شرح آية الكرسي (الشرح غير كامل)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

شرح آية الكرسي

( غير مكتمل )

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الحادي عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اخلى ( اجلى خ ) افئدة العارفين لتجليات ظهوره وانار قلوب السالكين لاشراقات نوره وشرح صدور العالمين لتشعشع لمعات بدوره والصلوة على سيدنا محمد الذي به استقر عرشه وكرسيه وهو الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهو الاسم الاعظم المكنون والنور الانور المخزون به نورت الانوار وبه ظهرت الاسرار وبه اشرق النور من صبح الازل وبه وجدت الموجودات ما جل وقل وعلى آله واصحابه شموس الهدى وبدور الدجى واعلام التقى وذوي النهى واولي الحجى وكهف الورى وورثة الانبياء عليهم صلوات الله ما دامت الارض والسماء

اما بعد فيقول العبد المسكين المحتاج المستكين الغريب في وطنه البعيد عن اهله ومسكنه اقل الناس جرما وعملا واكثر الناس جرما وزللا افقر العباد من الاقاصي والاداني ابن محمد قاسم محمد كاظم الهاشمي النبوي العلوي الفاطمي الحسيني الموسوي المكي المدني الرشتي ان هذه كلمات وجيزة كتبتها على آية الكرسي وشرحت بعض خفاياها التي ما عثرت عليها افهام مفسريها وشارحيها وكتبتها على طريقة ( طريق خ ) التأويل والباطن واعرضت عن الظاهر لان العلماء ملأوا كتبهم من ذلك وهو مغن لمن يريد القشر والظاهر وما رأيت احدا تكلم بالباطن واصاب الحق عليّ ما يوافق مذهب اهل الحق عليهم السلام والفقير في سن الشباب بعد مضى عشرين سنة من سنه لما وفقني الله تعالى للتوجه الى جانب بيت الله الحرام والسفر اليه خلج ببالي ان اكتب على تلك الآية الشريفة ما لم يكتب في كتاب ولم يذكر في خطاب مع اغتشاش البال واختلال الاحوال واسئل الله تعالى ان يلهمني الصواب ويجعلني وجميع المؤمنين الطالبين من المقتبسين من فصل الخطاب واليه المرجع والمآب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين والصلوة على خير المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وها انا اشرع في المقصود باعانة مفيض الخير والجود فاقول واثقا بالله الملك العلام وجاعلا نفسي هدفا لسهام طعن اغاليط الاوهام :

اعلموا وفقكم الله تعالى ان القرآن رمز بين المحب والمحبوب لا يعرفه بحقيقة مراده سواهما وذلك لان الله سبحانه وتعالى جعل نبيه صلوات الله عليه وآله رسولا الى جميع خلقه من الاولين والآخرين من الدرة الى الذرة لنص الآيات والروايات ولا ينكره الا جاهل او جاحد معاند فهو قبل المرسل اليه بالذات وبالرتبة والا يلزم تقديم الاخس على الاشرف وامارة الوضيع على الشريف وهذا لا يجوزه عاقل فاذا كان هو مقدم ( مقدما خ ) في الوجود وواسطة في الايجاد ولا يصل احد الى مقامه ومرتبته لامتناع اتحاد الرتبة على ما برهنا عليه في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا فكلما تحته من شعاعه وفاضل نوره والرشح الذي يرشح منه (ص) عليه وآله فحقيقة ( والحقيقة خ ) المحمدية صلى الله عليه وآله علة للحقايق والذوات كما قال نفسه صلى الله عليه وآله انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات وعقله الشريف الكلي علة للعقول كلا وطرا الجزئية وروحه الشريف علة للارواح ونفسه الشريفة المقدسة علة للنفوس الجزئية وطبيعته المقدسة علة للطبايع وهو معنى ما قال العالم (ع) العرش مركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور ابيض منه ابيض البياض ومنه ضوء النهار الاول اشارة الى الرابع والثاني الى الثالث والثالث الى الثاني والرابع الى الاول وهو صلى الله عليه وآله مما ( لما خ ) خلقه تعالى علمه علم كلما في الوجود وفوض اليه امر جميع الخلق ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا فهو صلى الله عليه وآله كان عالما بجميع المراتب في جميع المراتب بل هو علم الله بالخلق وعلمه بنفسه وعلمه هو القرآن في جميع المراتب قال الله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم وهو القرآن بلا اختلاف وكما ان لرسول الله صلى الله عليه وآله ظهورا في كل العوالم كذلك القرآن ( للقرآن خ ) ايضا لانه حكم الله الذي يحكم به على عباده في العوالم عالم الاسرار وعالم الانوار وعالم الارواح ( الارواح وعالم النفوس خ ) وعالم الاشباح وعالم الاجسام واما في عالم اللاهوت فلا كلام ولا اسم ولا رسم وهو واقف في ذلك المقام تحت عرش ربه ساكت لا يتكلم لمحوه في جماله وفنائه في بقائه وسكره في صحوه اذ كشف سبحات الجلال ووصل الى مقام الجمال وجلس على سرير الكمال اين الكلام من ذلك المقام واين الثريا من يد المتناول وهو معنى قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وتصديق العالم عليه السلام بذلك لما سئل عن ذلك لان تحت ذلك المقام مقام الكلام وما كان جاهلا حجة الله على الانام فاوحى الله تعالى اليه في مقام الانوار وارسله الى خلقه في ذلك العالم وكان اهله كلهم قائمين واقفين ببابه لائذين بجنابه وكان القرآن في ذلك العالم نورا ابيضا ( ابيض خ ) في كمال التلألؤ واللمعان كالدرة البيضاء ولما كان اهل ذلك العالم من فاضل نوره وكان ادراكاتهم ومشاعرهم كلها من فاضل ظهوره صلى الله عليه وآله فلا يعرفون ولا يدركون ما يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يفهمون القرآن لان القرآن بقدر فهمه وعقله واين فهمهم من فهمه وادراكهم من ادراكه ثم انزل الله تعالى الخلق من ذلك العالم الى عالم الارواح فارسل الله رسوله (ص) اليهم مبشرا ونذيرا واوحى اليه القرآن فنزل ( فتنزل خ ) النبي (ص) وتنزل القرآن الى ذلك العالم وهو اذن نور اصفر في كمال الصفرة ونشر رسول الله هذا ( ذلك خ ) النور في ذلك العالم على اهل ذلك العالم فاشرق على الكل بقدر ما فيه من القوة والاستعداد وهذا الانتشار كان بالرشح لا بالاصل لما قلنا لك آنفا فعرفوا الرشح والقشر وبقي اللب والاصل محجوبا في حجاب الخفاء ومقنعا بالحجب والاستار بل مافهموا ما فهم اهل العالم الاول المكلفين فهم اصل بالنسبة الى هؤلاء ومعرفتهم قشر بالنسبة الى معرفة ( ما عرف خ ) النبي صلى الله عليه وآله فلهم قشر القشر بالنسبة الى القرآن الاصل ثم انزل الله الخلق من ذلك العالم الى عالم النفوس ومقام النقش ( النقوش خ ) فامر نبيه صلى الله عليه وآله بالتنزل اليهم فتنزل كلامه ( فنزل بكلامه خ ) الذي هو القرآن الى ذلك العالم فقال لهم عن الله تبارك وتعالى ألست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة اولياؤكم قالوا بلى فسعد من سعد وشقى من شقي السعيد سعيد في بطن امه والشقي شقي في بطن امه والقرآن حينئذ نور اخضر كالزمردة الخضراء فنشر النور على اهل ذلك العالم اي قرأ القرآن عليهم ففهموا حكم الله وعرفوا امر الله فاجاب من اجاب وانكر من انكر لكن ما عرف هؤلاء قشر لمعرفة اهل عالم الارواح الذي معرفتهم قشر لمعرفة ( اهل خ ) عالم الانوار الذي معرفتهم قشر لمعرفة النبي صلى الله عليه وآله فمعرفة اهل هذا العالم قشر قشر ( قشر قشر القشر خ ) بالنسبة الى معرفة النبي (ص) القرآن الاصل ثم انزل الله تعالى الخلق من ذلك العالم اي ( الى خ ) عالم الاجسام مقام النقش والارتسام امر الله تعالى نبيه (ص) ان يدعوهم ويأمرهم وينهاهم فاظهر الانبياء والرسل باذن الله تبارك وتعالى على حكم القرآن بمقتضى ذلك الزمان في عالم الاجسام من اول آدم الى زمان ظهوره وبروزه وتشعشع نوره (ص) فتنزل القرآن من عالم الانوار الى عالم الاجسام ومن الغيب الى الشهادة فظهر بمقتضى ذلك الزمان الى آخر الزمان فكان الفاظا وعبارات وقصصا وحكايات (خ) كما ترى فكل الكتب المنزلة على الانبياء والمرسلين انما هي نسخة من القرآن وحكم من احكامه والقرآن سرها ولبها ولذا قال العالم (ع) سر الكتب المنزلة في القرآن وقد روي ان القرآن فيه جميع ما في الكتب المنزلة وزايدا وقيل الزايد هو الحواميم السبع ونعما ( نعم ما خ ) قال لكن بيانه يرتاب الجاهلون والكناية ابلغ من التصريح ففي القرآن جميع الاحكام والاخبار واللغات من الهندية والتركية والرومية والسريانية واليونانية والعبرانية وغيرها من اللغات وجميع الاشعار بجميع الالحان ( الاوزان خ ) من العربية والعجمية وفي القرآن والاخبار بما في الغيب وما وقع وما سيقع ان شاء الله على سبيل الحتم وفي القرآن جميع العلوم على سبيل الاستغراق ما ( مما خ ) وصل الينا وما ( مما خ ) لا يصل وهو مكون عند الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وما لا يصل اليهم ايضا وهو مكنون عند الملائكة الكروبيين وما لا يصل اليهم ايضا وهو مكنون عند الملائكة العالين الذين ماسجدوا لآدم (ع) قال الله تعالى لابليس أستكبرت ام كنت من العالين وكل الادعية والمناجاة التي جرت على لسان نبي من الانبياء ووصي من الاوصياء والملائكة المقربين وكل شيء مما وجد وما لم‌ يوجد الى يوم القيمة وفيه الجفرة ( الجفر خ ) الجامعة ومصحف فاطمة صلوات الله عليها ولذا قال تعالى وفيه تفصيل كل شيء خذها قاعدة كلية فتعرف منها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقال تعالى ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين يا اخي وفقك الله تعالى اقرأ القرآن ولا تدعه فانه احسن لك من كل شيء اذا واظبت عليه ترى سر ما اقول لك فاذا فهمت هذه المذكورات عرفت مبلغا من علم القرآن وفهمت انه لا يجوز ان يتمنى ذلك كما هو لانه حرام على المسلمين المؤمنين لانه تمنى رتبة النبي (ص) واهل بيته صلى الله عليهم اجمعين وهذا لا يجوز لاحد حتّى الملك المقرب والنبي المرسل والا لاحترق ولبعد عن ساحة القرب والعز رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعد طوره ومن خرج عن زيه فدمه هدر وقد قال العارف بمقامهم ورتبتهم :

اگر يك سر موي برتر پر مفروغ تجلى بسوزد پرم

ولا يغررك ما عندك من الفهم القليل ان تدعي فهم القرآن لانك ما اوتيت من العلم الا قليلا وفوق كل ذي علم عليم ولا تنكر على من قال شيئا واستدل بالقرآن بخلاف ما فهمت وعرفت اذا لم تر له منافيا ومعاندا في الاحاديث واجماع الفرقة المحقة على التفصيل الذي ذكرنا في رسالتنا مقامات العارفين فاطلبه وانظر اليه ليظهر لك الحق الحقيق بالتصديق والتحقيق

فاذا فهمت ان حقيقة القرآن رمز لا يعرفه ( لا يفهمه خ ) الا الله تعالى ومن ارسله اليه واهل بيته واهل البيت ادري بالبيت الذي ( بالذي خ ) فيه فاعلم انا لما سمعنا منه (ص) القرآن في عوالم عديدة وفهمنا منه بقدر افهامنا من الرشح في ذلك العالم وهذه العوالم متفاوتة في اللطف والغلظة والشرافة والكثافة والتجرد والمادية فيختلف فهم القرآن باختلاف افهامنا فنسمي ما فهمنا من القرآن بعد تنزله الى عالم الاجسام بالظاهر وما فهمنا في عالم الاشباح بالباطن وما فهمنا في عالم النفوس بباطن الباطن وما فهمنا في عالم الارواح بباطن باطن الباطن وما فهمنا في عالم الانوار بباطن باطن باطن الباطن وعلى هذا كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وكل ذلك قشر وظاهر بالنسبة الى مبدئنا واوائل جواهر عللنا فاذا كان كذلك فلنا (خ) ايضا طريق الى الباطن باقسامه لا ( الا خ ) ان هذا الباطن قشر وظاهر بالنسبة اليهم ولهم ايضا هذه المراتب وعندهم بواطن وتأويلات لان عقلنا من فاضل جسمهم وقس عليه كلامهم كما ان لنا كلام عقلي وكلام روحي وكلام نفسي وكلام مثالي وكلام جسمي ( لنا كلاما عقليا وكلاما روحيا وكلاما نفسيا وكلاما مثاليا وكلاما جسميا خ ) كذلك لهم ايضا وما تسمع في الاحاديث من ان الباطن مخصوص بالنبي (ص) واهل بيته ليس لاحد فيه نصيب يراد بها الباطن على الحقيقة فان الباطن الذي عندنا ظاهر بالنسبة الى غيرنا واما الباطن الذي ليس ظاهرا فهو مخصوص بهم ليس لاحد فيه نصيب وما تسمع في الاحاديث ان شيعتهم يعلمون مثل قولهم ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا الملك المقرب والنبي المرسل والمؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان فهو اشارة الى الباطن بالمعنى الاعم كما لا يخفى فلنا (خ) ايضا بعون الله وقوته مراتب في الباطن :

المرتبة الاولى مرتبة السر المقنع بالسر وبها نعرف اسرار النقطة بالرشح المرتبة الثانية مرتبة السر المستسر بالسر وبها نعرف اسرار الالف الممتد من النقطة بالرشح قال في هذا المقام ونعما ( نعم ما خ ) قال :

نقطه با كو ز ظل وحدت حق شد پديد منشأ ( مبدء خ ) خط الف گرديد بي گفت وشنيد

از الف پيدا حروف از حرف قرآن مجيد پس بهر حرف از كلام واحد فرد وحيد

شاهد موجود بر يكتائي مولا عليست

المرتبة الثالثة مرتبة السر المستسر بالظاهر وبها نعرف اسرار الحروف ( وخ ) السحاب المزجي المرتبة الرابعة مرتبة الكلمة الثانية ( التامة خ ) وهي مرتبة الجلد ولها مراتب : المرتبة الاولى مرتبة الاوبار واشرفها واعلاها واعظمها واقدمها المرتبة الثانية مرتبة الاصواف المرتبة الثالثة مرتبة الاشعار قال تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين وكل هذه المراتب رشح من مبدئنا يرشح علينا ولذا قال العالم عليه السلام عند قول القائل أولست بصاحب سرك قال نعم ولكن يرشح عليك ما يطفح مني فافهم وكن به ضنينا وهذا الذي ذكرنا لك من الوجوه التي نذكر في هذا المقام

واذا اردت ازيد من ذلك فاعلم انه قد دلت الآيات والروايات ودل العقل السليم المستمد من الفؤاد الناظر بنور ربه الذي قال فيه العالم (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ان للقرآن ظاهرا وباطنا وتأويلا وللظاهر ظاهر وله ظاهر الى سبعة وللباطن ( وهو امير المؤمنين عليه السلام خ ) باطن وباطن باطن وباطن باطن باطن الى سبعة وللتأويل تأويل وتأويل تأويل الى سبعة ولباطن التأويل باطن وباطن باطن الى سبعة والقول في معرفة جميع المراتب على التفصيل لا يسع المقام لذكرها لكن ( لكني خ ) ابين بتوفيق الله وقوته وحسن اعانته هذه التفاسير مما اذن لنا بالبيان

اما الظاهر فظاهر لانه التفسير على وضع لغة ( اللغة خ ) العربية مع ملاحظة جميع تركيباته النحوية من تقديم العامل على المعمول وبالعكس في مواضع عديدة واذا كان المعمول ظرفا او جارا او مجرورا وامثال ذلك وتقديم المبتداء على الخبر وامثال ذلك مما هو المقرر عند النحويين وعدم صرف اللفظ عن معناه اللغوي ان امكن وصرفه الى المجاز والكنايات والاستعارات ان دل الدليل العقلي والحديث النبوي على بطلان صرفه الى المعنى اللغوي وامثالها مما (خ) هو المقرر عند اهل المعاني والبيان وهذا هو المعروف عند المفسرين بل لا تكاد تجد غيره فلو تكلمت بغيره انكروك لا اله الا الله وحده لا شريك له

واما التأويل فهو ان لا تلاحظ هذه الامور بل تأخذ بعض الكلام مجردا عن ملاحظة ارتباطه بما قبله او بما بعده مثل قوله تعالى يغن الله كلا من سعته اي اذا خرج دابة الارض ( القائم (ع) خ ) ويمتاز الاخيار من الاشرار ويعز الاخيار ويذل الاشرار تنبسط العلوم وتنتشر المعارف بحيث لا يحتاج احد الى ان يتعلم العلم والمعارف فاذن العالم والمتعلم بمنزلة سواء يغن الله كلا من سعته وهذا اذا قطعت النظر عن اولها وآخرها لانك اذ ( اذا خ ) لاحظتها مع ذلك لا يفيد المعنى الذي قلنا وكذا يشترط فيه ان يكون المعنى معنى باطنيا خلاف ما يعرفه اهل الظاهر كما عرفت من المثال وهذا المعنى عام كلي لا يتخصص ( لا يختص خ ) بشيء دون شيء وقد يطلق التأويل ويراد به ما كان في العالم الانساني من الاحكام القرآنية لانه الانسان الصغير وهو نسخة العالم الكبير وفيه ما في العالم

أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

والاحكام القرآني ( القرآنية خ ) في الظاهر في الانسان الكبير ولك ان تؤولها في الانسان الصغير اذ كلما فيه فيه ايضا وكذا في الانسان الوسيط اي المولود الفلسفي اذ كلما فيه فيه ايضا فيطابق ( فتطابقا خ ) مثل قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمن هذا خطاب في التأويل للعقول يعني يا ايها العقول لا تنكح ( لا تنكحوا خ ) المشركات اي النفوس الامارة بالسوء اي لا تجعلوها صديقة لكم وتحبونها وتفعلون بمقتضاها حتّى يؤمنّ اي يطمئنّ في طاعة الله سبحانه ولا تريد الشر وتصير تابعة للعقل ولك ان تقول ان هذا خطاب للطيور التي هي الديك والحمامة والطاووس التي هن ( هي خ ) الابيض الغربي والاصفر الشرقي والاحمر الشرقي يعني لا تدخلوا في الارض المقدسة التي فيها الكثافات والاوساخ وعليها الرذايل وقوما جبارين وهو ريش الغراب لان ريشه منتن لا يمكن الدخول فيه حتّى يؤمنّ اي تطهر تلك الارض بارسال الابيض الغربي اليها وتكون كسحالة الفضة او الذهب فامر بنكاحهن بعد ايمانهن بطريق مفهوم المخالفة فيزوجون اي الاربعة بملاحظة والثلثة بملاحظة اخرى والاثنين بملاحظة اخرى الاول بان تقول الابيض الغربي والاصفر الشرقي والاحمر الشرقي والانفحة بسقوطها ( يسقونها خ ) بالارض المقدسة بعد التصفية والثاني مع قطع النظر عن الانفحة والثالث بان تقول الطيار وشيء يشبه البرقا قال العالم ( الكبير خ ) :

خذ الطيار والطلقا وشيء ( شيئا خ ) يشبه البرقا

اذا مزجته سحقا ملكت الغرب والشرقا

فافهم وكن به ضنينا فالقرآن من اوله الى آخره بهذه الوتيرة والنمط كيف يكون وصف الله التدويني مخالفا لوصفه التكويني ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولا ترى فيها عوجا ولا امتا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وما يذكر الا اولوا الباب وقد تطلق ( نطلق خ ) التأويل وتريد ( نريد خ ) به ما كان المؤول اليه ويؤل الامر اليه وهو الذي يرجع الامور وتعود اليه وهو قوله تعالى فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم فلنقبض عنان القلم خوفا من فرعون وملائه ان يفتنهم آه آه

وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري

نكت الارض بالكف وابديت لها سري

فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري

هذا مجمل القول في معنى تفسير التأويل وكل ذلك ورد عن الشرع لا بالتصريح بل بالاشارة والتلويح لا يعرفه الا العالم او من علمه اياه العالم قال الحافظ الشيرازي بالفارسية ونعما قال :

نه هر كه چهره برافروخت دلبري داند

نه هر كه آينه سازد سكندري داند

نه هر كه طرف كله كج ( شكست خ ) نهاد وراست نشست

كلاهداري وآئين سروري داند

هزار نكته باريكتر ز مو اينجاست

نه هر كه سر نتراشد قلندري داند

واما الباطن فهو ان تلاحظ الصورة العربية كما في الظاهر وتلاحظ التقديم والتأخير كما في الظاهر حرفا بحرف لكن تقصد منه المعنى الباطن الذي لا يكون مدلوله على ما يعرفه اهل الظاهر واهل الباطن يدعون المجاز ويأخذون الحقيقة ويجعلون الحقايق متعددة كالصلوة حقيقة للولاية وحقيقة بعد حقيقة للاركان المخصوصة وكما في قوله وجعلنا من الماء كل شيء حي الماء ماء الوجود وسر الحق المعبود وهو ظهور الرب الودود وهو النازل من سحاب المشية الواقع على ارض الجرز فتكون ماء ثاني به وجود الموجودات المقيدة وظهور الافعال المحكمة المتقنة ولما اشرق شمس اسم الله القابض على ذلك الماء صعدت الابخرة فامتزجت مع جواهر الهباء المنبث في هواء الامكان الخاص باسم الله البديع والحي فصارت سحابا مزجي ثم تراكمت فاشرق عليه شمس اسم الله القابض مرة اخرى فتقاطر ماء وقع على قابليات النفوس فتكون ماء ثالث وهكذا الى هذا المعنى الذي هو الجسم البارد السيال فاطلاق الماء عليه ليس على سبيل المجاز لان اهل العربية وضعوا ذلك لذلك واطلاقه على الماء الاول والثاني والثالث والى آخرها ليس مجازا اذ لا يتصور المجاز قبل الوضع لقولهم ان المجاز يستلزم الوضع وان لم يستلزم الاستعمال ولا يتصور وضع اللفظ قبل وجود المعنى فثبت بالدليل ان اطلاق الماء على هذا الماء من قبيل اطلاق الحقيقة بعد الحقيقة فالحقيقة الاولية للوجود وهو المراد من قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي ولفظ كل سور موجبة كلية (خ) يفيد الاستغراق والعموم ولا ريب ان حيوة المجردات ( الموجودات خ ) ليس من الماء الذي هو العنصر المخلوق تحت الكرة الهوائية ولعمري ان حيوة الهواء والنار والافلاك وغيرها من العلويات ليس من هذا الماء فاين الكلية المستفادة من الآية الشريفة فيجب ان يحمل على الوجود اذ به يمتاز العابد من المعبود والخالق من المخلوق فالحقيقة الاولية للوجود والحقيقة الثانوية للعقل والحقيقة الثالثية للنفس وامثال ذلك وهذا معنى ما قلنا لك ان اهل الباطن يأخذون الحقايق ويتركون المجاز ويقولون ان المجاز قنطرة الحقيقة والطريق الموصل اليها بل هو مشعرة ( شعرة خ ) الحقيقة وليس عندهم الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له بل الحقيقة عندهم ذات كاملة لطيفتها زائدة على ذاتها فالذات هي الحقيقة واللطيفة هي المجاز ولما كانت اللطيفة على هيئة الذات ومثالها فتكون هي الحقيقة ( فتكون مثالها خ ) فافهم ولا تكن من الغافلين فاهل الباطن يراعون الظاهر حرفا بحرف ويقصدون معنى لا يخالفه في عين المخالفة وكل باطن يخالف الظاهر كذلك فهو باطل مردود كما سيجيء ان شاء الله تعالى

واما ظاهر الظاهر فهو ان تأخذ مادة الكلمة من غير ملاحظة الوضع اللغوي وتصرف فيها بما شئت على النهج المروي عن اهل البيت عليهم السلام كما في قوله تعالى واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا قالوا ان الجبال جمع جبلة وهي الطبيعة وهذا على تفسير ظاهر الظاهر لان الجبال جمع الجبل في الظاهر ولا يجمع على الجبلة وفي الباطن الجبال جمع جبل وهو الاجسام فلاحظت المناسبة الظاهرية في الباطن ومالا حظتها في ظاهر الظاهر كما لا يخفى

واما باطن الباطن فهو مما امرنا بكتمانه وعدم اظهاره لان من الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل وقال العليم ( العالم خ ) الحكيم لا كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله وقال ايضا :

اني لاكتم من علمي جواهره كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

يا رب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

فلاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا

لكن لما كان لكل شيء بيان بحسبه بالاشارة والتلويح واشار العلماء اليه نشير اليه ونسكت عن غيره فنقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم يا اخي وفقك الله تعالى استمسك بالعروة الوثقى واعتصم بحبل الله واسلك سبيل الله وسر (خ) في القرى الظاهرة كي تصل الى القرى ( المباركة خ ) الباطنة وينكشف لك السر في باطن الباطن اذا وصلت الى الباب فاعلم انه باطن الباطن واذا وصلت الى المعاني فاعلم انه باطن باطن الباطن واذا وصلت الى التوحيد فاعلم انه باطن باطن باطن الباطن وفي مقامات التوحيد ان وصلت اليها ترى العجائب والغرائب مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( وخ ) قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فتفوز فوزا عظيما بالله عليك لا تنساني ( لا تنسني خ ) اذا وصلت ذلك المقام ان فهمت هذا القدر من الكلام ينكشف لك السر في باطن الباطن وهكذا الى آخر الكلام :

واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

ان فهمت المراد لا تتكلم الا كما تكلمنا ولا تصرح بالمراد والا فعليك لعنة الله والملائكة والناس اجمعين

واما باطن التأويل فلنعرض عن بيانه ولنقبض العنان لاني لست ( لانا لسنا خ ) من فرسان هذا الميدان وهذه المراتب يعرفها العلماء بالرشح لان الموجودات من شعاع نور محمد صلى الله عليه وآله والشعاع وان لم يبلغ الى رتبة المنير لكنه مثاله ويشابهه ولذا قال ( ورد خ ) في الدعاء لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فافهم لقد كشفت القناع لكن ما اظهرت المراد خوفا من فرعون وملائه ونعما قال :

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان

ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

فاذا عرفت هذه المراتب فاعلم ان هذه الامور لا تحصل لكل احد ولا يقدر كل الناس ممن يدعون الفضيلة ان يعرفوا القرآن ويفهموا بواطنه واسراره بل يحتاج الى شروط لا بد من ملاحظتها والا لا يصح :

منها ان لا يكون مخالفا للظاهر والصورة ومنافيا لما يعتقده العوام من المسلمين والمؤمنين فان النبي (ص) قد اقرهم على ذلك وماغشهم وما اضلهم عن السبيل نعوذ بالله منه لانه الهادي الى السبيل والنور الذي يذهب بظلمة الضلال والشك بل اقرهم على الهدى وهديهم الى صراط ( الصراط ظ ) السوي لكنهم لما كانوا لا يعرفون الحقايق ولا يدركون الدقايق وما تصل افهامهم الى المطالب العلية العالية فالبسوا عليهم السلام تلك الحقايق ( الدقايق خ ) لباس الظاهر والصورة والقوها عليهم بحيث اذا اعتقدوا بالظاهر اعتقدوا بالباطن لكن لا عن بصيرة ولنضرب لك مثلا في هذا المقام فاستمع وطبق عليه المرام ونقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان العوام مثلا لا يعرفون ان كل شيء مثلث الكيان ومربع الكيفية فذلك سبعة والشيء لا يؤثر في مرتبة ذاته لانه فيها هو واذا اراد ان يفعل شيئا يتنزل في مقام الفعل الذي في رتبة المفعول ولا شك ان الآحاد اذا تنزل مرتبة ( تنزلت بمرتبة خ ) واحدة تكون العشرات فتصير السبعة سبعين فالشيء اقوى من اثره بسبعين مرتبة فالعلة اقوى من معلوله بسبعين درجة فالعوام لما لم تكن لهم تلك الدقة قالوا عليهم السلام ان الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر ( وخ ) يقولون ان لذة الجنة اكثر واقوى من لذة الدنيا بسبعين مرتبة وامثال ذلك كثير جدا بل لا ترى شيئا من كلامهم الا هكذا فكل ظاهر له باطن لكن لا يخالفه ومن هنا تعرف ( نعرف خ ) بطلان اقوال الذين اولوا القرآن بما يخالف ظاهره وقال في قوله تعالى سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون بالجبت والطاغوت ولا يريدون سوى الحق المعبود ختم الله على قلوبهم فلا يعرفون الا الحق ولا يفهمون الا الله وعلى سمعهم فلا يسمعون الا صوت الله عز وجل وجعل على ابصارهم غشاوة فلا يرون الا نور الله ولهم عذاب عظيم قال انه مشتق من العذب وهو الحلاوة واللذة نعم لهم في الخلوة مع محبوبهم لذة لا يعادلها شيء من لذات الدنيا والآخرة وامثال ذلك من التأويلات وكل ذلك يخالف ظاهر الآية وينافي مراد الله عز وجل ونحن من ذلك الباطن واهله برآء براءة ( ببراء خ ) الله ورسوله منه فافهم

ومنها ان لا يخالف العقول السليمة فان العقول من اظلة عقل النبي صلى الله عليه وآله واشعته والشعاع لا يخالف المنير وفيه تفصيل ذكرنا في كتابنا مقامات العارفين فليرجع ( فلترجع خ ) اليه لتعرف حق المراد ولا تنظر الى ظاهر الكلام فان غلط العقل ليس المنير ( غلط فالعقل ليس من المنير بل خ ) من القابلية فافهم فانا قد بسطنا الكلام في ذلك الكتاب

ومنها ان لا يخالف العالم من الآفاق والانفس فانه صفة تعرف الحق للخلق بالتكوين والقرآن صفة تعرف الحق للخلق بالتدوين والكتاب التدويني لا يخالف الكتاب التكويني فاذا وجدت المخالفة فاعلم ان ما فهمت ضلّة من عقلك وسفه من رأيك ما اصبت الحق البتة

ومنها ان لا يخالف الاحاديث والروايات فان اهل البيت عليهم السلام ما قصروا في التبليغ والاداء وذكروا كلما يحتمله الناس بجميع اقسامهم من البواطن والاسرار ونبهوا عن البواطن في مواضع بالتصريح وفي الاخرى بالاشارة وفي الاخرى بالتلويح ولذا ورد في الحديث انه ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة اياك اياك وان تؤول القرآن او تكلم فيه بحسب الباطن وليس لك سند من الحديث والرواية لانك جاهل لا تعلم القرآن ولا تفهم الآيات فان التفسير بالرأي اي بما لم يكن له سند من الحديث من قبيل الهذيان والزندقة لا يصغى اليه فلو اتفق ان الرجل تكلم بالباطن بدون السند وبعد ذلك وجد السند فقد اخطأ يعذبه الله على ذلك او يعفو عنه فانه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم لا اله الا الله وحده لا شريك له و( اشهد خ ) ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد والسند لا ينحصر بالتصريح في كل موضع والتخصيص في كل مطلب بل يكفي العمومات والاشارات والتلويحات وامثال ذلك بل اقول اذا تأمل الانسان وتدبر في القرآن والاحاديث رأى الاشياء كلها مصرحة مفصلة كيف يقول الحق سبحانه وفيه تفصيل كل شيء وهو مجمل ومن اصدق من الله قيلا ( مجمل والله سبحانه اصدق القائلين خ ) ولكن نحن كما قال الشاعر نقول :

چو نيست بينش بديده دل رخ ار نمايد ترا چه حاصل

كه ( چو خ ) هست يكسان بچشم كوران چه نقش پنهان چه آشكارا

واذا راعيت (خ) هذه الشروط اصبت الحق ووصلت الى مطلوبك ومقصودك هذا هو الباب الذي امر الله تعالى عباده ان يؤتوا منه قال تعالى وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها فافهم ( فهمك الله خ )

واما النسب التي بين هذه التفاسير فاعلم ان التأويل والباطن بينهما تساو كلي اي يصدق كل منهما على جميع ما يصدق عليه الآخر هذا اذا اردنا بالباطن والتأويل ما يخالف الظاهر وبينهما تباين كلي على المعنى الذي ذكرنا لك في هذا المقام وبينهما عموم وخصوص من وجه على المعنى الثاني للتأويل لتصادقهما في قوله تعالى قال موسى وهو العقل الناظر الى نور ربه سبحانه لقومه ( الملائكة خ ) الموكلين بالخيرات والحسنات والانوار المتشعشعة من نور الاعمال الصالحات يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا متصرفين ومدبرين في العالم في الابدان كيف شاء الله سبحانه وآتاكم ما لم‌ يؤت احدا من العالمين من القوة والشوكة والفضل العظيم والنور الجسيم يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين والارض المقدسة ( هي خ ) ارض النفوس قبل تنضيفها ( تصفيتها خ ) وازالة اوساخها من المعاصي ( بمعنى خ ) اذا كانت النفس امارة بالسوء او ملهمة او لوامة قبل ان تصل الى مقام الاطمينان قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وهو المعاصي والسيئات والشهوات النفسانية والعلايق الجسمانية وانا لن ندخلها ما داموا فيها لان النور لا يدخل في مقام الظلمة الا وذهبت فلا يجتمع النور والظلمة في موضع واحد فاذهب انت ايها العقل وربك اي مربيك وممدك الذي هو الوجود فقاتلا اي طهرا تلك الاوساخ والكثافات انا هيهنا قاعدون نحن في مكاننا لانقدر ان ندخل عليهم الا اذا ذهبتما وطهرتما قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما وهما يوشع بن نون وكالب بن يوحنا اي تأثر فلك زحل وفلك المشتري او بالعكس ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فالانسان اذا عمل بعلمه تنور وكلما يعمل يزداد نوره الى ان تصل نفسه الى مقام الاطمينان فاذن تصير صالحة لدخول الانوار المشرقة من شمس الوجود وتصير منبرا للملائكة هذا في الانسان الصغير واما في الانسان الوسيط فكذلك ايضا وهذه الآيات تؤول عليه وموسى في ذلك العالم اشارة الى الصبغ الاحمر المأخوذ من الثفل في الآخر بعد ما تصب الماء الرقيق الاولى عليه فيخرج موسى وانما سموه موسى لانه مادة اكسير الاحمر وهو الشمس وهي النبوة لان الذهب انما يتكون بنظر الشمس فيشيرون بالشمس الى النبوة وبالقمر الى الولاية ويشيرون بالشمس في ذلك العالم الى الاحمر اي الصبغ الاحمر الشرقي وبالقمر الى الابيض الغربي وهو الماء اشبه الاشياء بالزيبق في الغلظ والبياض لان طبعه بارد رطب طبع القمر وفلكه سماء ( سيما خ ) جوزهره وهو يوشع بن نون وهو الذي يدخل في الارض المقدسة التي هي الثفل ويطهرها ويجعله صالحة لدخول اقوام موسى وهي المياه المأخوذة من الماء بعد اتمام الانفحة فافهم من هذه الكلمات تأويل هذه الآيات في هذا العالم ( هذه العوالم خ ) والتفصيل لا يناسب المقام وفي هذه الآيات اجتمع الباطن والتأويل اما الباطن فمن جهة مراعاة الظاهر حرفا بحرف وقصد معنى غير ما يعرفه اهل الظاهر واما التأويل فمن جهة انها مؤولة بالانسان الصغير والوسيط وتفارق ( يفارق خ ) التأويل في قوله تعالى يغن الله كلا من سعته اذا اريد بها الانسان الصغير والوسيط كما لا يخفى ويفارق الباطن في قوله تعالى حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم وبيان باطن هذه الكلمات لا يحسن في هذا المقام فافهم وكن به ضنينا

وكذا بين التأويل بالمعنى الثالث والباطن عموم من وجه لتصادقهما في قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون الآيات ويفارق الباطن في قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( نور على نور خ ) اذا اردت بالمشكوة الجسد (خ) المشبك بشباك الحواس الذي يخرج نور العقل من خلالها وبالمصباح هو العقل والزجاجة هو القلب والشجرة المباركة هي الحقيقة المحمدية صلوات الله عليه وآله البرزخية الكبرى لا شرقية لا قديمة لحدوثها ولا غربية لا حادثة لان حدوثها بها بنفسها فهي فاعلة ومفعولة الكاف المستديرة على نفسها يكاد زيتها قابليتها اي العقل يضيء يظهر في الوجود ولو لم تمسسه نار المشية فالمصباح مركب من مس النار والقابلية التي هي الزيت ومس المشية هو الوجود الذي هو جزء ( جوهر خ ) العقل ولك ان تجعل هذه الآية الشريفة مادة الاجتماع ومحل التصادق واذا اردت منها التأويل المذكور في الاحاديث المعنى من الم فافهم فتش تجد ان شاء الله تعالى ويفارق التأويل في قوله تعالى يغن الله كلا من سعته اذا اردت منها ما في الحديث واعلم ان للباطن عندنا اطلاقا (خ) آخر وهو المعنى الثالث للتأويل حيث ما نطلق الباطن نريد به هذا المعنى وحيث ما نطلق التأويل نريد به المعنى الثاني له فاذن تتقلب ( تنقلب خ ) النسبة

فاستخرج من الذي ذكرنا لك نسبة معاني التأويل بعضها مع بعض ونسبة الباطن بالمعنى المذكور آنفا مع معاني التأويل فان بالبيان يطول الكلام ولسنا بصدده والنسبة بين التأويل وظاهر الظاهر التباين والنسبة بين الباطن وباطن الباطن نسبة الظاهر الى الباطن ان شئت قلت التباين وان شئت التساوي والضدان يجتمعان فيه لكن لا في موضع واحد بل في موضوعين كما لا يخفى على الفطن العارف والنسبة بين التأويل وباطن الباطن كالنسبة بين التأويل والباطن لانه يشترط في باطن الباطن مراعاة الظاهر كما في الباطن البتة فتتحد النسبة من هذه الجهة وتختلف بالتساوي والتباين من جهة الظاهر والباطن وقولنا التساوي مسامحة لان بين الظاهر والباطن المشابهة والمناسبة لان الارواح لها علاقة مع البدن الذي تعلق به غير ما كان للبدن الآخر ولذا يجيبون بالمحال في المسألة المشهورة واما التباين فمن جهة انه المجرد وهو المادي ولا يصدق المجرد على ما يصدق عليه المادي لانه الشريف وذاك الكثيف وليس بين الشريف والكثيف الا التباين الكلي فافهم واغتنم وكن من الشاكرين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

والآن وقت الشروع في المقصود لكن قبل الشروع لا بد من مقدمة مهمة وهي ان القرآن كما عرفت رمز واشارة وتلويح على انحاء مختلفة واطوار متعددة سيما على وفق علم الحروف فان الله سبحانه اجرى كلامه على ترتيب حروف لها الدلالات على مطالب ومراتب مثلا في ترتيب الحروف وتقديم بعضها على بعض وتأخير بعضها عن بعض دلالة على امر عظيم قد خفي على كثير من الافهام والعقول وكذا في ايراد الحروف المخصوصة كالالف واللام والهاء مثلا دون غيرها من الحروف دلالة على شيء وكذا في ايراد الحروف النارية في الكلمة الواحدة او تكثيرها فيها او تقليلها فيها وكذا في الحروف الهوائية والمائية والترابية وتكثيرها وتقليلها في الكلمة الواحدة وكذا في الحروف النورانية والظلمانية وكذا في الحروف الجبروتية والملكوتية والملكية وكذا اذا اشار بالحروف الجبروتية الى الذوات الملكية وبالحروف الملكية الى الذوات الجبروتية وكذا اذا حذف حرفا وادغم اخرى ( حرف او ادغم في آخر خ ) او قدر بعضها مع ارادتها وتبديل بعض الحروف ببعض وامثال ذلك وفي كل هذه الامور اشارة خفية الى مطلب عظيم وخطب جسيم ومن رأى حديث ابي لبيد المخزومي يظهر له حقيقة الامر يعرف العارفون من هذا الترتيب امورا واوضاعا بتعليم ائمتهم عليهم السلام ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

ولما بلغ الكلام الى هذا المقام فلا بأس علينا ان نذكر بعض القواعد في علم الحروف ليكون الناظر في هذه الاوراق على بصيرة من امره فنقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان عالم الحروف عالم مثل عالم الذوات حرفا بحرف كما ان في الاكوان جبروت وملكوت وملك ( جبروتا وملكوتا وملكا خ ) كذا في الحروف ايضا جبروت وهو الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء وملكوت وهو الجيم والدال والزاي والطاء والياء والكاف واللام والسين والصاد والقاف والراء والشين وملك وهو الباء والواو والميم والفاء والنون والثاء والذال والضاد والطاء والياء ( الضاد والتاء خ ) كما ان في الاكوان نور ( نورا خ ) وظلمة كذلك في الحروف ايضا نورانية وظلمانية والحروف النورانية اربعة عشر وهي المذكورة في فواتح السور اذا حذفت المكرر وهو الصاد والراء والالف والطاء والعين واللام والياء والحاء والقاف والنون والميم والسين والكاف والهاء والبواقي ظلمانية وهي بازاء منازل القمر الثمانية والعشرين اربعة عشر منها نورانية ابدا واربعة عشر منها ظلمانية ابدا وهذه الاربعة عشر النورانية بازاء اسم الله الوهاب والجواد منها يفيض الى العوالم السفلية وهذه الحروف لها تأثير كتأثيرها من له اطلاع في علم الجفر يعلم كيفية العمل وكما ان في الاكوان عناصر اربعة بسايط وكذا في الحروف فانها تنقسم الى هذه الاقسام الاربعة النارية والهوائية والمائية والترابية على هذا الترتيب تدبر فافهم واضبط هذه القواعد فانها تنفعك

كثيرا فيما سيأتي 52 والكلام في الحروف طويل الذيل لكنا اختصرنا بقدر الحاجة والآن اوان الشروع في المرام باعانة الله الملك العلام فاقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم:

  1. قال الله سبحانه ( تبارك خ ) وتعالى : الله

اعلم ان هذه الكلمة الشريفة قد تشوشت فيها الافهام واضطربت فيها العقول ( الاحلام خ ) والاوهام في لفظها والمعنى المراد منها وقد كتبوا في هذا الباب رسائل وكتب اما اهل الظاهر فتكلموا في الفاظها ( لفظها خ ) هل هو عبراني ام عربي ام سرياني وهل هو علم او صفة وهل هو مشتق او جامد وهل هو كلي او جزئي وامثال ذلك من الامور الظاهرية المتعلقة بالالفاظ والنقوش واما اهل الباطن فتكلموا في المعنى المراد منها هل هو الاسم الاعظم ام لا وهل هو بازاء الذات ام لا وهل الحروف التي فيها اشارة الى اي شيء وامثال ذلك من الامور الباطنية ( الباطنية المخفية خ ) على اهل الظاهر والفقير الحقير المعترف بالقصور والتقصير اذكر بعون الله وحسن توفيقه في مقام الظاهر تحقيقا شريفا دقيقا انيقا مما افاضه الله تعالى على عبده المسكين والمحتاج المفتقر الى اليه يقول العالم (ع) في الدعاء كيف استعز وفي الذل اركزتني وكيف لا استعز واليك نسبتني ه‍ ليظهر ان هذا اللفظ المقدس علم او صفة كلي او جزئي ثم اتكلم في الباطن ان شاء الله تعالى

فاقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان الذي يقول انه علم يريد به ان هذا اللفظ انما وضع للذات المقدسة اولا وبالذات مثل زيد للشخص المعين والذي يقول انه ( صفة خ ) كلي يريد به انه موضوع لمفهوم كلي هذه الذات المقدسة احد افرادها بحيث لو وجد فرد آخر لاستحق هذا الاسم لكنه كلي منحصر في الفرد مثلا ( مثل خ ) القادر والعالم لمن له القدرة والعلم وهو كلي شامل لجميع افراده والله ايضا لمن له الالوهية وهو ايضا كلي عام شامل لجميع الافراد لكن لما لم يوجد من له هذه الصفة اختص الحق به وتصديق هذا الكلام يحتاج الى معرفة قاعدة كلية وهي ان الالفاظ هل هن ( هي خ ) موضوعة بازاء المفهوم الذهني او المصداق الخارجي او موضوعة بازاء الماهية لابشرط لا سبيل الى الاول لان المفهوم الذهني ظل للمصداق الخارجي كما برهنا عليه في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا فاذا كان كذلك يلزم ان يكون اللفظ المستعمل في الذات مجازا وفي الظل حقيقة لانه اذا كان موضوعا للامر الذهني كان الاستعمال فيه استعمال اللفظ فيما وضع له ولا نعني بالحقيقة الا هذا واستعماله في الامر الخارجي استعماله في خلاف ما وضع له وهو المجاز ولا يجوزه جاهل فضلا عن فاضل وكذا لا سبيل الى ان اللفظ موضوع بازاء الماهية لا بشرط لان معناه ان الماهية غير مقيدة بكونها في الذهن او في الخارج والاسم للماهية المعراة عن جميع المشخصات الخارجية والذهنية وهذا الكلام مبني على ان الماهية الموجودة الخارجية هي الموجودة في الذهن بالمشخصات الذهنية ام لا بل الموجودة في الذهن هي الصورة والشبح والظل للامر الخارج ( الخارجي خ ) لا سبيل الى الاول للبراهين القطعية العقلية المذكورة في محله فيتحقق الثاني فاذا كان كذلك فلا طريق لهذا القول كما لا يخفى على العاقل العارف الفطن فاذا عرفت فساد هذين القولين فاعلم ان الحق هو الثاني وهو ان الالفاظ موضوعة بازاء الامر الخارجي ويطلق على الوجود الذهني على سبيل الظل والرسم يعني يطلق على الذات اولا وبالذات وعلى الصورة والشبح ثانيا وبالعرض لا بالاشتراك المعنوي بل الاشتراك اللفظي كما نبين لك ان شاء الله تعالى ( ولا قوة الا بالله خ ) وتصديق ذلك ما روي في الحديث يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس الحديث وهذا صريح في المراد

فاذا فهمت هذه المقدمة ان الموضوع له اللفظ هو الامر الخارجي فاعلم ان الاسامي التي تطلق على الله سبحانه وعلى غيره هل هو من قبيل الاشتراك اللفظي و( او خ ) المعنوي مثل القادر والعالم والموجود وامثال ذلك والمراد بالاشتراك المعنوي هو ان يكون اللفظ موضوعا لحقيقة واحدة سارية في حقايق مختلفة بحيث يكون اطلاق اللفظ على الامور المختلفة بمعنى واحد مثل الحيوان فانه موضوع لحقيقة واحدة سارية في الانسان والفرس والبقر والغنم وامثال ذلك بحيث يكون صدق الحيوانية على الجميع بمعنى واحد على الظاهر هذا هو الاشتراك المعنوي وهل الاسامي التي تطلق على الله تعالى من هذا القبيل ام لا لا سبيل الى الاول لان الحقيقة الواحدة لا تجمع بين الحق والخلق والواجب والممكن والا يلزم المشابهة ويلزم ان يكون الحق والخلق في صقع واحد وينقلب الممكن الى الواجب والواجب الى الممكن ويلزم المناسبة والمشابهة والتركيب من ما به الاشتراك وما به الامتياز وان يكون للحق والخلق حال واحد وهذا لا يجوزه احد من العقلاء واما القول بان الاشتراك في المفهوم لا في المصداق فقول زور وتوهم كاسد يقوله من لم يعرف حقيقة الامر ولم يشاهد المطلوب الا ان الحكماء والعلماء عليهم السلام لما تكلموا بشيء من باب الرموز والاسرار اخذوا ظاهر الكلام وما عرفوا المرام فكانوا كما قال الشاعر :

قد يطرب القمري اسماعنا ونحن لا نفهم الحانه

فظهر لك من هذا البيان ان القول بالاشتراك المعنوي في الالفاظ التي تطلق على الله وعلى الخلق باطل فيكون الاشتراك لفظيا لفقدان الجهة الجامعة وهذا الكلام يجري في جميع الاسماء والصفات التي تطلق على الله سبحانه لا اختصاص له بالوجود وحده وقد ملأ العلماء كتبهم من ان الوجود هل هو مشترك لفظي او معنوي هذا ظاهر القول واما حقيقة الامر فاعلم ان الله سبحانه هو الذات البحت والمجهول المطلق والذات الساذج وذات بلا اعتبار والكنز المخفي وشمس الازل ومجهول النعت لا يعلم كنه ذاته ولا يدري حقيقة صفاته وهو على ما هو عليه في عز صفاته لا يعلم كيف هو الا هو الطريق مسدود والطلب مردود فلا اسم له ولا رسم له لان في الاسم اعتبار المسمى وهو ينافي كونه ذاتا بحتا ولان الاسم انما وضع ليعرف المسمى به والمجهول المطلق لا يعرف فلا اسم وهذه الاسماء التي تطلق عليه تعالى باعتبار ظهوراته وتجلياته في مرايا القوابل والاستعدادات فبكل ظهور ظهر اسم من الاسماء وبكل تجلي ظهرت صفة من الصفات فالاسم للظهور والصفة للتجلي مثلا لما ظهر بالالوهية سمى بالله فالله اسم لجهة ظهوره بالالوهية ولما ظهر بالرحمة الواسعة سمى بالرحمان ولما ظهر بالرحمة المكتوبة سمى بالرحيم ولما ظهر بالقدرة سمى بالقادر ولما ظهر بالعلم سمى بالعالم ولما ظهر بالحيوة سمى بالحي وامثال ذلك وهذه الاسماء اسماء افعال لا مدخلية لها بالذات تعالى وتقدس لان مقام الذات ليس مقام الصفة والاسم كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة (خ) كل صفة على انها غير الموصوف وبشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث وهذه الاسماء تختلف باختلاف الظهورات فعموم الظهور يستلزم خصوص الاسم مثل الله والرحمن لانهما (خ) الجامعان لجميع الاسماء والصفات الا ان الرحمن انزل من الله بمرتبة لان الظهور بالرحمة الواسعة اخص من الظهور بالالوهية فالاول ظهوره بالالوهية وقد ملأ جميع الممكنات والموجودات ثم ظهر بهذا (خ) الظهور بالرحمانية اي الرحمة التي وسعت كل شيء ولذا لا يجوز اطلاق الله والرحمن على غير الحق سبحانه لان الظل لا يكون له هذا الظهور الكلي ليكون له هذان الاسمان بالتبعية وخصوص الظهور يستلزم عموم الاسم مثل ما قال لعيسى (ع) واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وتبرئ الاكمه والابرص باذني ولا يجوز اطلاق هذه الاسامي التي تطلق على الله سبحانه على غيره بذلك المعنى لعدم الجهة الجامعة لما قلنا لك ان الله سبحانه كان قادرا وعالما وسميعا وبصيرا وساير الصفات الكمالية قبل ان يخلق الخلق ويوجد الموجودات فاين الحقيقة الواحدة الجامعة فالاطلاق بالاشتراك اللفظي مثل ما انك اذا سميت الجدار عالما خالقا سميعا بصيرا واما النقض بيا ارحم الراحمين ويا اكرم الاكرمين ويا خير الرازقين ويا احسن الخالقين وامثالها مما يدل على الاشتراك المعنوي فمدفوع بارادة التبعية من الاسماء الفعلية لا الذاتية كالسراج فانه يقال له انه انور من الاشعة لكن ليس له اطلاق النور عليهما بمعنى واحد لفقدان الجهة الجامعة فان الاشعة اظلة السراج فلا تجمعهما حقيقة واحدة لكن من جهة بروزه واظهار نوره وتعريفه للاشعة جعلها على هيئة ظهوره ومثال تجليه وبروز نوره بحيث اذا عرفوا انفسها عرفوا السراج من عرف نفسه فقد عرف ربه اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه فافهم ( واشرب عذبا صافيا هنّاك الله خ )

واذا فهمت هذا القدر من الكلام فاعلم ان القول بان لفظ الله علم للذات المقدسة ووضع بازائها كلفظ زيد الموضوع بازاء ذاته ولا يشترك فيه معه احد (خ) ان اراد ( اريد خ ) بالذات الذات البحت القديم تعالى شأنها وتقدس فغلط لان الالفاظ والمعاني على ما هو الحق ( عند اهل الحق خ ) لا بد وان يكون بينهما مناسبة ذاتية والمناسبة والمرابطة بين الحادث والقديم منتفية رأسا واصلا والقائل به على حد الشرك من الذين (ظ) قال الله تبارك وتعالى فيهم ولا يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وان الشرك في هذه الامة له دبيب اخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة (خ) الظلماء لان العقل لا يجوز شيئا خلق حين كونه لم يخلق وما خلق وما لم يخلق وان لم تسلم هذه المقدمة من ان بين الالفاظ والمعاني لا بد من المناسبة الذاتية بل تكفي الوضعية نقول ان الاسم انما وضع ليعرف المسمى به ولذا ترى ان الشخص اذا كان في مكان خال لا يكون هناك (خ) احد يحتاج اليه وتدعوه الحاجة الى دعوته لا يحتاج الى اسم قط لانه يعرف نفسه ولا يحتاج الى ان يدعوها فثبت ان الاسم لجهة المعرفة ومعرفة الذات الواجب تعالى وتقدس ممتنعة باتفاق المسلمين فلا اسم لها نعم الاسم لجهة المعرفة وهي جهة الظهور والتجلي وهي حادثة لا قديمة ولذا قال (ع) الطريق اليه مسدود ( والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته وقال خ ) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقال (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وايضا هل الواضع له الاسم الخلق ام ذاته والاول باطل لان من لم يعرف المسمى بوجه لا يمكن ان يوضع ( يضع خ ) له الاسم وقد صح ان الله تعالى هو المجهول المطلق والثاني لا يصح لان الاسم انما هو للخلق ليعرفوه وهو سبحانه وتعالى لا يحتاج في مرتبة ذاته المقدسة الى اسم وقد نص الله سبحانه بانه لا يكلف نفسا الا وسعها فلا يكلف الخلق بمعرفة حقيقة ذاته لانه تكليف بما لا يطيقه الخلق وهو قبيح فكلفهم بما يطيقون فوضع الاسم بازائه انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ولذا قيل في شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم ان شهادة الحق للحق بالحق حق وشهادة الحق للخلق بالحق خلق ورسم

بعقل نازى حكيم تا كى بفكرت اين ره نميشود طى

بكنه ذاتش خرد برد پى اگر رسد خس بقعر دريا

چو نيست بينش بديده دل رخ ار نمايد ترا چه حاصل

كه هست يكسان بچشم كوران چه نقش پنهان چه آشكارا

فاذا فهمت هذا فهمت ان القول بان لفظ الله موضوع بازاء الذات المقدسة من حيث هي الواجب القديم ( الواجبة القديمة خ ) باطل مردود لاعترافهم بان مرتبتهم الاحد فيه ( بان مرتبة الاحدية خ ) لا اسم لها ولا رسم ولا عبارة عنها ولا اشارة اليها وان اريد به انه موضوع بازاء الذات الظاهرة بالالوهية والمتجلية لها فحق لا شك فيه ولا ريب يعتريه وهذه الذات الظاهرة بالاسماء والصفات هي مقام المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان قال صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين في دعاء رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون على سرك الى ان قال فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت

واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

ونعم ما قالت ليلى العامرية :

باح مجنون عامر بهواه وكتمت الهوى فمت بوجدي

فاذا كان يوم القيمة نودي من قتيل الهوى تقدمت وحدي

وهذا القول الاخير اي كون لفظ الله وغيره من الاسماء موضوعة بازاء الذات الظاهرة بتلك الامور لا الذات البحت هو المختار عند الفقير ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم من قرأ القرآن بالتدبر والنظر وتتبع الاحاديث ورأى آيات الله تعالى في الآفاق والانفس بمعونة العقل السليم لا يشك في حقيقة هذا الكلام ويراه حقا كالشمس في رابعة النهار واما القول بان لفظ الله كلي صار الآن علما بالغلبة فغلط ناش من سوء التدبر والتفكر لما عرفت من المقدمتين المذكورتين

فمجمل القول هو ان جميع الاسماء والصفات التي تطلق على الله سبحانه خاصة لجهة ظهوراته لا يشاركه فيها احد من الدرة الى الذرة بالاشتراك المعنوي لفقدان الجهة الجامعة لان الجهة الجامعة لا بد وان تكون حقيقة واحدة لا حقيقتين مختلفتين بالتابعية والمتبوعية والاثرية والمؤثرية متشابهتين تشابه الاثر مع صفة المؤثر وفعله ولا يتحقق هذا في اسماء الله واسماء المخلوقين لان حقايقهم موجودة بهذه الاسماء واسمائهم متأخرة عن ايجاد حقايقهم فكيف تجمعها حقيقة واحدة كررت العبارة لتبيّن المراد ويهتدي السالك الى سبيل السداد والاسم والصفة واحد لا فرق بينهما كما سئل العالم عن الاسم فقال عليه السلام الاسم صفة لموصوف لان الاسم هو الدال المخبر عن المسمى والعلامة له والصفة هي هيئة المسمى الدالة على الموصوف فاذن كل الموجودات اسماء لله وصفات له لانه تعالى انما يعرف بها فهي المخبرة عنه والهيئة الدالة على صفاته الكمالية واسمائه الجلالية والجمالية

پادشاهان مظهر شاهى حق عارفان مرآة آگاهى حق

ولذا قال الحكيم من عرف نفسه فقد عرف ربه لانه خلق على هيكل التوحيد وهو النور المشرق عن ( من خ ) صبح الازل الذي يلوح على هياكل التوحيد آثاره الا ان الاسماء مختلفة في الخصوص والعموم والاجمال والتفصيل فكل عام خاص وكل خاص عام فاسم الله انما اختص به لعمومه وكذا اسم الرحمن واما باقي الاسماء فلخصوصها عمّت على وفق ما بيّنا لك من ان الاثر على هيئة صفة المؤثر اي جعله المؤثر على هيئته اذا عرفه عرفه فله العلم وله القدرة وله السمع وله البصر وله الحيوة وله الخلق وله الكرم كل ذلك من ظل الاسماء الفعلية الالهية واما الالوهية والرحمانية فليستا للاثر لامتناع ذلك فيهم لان الالوهية هي الجامع ( الجامعة خ ) لجميع الصفات والاسماء من القدس والاضافة والخلق والرحمانية هي الجامعة لجميع صفات الاضافة والخلق ولا يصح هذا لاحد من المخلوقين ولو بالتبعية والاثرية بخلاف ساير الاسماء والصفات فانها ليست بهذا العموم فافهم واشرب عذبا صافيا فانه جرعة وشربة من حوض الكوثر فان شربته لا ترى الظماء ابدا لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال ولا تقلد فان هذه المذكورات خلاف ما يعرفه اهل الظاهر من ظاهر معتقداتهم بل هو معتقد العلماء الحكماء المعصومين الذين لا يسهون ولا يغفلون ولا ينسون بل مؤيدون مسددون بروح القدس ان اردت تعرف الحق في المرام فانظر في احاديثهم وكلماتهم سيما عيون اخبار الرضا والكافي والوافي والتوحيد ومعاني الاخبار وامثال ذلك من الكتب المؤلفة في هذا الشأن وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير

اياك واياك وان تتوهم من كلامنا الظل والسنخ وان تكون الموجودات على مثال الحق وصورته نعوذ بالله من هذا الاعتقاد وانا براء منه وممن يقول به كيف لا وان الله تعالى لا ظل له ولا شيء يشبهه ومن سنخه وهو الواحد المتفرد في ازليته لا يشبهه شيء ولا يوافقه شيء ولا يخالفه شيء ولا يضاده شيء ولا يناده شيء ولا يشاركه شيء ولا هو من شيء ولا في شيء ولا كشيء ولا عن شيء ولا منه شيء وهو الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد لا يعلم كيف ذلك ولا يدري ما هنالك ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له وان قلت الهواء نسبته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله ولما اراد ان يعرف واحب ان يعبد خلق الوجود المطلق لا من شيء ولا كشيء بل اخترعه اختراعا وابتدعه ابتداعا وهو الفعل والولاية المطلقة والازلية الثانية وعالم فاحببت ان اعرف ولا مناسبة بينه وبين الذات الواجب تعالى وتقدس ابدا ولا مرابطة بينهما ولا نسبة بينهما لان النسبة فرع وجود المنتسبين ولا تتحقق الا اذا تحققا فاذن يجب اما ان يكون النسبة حادثة او الخلق قديما وتعدد القدماء باطل عندنا وعندكم فثبت الاول والقول بان مباين الشيء لا يصدر عنه كالحرارة من الماء والرطوبة من الارض وامثال ذلك فلا بد من مناسبة ومرابطة تصحح صدور ذلك الامر منه مدفوع بان كلما يجب في الخلق يمتنع في الله وكلما يمتنع في الخلق يجب في الله قال العالم (ع) كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه وصدور مباين الشيء عنه يمتنع في الخلق فيجب في الله مع ان الله تعالى لا يباينه شيء ولا يساويه شيء ولا يشابهه شيء وهو على ما هو عليه في عز صفاته نعم لا بد من المناسبة والمشابهة بين فعله واثره وخلقه لانه تعالى انما اوجد الموجودات بفعله لا بذاته ولفعله رؤس كل رأس يختص بموجود من الموجودات فهو ملك له رؤس بعدد رؤس الخلايق ما ( مما خ ) وجد وما ( مما خ ) لم يوجد وسيوجد الى يوم القيمة وبعده الى ما شاء الله فاوجد الموجودات بفعله وخلقه بنفسه فهو الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي فكان الفعل في اول ظهوره نقطة جوهرية لا تقبل القسمة ابدا في جميع الجهات لا فرضا ولا عقلا ولا وهما ثم حركها الله تعالى بنفسها فصار الفا قابلة للقسمة ( يقابل القسمة خ ) في الطول لا في العرض (خ) ولعمري ان الالف هي النقطة ثم حركها الله تعالى بتحركها بنفسها فصارت حروفه ( فصار حروفا خ ) عاليات ثم جمع بين الحروف المتفرقة والف بينها فصارت كلمة فانزل من سحاب تلك الكلمة ماء الدلالة وهي الظهور والتجلي للخلق بالخلق على ارض القابليات فنبت شجرة الوجود المقيد فكان اول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة روح القدس قال العالم (ع) روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة والصاقورة هي الاسم الاعظم والكلمة التامة والعرش الاكبر الاعلى والسر المقنع بالسر فكل الموجودات ثمرات تلك الشجرة واغصانها واوراقها وكلما ( كلها خ ) تشابهها تشابه الاشعة بالسراج فالاسماء الكمالية التي للخلق من ظل اسماء تلك الذات المقدسة التي هي من الاسماء (خ) الفعلية الالهية والمشابهة بالتبعية انما تكون لحادث (خ) مع حادث والقديم تعالى شأنه منزه (خ) عن كل ذلك سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ولما ارانا الله سبحانه مثاله الذي هو آياته في الآفاق والانفس ليكون شاهد صدق على الوهيته وقدرته نضرب لك مثلا في هذا الملك ( المطلب خ ) لتكون على بصيرة من الامر فنقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان النار هي المؤثرة في الاشعة والموجدة (خ) لها اذ لها الفاعلية وللدهن القابلية فمست الدهن الذي هو ظهوره وتجليه فوجد السراج فالسراج مركب من مس النار ومن الدهن وهذا الاشتعال والضياء خلقته (خ) النار لا من شيء ولا كشيء ولا مناسبة بينه وبين النار ابدا اذ ليس في النار الاضائة والاشراق فلما خلقت السراج بنفسه جعلته عرشا لاستوائها عليه بالنور فاعطت كل ذي حق حقه من الاشعة وساقت الى كل مخلوق رزقه فالاشعة كلها على مثال السراج وهيكله الذي هو هيكل التوحيد فحقيقتها مركبة من ظهور السراج وقابليتها التي هي الحدود المعينة لها في حد خاص ومكان معلوم والا فامر السراج واحد ما ترى فيه اختلافا ابدا انظر في حقيقة الاشعة هل يعرفون غير السراج وهل يعلمون سواه لان حقيقتها من اثره وظله والشيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه مع ان كلها معترفة بان السراج وجه النار وبه يتوجهون اليها وبه يستمدون منها وكلها واقفة سائلة بباب النار الذي هو السراج والفقراء اللائذون بجنابها واسامي السراج وصفاتها كلها لها لكن بالتبعية والاثرية سوى الشمول الكلي والعموم الحقيقي وسريان النور المثالي الذي هو مفاد اسم الله تبارك وتعالى تأمل يا اخي وتدبر فيه فانه من غوامض الاسرار فاذا فهمته يفتح لك باب من العلم ينفتح منه الف باب بفضل الله ملهم الصواب فاذا اردت تفهم حقيقة المسألة فاعلم ان النار مثال للوجود المطلق والكلمة التامة التي هي النقطة ومسها (خ) مثال للوجود المقيد الذي هو الماء النازل من سحاب المشية والسراج اشارة الى العقل الكلي والنور المحمدي صلى الله عليه وآله والاشعة مثال للموجودات المقيدة فكلما للموجودات من الصفات الكمالية من اظلة تلك الصفات الكمالية واشعتها لا دخل لها في ذات الحق القديم تعالى شأنه وتقدس فافهم واغتنم وكن من الشاكرين هديك الله وايانا الى الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين هذا مجمل الكلام في ظاهر لفظ الجلالة مما سنح بخاطري الفاتر في حال الكتابة ولنقبض العنان من هذا الميدان ونشرع في بيان باطن هذه الكلمة الشريفة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

اعلم ان الكلام في باطن هذه الكلمة الشريفة انما يتم ببيان امور :

الاول في حقيقة الاسم والموضوع له في هذا اللفظ اعلم ان الاسم مشتق من السمة وهي العلامة فالاسم علامة المسمى وبه يعرف المسمى قال ( امير المؤمنين خ ) عليه السلام الاسم ما انبأ عن المسمى وقد صح ان الموجودات بحذافيرها انما تدل على الله سبحانه وصفاته واسمائه فكلها اسماء له ولما نظرنا في الاسماء رأينا ( انها خ ) على قسمين ذوات وصفات وهي عبارة عن الحروف والاصوات والنقوش وكلاهما على قسمين اسماء حسنى واسماء سوءي فالاسماء الحسنى بالاطلاق من تحت العرش الى الارض والاسماء السوءي من تحت الثرى الى الارض الدنيا ايضا فهذه الارض هي مجمع البحرين وملتقى العالمين ومحل الاجماع ( الاجتماع خ ) والاسماء الحسنى هي الدالة على مسمياتها الحسنة الكمالية الجمالية الدالة على كمال الصانع وجماله وجلاله والاسماء السوءي هي الدالة على مسمياتها الخبيثة النجسة المجتثة الدالة على تنزه الصانع وتقدسه عن جميع النقايص والسلوب والاعدام فلو انه تعالى ما خلق هذه الحقايق الخبيثة لما سألوه ان يخلقها كذا لما عرف تنزه الصانع عن صفات النقص اذ الممكن لا يعرف الا ما فيه ولا يقرأ الا حروف نفسه ولذا ورد في الحديث انه تعالى انما خلق الضد ليعرف ان لا ضد له فلو انه ما خلق تلك الحقايق الطيبة والذوات الحسنة لما عرف اتصاف ( الصانع خ ) الكامل سبحانه بالكمال فخلق الزوجين وجعل الشيء مركبا منهما ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فكل شيء هكذا لان العلة الغائية من ايجاد الاشياء المعرفة الكاملة وهي لا تتحقق (خ) الا باثبات الصفات الكمالية وسلب النقايص الخلقية الممكنة وهي ايضا لا تتحقق (خ) الا بمعرفتهما ( بمعرفتها خ ) ولا يعرف شيء شيئا لم يخلقه الله تعالى فخلق العلم وخلق ضده الجهل وخلق القدرة والعجز وخلق الحيوة والموت وخلق العزة والذلة فالانسان بقدرته يستدل على قدرة الحق وبعجزه يستدل على انه تعالى ليس بعاجز والا لكان ممكنا وهو من معاني قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق وقوله (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه فحينئذ تكون الاسماء على اربعة اقسام : اسماء حسنى حقيقة ( حقيقية خ ) ذاتية واسماء حسنى اسمية لفظية واسماء سوءي حقيقة ذاتية مجتثة واسماء سوءي اسمية لفظية ثم انه لما كانت الحقايق مترتبة لبطلان الطفرة وامتناع صدور الكثرات من الواحد من جميع الجهات لضعف قابلية (خ) الصادر المحدث لذلك كانت الاسماء ايضا مترتبة ولذلك اختلفت بالعالي والداني فالاسم الاعظم الاعلى هو المخلوق اولا المالئ بنوره وظهوره جميع فضاء الامكان فما بقي في الامكان مكان الا وقد وسعه ذلك النور العظيم ولا يجوز ان يكون خلق في مرتبته ومقامه والا لكان هو لان المرتبة من المشخصات واتحاد المشخصين مع تغاير المتشخصين ممتنع كما برهنا عليه في مكانه ولا يجوز ان يكون خلق الا بواسطة ( لا بواسطته خ ) لاستلزام الطفرة الباطلة الا عند المسقطين ( المسفسطين خ‌ل ) فيجب ان يكون ذلك ( الخلق خ ) الآخر من نور الاول ومستضيئا منه كاستضائة الضوء من الضوء ولما كان اعلى الموجودات واشرفها واقدمها المعنى المجرد عن المادة النفسانية والجسمانية والمدة الملكوتية والزمانية يجب ان يكون اول الموجودات واول الاسماء والا يلزم ان يكون الاخس قبل الاشرف وقد قام البرهان على بطلانه ولما كان المعنى لا يتم في الظهور الا بالصورة المشخصة المميزة والا لا يظهر شيئا ( شيء خ ) ولا يعرف احد صاحبه يجب ان تكون الصورة ثاني الموجودات فتم الموجود بالمادة والصورة وقد ملأ الفضاء ووسع ( وسعا خ ) الارض والسماء فكلما في الوجود بعدهما من جزئياتهما واشعتهما خلقت مادتها (خ) من نور الاول وصورتها من نور الثاني والاول هو نور الله والثاني هو نور رحمته قال العالم (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ولهذين المخلوقين الشريفين هيمنة وتسلط على جميع الموجودات والمخلوقات

فالاول هو الاسم الاعظم الاعلى الجامع لجميع الصفات الكمالية القدس وهو الصفات الجبروتية التنزيهية الغير المقارنة بشيء اصلا لا ذاتا ولا فعلا وهو اسم السبحان والقدوس والعزيز وامثال ذلك وهو نفس ذلك الاسم الاكبر وهو معنى ما قال النبي (ص) في خطبته يوم الغدير في مقام الثناء على الله سبحانه الذي ملأ الدهر قدسه الخطبة لان ذلك الاسم الشريف المبارك على ما ذكرنا لكونه اول المخلوقات قد ملأ الامكان وما بقي مكان في الامكان الا وقد ظهر ذلك النور العظيم فيه والاضافة وهي الملكوتية ذات الاضافة العرضية الفعلية لا الذاتية وهو اسم العلم والقدرة والسمع والبصر وامثال ذلك وهذه الاسامي لا تعلق لها بشيء من الاشياء ابدا اذا اردت منها الذاتية ولا تعتبر الاضافة في ذلك انما الاضافة في آثارها الفعلية عند ظهورها في المجالي الامكانية وفعلها ( بفعلها خ ) فافهم والخلق وهي الصفات الملكية ذات المقارنة الذاتية والفعلية كالخالق والرازق والمحيي والمميت وامثال ذلك

والاسم الشريف المبارك الثاني لما كان في مرتبة الثانية كانت له الاجتماع لجميع المراتب من الاسماء والصفات الا ما اختص به الاول وهو نفسه وذاته المختصة به والسراج الوهاج الذي استضاء منه ذلك السراج الوهاج كالضوء من الضوء هذان الاسمان الاعلان هما الاصل للموجودات ولهما هيمنة وتسلط على كل الاسامي والصفات لان ما عداهما جزئيات ما تصل رتبتهما في الشمول والاحاطة فللاول شمول الباطن ( الباطني خ ) الثانوي الذي هو الظهور الاولى ( الاول خ ) وللثانوي ( للثاني خ ) شمول الظاهري الاولى الذي هو الظهور الثانوي والبواقي ظهور الظهور وشعاع الشعاع واسماء الاسماء الى آخر مراتب الموجودات الامكانية وهذا هو القسم الاول من الاقسام الاربعة التي للاسماء مما استنبطناه من الاحاديث بتأييد الله تعالى فانه ذو فضل عظيم ومنّ جسيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

اما القسم الثاني منها فاعلم ان الحروف والكلمات على اقسام وانحاء منها حروف معنوية وهي حروف اهل عالم الجبروت وكلماتهم اذا ارادوا ان يتكلموا بلغتهم ( بينهم خ ) في الخلوة من دون غيرهم وطبعها في هذا العالم بارد رطب فلونها البياض ومنها حروف رقايقية وهي حروف اهل عوالم البرزخ الاكبر الخاصة بهم وطبعها حار رطب فلونها الصفرة ومنها حروف نفسانية صورية وهي كلام اهل عوالم الملكوت الاعلى وطبعها بارد يابس فيه اعتدال ولونها الخضرة خلاف طبعه وذلك من جهة مانع يمنعها ان تكون على لون طبعها وهو اختلاط السواد مع الصفرة وذلك يستلزم الخضرة ( فافهم خ ) ومنها حروف مثالية شبحية وهي كلام اهل عوالم البرزخ الثاني ولهم سماء وارض ارضه محدب محدد الجهات الجسماني الزماني وسماؤه من اسافل الدهر واواخر الملكوت وطبعها من طبع العالم الاول ولونها كلونها الا ان لونها يميل الى السواد لكونها ذات صورة مقدارية فافهم ومنها حروف جسمانية وهي كلام اهل عوالم الاجسام وطبعها بارد يابس ولونها السواد لعدم اختلاطها بالصفرة لعدم المجانسة

نوريان مر نوريان را طالبند ناريان مر ناريان را جاذبند

رو مجرد شو مجرد را ببين ديدن هر شيء را شرط است اين

فبقيت على سوادها الاصلي هذا اقسام الحروف والكلمات

اما كيفية تكونها فاعلم ان المتكلم في كل عالم من هذه العوالم المذكورة اذا اراد ان يتكلم يأخذ اربعة اجزاء من الهواء ويدخلها في جوفه اي على وجه ( جوف خ ) قلبه فيكون نقطة جوهرية مستديرة لاستدارة محلها ثم يتحرك ( تتحرك خ ) فتمتد النقطة بحرارة تلك الحركة فكان خطا الفا ونفسا ممتدا لكن هذه الاجزاء المصعدة قبل وصولها الى فضاء الفم يأمر الله تعالى ملكا من جنود اسرافيل ان يأخذ جزءا من يبوسة الهباء (خ) المنبث في هواء الجوف فيمزجه معها فيعفنه في حمام مارية باسم الله الحي ثم يصعد ( تُصْعِدُ خ ) شمس حرارة حركة النفس تلك الابخرة المعفّنة الى سماء الفم اي الطبقة الثالثة من طبقات هوائه فتصير سحابا مزجي وهو الحروف المقطعة المناسبة للمعنى المقصود المشابهة لهيئة معناه ثم تراكم فتصير سحابا ثقالا وهو الكلمة التامة المجتمعة المركبة من الحروف المقطعة المرتبة ( المترتبة خ ) على صفة المعنى ولما اشرقت عليه حرارة شمس حركة المتكلم للاخراج يذوب ويتقاطر منه الماء اي الدلالة فينزل على ارض الجرز والبلد الميت التي هي قلب المخاطب فيأخذ الملك جزئين من ذلك الماء وجزءا من يبوسة قلب المخاطب فيضعهما في التعفين في بطن الفرس فتنبت الشجرة اي شجرة المعنى في ارض قلب المخاطب فيتحقق هنا اربع مراتب المرتبة الاولى مرتبة النقطة ولونها ابيض في كمال البياض كالدرة البيضاء لكمال البساطة المرتبة الثانية مرتبة الالف والنفس ولونها الصفرة لاختلاط حرارة المتنزل مع رطوبة النقطة المرتبة الثالثة مرتبة الحروف المقطعة ولونها الخضرة لاختلاط سواد الكثرة مع صفرة الالف والمرتبة الرابعة مرتبة الكلمة التامة ولونها الحمرة لاجتماع بياض النقطة مع صفرة الخط في حرارة حكم التأليف والتركيب كالزنجفر ( كالشنجرف خ ) فانه مركب من الزيبق والكبريت او لونها اسود لكمال الكثرة والغلظة

ثم اعلم ان هذه المراتب ( المرتبة خ ) لا يتحقق الا بفعل الشخص وحركته ولا شك انها ما حصلت بالحركة الواحدة لان الواحد من حيث الوحدة لا يصدر عنه الا الواحد لان بين الاثر وفعل المؤثر لا بد ان يكون مناسبة خاصة تصحح صدور ذلك الاثر منه والا يلزم الترجيح من دون مرجح وهو باطل ولا يجوز ان يكون الشيء الواحد مناسبا ومشابها لامور مختلفة متضادة في حال واحد الا الواجب تعالى وتقدس لان قدرته غير متناهية لا تحيط بها عقولنا ولا تدركها افهامنا فنسكت عنه ونقول انه على كل شيء قدير فاذا رأينا تعدد المفعول نقطع بتعدد الفعل وان كانت هذه التعددات والكثرات رؤس ( من خ ) ذلك الفعل الكلي فثبت انه تعلق لكل مرتبة من هذه المراتب الاربع فعل خاص غير المتعلق بالآخر فسمى الفعل المتعلق بالنقطة المشية وبالالف الارادة وبالحروف القدر وبالكلمة التامة القضاء وبالاظهار والابراز الامضاء وهو لازم القضاء كما لا يخفى وهذه المراتب الفعلية هي صبح الازل والمراتب المفعولية الانوار المشرقة عن صبح الازل فالنور الابيض هو المشرق عن المرتبة الاولى وهي المشية والنور الاصفر هو المشرق عن المرتبة الثانية وهي الارادة والنور الاخضر هو المشرق عن المرتبة الثالثة وهي القدر والنور الاحمر هو المشرق عن المرتبة الرابعة وهي القضاء وكل مرتبة لونها وطبعها من طبع ما صدر عنها ولونها فافهم واحفظ فانه ينفعك ( كثيرا خ ) في المراتب العالية وحل الاحاديث المشكلة ثم ان الكلمة التامة المجتمعة لها الوان اخر بحسب العوالم لونا عرضيا وان كان لها لون ذاتي وهو الحمرة او السواد مثل الريح فانه هو الهواء المتحرك وهو بحسب سنخ ذاته حار رطب لكن باعتبار الامكنة والازمنة يكتسب الطبايع العرضية فيكون له الوان متفاوتة كالصبا فانه بارد رطب ولونه البياض والدبور فانه حار يابس ولونه الحمرة والشمال فانه بارد يابس ولونه السواد والجنوب فانه حار رطب لونه الصفرة وهنا كلام آخر كتبناه في شرحنا على الفوائد

فاذا عرفت حقيقة الكلمة والكلام وماهيتها ومبدئها ومنتهيها تعرف انها لا بد وان تكون (خ) متأخرة عن الذوات ( الذات خ ) لانها فعلها وصفتها واسمها فهذه الاسماء اللفظية الحرفية اسماء لذوات هي اسماء الله عز وجل لبطلان الطفرة فمرجع الكل الى الله والكل له تعالى انا لله وانا اليه راجعون ولما كان بين الاسماء ومسمياتها على ما هو الحق عند اهل الحق مناسبة ذاتية فيجب ان يكون اشمل الاسماء الحرفية واعمها واعظمها واقويها للاسم ( الاسم خ ) الاول الذي هو المخلوق الاول الذي هو نور السموات والارض وعمودها وبه قامتا وبه تحركت السموات وسكنت الارض وتحته شمولا واحاطة للاسم الثاني المخلوق فهما الاسمان الاعلان اللذان بهما سكنت السواكن وتحركت المتحركات وكل الاسامي ذاتية كانت او لفظية من فروعهما وشعاعهما صلى الله عليهما وآلهما ولما نظرنا الى الاسماء الحسنى اللفظية رأينا لفظ الله في كمال الشمول والاحاطة وله هيمنة وتسلط من حيث اللفظ على جميع الاسماء والصفات فعرفنا انها كانت موضوعة لتلك الذات الشريفة المقدسة فعرفنا اللطيفة في قوله تعالى الله نور السموات والارض واللطيفة في تفسير مفسر قوله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح انه محمد (ص) وقد ثبت عند اهل الحق ان المشبه في القرآن عين المشبه به فافهم وكن ( به خ ) ضنينا وكذا لفظ الرحمن لما رأيناها تحت لفظ الله وفوق جميع الاسماء عرفنا انها كانت موضوعة لتلك الذات المقدسة المخلوقة ثانيا فالله اسم الذات ( للذات خ ) المستجمع لجميع الصفات الكمالية والنعوت الجمالية الخلقية الثلثة التي هي صفات القدس والاضافة والخلق والرحمن اسم للذات الكاملة المقدسة الجامعة لجميع الصفات الاضافية والخلقية على ما فهمت وبعبارة اخرى الله اسم للذات الظاهرة بالالوهية والرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمة الواسعة وتلك الذوات كلها اسم للقديم تعالى شأنه الذي لا اسم له ولا رسم وكل الموجودات اسماؤه وكل المخلوقات آثاره وهو المخفيّ في عين الظهور والظاهر في عين الخفاء

خفي لافراط الظهور تعرضت لادراكه ابصار قوم اخافش

وحظ عيون النجل من نور وجهه لادراكه حظ العيون الاعامش

فاذا قلت يا الله ويا رحمن ما تعني الا الذات القديم تبارك وتعالى وتجعل تلك الذوات وجها لتعريفك ودعائك لانك لا تصل الى الله الا بالوجه لكن لا تلاحظ الوجه قط فاذا قلت يا الله وقصدت الموضوع له هذا اللفظ فقد اشركت وكفرت كفر الجاهلية واذا قلت يا الله وزعمت انه موضوع للذات القديم وانكرت الوجه والواسطة فقد كفرت ايضا واشركت واذا قلت يا الله وقصدت القديم تبارك وتعالى وتوجهت اليه بهذا الوجه وجعلته آلة لتوجهك الى حضرته تعالى وما رأيت الوجه حين دعائك فانت موحد كما اراد الله سبحانه وتعالى منك مثاله انك اذا اردت ان تبصر شيئا بهذا البصر الجسماني ما يمكنك ابصاره الا بواسطة هواء لا يصل حد الافراد ( الافراط خ ) فانت اول ما تبصر هو الهواء وهو واسطة لابصارك ذلك الشيء فهو المبصر اولا لكن انت لا تلاحظ الهواء ولا يخطر ببالك في حال الابصار انك تبصر الهواء مع ان الهواء هو الوجه لا يمكنك ان تتوجه اليه الا به وهذا المثال مقرب من وجه ومبعد من جميع الوجوه فان ذات الحق لا يمكن الوصول اليه بوجه ولو بالوجه الا بالوجه والى هذه الدقيقة اشار العالم عليه السلام بقوله الله مشتق من اله والاله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المسمى ( المعنى خ ) فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمعنى فقد اشرك وعبد اثنين ومن عبد المعنى بايقاع الاسم عليه فذاك التوحيد لقد اخرجت لك لؤلؤا من بحر التوحيد ما وصل اليه الغواصون ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وهو ذو الفضل العظيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هذا مجمل القول في القسمين الاولين وهو الاسماء الحسنى بكلا قسميه

واما القسمان الآخران وهو الاسماء السوءي بكلا قسميه فاعلم انك قد عرفت على ما بينا لك ان لكل شيء ضدا فضد العالي اسفل والمتوسط متوسط اذا نظرت في الماء رأيت ان ظل رجلك عند رجلك وظل رأسك في آخر المراتب فكما ان المخلوق الاول في كمال النور والضياء والصفاء ( السنا خ ) بحيث بنوره اشرقت السموات والارض وكذا ضده في كمال الظلمة بحيث ان كل ظلمة في العالم من فاضل ظلمته وكل شر ومعصية وخبث من فاضل شروره ومعصيته وخباثته والصفة تابعة للذات والاسماء والمسميات بينهما مناسبة ذاتية خذها قاعدة تصرف فيها ما شئت فانه باب ينفتح منه تفسير الباطن من القرآن وتأويله بالمعنى الثالث من معانيه كما ذكرنا ( لك خ ) سابقا فراجع تفهم ولقد بينا حقيقة الاسماء الحسنى ومبدئها ( وكيفية ايجادها خ ) وترتب مراتبها والاسماء اللفظية التي بازاء كل مرتبة منها ( والحروف التي بازاء كل مرتبة منها خ ) والحروف التي بازاء مراتبها وكيفية اقبالها وادبارها والاسماء السوءي الخبيثة النجسة المجتثة وكيفية تعاكسها والاسماء السوءي ( اللفظية خ ) التي بازائها والحروف المعكوسة التي بازاء مراتبها وكيفية ادبارها وعدم اقبالها على اكمل تفصيل واتم بيان في شرحنا على الفوائد التي صنفها الاستاد ادام الله بركاته علينا وعلى العالمين من اراد الاطلاع على حقيقة الامر فلينظر اليها ( وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين خ )

الثاني ( من تلك الامور خ ) في الفرق بين الالوهية والاحدية والواحدية والرحمانية قيل : اعلم ان جميع حقايق (خ) الموجودات وحفظها في مراتبها تسمى الالوهية واعني بحقايق الموجودات احكام المظاهر مع الظاهر فيها اعني الحق و ( في خ ) الخلق فشمول المراتب الالهية جميع المراتب الكونية واعطاء كل ذي حق حقه من مرتبة الوجود هو معنى الالوهية فالله اسم لرب هذه المرتبة ولا يكون ذلك الا ذات واجب الوجود فاعلي مظاهر الذات مظهر الالوهية اذ له الحيطة والشمول على كل مظهر وهيمنة على كل وصف واسم فالالوهية ( هو خ ) ام الكتاب والقرآن هو الاحدية والفرقان هو الواحدية والكتاب المجيد هو الرحمانية والذي عليه اصطلاح القوم ان ام الكتاب هو ماهية كنه الذات والقرآن هو الذات والفرقان هو الصفات والكتاب المجيد هو الوجود المطلق لا خلاف بين القولين الا في العبارة والمعنى واحد فاذا علمت ما ذكرنا تبين لك ان الاحدية اعلى الاسماء ( وخ ) تحت هيمنة الالوهية والواحدية اول تنزل الحق من الاحدية واعلى المراتب التي شملتها الواحدية المرتبة الرحمانية واعلى مظاهر الرحمانية في الربوبية واعلى مراتب الربوبية في اسمه الملك فالملكية ( فالملك خ ) تحت الربوبية والربوبية تحت الرحمانية والرحمانية تحت الواحدية والواحدية تحت الاحدية والاحدية تحت الالوهية لان الالوهية اعطاء حقايق الوجود وغير الوجود حقها مع الحيطة والشمول والاحدية حقيقة من حقايق الوجود فالالوهية اعلى ولهذا كان اسمه الله اعلى الاسماء واعلى من اسمه الاحد انتهى كلامه

اقول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان هذا الكلام على ما اعرف في غاية المتانة والصحة هو والله اعلم بمراده الا قوله والذي عليه اصطلاح القوم الى قوله لا خلاف بين القولين الا في العبارة فانه في غاية الاغتشاش والاضطراب بل عندنا هذا الكلام باطل لكن ظاهر عبارة هذا القائل في بيان المراد صحيح فان كان مراده هو الذي قال لا خلاف الا في العبارة فالمراد باطل والعبارة صحيحة والا فكلاهما صحيحان فافهم والله اعلم بمراده وسنزيد لك في هذا الباب عند بيان قوله تعالى لا اله الا هو

الثالث في لطائف الاسرار المودعة في هذه (خ) اللفظة الشريفة اعلم هديك الله وايانا سواء الطريق وسقانا الله واياك رحيق التحقيق ان هذه الكلمة الشريفة هي الكلمة التامة الكاملة التي تشمل جميع المراتب ( تشتمل جميع مراتب خ ) الامكان والاعيان من البدء الى العود والبرازخ التي بينهما وتثبت الحق وتميت (خ) الباطل وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ولذا كان اعظم اسماء الله الحسنى واشرف صفاته ولذا امر نبيه (ص) ان يقولها ويعرض عن كل باطل وقال تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وبيانه بالاجمال على انحاء :

منها ان الهمزة هي الالف المتحرك ( المتحركة خ ) وهي اول الحروف واصلها واسها واسطقصها وبها ظهرت الحروف ومنها بدأت واليها عادت وطولها الف الف ذراع وهي اشارة الى اول الوجود وسر الحق المعبود الذي به خلق العالم واستضاء منه آدم وهو الماء الثاني المظهر للماء (خ) الاول بل الماء الاول عينه وآدم الثاني حقيقته فاتحد الاول والثاني في عين الافتراق وافترقا في عين الاجتماع وظهرا معا ووجدا متقدما ومتأخرا وهو مبدأ الوجود والباء في بسم الله الرحمن الرحيم ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وسر البسملة في الباء وسر الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء اصرح ولا اخاف اذ ليس فيه اغتشاش ولا اختلاف وهو نبينا محمد (ص) لنص قوله اول ما خلق الله نوري واول ما خلق الله روحي فاشار الى البدء اي بدء الاعياني ( العيان خ ) بالمطابقة ولما كان هو السراج الوهاج فاشار الى مس النار بالتضمن وهو الماء الاول المتقاطر من سحاب النار فاشار الى المشية التي تلك الحقيقة المقدسة محلها ومكان ظهور نورها بالمظهر وان شئت قلت بالالتزام لان الدلالة الالتزامية اعز الدلالات وامنعها واشرفها فاشار الى الموجودات الامكانية والاعيان الثابتة والوجودات العدمية المخلوقة الحادثة بالالتزام لان الامكان محل المشية وماهيتها فافهم فاشار الحق سبحانه بالالف الى جميع هذه المراتب بالاشارة الواضحة الصريحة الغير الخفية الا عند غير اهلها فالالف هي النبوة وهي بدو ظهور الاسلام والايمان والكتب والسنة في الباطن والظاهر ولما كانت النبوة لا تستقر بدون الولاية لانها نفسها فذكر اللام بعد الالف اشعارا (خ) بان الولاية تحت النبوة بمرتبة واحدة كما قال (ع) انا اصغر من ربي بسنتين اي انا الواقع في المرتبة الثانية واشار باللام اليها لان اللام لها من العدد ثلثون وهذا اشعار بان الولاية هي القمر كما ان النبوة هي الشمس وانما اشار الى الولاية بالقمر والى النبوة بالشمس اشعارا بان مواد الموجودات من الشمس التي هي النبوة وصورها من القمر الذي هي الولاية لان الوجودات الثانوية من الشمس لان الشمس هي الحارة اليابسة فاثرها من جنس طبع مؤثره وهو اصل الشيء والحيوة الثانوي من القمر لانه بارد رطب فاثره من جنس طبع مؤثره وهو صورة الشيء ولذا كانت نطفة الرجل حارة يابسة ونطفة المرأة باردة رطبة فالاصل والمادة للاب والقشر والصورة للام فافهم ولما كان ظهور الولاية على قسمين قسم باطني لا ظهور لها ظاهرا الا قليلا بل لا ظهور لها في الظاهر اصلا ورأسا وهو ظهور تلك المظاهر المقدسة وبروز تلك الحقايق المنورة في اوان ظهور النبي (ص) وبعده في عالم الاعيان الجسمانية وقد ظهرت تلك الاقمار الساطعة منخسفة وهو ظهورهم الاول فاشار اليه باللام الاول ولما كان الحق له حقيقة ولا بد ان يظهر بحيث يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وجب في الحكمة ان يرجع الله تعالى تلك الذوات المقدسة في عالم الظهور الجسماني مرة بعد اخرى وهو في الرجعة فاشار اليها باللام الثانوية ( الثانية خ ) وهنا ولايتان ولاية ظاهرية وولاية باطنية هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا والالف بين اللام الثانية والهاء المطوية نقشا وظاهرا اشارة الى قيام القائم عليه السلام فان خروجه وظهوره اول ظهور الولاية الثانوية لكنه ليس برجعة لان الرجعة هي الرجوع بعد الموت وهو عليه السلام بعد حي عند ربه مرزوق وهو سر الاطواء في النقش دون اللفظ والهاء اشارة الى الهوية المحضة التي هذه المراتب المذكورة من مظاهرها وآثارها وهي تعود اليها بعد بدئها منها ( بعد ذهابها خ ) وهي القيمة اذا رجع كل الى مبدئه فقد جمع الى هذه الكلمة الشريفة جميع الموجودات الامكانية والاعيانية وبدءها وعودها والحق الذي يجب التمسك به والباطل الذي يجب الاعراض عنه ولذا قال تعالى لنبيه قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون يعني جميع الكون من حيث الاسمية تشملها هذه الكلمة وما لم يذكر فيها لا يجوز التمسك به والاقتداء به لانهم همج رعاع لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا الى ركن وثيق فافهم فانه اصعب ما يرد على العلماء

ومنها ان الالف هي آلاء الله على خلقه من النعيم بولاية الولي وهذا تمام الوجود وكماله والجامع لما جمع جميع القرآن والكتاب الآفاقي والانفسي لان النعم التي انعم الله تعالى بها على عباده تدور على اقسام اربعة لا تزيد ولا تنقص الخلق والرزق والحيوة والموت قال الله تعالى هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم والموجودات على ثلثة اقسام في ثلثة عوالم عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك وفي كل عالم من هذه العوالم الثلثة عشر مراتب وهي القبضات التي خلق الشيء منها في كل عالم بحسبه ولها ثلث دورات دورة معدنية ودورة نباتية ودورة حيوانية فيكون ثلثين وفي كل مرتبة من هذه المراتب هذه الاركان الاربعة التي هي الخلق والرزق والحيوة والموت وقد وكل على كل ركن من هذه الاركان ملك من الملائكة الكلية فالموكل بركن الخلق جبرئيل والموكل بركن الحيوة اسرافيل والموكل بركن الرزق ميكائيل والموكل بركن الموت عزرائيل فجبرئيل طبيعته حارة يابسة لانه مستمد من الركن الاسفل الايسر من العرش وهو النور الاحمر واسرافيل طبيعته حارة رطبة لانه المستمد من الركن الاسفل الايمن من العرش وهو النور الاصفر وميكائيل طبيعته باردة رطبة لانه المستمد من الركن الايمن الاعلى من العرش وهو النور الابيض وعزرائيل طبيعته باردة يابسة لانه المستمد من الركن الايسر الاعلى من العرش وهو النور الاخضر وتحت هذه الاملاك ( الملئكة خ ) الكلية ملائكة لا تحصى والدبور ملك من جنود جبرئيل هلكت عاد بالدبور والصبا ملك من جنود ميكائيل نصرت بالصبا والجنوب ملك من جنود اسرافيل والشمال ملك من جنود عزرائيل فافهم فاذا ضربت الاربعة في الثلثة يكون الحاصل اثني عشر واذا ضربت الاثني عشر في الثلثين يكون الحاصل ثلثمائة وستين فاعط جبرئيل تسعين ملكا واسرافيل مثله وميكائيل مثله وعزرائيل مثله او قل اضرب الثلثة في الثلثين فيكون تسعين واضرب الاربعة في التسعين يكون ثلثمائة وستين هذا تمام الوجود وسر الحق المعبود وكل ذلك نعم انعم الله تعالى على عباده لولاية الولي هنالك الولاية لله الحق فكلها من الولاية والى الولاية وللولاية وفي الولاية ومع الولاية وعن الولاية وبالولاية ولك ان تجعل النعم نفس المنعم عليه والتفرقة بملاحظة الاجمال والتفصيل والجمع والتفريق ولك ان تجعل العباد المنعم عليهم ثلثة اشخاص كل واحد منهم حاو لما حوت عليه الآخران والتفرقة بينهم بالبطون والظهور والكمون (خ) والبروز

العبد الاول هو ما تحت العرش الاعظم الاعلى الذي هو الصاقورة للجنان التي غرسها الولي وذاق روح القدس باكورتها الى ما تحت الثرى وهو عبد واحد خلقه الله سبحانه شاهدا وبرهانا على الوهيته وربوبيته وقدرته وصنعه وهو العبد الصالح ( الصالح الطايع خ ) العابد المطيع لله تبارك وتعالى لا يغفل عن ذكره طرفة عين لا اله الا هو سبحانه من دانت له السموات والارض بالعبودية واقرت له بالوحدانية لا اله الا الله الحليم الكريم لا اله الا الله العلي العظيم لا اله الا الله الملك الحق المبين سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن وهو رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين فافهم فهمك الله

العبد الثاني هو عبد الواسع وعبد الكريم وعبد الله (خ) الشاب النقي ( التقي خ ) الورع الزكي الشجاع الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف وله طبع واحد يفعل في الطبايع الاربع وحقيقة وجوده ملتئمة من ارض وماء والماء منشعب الى اربع مياه بل خمسة واجعل هذه المياه ثلثة وستة وافلح الارض بالثلثة المصلحة الاولية في كل فلاحة يخرج قوم مفسد من التسعة المفسدة ولما تم الثلث ظهر القمر فاشرق بنوره على ظلمات الارض فنور جميع ما فيها لكن فيه شيء من الكدورة اهل الشرع سموه بالمحو واهل الاشراق سموه بالعكس والظل واهل الصناعة الفلسفية سموه بالقوم المفسدين وهم ستة رهط الذين قالوا لشعيب هو الصبغ الاحمر ولولا رهطك لرجمناك وهم بانفسهم كانوا رهط شعيب يعني لولا انك منسوب الينا لرجمناك فاجابهم وقال يا قوم أرهطي اعز عليكم من الله فطهرت (خ‌ل) تلك الارض بصاعقة التي انزل الله اليهم ( عليهم خ ) بدعاء شعيب فصلحت لدخول الملائكة والانبياء والمؤمنين الصالحين فصارت (خ) طيبة طاهرة مشرقة كالشمس في رابعة النهار تشرق على العوالم السفلية فتعطي كل ذي حق حقه وتسوق الى كل مخلوق رزقه وهو العرش مستوي الرحمن فافهم واشرب عذبا صافيا هنّأك الله

العبد الثالث الكتاب الصغير والمختصر الوجيز ونسخة اللوح المحفوظ وهو الذي قال العالم عليه السلام :

دواؤك (خ) فيك وما تشعر وداؤك (خ) منك ولا تبصر

وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر

ولك ان تجعل العبد عاما وهو كل ذرة من ذرات الوجود على حد ما قال الشاعر :

كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن اليّ

كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي

والكلام في هذا المقام طويل الذيل والاختصار هو المطلوب لما قيل خير الكلام ما قل ودل لكن الفقير المعترف بالقصور والتقصير باعانة الله العلي الكبير كتبت هذا المطلب اي الامور المشار اليها بلفظ الالف في الله على كمال البسط والتفصيل في شرحنا على الفوائد للاستاد ادام الله بركاته علينا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولما ان الله سبحانه خلق الخلق لاظهار رحمته وكرمه واحسانه وامتنانه وايصالهم الى المراتب العالية والدرجات المتعالية لينالوا بها حظوظهم وليأخذوا نصيبهم من الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء وابى ان يجري الاشياء الا باسبابها لحكم ومصالح تحيط ببعضها عقولنا جعل لكل ذات وحقيقة عملا يكون وصلة وسببا لوصولها الى تلك الدرجات والمقامات فكلفها ( فكلفنا خ ) بها وحث على فعلها وتوعد على تركها على تفصيل لا يسعني الآن بيانه ونهاها عن ( نهانا من خ ) امور يقطع ارتكابها عن البلوغ الى اعلى المقامات ويمكن ( مكن خ ) الشخص من ارتكابها لئلا يكون التكليف بالالجاء وليتحقق الطايع والعاصي والمؤمن والكافر ولئلا يكون المحسن اولي بالاسائة من المسيء والمسيء اولي بالاحسان من المحسن لكنه تعالى مكن اداء المأمور وسهل سبيل اجتناب المحظور لم يكلف الطاعة الا دون الوسع والطاقة وهذه الامور اي الاعمال والعبادات يسمونها في الاصطلاح الوجود التشريعي كما انهم يسمون الاول بالوجود التكويني لكن العارف الكامل الاستاد ايده الله بفنون تأييداته سمى الاول بالشرع الوجودي والثاني بالوجود الشرعي والمعنى واحد لا اختلاف الا في العبارة فاشار الى الوجود التشريعي بقوله تعالى اللام المذكورة بعد الالف وهي اشارة الى الزام خلقه الولاية اي ولاية الولي عليه السلام فان قبول ولاية الولي والاقرار بها هو القبول والاقرار بجميع ما جاء به الانبياء والمرسلون من عند الله تبارك وتعالى لان كلما عند الله فهو حق وكلما جاء به الانبياء فهو من عند الله تبارك وتعالى فكلما جاء به الانبياء فهو حق وكل الانبياء صادرون عن امر الولي وكلما يأمر الولي فهو امر الله ولذا قال تعالى ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا وقال من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوي فكل حق فهو من امر الولي وكل باطل فهو من نهيه فالزام الخلق ولاية الولي هو الامر بكل معروف والنهي عن كل منكر واشار بتكرار اللام الى قسمي العبادات والاعمال فانهما ( فانها خ ) على قسمين ظاهرية وباطنية والظاهرية ظاهرة والباطنية هي اعمال الحواس والقوي والمشاعر والادراكات الباطنية كالفؤاد والقلب والعقل والنفس والخيال والواهمة والحافظة والمفكرة وامثال ذلك من القوي الباطنية ولهم اعمال من دون ذلك اي الاعمال الظاهرية هم لها عاملون والالف اشارة الى البرزخ المتوسط بين العالمين عالم الظاهر وعالم الباطن وهو عالم الاشباح والمثل النورية والابدان النورانية التي لا روح فيها فان الالف هي السراج وهو الباب الواقف بين الطتنجين مس النار والنار والاشعة والاظلة كما هو حال البرازخ والمثال مقرب من وجه ومبعد من كل الوجوه اين حال السراج والبرزخ وبينهما بون بعيد كما يعرفه العلماء الراسخون ولذا طويت خطّا ولما كانت هذه الاعمال والعبادات والمحرمات والمنهيات اسبابا ومقتضيات تظهر مسبباتها ومقتضياتها عند زوال الموانع وحصول الصوغ الثاني الذي لا يحتمل الكسر وموت الموت وذبحه وهو يوم القيامة اراد الحق سبحانه ان يبين ذلك ويظهر ما هنالك ليتم الوجود باتمام الكلمة فاشار اليها بالهاء اي هوان لمن خالف الولاية والمخالفة هي المضادة والولاية هي الامر بكل معروف والنهي عن كل منكر ومخالفتها هي الامر بالمنكر والنهي عن المعروف فيظهر اثره في القيمة ظاهرا عند الشخص وعند الله تبارك وتعالى وانبيائه ورسله واوليائه وهو الخذلان والهوان والحرمان لان الذي يمس المركب تسود يده باذن الله تبارك وتعالى لان المركب سبب للسواد مع حصول الشرايط والنار سبب للاحراق مع حصول الشرايط فلا يرتفع هذا السواد ما لم يغسل يده بالماء او بشيء آخر طاهر ولو كان الى آخر الدهر واما اذا غسلها فتطهر وكذا المعصية المقلب ( تقلب خ ) صورة الشخص الى صورة حيوان من الحيوانات اي البهائم مثلا اذا كانت معصية من جهة الشهوة تنقلب صورته الى صورة الدب واذا كانت من جهة الغضب تنقلب صورته الى صورة الكلب وامثال ذلك فهو على هذه الحالة ما لم يتب فاذا تاب توبة صحيحة تنقلب صورته الى صورة الآدمي اي الصورة الانسانية فهو على هذه الحالة ما لم يعص فاذا عصى تتقلب ( تنقلب خ ) صورته الى صورة ما يناسب تلك المعصية فهو على تلك الحالة ما لم يتب وهكذا الانسان في كل حال يكسر ويصاغ الى وقت موته وقبض روحه ولهذا يرى من له بصر حديد ويكشف الغطاء عن بصره الناس على صور مختلفة متفاوتة من صور البهائم وحشرات الارض وهو تأويل قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فاذا قبض روحه يقبض على ما هو عليه من صورة السعادة والشقاوة والانسانية والحيوانية وهو قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد فاذا كان على صورة الحيوانية في الظاهر والباطن ولم يكن من اهل الشفاعة يبقى على تلك الحالة ابدا خالدا معذبا والقول بانقطاع العذاب قول من لم يطلع على حقيقة الامر ولم يفهم كنه المراد وسنحقق ان شاء الله تعالى واما اذا كان محبا للولي (ع) وان كان عاصيا كمال المعصية فلا يدخل النار ولا تنقلب صورته الحقيقية لان حبه حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة وهنا كلام ذكرنا في شرح الفوايد فراجع اليها وهذه الاشارة تلويح الى ما اعده ( ما وعده خ ) الله سبحانه لعباده المتقين العاملين بمقتضى الولاية لانه ضده والضد له دلالة على ضده دلالة ذاتية كما ذكرنا في شرح الفوايد وما عكس الامر للاشارة الى ابطال اقوال اقوام يقولون بانقطاع العذاب وعدم تأبيد العقاب فان الهوان هو الهوان الاكبر والهلاك الاعظم لانصراف اطلاق المطلق الى الفرد الكامل وهذا الذي ذكرنا لك هو المأثور عن اهل البيت عليهم السلام تفتش ( فتش خ ) كتب الحديث تجد ان شاء الله فاني لا اصرح بالمراد قال ونعمّا قال :

به پيري رسيدم در اقصاي يونانب دو گفتم اي آنكه با عقل وهوشى

به عالم چه بهتر ز هر چيز گفتا اگر راست پرسي خموشي خموشى

انظر ( يا اخي خ ) وفقك الله كيف جمع في هذه الكلمة الشريفة كل الوجود واسراره واطواره بكلا قسميه من وجودي ( الوجود خ ) التكويني والتشريعي وما يترتب عليهما وهو الكافي لمن له نظر واعتبار ولذا قال تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون فافهم ( واشرب عذبا صافيا هنّأك الله تعالى خ )

ومنها ان الالف هي مقام الظاهر ومظهر النور الباهر ومقام قل فلله الحجة البالغة على من يشاء لان الالف هي الحجة على كل الحروف والرسول اليها ومترجم الوحي الذي ينزل اليه ( اليه الوحي خ ) من احكامها واسرارها واللام اشارة الى باطن الظاهر وظاهر الباطن واشار باللامين المدغمين المتصلين الى ان هذا المقام مقام الابواب فله وجهان وجه الى المبدء يأخذ منه ووجه الى ما تحته يفيض عليه فهو واحد وله وجهان وهو سر الادغام والاتصال فافهم والالف الثاني اشارة الى باطن الباطن وهو مقام المعاني اي الصفات الزايدة الخلقية الفعلية كالعلم والقدرة والسمع والبصر والحيوة والمشية والارادة والخلق والرزق وامثالها من الصفات الفعلية والهاء الاشارة الى الهوية السارية وهو التوحيد ومقام البيان ومقام الجلال والصحو والسكر والفناء والبقاء وصبح الازل وهو مقام معرفة النفس التي هي معرفة الرب ولذا قال في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتّى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وقال ( تعالى خ ) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق قال العالم عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فافهم فانه من غوامض الاسرار وكون المجموع كلمة واحدة اشارة لاهل الاشارة الى ان هذه المراتب في شخص واحد كل ذلك من مراتبه وظهوراته فاول المراتب واعلاها مقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو وهو هو ونحن نحن وآخرها واسفلها مقام انما انا بشر مثلكم يوحى الى والمقام الثالث هو مقام ما وسعني ارضي ولا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن ومقام ( المقام خ ) الثاني مقام قوله تعالى ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ام تنبؤنه بما لا يعلم وامثال ذلك من الآيات ولذا كان هذا الاسم هو الاسم الاعظم لاشتماله على اجل المراتب واعلى المقام ( المقامات خ ) ولذا قال الله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون اي تمسك بالاسم العظيم الاعظم واعرض عن الكفار والجاحدين فانه يغنيك عن كل شيء وسيوضح هذا المرام ان شاء الله تعالى

ومنها ان الالف الاول هي الالف القائم البسيط الكل ( الكلي خ ) في وحدته واللامان المدغمان المتصلان المنفصلان اشارة الى ما في العوالم الملكية من المراتب ( وخ ) المشاركة في الملكوتية وكونها في الدهر المفارقة في المراتب والتقدم والتأخر والهاء اشارة الى عالم الملك الشهودي من اول العرش اي محدد الجهات الى الثرى ولذا اشار اليه بالهاء التي هي من حروف عالم الجبروت اشعارا بان هذا الآخر هو عين الاول اذا زالت السبحات يكون الآخر هو الاول كما اشار الى عالم الجبروت بالباء في بسم الله الرحمن الرحيم وهي من حروف عالم الملك اشعارا بان الاول هو عين الآخر وتفصيل هذا الاجمال كتبنا في شرح الفوائد ولا يفهم ( حقيقة الامر خ‌ل ) في هذه المسئلة الا من قابل مرآة الحكماء ومن لم يقابلها لم يعرفها كما هي اللهم اجعلنا منهم بمحمد وآله الطاهرين وقد تمت العوالم في هذه الكلمة عالم الجبروت وهو الالف القائم وعالم الملكوت وهو اللامان المدغمان المتصلان المنفصلان وعالم الملك وهو الهاء فالمجموع تمام الوجود وهو الكلمة التامة وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ان كنت ما اخاف لبينت المرام من هذا الكلام لكن ( لكني اقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم خ ) ان رأيت ما كتبنا ( سابقا خ ) في شرح الفوائد تفهم هذا الكلام والا فلا تنكره ورده الى اهله الذين يستنبطونه من العلم

ومنها ان هذه الكلمة الشريفة خمسة احرف وهي اشارة الى تمام الوجود الذي هو خمسة حجب : الاول هو الحجاب الابيض الدرة البيضاء الثاني هو الحجاب الاصفر ( وهو خ ) البقرة الصفراء الثالث هو الحجاب الاخضر الزمردة الخضراء الرابع هو الحجاب الاحمر الياقوتة الحمراء واليها اشير في الاخبار بقصبة الياقوت الخامس هو الحجاب الاسود كالليل الدامس وفي كل واحد من هذه الحجب عشرة مراتب ومواقف فيكون خمسين وهو (خ) خمسون‌الف عام ( عالم خ ) وتظهر في كمال الظهور في القيمة ولذا كان يومه خمسين الف عام وفي هذا اشارة الى ان ابدان الآخرة واجسامها واحوالها وجنتها ونارها هي بعينه ابدان الدنيا واجسامها واحوالها وجنتها ونارها كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها وعلى هذا التأويل شواهد من الآيات والاحاديث لا يناسب هذا المقام ذكرها واليوم يوم واحد اذ ليس في جنة الآخرة ليل ويوم انما هي نور موجود وظل ممدود وانما قيدنا الجنة بالآخرة لان في الجنة ( جنة خ ) الدنيا يوما وليلة وغدوا وعشيا كما نطق به الحق في كلامه الكريم فافهم ( فهمك الله وايانا من مكنون العلم ومخزون السر بالنبي وآله الطاهرين خ )

ومنها ان هذه الكلمة الشريفة اشارة الى مقام التوحيد والمعرفة ونعني بالتوحيد التوحيد الحقيقي القسم الرابع من التوحيد الصفاتي تسميه (خ) العلماء العرفاء بمقام الفناء في البقاء ومقام السكر في الصحو ومقام الوجود في العدم وامثال ذلك من العبارات والاطلاقات التي مآلها واحد فالالف المتحركة اشارة الى الالف اللينة اشارة بالمظهر الى الظاهر وهو الشايع الذايع لان الالف المتحركة هي ظهور الالف اللينة فوحدتها عددية لتعينها في حد خاص وان كانت عامة فهي منفية عن الحق تعالى واما قول العالم (ع) في الدعاء لك يا الهي وحدانية العدد فاشارة الى انه تعالى منزه عنها وهي ملكه وتحت حيطة تصرفه ومخلوقه ولا يجري عليه ما هو اجراه كما لا يخفى ووحدتها اي الالف اللينة ليست بعددية بل وحدتها وحدة الشمول والانبساط ولذا ترى الصوفية يقولون في مثال التوحيد الوجود ( اي الوجودي خ ) الشهودي ان الحق تعالى كالواحد في الاعداد وكالالف في الحروف ولا يريدون بالواحد والالف الوحدة العددية والالف المتحركة لانهم في كثير من المواضع نفوها عنه تعالى ونزهوها عنه ( تنزهوه عنها خ ) سبحان ربي عما يقولون ( علوا كبيرا خ ) وعما يصفون ونحن لا نقول بقولهم ولا نسلك مسلكهم بل نقول ان مقام توحيد الحق اي ظهوره للخلق بالخلق كالالف في الحروف وكالواحد في الاعداد والفرق بينهما واضح لمن عرف كلامنا فيما سبق وبالجملة الالف اشارة الى السر الالهي والنور الرباني وتجلي الحق للخلق واللامان المدغمان المتصلان المنفصلان اشارة الى احوال ذلك المقام واوصافه فاشار بالاتصال والادغام الى انه هو اي معرفته معرفته وتوحيده توحيده وهو مقام هو نحن ونحن هو واشار بالانفصال الى مقام الفرق في عين الجمع وهو مقام الا انه هو هو ونحن نحن ولقد قلت في بيان معنى هذا الكلام بالفارسية بالتمثال بالنار والحديدة المحمية فيها وهو هذا :

گويد آتش هين بآهن تو منم من توئي وتو توئي ومن منم

ذات ما باشد ز يكديگر جدا فعل ما فعلى است واحد ني دوتا

چونكه خود را در اطاعت سوختي آتش حبم بدل افروختي

من بتو فاعل شوم تو فعل من من بتو ظاهر شوم تو ز اهل من

وهذا البيان كاف في هذا المقام ولقد قال الشاعر ( واجاد خ ) :

ز بس بستم خيال تو تو گشتم پاي تا سر من

تو آمد رفته رفته رفت من آهسته آهسته

تأمل في حقيقة هذا البيت تعرف منه ( من خ ) الحقايق والاسرار ما لا يحتمله العلماء الفحول واشار بالالف الثاني الى وحدة ذلك المقام مع تركبه يعني انك في ذلك المقام لا ترى شيئا الا الواحد المحبوب مع قطع النظر عن الوحدة والمحبة لان المحبة حجاب بين المحب والمحبوب فافهم واشار بالهاء الى الهوية المحضة الصرفة اي تلك المرتبة هي مرتبة ذات ( الذات خ ) البحت الصرف المعراة عن جميع اعتبارات الحقية والخلقية اذ كل اعتبار مطلقا ينافي الهوية المحضة وهي النفس التي من عرفها عرف الله ومن جهلها جهل الله فهذه الكلمة بيان ووصف لمقام تلك المعرفة التي هي كمال المعرفة الحقيقية الامكانية لكل موجود من الموجودات على تفاوت مراتبها واختلاف درجاتها ومقاماتها من اول الوجود الى آخره ونهايته وسيأتي تحقيق هذا المطلب ان شاء الله في بيان التوحيد في لا اله الا هو ولذا كان هذا الاسم هو الاسم الاعظم فافهم واشرب عذبا صافيا وفقك الله لما يحب ويرضى

ومنها ان الالف هي الاشارة الى الوحدة السارية في العالم فان العالم مع تكثره وتعدده واجزائه وجزئياته وافراده ومجرداته ومادياته تجمعها حقيقة واحدة مسماة باسم واحد كما في الحديث ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود ثم جعله على اربعة اجزاء فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق وافقد واحدا منها فهو المكنون المخزون ثم خلق لكل من هذه الثلثة اربعة اركان فذلك اثني عشر ( الى آخر خ ) الحديث ذكرت الحديث بالمعنى لاني ما حفظت اللفظ ( بكله خ ) فاشار بالاسم الواحد الى العالم من حيث هو ( فانه من حيث هو خ ) واحد بسيط لا يقبل (خ) القسمة قال العالم عليه السلام :

وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد

وهذه الوحدة هي من ظل الوحدة الالهية الدالة على وحدة الصانع تعالى شأنه وهو بالحروف غير مصوت لان الحروف من اجزائه والكل غير الجزء وهكذا اللفظ والشخص في اللون والمكان والزمان والاوضاع والحدود وكل شيء في الوجود انما هو جزؤه ولا يصدق الكل على ما يصدق عليه الجزء والا لكان الكل جزءا والجزء كلا الا في المواضع التي يطلق اسم الكل على الجزء مجازا وقوله (ع) ثم جعله على اربعة اجزاء اشارة الى انقسام الوجود والعالم الى الاقسام الاربعة عالم اللاهوت وعالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك وقوله (ع) فاظهر ( منها خ ) ثلثة لفاقة الخلق وهي هذه الثلثة الاخيرة لان مدار تكون الخلق وادراكاتهم وايجاداتهم وانوجاداتهم على هذه الثلثة كما لا يخفى والمكنون هو العالم الاول لعدم احتياج الناس اليه على ما ذكرنا في رسالتنا (خ) مطالع الانوار ( و خ ) الحاصل ان العالم امر واحد بسيط لا تقبل القسمة فاشار اليه بكله بالاجمال بالالف لان له من العدد الواحد وللاشعار بان هذه الوحدة هي ظل الوحدة الازلية الثانوية التي هي صاحب الازلية الاولية ثم فصل الحق سبحانه وتعالى هذا (خ) الاجمال باللام فاشار اليه بالقابليات والمقبولات يعني ان الوجود تدور على اثنين قابل ومقبول ويساوي في هذا المعنى كل موجود الا ان جهة القبول في الاشياء مختلفة وكذا المقبول واشار الى القابليات بالتصريح والى المقبولات بالكناية فذكر اللام ولها من العدد ثلثون وهو ميقات موسى قال تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة وذلك لان الشيء انما خلق من عشر قبضات : القبضة الاولى من العرش (خ) محدد الجهات خلق منها قلبه والقبضة الثانية من فلك الكرسي خلق منها صدره والقبضة الثالثة من فلك زحل خلق منها عقله والقبضة الرابعة من فلك المشتري خلق منها علمه والقبضة الخامسة من فلك المريخ خلق منها خياله ( وهمه خ ) والقبضة السادسة من فلك الشمس خلق منها وجوده الثاني والقبضة السابعة من فلك الزهرة خلق منها وهمه ( خياله خ ) والقبضة الثامنة من فلك عطارد خلق منها فكره والقبضة التاسعة من فلك القمر خلق منها حياته والقبضة العاشرة من الارض خلق منها جسمه وجسده وهذه القبضات العشر لا تظهر في عالم الظهور متمايزة فاعلة لفعل خاص بها ( لها خ ) الا اذا دارت عليها ثلث دورات الاولى الدورة العنصرية والثانية الدورة المعدنية والثالثة الدورة النباتية فاذا دارت الدورة النباتية تهيأ ( يتهيأ خ ) لتعلق الروح الحيوانية بها واذا ضربت الثلثة في العشرة يصير ثلثين وهو قوى اللام والقابليات والثلثون ليلة لميقات رب موسى ولما تهيأت واستعدت هذه القبضات بعد هذه ( تلك خ ) الدورات لقبول الحيوة تعلقت الروح الحيوانية بها فتدور (خ) الدورة الرابعة فيكون عشرة وهي تمام ميقات موسى وهي رتبة المقبولات وهو الاربعون وهو الميم في بسم الله الرحمن الرحيم وهو معنى قوله تعالى واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فتمام الاربعين ( الثلثين خ‌ل ) هي تمام القابليات وتمام الثلثين ( الاربعين خ‌ل ) هو مجموع القابليات والمقبولات فاللام اشارة الى رتبة القوابل بالتصريح والى رتبة المقبولات بالكناية والتلويح وباللام الثاني اشار الى ان هذه القوابل والمقبولات على قسمين ظاهري وباطني وبالادغام والاتصال اشار الى ( ان خ ) الشخص الواحد يجمعها فهما في عين الاتصال منفصلان وفي عين الانفصال متصلان فافهم ( ولا تكن من الغافلين خ ) واشار بالهاء الى تفصيل اللام (خ) يعني ان الوجود الذي هو مركب من القابليات والمقبولات على خمسة مراتب وهي الحجب الخمسة المذكورة وان كان لنا ان نبين على طريق آخر بان نقول المرتبة الاولى عالم الامر والابداع والمرتبة الثانية عالم المثال الملقى في هوية الموجودات والمرتبة الثالثة عالم الجبروت والمرتبة الرابعة عالم الملكوت والمرتبة الخامسة عالم الملك واذا اشبعت الهاء واخرجت منها الواو تكون اشارة الى تفصيل الهاء فنقول ان هذه المراتب الخمسة على احد عشر مرتبة المرتبة الاولى مقام النقطة الجوهرية والحقيقة المحمدية ( صلوات الله عليه وآله خ ) والمرتبة الثانية مقام الالف والنفس الرحماني الاولى المرتبة الثالثة مرتبة الحروف والسحاب المزجي والمرتبة الرابعة مرتبة الكلمة التامة مقام الظاهر والسر المقنع بالسر المرتبة الخامسة مقام الدلالة وظهور الظاهر وتجلي المتجلي والماء الاول وقد اشار الحق سبحانه الى هذه المراتب الخمس بالتفصيل والى ما سواها من المراتب بالاجمال في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح وهو النفس الرحماني الاولى بشرا بين يدي رحمته وهي النقطة الجوهرية الغير المنقسمة لا في الطول ولا في العرض ولا في العمق واشار الى المرتبة الثالثة بقوله تعالى ان الله يزجي سحابا وهو الحروف العاليات ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما وهو قوله تعالى حتّى اذا اقلت سحابا ثقالا وهو الكلمة التامة المجتمعة سقناه لبلد ميت وهو القابليات الميتة والارض الجرز المستعدة للاحياء فانزلنا به الماء ماء الوجود اي الدلالة من الكلمة التامة فاخرجنا به من كل الثمرات وهو ( هي خ ) الموجودات فكان اول من ذاق ثمرة الوجود واول غصن نبت من شجرة الخلد روح القدس وعالمه هو عالم الجبروت وهو المرتبة السادسة وثاني غصن نبت من شجرة الخلد هو عالم الاظلة ورق الآس وهو عالم الارواح اي الرقائق وهو المرتبة السابعة والغصن الثالث من شجرة الخلد هو اللوح المحفوظ والكتاب المسطور في رق ( الرق خ ) المنشور وهو عالم النفوس ومقام الرسم والنقوش وهو المرتبة الثامنة والغصن الرابع من تلك الاغصان الشريفة من تلك الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء عالم الطبيعة النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وهو المرتبة التاسعة والغصن الخامس من تلك الشجرة عالم المادة والمثال وجوهر الهباء وهو المرتبة العاشرة والغصن السادس من تلك الشجرة عالم الاجساد ( الاجسام خ ) ومحل النقش والارتسام وهو المرتبة الحادية‌عشر هذه المراتب هي التي تجمعها كلمة هو فهي تفصيل للهاء والهاء تفصيل اللام واللام تفصيل الالف فكلمة الله هي الجامعة لجميع مراتب الوجود على انحاء مختلفة واطوار (خ) متشتتة متعددة وفيها اسرار ولطايف ومعارف وحقايق لا يحصيها الا الله سبحانه وتعالى ومن نزل عليه ( اليه خ ) والحقير الفقير كتمت كثيرا منها لوجوه منها لعدم احتمال الناس وللنهي عن التكلم بما تسارع العقول في انكاره ومنها من جهة الخوف من فرعون وملائهم ( ملائه خ ) ومنها من جهة التطويل المخل لدرك المقصود فاقتصرت على هذا القدر وان شاء الله تعالى اكتب في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم جميع هذه الاسرار سوى القسم الاول بل اكتبه ان شاء الله الرحمن كما كتبوا واقول كما قالوا بالتلويح والاشارة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني اللهم خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون واجعل عاقبة امورنا و( خاتمة خ ) اعمالنا خيرا واجعلني ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله ومن استمسك ( المتمسكين خ ) بعروة الوثقى برحمتك يا ارحم الراحمين والحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير المرسلين محمد وآله الطاهرين واصحابه الاكرمين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهذا اوان الشروع في تفسير كلمة التوحيد وتحقيقها وباطنها وباطن باطنها

  1. قال الله تبارك وتعالى : لا اله الا هو

اعلم ان الظاهريين (خ) الذين ماشموا رايحة الحقيقة والباطن وما عرفوا الحيث والكم والكيف وما عرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤول اليه امورهم حجبهم القشر عن اللب والصورة عن المعنى وما عرفوا ان الصورة تنزل المعنى والقشر ظهور اللب بظهور مخصوص وبروز معين وله بروز وظهور في غير هذا القشر بصور اخرى فاخذوا الصورة فعرفوا المعنى بها فماعرفوا ذلك المعنى الظاهر وبصورة اخرى كما اذا عرف الانسان بانه زيد مثلا فلم يعرفه ذلك العارف اذا تعين بتعين آخر وحصل له اسم سوى الاول مثالهم مثل من يرى الشبح عن ( من خ ) بعيد ولم يتميز له حقيقة الامر ففي كل ساعة يتجدد يقينه ومثال اهل الحقيقة مثل من يرى ذلك ( الشبح خ ) بعين اليقين ويعرفه كما هو الحاصل انهم اختلفوا في خبر لا نفي الجنس في هذا المقام هل ( هو خ ) موجود او ممكن او مستحق للعبادة وعلى كل تقدير اوردوا ايرادا وقالوا اذا قدرنا الخبر موجودا يصير المعنى لا اله موجود الا الله وهذا ينفي الاله الموجود ولا ينفي الاله الممكن لجواز ان يكون الاله ممكنا ولم يكن موجودا واذا قدرنا الخبر ممكنا يصير المعنى لا اله ممكن الا الله وهذا ينفي الاله الممكن ولا ينفي الاله مطلقا لجواز ان يكون الاله موجودا ولم يكن ممكنا واذا قدرنا الخبر مستحقا للعبادة يكون المعنى لا اله مستحق للعبادة الا الله وهذا ينفي الاله المستحق للعبادة سوى الله ولا ينفي غيره لجواز ان يكون الاله ولم يكن مستحقا للعبادة فاضطربوا اضطراب الارشية في الطوي البعيدة وما عرفوا وجه المخلص وقالوا بامور يضيع الوقت بذكرها وما عرفوا ان المعنى يصح في كل من هذه التقادير الثلثة اما على التقدير الاول فيتم المقصود لانك اذا قلت لا اله موجود (خ) الا الله نفيت كل اله سوى الله ممكنا كان او موجودا وذلك لان الاله لا بد وان يكون ظاهرا مستقلا في الاعيان له هيمنة وتسلط وتحكم على ما خلق وهذا الشريك الذي في الامكان وبعد ما ظهر ووجد في الاعيان هل هو ما يقدر ان يوجد ويظهر في الاكوان الا بمرجح ام لا فان كان الاول فليس باله لان الاله هو ما لا يكون محتاجا ابدا وان كان الثاني هل هو من جهة عدم مقاومته ومعادلته مع الاله الموجود تعالى وتقدس ام من جهة تصالحه واتفاقه فان كان الاول فليس باله ايضا لانا لا نعبد العاجز الفقير بل معبودنا هو الغني القادر الكبير وان كان الثاني فليس باله ايضا لفقدانه الكمال الذي هو اتم الكمالات اذا كان قادرا ان يستقل بالمملكة ويوحد في الحكم والا فهو عاجز حقير ( فقير خ ) لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون فاذا نفينا الاله الموجود نفينا الاله مطلقا موجودا كان ام ممكنا كما عرفت بالدليل واما على تقدير ( التقدير خ ) الثاني فيصح ايضا لانك اذا قلت لا اله ممكن الا الله نفيت كل الالهة لان نفي العام يستلزم نفي الخاص مثلا اذا نفيت الحيوان نفيت الانسان والفرس وامثالها ( امثالهما خ ) بخلاف ما اذا نفيت الانسان ولا شك بان الامكان اعم من الاعيان فكل ما في الاعيان ممكن ولا كل ما في الامكان هو موجود فاذا نفيت الامكان نفيت الاعيان البتة والمراد بالامكان ما يخالف الوجوب والامتناع فقولك لا اله الا الله معناه ان الاله سواه ممتنع ولا ضير في ذلك لقولهم شريك الباري ممتنع واما على تقدير ( التقدير خ ) الثالث فيصح ايضا لانك اذا قلت لا اله مستحق للعبادة الا الله نفيت كل الشركاء لان من لم يستحق له العبادة فليس باله كما لا يخفى على الفطن العارف واعلم انه قيل ما معنى هذا الاستثناء وان الاله ان كان موجودا فما معنى للنفي وان كان معدوما فكذلك ايضا والجواب ان الاله وان لم يكن موجودا لكن لما كان بعض الاوهام لتعلق نفوسهم بالشهوات الجسماني ( الجسمانية خ ) انقطعت من ملاحظة العالم الاعلى ليعرفوا بان تصور شريك الباري ممتنع يتصور شيئا ويسميه شريكا له تعالى وان كان عبدا مرزوقا لقوله (ع) كلما ميزتموه باوهامكم وادركتموه بعقولكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاتى بهذه العبارة وامثالها مثل وحده لا شريك له مكنسة لغبار الاوهام والا فلا يتصور الممتنع وشريك الباري ولا يمكن ذلك ابدا لان التصور هو حصول صورة الشيء في الذهن ولا شك ان الصور يحتاج ( الصورة تحتاج خ ) الى ذي الصورة والا فلا تكون صورة بل هي اصل هذا خلف وكذا العلماء اجمعوا بان الوجود الذهني هو الوجود الظلي ولا شك ان الظل لا يتحقق بدون الشاخص وذي الظل والا فلا يكون ظلا هذا خلف فاذا كان ما في الذهن هو الظل والصورة وهما تحتاجان ( يحتاجان خ ) الى ذي الصورة والشاخص تعين ان يكون لكل متصور ذات خارجية ينتزع صورتها ويدخلها في الذهن فالذات في الخارج لاستحالة ان يكون الظل والشاخص في مرتبة واحدة لان الاثر والمؤثر لا تجمعهما حقيقة واحدة قط ومن عرف حقيقة الامر يعرف وجه استحالته وثبت ان ما في الذهن هو الصورة فيكون ما في الخارج هو الذات فكل متصور لك ذات خلقه الله تعالى في خزائنه التي قال وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والادلة على هذا المطلب من الوجدان و( من خ ) العقل والنقل كثيرة لا يقتضي المقام ذكرها فاذا تحقق هذا تعرف ان تصور الشريك لله تعالى ممتنع والا (خ) يجب ان يكون له تعالى شريكا ( شريك خ ) فلا يحتمل الامتناع عليه فبطل قولك شريك الباري ممتنع ومن هنا تعرف وتعلم ان اللاشئ الصرف والعدم المحض والممتنع الصرف لا يتصور ولا يتعلق العلم به ولا عبارة له وهذه العبارات لجهة امكانه اذ لا شك بان هذه الالفاظ ليست بمهملات بل هي موضوعات واللفظ الموضوع ما وضع للمعنى والمعنى ان لم يكن شيئا ليس بمعنى واما هذه الالفاظ فهي موضوعة بازاء الامور التي يتصورها الخيال ويخلقها الله تعالى في خزائنه بمقتضى اوهامهم وخيالاتهم من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول فهي موضوعة بازاء معاني حادثة مخلوقة فاذا قلت اللاشيء او العدم المحض يتوجه خيالك الى شيء وفضاء خال تسميه باللاشيء ولذا قيل ان مفهوم اللاشيء ومفهوم العدم وجود ونسميها باللاشيء والممتنع مثل تسمية الرجل الموجود بالمعدوم واتيان هذه العبارات والالفاظ من جهة ازالة الشكوك والشبهات عن خواطر الاوهام ولذا قال تعالى ام تنبئونه بما لا يعلم يعني الشريك له ولا يصح ان يكون شيء لا يتعلق به علم الله او يتصور احد شيئا لا يعلمه الله كيف وقد قال تعالى واسرّوا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فكل التصورات والتخيلات والتوهمات امور خلقها الله تعالى بانزالها من الخزاين العالية او السافلة الى اذهان الخلق وهذا الذي صرح الحق سبحانه على انه لا يعلم لا يكون له وجود اصلا لا في الذهن ولا في الخارج لا في الامكان ولا في الاعيان فشريك الباري لا يعقل ولا يتصور ابدا في حال من الاحوال وكل ما تصوره شيء وليس شريكا للباري قال العالم (ع) لم يتصور احد شيئا الا وقد خلقه الله قبل ذلك حتّى لا يقال لم يخلق ذلك وليس الذي قد خلقه الله شريكا له تعالى ولا يقال ان الذي تصوره ( أتصوره خ ) ليس شريكا بل هو آلة لملاحظته ( الملاحظة خ ) ووجه اتوجه به اليه كما سمعت من بعض العلماء مرارا لانا نقول اللاشيء ( الصرف خ ) لا مظهر له ولا وجه له لان المظهر انما يكون للشيء الظاهر له وشريك الباري ليس شيئا ولعمري انهم اذا تأملوا في معنى عباراتهم وقواعدهم المقررة لعرفوا ذلك وذلك لانهم صرحوا في الكتب المنطقية ان القضية هي المركبة من ثلثة تصورات او اربعة على اختلاف تصور الموضوع وتصور المحمول وتصور النسبة الحكمية والحكم او تصور الحكم والحكم فقولك شريك الباري ممتنع قضيته لا بد من هذه التصورات فيجب عليك في هذا (خ) التصديق ان تتصور اولا شريك الباري ثم تتصور الممتنع ثم تتصور النسبة التي بين الشريك والممتنع ثم تتصور (خ) الحكم على الشريك بالامتناع ثم تحكم فاذا وجب التصور يكون اللاشئ شيئا والممتنع ممكنا لان التصور هو حصول صورة الشيء في الذهن فهذا (خ) المتصور هل هو شيء ام لا فان كان شيئا كيف يتصف بالامتناع ولا يقال ان المتصف بالامتناع هو الخارجي لا الذهني لانا نقول اما اولا فيلزم ان يكون له شريك في الذهن لان على زعمك الذي في الذهن ليس بممتنع وانما الممتنع هو الخارجي فيجوز ان يكون له تعالى شريك في الذهن مع ان كل ما في الذهن مخلوق مثلنا كيف يكون شريكا واما ثانيا فنقول ان كل ذهني منتزع من خارجي على ما قررنا سابقا مجملا وفي رسائلنا مفصلا وان لم يكن شيئا لم يكن متصورا على القاعدة المقررة وكذا تصور الممتنع كما لا يخفى فالحق في الكلام هو ان معنى قولك شريك الباري ليس بشيء اي ليس بما قصدتم من توهم الالوهية وذلك لان الناس لما لم تكن لهم مرتبة العصمة وكان للشيطان عليهم سبيل (خ) ادخل الشيطان في اذهانهم هذا التصور الفاسد فهم يتصورون شيئا وله صورة وحدود وهيئة ويسمونه شريكا لله تبارك وتعالى من جهة الامكان وهذا التصور مخلوق لله تعالى في الخزانة الامكانية السوءي (خ) التي خلق الله تعالى فيها جميع الكواذب والاحتمالات الباطلة الفاسدة مخلوقة لله تعالى فهو مخلوق مثلك ومردود اليك ليس هو شريك الباري ولما كان ( كانت خ ) هذه التصورات تفسد عليهم امورهم شيئا فشيئا ارسل الله تعالى اليهم الرسل والكتاب وقال لهم ان هذه التصورات والتوهمات او هذه الاصنام التي صنعتموها وجعلتموها شركاء ( شريكا خ ) لي ليس بشيء اي ليس بالذي قصدتم من الشركة لا انه ليس بشيء اصلا نعم هو شيء لكن لا الذي قصدوا لذا قيل ان المعاصي اعدام مع انها شيء و( هو خ ) قوله تعالى اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتّى اذا جاءه لم يجده شيئا مع انهم يجدون السراب وهو شيء فنفى الشيئية انما هو من جهة ما قصدوا لا مطلقا والا لا يصح وكذلك الكلام في هذا المقام ولا فرق بين ما تصوره في الذهن وما يصنع الشخص في الخارج صنما ويسميه بالشريك ( شريكا خ ) مثلا اذا قلتُ للرجل المشرك شريك الباري ممتنع وشريك الباري ليس بشيء ليس مرادي ان هذه الخشبة التي صنعتها صنما ليس بشيء بل المراد ان الذي قصدت من هذه الخشبة ليس بشيء يعني ان الصنم ليس باله وكذا هذا المتصور في الخيال او في الوهم ليس بشيء اي ليس بشريك كما توهمته ولذا ترى العارفين عليهم السلام ( رضوان الله عليهم خ ) ليس استدلالاتهم في التوحيد مثل ما قرره المتكلمون والحكماء ( وخ ) المشاؤن والمسفسطون ولا يتصورون الشريك ابدا ولا يجوزونه يقولون ان دليلنا في التوحيد هو قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهو هو لا يسمع صوت الا صوته ولا يرى نور الا نوره در هر چه نظر كردم سيماي تو مي ‌بينم يقول العالم عليه السلام في الدعاء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك متى غبت حتّى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل اليك الدعاء وقال واحد ان العالم غيب لم يظهر قط والله تعالى هو الظاهر ماغاب قط والناس في هذه المسألة على عكس الصواب فيقولون الله تعالى غيب والعالم ظاهر الحاصل ان اهل الحكمة التي ( الذين خ ) اوتوا خيرا كثيرا لا يلتفتون قط الى الادلة المذكورة في كتب المتكلمين كدليل التمانع ودليل الفرجة وامثالهما من الادلة قال ونعما قال :

پاي استدلاليان چوبين بود پاي چوبين سخت بي‌تمكين بود

وسنحقق ان شاء الله مراتب التوحيد ومراتب الموحدين على كمال ما ينبغي بفضل الله وقوته ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

ومما سبق من التحقيق ظهر لك ان قول المتكلمين ( على خ ) ان المفاهيم على خمسة اقسام الواجب لذاته والواجب لغيره والممتنع لذاته والممتنع لغيره والممكن لذاته باطل لا اصل له لان الواجب لذاته ليس مفهوما ولا يدخل في الذهن ابدا والواجب لغيره ليس واجبا بحيث لا يتخلف نعم لا يتخلف اذا اراد الله تعالى كتخلف الاحراق عن النار في قضية ابرهيم (ع) وتخلف (خ) التبريد عن الماء في ( قضية خ ) ذلك الخبيث لما دعا عليه ابي عبد الله الحسين عليه السلام وامثالهما من الامور الخارقة للعادة وان سلمنا انه لا يتخلف ليس واجبا بل هو ممكن ومن اقسامه والممتنع لذاته ليس شيئا حتّى يكون مفهوما ولا عبارة عنه ولا اشارة اليه وكذا الممتنع لغيره قسم من اقسام الممكن وكذا قولهم الممكن لذاته لانهم ان ارادوا بالامكان الذاتي ان الشيء يكون عليه بدون جعل جاعل وتأثير مؤثر ام لا فان كان الاول يلزم ان يكون الامكان قديما ومنه يلزم تعدد القدماء وان كان الثاني فليس الامكان لذاته انما هو لغيره وايضا المقسم اي شيء هل هو واجب لذاته او واجب لغيره او ممتنع لذاته او ممتنع لغيره او ممكن لذاته او غيرها فان كان الاول يلزم ان يكون المقسم قسما من الاقسام يلزم ان يكون قسم الشيء قسيما له وان كان الثاني فاي شيء هو لانك حصرت الوجود والعدم في هذه الخمسة وبعد ما بقي لك شيء آخر اذ ليس عندك شيء ليس بواجب ولا ممتنع ولا ممكن فيبطل التقسيم ولا ينفعك عدم الملاحظة لانها كذب بحت ولكن معرفته من نصيب اولي الافئدة وايضا المقسم هل هو شيء او ليس بشيء فان كان شيئا كيف يكون احد اقسامه لا شيئا بحتا وعدما صرفا وهو الممتنع عندك ضرورة ان المقسم لا بد ان يعتبر في الاقسام وان لم يكن شيئا كيف يكون مقسم وكيف يكون احد اقسامه هو الشيء البحت الصرف وهو حقيقة الشيء الذي لا شيء سواه ولا موجود غيره لان التقسيم هو ضم القيود المتخالفة بالمقسم ليحصل من ضم كل قيد قسم كما هو المعلوم عند اهل الفن وايضا يلزم تركيب الواجب والممتنع لان الاقسام مركبة من المقسم الذي هو ما به الاشتراك ومن القيود المتخالفة المنضمة بالمقسم الذي هو ما به الافتراق والامتياز والتركيب منفي عن الحق تعالى شأنه وعن الممتنع لانه ليس شيئا حتّى يقال فيه انه بسيط او مركب ان قلت ان هذه المفاهيم والاقسام كلها ممكنة محدثة لكن اعتبرناها وجها لمتعلقاتها نقول اما في الواجب تعالى شأنه فالوجه صحيح لكن الوجه له ملاحظتان احدهما ملاحظته (خ) من حيث انه ممكن مخلوق محدث لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وهو في هذه الملاحظة ليس وجها وانما هو مخلوق من المخلوقات وثانيهما ملاحظته من حيث انه ( انه ممكن خ ) مع كشف جميع السبحات وازالة جميع الاعتبارات ولما كان الطريق الى الحق مسدود والطلب مردود فتوصف الوجه بصفاته فتعرفه به لان معرفته معرفته وطاعته طاعته وعبادته عبادته ورضي الله عنك بهذا المقدار والا لكان التكليف بما لا يطيقه الخلق ( المخلوق خ ) فاذن لا توصفه بصفات الحوادث المخلوقين المحتاجين لان الله تعالى خلق الوجه على هيئة معرفته وهيكل توحيده فتنزهه عن التركيب والبساطة والكلية والجزئية والجنسية والفصلية والنوعية والتجردية والمادية وبالجملة تنزهه عن كل نقص وتصفه بكل كمال لانه غاية ادراكك ومبلغك من العلم بشرط ان تزيل السبحات وتمحو الموهوم وتهتك الستر على ما سيجيء فهناك يكون وجها وفي مقام الوجه لا تعتبر جهة النقص والخلق

واما التقسيم وجعل الواجب قسما مركبا من المقسم والقيود المتخالفة وجعله قسما من المفهوم الذهني كلها من صفات المخلوقين واحوالهم واوصافهم لا يعرف الله به قال عليه السلام اعرفوا الله بالله قال الشاعر :

اذا رام عاشقها نظرة فلم يستطعها فمن لطفها

اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها

واما في الممتنع فلا نسلم الوجه ولا نقبله ابدا لان الوجه هو المظهر والمظهر لا يكون الا للظاهر والظاهر لا يكون الا الشيء والعدم الصرف ليس بشيء فلا يكون له مظهر اصلا ومن العجايب ان الواجب والممتنع الذاتي على هذا التقسيم والتقدير تجمعهما حقيقة واحدة ويطلق عليهما الشيئية بالاشتراك المعنوي وهذا من الغرائب التي تضحك عليه ( عليها خ ) الثكلى

واما الواجب لغيره والممتنع لغيره فليسا غير الممكن فالحق ( هو خ ) ما قال العالم عليه السلام حق وخلق لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فقل كما قال الاستاد العارف الكامل سلمه الله تعالى ( وايده بفنون تأييداته ووفقه باصناف توفيقاته خ ) ان ما يعبر عنه بالوجود على ثلثة اقسام الوجود الحق والوجود المطلق والوجود المقيد والذي في هذا المقام هو ان تقول الموجود واجب وممكن والممكن صفة الواجب واسمه الدال عليه بالربوبية والالوهية والوحدانية واذا عرفت الوحدة التي في العالم وفي الاشخاص مع تكثره وتعدده ( تعدد وتكثر خ ) عرفت بان الواجب لا بد وان يكون واحدا متوحدا فردا متفردا لان فعل الاثنين لا يكون واحدا فلا يقدر الشخص الواحد ان يقول انا بل يجب ان يقول نحن وتفهم هذه المسألة اذا نظرت في السراجين اللذين تعارضا في شخص واحد فترى هناك ظلين غير تامين كما لا يخفى على العارف الفطن ولذا قال العالم (ع) :

فوا عجبا كيف يعصى الاله ام كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد

وسئل العالم عليه السلام عن التوحيد قال (ع) اتصال التدبير وتمام الصنع وهو معنى ما قلنا لك آنفا وقد ملأ العلماء كتبهم الكلامية والحكمية عن ( من خ ) ادلة التوحيد وهي للظاهريين ان ارادوا ( ارادوها خ ) ونحن نعرض عن ذلك لان اهل الظاهر لا ينتفعون من هذا الكتاب ( من ذلك خ ) الا قليلا فنذكر شرذمة مما عليه اهل الباطن

اعلم ان اهل الباطن لا يطلبون الدليل ولا يلتفتون اليه لان طلب الدليل لمن لا يكون على يقين وهم صلوات ( رضوان خ ) الله عليهم ما يرون شيئا الا ويرون الله قبله او معه لا يجدون ( للخلق خ ) وجودا الا وجود الحق العظيم تعالى شأنه ولذا قال عليه السلام في الدعاء تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء وقال ايضا وان كل معبود ( سواك خ ) مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما خلا وجهك الكريم فانه اعز واجل من ان يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الى كنه عظمته وقال عليه السلام وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء فلا يرون الا الله ولا يجدون سوى الله وقد قلت في هذا المعنى بالفارسية :

وهم باشد وهم كثرت‌بينيت ديده بگشا ديده حق‌بينيت

تا به‌بيني جمله را نور خداست پس نظر كردن بغير او خطاست

چشم را از علم اخباري به‌پوش در عياني جان من قدري بكوش

تا كه توحيد شهودي حاصلت آيد واز جملگي بربايدت

نور حق را در دلت بيني ظهور كرده باشد همچو موسى كوه طور

پس قدم بالا نه از اين مرتبه غير حق را جملگي گردان تبه

پس تجلي جمالي را به‌بين عشق عشقي را كه گويند هست اين

عشق چه بود غير اضمحلال خويش وارهيدن از تمامي حال خويش

عشق سلطاني است با فر وشكوه چونكه آيد بايدت رفتن بكوه

چيست عاشق مردهٔ بي حس وهوش چيست معشوق آن نگار پرخروش

چونكه عاشق فاني آمد در وجود ما رميت ديده را خواهد گشود

الى آخر الابيات واذا سألت اهل الباطن عن الدليل في التوحيد يقولون الله استنباطا من قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون لانه لا يرى سوى الله واهل الظاهر من جهة عدم معرفتهم بحقيقة الامر يقولون ان هؤلاء ليس لهم دليل مستقيم وليس كلماتهم برهانية تسكن اليها النفوس وتميل اليها القلوب وليس هذا الا من جهة جهلهم بحقيقة الامر وعدم معرفتهم لكلماتهم لكنهم اذا عرفوا مرادهم علموا انها كلها منطبقة بالظاهر والادلة الظاهرية لان الباطن الحق لا يخالف الظاهر الا انهم من جهة عدم الاعتناء بهذه الامور الرذيلة لا يرتبون القياس والاشكال الموافقة لما اصطلحوا عليه وهم يتخيلون انهم لا يعرفون هذه الامور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هذا هو الامور المتعلقة بظاهر هذه الكلمة المباركة ذكرناها بالاجمال

واما ( الامور خ ) المتعلقة بباطنها فاعلم ان هذه الكلمة جامعة لجميع مراتب التوحيد وشاملة لكل جزئياتها وكلياتها وظاهرها وباطنها وتحقيق هذه المراتب يتوقف على بيان امور : الاول في سبب اختلاف مراتب التوحيد مع وحدة الموحد بفتح الحاء الثاني في تقسيم (خ) التوحيد اولا وبالذات الى اقسام اربعة الثالث في تقسيمه باعتبار الموحد الى قسمين الرابع في تقسيم القسم (خ) الثاني الى اقسام اربعة

اما الاول فاعلم انه لما امتنع ادراك كنه الذات تعالى وتقدس لكونها في الازل ونحن في الامكان وهو لا ينزل الينا ونحن لانصعد اليه وفي هذا المعنى قال الشاعر :

عاشق بمكان در طلب جانان است معشوقه برون ز حيز امكان است

نايد بمكان آن نرود اين ز مكان اينست كه درد عشق بي‌درمان است

وقال جامي :

ممكن ز تنگ‌ناي عدم ناكشيده رخت واجب ز جلوه‌گاه قدم نانهاده گام

در حيرتم كه اين همه نقش غريب چيست بر لوح صورت آمده مقبول خاص وعام

وخلقنا لاجل معرفة ذاته وصفاته وآثاره لقوله الصادق وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون اي ليعرفون وقال في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف يجب ان يعرف نفسه لنا والا يلزم ان يكون فعله عبثا لفقدان العلة الغائية ولما كان الخلق على اطوار واحوال متعددة مختلفة متفاوتة في القرب والبعد والنورانية والظلمانية والتجرد والمادية والعلو والسفل وامثال ذلك وقس عليها اختلاف لغاتهم وادراكاتهم ومشاعرهم (خ) وافهامهم وعقولهم وحقايقهم وماجري الخلق على طور واحد بل خلقهم بمقتضى القابلية وصف نفسه لهم اي لكل واحد منهم على قدر فهمه ومقدار عقله ( علمه خ ) ووفق لسانه وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه والا يلزم التكليف بما لا يطيقه (خ) الخلق فعرف كل واحد من الخلق توحيد الحق وصفاته واسماءه وآثاره على ما هو عليه في مراتبه واطواره واحواله من الوجود والعقل والنفس والطبيعة والمثال والجسم وهو قوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها اي انزل من سماء (خ) المتجلي ماء التجلي فسالت اودية قوابل الممكنات الموجودة المتحققة حين الانزال بقدرها فاختلفت مراتب التوحيد باعتبار اختلاف ( باعتبار مراتب خ ) الموحدين فظهر ان التوحيد ( الذي خ ) للقريب غير الذي للبعيد والا لكان القريب والبعيد على حال سواء فتجلى الحق سبحانه للبعيد من فاضل تجليه للقريب وظهوره ( وظهر خ ) له بشعاع ظهوره والقرب والبعد امران اضافيان يتعددان ويختلفان ويختلف التوحيد باختلافهما الى ان بلغ ( يبلغ خ ) الامر الى ان النملة تزعم ان لله زبانيتين لما رأتهما كمالا لما اتصف بهما فاختلاف مراتب التوحيد بعدد مراتب الخلايق بل بعدد انفاسهم اذ في كل نفس يتجلي الحق للخلق غير ما تجلي له في النفس الآخر وهو معنى قولهم ان الله لا يتجلي في صورة مرتين كما لا يخفى على الفطن العارف ولذا يقولون الطرق الى الله بعدد انفاس الخلايق فيكون لا اله الا الله خاصا لكل فرد من افراد الموجودات وقد يكون من قول لا اله الا الله شركا بالنظر الى الموجود الاقرب وتوحيدا خالصا ( خاصا خ ) بالنظر الى القائل ولذا قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم والملائكة هم (خ) الملائكة العالون وحملة العرش والملائكة الكروبيون واولوا العلم الانبياء والمرسلون والمؤمنون والحقيقة الانسانية والحقيقة البهيمية والحقيقة النباتية والحقيقة الجمادية وكلها اولوا العلم بالله تعالى ومسبحون بحمده والتسبيح فرع العلم به قال تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولذا قيل بالفارسية :

دانش حق ذوات را فطري است دانش دانش است كان فكري است

فشهادة الحق لذاته تعالى بالوحدانية هو التوحيد الخالص الصرف اللايق بجناب قدسه في الازل لا يعلم كيف ذلك ولا يدري ما هنالك الطريق مسدود والطلب مردود وخير الخليقة اعترف بالعجز عن البلوغ الى هذه المرتبة حيث قال انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وليس ثناء اعظم من الاعتراف له بالوحدانية فلا يقدر احد لتوحيده تعالى كما يوحد نفسه ولذا افرده في الذكر وقدم شهادته على نفسه بالوحدانية ولذا قيل في هذا المقام ان شهادة الحق للحق حق وشهادته للخلق رسم كما سيأتي ان شاء الله فيكون قوله لا اله الا الله خاصا بالله سبحانه على الحقيقة لا يشرك معه احد في هذا التوحيد ثم دونه اي تحت الازل وفوق جميع مراتب الامكان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ( صلوات الله وسلامه عليها خ ) فتوحيده اتم التوحيدات واعلاها واشرفها لكونها اول مظهر للذات باول ظهور الذي هو نفس الظاهر فاتحد الظهور والظاهر والمظهر فيه صلى الله عليه وآله فظهر الحق له به نفسه بدون توسط شيء سوى نفسه فله مقام في التوحيد لم يبلغه احد من الموجودات الامكانية والاعيانية لكن توحيده بالنسبة الى توحيده الحق تعالى ناقص بل شرك اما بالنسبة الى مرتبة الموجودات الامكانية اعلاها واشرفها واتمها قد رضي الله عنه بهذا التوحيد ولذا جعله رسولا على وحييه الوجودي والتشريعي الله اعلم حيث يجعل رسالته وامينا على امره ومطلعا على سره صلى الله عليه وآله ثم رتبة عليّ عليه السلام ولذا قال مخاطبا لعلي عليه السلام ما عرف الله الا انا وانت لكونهما واولادهما الطاهرين ( من خ ) حقيقة واحدة فلا اله الا الذي يقولها رسول الله (ص) دون لا اله الا الله الذي يقولها الله سبحانه ثم دونه اي تحت رتبة الحقيقة المحمدية رتبة الملائكة (خ) العالين الذين ماسجدوا لآدم حين امرت الملائكة بالسجود قال تعالى لابليس لما استكبر عن سجود آدم أستكبرت ام كنت من العالين فثبت ان الملائكة العالين ماسجدوا لآدم وهم حملة العرش الذي هو تمام الوجود لان الوجود بحذافيره انما يستمد منهم وهم اربعة كل منهم موكل على ركن من اركان العرش والملائكة الاربعة تستمد منهم فميكائيل يستمد من ( الملك خ ) الموكل بركن ( بالركن خ ) الايمن الاعلى من العرش واسرافيل يستمد من الملك الموكل بركن ( بالركن خ ) الايمن الاسفل من العرش وعزرائيل يستمد من الملك الموكل بركن ( بالركن خ ) الايسر الاعلى من العرش وجبرئيل يستمد من الملك الموكل بركن ( بالركن خ ) الايسر الاسفل من العرش ومن اجل ان الموجودات كلها تستمد من تلك الملائكة العالين فهم اقرب الى المبدأ بالنسبة الى الجميع وظهور الحق تعالى لهم اعلى واتم من الجميع بل ظهوره تعالى للجميع بفاضل ظهوره لهم فمقامهم في التوحيد اعلى واشرف من كل المراتب الاعيانية سوى مقام الحقيقة المحمدية فان ظهور الحق لهم بتوسط ظهوره لمحمد صلى الله عليه وآله فلا اله الا الله الذي يقولها تلك الملائكة اعلى واشرف من كل الموجودات ودون لا اله الا الله الذي يقولها النبي صلى الله عليه وآله ثم دونهم رتبة الملائكة الكروبيين وهم قوم من شيعة محمد صلى الله عليه وآله تحت العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر بواحد منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا وهم ارباب الانبياء بالله قال الله تعالى فلما تجلى للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلهم مقام في التوحيد لم يبلغه احد مما تحتهم من الانبياء والمرسلين والمؤمنين الممتحنين وما تحتهم من الحيوانات والنباتات والجمادات فلا اله الا الله الذي يقولها هؤلاء الاخيار تحت لا اله الا الله الذي يقولها الملائكة العالون ومحمد صلى الله عليه وآله وفوق لا اله الا الله الذي يقولها جميع الموجودات ثم دونهم رتبة الانبياء فمقامهم في التوحيد تحت مقام الكروبيين وفوق جميع المراتب التحتية لان الله تجلي لهم بتجليه للكروبيين وتجلي للكروبيين بتجليه للعالين وتجلي للعالين بتجليه للحقيقة المقدسة النبوية (ص) فهي قطب الوجود وعليه مدار الوجود واليه كل شيء يعود فلا اله الا الله الذي لهم تحت لا اله الا الله الذي لما فوقهم وفوق لا اله الا الله الذي لما تحتهم هذا لهم بالاجمال ولهم ايضا مقامات ودرجات ومراتب في التوحيد تختلف بحسب اختلاف تجليات الحق لهم فلكل واحد ذكر خاص من لا اله الا الله لا يشارك ( لا يشاركه خ ) معه سواه وترتيبهم في درجاتهم مثل ترتيب الاشعة المستمدة من السراج في مقاماتهم ودرجاتهم وليس هذا الترتيب ترتيب العلية والمعلولية بل ترتيبهم ترتيب التقدم والتأخر ومجموع الاشعة علة للاظلة لا واحدا واحدا من افرادها وكذا الانبياء علة لما تحتهم من المؤمنين والمسلمين والمنكرين والكافرين لكن بتمامهم لا واحدا واحدا منهم كما لا يخفى فحينئذ تعرف معنى ما ورد في الدعاء لا اله الا الله آدم صفي الله لا اله الا الله نوح نبي الله لا اله الا الله ابرهيم خليل الله لا اله الا الله موسى كليم الله لا اله الا الله عيسى روح الله لا اله الا الله محمد حبيب الله الدعاء وسر هذا الترتيب من ادراج نبينا (ص) في درجات الانبياء تعرف من الحديث المروي ان نور نبينا (ص) لما اتم السباحة في الابحر الاثني عشر بحر المحبة بحر القدرة بحر العظمة بحر الجلال بحر الكمال بحر العزة بحر الرفعة بحر الجمال الى آخر الابحر (خ) قطر منه مائة واربعة وعشرون الف قطرة خلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء ونبينا صلوات الله عليهم منهم وهو سر الترتيب والادراج فافهم ثم دون رتبة الانبياء رتبة الانسان الذي هو من فاضل الانبياء فلا اله الا الله الذي يقولها خاص بهم وهو تحت توحيد الانبياء وفوق توحيد الحيوانات هذا بالاجمال ولهم مقامات في لا اله الا الله لا يحصى عددها الا الله وكذا الكلام في البهائم والنباتات والجمادات وكلها اولوا العلم شاهدون لله تعالى بالوحدانية كل في مقامه ومرتبته (خ) لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون وهذا سر اختلاف التوحيد بالاجمال واذا اردت ان تعرف حقيقة الامر في هذه المسألة قابل مرايا متعددة مختلفة مرتبة ( مترتبة خ ) فترى في المرآة الاولى صورتك وحدها وفي المرآة الثانية صورتين ومرآة وفي المرآة الثالثة ثلاث صور ومرآتين وهكذا الى آخر المراتب والمرايا ويبلغ الامر الى ان يعوج صورتك وتصغر لكثرة الصور والمرايا تأمل في معرفة هذه الصور اياك مع ملاحظة ان الشيء لا يتجاوز ( عن خ ) مبدئه ولا يقرأ الا حروف نفسه فكل هذه الصور توحدك على اختلاف مراتبهم وتفاوت معارجهم ودرجاتهم فتوحيد الصورة التي في المرآة الاخيرة (خ) شرك بالنسبة الى الصورة ( في المرآة خ ) التي فوقها وتوحيد بالنسبة اليها لانها وسعها ( وطاقتها ولا يقدر على غيرها والله لا يكلف نفسا الا وسعها خ ) واذا كانت المرايا متعددة مترتبة فلا يمكن ان يتجلي في المرآة التي في التحت الا بتوسط تجليه في المرآة التي في الفوق وهكذا يترقى الى ان يصل الى المرآة التي ( انت خ ) قابلتها بلا توسط مرآة اخرى (خ) سوى نفسها وليس فيها الا صورتك وحدها فمعرفة تلك الصورة اياك اعلى واشرف من جميع الصور التي في المرايا التحتية فكل توحيد هذه الصورة شرك بالنسبة الى توحيد تلك الصورة العالية الشريفة ولكن معرفتها بالنسبة الى معرفتك ناقصة وتوحيدها بالنسبة الى توحيدك نفسك شرك لان توحيدها ظهور ورسم وتجلى على ما هي عليه لا على ما انت عليه وان كانت المرآة مستقيمة غير معوجة فكل هذه المراتب يقولون لا اله الا الله لكن كلا في مقامه ومرتبته ولا يليق كل شيء منها بجلال قدسه سوى توحيده نفسه ولهذا نزه نفسه عن كل توحيد لكل شخص ولكل وصف لكل فرد من افراد الموجودات حيث قال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وهنا كلام ذكرناه في رسالتنا مقامات العارفين من اراد الاطلاع فليطلبها فان فيه غنية للطالب السالك الى الله تعالى الى هنا انقطع الكلام عن المطلب الاول ( فان ما فيه غنية ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد خير المرسلين وعلى آله واصحابه الاكرمين خ ) والحمد لله رب العالمين

الثاني في تقسيم التوحيد تقسيما اوليا اعلم انه يجب علينا ان نوحد الله جل جلاله توحيدا كاملا صحيحا تاما بحيث لا يشوبه شرك اصلا وهو لا يتحقق الا اذا وحدنا الحق سبحانه في اربع مراتب الاول توحيد الذات قال الله تعالى لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد ومعنى التوحيد الذاتي هو ان توحد ذات الحق تعالى عن الشريك له في الذات كما صرح به تعالى وتقطع النظر عن كل شيء سواه الثاني توحيد الصفات قال تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهذا التوحيد له معنيان : احدهما ان الله تعالى واحد متفرد في صفاته لا يشرك معه فيها احد لا في صفاته الذاتية ولا الفعلية فلا تقول الله عالم وزيد عالم وصدق العالمية عليهما بالاشتراك المعنوي وكذا الله موجود وزيد موجود والا لكان له شريك في صفاته فان الوجود حقيقة واحدة فيهما تعالى ربي وتقدس عن ذلك علوا كبيرا وثانيهما انه ليس في الوجود سوى صفة الله سبحانه واسمه اذ كلما في الوجود سوى الله تعالى ممكن وكل ممكن محدث بالله وكل محدث صفة المحدث واسمه المنبئ عن صفاته وآثاره كما لا يخفى وهذا معنى عال شريف في غاية المتانة واليه الاشارة في الدعاء لا يرى ( فيه خ ) نور الا نورك وقال عليه السلام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله او معه كما لا يخفى على الفطن العارف الثالث توحيد العبادة كما قال تعالى ومن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ومعنى ذلك ان المخلوق لا يفعل ما يخالف رضي الله ولا يشرك في عبادته احدا اذ لو فعل ما يخالف رضي الله فقد فعل ما يوافق هواه فقد اتخذه الها من دون الله ولذا قال تعالى أفرأيت من اتخذ الهه هويه وكذا المرائي مشرك وهنا تفصيل سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى العبادة هو فعل ما يرضي الله سبحانه والعبودية هي رضي ما يفعل وهذه قواعد كلية قس عليها جزئياتها كما لا يخفى على العارف الكامل الرابع توحيد الافعال وهو ان يعتقد ( تعتقد خ ) ان الفاعل في الوجود واحد وهو الله سبحانه قال تعالى هل من خالق غير الله قل الله خالق كل شيء فاعبدوه ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات والعارف يرى هذا المعنى بعين المشاهدة والعيان ويرى ان لا مؤثر في الوجود الا الله ولا فاعل الا هو لكن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء عمن ناجاه واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وبين ذلك العالم في الدعاء حيث قال اللهم اني ادعوك كما امرتني فاستجب لي كما وعدتني فهو معطي الفيض والقوة والاستعداد لا على نهج الجبر بل بمقتضى القابلية ولكن لا يعرف هذا المطلب الا من اطلعه على مكنون علمه ومخزون سره وسئل العالم (ع) عنه قال سر الله فلا تهتكه وسئل ثانيا قال بحر عميق فلا تلجه فهمك الله وايانا مكنون علمه بالنبي وآله الطاهرين ولقد كتبت في الرسالة الرشيدية هذا التوحيد على اكمل وجه واتم بيان من اراد الاطلاع عليه فليطلبها فيرى فيه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

هذا هو الذي ذكره العلماء من اهل الظاهر ( الباطن خ ) اما الفقير فعندي ولا قوة الا بالله ان التوحيد شيء واحد وكل واحد من هذه المراتب يشمل المراتب الاخر وهذه التفاصيل من جهة تكثير الالفاظ واما الحقيقة فتوحيد الذات ان كان الشخص صادقا في هذا التوحيد يستلزم التوحيدات الاخر وكذا في توحيد العبادة وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال فالموحد حين التوحيد لا يرى هذه الامور ولا يلتفت الى هذه الكثرات والا لماوحد فان التوحيد ينافي الاثنينية وهذا معلوم لمن له قلب او القى السمع وهو شهيد فاذا ضربت المراتب المختلفة التي في التوحيد باعتبار الموحدين في هذه الاربعة لان في كل مرتبة من المراتب لا بد وان يكون هذه المراتب والا كان ( لكان خ ) التوحيد ناقصا وتلك المراتب ثمانية الاول مقام الحقيقة المحمدية صلوات الله عليه وآله الثاني مقام الملائكة العالين حملة العرش الثالث مقام الملائكة الكروبيين الرابع مقام الانبياء الخامس مقام الانسان السادس مقام الحيوان من البهائم والسابع مقام النباتات والثامن مقام الجمادات فاذا ضربت يكون الحاصل اثنين وثلاثين فاستخرج كلها من هذا الشكل ( وفقك الله خ ) وهذه المراتب لكل مقام من هذه المقامات الا ان في البعض من حيث يشعر وفي البعض من حيث لا يشعر كما فصلنا ( وحققنا خ ) في هذا الشكل ( وهو هذا خ )

27

الثالث في تقسيمه ثانيا اعلم انك قد عرفت مما سبق من كلامنا ان مراتب التوحيد مختلفة متعددة فاعلم انه تجمع كل هذه المراتب مرتبتان من التوحيد :

المرتبة الاولى التوحيد الذاتي وهو توحيد الحق سبحانه نفسه وشهادته له بالوحدانية في الذات والصفات والافعال كما قال شهد الله انه لا اله الا هو وهذا التوحيد خاص لله سبحانه القديم الازل الفرد القيوم لا يشركه احد في هذا ولا يبلغه موجود من الموجودات الامكانية والاعيانية اياك اياك وان تتوهم من كلامنا مغايرة الموحد والموحد وتعدد المراتب في الذات والصفات حاشا وكلا في ذلك المقام التوحيد والموحد والموحد والمراتب من الذات والصفات كلها واحد لا اختلاف فيه ولا تعدد ولا تكثر ولا نعلم كيف ذلك الا انه تعالى المخبر الصادق اخبر عن نفسه في كلامه الحق المبين فنقول به ولولاها لمانعرف توحيده وصفاته كيف ونحن في الامكان وهو في الازل نحن منقطعون عنه انقطاع العلة عن المعلول قال ونعما قال :

ندارد ممكن از واجب نمونه چگونه داندش آخر چگونه

وقد قال ابن ابي الحديد في هذا المقام ( كلاما ما احسنه واطيبه قال خ ) :

فيك يا اغلوطة القدر تاه (خ) فكري وانقضى عمري

سافرت فيك العقول فما ربحت الا اذى السفر

رجعت حسرى فما وقفت لا على عين ولا اثر

فلحى الله الاولى زعموا انك المعلوم بالنظر

وقال ايضا :

فيك يا اعجوبة الكون غدا الفكر عليلا

انت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا

كلما اقبل فكري فيك شبرا فر ميلا

وبالجملة الطريق الى هذا التوحيد مسدود فنقطع الكلام عنه لان المتكلم لا يزداد الا تحيرا وضلالا

المرتبة الثانية التوحيد الصفاتي وحيث لم يتيسر لنا ادراك ذاته ومعرفة كنه صفاته وخلقنا للمعرفة ( لاجل المعرفة خ ) والحكيم لا يفعل عبثا تجلى لنا بصفة من صفاته واشرق علينا بنور من انواره وظهر لنا بظهور من ظهوراته فعرفناه بصفاته وعلمناه بتجلياته وفي كل تجلي ظهر اسم من اسمائه وفي كل ظهور واشراق برزت صفة من صفاته توجهنا بها اليه ودعونا بها اياه لقوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ولما لم يكن لتجليه غاية ولا لظهوره نهاية كان في كل نفس من الانفاس لعبده ظهور غير ما كان للنفس الآخر وفي كل ظهور توحيد خاص به فتعددت مراتب التوحيد بتعدد انفاس الخلايق بل اكثر وكلها صفات تعرف الحق للخلق بالخلق ولما كانت للشخص الواحد مراتب ومقامات هو متوقف عليها كمقام (خ) العقل والنفس والجسم وامثال ذلك كان ظهور الحق له بحسب تلك المرتبة لان الشخص في تلك المرتبة مرآة لظهور الحق فيشرق شمس الظهور في تلك المرآة بحسبها لا بحسبها

ولما كانت كليات مراتب الانسانية منحصرة في اربع مراتب الاولى مقام الحقيقة والذات التي هي حرف ( صرف خ‌ل ) الظهور والوجود بدون التقييد بقيد والتحديد بحدود خاصة وعامة وهي المجردة عن المادة العقلية والنفسية والجسمية ومدتهما وعن الصورة الجزئية ( الجبروتية وخ ) الملكوتية والملكية وهي لا اسم لها ولا رسم ولا عبارة لها ولا اشارة اليها وهو الاشراق الكلي والتجلي العام والظهور التام الثانية مقام العقول والجبروت وهو اول تعين الوجود واول تحدده بالحدود المعنوية وهو اقرب الاشياء الى المبدأ جوهرة بسيطة دراكة للاشياء بذاتها المجردة عن المادة الرقاقية والنفسية والمثالية والجسمية والمدة البرزخية والزمانية والصورة النفسية والجسمية مادتها النور المشرق عن ( من خ ) صبح الازل وصورتها القيام اي البساطة اي الرضا والتسليم وفعلها ادراك المعاني المجردة وطبعها البرودة والرطوبة ولونها البياض الثالثة مقام الصورة وعالم الكثرة ومحل التميز ومعدن التشخص والتعدد واللوح المحفوظ والكتاب المسطور وثاني تعين الوجود والمتحدد بالحدود جوهرة بسيطة دراكة للاشياء الصورية المجردة عن المادة المثالية والجسمية وعن مدتيهما مادتها النور المشرق من صبح الازل وصورتها الانبساط والاضطجاع وفعلها ادراك الصورة المجردة وطبعها الحرارة والرطوبة ولونها الخضرة لاختلاط طبع ظاهرها بظهور طبع باطنها كما لا يخفى الرابعة مقام الجسم وعالم الملك والشهادة جوهرة مركبة من العناصر الاربعة النار والهواء والماء والارض المقارنة بالمادة العنصرية والمدة الزمانية مادتها العناصر وصورتها الركود والانخفاض وهو سر كسر الميم في بسم الله الرحمن الرحيم وفعلها طلب الشهوة والتكبر والتغرر والادعاء وطبعها طبع الموت البرودة واليبوسة لانها مظهر اسم الله المميت ولونها السواد كالليل الدامس ظهر الحق سبحانه في كل هذه المراتب بحسبها واستعدادها وقابليتها ففي المرتبة الاولى هي نفس التجلي وفي الثانية اول تعين التجلي وفي المرتبة الثالثة ثاني تعينه لكنه محدود ومصور ومضيق عالمه وما هو واسع بوسعة العالم الاول اي الثاني اول التعين وفي المرتبة الرابعة ظهوره قليل وهو مقام ( مرتبة خ ) الجماد وذكرنا حاله في الشكل والانسان بعد نزوله وصعوده يترقى في هذه المراتب الى ان يصل الى مبدئه ومعاده وهو صرف الظهور والتجلي وفي كل منزل من هذه المنازل التي يتوقف فيه في سيره الى الله الذي هو السفر من الخلق الى الحق يرى ظهورا ويشاهد حالا ويوحد الحق تعالى بتوحيده تسمى ( بتوحيد مسمى خ ) باسم وكلما يترقى يرى انه في حالته الاولى كان في الشرك لان ذلك التوصيف الذي كان يصف الله تعالى به كان شركا ما كان لايقا بجلال قدسه كتوصيف النملة له تعالى بالزبانيتين فان هذا التوصيف عندنا شرك وكفر حتّى اذا بلغ الى مقام حقيقة المعرفة وغاية المحبة وهو مقام السفر في الحق بالحق يرى ( من الحق الى الحق اي خ ) كل هذه التوحيدات توحيد في مقامه وشرك في المقام الاعلى بحيث لو اعتقد السافل ما اعتقد العالي لكفر ولو اعتقد العالي ما اعتقد السافل لكفر وهو سر قوله عليه السلام لو عمل ابو ذر عمل سلمان لكفر ولو عمل سلمان عمل ابي ‌ذر لكفر ولذا قيل بالفارسية :

هر مرتبه وجود حكمي دارد گر حفظ مراتب نكني زنديقي

واذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان اول مراتب التوحيد توحيد العبادة وهو اول مقام السالكين ومقدمة سفر المسافرين وقد ظهر الحق تعالى للشخص الواقف في هذا المقام بصفة المعبودية وهم يوحدون المعبود وينزهونه ويقدسونه عن النقايص والعيوب ويقيمون الدليل على ذلك على ما نطق به ظاهر الكتاب والسنة ودل عليه الدليل العقلي الظاهري القشري ويوحدون معبودهم في ( مقام خ ) الذات والصفات والافعال والعبادة ولا يلتفتون الى حقيقة الامر ولا يعرفون كنه التوحيد وهم العوام من اهل الصورة اي الترب المؤصدة ومن الذين اراد الله بهم خيرا ولا يجوز القاء الشكوك والشبه ( الشبهات خ ) على هؤلاء لعدم معرفتهم بالجواب فيفسد عليهم امرهم ودينهم فاذا كان هذا الموحد مواظبا بالاعمال الصالحات وهي بمنزلة القاء النار على الماء بعد ما غمرت ( عصرت خ ) الشجرة الطورية واخذت مائها وصفيتها بالتقطير والتعفين فتلقي النار التي هي الماء على الماء الذي هو الثفل وتكرر التعفين والتقطير الى ان انحلت نصف اليبوسة فاذا وصل السالك الى هذا المقام يترقى الى المرتبة الثانية وهي توحيد الذات وهو المنزل الاول من منازل المسافر وهم العوام اي اللب من القشر اي اهل الصورة المجردة عن المادة العنصرية واهل هذه المرتبة يوحدون الحق عز وجل بملاحظتهم في الآفاق والانفس وتلاوتهم كتاب الله التكويني فتحصل لهم المعرفة على بصيرة من امرهم قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق وقال ( مولانا خ ) الحسين عليه السلام في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتّى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وهذه الكلمات في الظاهر لاهل هذه المرتبة وان كان في الباطن اشارة الى مراتب اخر اعلى من هذه المراتب بمراتب على ما سيجيء ان شاء الله تعالى

ان قلت كيف يكون تلاوة كتاب الآفاق والانفس حاصلا لاهل هذه المرتبة مع ان دليل الحكمة الذي لاهل العرفان البالغين الى مقام المحبة وغاية المعرفة مستنبط من ملاحظة الكتاب الآفاقي والانفسي فكيف التوفيق قلت اما اولا فلان اهل الحقيقة المستدلين بدليل الحكمة ليس نظرهم في الآفاق والانفس نظر الكثرة مثل اهل هذه المرتبة بل نظرهم نظر الوحدة والبساطة ونظر هؤلاء نظر الكثرة والاختلاف والتعدد فاختلف النظران واما ثانيا فلان اهل الحقيقة المستدلين بدليل الحكمة الناظرين في الآفاق والانفس ينزلون عند الملاحظة الى تلك المرتبة وان كانت لهم مراتب فوقها فان العالي قد يتنزل الى السافل كما تنزل العالم (ع) الى مقام الحمامة وتكلم معها كتكلمها ولا نقص في ذلك للعالي (خ) بل هو عين الكمال لكونه مراتب الجلال والجمال فاذا لم يقف السالك في هذا المقام ولم تشغله ملاحظة الكثرة عن ملاحظة الوحدة وواظب على الاعمال الصالحات التي هي القاء النار على الماء بعد انحلال اليبوسة ويكرر التعفين والتقطير الى ان انحلت نصف اليبوسة فاذا وصل بالاعمال الى هذا المقام الذي هو مقام الاطمينان بل الكمال فتقلب ( فينقلب خ ) النار ماءا والماء نارا فترقى ( فيترقى الى خ ) المرتبة الثالثة وهي مقام التوحيد الشهودي وفي هذا المقام ظهر الحق للخلق في قلبه بحيث ملأ جميع فضاء قلبه فلا يرى الا الله ويرى الاشياء مضمحلة باطلة وقد قال في هذا المقام العالم باسرار المبدأ والمعاد الهي ما اقربك مني وابعدني عنك وما ارئفك بي فما الذي يحجبني عنك الهي علمت باختلاف الآثار وتنقلات الاطوار ان مرادك مني ان تتعرف الى في كل شيء حتّى لا اجهلك في شيء الهي كلما اخرسني لؤمي انطقني كرمك الى ان قال كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك متى غبت حتّى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليه رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا الدعاء اول هذا المقام مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه وآخره مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله واهل هذا المقام انهم يستدلون على الخلق بالحق بخلاف المقام الثاني فانهم كانوا يستدلون على الحق بالخلق ويقولون ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به وهذا المقام كثير الاخطار والحيات والعقارب فيها ظلمات ورعد وبرق ولقد استوفينا ( بيانه خ ) في شرحنا على ( شرح خ ) الزيارة للاستاد دام ظله العالي اطلب لتجد فيه ما لم يذكره ( واحد خ ) من العلماء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وهذا المقام مع اختلاف مراتبه تجمعها مرتبتان (خ) كما ذكرنا وهو مقام المادة التي يلقى عليها اربعة امثالها من الماء ليكون نقطة وستة امثالها من الماء ليكون شجرة ثم يوضع على النار على القدر المعين عندهم ليخرج منه المياه الاربعة المعلومة فاذا واظب الشخص بالمراقبة ولم يقف في ذلك المقام وخلص عن حياته وعقاربه يترقى الى المرتبة الرابعة وهي مقام التوحيد الحقيقي وهو المنزل وهو مقام (خ) الفناء والصحو والسكر والوجود والعدم ومقام نحن هو وهو نحن ومقام السفر بالحق في الحق ومقام الجمع وجمع الجمع ومقام المحبة والمعلوم والجلال والسر والنور المشرق عن صبح الازل والصبح الطالع منتهى آمال العارفين غاية مطلب الطالبين وليس هذا المقام مقام الكلام ولا الاشارة ولا العبارة وهنا محل اتحاد المحبة والمحب والمحبوب والتجلي والمتجلي والمتجلى له والظاهر والمظهر والظهور والوصف والموصوف والصفة بلا ملاحظة المحبة وقطع النظر عن كل وصف واسم المحبة حجاب بين المحب والمحبوب والذي نفسي بيده ما اقدر ان اصف هذا المقام بالعبارة والكلام لانه ليس بمكان العبارة وبمحل الاشارة وهو بحر قد غرقت فيه سفن كثيرة (خ) وما وصلوا الساحل وقد ذكر الشيخ عبد الله بن القاسم السهروردي في قصيدة له احوال هذا المقام والسالكين اليه وهي طويلة نذكر هنا بعضا منها الى ان قال مخاطبا لاهل هذا المقام :

جئت كي اصطلي فهل الى ناركم هذه الغداة سبيل

فاجابت شواهد الحال عنهم كل حد من دونها مغلول

لا تروقنك الرياض الانيقات فمن دونها ربي ووحول

كم اتيها قوم على غرة منها وراموا امرا فعز الوصول

وقفوا شاخصين حتّى اذا ما لاح للوصل غرة وحجول

وبدت راية الوفا بيد الوجد ونادى اهل الحقايق جولوا

اين من كان يدعينا فهذا اليوم فيه صبغ الدعاوي يحول

حملوا حملة الفحول ولا يسرع يوم اللقاء الا الفحول

بذلوا انفسا سخت حين شحت بوصال واستصغر المبذول

ثم غابوا من بعد ما اقتحموها بين امواجها وجائت سيول

قذفتهم الى الرسوم فكل دمعه في طلولها مطلول

نارنا هذه تضيء لمن يسري بليل لكنها لا تنيل

منتهي الحظ ما تزود منها للحظ والمدركون ذاك قليل

جاءها من عرفت يبغي (خ) اقتباسا وله البسط والمنى والسؤل

وتعالت عن المنال وعزت عن دنو اليه وهو رسول

فوقفنا كما عهدت حيارى كل عزم من دونها مخذول

فارفع الوقت بالرجاء وناهيك بقلب غذاؤه التعليل

كلما ذاق كأس يأس مرير جاء كأس من الرجاء معسول

فاذا سولت له النفس امرا حيد عنه وقيل صبر جميل

هذه حالنا وما وصل العلم اليه وكل حال تحول

هذا (خ) الذي ذكره في هذه القصيدة رمز من احوال هذا المقام ولا يعرف حقيقة الامر في هذا التوحيد الا من وصل اليه ولذا قيل من لم يذق لم يدر لان هذا المقام هو مقام الظهور الصرف والتجلي المحض الذي لا يشوبه شيء من احوال الخلق من التقييد والتعيين والتحديد فكلما يسمع ويعرف ويقال ويعبر ويشار اليه بنحو من القيود وهذا المقام مبرء عن كل قيد وتعين فلا يمكن ان يعبر ( يبين خ ) ويعرف الا به وهذا التجلي هو حقيقة الشخص من ربه ولما كان هو ظهور الرب عز وجل فيكون لكل موجود من الموجودات على حسب قابليته وفي كل مرتبة من هذه المراتب يجب ان يوحد الحق تعالى في المراتب الاربع توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد العبادة وتوحيد الافعال واذا ضربت الاربعة في الاربعة يكون ست‌عشر واذا ضربت الاثنين والثلثين المذكور في الشكل المزبور في هذه الاربعة يكون الحاصل مائة وثمانية وعشرين (خ) اما شكل ضرب الاول فهذه وقفنا واياك صراط المستقيم ( الاول فهو هذا وفقك الله وايانا بحق ساداتنا وموالينا وهذا الشكل خ ) 5 وهذه الامور التي ذكرنا لك كلا اوصاف الشخص في تلك المرتبة المعينة وان كان كلها توحيدا لكنها مختلفة المراتب كما عرفت مما ذكرنا في هذا الشكل والا فكل موجود من الموجودات في كل حال من احوالهم شاهد صدق على ربهم بالاولوهية والوحدانية كما يراه العارف عيانا ويجده وجدانا ويحس به احساسا

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلناو ان لم يكن فهم فتأخذه عنا

واعلم ان المراتب الثمانية المذكورة في الشكل الاول لا تجري عليها هذه المراتب من التوحيد اي الحقيقي والشهودي والذاتي والعبادتي ( الشهودي والعياني خ ) وتجري عليها تلك المراتب الاولية اي توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة ويعرف هذه المراتب في هذا الشكل فافهم ( وتعرف تفاصيل تلك المراتب من هذا الشكل فافهم وتأمل وفقك الله واخواننا المؤمنين للفهم والتعلم بحق ساداتنا الابرار وهذا هو

الشكل خ ) 106

اعلم ان في هذه المراتب ترتيب وتفصيل قد فتح الله تعالى على هذا الفقير الحقير من دون قابلية واستحقاق باب فهمه والحمد لله رب العالمين وما كتبته هنا لعدم احتمال الناس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اقول بلسان حالي ومقالي :

كلما قلت قد اعتق الشكر رقي جعلتني لك المكارم عبدا

اين مهل الزمان حتّى اؤدي شكر احسانك الذي لا يؤدى

فلنقطع الكلام عن بيان مراتب التوحيد لانه بحر عميق طويل عريض قد غرقت فيه السفن وكلت عن بيانه ( نيله خ ) الالسن الواصل يعرفه والسالك يطلبه والساكن يجهله فلا حاجة للواصل والساكن ولا طاقة الا اذا وصل فالاحسن ان نختم الكلام في هذا المقام ونشرع في باطن هذه الكلمة الشريفة

فاقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان لا اله الا الله هو الصراط الموعود في القيمة وهو الولاية الازلية الثانوية التي هي محل ( مجلى خ ) الولاية الازلية الاولية قال الله تعالى هناك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا وما عمل بمقتضى هذه الولاية الا محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته (ع) والا فكل الخلق مقصرون فيها وما عملوا بمقتضاها من لدن آدم الى يوم القيمة لان الولاية هي اصل كل خير لان كل خير من الله تعالى والخير عام يشمل ما يجب ويستحب لاهل الشريعة وما يجب ويستحب لاهل الطريقة وما يجب ويستحب لاهل الحقيقة وما يجب ويستحب للانبياء والمرسلين وما يجب ويستحب للمؤمنين الممتحنين والنهي عن كل شر وهو عام شامل لما يحرم ويكره في المراتب المذكورة وما يخطر من خواطر السوء في التعقل والتصور والتوهم والتخيل وما يحسن من الامور الرذيلة في الملك ومقابلاتها في المراتب المذكورة فاذا ارتكب جميع الخيرات من الواجبات والمستحبات وانتهى عن جميع الشرور من المكروهات والمحرمات في جميع المراتب فقد قال لا اله الا الله حقا وصدقا والا فقد استكبر في هذا القول وتردد في الولاية ويدخل في زمرة قوله تعالى انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون وذلك لان الشخص اذا علم ان الشيء الفلاني هو الحق والخير وفيه رضاء الله وان كان مستحبا لا عقاب في تركه ومع ذلك عدل عنه ومافعله او فعل غيره سواء كان فعل الغير فيه ثواب اقل من ثواب الاول ام ما فيه ثواب ابدا فقد استكبر في قول لا اله الا الله لان العدول عنه ليس الا من جهة متابعة النفس فقد اطاع النفس واتخذه الها من دون الله ولذا قال تعالى أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وقال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وقال النبي (ص) الشرك في هذه الامة له دبيب اخفى من دبيب النملة السوداء في ( على خ ) الصخرة الصماء ان يعقوب (ع) تردد في الولاية لما جاء اخوان يوسف وطلبوه منه وقال انني ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون ويوسف تردد فيها لما ان نظر الى المرآة ورأى صورته في كمال الحسن والجمال قال اني لو كنت عبدا كم كان ثمني ولما ان قال اذكرني عند ربك ويونس (ع) تردد فيها لما ان دعى على قومه وغضب عليهم لله تعالى والتمس منه روبيل ان يستغفر لهم ويرحمهم ولا يهلكهم وما قبل التماسه وبعد ما رد عن (خ) قومه العذاب ومانزل عليهم بعد ما نزل على رأسهم وضجوا وبكوا واستغفروا وندموا وتابوا الى الله سبحانه وهو ارحم الراحمين رؤف بعباده عطوف عليهم رد عنهم العذاب قال يونس لقد كذبني الوحي لما ان وعده الله تعالى ياتي ( بانزال خ ) العذاب على قومه في يوم اربعاء عند العصر لكنه قد استثنى جبرئيل وقال الا ان يشاء الله وانزل الله تعالى عليهم العذاب لكنه تعالى ما وعده الهلاك واخبر قصته في القرآن وذاالنون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وايوب لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم قال تعالى أتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته له بالتسليم له ( عليه خ ) بامرة المؤمنين وانت تقول هذا امر عظيم وخطب جسيم ثم ادركته السعادة بالولي لما اقر بولايته وداود لما قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض وآدم (ع) لما اكل تلك الشجرة المنهية وبالجملة ما ابتلي نبي من الانبياء ولا ولي من الاولياء الا وقد تردد في ولاية الولي وقد عرفت معناه يعني حسنات الابرار سيئات المقربين وليس معنى التردد والشك عدم العلم بولاية الولي وحقيقتها والجهل به وبها معاذ الله عن ذلك والا لكفروا والانبياء اجل شأنا واكرم مقاما عن ذلك بل معناه كما عرفت من فعل ما لا ينبغي فعله فاذا كان الانبياء المؤيدين بروح القدس حالهم هكذا على ما سمعت فما ظنك بك وامثالك نعوذ بالله من غضب الله اللهم صل على محمد وآل محمد وثبتنا على الولاية واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال تعالى في حق المنكرين لحق الولي بالاصالة وتابعيهم بالتبعة انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون فيدخل فيها اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة وكلما يخالف الطريقة الحقة وكذا العاصون ايضا نستجير بالله من سخط الله فقول لا اله الا الله على الحقيقة والواقع خاص لنبينا محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فالجنة لهم على الحقيقة اذا تفضل الله عليهم والباقون كلا لهم مراتب في الجنان حسب تصديقهم بلا اله الا الله قال عليه السلام من قال لا اله الا الله فقد دخل الجنة كل بحسب مقامه ومرتبته وتصديقه بهذه الكلمة وعدم تصديقهم

واعلم ان كل الموجودات على سبيل العموم يقولون لا اله الا الله ويوحدونه تعالى على الحقيقة وانت اذا كان لك بصر حديد ترى هذا الكلام بعين المشاهدة والعيان ولذا قال (ع) كل سائرون ( صائرون خ ) الى حكمك وامورهم آئلة الى امرك لا اله الا هو له الحكم واليه ترجعون لا يخالف شيئا ( شيء خ ) منها محبتك فكل الموجودات في التصديق الحالي مساوون اما في التصديق المقالي والاعتقادي والجناني مختلفون بعضهم قد غمسوا في بحر الطغيان والكثرة بحيث انكروا الوحدة وقالوا ما من اله واحد بل الآلهة متعددة متكثرة ولهم اولاد من البنين والبنات وقد ماتوا ودفنوا في قبور طبايعهم قال تعالى مخاطبا لهؤلاء الاشرار الهيكم التكاثر حتّى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون اذا كشف عن بصائرهم ويرون ( بصائركم وترون خ ) الامر كما هو قال ونعما ما قال :

برافكن پرده تا معلوم گردد كه ياران ديگري را ميپرستند

وبعضهم عرفوا الحق تعالى بانفسهم نظروا (خ) الى انياتهم ( وتعيناتهم خ ) فقالوا انه جسم فاختلفوا فيه بعضهم قالوا هو على صورة الشاب الامرد وبعضهم قالوا هو ( العرش خ ) محدد الجهات وبعضهم قالوا هو فلك الكرسي الى آخر الاجسام وتحقيق هذا الكلام هو ان الموجودين المكلفين على قسمين قسم عرفوا الله بالله اي عرفوه بانفسهم لا من حيث هي بل من حيث انها صفة لله وهذه الحيثية لا تتحقق (خ) الا اذا كشفوا سبحات الجلال ومحوا الموهوم وهتكوا الاستار والحجب المانعة من مشاهدة الحق وهذا المقام يسمونه بالاحدية وهو مقام الاحدية التي تحت مقام الالوهية ودونها دون دون الجزء بالكل كما لا يخفى وقسم عرفوا الله تعالى بالنظر الى انفسهم من حيث هي ( هي هي خ ) مع ملاحظة الانية والماهية فمنهم من لا يتجاوز عن مقام الجسمية ويرى ان معبوده جسم ومنهم من يتجاوز عنه وقال انه مثال وصورة لان العالم حيوتها بصورته ومنهم من يتجاوز عنه وقال انه مادة العالم لان قوام الشيء بمادته ومنهم من يتجاوز عنه وقال انه طبيعة العالم لانها المدبرة له ( فيه خ ) ومنهم من تجاوز عنه وقال انه روح العالم ونفسه المدبرة له الصورة المجردة عن المادة وهذه المراتب الخمسة دركات الهالكين ومقامات الخاسرين قال تعالى او كظلمات وهو المقام الاول في بحر لُجّيّ يغشاه موج وهو المقام الثاني اي مقام المثال لان ( لانه خ ) الجسم في المثال من فوقه موج وهو المقام الثالث من فوقه سحاب وهو المقام الرابع ظلمات بعضها فوق بعض وهو المقام الخامس لا يهتدي السالك فيها يضل ضلالا بعيدا ويخسر خسرانا مبينا واعلم ان في مقام الصورة عشرين مقاما اعلاها الصورة المجردة وادناها الترب المؤصدة وما بينهما درجات ( دركات خ ) الهالكين الاول النفس والثاني الطبيعة والثالث المادة والرابع المثال والخامس المحدد الجهات فلك الاطلس والسادس فلك الكرسي فلك الثوابت والسابع فلك المنازل والثامن فلك البروج والتاسع فلك زحل (خ) والعاشر فلك المشتري والحادي عشر فلك المريخ والثاني عشر فلك الشمس والثالث‌عشر فلك الزهرة والرابع‌عشر فلك العطارد والخامس‌عشر فلك القمر والسادس‌عشر كرة النار والسابع‌عشر كرة الهواء والثامن‌عشر كرة الماء والتاسع‌عشر كرة التراب والعشرون جسم الكل ولكل من هذه المراتب قائل يعبدها ويقر له بالالوهية والوحدانية اذا نظرت ( في خ ) التواريخ والسنن سيما تفسير الكبير الذي كتبه ملا حسين الكاشفي يظهر لك حقيقة الامر فاذن تعرف عيانا تأويل قوله تعالى ظلمات بعضها فوق بعض اذا اردت منه مقام الجسم بعكس ما ذكرنا من الترتيب والتأويل بالعكس اظهر وابين كما لا يخفى على الفطن العارف ومنهم من تجاوز عن مقام الصورة وقال ان معبوده معنى وهذا ان اشار الى حد معنوي فهو ( فهذا خ ) ايضا كالاولين وان اشار الى معنى غير محدود بالحدود المعنوية فهو موحد لكن توحيده ادنى المراتب واسفل الدرجات وهو تأويل قوله تعالى فيه ظلمات ورعد وبرق وقوله تعالى يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا وهذا المقام آخر مقامات النهاية والتعيين والتقييد واذا تجاوز السالك عن هذا المقام يصل الى مقام اللانهاية واللاتعين واللاتقيد ومقام معرفة النفس لا من حيث هي بل من حيث ظهور الرب وصفة الحق وهذا المقام هو مقام كمال التوحيد والمعرفة وهي ( هو خ ) آخر المراتب واقصى الدرجات من عرفه فقد عرف الله ومن جهله فقد جهل الله هذا منتهى معرفة الوجود المقيد ليس لهم فوقها درجة ولا منزلة ليس وراء عبادان قرية ويسمونه بالدواة الاولى والمداد الاول والنفس الرحماني الثانوي واما الموجودات المطلقة فلهم مقامات في التوحيد كلها مظاهر الحق ومقاماته الاول ظهوره لعبده في النقطة ثم في السراج اي الالف ( في النقطة ثم بالالف اي الرياح خ ) ثم في الحروف اي السحاب المزجي ثم في الكلمة التامة اي السحاب المتراكم فالاولى معرفة الباطن بالنقطة والثانية معرفة الباطن من حيث هو باطن بالنفس الرحماني الاولى ( وخ ) الثالثة معرفة الظاهر بالسحاب المزجي والرابعة معرفة الظاهر من حيث هو ظاهر بالسحاب المتراكم وهذه المراتب هي المقامات والعلامات والآيات التي في الدعاء فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت ( الدعاء خ ) فالمقامات اي مقامات ظهور الحق لعبده في التوحيد خمسة المرتبة الخامسة اعلى مراتب الوجود المقيد والمراتب الاخر في الوجود المطلق لا دخل لها في الوجود المقيد وهي الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره فافهم فان فهمته فانت الموحد الكامل كالكبريت الاحمر فان المولود الفلسفي هو (خ) الموحد ولذا قلنا ان اسمه عبد الله في مقام اياك نعبد فالمجموع احد عشر مرتبة خمس منها نور ونجاة وخمس منها ضلة ( ظلمة خ ) وهلاك وواحد فيه ظلمات ورعد وبرق يكاد يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا وتسمى (خ) هذه المراتب بميادين التوحيد فالساكنون في درجات خمسة الاول يقولون لا اله الا الله بلسان حالهم ولا يقولونها بلسان مقالهم واعتقادهم وان ادعوا كذبوا ولا اعتناء بما يقولون لانهم يقولون ما لا يفعلون يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون اعلم ان لا هو النفي الصريح البات البحت الذي هو شيء اختلفا في ان النفي شيء ام لا قال احدهما انه شيء وقال الآخر انه ليس بشيء فسألا العالم (ع) قال (ع) انه شيء وقل بقول هذا الرجل في هذه المسألة ومعنى شيئيته ما عرفت سابقا من انه بمنزلة اللاشئ ولذا قال تعالى أولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وقال تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ومن المعلوم ان النفي انما يتعلق بالقيد لا المقيد فثبت ان لا نفي وعدم ( والاله ايضا نفي وعدم وخ ) لا اصل له ولا تحقق ولا تذوت بل لاشئ الصرف والليس الساذج والمراد بالاله في هذا المقام كل شيء يقصد سوى الله وينظر اليه اذ كلما سواه اذا كان مقصودا ومنظورا اليه فهو اله سوى الله وشريك له في الوحدانية عند العارفين الموحدين يقول صاحب مقام التوحيد الشهودي :

كل ما في الكون وهم او خيال او عكوس في المرايا او ظلال

يقول صاحب مقام التوحيد الحقيقي الله فحسب ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وقد سمعت ان بعض الموحدين لما حضرته الوفاة حضر عنده اصحابه ( وتلامذته خ ) فقال واحد منهم حين احتضاره لا اله الا الله فاشار بيده ان لا يقول هذه الكلمة ثم قال الله الله فاشار بيده ان يقول لان هذا المقام ليس بمقام النفي بل هو مقام الاثبات اذ ليس سواه ولا موجود غيره ولهذا المعنى يصح لك ان تقول لا موجود الا الله ( وخ ) لا وجود سوى الله فوحدة الوجود بهذا المعنى يصح فكل الاشياء عدم ونفي وليس فقولك لا اله نفي النفي وهو يوجب الاثبات وهو الله وهو مقام الاسم والصفة والوجه والظهور والتجلي والاشراق واللمعان ولولا انه يوجب الاثبات لما عرف الحق ولما علم مجردا عن القيود والتعينات فيصير قولك لا اله الا الله سببا لنفي عالمي الوجوب والامكان ولما ان نفي النفي يوجب الاثبات فيبقي الوجوب عند ازالة الممكنات

چو ممكن گرد امكان برفشاند بجز واجب دگر چيزي نماند

هذا هو معنى ما قال الشاعر :

گر نبودي نفي نفي اثبات در اثبات خويش ( حق خ )

باعث نفي دو عالم ميشد استثناي من

قد اضطربت العقول ( وتشوشت خ ) في معنى هذا البيت وما عرفوا وجه الصواب وهذا الذي ذكرت ما خلج بخاطري الفاتر في حل هذا البيت لكنه اعلى المعاني واشرفها واقويها واعظمها

الى هنا نقطع الكلام عن بيان معنى لا اله الا الله واين الثريا من يد المتناول وهذه الكلمة اشرف واعز من ان يعرف حقيقة ما فيها من الاسرار والعلوم والمعارف هذا الفقير فلنقبض العنان لاني لست من فرسان هذا الميدان ولنشرع في بيان الاسرار المودعة في لفظ هو

فنقول واثقا بالله الملك العلام وجاعلا نفسي هدفا لسهام طعن اغاليط الاوهام ان لفظ هو مخفف لفظ الله وازدياده لانك اذا حذفت الالف من الله يبقى لله فالمعنى لله ملك السموات والارض وما بينهما واذا حذفت اللام مع الالف الثانية يبقى له اي له ما في الوجود المطلق والمقيد واذا حذفت اللام الثانية يبقى الهاء وهو التخفيف واذا اشبعت الهاء يكون هو وهو الازدياد واما سر التخفيف فللتنبيه على بساطة مسماه وتقدسه عن الاعتبارات وعن الملاحظات والاضافات لكونه موضوعا بازاء الهوية الصرفة مع قطع النظر عن تنزله الى مقام وظهور ليظهر اسم الاضافة ولذا قيل ان هو ليس باسم بل هو المسمى مع قطع النظر عن ملاحظة الاسمية واما سر الازدياد فلكونه اخص واعلى من الله اذ يطلق على ما يطلق عليه الله وهو الهوية والله يطلق على الالوهية واين هذا من ذاك فهو اعم الاسماء والصفات فيكون اخصها حتّى من لفظ الله ولذا قدمه الله سبحانه في قوله قل هو الله احد فقدم هو على الله اشعارا بكونه اخص الاسماء والصفات وموضوعا للهوية وقدم الله على الاحدية لكون الله اخص واقدم على الاحدية تقدم الكل على الجزء كما ذكرنا سابقا ولذا قيل انه تمام الاسماء الحسنى لان الاسماء الحسنى تسعة وتسعون فاذا اضفت اليها اسم هو اضافة المنير على ( الى خ ) الشعاع فيتم فيظهر بالجبل المحيط بالدنيا وهو القاف واذا اضفت اليها احد عشر يكون كما قال تعالى هو العلي الكبير بالاشباع (خ) اذا جعلت لفظ هو مبتدأ والعلي الكبير خبره كما قال تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم بدون الاشباع ومعنى هذه الاضافة ان هو كان في مرتبة المسمى احد عشر فاذا تنزل الى مقام الاسماء كان مائة وعشرة وهو قوله تعالى وهو العلي الكبير يعني هو اذا تنزل الى مقام الاسماء كان اسمه العلي الكبير لان عدد العلي يطابق عدد هو بعد تنزله لان الاحاد ( الاحد خ ) اذا تنزل يكون عشرات والعشرات ( عشرة والعشرة خ ) اذا تنزل يكون مآت ( مائة خ ) فلفظ هو احد عشر اذا تنزل كان مائة وعشرة وهو عدد العلي ولذا ورد في الحديث ان الله تعالى اختار لنفسه اسما لغيره يدعوه بها لانه اذا لم يدع باسم لم يعرف فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلى الاسماء (خ) كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم وهو اول اسمائه لانه عليّ على كل شيء والمراد بالله في قوله فمعناه الله هو لفظ الله مع ملاحظة هو فمعني ( فمعناه خ ) الله هو ولفظ ( لفظه خ ) العلي العظيم قال تعالى في هذه الآية الشريفة التي نحن بصدد شرحها ( وتفسيرها خ ) وهو العلي العظيم فهو الاسم الاعظم لاشتماله على جميع مراتب الاسماء والمسميات والافعال والصفات لعمومه وشموله وانبساطه لانه حرفان الهاء والواو واما الهاء فهي اشارة الى تثبيت الثابت باللفظ والعبارة والى مراتب تجليات الثابت المثبت حسب اختلاف مراتب التجليات بالعدد فالثابت المتجلي مسمى للمتجلى له بالاسم الاعظم الذي هو التجلي واشار الى ان الاسم والمسمى واحد لا اختلاف بينهما ابدا باتحاد صورة اسم الهاء مع صورة معناه واما الاول فظاهر عند اهل الظاهر والباطن والصورة والحقيقة لانك اذا قلته ( قلت ه خ ) فقد اشرت الى شيء ثابت متحقق بعيد عن المنال واما الثاني فلانك ما تشير الى حقيقة الثابت وظهوره ليكون على نهج واحد بل تشير الى جهة ظهوره لك بك والموجودات بالاجمال على قسمين مطلق ومقيد ولا شك ان ظهوره للمقيد بواسطة ظهوره للمطلق فيكون الظهور للمقيد واحدا لان المقيد يقال للشيء الواحد المتعين بالتعينات المختلفة المتفاوتة فالمقيد واحد وهو امر الله الوحداني (خ) الانبساطي الساري في جميع الاشياء على حسب قابلياتها وقدر استعدادها وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والقيود هي التعينات من المشخصات الستة الكم والكيف والوضع والرتبة والجهة والزمان والمكان فالمقيد هو المجموع فاذا سلب عنه القيود وما يلازمها اي في وجدانه فيعرف الثابت ويشير اليه من حيث اللا اشارة ( الاشارة خ ) قال (ع) كشف سبحات الجلال من غير اشارة وهذا الظهور واحد الا ان المرايا مختلفة كما لا يخفى واما في الوجود المطلق فالظهور متعدد لانه هو الكلمة التامة التي خضعت لها السموات والارض وانزجر لها العمق الاكبر وهي لا تتحقق ولا تظهر الا باربع مراتب الاولى النقطة وهو الظاهر الباطن السر المقنع بالسر الثانية الالف وهي الباطن من حيث هو باطن وظاهر باول الظهور الثالثة الحروف وهي الظاهر والعماء والحجاب الاخضر الرابعة الكلمة وهي الظاهر من حيث الظهور ولما تمت الكلمة تظهر منها الدلالة فتتعلق بقلب المخاطب فيظهر المعنى فالدلالة واحدة ولو كانت المعاني مختلفة فهو ليس الا من جهة اختلاف افهام المخاطبين كما لا يخفى فظهوره للنقطة غير ظهوره للالف وكذا ظهوره للالف غير ظهوره للحروف وكذا ظهوره للدلالة غير ظهوره للكلمة اما الدلالة فهي واحدة اذ لا يجوز ان تكون في الكلمة الواحدة من جهة الوحدة دلالات مختلفة فالدلالة في هذا المقام هو الوجود القابل للتقييد والتعيين وهو ظهور جهات الموجودات من ربهم وهو الماء النازل من السماء والمداد الاول والدواة الاولى والنفس الرحماني الثانوي المقام الخامس من المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان والكلمة التامة هي السر المقنع بالسر ومقام الظاهر والولاية المطلقة والازلية الثانوية وعالم فاحببت ان اعرف المقام الرابع من المقامات ( والعلامات خ ) الحروف وهي مقام الظاهر ومرتبة العماء المقام الثالث من المقامات الالف وهي المقام الثاني من المقامات النقطة وهي ( والنقطة هي خ ) المقام الاول من المقامات فالمقامات خمسة وهي قوى الهاء لان الهاء لها من العدد خمسة كما لا يخفى ( على العارف الفطن خ ) وهذه الخمسة هي نهاية مقامات الموحدين من اول الوجود الى آخره ومن الوجود المطلق الى ( الوجود خ ) المقيد ومن العقل الى الثرى واذا تأملت في هذه الكلمات ترى فيه من العجائب والغرائب ما لا عين رأت ولا اذن سمعت فظهر لك من هذا البيان ان المقامات في قوله (ع) فجعلتهم معادن لكلماتك ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان خمسة للدليل العقلي المستمد من الفؤاد والنور قال (ع) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله واما الثالث فلان ظهور الحق للخلق ليس بذاته ولا بامر آخر والا كان تكليفا بما لا يطيقه الخلق فظهر للخلق بالخلق قال عليّ (ع) لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها فاذا كان الامر كذلك فيكون الظاهر والمظهر والظهور شيئا واحدا لا اختلاف بينها (خ) الا باللفظ والعبارة فاتحد الاسم والمسمى فصورة اسمه هي صورة مسماه وهذا من خواص الهاء كما لا يخفى واما الواو فهي الاشارة الى الغائب عن درك الحواس ولمس الناس باللفظ والعبارة والى مراتب الموجودات العارفين الذين غاب الحق سبحانه عن ادراك ابصارهم وبصائرهم بالقوي والعدد والى مراتب ظهورات اسم العلي العظيم الذي هو اسم هو باعتبار تنزله في المراتب الاسمائية والصفاتية بالشكل والصورة اما الاول فظاهر عند من له قلب او القى السمع فهو شهيد لا يحتاج الى البيان واما الثاني فلان لها من العدد ستة وهي اشارة الى مراتب الموجودات المقيدة الاولى عالم العقول الثانية عالم النفوس الثالثة عالم الطبايع الرابعة عالم الجواهر الهبائية الخامسة عالم المثال البرزخ السادسة عالم الاجسام الملكية وكل ذلك مراتب المجهولية التي هي نفس المعلومية وهو تمام الوجود من العالي الى السافل واما الثالث فلان لذلك الاسم العظيم ظهورات معنوية مخفية مستورة في المراتب الكونية في الدنيا بحيث يدبرهم من حيث لا يشعرون لكن الخواص يعرفون والعوام يجهلون والمنافقين ينكرون حسب درجاتهم ومقاماتهم وبالجملة ليس له ظهور تام بحيث يعرفه كل احد معرفة ظاهرية مقالية وان كانوا يعرفونه حالا واستعدادا ( وفي هذا المعنى خ ) قال الشاعر :

دانش حق ذوات را فطرى ستدانش

دانش است كان فكريست

واليه اشار قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها هذا حال النشأة الدنيوية المشار اليها بالواو الاول وله ظهور برزخي الى آخر الدنيا واول الاولى وهذا الظهور وان كان تاما حالا ومقالا وقابلية واستعدادا ( ولسانا خ ) الا ان هذا الظهور ليس بنفسه وذاته بل بحرف من حروف نفسه واسم من اسماء ذاته و( هو خ ) بعد في حجاب الخفاء في الزمردة الخضراء وهذا هو المشار اليه بلفظ الالف التي بعد الواو اشعارا وتنبيها على قيامه بالامر وله ظهور تام وبروز عام بحيث لا يجهله احد ويقرون به باللسان والحال او ينكرونه (خ) مع المعرفة قال الله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وهذا الظهور انما هو في الاولى في جميع مراتب الاكوان الستة المشار اليه بالواو الثانية فتم الوجود بجميع مراتبه واقسامه في لفظ هو فهو الاسم الاعظم اذ لانعني بالاسم الاعظم الا الاسم الجامع المحيط بكل الاسماء والصفات ولذا ورد عن عليّ (ع) انه قال رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئا انتصر به على الاعداء فقال يا هو يا من هو يا من لا هو الا هو فلما اصبحت قصصت قصتها على رسول الله (ص) فقال يا عليّ علمت الاسم الاعظم فكان على لساني يوم بدر قال وقرأ (ع) يوم بدر قل هو الله احد فلما فرغ قال يا هو يا من هو يا من لا هو الا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين وكان يقول ذلك في يوم صفين وهو يطارد قال له عمار بن ياسر يا امير المؤمنين ما هذه الكنايات فقال اسم الله الاعظم وعماد التوحيد لا اله الا هو وآخر الحشر ثم نزل وصلى اربع ركعات قبل الزوال واعلم ان الهاء من عالم الجبروت اول الوجود والواو من عالم الملك آخر الوجود فهو الجامع بين الاول والآخر فهو الاول والآخر والاول هو نفس الآخر والآخر هو نفس الاول واسم الله العلي العظيم هو الاول والآخر لنص قوله تعالى وهو العلي العظيم على تفسير ظاهر الظاهر ولا شك ان الاول قطب للآخر والآخر يدور على الاول دورة متوالية غير متوالية فالهاء قطب للواو اي مركز له والواو يدور عليه ألا ترى صورة الواو فانها على شكل الدائرة الا ترى الامتداد الذي بين الهاء والواو عند التركيب هو وكل ذلك اشارات ورموز لامور خفية لا يعثر عليها الا الراسخون في العلم او من علموه اياها وتعرف من هذا الشكل حقيقة الامر في ذلك

59

اعلم ان السلاك (خ) الى الله سبحانه في السفر من الخلق الى الحق لما قطعوا مسافة هذه الدايرة العظيمة والكرة المجوفة يصلون الى المركز الذي هو الهاء وكل سالك يرى الفا فاول ما يرونه ( يرون ويصلون اليه وخ ) هو النقطة الغير المنقسمة في الجهات الثلث فاذا دخلوا في ذلك العالم ومدوا النظر اليها يرونه خطا ممتدا فاذا تقدموا يرون الخط دايرة والدايرة كرة فيرون الكرة نفس الدايرة والدايرة نفس المحور والمحور نفس المركز والمركز نفس القطب والنقطة فالدايرة هي النقطة ظاهرها في باطنها وباطنها في ظاهرها وهو معنى قول النبي (ص) التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره فظهر لك ان الهاء هو النقطة والنقطة هي الدواير الخمس المذكورة ( المرقومة في الشكل المزبور خ ) فافهم

و 16 هذا تفصيل ما يشتمل عليه لفظ هو من الكرات والدواير وكل واحد منها يرتقي الف الف واجرينا هذا الترتيب على ترتيب الكون واقتضاء الرتبة فالكرة الاولية تدير ما تحتها من الكرات والدواير فهي بمنزلة القطب لها وانما جعلناه كرة لفقره واستدارته على وجه مبدئه فتنتهي الكرات متعالية متعارجة ومتصاعدة الى الكرة الاولية الطولية فهي حقيقة الحقايق وكونها كرة من جهة استدارتها على نفسها على خلاف التوالي ودوران نفسها عليها على التوالي ولا تظن ان نفسها قطب وانما هي كرة او انها شيء غيرها بل هو عينها وسنزيد لك البيان في كيفية الكرة الاولية واستدارتها على نفسها فيما بعد عند قوله تعالى الحي القيوم في كيفية القيومية وهذه الدايرة بخلاف الدايرة الاولى ولا تخالف بينهما عند من عرف اصطلاحنا ومعنى كلامنا والحمد لله رب العالمين واعلم ان الدواير الخمس اربعة منها شيء واحد لا اختلاف فيها الا بالاعتبار والا فالنقطة هي نفس الالف وهي نفس الحروف وهي نفس الكلمة والمجموع نفس النقطة فان شئت قل انها واحد بلا اختلاف ولا تعدد ولا تكثر وهي قصبة الياقوت وتحمل عليه احاديث الاتحاد وان شئت قل انها مختلفة ولو بالاعتبار كما هو الاصل وتحمل عليه احاديث الاختلاف والمرتبة الخامسة هي الآخر وهي آخر المقامات والعلامات والفرق بين المرتبتين من وجوه منها ان المراتب الاربعة لا فاضل لها ولا يخرجج منها الى غيرها وهي الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره واما المرتبة الخامسة فلها فاضل ورشح وشعاع وعرق وتنزل وامثالها من العبارات

عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل الى ذاك الجمال يشير

وهي الرشح المذكور في حديث كميل كما يعرف من تتبع الاحاديث فافهم واعلم ان الهاء هي ابو الخمس المذكور في الدعاء وهو يا ابا الخمس بحق الخمس وآباء الخمس وابناء الخمس ( ان تفعل بي كذا وكذا خ ) وقد سئل جماعة من العلماء عن ذلك وعجزوا ( عن ذلك والحقير كنت حاضرا والجميع اقروا بالعجز خ ) عن جوابه وكذا الفقير ايضا لكن الآن قد فتح الله على قلب هذا المسكين حله وهو ان ابا الخمس هو اليمين والخمس هو اولاده بحذف المتكرر وآباء الخمس هي قوي الهاء وقد قال العالم عليه السلام ان الله تعالى خلق الف الف آدم والف الف عالم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين والمراد بالاب هو الاصل والمنشأ وهو عام شامل وابناء الخمس وهي الحجب الخمسة

( چيز ديگر ماند اما گفتنش‌با تو روح القدس گويد بي منش خ )

فافهم فهمك الله وايانا من مكنون العلم اذا عرفت هذا القدر من الكلام يظهر لك من الاسرار والمعارف ما لا عين رأت ولا اذن سمعت واعلم ان قوي الهاء اربعة منها طبعها طبع الاكسير المولود الفلسفي فان له طبع واحد ( طبعا واحدا خ ) وطبيعة واحدة وان كان مركبا من العناصر الاربعة التي هي الابيض الغربي والاحمر الشرقي والاصفر الشرقي والارض المقدسة فهي خمسة لان الابيض الغربي لا بد وان يكون جزئين بخلاف الشرقيين والارض المقدسة فاذا سقيت الارض بثلث سقيات ونفخت فيها اي في كل سقي بريح الجنوب تنبت النبات وهي الشجرة فلها طبيعة خامسة ( خاصة خ ) واحدة لا يشابه تلك الطبايع ويناسب الطبايع الاربع ويفعل في كل طبيعة فعلها كما يعلمه اهل الفن وليس هذا الا من جهة ان فيها تلك الطبايع الاربع فالكل ( فهو الكل خ ) في الوحدة اي يجمع الكل حقيقة واحدة ولك ان تقول له طبيعة واحدة او له طبايع مختلفة فالاختلاف في عين الاتفاق والاتفاق في عين الاختلاف وسنزيد لك البيان في (خ) هذا الباب ان شاء الله تعالى واذا عرفت ان الهاء خمس دواير اربعة منها هي النقطة وهي الكرة المصمتة التي هي نفس الكرة المجوفة النفس الرحماني الاولى والخامسة هي الظهور والظاهر والمظهر والوصف والصفة والموصوف والمجموع هي مقامات التوحيد وعلاماته واركانه بل هي التوحيد على ما فصلت لك سابقا فاعلم ان الواو التي في هو هي كرة واحدة مجوفة مركزها ( قطبها خ ) في هذه الدواير الخمس المذكورة وهي تنقسم على سبع كرات متطابقات مقعر كل فلك على محدب الآخر والفلك السافل يستمد من العالي الاولى كرة المعاني المجردة عن الصور الرقايقية والنفسية والمثالية والجسمية والعرضية الثانية كرة الرقائق البرزخية الثالثة كرة الصورية النفسية المجردة عن المادة الجسمية وهذه الكرة كرتان مخروطتان قاعدة كل منهما عند رأس الآخر وفيها مقامات المخروط الاول النوراني والثاني الظلماني وهذه الاولية والاخروية ( الآخرية خ ) بالشرافة والا فكل منهما ظهرا دفعة في الوجود ( وهذه

الشكل خ ) 47

وهذا الاختلاف انما نشأ من الاجابة والانكار في يوم ألست بربكم قالوا بلى انما كان الشكلان متداخلين لان الله سبحانه بعد ما خلق طينة العليين وخلق طينة السجين فامتزجتا ولذا كانتا متداخلتين (خ) كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وكلا ان كتاب الفجار لفي سجين وهذا العالم كرة حقيقية (خ) الا ان الكثرات اخرجته عن الكروية كما فهمت وهذه الكثرات وان كانت في كل العوالم الا انها هنا ظاهرة وفي تلك العوالم خفية تراه شيئا واحدا مع كمال الاختلاف ولذا قال تعالى كان الناس امة واحدة في الكرة الاولية من الكرات السبعة فاختلفوا في الكرة الثالثة وقد سميناه في الاصطلاح الذر الثالث وقد نسميه الذر الثاني وقد نسميه الذر الاول على اختلاف الانظار وتفاوت الاطوار كما لا يخفى على اولي الابصار فافهم لكن لا تهتدي الى هذه المطالب المذكورة في هذا المقام الا اذا شافهناك او فتح الله عن قلبك او سمعك وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى الرابعة كرة الطبايع الخامسة كرة المادة الجسمانية الجوهر الهبائية وهي مع قطع النظر عن المثال والصورة جوهر مجرد لا يدركها الحواس الظاهرية تعد من عالم الغيب وهي مواد الاجسام وقابلة النقش والارتسام وليس المراد من المادة هنا المادة مطلقا اذ لا يصح لان كل شيء مادته مساوقة لوجوده بل لا يتحقق ذلك الشيء الا بالمادة والصورة المناسبة له كما لا يخفى على العارف الفطن السادسة كرة المثال والصورة عالم هورقليا وجابلسا ( جابلصا خ ) وجابلقا عالم البرزخ ومأوى الارواح المنتزعة من الاجسام العنصرية ومحدب فلك الافلاك الجسماني على مقعره السابعة كرة الاجسام مطلقا والمراد بالجسم هنا (خ) الجسم الكلي الواحد البسيط الجاري في الاجسام مطلقا مثاله الشجرة الواحدة مع ملاحظة وحدتها ثم الاصول والاغصان والاوراق والاثمار وهكذا هنا فالجسم بما هو جسم شيء واحد كرة واحدة فاختلف بالعلو والسفل فاول الاجسام محدد الجهات وهي اول الافلاك وآخرها فلك القمر وآخر الاجسام الارض وليس بعد عبادان قرية وهذا تمام الوجود المقيد الكرات الواوية ( ان خ ) لم تحسب البرزخ بمعنى انك تحسبه في احد الطرفين كما لا يخفى وهي قوي الواو واعلم ان في الواو ثلث كرات اخر بملاحظة زبرها وبيناتها الاولى كرة الواو الاولى الثانية كرة الواو الثانية الثالثة كرة الالف المتوسطة وهي علامة القيام وهي الواقف بين الطتنجين البرزخ بين العالمين وهي شهر رجب المرجب ولنقبض العنان فللحيطان آذان ونعما قال:

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

اذا فهمت هذا المطلب تكون كالاكسير لكني اوصيك بالحفظ والكتمان حفظك الله وايانا من شر الشيطان واعلم ان الهو هو الاول والآخر فالهاء هو الاول والواو هو الآخر والهاء هو الباطن والواو هو الظاهر والهاء هو الظاهر والواو هو الباطن والواو هو الاول والهاء هو الآخر والهاء هو الاول والآخر والواو هو الآخر والاول واوليتهما نفس آخريتهما وظهورهما نفس بطونهما فالهو هو الغيب والشهادة فالهاء هو الغيب والواو هو الشهادة وكذا بالعكس ( والهاء هو الشهادة والواو هو الغيب خ ) اما ان الهاء هو الاول اما من جهة اللفظ فكما عرفت من انها من اقصى الحلق وهي مقام الحروف من عالم الجبروت واما من جهة المعنى فكما عرفت ايضا من انها الاشارة الى الهوية الاولية التي هوية كل ذي هوية بفاضل ظهور هويته وهو المسمى وما سواه الاسم فهو الاول واما ان الواو هو الآخر اما من جهة اللفظ فلما قلنا ان الواو شفوية وهي مقام الحروف من عالم الملك وهي آخر العوالم واما من جهة المعنى فلما عرفت من انها الاشارة الى الوجود المقيد على جهة الوحدة والبساطة كما لا يخفى واما ان الهاء هو الباطن فمعلوم من جهة اللفظ والمعنى لانها السر المقنع بالسر والمجلل به واما ان الواو هو الظاهر فمعلوم ايضا من جهة اللفظ والمعنى لا يحتاج الى البيان واما ان الهاء هو الظاهر لكونها في اول مرتبة الظهور بعد مرتبة الخفاء والعماء وهي المحبة التي قال تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وهي صبح الازل الطالع من ظهور شمس الازل واما ان الواو هي الباطن لانها مقامات التنزل ومراتب المجهولية فقد خفي فيها جميع مراتب الهاء فبطن لكمال ظهوره واما ان اوليتهما نفس آخريتهما اما في الهاء فظاهر في اللفظ والمعنى

اي تو مخفى در ظهور خويشتن

اي رخت پنهان بنور خويشتن

واما في الواو اما في اللفظ فلان الواو اولها وآخرها واحد واما في المعنى فلان الآخرة هي الاولى والاولى هي نفس الآخرة ومن هنا تعرف سر اللفظي من اتصال الواوين في الشكل وانفصالهما في الترتيب وفيه سر خفي لا يعثر عليه الا العارفون البالغون مقام المعرفة فافهم ( فهمك وايانا من مكنون العلم خ ) واعلم ان بينات الالف القائم في الله هو زبر الالف المبسوط الذي هو نفس الالف القائم وهي اليمين الذي هو تنزل هو في مرتبة الاسماء وهو العلي العظيم الذي في هذه الآية الشريفة في آخرها واللامان والهاء في الله اي بيناتها هي زبر الالف القائم لان اللامين عددهما ثمانون ( ثلثون خ ) والالف اثنان اولهما الآحاد وثانيهما العشرات فيكون الحاصل اثنين وتسعين وهو ( مقامات خ ) زبر الالف القائم انما بينا لخفائه والاول لا خفاء فيه كما لا يخفى احفظ هذه المراتب ( المطالب خ ) واكتمها ولا تبرزها عند غير اهلها لما قال العالم (ع) ما كل ما يعلم يقال واذا عرفت هذا القدر من الكلام تعرف ان هو هو اسم الاعظم الاعلى الذي كل الاسماء عنه ومنه واليه وبه ومنه وجدت الموجودات وهو اول مظهر باول ظهور الذي هو نفس المظهر وهو المسمى والاسم عين المسمى وهو الاسم الذي ليس بالحروف مصوت ولا باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد ولا باللون مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود والاعراض لان كل ذلك مما احدثها ما يعبر عنه بالهاء واجزاء لما يعبر عنه بالواو والواو هو الكل وهو غير اجزائه فليس بلفظ ولا شخص ولا لون ولا حرف ولا غير ذلك والهو اسم للمجموع اي المحدث والمحدث لا يقال ان هو لفظ والمفروض ان ذلك الاسم ليس باللفظ منطق لانا نقول ان هو ليس ذلك الاسم لان الاسم اللفظي هو المظهر للاسم المعنوي الذي هو الاصل على الحقيقة وهذا اللفظ لا اعتناء بشأنه نعم له تأثير باعتبار مناسبته لذلك الاسم وهو ليس بجسم ولا لفظ ولا معنى كما لا يخفى على العارف الفطن فجعل الله سبحانه ذلك الاسم على اربعة وافقد واحدا (خ) منها وهو المكنون المخزون وهذا المفقود هو عوالم الهاء اربعة منها اي النقطة والالف والحروف والكلمة والخامسة لانتكلم فيها ابدا ان شاء الله تعالى والثلثة الظاهرة ( الظاهرية خ ) هي ما يعبر عنها (خ) بحروف الواو وهو ( هي خ ) الكرات الثلثة الاصلية اي كرة المعاني وكرة الصور وكرة الاجسام على ما فصلت لك سابقا وخلق لكل واحد منها اربعة اركان وهو ركن الخلق والحيوة والرزق والموت فيكون اثني عشر بضرب الثلثة في الاربعة ثم خلق لكل منها ثلثين اسما فيكون ثلث‌مائة وستين بضرب الاثني عشر في الثلثين كما ذكرنا لك سابقا وسنفصله لاحقا ان شاء الله ( تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم خ ) فهو الجامع لجميع ما في الوجود المطلق والمقيد وكل شيء تحته وكل موجود تحت حيطة تصرفه وهو الذات وذات الذوات والذات في الذوات للذات فهوية كل ذي هوية من فاضل ظهور هويته وهويته بهوية نفسها فبها واليها يدور كل الافلاك والكرات وهي تدور على نفسها ونفسها تدور عليها فاستدارة جميع الاشياء عليها واستدارتها على نفسها دورة لا على التوالي واستدارة نفسها عليها استدارة متوالية على التوالي ومعنى ذلك ان الله تعالى جعلها ممدا لجميع الموجودات وامدها بها نفسها لا بما يغايرها ولذا يشار اليها بالكاف المستديرة على نفسها مثاله السراج فانه عرش النار ومستويها بالرحمانية فظهر بالسراج واعطي كل ذي حق من الاشعة حقها وساق (خ) الى كل مخلوق رزقها فالسراج هو خزانة النار يعني جعلته خزانة للاشعة فتستمد الاشعة منها بالسراج وجعلت السراج خزانة لجميع الفيوضات التي للاشعة وجعلته خزانة لنفسه ايضا فيستمد (خ) السراج من النار بنفسه فالاشعة تستدير على السراج على خلاف التوالي والسراج تستدير على نفسه ايضا على خلاف التوالي ونفسه تدور عليه على التوالي فافهم فهمك الله وايانا من مكنون العلم ومخزون السر بالنبي وآله الطاهرين هذا مجمل الكلام في تحقيق معنى هو ونفصل فيما بعد ( ان شاء الله خ ) عند قوله تعالى وهو العلي العظيم

وقد ذكر ابن‌ سينا في تفسيره لقوله تعالى قل هو الله احد كلاما لا بأس بذكره هنا وان كان على الظاهر بينه وبين ما ذكرنا يوهم التنافي والتناقض لكن عند التحقيق لا منافاة بينهما قال الهو هو المطلق هو الذي لا يكون هويته موقوفة على غيره فهو مستفاد منه فمن اعتبر غيره لم يكن هو هو وكلما كان هويته لذاته سواء اعتبر غيره او لم يعتبر فهو هو لكن كل ممكن فوجوده من غيره وكلما كان وجوده من غيره فخصوصية وجوده منه وذلك هو الهوية فاذن كل ممكن فهويته من غيره والذي يكون هويته لذاته هو واجب الوجود انتهى اقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم اما هذا الكلام ( فهو خ ) قشري ظاهري وهو على ظاهره صحيح لا غبار عليه واما على الحقيقة فان كان مراده هو ما ذكرنا وبينا وفصلنا واجملنا في هذه الكلمات في هذه الاوراق فهو حق لا مرية فيه ولا شك يعتريه لان الممكن الفقير لا يقدر على شيء ولا يصل الى شيء وما اوتي من العلم الا قليلا فكيف آثاره وافعاله وافهامه وكلماته واشاراته وعباراته نعم ما قال ابن ابي الحديد :

فيك يا اغلوطة الكون غدا الفكر عليلا

انت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا

كلما اقبل فكري فيك شبرا فر ميلا

يا اخي وفقك الله واعانك على الطاعة والتقوى وجعل آخرتك خيرا من الدنيا لا تلتفت الى من يدعي معرفة الذات تبارك وتعالى ويتكلم فيها واحث التراب في فيه لانه جاهل لا يعرف شيئا لو كان له معرفة وديانة لا يدعي هذه المرتبة انظر الى كلمات الانبياء وكلام فخرهم وسيدهم ما عرفناك حق معرفتك انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وقال (ع) :

اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك

تب علينا فاننا بشر ما عرفناك حق معرفتك

وقال ابن ابي الحديد ونعم ما قال :

من انت يا رسطو وما الافلاط دونك يا مبلد

ومن ابن ‌سينا حين اسس لكم (كذا) وشيد

وما انتم الا الفراش رأى السراج وقد توقد

فدنى فاحرق نفسه ولو اهتدى رشدا لأبعد

يا نور يا نور النور يا نور كل نور يا مدبر الامور اهدنا من عندك وافض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وانزل علينا من بركاتك اللهم اخرجني من ظلمات الوهم واكرمني بنور الفهم ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب ( اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون انك على كل شيء قدير خ )

الى هنا نقطع الكلام لان المقام لا يقتضي ازيد من هذا وكم من المعارف والاسرار المودعة في لفظ هو وكتمته لعدم احتمال الناس وللخوف من فرعون وملائهم والتطويل (خ) الممل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير المرسلين محمد وعلى آله واصحابه الاكرمين الاطيبين

ولما فرغنا عن بيان كلمة التوحيد ( بعون الله وقوته خ ) نشرع في تفسير الآية

(3) قال الله تبارك وتعالى : الحي القيوم

اقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان الكلام في هذين الاسمين الشريفين من وجوه : الاول في الحي والثاني في القيوم والثالث في المجموع المركب والرابع في معنى كونهما الاسم الاعظم

اما الاول فاعلم ان الحي هو الصفة الذاتية لله سبحانه اذ لا يصح سلبه ( سلبها خ ) عنه تعالى وقد عرفت ان الصفة الذاتية هي عين ذات الحق عز وجل بلا فرق فالذات هي الصفة والصفة هي الذات والا هل هما قديمان او الصفة حادثة والاول باطل لان تعدد القدماء عند الموحدين المسلمين باطل بالادلة القطعية المذكورة في الكتب الكلامية والحكمية والثاني لا يمكن ان يعقل لان الصفة الذاتية هي الثابتة في مرتبة الذات وهي قديمة فلا يصح فرض ثبوت الحدوث فيها لان الحدوث في الامكان والقدم في الازل والوجوب وبينهما بون بعيد لا ينزل القديم ( القدم خ‌ل ) الى الحدوث ولا يصعد الحدوث اليه فلا يتصور كون الصفة الذاتية حادثة فيجب ان تكون قديمة والكثرة عندنا منتفية فاذن هو الصفة والصفة هو فلك ان تقول هو الحي او هو الحيوة لا فرق بين المبدأ والمشتق في هذا المقام الا بالعبارة فاذن لا نعرف حقيقة الحيوة اذ جعلناها صفة ذاتية ولا نفهمها ولا ندركها ولا نعقلها ولا نتصورها ولا نتخيلها ولا نحسها الطريق مسدود والطلب مردود لان معرفتها يستلزم معرفة الذات بل هي معرفة الذات فنقول اذا عرفنا الحيوة الذاتية فقد عرفنا ذات الحق جل جلاله لما سبق من ان الصفة هي الذات لكن معرفة الذات ممتنعة فمعرفة الحيوة ممتنعة فاذن تعرف ان اطلاق الحيوة على الواجب والممكن كقولك الله حي وزيد حي من قبيل الاشتراك اللفظي لتباين الحقيقتين كما فهمت سابقا لكن لما كانت الصفات التي نقول انها ذاتية كالعلم والسمع والبصر والحيوة وامثالها على نحوين نحكم على نحو بالذاتية وانقطاع الفهم عن ادراكه ومعرفته ونحكم على نحو بالفعلية ووصول الفهم الى ادراكه ومعرفته والاول مثل ما اذا قلت عالم ولا معلوم سميع ولا مسموع بصير ولا مبصر قادر ولا مقدور حي ولا حي ولا ميت وهذه الاوصاف ذاتية عين ذاته تعالى بلا تفرقة بين الصفة والذات لانقطاعها عن الارتباط والاضافة والاسناد لان الارتباط يستلزم المناسبة والمشابهة بين المرتبطين والمنتسبين وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولا نعرف حقايق هذه الصفات ولا معانيها ولا صورها ابدا بوجه من الوجوه وهي قديمة منقطعة عن الحوادث لا مثال لها فيها ولا صورة ( لها خ ) اصلا وقطعا والثاني مثل ما قلت عالم اذ معلوم وقادر اذ مقدور وسميع اذ مسموع وبصير اذ مبصر وامثال ذلك وهي حينئذ صفات افعال تنتهي اليها جميع التعلقات وكل الاوصاف التي اتصف بها الخلق من هذه فهي مثال وظل وصورة من هذه الاوصاف اذ بالعلم اوجد الحوادث وبالقدرة اقام المقدورات فالعلم والقدرة اللتان في الخلق هما مثال لمؤثرهما ومبدئهما ضرورة ان الاثر على هيئة صفة المؤثر وكذا السمع والبصر والحيوة وامثال ذلك وهو معنى ما قال العالم عليه السلام فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ولما كان الشيء لا يتجاوز مبدئه فغاية معرفته معرفة تلك الامثلة بطريق الظلية لا الاصلية فيحكم على مؤثره بالعلم والقدرة والحيوة والسمع والبصر لما عرف نفسه ووصل ( الى خ ) المثال الملقى في هويته لكن العارف والمعروف والمعرفة كلها حادثة لا دخل فيها ( لها خ ) للقديم الا انه تعالى اجاز ذلك لنا وقبل عنا لانه لا يكلفنا الا بقدر وسعنا وطاقتنا انظر الى الاشعة المحدثة من النار بتوسط السراج هل تعرف الا السراج وهل يمكن ان تصف مؤثرها الا بالاضافة والانارة لانها غاية معرفتها ومنتهى علمها مع انك تعلم وتقطع بان مؤثرها بريء عن هذه الصفة التي تصفها الاشعة بها اذ ليس في النار وحدها اضائة ولا انارة ولو ان النار تكلف الاشعة بمعرفة نفسها كما هي يكون تكليفا بما لا يطاق وانت تلومها وتوبخها على هذا الفعل الشنيع القبيح ومن هذا المثال تعرف معنى قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ولذا قال العالم (ع) كلما ميزتموه وادركتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاذا يمكننا ان نتكلم في اوصافه تعالى ونعرفها اذ لها خلقنا ولولاها ما وجدنا وهي ثمرة وصفه لنا كلم الناس على قدر عقولهم وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فنقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان الحيوة هي ضد الممات فكل نقص في الحقيقة موت لانه فقدان صفة الكمال والفقدان طبعه البرودة واليبوسة وهي طبع الموت ولان النقص ظلمة وهي الموت لان الظلمة عدم النور ومعنى قوله تعالى هو الحي انه العالم القادر السميع البصير المدرك الرحمن الرحيم الخالق البارئ المصور المقدر المدبر الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وبالجملة هذا الاسم شامل لجميع الاسماء والصفات الكمالية التنزيهية التقديسية والاضافة ( الاضافية خ‌ل ) الارتباطية والخلقية الفعلية وهو تفصيل هو وتفصيل اساميه ولعمري انه شامل لجميع الصفات الجلالية والسمات الجمالية لان المراد بالحيوة في هذه الآية الشريفة الحيوة الكاملة التامة العامة التي لا حيوة فوقها كما يشهد به سياق الكلام لمن عرف المرام ولام الجنس فاذا كان كذلك فلا يعتريه موت اصلا بوجه من الوجوه فليس بجاهل لان الجهل البسيط فقدان والجهل المركب ظلمة قال تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات اي ظلمات الجهل ليس بخارج منها قال العالم (ع) همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا الى ركن وثيق وليس بعاجز وليس بظالم وليس بجسم وليس بمركب وليس بجوهر وليس بعرض وليس بكلي وليس بجزئي وليس بعرض وليس بجنس ولا فصل ولا له اب ولا ام ولا في زمان ولا في مكان ولا في جهة ولا له وضع ولا له معنى ولا لفظ وامثال ذلك من صفات الخلق فلا تكون الحيوة كاملة الا اذا نفيت عن الحق تعالى جميع صفات الخلق لان صفات الخلق صفات الافتقار والاحتياج وصفات الحق صفات الغني والقدرة فلا يصدق احدهما على الآخر كما لا يخفى على اولي البصائر وكل شيء هالك الا وجهه ( هالك فانه ميت سوى وجهه الكريم خ ) فهو الحي الباقي الجامع لجميع الصفات الكمالية والنعوت الجلالية والجمالية فهو بيان اسامي هو وبعبارة اخرى هو تفصيل تنزلات هو في مرتبة الاسماء فكان العلي العظيم كما في آخر الآية الشريفة فذكر في هذه الآية الشريفة جميع الاسماء الحسنى ومسمياتها بالاشارة والتلويح لانها ابلغ من ( العبارة وخ ) التصريح

اعلم انه قيل لقائل ان يقول لما كان معنى الحي هو الذي يصح ان يعلم ويقدر وهذا القدر حاصل لجميع الحيوانات فكيف يحسن ان يمدح الله تعالى نفسه بصفة مشاركة فيها اخس الحيوانات والذي في هذا الباب ان الحي في اللغة ليس عبارة عن هذه الصحة بل كل شيء كان كاملا في جنسه فانه يسمى حيا الا ترى ان عمارة الارض الخربة يسمى احياء الموت وقد قال تعالى فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها والصفة المسماة في عرف المتكلمين انما سميت بالحيوة لان كمال الجسم ان يكون موصوفا بتلك الصفة وكمال حال الاشجار ان يكون مورقة خضرة فلا جرم سميت هذه الحالة حيوة فثبت ان المفهوم الاصلي من لفظ الحي كونه واقعا على اكمل حاله وصفاته واذا كان كذلك فقد زال الاشكال لان المفهوم من الحي هو الكامل ولما لم يكن ذلك مقيدا بانه كامل في هذا دون ذلك دل على انه كامل على الاطلاق والكمال على الاطلاق ان لا يكون قابلا للعدم لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية ولا في صفاته النسبية الاضافية ثم عند هذا ان خصصنا القيوم بكونه سببا لتقويم غيره فقد زال الاشكال لان كونه حيا يدل على كونه متقوما بذاته وكونه قيوما يدل على كونه مقوما لغيره وان جعلنا القيوم اسما يتناول المتقوم لغيره كان لفظ القيوم مفيدا فايدة لفظ الحي مع زيادة فهذا ما عندي ولقائل ان يقول الحيوة حقيقة صفة مستلزمة لاتصاف محله بالعلم والقدرة ولما كان العلم والقدرة على انواع متفاوتة بالكمال والنقصان والله تعالى متصف باكمل الانواع حسن مدح نفسه بهما وان كان غيره يشاركه فيهما في مطلقهما فكذلك الحيوة على انواع ( مختلفة خ ) متفاوتة والله تعالى متصف باكمل انواعها وهي الحيوة المستلزمة لاكمل انواع العلم والقدرة والبقاء الدائم الذي لا سبيل له للفناء فحسن مدح نفسه بهما واما اطلاق الحيوة في غير الذي يصح ان يعلم ويقدر فبطريق المجاز فان الارض الخربة لما اتصفت (خ) بصفة تقتضي الزرع والغرس او البناء فيها التي هي كمالاتها سميت تلك الصفة حيوة واحداث تلك الصفة فيها احياء بطريق المجاز انتهى اقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ان اطلاق الحيوة على ما قررنا لك سابقا على انواع الموجودات كلها على سبيل الحقيقة لكنه ليس على الحقيقة الاولية بل على الحقيقة بعد الحقيقة لان الحيوة هي ضد الممات فالحيوة الكاملة التامة التي لا يشوبها عدم ولا موت بوجه من الوجوه ثابتة لله تعالى ويطلق عليه ( على الله سبحانه خ ) لفظ الحي بهذا المعنى على الحقيقة الاولية وليس لاحد من الموجودات المطلقة والمقيدة نصيب في هذا الاطلاق ابدا والا لاشترك معه غيره من خلقه وليس كمثله شيء ثم تحت تلك المرتبة الازلية حيوة فعله تعالى وهذه الحيوة ( هي خ ) عين الفقدان والموت والفناء في مبدئه فحيوته بالتفات مبدئه اليه والتفاته الى مبدئه فمتي انعدم احد الالتفاتين كان ميتا الا ان انعدام الاول يقتضي فنائه بالكلية وانعدام الثاني لا يقتضي الفناء كذلك لان هذا انعدام بالالتفات الثانوي وليس باولى كما لا يخفى فاطلاق الحيوة على هذه الحقيقة اطلاق ثانوي تحت الاطلاق الاولى وحقيقة فيها من بعد تلك الحقيقة فهي حقيقة من بعد الحقيقة ثم دون تلك المرتبة مرتبة الماء التي ( الذي خ ) به حيوة كل شيء قال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي اذ لا يجوز ان يراد من الماء في هذا المقام الماء الذي هو احد العناصر كما ذكرنا سابقا فراجع تفهم فيجب ان يراد به الوجود الذي به حيوة كل شيء من المجردات والماديات والعنصريات والجسمانيات وامثال ذلك من الموجودات فاطلاق الحيوة عليه على سبيل الحقيقة البتة فاطلاق الحيوة عليه وعلى الاول ليس من قبيل الاشتراك المعنوي كما هو ظن جماعة من العلماء بل من قبيل الاشتراك اللفظي لعدم الحقيقة الجامعة كما لا يخفى فهذه حقيقة ثانية تحت تلك الحقيقتين الاوليتين وحيوة هذه الحقيقة بنفس التجلي والاشراق واللمعان بل هو نفس التجلي والاشراق وجمال المحبوب للمحبين المقيدين وموته بعدم التجلي ثم دون تلك المرتبة العقل الاول وهو مقام السراج واول المتجلي والمقيد فحياته بجزئيه على سبيل الاطلاق ظهور النار الذي هو الحقيقة الثالثة والدهن الذي هو القيد والتعين الموجود حين تنزل الماء الى الارض واطلاق الحيوة عليه على سبيل الحقيقة لا المجاز وفي هذه المرتبة مرتبتان الاولى العقل (خ) الطبعاني والثانية العقل (خ) السمعاني وقال (ع) :

رأيت العقل عقلين فمسموع ومطبوع

فلا ينفع مسموع اذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع

والعقل الطبعاني على مراتب العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالمستفاد والعقل بالفعل وهذه المقامات والمراتب انما تتحقق عند اشراقات العقل الكلي في مرايا القوابل مثاله الشمس فانها لا تظهر ولا يتحقق نورها الا عند جسم كثيف فاذا وجد الجسم الكثيف يظهر نور الشمس وهذا الظهور انما يختلف باعتبار اختلاف الاجسام في الغلظة والرقة والكثافة والدقة والاحمرار والاصفرار والاستقامة والاعوجاج وامثال ذلك مثلا اذا اشرقت على الجسم الكثيف مثل الارض الغليظة ترى نورا ظاهرا في كمال التلألؤ واللمعان فاذا اشرقت على الزجاجة ترى النور اكثر والتلألؤ واللمعان اشد بحيث ترى ظهور الشمس ومثالها فيها واذا اشرقت على البلور ترى النور اكثر واقوى واشد في كمال الحرارة بحيث يحرق واذا اشرقت على المرآة السوداء ترى النور اسود وكذا اذا اشرقت على الصفراء والحمراء وامثالهما مع ان الشمس على حالة واحدة واشراقها بطور واحد وهو كما قال الشاعر :

ارى الاحسان عند الحر دينا وعند النذل منقصة وذما

كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما

فاذا عرفت هذا المثال فاعلم ان الماء لما نزل الى الارض باذن الله تبارك وتعالى حييت الارض وخرجت شجرة العقل وهو اول شجرة نبت ( تنبت خ ) من جنان الجود واول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة واول غصن اخذ من شجرة الخلد واول سراج اوقد ( واشتعل خ ) من الشجرة المباركة التي هي الحقيقة المحمدية وحيوته من الماء والارض اي من ماء الوجود وارض القابليات او من مس النار والدهن وهذا السراج لما كان اول الوجود واقرب الاشياء الى المبدأ كان له نور واشعة والا تلزم المفاسد المتكثرة التي يعلمها من له قلب او القى السمع وهو شهيد ولا شك ان اشعته من سنخه وجنسه وليست في مقامه ومرتبته والا لا تكون شعاعا ونورا بل هي منير فتحقق العقول الجزئية ولما كان النور اي السراج لا يظهر الا عند وجود القابليات فيجب ان يكون مرايا وقوابل لظهور العقل الكلي وهي الموجودات مما تحته فثبت ان للعقل ظهورا (خ) في كل وجود ( موجود خ ) بحسب مراتبها ووجوداتها وهو العقول الجزئية فاذا قطع الشخص قوسي الصعود والنزول كان اول ما ظهر فيه من العقل العقل الطبعاني اذا كان دماغه مستقيما غير مختل وهذا العقل حيوته من ظهور العقل الكلي والحد المعنوي الجزئي حسب قابلية تلك المرآة فاذا اختل واحد منها يموت وهذا الاختلال عند اختلال الدماغ فاذا اختل دماغ الشخص بحيث لا يكون له استقرار ابدا يختل ظهور العقل الكلي فيه فيكون الشخص مجنونا لا يميز بين الجيد والردي والحق والباطل ولا يعرف شيئا فلا يكلف بشيء وحاله في يوم القيمة حسب اختلال الدماغ كما نفصله ان شاء الله تعالى عند قوله تعالى من‌ذا الذي يشفع عنده الا باذنه ( ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم خ ) هذا حال من اذا كان دماغه مختلا واما اذا كان معوجا فيكون الظهور معوجا فينقلب الامر فيرى الحق باطلا والباطل حقا والجيد رديا والردي جيدا فيكون العقل النكراء والشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليس بعقل وهذا معنى موت العقل الطبعاني وحيوته فافهم ان كنت تفهم وفقك الله وايانا ان شاء الله تعالى وهذا العقل الطبعاني اذا ايده الشخص بالاكتساب يقوي شيئا فشيئا الى ان يبلغ الشخص الى مقام لا يكون الآخر مثله في ذلك المقام وهو على انحاء :

منها المعاشرة والصحبة مع اولي الفنون واولي الافهام فيحصل للشخص ادراك وتميز لا يكون عند من لم يعاشرهم وقد جعل بعض العارفين المعاشرة والصحبة بطن الام فيما اشتهر ان الشقي شقي في بطن امه والسعيد سعيد في بطن امه اي بطن الصحبة والمعاشرة وهو المراد من الاب والام في حديث كل مولود يولد على الفطرة لكن ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه

ومنها الممارسة مثل ( من خ ) مارس الصنايع كالصباغة والنجارة والخياطة والخبازة وامثال ذلك من انحاء الصنعة اذ كل من له بصيرة يعرف ان الخياط لا يقدر ان يعمل عمل النجار وهو عمل الخباز وهو عمل الصباغ وامثالها وهو من جهة عدم ادراكه لعدم اكتسابه لعدم ممارسته ومثل من مارس في العلم على جميع انحائه كالنحو والصرف والمعاني والمنطق والحكمة بجميع اقسامها من الطب والاخلاق والفقه والرياضي والطبيعي والالهي بكلا معنييه والعلوم الغريبة كالكيميا والليميا والهيميا والسيميا والريميا وكالجفر ( وخ ) الجامعة والرمل والحساب والعدد وامثالها من العلوم وهذه كلها يحصل عند الاكتساب بالممارسة اي بكثرة مطالعة الكتب واقوال العلماء وكثرة التعليم والتعلم مما هو المعهود عند اهل هذا الزمان كما لا يخفى عند من له عقل سمعاني

ومنها استعمال الادوية مثل اكل الامور ( اشياء خ‌ل ) الحارة اليابسة او الرطبة حسب اختلاف الامزجة مثل اكل اللبان واللبن والسمن والعسل والقرنفل واللحم وامثالها من المسخنات سيما اذا خلط اللبان مع القرنفل واكل كل صبح مقدارا منه يرى حدة فهمه وذهنه وحفظه وادراكه ما لا يوصف وكذا اذا اكل اللبان كل يوم وهو اكل الانبياء والاوصياء (ع) وكذا التمر والحلويات باقسامها على الاختلاف في الشدة والضعف ولذا ورد ان المؤمنين حلويون وهذا كلام لا يسعني الآن بيانه لعدم اقتضاء المقام وهذه الادوية ليس على سبيل العموم بل لا بد من ملاحظة مزاج الشخص ان وفقني الله تعالى اكتب فيما بعد رسالة في هذه الامور بحيث يشفى العليل ويبرد الغليل انه على كل شيء قدير وما ذلك عليه بعزيز ( ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الكريم خ )

ومنها انحاء المعالجات كالحجامة على القفاء وتقليل الدم وقد روي عن النبي (ص) انه قال لما عرج بي الى السماء ووصلت الى السماء السابعة مالاقاني ملك من ملائكة ذلك الفلك الا واوصاني ان آمر امتي بالحجامة على القفاء وذلك لان السماء السابعة سماء زحل وهو المدبر للعقول على سبيل الجميع باذن الله تعالى يعني ان الله سبحانه وكل على ذلك الفلك بكله ملكا كليا من جنود ميكائيل يدبر العقول الجزئية ويصلحها بنظر زحل وفلكه بجسم الكوكب والفلك يدبر محل العقل اي الدماغ وبروحه ( بروجه خ ) يدبر العقل وتلك الملائكة جزئيات لذلك الملك ومدبرات لكل فرد فرد من افراد الموجودات ولذا وصوه (ص) بالحجامة على القفاء لاصلاح عقل امته وهذه الادوية والمعالجات كلها لاصلاح المحل فاذا صلح المحل يظهر النور فيه اكثر واشد كما اذا صقلت الارض يظهر نور الشمس فيها اكثر واشد بالنسبة الى الارض الغير المصقلة كما لا يخفى على الفطن العارف

ومنها استعمال الاذكار من الاسماء الحسنى مثل يا عليم يا حكيم ويا حي ويا قيوم ويا نور ويا هادي وامثالها من الاسماء فاذا واظب الشخص كلا من هذه الاسماء بعدد معين لا يسعني الآن بيان قاعدته بحضور القلب وطمأنينة النفس والا فلا يؤثر ولو قرأ مدي العمر فان الاقبال روح العمل لا يستقر الجسم بدون الروح كما لا يخفى ( يرى ما لا يرى غيره ويسمع ما لا يسمع غيره ان شاء الله تعالى خ )

ومنها استعمال ما قرره اهل الجفر من وضع المثلثات والمربعات والمخمسات على وفق اسمه واسم الله والعقل مثلا وضابطة ( ضابطته خ‌ل ) مذكورة في كتب اهل الجفر واهل العدد وكل من يفعل يزداد عقله البتة ويستوي فيه المؤمن والكافر والعالم والجاهل والعادل والفاسق الا انه يكشف لكل حسب ما هو عليه

كقطر المطر في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما

وقصة ابن‌ مقنع وابنه السند وما فعل من بسط اسم ابنه مع اسم الله والعقل من المشاهير وهو كافر يدعي الربوبية والالوهية وذلك لان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها وجعل لكل شيء خاصية واقتضاء فاذا وجد ذلك الشيء مع تمام شرايطه واسبابه تترتب عليه تلك الخاصية بحسب الاقتضاء المودع فيه مثلا جعل المركب ليسود فاذا اصاب اليد يخلق الله تعالى فيها اقتضاء المركب اي السواد والا يلزم ان يمنع الاسباب من مقتضياتها وهذا كما يجري في المعصية يجري في الطاعة وفي هذا الفساد الكلي في العالم العلوي والسفلي واذا عرفت هذه الدقيقة تعرف سر القدر ان شاء الله تعالى

ومنها فعل الرياضات وخلوص العمل لله وتخلية القلب عما سوى الله قال (ص) من اخلص لله العبودية اربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فان كان مؤمنا كان هدى ونورا وان كان كافرا كان حجة عليه وقال (ص) ايضا ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم وقال (ص) ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال (ص) التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ( حلوله الخ خ ) وقال الله في الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب اليّ بالنوافل حتّى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سئلني اعطيته وان سكت عني ابتدأته الحديث وقال تعالى وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا اي علما جما وقال ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقال تعالى واتقوا الله يعلمكم الله وامثال هذه من الآيات والروايات كثيرة والناس اختلفوا في كيفية هذه الرياضة كل من بني له طريقة وجعل له وجها توجه الى الله سبحانه بذلك الوجه ( واخلوا القلوب عما سوى الله خ ) على ظنهم ومعتقدهم ووصلوا الى مطلوبهم لكن بعضهم خرجوا من ظلمة الجهل الى ( ودخلوا في خ ) نور الايمان واليقين وبعضهم خرجوا من ظلمة الجهل ودخلوا في ظلمة الانكار والنفاق قال تعالى فيهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون وقال وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا والآخرون مثل اليهود والنصارى والمجوس ( والهنود والجوكية خ ) وامثالهم من الكفار من مرتاضيهم واحبارهم ورهبانهم والرياضات التي لهم والكشف الذي لهم حتّى انهم يرون الذي اسلم وترك دينهم وطريقتهم بصورة الكلب والخنزير وامثالهما من السباع والبهائم كما سمعنا مرارا كثيرا ممن اطلع على طرائقهم وعاداتهم ورأينا في رسائلهم وتصنيفاتهم وهذا الكشف هو الكشف عما عليه حقايقهم من الاعوجاج على ما ذكرنا لك آنفا فعقلهم السمعاني هو النكراء والشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليس بعقل كما لا يخفى ( على الفطن العارف خ ) والسابقون الاولون هم المسلمون والكشف الذي لهم وهذا الكشف يحكي عن (خ) المقابل كما هو لتصفية مرآت حقايقهم بالرياضة والمجاهدة الشرعية قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهذه الرياضة على انحاء ذكرها العلماء رضوان الله عليهم في كتبهم الاخلاقية لكن احسنها واولاها واقربها هو الذي ذكر الفقير الحقير في هذا المقام مما سمعت من شيخنا شيخ المشايخ العظام وعمدة عرفاء الزمان وقطب الاقطاب ومقصد اولي الالباب اطال الله بقاءه ممن استنبطت ( استنبط خ ) من الآيات والروايات قال (ص) خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها واذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد وروي ان بعض اليهود اجتاز بعلي (ع) وهو يتكلم مع جماعة فقال له يا ابن ابي طالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأنا فقال صلوات الله وسلامه عليه وآله وما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفي مزاجه ومن صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه ومن قوي اثر النفس فيه سما الى ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية ومن تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذا الباب مغير فقال اليهودي الله اكبر يا ابن ابي طالب لقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك واعلم ان اعتدال المزاج في كل شيء لا اختصاص له بالجسم اما في الاكل والشرب فان تجهد ان تحصل من الحلال لا على نحو يصل الى حد الوسواس والاجتناب عن كل شيء كما هو شأن بعض اهل هذا الزمان فاذا حصلت من الحلال فتأكل منه بقدر سد الجوع ولا تأكل كثيرا بحيث يشغلك عن الذكر وعن الاقبال الى الله سبحانه ولا تأكل حتّى تجوع وكذا في الشرب لا تشرب حتّى تعطش فاذا شربت فلا تروي واما في اللباس فالبس ما لا يلومنك عليه وما لا تفتخر عليه وما لا تذل نفسك عنده واختر حالة الوسطى فان خير الامور اوسطها هذا مجمل ما يتعلق بتعديل المزاج الجسمي على الظاهر واما ما يتعلق بالروح فكن دائم الذكر وليس معناه (خ) ان تقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر في كل الاوقات ( والاحوال خ ) بل معناه ان تذكر الله في حال المعصية فتتركها وتذكره في حال الطاعة فتفعلها قال العالم (ع) المؤمن كلامه ذكر وصمته فكر ونظره اعتبار ه‍ ومعنى ان كلامه ذكر هو انه لا يتكلم الا بما يعنيه من معاش الدنيا والاهل والعيال وكلها من الذكر ولا يتكلم بما لا يعنيه فالذكر عام واما قوله وصمته فكر فمعناه ان الشخص المؤمن اذا سكت يفكر في امر آخرته ودنياه وبدئه وعوده ومبدئه ومعاده وما اراد الله سبحانه منه من الطاعات والعبادات والتقصيرات التي قصر من الكسالة عن العبادة والطاعة والمعاصي التي ارتكبها ويحاسب نفسه ويندم على ما فعل من الذنوب ويستغفر الله ويسأله التوبة قال تعالى واسألوا الله من فضله انه كان بكم رحيما فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون واما معنى قوله (ع) ونظره اعتبار فهو انه اذا نظر في كل شيء ينظر اليه بعين الاعتبار ومن حيث انه مثال لآية الله الواحد القهار قال تعالى أولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم وقال تعالى ايضا سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق وقال ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقال وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وامثال ذلك من الآيات كما لا يخفى والانسان اذا عين له وقتا ينظر فيه الى الآيات الآفاقية والانفسية خالي القلب عن كل شيء يعلمه الله ما فيها من العلوم والاسرار والحقايق وهذا هو الكتاب الذي اذا قرأه الانسان كشف الله عن بصره العام فيعلم الحيث والكم والكيف والموصول والمفصول وما يؤل اليه الامور وما هو مخفي عن الناس مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولا يحتاج هذا الى بيان لان من لم يذق لم يدر الحاصل ان الانسان اذا فتح له هذا الباب وفقه الله تعالى بفنون توفيقاته وايده بصنوف (خ) تأييداته ألا ترى قول الله تعالى في حق ابرهيم النبي على محمد وآله وعليه السلام حيث قال وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين وهذا باب اذا فتح لاحد يقوي عقله السمعاني فيكون اعلم الناس واورعهم واتقاهم واعرفهم بحسب ما هو عليه وهنا تفصيل لا يمكنني الآن بيانه والله الموفق والمعين

وهذا الذي ذكرنا هو الامور التي تكون سببا لتحقق العقل السمعاني ولا يتحقق العقل السمعاني الا اذا كان العقل الطبعاني الذي هو التميز في اول المرتبة لان استعمال هذه الامور لا بد من التميز والادراك والا لفقد ولذا قال العالم (ع) في الشعر السابق :

فلا ينفع مسموع اذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع

فظهر مما ذكرنا لك ان العقل المسموعي هو ظهور العقل المطبوعي فالعقل المسموعي هو كالنور المشرق على المرآة والعقل المطبوعي كالنور مطلقا كما لا يخفى فالعقل الهيولاني هو كاشراق الشمس على الحجر والعقل بالملكة هو مثل اشراقها على الزجاجة والعقل بالمستفاد هو مثل ظهورها على البلور والعقل بالفعل هو مثل ظهورها على الالماس ومن هذا المثال تعرف مراتب ترتيب العقول في مراتبها فان الزجاجة هي المأخوذة من الحجر والبلور هو المأخوذ من الزجاجة والالماس هو المأخوذ من البلور على نحو يعلمه اهل الصناعة الفلسفية فحيوة هذه المراتب بتصفية المحل وهي بالاسباب المذكورة المتقدمة ومماتها بفقدان التصفية عند فقدان الاسباب وافضل الاسباب واشرفها واسرعها تأثيرا نظر الحق للشخص وهو قد يكون بهذه الاسباب وقد لا يكون بهذه (خ) بل لا بسبب اذا سبقت له العناية من ربه من جهة طلبه الاولى وسؤاله السرمدي ( اللهم ارزقنا وجميع الطالبين يا اخواني وفقكم الله وايانا للطاعة والتقوى اسأل الله حسن العاقبة والتوحيد والامداد اللهم اجعل خير اعمالنا خواتمها وخير ايامنا يوم نلقاك اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون انك انت ارحم الراحمين خ ) فافهم هذا الذي ذكرنا هو مجمل احوال العقل وكيفية حيوته وموته وازدياده ونقصانه

واما الذي يقول ان العقل كل كمالاته بالفعل ليس شيئا منه بالقوة فغلط لان الشيء في كل آن يترقى ويقرب الى مبدئه والا لبطل الايجاد لان الله سبحانه ما خلق الخلق للانتفاع به نفسه تعالى ربي وتقدس عن ذلك بل انما خلقهم لينفعهم ويظهر رحمته واحسانه واياديه لانتفاعهم فخلقهم لكن الانتفاع انما يتحقق اذا خلقهم على مقتضى قابلياتهم وحسب استعداداتهم وخلقهم كما هم عليه وهذا لا يختص بعالم الاجسام بل يعم جميع الموجودات من العقول والنفوس والطبايع والمواد والامثلة والاجسام والا يلزم تفضيل الاخس على الاشرف ولما كان الامر كذلك فسألهم لما سألوه ان يسألهم فكان اول من اجاب واقر واعترف بالعبودية لله عز وجل العقل الكلي عند الاشراقيين والعقل الاول عند المشائين والنور المحمدي (ص) عند اهل الشرع فاحبه الله سبحانه واجلسه على سرير الرفعة والعزة وشرفه بتشريف التقرب وامره بالاقبال والادبار فلما امتثل امر الله في كل ما امره وعبده كمال العبودية صعد به في مراتب اسماء ( الاسماء خ ) الحسنى ومدارجها حتّى وصل الى حده وغاية مرتبته وهو اسم الله البديع فكان يسير الى الله تعالى في تلك المرتبة فاحبه الله واكرمه وزاد نوره وبهاءه وجعله اقرب جميع الموجودات بحيث اشرقت السموات والارضون وما فيهما به فكان نورها وهو تأويل قوله تعالى بملاحظة المقدمات المذكورة في الاوائل الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم فافهم ولما كان ( العقل خ ) اقرب الموجودات وبلغ في العبادة والطاعة حد الغاية التي هي عين اللاغاية احبه الله تعالى كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاه اجابه وان سأله اعطاه وان سكت عنه ابتدأه وقد قال له تعالى لما امتثل امره بالاقبال والادبار فو عزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا في من احب وقد قال تعالى في الحديث القدسي كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية فهو في كل آن في الترقي والازدياد بلا نهاية والا يلزم اما انتهاء رحمته تعالى ونهايته وغايته ومنه يلزم تحديده تعالى او يلزم وقوف العقل عن العبادة والطاعة وكلاهما باطلان اما الاول فظاهر واما الثاني فكل عبادة تزداد نورا وصفاء لم يكن له سابقا والا يلزم ان لا يكون للعبادة ثمرة فيكون التكليف بها عبثا تعالى ربي الحكيم عن فعل العبث وهذا الازدياد الذي له في كل آن لم يكن في الآن السابق ولا يجيئه من الوجوب بل انما يظهر ما كان في امكانه الى اعيانه وهو معنى الحركة وهو المراد من الخروج من القوة الى الفعل ان قيل ان القوة والفعل والزيادة والنقصان والتحويل والانتقال شأن الماديات مثل الاجسام واما المجردات مثل العقول والنفوس وامثالهما فلا اذ ليست لها مادة لتظهر كمالاتها شيئا فشيئا فجميع كمالاتها فعلية قلنا ان المادة لا تخصص لها بالاجسام والجسمانيات بل كل شيء له مادة وصورة والا لا يتحقق لان الاشياء لا بد لها من اصل وذات يكون بها بقائها وتحققها وثبوتها ومن صورة وهيئة تكون بها ظهورها وتعينها والمادة والصورة مساوقة في الوجود الخارجي لا يظهر ابدا مادة لا صورة لها ولا صورة لا مادة لها بل هما معا في الوجود بل في التعقل الا ان الهيولي والصورة متعددة الهيولي الاولى والصورة الاولية للعقل والهيولي الثانية للروح والهيولي الثالثة للنفس والهيولي الرابعة للطبيعة والهيولي الخامسة للمادة الجسمانية والهيولي السادسة للمثال والهيولي السابعة للجسم والهيولي الثامنة لمحدد الجهات والهيولي التاسعة لفلك الكرسي والهيولي العاشرة لفلك زحل والهيولي الحادية ‌عشر لفلك المشتري والهيولي الثانية‌ عشر لفلك المريخ والهيولي الثالثة‌ عشر لفلك الشمس والهيولي الرابعة عشر لفلك الزهرة والهيولي الخامسة ‌عشر لفلك عطارد والهيولي السادسة ‌عشر لفلك القمر والهيولي السابعة ‌عشر لكرة النار والهيولي الثامنة ‌عشر لكرة الهواء والهيولي التاسعة ‌عشر لكرة الماء والهيولي العشرين للارض ثم اعلم ان الله سبحانه يركب من جزء الارض وجزئي الماء تركيبا ثالثا ويعفنها في بطن الارض فيكون هذا المجموع هيولي ومادة للخشبة الشجرة فهي مركبة من مادة وهي الارض والماء ومن صورة وهي الهيئة المخصوصة ثم يجعل هذه الخشبة مادة لصورة اخرى (خ) مثل هيئة السرير او الباب او الصنم وامثال ذلك فالقول بان العقول والنفوس لا مادة لهما ان اريد بانه لا مادة لهما اصلا غلط لما عرفت وفي الحقيقة هذا لا يحتاج الى برهان واستدلال بل هو عندنا وعند من له ادنى مسكة من البديهيات الا من عمي الله عينه لا يرى ضوء الشمس وان اريد بانه ليست لها المادة الجسمانية فصحيح لا شك فيه ولا ريب يعتريه بل ليس للنفس ما للعقل من المادة ابدا فاذن يصح لك ان تنفي القوة والفعل من المجردات على النحو الذي للجسمانيات وهذا صحيح ونحن نقول به الا ترى الاشعة والسراج فان هذه الشدة والضعف والزيادة والنقصان التي للاشعة ليست للسراج البتة بل له ايضا لكن على نحو اشرف واعلى فمجمل القول ان كمالات ما تحت العقل الكلي ودونه فعلية للعقل واما كمالاته نفسه فكلها ليست كذلك بل هي متجددة في كل آن ودقيقة وساعة وكل ذلك من امكانه الذي يعنون به القوة ولذا قال تعالى مخاطبا لنبيه (ص) قل رب زدني علما فان الاستزادة مما كان عنده قبيح وهو تحصيل الحاصل والاستزادة من الوجوب حرام وكفر لانه لا ينزل من الوجوب شيء الى الامكان ولا يصعد من الامكان شيء الى الوجوب وكل منها في مكانه ورتبته فيجب ان يستزاد مما يمكن في حقه فان قلت ما قلت سابقا ان الترقي لو لم يكن غير متناه يلزم اما تناهي رحمة الحق تعالى واما وقوفه عن العبادة غير صحيح بل هنا شق ثالث وهو عدم القابلية للازدياد ولا يلزم من ذلك تناهي الرحمة ولا وقوفه عن العبادة بل على ما قال الله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها قلنا انحصر الامر في الشقين المذكورين فان الاشياء وامكاناتها ليست متناهية لا اول لها ولا آخر لها ألا ترى انك كلما تفرض لك ابتداء ترى فوقه في تصورك شيئا (خ) آخر يدلك على انه ليس ابتدائك وقد قام الاجماع واتفقت جميع العقول والآراء من العقول السليمة الا ما شذ من العقول المغيرة بالنكراء والشيطنة على ان كلما له اول له آخر وكلما له آخر له اول وكلما ليس له اول ليس له آخر وبالعكس وقد صح عند جميع المسلمين ان الجنة والنار لا نهاية لهما ولا لنعيم الجنة ولا لعذاب النار ولا شك ان الجنة والنار انما يتحققان باهلهما وهو كل الخلق فلا آخر للخلق فلا اول له كيف يتحقق الاولية والآخرية مع ان الخلق كلها كرة تدور على قطبها الذي هو فعل الله سبحانه الداير على نفسه بخلاف التوالي والكرة لا اول لها ولا آخر كلما تفرض له الاول فله الاول بل هو الآخر والاولية نفس الآخرية كيف يكون الاول لمن خلق لا في زمان ولا في مكان بل الاولية والآخرية والزمان والمكان انما خلقت بالفعل الذي نفسه الامكان وهو ذكر جميع الموجودات فاذا تحقق ان الشيء غير متناه فكلما له لا يجوز ان يتحقق بالفعل والا يلزم وجود الامور الغير المتناهية في الاوقات المتناهية وقد قام البرهان في الكتب الحكمية على بطلانه فثبت ان بعض الامور الممكنة للاشياء ظهر من الامكان الى الاعيان وبعضها ما ظهر يظهر بالتدريج في الاوقات الغير المتناهية واما ما قلت من عدم القابلية فجوابه ان الله سبحانه قال في محكم كتابه عن لسان الملائكة في الظاهر ولسان الخلق في الباطن وما منا الا له مقام معلوم وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فكل شيء له حد لا يتجاوز عنه فقولنا ان الشيء يترقى كالعقل ليس مرادنا انه يتجاوز من مقامه ( ويصل الى مقام الحروف وهو يتجاوز عن مقامه خ ) ويصل الى مقام الكلمة التامة وهي تتجاوز عن مقامها فتصل الى مقام الحروف العاليات وهي تتجاوز عن مقامها فتصل الى مقام الالف والنفس الرحماني وهي تتجاوز عن مقامها فتصل الى مقام النقطة وهي تتجاوز عن مقامها فتصل الى مقام الازلية مقام الوجوب فتنقطع السلسلة او تذهب الى غير النهاية لانه باطل وكفر وزندقة لانه يلزم اما التسلسل او حدوث الوجوب ( الواجب خ ) او قدم العالم وكل ذلك باطل مردود ولا يحتاج الى البينة في هذا المقام لان كتب اهل الحكمة واهل الكلام مشحونة بذلك بل نقول ان الشيء يحصل له الترقي وهو في مكانه وزمانه ووقته وكونه وكمه وكيفه بحيث اذا رأيته حكمت عليه بانه هو وهنا امثلة كثيرة الا ان الفقير اذكر في هذا المقام مثالين منها لتبين الامر ولذا قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد قال العالم (ع) العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق الحديث تأمل وتدبر في هذين المثالين ( وفقك الله تعالى خ ) فانهما من ادلة الحكمة التي قال تعالى آمرا لنبيه (ص) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن

المثال الاول في السراج وذلك لان النار لما تجلت وظهرت بالدهن وجدت الشعلة التي هي السراج الوهاج صلى الله عليه وآله فاوجدت بواسطة السراج الاشعة فهي تختلف وتعدد وتقوى وتضعف بالقرب والبعد ولا يمكن ترقي شعاع في مرتبة ( الشعاع من مرتبته خ ) التي قدرها الله سبحانه بالنار بالسراج لها الى مقام شعاع فوقها ولا تكلف الاشعة بهذا ابدا لانه تكليف بما لا يطاق وهو باطل نعم اذا اصقلت الارض او وضعت المرآة في الشعاع البعيد عن السراج ترى فيها الضياء والنور اشد واكثر واقوى بالنسبة الى ما فوقها وما تحتها من الاشعة التي لم تصقل الارض ولم توضع المرآة فيها بل ترى فيها مثال السراج دون غيرها فكلما صقلت الارض يظهر النور اكثر واشد وهذا معنى السير في مرتبته ومقامه ومثال ( مثاله خ ) الحجرة التي تترقى الى الزجاجة ومنها الى البلور ومنها الى الالماس سبق انظر وتأمل فيه هل خرج الحجرة من مرتبة الجماد الى مرتبة النبات او هي بعد في مرتبة الجماد لكن انظر حالتها الاولى مع الاخرى وهكذا يترقى وهي في مكانها فافهم

والمثال الثاني في الصناعة الفلسفية فانها مرآت الحكماء فيها جميع ما في الوجود اي الانسان الاكبر والاصغر اذا عرفتها عرفت جميع الوجود بالمشاهدة العيانية وهو انهم اذا اخذوا الطيور الاربعة التي هي الطاووس والديك والحمامة والغراب فقطعوهن ثم جعلوا على الجبال العشرة كل جبال ( جبل خ ) جزءا ثم ادعوهن يعني ازالوا ريش الغراب فاخذوا من الحمامة جزئين ومن الطاووس والديك جزءا ومن الغراب بعد ازالة ريشه جزءا ومما خرج منهن جزءا ثم اخلطوهن وعفنوهن وطبخوهن وسقوهن ثلث سقيات فاخرجوا ثلثة رهط مفسدة في الارض فاذا يفعل هذا المركب فعل القمر عند ظهوره على الجوزهر ثم يسقونه بالتساقي الستة الاخر حتّى اخرجوا جميع التسعة المفسدة التي لا يصلحون فاذا صفوا تلك (خ) الارض واخلوها من الرذايل والقبايح تترقى وتحيي وتظهر روحها الكامنة فيها فيحيي الاموات فتفعل فعل الشمس في خارج المركز فيفعل الواحد في المائة وهذا تمام الاكسير ثم اذا سقوه يزداد فعله وكلما زاد السقي يزيد فعله الى ان يبلغ الى مقام يكون الواحد على الف الف وهكذا يترقى عند تزايد السقي فصار اشرف الجمادات والمعادن واكملها واتمها وقد سماه الامام عليّ امير المؤمنين صلوات الله عليه وآله باخت النبوة وعصمة المروة وما صار سبب هذه الشرافة الا كثرة تصفيته وتزكيته حتّى بلغ حد الكمال وجلس على سرير الجلال والجمال الناس في تمام اعمارهم يطلبونه وجميع اموالهم في طلبه يصرفون قل من اهتدى اليه وشذ من وجده وتسلط عليه الا ان يكون صاحب ( طالب خ ) المعرفة والراغب في رضي الله سبحانه والراغب عن الدنيا بتمامها وكمالها وامثاله يجدون اذا كتب الله لهم ذلك وقد يكون عند غيرهم لاجل مصلحة لا يناسب الآن ذكرها فليطلب في محالها انظر وتدبر وفقك الله يا اخي ان هذه الترقيات التي حصلت لهذا الولد العزيز الصالح الشجاع الكريم المسمى بعبد الواسع وعبد الكريم السخي الجواد الرحيم هل اخرجته عما هو عليه من المرتبة والمقام واوصلته الى مقام الحيوان والانسان بل هو على ما هو عليه من الجماد لكنه اعز وامنع مما سواه تأمل في السقي يا اخي هل يقصر الحكيم اذا كان عنده مياه كثيرة غير متناهية عن سقيه لازدياد مقامه ومرتبته والمفروض ان الحكيم ليس بخيلا والسائل ليس ساكنا وهو دائما يسأل وهو دائما يجيب ام من يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء عمن ناجاه واما ما قلت من ان البخل ليس من جهة المبدأ وليست رحمته وفضله وكرمه متناهية بل هو المعطي على قدر القابلية ولقد اكمل للعقل جميع كمالاته بحيث لا يقبل ازيد من ذلك فجوابه ما قلنا سابقا من ان الشيء اذا كانت امكاناته غير متناهية لا يمكن ان يتحقق ويوجد (خ) في الاعيان في الازمنة المتناهية فهو بعد في الترقي على انا نقول ان القابلية تزيد في كل آن بسبب الطاعة والعبادة وتسبيح الحق وتقديسه وتخلية القلب له فلا يتجدد له الكمال الا اذا زادت القابلية باذن الله ولا تزيد القابلية الا في محلها ومكانها (خ) كما عرفت في المثالين المذكورين كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه‍ وللحقير الفقير المعترف بالقصور والتقصير في كيفية ازدياد القابلية ونقصها كلام كتبته جوابا لبعض الاخوان ايده الله ووفقه بفنون (خ) توفيقاته لما عظم عليه ذلك قال انه يلزم الجبر والخلق على خلاف مقتضى القابلية واراد من الفقير ان اكتب له شيئا في ذلك فكتبت هذا :

اعلم ان الله وحده ولا قديم سواه ولا مؤثر غيره وكل شيء باطل مضمحل عند جلالته وعظمته فلما افاض الوجود دفعة واحدة لقوله الحق وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر خرجت كل حصة منه على ما هي عليه من الحدود والهيئات المعنوية ثم كلفهم بعد ما كلفوه ان يكلفهم بقوله ألست بربكم فاجابوه بمعنى انه خرجت الحصص المعنوية المتمايزة على ما كانت عليه تمايزا صوريا فالقابلية عبارة عن الصورة التي هي عبارة عن الحدود والهيئات المعنوية وهي الهيكلان هيكل التوحيد والانسانية وهيكل الشرك والشيطانية فهذه هي التي اعطاها الله تعالى العبد لما سأله حين سأله فلما سأله الهيكل التوحيد الذي هو الصورة الانسانية اعطاها الله سبحانه اياه وهو قوله تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ولما سأله الهيكل الشيطانية اعطاها الله تعالى اياه بطلبه وهو قوله تعالى بل طبع الله عليهم بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا فكان الخلق على قسمين وهو قوله تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فالقابلية في الانسان الطائع هي الهيكل التوحيد الذي هو الايمان والقابلية في العاصي المنافق هي الهيكل الشيطانية التي هي الكفر والفسوق والعصيان والايمان قابل لجميع الخيرات الممكنة في حق المؤمن لا مطلقا تظهر فيه على قدر تصفية القلب وتزكيته لان مراتب الايمان والمؤمنين متفاوتة منهم على الدرجة العليا والرتبة القصوى في القرب وهم يقبلون المدد والفيض بلا غاية ولا نهاية ازلا وابدا دهرا وسرمدا وهو البحر الذي لا ساحل له وهم المتبوعون ومنهم على الدرجة التي هي تحتها وهؤلاء يقبلون الفيض والمدد من الله سبحانه بما لا يتناهى في المرتبة التابعية ولا يساوون المرتبة العليا الاولى قط والا لكانوا هم هذا خلف ومنهم من هو تحتها وهم ايضا قابلون الخير بما لا يتناهى لكنه ( لكنهم خ ) في رتبتهم ومقامهم ومثاله السرمد والدهر والزمان كل منها لا يتناهى لكنه في مرتبته فان الله سبحانه اذا علم الاقبال من العبد اليه تعالى بطبيعته وذاته وحقيقته يقبل اليه من اقبل الى الله شبرا يقبل الله اليه ذراعا واعلم انك للداعين بموضع اجابة وللملهوفين بمرصد اغاثة فيزداد نورا ( وشبابا وجدة خ ) وفضلا منه تعالى لان قابليته في المرتبة الاولى كانت اقل مما هي في الثانية ولو قلنا ان القابلية ما تتفاوت التي هي في المرتبة الاولى هي التي في المراتب الاخر يلزم ان لا يكون للشخص مراتب ومنازل وترقيات ضرورة ان النور من الله سبحانه يشرق على القابليات كما هو عليها فلو كانت متساوية لكانت متساوية هذا خلف فيزيد ( فتزيد خ ) البتة وهذه الزيادة ليست مما فوقها بل تزداد في رتبة الى غير النهاية وهذا ليس بجبر ولا الخلق على خلاف مقتضي القابلية لان الايمان هو يقتضي جميع الخيرات الممكنة في حق المؤمن لكن الاقتضاءات متفاوتة غير متناهية فالله سبحانه يخلق الاقتضاءات حسب بدء شأنه الغيبي الاولى الذكر الاول الذي قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم وهم عن ذكرهم معرضون ويترتب على تلك الاقتضاءات مقتضياتها وهو قوله تعالى في الحديث القدسي ان سألني اعطيته وان سكت عني ابتدأته والمراد بالسؤال هو السؤال الاستعدادي والمراد من السكوت السكوت كذلك فاذا سكت بالاستعداد الظاهري يجعله الله سبحانه سائلا ويعطي العطية حسب استعداده الذاتي والقابلية الكلية الاولية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقس على ما ذكرنا من حال الايمان والمؤمن حال الكفر والكافر فان الكفر قابل لجميع الشرور لانه عبارة عنها فهو مدبر ابدا لا يقبل قط بمقتضى ذاته فلا يصلح للاقبال اليه لمكان التناقض فهو الظلمة والظلماني والله سبحانه يمده من جنسه من جهة امكانه وفقره اليه ولو لم يمده يفني وجوده فيغيب الايمان والطاعة والنور ويعود الى مركزه ويعبد الله تعالى فيما لا يتناهى وهذا يستلزم بطلان الايجاد والتكليف ولو امده من النور تفني الظلمة ايضا وكذا اذا امد النور من الظلمة يذهب النور للمناكرة الحاصلة بينهما فيجب ان يمد كل شيء ما يسأله من جنس ما يطلبه من مبدئه ولذا قال تعالى قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتّى اذا رأوا ما يوعدون اما العذاب واما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا واضعف جندا هذا في مدد الكفار والمنافقين وقد ظهر من سياق العبارة ان مددهم من الامور العدمية المجتثة التي لا اصل لها ويعبرون عنه بالخذلان والطرد وقال تعالى في حق المؤمنين بعد هذه الآية وكيفية امدادهم بالمدد الوجودي النوري قال تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا وقال تعالى ايضا ( في سورة الشوري خ ) في مدد الطرفين والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض الا ان الله هو الغفور الرحيم والذين اتخذوا من دونه اولياء الله حفيظ عليهم وما انت عليهم بوكيل ولهذا المطلب في القرآن شواهد لا تحصى اذا اردت الاطلاع انظر اليه واقرأه بالتدبر والنظر ( التفكر خ ) ليحصل لك المطلوب والله خير موفق واذا اردت ان تعرف المثال الذي خلقه الله سبحانه في هذا المطلب لاولي الالباب الذين هم اولوا الافئدة اصحاب دليل الحكمة فانظر في السراج فان السراج قبل ان يشعل ما كان شعاعا ولا ظلا فلما اشعلت السراج يظهر النور والظلمة دفعة واحدة ولا شك ان الظلمة التي هي عبارة عن الظل في هذا المقام والنور الذي هو الشعاع انما وجدا بالسراج اما الاشعة فانما وجدت به بالاصالة وهي منسوبة الى السراج وهي الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء واما الاظلة فانما وجدت بتبعية النور من حيث هو نور لا من حيث هو اثر للسراج ففاعل الظل انما هو السراج لكن بواسطة نفس النور فهو الناظر الى نفس النور لا الى السراج فهي الشجرة الملعونة الخبيثة المجتثة التي هي ( من خ ) فوق الارض ما لها من قرار فالنور انما ينظر الى السراج فالناظر الى مس النار الناظر الى النار فله اصل ثابت والظل انما هو ناظر الى النور نفسه لا من حيث كونه اثر السراج فهو باطل ومنقطع ليس له اصل ثابت اذ لا ينظر الى فاعله ومؤثره وموجده الذي جميع اموره ترجع اليه فهو الساجد للشمس من دون الله وبالجملة ان الظل والنور وجودهما بيد السراج فاذا اخذ السراج يبطل الكل ولا شك انهما لا يبقىان الا بمدد السراج وافاضة الفيض عليهما ولا شك ان السراج لو لم يكن يمد كلا منهما من مبدئه لبطلا وفسدا مثلا اذا امد النور بالظلمة لبطل النور وكذا بالعكس فيمد كلا منهما من جنس ما يطلبه فيمد الاشعة بالنور والضياء ويمد الاظلة بالظلمة السوداء وهو معنى قوله تعالى من كان يريد العاجلة الى ان قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا مضيفا الى ما سبق من الآيتين المذكورتين الحاصل ان الله سبحانه هو الجواد الكريم لا ييئس احدا مما طلبه وسئل منه والا لما كان حكيما تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا فيعطي كل ذي حق حقه من الرحمة الواسعة رحمة العدل التي وسعت كل شيء وهو قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء بتجلي اسمه الرحمن فافهم

فظهر لك من هذا الكلام على سبيل الاجمال ان القابلية تزيد وتنقص ألا ترى ان الشخص يترقى ويبلغ في العلم او في شيء آخر الى ما لم يبلغ اليه احد من امثاله واقرانه بعد ما كان جاهلا بليدا فلو كانت القابلية التي في المرتبة الثانية في المرتبة الاولى يلزم ان يكون المعطي جل شأنه بخيلا تعالى عن ذلك لان الحق تعالى هو الذي يعطي العلم والمعرفة والبصيرة في الامور على سبيل العموم والاطلاق ولا شك انه تعالى انما يعطي بقدر القابلية فلو كانت هذه القابلية الثانية حاصلة للشخص ومع ذلك منعه الله سبحانه ما يناسب قابليته واستعداده كان بخيلا وهو محال على الحق سبحانه وتعالى فثبت انها ما كانت حاصلة فازدادت بما ذكرنا لك سابقا وقد يكون الشخص عالما فاضلا في كمال الدقة لكن بعد مدة بالاسباب التي لا يسعني الآن بيانه صار بعكس ما كان وليس هذا الا من جهة نقصان قابليته فاذا صح هذا المطلب نقول لا شك في عدم تناهي فيوضات الحق سبحانه ولا شك ايضا في عدم وقوف العقل عن العبادة والطاعة بل العقل لا ينظر الى نفسه ابدا وانما نظره الى الحق سبحانه ولا يرى لنفسه انية ولا اعتبار ولا تحقق كيف وقد اضمحلت ماهيته واحترقت انيته كما في الحديث المذكور في كتاب البحار وامثاله من الكتب وذكرنا شرحه في كثير من رسائلنا سيما في شرحنا على الفوائد وعلى شرح الزيارة كيف والعقل لا يلتذ بطعام ولا شراب ولا رياسة ولا سلطنة ولا نكاح ولا صورة حسنة ولا شيء مما يتعلق بعوالم الصورية ابدا وانما التذاذه بالله وذكره وعبادته ومراقبته والخلوة معه ومناجاته اذا اردت ان تعرف صدق ما ذكرنا انظر في الذين غلبت عليهم جهتهم العقلية هل يلتفتون الى هذا العالم الجسماني الشهواني ابدا بل هم ابدا في الدعاء والمناجاة والذكر والفكر كالمؤمنين الممتحنين وكالانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وقد روي في الحديث ان الجنة التي بازاء العقل وهي جنة عدن ليست مكان كل احد بل فيها اناس مخصوصون لا يلتذون بالطعام والشراب والنكاح والحور والغلمان وانما التذاذهم بالمشاهدة والمراقبة فاذا كان امر هؤلاء كذلك فما ظنك بالعقل الكلي اول الموجودات واقربها الى المبدأ واشرفها واعظمها شأنا وارفعها مكانا واقدمها رتبة وامنعها منزلة به وجدت الاشياء ومنه استمدت واليه عادت فهو لا يرى لنفسه الوجود ولا يجد لها الشهود ولا يشاهد سوى المعبود فكيف يقف عن العبادة والذكر والتسبيح والركوع والسجود وقد صح ان كلما قرب الى المبدأ معرفته بربه اكثر وكل ما كان معرفته اكثر طاعته اعظم ولذا ترى المؤمنين العارفين اكثر عبادة من غيرهم وابناء جنسهم والانبياء والمرسلين اعظم طاعة واكثر عبادة من المؤمنين الممتحنين والعلماء العارفين ونبينا صلى الله عليه وآله اكثر عبادة من كلهم وجميعهم ما من احد من الخلق على سبيل العموم يصل عبادة سيدنا ومولانا خاتم النبيين صلى الله عليه وآله والعقل اقرب الموجودات الى المبدأ فكيف يقف عن العبادة والطاعة فهو في كل آن في الترقي والازدياد ابد الآبدين الى غير النهاية لا غاية لهذا ولا نهاية وهنا كلام آخر يؤدي الى هذا المطلب من جهة الكروية وسرعة الحركة وبطئه تركنا ذكره للتطويل

فان قلت فاذا كانت الاشياء غير متناهية لا اول لها ولا آخر يلزم ان تكون قديمة وليست بحادثة اذ ليس شأن الحادث الا النهاية والازلية والابدية انما هو شأن القديم تعالى شأنه وقدم العالم عندك باطل قلنا ان اللاتناهي انما كان ( يكون خ ) قديما اذا لم يكن فوقه شيء فهو القبل وقبل القبل والبعد وبعد البعد ولا نقول هذا وانما نقول ان اللاتناهي الذي ادعينا انما هو في الرتبة الثانية رتبة المعلولية وهو رتبة الحدوث والله سبحانه فوق ما لا يتناهى وهو سبحانه وتعالى قبل القبل وبعد البعد قبليته نفس بعديته وبعديته نفس قبليته اوليته نفس آخريته وظهوره نفس بطونه تعالى شأنه وتقدس وليس كلما لا يتناهى بقديم مطلقا هذا العدد ومراتبه غير متناهية من جهة الاول والآخر وليس بقديم وكذا الزمان غير متناه وليس بقديم ولا يلزم من عدم تناهي الشيء قدمه ووجوبه مع ان المتكلمين صرحوا في كتبهم كما هو معتقدهم ان مقدورات الله سبحانه وتعالى غير متناهية ولا يقولون بقدمها لمكان عدم المنافاة ولا يقال الله سبحانه وتعالى غير متناه اذ لا يوصف الحق تعالى بصفة التناهي وعدم التناهي اذ لا يجوز ان يقال انه تعالى قبل خلقه وايجاده بامور متناهية ولا بالغير المتناهية اذ الصورة الاولى تستلزم اتصال الحادث بالقديم وهو يستلزم المشابهة ضرورة وجوب تناسب المتصلين في الملتقى والا فلا يصح الاتصال هذا خلف والصورة الثانية تستلزم عدم الكون مطلقا لان كل وقت تفرض الانتهاء فله انتهاء الى غير النهاية فلا يقف على حد يستلزم وجود الكون الحاصل انه يجب علينا ان ننزه الحق سبحانه عن كل الصفات الامكانية على سبيل العموم والاستغراق لان الصفات من مقتضيات الذوات على ما نعرف ولا يقتضي الناقص الا الناقص مثله فلا يجوز اتصاف احد المتباينين بصفات الآخر كما لا يخفى على اولي النهي فثبت ان القول بان عدم تناهي الموجودات والممكنات يستلزم القول بقدم العالم باطل نعم نقول بقدم العالم كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام في خطبته في وصف الرسول (ص) استخلصه في القدم على ساير الامم وقال الله تعالى حتّى عاد كالعرجون القديم وهذا القدم لا ينافي الحدوث بوجه ابدا وبعض الناس فهموا انه ينافي الحدوث (خ) حكموا بكفر القائلين بهذا القول وما عرفوا انه قول الله ورسوله واهل الله ( بيته خ ) صلوات الله عليهم وسيأتي الكلام في هذا ان شاء الله تعالى في خلال الكلام والقائل بصحة انقطاع فيض (خ) الحق تعالى عن الحق انما يخبر عن نفسه التي قطع عنها الفيض الوجودي النوري يعني لا يقبل لعدم القابلية لا انه انقطع عنه الفيض بل لا يقبل الفيض الاولى وانما يقبل الفيض الثانوي الذي من ظل الاولى فالمسكين صادق في انكاره مثل الظلمة اذا انكرت النور لكن لسان حالها يشهد بوجودها وكذلك الجدار اذا انكر النور الذي في المرآة الذي هو مثال السراج والشمس الملقى في هويتها لكن لا يمكن ان يقال ان فيض الشمس والسراج انقطع عن الجدار وما انقطع عن المرآة بل فيضهما واحد ونورهما واحد والا فالالسنة الحالية للموجودات من المنكرين والمقرين كلها شاهدة بان الله سبحانه كل يوم هو في شأن من ايام الشأن لا الايام المعروفة وانهم في لبس من خلق جديد لكن بعضها يوافقها الالسن المقالية وبعضها لا يوافقها اذ لا يلزم التوافق بين اللسانين الحالي والمقالي فثبت بالبراهين القاطعة والدلايل الواضحة المأخوذة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم ان العقل الكلي والنور المحمدي صلى الله عليه وآله في كل حين في الترقي والازدياد بما ليس له زوال ولا نفاد وكذا العقول الجزئية التي هي اشعة انوار العقل الكلي اذ كلما في المنير يكون في النور بالتبعية ولذا قال عليه السلام في الدعاء لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اه وقد خرجنا عن المقام فلنرجع الى ما كنا فيه فنقول ان دون مرتبة العقل الكلي السراج الوهاج الذي هو معدن المعاني المجردة عن الصور النفسية والجسمية وعن المدة الملكوتية الدهرية والمثالية والزمانية بجميع مراتبها واقسامها على ما ذكرنا سابقا مرتبة الروح الكلي النور الاصفر الركن الاسفل الايمن من العرش وهو البرزخ الكلي في الوجود المقيد اي الرقيقة اول التميز والتعين اعلاه اسفل اعلى الدهر واسفله اعلى الدهر والملكوت ( اول التميز والتعين من دون التميز والتعين اعلاه اسفل عالم الدهر واسفله اعلى عالم الزمان خ ) وهو على شكل ورق الآس على هذه الصورة 11 وصورته في الحروف نحو كتابة الباء في بسم الله الرحمن الرحيم على هذا النهج 23 وهو اول تعين العقل اي تنزله عن مقامه واول امتثاله لقوله تعالى ادبر و( او خ ) اقبل على اختلاف الروايتين فحيوته بتنزل العقل الكلي في هذه المرتبة وظهوره فيها وانبعاث ( الارواح خ ) الجزئية منه انبعاث الشعاع من المنير وموته بغيبوبته في المقامات السفلية وعدم ظهور آثاره فيها بجميع المراتب فاطلاق الحيوة على هذا الموجود الشريف ثاني غصن نبت من شجرة الخلد الحي بالذات والعرض على الحقيقة لكن تحت تلك الحقيقة الكلية الاولية اي اول غصن ( اخذ خ ) من شجرة الخلد يعني ان هذا اللفظ انما وضعه الواضع عند وجود تلك الحقيقة المقدسة بازائها فلما وجدت بعدها هذه الحقيقة بالاولي استحق لهذا الاسم ليس اشتراكا معنويا ( وليس هنا اشتراك معنوي خ ) لعدم الحقيقة الواحدة الجامعة بدليل التقدم والتأخر نعم لك ان تقول بالاشتراك المعنوي اذا لاحظت الحيوة الاولية السارية في جميع الحيوانات على الاطلاق من اول العقل الى الثرى وهي احد جزئي العقل الحيوة الاولية التي تحت الحيوة الاولية على ما حررنا ثم دون تلك المرتبة مرتبة النفس الكلية وهي اول التصور والتعين المتمايزة المعلومة المتحققة الذر الثاني او الثالث اذ الاول مقام السعادة والشقاوة ولها مرتبتان مرتبة التمام والتحقق ومرتبة الكمال والتذوت فالاولى على اربع مراتب مختلفة متعددة بالذات والحقيقة وهي النفس النباتية والحيوانية والانسانية والملكوتية الالهية وكل منها لها حيوة وممات مذكورة في حديث الاعرابي وكميل كما ذكرنا في شرحنا على الفوائد والثانية على سبع مراتب وهي الامارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة وهذه المراتب تختلف بالكمال والنقصان والشدة والضعف والنورانية والظلمانية والشرافة والكثافة كما ذكرنا في شرحنا على شرح الزيارة الجامعة فالنفس الامارة ميتة فاذا ماتت حييت فحيوتها في موتها وموتها في حيوتها واللوامة فيها بعض الحركة مثل البرازخ التي بين الحيوانات والنباتات الغالبة عليهم جهة الحيوانية لكن فيها من الاوصاف النباتية كما هو المعلوم من ملاحظة احوال بعض الحيوانات اي البهائم والملهمة فيها الحيوة التامة الحيوانية الفلكية وتمام مرتبة القابليات قوي اللام وثلثون ليلة لميقات موسى والمطمئنة هي تمام ميقات موسى اربعون ليلة وفيها الحيوة الانسانية القدسية اول مقامها مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله بعده وثاني مقامها مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه وثالثها ( وثالث مقامها خ ) مقام ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله فاذا استقرت في هذا المقام تكون لائقة لخطاب اقبل الذي هو المعراج المشار اليه بقوله ارجعي الى ربك راضية مرضية فلما رضيت عن الله تعالى ومارأت لنفسها تحققا وانية وفارقت الاضداد بتكرير التعفين والتقطير رضي الله تعالى عنها (خ) فتكمل مشاركتها في السبع ( للسبع خ ) الشداد فحيوة المراتب الثلثة الاخيرة بنور الصرف المشار اليه بقوله تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس والمرتبة الاولى حيوتها بظلمة ( بالظلمة خ ) الصرفة المشار اليها بقوله تعالى كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها لانها مقام ملاحظة الكثرة المحضة وهي الظلمة لكون طبعها البرودة واليبوسة طبع الموت والهلاك والفناء والعدم والمراتب الثلثة الباقية فحيوتها بالنور المختلط بالظلمة والا كانت المراتب اربعة الا ان في المرتبة الاولى الظلمة اكثر من النور لقربها الى المخروط الظلماني والمرتبة الثالثة نورها اكثر من الظلمة لقربها الى المخروط النوراني والمتوسط متوسط كما لا يخفى لكن ليس هذه المراتب متعددة بالذات والحقيقة كما في المراتب الاولية المذكورة الاربعة بل هي واحدة لها ترقيات وتنزلات فبكل ترقى وتنزل تستحق لاسم يناسب ذلك الترقي او التنزل مثالها الشجرة الطورية في تنزلها الى مقام الجماد الذي هو ادنى المقامات واسفل الدرجات وترقيها الى مقام المعدن ومنه الى النبات ومنه الى الحيوان ومنه الى الانسان ومنه الى الكمال الذاتي (خ) الحقيقي وهي شجرة واحدة بعينها كما لا يخفى فاذا عرفت حيوة تلك المراتب تعرف موتها بمقابلاتها واضدادها وسيجيء البحث في الموت وكيفية تحققه وتذوته وكيفية ايجاده وصدوره من المبدأ وكيفية حيوته وموته وذبحه بصورة كبش املح بين الجنة والنار على اتم تفصيل ان شاء الله تعالى ثم دون تلك المرتبة مرتبة الطبيعة الكلية النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وهي الطين الذي رجعت الارواح السعيدة والشقية اليه واول موت الانوار المجردة عن المادة المثالية والجسمية فحيوتها بتنزل العقل النور الصوري النفسي اليها وخفاؤه فيها فاطلاق الحيوة عليها ايضا على سبيل الحقيقة بعد الحقيقة كما دريت في المراتب الفوقية ثم دون تلك المرتبة مرتبة المادة الجسمانية وحيوتها على قسمين حيوة في مرتبة ذاتها وحقيقتها مع قطع النظر عن تنزلها الى مقام ورتبة وظهورها في مظهر وبروزها في موضع وحيوة بالنسبة الى ظهورها وبروزها في عالم الاجسام وترتيب الآثار والاحكام عليها فموت المرتبة الثانية لا ينافي حيوة المرتبة الاولى بلا عكس فحيوة المرتبة الاولى لا تقتضي الحيوة في الثانية ( حيوة المرتبة الثانية خ ) لان ظهور الشيء ليس من مقتضيات ذاته كما لا يخفى اما حيوتها (خ) الاولية فهي بجزئيها اللذين هما عبارة عن النور المجرد الناشي عن فعل الله تعالى القائم بامره النازل الى هذه المرتبة بتوسط الطبيعة المتحدد بحد الابهام والمتعين بتعين الشمول في الاجسام والمتشخص بتشخص الصلوح للنقش والارتسام وهي من عالم الغيب وهو تحققها في ذاتها فموتها باختلال احد الاجزاء واما حيوتها الثانوية فهي بانضمامها بالصورة والمثال وتنزلها اليها فلا تظهر المادة الا بالصورة والمراد بالمادة المادة الجسمانية وبالصورة الصورة كذلك وليس المراد بهما المادة المطلقة والصورة المطلقة كما ذكرنا سابقا فموت هذه المرتبة من هذه الحيثية بالافتراق بينهما قال ونعم ما قال :

حيات من نه بجان وممات من نه بمرگ

من الوصال حيوتي من الفراق مماتي

فافهم والعن من فرق بين المادة والصورة ثم دون تلك المرتبة مرتبة الصورة عالم المثال والبرزخ وفيه الجنة التي فيها غدوا وعشيا وخلق فيها آدم وحوا وجهته العليا تسمى هورقليا وجهتي الشرق والغرب تسمى جابلصا وجابلقا وفيه النار وجحيم الدنيا في وادي حضرموت بئر برهوت وهو التي ينظر اليها ( اليه خ ) الشخص في المرآة ويرى الطائف في الطيف فحيوته بالذات بالنور الواحد الساري في المراتب كلها المتنزل الى هذه المرتبة بتوسط المادة والحد الصوري الكلي العام الشامل وبالظهور باعتبار تقاربها بالمادة والا فهي من حيث انه نور مجرد من عالم الغيب كما ترى من الآيات الآفاقية والانفسية وموتها بالمفارقة والمهاجرة في الثانية واختلال احد الاجزاء في الاولى ثم دون تلك المرتبة مرتبة الاجسام بقول مطلق من اول فلك الافلاك الى الثرى وحيوة هذه المرتبة بجزئيها الذي هو المادة والصورة وبعبارة اخرى الهيولي والصورة ونعني بالصورة المشخصات الستة من الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان كما سنذكر ان شاء الله تعالى واطلاق الحيوة على هذه المرتبة على الحقيقة والواقع والا فهي مظهر اسم الله المميت وقد ماتت فيها جميع المراتب العالية الفوقية التي في تمام الادراك والشعور والاختيار بحيث توهم جماعة انه ليس في هذه المرتبة حيوة ولا ادراك ولا شعور ولا اختيار ولا تكليف ولذا خصوا ما فوق النباتات بالحيوان وليس هذا الا من جهة عدم احساسهم بذلك ظاهرا لعدم ظهور هذه الامور فيها كما في غيرها وهذا آخر مراتب التنزل وادنى مقامات الادبار فلما وصل في مقامات التنزل الى هذه المرتبة امره الله سبحانه بدعائه مطلبه ( وطلبه خ ) بالاقبال فقال اقبل فامتثل لقوله تعالى فاول ما ترقى وصعد الى مقام النبات فظهرت فيه النفس النامية النباتية التي اصلها العناصر ومقرها الكبد ومادتها من لطايف الاغذية وفعلها النمو والذبول والزيادة والنقصان فحيوة تلك المرتبة النباتية التي هي عبارة عن اول امتثاله بقوله تعالى اقبل وادبر بالنفس النامية النباتية المذكورة ثم يترقى الى مقام الحيوان يعني ظهور النفس الحيوانية الفلكية التي اصلها الافلاك ومقرها الكبد وفعلها الحركة والظلم والغشم وسبب فراقها تخلل الآلات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدءت عود ممازجة لا عود مجاورة فحيوة هذه المرتبة بالنفس الحيوانية المعبر عنها في الاحاديث بروح المدرج وهذا ثاني امتثاله لقوله تعالى اقبل ثم يترقى ويصعد الى مقام الانسان يعني ظهور النفس الناطقة القدسية الانسانية التي اصلها العقل ومقرها العلوم الحقيقية وسبب فراقها تخلل الآلات الجسمانية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة ثم يترقى ويصعد الى مقام الجامع (ع) فيظهر فيه النفس الملكوتية الالهية وهذه النفس لها جهات وحيثيات واعتبارات فبكل وجه وتوجه يتوجه الى مرتبة من المراتب التي فوق مراتب الانسانية المعروفة ذوي النفس الناطقة الانسانية المترقية عن رتبة البهيمية فتختلف المراتب باختلاف الانبياء والمرسلين في التوجهات وهذه النفس بكلها وجميع مراتبها وحيثياتها ليس الا في ذات كاملة جامعة لجميع الصفات والكمالات الجمالية المنزهة عن كل الصفات الجلالية التي هي مسمى اسم الله تعالى التي هي الاسم الاعظم الاعلى فالمراتب العالية النازلة السابقة كلها حيوانات اي ذوات حلت فيهم الحيوة في كل مقام ومرتبة بحسبها فحيوتها لمراتبها التي هي غير ذاتها وتكون كل منها حيوة لهذه المراتب الصاعدة بعد نزولها فحيوانية هذه الحيوانات بتلك المراتب ولولاها لماتت كما لا يخفى على العارف الفطن ثم اعلم ان المراتب الحاصلة عند الاقبال وامتثال المخلوق الاول بقوله تعالى اقبل الظاهرة فيها صفة الحيوانية حيوتها بامور ثلثة وان كانت بجميع المراتب المتقدمة العالية النازلة السابقة الآخرة الا انه هذه الثلثة هي اصول النشئات وكل المراتب غيرها مندرجة فيها بل هنا (خ) مراتب لا دخل فيها ( لها خ ) في الحيوة اي الظهور في عالم الادراك والشعور والاختيار بل مراتب لجهة تنزلات تلك المراتب العالية وكسرها وصوغها مثل الطبيعة والمادة والجسم قبل النضج والاعتدال الذي هو مظهر اسم الله المميت ولا دخل لها في الحيوة من حيث هي حيوة وان كان لها دخل في ظهورها وترتب آثارها عليها وهو غير ما نحن بصدده واما المثال وان كان له دخل فيها لكنه تابع للنفس بجميع ما له من الظهور والادراك والشعور ولونه كلونها وطبعه كطبعها واما الروح وان كان تابعا للعقل في كل ما له لكن فيه من الامور المخصوصة به ما ليس في غيره وله آثار واوضاع تترتب عليها احكام مخصوصة ولذا ترى الحكماء (ع) يفردونه في الذكر في كثير من المواضع وان كان يمكن استخراج احكامه بالنظر الى العقل والنفس لان في جهته العليا احكام العقل وفي جهته السفلى احكام النفس لكن معرفتها مشكل جدا ولما كان متعلقا بالحيوة بل هي ( هو خ ) نفس الحيوة نفرده (خ) في الذكر بخلاف المثال كما لا يخفى واذا اردت معرفة هذه الامور بالمعرفة الكاملة ان شاء الله تعالى فانظر

في هذا الشكل بعون الله تعالى 56

اعلم ان الجامع عليه السلام هو المبدأ وكلما تحته من المراتب المذكورة من اشعته وجزئياته وهذا الذي ذكرنا في هذه البيوت هو مرتبة الشعاع في نفسها والا فالكل متساوق ( متساوون خ ) من جهة الشعاعية لكن لما كانت هذه المراتب هي الاصول في الاقبال ذكرناها بالاصالة والانفراد وان كان هنا يعني في مراتب الاقبال مراتب ومقامات مثل مقام آل محمد سلام الله عليهم والملائكة العالين والملائكة المقربين والملائكة الكروبيين والانبياء والمرسلين وغيرهم من المراتب والدرجات الا ان بعضها يرجع الى بعض وليس كل واحد منها اصلا برأسه وشخصه بل يدخل احدها في الآخر كما لا يخفى على من له ادنى مسكة وتأمل فاذا عرفت ما قدمنا لك من مراتب الحيوانات وترتبها في مراتبها عرفت انها في الجميع ليس على طور واحد ونهج غير متعدد بل حيوة كل شيء هو ما يناسب ذلك الشيء في ذاته وطوره ( ظهوره خ ) ولا ريب ان الحيوانات مترتبة بالعلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية فلا يجوز ان يكون اطلاق الحيوة على الجميع بمعنى واحد اي بالاشتراك المعنوي فيكون الاطلاق في البعض بالاشتراك اللفظي وفي الآخر بالاشتراك المعنوي على تفصيل ما بينا لك فالحي في الحقيقة والواقع اسم للذات المقدسة التي كل الحيوانات من آثاره وافعاله فجميع الاشياء الحية مظهر لاسمه الحي بل هو عينه اي الاسم والصفة وقد بينا ان الاسماء على قسمين حقيقية ذاتية ولفظية اسمية والاسماء اللفظية الاسمية اسماء للاسماء الحقيقية الذاتية فهي اسم الاسم وصفة الصفة ولا شك ان اسم الاسم اسم بالطريق الاولى وهذا سنح بخاطري الفاتر حال الكتابة من بيان الوجه الاول من الوجوه الاربعة التي هي بيان اسم الحي

واما الوجه الثاني اي في القيوم فاعلم ان القيوم هو القائم بذاته والمتقوم به غيره وهذا ليس من الصفة الذاتية كالحي لصحة السلب ولاعتبار الخلق في مفهومه اذ من البين انه ليس قيوم ( قيوما خ ) في مرتبة ذاته والا لكان الخلق في مرتبة ذاته وعلى هذا يلزم اما ان يكون الحق سبحانه وتعالى حادثا او الخلق قديما والقول بان الماهيات ليست بمجعولة بل هي قديمة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة فيصح قيوميته بحسب الذات والحقيقة كلام باطل وقول زور لان بطلان قدم الحقايق والماهيات اظهر من الشمس وابين من الامس لا يشك فيه عاقل واما الجاهل فلا اعتناء بشأنه ولا يصغي لكلامه والقول بان القيوم صفة ذاتية باعتبار المبدأ والاصل كما قالوا في الكلام وقالوا ان التكلم من الصفات الذاتية من جهة المبدأ بل عمموا القول في جميع الصفات الفعلية من انها باعتبار المتعلق حادثة وباعتبار المبدأ قديمة لا اختصاص له بصفة دون صفة اي صفة كانت من تلك الصفات باطل فاسد لان مبدأ هذه الصفات ليس الا العلم والقدرة وهما صفتان ذاتيتان وليس هنا كلام او خلق او تقويم او غير ذلك فان الذات قبل اظهار صفة من الصفات واسم من الاسماء قادرة عليها وعالمة بها وليس فيها الا العلم والقدرة اذ من الضروريات ان الشيء لا يوصف بالمشتق قبل وجود المبدأ فلا يقال متكلم قبل ان يتكلم ولا خالق قبل ان يخلق والا يلزم ان يجوز اطلاق الكاذب على من لم يكذب والظالم على من لم يظلم لانه في مرتبة ذاته كان قادرا ان يكذب او يظلم وهذا لا يجوزه جاهل فضلا عن فاضل كما لا يخفى فظهر ان القيوم ليس من الصفات الذاتية كالحي بل هو من الصفات الفعلية والاسماء الافعالية لكنه اسم جامع بالمعنى لجميع الاسماء والصفات الفعلية لانه اذا ثبت ان الله تعالى قيوم اي قوام كل الوجود والموجود به وناصية كل شيء بيده يثبت اتصاف الكامل سبحانه وتعالى بجميع الصفات والكمالات المتعلقة بالحوادث والمخلوقين فهو العالم القادر السميع البصير المدرك المريد المنشئ المبدئ البديء البديع الخالق الرازق المحيي المميت الباعث الوارث الرحمن الرحيم القهار الجبار المتكبر الحكيم الحليم الرؤف الرحيم وامثال ذلك من الاسماء والصفات الفعلية وكلها تحت هذا الاسم الشريف وللذات الظاهرة بهذا الاسم هيمنة وتسلط على كل شيء من الاشياء وكل موجود من الموجودات من الاعيان والامكان والذوات والصفات والحقايق والاسماء ولا شك ان كل شيء من الاشياء انما وجد باسم من الاسماء الفعلية الخاصة بذلك الموجود ولما كان كلما سوى الحق تعالى شأنه انما هو من آثار هذا الاسم الشريف كان جميع الاسماء من اتباع هذا الاسم الشريف فلذا افرده الله سبحانه وتعالى في الذكر بعد الحي وبعد هو وبعد الله في هذه الآية الشريفة التي هي سيد الآيات على النهج المروي عن اهل البيت عليهم السلام فاثبت بقوله الحي اتصاف الكامل سبحانه بجميع تفاصيل الكمالات الحسنة والصفات الجلالية والجمالية الذاتية وغيرها وبيان اتصاف الكامل بالكمال مطلقا واثبت بقوله القيوم تفاصيل جميع الصفات والكمالات الحادثة الفعلية المخلوقية ( المخلوقة خ ) المتعلقة بالحوادث والمخلوقين على ما بينا لك فيمكن لنا ان نعرف هذا الاسم المبارك بكل وجه ولو بالوجه بخلاف الحي حيث جعلناه من الصفات الذاتية كما سبق فانا لا نعرف ( لانعرفه خ ) بكل وجه ولو بالوجه كما لا يخفى

هذا ما يتعلق بلفظ القيوم واما القيام فاعلم انه على اقسام اربعة قيام صدوري وقيام ظهوري وقيام تحققي (خ) وقيام عروضي وهو معنى العرضية ويظهر معنى الجوهر بمقابلاتها لان العرض هو الذي لا يقوم بنفسه بل يكون قائما بغيره فالقائم بالشيء عرضي له والشيء الذي يقوم به الشيء جوهر وهذا القيام على اربعة اقسام وهو تمام الوجود وكماله فكل شيء فهو جوهر من وجه وعرض من وجه وتنتهي السلسلة الى جوهر الجواهر الذي قال الشاعر فيه :

يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض

وقال ابن ابي الحديد :

صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر

يجل عن الاعراض والكيف والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر

والحاصل ان العرض ليس خاصا بما يحل في الجسم والا يلزم ان لا يكون الكلام عرضا للمتكلم لكونه قائما وحالا بالهواء المجذوب المدفوع كما لا يخفى فالذي لا يكون قائما بنفسه في الخارج بل يحتاج الى غيره في تقومه فهو عرض في الجهة التي يتوقف على ذلك الشيء فهو لا يخلو عن حالات اربعة لانه لا يخلو اما انه لا وجود ولا ثبوت له اصلا بوجه من الوجوه ويتوقف في اصل تحققه وكونه على غيره فهو المسمى بالقيام الصدوري او انه لا ظهور للشيء الا به فقوام ظهوره بيده فهو القيام الظهوري او انه لا يتحقق في الخارج الا بحلوله في موضع وجسم فهو القيام العروضي او انه لا تحقق للشيء اصلا الا به فهو القيام التحققي ولك ان تقول ان الشيء لا يخلو اما ان يكون متوقفا على مبدئه وعلته الفاعلية او على مظهره او على محله وموضعه او على مقوم وجوده فالاول هو القيام الصدوري والثاني هو القيام الظهوري والثالث هو القيام العروضي والرابع هو القيام التحققي فالقيام الصدوري هو قيام الشيء بفاعله وعلته في جميع ما له واليه ومنه وبه ومعه وفيه من امكاناته ووجوداته الخارجية الغيبية والظلية والحقيقية والرسمية ولا يشترط فيه الاقتران ولا الاتصال ولا الانفصال ولا التباين ولا التساوي ولا المداناة ولا المعاداة ولا القرب ولا البعد بل يكون المعروض في محله ومكانه ومرتبته التي هي كينونته على ما هو عليه والعرض في محله ومقامه ورتبته فائضا منه صادرا عنه مستمدا منه واقفا ببابه راجيا من جنابه فالمعروض يمده ويفيض عليه في مكانه ويجيبه بما يسأل ويطلب مثل الاشعة فانها اعراض قائمة بالسراج قيام صدور لا تذوت ولا تحقق لها الا بتوجه السراج اليها ويمدها في امكنتها ومرتبتها بما يناسب قابلياتها ويليق باستعداداتها من قوة النور وضعفه وكثرته وقلته وقربه وبعده ولا اتصال بينها وبين السراج لوجوب المشابهة والمناسبة في الملتقى فيكون الشعاع من حيث هو شعاع سراجا والسراج من حيث هو سراج شعاعا والضرورة تشهد بامتناعه ولا انفصال بينها وبين السراج والا ننقل الكلام فيما فصل هل هو السراج او الشعاع او غيرهما فان كان الاول يثبت المطلوب وان كان الثاني يدور او يتسلسل والضرورة تشهد ببطلان الثالث وكذا لا تباين بينها وبين السراج والا ماصدر عنه شيء ولا التساوي والا لما كان نورا ومنيرا كما لا يخفى بل هذا ( هنا خ ) اتصال حقيقي لا يعرفه الا من فتح الله قلبه ( ولسانه خ ) وسمعه وكذا الصورة في المرآة لانها حاصلة بالتفات المقابل وتوجهه اليها فهي عرض قائم (خ) بالمقابل المعروض قياما صدوريا لا اتصال بينهما ولا انفصال ولا تباين ولا تساوي ولا المداناة ولا المعاداة ولا القرب ولا البعد وكذا الكلام للمتكلم وامثال ذلك فاذن جميع الوجود بل الامكان والاعيان بحذافيرها اعراض قائمة بفعل الله تعالى قيام صدور كل منها في مكانه ومرتبته ولذا قال الامام (ع) اقام الاشياء باظلتها اي بحقايقها وذواتها في مراتبها وبهذا المعنى نقول بعرضية المشية والارادة وليست عرضيتها وقيامها ( عرضيتهما وقيامهما خ ) بالمعروض قيام العروض (خ) حتّى يلزم ان يكون الحق تعالى شأنه محلا للحوادث اذا قلنا بحدوثهما كما هو الحق عند اهل الحق فاذن كل سافل اي امر ( اثر خ ) عرض قائم بالمؤثر والمعروض قيام صدور ولذا قال العالم (ع) انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات ه‍ اعرف هذه المسألة فانك ان عرفتها تفتح لك ابواب من حل الاحاديث المشكلة ومعرفة حقايق الاشياء كما لا يخفى

واما القيام التحققي فهو قيام الصورة بالمادة واللازم بالملزوم فان المادة ليست جاعلة للصورة ولا فاعلة لها بل هو سبب تعلق فعل الله سبحانه عليه وتحققه فلولاها لما تعلق بوجوده بوجه من الوجوه لا في الذات ولا في الظهور وكقيام الماهية بالوجود فان قيامها به ليس بالصدور والفعل بل هو سبب لتقومها وواسطة لتعلق فعل الحق سبحانه عليه وكذا اللازم والملزوم فبينهما اربع جعلات جعل متعلق بالملزوم وجعل متعلق باللازم وجعل متعلق بالملازمة وجعل متعلق بالالتزام وكل جعل تابع للآخر وقائم به قيام تحقق اذ لا شك بان هذه الامور لا بد منها في الملازمة واللزوم ولا يصح بغيرها ولا شك ان كلا منهما ليس عين الآخر لترتيب الاحكام المختلفة الدالة على المغايرة عليهما فاذا صحت المغايرة فنقول هذه الامور لا تخلو اما ان تكون جميعها بمجعولة ام ليست بمجعولة او بعضها مجعولة وبعضها ليس بمجعولة فان كان الاول ثبت المطلوب وان كان الثاني يلزم قدمها وان كان الثالث يلزم ترتب القديم على الحادث وتبعيته له اذ لا شك ان اللازم تابع للملزوم وصفة له وقدم الملزوم خلاف المفروض فعلى الاول لا يخلو اما ان يكون تلك الامور مجعولة بجعل واحد حقيقي ام لا بل كل واحد منها مجعولة بجعل مستقل على حدة لا سبيل الى الاول والا يلزم ان يكون الشيء الواحد في الآن الواحد مشابها لامور متعددة مختلفة في القوة والضعف ويلزم منه ان يكون الشيء الواحد من حيث هو واحد متعددا ومن حيث هو متعدد واحدا وهذا مما لا يتصور بل لا يتعقل لان المجعول لا يمكن تحققه الا بجعل الجاعل والجعل الذي هو عبارة عن الفعل المتعلق بالمجعول المفعول لا بد ان يكون له مناسبة ومرابطة ومشابهة مع هذا المجعول الخاص دون غيره ليصح صدور ذلك عنه دون غيره والا يلزم الترجيح من دون مرجح وهو باطل اذ لولا مشابهة حركة يد الكاتب بالف في الاستقامة لتعذر صدورها منها دون الباء وساير الحروف وهذا مما لا يشك فيه عاقل وهو قولهم الواحد من حيث الوحدة الخاصة الشخصية لا يصدر منه ( عنه خ ) الا الامر الواحد الخاص الشخصي فيجب ان يتعلق بكل واحد من تلك الامور جعل غير الجعل المتعلق بالآخر فيتعدد الجعل بتعدد المجعول فالقول بان اللوازم والماهيات ليست بمجعولة ان ارادوا به انها ليست بمجعولة مطلقا اي ما تعلق بها جعل جاعل وتأثير مؤثر فتكون الماهيات قديمة باطلة لا معنى له عند اهل المعنى كما تكلمنا عليه في ساير المباحث وان ارادوا به انها ليست بمجعولة جعلا مستقلا غير جعل الملزوم فان ارادوا به ان هنا ليس جعل غير جعل الملزوم بل هو جعل واحد وانما وجد اللازم حين وجود الملزوم من غير تعلق جعل عليه فهو باطل لما عرفت من ان اللازم ليس عين الملزوم حتّى يكفيه جعل واحد بل هو غيره بالبديهة وليس بقديم فيلزم المحذور المتقدم من ان يكون الشيء الواحد في حال واحد ضعيفا وقويا وصفة وموصوفا حارا وباردا وهو مما يعلم خلافه بالضرورة فيجب ان يتعلق به جعل غير جعل الملزوم ولكن هذا الجعل تابع لجعل الملزوم كما ان اللازم تابع للملزوم يعني ان اللازم انما جعل ( حصل خ ) ووجد مقصودا بالعرض لا اولا وبالذات فلولا الملزوم لماوجد اللازم فهو عرض للملزوم وقائم به قيام تحقق وكذا الملازمة والنسبة والالزام ( الالتزام خ ) كلها امور مجعولة مخلوقة متقومة بالآخر قيام تحقق وكذا القول في الوجود والماهية فان فيهما اربع جعلات لان الله تعالى خلق الوجود اولا ثم خلق الماهية به ثم خلق النسبة بينهما حين وجودهما فهي قائمة بالطرفين حين تحققهما ثم الزم الماهية بالوجود لكن لما كان الامر دفعة واحدة ليس بين هذه المراتب تقدم وتأخر زماني اشتبه على المحجوبين هذا التفصيل وما ادركوا تلك الدقيقة وقالوا انه ليس هذا الا جعل واحد كالزوجية للاربعة فان الاربعة مهما وجدت وتحققت تكون الزوجية معها فلا تحتاج (خ) الزوجية الى جعل ثاني وكذلك الاشراق للشمس والاحراق للنار والماهية للوجود لكنهم ما دروا ان اللوازم والماهيات امور خلقها الله سبحانه فالزمها ملزوماتها وليست هي امورا (خ) مستقلة من دون الله ولا هي اعداما صرفة لا تقبل الجعل والوجود كيف وقد قال تعالى ألم ‌تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا اي غير متحرك بحركة الشمس ولا تابع له في الظاهر اما في التأويل فهو اشارة الى الماهيات بالنسبة الى شمس الوجود الم تعلم ان الله على كل شيء قدير لكن الله سبحانه من جهة لطفه ما جبرها واعطاها مقتضاها فاخبر عنها بقوله ثم جعلنا الشمس عليه دليلا هاديا ووليا مرشدا به يهتدى في ظلمات العدم ويخرج من الظلمات الى النور نور الوجود الذي هو الظلمة فلولا الشمس لم ‌يتحقق الظل على مقتضى القابلية من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول والفروع والا فالله سبحانه قادر على منع المسبب عند وجود السبب والمقتضي عند تحقق الاقتضاء كما صرح بقوله الحق آنفا ولو شاء لجعله ساكنا ولما علم الحق سبحانه ان الشيطان يدخل في اوهام اكثر الناس اشباه البهايم ان اللوازم يمتنع انفكاكها عن الملزومات والمسببات عند الاسباب ليخرجوا بذلك الحق تعالى عن قدرته العامة وسلطنته الكاملة ويحصروا قدرة الحق سبحانه على وفق افهامهم الكاسدة ومقتضي عقولهم الفاسدة المغيرة بالنكراء والشيطنة ازال تلك الشبهة واذهب تلك الخدشة اتماما للحجة واكمالا للنعمة بعد ما قرر اولا بقوله ثم قبضناه اليه قبضا يسيرا بالتكوين والفطرة وان كان يسجد للشمس من دون الله عند الشعور والرؤية فيسير الى الله سبحانه سيرا ذاتيا عرضيا على خلاف التوالي وهو قوله تعالى أولم ‌يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون فاشار بالظلال الى الماهيات الغير المستقلة الغير القارة الا بالوجود واشار بتذكير الضمير وجمعه الى استقلاله وتذوته وتحققه واشار بالسجود الى السير الى الحق سبحانه بالذات منفصلا عن الوجود وهو سر الاختصاص بالذكر تعالى ربي وتقدس عما تصفه الاوهام والعقول المغيرة لا يقال ان انفكاك اللازم عن الملزوم من الممتنعات التي لا تصلح لتعلق القدرة بها ولا يلزم منه نقص في الله سبحانه لان الله تعالى انما تتعلق قدرته بارادته ومشيته بالممكن واما الممتنع فلا مثل خلق الشريك له وادخال العالم كله في بيضة بحيث لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة واجتماع النقيضين وامثال ذلك من الامور التي لا يمكن تعلق الجعل به ولا يلزم منه نقص بوجه من الوجوه كما انه مالزم النقص عند امتناع تحقق الامور المحالة التي ذكرناها وما لم نذكرها لانا نقول هذا قياس مع الفارق لان مناط امكان الشيء والحكم بامتناعه هو امتناع التصور الذهني فكلما يمكن تصوره وفرضه واعتباره وتخيله وتعقله وتوهمه فهو ممكن متعلق به القدرة والله تعالى قادر عليه اذا اراد ان يظهرها في الاعيان فعل الا ان كثيرا من الممكنات لا يظهرها ويوجدها لحكم ومصالح لا تحيط به عقولنا وليس من جهة امتناع ذاته وكلما يمتنع تصوره بجميع المراتب والمقامات ليس بممكن لا تتعلق به القدرة لانه قد برهن (خ) في موضعه ان المدرك والمدرك لا بد بينهما من المناسبة والمرابطة فالشيء الممكن لا يمكنه ان يتصور الا ممكنا ولذا قال العالم (ع) كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم وقال (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها وقال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى (خ) شكله فدل العقل والنقل على ان كل متصور يجب ان يكون ممكنا وهو متعلق القدرة والذي لا يتعلق به القدرة لا يمكن تصوره وتوهمه فان قلت انا نتصور شريك الباري (خ) ودخول الدنيا في البيضة بحيث لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة واجتماع النقيضين وامثالها من الامور المحكومة عليها بالامتناع فيجب ان تكون ممكنة قلت ان الذي له عقل سليم وفهم مستقيم يعلم بالضرورة ان ذلك ما يمكن بوجه من الوجوه واما في شريك الباري فكما قلنا سابقا واما في اجتماع النقيضين ودخول الدنيا في البيضة وامثالها فلا يمكن تصورها بالاجتماع بوجه من الوجوه بل تتصور اولا الدنيا في مكانها وهيئتها ثم تتصور البيضة في محلها ومقامها ثم تحكم عليه هذا الحكم الباطل ولا يمكنك تتصور ( تصور خ ) الدنيا بكبرها وهيئتها موجودة في البيضة بصغرها وهيئتها وكذلك اجتماع النقيضين وكذلك اثبات الولد لله سبحانه وتعالى اذ لا يمكنك تصور وجود زيد وعدمه دفعة واحدة بل تتصور كلا منهما ( على حدة خ ) في محله ثم تحكم عليه بالاجتماع بخلاف تصوره وهذا معلوم لمن راجع الى وجدانه وقرأ حروف نفسه فظهر لك من هذا البيان ان فرض المحال محال لان المحال هو الذي لا يتعلق به القدرة وكل ممكن تتعلق به القدرة وكلما ليس بممكن لا يمكن للممكن ادراكه لان الشيء لا يدرك الا ما هو من سنخه وجنسه والا يلزم ان يدرك الممكن حقيقة الواجب وذاته فكل من جوز تصور الممتنعات والعلم بها جوز تصور ذات الواجب والعلم بكنه حقيقته لكن التالي باطل والمقدم مثله والملازمة ظاهرة لكون الواجب والممتنع مشتركين في عدم كونهما من سنخ الممكن وعدم وجودهما في مرتبة من مراتبه وقد صح ان الشيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه وهذا ظاهر واما هذه الاحكام فهو باعتبار ما عندنا من التصور المسمى بالممتنع والمحال وليس هو الا ممكنا فقولنا شريك الباري ممتنع معناه ان الحكم على ذلك المتصور المحدود المخلوق بكونه شريكا للواجب سبحانه وتعالى باطل محال لا ان ذلك التصور محال بل هو شيء متحقق متأصل في الذهن منتزع عما يقابله من الخارج اذ لم يتصور احد شيئا الا وقد خلقه الله تعالى قبل ذلك حتّى لا يقال لم لم يخلق ذلك وهو كما قال تعالى اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتّى اذا جاءه لم يجده شيئا وهذا النفي ليس نفي الشيئية مطلقا ضرورة انه اذا جاءه يجده السراب البتة كما اتفق كثيرا في البرية في اطراف نجد فنفى الشيئية باعتبار ما كان يتوهم الظمئان من وجود الماء وكذلك الامر فيما نحن فيه بعينه ولذا اخبر الحق سبحانه عن المط بانه لا يعلمه كما قال ام تنبؤنه بما لا يعلم في الارض ام بظاهر من القول يعني لفظ لا معنى له يا اخواني تعجبوا من اقوام ما كفاهم ادعاء الربوبية ادعوا فوقها وقالوا نحن نعلم ما لا يعلمه الله تعالى خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا وخالق علومنا ومنزل الادراكات والصور العلمية في اذهاننا وعقولنا فتبا لهم وسحقا لقد ضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فاذا عرفت البرهان ( بالبرهان خ ) ان كلما يتصور الانسان فهو ممكن وكل ممكن يتعلق به القدرة فاعلم انما نحكم في العقل والتصور بانفصال اللازم عن الملزوم والوجود عن الماهية والهيولي عن الصورة يعني نتصور كلا من هذه الامور ( الاربعة خ ) مجردا عن لازمه في الذهن وان كان لا يتحقق في الخارج الا به كما صرحوا بذلك في كتبهم الكلامية والحكمية والمنطقية في بحث الدلالة الالتزامية وما اشبهها والقاعدة في ذلك هو ان الشيء اذا لم يكن عين الشيء او جزئه الداخل في مفهومه يمكن تصوره مجردا عنه وان كان من لوازمه الذاتية او الخارجية او الذهنية او من مقومات وجوده او من مشخصاته مثلا تتصور الانسان ولا يخطر ببالك قبوله للعلم والصنعة والكتابة وتتصور الشمس ولا تتصور الاشعة وتتصور النار ولا تتصور الاحراق في الخارج وتتصور الاربعة ولا تتصور الزوجية لان اللازم مع الملزوم رتبة ثانية للملزوم اذ لا شك بان الملزوم من حيث الذات مقدم على اللازم والوجود على الماهية والمادة على الصورة واللازم بحسب الذات مؤخر عن الملزوم وكذا الماهية عن الوجود والصورة عن المادة فيكون بينهما تقدم وتأخر ذاتي وان لم يكن زمانيا فاذا صح التقدم والتأخر فيكون المؤخر منفصلا عن المقدم في رتبة المقدم والمقدم عن المؤخر في رتبة المؤخر فاذا صح الانفصال صح الانفكاك فاذا صح الانفكاك في الذهن والتصور تتعلق به قدرة الحق القديم سبحانه وتعالى وله المشية ان شاء فصل بينهما كما فصل بين الاحراق والنار في قصة ابرهيم (ع) والتبريد والماء وامثال ذلك وان شاء ابقاهما على مقتضاهما كما اشار الى الشقين في الآية السابقة ألم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا وهذا الاقتران ( الافتراق خ ) والانفصال بحسب قدرته وسلطانه جل جلاله ثم جعلنا الشمس عليه دليلا هذا الاجتماع والاتصال حسب استعداده وسؤاله وطلبه ودعائه أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف ( السوء خ ) عمن ناجاه وقد ظهر لك من هذا البيان التام ان القيام التحققي هو ان يكون العرض قائما بمعروضه في التحقق والوجود الخارجي ونفس الامري فيكون المعروض سببا وواسطة لايجاد العارض لا علة وفاعلا ومحدثا ومصدرا كما كان في القيام الصدوري

واما القيام الظهوري فهو قيام ظهور الشيء بالآخر لا ذاته ولا كونه فيكون العارض هو الظهور وحده مثل قيام الاشعة بالارض وقيام الصورة بالمرآة وقيام ظهور الملزوم باللازم والوجود بالماهية والمادة بالصورة فان الارض ليست علة لوجود الاشعة وتحققها بالذات فان الشعاع هو لازم بالشمس ومتصل بها في عين الانفصال يتحقق بهما تحقق ( مهما تحققت خ ) الشمس والسراج ولا مدخلية فيه للارض (خ) لان الشمس ليست فاعلة بالاختيار كالانسان بحيث ان شاء فعل وان شاء ترك على الظاهر وان كانت فاعلة بالاختيار بهذا المعنى كما سيجيء بيانه فيكون الشعاع لازما لها حين وجودها ولكنه لا يظهر الا عند وجود شرايطه وهو الجسم الكثيف فيكون الجسم الكثيف سببا لظهوره لا سببا لوجوده وكذلك الصورة بالمرآة فان الصورة تحدث عن ( عند خ ) المقابلة مطلقا لكنها لا تظهر الا عند مقابلة الاجسام الصيقلية ( الصقيلة خ ) فالمعتبر في القيام الظهوري هو قيام ظهور العالي للسافل فيكون ذلك الظهور هو نفس السافل فقد ظهر للسافل بالسافل فيكون السافل محلا لذلك الظهور الذي هو نفسه من حيث نفسه فيتحد الظهور والمظهر وهو قول امير المؤمنين (ع) في الملأ الاعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله اي ظهوره والهوية هي المثال كما قال عليه السلام في حديث آخر لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها ولما كان الشيء لا يعرف الا به لا بغيره والا لا يعرف اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيعرف السافل العالي بنفس العالي الذي هو نفس السافل الذي هو مثال العالي الملقى في هوية السافل الذي هو طرفه في قول الشاعر :

اذا رام عاشقها نظرة فلم يستطعها فمن لطفها

اعارته طرفا رآها به فكان البصير بها طرفها

ولهذه الدقيقة قلنا ان الله سبحانه وتعالى لا يعرف الا بما وصف به نفسه وما وصف نفسه بنحو ما وصف ( به خ ) غيره فكان وصفه لنفسه مخالفا لوصفه لغيره فلا احد عرف الله الا اذا عرف ذلك الوصف ولا احد عرف ذلك الوصف الا اذا جهل الخلق اصلا ورأسا حين عرف ذلك الوصف فذلك الوصف هو الظهور الذي قلنا هو نفس الموصوف الذي هو نفس الموصوف له فاذا عرفت ذلك الوصف عرفت الموصوف بذلك الوصف اي الظاهر بذلك الظهور المخصوص فيكون الظاهر عين الظهور الذي هو عين المظهر وكل هذه المراتب مراتب الخلق ومقامات الرسم لان وصف الحق للخلق بالخلق ( بالحق خ ) خلق ورسم انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته فافهم ( فهمك الله تعالى من مكنون علمه ومخزون سره خ ) فان قلت انك قلت ان المعتبر في القيام الظهوري هو قيام ظهور العالي بالسافل للسافل فيكون السافل محلا لذلك الظهور الذي هو نفسه وما مثلت بالاشعة والارض والصورة بالمرآة لا يوافق ذلك فان الارض غير الاشعة والصورة غير المرآة كما لا يخفى قلت ان الذي قلنا ثانيا هو في السلسلة الطولية وما مثلنا هو في السلسلة العرضية فلا تنافى على انا نقول ان الارض والمرآة يجري فيهما ما ذكرنا من الاتحاد لان الارض هو نفس الشعاع القابلة لظهور الشمس الذي هو نفس الشعاع والمظهر في الحقيقة الذي به قيام ظهور الشمس ( الذي خ ) هو نفس الشعاع فيتحد الظهور والمظهر بل الظاهر لان الشمس ما ظهرت للشعاع بذاتها ليكون الظاهر هو الشمس بل ظهرت بنفس ذلك الشعاع كما لا يخفى واما الارض هذه المعروفة فهي محل لتلك المظهر فافهم وكذا القول في الصورة والمرآة فان الصورة نفس المرآة المنطبعة فيها الصورة على ما حررنا لك في الشمس واما الزجاجة فهي محل المحل ومحل الظهور ولا يقال للارض على الحقيقة والمرآة التي هي الزجاجة على الحقيقة المظهر بل المظهر هو نفس ظهور الظاهر كما لا يخفى لكن هذا المطلب من اصعب ما يرد على العلماء الفحول ولا تنكر اذا ما عرفت فان علم آل محمد (ص) صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع لا يحتمله الا الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الممتحن قلبه للايمان ونحن تكلمنا في هذا المقام على الظاهر حسب ما يعرفه العوام وعلى الحقيقة حسب ما يعرفه الخواص والخصيص ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل احد مطلبهم

واما القيام العروضي فهو كما قاله المتكلمون والحكماء في بحث الجواهر والاعراض وحصروا العرض فيه من انه الموجود في الموضوع ( بمقابلة الجوهر الموجود لا في الموضوع خ ) وهو ما يحل في الاجسام وهو منحصر في المقولات التسع الكم والكيف والوضع والاضافة والزمان والفعل والانفعال والملك والجدة وقد ملأ العلماء اهل الظاهر كتبهم من بيانها وذكر ما يتعلق بها من اوصافها واحوالها ومن اراد الاطلاع فلينظر كتبهم سيما المجلد الثالث من كتاب الاسفار للملا صدرا فانه قد استقصى المرام في الحقيقة في ذلك الكتاب لكن الذي ذكروا كلها متعلقة بالقشور والظواهر ولو كان لي مجال لبينت لك حقايق ما ذكروا من الظواهر لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

هذا هو الاقسام الاربعة التي قلنا سابقا انها للعرض فمجمل القول هو ان الاشياء كلها بحذافيرها اي كلما يصدق عليه الشيئية جوهر وعرض لكن الجوهرية والعرضية في موضوعين وذلك لان الاشياء لا تذوت ولا تحقق لها الا بمباديها في كل احوالها واطوارها فهي قائمة بها على احدى الاقسام من القيام فتكون اعراضا لها اما بالصدور او بالتحقق او بالظهور او بالعروض كما عرفت واما اذا نظرت الى صفاتها وهيئاتها وحالاتها وافعالها وآثارها القائمة بها فتكون جواهر وهذا المعنى عام كلي لا اختصاص له بشيء دون شيء اذ كل شيء لا يتحقق الا بهيئة وصفة فهو محل لها وهي قائمة بها ولا نعني بالجوهرية والعرضية الا هذا كما لا يخفى فان قلت على هذا التقرير يلزم ان يكون الحق سبحانه وتعالى جوهرا لقيام الاشياء كلها به قيام صدور لحدوثها به وصدورها عنه قلت نعم اذا كان ذات الحق جل جلاله جاعلة للاشياء وخالقة لها بذاتها وهو كذب محض لان الذات البحت من حيث هي هي لا تتصف بالخالقية والفاعلية كما هو معتقدنا ومعتقد ائمتنا (ع) ولتصريحهم بان الخالقية والفاعلية من صفات الفعل لا صفات الذات لانه لو كان الاتصاف باقيا في الازل لماجاز لك سلبها عنه فتقول لم يفعل ولم يخلق اذ لا يرد النفي والاثبات على الذات البحت ضرورة ان الصفة الذاتية عين ذاته تعالى فاذا ثبت ان الذات من حيث هي هي لا تتصف بالفاعلية في رتبة الازل اذ الفاعل لا يكون الا عند الفعل والخالق لا يكون الا عند الخلق واما قول الامام (ع) له معنى الخالقية اذ لا مخلوق فالمراد به القدرة لا هذه الصفة الخاصة ولذا قال (ع) معنى الخالقية فافهم فاذا اتصفت بها لا يخلو اما ان الذات تتصف بها من حيث هي او الفعل لا سبيل الى الاول والا يلزم ان يحدث في الذات ما لم يكن معه في الازل ومنه يلزم التغيير والحدوث ولعمري ان هذا المعنى لا يتصور ابدا بوجه من الوجوه كما سنتكلم ان شاء الله تعالى فتعين الثاني فالفاعل ظهور الذات بالفعل وظهور الذات غير الذات وان كان لا تذوت له الا بالظاهر فالاشياء قائمة بمبدئها وعلتها قيام صدور وهو فعله لا ذاته والى هذه الدقيقة اشار الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في قوله خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها يعني ان الله سبحانه وتعالى خلق الفعل بنفس الفعل ففاعليته نفسه بالله تعالى فهو الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي دوران المعلول على العلة وتدور نفسها عليها على التوالي دوران العلة على المعلول لا تظن ان هنا علة ومعلولا حقيقة فتقول يلزم تقدم الشيء على نفسه ضرورة ان العلة مقدمة على المعلول بالذات وان كانت معه في الظهور في بعض الاحوال بل هنا شيء واحد بسيط في كمال البساطة نعتبر فيه هاتين الجهتين وهو تعبير على انه لا حادث قبله ولا فعل سواه والا يلزم التسلسل او الدور ضرورة ان الفاعل انما يفعل بالفعل لا بالذات يعني ان الله تعالى اخترعه اختراعا فهو الاختراع الاول من غير مادة ولا مدة ولا فعل غير نفسه ثم خلق الموجودات كلها به فهو فاعلية الحق في الاشياء وفاعليته لنفسه والمثال التقريبي لهذا المطلب السراج فان النار هي الفاعلة فيه اي في النور من غير نسبة وارتباط بينهما لان الاضائة (خ) والانارة ليست فيها بوجه من الوجوه فاحدثت الشعلة بنفسها من غير شعلة غيرها ولا نور قبلها ثم احدثت الاشعة بالسراج فالنار تمد السراج بنفسه لا بذاتها و( اذ خ ) ليس فيها نور ولا ضياء وتمد الاشعة بالسراج انظر الى الشعلة هل لها استقلال وتذوت بدون النار وهل الشعلة مستمدة من ذات النار بوجه من الوجوه فالشعلة قائمة بنفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي والاشعة تدور على الشعلة على خلاف التوالي والشعلة تدور عليها على التوالي لكن الشعلة ليست مستقلة في هذا الاستمداد من نفسها فالنار تمدها بنفسها فهي فاعلية النار بنفسها ( لنفسها خ ) وللاشعة واذا عرفت هذا المثال تعرف قول الامام عليه السلام المتقدم لكنه تقريبي فان المثال مقرب من وجه ومبعد من كل الوجوه كما لا يخفى على الفطن العارف فاذا كانت الاشياء قائمة بفعل الله تعالى قيام صدور فتكون اعراضا لفعله لا لذاته فيكون الفعل هو جوهر الجواهر واسطقس الاسطقسات كما قال :

يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض

فنفي الجوهرية عن ذات الحق سبحانه باق على حاله قال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وليس الحق سبحانه غاية الاشياء ومنتهاها حتّى تصدق عليه الجوهرية فجوهر الجواهر هو منتهى الاشياء وهو الفاعل وهو امره الذي اذا قال للشيء كن فيكون

وهنا دقيقة لا بد ان نذكرها حتّى يتبين الامر ويوضح المراد فنقول ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم انك تقول ان القائم في جاء زيد القائم مرفوع على التبعية والوصفية والاخ في قولك جاء زيد اخوك مرفوع على التبعية والبدلية فيجب ان يكون القائم غير زيد لان الصفة تابعة للموصوف والموصوف متبوع والتابع في الرتبة الثانية من المتبوع ولذا قال امير المؤمنين (ع) كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث هذا كلام على ظاهر الحال واما الحقيقة فاعلم ان الصفة من مقتضيات الموصوف مطلقا فاذا تحقق المقتضى يجب ان يكون المقتضى معه لتحقق الاقتضاء الذي لا بد له من وجود المقتضى الا ان يمنعه المانع من مشية الله سبحانه وتعالى وما اجري الحق تعالى عادته على ذلك لانه سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها فاذا تحقق السبب لا بد ان يوجد المسبب عنده وان كان على خلاف ما يحبه فاذا ثبت ان الصفة من مقتضيات الموصوف فنقول ان كان المقتضي هو الذات من حيث هي كانت الصفة ذاتية بل هي عين الموصوف او لازم ذاته بحيث مهما تحققت الذات تكون الصفة معها لكونها مقتضاها ولا يتخلف المقتضي عن المقتضي مثل الحيوة والشعور والادراك للانسان فمهما وجد الانسان تكون الحيوة معه فيتصف بصفة الحي حين وجوده في جميع احوال وجوده فلا يمكن ان يوجد الانسان ولا يتصف بالحيوة ابدا لاقتضاء الانسانية نفسها ذلك وان كان المقتضي فعل الموصوف تكون الصفة فعلية يعني منسوبة الى الفعل لا الذات لا دخل لتلك الصفة في الذات ولما كان الفعل لا تحقق له الا بالذات اقامتها بنفسها تنسب ( نسبت خ ) الى الذات بالاصالة واما في الحقيقة للفعل لكونها من مقتضيات الفعل لا من مقتضيات الذات كالقائم والقاعد والمتحرك والمتكلم وامثال ذلك اذ لو كان القيام من مقتضيات الذات للزم ان لا يتخلف منها في جميع اوقات وجودها فيجب ان يكون زيد لم يزل قائما فلا يصح وصفه بالقعود او لم يزل متكلما فلا يصح وصفه بالسكوت وامثال ذلك من الصفات فلا يصح ان يقال ان القائم هو زيد لان القيام ليس من اقتضاء ذات زيد والا لما كان يتخلف فلما تخلف عرفنا انه ليس هو زيد بل صفة من صفاته وتابع من توابعه فالقائم مثال زيد وظهوره بالقيام وآية تعريفه وتعرفه لا فرق بينه وبين زيد في المعرفة بحيث من عرف القائم عرف زيدا الا انه عبده وخلقه فتقه ورتقه بيده بدؤه منه وعوده اليه فالقائم اسم الفاعل لا اسم الذات لما عرفت من ان الذات البحت من حيث نفسها ليست علة ولا فاعلة فاوجد الفاعل بنفس الفاعل ثم اوجد القيام به فالمفعول المطلق في الحقيقة هو الفعل لانه اول من وقع عليه فعل الفاعل الذي هو ظهور الذات والفعل هو ظهور الفاعل والمفعول ظهور الفعل فالفعل من حيث انه اول ظهور الذات هو الفاعل ومن حيث انه اول ما حدث من الفاعل المفعول ومن حيث انه واسطة لتعلق تأثير الفاعل بالمفعول فعل فاتحد الفاعل والفعل والمفعول كاتحاد الظاهر والمظهر والظهور في فاعل القيام فالقائم بمنزلة التوحيد والبيان و(خ) القيام بمنزلة المعاني ركن التوحيد فمقام البيان الذي هو مقام التوحيد هو مقام المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فاذا عرفت هذه الدقيقة عرفت الموضوع له الاسماء الالهية والاوصاف الربوبية بعد ما عرفت ان ذات الحق سبحانه ليس مدلولا للفظ ولا يدل عليه لفظ لان الادوات انما تحد انفسها وتشير الآلات الى نظائرها لكنها جهات تعرف الحق ووجه الالتفات اليه فالالفاظ والعبارات والاشارات والتعبيرات والالتفاتات والعلوم والصفات كلها ترد على تلك المقامات مقام القائم اي (خ) الفاعل من حيث الاسمية والوجهية فهي منتهى جميع تعلقات الصفات وهي لا شيء عند الذات وموصوف جميع الصفات والنعوت والاسماء وهو الذي قال الحجة عجل الله فرجه في دعاء يوم رجب فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك فالتوحيد والآيات والمقامات والعلامات هي بمنزلة القائم على ما بينا لك ولها هذه الاسامي بالاعتبارات فسميت بالتوحيد من جهة انه اقصى مقاصد الموحدين وغاية مطلب العارفين لا احد يتجاوز عن ذلك المقام في كل العوالم لا الملك المقرب ولا النبي المرسل ولا المؤمن الممتحن قلبه بالايمان وسمى بالآيات من جهة انه اول ظهور الحق للخلق واول تجليه وآيته وهو الذي قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق من ربهم وهي تلك المقامات لان كل شيء هو من آثار تلك الآيات ومظاهر افعالها فهي المرئي في الآفاق والانفس كما لا يخفى وسمى بالمقامات لانه مقام الظهور ومحل التجلي والبروز بعد العماء المطلق فقام ظهور الحق تعالى ( وتقدس خ ) به وسمى بالعلامات لانها مثال ظهور الحق وصفة تجليه واسمه الدال عليه باكمل الدلالة الامكانية لان الاسم مشتق من الوسم ( السمة خ ) وهي العلامة وانما اتى بصيغة الجمع في الآيات والمقامات والعلامات لتعدد ذلك المقام في عين الاتحاد وهو خمسة مقامات : الاول مقام السر المقنع بالسر والمجلل به وهو مقام الباطن الثاني مقام السر المستسر بالسر ومقام الباطن والباطن من حيث هو باطن الثالث مقام سر السر ومقام الباطن والظاهر الرابع مقام السر وباطن الظاهر والظاهر من حيث هو ظاهر الخامس مقام الظهور فالاول هو النقطة والرحمة وهو النقطة تحت باء بسم الله الرحمن الرحيم والثاني هو الالف والنفس الرحماني الاولى وهو الباء في بسم الله الرحمن الرحيم والثالث هو الحروف والسحاب المزجي وهو اجزاء بسم الله الرحمن الرحيم والرابع هو الكلمة التامة والسحاب الثقال المتراكم وهو تمام بسم الله الرحمن الرحيم فالاول هو حم والثاني هو والكتاب المبين والثالث هو فيها يفرق كل امر حكيم والرابع انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين وانا انزلناه في ليلة القدر والمجموع هو الرحمة الكلية والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء وهذا هو مقام التوحيد الذي لهم (ع) وفي هذا المقام جميع الموجودات اعراض لهم وقائم بهم سلام الله عليهم قيام (خ) صدور وهو الذي قال الباقر (ع) يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال وما البيان والمعاني قال قال عليّ (ع) اما البيان فهو ان تعرف ان الله تعالى واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا وهو الذي قال امير المؤمنين (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وهو الذي قال (ع) انا الذات انا ذات الذوات وكل هذه الاحاديث وامثالها اشارة الى ذلك المقام لكن في كل باعتبار جهة من الجهات وحكمة من الحكم التي اطلعنا على بعضها وخفي علينا اكثرها وهذا المقام هو اعلى مقاماتهم واكمل درجاتهم لانهم اول مظاهر الحق

واول مقاماتهم مقام القائم وهو مقام التوحيد والبيان وكل المراتب والمقامات المتقدمة لهم وعنهم وبهم فالنقطة اشارة الى الحقيقة المحمدية (ص) والالف والنفس الرحماني اشارة الى الحقيقة العلوية حامل لواء الحمد وصاحب الازلية الاولية والولاية المطلقة والحروف اشارة الى الحقايق المقدسة الاحد عشر من اولاد امير المؤمنين (ع) والكلمة التامة اشارة الى فاطمة (ع) التي اجتمعت فيها تلك الحقايق المقدسة وهي الملائكة والروح التي تتنزل في ليلة القدر والليلة المباركة التي فيها يفرق كل امر حكيم والمجموع تمام الشجرة وقصبة الياقوت فاذا قلنا الحقيقة المحمدية (ص) نريد به الشجرة واصلها وفرعها ولقاحها واغصانها والاحكام في مقام البيان واحد وهو مقام الجمع لا يترتب الاثر الذي هو الدلالة الا بعد الاجتماع في الجهة ( الكلمة خ ) التامة والفرق بين تلك المراتب بالنقطة والالف والحروف والكلمة والفرق في آخر مراتبهم واسفل درجاتهم على ما سيجيء ان شاء الله تعالى

وثاني مراتبهم مقام المعاني الذي قال الباقر (ع) لجابر واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه ونحن عينه ونحن حقه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد الحديث وهو الذي قال الحجة عليه السلام في الدعاء اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون على سرك المستبشرون بامرك الى ان قال فجعلتهم معادن لكلماتك واركانا لتوحيدك الدعاء والمعاني هو الذي اشار اليه الباقر (ع) في حديث جابر واشاروا (ع) في احاديثهم مثل قولهم نحن عينه الناظرة ويده الباسطة ورحمته الواسعة واذنه الواعية وامثالها من الكلمات وهي معاني التوحيد اي صفاته التي يدعوا الله تعالى به ولاة الامر كما يقولون يا الله يا رحمن يا رحيم يا حكيم يا عليم يا حي يا قيوم وامثالها من الاسماء فالالوهية والرحمانية والرحيمية والحكمة والعلم والحيوة والقيومية كلها معاني تلك الذات اي صفاته القائمة بها الغير المستقلة الا بها فهي معادن لها التي هي الكلمات وركن لها اي لظهورها بل لوجودها اذ لولا القيام لما تحقق القائم وقد قلنا ان الذات بمعزل عن تلك الصفات ليس بينه وبين خلقه بينونة عزلة وكذا العلم ركن العليم والسمع ركن السميع اذ لولاه لما كان ذلك واما الذات فهي موجودة ابد الآبدين ودهر الداهرين وازلا وسرمدا لان المشتق لا يصدق الا اذا وجد مبدأ الاشتقاق لا يقال ضارب الا اذا وجد الضرب والمتكلم الا اذا وجد الكلام كما لا يخفى فهم العلم في العالم المتعلق بالمعلومات حين وجود المعلومات والقدرة في القادر المتعلق قدرته بالمقدورات حين وجود المقدورات وبعبارة اخرى العالم اذ معلوم والسميع اذ مسموع والبصير اذ مبصر والقادر اذ مقدور وساير الصفات الفعلية مثل الخالق والرازق والمحيي والمميت والمتكلم والمريد والمشيء والبديع والبديء والرحمن والرحيم وامثالها من الصفات لان هذه الصفات اذا لم يكن عين الذات كانت اول مظاهر الذات في مراتبها في المظهرية وقد دل الدليل على انهم (ع) اول المظاهر واسبق المجالي فكانت حقايقهم (ع) هي تلك الصفات والاسماء فلهم سلام الله عليهم ملاحظتان ان نظرت اليهم في انفسهم لا يصح اطلاق ( هذه خ ) الاسامي عليهم وان نظرت اليهم بالمظهرية والوجهية فهم تلك الاسامي ومسمى الاسامي اللفظية واذا عرفت هذه الدقيقة عرفت المراد في الآيات والادعية مثل دعاء كميل اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء وبقوتك التي قهرت بها كل شيء وخضع لها كل شيء وذل لها كل شيء وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء وبعلمك الذي احاط بكل شيء وبسلطانك الذي علا كل شيء وبعزتك التي لا يقوم لها شيء وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء يا نور يا قدوس يا اول الاولين ويا آخر الآخرين ( الدعاء خ ) ومثل دعاء السحر اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي الى آخر الدعاء فهم المراد في كل هذه المراتب اذ لا يصح ارادة ذات الحق سبحانه لمقام التشكيك ولا تشكيك في الذات سبحانه وتعالى فهم القائم وهم القيام وهم الحي وهم الحيوة في مقام الاسمية وو الوصفية والرسمية فهم الوجه وكل شيء هالك الا وجهه أما سمعت قول الامام (ع) نحن الاسماء التي امركم الله ان تدعوه بها قال الله تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى فافهم هذه المطالب (خ) وعها واكتمها الا عن اهلها فانها صعبة مستصعبة وانا كشفت القناع عن وجه الحقيقة وبينت الكلام بالصراحة ولا خوف من فرعون وملائه بعد ما القيت العصا فصارت حية لكن يا اخي لا تزل قدمك ولا تظن بنا الا خيرا فان اعتقادنا ان المعنى بهذه الاسماء هو ذات الحق سبحانه القديم تعالى شأنه فانك اذا قلت يا الله يا رحمن ما تقصد به الا الذات القديمة الواجبة الوجود المنزهة عن صفات المحدثين واسماء المخلوقين وان الحقيقة المحمدية (ص) محدثة مخلوقة مصنوعة لا يملك لنفسه ( لا تملك لنفسها خ ) نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين عذبه الله عذابا يستغيث منه اهل النار فانا منهم برآء ببرائة الله ورسوله والائمة المعصومين (ع) منهم وهذا الذي ذكرنا هو تقرير حدوثهم وقدم الحق وعدم الارتباط بين الحدوث والقدم لكنه على وجه لا يعرفه الا الراسخون في العلم واذا عرفت هذا القدر من الكلام عرفت ان الاشياء كلها بحذافيرها قائمة بهذا المقام مقام المعاني قيام صدور لانه لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فبعلمه كانت المشية وبمشيته كانت الارادة وبالارادة كان القدر وبالقدر كان القضاء فاذا صح القضاء امضى فجميع اركان الوجود قائمة بهذه الاركان الاربعة من الفعل الذي هو العرش الاعظم الاعلى الصاقورة في الجنان التي غرسها محمد واهل بيته الطاهرين وهو على اربعة اركان النور الابيض الذي منه ابيض (خ) البياض ومنه ضوء النهار والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة فالنور الابيض هو المشية المتعلقة بالذكر الاول للشيء قال الرضا (ع) ليونس بن عبدالرحمن أتعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول وبياضها لكمال بساطتها وعدم تركيبها والنور الاصفر هي الارادة التي هي العزيمة على ما يشاء لكونها تكرر المشية كما ان الصفرة تكرر البياض الحاصلة من حرارة حركة الفعل مع رطوبته الاصلية والنور الاخضر هو القدر اي الهندسة الايجادية موضع الحدود والاوضاع الخلقية لاختلاط صفرة الارادة مع سواد القدر الحاصل من الكثرة والنور الاحمر هو القضاء اي التركيب والحكم كما قال تعالى في اي صورة ما شاء في القدر ركبك في القضاء لاجتماع بياض المشية مع صفرة الارادة في حرارة حكم القضاء وسيجيء الكلام عن هذا المطلب باكمل بسط ان شاء الله تعالى في مبحث العرش والكرسي فالعرش الاول الاعظم الاعلى اول مستوى الرحمن بالرحمانية التي هي نفس العرش هو هذه الانوار الاربعة التي هي اركان الفعل وقد يطلق الاركان الاربعة على اركان المفعول كما سنذكر ان شاء الله تعالى فكل موجود من الموجودات باعتبار اركانه الاربعة قائمة بهذه الاركان الاربعة فالوجود قائمة بالركن الايمن الاعلى والماهية بالركن الاسفل الايمن والتعين والتشخص بالركن الايسر الاعلى والتركيب والتأليف بالركن الايسر الاسفل والاظهار والابراز بالامضاء الذي هو لازم القضاء ولا يخل ( لا يخلو خ ) شيء من هذه الاركان الاربعة ولا تزيد ولا تنقص فقوامها بتلك الاركان في الصدور وكل واحد من تلك الاركان قائم بصاحبه فالمشية قائمة بالمشيء والارادة قائمة بالمريد والقدر قائمة ( قائم خ ) بالمقدر والقضاء بالقاضي وكيفية القيام مثل ما سبق لك من الكلام من الاتحاد كما لا يخفى فقيام الاشياء بالمقامين المذكورين اعني مقام البيان ومقام المعاني بالصدور البتة لان كلما يتعلق بذلك المقام مقام المعاني من توابع هذه الاركان الاربعة كما لا يخفى على اولي البصاير والافهام لكنه ادق من الشعر واحد من السيف لا يهتدى اليها الا من قطع طريق النهاية ووصل الى اللانهاية وبقي هناك الى غير النهاية فان العقل لا يدركه الا بالرسم في الثاني واما الاول لا يدركه الا الفؤاد وهو نور الله الذي ينظر المؤمن صاحب الفراسة به الى حقايق الاشياء

وثالث مراتبهم مقام الابواب الذي قال الباقر عليه السلام لجابر في الحديث المذكور المتقدم نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وقال الحجة عليه السلام في ذلك الدعاء المذكور اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت لبيان مفهوم المخالفة في قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا فيدل بمفهوم المخالفة بشهادة قول الامام (ع) ان لم نقل بحجيتها على انه اتخذ الهادين عضدا للخلق واشهدهم خلق السموات والارض وهو مقام الترجمان اي ترجمان الوحي والاحاديث في كونهم ابوابا للحق والخلق اكثر من ان يحصى وبيانه ان الله سبحانه جعلهم خزائنة لجميع ما يحتاج اليه الخلق من الامدادات الوجودية النورية من الذاتية والوصفية والامدادات العدمية الظلمانية من الذاتية والوصفية وهو قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا كما قال تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهم المؤمن على نهج الجمع بدون الفرق فاعطى كل ذي حق من الوجود النور حقه من باطنهم الذي هو باب الفيض والرحمة المكتوبة اي الفضل واعطى كل ذي حق من العدم الظلمة حقه من ظاهرهم الذي هو باب الفيض والرحمة الواسعة اي العدل فهم (ع) الرحمة الرحمانية اي الواسعة العامة للفضل والعدل قال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين اذا اردت ان تعرف حقيقة الامر في المسئلة انظر الى السراج فان النار جعلته بابا للفيوضات والامدادات التي تستحقها الاشعة فتوصل الفيض النور الى السراج الشعلة فيترجمها السراج ويجعلها صالحة للافهام ( لافهام خ ) الاشعة ثم بلغ اليها ما حملته النار من الوحي والالهام للاشعة ( الى الاشعة خ ) لان الاشعة لا قابلية لها ان تأخذ الفيض من النار والا لاحترقت فلا بد ان يصل الفيض اولا الى الشعلة فتترجمه للاشعة فالسراج باب النار الى الاشعة وباب الاشعة في الافتقار الى النار فهي الواقفة السائلة بباب النار الذي هو السراج والفقراء اللائذة بجنابها فلا تصعد حوائج الاشعة الى النار الا من ذلك الباب فتفطن وكذلك الامر فيما نحن فيه بعينه فان الخلق لما لم تكن لهم قابلية ان يأخذوا الفيض من النور والظلمة بلا واسطة والا لانعدموا وجعلهم الله تعالى لصفاء قابلياتهم ونورية استعداداتهم حيث كانوا من الامكان الراجح كادت قابلياتهم تظهر في الاعيان ولو لم ‌تمسسه نار المشية باحداث الوجود الذي هو المس فيهم فكانت قابلياتهم راجحة غير متساوي الطرفين لانها كانت توجد لو لم ‌يتعلق بها امر الحق سبحانه ولا كذلك غيرهم لان الامر فيهم متساوي ولذا قالوا عليهم السلام كنا بكينونته كائنين غير مكونين ازليين ابديين فهم الكائنون بالكينونة لا بالتكوين لانه نفسهم كما ذكرنا سابقا فهم الازليون وابديون بالازلية الثانوية التي هي مجلي الازلية الاولية وذلك لصفاء قابليتهم وشدة نورانيتهم فرجح وجودهم على عدمهم فاوجدهم الله تعالى نورانيين كاملين في النورانية بحيث سد ( سدوا خ ) الفضاء وملأ ( ملؤا خ ) ما بين الارض والسماء فضاء الامكان وسماء الكون وارض العين المعبر عنها بقوله تعالى كن فالكاف اشارة الى الكون والنون اشارة الى العين والواو المقدرة اشارة الى لطيفة ما ظهر عنهم الكامن بين الكاف والنون فافهم وهو قول النبي (ص) في خطبة يوم الغدير في الثناء على الله تعالى الذي ملأ الدهر قدسه وهو معنى قول الحجة عليه السلام في ذلك الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت وهذه الفضيلة والشرافة التي اعطاهم الله كانت من مقتضيات ذواتهم كما ذكرنا غير مرة ولذا رد الحق عز وجل على الجماعة الجاهلين بالامر الذين قالوا لن نؤمن حتّى نؤتي مثل اوتى رسل الله فردهم تعالى بقوله الله اعلم حيث يجعل رسالته فلما ملأوا بنورهم وظهورهم جميع فضاء الامكان والكون فما بقي مكان ليوجد فيه غيرهم او طريق ليحصل ( ليصل خ ) الفيض الى الغير بدونهم فيجب ان يكون كلما (خ) سواهم في الرتبة الثانية متحققا بفاضل نورهم فكانت لهم المتبوعية ولغيرهم التابعية على الاضافة فالنسبة بين التابع والمتبوع العموم والخصوص من وجه فبعض التابع متبوع في المتوسطات وبعض المتبوع ليس بتابع ابدا ( وازلا وسرمدا خ ) وهو هم صلى الله عليهم فلا يصح لهم التابعية بوجه من الوجوه لا بالذات ولا بالعرض ولا بالفرض ولا بالاعتبار الا باعتبار بعض العبارات ( الاعتبارات خ ) الغير المعتبرة الكاذبة الخبيثة الموجودة في الخزائن السفلى في اسفل السافلين تحت الثرى فجميع الفيوضات والامدادات والالهامات تنزل اولا الى تلك الحقايق المقدسة بطريق الجمع المعبر عنها بالشجرة الكلية والحقيقة المحمدية (ص) فيترجمون تلك الفيوضات بما يصلح لقابلية السافل المستمد فيلقون اليهم فامور كلما سواهم مفوضة اليهم وهم ظاهر الحق لكل ما سواهم ولانفسهم فلا يرون الخلق للحق ظهورا الا ظهورهم وكل امورهم راجعة اليهم وليس لهم تقوم الا بفاضل نورهم وكل احوالهم حاضرة لديهم بحيث لا تغيب عنهم ساعة ولا دقيقة ولا آن ولا اقرب وهم الحافظون لوجودات الخلق بجميع مراتبهم فاعرف بهذا البيان معاني الاحاديث المتقدمة من قوله (ع) نحن ظاهره فيكم بالمعنى الذي ذكرنا اخترعنا من نور ذاته فاشار بقوله (ع) اخترع بانه ما سبقهم شيء ابدا بل اخترعهم لا من مادة غير انفسهم وابتدعهم لا من صورة غير انفسهم بل خلق مقبولهم بنفس المقبول الذي هو المادة التي هي وجوداتهم الخاصة بهم وخلق قابلياتهم بمقبولاتهم وهو معنى قوله (ع) اخترعنا وهذا صفته واما قوله من نور ذاته ليس المراد انهم قطعة من ذات الحق جل وعلا او جزء لها او منفصل منها كانفصال الاشعة من الشمس لا تعالى ربي وتقدس عن مشابهة المخلوقين المحدثين والاقتران بهم او الاتحاد معهم بل المراد ان الله سبحانه خلق ذلك النور العظيم المالئ جميع الامكان والاعيان (خ) الذي هو ظاهر الحق في الخلق لهم وشرفهم به واكرمه ( اكرمهم خ ) لهم بانتسابه الى نفسه مثل ما قال تعالى الكعبة بيتي ونفخت فيه من روحي تعالى ربي وتقدس عن ان يكون له مكان او احاط به شيء ثم قال عليه السلام وفوض الينا امور عباده من امداداتهم في وجودهم التشريعي والتكويني لان الفيض لا يصل الى العباد الا بعد ان وصل اليهم (ع) فهم يعطون كل ذي حق حقه ويسوقون الى كل مخلوق رزقه بفاضل نورهم وزايد عطيتهم وليس لاحد ردها والا لانعدم وهو قوله تعالى ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واما هذا التفويض ليس مثل ما يتوهمون من الكفر من ان الله تعالى اعطاهم المدد والفيض وخلاهم وانفسهم واعتزل عنهم فهم مثل الوكيل له الاختيار فيما وكل له ( به خ ) فانه كفر وزندقة ويلزم منه الاستقلال واعتزال الحق عن الخلق واستغناء الخلق بل نسبتهم الى الخلق في ايصال الفيض اليهم من خزائن الحق سبحانه نسبة (خ) السراج الى الاشعة انظر الى السراج هل تستغني الاشعة منه وهل هو يستغني من النار فالنار ابدا تمده بمدد جديد بحيث لولا مدد النار لانعدم فالسراج هو الباب وهو المفوض اليه امر الاشعة لكنه بالنار لا تذوت له ولا تحقق الا بالنار ولو ان النار تركت السراج وحاله لم يبق السراج آنا واحدا كما هو الواجد ولذا قال الحق تعالى في وصفهم بانهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله يعني اني انا من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فهم يعطون بعطية الله ولا استقلال لهم في انفسهم كلا هم ( كلهم خ ) عبيد مربوبون ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم لرجوع الاشياء الى مبدئها واوائل جواهر عللها وليس معنى الرجوع هو الاتصال الظاهري وان كان هو الاتصال الحقيقي بل المراد استمدادهم منهم في جميع احوالهم واطوارهم وحركاتهم وسكناتهم في الدنيا والآخرة والجنة والنار الا انهم يحاسبون الكل على قدر ما اعطوهم وانت اذا عرفت ما سبق لنا من الكلام عرفت ان لا ملجأ للخلق الا اليهم بكل الوجوه وتعرف ايضا من هذا البيان قول الحجة (ع) اعضاد واشهاد لانه بعد ما ثبت ان الخلق كلهم من فاضل نورهم فيكون نورهم هو المادة لهم وقابلياتهم هي الصور ( الصورة خ ) ولا شك ان مادة الشيء عضد له يعني لولاه لما تحققت الصورة والهيئة لان الصورة هي القابلية وهي لا يتحقق بدون المقبول والمقبول عضد القابل انظر الى الاشعة فانها مركبة من مادة وهي نور السراج ومن هيئته وهي قابليات الاشعة فالسراج عضد الاشعة بنوره لا بذاته وهو معنى ما قال الصادق (ع) ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة فنور الله هو ما فضل من نورهم والرحمة هي الرحمة الواسعة العامة للصورة الانسانية والصورة الشيطانية فالصورة الانسانية منسوبة الى باطنهم اي موافقتهم والصورة الشيطانية منسوبة الى ظاهرهم اي مخالفتهم فكلتا الصورتين منسوبتان اليهم وتدوران عليهم الا ان احديهما يدور على التوالي والاخرى يدور على خلاف التوالي أما سمعت قوله (ع) انا قسيم الجنة والنار والجنة والنار كلتاهما منسوبتان اليهم (ع) فالجنة من موافقتهم والنار من مخالفتهم فكما انهم باب للمادة كذلك باب للصورة فثبت انهم اعضاد للخلق في المادة والصورة فهم العلة المادية والعلة الصورية لكل الموجودات فالعالم قائم بهم (ع) في هذا المقام بالقيام التحققي فموادهم قائمة بفاضل نورهم وصورهم الحسنة قائمة بباطنهم بالقيام التحققي وصورهم الخبيثة قائمة بظاهرهم بذلك القيام وهو قول النبي (ص) انا وعليّ ابوا هذه الامة لان النور منسوب الى الرسول (ص) والرحمة منسوبة الى امير المؤمنين صلوات الله عليهما لكونهما الاسمين الاعلين اللذين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا ثم اعلم ان المادة تابعة للصورة في الانسانية والشيطانية والشرافة والخباثة لان المادة هي النور فاذا تعين بتعين الموافقة يكون من اعلى عليين واذا تعين بتعين المخالفة يكون من اسفل السافلين ولا نقص في ذلك للمنير مثلا انك اذا نظرت الى المرآة السوداء ترى وجهك اسود واذا نظرت الى العوجاء تريه اعوج واذا نظرت الى المستقيمة تريه مستقيما وهذا ليس من جهة ان النقص فيك بل النور الساطع منك واحد الا ان القابلية اختلفت

كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما

ومن هنا تعرف انهم (ع) علل اربع لوجود الموجودات العلة الفاعلية في مقام البيان والمعاني والعلة المادية والصورية في مقام الابواب والعلة الغائية في كل المقامات كما قال (ع) نحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايع لنا اي خلق لاجلنا وقال الله تعالى في الحديث القدسي مخاطبا لنبيه لولاك لماخلقت الافلاك ولولا عليّ لما خلقتك للنقص الواقع في العلة التامة لفقدان حامل اللواء وساقي الحوض وقسيم الجنة والنار والصهر وفيه الخلل في العلة الفاعلية والعلة المادية والعلة الصورية والعلة الغائية كما ان الرجل اذا عدم النفس ناقص ولا يدل على ان النفس افضل منه واخص ( احسن خ ) واشرف لان الكل اشرف من جزئه وابى الله تعالى ان يخلق الشيء الا كاملا وابى ان يجري الاسباب الا نحو المسببات ( يجري المسببات الا بالاسباب خ ) فاذا كان الشيء ناقصا لفقدان بعض الشرايط لم ‌يحسن ايجاده الا اذا تحقق ذلك الشرط بمقتضي القابلية وهو سر التراخي والتقدم والتأخر الزماني للموجودات كما لا يخفى فافهم فهمك الله وايانا فهم العلة الغائية في جميع المقامات والمراتب لان الله تعالى خلق الخلق للمعرفة والعبادة فالمعرفة الكاملة والعبادة الحقيقية انما تحققت بهم ولذا قال النبي (ص) ( يا عليّ خ ) ما عرف الله الا انا وانت وما عرفني الا الله وانت وما عرفك الا الله وانا بالحصر الحقيقي المقتضي لاخراج جميع الوجود وما فيه لان معرفة كلما سواهم من فاضل معرفتهم وعبادة كلما غيرهم من شعاع عبادتهم فلا احد مثلهم في المعرفة حتّى يقال انه مقصود ايضا في الايجاد والتكوين فهم المقصودون بالذات في تكوين الارضين والسموات واليه الاشارة في الباطن في قوله تعالى واصطنعتك لنفسي اذهب الى فرعون الجهل الكلي انه طغي بالادبار وعدم الاقبال حيث امرناه فطغى بمخالفة الامر ( امرنا خ ) لقبوله الهيكل الشيطانية التي هي مبدأ جميع الشرور والمعاصي والخبائث والسيئات والآثام ولذا لقبوه (ع) بابي ‌الشرور وابي ‌الدواهي فثبت انهم المتأصلون في اصل الايجاد في المتبوعية وغيرهم هم المقصودون بالعرض في التابعية فالمقصود بالعرض من شعاع المقصود بالذات ومن عرقه وشعرته ومن فاضل نوره وقطرة منه كما ورد في الكل النص عنهم عليهم السلام وذلك ان الله تعالى لما خلقهم وسواهم فعدلهم في اي صورة ما شاء ركبهم بكينونته لا بتكوينه ليكونوا (خ) كائنين غير مكونين فاقتضت قابلياتهم ان يجيبوا الحق عز وجل في جميع مسائلهم واراد من ثمرة خلق الخلق لما سألوه ان يسألهم وطلبوا منه ان يطلبهم بنفس ذلك السؤال والطلب اي كان ذلك حقيقتهم وجهات تكونهم (ع) فهم السائلون والمسؤلون والمجيبون والمجابون والطالبون والمطلوبون وهذا في كل شيء لكن الفرق بينهم وبين غيرهم انهم المجيبون والسائلون السائلون والمجيبون في مقام البيان والتوحيد بخلاف الخلق فانهم المجيبون والسائلون فحسب ولكنك اذا تنزلت عن مقام التوحيد فيختلف المجيب والسائل والسائل والمجيب كما لا يخفى لمن عرف معنى كلامنا سابقا الحاصل انهم (ع) لما سألوا الحق عز وجل كل الخيرات والحقايق والمعارف اجابهم الحق تعالى لكونه المجيب ( للمضطر خ ) اذا دعاه ويكشف السوء عمن ناجاه فكملت انسانيتهم وتمت نورانيتهم فسطع ذلك النور وتشعشع ذلك الظهور فوجدت من ذلك الشعاع الشيعة انما سموا شيعة لانهم خلقوا من شعاع فاضل انوارنا وحصل من ذلك النور المنقطع ( المنفصل خ ) عن المنير في الدوران الذاتي وان كانت له عليه الدورة العرضية الظل فوجدت من ذلك الظل الناظر الى نفس النور الاعداء الكلمة الخبيثة فكان مثالهم الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض ما لها من قرار كما كان مثال الشعاع الكلمة الطيبة الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فالمنير باب النور يترجم له ما يوحى اليه من المبدأ الاول فاختلفت مراتب النور في الشدة والضعف من وجهين احدهما لاختلاف مراتب لمعان المنير وتشعشع النور الفايض منه وهو اختلاف مراتب الوجود كاللاهوت والجبروت والملكوت والملك فاللاهوت شعاع لاهوتيتهم بالاجمال في الظاهر المنزل الى مقامه فالنسبة بين عالم اللاهوت وبينهم نسبة الواحد الى السبعين والجبروت من جبروتهم نسبة الواحد الى السبعين والملكوت جزء من سبعين جزء من ملكوتهم والملك جزء من سبعين جزء من ملكهم وهذا بالاجمال مرتبة من مراتب الوجود من الدرة الى الذرة وثانيهما اختلاف مراتب الترجمة حسب افهام المخاطبين في القرب والبعد والشدة والضعف وكمال النور وتمامه ونقصانه فاوحى الله تعالى اليهم الوحي والالهامات الوجودية النورية كلما يستحقهم انفسهم (ع) وكلما يستحق ما سواهم من المراتب فاول ما ترجموا وبلغوا للملائكة العالين الذين ماسجدوا لآدم قال تعالى استكبرت ام كنت من العالين وهم اربعة حملة العرش الذي هو انفسهم النور الابيض الذي منه ابيض البياض والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وهم اربعة ملائكة روح القدس والروح من امر ربي والنفس التي لا يعلم ما فيها عيسى (ع) والروح على ملائكة الحجب والثاني للملائكة الكروبيين وهم ارباب الانبياء بالله اي تجلي الحق لهم بهم وظهوره لهم وهم الذين لما تجلى واحد منهم لموسى هلكت بنو اسرائيل وخر موسى صعقا ( كما خ ) اخبر عنه بقوله تعالى حكاية عن موسى قال رب ارني انظر اليك قال لن ‌تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا قال الصادق عليه السلام لما سألوه عن الكروبيين قال (ع) قوم من شيعتنا من الخلق الاول اقامهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر الله تعالى بواحد منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا ه‍ والعرش هو الذي حملته الملائكة الاربعة العالين كما سبق في اول الكتاب فراجع تفهم ثم اعلم انهم عليهم السلام انما ترجموا ما اوحى الله تعالى اليهم من الالهامات والامدادات الوجودية النورية اولا وبالذات للملائكة العالين فترجموا للملائكة الكروبيين ثانيا وبالعرض وقد عرفت ان الثاني وبالعرض من شعاع الاول وبالذات ونوره وفاضله ووجهه والتفاته ولذا ورد ان روح القدس كان مع جميع الانبياء بوجه من الوجوه وكان بكله مع محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وقد ورد عنهم ان نور نبينا لما اتم السباحة في الابحر الاثني عشر قطر منه مائة واربعة وعشرون الف قطرة خلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء فكانت الانبياء ثالث من تلقى الفيض عنهم (ع) ففي الحديث اجمال وذلك لان الروح قطرة من شجرة المزن الذي هي قطرة من بحر المزن ( النون خ ) قال تعالى أفرأيتم الماء الذي تشربون اي هو لطيفة وجوداتكم وبه قوام ارواحكم وانفسكم واجسامكم ومنه تشربون الرزق الذي به مدد جميع احوالكم واطواركم وافعالكم ءانتم انزلتموه من المزن وهو الصاد وهو بحر من الماء العذب الفرات السائغ شرابه عذب واستحلي من جهة قبوله لولاية آل محمد صلوات الله عليهم لما عرضت عليه ولما كان اول من قبل فكان مادة جميع الموجودات وحيوة كل الاشياء وهو الماء الذي قال تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي لكونه من نور آل محمد (ص) وظهورهم وهو امر الله الذي قام كلما سواه به قال كل شيء سواك قام بامرك فيقطر من ذلك البحر قطرات على الشجرة وقال (ع) ما معناه ان لله شجرة تسمى المزن فتقطر منه قطرة الى الارض فما اكلها احد الا وقد تولد منه المؤمن وانما سمى تلك الشجرة بالمزن مجازا مثل تسمية الاشعة بالشمس لبيان ان الصورة مثال المعنى والمجاز قنطرة الحقيقة فالروح قطرة من الشجرة وتقطر عليها قطرات من البحر فالاول البحر والثاني الشجرة والثالث الروح فالانبياء في المرتبة الثالثة الاولى الملئكة العالون والثانية ما ظهر عنهم وفضل منهم وهو الملائكة الكروبيون والمراد بهم حقايق الانبياء ولطيفة وجوداتهم ووجوههم ( وجههم خ ) الاعلى الى مبدئهم واوايل جواهر عللهم الذي هو محل تجلي ربهم والثالثة هم الانبياء من حيث انفسهم ومنزل تلك الحقايق الى مراتبها ومقاماتها فافهم والرابع الانسان وهو متلقي (خ) الفيض والوحي من نور الانبياء المتلقين للفيض من الكروبيين المتلقين للفيض من الملائكة العالين المتلقين للفيض من الحقيقة الكلية المحمدية (ص) والخامس البهائم من الحيوانات ذوي النفس الحيوانية الفلكية العارية من النفس الناطقة القدسية فيوحي الله اليهم بالشرع الوجودي من نور الانسان والسادس النباتات وذوي النفس النامية النباتية العارية من النفس الحيوانية الفلكية فيوحي الله تعالى اليهم بالوجود التشريعي الذي هو الشرع الوجودي من نور الحيوانات والسابع الجمادات تتلقي النور والفيض والوحي من الله تعالى بنور النباتات وهذا مجمل السلسلة وكل عال باب الفيض للسافل ووجه توجهه الى مبدئه الحق جل وعلا وكل سافل عرض للعالي الذي باب فيضه ومدده من الله تعالى فالابواب تنتهي سلسلتها الى الباب الاعظم ( الاعظم الاعلى خ ) الكلي الحقيقة المحمدية (ص) كما قال سيد الساجدين عليه السلام في دعائه الهي وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك والمراد بالباب هو الكلي لان الجزئيات باطلة مضمحلة عند الكلي كما لا يخفى على الفطن العارف اللبيب فالاشياء من اول الامكان قائمة بهم (ع) في مقاماتهم بكل القيامات الاربعة :

اما القيام الصدوري ففي مقام البيان والمعاني على التفصيل الذي ذكرنا لك فان الاشياء كل واحد منها منسوب الى اسم من اسماء الله تعالى الخاص به وكلياتها على هذا الترتيب فالعقل منسوب اليى اسم الله البديع فيدبره الله تعالى بذلك الاسم والنفس الكلية منسوبة الى اسمه الباعث والطبيعة الكلية منسوبة الى اسمه الباطن والمادة الكلية منسوبة الى اسمه الآخر والشكل الكلي منسوب الى اسمه الظاهر والجسم الكلي منسوب الى اسمه الحكيم ومحدد الجهات منسوب (خ) الى اسمه المحيط وفلك الكرسي منسوب الى اسمه الشكور وفلك المنازل منسوب الى اسمه الغني وفلك البروج منسوب الى اسمه المقتدر وفلك زحل منسوب الى اسمه الرب وفلك المشتري منسوب الى اسمه العليم وفلك المريخ منسوب الى اسمه القاهر وفلك الشمس منسوب الى اسمه النور وفلك الزهرة منسوب الى اسمه المصور وفلك عطارد منسوب الى اسمه المحصي وفلك القمر منسوب الى اسمه المبين وكرة النار منسوبة الى اسمه القابض وكرة الهواء منسوبة الى اسمه الحي وكرة الماء منسوبة الى اسمه المحيي وكرة الارض منسوبة الى اسمه المميت والجماد منسوب الى اسمه العزيز والنبات منسوب الى اسمه الرازق والحيوان منسوب الى اسمه المذل والملك منسوب الى اسمه القوي والجن منسوب الى اسمه اللطيف والانسان منسوب الى اسمه الجامع والامام منسوب الى اسم الله رفيع الدرجات وهذه الاسماء كلها جهات مبدئها فافهم فهمك الله وايانا من مكنون العلم ومخزون السر بالنبي وآله الطاهرين

واما القيام التحققي فهو في مرتبة الابواب لانهم في ذلك المقام واسطة ايصال فيض الممد الى المستمد وليسوا بعلة فاعلية مثل الملزوم للازم والوجود للماهية والمشروط للشرط والسراج للاشعة لكن لما كان وجودات الاشياء لا قوام لها الا بهم اتخذهم الله تعالى اعضادا لها كما يتخذ الصباغ الثوب عضدا لللون كما ظهر لك مما سبق

واما القيام الظهوري فقد قلنا لك ان المعتبر فيه قيام ظهور العالي للسافل بالسافل فهم في كل المراتب بمنزلة الشمس بل هم (س) عين الشمس على الحقيقة الاولية والخلق كلهم بمنزلة الجدار على المعنى الذي سبق من ان الجدار هو نفس النور ليكون المظهر نفس الظهور والفرق بينهما بالاعتبار فكل البرية مظاهر لآثار افعالهم بالله عز وجل قد ظهر الله تعالى بهم (ع) لهم بهم فهم عليهم السلام مظاهر لهم ومقاماتهم بمعنى الاتحاد في كل مقام ورتبة فظهورهم الذي ملأ الكون فلا يعرف احد غيرهم ولا يدرك سواهم وكان ذلك بتعريف الله سبحانه فافهم وهذا معنى قول الهادي (ع) في الجامعة الكبيرة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع حتّى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه بابي انتم وامي ونفسي واهلي ومالي واسرتي الزيارة فالشخص في جميع احواله وحركاته وسكناته وقيامه وقعوده ونومه ويقظته واكله وشربه وطاعته ومعصيته وقربه وبعده وترقيه وتنزله وكماله ونقصانه وفي جميع افعاله واحواله واطواره واموره يثني على الله ويصلي عليهم ويلعن اعدائهم ومبغضيهم وهذا المعنى عام كلي لا اختصاص له بشيء دون شيء بل كل شيء شم رايحة الوجود من اي نوع من انواعه واي صنف من اصنافه واي فرد من افراده حتّى الاعراض الغير القارة الا بموضوعاتها من الالوان والهموم والغموم والآلام والاسقام اما سمعت قول النبي (ص) حين خاطب الحمي فقال (ص) يا ام‌ ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم الدعاء وقول الحسين (ع) حين دخل على شداد بن عبد الله ليعوده في مرضه مخاطبا للحمي بقوله الشريف يا كباسة فسمعوا الصوت وما رأوا الشخص يقول لبيك يا ابن رسول الله ثم قال (ع) ألم يأمرك امير المؤمنين الاتقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل وامر الرضا (ع) للصورة فحركت ( فتحركت خ ) وقامت سبعا وافترست ذلك (خ) الخبيث وامثالها وهو معنى قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم يسبحون للحق بولاية الولي وتعليمهم اياه فافهم هذه المطالب واعرف امامك ومولاك ومقتداك الذي شرفك الله تعالى بولايته ومحبته وخصك دون العالمين لمحبته واشكر الله تعالى على هذه النعمة العظمى والدرجة القصوى الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية امير المؤمنين والائمة (ع) يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد وآل محمد وثبت قلبي على دينك ودين نبيك ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب وهذا الذي ذكرنا لك هو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما لهم من الفضائل والاسرار واستغفر الله من التحديد بالقليل وما خفي عليك من الذي كتمته واخفيته واودعته قلبي وسكنته في سريرتي اكثر

وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري

نكت الارض بالكف وابديت لها سري

فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري

لو اظهرت ما عند الفقير بعون الله الملك الخبير من اسرار باء بسم الله الرحمن الرحيم التي في فضائلهم ومناقبهم اذا لارتاب الجاهلون وسلك طريق الانكار المنكرون لكن يكفيك قوله نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقال تعالى لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا وقوله تعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وصلى الله ( عليكم وخ ) على ارواحكم وعلى نفوسكم وعلى موادكم وعلى طبايعكم وعلى اجسامكم بابي انتم وامي ما احلى اسماءكم واكرم انفسكم واعظم شأنكم واجل خطركم واوفي عهدكم واصدق وعدكم كلامكم نور وامركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الاحسان وسجيتكم الكرم وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم صلى الله عليكم اجمعين

واما القيام العروضي فهم اجل واعظم واكرم من ان يكونوا محلا للموجودات السافلة وما اتفق ذلك ان العالي يصير محلا للسافل ويكون للسافل تأثير في العالي وهو ينفعل من السافل ضرورة ان الجسم ينفعل بقبوله ذلك العرض كما لا يخفى ولذا قال ابن ابي الحديد في قصيدته الرائية من القصائد السبعة العلوية في مدح مولانا روحي فداه :

صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر

يعني صفاتك ومظاهر آثارك وافعالك اسماء لذاتك الظاهرة فيها وقائمة بها قيام صدور فكل الموجودات معان واسماء لهم (ع) على ما سبق وذاته جوهرة مقوم به جميع الاعراض والصفات والاسماء والمعاني ولما كان اهل الظاهر لا يعرفون هذه الدقيقة ولا يعرفون من الجوهر الا الجسم الذي لا يحل في شيء او ما هو اعم من الجسم من الاقسام الستة المذكورة في كتبهم ومراده من الجوهر في هذا الموضع غير ما هو المتعارف عندهم اشار الى الفرق وجهة المخالفة بقوله بريء المعاني عن صفات الجواهر المعروفة ثم بين بعض صفاتها وقال : يجل عن الاعراض والكيف ( الاين خ ) والمتى ليكون محلا لها كما هو عادة الجواهر وشأنها ان تكون محلا للاعراض مثل الكيف والزمان وامثالهما ثم بين وجه تنزهه عن الجوهر المعروف المحل للاعراض مثل الجسم وقال : ويكبر عن تشبيهه بالعناصر لان الجسم هو المركب من العناصر الاربعة المعروفة هذا في الظاهر لكني اقول ويكبر عن تشبيهه بكل العناصر من الظاهرية والباطنية والحقيقية وكلما يتركب منه الوجودات المقيدة في التابعية اذ لا يجري عليه ما هو اجراه فاثبت انه جوهر الجواهر في كل المراتب والمقامات ولذا قال الشيخ رجب البرسي في كلامه في مشارق الانوار

هم في الاجسام اشباح وفي الاشباح ارواح

وفي الارواح انوار وفي الانوار اسرار

ولا ريب بان الاشباح جوهر للاجسام والارواح جوهر للاشباح والانوار جوهر للارواح والاسرار جوهر للانوار وكل عال ذات للسافل لظهوره له به بنفسه وهو معنى قول امير المؤمنين (ع) انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات فاشار بقوله (ع) انا ذات الذوات الى المقامين الاولين اي جوهر الجواهر واسطقس الاسطقسات ومبدأ المبادي وعلة العلل واشار بقوله انا الذات في الذوات في الحقايق والماهيات الى مقام الابواب واشار الى عدم استقلالهم في انفسهم وعدم تذوتهم في حقايقهم والى انهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيهم جهنم كذلك نجزي الظالمين بقوله للذات اي الحق سبحانه وتعالى وهو معنى ما قال العارف الجيلاني :

عكسها گرديد در عالم ز يك صورت عيان

موجها گشتند از يك بحر پيدا در جهان

نيست مخفي سر اين معنى بنزد عارفان

نور او شد جلوه‌گر بر صورت پيغمبران

نوح وابرهيم وخضر وآدم وموسى عليست

وهو في هذه يناسب مقام الابواب لكن لك ان تجعل البيت الاول للمقامين الاولين فافهم فهم في هذه المقامات الثلثة العلل الاربع للكل ومبدأ جميع الموجودات ما جل وقل

ولهم مقام آخر غير هذه المقامات الثلثة وهو رابع مراتبهم ومقاماتهم وهو مقام الامام وفي هذا المقام هم حجة الله على الانام وخليفته في الارض لاهل المشرق والمغرب في الوجود التشريعي في تبليغ الوحي والالهامات وما يريد الله عز وجل من الخلق من الاعمال والتكليفات وتوصيف الحق للخلق على ما فطرت عليه الذوات والصفات وفي هذا المقام تتعدد مراتبهم وتختلف اساميهم وتتفرق ظهوراتهم ويجري عليهم ما يجري على الخلق وهو مقام انما انا بشر مثلكم يوحى الى ويأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون منه وفي هذا المقام ينزل عليه ( الوحي خ ) من الله سبحانه بواسطة جبرائيل وميكائيل وغيرهما من الملائكة وفي هذا المقام هم مختلف الملائكة تأتيهم وتخبرهم عما كان وما يكون الى يوم القيمة وفي هذا المقام ينزل عليهم في ليلة القدر الروح مع الملائكة الحجب فيخبرهم بما حتم حتما ( وابرم ابراما خ ) في تلك المشية ( السنة خ ) مما كان مشروطا عندهم وفي هذا المقام لهم نكت في الآذان ونقر في القلوب وعندهم الغابر والمزبور والتورية والانجيل والفرقان والزبور وعندهم الجفر الابيض والجفر الاحمر والجفر الجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام وعندهم آثار الانبياء من الاولين والآخرين وعندهم عصا موسى وناقة صالح وتابوت السكينة وسرو ( سرير خ‌ل ) داود وخاتم سليمان وغير ذلك من آثار النبوة وفي هذا المقام من عرفهم سعد واهتدى ومن جهلهم ضل وغوى وفي هذا المقام يطيعونهم ويعصونهم ويغصبون حقهم ويؤذونهم ويقتلونهم وينهبونهم وفي هذا المقام هم افضل الخلق من الاولين والآخرين وكانوا خليفة وآدم ما بين الماء والطين وفي هذا المقام يشاهدون احوال الخلق مما هو في المشرق والمغرب ويحكمون للطيور والوحوش والبهايم وحشرات الارض والجمادات والنباتات والجن والملك وغير ذلك من انواع الموجودات واصناف المخلوقات وغير ذلك من الامور الظاهرة في النبوة والولاية واما ترتبهم في الظاهر والظهور هو مثل ما ترى واما في الحقيقة ونفس الامر حسب ما اخبروا هكذا فالاول رسول الله محمد (ص) والثاني امير المؤمنين (ع) والثالث الحسن (ع) والرابع الحسين (ع) والخامس القائم محمد بن الحسن العسكري صلى الله عليهما والسادس الائمة الثمانية (ع) والسابع فاطمة (ع) وهذا هو الذي فهمنا واستنبطنا بتعليمهم سلام الله عليهم باعانة الله تعالى من ظواهر اخبارهم وآثارهم وبواطنها والا فما لنا وادراك مراتبهم في انفسهم لانفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون وهم عندنا كما قالوا كلنا محمد اولنا محمد آخرنا محمد اوسطنا محمد صلى الله عليه وآله مثل السراج والاشعة فان الاشعة لا ترى السراج الا واحدا مستقلا ولا تعرف فيه الشدة والضعف والقرب والبعد والاستضائة الا اذا اخبرها السراج بما فيه من المراتب في الشدة والضعف وكذلك حالنا بالنسبة اليهم (ع) فهم عندنا حقيقة واحدة وان كان عندهم في انفسهم مراتب على ما اخبرنا لك

ثم اعلم ان التفاوت في المراتب التي لهم (ع) ليس في العلية والمعلولية ولا بالتابعية والمتبوعية ولا بالظاهرية والمظهرية بل باستضائة بعضها من بعض كالضوء من الضوء يعني صرف التقدم الذاتي الحقيقي كتفاوت مراتب الكلمة في النقطة والالف والحروف والكلمة والدلالة انما تظهر من الجميع فلا فرق لها في مراتب الكلمة وتريها واحدة فهم كل واحد منهم يقوم مقام الآخر بالبدلية فكل واحد منهم علة تامة مستقلة في الوجود يقوم بما يقوم به الآخر وان كان بينهم تفاوت في المراتب الاخر بخلاف غيرهم من الانبياء والمرسلين فانهم وان كانوا في التابعية علة للمرتبة الانسانية على ما سبق لكنه ليس كل واحد منهم بل المجموع من حيث المجموع بحيث اذا نقص واحد منهم يحصل الاختلال في العلية كما ذكرنا في محله ومقامه ولا كذلك ائمتنا المعصومين (ص) اعلم ان كل الوجود يدور على هذه المراتب الاربعة كما عرفت واشار الى الجميع مولانا الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بالتلويح بقوله (ع) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر والسر المستسر بالسر والسر المقنع بالسر ه‍ وانت ان كنت تعرف لحن القول تعرف ان في كلام الامام (ع) تفصيل بعد اجمال فكلامه الثاني تفصيل للاول فقال اولا ان امرنا هو الحق وحق الحق فاشار الى مرتبة الامام (ع) بالحق والى المراتب الاخر كلها بالكناية بالجمع بقوله وحق الحق ثم فصل هذا الاجمال بقوله وهو الظاهر وهو الامام وباطن الظاهر وهو الابواب وباطن الباطن وهو المعاني والبيان ثم فصل هذا الاجمال بقوله وهو السر وهو الامام وسر السر وهو الابواب والسر المستسر بالسر وهو المعاني والسر المقنع بالسر وهو البيان والتوحيد فقد كملت جميع المراتب بالاشارة لكن عليّ بن الحسين عليهما السلام ذكر هذه المراتب بالتصريح على ما روي صاحب كتاب انيس السمراء وسمير الجلساء قال عليه السلام مخاطبا لجابر يا جابر أتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ومعرفة المعاني ثانيا ومعرفة الابواب ثالثا ومعرفة الامام رابعا والاركان خامسا والنقباء سادسا والنجباء سابعا ه‍ الاركان اربعة وهم محال الفيض الفايض عن الغوث والقطب الذي هو الامام واما النقباء فهم الابدال وهم عندهم اربعون لكن ما وقفنا في اخبارهم (ع) ما يدل على ان الابدال اربعون لكنا وجدنا ما يشير الى انهم ثلثون لقوله (ع) ونعم الارض طيبة وما بثلثين من وحشة ولا يبعد ان يكونوا هم الابدال للسر المخفي الا على الاقلين واما النجباء فهم الاوتاد وقالوا انهم سبعون ونحن بحول الله عرفنا وجه العدد ولكنا ما اطلعنا على ما يدل عليه من اخبارهم وآثارهم ولذا نسكت عن عددهم ونتكلم عما تكلموا وهنا رتبة رابعة وهم الصالحون وهم ثلثمائة وستون نفسا وهؤلاء لا يزيدون ولا ينقصون عن هذا العدد واما الاركان فهم احياء واما الابدال اذا مات واحد منهم يرقى الله تعالى واحدا من الاوتاد الى مرتبة الابدال ليكمل به عددهم وكذلك اذا مات واحد من الاوتاد يقوم مقامه واحد من الصالحين وكذلك اذا مات واحد من الصالحين يرقى الله تعالى واحدا من المؤمنين فيقوم مقامه ليكمل به عددهم ولا بعد في صحة ما قالوا لكونه موافقا لترتيب الوجود فان المبدأ اي القطب الدائرة عليه جميع كرات العالم واحد ليفيض منه الفيض الى اربعة اركان العرش ثم يفيض من تلك الاركان الى ثلثين مراتب القبول ثم الى اربعين مراتب المقبول ثم الى ثلثمائة وستين مراتب القبول والمقبول وهو مراتب الاسماء الالهية المنزلة الى المنازل الخلقية كما (خ) ذكر الامام (ع) على ما في الكافي في باب حدوث الاسماء هذا على القول بان الابدال ثلثون واما القول بانه اربعون كما ذكروا فالمبدأ واحد يفيض منه الفيض الى الاركان الاربعة فيفيض منه الى اربعين مراتب الوجود ثم الى سبعين مرتبة المعلول ثم الى ثلثمائة وستين المراتب المنزلة من تلك الكليات فاعرف واما حديث جابر المتقدم وهو قول الباقر عليه السلام لجابر يا جابر عليك بالبيان والمعاني قال وما البيان والمعاني قال قال عليّ عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه ونحن حقه ونحن عينه اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد ونحن ظاهره فيكم الى ان قال اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم فهو يشير الى المقامات الثلثة بالتصريح والى مقام الامامة بالكناية وهو ما هم عليه من الاحوال الظاهرية المعروفة عند الناس وهو مستغني عن البيان كما لا يخفى فافهم واحفظ هذه المراتب فانك اذا حفظتها لا يشتبه (خ) عليك شيء من احاديثهم وكلماتهم وتراها متحدة المراد والمعنى في كمال الاختلاف وهذا الذي ذكرنا كالمقدمة لما سيجيء وهو المراد في هذا المقام فانك اذا عرفت ان القيوم صفة الفعل لا صفة الذات عرفت ان صفة الفعل لا تعلق للذات بها تعلق اتصال وتصادق فيكون هو المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وتلك المقامات هي قيومية الحق للاشياء ولانفسهم ولغيرهم يعني اقامها الله تعالى بانفسهم وبحقايقهم وهي الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره ولا كيف لذلك وقد ورد انه لا كيف لفعله وصنعه كما انه لا كيف لذاته ولا اول له ولا آخر له ولا ابتداء له ولا انتهاء له ولا تقدم عليه شيء ولا تأخر عنه شيء ولا هو في زمان ولا في مكان ولا في جهة ولا رتبة فان الكيف والكم والاولية والآخرية والابتداء والانتهاء والتقدم والتأخر والزمان والمكان والحركة والسكون والجهة والرتبة والوضع والاضافة كلها مخلوقة به وهو خالقه بالله ولا يجري عليه ما هو اجراه فخلقه الله تعالى لا في زمان ولا في مكان فهو لا يتناهى اولا وآخرا ولا نسبة بينه وبين الحق جل وعلا والا يلزم الحدوث والاتصال ( ولا اتصال خ ) والا يلزم حدوث الواجب او قدم الفعل ضرورة تشابه المتصلين وتناسبهما في الملتقى ولا انفصال ولا التباين ( والا لتباين خ ) او ننقل الكلام في الفاصل اما يدور او يتسلسل او يثبت ما قلنا ولا سبق عليه شيء من الحوادث والممكنات واما قولهم الحادث مسبوق بالعدم فكلام زور وتوهم كاسد لان العدم ان كان شيئا فهو اما حادث او قديم وان كان ليس بشيء فماسبقه شيء فليس الحادث مسبوقا بشيء ابدا واعلم ان الذي قلنا انه لا كيف للفعل مرادنا انه لا كيف له في اصداره من فاعله المتقوم بالذات تبارك وتعالى واما الفعل في مرتبة ذاته في ملاحظة انه مفعول له كيف لكنه ليس مثل هذه الكيفيات المعروفة عند الناس ولا يدرك ذلك الكيف وتلك الحالات الا الفؤاد الذي هو التوسم وهو الذي يدرك الاشياء بلا جهة ولا كيف ولا كم ولا وضع ولا اضافة ويفرق المجتمع البسيط ويجتمع المتفرق المختلف واما العقل وما تحته من المشاعر والمدارك فلا يتأتي لهم ذلك لانهم ذو تقييد وتعين ( تعين وتقيد خ ) وجهة ووضع واضافة فلا يدركون ما هو الخارج عن هذه الدايرة ضرورة وجوب المناسبة بين المدرك والمدرك فتبصر فاذا كان كذلك فيمكن لذلك المشعر ان يدرك ما للفعل من الهيئة والمراتب حسب ما هو عليه لا حسب ما الفعل عليه فان الشيء لا يتجاوز مبدئه ولا يعرف الا ما فيه ولا يقرء الا حروف نفسه فنقول ان شمس اسم الله القابض لما اراد الله تعالى ان يخلقها بنفسها امرها ان تشرق على ارض الامكان الموجودة عند الاشراق واللمعان الذي هو الرحمة الواسعة للرحمن فصعدت الابخرة اي رطوبة الرحمة بتلك الرحمة ( الرطوبة خ ) بالشمس التي هي نفس الرحمة بتلك النفس ثم قبض بالملك الذي هو نفس تلك الرحمة من رطوبتها بتلك الرطوبة اربعة اجزاء بتلك الاجزاء نفسها ثم بها اخلطها بنفسها بجزء من الهباء المنبث في الهواء اي الرحمة بنفس ذلك الهباء ثم وضعهما في تعفين هاضمتهما بنفسهما فانحلا بهما وانعقدا بهما وتراكما بهما وهو الخلق الاول فكان القابض والمقبوض والمقبوض منه والمقبوض به شيء واحد بلا اختلاف ولا تعدد وانما هذا الاعتبار من جهة ان المفعول رأيناه على هذه الطريقة فحكمنا على الفعل بذلك ضرورة ان المفعول يشابه هيأة الفعل الذي هو صفة الفاعل ولذا قلنا ان الاثر لا بد وان يكون مشابها لصفة المؤثر واسمه لا ذاته والا يلزم المشابهة المستلزمة للنقص لما قلنا من ان الصفة من مقتضيات الموصوف فصفة الممكن من مقتضياته ولا يقتضي الا الفقر والاحتياج والنقص والفناء والعدم فلو كان ذات الحق مشابهة لما الممكن عليه من الهيئة والصفة يلزم ان يكون مشابها لما هو عليه من الفقر والنقص هذا خلف فالمناسبة لا بد وان تكون بين المفعول وصفة الفاعل في الايجاد والتأثير الحاصل ان الله تعالى لما خلق الفعل اقامه بنفسه وامسكه بظله فخلق به الامكان مطلقا دفعة واحدة وهو الذكر الاول للاشياء وهو ذكر جميع الموجودات وهو العلم وهو الاعيان الثابتة في اماكنها الحادثة بالله القائمة بفعله فكان الفعل طبق الامكان لا يزيد عليه ولا ينقص عنه اذ لا يجوز ان يكون شيء الا بالمشية او يكون المشية لا في الامكان لكن نسبتها الى الامكان نسبة المحدد الى الاجسام فكانت المشية من الامكان على حده الاعلى فهي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر فكلما في العمق الاكبر وجد فقد جف القلم بما هو كائن وما بقي الا الواجب الذي لم يتعلق به جعل ولا تأثير والممتنع ليس بشيء حتّى يصير متعلق الجعل فكل الامكان اي ذكر جميع الممكنات وجد في الخلق الاول وهو مذكوريتها في العلم كما قال تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال (ع) كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا وهو العدم الذي سابق على الحادث والمكون كما قالوا ان الحادث مسبوق بالعدم وهو العدم الذي يتصور ويحكم عليه وهو النفي الذي هو شيء على ما قال الصادق (ع) عند اختلاف زرارة وهشام في النفي قال هشام النفي شيء وقال زرارة ليس بشيء فقال عليه السلام قل بقول هشام في هذه المسألة وهو العدم الذي ضد للوجود ( الوجود خ ) فان العدم الصرف لا يصلح للضدية (خ) وهو العدم في قوله تعالى أولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وهذا العلم هو الخزينة الاولية الاعلى من الخزائن التي للشيء قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وهو الخزينة التي لا تنفد ينفق منها كيف يشاء وهو بحر لا ساحل له ولا نهاية له لا من جهة الاول ولا من جهة الآخر فانك اذا اردت ان تعد امكانات الشيء الواحد ما تقدر تحصرها ( بحصرها خ ) وهو من معاني قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها اي نعمة واحدة منها فانها غير متناهية أما سمعت ان الله تعالى لما ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار امر بالموت فيجيئون به بصورة كبش املح فيذبحونه بين الجنة والنار فينادون يا اهل الجنة لكم الخلود ويا اهل النار لكم الخلود ابد الآبدين ودهر الداهرين ولا شك ان كلا من اهل الجنة والنار لا يبقون من غير مدد فيأتيهم المدد من الله سبحانه كل آن ودقيقة وساعة ولا يأتيهم من ذات الحق سبحانه ولا من غيره اي من غير المستمد فان الشيء لا يستمد الا من جنسه وما يناسبه فلا يستمد المادي من المجرد والمجرد من المادي والعالي من السافل والسافل من العالي فيمد الله تعالى كل واحد مما يناسبه ومن سنخه ومما يمكن في حقه ولا نهاية لها ولا غاية فلا يقدر احد ان يحصى كلما في الشيء الواحد الا في الازمنة الغير المتناهية كما لا يخفى وهذه الخزينة لها جهتان جهة العليا وهي ما يتنزل الى المراتب العالية والذوات الطيبة الحسنة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها من تلك الخزينة العليا وكلما يتصور الانسان من التصورات الحسنة والتوهمات الصادقة والتعقلات النورية المطابقة لما في العين وجهة السفلى وهي ما يتنزل الى المراتب السافلة والذوات الخبيثة المجتثة التي من فوق الارض ما لها من قرار ويأتيها المدد الظلماني الذي هو التخلية والخذلان والطرد من تلك الخزانة وكل ما يتصور الانسان من التصورات الباطلة والتوهمات الكاذبة والتخيلات الظلمانية مثل تصور شريك الباري واجتماع النقيضين وتجويز الولد لله سبحانه وتقسيم المفاهيم الى الخمس الواجب لذاته والواجب لغيره والممتنع لذاته والممتنع لغيره والممكن لذاته وتجويز ان الماهيات ( الماهية خ ) قديمة غير مجعولة وتجويز ان المشية والارادة قديمة وتجويز ان علم الله مستفاد من المعلومات وتجويز ان ذات الله هي الوجود الساري في الموجودات وان الاشياء كلها اوهام وتخيلات وتجويز ان الوجود المنبسط هو الفعل المتعين بالتعينات وتجويز ان مشية الله تنكح وتشرب وتجويز ان الامكان غير مجعول وتجويز ان الامكان هو المشية وتجويز ان العقل هو المشية وتجويز ان العقول عشرة وتجويز ان صفات الله الثبوتية منحصرة في الثمانية والسلبية في السبعة وتجويز ان امير المؤمنين افضل من رسول الله (ص) وتجويز ان الماهية والوجود ليس فيهما الا جعل واحد وتجويز امكان ادخال الدنيا بكبرها في البيضة بصغرها وامثال ذلك من التصورات الباطلة والتوهمات الكاذبة والتخيلات الفاسدة والتعقلات المكرهة ( المنكرة خ ) وكل ذلك صور تلك الخزائن السافلة الكائنة في السجين اسفل السافلين الصاعدة الى الارض الثانية الداخلة في اذهان الناس بالشياطين الثلثة ولذا قال الرضا (ع) لم يتصور احد شيئا الا وقد خلقه الله قبل ذلك حتّى لا يقال لم لم يخلق ذلك وهو معنى قوله تعالى المتقدم آنفا وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فافهم ثبتك الله وايانا بالقول الثابت وهدانا الله واياك الى الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ثم ان الله تعالى لما اراد ان يظهر ما في الامكان الى الاعيان ليتحقق العلة الغائية خلق من ذلك السحاب الذي بيناه انه حصل من تصعيد شمس اسم الله القابض البخار الحاصلة في ارض الامكان ومزجه بالهباء المنبث في ذلك الهواء فجعله سحابا مزجي ثم جعله متراكما كما قال تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتّى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه الى بلد ميت فانزلنا به الماء واخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ماءا واحدا بسيطا غير مركب ولا مختلف ولا متعدد وصالحا لكونه مادة لجميع الممكنات فساقه الى بلد ميت ارض الامكان التي تحققت شرايط وجوده واسباب تحققه من المشخصات الستة من الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان فاخرج به من كل الثمرات فكانت اول ما نبتت في تلك الحقيقة ( الحديقة خ ) شجرة الخلد فاول ثمرتها روح القدس ثم ما تحته من الثمرات حسب مراتبها وحسب تحقق شرايطها فكلما يتحقق من تلك الشرايط من تلك الاراضي يمطر عليه ذلك المطر الاول فينبت حسب مقتضي تلك الشرايط النبات الخاص بها وهكذا الى غير النهاية ثم خلق من نور ذلك الماء وصفته القاطر على ارض (خ) صفة تلك المشخصات ونورها الحروف فكانت الالف اللينية في الحروف بمنزلة الماء ( ماء خ ) الوجود فكما كان اول تنزل الوجود العقل الكلي كذلك كان اول تنزل الالف اللينية الالف المتحركة المعبر عنها بالالف القائم وثاني تنزل الوجود واول تنزل العقل النفس الكلية كذلك ثاني تنزل الالف اللينية واول تنزل المتحركة الباء المعبر عنه ( عنها خ ) بالالف المبسوط فكان العقل الاختراع الثاني من الذوات والالف القائم الاختراع الثاني من الصفات وكان النفس الكلية الابتداع الثاني من الذوات وكان الالف المبسوط الابتداع الثاني من الصفات والاختراع الاول هو المشية التي هي ذلك السحاب والابتداع الاول هي الارادة التي هي العزيمة على ما يشاء فكان الاختراع اختراعان ( اختراعين خ ) والابتداع ابتداعان ( ابتداعين خ ) والاختراع الثاني والابتداع الثاني على قسمين اختراع في الذوات واختراع في الصفات وابتداع في الذوات وابتداع في الصفات وهو قول الرضا (ع) ان الله خلق الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون وهذه الحروف هي الاختراع الثاني وهي اعم من ان يكون ذاتا او صفة على ما فصلنا لك ومعنى ان الالف هو الاختراع الثاني هو انها نزلت بتكررها وكان عنها الباء فكان الباء نزول الالف وتكررها وتأكيدها وانبساطها فصورة الباء هكذا 85 وصورة الالف كذا 40 لان نزول القائم انبساطه كما لا يخفى ومالت على الباء وحدثت عنها الجيم هكذا 22 ومعنى ان الباء هو الابتداع الثاني انها نزلت بتكررها فكان عنها الدال 14 ومالت على الجيم فكان عنها الهاء لان ميل القائم الى الانبساط وميل المنبسط الى الركود كما لا يخفى وعلى هذا القياس ساير مراتب الحروف فانها كلها نشأت من الالف المتحركة التي هي ظهور الالف اللينية بظهورها في الباء فنشرها ( فنشوها خ ) بالالف المتحركة (خ) وظهورها وبروزها متمايزة في الالف المبسوط الذي هو الباء ولذا ورد انه ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وكلما في البسملة في الباء فقوام الحروف كلها بالالف اللينية التي هي مادة الحروف واصلها واسها واسطقسها وكل الحروف مظاهرها ومجاليها فاذا نظرت في الحروف بنظر الحقيقة والواقع ما ترى غير ظهور الالف نفسها ولذا ترى الصوفية قبحهم الله يمثلون بها فذات ( لذات خ بذات خ‌ل ) الحق سبحانه وتعالى على القول بوحدة الوجود ولما كانت الحروف في الرتبة الثانية في مقام التابعية والوصفية كان كل حرف بازاء ذات من الذوات الجبروتية والملكوتية والملكية فكانت الالف للعقل والباء للنفس والجيم للطبيعة والدال للمادة والهاء للمثال والصورة والواو لجسم الكل والزاء لمحدد الجهات والحاء لفلك الكرسي والطاء لفلك البروج والياء لفلك المنازل والكاف لفلك زحل (خ) واللام لفلك المشتري والميم لفلك المريخ والنون لفلك الشمس والسين لفلك الزهرة والعين لفلك عطارد والفاء لفلك القمر والصاد لكرة النار والقاف لكرة الهواء والراء لكرة الماء والشين لكرة التراب والتاء للجماد والثاء للمعدن والخاء للنبات والذال للحيوان والضاد للجن والظاء للملك والغين للانسان على ما سنفصل لك ان شاء الله تعالى فالحروف صفات الذوات والذوات صفات المذوت واسمائها والاسماء صفات المسميات التي هي المعاني وهي صفات الآيات والمظاهر والمقامات والعلامات اي الكلمة التامة وهي صفة الحروف العاليات السحاب المزجي وهي صفة الالف النفس الرحماني الاولى وهي صفة النقطة الرحمة و( هي خ ) جوهر الجواهر واسطقس الاسطقسات وهو الاسطقس الذي فوق الاسطقسات وهو امر الله الذي اذا قال للشيء كن فيكون وهو قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون على النهج الذي بينا لك ولا تتجاوز فتزل قدمك عن الصراط وهو قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة اي رتبة القوابل اي القابليات اي الماهيات المتقومة بالوجود وهو الاشارة الى الذي قلنا انها مجعولة بجعل غير جعل الوجود وهو كما قال تعالى ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا فكانت في قبضته والسموات مطويات بيمينه اي المقبولات من الذوات والصفات والمواد اي الحقايق والماهيات كما لا يخفى وسنزيد لك البيان في خلال الكلام ان شاء الله تعالى

وهنا دقيقة شريفة وهي ان المعلول يدور (خ) على العلة دورة غير متوالية والعلة تدور عليه دورة متوالية فان كانت ادارته على القطب تحدث الكرة لاستدارته عليه في جميع الجهات وكل الاعتبارات والحيثيات وان كانت ادارته على المحور الخط الواصل بين القطبين تحدث الدايرة لكون الاستدارة على الجهة لا على كل الجهات والحيثيات فالمعلول لا يجوز ان يدور على المحور والا لما احاطت العلة بجميع جهات ( جزئيات خ ) المعلول ولما تساوى اجزاءه في الدوران عليه كما لا يخفى فالعالم كله بجميع اجزائه وجزئياته واطواره وحيثياته واعتباراته واحواله وآثاره ومجرداته ومادياته وامره وخلقه وفلكياته وعنصرياته بجميع اغصانه واوراقه واثماره وما يترتب عليه بنظر الجمع والاجمال كرة واحدة مجوفة تدور على قطبها الذي هو فعل الفاعل المتجلي الظاهر فيها وهو المدبر ( المدير خ ) لها بجميع ما فيها من الافلاك والكرات في كل يوم وليلة دورة غير متوالية وهي المسخرة له والمطيعة لامره والقطب كرة واحدة تدور على المتجلي بنفس التجلي فالمتجلي قطب للتجلي الذي هو نفسه فهو يدور على باطنه الذي هو المتجلي دورة غير متوالية والمتجلي كرة مصمتة تدور على ظاهره الذي هو التجلي على التوالي وهو كرة تدور على نفسه الذي ( التي خ ) هي المفعول المطلق كذلك ونفسه تدور عليه على خلافه فالمتجلي ثلاث كرات تدور بعضها على بعض على التوالي وعلى خلاف التوالي لكن الكرة الثالثة هي نفس الثانية وهي نفس الاولى وهي نفس المحور الذي هو الالف وهو نفس النقطة التي هي القطب فهي قطب الاقطاب وغاية الغايات ونهاية النهايات وهو المخلوق الذي ينتهي المخلوق اليه كما قال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله هذا في الحقيقة والواقع واما العبارة الظاهرة المطابقة لما في الواقع فاعلم ان كرة المتجلي بمنزلة المحيط من الممثل والتجلي بمنزلة الحامل والخارج المركز منه لبعد مركز كل واحد منهما عن صاحبه بسبعين درجة وكرة المتجلي له اولا وبالذات الذي هو المفعول المطلق بمنزلة التدوير منه على هذه الصورة 75 اذا عرفت هذا التمثال فاعلم ان هذه الكرة بالاجمال تنقسم علي اربعة اقسام ولك ان تجعل كل واحد منها كرة علي حدة مستقلة لها قطب ومحور ولا دخل لها بصاحبها كما هو الواقع في الواقع ونفس الامر ومقتضى الذوات والكينونات ولك ان تجعل المجموع كرة واحدة بان تجعل البعض قطبا للكرة والاخرى محورا والاخرى حاملا والمتممين والاخرى ممثلا كما هو الواقع ونفس الامر ومقتضى الاجتماع والاقتران والظهور والتجلي والفعل الاول كرة الباطن وهي القطب والنقطة الدايرة عليه الكرة بجميعها الثاني كرة الباطن من حيث هو باطن وهي بمنزلة المحور الخط الواصل بين القطبين والثالث كرة الظاهر وهي الحامل والخارج المركز والمتممين الحاوي والمحوي والرابع كرة الظاهر من حيث هو ظاهر وهي الممثل المحيط بالجميع احاطة الظاهر بالباطن والقشر باللب وهو الابن الذي تولد منه ابوه كما في الآية ووصينا الانسان بوالديه احسانا فالانسان هو رسول الله (ص) ووالداه الحسن والحسين عليهما السلام والخامس كرة الظهور وهو الكوكب اي الشمس وليس لها تدوير لاستقامتها لعدم استقامتها واقامتها ورجعتها كما في غير النيرين فلها الممثل والخارج والظاهر مثال الباطن والصورة مثال الحقيقة أما سمعت ان الشمس هي النبوة للنبي المطلق والقمر هي الولاية للولي المطلق فجرى التطابق بين الظاهر والباطن فكان لذلك النير الاعظم فلكان مع القطب والمحور والمتممين وهذه

صورته 89 واذا جعلت كل واحد من هذه الاقسام كرة على حدة تكون اربع كرات متطابقات بحيث يكون محدب السافل على مقعر العالي والكرة الخامسة في الوسط بمنزلة المركز لان الكرات الاربعة الفوقية بعضها عين الآخر بخلاف الخامس ( الخامسة خ ) فانها ظهور المجموع ومظهرها وعضد ما يصدر عنها من الآثار والافعال فيكون المقامات والعلامات خمسة وهي قوي الهاء في هو الا ان اربعة منها مقام لانفسها واسم لتجلي المتجلي لها بها باظلتها وهي عالم الوجود المطلق واما الكرة الخامسة فهي مقام الوجود المقيد وهي توحيد لهم واسم لتجلي المتجلي لهم بهم بانفسهم كما ذكرنا سابقا فراجع ولك ان تقول ان الكرات الاربعة مقام الوجود المقيد ايضا بواسطة الكرة الخامسة لكن الواسطة غير معقولة ولا معتبرة وهذا بعيد جدا لان تلك الكرات هي الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره فافهم واثبت ثبتك الله بالقول الثابت وهدانا الله واياك الى الصراط المستقيم

فاذا عرفت هذه الدقيقة الخفية الا على الاقلين فاعلم ان هذه الكرات الاربعة المذكورة التي هي كرة واحدة بسيطة لا تعدد فيها ولا اختلاف واما هذا التعدد فكما قلنا انه لا يدركه العقل وما تحته من المشاعر والمدارك وانما يدركه الفؤاد النور وهو الظهور الكرة ( ظهور لكرة خ ) الخامسة التي فينا من ذلك الظاهر لها مراتب اربعة كل مرتبة كرة مستقلة والمجموع مترتبة متطابقة واما المرتبة الخامسة فكالاول الوسط حرفا بحرف لك ان تجعلها منها ولك ان تخرجها منها لكن الاولى قطب للثانية والثانية يدور عليه ( تدور عليها خ ) دورة الافتقار والاحتياج وهي مراتب صبح الازل الذي هو ظهور شمس الازل الاولى كرة المشية وهي الذكر الاول الخلق الساكن الذي لا يدرك بالسكون الثانية كرة الارادة وهي العزيمة على ما يشاء الذكر الثاني والخلق الساكن الذي لا يدرك بالسكون الثالثة كرة القدر وهي الهندسة الايجادية اول ظهور الكثرات والاوضاع والحدود والتعينات والتشخصات الرابعة كرة القضاء وهي الحكم والتركيب كما قال تعالى في اي صورة ما شاء ركبك الخامسة كرة الامضاء وهي (خ) الابراز مشروح العلل مبين الاسباب وهذه هي التي قلنا انها كالخامسة لك ان تجعلها منها كما في بعض الاخبار ولك ان تخرجها منها كما في بعض الاخبار الاخر ولكن هذه الكرات مراتب ظهورات الشيء الواحد في المراتب النزولية الفعل الكلي حسب المفاعيل المتعلقة بفتح اللام وعند تنزله في كل مقام عند تعلقه بالمفعول الواقع في ذلك المقام يسمى باسم خاص وهذه مراتب ( مراتبه خ ) بالنسبة الى التعلقات لا دخل لتلك المراتب في ذاته واجزاء وجوده التي هي الكلمة التامة بخلاف الكرات الاولية والمراتب الفوقية المذكورة فانها مراتبه من حيث هو لا من حيث التعلق وان لم يظهر الا به فكان في اصل ذاته وصرف حقيقته هي الاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره فلا نعرف له اسم ولا نفهم له رسم فلما اخذ في الظهور والتجلي في المراتب المفعولية بالتعلق بها عرفنا اسمه ورسمه واثره من حيث ذلك التعلق ولما كان تمام المفعول انما هو في اربع مراتب متفاوتة مختلفة او خمسة الاولى الوجود والثانية الماهية والثالثة الحدود والرابعة الزام الحدود اياه اي التركيب والخامسة ظهوره وبروزه وكل مرتبة حصلت بالجعل المستقل كانت مراتب الفعل عند تمام ظهوره اي ظهوره التام بتمامية المفعول اربعة او خمسة فسمي الفعل عند تعلقه بالوجود المشية وعند تعلقه بالماهية الارادة وعند تعلقه بالحدود والهندسة الايجادية القدر وعند تعلقه بالالزام والتركيب القضاء وعند تعلقه بالاظهار والابراز الامضاء وهي مراتب ظهورات صبح الازل الذي هو ظهور شمس الازل فكانت مراتب المتعلقات في الدرجات المفعولية هي الانوار المشرقة من صبح الازل فالنور الابيض هو المشرق من المرتبة الاولى التي هي المشية والنور الاصفر هو المشرق عن المرتبة الثانية التي هي الارادة والنور الاخضر هو (خ) المشرق عن المرتبة الثالثة التي هي القدر والنور الاحمر هو المشرق عن المرتبة الرابعة التي هي القضاء فاذا قضي امضى فالامضاء لازم القضاء وفي الحقيقة هنا كرة واحدة لها اربع دورات متوالية مترتبة في النزول دوران العلة على المعلول ولا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا عقده بادارة هذه المراتب عليه على التوالي واستدارة ذلك الشيء عليها على خلاف التوالي وهذا في كل شيء موجود ممكن برز من فعل الله سبحانه وهو في المفعول والدرجات السافلة المخلوقية ظاهر وانما الاشكال في ابراز تلك المراتب انفسها اذ لا شك انها مخلوقة محدثة وليست بقديمة فيقال فيها انها تدور على انفسها بانفسها بالله سبحانه والعبارة الصحيحة ان تقول ان الله سبحانه ادار عليها تلك المراتب بانفسها لا شيء غيرها دورة متوالية وغير متوالية ثم ادارها على المراتب المفعولية اول الجنان الصاقورة على التوالي وادار تلك المراتب عليها على خلاف التوالي فاتحدت الدورات في نفسها عند تحققها واختلفت في غيرها ذلك تقدير العزيز العليم فكانت الدورات الاربعة في المشية متحدة في كمال الاتحاد في عين الاختلاف وفي الارادة الدورات الثلثة متحدة وفي القدر الدورتان وفي القضاء دورة نفسها واذا لاحظت الامضاء معها تقول في المشية الدورات الخمسة وفي الارادة الاربعة وفي القدر الثلثة وفي القضاء الدورتان وفي الامضاء دورة نفسها والثاني اصح كما لا يخفى وبيانه بالاجمال ان الدورات في المشية متحدة اذ لا اختلاف فيها وفي الارادة تدور عليها المشية وهي غيرها وتدور عليه الارادة والقدر والقضاء والامضاء التي هي نفسها وفي القدر تدور عليها المشية والارادة وهما غيره وتدور عليه القدر والقضاء والامضاء التي هي نفسه وفي القضاء تدور عليه المشية والارادة والقدر التي هي غيرها وتدور عليها القضاء والامضاء التي هي نفسها وفي الامضاء تدور عليه المشية والارادة والقدر والقضاء التي هي غيرها وتدور عليها الامضاء التي هي نفسها فافهم

فاذا عرفت هذه الكلمات المجملة فاعلم انه وان سبق منا الكلام في بيان القيومية الا ان ذلك الكلام على بعض الوجوه لا ينكشف به المرام وانا احب ان اشرح ان شاء الله تعالى حقيقة الامر في ذلك فان هذا المقام من مزال الاقدام فكم زلت للاعلام فيه الاقدام ( اقدام خ ) فانهم ذهبوا في ذلك الى امور عجيبة

فمنهم من ذهب الى ان قيومية الحق للاشياء ركنية لا صدورية منه تبدأ الاشياء واليه تعود ولذا قالوا في قوله تعالى كل يوم هو في شأن ان ذلك شؤن يبديها لا يبتديها وان الاشياء قائمة به سبحانه وتعالى قيام الثلج بالماء والحروف بالمداد والكلام بالنفس وكلما في الوجود شؤن للذات كما قال بعضهم ان ذات الاسم الظاهر بعينه هو ذات الاسم الباطن والفاعل بعينه هو القابل والاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة والفعل والقبول له يدان فهو الفاعل باحدي يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره وعلى هذا جرت اشعارهم وحكاياتهم واحوالهم وقد قال شاعرهم في الفصوص :

فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا

وانا عينه فاعلم اذا ما قيل انسانا

فلا تحجب بانسان فقد اعطاك برهانا

وكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا

الى ان قال :

فاعطيناه ما يبدو بنا فينا واعطانا (خ)

وكنا فيه اكوانا واعيانا وازمانا

ومنهم من ذهب الى ان الاشياء من سنخ الواجب سبحانه وتعالى وهو قول من قال ان الوجود على ثلثة مراتب وجود قوي ما من وجود اقوى منه والطف واشرف وهو الواجب سبحانه وتعالى ووجود ضعيف ما من وجود اضعف منه وهو الهيولي وما بينهما المتوسطات وهذا صريح في السنخية وكذا لسان حال القائل بالاشتراك المعنوي بين وجود الواجب سبحانه وبين غيره من الممكنات ينادي باعلى صوته بالسنخية وتأويلهم بالمعنى والمفهوم لا يدفع عنهم الايراد بل يجعل الامر اشنع وافضح كما ذكرنا غير مرة في مباحثاتنا ورسائلنا

ومنهم من ذهب الى ان الاشياء قائمة به سبحانه قيام الاشعة بالشمس والخلايق كلها اشراقات انوار ذاته المقدسة وعكوسات حقيقته المنزهة واليه يرجع القول بالرشح

ومنهم من ذهب الى ان قيام الاشياء به قيام الظل بالشاخص والصورة بالمرآة

ومنهم من ذهب الى ان الوجود هو الله تعالى والاشياء متحققة موجودة بالانتساب اليه والارتباط به كالماء المشمس ولذا قيل ان وجود زيد اله زيد وامثال هذه من الاقوال كثيرة والاصل في هذه الآراء المختلفة انهم مانظروا الى الشيء بوجدان صحيح ومانظروا الى المسئلة على ما كتب الله لهم في الالواح الآفاقية والانفسية وما تأملوا في الامر قاطعين التفاتهم عن كل شيء حتّى يعرفهم الله سبحانه حقيقة الامر بل منهم من قصر نظره في العبارات واخذ ينظر فيها ويستنبط الحق منها وهي ذو احتمالات كثيرة ووجوه عديدة قد تكون متناقضة فنظر الى وجه وجهة منها واستحسنها ورد الباقي اليها ان امكن والا ردها وابطل القول بها هذا شأن الواقفين مقام المجادلة

ومنهم من نظر الى الشيء لا من حيث هو هو ليطلب ما هو الحق فيه من الله عز وجل بل من حيث انطباقه بالقاعدة المقررة او ما تأنس به نفسه من مطالب اقوام يحب ان يكون الحق معهم ففي الحقيقة ليس هذا طالب الحق والصواب وانما يطلب ما تشتهي نفسه والله سبحانه سريع الحساب فوفاه حسابه فكشف له على حسب مرآته واعطي كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه والا فمن راجع الفطرة ونظر بالفطرة الالهية الغير المشوبة بالمفاهيم الوهمية والعبارات المظلمة عرف سخافة هذه الاقوال وامثالها كالشمس في رابعة النهار وكالنار على المنار

وقد ذكرنا بطلان القول الاول في اللوامع الحسينية بما لا مزيد عليه لمن عرف الكلام المراد ونذكر هنا ايضا على سبيل الايضاح بالاجمال فنقول ان كل عاقل يعرف ان الشيء الواحد لا يظهر بالصور المتعددة ولا يتطور بالاطوار المتكثرة الا ويكون ذلك الامر الواحد مناسبا لتلك الامور بالصلوح فقبل التعين ( التعيين خ ) بالتعينات كانت تلك الامور كلها مذكورة في الشيء ذكرا صلوحيا فكانت له جهات متكثرة ذاتية وتلك لا تنفك عنه ابدا ما دام هو موجودا ونحن نجد عيانا ان كل شيء كذلك اي الواحد الذي من شأنه ان يتعين بالتعينات الكثيرة او انه يتعين بها بالفعل ان ذلك في رتبة غير مرتبة ذاته اذ لا شك ان (خ) كونه متعينا بالتعين المخصوص متأخر عن كونه صالحا لذلك وهو اعم وكونه صالحا متأخر عن الشيء بما هو هو لان الثاني صفة ورتبتها متأخرة عن رتبة الذات قطعا والا لكانت (خ) ذاتا والذي تسمع في الصفات الذاتية كل ذلك تعبيرات عن الذات وليست هناك صفة من الصفات قال امير المؤمنين (ع) كمال التوحيد نفي الصفات عنه سيما في هذا المقام الذي هو الصلاحية المحضة وتلك لا تتقوم الا بالذات ولا شك ان كل متأخر من حيث هو منعدم صرف في رتبة المتقدم من حيث هو هو فاذن لا يذكر فيها فثبت ان التعين المخصوص على الوجه المخصوص لا يوجد في رتبة الصلوح والصلوح ايضا لا يوجد في رتبة الذات البحت فبقيت الذات متفردة بتوحيده ( متوحدة خ ) لا ذكر لشيء فيها فتعرض لها حالة اخرى وهي الصلوح للتعين والتشخص ثم تعرض له حالة اخرى وهي التعين بالتعين المخصوص على الوجه المخصوص وان كانت هنا حالات اخر لكن بما ذكرنا كفاية فكل امر وحداني متعين بالتعينات لا بد له من هذه الحالات المعتورة المتعاقبة المترتبة واعتوار الحالات دليل الفقر البحت البات وعدم الغني والثبات فان ذلك هو السير والاستدارة والخروج الى الفعل من القوة وهو شأن الامكان ثم ان تكثر الجهات دليل الحدوث لان كثرة الجهات دليل الاختلاف والاختلاف دليل الفقدان والنقص وهو ضد الغني والوجوب ثم ان النقايص والشرور والخبائث على زعمهم انما لحقت الاشياء من جهة الحدود والتعينات وهذه الحدود انما لحقت الذات فلا يلحق الشيء الا بما يناسبه ولذا لا تلحق البرودة بالحرارة ولا بالعكس واليبوسة بالماء ولا بالعكس فيجب ان يكون في ذلك الملحق به ذكر للاحق ذكر نسبي ليمكنه اللحوق فيجب اذن ان يكون الموجود ( الوجود خ ) المتعين بهذه التعينات الناقصة فيه شائبة نقصان وفتور والا لاستحال التعين فلا يصح ان يكون ذلك الوجود هو الله الواجب سبحانه المتنزه عن كل نقص والمتقدس عن كل عيب والكمال المطلق هو ان يتقدس ساحة عزته عن وصول رايحة من العيب او شائبة من النقص سبحان ربي وتعالى عما يقولون علوا كبيرا مع ان الكثرة باي نحو كانت عينية او ذكرية انما نشأت عن سلطان الوحدة فلو فرضت فيها كثرة يجب ان تكون مستندة وتابعة اذ لا استقلال لها من حيث هي فيجب ان يكون القديم تعالى شأنه المنسوب اليه كل شيء واحد وحدة محضة مطلقة لا يشوبها كثرة لا ذكرا ولا فرضا ولا اعتبارا ولا خارجا ولا في نفس الامر كذلك الله ربنا لا اله الا هو وان كانوا يقولون بالسنتهم ان هذه الكثرة لا تنافي الوحدة فهم انما يعنون بها الكثرات العينية الشخصية لا الذكرية فان ذلك غير مضر عندهم وهو الاعيان الثابتة الازلية وقد واجهني بذلك بعض اشباه الناس فقلت له هذه الامور الذكرية التي تسمونها (خ) صورا علمية عين الله سبحانه وتعالى ام غيره قال هي عين الله قلت بكثراتها وتمايزها قال نعم قلت اذن كان الله مركبا من (خ) هذه الامور وكل واحد منها قديم يلزم تعدد القدماء قال لا يضر ذلك فان الممتنع ان يكون كل منها ( امرا خ ) مستقلا لا امرا اعتباريا ذكريا هذا حظهم في العلم ونصيبهم في المعرفة ولم يدروا ان القديم لا يكون الا مستقلا ولا يصح ان يكون اعتباريا ابدا بل لا يتعقل ذلك فان الذي وجوده لذاته كلما له فعلى ليست فيه جهة الامكان حتّى يعتبر فان الاعتبار لا يكون الا اذا لم يظهر وعدم الظهور لا يكون الا لفقدان شرايط الظهور ومتمماته والفقدان والانتظار لا يكون الا لمن كان وجوده مربوطا بالغير مستندا الى الغير مشروطا بالاسباب وما هذا شأنه لا يكون واجب الوجود فاذن يجب اما ان يكون هذه الاعيان الثابتة كلها ظاهرة متحققة مستقلة غير مرتبطة بشيء ويكون كل واحد منها مستقلا والها متحققا او تكون ممكنة محتاجة مفتقرة الى الشرايط والاسباب ولا يمكنك القول بالاول فانه ظاهر الفساد لانه لو فرض ذلك يلزم ان تكون الاشياء كلها بسايط ولا ارتباط لبعضها بالآخر ولا اقتران ولا اتصال ولا انتساب فان كل ذلك يستلزم الافتقار والاستدارة الممتنعتان على القديم فما بقي الا القول بحدوث تلك الاعيان فلا تكون ثابتة في الازل فلا يصح ان تكون مستجنة في ذات الازل عز وجل ولعمري ان التفوه بامثال هذا القول جرئة عظيمة على الله عز وجل فان هذه الاعيان ان كانت ليست بشيء فلا معنى للكلام فيها وترتب الاحكام عليها اذ يعود كلها كذبا وليس ذلك شأن العاقل فان كانت اشياء فهل هي امور متمايزة ام امر واحد بسيط حقيقي فالثاني ان كان هو الله فكالاول وان كان غيره فكذلك لا تفاقهم على ان كل ممكن زوج تركيبي والاول ان كانت حادثة يمتنع فرض وجودها في الازل وعلى الظاهر نقول (خ) يلزم ان يكون الحق سبحانه محلا للحوادث وان كانت قديمة يلزم تعدد القدماء ومنه يلزم وجود الآلهة الكثيرة بل الغير المتناهية فان القديم لا يكون الا مستقلا ولذا قال مولينا الصادق (ع) في رد من قال ان الاسم عين المسمى ما معناه ان لله تسعة ( تسع خ ) وتسعون اسما فلو كان الاسم عين المسمى يجب ان يكون كل اسم الها مع ان الاسم ليس الا جهات الشيء في ظهوراته فعلى فرض القدم والعينية جعل كلها مستقلة لا تابعة فافهم ولا تلتفت الى قولهم ان تلك الاعيان ليست شيئا ولا لاشيئا ولا قديما ولا حادثا فان هذا باطل جدا كما قال مولانا الصادق (ع) اذ ليس بين النفي والاثبات منزلة وقد بسطنا القول في بطلان هذا القول وفي ان الشيء يساوق الوجود في كتابنا اللوامع الحسينية فلا نعيد اذ بذكره يطول الكلام كثيرا ولا يحسن ذلك فبطل قولهم ان الاعيان الثابتة عينية الغير المجعولة ( غير مجعولة خ ) وانها شؤن الذات وذاتيات الحق لا يقبل الجعل والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان ولست ادري كيف تكون الاعيان ذاتيات وما معنى هذه الذاتية هل دخل في تقوم الذات وتحققها اي لا يمكن ان توجد الذات الا بها فلا تكون الذات قديمة لافتقارها الى غيرها اي غير حيثية ذاته من حيث هي فانهم ربما ينفون الغيرية بالنسبة الى الاعيان لحصول الاستدارة وكل استدارة تحتاج الى قطب الا اذا كان استدارة امتداد وافاضة فانها حينئذ تكون لنفس القطب فان كانت الاعيان ايضا تفتقر الى الذات انتفت ازليتها للاستدارة فان المفتقر الى الغير لا تثبت له عينية الوجود فاذا احتاج لم يقتض الوجود لذاته بل اقتضاؤه انما هو بذلك الامر الآخر وما هذا شأنه لا يكون الوجود ذاتيا له بحيث ليس الا هو فانه لا ينتظر شرطا (خ) ولا يتوقف بشيء ولا يترتب على شيء فاذا جاء الترتب والتوقف بطلت العينية فبها تبطل الازلية فيثبت الحدوث والفقر والحاجة الامكانية وليس هذا هو الله تعالى ربي عما يقولون علوا كبيرا فان لم يكن لتلك الاعيان دخل في حقيقة الذات فليست شؤن ذاتية لا تقبل الجعل بل انما هي امور حادثة تقبل الجعل والتغيير والتبديل وقائمة بها فان كان قيام عروض فلا يصح لاستلزامه الانفعال ولما ذكرنا آنفا وكذا قيام التحقق لاستلزامه الاقتران والاتصال وكذا قيام الظهور فان الامر فيه بالعكس بالنظر الى المظاهر (خ) الفعلية فتكون قائمة بها قيام صدور اقامها في اماكنها وامدها بما لها ومنها اقام الاشياء باظلتها فقولهم شؤن الذات ان ارادوا بها الذات الظاهرة في المقامات الخلقية اي رفيع الدرجات ذو العرش صح لكنهم لا يريدون الا ما ذكرت لك وقولهم والفاعل بعينه هو القابل هذا هو الذي قلت لك انهم يقولون بوحدة الوجود وان هذه الكثرات حدود وماهيات لبسطها وتطورها ولذا يقولون انا الله بلا انا وقد قال شاعرهم :

انا ذلك القدوس في قدس العماء محجب

انا قطب دايرة الرحى وانا العلي المستوعب

انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب

الى ان قال : انا غافر والمذنب

وهؤلاء يزعمون ان الاشياء قائمة بالله سبحانه بالقيام التحققي فان كانت الاشياء كلها صور تعينات الحق سبحانه وتعالى يلزم مع ما ذكرنا سابقا من اعتوار الحالات وتحقق الكثرات الذكرية الصلوحية ووجود الاقترانات والمناسبات والارتباطات ( التي خ ) كل منها علة مستقلة للحدوث والفقر ان يكون الحق سبحانه علة مادية للاشياء وان لم يقولوا هذا بالسنتهم المقالية لكنهم يقولون بها بالسنتهم الحالية في كل غدوة وعشية بل في كل آن ودقيقة اذ لا شك ان الصورة لا قوام لها الا بالمادة وليست الصورة الا (خ) الاجسام التعليمية في هذا ولا بد ان ( هذا والابدان خ ) النورانية على جهة الاطلاق لتشمل الابدان المعنوية المحضة والرقايقية والصور المجردة والمقدارية ولا شك ان المادة من حيث هي تتعين بالصور وتتطور باطوارها كالخشبة المتطورة باطوار السرير والصنم والباب والبيت والعمود والسفينة وغيرها الا ان المواد تختلف بالعموم والخصوص والاولية والثانوية فالخشبة ليست مادة اولية وانما هي فرد من العناصر وهي ايضا ليست اولية بل هي تعين الجوهر وهو عام لكنه خاص بالنسبة الى الوجود فالوجود هو المادة الكلية والهيولي الاولى المتعين باطوار مختلفة والمحدود بالحدود المتكثرة الغير المتناهية والوجود المطلق عند الصوفية هو الله سبحانه وقد قال الملا محسن في كلماته المكنونة المخزونة ان الوجود ان اخذ بشرط شيء فهو الوجود المقيد وان اخذ بشرط لا فهو الوجود العام البديهي وان اخذ لابشرط فهو الوجود المطلق وهو الذي يطلق على الله دون الاولين وهذا الوجود بنفسه ليس بكلي ولا جزئي ولا ذاتي ولا عرضي الى ان قال بل تلزمه هذه المراتب بحسب مقاماته ودرجاته المنبهة عليها لقوله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش فيصير كليا وجزئيا وذاتيا وعرضيا وجنسا وفصلا من غير حصول تكثر في ذاته ه‍ فعلمت انهم يعبدون المادة الكلية والهيولي الاولى والاسطقس الاعظم اذا كانت الاشياء كلها حدود الوجود وصور له فيكون هو مادة الجميع ولا يشك فيما ذكرت عاقل الا انهم يتحاشون عن اطلاق اسم المادة على الله سبحانه وان كانوا يثبتون معناها سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى ولا شك ان الصورة اذا اعتورت على محل ينفعل ذلك المحل لها ويقبلها ومن هذه الجهة تريهم يطلقون اسم الام على المادة والاب على الصورة لقبول المادة ما جاءها واتاها من حكم الصورة ويزعمون ان الصورة منسوبة اليهم والحدود راجعة اليهم وذلك الامر الواحد الكلي الذي يتعين بالحدود والتعينات منسوب الى الله سبحانه بل هو الله فيتوجه اليهم صريحا قوله تعالى ألكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان وتعبيرهم المادة بالام والصورة بالاب وان لم يكن صحيحا لانه خلاف ما قال مولانا الصادق عليه السلام وخلاف ما شهد به العقل الصحيح والوجدان الصريح كما نذكر فيما بعد ان شاء الله تعالى لكنهم صدقوا في اصل الانفعال في الجملة فان المزدوجين لا يتحققان ولا يوجدان الا اذا حصل التفاعل بينهما مرتين لا اقل وان كان احدهما فاعلا والآخر منفعلا والا فاين التعفين الذي هو شرط في التكوين اذ لا بد من ميل (خ) الرطوبة الى اليبوسة وميل اليبوسة الى الرطوبة حتّى يجتمعا وتصديق ذلك قوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وابان عن شرح ذلك مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام في الصحيفة يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد الدعاء وصرح الحق سبحانه للمؤمنين الممتحنين وابان عن فاعلية القابل بقوله الحق يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا بعد ما صرح بان هذا فعل الفاعل بقوله تعالى فلما تغشاها حملت حملا خفيفا وليس لاحد ان ينسب الذكورية الى الليل فانه انثى وحبلى وقد قال تعالى وجعل لكم الليل لباسا وهو الصورة التي هي الام واشار الحق سبحانه الى التفاعل لقوله هن لباس لكم وانتم لباس لهن لكن الاصل في هذه التسمية وهذا الاطلاق هو المرأة لا الرجل ولذا من يرى في المنام انه لبس ثوبا فانه يتزوج او انه نزع ثوبا فانه يطلق زوجته او انه ضاع خفه فان زوجته تموت وامثال ذلك فاذا عرفت ما ذكرت لك عرفت ما يترتب على قولهم من القبح الفاحش فان الشيء لا يتصور بالصور الا انه يتأثر بقبول تلك الصورة واقترانه بها وارتباطه معها والا فيستحيل ذلك ولا يمكن نسبة الانفعال الى الحي اللايزال مع انه قد دل العقل الصحيح الصريح الناظر بنور الله سبحانه انه لا يتعين الشيء الكلي بالتعين الجزئي الا ويكون بين ذلك الشيء الواحد وتلك الصورة حالة ذوبان وميل وارتباط اولى المسمى بالحل الاول وحالة اجتماع واقتران اقتران كلي عام المسمى بالعقد الاول وحالة ذوبان ثانية للصورة الشخصية المسمى بالحل الثاني وحالة اقتران واتصال جزئي شخصي المسمى بالعقد الثاني وهذه المراتب في كل شيء اذا نسب الى الآخر نسبة يستحق المجموع اسما آخر غيرهما قال بعضهم : فصل في اثبات التكثر اعلم ان الشيء له ثلث ملاحظات الاولى ملاحظته من حيث الوجود الصرف فهو بهذا الاعتبار امر واحد حقيقي لا تكثر فيه بوجه من الوجوه والاشياء كلها بهذا النظر واحد الثانية ملاحظته من حيث الحدود والاعراض والتعينات والماهيات الصرفة من غير ملاحظة اتصافها بالوجود واتصالها به فالاشياء بهذا (خ) الاعتبار كلها امور عدمية وهمية ماشمت رايحة الوجود الثالثة ملاحظة الامرين معا اي الوجود مع تعينه بالماهية والحدود الخاصة فمن هذا جاء التكثر هذا كلامه ملخصا والوجود عندهم هو الله انظر كيف صرح بالامر في باب التعين والتشخص ولا شك ان الامور الاربعة المذكورة تجري في هذا المقام وقد اجتمع ( اجمع خ ) العقلاء ان الاكوان الاربعة التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون علامة الحدوث وقد قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدوث ( بالحدث خ ) الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ان هذا الا جرأة عظيمة على الله نعوذ بالله من طغيان الافهام وكدورة الاوهام ونستعصمك يا كريم فاعصمنا فلو انهم سلكوا سبيل دليل الموعظة الحسنة اذ عجزوا عن دليل الحكمة ولم يجدوا للمجادلة مستندا من الكتاب المجمع على تأويله او سنة عن النبي (ص) لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله كان احسن لهم بل يجب لهم ذلك لكونه محل اليقين وطريق السلامة في الدنيا والدين وذلك لانه يجب على المخلوق ان يوحدوا خالقهم وبارئهم وينزهوه سبحانه عن كل نقص وعيب وكدورة ورذالة وكلما لا يجوز ويجوز على المخلوقين وعن صفاتهم واحوالهم فاذا قالوا واعتقدوا ان الله سبحانه انما خلق الخلق ولم يكونوا شيئا مذكورا كان الله ولا شيء معه ولا اقتران ولا اتصال ولا انفصال ولا استجنان ولا مكون ( تكون خ ) ولا بروز هو تعالى صمد لا يدخله شيء ولا يخرج منه شيء ولا يخرج من شيء خلق الخلق بمشيته اختراعا وسلك بهم في سبيل ارادته ابتداعا من غير نسبة بينه وبينهم بوجه من الوجوه ولا ذكر لشيء في ذاته ابدا كما هو معتقد اصحاب الشريعة وما اجتمعت عليه الفرقة المحقة فلا شك انهم من الناجين فاذا ماتوا على هذا الاعتقاد ( هم خ ) من اهل الجنة على القطع واليقين لانهم قد تمسكوا بمحكمات الدين بخلاف ما اذا قالوا بوحدة الوجود وان الوجود هو الله سبحانه وكل هذه الكثرات تطوراته وشؤنات ذاته مستجنة في غيب ذاته كالشجرة في النواة ثم ظهرت كما ذكر السيد حيدر العاملي في جامع الاسرار وان الله سبحانه كالبحر والخلق كالامواج كما قال في جامع الاسرار والملا محسن في الكلمات المكنونة :

البحر بحر على ما كان في القدمان الحوادث امواج وانهار

لا تحجبنك اشكال تشكلها عمن تشكل فيها وهي استار

وان الله كالمداد والخلق كهيئة الكتابة وان الله كالنفس بفتح الفاء والخلق كالالفاظ وان الله كالواحد والخلق كالاعداد كما قالها الملا في الكلمات ولا شك ان هذا اعتقاد يخالف ما عليه المسلمون بل جميع الملل لان ذلك يفضي الى الاقرار بالكل والاعتقاد بحقيقة ( بحقية خ ) الكل لان كل ذلك صور تجليات الحق سبحانه وقد اقر بذلك ابن عربي في الفصوص في الكلمة المرسولة ان الله سبحانه لم ينصر هرون على عبدة العجل لانه تعالى احب ان يعبد في كل صورة وقال في قوم نوح انهم انما لم يؤمنوا به لانه يدعوهم الى التنزيه الصرف وهم شاهدوا تجليات الحق في كل صورة وكل شيء فلم يكتفوا حتّى ادركهم ماء الرحمة ووصلوا واتصلوا بمحبوبهم هذا معنى كلامه وقد قال نظير ذلك الرومي بالمثنوي وصرح بالامر الملا محسن في الكلمات ما معناه ان الارواح في عالمها كانت مقرة بالتوحيد طالبة للحق ولذا لما قال الله سبحانه ألست بربكم قالوا تصديقا بلى فلما نزلوا الى عالم الاجسام ووقعوا في مقام النقش والارتسام حجبتهم غواشي الطبيعة فاخذوا في المخالفة والعصيان فاستحقوا للغضب العرضي والعرضي يزول والذات لا يزول فيكون مآل الكل الى الرحمة الواسعة الذاتية بحكم سبقت رحمتي غضبي وقال ابن عربي في الفصوص في كلمة هودية ( صورية خ‌ل ) ان كل الخلق وكل الوجود على الحق وعلى الصراط المستقيم لان ناصية كل شيء بيده وهو على صراط مستقيم لقوله تعالى وما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم وقد واجهني بمثل مقال ابن عربي بعض اشباه العلماء وقال هذه الاختلافات التي ترى في الملل والاديان والعقايد والاحكام وامثال ذلك كلها من باب اختلاف التعبيرات في اللغات والمقصود واحد ومراده ان الواحد لما تجلي في هذه المرايا والصور وتحققت هذه الشؤن فنظروا الى القيود والتعينات واحتجبوا عن المطلق فصار هذا يكذب ذاك مع ان الكل من مشرب واحد ومصدر واحد ويحكي الكل عما عنده حسب تجليه فيه والآخر عما عنده حسب تجليه فيه وهم من اهل القيود يرون المخالفة الظاهرة فيكذب احدهما الآخر وهكذا وهذا شيء لم يرض به احد من اهل الملل والاديان وخلاف ما نطق به دين الاسلام سيما الفرقة المحقة الذين يدور الحق مدارهم وقد اقر بذلك علاءالدولة السمناني الذي هو من كبار الصوفية في حاشيته على الفتوحات عند قول ابن عربي مميت الدين سبحان من اظهر الاشياء وهو عينها قال في هذا المقام ان الله لا يستحيي من الحق ( الخلق خ ) ايها الشيخ لو سمعت من احد يقول ان فضلة الشيخ عين وجود الشيخ البتة لا تسامحه بل تغضب عليه فكيف يسوغ لك ان تنسب هذا الهذيان الى الملك الديان تب الى الله توبة نصوحا لتنجو من هذه الورطة الوعرة التي تستنكف منها الدهريون والطبيعيون ه‍ وتكفي شهادته عن ذكرنا

وبالجملة كل من (خ) له ادنى معرفة بالشرع وقواعد الدين وانس بطريقة اهل البيت (ع) في احاديثهم وآثارهم وانوارهم المبثوثة في قلوب الشيعة يعلم يقينا جازما لا يعتريه شك ولا شبهة ان هذه الطريقة مخالفة لطريقتهم ومباينة لشريعتهم ولو تنزلنا وقلنا انه لم يحصل له القطع فلا اقل من الظن ولو فرضنا عدم حصول الظن فلا اقل من الاحتمال المساوي او الاحتمال المرجوح كيف وان القائل بهذا القول ليس الا شرذمة قليلون والآن انقرضوا ان شاء الله تعالى وكل اهل الشريعة المتدينين بدين خاتم النبيين واهل بيته الطيبين على خلاف ذلك بل يتدينون ويتقربون الى الله سبحانه ببطلانه والامام (ع) بين ظهرانيهم ويهملهم يخوضون في الباطل (خ) او ان النبي (ص) والائمة (ع) غشوا الناس مابينوا لهم الطريق الحق وجعلوا الخلق على خلاف الحق او انهم (ع) ما علموا ذلك وما انكشف لهم ما انكشف لاولئك والتمسك ببعض الاخبار المتشابهة المخالفة للنصوص المحكمة خلاف دأب العقلاء فضلا عن العلماء وحاشا ائمتنا سلام الله عليهم عن كل ذلك وقد قالوا ان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم (خ) وان نقصوا اتمه لهم وهو عليه السلام قد اقر المؤمنين على خلاف هذا الاعتقاد فيكون باطلا لان تقريره حجة اذ لا يسكت عن جهل او عن عجز للتبليغ الى من يريد بحيث لا يرونه ولا تقية بعد ما اخفي نفسه الشريفة لا يقال انما ترك من جهة الخوف على الشيعة لانا نقول ان هذا ليس شيئا يستنكف منه المخالفون بل هم المنكبون على هذه الطريقة وهم الذين يحبون الصوفية ويفتخرون بها سيما هذه المسألة التي هي اس مسائلهم وعليها اساطينهم كالغزالي وابن عربي وابن عطاء الله والبسطامي والحسن البصري وامثالهم مع انهم (ص) نهوا عن التصوف ولعنوا الصوفية وكل من يميل اليهم ويقول بقولهم فدل الدليل القطعي على ان الامام (ع) مخالف لهذا الاعتقاد بل يتبرأ الى الله تعالى منه وممن يعتقد به فان لم يحصل لك القطع اما يحصل لك الظن بمخالفة هؤلاء العلماء الاجلاء اهل الزهد والورع والديانة وانهم لا يحكمون الا عن دليل قاطع منسوب الى الكتاب والسنة والقول بان هؤلاء اهل الظاهر وهم اهل الباطن عرفوا الاشياء بالرياضات والمكاشفات فظهر لهم الشيء على ما هو عليه بخلاف هؤلاء اهل دليل المجادلة نظروا الى بعض وجوه الشيء واحتجبوا عن غيرها وما عرفوا الشيء على ما هو عليه فكل من هو في مقام المجادلة هذا حاله فلا يقاوم اتفاقهم واجماعهم كشف اهل الباطن الذين يشاهدون الشيء بالمشاهدة (خ) العينية باطل من وجوه احدها ان اهل الظاهر اذا اختلفوا فحينئذ اذا تحقق قول من اهل الباطن بشرايطه فهو ارجح وبالقبول احري واما اذا اتفقوا ونصوا على ذلك الشيء علماؤهم وعوامهم فحينئذ لا بد ان يكون حقا لانهم وان كانوا لا يدركون الشيء على ما هو عليه ولا يحيطون به لكن وراءهم امام يدرك الشيء على ما هو عليه ويحيط بكل شيء علما وهو (ع) انما هو لتكميل (خ) الناقصين وارشاد الضالين ولئلا يخرج الحق عن مقره ويغلب الباطل على اهله فلا يهمل رعيته وغنمه ان يجمعوا على الباطل ويتفقوا على خلاف الحق فاذا اتفق اهل الظاهر على شيء فهو ارجح عن كشف اهل الباطن فان الاحتمال في خطائه لعدم عصمته قائم فاذا قام الاحتمال بطل الاستدلال هذا هو الحكم الا ان التميز بين اتفاق اهل الظاهر على الخلاف في الواقع او في التعبير وبعض الوجوه وبعض المراتب مشكل جدا تمييزه نصيب المؤمنين الممتحنين فكم من احكام ومسائل يدعون فيها الوفاق والاجماع وان القول الفلاني يخالفه وليس كذلك والمخالفة ليست الا لفظية وهذه وامثاله نشاهده كثيرا (خ) في هذا الزمان والعون على الله

وثانيها انه ليس كل من ادعي انه من اهل الباطن صح اذ

وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى

واهل الباطن هم المنقطعون الى الله سبحانه المعرضون عن كلما سواه الذين لا يستندون في شيء من علومهم واحوالهم الا الى الله وابوابه على هذه ( هداه خ ) فليست عندهم قواعد يعتمدون عليها ولا انس الى اشخاص يجب ان يكون الحق معهم وليس بمعاند ولا جاحد بل هو طيب السريرة وصافي الفطرة ينظر في الاشياء نظر المتعلم من الله وهذه المسألة ماصدرت الا عن الصوفية الملحدين الذين راضوا انفسهم لاطفاء نور الله وعناد الائمة الطاهرين فحصلوا برياضاتهم مناسبة تامة مع الشياطين فكانوا يلقون اليهم الباطل على صورة الحق تمويها واضلالا للمستضعفين وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون وقد قال عبد الكريم الجيلاني وهو من كبار الصوفية واشدهم تمسكا بهذه المسألة اي القول بوحدة الوجود وقد ملأ كتبه من ذلك قال ان شرط التصوف ان يكون على مذهب اهل السنة وقالوا في شرط التسنن ان يكون فيه من بغض عليّ عليه السلام شيء لئلا يغلو عند استماع الفضائل العظام التي له (ع) واما منا فلم نرى احدا تكلم بهذه المسألة الا وقد استند الى اولئك كابن عربي والغزالي واضرابهما وتمسك ببعض الاخبار المتشابهة بل ربما يذكر لفظ الحديث وينقل معناه من ابن عربي وان شئت انظر كلام الملا في الكلمات في المواضع التي يقول قال بعض اهل المعرفة مراده هو ابن عربي مميت الدين الذي حكم بان عمر معصوم واستدل عليه بالاخبار وان اهل الكشف يرون الشيعي على صورة الكلاب والخنازير وبالجملة الذي تتبعت في كلمات القائلين بهذه المسألة ما وجدته الا مستندا الى تلك الجماعة فماكشف لهم الشيء على ما هو عليه في الواقع بل على ما طبق اذهانهم وافهامهم وحقايقهم المعوجة وشرح ذلك واسبابه يطول به الكلام وقد قال تعالى ولتصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون فليس هؤلاء الذين قد كشف لهم من اهل الباطن بل هم من اهل الباطل فذرهم وما يفترون ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون

وثالثها ان المنكرين لهذه المسألة وهذا الاعتقاد ليس كلهم من اهل الظاهر بل فيهم من اهل الباطن الحقيقي الذي قد استكملت فيه الشرايط وقد رأينا منهم من قد صحي له المعلوم بعد محوه الموهوم وغلب له السر بعد هتك الستر واطفاء سرج الحواس والمشاعر السفلية بعد ما اشرق له النور من صبح الازل وصار كما قال مولينا الباقر عليه السلام ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل عن مسألة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة وقد تلقي جميع علومه من الالهامات الالهية بالاجازات ( بالاخبارات خ ) المعصومية في المنامات الصادقة والقذوف القلبية وعرف الاشياء بالمشاهدات العيانية وكان شديد الانكار على تلك الملاحدة الصوفية وكثير الطعن عليهم سيما في هذه المسألة التي من اس مسائلهم وقد هدم بنيانها وخرب اركانها واظهر فسادها وابان عن بطلان ادلتها على اكمل وجه واحسن طور بالادلة العقلية والذوقية الوجدانية والنقلية الكتابية والمعصومية ولولا الا انكاره ( لولا انكاره خ ) اياها لكفي في بطلانها لانه هو القرية الظاهرة للسير الى القرية المباركة وهو باب الامام (ع) وحجة الله على الانام قال (ع) هم حجتي عليكم وانا حجة الله على الخلق

واما القول الثاني فبطلانه اوضح من ان يقال فان الشيء ما يكون من سنخه وجنسه وطبيعته وحقيقته فلو كان من حقيقتين متباينتين لا يقال هذا من سنخ ذاك فعلى هذا كيف يمكن ان يتعقل او يتصور ان الممكن من سنخ الواجب القديم تعالى شأنه الا على القول بان الممكن ليس بمخلوق فيكون قديما فيكون القدم هو الجهة الجامعة بين الواجب والممكن وكلما هو كذلك يجب فيه عما به الامتياز فيتركب وجود كل منهما فيبطل اذن قدمهما وازليتهما لما مر من افتقار المركب الى العلة الموجدة فان ارادوا بالسنخية ما هو مثل السراج والاشعة بان يكون المخلوق من نور ذاته وشعاع حقيقته وهذا وان لم يكن سنخا فان الاشعة ليست من سنخ السراج ولا ذكر لها في رتبة السراج بل هي عدم عند السراج وانما احدثت مثلا لذات الشعلة المرئية لا لحقيقة (خ) العلة المحدثة للسراج والاشعة فالسراج حقيقة باب لاحداث الاشعة ووجه للعلة وعرش لها وحامل لظهورات آثارها وترجمان للاشعة فلم تكن بينهما سنخية الا ان هذا احد الاقوال المذكورة وهو القول الثالث وبطلانه ان الاشياء اذا كانت من نور ذاته وشعاع حقيقته المقدسة من غير واسطة كانت لذاته نسبة الى جميع الخلق ضرورة نسبة المنير الى النور كالشمس وشعاعها وهذا هو الذي دعاهم الى القول بان معطي الشيء لا يكون فاقدا له فاذا تحققت النسبة تكثرت جهات الذات من حيث هي فبطلت ازليته ان قلت انك قلت آنفا ان الاشعة لا ذكر لها في رتبة السراج فاذا كان كذلك لم تكن النسبة فلم تتكثر جهات الذات قلت لا شك ولا ريب ان بين المصدر من حيث هو مصدر بكسر الدال والمصدر من حيث هو كذلك بفتح الدال مناسبة تصح صدور هذا دون ذاك فان الفاعل لو لم ينزل الى المفعول بفعله لم يتحقق المفعول ولم يوجد فان المفعول لا يوجد الا على ما هو عليه وما هو عليه يقتضي التكثر والاختلاف والفعل لو ابقى في مقامه على ما هو عليه وهو يقتضي الوحدة والايتلاف لم يمكن الايجاد اذ شرطه تمكين القابل عن الانوجاد ومن التمكين نزوله الى مقامه وايجاده على ما هو عليه فيلحقه التكثر لحوقا عرضيا تبعيا كما يلحق المفعول الوحدة بالقاء مثال الفاعل فيه كذلك ولذا تتعدد اسماء الفاعل عند الفعل وبعد الفعل فتقول قائم قاعد آكل شارب ضارب عادل وامثال ذلك وهذه الاسماء ما اختلفت الا لاختلاف الآثار الصادرة عنه وما اختلفت اسماء الفاعل الا لمناسبة بينه وبين المفعول والا لامتنع الاختلاف باختلاف المفعول ولذا ترى كل مفعول يحكي عن فاعله الخاص به والآخر يحكي عن فاعله الخاص به وان كان يخالف للاول ( الاول خ ) في النسبة العرضية فترى الالف يصف صانعه انه قائم والباء تصفه انه مبسوط منتشر وهكذا وهذا مما لا ريب فيه فالنسبة بين المصدر من غير واسطة والمصدر مما لا يرتاب فيه عاقل والذي نفيناه هو كون المفعول ووجوده في مرتبة الفاعل لا مذكوريته لديه قال الله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال الصادق (ع) وروحي فداه كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا ه‍ فالاشياء قبل وجود اكوانها واعيانها لها وجود ذكري في العلم في رتبة الفاعل الذي هو الواحد لا رتبة الذات التي هي الاحد فاذا فرضت الفاعلية في رتبة الذات تحققت النسب والاضافات فتبطل الازلية مع ان هذا فرض محال لا يتصور ولا يتعقل بحال من الاحوال فان الفاعلية هي صفة الذات والذات سابقة عليها في كينونتها ومتقدمة عليها فكيف يمكن فرضها فيها وقولنا صفة الذات مسامحة في العبارة والمراد منها هي الذات الظاهرة بالفعل فافهم ان قلت ان تكثر الجهات والحيثيات في الذات انما يلزم لو كانت الكثرات الخلقية منسوبة الى الذات وليس كذلك بل الذي هو نور الذات وشعاعها وصادر منها ومنسوب اليها امر واحد ونور بسيط غير متعدد اشرق من الذات فتعين ذلك النور الواحد بهذه الكثرات والتعينات فالكثرات انما ترجع وتنسب الى ذلك الامر الواحد فان لزم تكثر الجهات فانما هو في الحادث ولا يضر ذلك وكذلك الامر في الشمس والسراج فان الذي سطع عنهما نور واحد انما تعين وتكثر عند لحوق المشخصات والحدود فالكل حاضر لديه حضور جمعي وحداني لا كثرة فيه بوجه من الوجوه قلت هب ان هذه الكثرات لا ترجع الى الذات ولا تنسب اليها لكن ذلك الامر الواحد لا شك انه منسوب الى الذات على زعمكم فرجع المحذور ايضا الا ان تكثر الجهات يكون حينئذ اقل والا فحينئذ تحققت هناك جهات ثلثة الاولى جهة الذات من حيث هي هي الثانية جهة فاعليتها لذلك الامر الواحد بالصلوح والذكر الثالثة جهة الفاعلية الفعلية الكونية فاين الوحدة والبساطة وانما هو بسط وتكسير

واما اصحاب القول الرابع الذين قالوا ان الخلايق اظلال وعكوس فاعلم ان الظل له ثلثة اطلاقات احدها يطلق ويراد به الاثر وثانيها يطلق ويراد به العكس والضد وثالثها يطلق ويراد به الذات والحقيقة كما في الحديث اقام الاشياء باظلتها والمعنى الثالث لا يراد في هذا المقام قطعا والمعنى الثاني ايضا لا معنى له اذ المخلوق ليس ضدا لخالقه الا ان يريدوا بالعكس الاشباه المنفصلة المتحصلة عند اشراق الشمس على الاجسام الكثيفة او عند التجلي في المياه والمرايا والاجسام الصيقلية وهذا ايضا باطل قطعا لان المخلوق ليس على مثال الذات سبحانه وتعالى قال الله تعالى فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون فان المثل لا بد له من المطابقة بينه وبين الممثل وهي تستلزم المناسبة وهي تستلزم الكثرة وتعدد الجهات في الذات وهي ترفع الازلية والقدم كما مر لما مر واما قوله سبحانه فلله المثل الاعلى فالمراد تنزيهه عز شأنه عن المثل فانه تعالى اعلى من ذلك ثم اعلم انه قد ورد في الاخبار وآثار الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار اثبات المثل لله سبحانه بفتح الثاء والمثل بكسر الفاء في قوله تعالى ليس كمثله شيء بناء على زيادة الكاف وفي الدعاء ولك الاسماء الحسنى والامثال العليا والكبرياء والآلاء وهو يحتمل الوجهين فالمراد بهذا المثل هو جهة تعرف الحق للخلق بانفسهم كما قال امير المؤمنين (ع) بل تجلى لها بها وهو الوصف الذي يرجع الخلق منه اليه كما قال (ع) رجع من الوصف الى الوصف قال الشاعر :

قد ضلت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حايرة

محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة

سمت على الاسماء حتّى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة

وهو الذي ينتهي اليه المخلوق كما قال (ع) انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وهذا المثل في كل شيء جهة توصيف الله سبحانه نفسه له ويختلف باختلاف الموجودات في مراتب الاكوان والاعيان الطرق الى الله بعدد انفاس الخلايق ومرد (خ) الكل ومرجعه الى المثل الاعلى وهو قوله (ع) نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا على اعلى المعاني فيه وقد بين ذلك في الزيارة الجامعة الكبيرة بقوله (ع) والمثل الاعلى والدعوة الحسنى وهو المراد في قوله تعالى وله المثل الاعلى في السموات والارض قال (ع) فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت ويأتي ان شاء الله تعالى شرح هذه الجملات عند كشف اعتقادنا في القيومية

واما اصحاب القول الخامس فهم ان ارادوا بالانتساب والارتباط انتساب الذات بنفسها فغلط فاحش لما يلزم من ذلك من القبايح المنكرة وقد اشرنا الى بعض ذلك وان ارادوا انتسابها بفعله اي النسبة الفعلية فصحيح لكنه يأبي هذا التوجيه قولهم وجود زيد اله زيد بل لا تصح هذه العبارة مطلقا وان اولنا قولهم اله زيد بالاله الظاهر بصنعه وايجاده ليرجع الامر الى ما ذكرنا ثانيا لان وجود زيد هو النسبة الارتباطية بينه وبين الفاعل وهو الاثر الحاصل من الفعل والتأثر وذلك الاثر لما قارن التأثر (خ) الذي هو الانفعال تحقق زيد فوجوده هو ذلك الاثر الحادث بالفعل لا نفس الفعل فان الفعل لا ينزل عن مرتبته كيف وهو الاسم المكنون المخزون في ظله فلا يخرج منه الى غيره وبين الشيء ووجوده لا بد من الارتباط فان التباين عدم بل الشيء ليس الا الوجود المحدود الا اذا ارادوا بالوجود هو المستقل الاصيل وهذا يستلزم تقدير كلمات كثيرة في الكلام مع ان ذلك الوجود المستقل الاصيل ليس لزيد ولا يستند (خ) اليه وليس لزيد فيه ذكر بوجه من الوجوه واما تمثيلهم بالماء المشمس فهو في موقعه الا انهم جهلوا وجه التمثيل فان الماء انما استحق اطلاق الشمس عليه من جهة مثال الشمس الذي القته فيه فاظهرت به فعلها الذي هو التسخين فذلك المثال هو اثر الشمس وصفته ومثاله واسمه وآيته فالشمس الذي ( التي خ‌ل ) اضيفت الى الماء ليست هي التي في السماء الرابعة وانما هو ذلك الاثر والنسبة بينهما نسبة الواحد الى السبعين وهذا الاطلاق من باب الحقيقة بعد الحقيقة وهي الحقيقة والمجاز عند العلماء الراسخين والمؤمنين الممتحنين وان لم يكن هو المعروف المصطلح عليه بين الاصوليين مع ان اثر الشمس المنتسب اليها والمرتبطة بها ليس هو الماء وانما الماء امر خارج اجنبي حامل لظهور الشمس وتأثيره الذي هو الحرارة الظاهرة بذلك الظهور المخصوص فالحرارة المطلقة من حيث هي هي بمنزلة الوجود وتلك العوارض والحدود والكيفية المخصوصة والكم المخصوص بمنزلة الماهية فيهما جميعا ثم تأثير الشمس وكلاهما امران وجوديان تحققا بالشمس والماء ليس من الشمس ولا اليها وانما هو حامل الظهور ومهبط النور كالزجاجة للمرآة والصورة فقولهم قولك زيد موجود كقولك ماء مشمس ان ارادوا ما قلنا وشرحنا وان زيدا (خ) ليس الا تلك الحرارة المتكيفة بتلك الكيفية المخصوصة فهو صحيح وان ارادوا ان زيدا بمنزلة الماء ووجوده المنسوب اليه بمنزلة الحرارة فهو باطل بل زندقة صرفة

والحاصل ان عباراتهم مضطربة وكلماتهم مشوشة والعلة فيها ما ذكرت لك انهم اقتصروا على العبارات وجمدوا على الالفاظ والقشور ومانظروا الى الاشياء من جهة ذواتها وحقايقها ومباديها وصفتها وعللها واسبابها وشرايطها لينكشف لهم الامر على ما هو عليه ولا حول ولا قوة الا بالله ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم لان القيومية المطلقة الكاملة التي تنطبق على مذاهب اهل البيت (ع) وتدل عليه العقول السليمة المستمدة من الفؤاد الذي هو لمعة من انوارهم وحرف من كتاب اسرارهم (ع) لا تصح الا كما ذكرنا بما ذكرنا مشروحا مفصلا ودع عنك الاوهام الباطلة والاحلام الفاسدة فان الحق كله عند الله عز وجل ( وهو خ ) سبحانه جمعه كله مما اراد ان يظهره لنا في بيت واحد وهي بيت النبوة فكلما لم يخرج عن هذا البيت فهو زخرف باطل واشهد ان الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم ومنهم واليهم وماذا بعد الحق الا الضلال

ثم انه لما دل الحديث العلوي المروي عن امير المؤمنين عليه السلام ان كلما في الحمد في البسملة على ان البسملة هي الجامعة لجميع اطوار الوجودات واحوالها واكوارها وادوارها وحركاتها وسكناتها وعلويها وسفليها لان الحمد جامع لجميع ما في القرآن على ما في ذلك الحديث الشريف والقرآن على ما صرح الله تعالى فيه تفصيل كل شيء وتبيان كل شيء ولا رطب ولا يابس الا فيه فالجامع للجامع للشيء جامع لذلك الشيء فتكون (خ) البسملة هي الجامعة لكل الامكانات والمكونات والمتعينات وهي اذا عددت حروفها الملفوظة كانت ثمانية ‌عشر حرفا واذا استنطقتها يظهر اسم الله الحي المالئ بنوره العوالم الثمانية ‌عشر الالف لان السلسلة الطولية ثمانية والعرضية عشرة والجمع بين السلسلتين اللتين عليهما (خ) مدار الوجود الحادث على الاطلاق هي ثمانية‌عشر ولكل مقام الف مقام لان له ذكر عند نفسه وذكر عند ربه فهو واحد عند نفسه والف عند ربه كما قال عز وجل وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون لان كلما قرب من ربه تتسع دايرة وجوده وسعة احاطة ذاته حتّى يبلغ الى اعلى مراتب الاعداد وهو الالف وكلما قرب من نفسه تتضايق تلك الدايرة وينجمد ذلك الذوبان فيكون كالنقطة انظر الى الاجسام كلما كان اعلى كان اوسع وكلما كان اسفل كان اضيق حتّى صارت نسبة اكبر الكواكب المركوزة في تلك ( فلك خ ) الثوابت الى الارض نسبة المائة الى الواحد ونسبة اصغرها اليها نسبة الخمسة‌عشر الى الواحد واذا نسبت اكبر الكواكب كبنات النعش وامثالها الى اصل الفلك يكون الكوكب بالنسبة الى الفلك كالنقطة الصغيرة بل اصغر كما قال (ع) كحلقة ملقاة في فلاة قي بل اصغر واصغر واصغر والمثال تقريبي والافلاك بمراتبها وطبقاتها انقسمت الى ثلثمائة وستين قسمة والارض ايضا كذلك فالصورة في الجميع واحدة الا انها كلما تعلو (خ) يرتقي العدد كالواحد والعشر والمائة والالف فان الصورة في الجميع واحدة والتفاوت كما ترى فلذا كان ما من الله الف وما من العبد واحد وهو قوله تعالى وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون واما خصوصية الالف فلانه الدرجة الرابعة من مراتب الملك والملكوت والجبروت واللاهوت او رتبة الجماد والنبات والحيوان والانسان وانما كان الانسان لله وعن الله لانه وجه الله وقد صيغت صورته على هيكل التوحيد والاستقامة المطلقة والجامعة (خ‌ل) الكاملة وهي مظهر الاسم الاقدس الله وهو المربي لها والناظر في شؤنها واطوارها واما كون اللاهوت الذي هو عالم الوجود المطلق او وجهه وجه الله فلا يخفي على اولي الحجي لان المراد به هو النور والظهور والتجلي في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا فالحي هو المستنطق من البسملة المالئ باثره الذي هو الحيوة كل الامكان والاكوان واذا عددت حروف البسملة المكتوبة يستنطق عنها الواحد الذي به الاعداد مبدأ الاسماء والصفات واول نشو المتعلقات والاضافات وظهور اسماء الاضافة والخلق بل والقدس ايضا فهي ظهورات الواحد القيومية المطلقة والهيمنة العامة الشاملة فاشتمل الواحد على الاسم المقدس القيوم فصارت البسملة جامعة للاسمين اللذين هما الاسم الاعظم ولما كان ذان (خ) الاسمان مستجنين في غيبها ومندرجين في سرها ولبها قال مولينا الرضا (ع) ان بسم الله الرحمن الرحيم اقرب الى اسم الله الاعظم من ناظر العين الى بياضها وقال النبي (ص) ان بسم الله الرحمن الرحيم اسم من اسماء الله الاكبر وما بينه وبين اسم الله الاكبر الا كما بين سواد العين وبياضها وغيرهما من الروايات الدالة على ان البسملة سرها الاسم الاعظم وهي ظاهره وقشره ولذا قالوا (ع) اقرب الى اسم الله الاكبر من ناظر العين الى بياضها فان ذلك القرب قرب المداخلة وقرب الناظر الى البياض قرب الملاصقة والمداخلة اقرب من الملاصقة والروايات قد دلت على ان الحي القيوم هما الاسمان الاعظمان او الاسم الاعظم كما عن الصادق عليه السلام ما معناه ان الاسم الاعظم في ثلثة مواضع من القرآن احدها في البقرة عند قوله تعالى في آية الكرسي الله لا اله الا هو الحي القيوم وثانيها في آل‌عمران في قوله تعالى الم الله لا اله الا هو الحي القيوم وثالثها في سورة طه في قوله تعالى وعنت الوجوه للحي القيوم فظهر ان الحي القيوم هما الاسم الاعظم وعليهما دارت الاكوان ومستجنات غيوب الامكان وهما قد استجنا في باطن بسم الله الرحمن الرحيم فكانت اقرب اليهما من سواد العين الى بياضها فالحي اسم اجمال ومقام اتصال وسر انفصال ومظهره الهواء (خ) الحار الرطب الذي هو النسبة الارتباطية والحقيقة الانتسابية بين الفاعل المبدأ والقابل الساكن السافل حامل الفيض منه اليه ولذا تريهم يقولون ان الهواء يربيه اسم الله الحي وهو سر النبوة المطلقة والحقيقة الجامعة محل الايتلاف وطارد الاختلاف والعرش مظهره والمشية سره واصله فافهم والقيوم اسم تفصيل ومقام افتراق وسر اجتماع ومظهر الماء ولذا كان العرش على الماء والاسم المربي له المحيي وهو نسبة القابل الى الفاعل فيقبل الاشكال ( الاستكمال خ‌ل ) وعنده الاختلاف وهو سر الولاية المطلقة الظاهرة بالتدبير العام المعطية كل ذي حق حقه والسائقة الى كل مخلوق رزقه والكرسي مظهر هذا الاسم والابداع والارادة اصله ومنشأه وبالنون يشار اليه كما ان بالكاف يشار الى الحي وبهما تم الكون واستقر النظام وظهر الامر وخفي وعلن وهو قول النبي (ص) في تفسير قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد قال (ص) انا المنذر وعليّ الهادي فهو (ع) فصل الخطاب وهو الحكمة قال تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب فالخطاب نبي وفصله ولي وذلك جنس وهذا فصل وبهما معا يتحقق النوع الكلي الظاهر في الافراد والمشخصات ولذا قال النبي ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وذلك لانه الفصل والاختلاف يأتي من قبله واما الجنس فمن قبله الوحدة والاتفاق والايتلاف ولما كان الاسم في رتبة الاثر لانه هو المنبئ عن المؤثر الذي هو المسمى لا في رتبة المؤثر والا لم يكن الاثر مبدأ اشتقاق اسم للمؤثر والتغيير للمؤثر ( او لتغير المؤثر خ ) بالاثر وكلاهما باطلان كما سبق القول فيه كان العالم الكلي باجماله وتفصيله جامع السر ( جامعا لسر خ ) هذين الاسمين بل هما مشتقان من سره الا ترى القائم الذي هو اسم (خ) الفاعل مشتقا من القيام الذي هو نفس الاثر فظهر من ذلك سر قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها وهو قوله (ع) رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله الى هنا ولذا كان الحي القيوم عشرة احرف في المكتوب وهي العشرة الكاملة التي هي سر كل شيء ولا يخلق ( لا يخلو خ ) منها شيء لان الله سبحانه خلق الخلق للحب وبالحب وهو عشرة واللفظ على طبق المعنى وسر هذه العشرة سار في كل شيء حتّى في الالفاظ والاسماء اللفظية التي هي صفات وقوابل للمعاني الذاتية الحقيقية واذا اردت ان تعرف ظهور العشرة في كل لفظ فانا ابين ذلك فاسمع واعرف واعلم ان هذه العشرات ( العشرة خ ) هي ظهور حروف الحي القيوم وهي الآن مخفية تحت الحجب والاستار وعند الموت يرتفع الغبار ويعرفها كل احد من الاخيار والاشرار ان ذلك لعبرة لاولي الابصار ولذا كل عارف من ماحض الايمان وماحض الكفر يرى محمدا وعليّا صلى الله عليهما وآلهما عند الاحتضار وما بعده الى يوم يقوم الناس لرب العالمين والقاعدة في ذلك هو انك تأخذ ما اردت من كل لفظ وحرف من اسم سعيد او شقي انسان او حيوان جن او ملك او غير ذلك من الاسماء والافعال والحروف وغيرها (خ) من الالفاظ فضعفه ست مرات ثم زد على الحاصل واحدا (خ) ثم اضرب المجموع في عشرة ثم اسقط من الحاصل عشرين عشرين فلا يبقى الا عشرة وهي العشرة التي عليها مدار الوجود في الغيب والشهود سر اسم الله الاعظم في كل موجود ومفقود وقد فسر الله تعالى تلك العشرة الكاملة بقوله عز وجل ثلثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة فما الطف هذه الاشارة لمن يعرف التلويح في العبارة وقوله تعالى ثلثة ايام في الحج اشارة الى مراتب التثليث الاول التي في الجعل الاول قبل ذكر التعينات ولذا نسبه تعالى الى الحج الذي هو الكون في بيت الله الحرام وقد ذكرت ان بيت الله الحرام هو الفؤاد بمراتبه الثلثة من الاعلى المتصل بجهة فيضه من مبدأه اي الاسم الفاعل والاوسط الحامل لتلك الجهة اي من المصدر والاسفل المتصل بما دونه من المراتب السفلية المذكورة عند الحدود والكثرات وهذه هي الثلثة التي في الحج واما السبعة التي وجب صومها عند الرجوع الى اهله وموطنه من شؤنات اطواره واحواله وبعد السير من الحق في الحق ولدخول ( الدخول خ ) في السفر الثالث الذي هو السير من الحق الى الخلق والسفر الرابع الذي هو السير في الخلق بالحق فتلك السبعة هي مراتب الشيء من العقل والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم فلا ينفك شيء من هذه السبعة ابدا فانها من متممات الايجاد والتكوين ولولاها لنقص الايجاد والله سبحانه وتعالى اجل من ذلك وقد شرحنا هذه الاحوال في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا وهذه هي العشرة الكاملة ثلثة منها فيها ذكر لا اله الا الله وهي مراتب الفؤاد وسبعة منها ذكر الاحكام المتشعبة من لا اله الا الله من احكام الصلوة والزكوة وساير العبادات وهي سر الاكوان كلها ولذا جائت الالفاظ مناسبة للمعاني فاستجنت العشرة في جميع المعاني والمباني واذا اردت ان تظهر حامل سر الاعظم والاسم المعظم فاضرب قوي هو الذي هو الاسم الاكبر في حروف الحي القيوم فيستنطق بذلك الاسم المبارك العلي وهو الاسم الاعظم وحامله وسره واصله وينبوعه فقوله تعالى في هذه الآية الشريفة هو الحي القيوم اشارة الى اسم عليّ عليه السلام فان اعداد حروف الحي القيوم عشرة وعدد حروف هو احد عشر فاذا ضربت احد عشر في العشرة يكون الحاصل مائة وعشرة وذلك ما كنا نبغي (خ) ولذا قال مولينا الرضا عليه السلام اول ما اختار الله لنفسه العلي العظيم فاسمه العظيم ومعناه الله هذا معنى الحديث المروي في معاني الاخبار وانما كان العلي من الاسم الاعظم لانه جامع الحي القيوم والاسم الاكبر هو فعلى جامع ثلثة اسماء هي الاسماء العظام اتفاقا فيكون الجامع اولى واعلى بان يكون هو الاسم الاعظم فلك ان تقول هو الاسم الاعظم او لاقرب ( الاعظم الاقرب خ ) اليه من ناظر العين الى بياضها كما قلنا في البسملة لان هذا الاسم هي البسملة التكوينية فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير وقال تعالى وهو العليّ الكبير ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم فالعظيم صفة لعليّ وعليّ ( العليّ خ ) صفة لله والله صفة لهو وليس على لهو صفة بعد صفة كما كان العظيم لله كيف ولو كان كذلك لما جاز ان يقول وهو العليّ الكبير بل يجب ان يقول وهو العليّ ( لعليّ خ‌ل ) الكبير وقد قال عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعليّ حكيم وقال وهو العلي العظيم وهو العليّ الكبير وغير ذلك من الاطلاقات وهذه كلها بيانات وتفاصيل للحي القيوم فلنقبض العنان وللحيطان آذان وتعيها اذن واعية الى هنا انتهى الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

ثم ان هو الحي القيوم في الحروف المقطعة اثني عشر حرفا للاشارة الى اثني عشر الاسم المبارك الذي كل واحد منها ركن من اركان الاسم الاعظم الاعظم الذي خلقه الله سبحانه وجعله بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وباللون غير مصبوغ وبالتشبيه غير موصوف فجعله على اربعة اركان ليس واحد منها قبل الآخر ثم جعل لكل ركن ثلثة اسماء فكان المجموع اثني عشر فهي واحد في مقام الجمع واثني عشر في مقام التفصيل والاختلاف وما غيرها من الاسماء كلها داخلة تحت هيمنة هذه الاثني عشر غير خارجة عن احاطتها وسعة دايرتها وهذه الاسماء الاثني عشر لها اثني عشر حاملا كل منها حامل اسم من تلك الاسماء على طبقها لا تزيد عليها ولا تنقص عنها فامتلأ العالم كله بتلك الاسماء ومحالها كما في الدعاء وباسمائك التي ملأت اركان كل شيء وتلك المحال هم الذين اشار اليهم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وعليه السلام في دعاء رجب فبهم ملأت سمائك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت الدعاء بل هم تلك الاسماء كما في قوله (ع) في ذلك الدعاء ومقاماتك وآياتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء وقال مولينا الصادق (ع) نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي الزيارة لامير المؤمنين (ع) السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء وفي الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح الله باسمائه جميع خلقه ولهذا وامثاله قال مولينا الصادق (ع) من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر لان الاسم لا يعمل ولا يفعل بامر الله المسمى بل المسمى ظاهر بالاسم وفاعل به فالله سبحانه هو الخالق وحده لا شريك له وما ورد في بعض الخطب عن امير المؤمنين (ع) انا خالق السموات والارض بامر ربي فالمراد بالامر في هذا المقام هو الامر الذي قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال الصادق عليه السلام كل شيء سواك قام بامرك والمراد بقوله (ع) انا خالق اثبات مرتبة اسميته ورسميته سلام الله عليه لانه موصوف صفة الخالقية ومسمى هذا الاسم وان كان هو (ع) مسمى الاسم اللفظي ولكنه (ع) اسم معنوي للمقصود من الاسم والمراد منه فافهم فان شرح هذه الكلمات مما يطول به الكلام ويؤدي الى ذكر ما لا ينبغي ذكره فكتمانه في الصدور خير من ابرازه في السطور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

(4)قال الله تعالى : لا تأخذه سنة ولا نوم

لما ان الله سبحانه سمى نفسه في مبدأ هذه الآية الشريفة التي هي سيد الآيات بالاسم الجامع لجميع الصفات الحاوي لكل الكمالات المهيمن على كل الكائنات في جميع الذوات المستولي على كل نفي واثبات وذلك الاسم هو لفظ الجلالة التي هي مسمى الاسماء وذات كل الصفات وعنده كل شيء عدم بحت بات وهو الاسم الجامع والنور اللامع والضياء الساطع فذكر سبحانه بذكر ذلك الاسم المعظم كلما له من الكمالات والمقامات والعلامات وابداع عجايب المصنوعات وغرايب المكونات والعرش والكرسي والارضين والسموات فلم يبق شيء الا وهو داخل تحت هيمنة هذا الاسم من النفي والاثبات لان له الهيمنة على كل الاسماء من اسماء القدس والاضافة والخلق وكل اسم مرب (خ) لحادث من الحوادث وخلق من المخلوقات ولذا قال (ع) وباسمائك التي ملأت اركان كل شيء فاذا كان الامر كذلك فعند ذكر الاصل الاقدم يذكر الفروع كلها معه بالتبعية فكأنه تعالى بذكر هذا الاسم ذكر جميع عظمته وقدرته وقوته وعلمه وحيوته وجماله وجلاله وكبريائه وسلطنته وملكه وعزه وعلاه وكلمته واسمائه كلها مع ما يتعلق بها من الذوات الوجودية والحقايق الغيبية والشهودية مما جرى عليه قلم الابداع بسر الاختراع فهو اسم يثبت كل كمال فيه بل وكل شيء حادث مخلوق قد نفذت فيه مشية الله وامره من المقصود بالذات والمقصود والعرض وغير ذلك وينفي مع ذلك كله كل رسم وكل اسم ويخلص التوحيد والدوام له عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون في الدعاء لا يرى نور غير نورك ولا يسمع صوت غير صوتك فيثبت حين ما ينفي وينفي حين ما يثبت فما اعظم هذا الاسم المبارك وما اجله ولما كان لكل اجمال لا بد من تفصيل ولكل وحدة لا بد من كثرة ولان الخلق الواقفين في مقام الكثرات لا يلتفتون بالاجمال الى دقايق العلوم وعجايب المصنوعات ولطايف التدبير وغرايب التقدير فاخذ سبحانه في تفصيل ذلك المجمل وتبيين (خ) ذلك المفصل فابتدأ بذكر التوحيد الذي هو مفاد الاحد الذي هو اسم من اسماء ذلك الاسم ثم ذكر التوحيد بذكر النفي والاثبات تعليما للخلق وابانة لهم بان التوحيد اسقاط الاضافات وانه لا يحصل الا بكشف السبحات وهتك حجب الانيات كما في قول امير المؤمنين (ع) لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر جذب الاحدية لصفة التوحيد نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره اطفأ السراج فقد طلع الصبح وكل هذه العبارات نفي نفي ليستلزم الاثبات والثابت هو نور التوحيد الظاهر من حجاب الكينونة الغايب المستتر بحجب الاعمال والآمال ولذا يشار اليه بهو الذي هو الضمير الغايب ولذا قال عز وجل لا اله الا هو فصدر الكلمة نفي وعجزها اثبات والاثبات في سر النفي وباطنه كما كان الاحد في سر الواو التي هي حرف النفي والكثرة وباطنها فان الواو اذا استنطقتها بزبرها وبيناتها يستنطق الاحد واذا اضفت اليه الواو كان هو الواحد واذا نظرت الى نفس الواو هي الستة العدد التام التي خلق فيها السموات والارض وكل شيء فصارت حجابا وكانت اثباتا فكانت نفيا فاذا اسقطت هذا النفي بسلطان لا اله كان الاثبات من غير نفي وهو قول امير المؤمنين (ع) لما سئل عن الكلمة التي اولها كفر وآخرها ايمان قال عليه السلام هو قول لا اله الا الله وقد مضى تحقيق هذا الكلام وسيأتي ان شاء الله لهذا الكلام زيادة بيان مما لم نذكر قبل ثم لما كان بعد مقام التوحيد مقام الاسماء والصفات لان مقام الواحدية تحت مقام الاحدية فاكتفي من ذكر الصفات بذكر الاسمين الاعظمين الحي القيوم اذ هما واحد جامع للاسماء (خ) الكمالية من صفات القدس والاضافة والخلق كما مر مشروحا واشار ايضا بهما الى قيوميته تعالى وانقياد الاشياء كلها لامره وخضوعها لدي كلمته وتذللها عند سطوة جبروته وهيمنة قهاريته في ملكه وملكوته ثم اراد سبحانه ان يشير الى تنزيهه سبحانه عن جميع الامكان وصفاته واحواله وشئونه واطواره حسب ما يظهر للناس والا فهو سبحانه لا ذكر للامكان واحواله عنده بوجه لا بنفي ولا اثبات فان النفي فرع الاثبات ولا اقل من ذكره الا ان الخلق لما وقعوا ( وقفوا خ ) في عالم الكثرات ونسوا ما اوقفهم الله سبحانه عليه من سر عالم الوحدة وما كتب في الواح ذواتهم وحقايقهم من معرفة التوحيد والتفريد والتنزيه بلا كيف ولا اشارة وربما كانوا يثبتون له تعالى ما يناسب ذواتهم وكينوناتهم من الصفات الامكانية والسمات الخلقية فاراد الله سبحانه تنبيههم وتعليمهم بانه تعالى منزه عن صفة المخلوقين وعن نعت الواصفين وعن ادراك الملحدين فقال عز من قائل اشارة الى هذه المراتب وتبيينا (خ) للصفات التنزيهية لا تأخذه سنة ولا نوم والسنة والنوم كما يأتي بيانهما ان شاء الله تعالى عبارة عن الغفلات وعدم الحيوة الكاملة المطلقة بجميع مراتبها فان احوال الخلق حسب قربهم وبعدهم الى مبدئهم تتفاوت بالرقة والغلظة والقوة والضعف والزيادة والنقصان فان الخلق على جهة الاطلاق لا يخلو اما ان يكون متمحضا في النظر اليه تعالى والتوجه الى امره بحيث لا يكون فيه الا محض جهة التوجه لا غير فيكون منزها عن جميع الحدود والقيود والتعينات من الكيف والكم والجهة والرتبة والزمان والمكان وغير ذلك حتّى لا يبقى سوى محض الوجه فذلك حينئذ آية الوحدانية ووجه الصمدانية والفردانية والمثال الملقى في هويات الاشياء وهو الوجه للشيء الباقي بعد فناء كل شيء وهو الربوبية الظاهرة في المربوبين وهو الصفة الحادثة التي جعلها الله سبحانه في حقايق الاشياء ليعرفوه بها وهي صفة رسم وحقيقة اسم وهي صفة الحي القيوم الظاهرة للخلق بالخلق عند طلب معرفتهم بصفات ربهم وبارئهم ولذا قال امير المؤمنين (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها ام لا يكون متمحضا في الصفتية والاسمية بل يرى نفسه انه عبد ذليل خاشع فيتوجه الى ربه بكثرة القيام والقعود والركوع والسجود وهذا له نظران نظر الى ربه ونظر الى نفسه كما في الدعاء الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت فهو عند النظر الى نفسه وان كان من حيث الاضمحلال والهلاك ذاهل عن النظر الى ربه لانه تعالى ماجعل لرجل من قلبين في جوفه ولما كان النظر في هذا المقام في الاغلب الى الوجه الذي جعله الله سبحانه للخلق كان هذا مقام السنة لا مقام النوم لان النوم هو الذهول وليس هنا الا الفطور ( الفتور خ ) والا فهو ناظر متوجه وهذا المقام لاولي الالباب واهل العقول السليمة كما ان المقام الاول لاولي الافئدة واهل الله ام لا يكون كذلك بل قد يغفل غفلة كلية ويعرض عنه تعالى اعراضا بحيث يشتغل عنه تعالى بغيره ثم ينتبه ويتوجه كما هو شأن اهل المعاصي واهل اللغو والعبث فهذا المقام مقام النوم الذي ليس معه الانتباه والتوجه ولما دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان الناظر يجب ان يكون من جنس المنظور اليه ومن سنخه والا لما صح قول امير المؤمنين (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها وهو (ع) اصدق القائلين فوجب ان يكون الناظر الى الحق سبحانه بحيث لا يغفل ابدا ولا ينظر الى نفسه ابدا هو الحقيقة الوحدانية البسيطة المجردة عن جميع النسب والاضافات والقرانات والحدود والتعينات وغيرها من صفات المخلوقات وهي داخلة في الصفات ومعدودة من الاسماء والسمات واما الناظر الى ربه دائما والناظر الى نفسه مضمحلا فانيا فيجب ان يكون امرا وحدانيا انبساطيا فيه ذكر الكثرات والافراد وصلوح الحدود والجزئيات ولكن سلطان الوحدة غالب عليه وذكر تلك الغفلات يورث الغفلة الجزئية التي هي مقام السنة فيكون هو الحقيقة المجردة عن الصور الشخصية مطلقا والمذكورة فيها الكثرات ذكرا اجماليا واما الناظر الى نفسه والذاهل عن ربه فيجب ان يكون منطويا على الكثرات مغمورا في حجب الانيات مقترنا بالصور والحدود والتعينات وملازم للعوارض والكيفيات لتمنعه تلك الآمال والاعمال عن مشاهدة وجه الله ذي الجلال والجمال والحي القادر المتعال وهو مقام النوم الذي هو اخ (خ) الموت فيكون هو الحقيقة المقترنة بالصور والهيئات والحدود والانيات وساير العوارض والكثرات وغير ذلك من الاحوال والاوضاع وهذه الحقيقة المقترنة بالصور والحدود والعوارض لها مراتب ومقامات متنازلة والمراتب التي حصلت بقرانات تلك الحدود بعضها ببعض وهي لا نهاية لها ولا استقصاء لعددها والمراتب المتنزلة فكلياتها عشرون والجزئيات لا حصر لها واعلاها النفس المجردة ثم الطبيعة ثم المادة ثم المثال ثم الجسم الكل ثم العرش ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم فلك زحل ثم فلك المشتري ثم فلك المريخ ثم فلك الشمس ثم فلك الزهرة ثم فلك عطارد ثم فلك القمر ثم كرة النار ثم كرة الهواء ثم كرة الماء ثم كرة التراب ثم مرتبة الجماد ثم مرتبة النبات ثم مرتبة الحيوان ثم مرتبة الجن ثم مرتبة الملك ثم مرتبة الانسان ثم مقام الجامع عليه السلام وكل هذه مقامات الصور من حيث هي هي من حيث هي مقام النوم واما القوى المدركة للمعاني والكليات والحقايق المجردة عن المادة الجسمية والنفسية والصورة الشخصية فهي لها مراتب كثيرة اعلاها العقل المرتفع ثم المنخفض بعد المستوي ثم الروح بالوجه الاسفل ويمكن ادخال كلما كان فيه ذكر للغير وان لم يكن من سنخ واحد كالفعل بمراتبه الاربع التي هي النقطة والالف والحروف والكلمة التامة والمفعول المطلق الذي هو المصدر وهو الوجود المقيد الصالح للقيود والمفعول به الذي اوله العقل وآخره الثرى وما تحت الثرى وكل هذه مراتب الامور المعنوية التي غلبت عليها جهة الوحدة فلم يقيد بالصور والحدود المانعة عن مشاهدة عالم الوحدة وان كان فيها ذكر للغير وصلوح لقبول التعلقات والتعينات وذلك الذكر يوجب السنة التي معها الانتباه في الجملة في التوجه بخلاف النوم وكلما في عالم الامكان والاكوان لا يخلو من هاتين المرتبتين اما كثرة صورية فعلية التي ( هي خ ) تورث النوم او كثرة معنوية ذكرية التي هي تورث السنة واما المتمحض في الوحدة المطلقة التي ليس فيها مقام السنة ولا نوم فليس في عالم الامكان الا ما هو من الاسماء والصفات الالهية فالكثرات على عمومها واطلاقها تورث اما السنة او النوم فالذي لا تعتريه سنة ولا نوم خارج عن صقع الكثرات متمحض في الوحدة المطلقة التي لا شوب من الوحدة فيها فنفى السنة والنوم توجب نفي جميع الكثرات ونفيها تورث نفي جميع احوالها واوضاعها وقراناتها واضافاتها وروابطها وجهاتها وبسايطها وعلوياتها ومجرداتها ومادياتها واختلافاتها وافلاكها وعناصرها ومعادنها ونباتها وحيوانها وغيرها من ساير الاحوال والاوضاع وامثالها فاذن بنفي السنة والنوم ينتفي جميع احوال الامكان وصفاتها واوضاعها عن الواجب سبحانه وتعالى بكل الوجوه وكل الاعتبارات لما ذكرنا فبين سبحانه بذكرهما جميع الصفات التنزيهية السلبية الجلالية على مصطلحهم فنفى الامكان عنه تعالى وصفاته فابطل بذكر السنة ونفيها ما ذكره الحكماء من الربط بين الحادث والقديم وكون علمه تعالى حضوريا او كعلم العلة بمعلولاتها او كعلم الشيء بنفسه وكون بسيط الحقيقة كل الاشياء وكونه الكل في وحدته والقول بوحدة الوجود وانه سبحانه هو الذي يتعين بالحدود والمشخصات ويتشأن (خ) بالشؤن والاطوار وان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة او مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات وكونه تعالى بذاته مبدأ الاشياء وبذاته فاعلا لها وان صفتي الخالقية والرازقية من الصفات الذاتية وامثالها من العقايد الفاسدة الكاسدة التي فيها اثبات وحدة مشوبة بذكر الغير وصلوح الكثرات وان لم تكن كثرة فعلية صورية وانما هي كثرة صلوحية معنوية المستلزمة للسنة وابطل سبحانه بذكر النوم ونفيه جميع ما يثبتون له تعالى مما يستلزم الاقتران والنسبة والتحديد كقولهم ان الوجود مشترك معنوي بين الواجب والممكن ليكون الواجب فردا من الوجود محدودا بحدود صورية يميزها عن الوجود الامكاني والقول بالمفهوم باطل كما قدمنا القول فيه وكقولهم ان واجب الوجود كلي منحصر في الفرد فتكون الذات هي الفرد الممتاز المعين من ذلك الكلي وان لم يوجد ساير الافراد وقولهم ان الله سبحانه جزئي حقيقي وجزئي اضافي للقاعدة المقررة عندهم ان الجزئي الحقيقي يستلزم الجزئي الاضافي ولا عكس فقالوا ان الله سبحانه بذاته يدخل تحت مفهوم الشيء والامر وامثال ذلك وقولهم ايضا انه سبحانه جزئي حقيقي وليس بجزئي اضافي لقبح ما يرد عليهم على فرض الاضافي من لزوم التركيب والتحديد ولم يعلموا ان الجزئي محدود مقيد وهو من صفات الامكان كالكلي وقولهم ان الاسماء الالهية قديمة من جهة وحادثة من جهة وقولهم بامور يستلزم اعتزال الحق سبحانه وتعطيله كقولهم ان الصفات الذاتية ترجع الى السلوب وقولهم بان مفاهيم الصفات الذاتية مختلفة ومصداقها واحد وقولهم بالتفويض الى الخلق مطلقا او تفويض الخلق والرزق الى الائمة (ع) بما يلزم منه التعطيل والاعتزال وقولهم بان الوجود والعلم والقدرة وساير المشتقات والكليات مما يصح اطلاقها على الله تعالى وعلى غيره يقال ويطلق عليه تعالى وعلى غيره بالتشكيك وقولهم بان الخلق من سنخ الحق وان معطي الشيء ليس فاقدا له وان المعلول حقيقة متنزلة من علته وغيرها من الاعتقادات الفاسدة التي تستلزم التحديد المستلزم للصورة التي تورث النوم على ما ذكرنا فكمال الاعتقاد الحق الذي عليه ائمة الهدى سلام الله عليهم هو ان تنزه الله سبحانه وتعالى عن جميع صفات الامكان على جهة الاطلاق كمالها ونقصانها وهو قوله عز وجل لا تأخذه سنة ولا نوم اي لا تنسب اليه تعالى حالا من احوال الامكان والاكوان والاعيان اذ (خ) كل كثرة تورث الغفلة واعلى مراتبها السنة وادناها واكثفها النوم فهو جامع الصفات التنزيهية كما ان قوله تعالى الحي القيوم جامع لجميع الصفات الكمالية الذاتية والفعلية القديمة والحادثة فتكفلت هذه الكلمات المباركة من قوله تعالى لا اله الا هو الى قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم جميع ما يتعلق بمعرفة الله سبحانه من معرفته سبحانه بالكينونة الاجمالية ومعرفة التوحيد بمراتبها التي ترتقي الى خمسة آلاف ومأتين وثمانين كما قدمنا الاشارة الى بعض منها ومعرفة الاسماء والصفات من اللفظية والمعنوية والاسماء الكلية والجزئية والعظام وغيرها على ما فصلنا بعض مقاماتها في الجملة ومعرفة تنزيهه سبحانه عما يجب تنزيهه عنه بجميع الجهات وكل الاعتبارات فسبحانه من حكيم عليم ادي كلامه على اعلى مراتب الاعجاز واسنى درجاته واعلى مقاماته هذا ما يتعلق بالمعنى المراد

واما ما يتعلق باللفظ فاعلم ان المترائي من ظاهر المقام ان يقدم النوم على السنة فان ذلك ادل على المبالغة في المراد اذ نفي النوم لا يستلزم نفي السنة كما ان نفي السنة يستلزم نفي النوم اما الاقتصار على السنة ليكون ادل على المبالغة وادخل في الفصاحة والبلاغة لاداء المقصود من غير تكثير الالفاظ كما هو المطلوب او تقديم النوم على السنة ليكون بذكر السنة بعد النوم مزيد افادة وفايدة الجواب اعلم انا قد قررنا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل ان الله سبحانه لما اراد ان يعرف نفسه لخلقه اذ لا يمكن للخلق ان يعرفوه بذاته فعرف سبحانه وله الحمد نفسه بان وصف نفسه لهم ليعرفوه بذلك الوصف ولما كان وصف الحق سبحانه وجب ان يكون اجلي الاوصاف وابينها واوضحها حتّى لا يكون لاحد عليه تعالى حجة وكان الوصف الحالي اجلي وابين من الوصف المقالي فوصف سبحانه وتعالى نفسه وجميع ما يريد من خلقه ان يعرفوه بالوصف الحالي والبيان المثالي والخطاب التكويني ولما كان الوصف كلما يكون اقرب الى من وصف له كان احسن واولي واكمل واتم في تأدية الغرض من اثبات الوصف وكان لا شيء اقرب اليه من نفسه اليه وجب ان يجعل سبحانه نفس الاشياء كتابا تكوينيا نقش فيه جميع ما يريد منه بالمثال والتمثال ( التمثيل خ ) لئلا يخفي على احد ولئلا يكون للناس على الله حجة ففعل سبحانه وتعالى وجعل العالم وانفس الخلايق كتابا واضحا جليا شرح فيه جميع العلوم والاسرار ثم ندب الخلق الى النظر اليه وقرائته ومعرفته ومواظبته واستخراج الرموز منه في كتابه القولي التدويني بقوله سبحانه سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق وقوله تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون وقوله تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وقوله تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وهكذا باقي الآيات ولما نظر سبحانه الى ضعف الخلق واحتياجهم الى كثرة المنبهات والمذكرات ليذكروا وينظروا ما في ذواتهم وحقائقهم من العلوم والاسرار ويجسس خلال تلك الديار فبعث اليهم الرسل وانزل عليهم الكتب وشرح بالقول والتدوين ما كان قد شرحه لهم بالمثال والتكوين فتمت كلمته وبلغت حجته ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فجعل الكتاب التدويني طبقا لكتاب ( طبق الكتاب خ ) التكويني حرفا بحرف لئلا يلزم الاختلاف فانه ليس منه تعالى كما قال ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فكان الكتابان كل منهما على طبق الآخر ولما كان ما كتب في الكتاب التكويني تقديم السنة لانها اشرف من النوم لكونها اقرب الى اليقظة وظهور الحرارة الغريزية وكلما هو اشرف في الوجود يجب ان يتقدم في الايجاد لانه تعالى لا يخل بالحكمة ولا يعدل من الاحسن الى غيره فلذا قدمها في الايجاد بخلق عالم الوجود المطلق ومراتبه والوجود المقيد ومراتبه الى مقام العقل المنخفض وذلك كله اطوار السنة لاشتمالها على وحدة فعلية وكثرة ذكرية ثم بدأ بذكر النوم بخلق عالم النفوس وما تحتها من المراتب والمقامات فلما تقدمت السنة في التكوين لاشرفيتها وجب تقدمها في التدوين واما الاختصار فليس بمطلوب في كل المقامات نعم في مقام الاجمال يطلب ذلك بخلاف مقام التفصيل ثم ان القاعدة في الترقي في النفي هو الترقي من الاعلى الى الاسفل وفي الاثبات بالعكس كما في قوله تعالى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى والسر في ذلك ان الترقي في النفي ينبئ عن القوس النزولية فان النزول يكون من الاعلى الى الاسفل كتنزل العقل الى النفس وتنزلها الى الطبيعة وتنزلها الى الجسم وهكذا الى آخر المراتب وانما كان النزول ترقيا لان فايدة النزول تحصيل الكمال بحصول المراتب والمقامات التي تصير منشأ لاظهار عظائم القدرة وعجايب الصنعة وتحصيل رتبتي العلم والعمل للوصول الى اعلى المقامات واسنى الدرجات فهو وان كان في الصورة هبوط ونزول ولكنه في الحقيقة صعود وترقى ولذا سموه ترقيا وانما كان النفي دليلا على النزول لان النفي في مقام الكثرة وسلب الوحدة لان فعل الله سبحانه هو الواحد وعنده الوجود والثبات والتحقق فكلما هو اقرب الى الوحدة اثبت في الوجود والتحقق فينسب اليه الوجود والثبوت وكلما هو بعيد عن الوحدة مغمور في عالم الكثرة فهو نفي ومنفي ومعدوم عند النور والرحمة والكمال والجمال فالنفي صفة الماهية والاثبات صفة الوجود لا النفي المطلق والعدم كذلك فان مولينا الصادق (ع) صرح بان النفي شيء ولذا ترى مولينا زين‌العابدين (ع) في دعاء الصحيفة جعل متعلق المشية التي هي مقام الاجمال والوحدة الامر الوجودي والقول الثبوتي وجعل متعلق الارادة المتعلقة بخلق الماهية التي هي مقام الكثرة والاختلاف النهي والزجر العدمي كما قال عليه السلام وروحي له الفداء فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة وبارادتك دون نهيك منزجرة ولهذه الدقيقة اللطيفة كانت لا حرف النفي وال حرف الاثبات والمادة واحدة في المقامين وكانت لم للنفي ( لنفي خ ) الماضي ولن للنفي ( لنفي خ ) التأبيد وتفصيل القول وشرح الكلام في هذا المقام يؤدي الى تطويل المقال وذكر ما لا ينبغي من عظيم الاحوال وبالجملة اذا كان الترقي في الكلام المنفي يقدمون (خ) الاعلى لما ذكرنا ولذا قال سبحانه وتعالى في هذه الآية الشريفة لا تأخذه سنة ولا نوم وقدم ما قدم على الاصل والواقع واما الترقي في الكلام المثبت فانه ينبئ عن القوس الصعودية وتلك القوس كلما هو اقدم اخس وادنى مما بعده كما هو المحسوس المرئي في تكوين الانسان من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الآخر ثم خروجه الى هذه الدنيا تاما سويا كامل الخلق ثم تدرجه من حال الرضاع الى حال الفطام الى حال الصبي الى حال المراهقة الى حال البلوغ الى حال التمام الى حال الكمال وكل مرتبة مؤخرة اشرف واعلى مما قبلها فوجب ذكر الاسفل ثم الاعلى جريا للنظم الطبيعي والصنع الكوني الايجادية ولذا قال عز وجل في مقام الصعود والترقي فكان قاب قوسين او ادنى اي بل ادنى فوجب ان يكون الامر هكذا في الكلام الموجب عند الترقي على الاصل والقاعدة وربما تختلف لامور اخر يعرف بمقتضي المقام ولما كان مبني هذه الآية الشريفة على حكم القوس النزولية والتدرج من عالم الاجمال الى عالم التفصيل كما ذكر سبحانه لفظ الجلالة اولا ثم فصلها بالتوحيد وذكر الاسماء الجلالية الكمالية والاسماء التنزيهية لكنس غبار الاوهام واذهاب صداء الافهام ودفع غلطات الاحلام لا ان هناك ما يحتاج الى نفي ( النفي خ ) لولاه لصح القول حاشا ثم حاشا تعالى ربي وتقدس عما يقولون علوا وانما ذلك نفي بلا كيف وتنزيه من غير اشارة كما في قول امير المؤمنين (ع) كشف سبحات الجلال من غير اشارة ولما كان الامر في هذه الآية الشريفة على المبني وجب تقديم السنة التي هي الاعلى على النوم الذي هو الاسفل ولذا قالوا ان الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا واهل البرزخ نيام اذا بعثوا انتبهوا واهل المحشر نيام اذا دخلوا الكثيب الاحمر انتبهوا واهل الكثيب الاحمر نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا واهل الرفرف الاخضر نيام اذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا واهل ارض الزعفران نيام اذا دخلوا الاعراف انتبهوا واهل الاعراف لهم سنة لا نوم وهم اذا دخلوا الرضوان انتبهوا واولئك لا نوم لهم ولا سنة لانه لجة بحر الاحدية وطمطام يم الواحدية اين الكثرة حتّى يلحق النوم او السنة والكثيب الاحمر هو جنة الطبيعة والرفرف الاخضر جنة النفوس وارض الزعفران جنة الارواح الرقايقية والاعراف جنة العقل وهي اعلى مقامات الجنة كما في الحديث المروي عنهم (ع) ولذا قالوا ان هناك سنة لا نوم واما الرضوان فلما كان مقام الصفة ومقام عدم الكيف والحد والاضافة والنسب فليس هناك مقام نوم لانه مقام التجلي بعد التجلي والظهور بعد الظهور فاين النوم لانه مقام المحبة والمحب لا ينام عن محبوبه فاذا نام (خ) عنه اشتغل بالآخر فاذا وجدت الكثرة جاء النوم وهذا واضح ظاهر ان شاء الله تعالى

واما حقيقة النوم فاعلم ان العالي اذا نظر الى السافل فالعالي لا يخلو اما ان يكون بحيث يحتاج الى اعلى منه ويستمد منه ويستند اليه ولا يستغني عنه او لا بل هو غاية الغايات واقصى النهايات لا يتجاوزه شيء ولا يفتقر الى شيء ومستغني عن كل شيء والسافل المنظور اليه لا يخلو اما ان يكون موافقا للعالي في ميولاته واحواله وافعاله بحيث يكون ظاهره ( وخ ) لا يخالفه في حال من الاحوال وشأن من الشؤن ام لا بل يكون فيه جهة مخالفة ومنافرة كما تكون فيه جهة مناسبة وموافقة اذ لو كانت المباينة كلية من جميع الجهات امتنع النظر والالتفات كما لا يخفي فالعالي الذي لا يحتاج الى شيء وكل شيء محتاج اليه لا يكون الا كريما جوادا وهابا فياضا فهو دايم النظر الى سافله لرعايته واحسانه فلا يفقد السافل تلك الرعاية والاحسان ابدا دائما سرمدا ثم اذا كان السافل مما لا يحتاج الا الى محض الفيض والافاضة ولا يفتقر الى غيرها من ساير الاسباب والمتممات والمكملات والشرايط واللوازم فلا نظر له الا الى عاليه ومبدئه لا الى غيره فذلك حي دائما لا يعتريه موت ولا سنة ولا نوم اذ الاعراض من الطرفين مرتفع فاين الموت ومقدماته وحيوة السافل بنظر العالي ونظر العالي بقبول السافل واذا كان في تأصله وتحققه محتاجا الى شرايط ( وخ ) مقدمات اخر غير محض الافاضة كحال الموجودات المقيدة التي تحتاج الى الشرايط والمتممات من الحدود الستة ولواحقها واوضاعها فذلك يعتريه تغيرات وانتقالات واطوار فيعرضه الموت ومقدماته التي هي السنة والنوم ولا تعرضه في مقام آخر فمن جهة عدم قطع العالي نظره عنه ورعايته وتدبيره بالاحوال المختلفة والصفات المتباينة فهو حي ومن جهة نظر السافل احيانا او دائما بوجه من الوجوه الى الكثرات من الاسباب والمسببات وعدم توجهه الى نظر العالي وعدم استمداده من الخير والنور يقال انه يعتريه موت اذا اعرض كليا بالكفر والجحود والانكار فذلك حيث ( ميت خ ) الاحياء وهو قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وقوله تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وقوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور وغيرها من الآيات ونظر العالي اليه في الاحوال كلها يورث الحركة والحيوة واعراضه عن العالي بالوجه المخصوص الذي ذكرنا يورث الموت بالمعنى الذي ذكرنا فافهم ويعتريه سنة او نوم ان كان الاعراض جزئيا بالعصيان والفسق وترك الاولى والعالي الذي يحتاج الى اعلى منه فان كان السافل مما لا يخالفه ولا يضاده فلا تقع بينهما المفارقة ابدا ما دام ينظر كل منهما الى شؤنه واطوار نفسه لتحقق المناسبة المورثة لعدم الانفكاك الا عند التوجه الى العالي الذي يستمد ذلك العالي منه فاذا استغرق في التوجه اليه بحيث ينسي نفسه تقع المفارقة بين العالي والسافل ويبقى السافل لا حراك له الى ان ينظر اليه العالي فحينئذ يحيى ويستيقظ ففي هذا المقام نوم لا موت لان مع الموت لا اعادة لنظر العالي الى السافل الا في عالم آخر ومقام اعلى وهنا يرفع النظر لاعادة النظر وتظهر السنة بقلة الالتفات والنوم بعظيم الالتفات الى الاعلى وهذا هو النوم النافع الذي يقوي الحرارة الغريزية وينضج الطبيعة ويهضم الطعام ويدفع الفضولات ويجفف الرطوبات الفضلية ويسكن الحرارة الغريبية وغيرها من الافعال التي ذكرها الاطباء وهذا معنى ما ذكرنا سابقا في مقامات اهل الجنة ان اهل الكثيب الاحمر نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا وهكذا مقامات الجنة واهلها حتّى يدخلوا مقام الرضوان فهناك لا سنة ولا نوم لانه مقام الوجه والجناب والوقوف على الباب ان في ذلك لآيات لاولي الالباب واما اذا كان السافل مما يخالف العالي ويضاده ويعانده مثل الارواح المتعلقة بابدان اهل الدنيا فان الابدان تغيرت عما هي عليه من جهة العوارض والكثافات الدنيوية الحاصلة من انواع المعاصي والسيئات بكثرة الخلط واللطخ فكثرت فيها الامور الغريبة والفضلات الزايدة وغلب عليها عدم نضج الطبيعة فلا تقوى على ادامة نظر الروح عليها بكلها في كل الاحوال فان الروح النفسانية متعلقة بالروح البخاري ( الذي خ ) في تجاويف القلب وهو متعلق بالحرارة الغريزية وذلك البخار لطيف سريع التحلل لما فيه من غرائب الامور فاذا تحلل ولم يحصل له البدل يضعف عن حمل آثار الروح النفسية ( النفسانية خ ) فتقل آثارها فتضعف البدن اذ لا حامل للروح النفسانية الا الروح البخاري فيعدم ويهلك وهذا كله لعدم نضج البدن وعدم تحمله لشدة الحرارة ولذا ترى في عمل الاكسير يستعملون اولا النيران الخفيفة الضعيفة حتّى تقوي تلك المادة وتنضج فاذا قويت ونضجت تكون صابرة على النار وكلما يزداد ذوبانا يزداد صفاء ولمعانا واما في اول الامر لو زيدوا ( زيد خ ) النار لاحترقت وفنيت وهكذا حكم البدن لو استمر عليه حكم ظهور آثار الروح تشتد عليه الحرارة لان اليقظة حركة وهي تحدث الحرارة فاذا قويت الحرارة زايدة عن حد اللايق لم يتحمل البدن فيفسد فيموت ولذا قد امر الله على الروح بان يعرض عن ظاهر البدن ويميل الى الباطن ويجتمع الروح البخاري في القلب ليتقوى فيتدارك هضم الغذاء في اليقظة ولما ان الله سبحانه جعل لكل شيء سببا وابى ان يجري الاشياء الا باسبابها جعل لذلك الاعراض واجتماع الروح في القلب سببا في نفس البدن ولما امتنع الاضطرار صارت الاسباب طبيعية وغير طبيعية

اما الطبيعية فالبخار الرطب المعتدل المتحصل من الاغذية المبخرة والرطبة يصعد الى الدماغ فيملأ بطونه وخالط اوداجه وغلظ قوامه فعند ذلك يعسر نفوذها في مسالكها وايضا فانه يرخي الآلات فينطبق بعضها على بعض ويمنع عن نفوذ الروح فيها بسهولة ولذلك ترى النوم يحصل عقيب استعمال الغذاء اذا كان مما يرتفع عنه بخار رطب معتدل كسل وتثاوب وتمط (خ) وسنة ونوم ولذا قال (ص) لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فتناموا كثيرا فيمقتكم الله كثيرا هذا معنى الحديث فجعل عليه السلام علة النوم اكل الطعام وشرب الماء الكثير ليتولد منه الابخرة وتصعد الى الدماغ وتمنع من نفوذ الروح بسهولة ولما كان لكل شيء علل اربع فلا بأس ان نشير الى علل النوم اشارة اجمالية : اما العلة المادية فقد ذكرنا من انها البخار الرطب المعتدل وقد يكون ايضا عدم النفوذ لتحلل الروح في نفسه وضعفه عن النفوذ الى كل اقطار البدن فيجتمع في الباطن طلبا للراحة والقوة وبدل ما يتحلل والى هذا المعنى يشير كلام شيخنا جعلني الله فداه في بعض الاجوبة وقال اعلم ان الروح المدبر للبدن اذا لحقها ملال باستعمال آلاتها في تدبير الغذاء بتصفيته ودفع غرائبه ووزنه وتقديره اجتمعت في القلب واستراحت فضعف الارتباط بها الى آخر كلامه اعلى الله مقامه وهذا الملال انما يحصل له اذا ضعف وتحلل واما العلة الصورية فهي مقدار النوم ووقته وشكله اما مقداره فهو الى حين ما ينهضم الغذاء الكائن في المعدة ويندفع الفضلات الى مخارجها واما وقته فهو بعد استعمال (خ) الغذاء الرطب المعتدل في ذلك لا بعده بلا فاصلة فان ذلك يورث سوء المزاج وفشا في (كذا) العين بل يصبر حتّى يستقر الغذاء في المعدة ويأخذ في التحلل فذلك وقت النوم ليعين الروح في التحليل والهضم ولذا كان نوم النهار وقت القيلولة قبل الظهر بساعة تقريبا وتخمينا لان طعام النهار على معتاد الناس في الغالب استقر في ذلك مقره وفي الليل بعد العشاء واما نوم ساير الاوقات فمذموم الا اذا تحقق السبب ولذا ترى الناس وقت المطر في فصل الربيع والصيف يغلب عليهم النوم اي وقت كان في الغالب لانه يهيج الابخرة المورثة للنوم يمنع الروح البخاري عن النفوذ واما شكله فهو ان يستلقي اولا ويجعل رجله اليمنى على اليسرى ثم على الجانب الايمن ثم على الايسر ثم على الايمن وذكر اسباب هذه الاشياء وعللها يطول به الكلام واما العلة الفاعلية فهي النفس الحيوانية فانها في مثل هذا الوقت تكف عن افعالها في الحواس الظاهرية والحركات الارادية الا ما كان منها ضروريا في بقاء الحيوة مثل حركة النفس واما العلة الغائية فهي اجتماع القوي وتراجعها للاستراحة ولذلك صار الانسان يقوم من نومه وقد استراح من كثير ما يشكوه ومع ذلك انفذ عقلا واقوى حسا واكثر نشاطا غير ان نفعه هذا يختلف بحسب القوي كما هو المشروح في محله

واما الاسباب الاخر الغير الطبيعية التي تصير سببا لاعراض الروح ولا يستريح بذلك البدن ولا يتقوي به الحرارة الغريزية ولا يكثر جوهر الروح فامور كثيرة نشير الى بعضها هنا لعموم الفائدة منها تحلل جوهر الروح فلا يبقى بالانبساط في غير المبدأ والفرق بينه وبين ما ذكرنا سابقا من الاسباب الطبيعية ان ذلك التحلل انما حصل باليقظة والنوم يطلب بدل ما تحلله اليقظة وهو امر طبيعي واما هنا فالنوم يطلب بدل تحليل غير طبيعي وعلامته تقدم استفراغات واسباب محللة او عدم الغذاء ووجود الضعف منها فرط الرطوبة في البدن لانها يرطب عصب الحس والحركة ويلينها ويسد مجري الروح وتغلظ جوهره فلا تتحرك حركة انبساط ونوم السكران ومن لم ينهضم طعامه وثقل على فم المعدة من هذا القبيل وعلامته ان يكون النبض لينا موجيا عريضا ولون الوجه والعين واللسان ابيض وورم الجفون ومنها سوء المزاج بارد ساذج فان البرودة تجمد المنافذ والمسامات الداخلة فتمنع من نفوذ الروح بسهولة وعلامته النسيان ونقصان التميز ومنها زيادة الدم في العروق والمجاري فتمنع الروح من النفوذ وعلامته انتفاخ الاوداج وحمرة الوجنتين والعينين ومنها البرد الخارجي فيمنع النفوذ بسد المسامات الى الخارج وعلامته ميل لون الوجه الى الخضرة والنبض صلب ممتد و( متبدد خ ) متفاوت ومنها البخار الحار المتصاعد الى الدماغ من عضو كالمعدة والرية وغيرهما وعلامته ان يظهر لصاحبه دوار وطنين ويرى خيالات كالذباب والبق والخطوط السود والحمر والصفر امام العين وخفته على الجوع وزيادته على الامتلاء ان كان من المعدة واذا كان من الرية يقدمه وجع ثقيل في نواحي الصدر وضيق النفس وسعال رطب ومنها حدوث الديدان فيضعف الروح ويعين عليه البخار المتصاعد منها الى الدماغ وهذه وامثالها هي الاسباب الغير الطبيعية للنوم واما الخرخرة الحاصلة في النوم فسببها رطوبات الحنجرة فيخرج النفس مع الصوت لان الحرارة قد قلت عن الظاهر وقويت البرودة فخمدت ( فجمدت خ ) تلك الرطوبات فاذا جذب الروح الهواء واستنشق بآلة الرية فتصادم اجزاء الهواء مع تلك الاجزاء فيحدث الصوت والفرق بين المسكوت والمسبوت ان حسن ( حس خ‌ل ) المسكوت يذهب اليه والمسبوت بخلافه والفرق بين المسبوت والمغشي عليه ان نبض المسبوت اقوى والغشي لضعف القلب يقع تدريجا مع تغيير اللون الى الصفرة وبرد الاطراف وهذا ملخص ما عند الاطباء في احكام النوم وعلله واسبابه وهذا هو الحكم الجاري في الظاهر على الانسان خاصة

واما في الواقع فالنوم يجري في كل ما خلق الله سبحانه وركبه من جزئين نور وظلمة وجهة امداد واستمداد وعال وسافل على (خ) ما فصلنا فان كل شيء مستمد من جهة وجهه الى مبدئه وتلك الجهة عند التوجه الى الاعلى تظهر للاسفل مقام النوم او ان تعتريه اسباب تمنع ظهور الجهة العليا فيه فيضعف فيه الحس والحركة وتلك الاسباب طبيعية وغير طبيعية على حسب حال ذلك الشيء فيجري هذا الحكم في العالم الكبير والعالم الصغير والعالم الوسيط وكل ذرة من ذرات الوجود في عالم الغيب والشهود في كل موجود ومفقود لان صنع الله سبحانه واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة لكن لما كان الناس انجمدت قرائحهم بالنظر الى ما لا يعنيهم فبقوا لا يرون الا ما شاهدته الحواس فلا يمكنهم اجراء الاحكام الكلية في الذوات الكلية والجزئية ولو اردنا ان نشرح لك كيفية نوم العالم الاكبر وسنته وحيوته وموته لطال بنا الكلام ولخرجنا عن المقام الا انا قد اشرنا الى نوع المسألة عند القول بان النوم عبارة عن رفع العالي نظره عن السافل لكثافات وعوارض تحول بين العالي وبين السافل وتلك العوارض في البدن الانساني البخارات وما ذكرناه من الاسباب والعالي هو الروح الحيوانية او الانسانية والسافل هو البدن الجسماني فان الروح هو محل نظر الله وفيضه للبدن والعالم الاكبر محل نظر الله ورابطة الفيض بين الله وبين خلقه والغوث والنقطة الحقيقية هو العالي والسافل كينونات الخلايق والعرش والكرسي والسموات والارض وما حوته هذه الافلاك والدواير من المتولدات كلها والعوارض هي مقتضيات النفس الامارة بالسوء ومشتهياتها مما يخالف مراد الله سبحانه مع الايمان الذاتي فيخرج ويتصاعد من ارض اعمالهم وقوابل افعالهم من رطوبات ميولاتهم وشهواتهم بحرارة الاوامر والنواهي الواردة عليهم او بحرارة قوة كينونتهم ابخرة هي الظلمة الحادثة الكائنة بتلك الاعمال وتلك المقتضيات فتحجب الذوات السفلية عن مقابلة تلك الانوار لسد المنافذ التي هي جهة الاقبال والتوجه الى الغوث العالي طبقي ( فبقي خ ) الكينونات محجوبة عن نظره وساقطة عن الحس والحركة الا ما كان ضروريا مثل النفس اما سقوط الحركة والحس فلما نشاهد من عدم الميل الى الطاعات والعبادات وعدم التوجه الى بارئ السموات وخالق النسمات وعدم طاقتهم للنهوض والهرب اذا لدغتهم حيات الشياطين وعقاربها بسم المعصية فان الرجل تريه يحب ان لا يعصي فاذا عارضته معصية تغلب عليه الشهوة يقارفها وان كان مكرها لها فلو كان حيا او مستيقظا لهرب منها كما يفر ويهرب من الاسد المفترس الضاري ولكنه نائم لا يستيقظ الا بعد وقوع المعصية فيبقى متأسفا متضجرا كمن لدغته العقرب وهو نائم فيستيقظ ويصيح ويتأوه وكذلك عدم النهوض لطلب العلم والكمال والمعارف الربانية والحكم السبحانية والبواطن والاسرار القرآنية والتلويحات والاشارات المعصومية والتأمل في الآيات الآفاقية والانفسية والتدبر في عظمة الخالق وقدرته وطلب ما يريد منه وترك ما لا يعنيه وعدم مشاهدة الانوار القدسية والاسرار اللاهوتية وصرير اقلام الملائكة المدبرات واصوات الافلاك الدايرات والمسبحات وتسبيح الجمادات والنباتات وخضوع الاشياء وخشوعها لخالق الارضين والسموات وامثالها من عجايب الصنع وبدايع الخلقة فلو لم تكن الحواس معطلة والادراكات ساقطة لماحصلت الغفلة مع ظهور الامر وكشف الحجاب وفتح الباب الا ان القوم نائمون وعن الكمالات وعجائب الاشياء وغرائب الامور غافلون وهو قوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد

واما النفس الخارج من النائم الذي هو علامة حيوته ففي هذا المقام اقرارهم بالتوحيد والنبوة والامامة والمعاد على ظاهر الحال لا على جهة الحقيقة والواقع فمن ليس عنده هذا الاقرار فليس بنائم بل هو ميت وهذه الاسباب لامور غير طبيعية لا طبيعية فحدثت منه الامراض ايضا مع النوم الدائم فمنهم من غشي عليه

ومنهم من مسكوت ( منهم مسكوت خ ) ومنهم نائم مسبوت

ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول

وكذلك الحكم في عدم نضج الثمار وعدم استقامة الاحوال وعدم اعتدال الاشجار وكثافة الاحجار وظلمة الليل وتغيير النهار وغلاء الاسعار وكساد التجار واستيلاء الفجار وتسلط الاشرار وخمود الاغيار وافشاء الاسرار وخفاء الانوار ووقوع الاكدار وخراب الديار وغيرها من الاحوال الجارية والاحكام السارية على خلاف مقتضى الطبيعة الايجادية فاذا بطل النوم واستقر القوم وذهب الليل واستمر اليوم تعتدل هذه الاحوال وتجري الاشياء على مقتضى كينوناتها في توجهاتها ويغلب سلطان الوحدة فيرفع التضاد ويبطل التعاند ويبقى الاتحاد فيصدر من كل شيء كل شيء ومن كل طبيعة ( كل خ ) طبيعة ولا يفترق المجتمع ولا يجتمع المفترق لان الاجتماع لا يكون الا للملائمة وهي دائمة مستمرة والافتراق لا يكون الا للمنافرة وهي دائمة مستمرة فالعلة باقية والحكم ثابت ولذا كانت دار الآخرة هي الحيوان وعلى ما ذكرنا وضح وظهر لك ان النوم حدث لانه اعراض لنظر العالي عن السافل كالبول والغايط والمني والموت وغيرها فاذا اعرضت الروح النفسانية بوجهها الذي هو الروح البخاري وهو اعرض بوجهه الذي هو الحرارة الغريزية الكائنة في تجاويف القلب عن الفضلات الخارجة عن ثفل (خ) الكيلوس والكيموس والهضمين الآخرين فنتنت وخبثت بذلك الاعراض فنجست لاجل ذلك لانها مدبرة عن الطهارة الاصلية التي هي وجه الله الذي يحمله العقل الذي يحمله الروح الرقائقي الذي يحمله النفس القدسية الانسانية التي يحملها النفس الحساسة الفلكية التي يحملها الروح البخاري الذي تحمله الحرارة الغريزية فالمدبر عن الطاهر والطهارة لا يكون الا نجسا ونجاسة ولذا كانت الفضلات المدفوعة التي بلغت حد النضج نجسة على ما فصلنا في اسرار الصلوة دون المذي والودي والوذي والقيح والصديد الذي يخرج من الانسان وان كانت خبيثة فاذا كان الامر كذلك فما ظنك بالنوم الذي هو اخو الموت من جهة اعراض الروح الحاملة لوجه الله الذي به المدد والبقاء عن ظاهر الجسد فتبقى اقطار ظاهر البدن مظلمة كثيفة منتنة زايلة عليها ذل الاعراض وانكسار الهوى الى حضيض الادبار فلا يصلح مع ذلك للتوجه الى حضرة الجبار القهار القدوس الطاهر فيجب ان يتطهر بالماء الذي يعينه ( يعنيه خ ) نية القربة فيتقوي في التأثير والفعل ويتلطف في النفوذ والذوبان والسراية فينفذ في جميع الاقطار ويذهب الظلمة بتطهر تلك الاوساخ وازالة تلك الاكدار مثل الاكسير اذا بلغ في اللطافة والصفاء مبلغ الكمال ووصل الى مقام الوصال والاتصال يطهر قيراط قناطر من الفلزات الناقصة والاجساد الكدرة المتوسخة كذلك الماء اذا قارنته نية القربة فتوصل به الى تلك الدرجة الفعالية وتفصيل القول في هذا المطلب ذكرنا في اسرار الصلوة في مبحث الطهارة فليرجع اليه

بقي الكلام في الرؤيا واحوالها وصدقها وكذبها وحقيقتها اعلم ان الكلام في هذا المطلب يقع على اطوار (خ) مختلفة متعددة متفاوتة لان كل شيء في الوجود فيه معنى كل شيء ويجري فيه ما يجري على كل شيء وله مناسبة بكل شيء ويجري الكلام فيه بكل طور الا انا نذكر في هذا المقام من الاطوار الطور الذي ذكره وكتبه شيخنا جعلني الله فداه ونعرض عن باقي الاطوار لما فيها من تطويل الكلام واظهار ما لا ينبغي اظهاره فنقول :

قال اطال الله بقاه : واما اصل الرؤيا فاعلم ان الروح المدبرة للبدن اذا لحقها ملال باستعمال آلاتها في تدبير الغذاء بتصفيته ودفع غرايبه ووزنه وتقديره اجتمعت في القلب فاستراحت فضعف الارتباط بها ورق حجابها فتتذكر عالمها الاعلى الا انها قد علقت بها ثاء الثقيل ولحقها صفات من الاعمال الحميدة والذميمة فاذا التفتت الى العالم الاعلى شاهدت ما هنالك مما تفور به فوارة القدر فتنتقش في مرآتها صور ما يظهر من هنالك وتكون صحة ذلك الانتقاش وبطلانه وكماله ونقصه على حسب استقامة المرآة وعدمها في الكم والكيف والوضع وذلك على حسب ما اتصفت به من الصفات المستفادة من الاعمال فان كانت حميدة استقامت وكملت وصلح الانتقاش فكان ما تعاين هو الواقع وان كانت ذميمة فعلى العكس وان كانت ممزوجة كان ما فيها ممزوجا فافهم الاشارة فهذا اصل الرؤيا ثم اعلم ان لذلك واسطة فان كان هو الشيطان المقيض للرؤيا المسمى بالرها وذلك باستقلاله كانت الرؤيا باطلة انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله وان كان الواسطة الملك الموكل به باستقلاله كانت الرؤيا صحيحة وان كان من بينهما كانت ممزوجة ثم انا قلنا ان الخيال اذا قابل بمرآته التي هي ذاته باب القدر انتقش فيه صور ما يفور من فوارة القدر فينتبه من نومه ويقع ما صورته قبل الوقوع وربما يكون بعد الاخبار به لان الاخبار مما يحقق الانتقاش المقتضي للوقوع وربما يكون بمعونة التعبير فهذا منشأها ولما جرت حكمة الله سبحانه بان المرايا تنتزع صور ما قابلها من ذات او صفة لون او مقدار او بعد او وقت او جهة او غير ذلك وذلك لامر حكيم من صنعه سبحانه وجب ان تنتقش في الخيال صورة كل ما قابلها فيرى الشخص ما في خياله فيرى صاحب الشبح لان ما في الخيال طريق المتخيل الى ذلك الشيء وصحته وفساده وكماله ونقصه من الاحوال المذكورة سابقا فراجع فهذه حقيقة الرؤيا واما عالمها فهو عالم البرزخ والمثال الذي هو وراء الاجسام فان كانت صحيحة كان قد شاهد اشباح ما ينزل من عالم الغيب الى الشهادة في عالم البرزخ من هورقليا وان كانت باطلة كان قد شاهد اظلة ما يعرض له في خياله من اوضاع الابخرة واوهام النفس التي تتقدر باشباح الشياطين في ارض العادات والطبع من جابلقا وجابرسا فهذا عالمها فافهم فانه سر دقيق رشيق واما صدق الرؤيا وكذبها وتفاوت الصدق والكذب في الليل والنهار واول الليل وآخره ووقوع ما رأى في التعبير ومدخلية التعبير في وقوع الشيء ومعنى ما ورد ان الرؤيا على ما تعبر فاعلم ان الرؤيا قد ورد فيها ان ما يراه الشخص في السماء فهو حق وما يراه في الارض فهو اضغاث احلام وورد انها تكون في بعض الليالي صادقة وبعضها كاذبة وورد ان الرؤيا اول الليل كاذبة وآخر الليل صادقة وربما فسر الاول بان السماء الظاهرة محروسة بالشهب عن الشياطين قال تعالى الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين وهو يدل على ان ما يراه النائم في ذلك السماء سماء هورقليا حق لان الشياطين لا تصل هناك فلا تتصور فيها بصور الباطل وانما تسكنها الملائكة فتتصور فيها بصور ما وكلت به من الاشياء المنتقشة في الخيال فاذا رأى الشخص شيئا فهو حق مطابق للواقع وان كان ما يريه في الارض فهو من تصور الشياطين وهي لا تتصور الا بما قيضت له من صور الباطل وذلك لا يطابق الواقع وفسر الثاني بان احوال الليالي تختلف في الشهر وفي الاسبوع وعند قرانات الكواكب واختلاف الآفاق واختلاف اعمال الرائي فتكون في الشهر الليلة الاولى من كل شهر متشابهة وفي الاسبوع مثله ليلة كل سبت من كل اسبوع متشابهة وكذلك كل ليلة يحصل فيها قران كواكب مخصوصة لها حكم خاص فاذا وجد ذلك القران بعينه في الليلة الثانية بغير زيادة ولا نقيصة من الكواكب السيارة او غيرها ولا تغيير ولا تبديل كذلك وكان ما كان من ذلك الشخص من الاعمال مثل ما كان في الليلة الاولى وهكذا وكذلك اتفاق اوضاع الآفاق من الغيم والصحو والريح والمطر وكثرة الابخرة وقلتها وغير ذلك في ليلتين يوجب تساوي حكمهما وكذلك اتفاق عمله في ليلتين وهذا كله حكم مقتضي تلك الاسباب اذا لم يعرض لها موانع تبطل ذلك المقتضي او بعضه او صفته او مدته او مكانه وكما تجري احكام تلك المقتضيات في الاجسام تجري في الخيال والنفس وما ينطبع فيهما على نحو يطول شرحه وفسر الثالث بان اول الليل كان البدن ممتليا بابخرة الطعام فاذا تصعدت الى الدماغ تلوي بها فتحدث فيه اشكال من الابخرة على هيئة بعض الاعيان والصفات فيراه الشخص في خياله فيتوهم انها صور انطبعت من المعاني الخارجة عنه فاذا استيقظ اخبر بها وليست شيئا لانها في خياله من الابخرة وانما تكون هذه الابخرة في الخيال على هيئة بعض الاعيان لان جميع ذرات الوجود من ذات وصفة واثر يجري كل اسفل منه في كونه بمقتضى طبيعته من الوجود على هيكل الاعلى لان كل اثر يشابه صفة مؤثره كما مر في محله واما آخر الليل فلان البدن خال قد خفت عنه الرطوبات من المطعم والمشرب وصفي الدماغ فلا ينطبع الا ما كان متحققا خارجا عنه فاذا رأى شخص شيئا في السماء ولم يحصل له مانع مما اشرنا من خصوص الاوقات والقرانات والافعال والابخرة او في الارض وحصل له مقتضى الحق من خصوص الاوقات والقرانات والاعمال والخفة من فضول الطعام والشراب وكانت رؤياه في الليالي المقتضية لظهور المسعودة من ذاتها لادوار اوضاع الافلاك او بالقرانات او بالاعمال الصالحة مع عدم الموانع المشار اليها كان ذلك حقا فان تمت الاسباب المقتضية بلا مانع فان كانت موجبات وقعت الرؤيا بعينها بلا مهلة لان الرائي رآها خارجة بعينها من باب القضاء وان تمت المقتضيات الغيبية كذلك خاصة بدون الشهادة خرج تأويلها بلا مهلة وان كان في بعض تلك الاسباب ضعف ونقص من جهة القابلية التي هي مرآة الشخص التي هي خياله وحصل لها تعبير وقعت كذلك لان التعبير يفتح على مرآة خيال الرائي باب القدر الذي تنزل منه تلك الاسباب فاذا عبر المعبر انطبع به في خيال الرائي صورتها هنالك على هيئة التعبير فيكون الطيف المرئي في المنام متلبسا بهيئة التعبير فيقوي به ما كان ضعيفا من تلك المقتضيات ولهذا تراه اذا عبر له المعبر التفت خياله الى ما رأى في المنام فتصور فيه صورة التعبير وانصرف ما في قلبه من معنى رؤياه الى المعنى الذي يظهر له من المعبر وان كان كذبا فتتغير الرؤيا بهيئة اخرى غير الاولى فيجري الحكم والمطابقة على الثانية وان رأى الشخص في منامه شيئا وهو متلبس بخلاف ما اشرنا اليه من شرايط الصدق ومقتضياته كان ما رآه مخالفا للواقع فيكون كذبا واما كون المؤمن الصالح بعض رؤياه صادقة وبعضها كاذبة والشقي الطالح بعض رؤياه كاذبة وبعضها صادقة فالعلة فيه زايدا على ما ذكر هي ان لكل شخص جهتان وجه من جهة وجوده وهو العقل وشأنه الصدق والحق لان العقل لا ينطق عن الهوى وليس للشيطان فيه نصيب ووجه من جهة ماهيته وهي النفس الامارة بالسوء وشأنها الكذب والباطل لانها لا تلتفت الا الى الهوى الماهية وهي وقومها يسجدون للشمس من دون الله طلعها كأنها رؤس الشياطين فكان الرجل الصالح اذا كان الوارد عليه في المنام من جهة العقل اي التفاته الى ذلك الشيء وذكره كان رؤياه صادقة لان الشيطان لا يتصور بصور الحق والنور والا احترق وان كان بعض رؤياه من جهة التفات العقل وبعضها من جهة التفات النفس كان ما كان من جهة العقل والتفاته صدقا وما كان من جهة النفس والتفاتها كذبا وهذا حكم الصالح والطالح ولو ان رجلا لا يكون له التفات من جهة النفس ابدا كانت رؤياه صادقة ابدا كما في المعصومين عليهم السلام ولو كان رجلا ( رجل خ ) لا يكون له التفات من جهة العقل ابدا لم يصدق رؤياه ابدا وابن هنا على ما فصلنا سابقا

هذا ما ذكره استادنا جعلني الله فداه في اصل الرؤيا وصدقها وكذبها وهو كلام جامع لجميع العلوم المتعلقة بالرؤيا وجامع لجميع الاخبار المتعارضة الواردة في هذا المقام وشارح لاصل الحقيقة في الامر وان كان كلامه اطال الله بقاه يحتاج الى شرح وتفصيل وبيان ولكني تركته خوفا للتطويل وعدم اقبال القلب وتوجه الخاطر

بقي هنا شيء والتنبيه عليه من المهمات والضروريات لعظم اشتباه الناس في ذلك وهو ان الجن والشياطين لا يمكنهم ان يتصوروا في الرؤيا بصورة واحد من الائمة (ع) او الانبياء والاوصياء عليهم السلام بل وشيعتهم المخلصين ( و خ ) حقيقة الامر في ذلك قد تصعبت على الناس من جهة تواتر الاخبار على المنع ومن جهة وقوع التصور كما يرى مخالفونا ان ابا بكر هو الخليفة بنص النبي (ص) مثلا ويرى النبي في الرؤيا ينص على ذلك مثلا وكذلك حكم رؤيا مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) وقد قالت العلماء في ذلك اقوالا (خ) مختلفة ووقعوا في آراء متشتتة الا ان الحق الحقيق بالتصديق الخارج عن معدن الوحي والرسالة هو الذي نتلو عليك مما عرفنا وسمعنا من شيخنا واستادنا جعلني الله فداه فانه الحق الذي لا ريب فيه والثابت الذي لا عيب فيه فنذكر بالفاظه الشريفة

قال اطال الله بقاءه : ان الروايات الدالة على هذا المعنى متواترة معنى من الفريقين ولا ينبغي التوقف في هذا المعنى وهو ان الشيطان لا يتصور بصورة النبي (ص) ولا بصورة احد من اوصيائه عليه وعليهم السلام ولا بصورة احد من شيعتهم كالانبياء والرسل والاوصياء والشهداء والصالحين من المؤمنين من الاولين والآخرين ولكن لهذا المعنى شرط وهو الذي خفي على الاكثر والاصل في الرؤيا ان النفس تلتفت بوجهها وهو الخيال الى جهة المرئي فتنطبع فيه صورته والصورة هيئتها على نسبة هيئة المرآة وكمها وكيفها من الطول والعرض والاستقامة والاعوجاج ومن الكبر والصغر ومن لونها من بياض وسواد وغير ذلك والاخبار لها او عنها انما هو باعتبار ما هي عليه في حقيقة ما هي منطبعة فيه لان المواد لا تناط بها الاحكام الا باعتبار صورها لانها هي منشأ الحقيقة الثانية التي يناط بها الحكم الحقيقي والحقيقة المحكوم عليها من المرئي انما هي ما عند الرائي لانه هو صاحب الصورة التي تكون بها الحقيقة المحكوم عليها فالمحكوم عليه بالاخبار عنه او له ليس خارجا عن الرائي فعلى هذا يظهر لك وجه الشرط المذكور وهو ان تعتقد في المرئي كما هو عليه فلو اعتقد في زيد المؤمن الصالح انه خبيث تصور الشيطان له بصورته لانه لم يقابل خياله الا جهة ما توهمه وهو احد مظاهر الشيطان ولم يقابل خياله جهة الخير الذي هو حقيقة زيد المؤمن فانه من مظاهر الوجود الذي هو احد مظاهر الله ولو تصور الشيطان في احد مظاهر الله احترق فقد نقل ان ابليس اللعين لما تجلى لموسى ربه بقدر خرق الابرة من نور الستر هرب ابليس الى اسفل السافلين والا لاحترق فاذا ذكر الانسان زيدا من حيث انه صالح اي مطيع لله وعبد ظهرت عليه آثار ربوبية الله في عبوديته من الطاعة واعمال الخير فقد ذكر الله وهل يكون للشيطان مدخل في ذكر الله فاذا جرى ذكر النبي (ص) على قلب المؤمن او الامام (ع) او احد من الشيعة من حيث هم شيعة ومطيعون لله فقد ذكر الله والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين يعني ان الغاوين الذين اتبعوا الشيطان له عليهم سلطان وذلك لو ان رجلا ظن في النبي (ص) او احد الائمة (ع) او شيعتهم او تصور سوءا تصور له الشيطان في صورتهم لان معنى قولهم عليهم السلام في صورتهم في الصورة التي عنده التي تصورها من صورتهم التي تخيلها من وهمه وما يظن فهي في الحقيقة صورة ظنه لما قلنا ان الصورة حالها على هيئة المرآة وكمها وكيفها ونسبت الصورة اليهم لنسبة المتصور لها اليهم فافهم واما انهم عليهم السلام يجيئون في اي صورة شاؤا فهو حق لان جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاؤا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لان هذه ليست لهم ولا من سنخهم وان كانت بهم وانما يلبسون احسن الصور واطيبها والشيطان لا يلبس احسن الصور لانها ليست له ولا من سنخه فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة وليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود وتنزع منهم فلا يدخلون النار بها وانما يدخلون بصورهم الحقيقة كلابا وخنازير فكما ان المؤمن لا تعجبه صورة الكافر الجميلة لانه يراها قبيحة في نظره كذلك لو ظهر له ابليس في صورة حسنة رآه قبيحا لانه ينظر بنور الله فلا يظهر له في الرؤيا بصورة اهل الحق لانه لا يراه الا بصورة اهل الباطل كما قررنا فاذا ادعي شيطان في اليقظة انه نبي او امام لا يظهر بصورة من ادعي رتبته فيعرفه المؤمن البتة فيظهر له القبح في الاعمال والصفات ولا يمكنه ان يظهر الحسن ح في الاعمال والصفات لانه ان اظهر ذلك بحيث تخفى على المؤمن وجب على الله في الحكمة ان يكشف ستره والا لكان مغريا بالباطل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا نعم ذلك يخفي على اوليائه لانهم لا يعرفون الفرق بين الحق والباطل ولا يعرفون صفة النبي والامام فيكتفون بمجرد الدعوى انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون على ان الله سبحانه يبين لاوليائه بطلان دعواه لتقوم عليهم الحجة البالغة على ان الدعوى في اليقظة ترجع التعلق فيها الى نفس المدعي لا الى صورة الرائي كما في الرؤيا ولهذا تراه في امر الطيف بالعكس يقول رأيت في المنام رسول الله (ص) وفي اليقظة يقول رأيت رجلا يدعي انه رسول الله (ص) ولا بد ان ينكشف ستره كما ذكرنا وذلك كما نقل في تفسير قوله تعالى ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب ان صخراً الجني تصور في صورة سليمان (ع) فاتى جاريته فاخذ الخاتم منها وكان سليمان (ع) اذا اراد الجماع نزع الخاتم واعطاه الجارية حتّى يغتسل فلما اخذ الخاتم قعد على كرسي سليمان (ع) فانقادت له الجن والانس واتى سليمان (ع) وقال انا نبي الله سليمان فضربوه وطردوه وقالوا نبي الله على تخت الملك وبقي يدور في مملكته لا يجد من يطعمه قرصا وذلك الخبيث قاعد وكان يأتي نساء سليمان (ع) في الحيض فقلن يا سبحان الله ما كانت عادة نبي الله يفعل هكذا وكان يضرب ام سليمان وهي تقول كان ابني ابر الخلق لي فكيف يضربني وهكذا من الامور التي كشف الله بها ستره لئلا تكون للناس على الله حجة وبقي اربعين يوما ثم لما كاد يخفي امره امر الله ملكا فزجره فهرب ورمى الخاتم في البحر فالتقمه حوت صغير وكان سليمان (ع) يدور على ساحل البحر فرأى صيادا فسأله شيئا فاعطاه سمكة فاخذها سليمان (ع) فشقها فاذا الخاتم فيها الخبر فاعتبر بمن تشبه في اليقظة بالانبياء كيف فضحه الله بافعاله ثم لم يمهله وقد تقدم الفرق بين الرؤيا واليقظة في اصل اسناد الاخبار عنه اوْ له واما امر رؤيا فاطمة (ع) ومختصر معناها انها رأت ان اباها (ص) وبعلها وابنيها عليهم السلام خرجوا الى حديقة بعض الانصار فذبح لهم عناقا وطبخ واجتمعوا عليه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله لقمة فوقع ميتا واخذ على لقمة فوقع ميتا واخذ الحسن لقمة فوقع ميتا واخذ الحسين لقمة فوقع ميتا فانتبهت محزونة كاتمة امرها فاتى رسول الله (ص) وخرج بهم اجمعين الى الحديقة المعلومة فذبح لهم عناق وطبخ ووضع بين ايديهم وفاطمة (ع) معهم فلما اخذ رسول الله (ص) منه لقمة بكت فاطمة (ع) فقال لها ما يبكيك فاخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل (ع) واتى بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها فان شئت ان تذبحه فافعل فاعطى النبي (ص) العهد والميثاق انه لا يتصور في صورته ولا في صورة احد من خلفائه المعصومين (ع) ولا في صورة احد من شيعتهم فاعلم ان الله سبحانه لما كان فعله للاشياء انما هو على ما هي عليه اقتضت الحكمة ان يكون ذلك على الاختيار ومقتضى الاختيار والقدر ان يجري الصنع على الاسباب فاقتضت الحكمة ان يجري حكم ان الشيطان لا يتصور في صورهم الذي هو شأن الامضاء وشرح العلل والبيان في قوله تعالى ليبين لكم على تقدم هذه الرؤيا لتكون سببا لامضاء ان الشيطان لا يتصور بصورهم كما في نظايره مثل صمت الحسين عليه السلام ولم يتكلم حتّى خيف عليه الخرس فلما كبّر جده (ص) في الصلوة كبّر فكبّر رسول الله (ص) فكبّر الحسين (ع) حتّى فعل سبعا ليكون ذلك علة وشرحا لاستحباب التكبيرات الست في الافتتاح للصلوة فاذا عرفت الاشياء ظهر لك ان هذه الرواية لا تنافي الروايات لانها وجدت للبيان والشرح الذي هو سر الامضاء للاشياء فجرى الوجود على النظام التام والامر المتقن اذ ليس ما جرى على فاطمة (ع) من اغواء الشياطين وانما اجرى الله تعالى تلك النجوى بامر الملك الذي هو موكل على الرها ولهذا روي ان الرها ملك لانه فعل ذلك لفاطمة (ع) بامر الملك فهو امر بطاعة وجرى ذلك عليها (ع) طاعة كما روي الفقهاء ان المرأة الاجنبية اذا كان عندها ميت اجنبي ولم يكن مماثل الا ذمي انها اذا امرته بالاغتسال ثم يغسل الميت فانه يطهر لامتثال الذمي امر المسلمة في الاغتسال والتغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بامر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسألة من الباب الاعظم للوجود فافهم بقي سؤال وهو ان الشيطان اذا لم يتصور بصورهم وذلك للعلة السابقة اذ الوجود لا يكون الا على اكمل نظام وانما تصور بامر الملك فذلك الشيطان بحكم الآلة كما مر في تغسيل الذمي للميت المسلم بامر المسلمة لزم ان تكون رؤيا فاطمة (ع) صادقة مطابقة للواقع ويلزم من ذلك ان يموتوا اذا اكلوا مع انهم لم يموتوا والجواب ان رؤياها صادقة لما قلنا من التعليل ولانها قد طابقت الواقع فانهم (ع) اتوا المكان جميعا واجتمعوا وصار كل ما رأت الا انهم لم يموتوا وانما لم يموتوا ظاهرا لنقض الرؤيا ظاهرا لانها بصورة صاحب التصور الباطل وانما نقضت ليكون ذلك باخذ العهد عليه صالحا لتأسيس سبب هذه القاعدة ولما كانت الرؤيا صادقة للعلة المذكورة وجب ان يكون الموت باطنا لانه هو الذي رأته عليها السلام في عالم الخيال ولما كان ذلك جاريا على اهل العصمة (ع) وكان الموت الباطن يطلق على موت هلاك الدين وعلى موت الانقطاع الى الله والفناء في بقائه تعين ان يكون ذلك الثاني لامتناع الاول عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد اشرت لك الى جميع ما تحتاج اليه من شقوق اجوبة المسألة فيما يحضرني من الاعتراضات

انتهى كلامه جعلني الله فداه واطال بقاءه وامد ظلاله على رؤس عباده ورعاياه فقد استوفي جميع الاحكام وليس بعد كلامه كلام وعلى من يفهم الكلام السلام وهذا الذي ذكرنا كله متعلق بظاهر العبارة في قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم

واما ما يتعلق بالتأويل والباطن وظاهر الظاهر وباطن الباطن والبواطن الاخر فلا يسعنا الكلام في اغلبها لان الكلام فيها غير مأذون فيه سيما في هذه الايام التي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعي الغي اتباعه فاجابوه ولبوه من كل جانب ومكان واما الذي يجوز الكلام فيه فان اشبعنا فيه القول يطول ويوجب الملال وان اختصرنا لا يكاد ينتفع به الا من صلحت سريرته وصفت طويته من المؤمنين الممتحنين وكيف كان فلا بد من الاشارة في طي تلويح العبارة ليعرفها اهلها ويصح لنا الامتثال بقوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا

فنقول اعلم ان الله سبحانه لما كان واحدا احدا ازليا لم يتصل بشيء ولم يقترن بشيء ولم ينفصل عن شيء ولم ينفصل عنه شيء ولم يتكون منه شيء ولم يذكر فيه شيء لم يجر عليه السلب والايجاب والنفي والاثبات كيف وهو خالقها ومجريها ولا يجري عليه ما هو اجراه ولما وصف نفسه بالقيومية وان الاشياء كلها قائمة به ومنقادة لامره ونهيه وسائلة المدد منه بالوقوف ببابه واللواذ بجنابه ولما كان القيوم الظاهر بالقيومية المعطي لكل شيء حقه والسائق لكل مخلوق رزقه لا بد له من النسبة والتعلق والاقتران لان كل اثر متقوم باسم خاص بذلك الاثر لا يناسب الاسم (خ) الآخر فاقترنت الاسماء بآثارها واقترنت المسميات الظاهرة الاسم بالاسم من حيث كونها مدلولة عليها ومرتبطة بها وهذه القرانات والاضافات والنسب تنافي مقام الوحدة المطلقة والازلية الحقيقية ولما كان التنافي والتناقض منتفيان في امر الله سبحانه وحكمه وجب ان يكون الظاهر بالاسم والصفة والقران والاقتران غير الذات البحت تبارك وتعالى لان الاشياء لا ذكر لها عندها فاين الاقتران (خ) وذلك الغير هو مقام اسماء الافعال المندرجة كلها تحت هيمنة الاسم الاعظم الله فالقيوم اسم لذلك الاسم واثر لذلك الطلسم والاسم متقوم بالذات بلا كيف ولا اشارة والقرانات كلها في مقام الاسم وهو حادث مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى وجعله اسما له واجرى فعله به كما في الدعاء عن النبي (ص) رواه ابن‌طاووس في المهج واسألك باسمك الذي خلقت به جبلات الخلايق وباسمك الذي خلقت به العرش والكرسي وفي الكافي ان الله تعالى خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ الى غير ذلك من الاحاديث الدالة على ان الاسم مخلوق وان الله سبحانه انما خلق الخلق بالاسماء فان الخلق بالذات (خ) يستلزم الاقتران ولذا اجمعوا على ان الفاعل والخالق من الصفات والاسماء الفعلية لا الذاتية فتكون القيومية حادثة ظاهرة في حادث ولما كان الحادث الذي هو محل لهذه القيومية ومحل للاسماء الفعلية بل هي الاسماء الفعلية يجب ان يكون اشرف الحوادث واعلى الموجودات واقوى الذوات ويجب ان يكون اول المخلوقات وقبل الحادثات لانه علة لخلق الموجودات فكيف يكون مؤخرا عنها وقد وقع الاجماع من المسلمين على اختلاف الفرق ان محمدا (ص) هو اول الموجودات واشرفها واسبقها واعلاها لم يسبقه حادث ولا مخلوق ولم يقدم ( لم يتقدم خ ) عليه في الوجود موجود ووقع الاجماع من الشيعة الفرقة الناجية بان الائمة الاثني عشر وفاطمة الصديقة كلهم من محمد (ص) ومن طينة واحدة وحقيقة واحدة كما يشهد عليه قوله تعالى وانفسنا وانفسكم فوجب ان يكون هؤلاء الاربعة عشر في هذا الحكم سواء فيكون حقيقتهم محلا لتلك الاسماء بل نفسها كما في زيارة امير المؤمنين (ع) عن الصادق (ع) السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء وجنبه العلي وفي زيارته (ع) ايضا عنه (س) برواية صفوان على ما في البحار والتهذيب والفقيه وساير كتب المجلسي (ره) من العربية والفارسية السلام على وجه الله الذي من آمن به امن السلام على نفس الله القائمة فيه بالسنن وعينه التي من عرفها يطمئن السلام على اذن الله الواعية في الامم ويده الباسطة بالنعم وجنبه الذي من فرط فيه ندم اشهد انك مجازي الخلق وشافع الرزق بعثك الله علما لعباده فوفيت بمراده الى ان قال (ع) فانت سامع الدعاء وولي الجزاء وفي زيارة اخرى وهذه الزيارة ايضا قبل هذه الفقرات السلام على ميزان الاعمال ومقلب الاحوال الى ان قال (ع) السلام على شجرة التقوى وصاحب السر والنجوى ومنزل المن والسلوي وغيرها من الروايات والزيارات كثيرة لا تحصى كثرة فاذا كانوا هم يد الله ووجه الله وعين الله واذن الله وجنب الله وباب الله ونفس الله فاي شيء يبقى وهل يظهر الفيض من الذات الى المستفيض الا بهذه الوسايط وهذه كلها امور حادثة اتخذها الله سبحانه اعضادا لخلقه لحاجة الخلق لا لحاجته تبارك وتعالى كما انه سبحانه جعل الشمس عضدا للاشعة لقبولها الوجود منه تعالى في الصدور وجعل الثوب عضدا للصبغ لقبول الوجود (خ) وهكذا جعل ساير الاسباب والمسببات والقرانات والاضافات والا فهو سبحانه قادر على ما يشاء كما يشاء بما يشاء كيف يشاء ولما كان الحادث من شأنه التغيير والتبديل والزيادة والنقصان والفتور والاضمحلال والحدود والكيفيات وكل ذلك مناف للظهور بالقيومية اذ عند تطرق الخلل والغشا (كذا) في الاسم القيوم فسدت الحركات وبطل النظام وضاعت الاحكام فلا يصح ان يكون مظهر القيومية ونفسها الا قديما لئلا يبطل النظام ويستمر على الدوام والحادث دائم السيلان فاين الاستقرار فضلا عن الدوام ولا يصح ايضا ان يكون قديما لانه منزه عن الاقتران والقيوم يستلزمه كما سمعت الا ان اراد سبحانه رفع هذه الشبهة عن الافهام وحلها لاولي الاحلام فقال عز وجل لا تأخذه سنة ولا نوم يعني ان السنة والنوم المعبر بهما عن الفتور والدثور والاضمحلال وعدم الاستقلال والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان كلها انما هي لوازم الحدود والماهيات والكثرات والاضافات وجهات الانيات واما الوجه الاعظم والجناب الاقدم الذي هو الاسم الذي خلقه بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عن حس كل متوهم فذلك الاسم لا تعتريه هذه الاحوال ولا يجري عليه حكم الاضمحلال وانما هو دائم لا يزال لانه وجه الله الذي لم يزل ولا يزال وانما هو مستقل غاية الاستقلال لانه اي الوجه لم يقطع نظره عن مبدئه واصله ابدا حتّى يحصل في ذاته الفتور والدثور والتغير وقد قلنا سابقا ان هذه الاحوال تحصل اما بقطع العالي نظره عن السافل او باعراض السافل عن العالي وحيلولة العوارض بينه وبين نظره فيحصل له بحسب تلك الحيلولة برقتها وغلظها وقوتها وضعفها وقلتها وكثرتها تلك الاحوال واما اذا ارتفعت الاغيار وذهبت الاكدار وانعدم الغبار وحصل الاستقرار على بساط المؤانسة والمحبة فمتي يقطع النظر واي شيء يحول بينهما وقد احترقت الحجب وكيف يقطع العالي سبحانه نظره اذ ليس فوقه ربه ( رب ظ ) يدعي ولا غيره خالق يناجي فيتوجه به عن هذا بل نظر دائم وفيض مستمر واقبال مستقر وتوجه تام كامل وحد ورسم زايل فاين الحدود حتّى يقع ويظهر الزيادة والنقصان واين الغفلة حتّى تجيء السنة والنوم كانسان ( كالانسان خ ) فهو اذن لا تأخذه سنة ولا نوم وصحت القيومية ولذا قال عز وجل كل شيء هالك الا وجهه وقالوا (ع) نحن وجه الله الذي اليه يتوجه الاولياء وفي الدعاء عن سيد الساجدين (ع) وان كل معبود سواك مما دون عرشك الى قرار ارضك السابعة السفلى مضمحل باطل ماخلا وجهك الكريم فانه اعز واجل من ان يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي العقول الى كنه عظمته ولذا لما ظهر لموسى مقدار سم الابرة من شعاع نور ذلك الوجه فدك الجبل ومات بنو اسرائيل وخر موسى صعقا وقد قال الصادق (ع) على ما رواه في البصائر والصافي في الكروبيين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا ه‍ وهذا نور الوجه ولذا لما ظهر لايوب (ع) من ذلك النور مجردا عن الحدود ومبعدا عن الاقطار وعند الوحي يسمع كلامه من كل ناحية في الجهات الستة في جميع مراتب ايوب فتعجب ايوب هذا الامر واستعظم لانه عرف ان القديم لا يصل اليه ولا يسمع كلامه اذ لا كلام هناك وانما هذا خلق من مخلوقاته وحادث من الحوادث ظهرت عليه آثار العظمة والجلال والقدرة والكبرياء حتّى تمحض في الوحدة وصار لا يشغله شأن عن شأن وكان كل الجهات جهاته فاينما (خ) تولوا فثم وجه الله وما كان ينبغي لمثل ايوب (ع) استعظام هذا الامر فان الله سبحانه لا يوصف ولا يعرف من حيث ذاته وانما يعرف بآثاره وصفاته فهو سبحانه وصف نفسه للخلق وجعل صفاته الظاهرة للخلق منزها ومجردا عن الحدود والجهات ليعلم ان لا كيف له ولا جهة ويظهر لهم معنى قوله فاينما تولوا فثم وجه الله اذ لو كان محدودا كان له جهة عن الجهة الاخرى لكنه لا تحجبه جهة ولا تخفيه ارض ولا سماء ولا بر ولا بحر فما كان ينبغي لايوب (ع) ان يستعظم هذا الامر ويتعجب منه وان كان ما رأى عظيما جدا بحيث لا تقف لديه العقول ولا تتحمل معه الاحلام ولذا عدوا هذا النوع منه شكا وقال امير المؤمنين (ع) لسلمان أوتدري ما محنة ايوب قال لا قال (ع) لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وبكى وقال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله اليه يا ايوب أتشك في صورة انا اقمته واني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول امر عظيم وخطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب اليّ بالطاعة لامير المؤمنين قال (ع) ثم ادركته السعادة بي وهذا القول منه (ع) جرى بعد قول سلمان له (ع) يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واه ( واش خ ) رحم الله قاتل سلمان لقلت فيك كلاما اشمأزت منه القلوب يا محنة ايوب ثم سأله الامام (ع) أوتدري ما محنة ايوب قال لا فذكر الكلام الذي نقلنا آنفا فاذا عرفت ان هذا الاسم العظيم المعظم لا يوصف بكيف ولا يأين بأين ولا يحد بحد كيف وقد وجدت الكيفيات والحدود والاين والاوضاع كلها به ولا يجري عليه ما هو اجراه فلا تأخذه سنة ولا نوم لانهما من لوازم الكثرة والحدود كما عرفت سابقا وقد اوضح وافصح عن حقيقة هذا السر الذي ذكرنا باصرح عبارة مولينا امير المؤمنين (ع) في خطبة يوم الغدير ويوم الجمعة على ما رواه جماعة من الاكابر الثقات منهم الشيخ الطوسي في المصباح والسيد بن طاوس في الاقبال ومصباح الزائر عن امير المؤمنين انه خطب بهذه الخطبة الى ان قال (ع) واشهد ان محمدا عبده ورسوله استخلصه في القدم على ساير الامم على علم منه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس وانتجبه آمرا وناهيا عنه اقامه في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته وخلته اذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا يخالل من يلحقه التظنين الخطبة انظر الى قوله (ع) اقامه في ساير عالمه مقامه اذ كان لا تدركه الابصار الخ كيف صرح بان الله سبحانه من جهة عدم تمكن الخلق للوصول اليه جعل بابا له يفيض الى الخلق بواسطته وذلك الباب هو القائم مقامه في الاداء اي في كلما يريد ان يوصل الى المخلوقين من الفيض التكويني والتشريعي اذ علة التوسط جارية في الجميع فجعله مظهر اسمه القيوم بل اسمه الحي القيوم ثم رفع تلك الشبهة التي ذكرناها من ان شأن الحادث التغيير فتصدي لجوابها وقال (ع) اذ لا يختص من يشوبه التغيير فنفى جميع احوال الحوادث وتمحضه ( لتمحضه خ ) في النظر والالتفات الى الحي القيوم فكان لا يشوبه التغيير من التغييرات الجارية على الموجودات المقيدة لتعاليه عن الحدود في تلك الرتبة فاذا كان لا يشوبه التغيير فلا تأخذه سنة ولا نوم بالطريق الاولى ولا تتوهم ان هذا الحكم لهم في كل مقام بل لهم سلام الله عليهم مقامات ودرجات في كل مقام ودرجة لهم حكم خاص غير ما كان في المقام الآخر والدرجة الاخرى ولذا قالوا لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن وقال امير المؤمنين عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وقال ابن ابي الحديد في مدحه (ع) :

صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر

يجل عن الاعراض والكيف والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر

وقد مضى الكلام في هذه المراتب عند ذكر القيامات والعلل فراجع فافهم فاني القيت عليك من السر الحق والكبريت الاحمر الذي لا يهتدي اليه الا الاقلون من المؤمنين الممتحنين ثم انا نقول ان وضع الضماير ليست للذات البحت اما الاول ( اولا خ ) فلان الوضع للذات مستلزم للتغيير والتبديل والاقتران كما شرحنا مفصلا في ساير الرسائل واجوبة المسائل واما ثانيا فلان الضماير لو كانت موضوعة (خ) للذات لما كان فرق بين العلم وبينها على ما يزعمون فان العلم موضوع للذات بزعمهم مع ان الفرق بينهما في غاية الوضوح فان قيل ان الضمير موضوع للذات باعتبار قيد التكلم والخطاب والغيبة بخلاف العلم قلنا اذن مدلول العلم بسيط ومدلول الضماير مركب ام مشروط وعلى كل حال ان فرض وضعها للذات كان مع الله آلهة اخرى قديمة اذ المركب لا يكون الا باجتماع الاجزاء وفعل كل واحد منها في الآخر وصيرورة الجميع شيئا واحدا وهذا لا يكون الا اذا كانت الاجزاء متساوية الرتبة والصقع فيجب اما ان تكون قديمة او حادثة واما اذا كان بين الاجزاء ترتب في الاثرية والمؤثرية فيمتنع الاجتماع لان الاثر في رتبة ذات المؤثر ممتنع الذكر وكذا القول في الشرط اذا كان المقتضي والمستدعي له ذات الشيء اذ لو لم يكن له ذكر هناك امتنع الاقتضاء وذلك معلوم فلا يصح ان يكون الضمير للذات بكل وجه فاذن يكون الموضوع له هو الظاهر بالغيبية والخطاب والتكلم وهذه الظاهرية صفة اشراقية للذات احدثها عند الاثر والقاها في هوية الاثر ليكون دليلا عليها ولئلا يتوهم استقلال الاثر وعدم استناده الى مؤثره وهذه الصفة اعلى مراتب ذات الاثر فعلى هذا ظهر لك المراد من الضمير الغايب في قوله تعالى لا تأخذه سنة وان كانت الذات قد غيبت الصفات فلا يلتفت الا اليها الا انه رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعد طوره وقال تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وقال امير المؤمنين (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فافهم ان كنت تفهم وايضا نقول ان الله سبحانه ذكر في مواضع من كتابه الكريم اشياء ونسبها الى نفسه المقدسة وهي لغيره تعالى اثباتا لعظم شأن ذلك الغير وعلو مكانه فمنها قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم قال مولينا الصادق (ع) ما معناه ان الله لا يأسف كاسفنا ولكنه خلق لنفسه اولياء جعل اسفهم اسفه ورضاهم رضاه وغضبهم غضبه ومحبتهم محبته وعداوتهم عداوته كما قال عز وجل من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال تعالى الذين يبايعونك انما يبايعون الله وامثالها من الآيات فلما اسفوا اولئك الاولياء الابرار فجعل الله اسفهم اسفه وقال فلما آسفونا انتقمنا منهم ومنها قوله تعالى ونفخت فيه من روحي اذ لا شك ان هذه الروح ليس ذات الله تعالى وانما هو عبد مخلوق شرفه وكرمه ونسبه الى نفسه وكذلك قوله تعالى ( الكعبة خ ) بيتي وغير ذلك في الروايات في خطاب عليّ عليه السلام السلام على نفس الله وفي حديث الاعرابي عنه (ع) في النفس الملكوتية انها هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى وفي زيارة الحسين يا ثار الله وابن ثاره وغير ذلك كل هذه ذوات مخلوقة حادثة خلقها الله تعالى ونسبها الى نفسه تشريفا وتكريما ومنها قوله تعالى الله نور السموات والارض مع ان الاخبار والروايات دلت على ان العرش والكرسي خلقهما الله من شعاع نور النبي (ص) والملائكة خلقها الله من شعاع نور امير المؤمنين (ع) والسموات السبع والارضين السبع خلقها الله من نور فاطمة والشمس والقمر خلقهما الله من نور الحسن (ع) والجنة والحورالعين خلقهما الله من فاضل نور الحسين (ع) فاذا كان كذلك فالمنير هو نور الشعاع ومنوره لكن الله عز وجل انما نسب الى نفسه تشريفا وتعظيما لبيان ان نورهم نوره واثرهم اثره اذ ليس فيهم جهة مخالفة في المشية حتّى يتغاير الفعلان بل مشيتهم تابعة لمشية الله تبارك وتعالى ومشية الله موافقة لارادتهم ومشيتهم كما قال تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله وقولهم (ع) اذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريد ونحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته وفوض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم ومنها قوله تعالى ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ولا شك ان الله سبحانه ليس له علم مستحدث لم يكن قبل حدوث ذلك الشيء وانما هو سبحانه عالم بالاشياء قبل حدوثها كعلمه بها بعد حدوثها على حد واحد وهذا الاستقلال والانتظار المفهوم من الآية الشريفة فالله عز وجل منزه عنه فيكون المراد علم اوليائه فان علمهم هو الذي يتجدد ويتغير فنسب علمهم الى نفسه تعظيما وتشريفا وتكريما لهم وامثالها من الآيات والروايات كثيرة لا تحصى ومنها هذه الآية الشريفة وهي قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم فان نفي السنة والنوم ليس فخرا كليا يناسب مقام الربوبية والقيومية بل الملائكة ايضا لا تأخذه ( لا تأخذهم خ ) سنة ولا نوم ولا يفترون ولا يغفلون كما اشار اليهم عليّ بن الحسين (ع) في الصحيفة مع ان الله سبحانه اذا وصف يجب ان يوصف بما هو متفرد به في عز جلاله وعظمة قيومية بهائه لا انه تعالى يوصف بما يوجد في اضعف مخلوق من مخلوقاته فيجب ان لا يعني ذاته المقدسة وانما يعني به خواص اوليائه في عالم غير عالم البشرية فهم الذين لا تأخذهم السنة والنوم من انحاء الغفلات وعوارض الانيات والحدود والجهات فلا يزالون متوجهين الى جلال قدسه وجمال بهائه وواقفين بباب كرمه ولا يلتفتون الى غيره ولا يتحولون عن بابه فاين السنة واين النوم قال تعالى في الحديث القدسي يخاطب موسى بن عمران (ع) يا موسى كذب من زعم انه يحبني واذا جنه الليل نام عني (خ) اترى المحب ينام عن محبوبه والحبيب المطلق الذي ينصرف الاطلاق اليه هو محمد بن عبد الله (ص) كما ان الكليم هو موسى والخليل هو ابرهيم على نبينا وآله وعليهم السلام فاذا كان كذلك فوجب ان لا تأخذه سنة ولا نوم لانهما ليسا من شأن الحبيب وانما هما شأن الغافل وقد ثبت انه حبيب (ص) ( انه (ص) حبيب خ‌ل ) الله واما الملائكة فلما كانوا مستمدين منه وحاكين عنه وحاملين جهة من جهة ( جهات خ ) ظهوراته في مقام الولاية المطلقة فحكوا مقامهم هذا فكان لا تأخذهم سنة ولا نوم الا ترى الفعل المضارع فانه لا يعمل فيه الا الحرف ولا يعمل فيه الاسم الا لتضمنه معنى الحرف مثل الاسماء الشرطية وامثالها وقد دلت الروايات كما ذكرنا سابقا سيما رواية العباس بن عبدالمطلب ان الملائكة خلقوا من شعاع امير المؤمنين (ع) فاذا كان كذلك فيكون الشعاع حاكيا عن المنير وواصفا له من حيث هو شعاع ولم تخرج الملائكة من هذه الحيثية لضعف اختيارهم وعدم مقتضى تغير كينوناتهم من الاعمال والافعال والحركات والسكنات فبقوا على حكم التكوين كما كانوا اول مرة الا شاذا منهم جرى فيهم حكم التغيير لحكم ومصالح مثل فطرس وحملة العرش وغيرهم فصار ما يحكون ( فصاروا يحكون خ ) مباديهم واوائل جواهر عللهم فنفى السنة والنوم انما هو عن الاولياء ويكون كمال الفخر لهم حيث لا يغفلون عن الله وظاهرون لكمال العبودية تحقيقا لقوله (ص) الفقر فخري وبه افتخر فلما نظروا اليه تعالى بكمال الخضوع والخشوع والانكسار نظر الله تعالى اليهم بكمال العناية والاحسان حتّى شرفهم ونسبهم الى نفسه الشريفة فجعل فعلهم فعله وقولهم قوله وامرهم امره ونهيهم نهيه فنفى عن نفسهم ما كان منتفيا عن انفسهم هذا والله الكرامة العظمى والعطية الكبرى التي ليس فوقها عطاء ولا وراءها كرامة ولذا قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فالعبد المؤمن هو الذي وسع قلبه جميع احكام الربوبية ومراتب الاسماء والصفات الفعلية الالهية والقدرة التي استطال بها على كل شيء ليس الا محمد صلى الله عليه وآله ثم من بعده اهل البيت الطاهرون عليهم السلام حيث استخلصهم الله في القدم على سائر الامم اقامه في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار فافهم ونقول ايضا لما كان الحي القيوم اسمين ما يمكن ظهورهما في اطوار التكوين والتشريع الا بباب واسباب ووسايط جريا لمقتضى عادته سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها فتحققت الواسطة والباب وذكرت بمجرد ذكر الاسمين الاعلين ولما وجب ان تكون حجته تعالى بالغة وجب ان يكون ذلك السفير في غاية الرتبة الامكانية في الكمال وسلب الرذايل والنقايص واخذ سبحانه ان يبين مقام ذلك السفير المذكور المعلوم ضمنا فقال لا تأخذه سنة ولا نوم وهذا النوع في القرآن كثير كما في قوله تعالى وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة والضمير في قوله تعالى عرضهم لا يرجع الى الاسماء لانها ليست جمع مذكر عاقل وينافي قوله تعالى فيما بعد فقال انبؤني باسماء هؤلاء ولا ريب ان الاسماء ما عرضت على الملائكة وانما عرضت المسميات ولكن لما كانت المسميات مذكورة في ضمن ذكر الاسماء لزوما واستلزاما فاحتيج الى اعادة ذكرها وجاز ارجاع الضمير اليها ولا يلزم من ذلك ارجاع الضمير قبل الذكر وذلك واضح ان شاء الله وكذلك في الآية فان الضمير المنصوب في لا تأخذه راجع الى السفير المذكور في ضمن ذكر الحي القيوم فالنوم عبارة عن المعاصي والغفلات وارتكاب المحرمات والسنة عبارة عن ترك الاولى فبين سبحانه ان ذلك السفير الكلي العام لحمل جميع آثار هذين الاسمين في مقام التشريع والتكوين الى جميع المكونات كما يشهد عليه عموم بعثته (ص) على كل مخلوق من العالمين لقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وفي خطبة امير المؤمنين (ع) في يوم الغدير والجمعة في وصف الحجج والائمة (ع) الى ان قال (ع) وجعلها الحجج على كل معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية واستنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعا له بانه فاطر الارضين والسموات الخطبة فبين ان ذلك السفير الكلي منزه عن جميع المعاصي الصغيرة والكبيرة وترك كل راجح من المستحبات والمندوبات وفعل المكروهات فضلا عن المحرمات وكذا فعل المباحات فلا يصدر منهم ما يخالف رضاه سبحانه بوجه من الوجوه لان الله سبحانه صفاه وطهره من كل رجس ومخالفة ومناكرة ثم امر الخلق بالاخذ عنه على جميع الوجوه بقوله تعالى ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ثم نزهه عن التقول عليه والقول بخلاف رضاه ومحبته بقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاذن هو (ص) منزه عن جميع المعاصي في كل حالاته في صغره وكبره قبل البعثة او بعدها ولو ترك ( بترك خ ) الاولى وهكذا نوابه وحملة وصايته وحفظة ودايعه لانهم من شجرة واحدة فلا يختلفون بخلاف ساير الانبياء فانهم قد يتركون الاولى وبعض المستحبات كما وقعت الاشارة اليها في القرآن وفسرتها الاخبار ولا يناسب المقام لذكرها وتفصيلها واما الاربعة عشر المعصومون سلام الله عليهم اجمعين فلا يتركون الاولى ابدا كفي بذلك شهيدا ( شاهدا خ ) ودليلا تسمية نبينا حبيبا (ص) دون العالمين كلهم وان كانوا احباء والحبيب من حيث هو كذلك لا يعقل مخالفته لرضاء المحبوب بكل وجه وكل طور لان المحبة سر من عالم الغيب ينزل على حبة القلب فيمنع المحب ان يذكر ويتوجه ويلتفت الى غير محبوبه ابدا ثم ينزل من القلب بعد ان يملأه ويفضل منه فينزل الفاضل في الصدر فيمنع الصدر عن تصور غير المحبوب ومشاهدة جماله وجلاله وبهائه ونوره وسنائه ثم ينزل الفاضل في الجسم في اطوار الجوارح والآلات والحواس فيمنعها عن الاشتغال في غير خدمة المحبوب وجهته فيمتلي من ذكر المحبوب مضمحلا نفسه عند المحبوب فاين يجد الغير حتّى يشغله واين الاستقلال لغير المحبوب حتّى يعارض ذكره والقيام بخدمته ولا يكون ذلك ابدا ولذا مدعي الحب يمتحن بطول القيام بخدمة المحبوب بلا كسل ولا عذر ولا غفلة كما قال الصادق (ع) في الشعر المنسوب اليه :

تعصي الاله وانت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديع

ان كنت صادقا في حبه لاطعته (كذا) ان المحب لمن احب مطيع

ولو كان احد يبلغ في مقام المحبة مقامه (ص) لكان هو الاولى بان يلقب بهذا الاسم ويوسم بذلك الوسم ويعلم بذلك الرسم فاذن علمنا انه مافاق ( ماذاق خ ) مقام الحب والمحبة على الوجه الاكمل سواه (ص) فاين يتصور حينئذ المعصية او ترك الاولى او النوم عن صلوة فرضها الله سبحانه او السهو في صلوة (خ) اوجبها الله سبحانه فلا يتصور ذلك ابدا وما جوزه بعض منا فذلك لقصور في العلم بمقامه (ص) كيف يجوز النسيان في حق من سماه الله سبحانه ذكرا فحقيقته ذكر وهي لا يتخلف ابدا فاين المنسيات ( النسيان خ ) الا انه (ص) عبد مأمور مطيع لا يخالف الله سبحانه فيما يأمره وينهاه فاذا وجدت في الاخبار شيئا مما يورث السهو والنسيان او نوم ( نوما خ ) عن الصلوة او غير ذلك كله من باب امتثال امر الحكيم الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم واجريت الكلمات على ذلك المجري لقوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته فاذن لا تحجبنك الظواهر عن كشف اسرار تلك البواطن ولا تظن بالله ظن السوء ولا تقل انه (ص) سهي ونسي فانه نقض في الحجة البالغة وعدول عن الحجة الواضحة ولا تقل ان الله انساه واسهاه فانه ليس من فعل الله وفي كل موضع في القرآن نسب سبحانه الانساء (خ) بالنسبة الى العاقل الكامل الى الشيطان كما في قوله تعالى فانساه الشيطان ذكر ربه في قصة يوسف وقوله تعالى وما انسانيه الا الشيطان في قصة يوشع بن نون وموسى (ع) والحوت وغيرها من الآيات فالله عز وجل لا يلهي عن ذكره ولا ينسي اوليائه امره فانه ارأف والطف لكنه تعالى يأمر وينهي فلو كان لا بد لنا من قبول تلك الاخبار وعدم حملها على التقية جريا لمذاهب الاشرار وايقاع الاختلاف بين الشيعة الاخيار فاقرب المحامل واعليها ما ذكرناه من الامر والنهي كما انه تعالى امره بالصلوة فصلي امتثالا لامره وطلبا لرضاه كذلك امره بالتأخير لحكمة ومصلحة وهو (ص) في الحالتين مطيع منقاد لامره تعالى غير غافل ولا ذاهل فالله سبحانه سماه ذكرا وسمى اهل بيته (س) اهل الذكر فاين النسيان فاذن لا تأخذه ولا اياهم سنة ولا نوم على المعاني كلها صلى الله عليهم اجمعين فالضمير المنصوب في لا تأخذه راجع الى المذكور حكما واستلزاما كما ذكر غير مرة فافهم

ونقول ايضا ان الهاء لا نجعله للضمير بل هو اسم من اسماء الظاهر وبيان ذلك انا قد قلنا سابقا ان الحي القيوم بالحروف الملفوظة اذا ضربت في قوي الاسم الاعظم هو يستخرج الاسم الاكبر العلي وكما ان هذا الاسم الاكبر يستخرج من الجميع يستخرج من هو ايضا الذي هو اعظم الاسماء جميعا لان تلك القوي اذا ضربتها في نفسها كانت مائة وعشرة وهي قوى اسم العلي ولما كان هو متولد ( متولدا خ ) من الهاء بالاشباع يجعل في اكثر المواضع ذكر الهاء وحدها من غير ذكر الواو ولذا قال عز وجل وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم واتى بالهاء بلا اشباع لبيان ان الاصل هو الهاء ( ان اصل هو هو الهاء خ ) وهي حرف من حروف ليلة القدر وحرف من اعظم حروف التوحيد في الشرح والبيان وذكر المقامات الخمسة وعليها مدار التوحيدات الواقعة في الموجودات كلها كما شرحنا في ساير رسائلنا مفصلا مشروحا فالهاء هو الاصل وهي اذا اشبعت تتولد منها الواو فتكون الهاء مضمومة والواو مفتوحة جريا على حكم الاصل فاذا ضرب المجموع اي الاصل والفرع في نفسه في مقام التفصيل فاول اسم ينتج منه في عالم التفصيل هو الاسم العلي لبيان علو ارتفاع عظمته وجبروته عن وصف كل واصف ونعت كل ناعت كما في دعاء الصحيفة واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الاوهام فهو سبحانه على عال لا تناله الاوصاف والصفات ولا تحده الادوات فلا يلحقه شيء فليس ثمة شيء ولذا قال مولينا الصادق (ع) لما قال الرجل الله اكبر قال (ع) الله اكبر من اي شيء قال من كل شيء قال (ع) وهل ثمة شيء فيكون الله اكبر منه قال فما اقول قال (ع) قل الله اكبر من ان يوصف ه‍ وهذا كله آثار اسمه العلي فالهاء مبدأ اشتقاق هذا الاسم المبارك الاعظم الاكبر فقد يطلق المبدأ ويراد به المشتق كما في قولك زيد عدل وقوله تعالى في ابن نوح انه عمل غير صالح على احد التفسيرين في القرائة المشهورة

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الله عز وجل لما ذكر الحي القيوم بعد هو وظهر منهما الاسم العلي وبطن ذلك الاسم في الصعود والعروج الى وجه المبدأ في الاسم الاعظم هو وغاية الواو عند استيلاء هيمنة ظهور الهاء لم يبق الا الهاء المضمومة التي انضمت بعالم التقديس والتجريد والتوحيد وظهور الحي المجيد او المرفوعة التي ارتفعت عن الحواس اراد عز وجل ان ينطق بما اضمره في الحي القيوم وينزه ذلك الاسم الاعظم عن جميع الحدود والرسوم فاذا انتفت تلك الحدود والرسوم واتصلت في الوجدان والنظر بالحي القيوم وحصلت كمال الاطاعة التي هي الخروج عن الانية كما قال عز وجل لذلك النبي لما سأله كيف الوصول اليك الق نفسك وتعال الى وقال عز وجل القها يا موسى وهذه هي الطاعة الكاملة المزيلة للاغيار والرافعة لكل الاغيار المذهبة بالاكدار وكلما دونها ( دونها دونها خ ) ولذا كانوا عليهم السلام يعدون الاعمال حجبا (خ) وسيئات كما قال في الدعاء وانك لا تحتجب عن خلقك وانما تحجبهم الاعمال دونك والطاعة هي رفع الحجاب وهدم الباب ومشاهدة المحبوب بلا حجاب وبالجملة فاذا حصلت الطاعة الكاملة بنفي الرسوم وكشف الغيوم وتواتر العلوم لا يبقى الا وجهه اذ كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون وذلك هو الهاء في مبدأ الاسم الاعظم وهو الضمير الغايب عن الادراك المرتفع عن المشاعر والحواس فيظهر فيه الكمالات مطلقا والصفات باسرها فيكون مبدأ كل كمال وجمال وعزة وجلال فلذلك قال عز من قائل لا تأخذه سنة ولا نوم اي لا تأخذه الهاء التي هي مبدأ اسم هو الذي هو مبدأ الاسم العلي فاشار سبحانه الى الاصل والفرع والمتولد منهما بقول واحد موجز مختصر فتلك البلاغة الكاملة والفصاحة المطلقة التي تعجز عنها القوة الخلقية سيما البشرية فنفى السنة والنوم عنه اللتين هما اصل كل الكثرات التي هي اصل كل القبايح ولما لم تكن الواسطة بين الكمال والنقصان الا عند اهل النقصان فيستلزم اجتماع كل الكمالات على الوجه الاكمل ولما كان الاكمل في الكمال هو الوحدة لانها الاصل والكثرات فروع واتباع لا تذكر معها ولا كمال فيها معها اذ ذكرتا فوجب ان يكون اجتماع تلك الصفات الكمالية كلها على وجه الوحدة وعدم المغايرة لا في المفهوم ولا في المصداق ولا في الفرض ولا في الاعتبار ولا الحقيقة ولا المجاز فنفى احد الرتبتين يستلزم الرتبة الاخرى بكمالها اما وحدة مطلقة او كثرة مطلقة فاذا انتفت الثانية بقيت الاولى بكمالها وهو المطلوب من الكمال المطلق فالهاء ذات اضافية في الرتبة العليا وهو مسمى للهوية المطلقة الكبرى والعلي اسم للالهية العظمى ثم ان على في الرسم جعله الله بحيث يظهر منه بصرافته اربعة اسماء من الافعال والحروف والاسماء والعامل المطلق الذي لا يقع عليه عمل ولا يعمل شيء فيه وهو العامل في كل شيء في كل مقام في كل مرتبة بالاضافة الى نفسه ونوعه وصنفه وجنسه والعامل المطلق الذي لا يعمل فيه وهو العامل في غيره لكنها في الاضافة الى نفسه لا في نفسه بنفسه بل لكونه حاملا بظهور العامل الاول والعامل الذي يقع عاملا ومعمولا في مرتبتين والمعمول الذي لا يقع عاملا

اما الاول فكما اذا قلت على فعل ماض من علا يعلو وهو الفعل الاول الذي ليس وراءه شيء اذا كان الشيء من مشيته فهو العامل في كل شيء مستقلا بنفسه لنفسه في نفسه من غير حاملية ولا حكاية كما برهن في محله والهاء اشارة الى هذا الا ترى ان الهاء قد تولدت من الكاف وحصلت منها في قوله تعالى كهيعص فالكاف من كلمة كن وهي الاشارة الى المشية المطلقة التي هي الظهور العام واول ما ظهر منها الهاء التي هي سر التوحيد ومبدأ التجريد والتفريد والهاء انزل من الكاف باربعة مراتب للاشارة الى ان الاثر يحصل بعد سير المؤثر في الادوار الاربعة والهاء تنزلت بالتكرار كانت الياء والهاء ظهرت في الياء تولدت النون وتمت كلمة كن وهي لما استنطقت ظهرت العين والكاف اذا اضفتها على ( الى خ ) العين لبيان غلبة حكم الاجمال مع بقاء الذكر التفصيلي المعنوي تكونت الصاد وهي البحر تحت العرش ومنه الحقيقة المحمدية (ص) في الرتبة السفلى من العلياء ومنه توضأ (ص) ليلة المعراج لما قال تعالى يا محمد ادن من الصاد وتوضأ لصلوة الظهر لان وضوء كل احد من ماء طاهر يملكه ولا احد يملك شيئا الا نفسه خصوصا عند التوجه الى ربه وذلك بحر الوجود وعلة الغيبة والشهود وهو واحد مجمل بسيط وفيه ذكر الكثرات الا ان جهة الوحدة غالبة وحكم الكثرة زايلة ولذا قلنا وجب زيادة الكاف على المجموع لبيان ان فيه سر النون لكن الغالب فيه حكم الكاف فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم

واما الثاني فكما قلت على حرف من الحروف الجارة يجر كل مدخوله ويكسره ويخفضه فهو العالي على كل شيء قد انكسر وانخفض وانجر لديه كل شيء الا احمد والاسماء الغير المنصرفة التي شابهت الفعل حقيقة لا تقديرا كعمر وزفر فان العدل التقديري لولاه لانصرف ولكنهم قدروا عدلا وفرضوا له حكما واستقلالا فكان ذلك امرا باطلا وفعلا مجتثا كما قال كانت بيعة ابي‌بكر فلتة وقي الله المسلمين شرها الا فمن عاد الى مثلها فاقتلوه بالسيف وامره وامر هذا المعدول التقديري انما استقر من تلك الفلتة فانظر الآن الى الاصل والفرع وانما قلت ان عمله بالاضافة الى نفسه لا لنفسه بنفسه يعني ان الحرف من حيث هي لا تعمل ولا تقدر على ذلك ولا تعمل الا اذا تضمنت معنى الفعل وحملت وجها من وجوهه فكان عملها بغيرها ولغيرها ولا يتعدى عن نفسها اذ لا كل حرف يجر المدخول ولا كل حرف تعمل ولكنها ايضا عاملة غير معمولة ابدا

واما الثالث فكما قلت عليّ على صيغة فعيل للمبالغة فهو حينئذ عامل لتضمنه معنى الفعل ومعمول لكونه اسما من الاسماء وفي هذا المقام له وجهان وجه الى التوحيد والمبدأ ووجه الى المتعلقات والكثرات فيقع عاملا ومعمولا

واما الرابع فهو حامل الاسم ومفتاح ذلك الطلسم ومحل الرسم وحامل اللواء ومقام الاداء فليس فيه الا مقام المقبول والانقياد وانفاذ ما حمل (خ) ورعاية ما استودع فالاول مقام الهاء والثاني هو والثالث مقام الله والرابع مقام العلي الذي هو الاسم فذلك الاسم الموصوف والرسم المعروف لا تأخذه سنة ولا نوم على التفاسير المذكورة المتقدمة فافهم

ونقول ايضا ان فعل الله سبحانه يجب ان يكون في غاية الوحدة والبساطة والشرف والكمال والعزة والجلال والجمال فاول ما تعلق به المبدأ وجب ان يكون مغمورا في لجة الكمال والوحدة والبساطة والشرف حتّى لا يلزم الطفرة التي هي بديهية البطلان ولئلا يكون ظهور فعله تعالى ناقصا مع تمكنه من الكمال الاتم ولما كان ذلك المخلوق اولا في الغاية من الكمال والجمال والنور والبهاء وجب ان يكون له نورا ( نور خ ) ليكون لجمال الله جمال ولكماله كمال ليكون ادل على القدرة البالغة ولما كان ذلك النور المنبعث من النور الاول في غاية الشرف والكمال وجب ان يكون له ايضا نور فكان نوره مبدأ خلق في العالم وهكذا الى آخر المراتب والنهايات فالرتبة الاولى التي هي متمحضة في الوحدة والنورانية والكمال لكمال القرب الى المبدأ الحقيقي فوجب ان لا يكون هناك للظلمة اثر ولا منها اسم ولا خبر الا نقطة واحدة لحفظ رتبة الامكان وتلك النقطة ايضا استنارت واستدارت واستقامت فلا يكون لمخالفة الله التي اصلها وجود الظلمة الى ذلك المقام سبيل فهي الطينة الطيبة المكنونة المخزونة التي لم يجعل منها نصيب لاحد من المخلوقين كما عرفت لان ما سواها من اشعة انوارها ومن عكوسات آثارها والرتبة الثانية كذلك ايضا لقربها الا انها لما بعدت عن المبدأ الحقيقي الذي هو فعل الله سبحانه بمرتبتين ولا شك ان النور يقل هناك وتكثر الظلمة حسب مقامها فكانت لها تأثير في الجملة وان كانت ضعيفة وبتلك الظلمة تحصل الغفلة الجزئية فتحقق ( فتتحقق خ ) السنة والرتبة الثالثة كذلك ايضا لكن من جهة بعدها عن المبدأ بمرتبتين تراكمت الظلمة وتحققت الغفلة وصارت مبدأ للنوم الذي هو اخو الموت والموت ايضا في بعض الاحوال وقس على ما ذكرنا المراتب المتأخرة فالرتبة الاولى هي الحقيقة المقدسة المحمدية التي تتشعب الى اربعة عشر وهم الذين لا تأخذهم سنة ولا نوم من احوال هاتين الرتبتين والثانية رتبة الانبياء وهم الذين قد تشعبوا الى مائة الف واربعة وعشرين الف وهذه الكثرة دليل تمكن الظلمة والا لم تتكثر كما لم تتكثر الاربعة عشر وهؤلاء هم الذين تغلبهم السنة بلا نوم ولذا قد يتركون الاولى ويفعلون المكروهات ويعاتبون ويعاقبون عليها والرتبة الثالثة رتبة الرعية وهؤلاء هم الذين تعتريهم السنة والنوم بل الموت لان الظلمة قد تمكنت فيهم ولذا بقي هذه الرتبة لا حصر لها ولا عد لها ولا مقدار فصارت الرتبة الاولى لا تأخذهم سنة ولا نوم وهو قول مولينا الصادق (ع) ان الله خلقنا من طينة مكنونة مخزونة ولم يجعل في مثل الذي خلقنا نصيبا لاحد وخلق شيعتنا من طينة مكنونة مخزونة تحت تلك الطينة الحديث وفي الزيارة الجامعة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع فاذا سبقوا في الوجود ( وخ ) سبقوا الظلمات فلا تعتريهم الغفلات واذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثم ان السنة والنوم من مقدمات الموت والله سبحانه خلقهم من اصل الحيوة ومادتها وحقيقتها فلا يتصور فيها لا الاصل الذي هو الموت ولا الفرع الذي هو السنة والنوم والدليل على ان ذاتهم وحقيقتهم (ع) خلقوا من اصل الحيوة ومادتها قوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ولا شك ان هذه الآية ما تتم الا فيهم سلام الله عليهم اذ ليس النسب والصهر لمحمد (ص) في كل الوجود بحيث يجتمع فيه الخصلتان سوى مولينا امير المؤمنين على (خ) واهل بيته وذريته مخلوقة منه وزوجته مخلوقة من طينته وهو نسب رسول الله (ص) فكان خلقة الجميع سلام الله عليهم من الماء والماء هو الذي به حيوة كل شيء كما قال عز وجل وجعلنا من الماء كل شيء حي وكل موجود حي لا يقوم الا بذلك الماء وهو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارضين بمدد غير متناهية ولا شك ان مدخول من في مقام الخلق والايجاد مادة كما في قولك صنعت السرير من الخشب وصنعت ( صغت خ ) الخاتم من فضة وغيرهما فيكون الماء الذي هو مادة الحيوة واصلها وينبوعها وفرعها فيهم سلام الله عليهم فاذا كانت ذواتهم وحقايقهم هي اصل الحيوة المعتدلة الغير المشوبة بشيء من افراد العناصر والمتولدات فلا تعتريهم عوارض الموت ومقدماته لان الله قد صفاهم وطهرهم ولا شك ان السنة والنوم نوع من الموت فيذهب به الشعور والادراك والالتفات وهذا لا يسوغ طريانه في من كان مادته عين الحيوة وحقيقته (خ) نفي الصفات

ونقول ايضا اعلم ان مناط التأويل على بعض التفاسير كما مر ذكره في المقدمة هو تأويل الآية في الانسان الصغير والانسان الوسيط وهو الذي يسمونه العبد الكريم وعبد الواسع ونحن نسميه عبد الله ولما كان الاسم الذي هو بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محتجب عن حس كل متوهم مستتر غير مستور في الحقيقة الانسانية هي ذاته وحقيقته المجردة عن كل ما سواها من كل ما ينسب اليها من الاحكام المتضادة والمتوافقة من كل ما فيه نسب واضافة واقتران وغيرها فيكون ذلك هو الوجه الباقي من كل شيء على احد التفاسير لقوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه بارجاع الضمير الى الشيء فانه حينئذ هو جهة استمداده من المبدأ عند الحركة على القطب بلا محور وبلا كيف وذلك محض فيضه تعالى وفضله الذي لا يزول ولا يبيد ولا ينفد ولا يبطل ولا يفنى اذ لا داعي (خ) هناك من جهة الانية المدبرة بل ذلك اسمه تعالى ورسمه وحقيقة صفته فلا تبطل اسماءه تعالى وصفاته بابطال الاشياء لانها ما ( مما خ ) عند الله وهو قوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق وتلك الحقيقة المعبر عنها في حديث كميل بكشف سبحات الجلال من غير اشارة هي المسماة بالفؤاد وبالنور فلا تعتريه ولا تأخذه احوال الكثرات المعنوية الجوهرية كالعقول والارواح المشار اليها بالسنة ولا تأخذه ايضا احوال الكثرات الشخصية النفسية والشبحية والجسمية المعبر عنها بالنوم ولا السنة والنوم الظاهريين ايضا لانهما يحصلان من الاكل الغليظ المبخر ولا اكل هناك الا التجرع من كاسات المحبة وشراب المصافاة والمؤانسة فاين اذن السنة واين النوم وانما هو نور موجود وظل ممدود وشاهد ومشهود وموجود ومفقود وذلك مرجع الضمير على هذا التقدير اذ لا يقع على الذات البحت سبحانه وتعالى ضمير بارز ولا مستتر وانما المرجع الظهورات واعظمها في الحقيقة الانسانية ذاتها المعبر عنها بانا المنتهى اليها جميع التعلقات والاضافات والقصود ( المقصود خ ) والمراد من الاطلاقات في الاسماء والصفات ليس الا الذات البحت البات ولذا اتى بالضمير المتصل البارز وذلك ايضا مفعول به وهو وان كان مبنيا على الضم في ظاهر اللفظ ولكنه منصوب المحل الا ان الغالب عليه حكم الضم فانضم بذلك الصقع فبقي لا فرق بينه وبينه الا انه عبده وخلقه فتقه ورتقه بيده بدأه منه وعوده اليه ولذا قال (ع) لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن فافهم ضرب المثل فكم من خبايا في زوايا

ونقول ايضا ان الاسم الاعظم في الجمادات والمعادن وساير الفلزات وهو المولود الكريم المسمى عندهم بعبد الواسع وعبد الكريم وهو الشجاع الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف وقد سماه امير المؤمنين (ع) اهل ( اصل خ ) الولاية التي هي اخت النبوة وعصمة المروة في الحديث المروي عنه (ع) لما سألوه عن ذلك فقال سألتموني عن اخت النبوة وعصمة المروة والناس يعلمون ظاهرها وانا اعلم ظاهرها وباطنها الحديث واخت النبوة هي الولاية وهي الاسم الاعظم والنور الاقدم ولذا يؤثر في السفليات ويطهر ما فيها من درن الاوساخ والكثافات ويعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه وكل شيء اذا استعمل له منه يبلغ غاية كماله بالنسبة الى تلك الرتبة وهو معنى الاسم الاعظم ومعنى الولاية الكبرى فيصح ان يكون مرجعا للضمير فلا تأخذه سنة وهي الاوساخ القليلة الجزئية التي تحصل قبل اكمال التساقي التسع اي بعد الثلثة وقبل التسعة فاذا سقي المركب بالتساقي الثلث يظهر القمر على فلكه الجوزهر ويربي معدن الفضة والقمر وان كان صافيا طاهرا ولكن فيه بعض الاوساخ التي تمنعه عن البقاء الدائم الخالد لكونه وجه الله الذي لا يفنى ويكون صابرا على النار ويدوم له مع القرار عند اشراق العالي بلا حجاب وتلك الظلمة والكثافة هي المعبر عنها بالسنة اذ ليس هناك مقام نوم بل الفعل والتأثير موجود والادراك غير مفقود ولكنه مع الفتور لكنه بعد التساقي الست بالماء ذو الوجهين صفة مولينا امير المؤمنين (ع) والشيء الذي يشبه البرقا والصبغ الاحمر والنور الافخر الذي هو صفة نبينا رسول الله (ص) بامر مستقر وتقدير مقدر والانفحة التي هي فلك الرابطة ( الرابعة خ ) والمتمم الحاوي والمحوي لتحصيل فلك الممثل الافضل الاكمل فبكل سقي يخرج مفسد ويكشف ظلمة وغطاء الى ان تمت السقيات فتجمع الشتات ويأتي الدوام والثبات فيكون وجه الله الباقي وحرز الله الواقعي ( الواقي خ‌ل ) المنزه عن السنة والنوم

واما النوم فهو عبارة عن الاوساخ والغرايب المانعة عن ظهور تلك النفس الطيبة والروح الحميدة فتمنع عن النفوذ في اقطار المراتب كلها والمقامات باسرها وتلك الاوساخ والابخرة هي التي يحتاج في دفعها وازالتها الى انحاء التعفينات والتقطيرات بتزويجها النساء الاربع وغسلها في حمام مارية واحرامها في بئر الشمس وطوفها بالبيت الحرام اسبوعا وسعيها بين الصفا والمروة وبكل سعي يخرج نور ويذهب ظلمة الى تمام السبعة فتجتمع الانوار السبعة التي هي الدراري والخنس الجوار الكنس وتمام ظهور تلك الانوار يحتاج الى التقصير وازالة الشعر وتقصيره اي السواد وذلك اذهاب كثافة دم الحيض لتخرج منها البنت العذراء وتنقلب حليبا صافيا يكون غذاء للمولود العزيز وقرة عين اهل التميز فاذا تمت الاعمال وكمل الحج بكمال الاقبال والتوجه الى حضرة ذي الجلال واشتد شوقه وحبه فارتفعت سنته ونومه وظهر ( فطهر خ ) عن الاكدار وازال الاغيار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار فافهم ان كنت من اهل الاستبصار

ثم ان الله سبحانه نسب الى نفسه الشريفة ما كان ثابتا لهذا النور الاعظم والنير الاقدم تشريفا له وتكريما وتعظيما وتبجيلا انظر الى قوله تعالى الله يتوفي الانفس حين موتها الآية وقال ايضا الذين تتوفاهم الملائكة طيبين وقال ايضا قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم فنسب الى نفسه الاقدس اولا من غير ذكر احد ثم نسب الى الملائكة على جهة العموم ثم نسب الى الملك الواحد وهو عزرائيل (ع) هل ترى في كلامه سبحانه اختلاف وتضاد ابدا وهو سبحانه نفي الاختلاف من القرآن وقال عز من قائل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فيكون المراد في الجميع معنى واحد لا اختلاف فيه وليس الا ان ملك الموت يد الله والملائكة يد الملك الاعظم واصل الفعل ينسب الى الاصل حقيقة والى اليد مجازا وتبيينا يقال زيد هو الكاتب ولا يقال ان يده هو الكاتب والله سبحانه ذكر هذا المعنى في قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم الى ان قال فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون وكذلك قد يكون الصفة لغيره وينسبها الى نفسه الاقدس لان الغير الموصوف ايضا صفته وصفة الصفة صفة ولذا قال عز وجل ونفخت فيه من روحي وفي الكافي عنه عليه السلام في مخاطبة الله لآدم يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وكذلك القول في قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم وعلى هذا التفسير الذي فسرناه واخذناه من تلويح كلام امير المؤمنين (ع) اخت النبوة وعصمة المروة فعلمنا ان اخت النبوة هي الولاية فعرفنا وجه المأخذ ودليله وبرهانه ولو اردنا شرح الجميع لطال بنا الكلام ويخرجنا عما نحن بصدده من اختصار المقام وعدم التطويل التام وعدم الايجاز المخل للافهام ويكون ايضا ذلك هو الوجه وهو المرجع للضمير المدلول عليه بالقران اللفظي وان كان المقصود ليس الا الذات الاقدس سبحانه وتعالى فافهم ولا يرى نور غير نوره ولا يسمع صوت غير صوته لا يجده شيء وهو اظهر من كل شيء واخفي من كل شيء وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره وهو سبحانه المقصود بكل بيان والمدعو بكل لسان والموجود في كل مكان والمطلوب بكل جنان فلا يطلب غيره ولا يتوجه الى سواه ولا يراد غيره وهو قوله :

انا المطلوب فاطلبني تجدني وان تطلب سوائي لم تجدني

واليه يرجع الامر كله الا الى الله المصير انا لله وانا اليه راجعون ومع ذلك كله فلا تصل العبارات اليه ولا تقع الاشارات عليه ولا تذكر النسب والاضافات لديه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فاذا اتقنت هذه الاشارات والعبارات المكررة المرددة يفتح الله لك بابا من العلم يفتح من كل باب الف باب ومن كل باب الف باب والى الله المرجع في المبدأ والمآب

(5)قال الله تعالى : له ما في السموات وما في الارض

لما اشار سبحانه الى معرفته بجميع الانحاء التي يمكن لخلقه ان يعرفوه بها في كل المقامات لجميع العوالم واهلها فاشار لاولي الافئدة بقوله تعالى الله فالالف اشارة الى آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا كما عن الصادق (ع) رواه الصدوق في التوحيد وهذا البيان في هذه الصيغة متكفل لبيان المراتب كلها كما هو المعروف عند اولي الافئدة ويطول الكلام بذكرها وبيانها ثم اشار لاولي الالباب بمراتبهم من اصحاب العقل المرتفع والمستوي والمنخفض بقوله تعالى لا اله الا هو وهو اصل الاسم الله كما عرفت السلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات السلام على اقبال الدنيا وسعودها ومن سئل عن كلمة التوحيد فقال انا والله من شروطها كما في زيارة الرضا (ع) زار بها ابنه الجواد (ع) وقوله (س) فبهم ملأت سماءك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت كما في دعاء شهر رجب عن الحجة (ع) وفي هذه الكلمات اشارات لاهل البشارات وهي جامعة لمراتب التوحيد والاسماء والصفات وانحاء التجليات لكل ذرة من الذرات كما مرت الاشارة الى بعض مراتبها ومقاماتها ثم اشار تعالى لاولي العلم اي العلماء الذين يخشون الله من قوله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء بقوله تعالى الحي القيوم الى آخر الآية لكن اولي العلم على قسمين قسم مسكنهم وموقفهم اغصان سدرة المنتهى في جنة المأوى عند شجرة طوبى جنة حظيرة القدس ومأوى المحبة والانس وقسم آخر سكنوا السموات ومالوا الى السفليات ووقفوا جنة هورقليا ونظروا الى جابلقا وجابلسا حتّى نزلوا الى هذه الدنيا وتلطخوا بآلامها ومحنها واسقامها فاشار سبحانه للاولين الى مقامات جميع المعارف التي تراد منهم بقوله تعالى الحي القيوم فانه كامل لجميع المقامات من التوحيد والاسماء والصفات فالحي اشارة الى محض التوحيد الخالص لله عز وجل لاهل كل طبقة ومرتبة الى ان يترقى الى خمسة آلاف ومأتين وثمانين والقيوم اشارة الى مقام الواحدية التي هي مبدأ ظهور الاسماء والصفات وساير التعلقات فانتفي الامكان بالحي لانه ميت وثبت بالثاني بكونه اسما ورسما ووصفا فافهم المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال واشار سبحانه وتعالى للآخرين بقوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم فنفى جميع الامكان والنقائص فاثبت الازل بل الكمال ( بالكمال خ ) المطلق الذي هو الوحدة المطلقة فلما نفي جميع الامكان وجميع الروابط والقرانات والاضافات كان فيه توهم ان المكونات ليست منسوبة اليه عز وجل لان النسبة تستلزم الاقتران وهو صفة الامكان ويلزم منه التعطيل والاعتزال وذلك خلاف صفة القديم جل شأنه فيلزم ان يكون للخلق صانع آخر وهو محال اراد سبحانه ان ينفي هذه الواهمة ويزيل هذا الشك ويبين ان لا مستقل سواه ولا موجود غيره وان كل شيء خاضع له وكل شيء موجود به وكل شيء مضمحل لدي فعله وقيوميته ويبطل الاعتزال والتعطيل ويظهر الحق الصريح وان البينونة بينونة صفة لا بينونة عزلة قال عز وجل له ما في السموات وما في الارض من جميع الكائنات والمكونات والمصنوعات والمشاءات وهو الغني وهم الفقراء اليه وحده لا شريك له ولا يلزم من ذلك اقتران واتصال ونسبة فان قيام الاشياء بفعله تعالى قيام صدوري وهو سبحانه وتعالى اقام الاشياء باظلتها بلا كيف ولا نسبة ولا اشارة فاوجد الفعل والارادة بلا كيف ثم ذكر فيه الكيف وساير الحدود ثم خلق الاشياء به كما ابان عن ذلك مولينا الصادق (ع) بقوله خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها واوضح هذا الامر مولينا الرضا (ع) بقوله واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له فاذا لم يكن الكيف فاين النسبة التي هي من مقولة الكيف فالاشياء قائمة به تعالى لا بسواه ولكن هذا القيام لا كيف له ولا اقتران وهو غاية قدرة الحكيم ونهاية عظمة العليم ( العظيم خ ) فليس مستقل في الوجود سواه ولا فاعل بالاصالة غيره ولكنه سبحانه كما ذكر ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد الآية وابتلي الاشياء بعضها ببعض وقارن بعضها ببعض وامسك بعضها ببعض وهو سبحانه الممسك للجميع بالجميع ان الله يمسك السموات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده فلهذا المعنى وامثاله وقع في كلام امير المؤمنين (ع) رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك فافهم فانا لسنا الآن بصدد تفاصيل تلك الاحوال وقد ذكرنا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل باكمل بيان وتفصيل ولذا ابتدأ سبحانه بذكر ما ذكر من قوله له ما في السموات وما في الارض الآية التي هي مجمع جلائل الموجودات بل جميع ذرات الكائنات في اطوار كل الامكانات والمكونات ونقول ايضا انه سبحانه وتعالى لما اشار الى معرفته سبحانه باكمل الوجوه اراد ان يبين سبحانه وتعالى اطوار قدرته واحكام سلطنته وعظائم خلقه وجلائل نعمه ولذا قال عز وجل له ما في السموات وما في الارض والكلام في هذا المقام يقع في مباحث : المبحث الاول القول في حقيقة اللام وهاء الضمير المبحث الثاني القول في ما ومعانيها وحقيقتها واحكامها ووجه كونها على هذه المعاني المخصوصة الثالث القول في في والظرفية وحقيقتها وكونها عالما مستقلا واختصاصها بالظرفية دون غيره وكذلك القول في اللام وما وغيرهما الرابع في اطلاق ( اطلاقات خ ) السموات والارض ومدلولات الفاظهما في الوضع الاولى الالهي الخامس في مبدأ السموات والارض ومنشأهما وعلة تحققهما وكينونتهما السادس في العلة المادية لخلق السموات والارض وكيفية احداثهما وايجادهما وتركيبهما وصورتهما وغيرها (خ) من احوالهما السابع في اعداد السموات والارض ( الارضين خ ) وطبقاتهما ومقادير اجرامهما وابعادهما الثامن في ترتيب طبقاتهما ( طبقاتها خ‌ل ) واوضاع حركاتها وتعيين افلاكها وبيان اختلافاتها في تأثيراتها وقواها وذكر الافلاك الجزئية التاسع في الوان السموات والارض وقواها وطبايعها واسمائها واسماء الملائكة الموكلين بها العاشر في بيان مراتب ما في السموات والارض من الذوات والصفات والاعراض والمجردات والماديات وهذه هي العشرة الكاملة التي بها نظام الوجود وبمعرفتها تنكشف احوال الغيب والشهود وانما تصدينا لذكر هذه الاحوال وبيانها وشرحها ولو بالاجمال والاشارة الى نوع الاستدلال لان هذه المباحث قد تكلم العلماء فيها حسب ما وجدوا وعرفوه بعقولهم وانواع استنباطاتهم ونحن لنا كلام في كل هذه المباحث وغيرها على ما فهمنا واستنبطنا من طريقة ائمتنا سلام الله عليهم في باطن الاشارات الى باطن الاسرار احببت ان اشير الى شرذمة منها ليهدي اليها من طلب الهداية من الله عز وجل ويعرفوا ان العلم كله مخزون عند اهله لا ينال الا بالطلب من بابه على وجهه ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من ابوابها وانا لا يمكنني استقصاء الكلام لما في قلبي من الكسل والملل والاعراض الحاصلة بمصادمة الامراض والهموم والاسقام

اما المبحث الاول فاعلم ان المعروف المقرر من مذهب اهل البيت عليهم السلام كما برهن في محله ان بين الالفاظ والمعاني مناسبة ذاتية وان الحروف طبق الذوات كما ان الذوات نشأت كلها من الذات الواحدة كذلك الحروف انما نشأت من المبدء الواحد وهو الالف اللينة ثم تشعبت بشؤنها واطوارها واختلفت بتطورات آثارها الى ثمانية وعشرين حرفا ثم بتراكيبها وقرانات بعضها ببعض ظهرت الكلمات واختلفت اللغات وتحققت الالفاظ الغير المتناهية كما ان في الذوات بادبار العقل واقباله تحققت المراتب الثمانية والعشرين ( العشرون خ ) ثم قارن بعضها ببعض واتصل تكثرت الموجودات وتحققت ذوات الكائنات ومبدئها (خ) من الثمانية والعشرين ومبدئها العقل الكلي ومبدأ العقل الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض فاذا كان الامر كما ذكرنا فجرت الاحكام على الحروف والالفاظ على طبق ذواتها وكينوناتها ولوازمها الذاتية والعرضية كما جرت على الذوات حرفا بحرف وبراهين هذه الامور قد ذكرناها في الرسالة الموضوعة لاثبات المناسبة بين اللفظ والمعنى وفي شرح حديث عمران الصابي (ره) وغيرهما فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللام في الاصل مركب من الالف والنون هكذا ل والالف حرف المبدء الفاعل والنون حرف الكثرة والانوجاد القابل فالاجتماع علة ظهور الاشياء وقران المسببات باسبابها فالفاعل لما كان في مقام الوحدة والبساطة واللطف لم يكن له ظهور لولا القابل والقابل من جهة النقص والضعف لم يكن له وجود لولا الفاعل وبهما ظهرت الآثار واختلفت الاغيار والاكدار والانوار فاللام كالسراج المركب من مس النار والدهن اذ لولا النار لم يتحقق الضياء ولولا الدهن لم يظهر فالنور والضياء انما حصلا بهذا الاقتران والاجتماع فافهم ولذا كان مبدأ اسم الولي ولما كان الولي هو العلة الصورية في الاشياء وهو فصل الخطاب وبه اختلفت الاشياء وتمام هذا الاختلاف انما كانت باتمام ثلثين مرتبة من مراتب القابليات كانت دورة القمر تمامها لاجل اظهار مراتب الصور ومقاماتها لكونه هو الحاصل ( الحامل خ ) لظهورات العلة الصورية في النشأة الجسمانية في المراتب السفلية كانت دورته ثلثين يوما ولذا كان قوي اللام وعددها ايضا ثلثين فظهر لك ان اللام عبارة عن حكم القابليات من حيث تقومها بالمبدأ المقبول لا من حيث الاجتماع واتصال القابل بالمقبول ليحصل باجتماعهما (خ) امر آخر مجموعي وحداني كالميم كما يأتي ان شاء الله تعالى فباعتبار جهات القابليات وظهور المبدأ فيها يأتي للام معاني :

منها وهو الاصل للاختصاص والاصل في الاختصاص التمليك لانه لا بد ان يكون شيئين فالسافل الاثر دائما هو صفة استدلال على المؤثر وخاصة به لا يشمل ولا يناسب غيره واما المتباينان بالاعتزال فقد يكون بينهما اختصاص وتناسب بجهة من الجهات ناسب الاختصاص ولما كان العالي وان كان لا يلتفت الى السافل الا ان السافل من جهة استمداده منه ولواذه ببابه والتجائه به ظهر به لامداده به فيكون له ايضا اختصاص بالسافل في بعض الصفات الجزئية الفعلية فالاختصاص على ثلثة اوجه اختصاص السافل بالعالي بالتمليك مثل قولك الحمد لله والملك لله والامر لله والعكس نحو رب العالمين مالك يوم الدين بتقدير اللام على ما هو الحق في المسألة واختصاص بعض المتباينين بالبينونة الاعتزالية كما هو شأن الموجودين في صقع واحد ومرتبة واحدة مثل الابن لزيد والجل للفرس وما شابه ذلك ولما كانت اللام هي الاشارة الى حدود القابليات وجهات الماهيات وجب ان يكون الاختصاص بالتمليك وهو الاصل في الوضع الاولى ثم استعمل في مطلق الاختصاص لان القابليات لها اختصاص بالمقبولات لكنها على وجه التمليك لان قيامها بها ليس صدوريا فيكون من الوجه الثالث في الاختصاص وكذلك اختصاص المقبول بها من حيث كونه حاملة لفيض المبدأ من الوجه الثاني فناسب الاستعمال في الجميع الا ان الاصل هو الاول كما هو مقتضي مقامها ويلحق بالاختصاص اللام التي يسمونها لام العاقبة كقول الشاعر : لدوا للموت وابنوا للخراب وقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس الآية

ومنها للتعليل ولما كان اللام اسما للولي (ع) على ما برهن في محله فيكون للتعليل كما قال امير المؤمنين (ع) لان الدهر فينا قسمت حدوده والينا برزت شهوده ولنا اخذت عهوده فوجب ان يكون للتعليل والعلة الغائية اقدم في الذكر وان كان مؤخرا في الوجود كما هو شأن الكمال المطلق الذي يضاهي رتبة الخاتمة ( الخاتمية خ )

ومنها اللام المقوية للعامل الضعيف بالتأخير عن معموله نحو لزيد ضربت وبكونه اسم فاعل نحو انا ضارب لزيد او مصدر نحو ضربي لزيد حسن وبكونه مقدارا ( مقدرا خ ) نحو يا لزيد وذلك لان اللام اسم للولي وهو المقوي للضعيف والجابر للكسير والمدرك للهيف فيكون الحرف الدال عليه دالة عليه

ومنها اللام بمعنى الى فان الولي اليه المنتهى ليس وراء الله وورائكم يا سادتي منتهى وانما كانت للمنتهي لا المبتدا لان الكثرة في جانب الصعود اكثر ظهورا منها في جانب النزول الذي فيه حكم المبدأ ولذا اختص المبدأ بمن التي فيها الميم حرف الاجمال وحرف النون فيه ذكر التفصيل لا عينه فافهم

ومنها اللام بمعنى على نحو وتله للجبين اي عليه ويخرون للاذقان سجدا اي على الاذقان لان الولاية التي بمعنى اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه لها الهيمنة والاستعلاء على كل مذروءه ومبروءه (خ‌ل) فتكون اللام ايضا اذا لوحظ فيها تلك الجهة تأتي بمعنى على ولكنها لما كانت ظاهرة بالكثرة المطلقة لم تكن الدلالة دائمة مثل دلالة على على الاستعلاء المطلقة

ومنها اللام الزائدة مثل قوله تعالى ردف لكم وشكرت له اتى بها للزينة وانتظام الكلام لانا قد ذكرنا ان اللام هي حدود القابليات وهي عند التوجه الى المبدأ الحق بظهور سر المقبول بلا ملاحظة المقبول مضمحلة فانية لا ينبغي النظر اليها فهي زايدة في الكلام اتى بها حفظا للنظام ووصلة وصلة للاشياء على الوجه التام وقد يحذف بعد الوصل والنظر اليها وقد تحذف وتزاد بدون ذلك فالاول مثل وزنته المال ووزنت له وكلته البر وكلت له وعددته الدراهم وعددت له فانها في هذه الافعال الثلثة اوصلت الافعال الثلثة الى المفعول الاول ثم حذفت تخفيفا وهكذا في مثل شكرته وشكرت لك والامر على ما ذكرنا واضح في غاية الظهور والوضوح لان مقامات السالكين الذين يحذفون اللام التي هي حدود الكثرات مختلفة

ومنها اللام بمعنى عن كما في قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ماسبقونا اليه ولو كانت كاللام في قولك قلت لزيد لا تفعل لقال ماسبقتمونا فصح انها بمعنى عن ولما كانت الولاية هي حاملة لعلة الفاعلية او نفسها على ما هو المبرهن المقرر في موضعه والمعلول المفعول لا يجوز ان يكون من سنخ العلة والفاعل فوجب ان يكون اللام اذا لوحظت فيها هذا المعنى بمعنى عن التي هي للمجاوزة ولذا صح ان تقول ان السرير عن النجار ولا يصح ان تقول من النجار بل تقول من الخشب فافهم

ومنها اللام للقسم كالواو اذ لا شيء اشد ربطا في مقام القسم بالله من الولي ولذا قال مولينا الصادق (ع) وانا لاشد اتصالا بالله من شعاع الشمس بالشمس وان شيعتنا لاشد اتصالا بنا من شعاع الشمس بالشمس وفي مقام القسم يكون للتعجب فان التحير والوله الذي هو شأن اهل الكثرة والواقفين مقام الحدود انما يكون باللام وفيها لانها اصل الكثرات وظهور الشكل المثلث في الجهات الثلث ولذاك لا يستعمل التعجب باللام الا في الامور العظام فلا يقال لله لقد قام زيد بل يستعمل في مثل قوله تعالى لله لتبعثن

ومنها اللام بمعنى في مثل قوله تعالى جامع الناس ليوم لا ريب اي في يوم لان الكثرة والاختلاف لا بد لها من الظرفية والمحلية ولان اللام قوى الولي وهو عيبة علم الله ومحل مشية الله وموضع سر الله ومعدن حكم الله فتكون ايضا بهذا النظر للظرفية

ومنها اللام بمعنى بعد كما في قولك كتبته لثلث خلون اي بعد ثلث خلون لان الولاية التي هي مرد (خ) الاشياء ومرجعها ومنتهاها فهي قبلها وبعدها ومعها مدلولة لللام كما قلنا فتكون بمعنى بعد وبمعنى قبل ايضا كما في قولك كتبته لعشر بقين اي قبل عشر والحاصل ان هذه المعاني كلها حدود اللام وجهاتها بالاضافة الى نفسها في قابلياتها وبالاضافة الى مقبولاتها والولاية التي ظهرت فيها وهي الاصل في الكثرات والذات في حجاب الانيات ولذا وجب ترقيقها في الاداء لان الكثرات لا يشار بها الا على حد الضرورة الا ان يكون مع لفظ الجلالة وما قبلها مفتوح او مضموم فحينئذ تفخم ولا يجوز الترقيق في الله اكبر وامثاله لانها اذا اتصلت بالله فيكون اتصالها بالظهور الاعظم والاسم الاكبر الاقدم فيكون حينئذ مظهر جميع الاسماء والصفات فيجب بثها واظهارها لان المقصود من خلق الكائنات اظهار الاسماء والصفات بانحاء الدلالات وهذه المظهرية لا تحصل الا ان تكون مضمومة بذلك العالم او مفتوحة لها باب التوجه الى ذلك العالم والفتحة والضمة الصوريتين ( الصورتين خ ) دليلان عليهما فوجب التفخيم تعظيما لشعائر الله واعلانا لثناء ( للثناء خ ) على الله سبحانه واما اذا كانت مكسورة مهموزة فهي دليلة على انتكاس رأسها ناظرة الى نفسها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتّى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه وهذا معنى كونها مع لفظ الجلالة لكنها مكسورة محفوظ ( مخفوضة خ ) والا فالذي مع الله سبحانه لم يزل مرفوعا منصوبا ومضموما مفتوحا قد فتحت له الابواب ونشرت له الاسباب فافهم ان كنت تفهم ولا تتوهم ان الذي ذكرنا مناسبات وملائمات لم تكن في نظر الواضع الحكيم فان هذه واهمة تفضي الى سوء الظن بالله عز وجل بل هذه كلها حقايق واسباب هي العلة للوضع والاستعمال ولا يسعني الآن تفصيل المقال في هذه الاحوال فاكتفينا بما ذكرنا في ساير رسائلنا ومباحثاتنا

واعلم ان الاصل في كل كلمة على حرف واحد كالواو والفاء واللام ان تكون مفتوحة لثقل الضمة والكسرة على الكلمة التي هي في غاية الخفة لكونها على حرف واحد واما الباء الجارة ولامها فتكسر لموافقة معمولها وانما حصلت الموافقة في الباء واللام لان جهة الخضوع والانكسار فيهما اكثر واشد من غيرهما لانهما من حروف الكثرة ومن حروف الولاية ولذا ترى حملة الولاية عند فقد الضمير المعين لهم المقوي لامرهم وافقوا معمولهم وكسروا وجروا وبايعوا تقية وعلى خلاف الاصل والحق واما اذا حصل التقوية بالضمير الذي هو سر الاسم الاعظم ترجع اللام الى اصلها من الفتح واما الباء فتبقى على حالتها لئلا يلتبس باصل الكلمة واذا تغيرت لاما فتفتح واما الكاف الجارة فبقيت على اصالتها ولم توافق معمولها في الصفة الصورية لانها من مقام الوحدة وعالم البساطة ورتبة الوجه الاعلى من المشية فاين الموافقة حينئذ ولذا كانت الكاف الجارة للتشبيه وهذا التشبيه تشبيه رسم وصفة لا تشبيه ذات وحقيقة فكانت مفتوحة لتدل على المغايرة كما هو شأن التشبيه لا مضمومة تدل على الاتحاد (خ) كما هو شأن ظهور الاصل في الفرع وهذه الكلمة تحتاج الى شرح وتفصيل سيأتي القول فيه ان شاء الله وعلى ما ذكرنا فابن امرك في ادلة هذه الامور لا ما ذكره النحاة فانها كلها خرص وتخمين لا تفتح به ابواب العلوم ومعرفة الحقايق والاشارات والعالم كله انما خلق ليدل على الله وعظمته وقهاريته وعلو ملكه وسلطنته وهذا المعنى لا يتحصل الا اذا ظهر لك الله في كل مقام وكل مسئلة لا انك تنساه فينساك فلا تنال خيرا اذن ابدا فان الله عز وجل يقول فاذكروني اذكركم وذكره سبحانه ليس خاصا بقولك سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر بل له سبحانه ذكر في كل شيء يذكره تعالى بذلك الاسم بذلك الذكر فانت مكلف بتحصيل ذلك الذكر والاسم في كل مسئلة من مسائل فروعك واصولك حتّى يصح لك الامتثال لقوله عز وجل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق والاكل هو العلم فانه غذاء للروح كما قال الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه اي الى علمه ممن يأخذه فجعل العلم طعاما فابن عليه معنى ذكر اسم الله تعالى عليه

واما هاء الضمير فقد اشرنا الى حقيقته سابقا من ان الهاء اشارة الى عالم التوحيد بميادينه الخمسة التي هي توحيد كل من دخل في عالم الامكان فان العالم كله على قسمين عالم الامر وعالم الخلق والاول هو كلمة كن والثاني هو تمام فيكون فعالم الخلق دلالة عالم الامر الذي هو الكلمة الايجادية فانحلت الوجودات على كثراتها واختلافاتها اذن الى خمسة الكلمة بمراتبها الاربعة والدلالة والاختلافات التي تشاهدها كلها من ظهور الدلالة على حسب اذهان السامعين واختلافه فيها والا فهي واحد كالوجه الواحد الظاهر في المرايا الكثيرة

فما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا

وهذه المراتب الخمسة لكل واحد منهم توجه الى ربهم وتوحيد غير ما للآخر فكانت مقامات التوحيد خمسة وهي قوي الهاء ولما كان التوحيد كما قال النبي صلى الله عليه وآله ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره كانت الهاء ظاهرها عين باطنها وسرها عين علانيتها ولما كان التوحيد عبارة عن اثبات واحد مجرد منزه عن جميع الحدود والقرانات والاوضاع بلا كيف ولا اشارة فكانت لا تدركه الحواس الظاهرية والباطنية والعقل وما تحته لان تلك المشاعر كلها ذات حدود فالذي لا حد له ولا رسم غايب عنها وبعيد عن منالها ولما كانت هذه الغيبوبة تعرف وتستفاد من الهاء الا انها مخفية جدا اشاروا اليها بالواو فهي حرف نفي وعدم كما ان لا حرف نفي مع ان اللام موجودة والالف موجودة كذلك الواو وانما اختيرت الواو لانها هي التي حصلت من اشباع الهاء في الضمة وكل مضموم اذا اشبع في الضمة يتولد منه الواو كائنا ما كان وهذا سر قد خفي على الاكثر مع ان الواو اول ( ادل خ‌ل ) على عالم الكثرات واصله فاذا ضربت الهاء في الواو تتولد اللام وتظهر في الوجود اعرف الآن حقيقة النسبة فدلت الهاء على اثبات الثابت والواو على غيبتها من ( عن خ ) الحواس ودرك الناس فتحقق الضمير الغايب وهو الاصل في ذلك ثم لما تنزلت الاشياء تنزلت الاستعمالات فصارت كلمة هو تستعمل في كل غايب لان فيه نوع حكاية عن تلك الوحدة والغيبة وظهر لك ان الضمير اصله الهاء

اما الواو فاتى بها لزيادة البيان او يكون حاملة للهاء عن الخفاء لانها بمنزلة ثاء الثقيل وميم المركز وهاء الهبوط بل هي بعينها تلك فاذا اقتضى المقام فصل الضمير يأتون بالواو مظهرا ووقاية وان لم يفصلوا واتصلوا بها آخر لم يحتج حينئذ الى الواو فاكتفي بالهاء ولكن الواو منطو فيها بالذكر ومندرج معها لئلا يخرج الامكان عن التركيب وعدم البساطة فهذا هو الموضوع له الضمير الغايب وظهر لك ايضا ان الموضوع له الضمير الغايب انما هو عنوان التوحيد الظاهر لنا بنا لا عين الذات ورتبتها لانا لانصل اليها بحقايقنا فضلا عن احوالنا وشؤننا والفاظنا وآثارنا واحكامنا فالوضع للظهور والظاهر في مقام الظهور كالمظهر فاتحدت المقامات الا ان المقصود ليس الا الله سبحانه المنزه عن كل اقتران واتصال وانفصال فعلى ما ذكرنا ظهر لك معنى له ما في السموات والارض وعرفت سابقا من ان الذي هو الضمير المنفصل يستخرج الاسم الاعظم العلي العظيم المستخرج من هو الحي القيوم فابن على التفصيل الذي ذكرنا في ضمير لا تأخذه سنة ولا نوم حكم ضمير له في هذا المقام حرفا بحرف بلا فرق كما يأتي ان شاء الله تعالى زيادة توضيح لهذا الكلام فافهم

واما المبحث الثاني فاعلم ان ما مركب من الميم والالف والحكم للميم والالف انما اتى بها لحفظ الميم عن الدثور والفناء فان كل شيء مركب من سلطان الوحدة وسلطان الكثرة ولا بد من غلبة احدهما وتبعية الآخر فان كان الحكم بسلطان الكثرة يقدمونها ويؤخرون حكم الوحدة في الذكر والا فبطلت الاشياء اذ كل ممكن زوج تركيبي فالميم هو الاصل في تركيب ما والاحكام انما هي جارية على احوالها ومقتضياتها وشؤنها وتصرفاتها فالميم هي مجمع اللام والياء من قوله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة وهي قوى اللام واتممناها بعشر وهي قوى الياء فتم ميقات ربه اربعين ليلة وهي قوى الميم فاللام هي رتبة القابليات الثلثين والميم هي رتبة المقبولات العشرة فباقترانهما تمام الشيء وكماله واتصال الاصول بالفروع والاسباب بالمسببات والمقتضيات بالمقتضيات وظهور الشيء مشروح العلل ومبين الاسباب فالميم رتبة كمال ومقام جمال ومنزل اتصال ونفي انفصال ولما كان مقام عليّ (ع) مقام الفرق والاختلاف فرق بين رتبتي القابل والمقبول واتى باللام ثم الياء ولما كان مقام محمد (ص) مقام المحبة والاتصال والاجتماع ويومه الجمعة وكوكبه الزهرة ويجوز له اخذ الازواج بالعقد من غير عدة جمع تلك التفرقة واستنطق بالميم وجعلت في اول اسم محمد (ص) ووسطه ولما كان الاصل في الميم الوصل والاتصال والاجمال والوحدة جعلت ما ووضعت للموصول فكانت ما موصلة ( موصولة خ ) وهو الاصل في هذا الترتيب والتركيب فجرى الامر على حقيقة الواقع ولما كان هذا الاتمام في اتمام الشيء في نفسه لا من حيث ربه فتلحظ فيه الكثرات وتستعمل ايضا في النفي ويقال ما النافية ونفيها لما فيها من سر الانية وان كانت من جهة الوحدة وعدم الكثرة ولما كان فيه مقامان مقام وحدة ومقام كثرة ونظر الى الاعلى ونظر الى الاسفل فيتعاور النظران ويتعاكسان فيوجب الوله والتحير فتكون ما ايضا للتعجب لما يظهر له من سر عالم الوحدة في عالم الكثرة ولم يتخلص له نظر واحد حتّى يخرج من التحير فيبقي في التحير وهو اغلب استعمالاتها لما ذكرنا ولما كان هذا الكمال مقام الانية وتمام الشيء يجمعه المقامين ( المقامان خ ) مقام الصفة والحدوث ومقام النقصان والكمال وهو وان كان كمالا عند التعيين واطوار العبارات واحوالها لكنها عند محض التوحيد نقص بل لا يمكن التوحيد معها ابدا فوجب نفيها وزيادتها وعدم النظر اليها والقائها والغائها فتكون زايدة ايضا كاللام ولا ولما كان الميم اسما للحقيقة المحمدية (ص) كما عرفت وهو في مقام الاجمال ورتبة الامر المفعولي والمفعول المطلق والمصدر تكون ما مصدرية ايضا ولما كان فيه الكثرات وذكر الانيات تكون ايضا نكرة موصوفة فان النكارة من الكثرة كما ان التعريف من الوحدة والنكارة من التفصيل كما ان التعريف من الاجمال ولما ان كان فيه مقامان مقام الوحدة والاجمال وهو مقام المقبولات ومقام الكثرة والتفصيل فالاول مقام العلم الذي لا يشوبه جهل والثاني مقام الجهل المركب الذي لا يشوبه علم والثالث مقام الجهل البسيط فيرى بالوجه الاعلى انه ناقص وفي المقام الاسفل تتعاور عليه الامور واحوالها واوضاعها فيبقي جاهلا يجد العالم عنده الذي دلاه عليه وجهه الاعلى فيكون مستفهما فتكون ما استفهامية ايضا يطلب بها الفهم والكشف عن حقايق الاشياء وذواتها لا صفاتها واحوالها لان هذا الاستفهام خرج عن الذات فلا يسأل الا عنها لان الادوات انما تحد انفسها والآلات تشير الى نظائرها ولذا لما سأل فرعون موسى وقال له ما رب العالمين واجابه موسى (ع) وقال رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم تعقلون استكبر واستنكر فرعون وقال لمن حوله ألاتستمعون الى هذا المدعي فاني اسأله عن الحقيقة وهو يجيبني عن الرسم والصفة الى ان قال لعنه الله ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون حيث ما يعرف الجواب ولا يجيب على طبق السؤال ولم يعرف الخبيث ان هذه غاية الجواب والسؤال عن الكنه والحقيقة ينبئ عن الجهل والجنون وبالجملة ما استفهام وسؤال عن حقيقة الشيء لا صفته لما قلنا من سر الميم قال تعالى في الحديث القدسي اني خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا فافهم وهكذا ساير تصاريف استعمالات ما تجري على هذا المنوال الذي شرحت لك فاذا قدمت الالف على الميم فقلت ام يكون حرف تعريف على بعض اللغات فنظروا وقاسوا على ال فان الالف هي حرف الاثبات من عالم الوحدة المطلقة فلا تحمل ظهوراتها كما ينبغي الا اللام لتوغلها في الكثرة والابهام واما الميم وان كانت صالحة من حيث الكثرة الا ان فيها جهة وحدة تمنع عن ذلك الظهور الكلي للابصار الناقصة الا ترى انك اذا نظرت الى الشمس تحت حجاب اسود ترى فيه جميع احوال الشمس بظهوراتها في اشعتها من الالوان الاربعة المكتسبة من اركان العرش النور الاحمر والنور الاصفر والنور الاخضر والنور الابيض ولا تظهر تلك الانوار اذا نظرت اليها بغير ذلك الا البلور الذي فيه قوة جامعة وخاصية غريزية وهي ايضا ترجع الى كثرة وتراكم الاجزاء فمن هذه الجهة كانت اللغة الفصيحة في حرف التعريف ال دون ام وان كان يجوز كما في تلك اللغة حيث جاء الاعرابي وسأل النبي (ص) أمن ام‌بر ام‌صيام في ام‌سفر فاجابه (ص) بانه ليس من ام‌بر ام‌صيام في ام‌سفر واما اذا اجتمعت اللام والميم وقدم اللام كان اثبت واعظم في النفي من لا ولذا كانت لم لنفي الماضي واذا اجتمعت اللام مع النون وقدمت اللام كان الحاصل اثبت وادل واقوى من الجميع لان فيه اجتماع الكثرتين كثرة اللام وكثرة النون وكلاهما كثرات تفصيلية ينشأ منها النفي والسلب والعدم كما قررنا سابقا في محله وهنا اجتماع الكثرات وهي تورث النفي البحت البات بخلاف لم فان اللام فيها وان كانت حرف نفي وكثرة الا ان الميم ليس كذلك الا بملاحظة حدودها واوضاعها ولكنها في الوحدة والبساطة والدلالة على الاثبات والوجود لما لم يكن مثل الالف كان ادخل في النفي من لا فافهم

اما المبحث الثالث فاعلم ان في هو بحر الصاد واول المداد لان الفاء عددها ثمانون والياء عددها عشرة والمجموع تسعون وذلك استنطاق ص والقرآن ذي الذكر فذلك بحر وسع العالم جميعه اما بذاته او بصفاته او بشؤناته واحواله واطواره فكل شيء في سعة احاطته فهو المحيط بكل شيء بالظرفية لان (خ) ذلك البحر الذي هو الوجود المقيد لما ظهر بالمشية الاولية والنفس الرحماني الاولى حكي المشية وعموم شمولها وانبساطها فذكر فيه جميع المكونات والكائنات فوسع كل من في الارضين والسموات وذلك اول البيوت التي وضع للناس واول ظرف ظهر بالاحاطة في كون الوجود المقيد ولما كان في استنطاق ذلك البحر المحيط خص للظرفية ولا تستعمل في غيرها والاستعمالات الاخر ترجع اليها وقد يكون بمعنى اللام مثل الحب في الله والبغض في الله اي لله وهذا ايضا في الحقيقة مرجعه الظرفية والتضمن في سعة محبة الله سبحانه بجهتي كلمته في اليد العليا اليمنى واليد اليسرى السفلى وكذا القول في قوله تعالى ولاصلبنكم في جذوع النخل وقد قال بعضهم انها بمعنى على اي على جذوع النخل وليس كذلك بل بمعنى الظرفية لاشتمالها على المصلوب اشتمالا احاطيا لا مفر له عنها وحتّى يتطابق بالمعاني الباطنية وكذا في قوله تعالى فردوا ايديهم في افواههم فقد قيل انها بمعنى الى اي الى افواههم ومرجعه الى الظرفية والاشتمال وكذلك قوله تعالى فادخلي في عبادي فقد قيل انها بمعنى مع اي مع عبادي وليس كذلك بل المراد فادخلي في زمرة عبادي وسعة احاطتهم والحاصل ان مرجع هذه الاستعمالات كلها الى الظرفية ولذا كانت في من الحروف الجارة وهذا هو الذي صار علة للاشتقاق اي اشتقاق في من الصاد والا لكان اللام اولي بالظرفية كما قد تستعمل فيها تجوزا وتوسعا لان الظرفية التي هي صفة الماهيات انفعالية قابلية لا فعلية وفاعلية وما هذا شأنه لا يجر ولا يكسر ولا يخفض مدلوله ومعموله فان الجر والكسر والخفض للمعمول وخضوع المعمول وانكساره لديه فعل العالي المهيمن وليس في هذا المقام الا الصاد الذي هو رتبة المداد ومقام الفؤاد وباب المراد ولذا استنطق له في وانما اختيرت في دون الصاد لبيان اظهار حكم الاحاطة والظرفية والشمول والسعة فان الفاء تكرار الميم التي هي اول حرف محمد (ص) واوسطه والياء هي حرف من اسم عليّ (ع) في وهما عليهما السلام هما اللذان وسعا جميع احكام الربوبية والعبودية في نشأتي الاسمية والبشرية في رتبتي الاجمال والتفصيل وهو قوله عز وجل ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فهما بيت لجميع الفيوضات الواردة من المبدأ الفياض لهما ولكل ما سواهما صلى الله عليهما وهما العرش والكرسي المحيطان على الكون كله لقد وسعا السموات والارض واحاطا بهما وما فيهما وما بينهما فلا ظرف ولا محيط ولا بيت ولا جامع ولا منبسط سواهما وغيرهما عليهما السلام ولذا قال (ص) انا وعليّ ابوا هذه الامة واما الصاد فلا تؤدي هذا المؤدي ولا يفهم منه هذا المعنى فوجب اختيار في دون غيرها مع ما في صورتها من الاشارة الى الظرفية وسكون الياء وكسر الفاء ينبئ عن سر عظيم في هذه التأدية فان ذلك صورة تعليم النبي (ص) لعلي (ع) جميع ما يرد عليه من العلوم والاسرار والافاضات فهو ساكن وواع وحامل وجامع وخازن فيكون ظرفا حاويا للانوار وجامعا للاسرار فكان عليّ (ع) ظرفا لمستودع اسرار الولاية الظاهرة من الهياكل الاحد عشر ( الذي خ ) هو استنطاق اسم هو في لا اله الا هو وكان محمد (ص) ظرفا لمستودع سر الحاملية ومهبط الانوار القدسية في رتبة القابلية فبها ( فبهما خ ) ظهر ما كان وما يكون من سر كن فيكون فافهم راشدا واشرب صافيا فكسر الفاء تعليم ونظر الى الاسفل وهذه الحاملية كانت حين طوافه حول جلال العظمة دون القدرة وشرحه وبيانه في ملازمة الشمس لدايرة منطقة البروج وعدم عرض لها كالكواكب الاخر ولا يسعني الآن تفصيل المقال في هذه الاحوال وهذا الاسم اي لفظة في انما وضعها الله سبحانه لتلك الظرفية الحقيقة ( الحقيقية خ‌ل ) ولما ظهرت تلك الظرفية في مظاهرها ومحالها ومواقعها واشعتها وآثارها وشئونات اطوارها استعملت فيها حقيقة بعد حقيقة وهي حقيقة عند اهل المجاز ومجاز عند اهل الحقيقة ولذا اختصت في بالذكر وهذا معنى الظرفية

واما المبحث الرابع فاعلم ان السماء (خ) مشتقة من السمو بمعنى العلو فكل عال سماء ومنه قوله تعالى انزل من السماء ماءا وقوله تعالى ونزلنا من السماء ماءا مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد ولا ريب ان السماء التي ينزل منها المطر والماء لسقي الارض واهلها هو سماء الدخان والبخار كما روي عنهم (ع) ان السحاب يغرف من بحر بين السماء والارض ه‍ ولا شك ان البحر الذي بين السماء والارض هو بحر البخار والدخان ولاجايز ان يكون بحر مثل الابحر المعروفة في الارض مجمع المياه الثقيلة كما ورد النص عنهم (ع) مع ما يلزم في ذلك من الطفرة وعدم الحكمة وعدم اجراء الاشياء على اسبابها وعللها كما هو الظاهر المعروف المبرهن عليه في محله ويطلق ايضا على ما فوق السموات السبع ايضا كما في قول البوصيري في مدح النبي (ص) :

كيف ترقى رقيك الانبياء يا سماء (ظ) ماطاولتها سماء

وفي قول معاوية ( لعنه الله خ ) يمدح عليّا عليه السلام :

خير البرية بعد احمد حيدر الناس ارض والوصي سماء

ومن هذا القبيل قوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وهذه الزينة لا تكون الا في محل يظهر الكواكب بنورها وشعاعها ولا ريب ان اول ما يظهر نور الكواكب في كرة البخار وتقع اشعتها فيها كالبيت المزجج الذي يتزين بالشمس بوقوع اشعتها عليه وحدوث الصور والهيئة ( الهيئات خ ) الشمسية والحاصل ان كون السماء هي جهة العلو لا شك فيه ولا ريب يعتريه واطلاق السماء على الافلاك السبعة من قبيل اطلاق الكلي في اشهر افراده وهذا ايضا لا شك فيه وانما الاشكال في تعيين الموضوع له السماء والارض هل وضعها من باب الوضع العام والموضوع له العام او الوضع الخاص والموضوع له العام الذي احالوه والذي اعطاني النظر بعد ان اعطيته حقه انه لما ثبت ان الوجود تجمعه سلسلتان طولية وعرضية فالطولية لا تجمعها حقيقة واحدة وكلما في المراتب المتنزلة اشعة وحكايات وادلة ولا ذكر لها في المرتبة الاعلى منها يقينا فاذا اطلق اللفظ عليها ( عليهما خ ) باطلاق واحد بعد ثبوت المناسبة الذاتية بين الاسم والمسمى يكون كل الاطلاقات من اللفظ والمعنى اشباحا وامثلة للرتبة العليا الاولى فلا اشتراك في المعنى لعدم الاتحاد في الصقع ولا في اللفظ لعدم تباين المعنيين فان السافل حكاية للعالي وصفة استدلال عليه والصفة من حيث هي كذلك لا يعقل الذهول معها من موصوفها والشرط في الاشتراك الوضع للثاني بعد الذهول عن معنى الاول وليس الامر هنا كذلك بل انما الوضع للثاني بعلة مناسبة للاول وكونه صفة له واين هذا من الاشتراك اللفظي ولا يصح ان يكون الاطلاق بالنقل والارتجال لاستلزامهما هجر المعنى الاول وهنا ليس كذلك ولا الحقيقة والمجاز في اغلب الاحوال لثبوت علائم الحقيقة في الرتبة الثانية من التبادر والاطراد وعدم صحة السلب وامثالها من علائم الحقيقة واماراتها فلا يكون مجازا فيكون الاطلاق من باب الحقيقة بعد الحقيقة فانها عبارة عن وضع اسم العالي للسافل من حيث حكايتها ودلالتها للعالي في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك فالاسم للعالي وملحوظ الواضع حين الوضع هو العالي فلما وجد الاثر وحكي مثال المؤثر من حيث هو مثال جعل ذلك الاسم له من حيث الصفتية فالوضع خاص هنا لان الملحوظ ليس الا ذلك المعنى الواحد الذي هو العالي المؤثر فان الآثار لا تذكر مع المؤثر والموضوع له الذي هو تلك الصفات الدالة الظاهرة في المرايا المختلفة باختلاف الحدود والقابليات ظهور الكلي في الافراد عام وهذا هو الحقيقة بعد الحقيقة وشرح هذه المسألة وبيانها ذكرناه مفصلا في مباحثاتنا في الاصول وليس هذا المقام مقام شرح هذا الكلام فاذا عرفت ذلك فاعلم انه قد ثبت بالادلة القطعية من العقلية والنقلية ان محمدا (ص) واهل بيته (ع) هم الواقفون في اعلى طبقات سلسلة الموجودات وهم قد سبقوا كل شيء واول من تحلوا بحلية الكون والوجود وكلما سواهم خلقوا من شعاع انوارهم وفاضل آثارهم فلا تجمعهم مع ما سواهم حقيقة واحدة فان الشعاع لا يجامع المنير في الذات والحقيقة والا لم يكن شعاعا هذا خلف وهو قول مولينا الصادق (ع) ان الله خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده ولم يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيبا لاحد الحديث ولما كان بين الاسم والمسمى مناسبة ذاتية ومرابطة حقيقية حقيقة كان حسن المسمى دليلا على حسن الاسم وقبح المسمى دليلا على قبحه بلا شبهة ولما كانوا سلام الله عليهم اصل كل خير ونور ورشد وهداية كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه لانهم الوسايط بين الله سبحانه وبين خلقه فلا يصل الى احد خير ونور ورشد الا بهم ومنهم ولما كان الخير كله يحصل بالقرب الى المبدأ والتوجه التام اليه وما احد اقرب الى الله عز وجل في جميع الكرات الوجودية منهم (ص) وجب ان لا يسبقهم شيء من الاشياء في خير من الخيرات في حال من الحالات لبطلان الطفرة فوجب ان يكون عندهم كل جمال وكمال وجلال وكل خير ونور ظاهر او غايب في كل الكاينات فما سواهم عنهم اخذوا وبهم قاموا وبفاضل كمالهم كملوا وبشعاع جمالهم حسنت صورهم وشمائلهم وجادت تراكيب حدودهم وصور ذواتهم وحقائقهم فاذن وجب ايضا ان يكون العلو الذي هو مدلول لفظ السماء عندهم وفيهم بل هم فتكون السماء ايضا اسمهم ورسمهم وصفتهم واللفظ الدال عليهم بالوضع الاولى لا يشمل غيرهم سلام الله عليهم فاذا نظرت اليهم في مقام الاجمال والوحدة اطلقت عليهم لفظ المفرد كما في الزيارة انتم السبيل الاعظم والصراط الاقوم فان هذا الحكم لهم (ع) من حيث الوحدة والبساطة لا من حيث الكثرة والاختلاف واذا نظرت اليهم من حيث التفصيل والاختلاف اطلقت عليهم لفظ الجمع فجاز ان يطلق عليهم السماء والسموات وهذا الاسم لهم (ع) من وضع الله سبحانه لهم من باب الوضع العام والموضوع له العام الا ان هذا العموم لا يتجاوز عن اربعة عشر فردا ابدا ويمتنع اكثر وازيد منها كما شرحنا وفصلنا فيما كتبنا في النبوة والولاية فليرجع اليه وهذا الاطلاق فيهم بالاشتراك المعنوي لكن لا (خ) على سبيل التواطئ وانما ذلك على جهة التشكيك فانهم سلام الله عليهم مختلفون في العلو فمحمد (ص) هو الاصل في العلو والعمدة فهو على في مقام جلال القدرة ومحمد في جلال العظمة وهكذا تفاوت درجاتهم وتفاضل مقاماتهم في هذا العلو فيختلف الصدق ايضا بذلك الاعتبار ولكن لما كان لهم ظهوران ( ظهورات خ ) في مقاماتهم الذاتية ظهور من حيث هم في مقام الاجمال وظهور من حيث تفاصيل اجزائهم وحدودهم من قلبهم وصدرهم وساير قواهم ومشاعرهم التي لها حكم الاحاطة بجميع مراتبهم واجزائهم وحدودهم فظهرت تلك القوى على هيئة الاحاطة واحاطت بما دونها فصارت اعلى منها وهي تستمد من تلك القوى بامداد الله سبحانه وتعالى فكانت كل واحد منها سماء تحيط وتشرق على الاجزاء السافلة التي لا احاطة لها وتربيها وتحفظها عن الابادة والدثور فتحققت السموات والعاليات ويطلق عليها ايضا هذه اللفظة بالتشكيك في هذه المراتب والمقامات فهم (ع) واحد في مقام الجمع واربعة عشر في مقام الفرق ولكل منهم حدود واركان تسعة هي حملة الفيض الالهي الى باقي الاجزاء والحدود والمراتب ومحيطة بها بحسبها من الاحاطة فنقول للمجموع الوحداني سماء وهي السماء الدنيا اي الادنى والاقرب الى الله عز وجل من كل سماء كما قال تعالى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى وهذه السماء هي التي زينها الله تعالى بالكواكب اي الاسماء الحسنى الظاهرة فيهم من جميع الاسماء الا الاسم الواحد الذي تفرد الله به وهو حفظ عن كل شيطان مارد اذ الاسماء تجلب الخير وتدفع الضر والشر او السماء الدنيا هو محمد (ص) لانه صاحب مقام او ادنى وزينها الله سبحانه بالكواكب هم الائمة (ع) الذين هم حدود الولاية والى هذه الاشارة بقوله تعالى أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت وقد ورد في تفسير السماء ان المراد بها محمد (ص) وهو السماء الدنيا ادنى واقرب من باقي الاربعة عشر ليصح الصدق التشكيكي او المراد بالسماء الدنيا هو امير المؤمنين (ع) لانه ادنى بالنسبة الى النبي (ص) واسفل وهو المزين بالكواكب الائمة الاثني عشر سلام الله عليهم ولذا قلنا ان السماء الدنيا في الظاهر عبارة عن الكرسي لان الاصل في السماء العرش والكرسي والباقي تفاصيل احوالهما فلا تعد معهما كما سنذكر ان شاء الله تعالى والكرسي هو المزين بالكواكب والكرسي مثال عليّ (ع) والبروج الاثني عشر الائمة (ع) او المراد بالسماء الدنيا هي الطاهرة الصديقة الزهراء (ع) وهي الادنى من الجميع على ما قررنا انهم سلام الله عليهم كلهم افضل منها وهي المزينة بالكواكب وهم اولادها سلام الله عليهم وعليها لانها (خ) حاملة لهم وهم انما ظهروا بها (ع) فهي السماء الدنيا والاحتمالات كلها مرادة الله ( لله خ ) عز وجل في هذه الآية الشريفة فصح ان تقول لكل واحد منهم سماء فتكون السموات سبعة محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى عليهم السلام فهم السموات السبع كما يأتي شرحها وبيانها ان شاء الله تعالى ونقول ايضا لكل مرتبة من مراتبهم سماء حتّى يتم تركيبهم في تسع سموات سماء القلب وسماء الصدر وسماء العقل وسماء العلم وسماء الوهم وسماء الوجود وسماء الخيال وسماء الفكر وسماء الحيوة فكل واحد منهم سلام الله عليهم مجمع سموات ويقابل كل سماء ارض كما نذكر فيكون مجمع سموات وارضين واطلاق لفظ السموات على هذه السموات ايضا بالاشتراك المعنوي بالتشكيك ثم ان لهم سلام الله عليهم مراتب ومقامات حسب تنزلاتهم وترقياتهم في القوسين الصعودية والنزولية حسب امتثالهم لقوله عز وجل ادبر فادبر واقبل فاقبل فكل مرتبة عليّا سماء بالنسبة الى ما تحته وهو ارض بالنسبة الى ما فوقه وهكذا تنتهي مراتب السموات الى السموات والارضين الجسمانيين فعلى هذا تتعدد سمواتهم وارضوهم بالعدد الذي نشير اليه فيما بعد ان شاء الله تعالى والصدق في كل هذه الاطلاقات بالاشتراك المعنوي بالتشكيك من باب الوضع العام والموضوع له العام ثم لما تمت هياكلهم وتحققت كينوناتهم صلى الله عليهم تشعشع نورهم وتلألأ شمس ظهورهم فخلق الله سبحانه من ذلك الشعاع والنور حقايق الانبياء وقسمها الى مائة الف واربعة وعشرين الف قسمة مختلفة وكل نبي سماء بالنسبة الى وصيه وهو ارض له ولعلومه واسراره واحكامه ويربيها وينميها ويصورها بالصور المختلفة والاحوال المتشتتة حسب مذاق الرعايا والمكلفين فالاطلاق على السموات الاولية وعليهم من باب الحقيقة بعد الحقيقة ولما كانت الحقيقة الثانية حكاية ومثالا للحقيقة الاولى جرت الاحكام والمراتب فيها على نهجها فتحققت في هذه الرتبة ايضا سموات وارضون كما قلنا في الرتبة الاولى حرفا بحرف والصدق كالصدق والبيان كالبيان الا ان الاطلاق في الحقيقتين حقيقة بعد حقيقة كما قلنا وكذلك القول في انبعاث الاشعة من الطبقة الثانية وصيرورتها مبدأ خلق في الطبقة الثالثة طبقة الانسان الرعية فكانت منشأ سموات وارضين على التفصيل المذكور والاطلاق في الثلثة من باب الحقيقة بعد الحقيقة وفي مراتبها بالاشتراك المعنوي بالتشكيك وهكذا المراتب المتنزلة من الشعاع وشعاع الشعاع وشعاع شعاع الشعاع الى تمام المراتب الثمانية التي هي مرتبة الجن والملك والحيوان والنبات والجماد فتحققت في كل مقام سموات وارضون على التفصيل فصار الصدق في الاطلاق في جميع السلاسل الاشتراك بالتشكيك وفي السلاسل الطولية الحقيقة بعد الحقيقة فالسماء التي وضعها الواضع الحكيم العليم انما هي اسم لواحد وهي النفس التي صنعها الله سبحانه لنفسه كما قال عز من قائل واصطنعتك لنفسي وكل الاطلاقات سواه شؤن واطوار لذلك الشيء الواحد وكذلك ساير الاطلاقات والتعبيرات من لفظ الانسان والحيوان والاسلام والايمان وغيرها فافهم موفقا

المبحث الخامس في مبدأ السموات والارض ومنشأهما وعلة تحققهما وكينونتهما اعلم انا ذكرنا ان محمدا وآله صلى الله عليهم اول المخلوقات وهم المقصودون بالاصالة فيكون كل ما سواهم انما تحقق وتكون ووجد بهم فهم سلام الله عليهم مبدأ كل خير وعلة كل رشد والشرور والمعاصي لما كانت عكوسا واظلة للنور فلا تتقوم ولا تتحقق الا بهم فهي بهم لا منهم كما ان الخيرات بهم ومنهم ومثال ذلك الشمس فانها اذا اشرقت على الجدار تحدث ظلا ونورا فالنور من الشمس ولها واليها وان كان ظهوره بالجدار والظل ليس من الشمس ولا اليها لانها تشرق على المرايا والزجاجة ولا تحدث ظلا فعلم ان احداث الظل انما هو بها لاجل كثافة الجدار لا منها ولا اليها وانما هو بها وكذلك نسبة الشرور اليهم سلام الله عليهم اذ لا قوام لها بدونهم ولولاهم لانتفي الوجود كله بخيره وشره ولكنها ليست منهم ولا اليهم وانما هي قائمة بنورهم ناظرة اليه ساجدة للشمس من دون الله ونورهم قائم بهم فقامت الاشياء كلها بهم كل شيء في مقامه ومرتبته ولنعم ما قال السيد السند السيد محمد القطيفي ايده الله في رثي الحسين عليه السلام الى ان قال :

فقامت به الاشياء عن وجه حكمة كما ينبغي كل على وفق ذاته

وكذلك السموات هم (ع) منشأها ومبدأها وعنها مصدرها واليهم مردها كما دلت عليه اخبارهم وشهدت بذلك آثارهم ودل عليه العقل المستنير بنورهم وولايتهم اما السموات بالمعنى الاعم اي العلويات كلها من الانوار المجردة والحقايق النورانية والذوات الطيبة من العرش والكرسي واللوح والقلم وامثالها فالاخبار في مثل هذا المعنى كثيرة منها ما رواه في رياض الجنان عن جابر بن عبد الله الانصاري قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله اول شيء خلقه الله ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش من قسم وخزنة الكرسي من قسم واقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم واقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء واقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم والعصمة والتوفيق من جزء واقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة الف واربعة وعشرون الف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله منها ارواح الاوصياء الحديث وامثال هذا الحديث كثيرة في كتب اصحابنا فمن ارادها فليرجع اليها فيها واما السموات المرفوعة ( المعروفة خ ) السبع او التسع والارضون كما هو غالب استعمالاتها كما في حديث العباس بن عبدالمطلب روي انس بن مالك قال صلى بنا رسول الله (ص) في بعض الايام صورة الفجر ثم اقبل علينا بوجهه الكريم فقلت يا رسول الله أرأيت ان تفسر لنا قوله تعالى فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا فقال (ص) اما النبيون فانا واما الصديقون فاخي عليّ واما الشهداء فعمي حمزة واما الصالحون فابنتي فاطمة واولادها الحسن والحسين عليهما السلام ثم قال ما معناه فقال العباس ما ذكرتني يا رسول الله ألسنا كلنا من شجرة واحدة فقال صلى الله عليه وآله ان الله تعالى خلقني وعليّا وفاطمة والحسن والحسين قبل ان يخلق الخلق وقبل ان يخلق السموات والارض فكنا نسبحه ونقدسه فلما اراد الله خلق الخلق فتق نوري فخلق منه العرش والكرسي ثم فتق نور عليّ فخلق منه الملائكة وان نور عليّ افضل من الملائكة ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السموات والارض وان نور فاطمة (ع) افضل من السموات والارض ثم فتق نور ابني الحسن فخلق منه الشمس والقمر ونور الحسن افضل واشرف من الشمس والقمر ثم فتق نور ابني الحسين فخلق منه الجنة والحورالعين نقلت الحديث بالمعنى وفي معناه حديث آخر رواه ابن مسعود عن النبي (ص) بتغيير وتبديل وانا اذكر هنا صورة الحديث روي الشيخ فخرالدين طريحي في منتخبه المعقود لمزايا اهل البيت (ع) ومناقبهم ورزاياهم وكذلك روي غيره عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله (ص) فقلت يا رسول الله (ص) ارني الحق حتّى انظر اليه فقال (ص) يا ابن مسعود لج (ظ) المخدع فولجت ورأيت عليّ بن ابي طالب (ع) ورأيته راكعا وساجدا وهو يقول عقيب كل صلوة اللهم بحق محمد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شيعتي وقال ابن مسعود فخرجت اخبر رسول الله فرأيته راكعا وساجدا وهو يقول عقيب كل صلوة اللهم بحق عليّ بن ابي طالب عبدك اغفر للعاصين من امتي قال ابن مسعود فاخذني الهلع حتّى غشي ( على خ ) فرفع النبي (ص) رأسه الى فقال يا ابن مسعود أكفرت بعد ايمان قلت معاذ الله ولكني رأيت عليّا يسأل الله بك وتسأل الله به ولا ادري ايكما افضل فقال (ص) يا ابن مسعود ان الله تعالى خلقني وعليّا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من نور عظمته قبل خلق الخلق بالف عام او بالفي او باربعة عشر الف على اختلاف النسخ حين لا تسبيح ولا تقديس ففتق نوري فخلق منه السموات والارض وفتق نور عليّ فخلق منه العرش والكرسي وعليّ اجل من العرش والكرسي وفتق نور الحسن وخلق منه اللوح والقلم والحسن اجل من اللوح والقلم وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان والحور والولدان والحسين افضل منهم فاظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة الى الله عز وجل الظلمة قالت اللهم بحق هذه الاشباح التي خلقتهم لما فرجت من هذه الظلمة فخلق الله روحا وقرنها باخري ثم اضائت الروح فخلق منها الزهراء فاضائت منها المشارق والمغارب فمن ذلك سميت الزهراء يا ابن مسعود اذا كان يوم القيمة يقول الله عز وجل لي ولعلي ادخلا الجنة من شئتما وادخلا النار من شئتما وذلك قوله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد والكافر من جحد نبوتي والعنيد من عاند عليّا وشيعته انتهى الحديث الشريف وهذا الحديث من قد ( الحديث قد خ ) تكفل لمبدئيتهم لكل الموجودات وقد امرني مولينا الاكرم وسيدنا الاجل الافخم الولي الاولى السيد محمد بن السيد مال‌الله القطيفي ادام الله بقاه وايده وابقاه ان املي كلمات في شرح هذا الحديث الشريف واشير الى فك رموزه وفتح مقفله وهذا المقام لما كان مناسبا لذكر هذا الحديث المبارك فلا بأس بان نشير الى مجمل بيانه امتثالا لامر ذلك المولى المكرم مع بضاعتي المزجي وقصور باعي عن تناول ذلك المطلب الاقصى الاسنى الا ان المأمور معذور

فاقول ان ابن مسعود اراد منه (ص) محض الحق ومخ الصدق في الدين الذي لا يضل المتمسك به وان يعرفه بالمعرفة العيانية الشهودية التي تلزمه الضرورة والبداهة ولما كان ذروة الامر وسنامه وباب الاشياء ورضي الرحمن الطاعة للامام كما قال الصادق (ع) والطاعة لا تكون الا بالاخلاص وهو لا يحصل الا بعد كمال المعرفة اراد (ص) ان يوقفه على حقيقة الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا وقد ورد في تفسيرها ان الحكمة معرفة الامام (ع) ولما كان معرفة الامام (ع) لا تكمل الا بمعرفة انه مثل النبي (ص) في جميع الفضائل الا ما استثني من حكم النبوة وانه نفسه وان منه بدأ الاشياء واليه عودها اراد (ص) ان ينبه ابن مسعود على هذه الدقيقة الحقيقة اللطيفة الشريفة ولما كان ابن مسعود كان النبي (ص) عنده في مقام عظيم من اعتقاد الجلالة والقرب عند الله واظهرت النبوة والعصمة ونزول الوحي تلك العظمة والكبرياء في قلوب المؤمنين به المصدقين له المشاهدين جلائل المعجزات وخوارق العادات منه (ص) واما امير المؤمنين (ع) فلم يكن يعتقد فيه ذلك المقام لعدم الظهور التام والبروز العام مع النبي (ص) وهو سر سكون السين في بسم الله الرحمن الرحيم وكان قد رآه في الصغر قد نشأ وكبر بين اظهرهم على طريقتهم وعادتهم فما كان يعتقد فيه (ع) ما كان يعتقد في النبي (ص) بل كان يراه مثل ساير الرعايا (خ) او افضل منهم اما مساواته له (ص) او قربه منه بحيث لا يكون بينهما واسطة صلى الله عليهما فلم يخطر بالبال ولاجري بالخيال فاذا كان الامر كذلك فلو ان النبي (ص) يذكر له اولا هذا المعنى ما كان يستقر في قلبه وما كان يحصل له ذلك الاطمينان والاستقرار الذي يحصل بالمعاينة والمشاهدة كما هو للكملين من العرفاء امره الله تعالى بلسان النبي (ص) ان يلج المخدع ويرى عليّا صلوات الله عليه وآله في عبادته ودعائه وتضرعه وتوسله الى الله سبحانه بالنبي (ص) فدخل ورآه كذلك وهو يسأل الله بالاسم الاجل الاعلى الاعلى الاعلى وهو معنى دعائه الله بالنبي (ص) فخرج ليخبر النبي (ص) بما رأى من شأن عليّ (ع) فاذا النبي (ص) راكع وساجد يدعو الله بعلي (ع) اي بالاسم الاعظم الاعظم الاعظم فعظم الامر على ابن مسعود وزعم ان كل واحد يجعل اقرب الخلق الى الله الوسيلة بينه وبينه تعالى في حوائجه ودعائه واستغفاره له ولغيره اما عليّ (ع) فقد عرفنا ان النبي (ص) اقرب منه الى الله فجعله وسيلة وواسطة وشفيعا واما النبي (ص) جعل عليّا وسيلة وواسطة ينبئ ان يكون هو اقرب الى الله من النبي (ص) وهو في الاول ما كان يعتقد انه يداني مقام النبي (ص) والآن قد ثبت عنده المثلية بقي يتحير ويتفكر في الافضلية فحار لبه وضاع عقله من عظيم ما ورد عليه من الامر العظيم حتّى غشي عليه فلما اثبت رسول الله (ص) ما اراد وتمكن منه كما اراد بما اراد كيف اراد وبقي ابن مسعود مترددا في الامر الاعظم الذي فيه فساد دينه ودنياه وآخرته وهو توهم الافضلية سأله (ص) وقال أكفرت بعد ايمان اي بعد الايمان باني خاتم النبيين وخير خلق الله اجمعين ولا نبي بعدي وانا اشرف من كل الموجودات لان الله بعثني نذيرا للعالمين على سبيل العموم كما انزل في كتابه الذي آمنتم به تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا تتوهم هذا التوهم فمن هذه الجهة ابدي ابن ‌مسعود ما في باطنه (خ) فقال ما ادري ايكما افضل لعظم ما صار في عينه ولو كان مطلعا على سر الواقع لما كان له هذه الواهمة فان الله سبحانه يدعي باسمائه فافهم فلما استقر في قلب ابن مسعود عظم شأن مولينا امير المؤمنين (ع) بما لا يوصف قدره اخذه ( اخذ خ ) (ص) في بيان انه واولاده وزوجته الطاهرة كلهم في الحقيقة واحدة ونور غير متعدد وكلهم مع النبي (ص) في رتبة واحدة الا ان له (ص) فضل النبوة وانهم مبدأ الوجود والذوات والصفات واليهم مردها ومعادها فاشار (ص) الى البدو بقوله الشريف ان الله خلقني وعليّا وفاطمة والحسن والحسين من نور عظمته قبل خلق الخلق بالف عام واختصاص هذه الخمسة لظهور اعيانهم المقدسة ومعرفة ابن مسعود اياهم والا فكل الاربعة عشر سلام الله عليهم لهم حكم واحد خلقوا من نور عظمته جميعا واضافة النور الى العظمة بيانية اي نور هو عظمته تعالى فان العظمة الظاهرة في المخلوقين ليست قديمة وانما هي حادثة ولا سبقهم في الوجود حادث بالاجماع من المسلمين في النبي (ص) والفرقة المحقة في الجميع فهم اسماء الله الظاهرة في المخلوقين في المقام الاعلى وهم مباديها في مقام دون الاول فهم العظمة الظاهرة والقدرة الباهرة المستطيلة على كل شيء والعلم الذي وسع كل شيء وهكذا جلاله وجماله وبهاؤه ورحمته ونوره وفخره وشرفه وسلطانه وغيرها من امثالها مما هو المفصل في دعاء السحر ودعاء كل يوم من شهر رمضان المبارك والعام اذا اطلق في مثل هذه المقامات يراد منه الرتبة لا المدة الزمانية لان العظمة الغير المتناهية بدوا وعودا لا يسعها الزمان والمكان والحدود والاوقات استخلصهم الله في القدم على ساير الامم اقامهم في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار فاذن هم وجه الله وليس للوجه زمان ولا مكان فاذا قالوا الف عام يريدون رتبة واحدة وهو نوعية تتضمن انواعا اضافية واصنافا وافرادا شخصية بحسب ملاحظة نسب اطوارهم فاذا قلت الفين تريد به نسبتهم في الغيب والشهادة واذا قلت اربعة عشر الف تريد به تفاصيل اطوارهم السبعة في الرتبة الاجمالية والتفصيلية واذا قلت ثمانون‌الف تريد مراتب وجودهم الاربعين في الغيب والشهود وهكذا ساير تصاريف الاعداد الواردة في هذا الباب فان مدة اقامتهم قبل الخلق اختلفت الآثار والاخبار فيها وبما ذكرنا ظهر لك وجه الجمع وارتفع التعارض واما الالف فانهم لما كانوا مع الله وعند الله كما قال تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون الآية قال مولينا الصادق (ع) نحن الذين عنده وذلك لانهم وجه الله وعين الله ويد الله وجنب الله واذن الله وعلم الله وقلب الله ونفس الله كما في الزيارة السلام على نفس الله القائمة فيه بالسنن واي اختصاص اعظم من ذلك فاذا كانوا هم معه سبحانه وقد قال تعالى وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون فكانت السنة التي عندنا الفا (خ) عندهم فنحن دائما في مقام الآحاد وهم (ع) دائما في مقام الالوف لان مقامهم بالنسبة الينا مقام النقطة من الكلمة التامة في الكلمة الابداعية التكوينية فافهم فان البيان يطول به الكلام فهم سلام الله عليهم كانوا مخلوقين قبل الخلق وقبل التسبيح والتقديس لانهما اضافتان تابعتان للمسبح والمقدس بالكسر فاذا فقدوا فقد التسبيح والتقديس فلم يبق سوى تسبيحهم وتقديسهم سلام الله عليهم فلما اراد الله سبحانه ابداع الكائنات واحداث الموجودات وخلق الارضين والسموات واحداث الاشقياء والسعداء فتق نور محمد (ص) واحدث منه كل الخيرات وجمل الارضين والسموات وما فيهما وما بينهما من الذوات والصفات والمراد بالسموات مطلق العلويات كما قدمنا انها المعنى الحقيقي للسموات والارضين مطلق السفليات من القوابل الطيبة والقوابل الخبيثة على ما فصلنا (خ) لك في اول المبحث من التقوم الذاتي والعرضي ثم لما ذكر الحكم الاجمالي اخذ في التفصيل كما ان نسبتهم (ع) اليه (ص) نسبة التفصيل الى الاجمال ولذا قال (ص) انا الشجرة وعلى اصلها وفاطمة فرعها والائمة اغصانها كذلك نسبة آثارهم الى آثاره حرفا بحرف لان الاثر يشابه صفة مؤثره فاخذ (ص) في التفصيل فابتدأ بذكر اشرف الموجودات واكملها وهو العرش والكرسي فقال (ص) وفتق نور عليّ (ع) فخلق منه العرش والكرسي وفي حديث العباس ان العرش والكرسي مخلوقان من نور محمد (ص) ولا تنافي بين الحديثين لانهما حقيقة واحدة يجوز ان تنسب لكل منهما ما تنسب للآخر كما قال امير المؤمنين (ع) انا محمد ومحمد انا وانا من محمد كالضوء من الضوء واذا اردت النسبة الحقيقية فاعلم ان العرش حكم الاجمال والكرسي حكم التفصيل فاذا قرنت بينهما فمرة تلاحظ حكم العرش في الاجمال ويكون حكم الكرسي تابعا له وداخلا معه لان حكم الاقتران والاتصال حكم البرزخية الكبرى التي يحصل لها الطرفين ويحكم بحكمه ومثاله وبيانه تقاطع دائرتي المعدل ومنطقة البروج فدايرة المعدل بسيطة لا كثرة فيها ابدا وهي مظهر العقل ودائرة المنطقة متكثرة لا بساطة فيها ابدا وهي مظهر النفس الكلية والمتقاطعان مظهر الروح الرقائقي وهو القران بين العرش والكرسي فاذا اطلق البرزخ فمرة يراد به الطرف الاعلى ويتبعه الطرف الاسفل ومرة بالعكس فبالعكس فاذا جمع بين العرش والكرسي يريد الحالة المرتبطة وهو صورة الباء في بسم الله الرحمن الرحيم فاذا نسب الى النبي (ص) فيراد به العرش واذا نسب الى عليّ (ع) فيراد به الوجه الاسفل التفصيلي فافهم ثم قال (ص) ثم فتق الله نور الحسن وخلق منه اللوح والقلم وهذا اللوح والقلم باطن الشمس والقمر لا باطن العرش والكرسي ليقال يلزم ان اثر الحسن (ع) اقوى من ابيه (ع) ولا يصح ذلك ابدا والدليل على ان اللوح والقلم في هذا المقام تحت العرش والكرسي ما في الحديث المتقدم في خلق نور النبي (ص) الى ان قال اقامه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش من قسم واقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ثم جعله اقساما فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وهذا صريح في ان اللوح والقلم مؤخران عن العرش والكرسي فليسا اذن الا باطن الشمس والقمر فان الشمس مثال العرش الذي هو مثال العقل الذي هو القلم والقمر مثال الكرسي الذي هو مثال النفس التي هي مثال اللوح ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه حديث العباس ان الله فتق نور الحسن عليه السلام فخلق منه الشمس والقمر فافهم وفتق نور الحسين عليه السلام فخلق منه الجنة والحور والولدان فتمت العوالم والذوات الطيبة من البسايط والمركبات فان المبادي لا يخلو مما ذكره (ص) ولما كان لكل شيء ضدا وكل نور يقابله ظلمة فانوجدت المراتب السفلية والذوات الخبيثة والمركبات الخبيثات والبسايط المسخوطات بالمقابلة فانعكس من العرش والكرسي الثرى وتحت الثرى الى الطمطام وظهر نتنها وخبثها الى جهنم والثور والصخرة اي صخرة سجين التي هي كتاب الفجار وطينة المنافقين ومن اللوح والقلم في هذا المقام ارض الشهوة وارض الممات ومن الجنة والحور والولدان جهنم والحيات والعقارب واهلها فاراد استنطاق طبايعهم واظهار خبثهم ونفاقهم فسألهم ألست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ والائمة وفاطمة الصديقة اوليائكم فقالوا نعم يعني اجابة للنفي يعني انت لست ربنا ( بربنا خ ) الخ فاشتدت ظلماتهم وتراكمت بعضها على بعض حتّى وصلت الى اقطار الانوار التي تستأهل لقبول الظلمات وسرت الى الغير المعصومين احكام الخلط واللطخ من اولئك الظلمة الاشرار حتّى استولت تلك الظلمات المشارق والمغارب وخفي امر الحق وظهر الباطل وخفيت الكلمة العليا واستعلنت ( استعلت خ ) الكلمة السفلى وهو قوله (ص) اظلمت المشارق والمغارب وهي المشارق والمغارب في افلاك الغير المعصومين الذين تتمكن فيهم احكام اللطخ والخلط واختلاط الطين بفتح الياء ولما انه يجب رد كل فرع الى اصله وكل صورة الى معناها ليظهر قوله تعالى الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ولما كان كل خير وكل هداية ورشد لا بد وان يكون يظهر منهم سلام الله عليهم ولذا سمع الله سبحانه شكوي الملائكة واستجاب دعائهم حيث سألوه ازاحة تلك الظلمات بحرمة تلك الاشباح الطاهرة والمثل النورية فخلق الله سبحانه روحا وهي الروح الظاهرة في عالم البشرية وهو مولانا وسيدنا الحسين عليه السلام الذي صار في معرض الشهادة وتبعها ارواح باقي الاربعة عشر سلام الله عليهم وقارنها باخري وهي البشرية الظاهرية لمولاتنا وسيدتنا فاطمة (ع) واما الذاتية الحقيقية فقد كانت مخلوقة قبل مع تلك الذوات الطيبة كما هو صريح قوله (ص) ان الله خلقني وعليّا وفاطمة والحسن والحسين فوجب ان يكون هذا الخلق هو خلق ظاهريتهم البشرية للخلق بما يناسب احوالهم ليذهبوا تلك الظلمات ويغسلوا درن السيئات ويوصلوا كل فرع الى اصله ولما كان اصل هذا الامر وقدوته الحسين (ع) وهو الفجر وهو قرآن الفجر الذي يكون مشهودا خصه بالذكر والا فالكل داخلون في التبعية او الروح الاولى ظاهرية الجميع والاخرى ظاهرية الزهراء وبشريتها وحامليتها حتّى تكون امّا لها ثم اضائت الروح اي روح الحسين (ع) بجميع (خ) انحاء الاضائة في تلك الطينة الطيبة فخلق منها اي خلق ظهورها وكونها زاهرة لجميع الخلق حتّى عرفوا انها الزهراء (ع) فهي تزهر بتلك الروح النورانية ولذا ورد ما مختصر معناه ان اهل المدينة كان يصل اليهم عند الظهر نور اصفر متشعشعا يضيء على جدرانهم وبيوتهم وحجراتهم فيأتون النبي (ص) فيأمرهم ان يذهبوا الى بيت فاطمة (ع) فيرونها وقد قعدت في محراب عبادتها ويتلألأ منها نور اصفر يضيء العالم وهكذا وقت المغرب يشاهدون نورا احمر ووقت الصبح كانوا يشاهدون نورا ابيض فلما ولد الحسين (ع) ذهب ذلك الاشراق ولان الحسين (ع) ايضا كان محلا واصلا لتفرع اغصان الولاية العشرة التسعة عنه مع ما اراد الله ان يضيء به العالم من اظهار امره ودينه وابراز سره وحقه وهذه الظاهرية البشرية بالتدبير والتصرف هي الروح المقرونة بالروح كما سمعت فان لهم سلام الله عليهم ثلث مقامات : مقام لهم في ذاتهم وحقيقتهم وهذا لهم لا يشاركهم غيرهم ولا يشاركونه ايضا ولا احد يصل اليهم ويريهم ولا يأخذ منهم في ذلك المقام وهو تأويل قوله تعالى وبئر معطلة وقصر مشيد وقد قال الشاعر في هذا المعنى :

بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا ينزف

ومقام لهم في ظهورهم للخلق في الكينونة الاولى قبل حكم الخلط واللطخ وتمكن الاعداء من الاحباء ومناسبة الاحباء مع الاعداء وقبل الامتزاج ومقام النور الدائم والضياء القائم كما يؤل اليه الامر في الرجعة والقيامة بالنسبة اليهم والى احبائهم سلام الله عليهم ومقام لهم في ظهورهم للخلق في الفطرة الثانية وظهور الخلط واللطخ واستيلاء ظلمة اولئك المنافقين في المشارق والمغارب وسريانها في جميع المآرب والمطالب فهذا الظهور يجب ان يكون على انحاء مختلفة فتارة بالقهر والغلبة الجبريتين وتارة بالخضوع والخشوع والانكسار التام وتارة بالجذب وتارة بالدفع وتارة بالمنع وتارة بالعطاء وتارة بالتقية وتارة بالواقع وتارة باظهار حكم الربوبية وتارة بالظهور بكمال الخضوع والعبودية وتارة بالظهور وتارة بالغيبة والخفاء وهكذا يتقلبون في الاطوار والاحوال ليذهبوا تلك الظلمات من غير اجبار ولا اكراه وينوروا المشارق والمغارب ويخلصوا احبائهم من تلك الاكدار بعد ما تلوثوا بتلك الاغيار وتمكن فيهم الغبار كما يخلص الحكيم الماهر الاكسير الصافي من الاجسام الكثيفة والاجساد المختلطة بالاوساخ بانواع التقطير والتعفين بانحاء شتى في تربية النار فلو كانت النار في العمل على طريقة عند اشتداد النار او كان لا يتصفى عند خفتها ولطفها فوجب ولما كان كل ظهور وكل طور روحا ونورا لهم بالنسبة الى ذلك المقام ولا بد له من جعل وخلق وايجاد ولما كان ليس مقصودا بذاته وانما هو مقصود بالعرض فلا بد له من سبب وعلة فالسبب هو ظلمة المشارق والمغارب بانكار اولئك الفجار واستيلاء الظلم في هذه الدنيا من الاشرار فشكت الملئكة الانوار الذين هم روابط الفيض بين المبدأ وبين الطيبين من الشيعة لما وجد من استيلاء القوم الجبارين ازاحة تلك الظلمات وازالة تلك الشكوك (خ) والشبهات ولما كانت هذه الدنيا ليست على كمال الاعتدال فماتتحمل اشراق تلك الانوار فاقتضت الحكمة ان يكون ( يكونوا خ ) في الظهور من مولاتنا الزهراء فاسكنها عندها واظهرها في الدنيا على حسب ما اراد سبحانه فانار العالم بها واصلحه واتمه واكمله فظهر في الرجعة على اكمل الاستقامة الى ان اتصل بدار الخلد ودار المقامة وذلك تقدير العزيز العليم فلك ان تجعل الروح الاولى ظاهرية الحسين (ع) لانه الاصل في هذه الاضافة ( الاضائة خ ) او ظاهرية الجميع بالانتساب سواء كانت الابوة او القرانية والزوجية لتحقق الجوزهر في فلك القمر بامر مستقر او المحمولية كما قال تعالى فيها يفرق كل امر حكيم اي كل امام حكيم والروح الاخرى هي ظاهرية الزهراء (ع) على كل حال فزهرتها من تلك الانوار ولذا ورد المصباح في زجاجة ان المصباح هو الحسين (ع) والزجاجة هي فاطمة (ع) كأنها كوكب دري فيكون المصباح في الزجاجة نور على نور فافهم والمصباح الذي هو الحسين (ع) ظاهريته (ع) واما ذاته (ع) فهي موجودة قبل وجود فاطمة لانه اشرف وافضل منها فافهم فلما بين (ص) امر المبدأ وان العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والحور والولدان بنا قامت وان المنافقين والاشرار بعكس نورنا وبظلال اشباحنا تقومت وان الدنيا وما فيها بجميع اختلافاتها بنا صلحت وباعدائنا فسدت وبنا حييت اراد (ص) ان يبين له ان المعاد ايضا الينا والحساب علينا والجنة والنار بيدينا والقيمة واحوالها واهوالها والخلائق كلها مرجعهم الى امرنا لانا يد الله وعين الله ووجه الله وكلمة الله وجنب الله فقال (ص) يا ابن مسعود اذا كان يوم القيمة يقول الله عز وجل لي ولعلي ادخلا الجنة من شئتما وادخلا النار من شئتما لان الجنة لا يستحقها احد من فضله تعالى الا باتباعهم ومحبتهم والبراءة من اعدائهم والنار لا يستحقها احد الا بمخالفتهم اذ لا طاعة لله سوى طاعتهم طاعتهم عين طاعة الله ومحبتهم عين محبة الله وهو قوله تعالى القيا يا محمد ويا عليّ في جهنم كل كفار عنيد والكافر من جحد نبوتي لانه قد ستر الحق رأسا بانكاره للنبوة والعنيد من عاند عليّا وشيعته لانه خارج عن ظلمة الكفر وداخل في ظلمة النفاق فهو معاند للحق ومنكر للصدق المطلق فان الولاية لاجل الاظهار والتفصيل كما ان النبوة حكم الابهام والاجمال وهو قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد والمنذر هو محمد (ص) والهادي هو امير المؤمنين فبين (ص) لابن مسعود حقيقة الحق الذي لا يضل المتمسك به فاثبت ان الولي منه بدأ الاشياء واليه عودها وعليه تدور دائرة الكائنات فظهر لك مما بينا واوضحنا ان مبدأ السموات والارض وعلتها ( علتهما خ ) والواسطة لايصال فيض الفياض اليها والحامل لمواقع الفعل ومراتب المشية والارادة عند التعلق بها والاسم المربي لذواتها وصفاتها وكينوناتها وساير آثارها عن ( من خ ) حركاتها وانوارها واستدارتها ومقدار اشعتها هو الولي (ع) اعني الحقيقة المحمدية الظاهرة في الهياكل الاربعة عشر صلى الله عليهم اجمعين لان الله تعالى اقامهم في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار فاذا سميتهم العلة الفاعلية بهذا المعنى فما اخطأت بل اصبت واجدت لما اجمع عليه الفرقة المحقة من ان الفاعل والخالق من صفات الافعال لا من صفات الذات واما العلة فلا يصح اطلاقها على الله اي على الذات البحت بوجه من الوجوه وهو قول امير المؤمنين علة ما صنع فعله وهو لا علة له كما شرحنا وفصلنا في ساير رسائلنا ومباحثاتنا واجوبتنا للمسائل

المبحث السادس في العلة المادية لخلق السموات والارض وكيفية احداثهما وايجادهما وتركيبهما وصورتهما وغيرها من احوالهما اعلم انا قد ذكرنا في المبحث المتقدم ان الله سبحانه وتعالى خلق السموات والارض من شعاع نور آل محمد صلى الله عليهم فنسبتها اليهم نسبة الشعاع الى المنير ثم ان الشعاع على قسمين شعاع متصل هو نسبة القشور الى الالباب وشعاع منفصل وهو نسبة الآثار الغير القارة الى مؤثراتها كالكلام بالنسبة الى المتكلم وكالانوار المنفصلة من الشمس الواقعة على الارض والسموات على قسمين :

سموات هي في عالمهم ومن عالمهم وهي على قسمين :

سموات هي تمام حقيقتهم ومتمم كينونتهم باتمام قصبة الياقوت وسر اللاهوت وحجاب الملك والملكوت ومعدن العزة والجبروت فالسماء الاعظم والعرش الاقدم هو الحقيقة المحمدية (ص) والكرسي هو الحقيقة العلوية (ع) وفلك البروج وفلك المنازل وفلك زحل وفلك المشتري وفلك المريخ وفلك الشمس وفلك الزهرة وفلك عطارد وفلك القمر وفلك الرأس وفلك الذنب هم الاحد عشر معصوم من ذرية امير المؤمنين سلام الله عليه والارض هي فاطمة الصديقة الحاملة لآثارهم المظهرة لانوارهم وهذه السموات والارض هي تمام حقيقتهم وكمال ظهور كينونتهم وهي الاصل الذي تدور عليه جميع السموات في جميع العوالم وتنبعث منه جميع الخيرات في جميع المراتب وهذه السموات نشأت من السماء الاولى التي هي العرش لنشو المفصل من المجمل وهو المراد بشعاع المتصل المادة فيها واحدة الا انها مشككة وهي النور من عالم السرور واصلها صفو الماء الذي به حيوة كل شيء ونور النار المتخذة من الشجرة المباركة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية قد قبضت كلمة الله التي هي يد الله التي هي امر الله من قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون قد قبضت تلك الكلمة باسم الله القابض جزء من نور النار وجزئين من صفو الماء فمزج بينهما وزوجهما بالقاضي الذي يشير اليهما بالتراضي وهو برودة انفعالهما ويبوسة حفظهما لما يرد عليهما من فاعلهما ومؤثرهما ولما وجب تلاشيها وذوبانها فلا يجوز ان تكون مثل الماء والنار فتكون بين الربع والنصف ثم نفخت على الجميع بريح الجنوب المثارة من شجر البحر اي الشجرة الكلية الالهية وهي شجرة الخلد اول شجرة نبتت في ارض الامكان الراجح والعجب ان الامكان ثمرة تلك الشجرة وهي نابتة فيه وهو ناشئ منه وهو قوله تعالى كن فيكون فافهم ان كنت تفهم والبحر بحر الفيض الاقدس والنور المقدس مبدأ الافاضة ومحل الاستفاضة سر الوجود وحقيقة الركوع والسجود ووجه الله المعبود والشاهد والمشهود فلما التئمت الاجزاء واستقرت ومال كل منها الى صاحبه ومال صاحبه اليه مع ادامة اشراق شمس الازل والنور الواحد الذي لم يزل نضجت فتألفت فتكونت مستديرة على وجه مبدئها ومقبلة عليه بكلها وهو قول عليّ بن الحسين سيد الساجدين (ع) اللهم اني اخلصت بانقطاعي اليك واقبلت بكلي عليك والاقبال بالكل هي الاستدارة فظهرت بالاستدارة الصحيحة وقامت تدور على مركزها وتحوم حول قطبها ولا تتعدى طورها ولا ينقطع سيرها ولا يفنى دورها ولم تزل تترقى الى ما لا نهاية له وهي في كورها قال الله سبحانه وتعالى حكاية عنها وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون فلما تمحضت استدارتها على الوجه الاعظم واستمرت كرتها على القطب المعظم حملت الاسرار وتحملت الانوار وبقيت تفيض على غيرها ويستمد منها سواها ذلك تقدير العزيز الجبار وهذه هي مادة السموات العليا قد ذكرنا لك بالاشارة ولوحنا الى مطالب جليلة في طي العبارة فما اسعدك لو وفقت لفهمها

والقسم الثاني من سموات عالمهم سلام الله عليهم هي السموات المحيطة بهم المستديرة عليهم استدارة القشور بالالباب وهي تسعة اذا اعددتها واربعة عشر اذا فصلتها كما يأتي اليها الاشارة في مبحثها وهذه التسعة هي سماء القلب وسماء الصدر وسماء العقل وسماء العلم وسماء الواهمة وسماء الوجود وسماء الخيال وسماء الفكر وسماء الحيوة وارض الجسد وهذه التسعة مستديرة عليهم مادتها تنزل ذواتهم وحقايقهم من عالم الغيب المطلق الى عالم الشهود والتعين والبروز تنزل الماء الى الثلج والملك الى حجر ( الحجر خ ) الاسود وجبرئيل الى صورة دحية بن خليفة الكلبي وامثالها فان ذلك الماء لما نظر الى نفسه ونظر الى عبوديته خاف مقام ربه فانجمد ببرودة الخوف فكلما كان نظره الى نفسه اعظم كان خوفه اعظم فانجماده اكثر فكلما هو اقرب الى المبدأ قل ( اقل خ ) انجمادا واكثر ذوبانا واشد اتساعا واحاطة واوسع دائرة واسرع سيرا الا ان تعوقه العوائق الخارجة عن ذاته كما نذكر ان شاء الله تعالى فيما بعد وكلما هو ابعد عن المبدأ اعظم انجمادا واقل اتساعا واضيق احاطة ولذا كان فلك الحيوة اضيق الافلاك والسموات واصغرها وارض الجسد ( اضيق الجميع خ‌ل ) لكمال البعد وعظم الانجماد الى ان فقدت الحركة فيها وبقيت لا تتحرك اصلا كما هو المعلوم الظاهر فهذه السموات هي اشعتهم المتصلة بعالمهم المتحققة في مقاماتهم ومراتبهم وان كانت في المراتب المتنزلة الا انها تحسب منهم واخذت من فاضل طينتهم التي تناسب اصل ذواتهم وحقيقتهم فهذه السموات بقسميه من القسم الاول من الشعاع اي المتصل وقد نعبر عنها بالاثر المتصل وغير ذلك من العبارات

واما القسم الثاني من السموات فهي عوالم السوي قد وجدت كلها من اشعتهم المنفصلة والآثار التي بينهم وبينها بينونة الصفة وقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى مادة السموات والارض المعلومة وكيفية احداثهما بما لا بيان اعظم واتقن ولا قول احكم واتقن منه صلى الله عليه وآله وعلى اخيه وزوجته واولاده الطاهرين على ما في نهج البلاغة في خطبة له (ع) الى ان قال عليه السلام ثم انشأ سبحانه فتق الاجواء وشق الارجاء وسكائك الهواء فاجرى فيها ماءا متلاطما تياره متراكما زخاره حمله على متن الريح العاصفة والزعزع القاصفة فامرها برده وسلطها على شده وقرنها الى حده الهواء من تحتها فتيق والماء من فوقها دقيق ( دفيق خ ) ثم انشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها وادام مربها واعصف مجريها وابعد منشاها فامرها بتصفيق الماء الزخار واثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء وعصفت به عصفها بالفضاء ترد اوله على آخره وساجيه على مائره حتّى عب عبابه ورمي بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق وجو منفتق فسوي منه سبع سموات جعل سفلاهن موجا مكفوفا وعلياهن سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا بغير عمد يدعمها ولا دسار ينظمها ثم زينها بزينة الكواكب وضياء الثواقب واجرى فيها سراجا مستطيرا وقمرا منيرا في فلك دائر وسقف سائر ورقيم مائر ثم فتق ما بين السموات العلى فعلاهنّ اطوارا من ملائكته منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون لا يغشيهم نوم العيون ولا فترة الابدان ولا غفلة النسيان الخطبة فذكر (ع) في هذه الكلمات المباركة جميع احوال العلة المادية لخلق السموات والارض واجزائها وشرايطها واسبابها وعللها ولوازمها ومتمماتها ومكملاتها وساير احوالها ولو تصدينا لشرح ما تضمنه هذه الكلمات المباركة لضاقت الدفاتر فلنقتصر على بيانها بالاشارة الاجمالية الى نوع البيان فنقول ان مراده (ع) بالماء المتلاطم المنبعث من سكائك الهواء اي تصادم اجزائه بعضها ببعض وشق الارجاء التي هي الاطراف والنهايات والحدود الحاصلة من فتق الاجواء وقد ذكرنا هذه الكلمات وشرحها فيما كتبنا من شرح الخطبة الطتنجية على اكمل بيان واوضح تفصيل ومن اراد ذلك فليطلبها هناك وبالجملة فهذا الماء هو شعاع نورهم وبدأ ظهورهم وهو ماء عند ملاحظة التعلق والارتباط ونار عند ملاحظة النسبة اليهم وعدم الارتباط ولا بأس ان نشير الى كيفية تحقق هذا الماء على ما تضمنته كلمات امير المؤمنين (ع) فنقول اعلم ان الله سبحانه خلق ياقوتة حمراء من جزء من صفو النار وجزئين من صفو الماء بيبوسة ارض القابلية فنظر اليها بنظر ( بعين خ ) الهيبة فماعت وذابت وصارت ماء رجراجا وبحرا عظيما يتغطمط امواجا فاشرق على ذلك البحر شمس اسم الله القابض فظهر اسم الله الحي والرحمن بريح الجنوب فتموج البحر واضطرب بتصفيق الرياح الشديدة التي هي جهات فعل الله وهي مظاهر اسم الله الاعظم فصعدت الابخرة المختلطة بالاجزاء النارية والترابية المستجنة في زبد البحر فكانت تلك الابخرة والادخنة مادة السموات السبع والافلاك التسع فبقى الزبد على وجه الماء فجعله سبحانه مادة للارضين السبع فبعد ما دحي الارض واستوت واستقرت في يومين يوم المادة والصورة استوى الى السماء وهي دخان فسويهن سبع سموات فاول ما ظهر منها فلك الشمس فدارت الافلاك فوقها وتحتها حسب ما فيها من القوي الالهية لكونها مهبط الاسماء الفعلية والانوار الاربعة القدسية العرشية ثم لما كانت تلك الادخنة متفاوتة في الغلظة والتصفية رتبت السموات على الترتيب المعروف فملأ ذلك البحر الوجود بمائه ودخانه وزبده فاستدار بعضه على بعض وتحقق الليل والنهار فظهرت مكنونات خبايا الاسرار

هذا الذي ذكرنا كلام جار على الحقيقة بالاجمال والاشارة الى حقيقة الامر والواقع اعلم ان النون اي بحر الصاد اول الماء الذي كان عليه عرش الرحمن والماء منه كل شيء حي وبه قوام كل شيء فلما كان متمم ظهور الهاء عن الكاف لا كتتميم الهاء المشبع الذي هو هو للاسماء الحسنى وتتميم الاحد للواحد بل كتتميم الصفة لظهور الموصوف وتتميم الفرع لجهات تعريف الاصل ظهر مثالا للظاهر او حاكيا له بذاته فكان حافظا لوجوده في جميع مراتب التربيع والتكعيب فاحكم في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم الآية فظهر حافظا (خ) لنفسه في كل الاطوار والاكوار والادوار فصار به كل شيء حي في الاعلان والاسرار من الاكوان الستة التي عليها المدار اما الكون الاول فنوراني لا غير واما الكون الثاني فجوهري لا غير والكون الثالث فهوائي لا غير والكون الرابع فمائي لا غير والكون الخامس فناري لا غير واما الكون السادس فاظلة وذر ثم سماء مبنية وارض مدحية وان اردت ان تعرف حقيقة هذا الماء وسبب نشوه ومادته وصورته فاعلم ان التكوين اقتضى الحرارة لانه الحركة بنفسها من الظاهر بالفعل الى المكون بالفتح والتكون اقتضى البرودة لانه السكون المنتهى اليه الحركة مقام الجمود والوقوف ولما كان التكوين هو الفعل الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره اقتضى مع الحرارة اليبوسة لثبات الاستقرار وتحقق القرار قال عز وجل وما منا الا له مقام معلوم ولما كان التكون هو الحامل لاثر التكوين والماسك له اقتضى ان يكون ذلك الاثر حارا لتحقق المثلثة ( المثلية خ ) وكذا ان يكون رطبا للسيلان الى المكون والربط الى المكون ليتحقق الحل الاول المستلزم للعقد الذي هو الاتحاد ولما كان التكون لا يكون الا بالقبول لاثر التكوين وذلك لا يكون الا بالاقبال الى المقبول والارتباط به من جهة القابل اقتضى الرطوبة مع البرودة فتمت العناصر الاربعة الاول الحار اليابس وهو النار اي الفاعل الثاني الحار الرطب وهو الهواء وهو اثر الفاعل اي المصدر وهو المفعول المطلق وهو الهاضمة وبطن فرس وحمام مارية الثالث البارد الرطب وهو الماء وهو جهة القابلية المحضة الفتاة الغربية ولبنة العذراء الرابع البارد اليابس وهو الارض وهو جودة حفظ القابل بفعل الفاعل وامساكه اياه وهو الارض المقدسة والجسد الجديد هذا في اصل الكون عند التكوين الاول في ثاني الازل فلما اقترنت هذه العناصر الاربعة واتصلت بهذا الترتيب وقع اثر الفاعل على القابل واستجنت الحرارة الفاعلية في الاجزاء الارضية القابلة وكانت الحرارة الاصلية الاولية دائمة الاشراق على الارض القابلة فهيجت تلك الحرارة المستجنة في الاجزاء الارضية واقبلت الى مبدئها باعانة الامدادات الفائضة من الاشراق الدائم وصحبت معها الاجزاء المائية اللطيفة المستجنة فيها الاجزاء الارضية اللطيفة بحكم المشابهة والمناسبة الذاتية فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لكن الاجزاء الارضية مستهلكة مضمحلة تكاد تضيء وتتلألأ بخفق والاجزاء المائية اللطيفة التي هي محض القابلية والاستعداد المقابلة لفوارة النور بسر الامداد مضاعفة فاصابه برد التكون بالتكوين ثانيا فانجمد وانعقد تحت سماء التكوين فثقل وتقاطر ونزل محصول ( فحصول خ ) النسب والاضافات المستدعية النزول ( للنزول خ ) عن مقام البساطة الحقيقية فكان ماء رجراجا وبحرا مواجا فهذا هو الماء الاول وان كان المصطلح عليه هو الماء الذي به حيوة الموجودات المقيدة (خ) التي هي النون والصاد والمزن المذكور آنفا ولو كان لك بصر حديد علمت ان هذا القول يجري في كل ما تلاحظ مخلوقيته من السرمد الى الدهر الى الزمان وبالجملة نحن نحكم حكما كليا فان قدرت ان تجريه في جميع الجزئيات فعلت ملاحظا للصدق اللفظي والوصف التأثري والا فعلى مقدار ما استطعت ولما تحقق ذلك البحر المواج والماء الرجراج وقابلته نار التكون صعدت بها الابخرة وهي اللطايف المستجنة والارواح المستكنة فتراكمت الابخرة وتطابقت وظهرت على هيئة الاستدارة وهيئة الفقر والفاقة وهيئة الغني والافاضة ودارت للاتصال بالمبدأ بحكم المناسبة لوجود المثال الملقى في الهوية وهي الافلاك ومادتها وحقيقتها واصلها ومنشأها فلما اختلفت مظاهر ذلك الماء ومراتبها باللطافة والشرافة والكثافة والغلظ والبعد والقرب وبطلت الطفرة جرى الفيض الاختراعي والابتداعي عليها على ذلك الترتيب فدارت العلويات على السفليات واحاطت على الجزئيات فاعطى سبحانه تعميم فضله وسابق كرمه بها كل ذي حقه حقه وساق بها كل مخلوق رزقه وهذا الحكم يجري في كل دور وكور وعالم من العوالم الف الف فيكون الف الف سموات والف الف ارضين ومادة تلك السموات على ما فصلنا لك الا ان تلك المادة في كل عالم بحسبه ففي العقول عقلية والارواح روحية والنفوس نفسية والمثال مثالية والاجسام جسمية ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير فافهم فهذه هي العلة المادية وقد عرفت انها ماء قائم واقف قد قطر ذلك الماء من فاضل عرق محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين عند العروج الى اعلى معارج الوصال والصعود الى اقصى درجات الاتصال فلما وصلوا الى مقام المقابلة الممكنة اشرق عليهم من ذلك النور الدائم والضوء القائم فاذاب ما انجمد من الكينونة لما نظرت الى نفسها وخضعت وخشعت لربها فاثرت تلك الحرارة الموجبة للذوبان في اجسامهم واجسادهم واعني بها الاشباح المنفصلة والاجسام التعليمية فتقاطرت منها قطرات فكانت مادة للسموات ثم انصبغت تلك القطرات على ما انصبغ كينونتهم عند التوجه الى ربهم بصبغ سر اسم من اسماء ( الاسماء خ ) العظام وذكر من اذكار الملك العلام فكانت مادة السماء مخصوصة من السموات وذلك انهم (ع) لما عرفوا انفسهم فخضعوا لربهم بكمال الخضوع والاقبال واعلى مراتب الخضوع السجود فسجدوا وذلوا فقالوا سبحان الله فانبعث منهم نور ابيض ثم قالوا الحمد لله فانبعث منهم نور اصفر ثم قالوا لا اله الا الله فانبعث ( منهم خ ) نور اخضر ثم قالوا الله اكبر فانبعث منهم نور احمر فتمت بذلك اركان العرش واستقرت بها سكان الفرش ثم ان الله سبحانه خلق السموات السبع حسب ظهور جهة من جهات هذه الاركان اما بالانفراد او بالاقتران فاختلفت موادها بعد اتفاقها بكونها دخانا سيالا كما نشرح ان شاء الله تعالى عند ذكر الالوان والى هذا المعنى يشير ما ورد عن (خ) النبي (ص) في حديث ابن‌سلام انه سأل النبي (ص) فقال اخبرني ما بال سماء الدنيا خضراء قال (ص) يا ابن‌سلام اخضرت من جبل قاف قال صدقت فاخبرني مم خلق قال (ص) من موج مكفوف قال يا ابن ‌سلام ماء قائم لا اضطراب لها وكانت في الاصل دخانا قال صدقت يا محمد الى ان قال فاخبرني عن السماء الثانية مم خلقت قال (ص) من الغمام قال صدقت فاخبرني عن السماء الثالثة مم خلقت قال من زبرجد قال فالرابعة قال (ص) من ذهب احمر قال فالخامسة قال (ص) من ياقوتة حمراء قال فالسادسة قال (ص) من فضة بيضاء قال فالسابعة قال من ذهب قال صدقت الحديث فقوله (ص) في سماء الدنيا التي هي آخر السموات واقربها الى الارض وهي مبدأ الصور وعلة البرودة والرطوبة وينسب اليه المد والجزر (خ) في البحر فعلمنا يقينا انه كما قال (ص) موج من البحر مكفوف اي ماء قائم واقف لانه جهة الانفعال ومقام الصور والتفصيل ومحل العدد والحساب فباردة لانتسابها الى جهة الماهية ( المائية خ ) ورطبة لسرعة قبولها للتشكل واليها ينسب النساء وكذلك الوزراء من جهة التفصيل وظهور الاحكام بالصور المختلفة فطبعها الحيوة وطعمها كذلك قال (ص) الماء سيد الشراب وطعمه طعم الحيوة ولا اضطراب لها كما يوجد في هذا الماء الموجود في الارض لخلوصه عن الغرائب والاعراض ولكونه مبدأ بالنسبة اليه والمبدأ خلق ساكن لا يدرك بالسكون وهذا الماء انما انوجد من صفة تسبيحهم سلام الله عليهم لا من ذاته وقوله (ص) وكان في الاصل دخانا يشير الى بيان عدم تناقض قوله (ص) مع قول الله عز وجل قال ثم استوى الى السماء وهي دخان تنبيها الى ان المادة تنصبغ بصبغ الصورة حين التحديد وتجري عليها احكامها وقوله (ص) في السماء الثانية خلقت من الغمام اشار بابي هو وامي بهذا الكلام الموجز الى كل احوال السماء الثانية فاشار بالغمام الى ان اصلها اجزاء بخارية طبعها بارد رطب مختلطة ( مختلط خ ) باليبوسة الهبائية الممتزجة بالهواء فظاهرها الارض السائلة الذائبة الغير المنجمدة وباطنها الهواء الراكد ولما كانت مجاورة للسماء الاولى وهي من الماء خفيت الحرارة فصار طبعها طبعا سيالا ينقلب (خ) مع كل ذي طبيعة لجمعها الطبايع السيالة من الارض السيالة والهواء الراكد والماء الجامد والنار الحائلة كالغمام فعلى ما بينا ظهر لك وجه الجمع بين كلمات علماء اهل (خ) هذا الشأن فمنهم من قال انها خلقت من التراب ومنهم من قال انها خلقت من الماء واهل الحروف ذكروا لها مزاجين لظاهرها وباطنها وقال بعضهم ان طبيعتها تتبع ما يفارقها ( يقارنها خ ) مع البروج والكواكب فهي (خ) مع النارية نارية ومع المائية مائية وهكذا ساير الطبايع بالمقارنات والاوضاع وهم وان قالوا ذلك في الكواكب الموجود فيها الا انه لا فرق بين الكواكب وسمائها في المزاج والطبيعة الا ان في الكواكب اقوى مما في الفلك والسماء وقول النبي (ص) اتى بيانا جامعا لكل هذه المذاهب وشرحا لحقيقة هذه الاقوال وانها كلها صحيحة وان السماء ولذا كانت السماء الثانية سماء الفكر وهي المربية للكتاب وارباب القلم وكل من يتطور بالاطوار المختلفة والشؤن المتباينة فافهم وقوله (ص) في السماء الثالثة انها خلقت من زبرجد لان باطنها حار رطب ولونه الصفر وظاهرها بارد يابس على ما ذهب اليه بعض اهل الحروف ولونه السواد واللون الحاصل من هذا الممتزج زبرجدي كما قال وقوله (ص) في الرابعة انها خلقت من ذهب احمر يريد بالذهب النار وهو الطبع الذاتي له اولا فانه انما يتكون بنظر الشمس حتّى قال بعضهم ان طبعه حار يابس لمشابهة الاثر مع مؤثره وهذه النار هي نار الطبقة الاولى فان الله سبحانه خلق هذه السماء من سبع طبقات من نور النار وصفاء الماء فجعل طبقة من النار والاخرى من الماء الى تمام الطبقات وجعل الطبقة الظاهرة من نور النار ولذا كانت الشمس حارة وهي من نار الطبقة العليا الاولى على ما نص عليه مولينا الباقر (ع) وقوله (ع) وان كان في الشمس الا ان سماءها وفلكها من سنخها كما ذكرنا آنفا ولما كان الذهب اصل لونه الصفرة لكونه الحار الرطب المقتضي للصفرة على التحقيق وليست الشمس الا من النار قيده (ص) بالحمرة لبيان المراد انه الكبريت الاحمر والاكسير الذي يطهر الفلزات وهو وان كان معتدل الطبيعة والمزاج ولكنه لما ظهر بالتأثير والفعل فاقتضى النارية التي هي طبع الفاعل والشمس وسمائها وفلكها اصلا للافلاك السبعة وسماواتها فافهم وقوله (ص) فالخامسة من ياقوتة حمراء يشير بها الى ظاهر تلك السماء كالرابعة فان لها جهتان بظاهرها نار محرقة طبع الياقوت الاحمر شديدة الحمرة نحس اصفر وبباطنها بارد رطب كما قرر عند اهل العلم فهي بباطنها سعد وبظاهرها نحس وبباطنها درة بيضاء وبظاهرها ياقوتة حمراء ولذا كانت هذه السماء بكوكبها (خ) منسوبة الى امير المؤمنين (ع) لانه باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وشفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فظاهرها نار وباطنها ماء فافهم وقوله (ص) فالسماء السادسة (خ) من فضة بيضاء لانه سماء العلماء والقضاة والعلم هو الخشية وهي الخوف الحاصل من البرودة والرطوبة فظاهر هذه السماء بارد رطب وفي باطنها اجزاء حارة لتقوية الروح والحيوة كالفضة فان في باطنها جزء من الحرارة ولذا اذا ارادوا ان يضعوا اكسير الفضة يأخذون جزئين من الفتاة الغربية ولبنة العذراء وجزء واحدا من الفتى الشرقي وهو شيء يشبه البرقا وجزء من الانفحة وهي القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي فينفخون في الجميع بريح الجنوب فينعقد فضة صافية يؤثر فيها فقوله (ص) فضة بيضاء يشير به الى حقيقة الامر في هذه السماء لانهم سلام الله عليهم يتكلمون عما هو الواقعي الاولى فافهم قوله (ص) فالسابعة من ذهب يشير الى باطن تلك السماء لا ظاهرها فان ظاهرها من الطلق وهو بارد يابس طبع الموت وهو نحس اكبر لابناء الدنيا واما باطنها فهو من ذهب كما قال (ص) وهو حار رطب وقد صرح بذلك علماء الحروف ودل عليه العقل والوجدان والحار الرطب لونه الصفرة كالذهب فانه حار رطب على الاصح طابق لونه طبعه ولذا شبهه (ص) بالذهب لمراعاة باطن الامر وحقيقة الواقع لان السماء السابعة وكوكبها منسوبتان الى امير المؤمنين (ع) وهو عذاب على الكافرين وموت لهم وحيوة ورحمة للمؤمنين السلام على نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار ولما ظهر طبع الباطن في طبع ظاهره ظهرت الحمرة المائلة الى السواد في كوكب زحل وهو النجم الثاقب ومرادي بالباطن والظاهر ليس هو الغيب والشهادة والجسد والروح وانما المراد بهما الذاتية الاصلية والعرضية الفرعية كما قال عز وجل باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها واما خصوصية كل سماء بالمادة المخصوصة المعينة كما اشرنا اليه فلو اردنا شرحها وبيانها لطال بنا الكلام ومجمل الاشارة هو ما ذكرنا من ان السماء السابعة سماء العقل وهو له مراتب العقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض والعقل المتعلق بالروح فالسماء السابعة من جهة حامليتها لمظاهر الروح وآثارها مادتها من الذهب ومن جهة حامليتها للعقل المرتفع مادتها من الذهب الاحمر اي الاكسير الشمسي ومن جهة عبادته وخضوعه وخشوعه وحامليتها له من هذه الجهة مادتها من الفضة الصافية ومن جهة حامليتها لذات العقل وحقيقة ( حقيقته خ ) الغالبة عليه المرة السوداء فمادتها قبضة من تراب بيت المقدس وهو الجسد الجديد وهو الحي الذي لا يموت ولا يبيد واما السماء السادسة فمن جهة على انها حاملة للعلوم المرتسمة في اللوح المحفوظ وهي الصورة فالغالب على ظاهرها البرودة والرطوبة وعلى باطنها البرودة واليبوسة وفي الباطن الممتزج بالظاهر حرارة لتقوية الروح وتصفية البدن فكانت مادتها من الفضة البيضاء في الظاهر ومن المطلق ( الطلق خ ) في الباطن لان حكم الباطن لا يظهر في مقام حكم الظاهر بخلاف ساير السموات واما الخامسة فمن جهة انها حاملة لآثار الطبيعة كانت مادتها من الياقوتة الحمراء في الظاهر دون الباطن ولذا قالوا انه شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم واما الرابعة فمن جهة حامليتها للانوار الاربعة والطبايع المعتدلة كانت مادتها ...

(انقطعت النسخ الموجودة من الشرح الى هنا وصلى الله على محمد وآله )

المصادر
المحتوى