجودات وكل الخلق اشعة انوارهم (ع) في كل مقاماتهم وعلى هذا فكل الذرات صفاتهم وكل الذوات امثال ظهوراتهم وهياكل آثارهم وصفاتهم فيصح حينئذ توصيفهم عليهم السلام بتلك الصفات وهذا باب غامض وسر مشكل لكني ابين حديثين وفيهما كل المراد يجده اهل الاستعداد من اصحاب الفؤاد في الانجيل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا ه‍ وهذا الضمير هو ضمير المتكلم وقد ذكرنا فيما سبق ونذكر ان شاء الله تعالى في ما يأتي ان المتكلم ظهور الذات بالكلام والضمير ظهور المتكلم بالصفة والمجموع بمعزل عن الذات المقدسة القديمة سبحانه وتعالى بينهما بينونة صفة لا بينونة عزلة وقال عليه السلام في تفسير قوله تعالى فلما تجلي ربه للجبل انه نور رجل من الكروبيين وقال النبي صلى الله عليه وآله في جواب اليهودي الى ان قال (ص) لا ينبغي ان اصغر ما عظم الله من قدري ان الله تعالى اوحى الى ان فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق وقال الصادق (ع) في وصف الكروبيين على ما تقدم انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش الى ان قال عليه السلام ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا اجمع بين هذه الاخبار وما ذكرنا في هذا الشرح من الاصول الكلية تعرف بذلك ان كل ذرة من ذرات الكون منقوش في حقيقتها وذات كينونتها محمد واهل بيته الطاهرون عليهم السلام باسمائهم واشخاصهم كتابة لا يشتبه احدهم بصاحبه وهو الذي اشار اليه عليه السلام في الزيارة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم الزيارة وهذه المعرفة بما كتب في ذاتهم ما ( بما خ ) نطقوا به عليهم السلام بلسانهم كما نقش وكتب صورتك في المرآة بل اقول ان حقيقة ذوات الاشياء هي عين تلك الكتابة المرسومة بقلم الاختراع على لوح الابداع فاذن كل الاشياء بلسان كينوناتهم وحقائقهم يحكون كلام عليّ عليه السلام عند ما قال لهم حين ما اشهده الله خلقهم انا عليّ الولي وصي النبي الامي لان الربوبية الظاهرة في المربوبين هي نوره وشعاعه عليه السلام وذلك كما يحكون عن الله عز وجل عند تلاوة كتابه اني انا الله لا اله الا انا وكما حكي عليّ عليه السلام عن الله في الشجرة لموسى فحقيقة الخلايق هي رسم انا العلي الاعلى وذلك خطاب ومثال القاه عليه السلام في هويتهم وذلك هو انا الظاهر في ضمير المتكلم وهو في الاشياء كلها لكن ذلك المثال لما وقع في هويات الكائنات فان كانت الهوية مستقيمة معتدلة غير معوجة وقريبة الى المبدأ في الخلق الاول ظهر على ما هو عليه وان كان بتغيير لكنه لا يرفع حكمه كشمس واحدة اشرقت على الف مرآة في كلها تجد مثالها على ما هو عليه من دون تغيير وان كانت بعيدة او معوجة غير مستقيمة لا يظهر ذلك المثال ولا تحكي نور الجلال ففي الاول ينتسب الى المنير وفي الثاني لا فالاول هو حكم الانبياء عليهم السلام لقربهم من المبدأ واستشراقهم من شوارق انوار اهل البيت عليهم السلام من غير واسطة واستقامتهم وعدم اضطرابهم وعدم اغتشاشهم حكوا مثالهم من العصمة والطهارة والنزاهة والحكمة وغيرها فصح استنادهم اليهم عليهم السلام بخلاف سائر الخلق من الرعايا وان كانت حقائقهم تلك الكتابة لكنها خفيت واستولت عليها احكام الانية المدبرة الغير المقبلة فبقيت لا تحكي لبعدها عن فوارة النور فلا يصح الاستناد ما دام حكم الفرق باقيا او حكم الخلط ظاهرا في هذه الدنيا واذا ارتفعت الموانع يعود الحكم كما كان سابقا اي على الواقعي الاولى ولذا لما اصيب طلحة بن عبد الله يوم الجمل قيل له من رماك يا طلحة قال رماني عليّ بن ابي طالب عليه السلام قيل له يا ويلك انه ما يرمي بالنبل وانما يقاتل بالسيف قال الا تنظر كيف يصعد الى السماء وينزل الى الارض ويسير الى المشرق والمغرب ويقاتل بالسيف والنبل ويقول مت يا عدو الله فيموت في ساعته وكان الرامي له مروان الحكم لعنه الله انظر الى هذا الحديث فتجد ما لا تحيط به العبارة ولا تدرك بالاشارة وانما هو تلويح وربما تصريح بما ذكرنا فان ذلك الذي رأى كله امثال واشباح لتلك الحقيقة المقدسة ظهرت عند ما صارت بصره حديدا او عند رفع الغرائب والاعراض وما رأى الحقيقة ولا ادركها كيف لا وهو يقول عليه السلام ظاهري امامة وفي رواية اخرى ولاية وباطني غيب لا يدرك ولكن الانبياء لما حكوا ذلك المثال وصف نفسه الشريفة بهم في هذه الدنيا وفي الآخرة يكون كل شيء صفته وآيته يعني يظهر ذلك والا ففي كل حال تكون الاشياء صفاتا واظلة فافهم وقد قال مولينا الصادق عليه السلام في زيارته اياه عليهما السلام السلام على شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام على آدم صفوة الله ونوح نبي الله وابرهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمد حبيب الله ومن بينهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا السلام على نور الانوار وسليل الاطهار وعناصر الاخيار السلام على والد الائمة الاطهار الزيارة وهذا كما تقول السلام على القائم القاعد الضارب الناصر السميع البصير المحيي المميت وامثالها من الصفات من غير فرق ابدا واما عدم انتساب سائر الخلق اليهم واليه عليهم السلام فلما قلنا من عدم الحكاية التامة مع انه عليه السلام اشار الى ما لوحنا بقوله والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا وعلى هذا يظهر لك معنى كون عليّ عليه السلام في وقت واحد في ليلة واحدة في اربعين موضعا وحضورهم عليهم السلام عند كل ميت من المؤمنين الممتحنين او ماحضي الكفر من المنافقين وقد يتفق موت الوف في وقت واحد ودقيقة واحدة من الطرفين يظهر لكل على هيكل اعتقاده فيه ان خيرا فخير وان شرا فشر والاصل في ذلك ان عليّا عليه السلام هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله كما في الآية الشريفة وهو ايضا نفس الله كما في قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وفي الزيارة السلام على نفس الله القائمة بالسنن وهو عليه السلام ذات الله كما في قوله روحي فداءه في بيان النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وهذه هي الذات المخلوقة لا القديمة تعالت وتقدست والمخلوقة هي الذات الظاهرة في المخلوقين في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك سبحان ربك رب العزة عما يصفون وكما ان عليّا عليه السلام هو ذات الله بالمعنى الذي ذكرنا كانت كذلك الموجودات كلها ذات عليّ عليه السلام او قل ان عليّا عليه السلام ذاتهم كما قال عليه السلام انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات والمعنيان واحد واذا كان هو ذات الاشياء لا بذاته بل بظهوراته واشباحه وامثاله فكل الاشياء حكايات له ولاحواله ففي مقام الحقيقة بعد الحقيقة هو وفي مقام المجاز غيره وهنا مقامات يقصر عن بيانها اللسان يضيق صدري باظهارها ولا يضيق بكتمانها ولا تفهم مما ذكرت غلوا ورفعا لمقام عليّ عليه السلام الى مقام الربوبية وانما ذلك شرح لكمال عبوديته وخضوعه لله سبحانه واضمحلاله في نفسه وعدم شيئيته واستقلاله لا كما يقوله اصحاب وحدة الوجود فان الله سبحانه بريء من القول به واصحابه ولا تتوهم اني اقول ان عليّا عليه السلام هو ذات الاشياء بحقيقة ذاته المقدسة فان ذلك كفر بالله العلي العظيم بل اقول ان الخلق امثاله واشباحه والمثال هو الذات الظاهرة في المشتق لا البحت فالذات المعتبرة في القائم مثلا هي المثال والآية والمقام اسمها اسم زيد وصفتها صفته لا فرق بينها وبينه الا انها عبده وخلقه وعليّ عليه السلام هو المثل الاعلى لله سبحانه كما قال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وفي الزيارة من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم فافهم فان شرح هذا ( هذه خ ) الاحوال يحتاج الى بسط في المقال بتمهيد بعض المقدمات وقد مضى بعضها فراجع ويأتي ان شاء الله بيان اكثرها فترقب

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا

فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا

فعلى ما قررنا ظهر لك وجها واحدا ( وجه واحد خ ) من معنى قوله عليه السلام نحن النذر الاولى بجعل النذر الاولى هم الانبياء واوصيائهم وسائر الرسل والنذر من الملائكة والجن والانس والعلماء الراشدين والمؤمنين الممتحنين والصلحاء الفاضلين فتدبر فيه والوجه الثاني في مقامهم الثاني عليهم السلام في رتبة القطبية فانهم عليهم السلام في كل عالم وكل مقام قطب لاهل ذلك العالم وذلك المقام والقطب هو وجه الفعل الى المفعول ووجه المفعول الى الفعل وهو المفعول المطلق وهو امر الله الذي قامت الاشياء كلها به كما في قوله تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال الصادق عليه السلام كل شيء سواك قام بامرك وذلك الامر هو المفعول الاول كما قال تعالى وكان امر الله مفعولا وهو القدر الذي يسري في افعال العباد واعمالهم في الكينونة والذات والاعراض والصفات سريان الروح في الجسد كما قال سيد الساجدين عليه السلام ان القدر في افعال العباد كالروح في الجسد فلولا الروح لا قوام ولا حراك للجسد و( كما خ ) لولا الجسد لا ظهور للروح وكذلك لولا القدر لا يتحقق العمل ولولا العمل لا يظهر القدر هذا معنى الحديث وانما اخذه عليه السلام من قوله تعالى وكان امر الله قدرا مقدورا وقيام الاشياء بهذا الامر والقدر المفعوليين قيام ركني عضدي لا صدوري ايجادي نعم بالامر الفعلي وهو المقام الاول من مقاماتهم عليهم السلام وهذا القطب هو المقصود بالذات في الايجاد وعليه تعلق الجعل الاولى وبه قامت المحبة في قوله تعالى احببت ( فاحببت خ ) ان اعرف ولكن لما قيل لذلك الامر ادبر فادبر حصلت الكثرات والاضافات والجهات فاحتجب ذلك النور بكل جهة واضافة بل ربما ظهرت آثار تلك الاضافة والجهة مما اقتدرت عليه بقوة ذلك النور الساطع الظاهر المستجن فيه ولكن لا قوام للشيء في ذلك المقام باعتبار تلك الجهة الا بذلك الامر والنور بل ليس الشيء ( للشيء خ ) حقيقة سواه فان الاضافات اعراض واحوال ما تقوم الا بذلك الاصل تقوم القشر باللب فاذا فهمت ذلك وتنبهت للحديث الوارد عن اهل البيت عليهم السلام ان الله سبحانه اول ما خلق هو محمد صلى الله عليه وآله بقي يسبح الله ويقدسه الف دهر ثم خلق سبحانه اثني عشر بحرا فامره بالسباحة فيها ثم عشرين بحرا آخر فامره سبحانه بالسباحة فلما اتم السباحة في تلك الابحر خرج منها وقطر منه صلى الله عليه وآله مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة خلق الله من كل قطرة روح نبي من الانبياء عرفت المراد اذ لا شك ان نبينا صلى الله عليه وآله من ذلك العدد نعم تلك القطرة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وآله من بين الانبياء عليهم السلام هي قطب رحى وجوداتهم وان كانت من سنخهم ولكن نسبتها اليهم نسبة الروح الى البدن ونسبة الاكسير الى الحجارة المرمية ثم استجنت تلك القطرات وكمنت في تلك القطرة كمون القشر في اللب لا العكس وان كان المعروف هو ذلك ومعنى كمون القشر في اللب ذكر صلوحه لتلك القشور لا غير فيه الى ان كمل هذا العدد اي مائة الف واربعة وعشرون الف باعتبار ملاحظة قران بعض احواله صلى الله عليه وآله مع الاحوال الاخر فعند حصول تلك القشور استجن اللب فيها والقشر لا قوام له الا باللب والاغصان لا تحقق لها الا بالشجرة بل ليست غيرها ولا حراك لها الا بها ثم استجنت تلك القشور المكتنفة باللب الاصلي والقطب الحقيقي في الانسان فكان الرتبة الانسانية قشرا لتلك القشور فاستجنت تلك في القوس النزولي في مقام القطبية في الحيوانات وهي استجنت في النباتات وهي في الجمادات فالنبات صافي الجماد والحيوان صافي النبات والانسان صافي الحيوان والانبياء صافي الانسان واهل البيت عليهم السلام هم صافي الانبياء فهم سلام الله عليهم صفوة المرسلين وهم صفوة الصفوة من صفوة الصفوة ولما كان الصافي هو اللب والسافل هو القشر كان لا يقوم القشر الا بوجود اللب اما ظاهرا مشهورا او مكتتما مستورا ففي حال النزول اختفى اللب في القشر وفي حال الصعود يظهر اللب من القشر مع وجود القشر متقوما ومتأصلا بذلك اللب فلهم اي لهذه المراتب مقامان مقام العلة الفاعلية ومقام القطبية والاصلية ففي المقام الثاني فالمتاصل الثابت هو القطب والدائرة تطوراته باطوار شؤناته ثم لا قوام لها في حال من احوالها الا بالقطب فلك ان تقول ان القطب هي الدائرة ولك ان تقول بالعكس ولك ان تجعل لكل منهما حكمه لكن لا يجري الحكم على الدائرة في حال من الاحوال الا بالقطب وذلك كالقلب فان الانسان حقيقة هو القلب وهو الاصل المؤثر المدبر في البدن وكل الآلات البدنية شؤنات للقلب تبدو منه وتعود اليه ولذا اذا وجد صدر الميت الآدمي وجب عليه ما يجب على الكل من التغسيل والتكفين والتدفين والصلوة عليه وامثالها من الاحوال والاحكام فاذا فهمت ذلك علمت المراد في لحن المقال كما قالوا عليهم السلام انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن فلما قال الله سبحانه للعقل الكلي الظاهر في اطوار الكروبيين اقبل الى الخلق او ادبر عني الى الخلق فتنزل بالتشأن والتطور الى ان وصل مقام الجماد ثم قال له اقبل الى او ادبر عن الخلق فاخذ في الصعود فظهر في صفو المعدن وبقيت المعادن كلها تدور على وجه ذلك الصفو الظاهر فيها ثم لما استعدت البنية وصفت طبيعة العالم واعتدلت ظهرت تلك الصفوة بوجهها ونورها فكان قطبا لدائرة كون النباتات ثم ظهرت في صفو الحيوان فكانت قطبا لها تدور عليها في جميع احوالها ثم ظهرت في صفو الانسان وكان آدم عليه السلام حامل تلك الصفوة بل هي ذات تقومت بنية آدم بها فتشعب من ذلك القشر قشور كثيرة وهي اولاد آدم عليه السلام الى ان صار اصفاها واعلاها حاملا لتلك الصفوة المنتقلة من آدم عليه السلام اليه وهكذا كانت القشور حاملة لتلك الصفوة ومحلا للقطب الى ان استعد العالم لظهوره ولاشراق نوره من غير حجاب فظهر القطب اي تلك الصفوة الطاهرة ( الظاهرة خ ) قد انسلت من تلك القشور وبالجملة ضاع الكلام فلا سكوت معجب واعلم اني ما يمكنني ان اظهر ما اريد من هذه الكلمات وابينه صريحا بظاهر العبارات من جهة عدم احتمال الناس من اهل الطبايع الغير الناضجة او الطبايع الخامدة او القلوب القاسية فيسارعون الى الانكار وقد قالوا عليهم السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وقال مولينا الصادق عليه السلام ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله ه‍ فاذا لا يجوز الكلام في امثال هذا المقام الا مرموزا ومستورا مقنعا بالاستار والحجب لينتفع به العالم الفطن ويصون عن الجهال واشباه العلماء ولو اذن لنا في الكلام لكان البيان على غير هذا النمط قال مجنون العامري :

ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين

يقولون خبرنا وانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين

ولكني اقول اذا فهمت ان الائمة عليهم السلام سيما فخرهم واميرهم وسيدهم امير المؤمنين عليه السلام امر الله الذي قامت به الاشياء كلها قياما عضديا ركنيا والاشياء حقيقتها مركبة من نور ذلك الامر ومن الحدود المعينة المشخصة سهل لك معرفة المراد ويتمحض لك التصديق لقوله عليه السلام في الدعاء لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع ( فيها خ ) صوت الا صوتك وقد علمت ان ايدك الله ووفقك لمعرفة ائمتك عليهم السلام ان ليس لله نور سواهم وليس له صوت غير صوتهم لان الله سبحانه قرنهم بنفسه واقامهم مقامه وقال بلطيف الاشارة اشارة الى هذا المقام وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ولا ريب ان يمين الله ليست الا عليّا ( على خ ) عليه السلام وهو يد الله اتفاقا من الفرقة الناجية من الشيعة وقد قال عز وجل بل يداه مبسوطتان ينفق منهما كيف يشاء فاذا كان الانفاق باليد فليس في الموجودات الا اثر اليد ونورها فالاشياء كلها لديها معدومة والاختلافات هناك ترجع الى كمال الوحدة بل تبطل ولا حس لها الا بها واليه الاشارة في قوله عز وجل وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا وهذا معنى ما ورد ان مولينا عليّا عليه السلام يوم العرض الاكبر تقف الخلائق كلها جاثية بين يديه عند الحساب وهو عليه السلام يتكلم بكلام واحد يجري ذلك الكلام الواحد في كل شخص بما هو عليه من الاحوال السعيدة او الردية من اصحاب اليمين او اصحاب الشمال وكل منهم يرى انه عليه السلام يقرأ صحيفة عمله ومعنى ذلك في هذا المقام هو ظهور ذلك النور الواحد المشرق من صبح الازل على هياكل الكائنات وحقائق الموجودات من الممكنات والمكونات وذلك النور يظهر في كل حقيقة على ما هي عليه كالوجه الواحد المقابل للمرايا الكثيرة وكالنفس الخارج من الجوف المتقطع بالقلع والقرع والضغط بالحروف وكالمداد الظاهر بالكتابة والواحد المتشأن بالاعداد وذلك النور اثر من شعاع عليّ عليه السلام في الانسان وشعاعه في الكروبيين فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم ولا تنكر قدرة الله في اوليائه فظهر لك معنى قوله عليه السلام نحن النذر الاولى بالوجوه الثلثة احدها انهم النذر حقيقة اولية وما سويهم نذر بالحقيقة الثانية ( الثانوية خ ) التي هي بعد الحقيقة فالانبياء نذر من الله بواسطتهم ومؤدون عن الله شريعة محمد صلى الله عليه وآله الى الخلق بواسطتهم كما في باطن قوله تعالى اي في باطن الباطن عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين واذا لاحظت تفسير ظاهر الظاهر انكشف لك سر باطن الباطن وتلك الملاحظة في الضماير والدليل على هذا التفسير كلام مولينا امير المؤمنين عليه السلام في وصف النبي صلى الله عليه وآله اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا يحيط به خواطر الافكار فعلى هذا من ادعى احد من الانبياء انهم يؤدون عن الله سبحانه ويأخذون بدون واسطة محمد وآله صلى الله عليه وآله فقد ادعوا الربوبية والالوهية لانفسهم حيث اعرضوا عن الله ( سبحانه خ ) ورأوا انفسهم مستقلين قال تعالى رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق وقد قالوا ان اسم رفيع الدرجات هو الامام عليه السلام لانه اسم الله كما في الزيارة السلام على اسم الله الرضي وقد قال عليّ عليه السلام انا الروح من امر ربي فقد ثبت هنا مقامان مقام البيان ومقام المعاني وثانيها ان النذر هم الانبياء المتقدمون وهم اشباح آل محمد صلى الله عليهم وامثالهم يحكون عنهم وهم عليهم السلام يوصفون بهم كما مر وثالثها انهم هم الانبياء ولكنهم متقومون بهم اي بمثالهم اي ليسوا الا ذلك المثال ولا حقيقة لهم مستقلة في حال من الاحوال كما مثلت لك بالقلب والانسان والمداد والحروف والنفس والحروف وامثال ذلك من الامثال مما ضربه الله للخلق ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وقد اشار الى تلك الدقيقة الشريفة بقوله عليه السلام فيما تقدم انا الآمل والمأمول ولو اردنا شرح حقيقة الحال في هذه الوجوه الثلثة سيما الوجه الثالث لادي الى بسط عظيم في المقام بتمهيد مقدمات لا ينبغي اظهارها وابرازها لعامة الناس فتركناها واشرنا الى شيء منها لئلا يحرم اهله

قوله عليه الصلوة والسلام : نحن الآخرة والاولى الآخرة هي العود والاولى هي البدو ولما كان العود هو البدو وكانت الآخرة هي الاولى كما قال عز وجل كما بدأكم تعودون انما انت الصيغة لبيان انهما صفتان للدار اي الدار الآخرة والدار الاولى وقد دل العقل والنقل على ان عليّا عليه السلام والائمة عليهم السلام هم البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه كما في قوله تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله على قراءة المبني للمجهول في يسبح فيكون رجال خبرا لمبتدأ محذوف اي تلك البيوت رجال وهم الائمة عليهم السلام وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي عن الاصبغ بن نباتة قال كنت ( كنا خ ) عند امير المؤمنين عليه السلام فجاءه ابن ‌الكوا فقال يا امير المؤمنين قول الله عز وجل ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها فقال عليه السلام نحن البيوت التي امر الله ان يؤتى من ابوابها نحن ابواب الله وبيوته التي يؤتي منها فمن بايعنا واقر بولايتنا فقد اتى البيوت من ابوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد اتى البيوت من ظهورها فاذا كان ( كانت خ ) الائمة عليهم السلام هم البيوت فقد جاء تأويل قوله تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين وعليّ عليه السلام هو اول البيوت وقد وضع في الكعبة المشرفة زادها الله شرفا وتعظيما وانما كانوا بيوتا لانهم سلام الله عليهم حووا آثار الربوبية وجمعوا احكام الالوهية وعندهم اجتمعت الخيرات كلها وخزنت الانوار باسرها وحفظوا اسرار العلوم الالهية ووسعوا ظهورات رب البرية كما قال عز وجل ما وسعني ارضي ولا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن والعبد المؤمن هو محمد صلى الله عليه وآله اصالة واهل بيته الطاهرون بالبدلية فلما افيضت الانوار والاسرار والفيوضات الواردة على ذرات الكائنات ظهرت فيهم عليهم السلام وهم محل تلك الانوار ومهبط تلك الاسرار فسماهم الله سبحانه بيتا لكونهم مسكن علومه واسراره فاطلاق البيت عليهم حقيقة لا مجاز ثم لما ظهر ذلك المعنى في هذه المساكن المعروفة سميت بها مجازا او حقيقة ثانية بعد تلك الحقيقة الاولية وانما هي حقيقة مجازا ومجاز حقيقة فهم عليهم السلام هم الدار الاولى لانهم المبدأ حيث خلقهم الله سبحانه قبل خلق الخلق باربعة عشر الف دهر والاحوال الثابتة في رتبة الخلق كلهم لهم في مقام التفصيل والعقل الكلي باطواره وشؤناته الذاتية والعرضية الذي قد حصل البدو في كل مرتبة ومقام باقباله الى الخلق هو تفصيل من تفاصيل احوالهم وآثارهم وهو اول من ذاق الباكورة في حدائقهم وهو اول فتق وقع في الجو المرتوق من صفاتهم وانوارهم فهم عليهم السلام اذن بالمبدئية اولى وبالاولوية احرى ولما كانت الموجودات كلها اوعية رحمة الله سبحانه وخزائن فيضه وهم عليهم السلام اوسع الاوعية واشرف الخزائن بل لا خزينة معهم ولا وعاء غيرهم عندهم فكانوا هم الدار الاولى وكل اول هو الآخر لان الآخر هو عود الشيء الى الكمال والكمال هو القرب الى المبدأ وليس اقرب الى المبدأ بالنسبة الى الشيء من مبدأ ذاته فاذن عوده هو عين ظهور بدوه فالآخرة هي الاولى حقيقة وذلك لان الله سبحانه لما خلق الخلق خلقهم في الخلق الاول على اكمل ما يقتضي كينونتهم وتستدعي هويتهم ولا تمكن رتبة فوقها وغيرها ولما امرهم بالادبار ظهرت فيهم ظلمة الادبار وكثافة تصرف الاغيار وكدورة دوران الليل والنهار فلما بلغ الكتاب اجله ووصل الامر مستقره امره بالاقبال ومعناه دفع تلك الظلمة ورفع تلك الشبهة فيعود كما كان قد بدأ فيلحق ببدئه فبدوه هو عين عوده فالدار الآخرة التي هي في الظاهر الجنة ونعيمها او النار واليمها هي بعينها هي الدار الاولى التي هي اول تنزل العقل الكلي الى آخر مقامات الادبار الى نهايات مقامات الاقبال الجسماني الدنياوي فعود الاجسام الى بدوها الجسماني وهو عين عودها وكذلك الارواح والنفوس والطبايع والمواد وآل محمد صلى الله عليهم هم المبدأ على جهة الاطلاق وهم المنتهى اما في انفسهم عند انفسهم فظاهر لانهم عليهم السلام قد بدؤا من نور العظمة ونور الذات وهما عين حقيقتهم لان الله سبحانه ما حل فيهم العياذ بالله ولا تعين وتصور بصورهم وهياكلهم وانما خلقهم لا من شيء بل خلقهم بهم واقامهم في ظلهم واسكنهم في دار محبته ورضاه التي هي عين هويتهم كما قال عليه السلام في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى فتلك الذات هي الجنة وهي الشجرة واما عودهم فهو عروجهم الى تلك النقطة التي هي عين بدوهم وصعودهم الى تلك الذروة التي هي ذاتهم فكانوا عليهم السلام هم الاولى وهم الآخرة ولا شك ان الشيء لا ينتهي الى الذات البحت القديمة فانها متعالية عن الاقتران ومنزهة عن الاتصال فعود الشيء الى ما بدء منه من حقيقة ذاته ولما كان تلك الحقيقة مثال الله الملقى في هويات الكائنات وذلك المثال لا تذوت له بذاته وانما هو حكاية وصفة وآية لغيره قيل ان الاشياء تعود الى الله وتصير اليه كما في قوله تعالى انا لله وانا اليه راجعون والا فقد قال عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقال عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك واما انهم بدو الاشياء وعودها فلان الاشياء كلها قد خلقت من شعاع انوارهم وفاضل آثارهم فذاتهم لمعة من انوار اجسامهم عليهم السلام وتلك اللمعة قد تطورت باطوار مختلفة قد ظهرت في كل طور بظهورها في مرتبة فاذا خلص الشيء عن مرارات شدة الادبار رجع الى الاقبال وهو الوصول الى تلك الحقيقة واللمعة فلا يتعداها ابدا وهي لا تحكي غير مثالهم وصفتهم عليهم السلام فبدو الاشياء منهم اي من نورهم وعودها الى ذلك النور ومن جهة ان ذلك النور انما هو وصفهم ومثالهم كان بدوها وعودها اليهم لان ذلك المثال لا يدل الا عليهم ولا يرجع الا اليهم واما الكفار واصحاب النار فانهم قد خلقوا من الظلمة الحاصلة من عكس انوارهم والاعراض عن آثارهم كما قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وعود الظلمة الى نفس النور من حيث هو نور ويسجدون للشمس من دون الله فلا قوام لها الا بالنور ولا قوام للنور الا بالمنير ولا منير في الوجود سواهم اماسمعت ما فسر مولينا الصادق عليه السلام لفظ الجلالة فقال عليه السلام الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا ه‍ وهو قوله عليه السلام في الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم ه‍ فهم عليهم السلام الفاتح وهم الخاتم والخاتم هو عين الفاتح وبالعكس كما ان الختم هو عين الفتح وبالعكس والدار الآخرة هي رجوع الاشياء في العالم الكلي الى مباديها في اليوم الذي خلقه الله عليها اماسمعت ان النبي صلى الله عليه وآله دخل الجنة والنار ليلة المعراج وتلك الدار هي ظهور شأن من شئون ( شؤنات خ ) عليّ عليه السلام وطور من اطواره فسميت باسمه وقيل لها الآخرة وكذلك الدنيا والاولى قد يراد بهما الترادف اي يراد بهما معنى واحد وهو العالم الكلي ايضا بعد كمال الادبار وقبل نهاية الاقبال انما قيل لها الدار لما ذكرنا من انها مجمع الشئون الربوبية ومخزن اسرارها وانما قيل لها الاولى لانها المبدأ والدنيا لانها ادنى من الدنو بمعنى القرب وقد يراد بالاولى ما ذكرنا وهو دنيا بلاغ وبالدنيا دنيا ملعونة وهي مقتضيات الادبار وظهورات اشباح المدبر الحقيقي ولما كانت الدنيا في اغلب احوالها يراد بها المعنى الثاني مانسبوها الى انفسهم الشريفة عليهم السلام لانها حينئذ ظل كينونتهم تدور على خلاف جهتهم وتشتهي خلاف مراداتهم فهي حينئذ الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض ما لها من قرار ولذا كانت تنسب في اغلب الاستعمالات واكثر الموارد الى الاعداء كما في قوله تعالى بل تؤثرون الحيوة الدنيا وهي ولاية الاول والثاني واتباعهما والآخرة خير لك وهي ولاية عليّ عليه السلام وقوله تعالى كلا بل تحبون العاجلة وهي ولاية الاعداء وتذرون الآخرة وهي ولاية عليّ عليه السلام وقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا وبالجملة فالآخرة في كل موضع من القرآن يريد بها عليّا عليه السلام وولاية الائمة عليهم السلام والدنيا اغلبها دنيا ملعونة وكلها يريد بها ولاية مخالفيهم وظالميهم عليهم السلام فمن هذه الجهة مانسب الى انفسهم الشريفة الدنيا لمكان هذه الشبهة وانما ذكر الاولى لكونها اعم حيث تشمل بدو كينوناتهم عليهم السلام في القابلية الاولى في الخلق الاول بل قبلها في اطوار اللانهاية واحوال اللابداية الى ازل الازل وابد الابد حيث ما اراد الله وشاء في مكنون علمه ومخزون سره بغيب محبته الى اول التعين والتقيد ظهور العقل الاول واول الادبار والنزول الى نهاياته وآخره في مقام الجماد ويشمل ايضا بدو صعوده الى اول الدنيا وهي محدودة بخلق ابينا آدم عليه السلام ونزوله الى هذه الارض الى فناء العالم اي موت الانسان الكبير اي رجوعه الى ما كان قبل خلق آدم عليه السلام ومجموع هذين الحدين على ما في بعض الاخبار مائة الف سنة عشرون الف سنة دولة الباطل وثمانون‌الف سنة دولة اهل الحق عليهم السلام فعلى هذا تدخل الرجعة وقيام القائم عليه السلام في الدنيا كما تدل عليه الاخبار الكثيرة ويشهد بصحتها صحيح الاعتبار الا ان هذه الدنيا دنيا بلاغ لا دنيا ملعونة مما قال عليه السلام الدنيا مزرعة الآخرة وقال تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة فلو اقتصر عليه السلام بذكر الدنيا لتبادر الى غير ما يراد مع انها ليس ( ليست خ ) فيه دلالة على هذا العموم المراد في هذا المقام مع ما في لفظ الاولى من الاشارة الى الاولية والقطبية وغيرها من المحسنات التي يطول بذكرها الكلام وبما ذكرنا كفاية لاولي الالباب من اولي الافهام والآخرة تشمل ( تشتمل خ ) ما بعد الموت الاكبر للانسان الاكبر ووصول كل شيء الى محله ورجوع كل فرع الى اصله ولحوق كل مسبب بسببه من اول مقام الفرق في آخر مرتبة المزج والخلط في اول الحشر الى ان يتصفي من الخلط والمزج بوصول اهل الجنة اليها واهل النار اليها ثم في مقامات الفرق في الجنة من اول اغتسالهم في عين الكافور وشربهم من ماء السلسبيل ووقوفهم على الكثيب الاحمر واستراحتهم في الرفرف الاخضر وسلوكهم ارض الزعفران وقيامهم مقام الاعراف وسيرهم فيه الى ان ينقطع بهم السير في مقامات الفرق وجاء حكم الوصول والاتصال في مقامات الجمع بظهورات المحبوب وتجليات المطلوب وفناء المحب في محبوبه والطالب في مطلوبه في الوجدان لا ( في خ ) الوجود وهو مقام الرضوان الذي هو اكبر ثم سيرهم في تلك المقامات بتكرار التجلي والظهور والصحو بعد المحو والمحو بعد الصحو والحضور بعد الحضور والقرب بعد القرب والوصل بعد الوصل كما قال عز وجل كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهو قوله عليه السلام ان الله اعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فانه يريد عليه السلام ما ذكرنا من حكم اللانهاية فوق رتبة القيود من عالم الوجود المقيد حيث يقول عليه السلام ولا خطر على قلب بشر فان القلب هو اعلى مقامات الوجود المقيد وهو انا وهو اول زوج تركب وبالجملة كل ذلك مقامات الآخرة ومراتبها وكلها عليّ عليه السلام والائمة الطاهرون عليهم السلام لوجهين بل لثلاثة وجوه : احدها ان الآخرة هي الائمة عليهم السلام حقيقة لانهم هي الاولى حقيقة وهذه الاولى والآخرة المعروفتان حقيقة ثانية عرضية لانهما شعاعهم وهو لا يلحق المنير الا ترى انك تقول ان في البيت سراجا ولا تقول ان فيها سراجا واشعة مع ان الاشعة لا شك انها موجودة لكنها لا تجامع السراج ولا تدخل معه في عد ولا حساب وكذلك الآخرة والاولى هم الائمة عليهم السلام حقيقة لانهم المبدأ لكل شيء وانهم المنتهى كما في الزيارة ليس وراء الله وورائكم يا سادتي منتهى وانهم الدار والبيت التي سكنت فيها الفيوضات الربانية والتجليات الصمدانية وهم عيبة علم الله ومخزن سر الله ومهبط نور الله ومحل مشية الله وموضع ارادة الله كما في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد وهم بيت معرفة الله وهم البيوت التي قد اتخذت في الجبال والشجر كما في قوله تعالى واوحى ربك الى النحل وهو رسول الله صلى الله عليه وآله لانه منتحل العلم والدين والمعرفة والمحبة والتوحيد ان اتخذي من الجبال وهم الائمة عليهم السلام لانهم اوتاد ارض القابليات واعلام الحق والهداية لاهل الارضين والسموات وحاملوا الحرارات الواردة من المبدأ الاول من الفيض الاول الواصلة اليهم بواسطة سماء النبوة ونجوم خصوصيات الالهامات النبوية بصلابة القوة والحفظ والعزيمة والسكون وعدم نفوذ الغير فيهم بميل او هوى وعدم ظهورها للغير منهم وبهذا كانوا عليهم السلام كما وصفهم الله سبحانه وبئر معطلة وقصر مشيد قال الشاعر :

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا ينزف

وبذا كانوا جبالا كما قال الخضر عليه السلام في مرثيته لامير المؤمنين عليه السلام كنت كالجبل لا تحركه ( لا تحركك خ ) العواصف وقال تعالى افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت فالجبال في الباطن هم الائمة عليهم السلام بيوتا اي مسكنا ومحلا للعلوم التفصيلية كما ذكرنا سابقا ان النبي صلى الله عليه وآله صاحب الاجمال والولي والوصي عليهما السلام صاحب التفصيل كما ان الصدر بيت علم القلب والنفس بيت علم العقل كذلك الوصي بيت علم النبي صلى الله عليهما كما ذكرنا في قوله عليه السلام وعلمته علمي وعلمني علمه فالنبي صلى الله عليه وآله كالقلب وعليّ عليه السلام كالصدر والائمة صلى الله عليهم كالحواس والقوى والمشاعر وفاطمة الصديقة عليها السلام هي كالجسد الحاوي للكل والواعي للجل والقل فهم عليهم السلام بيوت علم النبي صلى الله عليه وآله كما ان النفس والقوي والحواس بيوت علم القلب ومخزن العلوم التفصيلية وذلك ظاهر ان شاء الله تعالى ومن الشجرة وهي عليّ عليه السلام لانه شجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى وقد ورد ان شجرة الخلد او سدرة المنتهى في بيت عليّ عليه السلام وليس في الجنة بيت الا وفيها غصن من اغصانها انما كان شجرة لانه قد ظهر منه اثني عشر غصنا من الاغصان الكلية في الولاية الكلية ومما يعرشون وهي فاطمة الطاهرة الصديقة على ابيها وبعلها وبنيها وعليها الصلوة والسلام لانها الصلوة الوسطى الرابطة بين النبوة والولاية وهنا ظهر ما في ليلة المعراج حين ما قال جبرئيل له صلى الله عليه وآله يا محمد لقد وطأت موطأ ماوطأك ( ماوطأه ظ ) قبل لا ملك مقرب ولا نبي مرسل قف فان ربك يصلي قال صلى الله عليه وآله وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة والروح ومن معاني هذه الصلوة هي وصل النبوة بالولاية وذلك الوصل كان منها تزويج فاطمة عليها السلام من عليّ عليه السلام فهي العريشة الرابطة بين الجدارين جدار النبوة وجدار الولاية فكان اولاد النبي صلى الله عليه وآله من عليّ عليه السلام بفاطمة عليها السلام ويظهر مما ذكرنا تأويل تمام الآية اذ بالبيان مشروحا يطول به الكلام والاشارة كافية فظهر لك بعون الله انهم البيوت حقيقة وانهم الآخرة والاولى على الوجه الاول وذلك كالصلوة فان الصلوة حقيقة اسمهم عليهم السلام كما قال الله تعالى واستعينوا بالصبر اي النبي صلى الله عليه وآله والصلوة وهي عليّ امير المؤمنين عليه السلام وانها لكبيرة اي ولاية عليّ لكبيرة الا على الخاشعين الآية وقال عليه السلام انا صلوة المؤمنين وصيامهم وقال الصادق (ع) على ما رواه في بصائر الدرجات للصفار نحن الصلوة ونحن الزكوة ونحن صوم شهر رمضان الحديث فالصلوة وغيرها من الاسماء الطيبة كلها حقيقة اسمهم اللفظي حقيقة كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومبدءه ومنتهاه وهذه الصلوة المعروفة ذات الاركان والاوضاع هي صفتهم وآيتهم سميت باسمهم من حيث حكايتها لذلك المسمى بتلك الجهة فلا يقوم فرع الا باصله ولا يتحقق صفة الا بموصوفها ولا يكون موصوف الا بالصفة فلا ولاية لهم عليهم السلام الا بهذه الافعال وكذلك لا ظهور لهم الا بها فالصلوة اسم لهم عليهم السلام حقيقة ثم وضعت لحقيقتك حقيقة ثانية ثم وضعت لفعلك الخاص حقيقة ثالثة ثم وضعت للدعاء حقيقة رابعة او من باب التشكيك فافهم ارشدك الله للصواب وهكذا حكم كل خير ونور وكذلك الاولى والآخرة فانهما لهم حقيقة لكنهما لما ظهرتا في مقام التفصيل الظهوري بتلك الاطوار والاحوال وسميت بهما بنحو من الاعتبار لما دل عليه الدليل العقلي والنقلي ان ما في السافل تفاصيل ظهورات العالي فكلما في السافل مفصلة كان في العالي مجملا ولما كان الاسم جهة التمييز ( التميز خ ) والبيان فاذا ميز كان الاسم للعالي حقيقة وللسافل اما مجازا او حقيقة ثانية كما ذكرنا واعلم اني ربما اردد الكلام للتفهيم والبيان لغموض المسئلة وصعوبتها

وثانيها ان نحمل الاولى والاخرى على معنييهما المعروفين كما تقدم فكونهم عليهم السلام حينئذ الاولى والآخرة كما تقدم في قوله عليه السلام ونحن النذر الاولى لان الخلق كلهم بجميع احوالهم وشؤنهم واطوارهم الحسنة الجميلة صفاتهم واسمائهم ولباسهم فيسمون باي اسم شاؤا ويوصفون باي صفة ارادوا ويلبسون اي لباس اختاروا لهم الامر والحكم هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب لكنهم عليهم السلام يجرون الصفات والاسماء على حسب الحكم والمصالح ومقتضي المصلحة والوقت والجهة والرتبة وسائر الشرائط والمكملات والمتممات من اللوازم والاسباب وسائر حدود القابلية كما اذا كان لك صفات كثيرة كالعالم والعادل والطبيب والقائم والضارب والناصر وامثالها تصف نفسك باي صفة اردت او شئت مما اقتضت المصلحة فكذلك الخلق كلهم صفات لهم اما بالذات او بالتأويل وبعبارة اخرى كل الخلق يحكون اما توصيفهم بصفات الكمال او تنزيههم عن صفات النقصان فلهم عليهم السلام مقامان وكذا كل عال مع سافله اما ان يرقوا السافل الى مقام الصفتية فيتصفون بها اي يصفون انفسهم بها كما في امثال هذه الخطبة الشريفة وانما قلت هكذا تعمية عن الاغيار والا ففي كل شيء يوجد ذلك التوصيف وقد وصفوا عليهم السلام بذلك انفسهم الا ان بالتصريح يرتاب الجاهلون ويستظهر المعاندون او ان ينزلوا الى مقام السافل فيجرون على انفسهم الشريفة احكامهم واحوالهم كما قال عليّ عليه السلام في حديث الطست والابريق الذين اوتي بهما له عليه السلام من الجنة ليتوضأ حين شك في وضوئه قال عليه السلام شككت في وضوئي فذهبت اتوضأ والحق صلوة الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك احكام الخلق مما يوهم الشك او السهو او النسيان او المعصية او التعليم من الملائكة او الغفلة او سائر الاحوال فان كل ذلك احوال السافلين اجروها على انفسهم اما كرامة لهم كما قال تعالى لموسى يا موسى مرضت فلا تعودني وكان المريض ولي من اولياء الله وقوله تعالى في حديث برخ الاعور انه يضحكني كل يوم ثلث مرات ه‍ اي يضحك اوليائي والى هذا ناظر قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فانه صلى الله عليه وآله جعل ذنوب شيعة عليّ عليه السلام ذنوبه فاستغفر لذلك وبكى وتضرع تتميما لقابليتهم فغفر الله سبحانه له ذلك الذنب الذي نسبه الى نفسه الشريفة والا فحاشاه عن الذنب صلى الله عليهم وعلى هذا سهل لك معرفة ان طلحة اصيب من مروان بن الحكم لعنه الله مع انه قال رماني عليّ بن ابي طالب عليه السلام لانه عليه السلام اجرى فعله بيد ذلك الخبيث لقوة المناسبة بين القاتل والمقتول ولشدة التبكيت ولكن لما كان دار الآخرة دار العود الى الله سبحانه انقطعت ملاحظة الاسباب ويشاهد المسبب وقع نظر طلحة الى السبب وهو المثال الملقى منه في هويات الكائنات وحقائق الموجودات في كل الذرات وقطع النظر على الحامل واليد والآلة على المعنى الذي عندنا لا كما تقوله الاشاعرة وقتل عليّ عليه السلام طلحة بذلك الخبيث كقتل الله سبحانه بني اسرائيل ببخت‌نصر فان الله سبحانه انتصر بذلك الكافر دينه واخذ به ثار يحيي المظلوم الشهيد المقتول وهذا مثاله في هذه الامة واما حقيقة الامر فالذي اجرى فعله بيد مروان بن الحكم هو الذي اجرى فعله بيد بخت‌نصر لان عليّا روحي فداءه يد الله العليا وكلمته الحسنى ووجهه الاعلى ومقامه الذي لا تعطيل له في كل مكان فلا قوام للشيء الا بالوجه كل شيء هالك الا وجهه له الحكم وهو العلي الكبير وقال سيد الساجدين عليه السلام في دعاء الحريق وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم فانه اعز واجل من ان يصف الواصفون كنه صفته او تهتدي العقول الى كنه عظمته الدعاء فاذا كان كذلك فلا استبعاد فيما قلنا ولا استعجاب فيما ذكرنا اماسمعت حديث جبرائيل عليه السلام اذ دخل على النبي صلى الله عليه وآله فدخل عليّ عليه السلام فقام جبرئيل لتعظيمه واجلاله فقال النبي صلى الله عليه وآله اتقوم لهذا الفتى قال كيف لا اقوم وله على حق التعليم قال صلى الله عليه وآله وكيف كان ذلك فقال لما خلقني الله سبحانه وسألني من انا ومن انت ما اسمي وما اسمك قلت انت انت وانا انا اسمك اسمك واسمي اسمي فاشتملت على حرارة الغضب فاحترقت اجنحتي وبقيت الى ثلاثين الف سنة ثم ناداني الله سبحانه بما ناداني اولا فاجبت ثانيا بالجواب الاول فاحترقت اجنحتي ثانيا فلما اتت النوبة في المرة الثالثة ان يسألني ربي اتاني هذا الفتى وقال لي اذا سألك الله سبحانه فقل في جوابه انت الرب الجليل وانا عبدك الذليل اسمك الجليل واسمي جبرائيل ثم سأله النبي صلى الله عليه وآله كم مضى عليك من العمر فقال ما احسبه الا اني اعلم ان كوكبا يطلع بعد ثلثين الف سنة وقد رأيته ثلثين الف سنة ثم ان عليّا عليه السلام رفع عمامته الشريفة واظهر ناصيته المباركة فقال عليه السلام هذا ذاك الكوكب يا جبرائيل فقال هو ذا بعينه والله نقلت الحديث بالمعنى اذ لم احفظ لفظه وذلك الكوكب ظهور من ظهورات عليّ عليه السلام بالهيمنة والتسلط والخلق والحرارة والبعث والارسال والانزال ويظهر ذلك فيما يشاء كيف يشاء بما يشاء وذلك الاظهار كما قلنا لك من حكم التنزل في رتبة المعلول والا فالذي ارى جبرئيل هو مما يناسب مقامه واين هو من مقام الانبياء واين الانبياء من مقامهم واين الثريا من يد المتناول وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله ان سلمان افضل من جبرئيل في ذلك الحديث المشهور ولم يزل مثال عليّ عليه السلام مع كل الخلق من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والمؤمنين الممتحنين وسائر الخلق من الجن والانس اجمعين الا ان الانبياء لما كان وجههم الاعلى دائم الالتفات الى مبدئهم وكذلك الملائكة تتمكن لهم مشاهدة تلك الامثال واما سائر الخلق فلا يتأتى لهم الا حين الموت او في الرؤيا او بعد انسلاخ شديد من الدنيا واذا ارادوا ذلك عليهم السلام بالخصوص لحكم ومصالح كثيرة والمثال هو آية الممثل بل لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وخلقه فاذا يصح ان يقول انا ذاك كما يقول زيد انا القائم فافهم

وثالثها ان تحمل الاولى والاخرى على معنييهما المعروفين عند العامة ونجعل المراد من الضمير المنفصل نحن مقام القطبية وظهور العلة المادية فانهم سلام الله عليهم بما ظهروا في الهياكل المعروفة للخلق قلب للانسان الكبير وسائر الاعضاء كلها من القلب واليه وكلها قشور له لا قوام لها الا به ولذا اذا فقدت تلك الهياكل عن وجه الارض فسد الكون وانهدم النظام كالقلب اذا فسد او الحرارة الغريزية اذا قلت ولذا اذا رفعهم الله سبحانه الى السماء في الرجعة بعد ما بلغ الكتاب اجله يفسد العالم ويبقى في هرج ومرج اربعين يوما الى الفساد الاعظم وهلاك الاكبر وفقدان الشعور والاحساس بالمرة وهذا الوجه هو بعينه الوجه الثالث الذي ذكرنا عند بيان قوله عليه السلام نحن النذر الاولى فراجع اذ لا يمكن الكلام عن هذا المقام الا مرموزا مستورا فكم من خبايا في زوايا فتدبر فيما ذكرنا كما ذكرنا فانك تجد صحوا بلا غبار

قوله عليه الصلوة والسلام : ونذر كل زمان واوان لان كل ما سواهم عليهم السلام بجميع المراتب انما خلقوا ووجدوا من شعاع انوارهم وظهور فاضل آثارهم وتقوموا بهم عليهم السلام قيام صدور وقيام عضد وركن ولما كان الممكن لا يستغني عن المدد في حال من الاحوال لمكان الاضمحلال وعدم الاستقلال والفيض دائما يرد عليهم ( اليهم خ ) من المبدأ المفيض جل جلاله والخلائق دائما يقبلونه والا لانعدموا وبطلوا ولما كان الفيض في ذاته له اقتضاء وآثار وفي قابلياتهم له اقتضاء وآثار وفيها بالنسبة الى المبدأ له اقتضاء وآثار وبالنسبة الى نفسه له اقتضاء وآثار وكانت قابليات الخلق كلها على قسمين قابلية توافق هيكل التوحيد وقابلية توافق هيئة الشرك بل القابليتان هما نفس الهيكلين ظهر الفيض في نفس قابلية الشرك بالنسبة الى مبدئه في حكم ذلك الشيء بصورة الغضب فاثر في الشيء في نفسه القساوة والطبع والعماء والصمم والذل والفقر والمسكنة والاذية بانحائها واحوالها واهوالها وبالنسبة الى حكم مبدئه فيه في الحكم الاول ( الاولى خ ) قبل وقوع الخطاب والامر اي تقيد الفيض بالحدود المشخصة اللازمة ظهر ذلك الفيض من المبدأ المفيض بطور النذير فذلك الفيض الالهي نذير من عذاب الله وسخطه عند وقوعه في الحد الظلماني من جهة كونه حاملا للخطاب الالهي لا من حيث وقوعه في الهيكل الظلماني وغضب من الله سبحانه حسب جريانه على مقتضى ذلك الهيكل بمناسبة نفسه المدبرة المقبلة الى وجهه الاعلى من حيث نفسه ولما كان ذلك الهيكل غير ناضج وغير متصل بالحرارة الغريزية الاصلية وانما هو بارد يابس من جهة النظر الى نفسه وفيه رطوبة للميل الى مبدئه من حيث نفسه لا من حيث مبدئه فلما اثرت تلك الحرارة اظهرت نتنها وخبثها وكثافتها وخبث رايحتها ومجموع ذلك الفيض والقابلية هو الشيء المدبر القسي الغاسق المعرض المدبر فتحقق النذير عند وجود هذا الهيكل الشرير وقبله عند ذكره فلولا وجود هذا الهيكل ولا ذكره ولا امكانه ولا امكان حدوثه باقتضاء الطلبات ولا ذكر اسبابه ولا وجودها ولا تحققها لم يكن النذير ايضا ولكن لا يمكن عدم وجوده ولا عدم امكانه وذكره والا لم يوجد الشيء بل لم يمكن فان الحادث اذا حدث حصلت له جهتان جهة الى ربه وجهة الى نفسه فانك تشير اليه وتقول هو حادث ولا شك ان جهة هويته غير جهة حدوثه فلو كان عينه بكل جهة لما صح حمله عليه ولما جاز ان تقول هو حادث فان الحمل لا بد فيه من المغايرة وان كان بالاعتبار لان النسبة لا بد من تحققها بين الموضوع والمحمول فلو كان الموضوع عين المحمول حقيقة انتفت النسبة بارتفاع الاثنينية فلا يصح قولك هو حادث او هو ممكن وهذا لا شك فيه وليس من هذا القبيل قولك هو الله او هو واجب وغير ذلك من الحمليات وان كان من هذا القبيل فافهم فانا لو تصدينا لبيان وجه الفرق لاخرجنا عما نحن فيه وبالجملة اذا تحققت الجهتان كانت جهة الهوية نوعين نوع يوافق الجهة الاولى في مقام الفرق والمقام الثاني والا ففي الجهة الاولى لا ذكر لشيء فيها حتى يصح التوافق او التخالف وتلك الموافقة في مقام الهوية باقتران ذلك الفيض وتلك الجهة العليا هي هيكل التوحيد لان الحادث المخلوق يجب ان يكون دائم النظر الى مبدئه اما بقيامه بامتثال اوامره ونواهيه واجراء سائر احكامه واما بخضوعه وخشوعه وذله وفقره ومسكنته له وطلب الحوائج من عنده واما بينونته عما سواه والدنو الى مولاه وطلب القرب اليه والوصول بخدمته وليس هذا الترديد من باب منع الجمع بل من باب منع الخلو ولكل جهة ومقام من هذه المقامات الثلثة احوال واقتضاءات يصعب حصرها وذكرها ولذا شرعت الصلوة التي هي عمود الدين على هذا الهيكل فان فيها قياما يشار به الى قيام العبد بخدمة مولاه والامتثال لامره ونهيه وفيها ركوعا يشار به الى خضوع العبد وخشوعه وذله ومسكنته والاشارة الى انه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وفيها سجودا يشار به الى مقام الدنو والبينونة عن الخلق والفناء في ذكر مولاه والاضمحلال عند جلال عظمته وبهذه الحدود الثلاثة يتم هيكل الايمان وهو مرادنا بهيكل التوحيد وبهذا يظهر انا في قوله عليه السلام الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت ولما تحققت هذه الجهات الثلاث النورانية ظهرت لكل جهة جهة ضدها في امكان وجودها في الخزانة السفلية الامكانية فكان ضد الجهة الاولى الكسالة والامتناع عن الخدمة وطلب الراحة كما قال عز وجل ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة الآية وقال عز وجل واذا قاموا الى الصلوة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا وكان ضد الجهة الثانية الاستكبار وارتكاب القبائح والمناهي كما قال عز وجل استكبرت ام كنت من العالين وقال عز وجل افرأيت من اتخذ الهه هويه واضله الله على علم وختم على سمعه وبصره الآية وكان ضد الجهة الثالثة الاعراض عن الله سبحانه وعدم التوجه اليه ونسيان ذكره وحرمته عن مناجاته وقربه والاشتغال بغيره كما قال عز وجل الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر وباتمام هذه الحدود يتم هيكل الكفر والشرك والنفاق والشقاق ولما كان الله سبحانه حكيما يجري الاشياء على مقتضياتها واسبابها ويضعها في مواضعها وهو سبحانه سريع الحساب اقتضت حكمته سبحانه من فيض الرحمة الواسعة ان يلزم على اهل هذا الهيكل نتن ذاته وقبح صفاته ورداءة اعماله المقتضية للجحيم والحميم والعذاب الاليم نعوذ بالله من سخط الله وكذلك اقتضت حكمته البالغة ان يلزم على اهل هيكل التوحيد ثمرات اعماله وحسن توجه ذاته لانه طيب لاتصاله بالاصل الثابت فجميع الاحوال الناشئة منه كلها على وجه الصفا والنورانية والتمامية والكمالية في كل مقام يفرض وعلى كل حال يتصور وذلك هو النعيم والجنة فلما خلق الله سبحانه امكان هذين الهيكلين وامكان مقتضيات هاتين النشأتين اراد ان يظهر سبحانه مستجنات غيب الامكان الى عالم ظهور الاكوان والاعيان ولما كانت الجهتان في ذلك العالم ذكريتين يجب ان تكونا في عالم الوجود وجوديتين كونيتين فلذا خلق الله سبحانه الخلق في عالم التكوين من مزج هذين الهيكلين فالماء العذب الفرات من الهيكل الاول النوراني والماء المالح الاجاج من الهيكل الثاني الظلماني فتحقق لكل شيء حينئذ ميلان ميل الى الخير والرشد والنور وميل الى السوء والقبح والظلمة ولما ان الوجه الاعلى هو الاعلى وهو المقصود لذاته والجهة السفلى هي السفلى وهو المقصود بالعرض من باب المقدمة كان الميل الى الاعلى هو المطلوب في خلق الاكوان واظهار مستودعات غيوب الامكان ولما كان الشيء صار مختارا بتلك الجهتين واختيار احد المتساويين من غير جهة مرجح خارجي مستحيل كما برهنا عليه في سائر رسائلنا سيما الرسالة الموضوعة للرد على منكري القائل بالمناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى جعل الله سبحانه لكل من الجهتين اسبابا ومرجحات خارجية اما للاولى فمن جهة انها الاصل والمقصود لذاته واما للثانية فمن جهة انها متممة للاولى ولا تقوم في عالم الظهور الا بها ومن جهة ان مآل الاولى الى النور ومآل الثانية الى الظلمة وطلب النور هو المطلوب وطلب الظلمة هو العذاب والالم فبين الله سبحانه لهم ذلك حين برأ كينوناتهم بواسطة من برأ وخلق حقائقهم وذواتهم به وتلك الواسطة هي ظهور نور المبين على مثاله للمبين له في رتبة المبين له فهو ذاته المردودة اليه فافهم وذلك المبين والواسطة في العالم الاول هو محمد صلى الله عليه وآله فظهر بشيرا صلى الله عليه وآله لكل احد ترتب مقتضيات الجهة الاولى ان عملوا على مقتضاها ونذيرا لكل احد ترتب مقتضيات الجهة الثانية عليهم ان عملوا بمقتضاها وهو الفرقان في مقام البشارة والانذار وهو قوله عز وجل تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا فهو صلى الله عليه وآله نذير للعالمين جميعا والعالم هو ما سوى الله فيكون نذيرا لكل ما سوى الله ترتب احوال تلك الجهة وآثارها عليهم وقال ايضا سبحانه وتعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فلما خلق الله سبحانه الخلق وحشرهم في محشر واحد واوقفهم في مجمع واحد ثم استخلص نبيه صلى الله عليه وآله بحقيقة ما هو اهله وانتجبه آمرا وناهيا واقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار فقال لهم عن الله عز وجل الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة الاحد عشر من ولده وفاطمة الصديقة صلوات الله عليهم ائمتكم وهداتكم ثم بشرهم صلى الله عليه وآله بما يلزم هذا الاقرار من النعيم واللذة والحلاوة والمحبة والمسرة بان كشف لهم عن باطن الكرسي على المعاني كلها واراهم واشهدهم انفسهم وما يؤل اليه امورهم من النعيم والمغفرة والخير والبركة ان لم يتركوا مقتضي الجهة العليا الاولى واراهم صور اعمالهم من الحور والقصور وصور اعتقادهم من الايصال الى التجلي بعد التجلي من النور الاعظم والركن الاقدم ثم انذرهم عما يترتب عليهم من مقتضيات الجهة السفلى الثانية ان عملوا بمقتضاها بان كشف لهم عن باطن الصخرة اسفل السافلين واراهم صور تلك الاعمال الردية والافعال القبيحة من انواع الحيات والعقارب وساير الموذيات وبين لهم ان هذه الصور والحدود لمن انكر وعمل مقتضي تلك الجهة السفلى وهو قوله تعالى انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا وقوله تعالى انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا وقوله تعالى وهديناه النجدين فلما عرض صلى الله عليه وآله عليهم التكليف وبشرهم بمرجو ثوابه وانذرهم عن محذور عقابه فقبل هو صلى الله عليه وآله اولا عن نفسه الشريفة فاجاب اولا فقال يا رب بلى قبلت جميع ما كلفتني وامرتني بلسان وحيك فصدقه الله سبحانه بذلك لما خرج الاقرار عن ( من خ ) كينونة ذاته ومستسرات سرائر غيب حقيقته بابي هو وامي وصلى الله عليه وآله وانزل سبحانه قوله تعالى آمن الرسول بما انزل اليه من ربه فزاده سبحانه نورا على نور وسرورا على سرور فاعطاه الوسيلة والحوض والشفاعة والجنة والنار وجعل امر الخلق اليه ومرجعهم لديه وقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وقال عز وجل ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وذلك بعد ما امتحنه بالتكليف ووجد منه صدق العبودية ثم وصفه سبحانه باعظم الصفات وقال وانك لعلى خلق عظيم ثم قال عز وجل الله اعلم حيث يجعل رسالته ولا تستبعد من انه صلى الله عليه وآله كيف سئل وكيف اجاب لان الله عز وجل قد اوضح الامر وبين الحقيقة لمن نظر الى الدقيقة فقال عز وجل كما بدأكم تعودون وقد ذكرنا مرارا ان المراد بالآية الشريفة هو ان البدو هو عين العود او بينهما التطابق الكامل ان ابيت عن المعنى الاول وقد دلت اخبارهم سلام الله عليهم ان عند فناء العالم وهلاك الخلايق يسأل الله سبحانه بلسانه اين الجبارون واين المتكبرون واين الذين يأكلون رزقي ويعبدون غيري لمن الملك اليوم ثم يرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار وقد ورد في عدة اخبار عنهم عليهم السلام انهم قالوا نحن السائلون ونحن المجيبون وهذا اشارة الى البدو فلا يبقى اخيرا الا ما كان مخلوقا اولا وما خلق الا بالتكليف وماكلف الا بالمكلف الواسطة ولا مكلف في القدم والازل فيكون في الامكان وليس سوى المخلوق الاول فعنده اجتمع الحكمان والتقي البحران قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والمثال الظاهري هو الذي مثلنا به مرارا من حالك عند تلاوتك القرآن على فرض انك مخاطب به الآن لا انه خاص بالحاضري ( بالحاضرين خ ) مجلس النبي صلى الله عليه وآله فانك حين التلاوة لسان الله يخاطب الله نفسك بك ولذا تأمر اولا ثم تقبل وهكذا هناك بعينه فان قلت كيف يقر لنفسه بالنبوة وللائمة بالولاية قلت الشيء اذا لم يقر بواسطة الفيض بين المفيض والمفاض عليه لم يوجد ولم يتحقق وعلى هذا يحمل قوله عليه السلام في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم فان ذلك خضوع تكويني واقرار وخضوع غريزي ذاتي ضرورة ان كثيرا منهم ما اقروا لسانا ولا جنانا على حسب الظاهر ولما كانت الوسائط كلها منتفية عنده صلوات الله عليه وآله سوى نفسه الشريفة فتكون هي الواسطة والرابطة وهذا سر جار في كل شيء من الاشياء كما قال عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وقال الكاظم عليه السلام ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور فيجب الاقرار لنفسه بانه نبي ورسول من الله اليه في مقام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك انتهى المخلوق الى نفسه ( مثله خ ) والجأه الطلب الى شكله اما الولاية لعليّ والائمة عليهم السلام لانهم علموه علمهم بعد ما تعلموا منه علمه على ما فصلت عند قوله عليه السلام وعلمني علمه وعلمته علمي ثم بعد اقراره وقبوله واظهاره الهيكل التوحيد على اكمل ما يمكن في الامكان اقر وقبل عليّ امير المؤمنين عليه السلام بمثل اقرار النبي صلى الله عليه وآله حرفا بحرف بحقيقة الكينونة ولب الهوية فلما قابل عليه السلام بكله فوارة النور والفيض احاط النور بكله وجزئه وكل ذرات وجوده فقام محتذيا مثال النبوة فحكى ما كان يحكي النبي صلى الله عليه وآله الا نفس التقدم ولذا لم يكن نبيا وكان وصيا وليا فظهر بشيرا ونذيرا كما كان النبي صلى الله عليه وآله وهكذا على هذا النهج اولاده الطيبون واحفاده المعصومون كلهم من جهة ذلك القبول الواسع العام والمقابلة الكلية ظهرت فيهم الاحكام الظاهرة فيهما وجرى لهم ما كان جاريا لهما فظهروا مبشرين ومنذرين لانفسهم بانفسهم وما كان خلق سويهم ولا حادث غيرهم فلما خلق الله الانبياء عليهم وعليهم السلام من شعاع انوارهم وفاضل آثارهم سلام الله عليهم فكلمهم الله بلسان وحيه بما ذكرنا وظهر منهم صدق العبودية والطاعة ظهر فيهم مثالهم وحكوا بحقيقة ذاتهم صفاتهم وكانوا بذلك انبياء وخلفاء الله عز وجل لظهور ذلك المثال المستدعي لخلافة الله سبحانه فيهم فاختلفوا بشدة المقابلة وضعفها واخلاص الولاء لهم والانقياد لامرهم وعدم الاخلاص التام فاختلفت مراتبهم ومقاماتهم عند الله وعند الخلق فمنهم من صار اولوا العزم ومنهم من لم يبلغ ذلك وهو قول العسكري عليه السلام قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة والولاية والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فكان الانبياء على نبينا وآله وعليهم السلام لقربهم الى انوار ائمتنا سلام الله عليهم وشدة الاخلاص في طاعتهم ومحبتهم مبشرين ومنذرين احكام الجهتين على ما ذكرنا وقررنا ولكن حكم الانذار لامكان الوقوع والا فمقتضي تلك الجهة السفلية غير واقعة وغير متحققة والانبياء حينئذ تابعون ومتلقون الاحكام الالهية منهم في حجاب الكروبيين والحكم حكمهم والدين دينهم والشريعة شريعتهم وكلهم عاملون بتلك الشريعة ولم يكن فيها اختلاف لجريانها على تمام الشرايط والمكملات والمتممات وكانت الانبياء عليهم السلام هناك رعاياهم وشيعتهم ويدل العقل المستنير بنور الله انهم حين نزولهم الى الدنيا ما تجري احوالهم المختصة بهم الغير المشوبة بشيء من رعاياهم الا بشريعة نبينا صلى الله عليه وآله المعروفة عندنا وتشير اليها بواطن الاخبار ولكني لم اقف على حديث صريح يدل على الذي ذكرنا ولذا لا اقول بذلك كغيره الا اني سمعت ممن اثق به انه وجد حديثا بهذا المعنى صريحا والعلم عند الله ولكنه لا ينبغي التشكيك انهم عليهم السلام ماخرجوا عن شريعة نبينا المحفوظة عند ائمتنا صلى الله عليه وعليهم ابدا ولما خلق الله سبحانه سائر المخلوقين وكلفهم بلسان وحيه بما كلف الانبياء واوصياءه عليهم السلام فهم بين مقر ومنكر فظهرت في هذه المرتبة آثار الهيكلين ومزاج البحرين وسر العالمين فبعث الله سبحانه الانبياء نذرا اليهم على حكم شريعة محمد صلى الله عليه وآله ونظم طريقته فالانبياء عليهم السلام وان كانوا نذرا لكنهم بواسطتهم وتبعيتهم بل من جهتهم وعلى ولايتهم فالنذر على الحقيقة هم الائمة عليهم السلام في كل زمان واوان والانبياء عليهم السلام وسائر الخلق ايضا ان صفت لهم القابلية وظهر فيهم نور الكينونة ليكونوا نذرا جزئية كلهم السنة لآل محمد عليهم السلام وتراجمة لما نطقوا به للخلق ولما كان الخلق في اول الخلقة مانضجت طبايعهم وماصفت هوياتهم فلم يقدروا ان يصلوا الى اهل البيت عليهم السلام فجعل الانبياء عليهم السلام ابوابا وحجبا واستارا فهم المتكلمون من وراء الحجب كما تكلم الله مع موسى وراء الحجاب الذي هو عليّ عليه السلام وتكلم عليّ عليه السلام مع موسى من وراء الحجاب الذي هو رجل من الكروبيين وكما تكلم ذلك الكروبي مع موسى من وراء الحجاب الذي هو الشجرة فالمتكلم هو الله سبحانه حقيقة والوسائط كلها مرتفعة منقطعة مضمحلة هذا فيما يختص به سبحانه واما فيما يختص به السفرة والوسائط فالاصل والحقيقة فيه هو نبينا (ص) وائمتنا سلام الله عليهم وسائر الوسائط والحجب كلها مرتفعة منقطعة وذلك لاهل دليل الحكمة فانهم لا يرون في الوجود متكلما و( او خ ) ناطقا عن الله سبحانه سواهم عليهم السلام ويرون الانبياء السنة حاكية محضة فلا ينسبون الى اللسان شيئا ابدا وينظرون الى قوله عز وجل وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وفي زيارة مولينا عليّ عليه السلام السلام على مقلب الاحوال وسيف ذي الجلال فهم عليهم السلام عندهم نذر كل زمان واوان من بدو الوجود الى نهاية انقطاع الاكوار والادوار في مقامات الليل والنهار وبعد انقطاعهما الى انقطاع الاطوار والاوطار الى ما لا نهاية له فلا يرون لشيء استقلالا ابدا بحال من الاحوال سواهم وهو المراد من قوله عليه السلام لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع ( فيها خ ) صوت الا صوتك ومن البين انهم عليهم السلام نور الله وصوتهم صوت الله او هم صوت الله فعلى هذا ما اسخف قول من قال بجواز تقليد الميت من المجتهدين فان المجتهد مثال ومرآة لتجلي حكم الامام عليه السلام فاذا مات وانكسرت المرآة وانقطع اللسان فمن اين المقال فلا سبيل اليه بوجه ابدا لا بدوا ولا استمرارا لان المكلف يجب ان يأخذ حكمه من امامه وسيده عليه السلام وهو يخاطبه بهذا اللسان فاذا لم يكن هذا اللسان فلا بد من الاصغاء الى لسان آخر في الاعمال التي توردها وتفعلها بعد قطع ذلك اللسان وبالجملة فلا نذر عن الله سبحانه سويهم وكلما سواهم السنة انذارهم كما ذكرنا مرددا لاجل التفهيم واهل الموعظة الحسنة يرون ان الانبياء لما كانوا آخذين عنهم والعاملين بشريعتهم فانذارهم تابع لانذارهم فهم المنذرون على الاصالة والذات وغيرهم بالتبعية ولما كان التابع عند وجود المتبوع منقطعا ومعدوما كان اثبات الانذار لهم عليهم السلام حقيقة وهو المراد من قوله عليه السلام ونحن نذر كل زمان واوان واهل المجادلة لا حظ لهم في معرفة هذه الخطبة المباركة ولو بالوجه الاسفل لانهم لا يمكنهم النظر الى الشيء من جهة الوحدة الحقيقية ولا يتأتي لهم النظر الى المتقدم بنظر التأخر ( المتأخر خ ) والى المتأخر بنظر المتقدم والى السافل بنظر العالي والى العالي بنظر السافل والى الواحد بنظر الكثير والى الكثير بنظر الواحد والى المركب بنظر البسيط والى البسيط بنظر المركب والى القريب بنظر البعيد والى البعيد بنظر القريب والى المتفرق بنظر المجتمع والى المجتمع بنظر المتفرق والى الجامد بنظر الذائب والذوبان والى الذائب بنظر الجامد والى السماء بنظر الارض والى الارض بنظر السماء وان ينظروا كل شيء في كل شيء ليتمكن لهم الاستدلال على المسئلة الفقهية مثلا بمسئلة نجومية وعليها بمسألة نحوية وعليها بمسألة طبعية فلا يحجبهم علم شيء عن علم شيء ولا شهود شيء عن شهود شيء فمهما لم يكن الشخص الناظر في العلم بهذه المثابة لم يقف على مخ الحكمة ولباب المعرفة ولم تنفتح له مغالق ابواب هذه الخطبة المباركة ومن هذه الجهة تريهم ينكرونها وينسبونها الى وضع الغلاة واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم

وقوله عليه السلام كل زمان واوان لا يريد به عليه السلام ما هو المصطلح عند الحكماء من كون الزمان ظرفا ووقتا للاجسام ليشمل شمول كونهم نذرا عالم الاجسام خاصة بل يريد بالزمان الوقت المطلق مع قطع النظر عن كونه ظرفا للاجسام او ظرفا للمجردات المصورة والغير المصورة او ظرفا لعالم الامر ووجود المطلق وهذه الكلية في قوله عليه السلام كل زمان كلية عامة شاملة لا اختصاص لها بشيء دون شيء بل تشمل المراتب التي لكل مرتبة فان زمان العالم الاول عالم الامر عالم كن وعالم الامر قبل الامر المسمى عندنا بالسرمد له مراتب كثيرة واحوال عديدة عجيبة فان عالم الامر الذي هو عالم كن ينقسم الى عالمين عالم الكاف وعالم النون ويتولد منهما عالم آخر ثالث وهو عالم الواو وكل هذه المراتب لها مراتب في نفسها ومراتب في غيرها فمن مراتب الكلمة في نفسها النقطة والالف والحروف وتمام الكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر ومن مراتب التعلقات المشية والارادة والقدر والقضاء والاذن والاجل والكتاب ومراتب كل واحد منها في نفسها الحاصلة بظهور الطبايع الاربعة التي هي الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة المتألفة منها الاركان الاربعة التي هي النار والهواء والماء والتراب وهكذا مراتب محال المشية والارادة الاربعة عشر وكذلك مراتب الدلالة الظاهرة من الكلمة التامة بعد اتمام كلمة كن بمراتبها الثلثة من الوجه الاعلى المنتسب الى الكلمة والوجه الاوسط المتحصل به ( بها خ ) نفسها والوجه الاسفل المقترن بالاشياء وغيرها من المراتب التي لا يسع الوقت لبيانها وانما ذكرت ما ذكرت اشارة الى نوع المسألة ولا شك ان كل هذه المراتب لا تخلو من زمان وتشمله الكلية ولذا قالوا ان الزمان نهر يجري تحت جبل الازل ويسير الى ما لا نهاية له والمكان سفينة هذا البحر والخلائق ركاب قال الشاعر :

انظر الى العرش على مائه سفينة تجري باسمائه

يسبح في لج بلا ساحل في جندل الغيب وظلمائه

الخ وكذلك مراتب الخلق اي عالم الوجود المقيد فله مراتب كثيرة من العقل في مراتبه الثلاثة باكواره الاربعة والروح كذلك والنفس والطبيعة والمادة والمثال كذلك والعرش والكرسي وسائر الافلاك والعناصر والمتولدات والحاصلة من القرانات ومتولدات المتولدات وهكذا الى ما لا نهاية له والزمان سار في كل تلك المراتب مما سمينا وما لم نسمها اكثر ولما ثبت بالادلة القطعية من العقلية والنقلية ان كل شيء وكل ذرة من افراد الكائنات قد برأ عن فعل الله سبحانه بالاختيار فجري في كل الذرات التكليف كما قال تعالى لنبيه (ص) حين استخلصه في القدم على سائر الامم ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وهذه الدعوة اعم من التكويني والتشريعي والذاتي والصفاتي والسلبي الايجابي وهو صلى الله عليه وآله الداعي الى الله اي الى سبيله وهو عليّ عليه السلام كما قال الباقر عليه السلام لجابر ما من مؤمن يؤمن بهذه الآية الا وله قتلة وميتة وهي قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لالى الله تحشرون قال عليه السلام يؤمن بان سبيل الله هو عليّ والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل على الحديث والنبي صلى الله عليه وآله يدعو الخلق الى ولاية عليّ عليه السلام وينذرهم ويحذرهم عن مخالفته كما قال تعالى ويحذركم الله نفسه وعليّ عليه السلام هو نفس الله القائمة فيه بالسنن وولايته عليه السلام هي دين الله الذي لا يقبل عملا الا به وهي الصراط المستقيم المرشد الى كل خير ونور وصواب وحكمة وسداد وبالجملة في كل تلك المراتب يجري حكم البعث والارسال والبشارة والانذار وقد علمت ان الاصل والحقيقة في البعث والارسال والبشارة والانذار هو آل محمد المختار عليهم سلام الله الواحد القهار وعليّ عليه السلام هو اميرهم وسيدهم وفخرهم في كل مقام ورتبة فيكونون عليهم السلام هم النذر من قبل الله على كافة الخلق في كل زمان واوان من السرمد والدهر والزمان بجميع مراتبها واحوالها من المدد الذاتية السرمدية والمدد الذاتية الزمانية والمدد الذاتية الدهرية وهذه المدد كلها ذوات متأصلة متحققة وهم سلام الله عليهم نذر من الله لها وللسابحين في لجتها والواقفين في عرصتها ومعنى ما ورد ان عليّا عليه السلام نصر الانبياء كلها سرا ونصر محمدا صلى الله عليه وآله جهرا هو الذي قلنا ان الانبياء السنة لهم عليهم السلام يتكلمون بها مع من ارادوا من خلق الله وينذرونهم لقاء الله وله الوجهان الآخران ايضا على طبق ما ذكرنا في النذر الاولى فراجع تفهم ان شاء الله تعالى بقي النكتة والوجه في انه عليه السلام لم اتى بلفظ النذير ولم يأت بلفظ البشير وهي المتابعة لكلام الله المجيد فانه سبحانه ماوصف الرسل بالبشير وحده فاي موضع ذكر البشير ذكر معه النذير مثل قوله تعالى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وقوله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين وغيرهما من الآيات ولكنه سبحانه اذا اتى بالنذر ربما اكتفي به وحده من غير ذكر البشير كما في كثير من الآيات من قوله تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير وقوله تعالى ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير وقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وقوله تعالى الم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا وقوله تعالى هذا نذير من النذر الاولى وامثالها من الآيات كثيرة والوجه فيه بالاجمال انا قد ذكرنا ان كل شيء وكل فرد من افراد المكلفين له داعيان وجهتان جهة الى الخير والنور وهي الجهة اليمنى والملك الموكل بتلك الجهة على ذلك الجانب اسمه البشير يبشره الى الخيرات والنعيم اذا التفت اليها وعمل بمقتضاها والجهة الثانية الى الشر والظلمة وهي الجهة اليسرى والملك الموكل بتلك الجهة وذلك الجانب اسمه النذير والانبياء عليهم السلام ظهروا عن الله سبحانه على حكم تلك الجهتين من البشارة والانذار ولكن لما امر الله سبحانه الخلق بالادبار والنزول الى المقامات السفلية لحكم ومصالح يطول بذكرها الكلام ولا شك ان الشيء كلما يبعد من النور تكثر فيه الظلمة وتتقوي جهة الماهية فتضعف جهة الخير والوجود حتى يبلغ بهم الامر انهم بالطبيعة والكينونة لا يميلون الى الخير ابدا حتى اذا قطعوا مسافة الادبار وبلغوا اقصاه وهو مقام الجماد ناداهم الى الاقبال ولا ريب انه في صعوده لا بد ان يمر على تلك المقامات السافلة حتى يصل الى المنزل الحقيقي والوطن الواقعي الذي حبه ايمان وبغضه كفر فاذا صعد مقاما رآه احسن من الذي كان فيه سابقا استحسنه ورآه مسكنا واتخذه موطنا وهو من مقامات الماهية وظلمات الجهل فيأتيه النذير من قبل الرب العلي الكبير بانزعاجه عن ذلك المنزل وتصميمه على الارتحال الى منتهى المطلب الى ان يصل الى المنزل فهناك يأتيه البشير كما في قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة فان هذه البشارة في مقام الاستقامة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما قال الله تعالى مخاطبا له صلى الله عليه وآله فاستقم كما امرت قال شيبتني هذه الآية ه‍ فان مقام الاستقامة مقام السكون والاطمينان بعد وصوله الى اعلى مقامات الاكوان والامكان واما قبل الوصول الى ذلك في كل مقام كان الغالب فيه النفس الامارة بالسوء المظهر للجهة الثانية السوءي السفلى فالمناسب في ذلك المقام النذير لا البشير ولما كان العالم بعد في اسفل الدرجات في مراتب ( مقام خ ) الصعود فانه الآن في الرتبة الدنية مقام النفس الامارة بالسوء التي فعلها الظلم والغشم ومطلوبها الشهوة والرياسة وغيرها من الشهوات الباطلة ولذا ترى اكثر اهل الدنيا في غفلة عما يراد منهم وفي سهو عما يطلب منهم وكثر فيهم الظلم والغشم وركوب الشهوات وفعل المناهي والمحرمات وهمهم اخفاء الحق واهله واظهار الباطل واهله ولا يميل الشخص الى الطاعة الا بصعوبة ولا يفعلها الا بمشقة بخلاف المعصية فانه يميل اليها بالطبيعة ويجد في فعلها لذة وشهوة ولا يتركها الا بمرارة ومشقة ولذا ورد ان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والمنافق وهذا كله لان الدنيا في مقام النفس الحيوانية وبعد ما صعدت الى مقام النفس الانسانية واول صعودها اليها اول ظهور مولينا وسيدنا القائم المنتظر عجل الله فرجه الى آخر الرجعات المباركة فينقلب الامر والحال بعكس الآن فلا يكون للمؤمنين ميل الى المعصية ابدا وتظهر شناعتها وقباحتها لكل احد والحق يظهر والباطل يخفي والنور يتلألأ والباطل يطفي ويعدم فهنالك يظهر الانبياء مبشرين وان كانوا منذرين الا ان جهة البشارة اقوى كما في هذه الدنيا تكون جهة الانذار اقوى فهم منذرون وان كانوا مبشرين فافهم السر وعلى هذا اتضح لك السر والوجه فيما ورد في القرآن واحاديث اهل العصمة عليهم السلام في مذمة الكثرة كما في قوله تعالى ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل وقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون وقوله تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وامثالها من الآيات كثيرة وفي الحديث عن الباقر عليه السلام الناس كلهم بهائم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل وقال تعالى وما امن معه الا قليل وقليل من عبادي الشكور وقليل ما هم وغيرها من الآيات التي مدح فيها القلة وذلك للسر الذي ذكرنا ولذا كان البشير في القرآن النازل ظاهرا لاصلاح بنية اهل الدنيا ونضج طبايعهم اقل استعمالا من النذر ولا يذكر وحده ابدا بخلاف النذير فان النذير في القوس الصعودي مقدم على البشير ولذا ترى اول ما يأتي الميت في القبر المنكر والنكير اللذين من ظهورات النذير في الدنيا ثم بعد ذلك يأتيه المبشر والبشير سهل الله علينا ظهور المنكر والنكير بالنبي وآله الطاهرين صلى الله عليهم

قوله عليه الصلوة والسلام : وبنا هلك من هلك ونجى من نجى اعلم انه لا سبيل ولا طريق في الوجود الا الى جهة الموافقة والطاعة لله سبحانه او الى جهة المخالفة والمعصية ولا ثالث لان الحادث ليس له الا جهتان جهة الى ربه وجهة الى نفسه فهو لا يتقوم ( لا يتكلم خ ) الا بالنظر الى احدهما اما الى جهة نفسه او الى جهة ربه فاذا نظر الى الجهة العليا افيض عليه من بحر الصاد الذي تحت العرش اي الصاقورة للجنان التي ذاق روح القدس منها الباكورة على فؤاده فيزيد بهاء للتجلي بعد التجلي والظهور بعد الظهور فيبلغ به المعرفة غايتها والمحبة نهايتها ويجد حلاوة المحبة ويستأنس في ظلال المحبوب ولا لذة اعظم من ذلك ولا حلاوة اشد مما هنالك ثم يفاض على قلبه فيستشرق بذلك من انوار اليقين ويدرك الاسرار المكنونات ويجد فسحة وانشراحا وسكونا واطمينانا في القلب لا يعدل بشيء ابدا في اللذة والسرور بعد مقام المحبة فترجع الاختلافات عنده الى الايتلاف والحركات الى السكون والسكون الى الحركات ويجد الحق ظاهرا واضحا في اقطار الارضين والسموات ثم يفاض على صدره فيستنير ويلقي ويقذف فيه العلم وينفسح ويشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء ويقف على العلوم الكثيرة والاطوار العجيبة الغريبة وتتعدد عنده انحاء العلوم وتتضاعف لديه ابكار المسائل ويظهر له من الصور العلمية ما لا يحيط به الخاطر ولا يسطر في الدفاتر ولا يجري في الضمائر ثم يفاض على قواه ومشاعره واركانه فتحد سمعه وبصره ويسمع الاصوات الغريبة من اصوات الاجسام العلوية كالافلاك وحركاتها واصوات صرير اقلام الملئكة عند كتابة اعمال العباد وصب الماء النازل من العرش في الحوض الكوثر وصوت الملك الواقف على دائرة نصف النهار فينادي قوموا على نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها بصلوتكم وسائر الاصوات مما خفيت على الذين في باطنهم اضطراب وعلى وجه مطلوبهم نقاب ويرى الالوان العجيبة الغريبة من الوان الاشياء على الكينونة الاولية والالوان الغيبية النورية كالوان الطواويس وهكذا الحكم في سائر القوي والمشاعر الحسية الجسمية ثم يفاض على الاعضاء من توليد الدم الصافي الخالي عن الاكدار وتقوية الحرارة الغريزية الموجبة لقوة القلب المورثة للشجاعة وصفاء الدم وتقليل البلغم وصفاء المرة السوداء الموجبة لاعتدال القامة واعتدال البنية وتقوية الطبيعة وحسن الصورة وجودة التركيب وتناسب الاعضاء واعتدال الطبايع مما يتعلق بحسن الظاهر المطابق لحسن الباطن ثم يفاض على متممات وجوده وكونه من الشرايط واللوازم والاسباب من مكانه ومحل عيشه الجسماني والروحاني من الفسحة والنزهة ومحل الراحة وما يظهر فيه من ثمرات اعماله الباطنية والظاهرية من كثرة الاثمار وجريان الانهار واعتدال الاشجار واعتدال الهواء في الليل والنهار او النهار وحده ومن قرانات احواله كالمرأة الحسناء الجميلة الشريفة التي تهش اليها النفس وتنجذب اليها مع كمال المحبة والالفة بينهما وتحصيل انواع الملاذ من كل واحد منهما لكل واحد منهما وكالاولاد الصالحين وكثرتهم ورشدهم وطاعتهم له وخضوعهم لديه وقيامهم باوامره ونواهيه ووقوفهم بين يديه وكالخدم والحشم وبلوغ الآمال وغير ذلك مما يرجع الى حكم القرانات والاحوال وكل ذلك ثمرات الاقبال الى الرب المتعال وبه النجاة عن ورطة الهلاك والضلال واما اذا ادبر واعرض عن الجهة العليا الموصلة الى الرب الاعلى سبحانه وتعالى فتظهر مقابلات ما ذكرنا جميعا فتحرم عن لقاء الله سبحانه وعن لذة مشاهدة ظهوره ومناجاته وهي في الحقيقة اعظم الآلام واشد المكاره والاسقام اماسمعت ما في دعاء كميل عنه عليه السلام الهي هبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر الى كرامتك فجعل الحرمان عن اللقاء اشد من كل عذاب واوجع من كل عقاب وهو كذلك كما قال صلى الله عليه وآله وروحي له الفداء وذلك معلوم لمن تشرف باللقاء ثم حرم عنه احيانا نعوذ بالله من حرمان لقائه ثم تسري تلك الظلمة المدلهمة وتسود القلب فيكون لا يستقر في قرار ولا تجد فيه سكونا ولا وقارا تكثر عليه الشكوك ولا يجد وجه المخلص وترد عليه الشبهات ولا يعلم المهرب ثم تضيق الصدر وتجعله حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يعلمون وهذا صراط ربك مستقيما ثم تطبع علي سائر القوى والمشاعر فلهم قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم اعين لا يبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون ثم تسري تلك الظلمة في الاعضاء والاركان فتولد الدم الفاسد وتضعف الحرارة الغريزية الموجبة للجبن والبخل وقلة الكرم وغلظ البلغم وهيجان السوداء الموجبة لقبح الخلقة والصورة وعدم اعتدال الطبيعة واعوجاج الاعضاء والجوارح وتنكيس الرأس الى الاسفل وامثالها من الاحوال الخلقية الظاهرية ( الظاهرة خ ) او العرضية من احكام القرانات والاحوال كضيق المكان وخبثه ونتنه وعدم ملائمة الاصحاب ومنافرتهم لبعضهم مع بعض وعدم موافقتهم وامثالها من احكام الادبار مقابل ما ذكرنا في طبقات الاقبال حرفا بحرف وكل ذلك ثمرات الادبار وبه الهلاك والوبار والخلود في النار ثم لما كان الخلق مختلف الشؤن ومتكثر الجهات والمراتب والحيثيات فاذا توجه الى الله سبحانه بكل جهة من ذرات وجوده كان له تلك الثمرات بكلها وذلك التوجه لا يمكن الا بعد الصفو من الخلط ولا يظهر بثمراته الا في دار الآخرة في بعضهم لعدم تحقق التوجه التام بكل المراتب حتى في اجسادهم واجسامهم وان حصل لهم التوجه في اقوى المراتب واعظمها ولذا طهر ذلك التوجه التام نجاسة ما كان يلحقه من المراتب السفلية الضعيفة للغرائب والاعراض ولبعضهم لعدم المصلحة في ظهور تلك الثمرات وفوائد النجاة كالمعصومين عليهم السلام ويطول الكلام بذكر المصلحة ومجمل الكلام ان الاقبال مورث للنجاة والادبار مورث للهلاك فان كان اقباله كليا ابدا كانت نجاته كلية ابدية سارية في جميع احوالها وان كان ادباره كليا ابديا كان هلاكه كليا ابديا وان كان الغالب فيه الاقبال اي يكون اقباله بقلبه وبلب هويته وادباره بظاهر جسده واعراضه فهو ايضا من اهل النجاة وان كان بالعكس فهو من اهل الهلاك وان كان المختلط المتساوي فامره مرجوع وموكول الى الله سبحانه كما قال سبحانه وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم وهذا الذي ذكرنا ولوحنا هو السر في اختلاف الاشياء كلها من السموات وطبقاتها ودرجاتها واختلاف الكواكب وسرعة حركتها وبطؤها واختلاف الوانها وازدياد نورها ونقصانه والارضين ودركاتها وطبقاتها واقاليمها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ومعادنها وجبالها وطيبها وسبخها والعناصر من نارها وترابها ومائها وهوائها والمتولدات من معدنها ونباتها وحيوانها وانسانها ومراتب المعدن بضعيفها وقويها صافيها وكدرها غاليها ورخيصها ومراتب النبات حشيشها واشجارها وثمارها وعدمها وحلاوة الثمار ومرارتها وحموضتها واحمرها وابيضها واسودها واصفرها وسائر انحائها ومراتب الحيوان حشراتها وطيورها ووحوشها وحرامها وحلالها وموذيها وغيره وذوات قوائمها وغيرها وذوات القرون وغيرها ومراتب الانسان عالمه وجاهله طويله وقصيره حسن الخلقة منه وقبيحها ذكره وانثاه وهكذا سائر المراتب والاحوال وكل هذه الاحوال وهذه الاختلافات ترجع الى ما ذكرنا من الاقبال والادبار ولو كان لي حال مستقيم وقلب متوجه وماخفت التطويل لبينت لك الوجه وشرحت كيفية منشأ الاختلاف وكيفية اقبال الموجودات وادبارها في كل شيء وسر المزج والاختلاط وكيفيته ومبدأ وقوعه وحالها بعد الصفا وقبله الا ان من تتبع هذا الشرح وعرف المراد منه يظهر له كل ذلك فانه مشروح فيه بتلويحات الكلام يدركه الاعلام وسنشير ان شاء الله الى بعض ذلك مفصلا فيما بعد ان ادركني التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم فاذا عرفت ما ذكرنا وسطرنا من سر الهلاك والنجاة وان منشأهما الاقبال الى الله سبحانه او الادبار عنه فاعلم ان الله سبحانه لا يتوجه اليه من نحو ذاته بالضرورة فان الخلق لا يصلون اليها ولا يحومون حول حماها وانما ذلك بصفاته وآياته الظاهرة في المخلوقين وتلك الصفات والآيات لا بد لها من حامل ومظهر تظهر فيه والا لم تظهر ولا يكون ذلك المظهر الحامل لجميع ظهوراته وآياته تعالى الا المخلوق الاول والا لزم الطفرة اذ لو كان عند المخلوق الثاني ما لم يكن عند المخلوق الاول من آية الله وفيضه لم يكن ذلك المخلوق الاول وانما هما متساويان في المرتبة والمفروض خلافه فاذا كان المخلوق الاول هو الاقرب الى الفيض من المخلوق الثاني كان المخلوق الثاني مستمدا ومتقوما بالمخلوق الاول فيكون المخلوق الثاني من شعاع المخلوق الاول لانا قد ذكرنا مرارا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا ان الاختلاف والتعدد منحصر بين امرين اما ان يكون حقيقة واحدة قد ظهرت في صور كثيرة واحوال مختلفة حسب الحدود والمشخصات الخاصة كالاختلاف بين اجزاء الخشب وتصويره بالصور المختلفة كالسرير والصنم والباب والصندوق وامثال ذلك وكالانسان الظاهر في الصور الكثيرة من صورة زيد وعمرو وبكر وامثالهم وهذا في الحقيقة خلق واحد وتلك العوارض انما اوجدت ولحقت بالعرض فلا يقال ان زيدا هو المخلوق الاول وعمرا هو المخلوق الثاني او ان الاب هو المخلوق الاول والابن هو المخلوق الثاني وانما هما شيء واحد وحقيقة واحدة ظهرت بالاعراض والحدود في صور كثيرة واقتضت احكاما كثيرة والمخلوق حقيقة هو ذلك الامر الواحد المعبر عنه بالكلي لكنه لم يظهر الا بتلك الحدود فهي مرآة لظهوره لا محصلة لحقيقته كما هو المعلوم او يكون حقيقتان احديهما العلة والثانية المعلول وفي هذا المقام يكون الثانية مستمدة من الاولى ومتقومة بها ولا تحصل لها في حال من احوالها كالسراج والاشعة فانها حقيقة ثانية مجاز للسراج لا قوام لها بدونه ولا تحصل لها بغيره والسراج متقوم بالنار كذلك فالنار تمد السراج اولا ثم تمد الاشعة بالسراج فكلما للاشعة من فاضل ما عند السراج وهذا مرادنا بالمخلوق الاول والمخلوق الثاني لا المعنى الاول فاذا اتقنت ما ذكرنا لك فاعلم انه قد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان محمدا وآله صلى الله عليهم قد خلقهم الله قبل الخلق بما لا يحصى عدده الا الله تعالى فهم سلام الله عليهم مظهر توحيده ومحل صفاته واسمائه وبهم تقومت ظهوراته سبحانه كما في دعاء رجب عن الحجة عليه السلام فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وهم القدس الذي ملأ الدهر كما في خطبة النبي صلى الله عليه وآله الذي ملأ الدهر قدسه فكل الخلق انما وصل اليهم ما وصل من نور وخير وتوحيد وتوصيف وادراك وشعور ونظم وسائر الاحوال كل ذلك بهم عليهم السلام فهم باب الله اليهم في جميع اكوانهم واعيانهم واحوالهم في كل اطوارهم واكوارهم وادوارهم فاذا كانت النجاة بالتوجه والاقبال الى الله سبحانه وهم باب الله وسبيله وجب ان يكون التوجه اليه من بابه وسبيله حتى يقع التوجه فانت ان قصدت الباب والاصل معا كفرت واشركت وان قصدت الباب وحده كفرت وان لم تقصد الباب ما تصل الى المطلوب فيكون وجهك عند الاعراض عن الباب الى الظهر والخلف وهو الادبار وهو مستلزم للهلاك فان قصدت الاصل وتوجهت اليه بالباب وذلك هو الهداية والرشاد واليه الاشارة بقول مولينا الصادق عليه السلام لهشام من عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد المسمى بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد فهم سلام الله عليهم باب الله فلا يمكن التوجه الى الله سبحانه الا بهم لانهم الطريق ولا طريق ولا سبيل سويهم فبمتابعتهم والاقتداء بهم النجاة وبمخالفتهم والاعراض عنهم هلاك اذ الاقبال اليهم هو الاقبال الى الله والاعراض عنهم هو الاعراض عن الله قال عز وجل من يطع الرسول فقد اطاع الله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال عز وجل ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم وفي الزيارة من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم الزيارة فاذا كانوا سلام الله عليهم ابواب الله وخزان وحيه ومقاليد معرفته ومفاتيح خيره ورشده وطريق توحيده كما قال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقال عليه السلام بنا عرف الله وبنا عبد الله ولولانا ما عرف الله ولاعبد الله فدل الله سبحانه الخلق اليهم كما دلهم الى نفسه واوجب عليهم طاعتهم وولايتهم ومحبتهم ولما خلقهم في العالم الاول في الحجاب اللاهوت قبل ان يصلوا الى مقام الجبروت دعاهم الى توحيده وولايتهم عليهم السلام لان ولايتهم ركن توحيده وجزؤه لا يتم توحيده الا بها ولذا قرنهم الى نفسه فقال لهم الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ والائمة والصديقة الطاهرة صلى الله عليهم اوليائكم وخلفاء الله واوصياء نبيكم قالوا بلى ظاهرا فمنهم من طابق ظاهره باطنه في الاجابة والاقرار فهو الذي خلق من عليين فقد اهتدى ونجا ومنهم من خالف ظاهره باطنه عنادا وعتوا فهو الذي ضل وهلك وخلق من سجين ومنهم من توقف وهو الضال الذي خلق ظاهره من طينة الاجابة وباطنه لم يخلق الى ان يقر بهم او ينكر عليهم فيخلق على حسب اقرارهم وانكارهم ثم في العوالم المتنزلة عالم الجبروت والملكوت ثم انزلهم الى عالم الملك وكرر عليهم العرض وكلفهم بالاقرار بالولاية من لدن آدم الى عيسى عليهما السلام وكل نبي لم يبعث الا على الاقرار بالتوحيد لله وبالنبوة لمحمد صلى الله عليه وآله وبالولاية لعلي عليه السلام والائمة عليهم السلام وامتهم مانجوا الا بالاقرار بالمجموع والانكار للمجموع وما كان ينفعهم الاقرار ببعض والانكار لبعض وما كان يترقى احد من الامم السابقين الا بالاخلاص في ولايتهم وطاعتهم وكثرة الصلوة عليهم وكذلك كان هلاكهم اذا لم يقبلوهم والروايات في هذا المعنى كثيرة والآيات كذلك فان آدم على نبينا وآله وعليه السلام لما خلقه الله سبحانه واخذ عليه الميثاق والعهد بولايتهم وطاعتهم فقبل وحمل انوارهم واشباحهم صلى الله عليهم شرفه الله سبحانه وجعله مسجودا للملائكة كرامة لهم عليهم السلام حيث ظهروا في صلبه ظهور الشاخص في المرآة ثم لما صدرت عنه تلك الهفوة والتقصير في حقهم عليهم السلام طرد عن الجنة وابعد عن الرحمة واخرج عن مجاورة الله سبحانه واسود جميع بدنه لما ظهر منه ذلك كما قال تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وقال الصادق عليه السلام هكذا نزلت الآية والله ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وفي رواية اخرى والائمة من ذرية الحسين عليهم السلام فنسي ولم نجد له عزما ولما طرق بابهم بكينونته وخضع وخشع لهم بهويته باظهار جزعه وبكائه وطول حزنه ودعائه فمنّ الله عليه وعلمه اسماءهم ليدعوه بها ليتوب عليه وهو قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم وتلك الكلمات هي قوله اللهم اني اسألك بحق محمد وانت المحمود وبحق عليّ وانت الاعلى وبحق فاطمة وانت فاطر السموات والارض وبحق الحسن وانت المحسن وبحق الحسين وانت قديم الاحسان الا ان تتوب عليّ فتاب الله عليه وكذلك نوح عليه السلام لما صنع السفينة ما تمت وما استقرت الا بعد ان قرأ عليها اسماءهم المباركة واتى له جبرئيل بخمسة مسامير كل مسمار باسم واحد من اصحاب الكساء فاستقرت بها السفينة ومشت باذن الله وجرت في الماء ولما تلاطمت الامواج وتراكمت وكادت السفينة ان تغرق دعي الله سبحانه باسمائهم المباركة فانجاه الله ومن معه من الغرق وابرهيم على نبينا وآله وعليه السلام لما اخلص في ولائهم وطاعتهم وتخلل حبهم في مكنونات سرائره وعلانيته انتخبه الله خليلا وهو قوله تعالى واذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما وموسى على نبينا وآله وعليه السلام كان لم يزل يدعو الله في الشدائد باسمائهم المباركة فيفرج الله سبحانه وقال العسكري عليه السلام في الحديث المتقدم والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والله سبحانه انما ابتلي بني اسرائيل بذبح البقرة المعلومة لان صاحبها كان شديد المحبة لمحمد وآله صلى الله عليهم وكان كثير الصلوة عليهم فكافاه الله سبحانه بذلك حتى اشتروا منه البقرة بملأ جلده ذهبا فلما اشتروا منه بذلك المبلغ العظيم افتقر بنواسرائيل فامروا بالصلوة على محمد وآل محمد فاغناهم الله سريعا عاجلا باحسن ما كانوا في الاول ولم يزل كان بنواسرائيل بعد زمان موسى يدعون الله سبحانه في الشدائد والمحن باسمائهم المباركة فيفرج الله عنهم تلك الشدة العظيمة والمحنة الهائلة ولقد اخبر الله سبحانه عن ذلك حيث قال وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وايوب عليه السلام لما شك في ولاية عليّ عليه السلام ابتلي بتلك البلية العظيمة فلما تاب وخضع له عليه السلام وذل تاب الله عليه كما في حديث سلمان حيث يخاطب سلمان عليّا عليه السلام ويقول يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم الله قاتل سلمان لقلت فيك كلاما اشمأزت منه القلوب يا محنة ايوب فقال له عليه السلام اوتدري ما محنة ايوب قال لا قال عليه السلام لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم فوهبت له بالتسليم بامرة المؤمنين وانت تقول امر عظيم وخطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين قال عليه السلام ثم ادركته السعادة بي ه‍ فانظر ماذا ترى ويونس عليه السلام لما شك وبكى وذهب مغاضبا وظن ان لن‌نقدر عليه فركب السفينة واتى الحوت فساهم اهل السفينة فجاء السهم باسم يونس فكان من المدحضين وهذا كان عقوبة له لما تردد في ولاية امير المؤمنين عليه السلام فلما تاب ورجع ونادي في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فلما دخل البيت من الباب وتوجه الى الله سبحانه بذلك الجناب نجاه الله تعالى من الغم كما قال عز وجل فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ويعقوب على نبينا وآله وعليه السلام لما قصر في حق عليّ عليه السلام وتردد في ولايته بقوله اني ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون لان عليّا عليه السلام اخذ عليه الميثاق والعهد ان لا ينظر الى الاسباب ابدا ويقصر نظره الى المسبب فلما نظر الى السبب حيث قال ما قال كان ذلك تقصيرا فاتاه جزاء عمله وتقصيره فابتلي بفراق قرة عينه يوسف عليهما السلام واشتد لذلك بكاؤه وطال حزنه وعناءه الى ان ابيضت عيناه من الحزن فلما تاب ورجع وخضع لعليّ عليه السلام وللائمة عليهم السلام وقال والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين وقوله عسى الله ان يأتيني بهم جميعا فرد الله عليه بصره وقرة عينه يوسف عليهما السلام ويوسف بن يعقوب بن ابرهيم عليهم السلام لما قصر في الولاية حين مانظر الى المرآة ورأى حسنه وجماله في غاية الكمال فخطر على قلبه لو كنت انا عبدا كم كان ثمني فابتلاه الله تعالى بذلك التقصير برق العبودية وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ثم باعوه بما باعوه ثم لما ادخل في السجن وقصر في الولاية حيث قال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك فانساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ولما تاب ورجع وخضع لعليّ والائمة من ولده عليهم السلام بالطاعة والامتثال نجاه الله سبحانه من السجن وجعله ملكا ولو اردنا ان نشرح ما جرى على الانبياء واممهم واحدا بعد واحد بسبب التقصير في حق الائمة عليهم السلام وبسبب الانقياد والطاعة لطال علينا الكلام فاختصر في المقال واقول ان ولاية عليّ والائمة عليهم السلام في كل المراتب عرضت على كل شيء وهو عرض مستمر غير منقطع وذلك العرض كان يوم الغدير فكما ان العرض مستمر كذلك يوم الغدير مستمر دائم ثابت فلا يصيب احدا مكروه من مكاره الدنيا والآخرة الا بسبب تقصيره في ولاية عليّ عليه السلام وعدم قبوله لها اما بالكلية اي على جهة الموافقة او بحسب مقامه بل لا يتغير شيء مما احاطت به دائرة الامكان عن الفطرة الاصلية الاولية المقصودة لذاتها في الجعل الاول الا من جهة عدم الاذعان بالولاية فلا انكسرت قصعة ولا زجاجة ولا حجرة الا بالتقصير في الولاية وما استمرت ثمرة وما اعوجت شجرة وما استملح ماء ولا اسبخت ارض الا بالتقصير في الولاية وما تمرضت نفس ولا مات شخص ولا الكن ( لا الكنت خ ) طير ولا احترقت ارض وما تدودت ثمرة الا بالتقصير في الولاية وما بقيت الاشياء على الفطرة الاصلية ولاصفت عن الكدورات ولاطابت ولا استقامت ولا اعتدلت ولا استحلت الا بالقبول لولاية عليّ عليه السلام وانحصرت النجاة على القول المطلق باي وجه كانت من مبدأ الوجود الى آخر نهايات الشهود بحب عليّ عليه السلام والائمة عليهم السلام بحسب المراتب وانحصر الهلاك على القول المطلق باي وجه كانت من اول مقامات الذر الى نهاية دركات اسفل السافلين الى ما لا نهاية له بمخالفة عليّ والائمة عليهم السلام وهو قوله عليه السلام في تفسير الله على ما تقدم ان الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا فانحصر النعيم والهوان والعذاب بموافقتهم ومخالفتهم وهم اذن قسيم الجنة والنار وعليّ عليه السلام هو الباب الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهو الماء النازل من القرآن الذي هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهو واولاده عليهم السلام قوم يحبهم الله ويحبونه اذلة على المؤمنين واعزة على الكافرين فلا يفوتهم شيء ولا يتعدى عنهم احد وهم الكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر الا ان الامر كما اخبر الله عز وجل الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون والمتكلم معه غيره اما على ظاهره او المعظم به نفسه فان كان معه غيره فالائمة عليهم السلام هم الذين معه وعنده كما قال عليه السلام في قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال عليه السلام نحن الذين عنده وقال عليه السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن وقال تعالى في آخر السورة الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ولو تمكنت ان اذكر ما يتلجلج في صدري ويختلج في خاطري لرأيتم امورا عجيبة الا ان السكوت اولى والكتمان احلى والله المستعان وعليه التكلان وفي قوله عليه السلام بنا هلك من هلك ونجي من نجا سر آخر اذا لاحظت فيه حكم ظاهر الظاهر اذ يظهر هناك الارادة التي هي محل الكثرة ومنشأ الاضداد وتقومها بالمشية التي هي ظهور الوحدة والواحد ولذا اخرت الالف لبيان انها المتممة للنون والمقومة لها لا انها المقصود لذاته وبين بالاشارة بهذه الكلمة الى العلة الفاعلية اي المهلك والمنجي وتقديم النون على الالف سر تقديم الهلاك على النجاة ولما كان الامام عليه السلام يذكر هذا المعنى مصرحا اكتفيت بالاشارة في هذا المقام حتى يأتي أوان شرحه ان شاء الله تعالى

قال عليه الصلوة والسلام وروحي فداءه : فلا تستعظموا ذلك فينا فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتفرد بالجبروت والعظمة لقد سخر لي الرياح والهوام والطير وعرضت على الدنيا فاعرضت عنها انا كاب الدنيا لوجهها

اعلم ان الخلق في القديم الاول ( الازل خ ) لما اوقفهم الله سبحانه بمشيته في حجاب العز وسرادق المجد عرفهم الله سبحانه مقام محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين (ع) كل احد في مقامه من الولاية الالهية الظاهرة في حقيقة الولي عليه السلام الظاهرة ببعض ظهورها ونورها في كينونات الاشياء وذوات الموجودات فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امرهم عليهم السلام وعظم خطرهم وكبر شأنهم وتمام نورهم وصدق مقاعدهم وثبات مقامهم وشرف محلهم ومنزلتهم عنده وجاههم لديه فعرفوهم في ذلك العالم بالنورانية واقروا لهم بالعبودية وذل الطاعة وكمال الفقر والمسكنة وطأطأ كل شريف لشرفهم وبخع كل متكبر لطاعتهم وخضع كل جبار لفضلهم وذل كل شيء لهم فعرفوا مقامهم البيان في الحجاب الاعلى من الدرة البيضاء في عالم الوجود المطلق وعرفوا مقامهم المعاني في الحجاب الاعظم حجاب الذهب في العالم البرزخ المتوسط بين عالم الوجود المطلق الذي هو عالم الامر وبين عالم الوجود المقيد الذي هو عالم الخلق وعرفوا مقامهم الابواب في الحجاب الاعلى من الفضة البيضاء في عالم الوجود المقيد وعرفوا مقامهم الامامة ومقام حجة الله في الحجاب الغليظ من الزبرجدة الخضراء وفي سائر الحجب ولما ادرك الخلق ذل الادبار وابتلوا بالبعاد عن تلك الديار وتنزلوا في مقامات الاغيار ولحقهم غبار الاكدار فنسوا ما عرفوا في تلك المراتب وعهدوا في تلك العوالم وشاهدوا في تلك المعالم فلما اتيهم نداء الاقبال اخذوا يصعدون وهم عن مقامهم الاصلي ومراتبهم الحقيقية ناسون واليها متوجهون وهم لا يشعرون فصار اكثرهم لا يعقلون واكثرهم لا يفقهون واكثرهم لا يعلمون واكثرهم يجهلون واكثرهم غافلون فالذي شاهد تلك الآثار وجاس خلال تلك الديار اذا تكلم بشيء منها قابلوه بالانكار فلما كان الامام عليه السلام ابان عن شيء جزئي من اسرار تلك المقامات التي عرفوها وبين لهم اياها هنالك وكان مقامهم مما يقتضي الانكار والاستبعاد حيث سمعوا من هيكل بشري وصورة انسانية مثلهم وعلى هيكلهم ما يدعي ويرى نفسه انه علة اكوانهم واعيانهم وبيده اسرارهم واعلانهم كان يعظم ذلك عليهم ولم يعرفوا ان ذلك الهيكل ظهوره لهم في مقامهم وهم كلهم على صورته ومثاله كالسراج الواحد في المرايا الكثيرة فان المثال الموجود في تلك المرايا كلها على هيئة السراج وهيكله لا فرق بينها وبينه في الهيئة والصورة لكن السراج مقوم انياتهم ومذوت حقائقهم وذواتهم وبيده خيرهم وشرهم ولما كان هذا الانكار والاستبعاد مما يكدر عليهم صافي العيش ويحرمهم عن شرب صافي المحبة اراد عليه السلام ان يزيل عنهم هذه الكدورة ولما ان كشف حقيقة الامر لم يمكن لكل احد مع ما فيه من لزوم الالجاء او النسبة الى السحر والكهانة وامثال ذلك اتاهم (ع) السلام في مقام البيان وقال لهم عليه السلام فلا تستعظموا ذلك فينا وان كان مقامكم مما يقتضي ذلك كيف لا وان ايوب عليه السلام لما ظهر له شيء من ذلك عظم عليه وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم وآدم عليه السلام لما ظهر له شيء من ذلك توقف وتحير كما في الكافي وكذلك غيرهم اذ كل احد يجدهم صلى الله عليهم من اعظم ما يمكن له ان يدرك في حق الله سبحانه بل ما عرفوا من توحيد الله سبحانه جزء من سبعين‌الف جزء من رأس الشعير من مقامهم ومرتبتهم فكيف لا يعظم ذلك عليهم اذ قد ظهر لهم ان ما عرفوا من معرفة الله وقدسه وكبريائه وعظمته كل ذلك ادنى مرتبة من مراتب خلق من مخلوقاته سبحانه وادنى صفة من صفاتهم بل لا يبعد ان يقال ان ذلك بالنسبة اليهم صفة النقصان لا صفة الكمال الا ترى كيف قال امامك ومولينا الصادق (ع) في الكروبيين انهم قوم من شيعتنا وبهم تجلي الله لموسى وكان تجليهم الذي قال تعالى فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا وما ورد ان الملائكة في عالم الانوار لما شاهدوا نور محمد وآله صلى الله عليهم في كمال الظهور والاشراق واللمعان قالوا انه نور الله فقالوا عليهم السلام لا اله الا الله لتعلم الملائكة انهم اناس مخلوقون والله سبحانه منزه عن وصفهم وصفتهم ولا يبلغ الحادث مبلغا في المعرفة والتوحيد الا ويظهر له من مقامهم ومرتبتهم ما لم يكن عنده ويعلم ان ذلك معرفتهم وهي معرفة الله الظاهرة لهم بهم له به وهو قول عليّ عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا علي المعنى الثالث لهذا الحديث الشريف ولا تتعجب مما ذكرت من ان ما يعرف الخلق كلا من معرفة الله هو معرفتهم صلى الله عليهم لما دلت عليه الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان الشيء لا يتجاوز مبدأه ولا يقرأ الا حروف نفسه كما قال عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقال عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وقال الصادق عليه السلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم وامثالها عنهم عليهم السلام كثيرة لان الشيء لا رتبة له فوق ذاته وانما هو معدوم فوق مرتبته فلا يتصور له ادراك هناك اذ المدرك انتفي وانعدم فاين الادراك فادراكه للعالي ( العالي خ ) ليس الا بظهور ذلك العالي في رتبة مقام هذا السافل وذلك الظهور هو عين السافل وان كان وجها للعالي ثم ان كان ذلك الظهور والمثال اتى الى السافل من غير واسطة سوى نفسه كان حظه لمعرفة العالي من اوفر الحظوظ واتم مراتب النصيب فلا احد يعرفه مثله الا ان يكون في رتبته وان كانت معرفته لا يلحق العالي وانما عرف نفسه لكن تلك المعرفة هي عين معرفة ربه له ثم لما كان السافل له جهتان يجب ان يقطع النظر حين الالتفات والتوجه عن جهة نفسه وانما يتوجه الى مبدئه بالوجه الاعلى من الوجه الواحد وان كان ذلك الظهور والمثال اتى اليه بواسطة رتبة فوقها فلا يكون ذلك الا ان يكون الثاني مثالا وشعاعا وشبحا للاولى لما ذكرنا سابقا ان المتغايرين ينحصر في امرين اما ان يكون حقيقة واحدة قد تطورت باطوار مختلفة بحسب الحدود والعوارض والجهات والحيثيات ولا يتصور في مثل هذا التعدد التوسط والترتب او يكون احدهما علة والآخر معلولا هنا يتحقق التوسط فالحقيقة الثانية اذن تكون مثالا للحقيقة الاولى وصفة لها ويحكي عنها بجهتيها لا بوجه واحد الذي هو اعلى الوجوه فان اثر الشيء انما يتحقق بعد تمام ذلك الشيء والشيء لا يتم الا بالجهتين فالاثر متأخر عنهما فيحكي المركب لا البسيط اذا اردت ان تعرف ذلك انظر الى السراج فانه مركب من مس النار والدهن فاذا اراد ان يعرف النار يقطع النظر عن جهة الدهن وعما تقتضي تلك الجهة فيجد حينئذ لونا احمر وحرارة ويبوسة ساذجة غير مشوبة بشيء من الرطوبات فهذا النور المحسوس في الشعلة المحسوسة كله يرتفع عند السراج حين التوجه والالتفات الى النار وذلك هو الوجه الاعلى فيكون هذا النور الظاهر في هذه الشعلة نقصا بالنسبة الى مقامه الاول لان ذلك مشوب بجهة الانية وظلمة الماهية واما الشعاع فانه مركب من نور السراج وجهة انية حدوده من المشخصات الستة من الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف وهو اثر للنار ومتوجه اليها وطالب منها لكنه واقف ببابها ولائذ بجنابها ومتوجه به اليها والسراج هو الباب يأخذ من النار ويترجم للشعاع فاذا اراد الشعاع ان يعرف النار لا يعرفها الا بوجهه الاعلى منه ووجهه الاعلى صفة انية السراج لا صفة توحيده فالشعاع وان بلغ ما بلغ في التصفية والانقطاع الى النار والتوجه اليها والتوصيف لها كل ذلك توصيف للسراج في الحقيقة لا للنار فلو ان السراج توجه الى النار بالمجموع لكان مشركا مع النار غيرها وهو انيته وذلك الشرك صار عين التوحيد للشعاع بل ربما ما يصل الشعاع الى معرفة السراج ابدا وان وصل الى ما وصل فانما هو جزء من سبعين‌الف جزء من رأس الشعير من معرفة السراج لكنه حين التوجه لما كان لا ينظر الى السراج وانما يتوجه الى النار خاصة قيل هذا معرفة النار فيقول حينئذ السراج نحن الاعراف الذين لا يعرف النار الا بسبيل معرفتنا اي بمعرفتنا للاشعة فان الشعاع معرفته للسراج لا من جهة السراج معرفته للنار انما قلت معرفته للسراج لان له جهتان جهة الى نفسه وهي الحدود والاعراض يجب ان يكشفها ويمحيها وجهة الى النار وهي نور السراج فلا يمكنه حينئذ ازالة نور السراج ( ابدا خ ) اذن ينعدم فاين يتوجه فاذا فهمت هذا فهمت حقيقة الامر في المسألة فان محمدا وآله صلى الله عليهم جعلهم الله بابا لمعرفته وتوحيده وكل الخلق انما خلقوا من شعاع انوارهم وشعاع الشعاع وشعاع شعاع الشعاع وشعاع شعاع شعاع الشعاع وهكذا وفي كل رتبة ثانية يجري ما ذكرنا في الرتبة الاولى من الثانية فعلى هذا غاية معرفتهم لربهم باكمل ما يمكن هو معرفة ادنى وصفهم في مقام النقصان لا في مقام الكمال ولذا نزه الله سبحانه نفسه عن صفات المخلوقين وقال سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وما عامة شاملة لكل وصف ثم اظهر الرضا عن المرسلين حيث انهم توجهوا اليه تعالى من الباب الذي جعله تعالى لهم فقال سلام على المرسلين ثم اثبت ما خص نفسه لحكايته لتوحيده تعالى من غير واسطة وانما هو متمحض في الصفتية فقال تعالى والحمد لله رب العالمين والحمد هو مبدأ اشتقاق اسم محمد صلى الله عليه وآله فافهم ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عليّ ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا فاذا كان كذلك فهم عليهم السلام المدلجون بين يدي الخلق في كل مقاماتهم واليه الاشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية اذ كل ما يظهر لهم مقام في العلم من معرفة الله سبحانه من ظهور تلك الصفة ( الصفات خ ) حتى عرفوا الله بها يظهر لهم بعد ذلك حلم فيعرفون ان ذلك مقام المخلوق ثم يترقون بظهور الجبار لهم بحكم المحو والصحو حتى عرفوا انهم وصلوا الى الحقيقة وشاهدوا المطلوب عيانا فيظهر لهم في مقام اعلى فيعرفون ان المقام الاول مقام خلق وهم كانوا هناك مشركين وهكذا فلا نهاية لهذا المحو والصحو ابدا فاذن كيف لا يعظم عليهم اذ يرون ما يصفون في اعلى مقامات توحيدهم يظهر لهم بعد ذلك انه مقام محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين فيعظم عليهم الامر ثم ان ما لم يظهر لهم اعظم بل الذي ظهر لهم والذي لم يظهر ولن يظهر الى انقطاع كينوناتهم هو رشح من انيات مقامات محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم وذلك ايضا بالنسبة الى مقامهم لا بالنسبة الى مقامهم واين الثريا من يد المتناول وهذا هو السر فيما ورد في الاخبار ان مولينا القائم عليه السلام عجل الله فرجه اذا ظهر وحضر عنده اصحابه الثلثمائة والثلاثة ‌عشر يظهر لهم عليه السلام كتابا مختوما بخاتم رسول الله صلى الله عليه وآله بخاتم رطب فيقول لهم بايعوني على مقتضى هذا الكتاب فلما انه عليه السلام يقرأ عليهم يجدون ما كانوا يوصفون به الرب عز وجل القديم سبحانه وتعالى باعلى مقامات التوصيف والبيان الذي ما يمكن لاحد من اهل ذلك الزمان لان هؤلاء صفوة الله في الارض وليس على وجه الارض يومئذ اعلم ولا اعرف منهم لانهم المؤمنون الممتحنون الذين عرفوا الحيث والكيف واللم ( الكم خ ) وعرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤل اليه امورهم فكانوا يوحدون الله عز وجل ويوصفونه بغاية ما عندهم من العلم والمعرفة فاذا هم يرون ان الامام عليه السلام وروحي له الفداء وعجل الله فرجه يريد منهم ان يقروا ويعترفوا ان ذلك بعض مقامات آل محمد عليهم السلام ولهم مقامات اعظم من ذلك وتلك المقامات من بعضها فيعظم ذلك عليهم ولا يقدرون على التحمل والقبول فيستعجلون ويقولون انت لست بصاحبنا فيجولون شرق الارض وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ولا يجدون ملجأ فيأتون ويسلمون ويبايعون على جهة التسليم لا على جهة المعرفة واني وان فضحت السر وكتبت ما لا ينبغي الا انه بعد من وراء الحجاب وقد سد عليه الف باب فافهم الخطاب فمن هذه الجهة كان يعظم عليهم هذا بالنسبة الى العلماء العارفين ثم ان الامر يعظم شيئا بعد شيء وحينا بعد حين الى ان رجعت الاشياء كلها الى الله فهناك يظهر سر عليّ (ع) روحي فداءه مشتقا من نور الكينونة

واياك واسم العامرية انني اغار ( اخاف خ ) عليها من فم المتكلم

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

واما الجهال الواقفون في مقام القيل والقال حيث نسوا العهد المأخوذ عليهم في العالم الاعلى في القديم الاول ثم ما لا نهاية له من الازمنة والامكنة من ان عليّا عليه السلام هو نور الله المطلق في السموات العلي والارضين السفلى وما يرى وما لا يرى مما جرت به الاقلام ومضت به المقادير وبقوا في مقام الانجماد في مقام الجماد كما قال عز وجل واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون ولا يدركون الاشياء على جهة ذوبانها اذا سمعوا شيئا جزئيا من اسرارهم عليهم السلام من بعض فروع ما ذكر عليه السلام في هذه الخطبة الشريفة مثل ان جبرئيل عليه السلام ما يأتي الى النبي صلى الله عليه وآله الا باذن عليّ (ع) يعظم عليهم ذلك بل ربما ينكرونه زعما منهم بان عليّا عليه السلام كان يأخذ العلم والحكم من النبي صلى الله عليه وآله وهو كان يأخذ عن جبرئيل عليه السلام كيف يستأذن جبرئيل عليّا عليه السلام مع ما في الروايات ان جبرئيل ما نزل الى عليّ عليه السلام ابدا وما كان يراه بل ربما يسمع كلامه واذا سمعوا ما ورد ان جبرئيل عليه السلام كان يأخذ من اسرافيل وهو يأخذ من ميكائيل وهو يأخذ من الملك وهو الروح القدس وهو عقل محمد وآله عليهم السلام فكان جبرائيل وغيره من الملائكة يأخذون منهم ويؤدون اليهم فيعظم ذلك عليهم ويضطربون زعما منهم بانه حينئذ اتيان جبرئيل يكون تحصيل الحاصل اذن لا فائدة ترجع اليهم من جهة العلم وما ورد ان عليّا عليه السلام قد قرأ القرآن حين تولده من اوله الى آخره ولم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله حرفا واحدا ( حرف واحد خ ) منه وما ورد ان عليّا عليه السلام كان اذا وضع رجله في الركاب يقرأ القرآن من اوله الى آخره حتى يستوي على ظهر الدابة حتى واجهني بعض اشباه العلماء بذلك وقال ان هذا الفعل مستحيل ممتنع لا يمكن وقوعه لا استثني احدا وكذلك الاحوال والاسرار المودعة في هذه الخطبة الشريفة اذا سمعوها يقولون ان فيها ارتفاعا وغلوا وينكرون نسبتها الى امير المؤمنين عليه السلام ويقولون انها من وضع الغلاة كما ذكرنا في اول الجزء الاول من هذا الشرح فاوصاهم الامام عليه السلام وصية لو راعوها وحفظوها لم يلتبس عليهم شيء من امور دينهم ومعرفتهم بائمتهم عليهم السلام لكنهم ما راعوها وضيعوها فوقعوا فيما وقعوا من الاضطراب والاختلال والاختلاف قال دعبل الخزاعي (ره) :

ولو قلدوا الموصى اليه امورهم لزمّت بمأمون من العثرات

وتلك الوصية لا اختصاص لها بالجهال وانما هي وصية عامة للجاهلين والعارفين الواصلين الا ان العارفين حفظوها واولئك ضيعوها وهي قوله عليه السلام فلا تستعظموا ذلك فينا فان الاستبعاد والاستعجاب والحكم بعدم وقوع الشيء تعجيلا ومبادرة وجهلا بالامر هو الذي يكون سببا لعدم انفتاح باب المعرفة وازدياد الجهل على الجهل والعجز على العجز فان الخلق متفقون لا نكير عندهم على ان كل احد لا يدرك كل شيء اذ كل احد يجد ذلك في نفسه بالفطرة والضرورة وقد نص الله على ذلك حيث قال وفوق كل ذي علم عليم واتفقت الامة بل كل ذي فطرة على ان الله سبحانه لا يطلب من العبد في العمل والاعتقاد الا مقدار ما وهبه من العلم والمعرفة وقد نص على ذلك في كتابه العزيز بقوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها سيجعل الله بعد عسر يسرا فمقتضى الكلام الاول الضروري ان لا يسارع الشخص الى الانكار اذا سمع ما لا يدرك ومقتضى الكلام الثاني الضروري ان لا يعتقد ما لا يدرك فيسكت عما لا يعلم وينطق عما يعلم فاذا تكلم متكلم فضلا عما اذا انتسب الى اهل العصمة عليهم السلام فينظر فيه نظر المنصف الجاهل المتعلم من الله سبحانه ومن الائمة الهداة عليهم السلام فان قام دليل قطعي من اجماع او ضرورة او نص في الكتاب او في الاحاديث او دليل عقلي مستند الى امر شرعي من الخطابات الالهية ما يدل على بطلانه او صحته فيعمل بمقتضاه والا فيحتمل ويتوقف هذا اذا عرف مراد القائل المتكلم بالكلام واما اذا لم يعرف واحتمل انه اراد منه معنى آخر من المعاني السبعين كما قالوا عليهم السلام اني لا تكلم بكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج فاذن لا سبيل له الى الرد والانكار ويجب عليه التوقف في كل حال وطلب فهم المراد لينفتح له الباب فعلى هذا لا يجوز رد الاخبار وطرح كلما ينسب الى الائمة الاطهار عليهم السلام ما لم يقم دليل قطعي على انه مكذوب عليهم عليهم السلام وليس من الدليل محض الاستبعاد وعدم اشتهاره عند العوام او عند العلماء الذين ليسوا بصدد مضامين تلك الاخبار والقول بانه يلزم منه الغلو والارتفاع باطل اذ لعله يريد منه معنى لا يلزم ذلك وكان ذلك المعنى مخفيا عند الناظر او ( اذ خ ) يريه بعيدا وهو قريب عند الامام عليه السلام فاذا قالوا عليهم السلام اني لا تكلم بكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج يقطع الكلام وقالوا ايضا عليهم السلام اذا اتاكم عنا بانا نقول ان الليل نهار والنهار ليل فلا تكذبوه فانكم تكذبونا فاذا كان كذلك وقد جاءت الاخبار وتواردت واشتهرت بين الفريقين ان الله سبحانه خلق محمدا وآله عليهم السلام قبل خلق الخلق وقبل ان يخلق شيئا ثم خلق الاشياء كلها من نورهم صلى الله عليهم واما الشيعة الفرقة المحقة الناجية فلا يشكون ذلك في ائمتهم عليهم السلام واما العامة فلا يشكون في النبي صلى الله عليه وآله في انه خير الخلق خلقه الله قبل ان يخلق الخلق ثم خلق الخلق من نوره فاذا كان كذلك فيكون الخلايق كلهم بالنسبة اليهم صلى الله عليهم كالاشعة للسراج وهو لا استقلال له الا بالنار والسراج عين للنار الناظرة لاحوال الاشعة ويد لها المبسوطة بالانفاق على الاشعة ووجه لها تتوجه الاشعة به اليها وتنظر به اليها ولسان تخاطب الاشعة به ونور تضيء به لها وسائر الاحوال ولا يصل الى الاشعة شيء الا بالنار والنار ايضا لا توصل الاشعة شيئا الا بالسراج فصح لك ان تقول ان السراج خلق الشعاع بالنار او تقول ان النار خلقت الاشعة بالسراج والمعنى في المقامين واحد واذا قيل ان امر الاشعة مفوض ومرجوع الى السراج فليس هذا هو التفويض الباطل اذ السراج لا غناء له عن النار فهو حين ما يدبر امر الاشعة بيد النار ويستمد منها لا يستغني عنها بوجه ابدا والتفويض الباطل اذا قيل بالاستقلال واذا قيل ان السراج خلق الاشعة لا يلزم منه عزل النار عن الخالقية والتدبير والتصرف وانما هو اثبات لتدبيرها لمن يعقل فمن هذا المثال اعرف المراد ونزل الخلائق كلهم بمنزلة الاشعة وعليّ امير المؤمنين عليه السلام بمنزلة السراج واجر الاحوال كلها على حسب ما ذكرنا من غير استعجاب ولا استعظام فانه انكار لقدرة الله عز وجل وجهل بمقامه ومقام اوليائه وانكار لسعة اقتداره سبحانه وتعالى وعجز عن معرفة عظمة الله جل جلاله وتنزيهه عن شوائب النقائص الامكانية وليس في ذلك ( هذا خ ) عجب بل امرهم عليهم السلام اعجب وخطبهم اعظم وقد روى الكليني (ره) في الكافي ما معناه انه قيل للصادق عليه السلام ان ما علمه النبي صلى الله عليه وآله عليّا من الابواب التي يفتح من كل باب الف باب هل ظهرت لشيعتكم كلها قال عليه السلام ما ظهرت منها الا باب او بابان قال فما ظهر من فضلكم لشيعتكم الا باب او بابان قال عليه السلام وما عسى ان يظهر لكم والله ماظهر لكم من فضلنا الا الف غير معطوفة ه‍ والمعاني والدلالات كلها انما تحصل بالحروف وتأليفها وترتيبها على نظم معين والحروف تحصل من انعطاف الالف اللينية الى الاطوار والاحوال الثمانية والعشرين فقبل انعطاف الالف لم تظهر الحروف فضلا عن ظهور المعاني المختلفة المتعددة الغير المتناهية والالف الغير المعطوفة من حيث هي ليس فيها من المعاني شيء اصلا من المعاني التي تظهر بالحروف كما قال الرضا عليه السلام ان الحروف ليس لها معنى غير انفسها فاذا اردت ان تؤلفها تؤلفها لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك فصرح عليه السلام بهذه الاشارة لاهل الاشارة ان ما ظهر لكم من فضائلنا ليس شيئا بالنسبة الى مقامنا ومرتبتنا وهو كذلك فان الاثر لا يلحق مؤثره والشيء لا يجاوز ( لا يتجاوز خ ) مبدأه والادوات لا تحد الا انفسها والآلات لا تشير الا الى نظائرها فاذن لا يستعظم ما يظهر من فضائلهم ومناقبهم وظهورات آثارهم وصفات اشباح هياكلهم عليهم السلام الا الجاهل بالامر او المعاند فنهيه عليه السلام عن الاستعظام نهي تحريمي لا يسع العاقل ذلك ولذا قالوا عليهم السلام ما معناه لا تخبروا باحاديثنا ضعفاء شيعتنا فيقولون ليس هذا وليس هذا والانكار كفر والمؤمن الممتحن يسلم كلما يصدر منهم ويرد عنهم عليهم السلام فان فهمه فذلك حظه والا فيرد اليهم كما قال عز وجل خطابا لعلي عليه السلام في الباطن فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وقال الصادق عليه السلام انكم لن تؤمنوا حتى تعرفوا ولن تعرفوا حتى تصدقوا ولن تصدقوا حتى تسلموا ابوابا (ظ) اربعة لا يصلح اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا الحديث فالمؤمن الممتحن لا يستعظم ما يقرع على اذنه من اسرار عليّ عليه السلام لانه باب الله تعالى ووجهه ولا يستعظم من الله شيء من الاشياء وهو عليه السلام لا ينسب اليه شيء الا بمشية الله سبحانه وباقتداره لا من قبل نفسه فانها من حيث هي ليست شيئا ولا تذوت لها فاذا كان منسوبا الى الله عز وجل وبقدرته وهو على كل شيء قدير فمن اين الاستعجاب والاستعظام ولذا قال عليه السلام في حديث معرفته بالنورانية ما معناه انه من شك فيما ذكرت فقد انكر قدرة الله في اوليائه قال الشاعر ونعم ما قال :

اعدم وجودك لا تشهد له اثرا ودعه يهدمه طورا ويبنيه

قوله عليه السلام : فو الذي فلق الحبة اتى بالواو القسم تأكيدا للامر وتثبيتا للحجة عند الجاهل على الحقيقة في سر الخليقة وانما اختار عليه السلام الواو في هذا المقام لانها اول سر ظهر من ينبوع حقيقته واول نور سطع من شمس كينونته وهويته في الازل الثاني لان الواو هو الامر بين الكاف والنون وهو العدد التام بالزبر وبالسر الغيبي والرمز الباطني هو حكاية الاحد فان البينات غيب بالنسبة الى الزبر وان كانت بلحاظ آخر صفة له والواو ببيناته ثلثة‌عشر وهو تمام الاحد وهو حكاية صفة الذات الازلية والعبارة عنها ولذا اختصت الواو بالقسم لاشتمالها لهذا السر المنمنم وكون اولها عين آخرها وظاهرها حقيقة باطنها يشير الى الاولية والآخرية والى رجوع العود كالبدو كما في قوله تعالى وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وهي العدد التام والسر العام الجامع لاسرار التوحيد بالباطن واسرار الموحدين في الظاهر واتمام الصنع بالصفة ورجوع العود كالبدو بالاشارة واول ما بدأ من العين اي كن فمحلها وسط الكلمة لبيان انها اثر المجموع فلها وجه الى جوامع التوحيد ومراتب التنزيه والتجريد ووجه الى مقامات الكثرة ومراتب الخلق الظاهرة بالنون وهي الستة الايام خلق الله فيها الشيء كما قال سبحانه وتعالى ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة ايام ومامسنا من لغوب وهي صفتها الغيبوبة والمحو والافناء والصعود من ظاهر القشر الى باطن اللب ولذا قال مولينا الباقر عليه السلام والواو اشارة الى الغيبة عن درك الحواس ولمس الناس ( النار خ ) وهي مجمع الطبايع النورية في الباطن وان كانت في الظاهر جامعة لاقوى مراتب اقوى الطبايع لاشتمالها على النار في مقام المرتبة وعلى الهواء او التراب في مقام الدرجة ولذا كانت عاطفة لما فيها من سر الرطوبة مع الحرارة المسرية والمتعدية الى الغير ومستأنفة لما فيها من سر الحرارة واليبوسة الطالبة للابتداء والاستيناف وعدم التبعية ولذا كانت من حروف القسم لكونها من حروف المبادي بذاتها وصفاتها ومقامها وظاهرها وباطنها كما اشرنا اليه ولا تتوهم ان مقامها الشفة والحروف الشفوية ليست من المبادي وانما هي حروف الخلق ( الحلق خ ) لان المبدأ مقام وجوده في نفسه اسفل المراتب والمقامات وذلك سر علوه اماسمعت عليّا عليه السلام قد لقب بابي‌تراب ومحمدا صلى الله عليه وآله يوصف بالعبودية التي هي الذلة والمسكنة قبل كل صفة وكل حال ونعت وقال صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر اماعلمت ان السجود في الصلوة اشرف وافضل من الركوع وهو من القيام وان اقرب احوال العبد مع الله تعالى حالته وهو ساجد اما رأيت ان البسملة التي اولها اعلى المبادي واشرفها من حروف الشفة وهي الباء ومن جهة الشرافة المعنوية ظهرت الواو بدوا حتى استجنت في كن وغابت عند ظهور تين الكلمتين واستنطقت باسم الاحد ( الواحد خ ) الذي هو ابسط الاسماء ثم ظهرت بزبرها وبصورتها على غيب معناها فاستنطقت منها الواحد وصار مبدأ الاعداد وسبب حصول الاستعداد واشتق منها اسم محمد صلى الله عليه وآله الذي هو اشرف المبادي ثم اشتق منها بالطرد والعكس اسم عليّ عليه السلام الذي هو افضل الاكوان والمكونات ومن هذين الاسمين الاعلين ظهرت الاسماء ووجدت المسميات لان الله عز وجل ما يختار لمن هو مبدأ المبادي وعلة العلل واصل الاصول اسما وصفة الا وهو مبدأ الاسماء ومقوم الصفات اللفظية والحرفية وكذلك المعنوية النورية وكذلك الظلمانية لان المراتب السفلية الظلمانية تسجد للشمس من دون الله فلا بد لها من السجود للشمس والا لبطلت واضمحلت وفنيت وما ظهرت منها اثر ولم يكن لها خبر ذلك تقدير العزيز العليم فافهم ثم ظهرت عودا كما كانت بدوا في الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي تنفعل لها ( له خ ) الاشياء وتظهر منه القوابل والافاضات والاستفاضات النقطة التي عليها مدار الاكوار والادوار والاطوار والاوطار والليل والنهار وهي هذه الاحرف 63

وانما ظهرت الواو في العود منكوسة لاثبات الرجوع ورجوع الاشياء كلها عند رجوع الواو الى الصفاء الاصلي والنورانية الذاتية والوحدة الحقيقية وهذا المعنى وان كان ظاهرا في اصل الواو الا ان هذا النكس لسر الرجعة وظهور الدولة وما في نفسها من الدلالة الى الرجوع والعود انما يكون في يوم القيمة فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم فلاجل ما ذكرنا وما لم نذكر اختار عليه السلام الواو في هذا المقام للقسم دون ساير الحروف ثم لما كانت كلماتهم عليهم السلام تامة في كل الاقتضاءات والاحوال وكانت للواو مناسبة في هذا المقام واظهار شأن من شؤن ما هو بصدد بيانه عليه الصلوة والسلام وتلك المناسبة لم تحصل في غيرها وهي انما تحصل وتظهر في سر اطوار ظاهر الظاهر ولو فتحنا هذا الباب وتصدينا لشرح تلك اللباب لطال الكلام زائدا عما يقتضيه المقام والاشارة اليه على جهة الاجمال لاهل التوجه والاقبال هي انه عليه السلام لما ذكر بعضا من اسرار ولايته الظاهرة في المخلوقين وكانت الطبايع غير ناضجة والنفوس والسرائر غير طيبة لم تتحمل وكادت ان تفسد وتضمحل اراد عليه السلام اثباتها ودلالتها الى ما فيه نجاتها وبه بقاؤها وثباتها وقال لهم لا تستعظموا ذلك فينا فان امرنا اعجب وسرنا اغرب وهذا الذي ذكرنا لكم شيء يسير من ذلك بل جزء من مائة الف جزء من مثقال الذر فاذا تنبهوا ان الامر اعظم مما سمعوا هان لهم الخطب في التصديق وسهل عليهم الامر لان النفس اذا تنبهت الى ما هو اعظم مما كان عندها توجهت والتفتت اليه ويبقى الاول سهل التسليم والانقياد فلا تتنفر منه وتحتمله وتجوزه الى ان يرسخ فيها وتطمئن ولما كان الخلق اكثرهم في القوس الصعودي ما وصلوا الى مقامهم الحقيقي وما لحقوا بمركزهم الواقعي ووطنهم الاصلي لم تكن المصلحة لاظهار السر اللبي بصريح العبارة فاتى عليه السلام بالاشارة بغامض العبارة في لحن المقال يدركها من اراد عليه السلام ارادة خاصة وتصون عن ( على خ ) الجاهل الذي قد ابى ان يتعلمها منه روحي فداءه فاتى عليه السلام بالفاء للاشارة الى قوله تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم والفاء هي الكمال الشعوري لآخر مراتب المبادي العلوية العددية وهي الآحاد وآخرها التسعة والعين لما ظهرت في الفاء او في الطاء تولدت عنها الواو مثناة وهو قوله تعالى واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا قال عليه السلام كما تقدم ان موسى اشارة في الباطن الى رسول الله صلى الله عليه وآله والعصا هي عليّ عليه السلام والحجر هي فاطمة عليها السلام والعيون الاثني عشر هم الائمة عليهم السلام ومنها عليّ عليه السلام وكذلك في هذا المقام ظهرت الواو مثناة من اجتماع عين عليّ عليه السلام مع طاء فاطمة عليها السلام والوجه في هذا السر ربما نذكره ان شاء الله فيما بعد والعين هي كلمة كن قد تحققت وتقومت في التعين الاول ومنه ظهرت في الحسن عليه السلام ومنه في الحسين عليه السلام ومنه في القائم عليه السلام ومنه في الائمة الثمانية عليهم السلام ومنه في فاطمة عليها السلام ومنها تقسمت آثارها وظهوراتها في العالم على نحو اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فالخلائق كلهم واقفة ببابها ولائذة بجنابها لانها في افلاك المبادي واوائل جواهر العلل كالقمر بالنسبة الى الافلاك الجسمانية اقرب الافلاك الى المستمدين الفقراء اللائذين لافتقارهم الى الرطوبة والبرودة المناسبة لمقامهم اعظم واشد والقمر يؤثر الحيوة والقوة والحركة فيهم من جهة تقاطعه مع الشمس في الفلك الجوزهر وبذلك التقاطع حصلت الحيوة والاشارة الى ذلك التقاطع الحقيقي هي الازدواج الظاهري بين عليّ وفاطمة عليهما السلام ولذا كان ازدواجهما في السماء بمحضر من الملأ الاعلى بامر العلي الاعلى انظر الى اللطائف العجيبة في قوله تعالى اشارة الى هذه اللطيفة الدقيقة كلا والقمر والليل اذ ادبر والصبح اذا اسفر انها لاحدى الكبر نذيرا للبشر اما اتيان القمر والليل فظاهر من انهما طبع المرأة بمقتضى الكينونة والصبح اشارة الى التقاطع الذي ذكرنا ولذا كان وقت الصبح وقت تقسيم الارزاق وهي احسن الساعات وهي من ساعات الجنة لان تلك الساعة يحكي عن الفلك الجوزهر في المبدأ الاول لظهور سلطان النهار وسلطان الليل فيه فليست الحرارة فيه غالبة ولا البرودة وانما هو في كمال الاعتدال وصحبة اهل الوصال واستقامة الاحوال فالقمر والليل اشارتان الى مقامها عليها السلام والصبح اشارة الى مقامها مع عليّ عليها السلام في قوله تعالى انا انزلناه في ليلة القدر وما ادريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام فالعين في مقام الاجمال لم تظهر احكام تفاصيلها ( تفصيلها خ ) الا بالتقاطع مع الطاء والآثار التفصيلية لم تظهر الا من الطاء بعد التقاطع وتطورها في اطوار كماليها المستخرج المتولد منهما الفاء فما للعين بذر وما للطاء اصل وفرع بذر الا ترى ان الشمس تربي المواد وهي في غاية الاجمال والبساطة والتفاصيل ( التفصيل خ ) والصور انما هو بالقمر بعد التقاطع ولذا كان القمر صاحب العدد والحساب والكثرة والصور ولذا كان فلك القمر اكثر الافلاك في الافلاك الجزئية وان ساواه فلك عطارد فانما هو لامر آخر لكونه فلك الفكر والفكر له تقلبات واحوال ولذا كان له اوجان وحضيضان ولما تمت الكلمة في الطاء وكملت الطاء في الفاء ظهرت تفاصيل الفيض الناشي من الكلمة الوارد ( الواردة خ ) على محلها ومعدنها وينبوعها واصلها واول التفاصيل هو الستة لانها اول تثنية الواحد واول تكراره فان الواحد ثلاثة كما قدمنا مرارا ذكره وهو العدد التام كما ذكرنا لتساوي كسورها مع اصلها فوجب ان يذكر الواو بعد الفاء في هذا المقام ولذا قال تعالى انها لاحدى الكبر قال الصادق عليه السلام على ما رواه عليّ بن ابرهيم في تفسيره ان الضمير يرجع الى فاطمة عليها السلام وهي احدى الكبر وهم الائمة المعصومين ( المعصومون خ ) وهي نذير للبشر لان الفيض الظاهر بالبشارة والانذار انما هو عنها نشأ ومنها برز واليها يعود ويرجع واصول الفيض الى ان يكمل ويستقيم ستة في الايام يوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة وفي الذوات عالم العقول وعالم النفوس وعالم الطبايع وعالم المواد وعالم الاشباح وعالم الاجسام وفي العالم الانساني النطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم وانشاء الخلق الآخر وفي الصفات والاعراض الكم والكيف والزمان والمكان والجهة والرتبة فوجب ان يذكر الواو بعد الفاء لبيان ان ما ظهر منها صلوات الله عليها وروحي لها الفداء هي الاكوان الستة المالئة لكل الوجود بقراناتها واضافاتها ونسبها وتولداتها وصفاتها وسائر احوالها وهي الكون الجوهري والكون النوراني والكون المائي والكون الناري والكون الهوائي والكون الترابي فهي صلوات الله عليها قطب للعوالم كلها ثم اتى عليه السلام بالالف بعد الواو المدغمة مع اللام للاشارة الى تقسيم هذه العوالم الستة الى القابل والمقبول وخفاء المقبول الذي هو جهة الوحدة في القابل الذي هو جهة الكثرة ومراتب القابل ثلاثون عدد قوي اللام ثم اتى عليه السلام بالذال لبيان رتبة الكمال بعد التمام وهو يوم السبت بعد يوم الجمعة والبلوغ بعد انشاء الخلق الآخر والتركيب بعد اجتماع الحدود الستة لان السبعة هي العدد الكامل واشار ايضا روحي فداءه الى تشعب كل مرتبة باعتبار اطوار القابل والمقبول الى مائة مرتبة لتبلغ مرتبة الكمال في المقامات التفصيلية الى سبعمائة وهي عدد قوي الذال والاشارة الى ذلك ان كل رتبة ( مرتبة خ ) مخلوقة من عشر قبضات من الافلاك التسعة ومن الارض في كل عالم بحسبه فاذا جمعت ولاحظت اول النسب في هذه العشرة يكون لكل مرتبة مائة والسبعة تكون سبعمائة فافهم ثم اتى عليه السلام بالياء لبيان ظهور المبدأ في الوجه السفلى لانها قد اخذ من ياء عليّ عليه السلام ثم اردفها عليه السلام بفاء فاطمة عليها السلام في قوله عليه السلام فلق الحبة وبالجملة فالكلام لا يحسن على هذا النمط فانه شيء لا يعرفه الناس واذا سمعوه قابلوه بالانكار واذا تنبهوا لذلك ربما يفرعون عليه ما لا يصح ولا يليق لان هذا باب منسد الا من اطلعه الله سبحانه على غيوب الاشياء واشهده نفسه وخلقه فيرى الاشياء كلها بسر الوحدة ويضع كل شيء في موضعه واما الجاهل بالامر فلا يسعه ذلك اذ لا يجوز القياس والظن والرأي والتخمين والالحاق بالاعم الاغلب والالحاق بالمشهور في هذه المقامات وهذه الدقيقة التي هي اغرب مما ذكر عليه السلام مصرحا على حسب الظاهر واما في الحقيقة فليست فيها غرابة بوجه بل لو لم يكن كذلك لكان غريبا لانها معهم عليهم السلام في رتبة واحدة وهي آخرهم والطفرة في الوجود باطلة فيجب ان الفيض المنتشر في العالم انما يكون عنها وبها والخلق كلهم عبيد لها ولها الهيمنة والاستيلاء على كل الوجود والموجود ولكن كما ذكرت سابقا ان الطبايع الغير الناضجة من الشيعة اذا سمعوا مثل هذه الكلمات في حق عليّ عليه السلام مع ما ورد في حقه من الفضائل والمناقب التي لا يسع انكارها لاحد من المسلمين يستغربون ويستعظمون بل ينكرون كما انكروا ونسبوا هذه الخطبة الشريفة وامثالها من الخطب والاخبار والاحاديث كلها الى الغلاة والمفوضة فما ظنك اذا سمعوا ذلك واعظم منه في حق سيدتنا الزهراء على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف التحية والثناء ولكنهم عليهم السلام اهل الكرم والجود لا يبخسون الناس حظهم ويؤدون الى كل احد حقه ممن يطلب منهم او لا يطلب منهم وان كان لا يصح ان لا يطلب منهم فاشار الى تلك الدقيقة بتلك الاشارة كما اشرت لك والحمد لله رب العالمين واعلم اني لم اذكر في هذا الشرح النكات والوجوه الظاهرية التي تعرضوا لها اهل المعاني والبيان في المحسنات اللفظية او اهل النحو والصرف واللغة في القواعد الحرفية او اهل الحروف الظاهرية في الحروف العددية او اهل الخطوط والرقوم والرسوم الرقمية او المعاني التي ذكرها الحكماء واهل الطبيعة اذ المرجع فيها وامثالها ما ذكروا في كتبهم واثبتوه في زبرهم وليس ذلك المطلوب منا في هذا الشرح بل المراد منا كشف الاسرار ورفع الحجاب وفتح الباب لاولي الالباب فاقتصر على ذكر بعض الامور والاسرار التي لم يذكروا ولم يدونوا ولم يعثروا عليه مما نطقت به بواطن الاخبار المعصومية وشهدت بتصديقه الآيات القرآنية ودلت عليه الشواهد العقلية والفؤادية بين تصريح وتلويح واشارة ورمز وتعمية وامثالها كل ذلك خوفا من اشباه الناس الذين تمكن في صدورهم الوسواس الخناس قال تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم وانما اتى عليه السلام بالاسم الموصول في المقسم به لبيان الابهام في فالق الحب وبارئ النسم وان كان هو المتعين لان الله عز وجل هو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة الا انه سبحانه لم يتغير ولم يتبدل ولم يتحول من حال الى حال ولا يعتريه نقصان ولا زوال فادام الملك في الملك والجأ المخلوق الى مثله واقام الاشياء باظلتها وتجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها والاشياء كلها ظهورات افعاله تعالى ولها ظهور ولظهور ظهورها ظهور ولظهور ظهور ظهور ظهورها ظهور وهكذا الى ما لا نهاية له من الاطوار والظهورات ولما كان الله سبحانه امره واحدا وحكمه واحدا كل تلك الظهورات تفصلت في كل رتبة بالحب والنوى في كل منهما ظهرت نسمة كما نبين لك ان شاء الله تعالى فهو تعالى في كل رتبة ( مرتبة خ ) فالق الحب وبارئ النسم هذا في مقام الحقيقة بعد الحقيقة ولا فرق حينئذ بين اتيان الاسم الموصول وعدمه اذ ليس فيه ابهام وانما هو تعيين وان كان باثبات بعض ومحو الآخر حين الاثبات او المحو فان كل رتبة عند الاعلى فانية بل لا شيء ولا ذكر لها هناك واما في مقام ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى تظهر الثمرة والابهام بارادة المعنيين او بسر الامر بين الامرين فان الاشياء والموجودات كلها على اختلافاتها ما ظهرت ولاوجدت الا بجهة من الله وجهة من نفسه وتلك الجهة هي فاعل فعل الفاعل كما في قوله تعالى كن فيكون ففاعليته تعالى للشيء انما هي في نفس الشيء لا في نفس الذات القديمة تعالى شأنه والا لكانت محلا للحوادث او مركبة او متغيرة متبدلة ولا يوجد شيء ابدا من الجهة الوحدة وان كان ذلك الشيء مما اضمحلت انيته واندكت هويته تنسب آثارها ( آثاره خ ) كلا الى الفاعل سبحانه ولا يلاحظ ذلك الشيء بتلك الجهة اصلا مثل ما في قوله تعالى خلق الله السموات والارض اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك وقوله تعالى الله يتوفي الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الآية وقوله تعالى فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة الآية وقوله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا وامثالها من الآيات وان كان الشيء بقيت له الانية لكن لا يترتب عليها الاثر مسلوبة الحكم والتصرف وانما هي لحفظ وجوده فذلك الشيء آثاره تنسب اليه ثم تسلب عنه فالنسبة لكون الشيء له انية ومقام فرق في الجملة واما السلب فلحكم الاضمحلال والزوال كما في قوله تعالى ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وان كانت انية الشيء من شأنها ان تظهر منها اثر وان اضمحلت فذلك الشيء تنسب آثاره الى نفسه لكن بالله سبحانه وباذنه وامره كما في قوله تعالى خطابا لعيسى عليه السلام واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وتبرئ الاكمه والابرص باذني ومثل ما في الحديث ان الله اذا اراد ان يخلق الولد في بطن الام يرسل ملكين خلاقين يقتحمان من فمها الى بطنها الحديث وان كان الانية تظهر آثارها وتقتضي شهواتها المخالفة لكينونة الحق سبحانه كما قال تعالى خطابا لآدم (ع) روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي فذلك الشيء لا تنسب آثارها الا اليه ولا تنسب الى الله سبحانه ابدا الا بالعلم والدليل على ان الممكن لا يستغني في افعاله عن الله عز وجل وان الافعال كلها تجري بسر الامر بين الامرين كما في قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى وقوله تعالى انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر اهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضيا وقوله تعالى فانطلقا حتى اذا لقيا غلاما فقتله الآية وهكذا امثالها من الآيات وهذا هو الحكم في الكينونة الاولية الدنياوية ولما كان الفاعل هو المشتق من المصدر كالقائم المشتق من القيام والضارب المشتق من الضرب وليس مرد الفاعل ومحله الا الى الاثر الذي هو المصدر لا الذات البحت وهو الذي تشهد به الفطرة الالهية والفاعل صفة لا حقيقة وذات ولما كان الخلق في القوس الصعودي بعد النزولي قبل وصولهم الى المبدأ الذي تنزلوا منه وقفوا في مقام الكثرة والانجماد ولم يحصل لهم الذوبان التام حتى يشاهدوا ذلك المعنى بسر الهوية ولب الفطرة قد ينسب الفاعل الى المصدر لبيان ان الذات متعال عن الاقتران والاتصال وان الفاعلية صفة قائمة بهذا المحل وهي لله سبحانه وقيامها به قيام صدور لا قيام تحقق ومعنى هذا الكلام في هذا المقام ان حقيقة المصدر الذي هو المبدأ هي تلك الصفة لا ان الحقيقة شيء والصفة شيء آخر ليكون مشاركا او مستقلا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومن هذا القبيل قول عليّ عليه السلام انا خالق السموات والارض بامر ربي انا داحي الارض كما يأتي ان شاء الله فان ذلك للبيان لا انه المستقل او له انية تصدر عنها الاثر كما مر في قوله تعالى حكاية عن عيسى (ع) اذ تخلق من الطين كهيئة الطير الآية واما معنى قول مولينا الصادق عليه السلام على ما رواه المجلسي من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر فكما ذكرنا من لزوم توهم الانية والاستقلال ليكونوا كالوكيل فان ذلك كفر محض وزندقة صرفة ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين بل الخالق هو الله سبحانه لا يشاركه معه غيره ولا يستقل سواه والخالق صفة فعلية وحقيقتهم عليهم السلام تلك الصفة لا ان حقيقتهم امر والخالق امر آخر فالله سبحانه هو الخالق وحده فمن رام غير هذا المعنى غلا وكفر والاشارة الى البيان لاهل القوس النزولي حتى لا يضلوا ويتنبهوا لحقيقة الامر قال الله عز وجل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون مع ان مولينا الصادق عليه السلام نفي هذا المعنى بعينه فافهم وتنبه واعلم بانه لا تعارض ولا تنافي بين الاخبار والآيات انظر الى قوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها الآية وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم وما دلت الاخبار والادعية ان ميكائيل هو الموكل على الارزاق وقوله تعالى يدبر الامر يفصل الآيات وقوله تعالى في الملائكة فالمدبرات امرا وقوله تعالى انزلنا عليك الكتاب وقوله تعالى قل نزله روح القدس على قلبك باذن الله اجمع بين هذه الآيات والروايات تجد سر ما ذكرنا لك واضحا ظاهرا بينا ان شاء الله واما اذا اتصل القوسان واتحد القطبان في يوم القيمة يوم الفزع الاكبر وما بعده في الجنة فترد الاشياء كلها الى الله وترجع اليه سبحانه انا لله وانا اليه راجعون فكل النسب تنتهي اليه تعالى لا يسمع فيه ( فيها خ ) صوت الا صوتك ولا يرى نور الا نورك وفي هذه الدنيا كذلك الا انه لاهل الآخرة والامر يومئذ لله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ولقد كشفت الامر واوضحت السر ولم يبق الا التصريح وذلك ممنوع منه شرعا وان كان عند من فتح الله نور بصيرته مصرحا مكشوفا والله ولي التوفيق

قوله عليه الصلوة والسلام فلق الحبة الحبة قد فسرت في تفسير اهل البيت عليهم السلام بالنطفة ويشهد له قوله عليه السلام وبرأ النسمة لانها انما يتحقق بفلق الحبة اي النطفة الى العلقة وفلقها الى المضغة وفلقها الى العظام ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الآخر ثم الولادة الجسمانية ثم الولادة الدنياوية ثم الولادة الروحانية ثم الولادة العقلانية ثم الولادة البرزخية ثم الولادة الاخروية فهناك تتم الخلقة وتبرأ النسمة على اكمل ما يمكن في حقه ثم لا يزال تترقى من نوع ما هي عليه الى ما لا نهاية له والحبة هي فاطمة الصديقة الطاهرة عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها آلاف الثناء والتحية قد انفلقت منها النسمات النورية كما في قوله تعالى انا انزلناه يعني عليّا عليه السلام في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم اي كل امام حكيم بعد امام حكيم وانما كانت حبة لان الله عز وجل فطم محبها ومحب محبها ومحب محب محبها من النار وقد قال مولينا الصادق عليه السلام في تفسير قوله عز وجل كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة قال عليه السلام ما معناه ان الحبة هي فاطمة عليها السلام والسنابل السبع هي الحسين واولاده عليهم السلام قيل والحسن قال عليه السلام ان الحسن امام مفترض الطاعة وليس من السنابل ه‍ يريد من السبعة تلك الحقايق المقدسة بحسب اسمائهم الشريفة فانها تكون سبعة وهم الحسين عليه السلام وعليّ ومحمد وجعفر وموسى والحسن والمهدي صاحب الزمان عليهم الصلوة والسلام وانما كان الحسن (ع) ليس من السنابل اذ ليس له عقب يكون اماما فمانبت من اصله من هو مثله واما القائم (ع) فانه من السنابل لانه منتهى اليه التعلقات وانقطعت الامامة عنده ومائة حبة هم الاولاد لكل واحد منهم عليهم السلام في الرجعة مائة ولد كلهم اولياؤ الله وخلفاؤه في ارضه ممتازون عن سائر الاولاد الالف بالعلم والمعرفة والمحبة وامثالها وفالق الحب حينئذ هو مولينا امير المؤمنين عليه السلام بالله او قل هو الله سبحانه بعلي عليه السلام وكلا المعنيين واحد فيكون على هذا المعنى مؤدي قوله عليه السلام فيما بعد وحقي وعظمتي لكن امره امر الله وحكمه حكم الله وقوله قول الله وفعله فعل الله لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وخلقه فتقه ورتقه بيده بدؤه منه وعوده اليه او يراد بالحبة العقل الاول الكلي قد انفلق منه العالم كله لان الموجودات ( الوجودات خ ) المقيدة الظاهرة بالآثار والاحوال من العلويات والسفليات كلها انما تحققت باقباله وادباره وهو في ذاته في كمال البساطة والتجرد لكنه لما تنزل الى المقامات السفلية لحقته الاعراض والحدود والقيود فصار بلحوق كل حد وقيد منشأ اصل من اصول الموجودات كالنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم وغيرها وكل ذلك انما انفلق من تلك الحبة فلما رجعت الى عالمها عادت الى بدئها من كونها حبة وبقيت الاصول الظاهرة والناشئة منها كل اصل في مكانه ورتبته كالحبة اذا زرعتها فانها تصير سنبلة ثم عادت الى اصلها اي كونها حبة وبقيت السنبلة الناشئة منها في مكانها ومرتبتها في الوجود وذلك ظاهر وحقيقة الامر في الحبة انها هي المحبة ولذا اشتقت لها الحبة لسر تلك المحبة الظاهر الساري فيها فان الله عز وجل قال في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالمحبة هي علة الخلق وهي منشأ وجوده فهي اول ما خلق الله سبحانه فنظرها دائما الى المحبوب لكن قد يحصل لها نظر الى المحب وبذلك كانت حجابا كما قال مولينا الصادق (ع) المحبة حجاب بين المحب والمحبوب فبذلك الحجاب ناسب لحوق الاعراض والحدود فهي في حد ذاتها ذات وجهين نظر الوحدة ونظر الكثرة فبالاولي بسيطة غير منفلقة وليس لها ضد لانه جهة الكثرة وبالثانية تنفلق ويحصل لها الضد حين ميلها الى الانفلاق وذلك الضد هو النوى قال تعالى فالق الحب والنوى فانفلق من الحب او الحبة الهياكل النورانية المصوغة من القبضات الطيبة من ارض العليين وسمائه وهم النسمات الالهية فانفلق منها العرش وهو قلب النسمة على حسب مقامها من الكلية والجزئية ثم الكرسي وهو صدرها في الكلي والجزئي ثم زحل وهو دماغها ثم المشتري وهو علمها ثم المريخ وهو وهمها ثم الشمس وهي وجودها ثم الزهرة وهي خيالها ثم عطارد وهو فكرها ثم القمر وهو حيوتها ثم النار وهي مرتها الصفراء ثم الهواء وهو دمها ثم الماء وهو بلغمها ثم التراب وهي مرتها السوداء والمجموع جسدها فلما انفلقت منها هذه المراتب تمت كينونة النسمة ولذا اتى عليه السلام في مقام النسمة بقوله وبرئ النسمة فان برئ هو الفعل المتعلق بايجاد الصور والحدود كما ان خلق هو الفعل المتعلق باحداث المواد وتلك الحدود هي الاطوار التي اشرنا الى شيء منها وكلها انما حصلت بانفلاق الحبة كما سمعت مجملا ولا تظهر تلك المراتب في القوس الصعودي تامة الحكم متميزة الآثار الا بعد تسعة واربعين مرتبة لان الثلثة عشر في اربع دورات دورة العناصر ودورة النبات ودورة الحيوان ودورة الانسان تبلغ ما ذكرنا فلما تمت هذه المراتب جعل الله سبحانه كل رتبة مخزنا لفيض من الفيوضات العلوية وعلم من العلوم اللدنية حتى استكملت عند تلك النسمة اسرار الاكوان ومستجنات غيوب الامكان وجميع مراتب الكمال والجلال والجمال والعظمة والاقبال والبهاء والنور وكلما يريد سبحانه من الخلق ان يعلموه عند توجههم اليه تعالى مما يلقي اليهم من بحر الصاد اول المداد من القطرات الواردة الواقعة على اراضي جهات القابليات والاستعداد حتى يستوفي الاجل ويبلغ الامل ومن الله المزيد كما قال عز وجل ولدينا مزيد واما النوى فقد انفلق منها مقابلات ما ذكرنا للنسمة الخبيثة والفطرة الملعونة فانفلق منها الثرى وهي وجهلها الكلي في الكلي والجزئي في الجزئي ثم الطمطام وهو صدرها ثم ارض الشقاوة وهي دماغها ثم ارض الالحاد وهي علمها المنكوس ثم ارض الطغيان وهي وهمها ثم ارض الشهوة وهي مادتها الخبيثة ثم ارض العادات وهي خيالها الميشوم ثم ارض الطبع وهي فكرها الملعون ثم ارض الممات وهي حيوتها ثم كمثل الكلب وهي مرتها الصفراء ثم الريح العقيم وهي دمها ثم الماء المالح وهو بلغمها ثم الحجارة والحديد وهي مرتها السوداء والمجموع جسدها فلما انفلقت منها هذه المراتب تمت كينونتها وخبثت نتنها وكثافتها ثم دارت اربع دورات واستكملت لها المراتب الخبيثة والمقامات الملعونة فاستجمعت جميع الخبائث واستوعبت كل الرذائل وصارت تدعي الربوبية وتدعو الى نفسها وهو قوله تعالى ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا وانما ماذكر النوى عليه السلام في هذا المقام واقتصر بذكر الحبة لبيان انهم اي النسمات المنفلقة من النوى كلهم منسيون كما نسوا الله جل جلاله فلا يذكرون الا بالتبع وبالكناية واللزوم لا بالتصريح والقصد الا في مقام يقتضي التصريح لمصالح وحكم وذكر الحبة يستلزم ذكر النوى فاقتصر عليه السلام على الاشرف وترك الاخس وفلق الحبة اشار ( اشارة خ ) الى سر الموجودات كلها لان الخلق باجمعهم انما تشعبوا وتطوروا واختلفوا بعد اجتماعهم كلهم في حقيقة واحدة وهي المحبة التي بها اوجد الله الخلائق فالقسم بفالق الحبة يستلزم القسم بالله الاسم الاعظم الذي حوي الاسماء والصفات كلها لان كل شأن انفلق من تلك المحبة استدعي ظهور اسم من الاسماء الالهية واليه الاشارة في دعاء كل يوم من رجب لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد والاشياء بكل انحائها لا تستغني عن المدد واما حقيقة فالق الحبة ومدلول هذه العبارة والمشار اليه بهذه الاشارة فاعلم ان لي كلاما في هذا الباب الجامع لهذا وامثاله وامليته على بعض الاحباب مشتمل على ما لا تحيط به العبارة ولا تدركه الاشارة احب ان اورده في هذا المقام فابذل جهدك في معرفته فانه تمام الامر وجماع التوحيد وكل كلام غيره ساقط دونه وهو :

بسم الله الرحمن الرحيم اعلم ان الذات هي هي لا يخرجج منها شيء ولا يدخل فيها شيء ولا ينسب اليها شيء لان النسبة تكييف وتحديد ولا يقترن معها شيء فجميع النسب والاضافات والقرانات انما هي لظهوراتها وتلك الظهورات هي امثالها الظاهرة واشباحها المنفصلة لا فرق بينها وبينها الا انها عبادها وامثالها وآياتها فالاشارات كلها تنتهي الى تلك الظهورات ورتبتها متأخرة عن رتبة الذات فهي موضع الاشارة في مقام اللا اشارة فضمير المتكلم والمخاطب والغائب انما ترجع الى تلك الظهورات لا الى صرف الذات فاذا قلت انا تريد به الظاهر بالكلام وذلك الظاهر هو مثالك الملقى في هوية الكلام ولما كان الخلق كلهم ظهورات افعال الله سبحانه وتجليات اسمائه كما قال عليّ عليه السلام بل تجلى لها بها وقال مولينا الصادق عليه السلام ان الله تجلى لعباده بكلامه كان ما ينتسب ( ينسب خ ) اليه سبحانه باي نحو من الانحاء سواء كان بالضماير او بالموصولات او بالاسماء والاعلام او بالاضافات على كل وجه فانما هي في رتبة ذلك الظهور ولما كانت حقايق الخلق هي ذلك الظهور كانت مدلولات تلك الدوال هي تلك الحقايق بتجليه سبحانه فيها وتجليه سبحانه فيها على حسبها فما ينتسب اليه تعالى هو ما يناسب في مقامها مما ينتسب اليها لا من حيث هي هي ولما كان الخلق المنتسب الى الله تعالى على الحقيقة الاولية منحصرا في محمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين كما قال تعالى اشارة الى هذه الدقيقة في الباطن واصطنعتك لنفسي وقال ايضا تعالى والقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني كان ما ينتسب الى الله سبحانه واردا على تلك الحقيقة المقدسة الشريفة فعلى هذا فافهم معنى قوله تعالى اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري وقوله تعالى ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب وقوله تعالى ولقد بنينا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وامثالها من الآيات في هذا الشأن واليه الاشارة بقول مولينا الصادق عليه السلام ونحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي الزيارة السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء وجنبه العلي وقال الصادق عليه السلام في حديث طويل الى ان قال عليه السلام وهو المسمى ونحن اسماؤه وهو المحتجب ونحن حجبه الحديث فاذا عرفت هذه الدقيقة فاعلم ان النبي صلى الله عليه وآله قال في جواب اليهودي الى ان قال صلى الله عليه وآله ان الله تعالى اوحى اليّ ان فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق والمشبه عين المشبه به فتكون نسبة الله الى خلقه هي بعينها نسبة آل محمد عليهم السلام الى سائر الخلق فعلى هذا فاجر كلما ذكرنا فيما ينسب اليه سبحانه وما يراد منه فيما ينسب الى الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله حرفا بحرف فان الخلايق سواها كلها اشباح ظهوراتها وهياكل صفات كينونتها ( كينوناتها خ ) والاشارة تنتهي الى الصفات والعبارات تتعلق بالتعلقات وهي كلها دون تلك الحقيقة فتلاحظها فيها وتشاهدها معها فيما ينسب اليها مما يناسب مقامها لا من حيث مقامها وفي بعض الاحوال مما يناسب مقامها على ما فصلت لك سابقا فاذا فهمت هذا الذي ذكرت واتقنته ظهر لك سر عجيب وامر غريب فعلى ما ذكرت فاحمل قوله عليه السلام فو الذي فلق الحبة وليس المراد منه ومن امثاله الا الله سبحانه وحده على جهة الاستقلال لا يشاركه فيه احد ولا يتخذ لنفسه وزيرا ولا عضدا قل الله خالق كل شيء افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون افرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشؤن فلا استقلال لشيء الا لله سبحانه ولا فعل الا فعله ولا حكم الا حكمه ولا امر الا امره فمن رام غير هذا المعنى مما ذكرنا ومما يسمع منا فقد كفر كفر الجاهلية الاولى ونحن الى الله منه برآء

قوله عليه الصلوة والسلام : وتفرد بالجبروت والعظمة هذا الكلام متفرع ومترتب على الكلام السابق وان لم‌ نقل ان الواو للترتيب وان كان الظاهر من ظواهر الادلة الترتيب ويستفاد ذلك من بعض الروايات كما في التهذيب وغيره لانه عليه السلام لما ذكر فالق الحبة لكنه على الجملة الفعلية لا الجملة الاسمية للاشارة الى ان هذا المقام مقام الفعل العامل في الاسم وان كان ذلك اسم الفاعل فهو العامل ولا يدخل عليه معمول وهو عليّ ابدا ولا يعلى عليه ولذا اتى عليه السلام بصيغة الماضي الذي هو المبني الذي لا يؤثر فيه العامل بخلاف الفعل المضارع فان للعامل فيه تأثيرا وقد اشار لاهل الاشارة الى تحقق المقامين وان مقام الفعل اعلى من مقام اسم الفاعل وان كان اسم الفاعل فيه ذكر المبدأ وحده لا سواه لكن ذلك حكاية الفعل للاسم عدم استقلالية نفسه فالمقسم به في هذا المقام اعلى من المقسم به في مقام اسم الفاعل وان كان كلاهما اسمين لله سبحانه وورد التعبير بهما كما في قوله تعالى فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت الآية وذلك كما نقول ان اسم الله اعظم من سائر الاسماء فاذا اقسمت باسم الله يكون اعظم بالنسبة الى ما اذا اقسمت بالاسم الخالق فافهم وقد عرفت ان الموجودات المكونة بل والممكنة انما تحصلت ووجدت بانفلاق الحبة والنوى فلا موجود من الموجودات خارجا عن انفلاق الحبة اما بذاتها او بعكسها فيكون فالق الحبة وبارئ النسمة حينئذ متفردا ومتوحدا بالجبروت والعظمة والقدس والعزة والهيمنة والسلطنة والبهاء والقدرة والبسط والعطية وامثالها من شؤن الجلال والجمال والكمال والقدرة والقوة لان بكلمته انزجر العمق الاكبر وركدت البحار وخضعت الجبال ووجلت القلوب من مخافته واستسلمت له الخلايق كلها فظهر لك ان الذي فلق الحبة وبرئ النسمة هو المتفرد بالجبروت والعظمة اما الجبروت فهو الظهور الالهي على جهة الهيمنة والاستيلاء والاقتدار الذي يقهر كلما عداه ويبطل كل ما سواه واليه الاشارة ( على خ ) ما في دعاء عليّ بن الحسين عليهما السلام وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضك ( ارضيك خ ) السابعة السفلى باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم الدعاء وانما عبر عن السوي بالمعبود لان كل شيء يتوجه اليه القصد من دون الله سبحانه فهو معبود للمتوجه الناظر مع الله وهو قوله تعالى افرأيت من اتخذ الهه هواه وقال الصادق عليه السلام من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان وعلى هذا يكون الجبروت هو عالم العقول من جهة ظهوره تعالى فيه تحت الحجاب الابيض الاعلى وهو اعلى مقامات الوجود المقيد ومبدءه واصله وذكر الاشياء وظهور جهتيها انما كان في هذا العالم مبدءه لكن ( لكن لا خ ) على جهة الاضمحلال والفناء والعدم فالواقف في ذلك المقام لا يجد للاشياء تحققا اصلا وان كان يجد لها ذكرا لكنه على جهة البطلان ولا يجدها منشأ الاثر وذلك العالم منشأ العبادة والطاعة والسؤال والطلب من الله سبحانه ورضاه ومجلي الاسم الاعظم الله وقبله لا يتحقق العبادة لعدم العابد وبعده ايضا كذلك لخفاء ظهور المعبود في نظر الواقف في ذلك المقام لشدة انجماد الواقف وفرط ظهور المعبود واما في عالم الجبروت يجد المعبود سبحانه اظهر من كل شيء بل ربما لا يجد معه شيئا يكون منشأ للاثر فيخلص له التوجه والعبادة والخضوع والذلة والفقر والمسكنة والى هذا المقام اشار مولينا وسيدنا سيد الشهداء عليه السلام في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا وتوحيد اهل هذا العالم هو التوحيد الشهودي قد ظهر الحق لهم في قلوبهم واخذ بمجامعها فلا يجدون غيره الا باطلا فانيا وهنالك يظهر لهم سر ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه وانما سمى هذا العالم بالجبروت لانه عالم المعاني وعالم الاجمال والوحدة والبساطة والكثرات فيها مطوية مضمحلة كاضمحلال الصورة ( الصور خ ) والحدود التي للكتابة في المداد واضمحلال الصور الشخصية في ( وخ ) الطبايع الكلية فلاهل ذلك العالم الذي هي المعاني البسيطة جبروت وهيمنة وتسلط على ما عداهم من الصور الشخصية والحدود الرسمية والعقل من ذلك العالم ولذلك كان مدركا للمعاني الكلية بذاتها وبذلك كان معصوما اذ ليس عنده شيء مستقل له تذوت غير الله سبحانه حتى يتوجه اليه ويلتذ به اذ التوجه الى اللاشيء او الى الذي لا اصل له قبيح فيخلص حينئذ له التوجه الى الله سبحانه ولذا قال عليه السلام العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان فمن وقف في مقام العقل فهو لم يزل ينظر في الاشياء بنظر البطلان والاضمحلال ولذلك كان مصدرا للعبادة بدوا وعودا اما في القوس الصعودي بعد النزولي فلا يكلف بالعبادة الا بعد البلوغ اي ظهور العقل واستقامة المزاج حتى يثبت الظهور فلا تكليف ظاهرا على المجنون ولا على الصبي ولا على السكران ولا على المغمى عليه ولا على النائم كل ذلك لعدم ظهور العقل الذي هو جهة البساطة والوحدة وبه يتمكن عن معرفة جبروت الله وعظمته وكبريائه فان الله سبحانه واحد لا يتوجه اليه الا من جهة الوحدة وان كانت فيها كثرة الاسماء والصفات وجهات التعلقات لكنها مقهورة ومضمحلة عند سلطان الذات المسمى بتلك الاسماء وذلك منتهى غاية العابدين واما العود الى ( اي خ ) الصعود الى نقطة العقل والتجاوز عنه الى مقام الحقيقة والفؤاد والانقطاع عن جهة الانية والاستعداد فهناك يظهر البسيط ويدخل المدينة على حين غفلة من اهلها ويتحد الرائي والمرئي والرؤية والشاهد والمشهود والشهود والعارف والمعروف والمعرفة والمحب والمحبوب والمحبة فتنقطع العبادة لفقدان الشعور والانية والادراك الذي هو مناطها واذ ليس فليس لان الشيء مركب من جهتين جهة من نفسه وجهة من ربه وبهما يترتب عليه الاحكام ويتميز في المقام واما من جهة كل واحد من الجهتين فلا ميز ولا حكم واما الجهة التي هي من نفسه فهي ليست شيئا اذا نظر اليها مجردة عن الجهة التي من ربه وتشيئها وتحققها وتذوتها انما هو بالجهة التي من ربه وان كانت تخالفها وتضادها في كل ما لها لانها ساجدة للشمس من دون الله واما الجهة التي هي من ربه فليست فيها الا صفة ظهور الرب سبحانه بافعاله لا بذاته وتلك الصفة صفة رسم جعلها سبحانه في هويات الاشياء حتى يعرفوه بها وتلك الصفة مثال معرفته وهيكل توحيده فلا يفرض فيها جهة وجهة وحيث وحيث واعتبار وفرض وامتياز ومغايرة لانها وامثالها كلها من صفات المخلوقين وهو سبحانه منزه عن كلها والصفة يجب ان تكون دالة على الموصوف والا لم تكن صفة فيجب تنزهها عن كل الصفات الاعتبارية الامتيازية من الذهنية والخارجية والنفس الامرية والشيء ليس فيه الا الجهتان فاذا نظر الى الجهة السفلى كان محتجبا عن الله سبحانه فاذا نظر الى مخلوقيته واثريته وتوجه الى القديم الخالق المؤثر فهناك مقام العقل الذي ذكرنا ومحل العبادة وموقعها واذا تمحض في النظر الى الجهة العليا التي فيها صفة التوحيد الالهي الظاهر في العالم الخلقي لا القديم الازلي فارتفع عنده التمييز ( التميز خ ) والاشارة والعبارة والتوجه والخضوع والخشوع لان كل ذلك على فرض تحقق الوجهين واذ ليس فليس فاين موضع العبادة ولا شعور ولا احساس لانه قد اطفأ السرج وقد طلع الصبح وهو قوله تعالى في التأويل واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فاذا اتى اليقين الذي يقتضي رفع كل ما سوى الحق سبحانه ارتفعت العبادة لارتفاع شرطها الذي هو العقل والادراك والشعور والتمييز وهو قول مولينا عليّ عليه السلام من عرف الحق لم ‌يعبد الحق ه‍ اي حين المعرفة التي انست العارف نفسه وغيره واعلم ان بعض الضلال من الصوفية خذلهم الله واصلاهم نار جهنم حيث اعيوا عن طاعة الله سبحانه وعبادته وعن حمل اعباء الاوامر والنواهي التكليفية وارادوا ان يخرجوا عن ربقة الطاعة والعبادة والعبودية موهوا على الناس وقالوا ان الشريعة التي فيها التكليف والامر والنهي والوعد والزجر هي سلم وآلة للوصول الى الحقيقة فاذا وصل الانسان بالشريعة الى الحقيقة بقطع الطريقة فلا يحتاج بعد ذلك الى العبادة فتسقط عنه العبادات كلها والتكاليف باسرها لان المقصود من العبادة هو الوصول الى باب الملك فحيث وصل الانسان الى مقام الجمع والوصال انقطعت عنه التكاليف كلها والشرايع باسرها وهو قوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فتركوا بذلك التمويه الصلوة والصيام وسائر العبادات ولم يدروا لعنهم الله ان العبادة لم تسقط مع الشعور والادراك ولا يمكن الوصول الى جهة الظهور الالهي في رتبة الخلق الا بمحو الاشارات وسد ابواب المدارك والمشاعر والحواس كلها كما قال امير المؤمنين عليه السلام محو الموهوم وصحو المعلوم وكشف سبحات الجلال من غير اشارة واذا حصلت هذه الحالة لا يبقى للعارف سكون ولا قرار فيخر مغشيا عليه لانه ساجد حينئذ تحت عرش ربه قد توضأ من صاد لصلوة الظهر واتم صلوته وسجد وذلك بتعليم النبي صلى الله عليه وآله حين قيل له يا محمد (ص) ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر فيرتفع حينئذ الحس والاحساس والشعور والادراك والحركة كما كان يتفق لمولينا وسيدنا امير المؤمنين عليه السلام كما روي عنه عليه السلام وكما وقع عن الصادق عليه السلام حيث كان في الصلوة وكرر اياك نعبد حتى وقع مغشيا عليه فلما افاق قال عليه السلام لا زلت اكرر هذه الآية حتى سمعت من قائلها فحين الاغماء ارتفع التكليف اجماعا من المسلمين واما بعد ما افاق فقد بعد فوجبت عليه العبادة ما دام حيا ولانها ذكر المحبوب عند المهاجرة والوصول هو الاجتماع في مقام الظهور لا الذات البحت تعالى شأنها لانها لا تجتمع مع شيء ولا يقترن باحد وهو قول مولينا الصادق عليه السلام واذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب وآثر محبوبه على ما سواه وباشر اوامره واجتنب نواهيه وهذا تأويل قوله تعالى فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين وقول مولينا عليّ عليه السلام من عرف الحق لم يعبد الحق لا ما يقول اولئك الضلال الذين بنوا امرهم على مخالفة ائمة الهدى عليهم السلام واستثقلوا عن العبادة ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة وبالجملة فالجبروت هو مقام العقل وعالم المعاني اول الموجودات المقيدة وكل العوالم والمراتب والمقامات عنده مضمحل فان باطل وهو محل الرجاء وسلب الخوف اذ لا يجد لنفسه تحققا حتى يخاف عليها ولذا قال مولينا الصادق عليه السلام واذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل واذا تمكن من رؤية الفضل رجا ومن رجا طلب ومن طلب وجد والوجه الآخر لتسمية هذا العالم بالجبروت انه يجبر الكسر ( الكسير خ ) فان المراتب التحتية والمقامات السفلية كلها متقومة به وموجودة منه وهو قول امير المؤمنين عليه السلام والعقل وسط الكل وذلك لان العقل اول ما خلقه ( خلق خ ) الله سبحانه وتعالى فلما خلقه واستنطقه واودع عنده غيوب جميع الاشياء ومعاني الخلائق ثم قال له اقبل فاقبل فوجد باقباله كل المراتب الامكانية والذوات الخلقية بنسبة مقامها ثم قال له ادبر فادبر فظهر بظهوره كل ما كان مخفيا في القوس النزولي من المراتب والمقامات والاحوال والدرجات فاستكملت الاشياء كلها بالعقل فهو متمم لنقصانها وجابر لكسيرها واما العظمة فهي الظهور الالهي في رتبة الابداع الثاني كما كان الجبروت هو الظهور في عالم الاختراع الثاني وذلك الظهور الابتداعي انما هو في عالم الملكوت اي عالم النفوس تحت عالم العقول فانه عالم التشخص والتصور والتعين والاختلاف وذلك يورث العظمة الموجبة للخوف والخشية لانه مقام العلم كما قال عز وجل انما يخشى الله من عباده العلماء وقال سيد الساجدين عليه السلام لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم وهو مقام التصور والتمايز وظهور النور القاهر للمجموع الماحي لكل الكثرات ولذا وصف العلي بالعظيم في قوله تعالى وهو العليّ العظيم لان مقام عليّ عليه السلام هو مقام النفس الكلية ولذا كان كتابا جامعا لكل رطب ويابس كما قال تعالى ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وكل شيء احصيناه في امام مبين وكل شيء احصيناه كتابا هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهو عليه السلام النبأ الموصوف بالعظمة في قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقوله تعالى قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون وهو اسم الرب العظيم في قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم ولما كان الركوع في الصلوة ينبئ عن مقامه صلى الله عليه وآله كان الذكر فيه العظيم ولذا اشتق له لفظ العظيم من العين المأخوذ من عين عليّ عليه السلام والظاء التي هي آخر مراتب الكثرات وآخر مرتبة المئات في الرقوم الحرفية للاشارة الى ان المسمى في مقام الكثرة لا مقام الوحدة ثم الياء والميم المستنطقتان بالنون المشتق من النون في كن التي هي الابتداع الاول كما ان الكاف هي الاختراع الاول وبالجملة فالله سبحانه هو المتفرد بالجبروت والعظمة لا سواه اذ كل شيء سواه خاضع له وخاشع له منيب اليه وقد قلنا لك ان الجبروت والعظمة ليستا عين ذاته سبحانه وانما هما رتبة خلق من مخلوقاته في مقام المعاني لا مقام البيان وقد دلت الاخبار وشهد به العقل المستنير ان اهل البيت عليهم السلام هم معاني الله سبحانه كما قال مولينا الباقر عليه السلام لجابر بن عبد الله يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال وما البيان ( والمعاني خ ) قال قال عليّ عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وامره وحكمه وعلمه وحقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد فنحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا ونحن وجه الله الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين ومن جهلنا فامامه سجين ولو شئنا خرقنا الارض وصعدنا السماء وان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم ه‍ فاذا كانوا سلام الله عليهم هم معاني صفات الله سبحانه فهم نوره وعظمته وجبروته وبهاؤه وجماله وجلاله ورحمته ونعمته وقدرته ومشيته وسائر المعاني ولا شك ان كل شيء خاضع لعظمته تعالى وخاشع لقدرته وجبروته وكبريائه كما في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم وفي الدعاء وبعظمتك التي ملأت كل شيء وفي دعاء رجب فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فهم العظمة التي ملأ الله بها السموات والارض وكل الاشياء ذليلة لديهم لانها تتوجه الى الله تعالى بهم كما في الزيارة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وقالوا عليهم السلام كما تقدم نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وقال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده والتسبيح لا يكون الا بالاسماء وهي كلها مقهورة تحت هيمنة اسم الله وفي زيارة عليّ عليه السلام السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء فصح خضوع الاشياء لهم بجميع احوالها وشؤنها واطوارها ومقتضياتها وسائر احكامها والله سبحانه هو المتفرد بهذه العظمة والجبروت لانهم لله سبحانه لا لسواه كما قال تعالى واصطنعتك لنفسي وقال عليّ عليه السلام اشارة الى كونه عظمة الله وتفرد الله سبحانه بمالكيته انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات فاذا ارجعت الضمير الى الذي فلق الحبة جاءت الاحتمالات التي ذكرناها في اطوار باطن باطن الباطن فراجع وتفهم

قوله عليه السلام : لقد سخر لي الرياح والهوام والطير اتى عليه السلام باللام للتأكيد والتثبيت لانها سر من اسرار عليّ عليه السلام واسم من اسمائه وقد قلنا سابقا ان اسمه عليه السلام هو اللام ولذا كان سير القمر ثلاثين يوما لكونه مثاله وآيته ودليله وشبحه قد ظهر وجهه فيه وهو المحو الذي في القمر وبقد للتحقيق لان القاف من ظاهر عليّ عليه السلام والدال من باطن محمد صلى الله عليه وآله وبهما يتحقق الاكوان وظهر الاعيان وثبت الزمان والمكان فيما ( فما خ ) يشير اليهما بتلك الجهة يكون دالا على ذلك اما كون القاف من ظاهر عليّ (ع) لما ورد في تفسير حمعسق ان حم هو محمد صلى الله عليه وآله وعلم عليّ كله في عسق فالعين اشارة الى عقله والسين الى صدره والقاف الى جسده صلى الله عليه وآله والعلوم كلها لا تخلو عن المراتب الثلثة وانما خصص القاف بالجسد لما ورد ان القاف جبل من زمردة خضراء عليه اكناف السماء وهو محيط بالدنيا كلها وخضرة السماء انما هي من تلك الزبرجدة وذلك صفة الجسم لان جسمه الشريف وان كان من عالم الشهادة بالنسبة الى مقامه ومرتبته وذلك عالم الكثرة المقتضية للبرودة واليبوسة المقتضيتين للسواد ولكنه ممتزج ومقترن بصفرة الروح وذلك مقتضي الخضرة مع ان الجبل يشار به الى الجسد وظاهر الشيء لانجماد المقامات الروحانية فيه كالجبل ومن هذه الجهة كان ( كانت خ ) القاف يشار بها الى التحقق والثبات وهو قول الخضر عليه السلام في مرثية مولينا امير المؤمنين عليه السلام كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف واما الدال فانها من باطن محمد صلى الله عليه وآله لانها هو الاصل في اسمه الشريف وما عداها كلها ظهوراتها وتفاصيل شؤنها واطوارها واحوالها لانها يشار بها الى اجتماع الطبايع الاربع واعتدالها المقتضي للدوام والثبات والبقاء والاستمرار فعند اجتماع القاف مع الدال تحصل الدلالة الى غاية التحقيق والتثبيت ولذا كان قد حرف التحقيق والتأكيد فافهم واما الرياح فهي اقوى جنود الله سبحانه كما روي عنهم عليهم السلام في الفقيه عن عليّ بن رئاب عن ابي بصير قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن الرياح الاربع الشمال والجنوب والصبا والدبور وقلت له ان الناس يقولون ان الشمال من الجنة والجنوب من النار فقال عليه السلام ان لله عز وجل جنودا من الريح يعذب بها من عصاه موكل بكل ريح منهن ملك مطاع فاذا اراد الله ان يعذب قوما بعذاب اوحى الى الملك الموكل بذلك النوع من الريح الذي يريد ان يعذبهم به فيأمر بها الملك فتهيج كما تهيج الاسد المغضب ولكل ريح منهن اسم اماتسمع لقوله تعالى انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر وقال عز وجل الريح العقيم وقال تعالى فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت وما ذكر في الكتاب من الرياح التي يعذب بها من عصاه ولله عز وجل رياح رحمة لواقح ورياح تهيج السحاب فتسوق السحاب ورياح تحبس السحاب بين السماء والارض ورياح تعصره فتمطره باذن الله عز وجل ورياح تفرق السحاب ورياح مما عد الله عز وجل في الكتاب فاما الرياح الاربع فانها اسماء الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور وعلى كل ريح منهن ملك موكل بها فاذا اراد الله ان يهب شمالا امر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله عز وجل في البر والبحر واذا اراد الله ان يبعث الصبا امر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله عز وجل في البر والبحر واذا اراد الله ان يبعث جنوبا امر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الجنوب حيث يريد الله تعالى في البر والبحر واذا اراد الله ان يبعث دبورا امر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله في البر والبحر وفيه عن الصادق عليه السلام نعم الريح الجنوب تكسر البرد عن المساكين وتلقح الشجر وتسيل الاودية وفيه ايضا عن عليّ عليه السلام الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ بالله من شرها وكان النبي صلى الله عليه وآله اذا هبت ريح صفراء او حمراء او سوداء تغير وجهه واصفر وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع اليه لونه ويقول جاءتكم بالرحمة وروي عن الباقر عليه السلام ان الريح العقيم ريح عذاب تخرج من تحت الارضين السبع وماخرجت منها ريح قط الا على قوم عاد حين غضب الله عليهم وروي انه تعالى لما اراد اهلاك قوم نوح ارسل الريح العقيم فهبت عليهم فعقمت الاصلاب والارحام فبقوا اربعين سنة لا يولد لهم مولود حتى اغرقهم الله لان الاطفال لا ذنب لهم في الفقية عن كامل قال كنت مع ابي جعفر عليه السلام بالعريض فهبت ريح شديدة فجعل ابو جعفر عليه السلام يكبر ثم قال عليه السلام ان التكبير يرد الريح وقال عليه السلام مابعث الله عز وجل ريحا الا رحمة او عذابا فاذا رأيتموها فقولوا اللهم انا نسئلك خيرها وخير ما ارسلت له ونعوذ بك من شرها وشر ما ارسلت له وكبروا وارفعوا اصواتكم بالتكبير فانه يكسرها وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تسبوا الرياح فانها مأمورة ولا الجبال ولا الساعات ولا الايام ولا الليالي فتأثموا ورجع اليكم في الاحتجاج في سؤال الزنديق عنه عليه السلام قال اخبرني ما جوهر الريح قال عليه السلام الريح هواء اذا تحرك تسمى ريحا واذا سكن تسمى هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلاثة ايام لفسد كل شيء على وجه الارض ونتن وذلك الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شيء وتطيبه فهو بمنزلة الروح اذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير تبارك الله احسن الخالقين وفيه ايضا عن عليّ بن يقطين انه قال امر ابو جعفر الدوانقي يقطين ان يحفر بئرا بقصر العبادي فلم يزل في حفرها حتى مات ابو جعفر ولم يستنبط منها الماء فاخبر المهدي بذلك فقال احفر ابدا حتى يستنبط الماء ولو انفقت جميع ما في بيت المال قال فوجه يقطين اخاه ابا موسى في حفرها فلم يزل في حفرها حتى ثقبوا ثقبا في اسفل الارض فخرجت منه ريح قال فهالهم ذلك فاخبروا به ابا موسى فقال انزلوني فانزل وكان رأس البئر اربعين ذراعا في اربعين ذراع فاجلس في شق محمل فدلى في البئر فلما صار في قعرها نظر الى هول عظيم وسمع دوي الريح في اسفل ذلك فامرهم ان يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ثم دلي فيه رجلان في شق محمل فقال ايتوني بخبر هذا ما هو قال فنزلا في شق محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فاصعد فقال لهما ما رأيتما فقالا امرا عظيما رجالا ونساء وبيوتا وابنية ومتاعا كل ممسوخ من حجارة واما الرجل ( الرجال ظ ) والنساء فعليهم ثياب فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ فلما مسسناهم اذا ثيابهم تنفش شبه الهباء ومنازل قائمة قال فكتب بذلك ابوموسي الى المهدي وكتب المهدي الى موسى بن جعفر عليهما السلام الى المدينة يسأله ان يقدم عليه فقدم فاخبره فبكي بكاء شديدا وقال عليه السلام هؤلاء بقية قوم عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم هؤلاء اصحاب الاحقاف قال فقال له المهدي يا ابا الحسن وما الاحقاف قال الرمل وفي حديث المفضل ومنه هذا الريح فالريح تروح عن الاجسام وتزجي السحاب من موضع الى موضع وتلقح الشجر وتسير السفن وترخي الاطعمة وتبرد الماء وتشب النار وتجفف الاشياء الندية وبالجملة انها تحيي كلما في الارض فلولا الريح لذوي النبات ومات الحيوان وحمت الاشياء وفسدت في الكافي عن محمد بن عطية قال جاء رجل الى ابي جعفر عليه السلام من اهل الشام من علمائهم فسأل عن مسائل واجابه عليه السلام الى ان قال ولكن الله كان اذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الاشياء منه وهو الماء الذي خلق الاشياء منه وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشقت الريح متن الماء حتى ثاره من زبد على قدر ما شاء ان يثور فخلق من ذلك الزبد ارضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشقت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله ان يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله تعالى والسماء بناها رفع سمكها فسويها واغطش ليلها واخرج ضحيها وفيه قال سئل امير المؤمنين عليه السلام عن السحاب اين يكون قال يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر تأوي اليه فاذا اراد الله ان يرسله ارسل رياحا فاثارته ووكل به ملائكة يضربونه بالمخارق وهو البرق ثم قرأ هذه الآية الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا الآية وفي بعض الاخبار ان الله سبحانه اول ما خلقه الهواء وفي بعضها انه عليه السلام سئل اين كان الله قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام كان في عماء تحتها هواء وفوقها هواء وفي اخبار اخر ان المؤمن حين موته تأتيه من الجنة رياح ريح مسخية فتسخيه لبذل الروح وريح مشوقة تشوقه الى لقاء الله والدار الآخرة وريح منسية تنسيه الدنيا واحوالها وزخرفها وزبرجها فاذا سمعت هذه الاخبار فاعلم انه قال الله عز وجل ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال تعالى وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال مولينا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فاذا كان كذلك فما تجد في العالم السفلى فاعلم يقينا انه انما هو تنزل من العالم العلوي فان العالم السفلى هو ظهورات ووجوه وتفاصيل للعالم العلوي فاذا كان كذلك فالريح لها مادة وصورة مادتها الهواء وصورتها الحركة الى الجهة المعينة فقبل الحركة هو هواء راكد وبعدها ريح والوجه في الحركة هو ازدياد الحرارة فانها هي التي تهيج الاشياء وتحركها ولذا كانت الحركة مورثة للحرارة وهي دليل ان اصلها من الحرارة والا لما كانت اثرها وتلك الحرارة من تأثير اشعة الكواكب وهي دائمة وليست الريح دائمة لان الحرارة اذا لم يكن لها حامل يحفظها ويحفظ اثرها لم تظهر بآثارها وتأثيراتها وان كانت موجودة مثاله الشمس فانها اذا اشرقت على الجدار وسائر الاحجار والزجاجة لم تظهر من اشراقها حرارة مؤثرة ظاهرة بالاحراق والاشتعال واذا اشرقت على البلور تظهر حرارتها بالآثار فتحرق ( فتحترق خ ) وتشتعل وذلك لان البلور فيه قوة جامعة يجمع نور الشمس ويحفظه فتؤثر الحرارة فيه وفيما يجاورها وكذلك الهواء فانها من غاية لطافتها لم يمسك نور الشمس واشعة سائر الكواكب النارية فلم تتبين فيه حرارة فاذا كثف الهواء باختلاطه مع الاجزاء الهبائية الارضية والاجزاء البخارية والاجزاء النارية المستجنة في الدخان فاذا كثرت تلك الاجزاء وقويت حفظت الحرارة الواقعة عليها وامسكت فاثرت تأثيرها وتهيجت الابخرة المختلطة بالهواء فتهيج الهواء وتحرك الى جهة لكون تلك الاجزاء تميل الى جهة لقوة مناسبتها معها وتلك الحركة تعين الاجزاء البخارية والدخانية والهبائية للحركة والميل الى المبدأ بجهة خاصة فتتشعب ( فتشعب خ ) الاجزاء البخارية من جهة تلك الحركة فتحدث عن تشعبها شجرة لها غصون واوراق فما دامت الحرارة قوية تتلطف تلك الاجزاء وتتفرق فكلما تصعد تضعف الحرارة وتقوي البرودة فيتبين الانجماد والخمود الى ان وصلت الى الكرة الزمهريرية فهناك البرد الكلي لعدم وصول انعكاس نور الشمس اليها فتنجمد تلك الاجزاء اي الابخرة واما الاجزاء الدخانية فلا لقوة حرارتها الا اذا اكتسبت البرودة بغلبة توارد الابخرة عليها وضعفت الحرارة المستجنة فيها فحينئذ تنجمد لا مطلقا فاذا انجمدت تلك الاجزاء وتحققت وتراكمت واثقلت انزل الله سبحانه به المطر فوقع على الارض فنبت به النبات فصار غذاء للمواليد الثلثة من الجماد والنبات والحيوان فلولا الريح لم يكن سحابا ولولا السحاب لم يكن مطرا ولولا المطر لم يحصل شيء من المركبات الثلثة وهو قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء واخرجنا به من كل الثمرات فالرياح كالروح للعالم لان الهواء هو الروح لكونه مظهر اسم الله الحي وحركته سريانه في جميع الاقطار ولذا قال عليه السلام انما سمى الروح روحا لانه مشتق من الريح وفي بعض الروايات ان الروح معلقة بالريح والريح معلقة بالهواء ولذا رضي النبي سليمان على نبينا وآله وعليه السلام ان يحفظوا الجان ابنه في كرة الهواء لا غيرها من الكرات معللا بان عزرائيل يمكنه ان يصل اليها فلما ذكروا له الهواء سكت ورضي لان الهواء طبيعتها الحيوة وعزرائيل طبعه الموت فلا يلحقه اولا وبالذات الا بامور اخر فافهم والاشارة الى حقيقة الامر للمؤمن الممتحن ان الهواء هو امر الله المفعولي والامر القدري الساري في ذرات الكائنات كلها لان ما من الفاعل النار والهواء وما من القابل الارض والماء وجهة ارتباط الفاعل للقابل هي المادة التي هي الهواء اما الحرارة فلكونها وجه الفاعل وجهته واما الرطوبة فلا تصالها بالقابل وامتزاجها به واختلاطها به بحيث صار مع القابل حقيقة واحدة والمادة في غاية البساطة فحين تعلقها بالصورة وميلها اليها تكونت الرياح فان كانت تلك الصورة هي الصورة الطيبة كانت تلك الريح من نسيم الجنة تظهر في كل عالم وفي كل شأن وفي كل حال على حسبها فمنها ما هي مع التنزل اي الدنيا وهي الرياح اللواقح والرياح التي تثير السحاب وتنضج الثمار وتقوى الاشجار وتجري الانهار وتهيج البحار لنمو الحيوانات البحرية ونشوها ومنها ما هي حين الصعود الكلي وهي الرياح التي تأتي المؤمن عند موته كما مرت الاشارة اليها ومنها ما هي بعد الصعود الكلي كما في الجنة من الرياح الطيبة والنسمات البهية مما يطول الكلام بذكره ومنها ريح السكينة والوقار والايمان والنور وامثال ذلك وان كانت الصورة هي الصورة الخبيثة تظهر الرياح على مقتضي الحكم الوضعي على حسبها فتكون ريح العذاب وحكمها حينئذ حكم الملائكة الذين يعذب الله بهم اهل النار وكما ان الشيء لا يمد بالنور والعطاء الا منه وله واليه فلا يعطي الشيء ما هو خارج عن جنسه وكذلك لا يمد بالظلمة والخذلان وما يقتضيان في كل عالم من الآثار المترتبة عليهما فيه اي في ذلك العالم واليه الاشارة بقول عليّ عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها واول ذكر الشيء حقيقته فلا يتعداها شيء والاحكام التفصيلية الواردة على الشيء كلها انما نشأ من حقيقته لان التفصيل من الاجمال والكثرة من الوحدة والفرع من الاصل والاجمال والوحدة والاصل هي حقيقة الشيء وهي محل النظر الرحماني ومطرح الفيض الالهي ومورد الامر والنهي والحكم فان كان النظر الى الشيء عن الله عز وجل على جهة الرحمة يخلق الله سبحانه من نور تلك الحقيقة ملائكة من النور يحملون الفيض الوارد على تلك الحقيقة الى سائر مقاماته ومراتب تفصيله فالملك انما يأخذ منه ويوصل اليه ويبدأ منه ويعود اليه ولما كان كل شيء من الاشياء قد ملأ الكون والامكان فكانت الملائكة الحاملون للفيض اليه كذلك قد ملأ الكون والمكان له في كل مقام وكل عالم ملك يوصل الفيض منه اليه فملائكة كلية في المراتب المشتركة وملائكة جزئية في المقامات المختصة فملك النور يأخذ من تلك الحقيقة لب الشيء ويوصله الى قشره بمقتضي ذلك القشر على حسب مقامه من الطمأنينة والراحة والعزة والعلم والمعرفة والنور والبهاء والجلال والجمال وكل ملك حامل لاسم من الاسماء الالهية وهم ملائكة الجنة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة وان كان النظر الى الشيء عن الله عز وجل على جهة الغضب يخلق الله سبحانه ملائكة من مادة نهي الله وصورة اعراض الشيء على مقتضي الاعراض على هيئات منكرة وصور هائلة مهولة يحملون ما ينزل الله عليه من احكام الغضب الواردة على حقيقته فمنه يأخذون واليه يؤدون بدؤهم منه وعودهم اليه فالله سبحانه وتعالى يعذبه بهم الذين منه بانواع العذاب في الدنيا والآخرة في كل مقام وكل عالم بكل طور لانه قد ملأ الاكوان والمكان بل الامكان وكذلك بعينه حكم الريح فانها هي حقيقة العالم في العالم الاول الاعلى المتعلقة باطوار التعينات ( التعلقات خ ) والشؤنات فان كانت تلك الاحوال احوالا خبيثة خلاف ما اراد الله واحبه تكون تلك الرياح رياحا مظلمة عاصفة مهلكة على حسب جريانها بمقتضى ميولات تلك الطبايع الخبيثة الملعونة من الرياح التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز فعذب بها من استوجب عقوبة الله عز وجل من جهة العتو والاستكبار واما الرياح الاربع التي هي الدبور والصبا والجنوب والشمال فهي اول ظهورات الريح المطلق التي قلنا انها مادة الوجود من حيث تعلقها بالمتعلقات وتعينها بالمشخصات فاول تعينها هذه الرياح الاربعة ولذا كانت اربعة وهي القطب الذي يدور عليها ذرات الكائنات ولها ظاهر وباطن فمن ظاهرها يعذب الله سبحانه اهل الغضب ومن باطنها يرحم الله سبحانه اهل الفضل لانها باب سور الفيض والرحمة فمنها ينقسم الى اقطار الوجود وذراته وهي في العالم الجسماني نقول انها بازاء الكعبة التي بازاء البيت المعمور التي بازاء العرش الذي بازاء الملائكة العالين الذين بازاء الكلمات الاربع التي بني عليها الاسلام وقام النظام واول زوج تألف واول ممكن تركب من زوجين وتلك هي الكلمات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر فالدبور ملك من جنود جبرائيل وهو لائذ ببيت المعمور وحامل للركن الاسفل الايسر من العرش وهو النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وطبيعته الحرارة واليبوسة ولونه الحمرة وفعله الحل والفتك والفرق والتصعيد والتلطيف وقد قال النبي صلى الله عليه وآله هلكت عاد بالدبور ومحل الملك في الركن الشامي وينبوع طهوره في الركن اليماني وسعة احاطة دائرته ربع العالم ومبدؤه نقطة الجنوب الى مغيب الشمس وهو ضد الصبا ولذا قال صلى الله عليه وآله نصرت بالصبا وهلكت عاد بالدبور وهذا الملك حامل ركن الخلق وموصل للحرارة ( الحرارة خ ) واليبوسة اللتان هما اصل للانشاء والايجاد الى الذرات الجسمانية عن الركن الايسر الاسفل من البيت المعمور التي في السماء الرابعة وحامل ذلك الركن جبرائيل وهذا الملك لائذ بركن البيت الحرام التي في مكة واخذ عن جبرئيل هناك وينشر تلك الحرارة في اقطار العالم بجنوده وآلاته وجنوده الموصلة لتلك الحرارة الى اماكنها المقررة لها هي الريح اي ريح الدبور وهي منسوبة الى ذلك الملك وانما كان ذلك بواسطة الريح لنفوذها في جميع الذرات بقوة الحرارة واللطافة واللين ولا يناسب غيرها للنظم المحكم والامر المتقن وانما صار مظهر ذلك الملك ومكانه بجنوده وآلاته بين الجنوب والمغرب مع ان الظاهر والمعروف ان جهة المغرب مائلة الى البرودة والرطوبة والمشرق الى الحرارة واليبوسة وقد دلت بذلك فحوي بعض الاخبار وقد صرح الاطباء بان ريح الدبور والصبا معتدلتان اما بالذات فان مهبهما بين الشمال البارد اليابس وبين الجنوب الحار الرطب فتقتضيان الاعتدال او باعتبار البلد فيقتضي ما قالوا وملاحظة بعض الاخبار وان جنة الدنيا في المغرب وهي طبع الرحمة وهي الماء لقوله تعالى فانظروا الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها وقوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات يقتضي ذلك ان الريح التي تهب من ناحية المغرب باردة رطبة والتي تهب من ناحية المشرق حارة يابسة فيعكس الحكم في الصبا والدبور والجواب اما في الظاهر فاعلم ان مهب ريح الدبور من نقطة الجنوب الى المغرب والجنة خلف المغرب وخلف جبل قاف من تلك الناحية وبين المقامين فرق واضح لان الشمس اذا غربت يبرد وجه الارض في الليل بطوله ولذا تجد نصف الليل ابرد من اوله وآخر الليل ابرد من نصفه مع قربه من الشمس واول الصبح في كمال البرودة الاضافية فاذا طلعت الشمس واشرقت على وجه الارض فتتلايم البرودة ولا تقوى الحرارة فهبوب الرياح من جهة المشرق مع الشمس يكون على مزاج الروح اي جوزهر فلك القمر مع ان هبوب الرياح في الاغلب مع الشمس ولذا قالوا ان ريح الصبا تهب في اول النهار فيكون الغالب فيها البرودة لكنها مخلوطة بحرارة باطنية لتعدل برودتها كما ذكرنا في بعض مباحثاتنا في فلك الجوزهر والسر في وجوده وتقاطعه مع الشمس لتحقق الحيوة فان البرودة وحدها طبع الموت والحرارة كذلك للافناء والاعدام فاذا اقترنتا وقويت البرودة والرطوبة فهناك تظهر الحيوة وتنضج وتتصور وتتقدر ولذا كان ريح الصبا ريح ( ريحا خ ) طيبة وريح الحيوة نصر الله سبحانه بها نبيه صلى الله عليه وآله وادخل السكينة والطمأنينة بها في قلوب المؤمنين فطبعها حينئذ يكون باردا والرطوبة فيها ظاهرة والحرارة لها حافظة فافهم واما اذا تعالت الشمس وسخنت وجه الارض ومكثت وحصل منه التسخين وذلك لا يكون في كمال الشدة الا بعد زوال الشمس واول دخولها في الحلقة ووصولها الى تلك النقطة اي نقطة الجنوب فهناك تشتد الحرارة وتضعف البرودة فاذا هبت الرياح معها تكون في غاية الحرارة واليبوسة اما الحرارة فظاهرة واما اليبوسة فلتجفيف الشمس رطوبات الابخرة وبقاء الادخنة المحترقة ولا اقل من الاجزاء الارضية اليابسة ولذا يتفق البرق والصاعقة بعد الظهر لا قبل ( قبله خ ) الا نادرا لاسباب اخر وذلك لشدة تجفيف الادخنة والابخرة عن الرطوبات وبقاء الاجزاء الارضية الهبائية يابسة سالمة عن المعارض فتحترق وتشتعل وتميل الى المركز وتحرق من اراد الله ان تصيبه فتكون الرياح التي تهب بعد الزوال عن ناحية المغرب في غاية الحرارة واليبوسة فتكون ريح الدبور كما وصفنا لك حارة يابسة واما نفس المغرب فلا شك انه بارد وهو محل الجنة من جهة ( الصعود نسخة ٢٤٤ ) والكمال كما اشار اليه عز وجل بقوله تغرب في عين حمأة اي الماء والطين والريح حكمها واعتبارها ليس من جهة ذاتها وانما هو من جهة قراناتها واوضاعها مع غيرها مثل الشمس وكثرة البخار والدخان وقلتهما وكثرة احدهما او قلته وامثال ذلك والا فهي في حد ذاتها حارة رطبة ولا يبعد القول بيبوستها بالاضافة فان الهواء هو في نفسه حار رطب والريح هي الهواء المتحرك والحركة تحدث حرارة زائدة عما كان عليه وهي تجفف الرطوبات البخارية فيكون طبع الريح بالذات الحرارة واليبوسة الاضافية واختلاف طبايعها واحوالها والوانها وشدتها وضعفها انما هي باعتبار قرانها مع الشمس والناحية وكثرة الابخرة والادخنة وقلتهما او احديهما وسائر الاحوال فاذا اعتبرت هذه فلا مناص عن القول بحرارة الدبور ويبوسته وبرودة الصبا ورطوبتها وذلك معلوم ان شاء الله واما قولهم ان الدبور والصبا معتدلتان لكونهما بين الشمال والجنوب فغلط لان الاعتدال انما يحصل باتمام الطبايع واجتماعها في المجموع والعالم رجل واحد تمامه بهذه الارباع الاربعة فيجب ان يكون كل ربع على طبيعة حتى يحصل الاعتدال التام بقراين الطبايع لا انه يجعل بعضها في كمال القوة وبعضها متناسبة فان ذلك ليس بفعل الحكيم ولاجري صنعة الايجاد على ذلك فلو قال قائل ان الاعتدال التام في العالم ان يكون كل طبيعة على صرافة مزاجها وتأثيرها واقتضائها من غير ان تنكسر بطبيعة اخرى ويحصل للمجموع طبيعة خامسة يظهر منها آثار كل منها وذكر ادلة ما ذكرنا يطول به الكلام فلا يصح الحكم بالاعتدال لا بالنسبة الى البلد ولا بالنسبة الى الريح نفسه لان الشمال اذا كان باردا يابسا والجنوب حارا رطبا وهما طبيعتان متضادتان فوجب ان يكون بينهما برزخا له جهتان به يحصل التلايم والاجتماع فيجب ان يكون بين الجنوب والشمال الدبور اي طبيعة النار لتكون بحرارتها تناسب الجنوب وبيبوستها تناسب الشمال وبين الشمال والجنوب يجب ان يكون الصبا لتكون ببرودتها تناسب الشمال وبرطوبتها تناسب الجنوب ويحصل التأليف من الاجتماع واما ما ذكروا فهو خارج عن قانون الحكمة والشمال ملك من جنود عزرائيل مقره الركن الشامي وينبوعه الركن اليماني وركنه بازاء الركن الايسر الاعلى من البيت المعمور وهو بازاء الركن الايسر الاعلى من العرش الذي حامله الروح على ملائكة الحجب من الملائكة الاربعة العالين الذين ماسجدوا لآدم عليه السلام النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة وهو بازاء كلمة لا اله الا الله وطبعه البارد اليابس وانما خالف لونه طبعه لاختلاطه وامتزاجه بالنور الاصفر ولذا كان الشمال من اليمين فللشمال مقامان مقام في قوله عليه السلام قبض قبضة بيمينه وقبض قبضة بشماله وكلتا يديه يمين وهذا الشمال لونه الخضرة وطبيعته البرودة واليبوسة ظاهرا في الصورة وفي السر والباطن فيه الحرارة واليبوسة او الرطوبة ومن هذا القبيل الملك الذي اسمه الشمال الموكل بالرياح الشمالية ومقام في قوله تعالى واما من اوتي كتابه بشماله فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا وهذا الشمال هو بارد يابس طبيعة الموت ولونه السواد ورائحته منتنة وريحه قتالة وهي الصرصر وفعله القبض والجمودة والتغرير والتثقيل وتهيج المرة السوداء وسعة احاطة دائرته ربع العالم ومبدأه الجدي الى مغيب الشمس وهذا الملك هو حامل ركن الموت عن عزرائيل الى اقطار الوجود بجنوده واعوانه وآلته في هذا الحمل الهواء وركن الموت البرودة واليبوسة ولا يستقيم شيء من الاشياء الا بها فهي من حيث هي ميت وموت واذا اشرق عليها نور الحرارة والرطوبة وصلحت قابليته ببرازخ تحفظ وجودها حييت باذن الله تعالى واليه الاشارة بقوله عز وجل ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت والارض طبع الموت لانها باردة يابسة قالوا اما الوجه في يبوسة هذه الريح فلانها تجتاز اما على مياه جامدة لا ينفصل عنها ابخرة يخالطها او على البراري فلا يصحبها ابخرة مائية كثيرة لقلة الحرارة تلطف الاجزاء المائية وتجعلها بخارا وكثرة البرودة المانعة من ذلك ولانها لا يجتاز على مياه سائلة واما برودتها فلانها تجتاز على جبال وبلاد باردة والجنوب ملك من جنود اسرافيل مقره الركن العراقي وينبوعه الركن اليماني وهو بازاء الركن الايمن الاسفل من البيت المعمور وهو بازاء الركن الايمن الاسفل من العرش الذي حامله الروح من امر الله من الملائكة الاربعة العالين وهو النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة وهو بازاء كلمة الحمد لله من الكلمات الاربع التي عليها مدار الاسلام والايمان في الذوات والصفات وكل الجهات وطبيعته الحرارة والرطوبة ولونه الصفرة وفعله الحل والتعفين وامساك الحيوة وسيأتي ان شاء الله تعالى تفصيل احوال هذه الرياح الاربع وبالجملة هي العمدة في نظام العالم وبها يتسق الوجود وتظهر الاحكام المختلفة من ينبوع واحد روى القمي باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام عن ابيه عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى اراد ان يخلق خلقا بيده ثم ذكر ما قال الله للملائكة في امر خلق آدم عليه السلام الى ان قال فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال منك اخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والائمة المهتدين والدعاة الى الجنة واتباعهم الى يوم القيمة ولا ابالي ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج فصلصلها في كفه فجمدت ( حتى جمدت خ ) ثم قال لها منك اخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة الى النار الى يوم القيمة واشياعهم ولا ابالي ولا اسئل عما افعل وهم يسئلون قال وشرط في ذلك البداء فيهم ولم يشترط في اصحاب اليمين ثم خلط المائين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله سبحانه ملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور ان يجولوا على هذه السلالة الطين فابرؤها وانشأوها ثم ابرؤها وجزؤها وفصلوها واجروا فيها الطبايع الاربع الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الاربع الريح في الطبايع الاربع من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الاربع من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الاربع من ناحية الدبور والدم في الطبايع الاربع من ناحية الجنوب قال فاستقلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق ولزمه من ناحية الدم حب اللذات وركوب المحارم والشهوات قال ابو جعفر عليه السلام وجدنا في كتاب على عليه السلام والحديث طويل فبين عليه السلام ان استقلال النسمة وكمال البدن انما هو بهذه الرياح الاربع ولما كان فعله سبحانه يجري على مجري واحد وحكمه وامره واحدا ( واحد خ ) فكان تمام العالم بها فكان تمام كل ذرة من ذرات الوجود بها لان حكم الله سبحانه في الكل هو حكمه في الجزء وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وكذا الحكم في الظاهر والباطن فكانت حقيقة الريح واصلها ومبدؤها في الوجود الاول الامر المفعولي الذي به قوام السموات والارض وكلما في الوجود المقيد وهو الهواء فيما ورد ان اول ما خلق الله الهواء فكان فانيا غائبا في ظهور نار المشية وساكنا غير متحرك لعدم ظهور الاثر الفاني في المؤثر عند المؤثر ومعه فلما ظهر مقتضي الاغيار وهو اقبال القابليات بالسنة الطلبات وتوجهها بلطائف ذاتياتها الى ابواب استغنائها بالله سبحانه ولما كان الهواء هو الباب غلقته تلك اللطائف المعبر عنها بالابخرة والادخنة المتصاعدة من ارض الجرز وارض الجواز وهي مذكورية الاشياء فيه وصلوحها لتعلقه بها بتقيده بها فتهيج الهواء بامر الله سبحانه لسد فاقة اولئك الفقراء السائلين اللائذين بباب الله ومال الى الجهة المستدعية لتلك الجهة العليا فتحرك فحدث منها الريح واثارت السحاب فقطر منه المطر وهو الماء الذي به حيوة كل شيء فسيق الى الارض الجرز والبلد الميت فعمرت حديقة الجنة التي ازلفت للمتقين ومن دخلها كان آمنا من المؤمنين فنبتت فيها انواع الفواكه والثمار على انحاء الاشجار وصاقورة تلك الجنان عرش الرحمن فكان اول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة روح القدس وهو خلق اعظم من جبرئيل وميكائيل فاستمد منه الروح من امر الله واستمدت منه النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى واستمد منها الروح على ملائكة الحجب فتم بها العالون وهم السابقون السابقون اولئك المقربون وتم بها عرش الرحمن فاستمد جبرئيل عن الروح على ملائكة الحجب وعزرائيل عن النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى واسرافيل عن الروح من امر الله وميكائيل عن روح القدس فاستمد الدبور عن جبرئيل والشمال عن عزرائيل والجنوب عن اسرافيل والصبا عن ميكائيل فكانت المرة الصفراء عن الدبور والسوداء عن الشمال والدم عن الجنوب والبلغم عن الصبا فتم بها النظام وظهر امر الله الملك العلام وكل هذه رياح ظاهرية وباطنية وغيبية وشهودية وعلوية وسفلية ونورانية وظلمانية وعليينية وسجينية وشرح احوال كل واحد منها يطول به الكلام وسيأتي ( ستأتي خ ) لها زيادة شرح ان شاء الله تعالى وكلها مسخرة للامام عليه السلام مولينا امير المؤمنين عليه السلام واولاده الطيبين عليهم السلام الا ان له عليه السلام بالاصالة ولهم عليهم السلام بالبدلية والفرعية ويشير الى هذا العموم والكلية قوله عليه السلام وسخر لي الرياح فاتى بالجمع المحلي باللام المفيدة للعموم لاشارة الى الرياح مطلقا اي كلما يصح عليه اطلاق الريح على اي وجه يكون من الحقيقة او الحقيقة بعد الحقيقة او غير ذلك من سائر الاطلاقات وما ورد في بعض الروايات ان سليمان على نبينا وآله وعليه السلام اوتي له بثلثة رياح اخذ اثنتين منها وترك الثالثة لعليّ عليه السلام وبهذا المعنى او قريب منه ورد في حق ذي القرنين وليس الآن ببالي اصل الحديث وذلك لا ينافي الكلية المدعاة في كلامه عليه السلام لان كل واحد من سليمان عليه السلام او ذي ‌القرنين لما حكى ظهور وجه واحد من سلطنة عليّ عليه السلام سخر الله سبحانه له الريح حسب حكايته من ذلك الظهور ولما كانت الحكاية لم تكن كلية ما تحمل لتسخير تلك الرياح الصعبة الشديدة العاصفة البالغة حد الشدة فكان يتركها لصاحبها ولمربيها ويأخذ ما كان يتحمل من تلك الرياح لحكاية ظهور وجه من سلطنة مولينا امير المؤمنين عليه السلام فمنه وصلت اليهما واليه عاد ما ذهب عنهما عليهما السلام وعن غيرهما من الانبياء والاولياء والملوك والسلاطين لان الله عز وجل قال هنالك الولاية لله الحق وليست هذه الولاية هي عين ذاته سبحانه وانما هي آثار فعله وظهور سلطنته وقهاريته وقيوميته وقد دلت الادلة العقلية والنقلية مما ذكرنا ومما سيأتي ان عليّا عليه السلام هو حامل ولاية الله الكبرى وصاحب الرياسة العظمى فكانت الرياح كلها مسخرة له عليه السلام وقد علمت مما ذكرنا ان الاشياء كلها انما تحققت وتأصلت بهذه الرياح فاثبت عليه السلام باللزوم ان كل شيء مسخر له فيأتي حينئذ تأويل قوله تعالى ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ويعلم مستقرها ومستودعها وهو عليه السلام يد الله الآخذة بناصية كل دابة وعلم الله الذي احاط بكل البرية وان اجريت الكلام على مقتضى ظاهر الظاهر يظهر صريح الامر وقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون واليد هو عليّ عليه السلام والقبضة قبضته واليمين هو عليّ عليه السلام والتنزيه انما هو عن وقوع الشركة فيه عليه السلام حيث قارنوه مع فلان وفلان وفلان ونسبوهم الى الله سبحانه بانهم اولياؤ الله وهم حزب الشيطان واعداء الرحمن والله سبحانه منزه عن ذلك والحاصل ان الآيات والروايات وادلة العقل منطبقة وناصة على ان عليّا عليه السلام سخر له كل شيء كما خاطبه سبحانه واولاده الطاهرين في الباطن بقوله تعالى وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بامره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ثم انه سبحانه اجمل القول بعد ما اشار الى بعض التفصيل بقوله تعالى واتيكم من كل ما سألتموه وقوله عليه السلام وسخر لي الرياح اشارة الى باطن قوله تعالى حكاية عن سليمان النبي على نبينا وآله وعليه السلام حيث قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الاصفاد هذا عطاؤنا فامنن او امسك بعير حساب ه‍ فسليمان في الباطن هو امير المؤمنين عليه السلام هو الذي دعي ربه قبل الداعين وذكره قبل الذاكرين وسليمان النبي عليه السلام قد حكي عنه على مقداره من الحكاية تظهر فيه من اسرار ( فظهر فيه من سر خ ) تلك السلطنة تأمل في قوله عليه السلام في الزيارة ذكركم في الذاكرين اي ذكر الذاكرين لله هو ذكركم لله على احد الوجوه المناسب لمقام الاستشهاد وقوله عليه السلام ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه ولا شك ان دعاء سليمان عليه السلام خير وجب ان يكون عليّ عليه السلام اوله ومعدنه ومنتهاه فافهم قال عليه السلام رب اغفر لي اي لشيعتي لانهم الظاهر بالتكلم والخطاب والغيبة لان التكلم ليس هو عين الذات البحت وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي اذ لا بعده احد ولا وراءه شيء وقد احاط بالقبل والبعد فهو قبل القبل وبعد البعد حين لا قبل ولا بعد فطلب منه سبحانه ان يملكه الدنيا والعقبي وما احاط به العرش الاعلى بحقيقة ما هو اهله ولم يستأهل غيره عليه السلام لهذا الطلب ابدا ولذا قال تعالى لا ينبغي لاحد من بعدي فلو كان غيره مستأهل له لكان ينبغي له ولم يكن هذا المعنى متحققا في سليمان عليه السلام كما هو المعلوم فاجابه سبحانه لكونه دعاء وقع مستجمعا لجميع شرائط الاجابة من كمال الاستيهال وظهور الحكمة ووضع الشيء كما ينبغي على كمال ما ينبغي فقال سبحانه وتعالى مفرعا على دعائه عليه السلام فسخرنا له الريح التي شقت بطن الماء اي البحر الاول الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء فموجت البحر وصعدت منه البخار والدخان وميزت عنه الزبد حتى خلق الله سبحانه بالبخار والدخان السموات السبع والعرش والكرسي والنار والهواء والماء والملائكة والجان وبالزبد الارضين السبع والجبال والبحار والبراري والقفار وطبقات النار والشياطين الاشرار والبحر المظلم ونار السموم والريح العقيم والطغات والسجين والثرى وما تحت الثرى وما لا يعلمه الا الله وهي تجري بامره رخاء حيث اصاب فجرت هذه الريح باطوارها واحوالها في كينونات حقائق اهل الدنيا والآخرة بامره عليه السلام ولا يتعداه شيء من احوال النشأتين وغيرهما من سائر عوالم الربوبية والعبودية ثم لما من الله سبحانه اياه عليه السلام بهذه العطية العظمى فوض اليه امرها وجعل اليه عليه السلام حكمها فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وعن كتاب منهج التحقيق الى سواء الطريق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال كنت انا والحسن والحسين عليهما السلام ومحمد بن الحنفية ومحمد بن ابي‌بكر وعمار بن ياسر ومقداد بن اسود الكندي رضي الله عنهم فقال له ابنه الحسن عليهما السلام يا امير المؤمنين ان سليمان بن داود سأل ربه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فاعطاه ذلك فهل لك مما ملك سليمان بن داود شيئا فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ان سليمان بن داود سأل الله عز وجل الملك فاعطاه وان اباك ملك ما لم يملكه احد بعد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله قبله ولا يملكه احد بعده فقال الحسن عليه السلام نريد ان ترينا مما فضلك الله به من الكرامة فقال افعل ان شاء الله فقام امير المؤمنين عليه السلام وتوضأ وصلى ركعتين فدعي الله عز وجل بدعوات لم نفهمها ثم اومئ بيده الى جهة المغرب فما كان باسرع من ان جاءت سحابة فوقعت على الدار والى جانبها سحابة اخرى فقال امير المؤمنين عليه السلام ايتها السحابة اهبطي باذن الله عز وجل فهبطت وهي تقول اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وانك خليفته ووصيه من شك فيها فقد هلك ومن تمسك بك ( بها خ ) فقد سلك سبيل النجاة قال ثم انبسطت السحابة الى الارض حتى كأنها بساط موضع فقال عليه السلام اجلسوا على الغمامة فجلسنا واخذنا موضعنا واشار الى السحابة الاخرى فهبطت وهي تقول كمقالة الاولى وجلس امير المؤمنين عليه السلام منفردا ثم تكلم بكلام واشار اليها بالمسير نحو المغرب واذا بالريح قد دخلت تحت سحابتين فرفعتهما رفعا رقيقا فتأملت نحو امير المؤمنين عليه السلام واذا به على كرسي والنور يسطع من وجهه يخطف بالابصار فقال الحسن عليه السلام يا امير المؤمنين ان سليمان بن داود كان مطاعا بخاتمه وامير المؤمنين بماذا فقال امير المؤمنين عليه السلام انا عين الله في ارضه انا لسان الله الناطق في خلقه انا نور الله الذي لا يطفأ انا باب الله الذي يؤتى منه وحجته على عباده ثم قال عليه السلام اتحبون ان اريكم خاتم سليمان بن داود قلنا نعم فادخل يده في جيبه فاخرج خاتما من ذهب وفصه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب محمد وعليّ قال سلمان فعجبنا من ذلك فقال عليه السلام من اي شيء تعجبون وما العجب من مثلي انا اريكم اليوم ما لم تروه ابدا فقال الحسن عليه السلام اريد ان تريني يأجوج ومأجوج والسد الذي بيننا وبينهم فسارت الريح بالسحابة فسمعنا لها دوي كدوي الرعد وعلت في الهواء وامير المؤمنين عليه السلام يقدمنا حتى انتهينا الى جبل شامخ في العلو واذا شجرة جافة تساقطت اوراقها وجفت اغصانها فقال الحسن عليه السلام ما بال هذه الشجرة قد يبست فقال عليه السلام سلها فانها تجيبك فقال الحسن عليه السلام ما بال هذه الشجرة قد حدث بك ما نراه من الجفاف فلم تجبه فقال امير المؤمنين عليه السلام بحقي عليك الا ما اجبته قال الراوي والله لقد سمعتها وهي تقول لبيك لبيك يا وصي رسول الله وخليفته ثم قالت يا بامحمد ان امير المؤمنين عليه السلام كان يجيئني كل ليلة وقت السحر ويصلي عندي ركعتين ويكثر من التسبيح فاذا فرغ من دعائه جائته غمامة بيضاء ينفح ( ينفخ خ ) فيها ريح المسك وعليها كرسي فيجلس ويسير به وكنت اعيش ببركته فانقطع عني منذ اربعين يوما فهذا سبب ( سر خ ) ما تراه مني فقام امير المؤمنين عليه السلام فصلي ركعتين ومسح بكفه عليها فاخضرت وعادت الى حالها وامر الريح فسارت بنا فاذا نحن بملك يده بالمغرب والاخرى بالمشرق فلما نظر الملك الى امير المؤمنين عليه السلام قال اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون واشهد انك وصيه وخليفته حقا وصدقا فقلنا يا امير المؤمنين من هذا الذي يده في المغرب والاخرى في المشرق فقال عليه السلام هذا الملك الذي وكله الله عز وجل بظلمة الليل وضوء النهار ولا يزول الى يوم القيمة وان الله عز وجل جعل امر الدنيا اليّ وان اعمال الخلق تعرض في كل يوم عليّ ثم ترفع الى الله عز وجل ثم سرنا حتى وقفنا على سد يأجوج ومأجوج فقال امير المؤمنين عليه السلام للريح اهبطي بنا مما يلي هذا الجبل واشار بيده الى جبل شامخ في العلو وهو جبل الخضر عليه السلام فنظرنا الى السد فاذا ارتفاعه مد البصر وهو اسود كقطعة ليل دامس يخرج من ارجائه الدخان فقال امير المؤمنين عليه السلام يا بامحمد انا صاحب هذا الامر على هؤلاء العبيد قال سلمان فرأيت اصنافا ثلثة طول احدهم مائة وعشرون ذراعا والثاني طول كل واحد سبعون والثالث يفرش احدى اذنيه تحته والاخرى يلتحف بها ثم ان امير المؤمنين عليه السلام امر الريح فسارت بنا الى جبل قاف فانتهينا اليه فاذا هو من زمردة خضراء وعليها ملك على صورة النسر فلما نظر الى امير المؤمنين عليه السلام قال السلام عليك يا وصي رسول الله وخليفته اتأذن لي في الكلام فرد وقال له ان شئت تكلم وان شئت اخبرتك عما تسألني عنه فقال الملك بل تقول انت يا امير المؤمنين قال تريد ان آذن لك ان تزور الخضر عليه السلام قال نعم قال قد اذنت لك فاسرع الملك بعد ان قال بسم الله الرحمن الرحيم فمشينا على الجبل هنيئة فاذا بالملك قد عاد الى مكانه بعد زيارة الخضر عليه السلام فقال سلمان يا امير المؤمنين ارأيت الملك مازار الخضر الا حين اخذ اذنك فقال عليه السلام والذي رفع السماء بغير عمد لو ان احدهم رام ان يزول من مكانه بقدر نفس واحد لما زال حتى آذن له وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام وتاسعهم قائمهم فقال سلمان ما اسم الملك الموكل بالقاف فقال عليه السلام ترحائيل فقال يا امير المؤمنين كيف تأتي كل ليلة الى هذا الموضع وتعود فقال عليه السلام كما اتيت بكم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لاملك من ملكوت السموات والارض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم ان اسم الله الاعظم اثنان وسبعون حرفا وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به فخسف الله الارض ما بينه وبين عرش بلقيس حتى تناول السرير ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرف النظر وعندنا والله اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند الله عز وجل استأثره في علم الغيب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عرفنا من عرفناه انكرنا من انكرناه ثم قام عليه السلام وقمنا فاذا نحن بشاب في الجبل يصلي في قبرين فقلنا يا امير المؤمنين من هذا الشاب فقال عليه السلام هذا صالح النبي عليه السلام وهذان القبران لامه وابيه وانه يعبد الله بينهما فلما نظر اليه صالح لم يتمالك نفسه حتى بكى واومأ بيده الى امير المؤمنين عليه السلام ثم اعادها على صدره وهو يبكي فوقف امير المؤمنين عليه السلام عنده حتى فرغ من صلوته فقلنا له ما بكاؤك قال صالح ان امير المؤمنين عليه السلام كان يمر بي عند كل غداة فيجلس فتزاد عبادتي من ذلك فقال عليه السلام تريدون ان اريكم سليمان بن داود قلنا نعم فقام عليه السلام ونحن معه حتى دخل بستانا مارأينا احسن منه وفيه من جميع الفواكه والاعناب والانهار تجري والاطيار يتجاوبن على الاشجار فحين رأته الاطيار ترفرفت حوله حتى توسطنا البستان فاذا بسرير عليه شاب ملقيى على ظهره واضع يده على صدره فاخرج امير المؤمنين عليه السلام الخاتم من جيبه وجعل في اصبع سليمان بن داود عليهما السلام فنهض قائما قال السلام عليك يا امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين وانت والله الصديق الاكبر والفاروق الاعظم قد افلح من تمسك بك وقد خاب وخسر من تخلف عنك واني سألت الله عز وجل بكم اهل البيت فاعطيت ذلك الملك قال سلمان فلما سمعنا كلام سليمان بن داود لم اتمالك نفسي حتى وقعت على اقدام امير المؤمنين عليه السلام اقبلها وحمدت الله عز وجل على جزيل عطاه بهدايته الى ولاية اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وفعل اصحابي ثم سألت امير المؤمنين عليه السلام ما ما وراء قاف ( ما وراءه خ ) واقف قال عليه السلام وراءه ما لا يصل اليكم علمه فقلنا تعلم ذلك يا امير المؤمنين فقال عليه السلام علمي بما وراءه كعلمي بحال هذه الدنيا وما فيها واني الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك الاوصياء من ولدي بعدي ثم قال عليه السلام اني لاعرف بطرق السموات من طرق الارض نحن الاسم المخزون المكنون نحن الاسماء الحسنى التي اذا سئل الله بها اجاب نحن الاسماء المكتوبة على العرش ولاجلنا خلق الله عز وجل السماء والارض والعرش والكرسي والجنة والنار ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتهليل والتكبير ونحن كلمات الله التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ثم قال عليه السلام اتريدون ان اريكم عجبا قلنا نعم قال غضوا اعينكم ففعلنا ثم قال افتحوها ففتحنا فاذا نحن بمدينة مارأينا اكبر منها الاسواق قائمة وفيها اناس مارأينا اعظم من خلقتهم على طول النخل قلنا يا امير المؤمنين من هؤلاء قال عليه السلام بقية قوم عاد كفار لا يؤمنون بالله عز وجل احببت ان اريكم اياهم وهذه المدينة واهلها اريد ان اهلكهم وهم لا يشعرون قلنا يا امير المؤمنين بغير الحجة ( حجة خ ) قال لا بل بحجة علينا فدني منهم فهموا ان يقتلوه ونحن نراهم وهم يروننا ثم تباعد عنهم ودنا ومسح يده على صدرنا وابداننا وتكلم بكلمات لم نفهمها وعاد اليهم ثانية حتى صار بازائهم وصعق فيهم صعقة قال سلمان لقد ظننا ان الارض قد انقلبت والسماء قد سقطت وان الصواعق من فيه قد خرجت فلم يبق منهم في تلك الساعة احد قلنا يا امير المؤمنين ماصنع الله بهم قال عليه السلام قد هلكوا وصاروا الى النار قلنا هذا معجز مارأينا ولاسمعنا بمثله فقال عليه السلام اتريدون ان اريكم اعجب من هذا فقلنا لانطيق باسرنا على احتمال شيء آخر فعلى من لا يتوالاك ( لا يتولاك خ ) ويؤمن بفضلك وعظم قدرك على الله عز وجل لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والخلق اجمعين الى يوم الدين ثم سألناه الرجوع الى اوطاننا فقال عليه السلام افعل ان شاء الله فاشار الى السحابتين فدنتا منا فقال عليه السلام خذوا مواضعكم فجلسنا على سحابة وجلس على الآخر وامر الريح فحملتهما حتى سرنا في الجو ورأينا الارض كالدرهم ثم حطتنا ( حططنا خ ) في دار امير المؤمنين عليه السلام في اقل من طرف النظر وكان وصولنا الى المدينة وقت الظهر والمؤذن يؤذن وكان خروجنا منها وقت علت الشمس فقلنا بالله العجب كنا في جبل قاف مسيرة خمسة سنين وعدنا في خمس ساعات من النهار فقال امير المؤمنين عليه السلام لو انني اردت ان اجول الدنيا باسرها والسموات السبع وارجع في اقل من الطرف لفعلت بما عندي من الاسم الاعظم ه‍ وقد ذكرت الحديث بطوله لما فيه من ظهور بعض سلطنة امير المؤمنين عليه السلام بتسخير الرياح له من الله عز وجل ويريد عليه السلام ايضا بقوله سخر لي الرياح اثبات مقام نفسه في ذاته وفي الدعاء رب هب لي نفسي وذلك في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه الى بلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات فالرحمة هي مقام النقطة وهي باطن الباطن في آخر مراتب السبعين او السبعة وهي السر المقنع بالسر ومقام الحقيقة المقدسة النبوية صلى الله عليه وآله والرياح هي مقام الالف والنفس الرحماني الاولى بفتح الفاء وباطن الباطن تحت الرتبة الاولى بدرجة والسر المستسر بالسر ومقام الحقيقة المقدسة العلوية عليه وآله السلام والسحاب المزجي في قوله تعالى ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما هي مقام ( مقامات خ ) الحروف العاليات وسر السر وباطن الباطن وباطن الظاهر وحق الحق ومقام الحقيقة المقدسة المعصومية اي حقائق الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين والسحاب الثقال والمتراكم الحامل للمطر والماء هو مقام الكلمة التامة ومقام الظاهر والسر والحق والسر المجلل بالسر ومقام الحقيقة المقدسة الفاطمية عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها آلاف الثناء والتحية فاذا تمت هذه الكلمة وائتلفت هذه الفرقة استنطقت منها في عالم الالفاظ والاجسام كلمة كن فاشرقت منها النور وهو المطر والوجود على الليل الديجور وهي ظلمة الانية والماهية والارض الجرز فظهرت الاشعة وتشعشعت الذرات المشرقة وتكونت الكائنات وانبسط بساط الارضين والسموات فضجت الاصوات الى بارئ النسمات بانواع اللغات فمبدأ هذه المكونات هو الريح كما في الآية الشريفة وهي حقيقة الحيوة وعين التحقق ( التحقيق خ ) والثبات ولذا اشتق منها الروح وقد قال عليه السلام الروح متعلقة بالريح وهي متعلقة بالهواء فالهواء هو اصل الكون والوجود ولذا قال عليه السلام ان اول ما خلق الله الهواء وهو في مقام يظهر منه لا اله الا الله اذا ما اعتبرت الهمزة الثانية واذا اعتبرتها يظهر منه الاحد الذي هو سر الواحد الذي هو سر البسملة واذا ما لاحظت الهمزتين جميعا يحكي من سر الهوية ولب الالوهية ولذا كان الاسم المتعلق بالهواء اسم الله الحي وبه تبين سر القيوم فكانا معا اسم الله الاعظم الا ان سر القيوم في الحي وسر الحي في الهواء وسر الهواء في الهوا وسر الهوا في هو وسر هو في الهاء وهي سر الاسرار ونقطة الاكوار والادوار وعليها دار الليل والنهار فالهواء هو الحري بان يكون اول ما خلق الله لان طبعه طبع المصدر المفعول المطلق ومزاجه مزاج الرسالة وحقيقته عبارة عن الوساطة والريح اول ظهور هذا الهواء وحركته الى جهة الشؤن وهي المثيرة للسحاب والمهيجة للذرات لاخذ حظها من رب الارباب والموصلة الى كل ذرة نصيبها من الكتاب وهي ظاهرة بالتفصيل وبارزة بالتغيير والتبديل وصفتها صفة الولاية ومزاجها مزاج الهداية وطبعها طبع العناية فيكون الهواء هو الاحرى بان يكون اول ما خلق الله والريح بها انفتقت الاجواء وعلقت الارجاء واضيئ الضياء واقيمت الارض والسماء فبها الولاية الكبرى والسلطنة العظمى والرياسة العليا ليس دونها مقام فانقطع عندها الكلام وهو قوله عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك ولا حول ولا قوة الا بالله واما سر الجمع في الرياح حينئذ فلبيان ان مقامه عليه السلام مقام الكثرة والامتياز والاختلاف الذي رجوع كل ذلك الى الوحدة الحقيقية وكلها مطلوبة كالبستان المتضمن لانواع الفواكه والثمار والاشجار والازهار وكذا الاختلافات الغير المطلوبة ايضا به نشأت وعنه تأصلت وتحققت كما مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله خطابا لعلي عليه السلام ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وقد تقدم ذلك مرارا

قوله عليه السلام والهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي حشرات الارض كالحية والعقرب والنملة والخنافس وامثال ذلك وبتخفيفها الاسد كما في القاموس واما الحشرات فهي التي لا نفس لها سائلة فهي المكونة من ظواهر قشور الحيوانات فصارت برزخا بين الحيوان والنبات الا ان الغالب فيها الجهة الحيوانية ولذا جرت عليها احكام الحيوانات من الحركة والمشي وطلب ما يسد فقرها من المآكل والمشارب وضبطها وحفظها واحكام النباتات من امتزاج روحها بجسمها بحيث اذا قطعت نصفين يبقى كل نصف يتحرك زمانا طويلا كالشجرة اذا قطعت نصفها لا ييبس النصف الآخر على الفور بل ربما لا ييبس اصلا كما هو المحسوس الظاهر ولذا جرت الشريعة فيها على مقتضى ما في النبات ولذا لا تنجس موتاها ولا دمها كما في ساير الحيوانات والنخلة ايضا برزخ بين الحيوانات والنباتات الا ان الغالب عليها الجهة النباتية وفيها عشر خصال من الحيوانية وهي المشهورة وانما ضعفت خلقة تلك الحشرات ومانضجت بنيتها وما استحكمت قواها وماجرت دماؤها لضعف الحرارة الغريزية التي بها التلطيف والتنضيج وكثرة الرطوبات الفضلية والكثافات المانعة عن ظهورها ونشوها وكمالها وتلك الحرارة انما تحصل بزيادة الحركة والسرعة والمبادرة للامتثال لقوله تعالى حين قال الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ والائمة الاحد عشر من ولده وفاطمة الطاهرة الصديقة اوليائكم فمن سارع في الامتثال وبادر في الجواب قويت حرارته الحاصلة من قوة تلك الحرارة وازالت الاعراض الغريبة المفسدة الحاصلة من الميولات النفسانية والشهوات الجسدانية والالتفاتات الغيرية فاذا تراكمت هذه الاعراض بعضها على بعض ضعفت الحرارة لكون طبعها مضادة لطبعها فاذا ضعفت الحرارة ضعفت الطبيعة لانها محلها وينبوعها فاذا ضعفت الطبيعة لم تقدر على هضم ما يرد على البدن من الغذاء لان ذلك لا يكون الا بالتلطيف والتصعيد والتعفين والتعقيد والتقطير ورد الفضول ولا يكون ما ذكرنا الا بالحرارة فاذا ضعفت القوة الهاضمة يمتنع البدن عن الغذاء الزائد والوارد عليه ( ايضا خ ) يكون فضولا لم يتحلل ولم يندفع فتكثر البرودة والرطوبة او اليبوسة فتكون البنية ضعيفة تعجز عن حمل الاثقال وفعل الاعمال وربما تزيد البرودة الى ان لا يبقى للحرارة الضعيفة محل فترتحل وتفسد البنية وتبطل الكينونة وفي الحديث اخبرني شيخي وثقتي اطال الله بقاه عن احدهم عليهم السلام ما معناه ان للمؤمن اربعين جنة فكلما يعصي تكشف جنة حتى تكشف الجنن كلها فتستره الملائكة باجنحتها الى ان يتبذخ ( يبذخ خ ) بالمعصية فيأخذ في بغضنا اهل البيت فهذا هو الهلاك الاعظم والموت الاكبر والجثة الظاهرة على طبق الجثة الباطنة والحشرات لما ضعفت تلبيتهم لذلك النداء حين سمعوا المنادي من الناحية العليا ضعفت جثتهم وقلت قوتهم وصغرت كينونتهم وكذلك حكمهم حين انكروا اذ لم يبلغ انكارها انكار الاقوياء العلماء في الرتبة العليا فمن لبي منها وامنت نبيها ووليها تضمنت نفعا تاما وما انكر منها تضمن مضرة تامة ثم لما حصل بين الفريقين مزج واختلاط والفة وارتباط اكتسب كل واحد من الآخر ما عليه من المفسدة والمضرة بالعرض فصار النحل يخرج منها ما هو شفاء للناس وقوة للحرارة الغريزية وراحة للقلب وعضد للكبد وحيوة للبدن كله وصارت العقرب يخرج منها سما قاتلا وهكذا قياس باقيها وكذا التي تنفع من جهة وتضر من جهة اخرى فاذا استجنت فيها تلك الخواص واستحكم عليها ذلك الاساس فهي من حيث نفسها محكومة عليها مطيعة او عاصية معذبة او منعمة ولكنها من حيث باريها ومبدئها جند من جنوده عز وجل وخزينة من خزائنه يعذب بها من يشاء كما عذب قوم فرعون بالجراد والقمل والضفادع وينعم بها من يشاء كما ينعمون بالعسل عن النحل وبالجراد ويتغذون بها وامثالهما من سائر الاجناس ولما كان التعذيب والتنعيم بها موقوفا بارادة الله سبحانه وبعنايته الخاصة صارت هي واقفة بباب اذنه تعالى ولائذة بجناب قدسه لتمتثل امره وتجري حكمه وتظهر ما اودع في كل منها من الخاصية حسب قابليته واجابتها لداعي ربها فيما اراد الله كما اراد الله كيف ما اراد الله سبحانه وقد دلت عليه الادلة العقلية والنقلية ولما كان الله سبحانه اقتضت حكمته وسبقت مشيته ان يجري الاشياء بالوسائط وينزل الاحكام الوجودية والشرعية من الخزائن الغيبية وكان مولينا امير المؤمنين عليه السلام هو صاحب تلك الخزائن واصل تلك الوسائط لان له الولاية الكبرى والرياسة العظمى صارت الهوام مسخرة منقادة لامره عليه السلام فكانت لا تنفع ولا تضر الا بعناية خاصة واذن خاص منه عليه السلام في ذلك الشيء وكذلك في جريانها في سائر احوالها وتدبير امورها في مآكلها ومشاربها كالنحل في رياستها وفي تدبيرها لاحوال الرعية وفي كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس وكالنمل تسعي في اعداد الذخيرة لنفسها لعلمها باحتياجها الى الغذاء في المستقبل وعدم اقتدارها على تحصيله في ذلك الوقت وانها اذا احست بنداوة المكان فانها تشق الحبة بنصفين لعلمها بان الحبة لو بقيت سالمة ووصلت النداوة اليها لنبت منها وتفسد الحبة عليها اما اذا صارت مشقوقة لم تنبت وانها تشقها في الطول لا في العرض لعلمها بانها تنبت اذا شقت في العرض واذا وصلت النداوة الى تلك الحبوب ثم طلعت الشمس فانها تخرج تلك الاشياء من جحرها وتضعها حتى تجف واذا كثرت وثقل الحب تجمع جماعة لتستعين بها على نقله بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام او غيره بل للنمل في ذلك الجد والتشمير ما ليس للناس مثله ثم لا تتخذ الدبيبة الا في مقام من الارض كيلا يغيض ( كيلا يفيض خ ) السيل فيغرقها وكالليث الذي تسميه العامة اسد الذباب وما اعطي من الحيلة والرفق في معاشه فانك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به فاذا رأى الذباب قد اطمأن وغفل عنه دب دبيبا دقيقا حتى يكون منه بحيث يناله وثب ثم يثب عليه فيأخذه فاذا اخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة ان ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بانه قد ضعف واسترخى ثم يقبل عليه فيفترسه وكالعنكبوت فانه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا ومصيدة للذباب ثم يكمن في جوفه فاذا نشب فيه الذباب اجال ( احال خ ) عليه بلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه فذلك يحكي صيد الكلاب والفهود وهذا يحكي صيد الاشراك والحبائل وامثالها من هذه الاحوال التي لا يحصى فهي في كل تلك الاحوال واجراء ما فيها من المنافع والمضار تابعة وذليلة لمولينا امير المؤمنين عليه السلام وواقفة بباب اذنه روحي فداه فلا تعلمت هذه العلوم والامور التي بها تجري في امر معاشه الا منه عليه السلام وهو الذي علم كل شيء ما يقيم به وجوده ويحفظ به غيبه وشهوده فقد علم كل شيء مما علمه الله تعالى وذلك التعليم انما هو بفاضل ظهوره وشعاع نوره الذي هو عين ذلك الشيء فعلمه به وتعلم منه عليه السلام به فلا تلدغ الحية ولا العقرب ولا غيرهما شيئا من الاشياء الا باذنه الخاص ولا ينفع العسل من النحل ولا تأكل النحل من الثمرات ولا يلقي الشهد الا بامره عليه السلام واليه الاشارة في باطن باطن التفسير او في باطنه في قوله تعالى واوحى ربك اي صاحبك ومربي ظهورك وامتك وشيعتك او مربيك في مقامات تفاصيلك كالملائكة الحفظة بالنسبة اليه صلى الله عليه وآله وذلك الرب والمربي هو امير المؤمنين عليه السلام كما كان الرب المتجلي لموسى على الجبل رجل من شيعته عليه السلام فافهم الى النحل ان اتخذي من الجبال الآية وهو عليه السلام الذي اوحى الى النحل ما اوحى من كيفية اكل الثمرات واتخاذها البيوت المسدسات وترتيب احوالها ترتيب السلطان لاحوال الرعية لبيان ان الحلاوة التي فيها شفاء للناس وهي روح الايمان انما تتلقي من المبدأ على هذا المنهج

وقوله تعالى فاسلكي سبل ربك ذللا وسبيل ( سبل خ ) الرب هو عليّ عليه السلام وقد امرت النحل ان تسلك في ذلك الاكل سبيل عليّ عليه السلام اي الطريق الذي جعل عليه السلام لها والصراط الذي فتقه لها والحكم الذي اسس والاصل الذي اصل والبنيان الذي شيد لها واوصل كل ذلك اليها بسر ذاتها وابان لها بلسان ذاتها على هيكل استعدادها وهيئة قابلياتها حال كونها ذليلة له عليه السلام منقادة لامره ونهيه لكونها مسخرة له مملكة اياه او ( وخ ) ان الله سبحانه اوحى اليها بلسانه وهو عليّ عليه السلام كما اوحى الى موسى في الشجرة الزيتونة التي لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وهي الشجرة العلوية كما قال عليه السلام انا المكلم لموسى في الشجرة وهكذا الحكم في كل الحشرات بل كل الحيوانات في جميع احوالها واطوارها وسكناتها من انواع الذرات بانواع الهياكل والهيئات من الذوات والصفات في كل الحركات والسكنات فلا يموت منها شيء ولا يضعف ولا يفنى ولا يضمحل الا بتقصيرها في ولايته عليه السلام وما اماتها الا قهره عليه السلام بالله تبارك وتعالى وقد سخرت الهوام له عليه السلام كما سخرت الاشياء لله سبحانه بمعنى ان الاشياء مسخرة له تعالى في اماكنها ومقاماتها وقيوميته سبحانه لها انما هي باثر فعله تعالى لا بنفس ذاته فهي تنتهي الى ذلك الاثر لا الى الذات البحت تبارك وتعالى ولما كان الاثر مضمحلا لديه وفانيا عند ظهوره سبحانه نسب اليه تعالى والا فهو تعالى منزه عن الخلق وعن انتسابه اليهم وارتباطه بهم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين فالاشياء كلها منتسبة اليه تعالى لكنها منتهية الى عللها واسبابها ومقوماتها الصدورية وكذلك نسبة تسخير الهوام وسائر الاشياء الى مولينا عليّ عليه السلام فانها مسخرة لمباديها وعللها وتلك المبادي والعلل ظهور من ظهوراته عليه السلام ورشح من رشحات بحار افضاله ولكن لما كانت تلك الوسائط فانية باطلة ومضمحلة زائلة عند سطوع ظهوره وتشعشع بروز نوره عليه السلام نسبت اليه والا فهو منزه عن انتهاء الهوام وسائر البهائم اليه عليه السلام فان الهوام والبهائم تستمد من سر الملائكة المستمدين من الجن المستمدين من الانس المستمدين من الانبياء المستمدين من الصديقة الطاهرة المستمدة من الائمة والعترة الطاهرة المستمدين من مولينا وسيدنا امير المؤمنين وسيد الوصيين على محمد وعليه واولاده وزوجته الصديقة افضل السلام وازكي التحية وكل رتبة سفلي عند العليا معدومة في رتبتها ما سوى فاطمة عليها السلام مع اولادها وبعلها فاذا كان كذلك فالتسخير للهوام انما هو له عليه السلام بالبهائم والملائكة كما ان تسخير الاشياء لله تعالى انما هو به وبظهورات افعاله وآثاره عليه الصلوة والسلام ولك ان تجعل التسخير له عليه السلام لكن الذي ظهر للهوام والبهائم اذ كل شيء يعرفه وكل موجود يطلبه وكل لسان يدعوه وكل قلب يضمره وكل عين تراه وقال عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته وقد مر تفصيل هذا الاجمال وتفسير هذا الابهام فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وانما اختار عليه السلام الهوام دون غيرها اشارة الى ما هو بعيد عن الافهام والاوهام فان الناس ربما يتصورون طاعة الحيوانات من الجن والانس والملائكة وسائر البهائم ايضا له لقوة ادراكهم ونورانيتهم واما حشرات الارض والنباتات والجمادات فمن جهة عدم قوة ادراكهم لا يتصورون كونهم مطيعين له عليه السلام لعدم شعورهم وقوتهم في النهوض فاشار عليه السلام الى ذلك الفرد الخفي ان نسبة الهوام والطيور الى كنسبة سائر الحيوانات وكلها مسخرة لي منقادة لامري ونهيي او يكون وجه الاختصاص كثرتهم ووفورهم وكونهم اكثر من غيرهم من التي لها نفس سائلة وهذه الهوام قد ملأت وجه الارض وكذلك الهواء المجاور للارض والماء وتخلق كل ساعة ودقيقة وتتجدد خلقتهم لضعف بنيتها وكونها تتكون من الكثافات وما هذا شأنه لا حد له كثرة بخلاف سائر الحيوانات وهذه قاعدة مضبوطة كلما هو انضج طبيعة واصفى بنية اقل وجودا وظهورا في الذات بالنسبة الى ما هو ليس كذلك ولذا قال عليه السلام كما رواه بعض اصحابنا ان بني آدم بقدر عشر الجن والجن بقدر عشر حيوان البر والجميع بقدر عشر الطيور وكلهم بقدر عشر حيوانات البحر الحديث فجعل عليه السلام كلما هو ادنى اكثر ولا شك ان الحشرات اضعف وجودا وبنية عن كل الحيوانات وقد صرح مولينا الصادق عليه السلام بذلك في حديث المفضل الى ان قال عليه السلام معاشها من ضروب منتشرة في الجو من البعوض والفراش واشباه الجراد واليعاسب وذلك ان هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بانك اذا وضعت سراجا في الليل في سطح او عرصة دار اجتمع عليه من هذا شيء كثير فمن اين يأتي ذلك كله الا من القرب فان قال قائل انه يأتي من الصحاري والبراري قيل له كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد اليه مع ان هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب الحديث فابان عليه السلام عن كمال جلال قدره واظهار ان هذه الحشرات مع كثرتها ووفورها وتجددها في كل حين وان بحيث ملأت الاقطار والامصار كلها مسخرة له مطيعة لامره ونهيه فلا تطير الا باذنه ولا تقع على شيء ولا تصيب شيئا الا باذنه عليه السلام كما تقدم فيكون تسخير غيرها من سائر الحيوانات بالطريق الاولى وقد روي انه عليه السلام مر بواد وفيها نمل كثيرة وكان ابو ذر الغفاري معه عليه السلام فقال ابو ذر عجبا لكثرة ما فيها من النمل جل محصيها قال عليه السلام لا تقل ذلك اني محصيها فعجب ابو ذر من ذلك فقال انت تحصيها ( محصيها خ ) فقال عليه السلام اي والله وكم فيها من ذكر او انثي ه‍ الايعلم من خلق وهو اللطيف الخبير او يكون وجه الاختصاص انه عليه السلام ذكر فيما قبل ما يشير به الى ان الجن والانس والملائكة مسخرة له فقد ذكر الآن الرياح والهوام والطير فخص الرياح بالذكر لما ذكرنا من انها الاصل والمبدأ لحقايق الاشياء وذرات الكائنات ثم ذكر الهوام لانها اول ما يتكون من اثارة الريح للسحاب الحامل للمطر النازل على الارض في القوس الصعودي بعد القوس النزولي ولذا كثرت اجناسها وانواعها لانها تكونت من ظاهر القشور ومن الاوساخ والمواد الغير الناضجة وتتكون بادني سبب وعلة بخلاف غيرها من الاجساد والاجسام القوية المتكونة من المواد الناضجة والطبايع المؤتلفة ولذا تجد اهل الاعتدال قليلا بل ربما ماوجد الا واحد وهو نبينا صلى الله عليه وآله ولذا كان آخر الانبياء وخاتمهم لانه صفوهم ثم من بعده الاقرب الى الاعتدال الائمة الاثني عشر عليهم السلام ثم من بعدهم فاطمة عليها السلام وهؤلاء الصفوة كلهم اربعة عشر واصفاهم واعدلهم وانضجهم طينة وطوية واحد ثم من بعدهم عليهم السلام الانبياء ولذا كثروا لكونهم قربوا الى القشر والظاهر وان كانوا عليهم السلام من الصفوة لكنهم معدودون لكونهم من اللب القليلين بالنسبة الى غيرهم ثم من بعدهم الانسان من الرعية فكثروا ولم يدخلوا تحت حصر وعد لكونهم من القشور بالنسبة الى الانبياء عليهم السلام ثم بعدهم الجن كثروا بالنسبة الى الانس وهكذا سائر المراتب ففي القوس الصعودي بعد النزولي اول ما يتكون الاكثف القشري ثم الاشرف اللبي ولهذا ذكر عليه السلام بعد الرياح التي هي العلة والاصل والمادة مطلقا لكنها حين نزولها الى هذا العالم الجسماني الكثيف فاول ما يظهر منها والمتكون عند اثارتها السحاب بالدخان والبخار الهوام لانها اضعف وجودا من كل المركبات بعد الجمادات والنباتات ثم بعد ذلك اردفها بالطير لانها بعدها اي فوقها ( قوتها خ ) في القوة والشرف واللطافة فافهم او يكون المراد من الهوام الحيوانات اي البهائم مطلقا اما مجازا على مذاق اهل الظاهر او من باب ظاهر الظاهر فتجعله جمع الهائمة اي التحير كما يقال رجل هائم وهيوم اي متحير وعلى هذا الوجه يعم البهائم كلها لانها متحيرات لا تعرف من معرفة الله ومعرفة الائمة ومعرفة العلوم والاسرار والمعارف والحقائق والانوار وسائر الاحوال فتدور في الارض حائرة لا يفرق بين الحق والباطل والجيد والردي والاصل والفرع والنور والظلمة وامثالها مما هو مناط حال المستبصر المستقيم المسترشد والمعنى في تسخيرها له عليه السلام هو ما اشرنا الى نوعه في الهوام فان الحيوانات انما قويت واستحكمت قواها بالاضافة الى الهوام لعظم مسارعتها واقبالها وتوجهها لامتثالها لقوله تعالى في الخلق الاول الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ واولاده الطيبون وفاطمة الصديقة اولياؤكم فهم تقدموا في الاجابة فقويت فيهم الحرارة الغريزية فحصل النضج والاعتدال الاضافي فتقووا فصار لهم القوة على غيرهم وانما اشرت الى البهائم بضمير المذكر العاقل نظرا الى مقامها في مقام الحقيقة بعد الحقيقة لان كل واحد من المخلوقين له مقام في هذا المقام من الاعراض والصفات والنسب والروابط والحيثيات والذوات والحقائق ولذا تراه سبحانه يشير اليها في بعض المقامات بضمير جمع المذكر العاقل كما في قوله تعالى اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين وقوله تعالى يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون وقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون وامثالها من الآيات في القرآن كثيرة والسر في ذلك هو الذي ذكرنا لك ان كل شيء فيه وجه يحكي فيه الانسان الكامل ووجه آخر يحكي فيه الانسان الناقص وعند اجتماع الامرين وعدم التمحض في احدهما يأتي الحالات المتغيرة والمتبدلة والمعوجة والمستقيمة فالبهائم بتلك الجهة العليا ( الوجه خ ) الانساني سمعوا نداء اني انا الله فاجابوا على ضعف منهم اما بالقبول او الانكار وسبب الضعف بعدهم عن نقطة النور اي قاعدة مخروطه وقربهم الى قاعدة مخروط الظلمة فظهرت في ظاهر احوالهم آثار ذلك المخروط ولما كانت الظلمة وجهها الى الاسفل وتستمد من نفس النور من حيث هو هو ويسجدون للشمس من دون الله صار رأس اهل ذلك الوادي منكس الرأس كما اخبر الله سبحانه عنهم ناكسوا رؤسهم عند ربهم ولما كان همهم انفسهم وسعيهم فيما يرجع الى انفسهم صارت ايديهم ملصقة بالارض متوجهة الى السجين ولما كان همهم بطنهم لا يبالون من الخبيث وليس همهم الامتياز بين الجيد والردي صار يأكلون بفمهم اي يتناولون منه لا بايديهم كالانسان ومن على هيكله ولما كانت الحيوانات قربوا من هذه الطبقة غلبت انيتهم فتصوروا بهذه الصورة فصار المايز بين المقر منهم والمنكر طيب اللحم وزيادة المنفعة وعدمها فكل حيوان حلال اللحم وكثير المنفعة مؤمن آمن بالله ورسوله والائمة الطاهرين عليهم السلام اما بالذات او بالعرض فالحلية ايضا تتبع ذلك وكلما هو بالعكس بالعكس فصارت سباعا نجس العين وغيره على اختلاف مراتبها في الانكار لولاية آل محمد عليهم السلام ولما ان الله عز وجل صرح في كتابه العزيز ان كل دابة في الارض وكل طير في الهواء امة مثلنا وقال عز وجل وان من امة الا خلا فيها نذير وقال ان محمدا صلى الله عليه وآله نذير للعالمين كما في قوله عز وجل تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا فكلما في العالم اي ما سوى الله عز وجل فهو النذير له وصرح في قوله تعالى بان عليّا خلقه من الماء فجعله نسبا لمحمد (ص) وصهرا وصرح ايضا بان اولي الارحام بعضهم اولي ببعض فنص واضحا صريحا بان عليّا عليه السلام هو الوصي والخليفة والقائم مقام النبي صلى الله عليه وآله فصارت العوالم كلها ذوات شعور وادراك كلها رعية لمحمد صلى الله عليه وآله ثم لعلي عليه السلام ولا شك ان الرعية مسخرة لنبيهم بحيث يكون زمامهم بيده فلو اراد ان يفناهم عن آخرهم لفعل ولا ينافي ذلك عصيانهم له وعدم اطاعتهم اياه لان ذلك مهلة منهم لينالوا نصيبهم من الكتاب كما ان الله تعالى امهل عصاة عبيده مع ان نواصيهم بيده وكذلك محمد وعليّ عليهما السلام بالنسبة الى رعاياهما وهم كل ما في العالم لانهم خلقت موادهم وهياكل اعيانهم من نورهما فلم يزالوا مقابلين لهما ومستمدين عنهما كمقابلة الصور المتكثرة المنطبعة في المرايا الكثيرة المختلفة بالاعوجاج والاستقامة والاحمرار والصفرة للمقابل من الشمس او غيرها وكمقابلة اظلالها وعكوسها المتحققة من خلقها بالمقابل منها او غيرها فالمقابل يمد كل شيء من المعوج والمستقيم على حسبه فلا تستغني عن المقابل ابدا وكذلك الظلال وهي كلها من النور والظلمة ( الظل خ ) مسخرة له ومنقادة لامره ونهيه فالسباع انما تفترس في كل وقت باذن عليّ عليه السلام وامره وكذلك غيرها من سائر الحيوانات لا تخطو خطوة ولا تلحظ لحظة ولا ترعى معشبا ولا تنقاد لاحد الا باذنه الخاص فالكلب مثلا لا ينبح احدا ( ابدا نسخة ٢٤٤ ) الا باذنه ولا تأكل لقمة ولا لحمة ولا جيفة الا باذنه الخاص ولا تموت الاشياء الا باذنه ولا تحيي الا باذنه المخصوص في كل ذرة ذرة في كل دفعة دفعة ولا تحرق النار ولا تحترق الخشبة مثلا ولا يصعد الدخان ولا يغلظ ولا يخف الا باذنه وامره في كل دفعة وكل حرقة وهكذا الاحكام في كل جزئيات الوجود وكلياته ولا تأخذ الحمي احدا ولا تترك احدا الا باذنه وامره روحي فداءه ان قلت لي من اين تقول هذه الاقوال قلت من قوله تعالى قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه اليس عليّ عليه السلام يد الله وقوله تعالى سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون وقد قالوا عليهم السلام ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم كما تقدم وفي دعاء سحر كل ليلة من شهر رمضان اللهم اني اسألك بقدرتك التي استطلت بها على كل شيء وكل قدرتك مستطيلة اللهم اني اسألك بقدرتك كلها ولا شك ان هذه القدرة ليست هي عين الذات تبارك وتعالى اذ ليس فيها تشكيك وتكثر وانما هي خلق ومن هو اشرف من عليّ عليه السلام واخيه وابنائه وزوجته الطاهرة حتى يكون محلا لهذه القدرة والله سبحانه قال وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وقال سبحانه قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فاحذر ان تكون ممن تشملك هذه الآية ولا يشك احد من الشيعة ان عليّا عليه السلام يد الله فتكون مبسوطة وقد خلق الله سبحانه الخلق الاول قبل عالم الذر الاول في خلق الحقايق بيده حيث ورد في الاخبار كما مر بعضها انه سبحانه قبض قبضة بيمينه وقبض قبضة بشماله وكلتا يديه يمين واليمين هو عليّ عليه السلام لفظا ومعنى فاذا كان في الخلق الاول خلق حقائق الانسان هو العلة والسبب ففي سائر اطواره واحواله فبالطريق الاولى اذ ليس الانسان في حال من الاحوال مستغنيا عن المدد ولا يأتي المدد الا من الله سبحانه فما من الله سبحانه فهو عليه السلام الباب الاعظم والصراط الاقوم بالجملة لا ينبغي للمؤمن الموحد ان يشك فيما ذكرنا وما نذكر ان شاء الله تعالى اذا كان موحدا ينزه الله سبحانه عن النقايص ويثبت له كمال الاستيلاء والقدرة فظهر لك مما ذكرنا كيفية تسخيره عليه السلام للحيوانات وتسخيرها له عليه السلام وهو في كل مقام محتاج الى الله سبحانه لا يستغني عنه طرفة عين كيف والا فيهلك ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين واما الهوام في الباطن فهو اشارة الى المستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا وروح الايمان فيهم في غاية الضعف والقلة ولهم مراتب كثيرة حسب اختلاف مراتب الهوام الا ان الحد الجامع هو الذي ذكرنا لك مما لا نفس له سائلة لضعف الحرارة الغريزية وكذلك هؤلاء المستضعفين يجمعهم عدم ذوقهم حلاوة الايمان وهم مختلفون في القرب اليه والبعد عنه اختلافا كثيرا او انها اشارة الى المخالفين فانهم لما تكبروا واستكبروا واستنكفوا عن طاعة الله سبحانه التي هي طاعة الامام عليه السلام ذلوا وصغروا وضعفوا ولذا كثروا وقد قال عز وجل ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا واولئك هم الغافلون وهذه الآية في القسم الاول من المستضعفين وقال سبحانه في هذا القسم ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل وقد اشار مولينا الباقر عليه السلام الى نوع هذا التأويل بقوله نحن وشيعتنا الناس والباقي غثاء وفي الحديث ان الله عز وجل يحشر المتكبر في القيمة على صورة الذر وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى ومعنى كونهم مسخرين لامير المؤمنين عليه السلام انه يدبرهم ويربيهم حيث شاء الله سبحانه فيجري عليهم من المدد الظلمانية والطبع على قلوبهم وورود العذاب عليهم وقسوة قلوبهم وشدة طغيانهم والاملاء والامهال لهم ليزدادوا طغيانا وكفرا وهو قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين وقد سمعت الكلام في الضمير المتكلم معه غيره في القرآن حيث ما ورد فلانعود ولانعيد يفهمه من كان من جنسنا وسائر الناس له منكر وهو عليه السلام يقلبهم بالله ذات الشمال ويسري بهم الى كل واد سحيق ويمهد لهم الاسباب وييسر لهم الاعمال ليوصلوا الى ما خلقوا له من العذاب الاليم والجحيم وهو قول النبي صلى الله عليه وآله اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل لعمله والفاعل لهذا التيسير هو الولي عليه السلام لانه الذي ناصية كل شيء بيده بالله لان يده يد الله وامره امر الله وحكمه حكم الله كما ذكرنا غير مرة فصار انكارهم له عليه السلام انما هو به كما قال عز وجل ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون وقد قال عليه السلام في الدعاء لا الذي احسن استغني عن عونك ورحمتك ولا الذي اساء واجترء عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك الدعاء ولا شك ان عليّا عليه السلام هو القدرة التي استطال الله بها على كل شيء وهو العون والرحمة فكل شيء قاصد ومتوجه اليه من مطيع حيث يحب الله ومن عاص حيث يكره الله حيث يحب الله وهو عليه السلام الباب والوجه والجناب ان هو الا ذكرى لاولي الالباب

قوله عليه السلام : والطير وهو طير القدس في فضاء الانس وهو طير واحد ظهرت الطيور كلها على هيئته وهيكله وحكي مثاله الطير الذي على صورة ديك اشهب براثنه في الارضين السابعة السفلى وعرفه مثنى تحت العرش له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار والآخر ( آخر خ ) من ثلج فاذا حضر وقت الصلوة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه ثم تصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار فينادي اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا صلى الله عليه وآله سيد النبيين واشهد ان عليّا عليه السلام سيد الوصيين وان الله سبوح قدوس رب الملئكة والروح فتصفق الديكة باجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو قوله تعالى والطير صافات كل قد علم صلوته وتسبيحه والذي افهم ان هذا الطير واقف في وكره وهو على دوحة من دوحات شجرة طوبى التي هي في الجنة في بيت مولينا امير المؤمنين عليه السلام وتلك الدوحة قد حاذت دائرة نصف النهار التي تنصف العالم نصفين نصف في المشرق وآخر في المغرب فاحد الجناحين احاط بالمشرق كله وهو الذي من النار ولذا كان نار الدنيا في جهة المشرق والجناح الآخر احاط بالمغرب كله وهو الذي من الثلج ورأسه على نقطة الجنوب وذنبه على نقطة الشمال وهو على تلك الدائرة وتصفيقه بالجناحين لمزج آثار تين الجهتين وهو المعبر عنه بالايلاج في الليل والنهار ففي وقت صلوة الظهر اول التصفيق ومبدأ نشو المزج وفي المشية ووقت صلوة العصر ثانيه وهو ظهور ذلك البدو والمزج في الارادة ووقت صلوة المغرب ثالثه وهو ظهور الاثرين حين المزج وان غلب اثر ظهور المغرب من البرودة الثلجية الحاصلة من الجناح الايمن ووقت صلوة العشاء رابعه وهي ( هو خ ) تمام المزج واستيلاء الثلج ومغلوبية النار لا بالانطفاء لينافي قوله عليه السلام فلا الذي من الثلج يطفئ النار وانما هو بالخفاء وعدم الظهور وذلك لان الخلق وقعوا ( وقفوا نسخة ٢٤٤ ) في جانب الثلج من جناحه فاذا وقعوا ( وقفوا نسخة ٢٤٤ ) في الجانب الآخر كان الامر بالعكس وهو دائما يصفق على تلك الدائرة ويظهر الاثر للواقفين في كل ناحية مع صوت المنادي فافهم ووقت الصبح خامسه وهو اول المزج اي ظهوره من الناحية الثانية وانما صارت اكثر الصلوات في هذه الناحية من جهة الجناح الذي من الثلج كالعصر والمغرب والعشاء بل الظهر ايضا لان وقت فريضته عند الزوال عن تلك النقطة وصلوة الصبح وان كانت عند ظهور الناحية الاخرى من جانب النار الا انها عند ظهور الثانية الثلجية ولذا يتفق البرد وقت الصبح اكثر واعظم من نصف الليل وسر هذه اللطيفة صعب وبيانه مشكل بل يحتاج الى تمهيد مقدمات كثيرة الا اني اشير بالاجمال الى نوع المقال فنقول ان الوجه فيه امران وهما مرادان احدهما بيان ان التكليف بهذه الاعمال المعروفة على الهيئات المخصوصة انما هو في هذه الدنيا الى عند الوفاة وبعدها يرتفع ويكون التكليف نوعا آخر لان مبدأ الوجود الزوال فبعده من العصر الى نصف الليل مقام النزول والبعد عن المبدأ فوجب ذكره عند الحرمان عن مشاهدته وبعد طلوع الشمس كمال مقام الصعود واحوال الآخرة ونشاءات الجنة الى وصولها الى النقطة الاعتدالية اي المتوسطة وهو مقام البلوغ الى الرضوان ووصول الاشياء الى اصلها وفناء المحب في محبوبه والطالب في مطلوبه ثم بعد الزوال خلق جديد فافهم الاشارة من صريح العبارة وثانيهما بيان ان ذكر الله ونور الله في الجنة لاهلها وهي في الجهة ( جهة خ ) المغرب ولذا كانت جنة الدنيا في تلك الجهة وكذلك الجزيرة الخضراء وقرية كرعة التي في وادي شمراخ وشمريخ في ناحية اليمن بين مكة والمدينة ايضا في تلك الجهة فكانت الخيرات كلها في تلك الجهة والصلوة هي اصل الخير والاعمال كلها فان قبلت قبلت ( قبل خ ) ما سواها وان ردت ردت ( رد خ ) ما سواها واما نسيان ذكره تعالى والاعراض عنه والجهل والطغيان والاغترار بزخارف الدنيا ونضرتها انما هي في النار وهي في جهة المشرق ولذا كانت حضرموت ووادي برهوت وبئر بلهوت كلها في المشرق فمن اغتر بطلوع الشمس ونورها وشعاعها عند ظهورها في الافق تعقبه ليل مظلم دامس مدلهم ومن نظر الى زوالها واشتغل بذكر الله عند تنقلاتها من حالاتها وصبروا في الليل المظلم تعقبهم الشمس المضيئة

عند الصباح تحمد القوم السري وتنجلي عنهم غلالات الكري

فافهم ضرب المثل وهو قوله تعالى اشارة الى الاولين اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا واستمتعتم بها وقوله تعالى اشارة للآخرين كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية وهذا الطير هو الملك الذي ينادي عند كل صلوة قوموا الى نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها بصلوتكم ه‍ فكل الطيور انما هي من اطوار هذا الطير الاعظم والطير ورقاء المغرب وهي التي اشار اليها الشاعر في قوله :

هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع

محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع

الى آخر القصيدة وهي مشهورة وهذا الطير كلي وجزئي والكلي والجزئي شؤن واطوار له فافهم فعلى هذا فكل الخلق طيور لهم جناحان جناح الخوف وهو من الثلج وجناح الرجاء وهو من النار وجناح الولاية وهو من النار وجناح البرائة وهو من الثلج وجناح الفقر وهو من الثلج وجناح الغنا وهو من النار وجناح الجهل والعجز وهو من الثلج وجناح العلم والقدرة وهو من النار فاذا كان الشيء طائرا الى جهة المبدأ من حيث الظهور الكلي والاسم الاعظم كالتوجه اليه تعالى في مقام العبودية باسمه الله وهذا الطير يقتضي ان يكون على الهيئة الانسانية لانها هيئة العبد فرأسه ورقبته من لا اله الا الله وصدره والترقوة والعضد من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وقلبه وكبده واليدان من عليّ امير المؤمنين عليه السلام والائمة والصديقة الطاهرة عليهم السلام اولياء الله وباقي البدن كله من اوالي من والوا واعادي من عادوا فلما كان توجهه كليا ظهر فيه سر الوحدة على اكمل ما ينبغي وان كان طائرا الى الجهة الخاصة من الاسماء الجزئية فذلك يقتضي ان يكون على هيئة هذا الطير المعروف ولذا كانت الملائكة طيورا لها اجنحة كما اخبر الحق سبحانه عنهم جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع فالرسالة والتوجه الى المبدأ يقتضي ان يكون على هذه الهيئة المعروفة بخلاف المقام الذي يتحد فيه المقامات ( المقامان خ ) اي مقام المرسل والرسول والمرسل اليه كما في الانسان والمرسل صفة لله فعلية ولا تتوهم من كلامي حينئذ ما يزعمه الجاهلون الملحدون تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وريش الطير جهات ارتباطات المفيض بفيضه على المفاض عليه لا بذاته وتلك الروابط اذا تجسدت من عالم الغيب في عالم الشهادة ظهرت على صورة الريش ولذا كانت الملائكة تأتي الى الائمة عليهم السلام كان يقع من زغبهم ( رشهم خ ) اي فاضل ريشهم على فرشهم وبسطهم وكانوا يجمعونها ويجعلونها سجالا لاولادهم عليهم السلام وبالجملة فذلك الطير الاعظم والعنقاء الاقدم مسخر لامير المؤمنين عليه السلام ومطيع لامره ونهيه فلا يرد ولا يصدر الا بامره وحكمهم ( حكمه خ ) عليهم السلام فاذا كل الطيور مسخرون له عليه السلام ومنقادون لامره ونهيه فمنه عليه السلام تعلموا التسبيح والتهليل لله عز وجل اذ كل طير له ذكر خاص يدعو الله سبحانه به وكذلك سائر الحيوانات كما في الحديث عن الحسين بن عليّ عليهما السلام كما في الخرائج الجرائح انه عليه السلام قال اذا صاح النسر فانه يقول يا ابن آدم عش ما شئت وان ( فان خ ) آخره الموت واذا صاح البازي يقول يا عالم الخفيات ويا كاشف البليات واذا صاح الطاوس يقول مولاي ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي واذا صاح الديك يقول من عرف الله لم ينس ذكره واذا قرقرت الدجاجة يقول يا اله الحق انت الحق وقولك الحق يا الله حق واذا صاح الباشه ( الباش خ ) يقول آمنت بالله وباليوم الآخر واذا صاح الحدءة يقول توكل على الله ترزق واذا صاح العقاب يقول من اطاع الله لم يشق واذا صاح الشاهين يقول سبحان الله حقا حقا واذا صاح البومة تقول البعد من الناس انس واذا صاح الغراب يقول يا رازق ارزق الرزق الحلال واذا صاح الكركي يقول اللهم احفظني من عدوي واذا صاح اللقلق يقول من تخلي عن الناس نجي من اذاهم واذا صاحت البطة تقول غفرانك يا الله واذا صاح الهدهد يقول ما اشقي من عصى الله واذا صاح القمري يقول يا عالم السر والنجوى يا الله واذا صاح الدبسي يقول انت الله لا اله سواك يا الله واذا صاح العقعق يقول سبحان سبحان من لا يخفى عليه خافية واذا صاح الببغاء يقول من ذكر ربه غفر ذنبه واذا صاح العصفور يقول استغفر الله مما يسخط الله واذا صاح البلبل يقول لا اله الا الله حقا حقا واذا صاح القبحة ( القبجة ظ ) تقول قرب الحق قرب واذا صاحت السمانات تقول يا ابن آدم ما اغفلك عن الموت واذا صاح السودنيق يقول لا اله الا الله محمد وآله خيرة الله واذا صاحت الفاختة تقول يا واحد يا احد يا فرد يا صمد واذا صاح الشقراق يقول مولاي اعتقني من النار واذا صاحت القنبرة تقول مولاي تب على كل مذنب من المذنبين واذا صاح الورشان تقول ان لم تغفر ذنبي شقيت واذا صاح الشفتين يقول لا قوة الا بالله العظيم واذا صاحت النعامة تقول لا معبود سوى الله واذا صاحت الخطافة فانها تقرأ سورة الحمد وتقول يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد واذا صاحت الزرافة تقول لا اله الا الله وحده واذا صاح الحمل يقول كفي بالموت واعظا واذا صاح الجدي يقول عاجلني الموت ثقل ذنبي وازداد واذا صاح الاسد يقول امر الله مهم ( منهم خ ) مهم واذا صاح الثور يقول مهلا مهلا يا ابن آدم انت بين يدي من يرى ولا يرى وهو الله واذا صاح الفيل يقول لا يغني عن الموت قوة ولا حيلة واذا صاح الفهد يقول يا عزيز يا جبار يا متكبر يا الله واذا صاح الجمل يقول سبحان مذل الجبارين سبحانه واذا صهل الفرس يقول سبحان ربنا سبحانه واذا صاح الذئب يقول ما حفظ الله لن يضيع ابدا واذا صاح ابن ‌آوي يقول الويل الويل للمذنب المصر واذا صاح الكلب يقول كفى بالمعاصي ذلا واذا صاح الارنب يقول لا تهلكني يا الله لك الحمد واذا صاح الثعلب يقول الدنيا دار غرور واذا صاح الغزال يقول نجني من الاذى واذا صاح الكركدن يقول اغثني والا هلكت يا مولاي واذا صاح الابل يقول حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله واذا صاح النمر يقول سبحان من تعزز ( تفرد خ ) بالقدرة واذا سبحت الحية يقول ما اشقى من عصاك يا رحمن واذا سبحت العقرب ( يقول خ ) الشر شيء وحش ثم قال عليه السلام ما خلق الله من شيء الا وله تسبيح يحمد به ربه ثم تلا هذه الآية وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وفي الاختصاص بسنده عن ابن‌عباس قال شهدنا امير المؤمنين عليه السلام واذا نحن بعدة من العجم فسلموا عليه فقالوا جئناك لنسألك عن ست خصال فان اخبرتنا آمنا وصدقنا والا كذبنا وجحدنا فقال عليه السلام سلوا متفقهين ولا تسألوا متعنتين قالوا اخبرنا ما يقول الفرس في صهيله والحمار في نهيقه والدراج في صياحه والقنبرة في صفيرها والديك في نعيقه والضفدع في نغيقه ( نقيقه خ ) فقال عليّ عليه السلام اذا التقى الجمعان ومشى الرجال بالسيوف يرفع الفرس رأسه فيقول سبحان الملك القدوس ويقول الحمار في نهيقه اللهم العن العشار ويقول الديك في نعيقه بالاسحار اذكروا الله يا غافلين ويقول الضفدع في نقيقه سبحان المعبود في لجج البحار ويقول الدراج في صياحه الرحمن على العرش استوى ويقول القنبرة في صفيرها اللهم العن مبغضي آل محمد صلى الله عليه وآله قال فقالوا آمنا وصدقنا وما على وجه الارض من هو اعلم منك فقال عليه السلام الا افيدكم قالوا بلى يا امير المؤمنين فقال ان للفرس في كل يوم ثلث دعوات مستجابات يقول في اول نهاره اللهم وسع على سيدي ويقول في وسط النهار اللهم اجعلني احب الى سيدي من اهله وماله ويقول في آخر نهاره اللهم ارزق سيدي على ظهري الشهادة ه‍ وكل هذه الاذكار والتسبيحات انما علمتها الطيور والحيوانات بتعليم محمد وآله السادات عليهم السلام لانها تابعة لهم (ع) مطيعة لامرهم ونهيهم روي في الاختصاص بسنده عن حمران عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال كان قاعدا في جماعة من اصحابه اذ جائته ظبية فبصبصت عنده وضربت بيديها فقال ابو محمد عليه السلام تدرون ما تقول هذه الظبية قالوا لا قال عليه السلام تزعم هذه الظبية ان فلان بن فلان رجلا من قريش اصطاد خشفا لها في هذا اليوم وانما جاءت ان اسأله ان يضع الخشف بين يديها فترضعه ثم قال ابو محمد عليه السلام لاصحابه قوموا بنا فقاموا باجمعهم فاتوه فخرج اليهم فقال له عليه السلام فداءك ابي وامي ما جاء بك فقال اسألك بحقي عليك الا اخرجت الى الخشف الذي اصطدتها اليوم فاخرجها فوضعها بين يدي امها فارضعتها فقال عليه السلام اسألك يا فلان لما وهبت لنا الخشف قال قد فعلت فارسل الخشف مع الظبية فمضت الظبية فبصبصت وحركت ذنبها فقال عليه السلام اتدرون ما قالت الظبية قالوا لا قال قالت رد الله عليكم كل غائب لكم وغفر لعلي بن الحسين عليهما السلام كما رد على ولدي وايضا عن ابن شيخ في مجلسه روي بسنده عن عليّ (ع) قال مر رسول الله صلى الله عليه وآله بظبية مربوطة بطنب فسطاطة فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وآله اطلق الله عز وجل لها من لسانها فكلمته فقالت يا رسول الله اني ام خشفين عطشانين وهذا ضرعي قد امتلأ لبنا فخلني حتى انطلق فارضعهما ثم اعود فتربطني كما كنت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله كيف وانت ربيطة قوم وصيدهم قالت بلى يا رسول الله انا اجيء فتربطني كما كنت انت بيدك فاخذ عليها موثقا من الله لتعودن وخلى سبيلها فلم تلبث الا يسيرا حتى رجعت وقد فرغت من ضرعها فربطها نبي الله صلى الله عليه وآله كما كانت ثم سأل لمن هذا الصيد قالوا يا رسول الله هذه لفلان ( لبني فلان خ ) فاتاهم النبي صلى الله عليه وآله وكان الذي اقتضها ( اقتنصها ظ ) منهم منافقا فرجع عن نفاقه وحسن اسلامه فكلمه النبي صلى الله عليه وآله ليشتريها منه قال بلى اخلي سبيلها فداك ابي وامي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لو ان البهائم يعلمون من الموت ما تعلمون انتم ما اكلتم منها سمينا انتهى وروي عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة ذات الرقاع حتى اذا كنا بحرة واقم ( اذ خ ) اقبل جمل يرفل حتى دنى من رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل يرغو على هامته فقال صلى الله عليه وآله ان هذا الجمل يستعديني على صاحبه يزعم انه كان يحرث عليه منذ سنين حتى اجربه واعجفه وكبر سنه اراد نحره اذهب يا جابر الى صاحبه فأت به فقال ما اعرفه قال صلى الله عليه وآله انه سيدلك عليه قال فخرج بين يديه معنقا حتى وقعت في مجلس بني‌ حطمة فقلت اين رب هذا الجمل قالوا هذا لفلان بن فلان فجئته فقلت اجب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج معي حتى اذا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان جملك يزعم انك حرثت عليه زمانا حتى اذا اجربته واعجفته وكبر سنه اردت نحره قال والذي بعثك بالحق ان ذلك كذلك قال صلى الله عليه وآله ما هكذا جزاء المملوك الصالح ثم قال صلى الله عليه وآله تبيعه قال نعم فابتاعه منه ثم ارسله صلى الله عليه وآله في الشجر حتى نصب سنامه وكان اذا اعتل على بعض المهاجرين والانصار من نواضحهم شيء اعطاه اياه فمكث كذلك زمانا وعن عبد الله بن جعفر ان النبي صلى الله عليه وآله دخل حائطا لبعض الانصار فاذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله ذرفت عيناه فمسح النبي صلى الله عليه وآله سنامه فسكن ثم قال صلى الله عليه وآله من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هو لي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله الا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله اياها فانه يشكو لي انك تجيعه وتذيبه ه‍ وامثالها من الاخبار مما يدل على التجاء البهائم والحشرات به وباهل بيته عليه وعليهم السلام وانقيادها لهم (ع) كثيرة جازت الحد والعد وهي مذكورة في الكتب المعدة لجمع امثال هذه الاخبار وانحاء ( انواع خ ) هذه الالتجاءات انما تعلموا من امير المؤمنين عليه السلام ثم من اولاده الطيبين وهكذا حكم جميع اطوارهم واحوالهم كما ذكرنا غير مرة وفي كتاب عبدالملك بن حكيم عن بشير النبال عن ابي عبد الله عليه السلام قال سهر داود عليه السلام ليلة يتلو الزبور فاعجبته عبادته فنادته ضفدع يا داود تعجب من سهرك ليلة واني لتحت هذه الصخرة منذ اربعين سنة ما جف لساني عن ذكر الله عز وجل ه‍ وكان ذلك الضفدع يأخذ الذكر آنا فآنا من عليّ امير المؤمنين عليه السلام لكونه واشباهه وكل ما في الوجود المقيد مسخر له ومنقاد لحكمه وهكذا حكم الاوجاع والاسقام والامراض والهموم والغموم ما تصيب احدا من الخلق الا باذنه وامره عليه السلام كما في حديث عبد الله بن شداد وقد تقدم ان الحسين عليه السلام اتاه يعوده في مرضه فلما دخل عليه السلام عليه هربت الحمى وقام الرجل وقال رضيت بكم الائمة ( ائمة خ ) وان الحمى لتهرب عنكم فقعد عليه السلام فقال ان الله ما خلق خلقا الا وقد امره بالطاعة لنا ثم قال عليه السلام يا كباسة فسمعوا الصوت ولم يروا الشخص يقول لبيك فقال عليه السلام الم يأمرك امير المؤمنين ان لا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل نقلت الحديث بالمعنى وفي الدعاء عن النبي صلى الله عليه وآله للحمي يا ام‌ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله فاذا كانت الحمي والاوجاع قد آمنت بالله ودل الدليل العقلي والنقلي انه لم يؤمن احد بالله الا بواسطة ائمتنا سلام الله عليهم فكانت تلك الامور كلها من المسخرات له عليه السلام وكذلك حكم الظلال والعكوس وامثالها من التسخير والتدبير والادراك والشعور وكذلك ما تجنه الضمائر وتكنه السرائر وسائر المتوهمات والمتخيلات والمتعقلات كلها مسخرة له عليه السلام وانتقشت في الاذهان والنفوس بامره واذنه ولولاه لما انتقشت ولماحصلت وانما قبلت الانتقاش والانطباع لما وجدت من سر لفظ يكون المتحقق من كن المتحقق المتحصل من عليّ عليه السلام فهم من فهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

قوله عليه السلام وروحي فداءه : وعرضت على الدنيا فاعرضت عنها انا كأب الدنيا لوجهها لما اشار عليه السلام الى المراد من قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون بقوله عليه السلام ولقد سخر لي اه فاذا سخرت له عليه السلام تلك الامور التي هي عبارة عن جميع الوجود المقيد كما علمت فهو المتصرف فيها والآمر والناهي يحكم ما يشاء الله ويفعل ما يريد ولا يريد الا ما اراد الله ولا يشاء الا ما يشاء الله ولا يشاء الله الا ما يشاء ولا يريد سبحانه الا ما يريد كما قالوا عليهم السلام اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد اراد عليه السلام ان يبين تنزه مقامه ومرتبته الشريفة عما ذكره سبحانه من جهة التهديد والتوعيد في آخر الآية المباركة بقوله عز وجل ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ولما كان الجبر والظلم مما دلت الادلة القطعية على بطلانه وامتناعه ولا يتحقق الاختيار التام الا بعد تمكن العبد من الجهتين مخلي السرب مرفوع الموانع بحيث لا يحول بينه وبين ذلك الا اختياره بالله سواء كان مع ذلك من الله ام لا ولما كان رفع الموانع لا يكون الا بتمكين قابليته وتهيؤه للقبول قال عليه السلام بعد الكلام السابق مرتبا ( مترتبا خ ) عليه وعرض على الدنيا والعرض هو ايجاد المقبول وتمكين القابل للقبول ورفع الموانع الحائلة بين القابل والمقبول سواء كان المقبول نورا او ظلمة خيرا او شرا حقا او باطلا وان كان المقبول في الفيض الاول في المبدأ الاول لا يكون الا الخير والحق لكن المراد هيهنا المواد الظلمانية بعد الامتياز عن المواد الطيبة الطاهرة في اول مقام العقل الممتاز عن الجهل والدنيا حقيقة هي الظلم وهو طلب لذة وراحة قبل النضج اي نضج الطبيعة وفي غير اوانهما فالمريض لو اطعموه المآكل اللذيذة اسرعت به الى الفناء بل يمنعونه عنها ما دام المرض فلما طاب ووصل موقعها وآن اوانها وصحت البنية ونضجت الطبيعة اطعموها اياه فجميع مآرب اهل الدنيا وتوريطهم انفسهم ورطات الهلاك كلها تدور اما طلبا للذة او راحة يتعقبها بمحض الاحتمال لا على الواقع لان ذلك موكول الى مشية الله عز وجل كما قال جل شأنه من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا وقد فسرت الدنيا ايضا بما يشغلك عن فعل مستحب ومرجعه الى ما ذكرنا اذ ليس المراد مطلق اللذة والراحة اذ العبد يجد لذة وراحة في طاعة الله سبحانه ما لا يعادله شيء من لذات الدنيا والآخرة وانما المراد من اللذة بغير ذكر الله وطاعته وراحة برفع التكليف كما قال عليه السلام واعوذ بك من كل لذة بغير ذكرك وكل راحة بغير انسك وهو قوله تعالى ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة فالدنيا هي الامانة المعروضة على السموات والارض والجبال كما قال عز وجل انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا فالامانة هي الدنيا وهي التي فسرت في بعض وجوه الباطن عنهم عليهم السلام انها عداوة امير المؤمنين عليه السلام والله سبحانه انما عرضها على الخلق لما ذكرنا آنفا لئلا يكونوا في قبولهم لولايته عليه السلام مجبورين حتى تتم الحكمة وتنفذ المشية فيما اراد من خلق النار والجحيم والزقوم والحميم اما عرضها على سائر الخلق فمعروف واما عرضها على امير المؤمنين عليه السلام فلان ولايته تقتضي كل خير ومعروف وهي اصل كل خير وعداوته تقتضي كل شر ومنكر وهي اصل كل شر فلا يمكن ان يقبل الخير باختياره الا بتمكنه من فعل الشر باختياره واعراضه عنه باختياره فاختياره ولاية نفسه عليه السلام انما هو منوط بعرض عداوة نفسه ( عليه السلام خ ) عليه وتركه اياها باختيارها ضدها فلولا هذا العرض ما استقام الوجود لان الله عز وجل خلق كل شيء من الضدين ولا طلب من الاشياء بطلب المحبة ( طلب محبة خ ) الا احد الضدين وهو الضد الاول اي النار ولا يمكن لشيء من الاشياء ان يختار الضدين معا ولا يمكن ان يختار احد الضدين الا بعد عرض الضد الآخر عليه واعراضه عنه ولذا كان اول من خوطب بالخطاب الاول من الملأ الاعلى الست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعليّ والائمة الطاهرون اولياؤكم هو رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان نفسه الذي هو لسان الله فعرضت عليه اضداد المذكورات فاعرض عليه السلام عنها حتى قبل مقابلاتها وهذا ظاهر بين لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد فالدنيا هي ولاية فلان التي هي عداوة عليّ عليه السلام وهو قوله تعالى على السموات وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله اما كونه سماء فظاهر واما عرض عداوة عليّ عليه السلام عليه صلى الله عليه وآله فلما ذكرنا من ان قبول الشيء نفسه الاولى منوط بتركه النفس الثانية بعد عرضها عليه والا فلا يتحقق القبول عند اهل المعقول والارض وهو عليّ عليه السلام وهو قوله تعالى والارض وضعها للانام وهو الامام عليه السلام لكونه مهبطا لجميع الانوار ومستودعا لجميع الاسرار والجبال وهم الائمة عليهم السلام وهم اعلام الهدى واوتاد الارض كما قال تعالى والجبال اوتادا فابين ان يحملنها لما فيها من سوء العاقبة وخسران الآخرة والغفلة عن الله سبحانه وتعالى التي هي اصل كل خطيئة ولذا ورد ان الدنيا رأس كل خطيئة ولم يأبها ولم يأب حملها بحقيقة الاباء الا محمد وعليّ واهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم اجمعين لقد اعرضوا عنها بالكلية ولم يطلبوها ولو باللطخ والوهم والشوب وامثال ذلك ولقد اتى لرسول الله صلى الله عليه وآله بمفاتيح جميع خزائن الارض وقيل له خذ هذا فانه لم ينقص من مقامك في الآخرة شيء تركه عليه السلام وطلب التواضع وهو عليه السلام وان كان اهلا للرفعة ولم يكن قبول ذلك من الدنيا الا انه عليه السلام اراد ان يجعل الرفعة في مكانها والراحة في دارها واللذة لوقتها لا في دار تفني ونعيم يزول ولا يبقى او بمحل ليس بمصفي وحملها الانسان وهو ابو الدواهي وهو الذي طلب الدنيا عن الآخرة وباعها بالثمن الاوكس الادنى انه كان ظلوما جهولا اما الظلوم لوضعه الشيء في غير موضعه وطلبه التلذذ والترأس والراحة في غير اوانها ولم يكن للرياسة باهل لان اهلها السابقون في الوجود العالمون بالغيب والشهود واما الثاني فلان الجهل الكلي مرتبة من مراتبه وسيئة من سيئاته كما ان العقل الكلي حسنة من حسنات الائمة عليهم السلام كما في الحديث كما تقدم روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وله عليه السلام خطبة وكلام في بيان زهده واعراضه عن الدنيا احب ان اذكرها هيهنا وان كانت طويلة لاشتمالها على فوائد جليلة ومقامات شريفة روى المجلسي (ره) عن الصدوق في الامالي باسناده عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن ابيه عليهم السلام قال قال امير المؤمنين (ع) والله ما دنياكم عندي الا كسفر على منهل حلوا اذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ولا لذاتها في عيني الا كحميم اشربه غساقا وعلقم اتجرعه زعاقا وسم افعاة اسقاه دهاقا وقلادة من نار ارهقها خناقا ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وقال لي اقذف بها قذف الاتن لا يرتضيها لبراقعها ( ليراقعها خ ) فقلت له اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السري وتنجلي عنهم غلالات الكري ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم ولاكلت لباب البر بصدور دجاجكم ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ولكني اصدق الله جلت عظمته حيث يقول من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار فكيف استطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة على الارض لاحترقت ( لاحرقت خ ) نبتها ولو اعتصمت نفس بقلة لانضجها وهج النار في قلتها وايما خير لعلي ان يكون عند ذي العرش مقربا او يكون في لظى خسيئا مبعدا مسخوطا عليه بجرمه مكذبا والله لان ابيت على حسك السعدان مرقدا وتحتي اطمار على سفاها ممددا او اجر في اغلال مصفدا احب الى من ان القي في القيمة محمدا صلى الله عليه وآله خائنا في ذي يتمة اظلمه بفلسة تعمدا ولم اظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع الى البلي قفولها ويمتد في اطباق الثرى حلولها وان عاشت رويدا فبذي العرش نزولها معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بانيابها تختطف منكم نفسا بعد نفس كدأبها وهذه مطايا الرحيل قد انيخت لركابها الا ان الحديث ذو شجون فلا يقولن قائلكم ان كلام على متناقض لان الكلام عارض ولقد بلغني ان رجلا من قطان المداين تبع بعد الحنفية علوجه ولبس من نالة دهقانه منسوجه وتضمخ بمسك هذه النواقح ( النوافج نسخة ٢٤٤ ) صباحه وتبخر بعود الهند رواحه وحوله ريحان حديقة يشم تفاحه وقد مد له مفروشات الروم على سرره تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره وحوله شيخ يدب على ارضه من حرمه وذا يتمة تضور من ضره ومن قرمه فما واساهم بفاضلات من علقمه لئن امكنني الله منه لاخضمنه خضم البر ولاقيمن عليه حد المرتد ولاضربنه الثمانين بعد حد ولاسدن من جهله كل مسد تعسا له افلا شعر اولا صوف افلا وبر اولا رغيف قفار الليل افطار معدم افلا عبرة على خد في ظلمة ليال تنحدر ولو كان مؤمنا لا تسقت له الحجة اذا ضيع ما لا يملك والله لقد رأيت عقيلا اخي وقد املق حتى استماحني من بركم صاعه وعاودني في عشر وسق شعيركم يطعمه جياعه ويكاد يلوي ثالث ايامه خامصا ما استطاعه ورأيت اطفاله شعث الالوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم فلما عاودني في قوله وكرره اصغيت اليه سمعي فغره وظنني اوتغ ديني فاتبع ما اسره احميت له حديدة لينزجر اذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصطبر ثم ادنيتها من جسمه فضج من المه ضجيج ذي دنف يأن من سقمه وكان ( كاد ظ ) يسبني سفها من كظمه ولحرقة في لظى اضنى له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل اتأن من حديدة احماها انسانها لمدعبة ويجرني الى نار سجرها جبارها من غضبه اتأن من الاذى ولا ائن من لظى والله لو سقطت المكافات عن الامم وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الاوزار تنسخ فصبرا على دنيا تمر بلاؤها كليلة باحلامها تنسلخ كم بين نفس في خيامها ناعمة وبين اثيم في جحيم يصطرخ فلا تعجب من هذا واعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها ومعجونة بسطها في انائها فقلت له اصدقة ام نذر ام زكوة وكل ذلك يحرم علينا اهل بيت النبوة وعوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة فقال لا ذاك ولا ذاك ولكنه هدية فقلت له ثكلتك الثواكل افعن دين الله تخدعني بمعجونة غرقتموها بقندكم وخبيصة صفراء اتيتموني بها بعصير تمركم امختبط ام ذو جنة ام تهجر اليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤلة فماذا اقول في معجونة اتزقمها معموله والله لو اعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها واسترق لي قطانها مذعنة باملاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها شعيرة فالوكها ماقبلت ولا اردت ولدنياكم اهون عندي من ورقة في جرادة تقضمها واقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها اجذمها وامر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيتسمها فكيف اقبل ملفوفات عكمتها في طيها ومعجونة كأنها عجنت بريق حية او قيئها اللهم اني نفرت عنها نفار المهرة من كيها اريه السها وتريني القمر امتنع من وبرة من قلوصها ساقطة وابتلع ابلا في مبركها رابطة ادبيب العقارب من وكرها التقط ام قواتل الرقش في مبيتي ارتبط فدعوني اكتفي من دنياكم بملحي واقراصي فبتقوى الله ارجو خلاصي ما لعلي ونعيم يفنى ولذة تنتجها المعاصي سألقي وشيعتي ربنا بعيون ساهرة وبطون خماص ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ونعوذ بالله من سيئات الاعمال وصلى الله على محمد وآله انتهى كلامه صلوات الله عليه انظر في هذا الكلام تجد مقامه عليه السلام في ترك الدنيا لانه عليه السلام واولاده الطاهرين الآخرة كما تقدم في هذه الخطبة التي نحن بصدد شرحها وقد فسرت الآخرة في القرآن في الباطن بعليّ عليه السلام ولا يكون محض الآخرة الا بالاعراض الكلي عن الدنيا او ما يوهم انه هي لان الدنيا هي الثاني من الاول فاثبت عليه السلام بتركه للدنيا بعد ما سخرت له الرياح والهوام والطير الولاية المطلقة وهذا السر هو هيئة اللام في الخط العربي الالهي فان اللام مركبة من النون والالف فالنون في مقام الكثرة والالف سر الوحدة والربوبية والكثرة الغير المتصلة بالوحدة في مقام الذل والانكسار والانجماد والفناء والزوال والتغير والاضمحلال والبطلان والعقاب والنكال والنفي والعدم قال عليه السلام وبارادتك دون نهيك منزجرة بعد ما قال فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة والوحدة بدون التعلق بالكثرة والاتصال بها مقام الجلال والعظمة والخفاء وعدم الظهور وهو مقام الربوبية اذ لا مربوب اما مطلقا او في العين وان كان في الذكر فان ذلك لا يوجب ظهور الكثرة وبروزها والوحدة اي الربوبية المتعلقة بالكثرة المتصلة بها الغير المنفصلة عنها هي حقيقة الولاية المطلقة والسلطنة العامة والامامة الخاصة ولما كانت اللام قد حكت هذه اللطيفة جعلت اسما لعليّ عليه السلام لانه عليه السلام مدلول هذا الاسم واثر هذا الطلسم فاثبت عليه السلام بقوله سخر لي الخ سر اسم اللام وبقوله اعرضت عنها اي الدنيا سر عدم الانفصال فان الدنيا من حيث هي هي فصل بين الله وبين عبده فلا يحول بين العبد وبينه تعالى شيء الا الدنيا لانها هي دار الغرور وانما هي لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد انظر الآن الى الدهن المتعلق بالنار اذا تعلق بها وتخللت في كل اجزائه واطواره يحصل منهما نور يستضاء به واما اذا قويت جهة الدهن ضعف النور الى ان لم يبق للنار محل فيلحق بمركزها وتعود الى اصلها واذا قويت جهة النار وضعفت جهة الدهن بحيث احترق كله تصاعدت الاجزاء المحترقة مصاحبة للنار وتبطل النور اي يخفى لشدة اللطافة المشابهة للطافة المبدأ فاذا كان التعلق ثابتا والانفصال من احد الطرفين منتفيا يبقى النور والضياء الى ان يشاء الله فاثبت عليه السلام بالفقرة الاولى في بيان التسخير المتعلق بالرياح وما بعدها عدم الانفصال من جهة المبدء الحق ثم بالفقرة الثانية في بيان اعراضه عن الدنيا عدم الانفصال من جهة نفسه اي جهة الدهن فكان بذلك وليا مطلقا حامل آثار الربوبية المتعلقة بجهات العبودية ونورا كاملا يستضاء به في كل الاحوال الظاهرية والباطنية فاختير له عليه السلام فيما اختير له من الاسم الدال عليه عليه السلام اللام ولذا كانت دورة القمر الذي هو مثال ظهوره عليه السلام ثلثين وسر الاسم التام عندنا في الحرف الاوسط والحرف الاول كالرأس في الجسد والحرف الاوسط كالقلب فيه ثم جعل على يمين القلب الذي هو اللام في هذا الاسم الشريف العين للاشارة الى ثمرة اللام اي ثمرة الالف المتعلقة بالنون اي ثمرة توجه العبد الى الله سبحانه في مقام الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت وتلك هي الضياء والنور الموجود في السراج عند تعلق النار بالدهن الذي اضاء بنور شعاعه ما يقابله وهي هنا في الظاهر كونه عليه السلام حاملا لامر الله التكويني والتشريعي الذي بهما قامت السموات والارض والامر هو قول كن لقوله عليه السلام ( تعالى خ ) انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فكان كن هو امر الله وكن استنطاقه من الحروف العين بالحسابين اي حساب المغاربة وغيرهم فبحمله عليه السلام ذلك الامر كان وليا مطلقا كما ان السراج بحمله اثر النار وفعلها كان مضيئا مطلقا فالعين سر اللام لا باطنها بل ظاهرها فافهم ثم تمم اسمه الشريف بالياء عن يسار اللام لبيان انه عليه السلام حامل الولاية وحامل اللواء لا صاحب اللواء وقد قال صلى الله عليه وآله اعطيت لواء الحمد وعليّ حاملها ثم صار هذا الاسم الاقدس الاعظم كصاحبه عليه السلام جامع المقامات وحاوي المراتب على كمالها من الالوهية والعبودية كما هو مقتضي ظهور الرب بفعله في العبد لا بذاته وترك العبد الدنيا واعراضه عنها فهو عليّ فعل ماض من على يعلو مثل دعى يدعو وذلك ظهور العين وهو كن اي مبدأه الذي هو الفعل الماضي كما حققنا في بعض اجوبتنا للمسائل وهو حينئذ مبدأ الافعال والاسماء وسر المسخر بكسر الخاء في قوله عليه السلام وسخر لي اه وهو على من حروف الجارة اي الاستعلاء الذي يخفض عنده كل شيء ولذا يكسر ويجر ويخفض مدخوله الا احمد وعمر اما احمد فلوزن الفعل واما عمر فللعدل التقديري وان كانا مجرورين في الباطن بل قالوا في الظاهر الا ان جرهما بالفتح اما احمد فلسر علمته علمي كما علمه علمه عليهما السلام واما عمر فلقوله تعالى ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون واما ما سواهما من الاسماء الغير المنصرفة فلرجوعها اليهما فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وهو حينئذ رابطة لايصال الفيض وحينئذ والفرع الكريم كما انه في الاول الاصل القديم وهو حينئذ حامل الولاية ومحل المشية كما قالوا عليهم السلام نحن محال مشية الله والسنة ارادته وترجمان وحيه كما انه في الاول اصل الولاية ومبدأها ومنشأها وهو عليه السلام على مبالغة الاسم الفاعل عال وهو عليه السلام حينئذ باب الله وصراطه وسبيل الله اذ فيه شباهة للفعل مع كونه اسما كما هو شأن الابواب المعتبر فيهم نسبة الطرفين وكونهم من سنخ الاسفل كما قال عز وجل ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون وهو عليه السلام على اسم من اسمائه يجري عليه حكم الاسم الجامد فان الكلمات الكونية الوجودية كلها على احوال اربع اما ان تعمل ولا تعمل اصلا لفعل الماضي والحروف العاملة واما ان تعمل وتعمل كفعل المضارع واسم الفاعل والمفعول وامثالهما واما ان تعمل ولا تعمل كالجوامد من الاسماء واما ان لا تعمل ولا تعمل كباقي الحروف فالمرتبة الاولى مقام المشية وتوابعها من الملائكة وحملة العرش والثانية هم الانبياء والمرسلون والثالثة هم الرعايا والتابعون والمؤمنون الممتحنون وغيرهم مما لم يظهر فيهم المثال والرابعة هم الكفار المعاندون في ظاهر الاقرار وهو عليه السلام قد حوى المراتب الاربع الا الرابعة لانها لا تصلح لمقامه ولا تناسب لمرتبته فافهم لقد القيت لك البذر المنقى المصفى فاحفظه عن الزوال والله خليفتي عليك ثم ان الدنيا دنياوان دنيا ملعونة ودنيا بلاغ فالاولى هي التي يشغلك عن ذكر الله عز وجل والثانية هي التي توصلك الى رضاه والى قربه فالدنيا التي اعرض عليه السلام عنها هي الملعونة لا البلاغ والا لما ظهر بين ظهراني الخلائق ولما كانت اللذات الفانية الزائلة كلها مما يشغل عن ذكر الله عز وجل والا لم يكن زائلا فانيا لان ما من الله وما عنده وما يؤل اليه حي باق قد القى سبحانه فيه مثاله فيجب الاعراض عن كلما لذته تفني وثمرته تزول وهذه المآكل الخشنة واللباس الخشنة وامثالهما من الامور التي كان يستعملها عليه السلام وان كان من ( كانت هي خ ) الدنيا لكنها دنيا بلاغ ومع ذلك كان منها توبته الى الله واستغفاره وتضرعه وبكاؤه لاكله وشربه ولبسه وحيوته بل لصومه وصلوته ولم يترك هذا المقدار من الدنيا لانها لم تكن من جهة اللذة ولان تركها يستلزم ما هو اقبح فافهم الاشارة وليس الآن موضع كشف هذه الاسرار فليرتقب ( فليترقب خ ) فيما بعد ان شاء الله تعالى واما سائر ائمتنا عليهم السلام فهم ( فانهم خ ) انما لبسوا اللباس الفاخرة واكلوا المآكل الطيبة لتشابههم مع الناس حتى يتمكنوا من هدايتهم لانهم عليهم السلام لم يكونوا مبسوطي اليد ونافذي الحكم كما كان عليّ عليه السلام ففعلوا ما فعلوا اثباتا للدين وتشييدا لما اتى به سيد المرسلين عليه وعليهم صلوات الله ابد الآبدين وانما هم عليهم السلام معرضون عن الدنيا كما اعرض جدهم وابوهم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين

قال عليه الصلوة والسلام وروحي فداءه : وحتى متى يلحق بي اللاحق لقد علمت ما فوق الفردوس الاعلى وما تحت السابعة السفلى وما في السموات العلى وما بينهما وما تحت الثرى كل ذلك علم احاطة لا علم اخبار

لما بين عليه السلام انه الولي المطلق حيث سخرت له الاشياء واعرض عن الدنيا وما فيها فكان بذلك النير الذي استضاء به الارض والسماء اي ارض القوابل وسماء المقبولات اراد عليه السلام ان يبين انه المتفرد بذلك ولا احد من المخلوقين يصل اليه وهو المحيط على دائرة الاكوان والامكان وما سواه اما ذاته وعين حقيقته او رعية وتابع واراد ان يبين ذلك على جهة الاستدلال باخصر المقال ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من سبقت له من الله العناية فقال عليه السلام وحتى متى يلحق بي اللاحق على سبيل الانكار يعني لا يمكن ان يلحق بي اللاحق كما في الزيارة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين واشرف درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم الزيارة وقال عليه السلام كما في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الله ( تعالى خ ) خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده ولم يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيبا لاحد من المخلوقين ثم خلق شيعتنا من طينة مكنونة مخزونة تحت تلك الطينة وخلق من تلك الطينة الانبياء والمرسلين نقلت معنى الحديث وفي احاديث خلق انوارهم ما يغني عن الكلام كما في الحديث ان الله سبحانه خلقهم قبل خلق الخلق بمائة الف دهر وكل دهر مائة الف عام وفي رواية الف دهر وفي رواية اربعة عشرالف دهر ثم خلق الخلق كلهم بعد خلق انوارهم بتلك المدة وحديث آدم عليه السلام المشهور انه عليه السلام لما نظر الى ساق العرش رأى اسماءهم عليهم السلام مكتوبة عليه فقال يا رب من هؤلاء فاوحى الله سبحانه اليه يا آدم ان هؤلاء كرام خلقي وصفوة بريتي لولاهم ما خلقتك ولا احد من الخلق الحديث وحديث خلق نور محمد صلى الله عليه وآله روى سهل التستري وشيبان الراعي انهما لاقا الخضر وسمعا منه انه قال خلق الله نور محمد صلى الله عليه وآله من نوره وصوره على يده فبقي ذلك النور بين يدي الله مائة الف عام فكان يلاحظه كل يوم وليلة سبعين‌الف لحظة ونظرة ويكسوه في كل نظرة نورا جديدا وكرامة جديدة ثم خلق منها الموجودات في بصائر الانوار عن جابر بن عبد الله قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله اول شيء خلق الله ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله وخلق منه كل خير ثم اقام بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم واقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء واقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء واقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بنظر الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفسها ارواح الاولياء والشهداء والصالحين وفي كتاب نور الانوار عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين‌الف سنة ثم سجد لله تعظيما ففتق منه نور عليّ فكان نوري محيطا بالعظمة ونور عليّ محيطا بالقدرة ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار والابصار والعقل والمعرفة وابصار العباد واسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره فنحن الاولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ونحن خاصة الله ونحن احباء الله ونحن وجه الله ونحن جنب الله ونحن يمين الله ونحن امناؤ الله ونحن خزنة الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل ومعنى التأويل وفي ابياتنا هبط جبرئيل ونحن محال قدسه ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الامة ونحن سادات الائمة ونحن نواميس العصر واخيار الدهر ونحن ساسة البلاد وسادة العباد ونحن الكفاة والولاة والحماة والدعاة والسقاة والرعاة وطريق النجاة ونحن السبيل والسلسبيل ونحن النهج القويم والصراط المستقيم من آمن بنا آمن بالله ومن رد علينا رد على الله ومن شك فينا شك في الله ومن عرفنا عرف الله ومن تولي عنا تولي عن الله ومن اطاعنا اطاع الله ونحن الوسيلة الى الله والوصلة الى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة وفينا النبوة والولاية والامامة ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة ونحن كلمة التقوى والمثل الاعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى من تمسك بها نجي ومن تخلف عنها هوى وكان في قضاء الله ان لا يدخل النار محب لنا ولا يدخل الجنة مبغض لنا لان الله يسأل العباد عما عهد اليهم ولا يسئل عما قضى عليهم وفي تأويل الآيات عن الشيخ ابي جعفر الطوسي باسناده عن الفضل بن شاذان باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن الامام العالم موسى بن جعفر عليهما السلام قال ان الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله وهو نور لاهوتية الذي تبدي من لاه اي من الالهية ( الاهة خ ) تبدي منه وتجلى لموسى بن عمران في طور سيناء فما استقر ولاطاق لرؤيته ولا ثبت له حتى خر صاعقا مغشيا عليه وكان ذلك النور محمدا صلى الله عليه وآله فلما اراد ان يخلق محمدا قسم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الاول محمدا ومن الشطر الآخر عليّ بن ابي طالب عليه السلام ولم يخلق الله من ذلك النور غيرهما خلقهما الله بيده ونفخ فيهما بنفسه من نفسه لنفسه وصورهما على صورتهما وجعلهما امناء له وشهداء على خلقه وخلفاء على خليقته وعينا له عليهم ولسانا له اليهم قد استودع فيهما علمه وعلمهما البيان واستطلعهما على غيبه وجعل احدهما نفسه والآخر روحه لا يقوم واحد بغير صاحبه ظاهرهما بشرية وباطنهما لاهوتية ظهروا للخلق على هياكل الناسوتية حتى يطيقوا رؤيتهما وهو قوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون فهما مقام رب العالمين وحجابي خالق الخلائق اجمعين بهما بدأ فتح الخلق وبهما يختم الملك والمقادير ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته كما اقتبس نوره من نوره واقتبس من نور فاطمة الحسن والحسين كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الانوار وانتقلوا من ظهر الى ظهر وصلب الى صلب ومن رحم الى رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة بل نقلا بعد نقل لا من ماء مهين ولا نطفة خبيثة كسائر خلقه بل انوار انتقلوا من اصلاب الطاهرين الى ارحام المطهرات فهم صفوة الصفوة اصطفاهم لنفسه وجعلهم خزان علمه وبلغاء عنه الى خلقه اقامهم مقام نفسه لانه لا يرى ولا يدرك ولا يعرف كيفيته ولا اينيته فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه المتصرفون في امره ونهيه فيهم يظهر قدرته ومنهم ترى آياته ومعجزاته ومنهم عرف عباده نفسه وبهم يطاع امره ولولاهم ما عرف الله ولا يدري كيف يعبد الرحمن فالله يجري امره كيف يشاء فيما يشاء ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ه‍ قوله عليه السلام تجلى لموسى الى قوله عليه السلام وكان ذلك النور محمدا صلى الله عليه وآله لا ينافي ما ورد عنهم عليهم السلام ان ذلك نور رجل من الكروبيين من شيعتنا لان ذلك الرجل من محمد صلى الله عليه وآله كالصورة في المرآة فمن رأى الصورة في المرآة يحكم بالمقابل فيها وهي ليست عين المقابل ولا غيرها لا فرق بينها وبينه الا انها عبده وخلقه فافهم

وعن تأويل الآيات والبحار عن مصباح الانوار للشيخ الطوسي (ره) باسناده عن انس عن النبي صلى الله عليه وآله قال ان الله خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين قبل ان يخلق آدم حين لا سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار فقال العباس كيف كان بدو خلقكم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله يا عم لما اراد الله ان يخلقنا تكلم بكلمة فخلق منها نورا ثم تكلم بكلمة اخرى فخلق منها روحا ثم خلط النور بالروح فخلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس فلما اراد الله ان ينشأ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري افضل من نور العرش ثم فتق نور اخي عليّ فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور عليّ ونور عليّ من نور الله فعليّ افضل من الملائكة ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السموات والارض فالسموات والارض من نور ابنتي ونور ابنتي فاطمة من نور الله فابنتي فاطمة افضل من السموات والارض ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله فالحسن افضل من الشمس والقمر ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله فولدي الحسين افضل من الجنة والحور العين ه‍ قوله صلى الله عليه وآله ان الله تكلم بكلمة الخ وهي كلمة كن وهي التي انزجر لها العمق الاكبر والنور المخلوق منها هو الوجود الماء الذي به حيوة كل شيء وهو نور الانوار اذ به قام كل نور ومنه استوى كل خير والكلمة الاخرى هي الارادة كما ان الاولى هي المشية وهي كن الا ان هنا ظهور النون كما ان في الاولى ظهور الكاف والروح في هذا المقام ارض الجرز والبلد الطيب والقابلية الاولى والدواة الاولى واطلاق الروح عليها لظهور الحيوة والحركة وترتب الآثار بها ومنها واليها كما حقق في محله وهذا دليل على ان الماهية مجعولة بجعل سوى جعل الوجود واختلاط النور بالروح وقوع ذلك الماء على ارض الجرز وتعلق الوجود الاول بالماهية الاولى ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج فخلق منه تلك الاشباح المطهرة لانهم حقيقة واحدة ونسب خلق العرش من فتق نوره صلى الله عليه وآله لانه مقام الاجمال والوحدة والبساطة وهو المبدأ وقد حكي في كل ذلك عن مقامه صلى الله عليه وآله وفتق النور ليس كفتق الحبة وخلق السنبلة وانما هو كفتق ظهور السراج لخلق الشعاع والمقابل لخلق الصورة في المرآة اللهم الا ان يكون المراد من العرش العقل الكلي ونسب خلق الملائكة الى عليّ عليه السلام لانه حامل الولاية الظاهرة باعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه والملائكة حملتها وحفظتها ونسب نور عليّ الى الله لا الى نفسه لبيان انهما حقيقة واحدة وان الفتق انما هو بظهور الاثر لا بحقيقة الذات فافهم وهكذا في باقي الائمة عليهم السلام ونسب خلق السموات والارض الى نور فاطمة عليها السلام لوجوه منها ان فلك الجوزهر يحكي صفتها حين نسبتها الى عليّ عليه السلام فاجتمعت عندها مراتب القابليات والمقبولات فالسموات رتبة المقبولات وهي السموات الدائرة على الارضين والارضون هي القابليات فخلق من نورها السموات من حيث اتصالها بعليّ عليه السلام والارض من حيث اتصاله عليه السلام بها عليها السلام ومنها ان العرش وملائكة الكرسي هي المبادي من حيث الفاعل والسموات هي المبادي من حيث قابلية ظهور الفاعل والارض هي نفس القابلية من جهة حملها لظهورات الفاعل وهذه حكاية صفة فاطمة عليها السلام فافهم فانه دقيق جدا ونسب صلى الله عليه وآله الشمس والقمر الى الحسن عليه السلام لانه عليه السلام اول نور ظهر وبرز منها وهو اشرف منها وكانت حاملا له كالكواكب فانها اشرف من الافلاك والشمس اشرف الكواكب وانورها كالحسن عليه السلام فانه اشرف اولادها عليها السلام واقتصر على الشمس والقمر عن سائر الكواكب لانهما الاصلان وهي تنتهي اليهما سيما الى الشمس فالقمر مع الشمس مقام الاجمال كما هو نسبة مقامه عليه السلام والشمس و( مع خ ) القمر مقام التفصيل كما هو مقام اخيه عليهما السلام ومعنى قولي الشمس مع القمر والعكس اي تبعية ( بتبعية خ ) احدهما للآخر اذ لا ظهور لاحدهما الا بالآخر ونسب الجنة والحور العين الى الحسين عليه السلام لانه عليه السلام صاحب مقام التفصيل وكوكبه القمر والحور العين كلها منسوبة اليه والجنة فكوكبها الشمس مع القمر فظهرت الجنات وتفصيل الامر في هذا المقام موكول الى ما يأتي ان شاء الله تعالى والى ما مضى وفي المشارق عن طارق بن شهاب عن امير المؤمنين عليه السلام في بيان صفة الامام الى ان قال عليه السلام مطهر من الذنوب مبرء عن ( من خ ) العيوب مطلع على الغيوب ظاهره امر لا يملك وباطنه غيب لا يدرك واحد دهره خليفة الله في نهيه وامره لا يوجد له مثل ولا يقوم له بدل فمن ذا ينال معرفتنا او بيان درجتنا او يشهد كرامتنا او يدرك منزلتنا حارت الالباب والعقول وتاهت الافهام فيما اقول تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء وكلت الشعراء وخرست البلغاء والكنت الخطباء وعجزت وتواضعت الارض والسماء من وصف شأن الاولياء وهل يعرف او يوصف او يعلم او يفهم او يدرك او يملك شأن من هو نقطة الكائنات وقطب الدائرات وسر الممكنات وشعاع جلال الكبرياء وشرف الارض والسماء جل مقام آل محمد عليهم السلام عن وصف الواصفين ونعت الناعتين وان يقاس بهم احد من العالمين وكيف وهم النور الاول والكلمة العلياء ( العليا خ ) والتسمية البيضاء والوحدانية الكبرى التي اعرض عنها من ادبر وتولى وحجاب الله الاعظم الاعلى فاين الاخبار من هذا واين العقول من هذا ومن عرف او وصف من وصف ظنوا ان ذلك من غير آل محمد عليهم السلام كذبوا وزلت اقدامهم واتخذوا العجل ربا والشيطان حزبا الى ان قال عليه السلام والامام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وامر الهي وروح قدسي ومقام عليّ ونور جلي وسر خفي فهو ملكي الذات الهي الصفات زائد الحسنات عالم بالمغيبات خصا من رب العالمين ونصا من الصادق الامين وهذا كله لآل محمد عليهم السلام لا يشاركهم فيه مشارك لانهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل مهبط الامين جبرئيل صفات الله وصفوته وسره وكلمته شجرة النبوة ومعدن الفتوة عين المقالة ومنتهى الدلالة ومحكم الرسالة ونور الجلالة جنب الله ووديعته وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته ومصابيح رحمة الله وينابيع نعمته السبيل الى الله والسلسبيل والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم والذكر الحكيم والنور القديم اهل التشريف والتقديم والتفضيل والتعظيم خلفاء النبي الكريم وامناء الرؤف الرحيم وامناء العلي العظيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم السنام الاعظم والطريق الاقوم من عرفهم اخذ منهم واليه الاشارة بقوله تعالى فمن تبعني فانه مني خلقهم الله من نور عظمته وولاهم امر مملكته فهم سر الله المخزون واولياؤه المقربون وامره بين الكاف والنون لا بل هم الكاف والنون الى الله يدعون وعنه يقولون وبامره يعملون علم الانبياء في علمهم وسر الاوصياء في سرهم وعز الاولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القفر والارض عند الامام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برها من فاجرها ورطبها من يابسها لان الله علم نبيه ما كان وما يكون وورث ذلك السر المصون الاولياء المنتجبون ومن انكر ذلك فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السموات والارض وان الكلمة من آل محمد صلى الله عليه وعليهم تنصرف الى سبعين وجها وكلما في الذكر الحكيم والكلام القويم من آية يذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منه الولي لانه جنب الله ووجه الله يعني حق الله وعين الله وعلم الله ويمين الله ويد الله لان ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة وباطنهم ظاهر الصفات الباطنة فهم ظاهر الباطن وباطن الظاهر واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله ان لله عينا وايادي وانت يا عليّ منها فهم الجنب العلي والوجه الرضي والمنهل الروي والصراط السوي والوسيلة الى الله والوصلة الى عفوه ورضاه سر الواحد الاحد فلا يقاس بهم من الخلق احد فهم خاصة الله وخالصته وسر الديان وكلمته وباب الايمان وكعبته وحجة الله ومحجته واعلام الهدى ورايته وفضل الله ورحمته وعين اليقين ( الله خ ) وحقيقته وصراط الحق وعصمته ومبدء الوجود وغايته وقدرة الرب ومشيته وام الكتاب وخاتمته وفصل الخطاب ودلالته وخزنة الوحي وحفظته وامنة الذكر وتراجمته ومعدن التنزيل ونهايته في الغوالي عن ابي جعفر عليه السلام انه قال كما لا تقدر على صفة الله لا تقدر على صفتنا وكما لا تقدر على صفتنا لا تقدر على صفة المؤمن ه‍

ولما اقتضى المقام ذكر فضائل ذلك الامام عليه السلام فلا بأس ان نذكر خطبة البيان لان فيها من فضائله عليه السلام ما لا يحيط به انسان فتعرف بذلك انه روحي فداءه لا يلحقه لاحق ولا يطمع في ادراكه طامع قال عليه السلام على ما رواه علمائنا ودلت عليه الاخبار الكثيرة والآيات القرآنية والادلة القطعية العقلية قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام انا الذي عندي مفاتيح ( مفاتح خ ) الغيب لا يعلمها بعد محمد صلى الله عليه وآله غيري وانا بكل شيء عليم انا الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعليّ بابها انا ذو القرنين المذكور في الصحف الاولى وانا الحجر الذي تفجر منه اثنتا عشرة عينا من الحجر انا الذي عندي خاتم سليمان انا الذي اتولى حساب الخلائق اجمعين انا اللوح المحفوظ انا جنب الله انا قلب الله انا ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم انا الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عليّ الصراط صراطك الموقف موقفك انا الذي عنده علم الكتاب ما كان وما يكون انا آدم الاول انا نوح الاول انا ابرهيم الخليل حين القي في النار انا موسى انا مونس المؤمنين انا فتاح الاسباب انا منشر السحاب انا مورق الاشجار انا مخرج الثمار انا مجري العيون انا داحي الارضين انا سماك السموات انا فصل الخطاب انا قسيم الجنة والنار انا ترجمان وحي الله انا معصوم من عند الله انا خازن علم الله انا حجة الله على من في السماء وفوق الارضين انا قائم بالقسط انا دائر الارض انا الراجفة انا الرادفة انا الصيحة بالحق يوم الخروج الذي لا يكتم عنه خلق السموات والارض انا الساعة التي لمن كذب بها سعير انا الم ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه انا الاسماء التي امر الله ان يدعى بها انا النور الذي اقتبس منه موسى فهدى انا هادم القصور انا مخرج المؤمنين من القبور انا الذي عندي الف كتاب من كتب الانبياء انا المتكلم بكل لغة في الدنيا انا صاحب نوح ومنجيه انا صاحب ايوب المبتلي وشافيه انا صاحب يونس ومنجيه انا اقمت السموات السبع بنور ربي وقدرته انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم وانا الذي اسلم ابرهيم الخليل واقر بفضلي انا عصاء الكليم وبه اخذ بناصية الخلق اجمعين انا الذي نظرت في الملكوت فلم يغب عني شيء وغاب عن غيري انا الذي احصي هذا الخلق وان كثروا حتى اؤديهم الى الله انا الذي لا يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد انا ولي الله في ارضه والمفوض اليه امره والحاكم في عباده انا الذي دعوت الشمس والقمر فاجاباني وانا الذي دعوت السبع السموات فاجابوني وامرتها فينصبوني ( فنصبوني خ ) انا الذي بعثت النبيين والمرسلين انا فطرة العالمين انا داحي الارضين والعالم بالاقاليم انا امر الله والروح كما قال تعالى يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي انا سيرت الجبال وبسطت الارضين انا مخرج العيون ومنبت الزروع ومغرس الاشجار ومخرج الثمار انا الذي اقدر اقواتها وانا منزل القطر ومسمع الرعد ومبرق البرق انا مضيء الشمس ومطلع الفجر ومنشئ النجوم وانا منشئ جوار الفلك في البحور انا الذي اقوم الساعة انا الذي ان مت لم امت وان قتلت لم اقتل انا الذي اعلم ما يحدث آنا بعد آن وساعة بعد ساعة انا الذي اعلم خطرات القلوب ولمح العيون وما تخفى الصدور انا صلوة المؤمنين وزكوتهم وحجهم وجهادهم انا الناقور الذي قال الله تعالى فاذا نقر في الناقور انا صاحب النشر الاول والآخر انا اول ما خلق الله نوري انا صاحب الكوكب ومزيل الدولة انا صاحب الزلزال ( الزلازل خ ) والرجف انا صاحب الذي اعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب انا صاحب ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ونازلها انا المنفق الباذل بما فيها انا الذي اهلكت الجبارين والفراعنة المتقدمين بسيف ذي‌الفقار انا الذي حملت نوحا في السفينة انا الذي انجيت ابرهيم من نار نمرود ومونسه انا مونس يوسف الصديق في الجب ومخرجه انا صاحب موسى والخضر ومعلمهما انا منشئ الملكوت والكون وانا البارئ انا المصور في الارحام انا الذي ابرئ الاكمه والابرص واعلم ما في الضمائر انا انبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم انا البعوضة التي ضرب الله بها مثلا ( المثل خ ) انا الذي اقامني الله والخلق في الاظلة ودعا الى طاعتي فلما اظهره انكروا امره كما قال عز وجل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به انا الذي كسوت العظام لحما ثم انشأناه بقدرته انا حامل عرش الله مع الابرار من ولدي وحامل العلم انا اعلم بتأويل القرآن والكتب السالفة انا الراسخ في العلم انا وجه الله في السموات والارض كما قال الله تعالى كل شيء هالك الا وجهه انا صاحب الجبت والطاغوت ومحرقهما انا باب الله الذي قال تعالى ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين انا الذي خدمني جبرئيل وميكائيل انا الذي حمل جبرئيل وميكائيل لي الماء من الجنة انا الذي يتقلب الملائكة على فرشي ويعرفني عباد كل اقليم الدنيا انا الذي رددت الشمس مرتين انا الذي خص الله جبرئيل وميكائيل بالطاعة لي انا اسم من اسماء الله الحسنى وهو الاعظم الاعلى انا صاحب الطور والكتاب المسطور انا البيت المعمور انا الحرث والنسل انا الذي فرض الله طاعتي على قلب كل ذي روح متنفس من خلق الله انا الذي انشر الاولين والآخرين انا قاتل الاشقياء بسيفي ذي ‌الفقار ومحرقهم بناري انا الذي اظهرني على الدين انا المنتقم من الظالمين انا الذي ادي دعوة الامم كلها الى طاعتي ومن كفرت واصرت مسخت انا الذي ارد المنافقين من حوض رسول الله صلى الله عليه وآله انا باب فتح الله لعباده من دخله كان آمنا ومن خرج منه كان كافرا انا الذي بيدي مفاتيح الجنان ومقاليد النيران انا الذي جهد الجبابرة باطفاء نور الله وادحاض حجته فابي الله الا ان يتم نوره وولايته اعطى الله نبيه صلى الله عليه وآله نهر الكوثر واعطاني نهر الحيوة انا مع رسول الله (ص) في الارض فعرفني الله ما شاء ومنعني ما يشاء انا قائم في ظلة خضر حيث لا روح تتحرك ولا نفس تتنفس غيري انا علم صامت ومحمد صلى الله عليه وآله علم ناطق انا القرون الاولى انا صاحب القرن انا جاوزت موسى في البحر واغرقت فرعون انا عذاب يوم الظلة انا الذي اعلم هماهم البهائم ومنطق الطير انا آيات الله وحجج الله وامين الله انا احيي واميت وانا اخلق وارزق انا السميع العليم انا البصير انا الذي اجوز السموات السبع والارضين السبع في طرفة العين انا الاولى انا الثانية انا ذو القرنين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله انك ذو القرنين هذه الامة انا صاحب الناقة التي اخرجه الله لنبيه صالح انا الذي نقر في الناقور ذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير انا الاسم الاعظم كهيعص انا المتكلم على لسان عيسى في المهد صبيا انا المتكلم على لسان صبي يوسف الصديق انا الذي ليس كمثله شيء انا العذاب الاعظم انا الآخرة والاولى انا ابدء واعيد انا فرع من فروع الزيتون الذي قال الله والتين والزيتون وقنديل من قناديل النبوة انا مظهر الاشياء كيف اشاء انا الذي ارى اعمال العباد لا يعزب عني شيء لا في الارض و( لا خ ) في السماء انا مصباح الهدى انا مشكوة فيها نور المصطفى انا الذي ليس شيء من عمل عامل الا بمعرفتي انا خازن السموات وخازن الارضين انا قائم بالقسط انا عالم بتغيير الزمان وحدثانه انا الذي اعلم عدد النمل ووزنها وخفقها ومقدار الجبال ووزنها وعدد قطرات الامطار انا آيات الله الكبرى التي اراها الله فرعون وعصى انا اقتل قتلتين و ( انا خ ) احيى حيتين انا الذي رميت وجه الكفار كف تراب فرجعوا الهلكى انا الذي جحد ولايتي الف امة فمسخهم الله انا المذكور في سالف الزمان والخارج آخر الزمان انا قاصم فراعنة الاولين ومخرجهم ومعذبهم في الآخرين انا معذب الجبت والطاغوت ومحرقهم ومعذب يعوق ويغوث ونسرا انا المتكلم بسبعين لسانا ومفتي كل شيء على سبعين وجها انا الذي اعلم بتأويل القرآن وما يحتاج اليه الامة انا الذي اعلم ما يحدث بالليل والنهار امرا بعد امر وشيئا بعد شيء الى يوم القيمة انا الذي عندي اثنان وسبعون اسما من اسماء الله العظام انا الذي ارى اعمال الخلايق في مشارق الارض ومغاربها ولا يخفى عليّ منهم شيء انا الكعبة والبيت الحرام والبيت العتيق كما قال الله تعالى فليعبدوا رب هذا البيت انا الذي يملكني الله شرق الارض وغربها اسرع من طرفة عين ولمح البصر انا محمد المصطفى وعليّ المرتضى كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله عليّ ظهر مني انا الممدوح بروح القدس انا المعنى الذي لا يقع على اسم ولا شبه انا اظهر الاشياء الوجودية كيف اشاء انا باب حطتهم التي يدخلون فيها ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ه‍

فاذا تأملت في هذه الاخبار ونظرت اليها بنظر الاعتبار علمت ان مقام آل محمد الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار اعلى واجل من ان تناله البصائر والابصار وارفع من ان تصل اليه العقول والافكار وقد قال عز وجل وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها والنعمة هي هم عليهم السلام وقال عز وجل ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله والكلمات هي هم و( قد خ ) قال عز وجل وما قدروا الله حق قدره وقدر الله هم صلوات الله عليهم وقال عز وجل وما يعلم جنود ربك الا هو وهم عليهم السلام جنود الله الذين لا يعلمهم سواه تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عليّ لا يعرفك الا الله وانا وقال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو وهم (ع) تلك المفاتح وتلك الغيوب التي لا يعلمها الا الله سبحانه وقد قال سبحانه وما يعلم تأويله الا الله على قراءة الوقف على الله دون الراسخون وهم عليهم السلام تأويل القرآن الذي لا يعلمه الا الله وعلى الوقف على الراسخون يكون هم الراسخين في العلم كما دلت الاخبار بصراحتها عليه فالمعنى حينئذ لا يعلمهم الا الله وهم اذ الشيء يعلم ذاته لانه علم ذاته واذا اردت مقاما ازيد من ذلك بشرط ان لا تتوهم الغلو ولا تظن بالله ظن السوء ولا تصغر عظمة الله ولا تحتقر قدرة الله فنقول هم المراد من قوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار واليهم تتعلق الاشارة وهو سبحانه اجل من ان يشار اليه باشارة او يعبر عنه بعبارة او يهتدى اليه سبيل وقال تعالى ولا يحيطون به علما اي بوليه وهم الاولياء الذين لا يحاط بهم علما وضمير الهاء كما تقدم اشارة بالاشارة عند الاشباع الى عليّ عليه السلام وبالتلويح الى محمد صلى الله عليه وآله والى فاطمة عليها السلام فان الهاء اذا اشبعت كان عنها الواو و( هما خ ) اذا نزلتا في الرتبة الثانية كان عنهما عليّ وهو قوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم وهو العليّ العظيم هو العليّ الكبير وبعد الاشباع بملاحظة زبرهما وبيناتهما يستنطق عنهما الواحد وهو يثنى في الباء وهي تثنى في الدال وهي تثنى في الحاء وهي تخمس في الميم فالمجموع هو الحمد فاذا اضفت الاصل الاول الذي هو عدد الواحد اي الهمزة كان احمد واذا اضفت ( اضيفت خ ) الميم في عالم التفصيل كان محمدا (ص) وقد سبق تفصيل ذلك وانما كررت الاشارة لئلا تحتاج الى النظر وربما لا تحصل ما ذكرنا في الموضع الذي ذكرنا فيفوت المقصود وبعد استنطاق الواحد من الهاء يلاحظ تثليثه فتكون عنه الثلاثة فتجذر تكون تسعة وتستنطق تكون عنه الطاء ويؤخذ كماليها الظهوري والشعوري ويضمان مع الاصل الذي هو الطاء فتكون فاطمة لان الفاء كمال الطاء الشعوري ومه كمالها الظهوري ومن الكمال الظهوري كان ظهور آدم ابو البشر وباقي الائمة عليهم السلام غصون في هذه الاحوال الثلثة فهم حينئذ هو اي الهاء مع الاشباع فضمير الهاء في كل المواضع القرآنية يرجع اليهم عليهم السلام وهم راجعون الى الله انا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وقال عز وجل سبحان ربك ربك العزة عما يصفون والرب هو المربي الصاحب والكاف هي كاف الخطاب التي هي ظهور المخاطب وهو الاعيان السفلية في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فهنا يستحقون الاسم من باب الحقيقة الثانية التي هي بعد الحقيقة الاولى فيكون المراد حينئذ آل محمد عليهم السلام وهم المتعالون عن الوصف والتوصيف ولا تتوهم اني اقول انهم هم الله كلا وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل ( منهم خ ) اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين قال سبحانه وتعالى سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين والله اسمه العلي كما قال الرضا عليه السلام وهو اسمه الله والهاء اسمها هو وقد علمت الكلام في هو والهاء وحدها فهم المتعالون عن الوصف فلا يلحقهم نعت ولا يصل اليهم ادراك والعباد المخلصون هم الانبياء والمرسلون كما في الآية المتقدمة سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وقال سبحانه وعنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير وهم عليهم السلام علم الساعة كما قال تعالى في حق عيسى الذي قال عز وجل انه مثل لبني اسرائيل وهم هم عليهم السلام وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلام السلام على اسرائيل الامة الزيارة والآية الدالة على ما ذكرنا هي قوله تعالى ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون وقالوا ءآلهتنا خير ام هو ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل الى ان قال تعالى وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها وما كان عيسى عليه السلام علم الساعة الا لكونه مثلا لآل محمد عليهم السلام وهم عليهم السلام الغيث النازل من سماء الجود والكرم والفيض المنبسط على كل الامم وهو قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وقوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وهم عليهم السلام الرحم والارحام واسرارهم المودعة فيها ولا يعلمها سوى الله عز وجل وهم النفس التي لا تدري ماذا تكسب غدا لتلاشيهم في مشية الله واضمحلالهم في قدرة الله فلا يجدون لانفسهم وسائر احوالهم تحققا الا بالله واليه الاشارة في باطن قول امير المؤمنين عليه السلام لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهي قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وهم النفس التي لا يعلم باي ارض تموت الارض ارض القابلية ارض الجرز الدواة الاولى والارض المقدسة المطهرة عن القوم الجبارين والنفس هي الحقيقة من الله والوجه الاسفل منها ( فيها خ ) هو الفيض الاختراعي فاذا تعلق ذلك الفيض بالقابلية تعين وتحدد بعد ما كان غير متعين وغير محدود وبعبارة اخرى لما نزل الماء الالهي على ارض الجرز اختفى واستجن فيها لانبات النبات واظهار الثمرات وهذه ( هذا خ ) الاختفاء والاستجنان هو الموت ولما كان ذلك الفيض سرمديا انقطعت عنده الاوقات والازمان فلا يوصف بمتى ولا اين فلا يقال باي ارض تموت لان ذلك ما يكون الا حين الوقوع ( فالعلم انما هو عند الوقوع خ ) واما القبل فلا قبل ولو فرض فلا تعين ولا اختصاص ولما كان الممكن دائم السيلان لشدة افتقاره الى الله سبحانه فلا بد له في كل آن مدد جديد لم يكن عنده فلم يكن علمه عنده والا لاستغنى وذلك المدد مساوق لمحله وهو ارضه فلا يعلم ( فلم يعلم خ ) الممكن ما يرد عليه من الامدادات بقوابلها وحدودها قبل ان ترد ولما كان آل محمد عليهم السلام واقفين على باب القدرة ومقابلين لفوارة النور كان لهم هذا الحكم بالاصالة الحقيقية ولغيرهم بالعرض ولما لم يكن عند الله سواهم كانوا عليهم السلام هم المخصوصون بهذه الخمسة وهم هذه الخمسة التي تفرد الله بعلمها كما قال امير المؤمنين عليه السلام ان الله تفرد بخمسة ثم قرأ هذه الآية فلا يعلمهم ولا يعلم اسرارهم على ما هم عليه الا الله سبحانه وهم بتعليم الله سبحانه اياهم انفسهم وفي الدعاء هب لي نفسي

اهل النهى عجزوا عن وصف حيدرة والعارفون بمعنى ذاته تاهوا

ان قلته بشرا فالعقل يمنعني واختشى الله من قولي هو الله

وفي شرح هذه الفقرة المباركة ينبغي التنبيه على امور حتى يكون المخلص من الشيعة على بصيرة في فهم مراد ائمته عليهم السلام الاول لم اختار الامام (ع) عدم اللحوق على عدم الادراك والمعرفة مع ان عدم الادراك والفهم لمقاماتهم اقرب في مقام الاستعلاء والتنزه عن سائر المخلوقين بالنسبة الى عدم اللحوق اذ قد يدرك الشيء في الظاهر ما لا يلحقه وقد عرفت الآن ان الامام عليه السلام لا يدرك مقامه ولا يفرض ولا يتصوره احد من المخلوقين ولا يعرفهم الا الله سبحانه الثاني لم خص نفسه الشريفة بعدم اللحوق مع ان الائمة عليهم السلام كلهم كذلك لانهم حقيقة واحدة واحكامهم غير مختلفة الثالث لم ادي هذا المطلب على جهة الاستفهام الانكاري الرابع ما كيفية اللحوق وعدمه الخامس في بيان شرذمة من السر المستسر في هذه الفقرة المباركة

اما الاول فاعلم انه قد تقرر عندنا ان العلم عين المعلوم ولا يتفارق احدهما عن الآخر اذ لا يتصور انفكاك العلم عن المعلوم اذ ليس العلم الا ظهور المعلوم للعالم وذلك الظهور قائم بالمعلوم لا بالعالم ولذا يوجد بوجوده ويعدم بعدمه وليس العلم هو الظهور العام حتى يكون غير المعلوم والا لم يكن العلم بالتعلقات المخصوصة علما مع ان الظهور عين المظهر اذ لو كان فيه جهة غير جهة الظهور لكان بذلك حاجبا لا مظهرا والمعلوم مظهر ( مظهرا خ ) للعلم ولذا كان مادة المعلوم هي العلم لبيان انه هو العلم مع الخصوصية فاذا كان كذلك فلا يدرك الشيء ما لا يلحقه ابدا ولذا امتنع ادراك ذات الواجب سبحانه اذ لو صح ادراك شيء مع عدم الوصول الى حقيقته صح ادراك الذات كذلك ولو صح ذلك لمامنع الخلق من ادراك الذات ولماكفر الشخص اذا ادعى انه ادرك الذات البحت تعالى وتقدس وكذا امتنع ادراك المعدومات والممتنعات والعلم بها واستحال فرض المحال لامتناع الوصول اليها لعدم شيئيتها ولذا قال عز وجل ولا يحيطون به علما فالادراك يستلزم اللحوق في كل مكان فانت حين ما تتصور البلدان البعيدة النائية عنك فقد لحقتها بخيالك وان لم تلحقها بجسمك وما ادركتها ايضا بجسمك والخيال وان كان من ( في خ ) عالم الغيب ونظره ايضا اليه الا ان عالم الشهادة عند عالم الغيب كالنقطة للدائرة والخيال وان كان يدرك الاجسام بها لكنه حين بعدك الظاهري التفت الى ذلك المكان ببصرك الظاهري الذي هو هناك فعرفه به فقد لحقته في المقام ( بالمقام خ ) الذي ادركته وان وقع الخطاء فانما هو في المرآة لا في اصل الواقع ولكن في هذه الصورة لا يقع الخطاء الا اذ كان مستمرا الى يوم المشاهدة العيانية واللحوق الحسي واما اذا كان متخالفا كما لو تصورت البلدة الفلانية على هيئة خاصة ثم اتيتها ووجدتها على خلاف ما كنت تتصورها فان التصور الاول انما كان في الغيب وحده دون الشهادة ووقوع الخطاء لعدم صقالة المرآة ان قلت فعلى هذا كيف لا يخطأ التصور بعد المشاهدة او معها اذا كان لعدم صقالة المرآة قلت القلب اذا كان مضطربا والحواس غير مجتمعة والنفس غير قارة مطمئنة اذا طلب شيئا من اللوح المحفوظ يقع منه فيها على حسبها من عدم الاستقرار فيظهر تلك الحقيقة فيها على غير جهة الاستقامة فاذا ظهر الامر في الواقع بعد تأكد الاسباب والقرانات وتنظر اليه بعد الاستقرار تجده مخالفا لما كان تعرفه سابقا كما اذا نظرت في الماء عند الاضطراب ونظرت اليه بعده وعلى هذا يجوز ان يكون المراد من الادراك مطلقا وان كان جسميا فاللحوق حينئذ كان جسميا هذا مطلقا واما المعصومون عليهم السلام فانهم يرون الاشياء النائية البعيدة على ما هو عليه من غير اختلاف كما روي ان الحسين عليه السلام ارى ام‌ سلمة رضي الله عنها مصرعه ومقتله واصحابه المستشهدين بين يديه روحي فداه وعليه السلام ووقع كما اريها عليه السلام من غير اختلاف وكذلك ما قال مولينا الصادق عليه السلام في امر الرجعة وما اخبر عن القبة التي تبنى لامير المؤمنين عليه السلام والسرج المشعولة فيها وقال عليه السلام كأني ارى القناديل معلقة فيها كالشمس المضيئة وهذا كله يراه عليه السلام كما هو وكذلك الاخبارات التي تقع عن المؤمنين الممتحنين عند اجتماع قلوبهم واجتماع حواسهم فانهم يرون تلك الاحوال على ما هو عليه بابصارهم الظاهرية لكنها هناك وذلك بخيالهم فنسبة الخيال واحدة وان كانت نسبة الجسم متفاوتة فافهم فقد القيت اليك بذرا من الجنة وسقيتها ( سقتها خ ) بماء الكوثر ما اسعدك لو حفظتها عن الضياع والله خليفتي عليك ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم فاذا فهمت هذه الدقيقة فهمت ان اللحوق مساوق للادراك ...

( الى هنا وجد في النسخ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين )

المصادر
المحتوى