
قصيدة عبد الباقي الموصلي اللامية
الحمد لله الذي طرز ديباج الكينونة بسر البينونة بطراز النقطة البارز عنها الهاء بالالف بلا اشباع ولا انشقاق ودارت باركانها على نفسها فبرزت ديباجة عنوان الازل فلاح عنها الطراز الاول باستنطاق الكاف بايتلاف ووفاق فتثنت وتكعبت وتذوتت فتم بها نظم الكلمة التي هي الاصل في الاشتقاق وهي اثنتان فعززنا بثالث الاصل واربعة الفرع فنسبت فكانت مطلع قصايد ديوان الكون بظهور لا اله الا الله عند الانشاد والاستنطاق فانتظمت وانتثرت واختلفت وائتلفت واجتمعت وتفرقت واجملت وتفصلت فملأت بها الآفاق والصلوة على السبب الخفيف الظاهر بالسبب الثقيل المستسر ببواطن مطالع الاشراق البيت الرفيع العالي القائم بالوتدين بل القائم به الوتدان المحوران جمعا وفرقا في كوني التكويني والتشريعي في رتبة التمييز والافتراق وعلى آله واصحابه الذين هم الفواصل الكبرى والصغرى في النشأتين ونظم الكون في الكورين وبيت القصيدة في الدورين فبهم ومنهم الوفاق ولهم وعنهم الفراق
اما بعد فيقول العبد الجاني محمد كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد ورد التوقيع الرفيع المنيع عن صدر دست الوزارة وبدر اوج الصدارة ومحور كرة الامارة محدب افلاك الكمال محدد جهات الجمال والجلال قطب رحى الاقبال مركز دائرة الآمال عماد الدولة البهية العظمى وسناد السلطنة السنية الكبرى نور حدقة المعارف الربانية ونور حديقة العوارف الصمدانية جامع الرياستين وحائز المرتبتين الدستور الاعظم والوزير المعظم ابي الفتوح علي رضا پاشا بلغه الله ما يتمناه ويشاء واخذه بهواه الى رضاه بان اشرح القصيدة الغراء والخريدة الفريدة النوراء التي لم يسمح بمثلها الافكار ولم تحظ بادراك معانيها الانظار قد سمحت بها فكرة الاديب الاريب اللبيب الحسيب النسيب النجيب البارع الصادع الرحيب الساحة الراقي اعلى مراقي البلاغة والفصاحة مفخر الشعراء والادباء والفصحاء والبلغاء المؤيد بلطف الله الخفي والجلي عبد الباقي افندي الموصلي لا زال فسحة بساتين الفصاحة مخضرة بزلال اشعاره وعرصة ممالك البلاغة معمورة بنشر آثاره في تهنية مولى الانام وصدر الاسلام سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول السيد الاطهر والنور الازهر الامام الهمام موسى بن جعفر عليهما التحية والثناء من الله الاكبر حين ورد قطعة من الحجاب المحجب به القبر المفخم والجدث المعظم للنبي المقدم والطراز الاقوم صلى الله عليه وسلم التي اهداها الى جنابه سلطان سلاطين عصره وخاقان خواقين عهده حامي حوزة الاسلام والمسلمين حافظ قواعد الملة والدين السلطان بن السلطان بن السلطان والخاقان بن الخاقان بن الخاقان السلطان محمود خان تغمده الله برحمته الواسعة واوصل اليه من عوائده الجامعة انه رحيم غفور ولقد احببت ان يأتيني امره العالي وحكمه السامي في وقت وحال يمكنني ان اؤدي بعض حقها على التحقيق واوصل السالك سبيل معانيها سواء الطريق فان ما شاهدنا ورأينا بمنه وفضله تعالى من ملكوت الاشياء وحقايق عالم الصفات والاسماء وذرات الكاينات العليا والسفلى ووردنا المناهل والشوارع من الخلج المنشعبة من البحر الاعظم المجتمع من الانهار الاربعة الجارية من كلمات البسملة المنتهية الى نقطة العلم التي منها برزت الاشياء وعنها صدرت واليها عادت ورجعت ولديها اجتمعت وبها قد فصلت كثيرة منها ليست له عبارة ولم اعط بيانا ولا اشارة ومنها ما لا يمكن بيانه لعدم حضور اوانه ومنها ما يتوقف ذكره على بيان مقدمات غريبة بعيدة عن الافهام فيجب طيها لقول الاكابر الاعلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا او سعته عذرا ومنها ما يطول بذكر جميع ما يتوقف عليه الكلام فيخل بالمقام والذي يسعنا بيانه ولا يعسر برهانه قد تمنع عن نشره وبيانه العلايق ويطوي صحيفة اعلاقه العوائق مع ما انا عليه من مفاصات مضض ( مقاساة مفيض خ ) الزمان ومكادحة الدهر الخوان وتبلبل البال واغتشاش الاحوال وعروض الامراض المانعة عن استقامة الحال واني لي في مثل هذه الحالة شرح الحقايق وذكر غرائب النكات والدقايق واظهار مطويات المعاني وابراز مستجنات القلب من اطوار البيان والمباني وحيث لا يسعنا الا انفاذ امره العالي والاذعان بحكمه السامي اتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور ومع ذلك قد اثبت في هذه التعليقة الوجيزة عجائب من المطالب وغرائب من المراتب لم يذكر اكثرها في الكتاب ولا جرى ذكرها في سؤال ولا جواب ولا تضمنه كلام ولا خطاب نعم هي مستودعة في بواطن الكتاب المستطاب ومخزونة عند اهلها من العلماء الاقطاب فاعرف قدرها واغل مهرها فسيظهر امرها اذا صاح الديك ونعق الغراب وانتشرت اجنحة الطاوس وهدرت الحمامة على الافنان في ارض النفوس والله المستعان وعليه التكلان
ولنذكر قبل الشروع في الشرح مقدمة مهمة هي مطلع لاشراق شمس النور بتجلي الظهور على اكناف الطور الظاهر باختلاف مقابلة مرايا القلوب اليها عجايب الامور على مر الدهور وهي تشتمل على مطالع :
المطلع الاول - اعلم ان الاشكال مقناطيس لارواحها والمراد بها الصور والحدود التي هي التعينات وجهات الماهيات واطوار المشخصات والهيئات والصور المستدعية لاختلاف ظهور الوجود المطلق والنور الحق وبها اختلفت الاشياء بالجوهرية والعرضية والذاتية والصفتية والتجرد ( التجردية خ ) والمادية فكل هيئة وصورة اذا ترتبت على الوضع الطبيعي او غيره اقتضت ظهور فيض من الفيض المقدس فيها على حسبها في الاعتدال وعدمه واليه الاشارة في قوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها والاودية تلك القوابل وهي الحدود المعينة والاطوار المشخصة في عالم الالفاظ والمعاني والحقايق والمباني والماء هو ماء التجلي النازل من سماء المتجلي فيظهر على حسب تلك الاودية وقابليتها فزبد متكون من قشور تلك الحدود بعوارض الادبار وهو الذي يذهب جفاء الشجرة المجتثة من فوق الارض ما لها قرار وزبد متكون من الحدود الناظرة الى وجه مبدئها وهو الذي يوقد في نار المحبة ابتغاء حلية من لباس التقوى او متاع من اشراق نور المبدء على صفاء القوابل وبالجملة اذا ترتبت الهيئات والصور على النظم الطبيعي يظهر اشراق شمس التجلي الفيض الالهي عن النفس الرحماني فيها على كمال ما ينبغي وان كانت على خلاف النظم الطبيعي يظهر ذلك الاشراق فيها لا على كمال ما ينبغي وهو كمال ما ينبغي كما تشرق الشمس على المرايا المختلفة المتفاوتة في الصفاء والكدورة والحمرة والصفرة والسواد وتلك الهيئات اعم من ان تكون لفظية او معنوية اصلية او فرعية نظما او نثرا وغيرها وهي تقتضي ظهور ما يقابلها من سر الكينونة في عالم البينونة فافهم واحفظ وكن منها على ذكر
المطلع الثاني - ان النقطة الحقيقية ( الالهية خ ) بعد تنزلها من حجاب الاحدية استقرت في مقر الوحدانية رتبة الواحدية فكانت عنها الالف اللينية وهي تكرار النقطة وتأكيدها وتحت حجاب الواحدية ظهرت بالالف المتحركة وهي الالف القائمة التي طولها الف الف ذراع كما ان الالف اللينية طولها الف الف قامة والقائمة باب اللينية ودليلها ووزيرها وفي حجاب الرحمانية ظهرت الالف المبسوطة التي طولها الف الف شبر وهكذا الى تمام مراتب الحروف التكوينية والتدوينية صعودا ونزولا وظهورا وبطونا وهذه المراتب كلها متطابقة متوافقة كل سافل تفصيل للعالي وشرح وبيان له فكلما في المراتب السافلة اصولها وحقايقها في المراتب العالية وهو قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالشيء الواحد له خزائن متكثرة كلها متطابقة اذ لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وهو ( هي خ ) عوالم وجوده ونزوله باطوار تعينات الوجود المطلق والنور المنبسط في العوالم الكونية الالهية الوجودية فكلما في كل عالم على طبق ما في العالم الآخر والتفاوت بالاجمال والتفصيل والظهور والخفاء والخلق لهم مقامات في الوصول الى ادراك تلك الاصول والحقايق فمن ساكن ومتحرك وان كان السكون في عالم الامكان محالا
المطلع الثالث - اعلم ان الخلق باجمعهم سائرون ومسافرون الى المبدأ وسيرهم منحصر في اربعة اسفار السفر الاول من الخلق الى الحق وهو سفر كثير الاخطار بعيد المنازل صعب المراحل وكليات منازله الف الف وهو السير بقدم التوجه والاقبال للصعود الى العوالم الالهية التي قد نزل منها من عالم الاعراض الى عالم الاجسام الثانوية الى الاجسام الاولية الى قطر كان طالع الدنيا فيه سرطان والكواكب في اشرافها الى وقت الظهر في بدو الكون الجسماني عند تقدم النهار على الليل قبل حصول الآفاق المائلة وتحقق المشارق والمغارب والمغربين والمشرقين الى وراء جبل قاف ومشاهدة الشمس والقمر الاربعين وافلاكها وحواملها وتداويرها واكوانها وطبايعها وانظار كواكبها واختلاط امزجتها واقطابها ودوائرها واكوارها الى عالم جابلقا وجابلصا وهورقليا بعد السير في اطوار الجزيرة الخضراء الى الجنتين المدهامتين ومشاهدة تلك العوالم والمقامات بالاثر والعين الى عالم المثال ومبدء الخيال والبرزخ بين الغيب والشهادة والظهور والكمون والخفاء والبروز وهو قوله تعالى ومما يعرشون الى عالم المواد وينبوع الاجسام والاجساد الى عالم الطبيعة ( مثال الحقيقة خ ) الى عالم النفوس الى عالم الارواح الى عالم العقل المنخفض والعقل المستوي والعقل المرتفع الى الوجود المنبسط الى الوجود المطلق الى الآيات والعلامات من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الى الاسماء والصفات وظهور التجليات الى الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الى الذكر الاعلى الاعلى الاعلى وهنا منتهى السفر الاول والسفر الثاني السفر في الحق بالحق وهو الفناء والبقاء والسكر والصحو وكشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر وجذب الاحدية لصفة التوحيد والموطن الاصلي والاحدية المحضة والغيب المطلق مقام القدس وسر الانس واصل المحبة بل مقام المحبوب وحجب المحبة وهنا مقام محو ذكر الغير بالمرة والدخول في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية بلا اسم ولا رسم ولا ذكر ولا اشارة ولا عبارة ( وهو الموطن الاصلي خ ) وغاية قصد الطالبين ومنتهى رغبة الراغبين والسفر الثالث السفر من الحق الى الخلق وهو الصحو بعد السكر والسكر بعد الصحو والبقاء بعد الفناء والوجود بعد العدم والوجدان بعد الفقدان والعدم بعد الوجود والفقدان بعد الوجدان وفي هذا السفر المرور ( يمر خ ) بالعوالم التي مر عنها ويشاهدها وينظر اليها من حيث اشراق المبدأ عليها واحاطته في سيره فيها واليها وهو في كل عالم ناظر الى اطواره واكواره وادواره واوطاره بجميع ما لها ومنها واليها وفيها وبها وعنها وعليها وعندها كل ذلك على جهة المشاهدة والاحاطة على حسب مقامه ومرتبته والسفر الرابع السفر في الخلق بالحق وهو في الخلق بعين الحق فهو قطب الوجود والناظر في الغيب والشهود وهو الذي قال تعالى فيه في الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سئلني اعطيته وان سكت عني ابتدأته وهو القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة التي امر الناس بالسير فيها ليالي واياما آمنين وهذا الساير في هذا السفر عين الله الناظرة ويده الباسطة وهو الانسان الكامل والولي الذي يرجع اليه المفضول والفاضل واما ما سواه ممن لم يقطع هذه الاسفار ولم يشاهد تلك المنازل والديار فمنحط المقام عن ذي المرام ولا يصدق عليه اسم الانسان على الحقيقة بل على الظاهر من حيث الصورة الظاهرة لا غير فالعلماء على حسب سيرهم في تلك المنازل والمقامات تختلف مقاصدهم في تعبير العبارات وطي الاشارات وابراز التلويحات فالواقف في مقام الظاهر الذي هو مقام الاجسام الثانوية المختلطة المشوبة الغير الصافية المقتضية لكون القلب في الجانب الايسر وتشابه حركات الدوائر الفلكية على غير قطبها ومركزها وتشابهها على نقطة معدل المسير الذي هو بين مركز العالم ومركز الخارج على السوية وتشابه حركة مايل القمر حول مركز العالم دون مركزه والمقتضية لقصر الاعمار وفساد الثمار وغلاء الاسعار واختلاف اوضاع الليل والنهار وتعاكس الادوار وتعارض الاوطار يحمل ما يسمع من الكلام على ظواهر ما هو المعروف في اللغة الظاهرية دون غيرها كما اذا سمع السماء والارض والاشجار والثمار والبراري والقفار في كلام الله سبحانه او كلام النبي صلى الله عليه وسلم او كلام الخلفاء الابرار والاولياء الاطهار او العلماء الاخيار او الشعراء مع اختلاف الانظار يحملها على ما هو المعروف بين اهل اللغة ولا يتعدى الى غيرها والصاعد عن ( من خ ) مقام الظاهر والراقي عن مرتبة الاجسام يحمل تلك الكلمات على حسب ما ظهر له من تطابق المراتب في العوالم فيحمل السماء على عالم هورقليا او عالم العقول او عالم الفؤاد او الاسم الاعظم و( او خ ) النور الاقدم او النبي الافخم الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين ويحمل الارض على الجزيرة الخضراء وجابلصا وجابلقا والجنتين المدهامتين وعالم النفوس والدواة الاولى وارض الجرز والامكان الراجح والعمق الاكبر والنور الانور وليلة القدر والشجرة على سدرة المنتهى وشجرة طوبى والقلم الاعلى والمشية الكبرى والحقيقة العليا والمصدر الواحد الظاهر بالامثلة المختلفة وعالم الدماغ بقواه وعالم القلب الصنوبري بشرايينه وعالم الكبد باوردته وهكذا الى ساير المقامات التي حصل للسالك السير اليها فمن اكمل الاسفار فلا غاية لعلمه ولا نهاية لسيره ويحمل كلمة واحدة الى ما شاء من انواع العلوم لا سيما اذا كان الكلام جاريا على النظم الاعتدالي والترتيب الطبيعي ولما كان مولينا الناظم ايده الله وسدده اتفق له نظم هذه القصيدة الشريفة على الترتيب الطبيعي الالهي اعرضنا عن ذكر متفاهم اهل ظاهر اللغة وتصدينا لذكر ما شاهدناه من تلك العوالم وما رأيناه من رسم تلك المعالم ونحمل الكلام على لسان اهل الشهود الخارجين عن مقام الجدال والواصلين الى محل الوصال والناظرين الى الاشياء بعين المشاهدة والاحاطة لان كلامي مع من شاهد تلك الاطوار وجاس خلال تلك الديار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار والله سبحانه هو الموفق للسداد في المبدأ والمعاد
المطلع الرابع - الولاية هي النور الازل والتعين الاول والازلية الثانية وصاحب الازلية الاولية والفيض الاقدس والفيض المقدس وهي في حقيقة الذات ( احد خ ) وفي مقام الذكر الاول ومبدأ الاسماء والصفات واحد قال تعالى انما اعظكم بواحدة وهي الولاية والتاء لمبالغة الوحدة وهي الحق المخلوق به والامر الذي به قوام السموات والارض على جهة العموم قال تعالى وما امرنا الا واحدة والتاء كما ذكرنا وقال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره والواحد تسعة عشر واليها يلوح قوله تعالى عليها تسعة عشر اذ بالولاية افاضة الامدادات على اطوار الموجودات من الشرور والخيرات فبها الجنة وبها النار وهي العطاء الذي يمد الله اهل الخير واهل الشر منه كما قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا وهي الماء الفيض النازل من عالم الوصال المعبر عنه بالقرآن وهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهي نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وفي مقام الربط والاقتران اثنتان لظهور النبوة لبيان حكم التوسط وانه ( انها خ ) التعين الاول والغيب المطلق والسر المقنع بالسر والسر المستسر بالسر لا الذات البحت ومجهول النعت ففي مقام الطواف عند جلال القدرة ولاية وعند الطواف حول جلال العظمة ظهرت النبوة فهما المقترنتان المتصلتان اللتان عند التوصيف اثنتان وعند الذات واحدة وفي مقام بروز الاشياء وظهورها منها ثلثة زوج وزوجة واولاد قال تعالى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء والواحدة هي الولاية كما مر وذلك عند التعلق باطوار وجودها وظهورها في مبدأ ظهور المبادي والعلل وهذه الثلاثة هي اوائل جواهر العلل وفي مقام اظهار الاركان لتحقيق الاكوان والاعيان اربعة بها ظهرت الانوار الاربعة لتركيب ( كتركيب خ ) العرش الاعظم وبها جرت الانهار الاربعة في اركان قبة بسم الله الرحمن الرحيم فالماء الغير الآسن من الميم والخمر الذي لذة للشاربين من الهاء واللبن الذي لم يتغير طعمه من ميم الرحمن والعسل المصفى من ميم الرحيم كما روي عن النبي وفي مقام الجمع بين الاركان والاكوان الثلثة سبعة العدد الكامل والفيض البازل ( الباذل خ ) قال تعالى ولقد آتيناك سبعا وفي مقام الضرب بين الاركان والاكوان ( الكيان خ ) بملاحظة نسبة كل منها الى تمام الاخرى بايصال الفيض الذي يحمله اسم من اسماء الله اثني عشرة ( اثنتي عشرة خ ) وهي كليات الاسماء التي بها الافاضة في جميع الاطوار و( الاكوار خ ) والادوار وفي مقام تثنية السبعة من قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني لظهور العدد الكامل في العالمين عالم الغيب والشهادة والاجمال والتفصيل اربعة عشر فظهرت بتمام تثنية العدد الكامل اليد يد الله قال الله تعالى قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فهو سبحانه انما ينفق باليد وهي بظاهرها وباطنها حدود الولاية في الاكوان الوجودية والاعيان الذاتية الاولية والثانية فهي واحدة في قوله تعالى يد الله فوق ايديهم وهي اثنتان في قوله تعالى بل يداه مبسوطتان نبوة وولاية وهي متعددة في قوله تعالى والسماء بنيناها بايد والجمع باعتبار قوي اليد والتثنية باعتبار لفظها والمفرد باعتبار وضعها فافهم وكن به ضنينا فانه باب ينفتح منه الف باب ولما كانت الاطوار الوجودية هي حدود الولاية وحكاياتها وآياتها ظهرت اصولها على جهاتها والعالم واحد من حيث هو وهو دليل وحدتها ( فوحدة العالم من حيث هو دليل وحدتها خ ) وتثنيته بالغيب والشهادة والظهور والبطون والاجمال والتفصيل ( والعلوي والسفلي والمجرد والمادي والجوهر والعرض والصفة والموصوف خل ) والكون والعين دليل اثنينيتها ورباعيته بالطبايع والاركان وانوار العرش واركان القلب دليل رباعيتها وسباعيته بالسيارات والاسابيع دليل سباعيتها واثني عشرية البروج التي بها الافاضة في عالم الكون والفساد في كل عالم بحسبه دليل اثني عشريتها واربعة عشريته بجمع ( بجميع خ ) السموات والارض كالوجه واليد والاسم الجواد والوهاب دليل اربعة عشريتها ولما كانت الوحدة هي الاصل والنور والشرف والفخر والكثرة هي النقص والزوال والدثور و( لما خ ) كانت الكثرة في مقام التعين والقرانات مما لا بد منه لاستحالة عالم الفرق من غير كثرة وكانت الضرورات ( الضروريات خ ) انما تتقدر بقدرها والولاية وجه المبدأ وباب الابواب وعلة العلل واوائل جواهر العلل وجب ان تكون كثرتها في اشرف مقاماتها حتى تكون في مقام الوحدة حائزة لاشرف مراتبها وفي مقام الكثرة جامعة لاكمل مقاماتها ولما كانت الكثرة انما كانت من باب العدد وهو على اربعة اقسام ناقص وزايد وتام وكامل والناقص يتنزه عنه المبدأ الاول وجب ان تظهر حدود الولاية في مقام الكثرة بالعدد التام ومثناه الزايد والعدد الكامل ومثناه الاكمل فالولاية سر بدا في كل الوجود من الغيب والشهود وبها عرف العابد من المعبود والشاهد من المشهود والموجود من المفقود ولما كانت الولاية لا بد لها من مظهر حامل وجب ان يكون حاملها ومظهرها اشرف المخلوقات والموجودات ولما دلت الادلة العقلية والنقلية ان محمدا صلى الله عليه وآله ( وسلم خ ) اول الخلق وسيدهم واشرفهم لا يساويه بشر ولا يدانيه خطر وجب ان يكون هو صلى الله عليه وآله وسلم حامل تلك الولاية المطلقة والنبوة المطلقة ثم الاقرب فالاقرب اليه صلى الله عليه وسلم ( من خ ) المتخلقين باخلاقه وآدابه وعلومه واسراره والبالغين مقام الجامعية في الخلق والخلق بان يشفع قرب الخلق من قرب الخلق ولا ريب ان الجمع اقرب في مقام القرب من الواحد لان القربين اقوى من الواحد ولذا كان في الميراث الجامع بين القربين اكثر نصيبا من الواحد ولما كان سيدنا ومولينا الكاظم عليه التحية والثناء ممن جمع بين القربين وله الولاية الكبرى لاختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم بالقربى خصه حضرت السلطان الاعظم تغمده الله برحمته بارسال قطعة من ثوب قبره الشريف كما ان في الباطن والحقيقة ليس له الكل وانما له قطعة لكونه احد الحدود اقتضت الفطرة العلية السلطانية غشيت بالرحمة كل غداة وعشية التنبيه الى تلك الدقيقة فبعث اليه قطعة من ذلك الستر كما انه قطعة من ذلك السر لان الولد جزء لوالده بنص القرآن والولد سر ابيه وحيث كانت تلك النسبة الحاصلة بين السرين هي النسبة الحاصلة بين القبرين الشريفين لما ذكرنا في المقدمة من حكم التطابق في جميع النسب والاطوار وكان في هذه القطعة للقبر المقدس غاية الفخر والشرف ونهاية الرفعة والتحف تصدي جناب الناظم ايده الله برحمته في مطلع القصيدة بذكر بشارة الامام عليه التحية والاكرام على هذه النعمة الجليلة والمنقبة العظيمة والموهبة الكبيرة فخاطبه بشيرا والى مقامه مع جده صلى الله عليه وسلم مشيرا والى نسبة مراتبه الحقيقية ذاكرا
فقال ولقد اجاد :
وافتك يا موسى بن جعفر تحفة منها يلوح لنا الطراز الاول
اقول : يعني اتتك وافية بحقك الذي كنت عليه وتستحقه من مبدأ الوجود في قوس النزول الى ان وصلت اليك في قوس الصعود بنسبة مكانك وزمانك ورتبتك وذلك لان النبي والولي لهما مقامان مقام جمع واتحاد ومقام فرق وانفصال ففي مقام الجمع حقيقة واحدة ونور واحد لا فرق بينهما بحال ولذلك جمعهم تحت العباد اظهارا لسر الباطن واعلانا لاتحاد حكم البدو والعود كما في قوله تعالى كما بدأكم تعودون وقد علمت ان الولد جزء للوالد قد ظهر فيه سره ولذلك يظهر على مثاله وهيئته ويتحقق في الخارج على شاكلته والظاهر عنوان الباطن والصورة مثال الحقيقة الا اذا تبين الاختلاف باختلاف الاخلاق المنبئة عن اختلاف الاعراق في الباطن فتظهر المباينة المعنوية فلا تداركه ( فلا تداركها خ ) المناسبة الصورية ولذا قال تعالى يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فتوافق الاخلاق دليل توافق الباطن فيجتمع في الظاهر فيبلغ الكمال ببلوغ الوصال فتتحد الحقيقة باتحاد الوجود في الخليقة ولذا شملتهم العباء في الصورة وجمعتهم لبيان اجتماعهم معه في الحقيقة والطوية والسريرة ففي مقام الجمع واحد وجمع الجمع احد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع الحاد والجمع بينهما توحيد على احد المعاني وقد علم الخلق طرا من اهل الاسلام ان الامام موسى بن جعفر عليهما التحية والرضوان ما باين النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من اخلاقه وآدابه وافعاله واقواله وقد جرى على منواله واحتذى مثاله وقد ذهبت الامامية الى عصمته وطهارته وساير المسلمين اتفقوا على جلالة مقامه ومنزلته وانه من المعنيين في قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والقربى مؤنث الاقرب وليس اقرب من الولد الى الوالد احد وكل ما سواه اما يساويه او ادنى منه فاتفقت ملائمة الاخلاق مع مناسبة الاعراق فدلت على الولادة الظاهرية والباطنية فثبتت له الجزئية الحقيقية والفرعية الاصلية فتم الاجتماع في تلك الاصقاع وهو تمام السبع ( السبعة خ ) في الدورة الثانية ومبدأ الدورة ( الاخرى خ ) فيها وتمام المجذور الاول في الدورة الاولى فبه تم الكمال في الدورتين وفيه ظهر التمام لذي العينين واما في مقام الفرق فالنبي صلى الله عليه وسلم صاحب القرآن والولي صاحب الفرقان والنبي الالف المستور في البسملة والولي نقطة الباء فيها والنبي فاتحة الكتاب والولي ام الكتاب والنبي هو العرش الاعظم والولي هو الكرسي الاقدم والنبي هو القلم الاعلى والولي هو اللوح المعلي والنبي هو شمس الوجود والولي هو قمر السعود والنبي هو الطور والولي هو الشجر والكتاب المسطور والنبي هو الالف والولي هو اللام لتركبها من الالف والنون فالالف سر الوحدة والنون هي نون كن مقام الارادة عالم الكثرة فباقتران الالف بالنون اي ظهور المبدأ في اطوار الكثرات بحكم التعينات التي هي ستر وحجاب للوحدة الحقيقة ( الحقيقية خ ) ظهرت الولاية التفصيلية مشروحة العلل مبينة الاسباب فحدود الولاية ومحالها انما تكثرت باسبال الستر الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم لاظهار ما اراد الله سبحانه من نشر فيضه واعلاء كلمته ونفاذ مشيته والستر تلك الحدود المشخصة التي بها تحققت الكثرة لان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم اقرب الاشياء الى الحضرة الاحدية لانها التعين الاول فهي اشرف الاشياء فكانت في اعلا مقامات الوحدة والاجمال في الحقيقة الاولى على الوجه الاعلى وفي الرتبة الثانية التي هي رتبة الفرع الاعلى الذي هو الاولاد ( مطلقا خ ) بالمعنى العام تظهر الكثرات بتكثر اطوار التعينات ولما كانت هذه الكثرات الاضافية من تلك الوحدة نشأت وعنها برزت وبها تحققت ولها تكونت وهي لا تكون الا بالحجب والاستار فكانت الاستار والحجب من النبي تحفة الى الولي هذا حكم بدو شأنه في علم الغيب واستحقاقه الحقيقي بلا ريب فظهر صعودا كما كان كذلك نزولا ولذا قال سلمه الله تعالى وافتك وهو السر للاتيان بوافتك دون ما يدل على مطلق الاتيان من ساير الصيغ الموضوعة لهذا الشأن واما الاسم موسى بن جعفر فقد روي عن اهل البيت عليهم التحية والرضوان ان موسى مركب من كلمتين احديهما مو وهو بمعنى الماء والاخرى سي وهو بمعنى الشجر ولما كان موسى عليه السلام لقى في الماء في التابوت المتخذ من الشجرة سمى موسى دلالة على اول ظهوره فغلب الاستعمال وبدلت الياء الفا مع بقاء الصورة لان مقام النبوة يأبى عن الجر والخفض والكسر لا سيما اذا كان مع السين التي هي اعدل الحروف واشرفها وسرها ولبها لتوافق ظاهرها مع باطنها واسمها مع مسميها وسر الصفة مع موصوفها لا يناسبها الكسر فلم يتلفظ الا مع الالف لظهورها عند انكسار الياء فان الربوبية انما تظهر بوجود ( بفناء خ ) العبودية فابقيت الياء في الرسم ولم تلفظ في اللفظ للدلالة على هذه الدقيقة الانيقة والمراد بموسي في ابن عمران ماء النبوة لانها مقام الربط والايصال والاتصال كما هو شأن الماء الموصل للفيوضات العلوية باشعة الكواكب بواسطة الهواء الى الاجسام الارضية ونار الشجرة التي منها الوحي اليه وعنها صدر الخطاب والتابوت منبه وسبب للتسمية للاصل الذي لم يظهر الا بعد مدة فافهم واما الامام موسى بن جعفر عليهما آلاف التحية والثناء فحيث انه متخذ وظاهر من البشر الذي خلقه الله من الماء وجعله نسبا وصهرا والنسب لاشرف المخلوقات الجامع لجميع الاسماء والصفات مقرونا بالصهر ليس الا امير المؤمنين عليه السلام في كل المخلوقات والولد جزء من الوالد فيظهر فيه سره فيكون قد وجد في الماء ومن الماء وهو (ع) ايضا متخذ من شجرة ابرهيم والشجرة المحمدية صلى الله عليه وسلم وهي الشجر الاخضر الذي جعل فيه النار وخضرتها ريانيتها بماء الوجود المطلق المنبسط وفيه نار المحبة ولذا كان حبيبا على الاطلاق وهذا الاسم وان كان يستحقه كل من انتسب الى تلك الشجرة والماء الا ان سرهما قد ظهر غاية الظهور فيه كما قال تعالى والامر يومئذ لله والملك يومئذ لله مع ان الامر والملك دائما لله في الدنيا والآخرة والسر ما ذكرنا واختصاصه عليه التحية والثناء دون آبائه وابنائه ممن يساويه في الشأن والمرتبة لخصوصية فيهم دونه وخصوصية فيه دونهم يطول بذكرها الكلام واما جعفر فانه النهر الصغير والكبير اما النهر فلانه حامل الولاية التي حملت الفيوضات فتلك الفيوضات من بحر الاحدية بواسطة النهر تصل الى المستحقين الواردين وهو عليه آلاف التحية والثناء ممن قابل فوارة الفيض واما الصغر والكبر فانهما اضافيان فبالنسبة الى الولي المطلق نهر صغير وبالنسبة الى من سواه نهر واسع كبير وذكر الاسم وان كان فيه اغتناء ( اعتناء خ ) واستقلال وتفرد الا ان الاولى والاحسن والاظهر عند المتعارف للغالب ان يأتي باللقب او الكنية فلو قال سلمه الله تعالى وافتك يا سر الوجود هدية كان اولى واحسن ومعناه ان الوجود المطلق المنبسط بانواره واشعته على الذوات هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم ولما كان الامام عليه السلام ولده والولد سر ابيه جاز ان يقال سر الوجود ولوجوه اخر كثيرة لا يناسب هذا المختصر شرحه وتبيانه والله الموفق للصواب
فقوله سلمه الله تعالى : منها يلوح لنا الطراز الاول
اقول : هذا كلام ما اجوده واحسنه واوفاه بالمراد وهو من طراز الله وهو من الطراز الاول لان الطراز على ما في الطراز ثياب تنسج للملوك واي ملوك اعظم من الاولياء العارفين حملة التجلي ومظاهر المتجلي واي ولي اعظم من الولي المطلق الحامل لنور وجود الحق والظهور المطلق وهو مقام التعين الاول والمراد بهذا الطراز والثياب هياكل التوحيد ومجالي التفريد وقد لوح بقوله سلمه الله تعالى « يلوح » الى كلام امير المؤمنين عليه السلام في الحقيقة نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره والمراد عند اولي الالباب واولي الافئدة دون اصحاب الرسوم ان بهذا الهيكل الآخر المسمى بهيكل التوحيد المظهر للتجلي الاول في آخر مراتب التعينات لانحاء التجليات في مقام الاسماء والصفات التي حملها خ هذا الثوب المطهر والطراز المنور ويلوح لنا اصحاب التعين من وراء الحجب تلك الهياكل الاول وهي الطراز الاول وبيانه بلسان اهل التوحيد واهل الانس والتفريد ان الاول اولان والثاني ثانيان والثالث ثالثان والرابع رابعان والخامس خامسان وهكذا الى آخر المراتب واقتصرنا على الخامس في المثال لانه اشرف المظاهر وهو مظهر التوحيد الذي ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره وسره على وفق قشره وهو الحافظ لنفسه والظاهر بشخصه في جميع مراتب التربيع والتكعيب وعنده ظهور الحقيقة الوحدانية في اصل الصورة الانسانية لانها اول تركيب وقع واول زوج اجتم فاول لا ثاني له وهو اولية الوجود المطلق وهو الذي ملأ الدهر واحاط الكون فاين غيره ومثله حتى يكون ثانيه فان الثاني مثل الاول وباين منه بينونة العزلة دون بينونة الصفة وبينونة الوجودات لهذا الوجود بينونة الصفة لا بينونة العزلة فاين الثاني اذن وكذا اولية الجنس بالنسبة الى انواعه فانها ليست بثانية له بل بعض اطواره وشؤنه وكذا اولية النوع في افراده والجوهر في اعراضه والموصوف في صفاته والمسمى في اسمائه والذات في شؤنها واول له ثاني وهو في سلسلة العرض عند ظهور الواحد المحض بنفسه بتعينات مختلفة فان كانت التعينات مترتبة بمعنى ان التعين الثاني بالتعين الاول والثالث بالثاني فالاول حينئذ متعين معلوم لا يصدق على غيره كالثاني وذلك كتعين الحقيقة المحضة بالفؤاد وتعين الفؤاد بالقلب وتعين القلب بالعقل المرتفع وتعينه بالعقل المستوي وتعينه بالمنخفض وتعينه بالروح ورق الآس وتعين الروح بالنفس الكاملة ثم بالمرضية ثم بها بالراضية ثم بها بالمطمئنة ثم بها بالملهمة ثم بها باللوامة ثم بها بالامارة ثم بها بالنفس القدسية الجامعة للنفوس المذكورة بالطبيعة ثم بها بالمادة ثم بها بالمثال ثم به بالجسم الكل ثم به بالعرش ثم به بالكرسي ثم به بالشمس ثم بها بزحل والقمر ثم بها بالمشتري وعطارد ثم بها بالمريخ والزهرة ثم بها بالعناصر وهذه المراتب المتعينة المعدودة المعلومة كل منها في مقامه فلا يصلح احدها لمقام آخر فلا يطلق على كل اسم الآخر فالفؤاد هو الاول والعقل هو الثاني والروح هو الثالث والنفس هي الرابعة وهكذا الى ان ينتهي ( تنتهي خ ) المراتب في العدد فلا يصح ان يقال للعقل هو الاول والفؤاد هو الثاني وكذا الواقع في كل مرتبة لا تسمها بسمة غيرها فكل رتبة يخص ( تخص خ ) بعدد واقع فيها فالصدق في الامر الوجداني في هذه المراتب على التشكيك وان كانت التعينات غير مترتبة بمعنى ان كل تعين لا مدخلية له لتعين ذلك الامر الواحد بتعين آخر كتعين النور الواحد المشرق من المبدأ الواحد بمرايا مختلفة غير مترتبة فلا ترتيب بينهما فكل واحدة يصلح لان يكون ( تصلح لان تكون خ ) اولا والآخر ثانيا وثالثا على مقتضي الاسباب فكل واحد يصلح لان يوصف بكل عدد فلا تعيين واما الثاني الذي لا ثالث له فهو ما اذا لوحظ تعين الوحدة الحقيقية في حدين جامعين للحدود كلها كما اذا قلت العالم اثنان عالم الغيب والشهادة والظاهر والباطن والخفاء والظهور والجمع والفرق والوحدة والكثرة والاجمال والتفصيل والاطلاق والتقييد والطول والعرض والفاعل والمفعول والعلة والمعلول والنور والظلمة والاصل والفرع والولي والمولى عليه والنبي والرعية والقطب والدائرة والعلوي والسفلي والمجرد والمادي والمحيط والمحاط والمتساوي والمتفاوت والحركة والسكون والقرب والبعد وعليين وسجين والخلق والامر والصافي والمشوب والبسيط والمركب والقرآن والفرقان وغير ذلك من الاثنينيات التي لا يخلو شيء منها فكل هذه المذكورات وامثالها ثان لا ثالث له لان الاشياء كلها لا تخلو منها فهما حدان جامعان للاطوار كلها والحدود باسرها وكل من هذا الاول والثاني له مراتب لا تحصى ولا تتناهى واما الثاني الذي له ثالث فكما ذكرنا في بيان التعينات واما الثالث الذي لا رابع له فهو تعين الامر الواحد بثلثة حدود جامعة فكلما سواه من فروعها واطوارها فلا يكون ( فلا تكون خ ) في رتبتها حتى تكون رابعة معها كالعوالم الثلثة عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك والزوج والزوجة والاولاد والفاعل والفعل والمفعول والمادة والصورة والهيئة التأليفية وجهة الشيء الى ربه وجهته الى نفسه والجامع بين الجهتين الافلاك والعناصر والمتولدات السماء والارض وما بينهما القابل والمقبول والجامع بينهما العالي والسافل والبرزخ بينهما النور والظلمة والمركب معهما وهكذا من المثلثات الجامعة لحدود الاكوان كلها فلا يشذ منها غيرها حتى يكون رابعا لها فهذا النوع هو الثالث الذي لا رابع له واما الثالث الذي له رابع فكما ذكرنا في بيان اطوار التعينات وهكذا الحكم في الرابع الذي له خامس والذي ليس له خامس كالخامس فاذا عرفت هذه الدقيقة اللطيفة فاعلم ان قول جناب الناظم ايده الله تعالى الطراز الاول اشارة الى ( ان خ ) هذا الستر المبارك والحجاب المعظم هو الطراز الثاني وهذا هو الثاني الذي لا ثالث له وكل من الاول والثاني يشتمل على مراتب كثيرة كل مرتبة توصف بانها طراز اول او ثاني فالطراز الاول هو طراز عالم الغيب والطراز الثاني هو طراز عالم الشهادة فقال سلمه الله تعالى ان هذا الطراز الذي هو الستر الثوب المعلم بالنور والذي نسج لملك الارض والسماء باتحافه الى هذا القبر المنور والجدث المطهر لاح لنا منه وانكشف وظهر لنا الطراز الاول في العالم الاول فيا له من سر ( ستر خ ) كشف الاستار وحجاب ازال الحجب واظهر الانوار وثوب اظهر ما تحته من الاسرار
تنبيه - اذا قلنا الستر والحجاب والثياب والهيكل والصورة والتعين والحدود نريد بها في هذا المقام معنى واحدا وان كان كل يختص عند الخصوص بما يخصه الا انا ( ان خ ) قصدنا العموم في الخصوص فلنرجع الى ما كنا فيه فنقول ان الطراز الاول يشتمل على طرز كثيرة لو اردنا تعدادها وبيان احوالها من مبدئها ومآلها لطال بنا الكلام وان كانت فوائدها كثيرة ومنافعها غير حصيرة الا ان القلب عليل واللسان كليل فاقتصرنا على ذكر اربعة منها التي هي الكليات الجامعة :
فالطراز الاول من الطراز الاول الحجاب الابيض النور المشرق من سر الاحدية وهو حجاب الواحدية التعين الاول طراز اهل الاسماء والصفات وهو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم والنور الاقدم وهو اول ستر وحجاب وثياب نسجتها يد القدرة بالولاية الاجمالية القرآنية للواقف في الحضرة الاحدية الظاهرة في الواحدية والعجب ان الناسج والمنسوج والنسج والمنسوج به والمنسوج له واحد ذو عجايب واطوار وذلك حين الطواف حول جلال القدرة فاتحف الواقف في تلك الحضرة ذلك الطراز الى الطايف حول جلال العظمة فلبسه وتأزر به فكان به ملكا في ملك عالم ( عوالم خ ) الاسماء والصفات وهو طراز ابيض عليه نقط حمر لظهور الاسم الفاعل الموجب للحرارة الموجبة للحمرة الاصلية المعنوية
والطراز الثاني حجاب اصفر ثوب الذهب لبس العرب موضع العجب نسج في بلد بسم الله الرحمن الرحيم وصبغ بالماء الاحمر من عين السلسبيل التي مزاجها زنجبيل المنفجرة تلك العين في ارض الجرز النازلة من بحر الصاد اول المداد وهو قوله تعالى انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض تحت السدرة المنتهى عندها جنة المأوى ناسج هذا الثوب الملك وحدائيل وصابغه اسرافيل عن روح القدس بروح من امر الله ومتحفه عن الله ( سبحانه خ ) الواقف في حضرة الجلال النازل من موطن الوصال الى الواقف في مقام الباء في البسملة الظاهر ( الظاهرة خ ) بالولاية في الحضرة الاحمدية ولما كان تمام هذه المرتبة بالسبعة لانها مبدأ التفصيل وظهور الحبيب بالخليل ظهر بالاتحاف اليه السابع فلبس الثوب الاصفر الجسد الجديد والباقي الذي لا يبيد فكان به سلطانا متمكنا قد اشرق نوره وطلع ظهوره فخضعت له المغردات على افنان السدرة المنتهى واخضرت السدرة باشراق نوره عليها
والطراز الثالث حجاب اخضر من السندس صبغ من الماء المتحصل من نزول القطرات البيض من بحر المزن والصاد على شجرة المزن ثم على ارض الجرز والبلد الميت فمن البحر المزن بياض ومن الشجرة صفرة ومن الارض سواد ومجتمع هذه الالوان خضرة مشرقة شفافة ناسج هذا الثوب ملك ( الملك خ ) ثعائيل وصابغه الروح على ملائكة الحجب ومتحفها الجالس على سرير الملك على منبر الوسيلة التي لها الف مرقاة من مرقاة الى اخرى مسيرة الف سنة للجواد المسرع الذي يقطع في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات وهو ملك الوجود وسلطان الغيب والشهود ( وخ ) اتحفه الى حامل اللواء ليكون له اللواء وجعله سبعينالف شقة كل شقة تسع الخلائق باسرها وهؤلاء المتحف اليهم حملة الولاية الكبرى العليا وتراجمة قول اني انا الله والالسنة الناطقة بالوحدانية عن العلي الاعلى
والطراز الرابع الحجاب الاحمر الثوب المورد ( حجاب احمر ثوب مورد خ ) للملك الاكبر الظاهر بالكبرياء بعد العزة والعظمة والبهاء قد انصبغ من الصبغ الاحمر المتحصل من الماء الابيض الجاري تحت حجاب اللؤلؤ الممتزج بالماء الاصفر النابع في ارض الذهب كالزنجفر المركب من الزيبق الابيض والكبريت الاصفر وصابغه الملك الكروبي ضطائيل بالروح الثاني على ملائكة الحجب ومتحفه الواقف مقام نقطة الاعتدال بين المنطقتين لمزج آثارهما في البين ومحو حكم كل منهما في العين الى حامل الاركان وباسط الاعيان ومظهر الاحسان وينبوع الامتنان ( فافهم خ )
اشعار - فاذا ظهرت هذه الآثار والاحوال في الافلاك الغيبية والشهودية التي هي الروابط لا الاصول الجوهرية ففي الانسان الكامل الحامل للتجلي الاعظم اعظم واعظم ( واعظم خ ) وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وهذه الاربعة هي كليات مراتب الطراز الاول وكم من عجائب تركتها وغرائب كتمتها لم اجد لها حملة آه آه
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري
نكت الارض بالكف وابديت لها سري
فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
واما الطراز الثاني فهو ايضا يشتمل على طرز كثيرة فنكتفي بذكر اربعة منها كالطراز الاول :
الطراز الاول من الطراز الثاني حجاب اخضر شديد الخضرة وعليه علم وهو نقط خمر طهرت ( حمر ظهرت خ ) من العالم الاول بحكم التطابق ومحله في الجنتين المدهامتين اللتين خلق آدم فيهما واخرج منهما فان جنة الخلد لا يخرج داخلها ولا يسافر قاطنها وهما من جنان الدنيا ( كما خ ) في قوله تعالى ومن دونهما جنتان مدهامتان وانما عبرنا في وصف علم الطراز بالنقطة لان ما يظهر في العالم الاسفل بالاضافة الى العالم الاعلى من سر ذلك العالم نقطة وهي المعبر عنها بسم الابرة في حديث المعراج انه (ص) رأى من نور العظمة مقدار سم الابرة لان السافل لضيق مجاله وعدم اتساع باله وحاله لا يحمل من ظهور العالي الا يسيرا وما اوتيتم من العلم الا قليلا اي العلم بالعالي والا علم انفسهم حاضر عندهم كحضور انفسهم عندهم ولكن اكثر الناس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وهو قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وما شاء بالاضافة اليه قليل اقل من سم الابرة ولذا عبرنا عنه بالنقطة وانما قلنا نقط بالجمع مع ان الظاهر وجه واحد وهو نقطة واحدة لان السافل الكرة حيث استدارت على المحور تحدث من كل جزء ( دائرة خ ) نقطة واحدة من ( اجزاء خ ) المحور قطب لها فتعددت الدوائر بالعظام والصغار واختلفت فكل دائرة حاملة نقطة من ظهور القطب في المحور واما اذا استدارت على القطب لا تختلف ولا تحدث الا الكرة لان ضرب الواحد في نفسه لا يؤثر الا الواحد وتوضيح هذا المرام ان العالم الاسفل بل عالم الامكان له ثلث حركات الاولى حركته من حيث نفسه من حيث مبدئه في مقام الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت الثاني حركته من حيث نفسه منكس الرأس عند ربه في مقام قوله تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم الثالث حركته من حيث مبدئه فحسب من غير النظر الى نفسه في مقام الامتثال لقوله تعالى القها يا موسى وقوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون على حد ما قال سيدنا الحسين عليه السلام في المناجاة يا من استوى برحمانيته على العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فالحركة الاولى هي الحركة على المحور والثالثة هي الحركة على القطب والثانية عرضية وآثارها مجتثة فالحركة على القطب لا تؤثر كثرة وعلى المحور تؤثر كثرة توجب تكثر الاسماء فنور التوحيد ظاهر من خلالها فلذا قلنا نقط بالجمع لان الطراز مقام الكثرة واشرف مقاماتها عند الحركة على المحور فيحصل من كل جزء من العالم السفلى ظهور للعالم العلوي ونسبة ذلك الظهور نسبة النقطة الى الدائرة وكثرة الدوائر يستدعي ( تستدعي خ ) كثرة النقط ولذا اتينا بالجمع فافهم واتقن
الطراز الثاني حجاب اخضر ايضا غلبت عليه السواد الا ان آثار الخضرة ما انمحت رأسا لظهور الوحدة وبقاء احكامها احيانا ولما كان الغالب عليها احكام الكثرة كان الغالب عليها السواد ومحله في الجزيرة الخضراء على ساحل البحر الابيض من وراء جبل قاف وصابغه سطال او نطائيل بالملك جبرائيل ومتحفه الظاهر بالملك اسماعيل الى الولي القائم بامر الله الذي القي عصاه فاذا هي حية تسعي ثم القاها فلقفت بعد حياتها ما اماتت السحرة من حيات ظهور الوحدة في انيات حجاب الكثرة في مقام الحركة الثانية المذكورة آنفا فاظهر الحيوة بماء الفيض المقدس بالعصي التي هي غصن اخذ من شجرة طوبى فبين الماء والشجر اظهر الامر المستقر الثابت وازال المجتث ( الزايل خ ) الباطل فحقيق بان يسمى موسى في اول مقام التسمية في الرتبة الثانية في مقام الفرق دون الجمع فان فيه كل ولي متخذ من شجرة النبوة وماء الفيض موسى فالكل موسى والكل احمد والكل محمد وفي مقام الفرق جاء الفرق وومض البرق وامتاز الغرب من الشرق ان في ذلك لآيات للمتوسمين فبطن القرآن وجاء الفرقان ولم يظهر الاول الا بالثاني كما لم يظهر العرش الا بالكرسي فهو مضارع مع العرش شربا من ثدي واحد من غذاء المدد في مقام الجمع وفي مقام الفرق تعالى العرش وخفي وتسافل الكرسي بظهور الكثرات من النجوم والبروج والمنازل وظهر ولذا سمى المضارع مضارعا في الافعال ولو كان كما يقولون لكانت المشابهة والمناسبة انسب فافهم وكم من خبايا في زوايا وتعيها اذن واعية
الطراز الثالث حجاب اخضر الغالب عليه السواد ايضا فهو الادهم ومحله خط الاستوي قطب العالم عند الحركة عن المقام الذي كان طالع الدنيا فيه سرطان والكواكب في اشرافها والشرف اعم من المصطلح والا فعلى الاصطلاح لا يستقيم شرف عطارد والزهرة لانهما لا يبعدان عن الشمس باكثر من الميل الكلي فيجب التعميم فيتم المقصود فذلك الوقت وقت الظهر فلما تحركت الافلاك بحركاتها وهي الاربعة والعشرون حركة وكانت حركتها على المحور تحققت الآفاق المائلة وتقدم الليل على النهار واختلفت الساعات المستوية والمعوجة واختلفت الايام والليالي والقطب في هذه الحركات في غيب عالم ( غير خط خ ) الاستواء عالم الجسماني الثانوي وهو الوسط والقطب ليس في الطرف لانه وجه المبدء وهو متساوي النسبة فلو كان في الطرف لم تتساو والقطبان المشهوران هما طرفا المحور الذي تنتهي اليهما الدوائر الصغار وكل واحد قطب للدائرة الصغيرة التي لا اصغر منها واما القطب فهو في الوسط وهو السر وباب المدد ومحل الولاية الظاهرة في هذا الكون كالقلب بالنسبة الى البدن فالفيض يرد على القلب اولا اجمالا ثم يفصل في الصدر ثم ينشرح في الدماغ ثم ينبسط في الاركان ثم في الاجزاء فالواقف على خط الاستواء في باطنه هو القطب الاجمالي وظهور اجماله في العرش وتفصيله في الكرسي ولما كان الطراز انما يكون من الاجمال الى التفصيل ومن البطون الى الظهور ومن الخفاء الى الشهود كان المتحف اليه الطراز حامل ولاية المتحف الى اطوار تلك التفاصيل وصابغه الملك مشحائيل بالملك عزرائيل بمعونة اسرافيل والصبغ هو الماء الذي يشبه البرقا حين سقيه بالطلق بعد حله فيحصل به الصبغ الاخضر الغالب عليه السواد فكان طراز الحامل الولاية الظاهر بنوره على قطب الشمس الظاهر بمنطقتها من حيث محاذاتها لمنطقة الكرسي من حيث محاذاتها لمعدل النهار ( من حيث محاذاتها خ ) للقطب الغايب في خط الاستواء ولذا كانت الشمس لا عرض لها فلذا كانت كل واحدة منها لها تأثير وتدبير في جهات محاذاتها وكل تلك الجهات مستمدة من صاحب الطراز الذي اتحف اليه من الواقف على قطب خط الاستواء
الطراز الرابع الستر الذي كان على ظاهرية النبي صلى الله عليه وسلم في مقام قل انما انا بشر مثلكم ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون وهو اللباس اي ثوب الملك لانتفاع الناس به وتمكنهم منه وهو آخر التعينات في مراتب التنزلات ولما كان القبر الشريف حاملا لذلك الجسد الحامل لذلك التعين الكلي المتنزل من تلك العوالم للتأدية الى الخلق تكوينا وتشريعا جعل طراز القبر وثيابه على نهج تنزل ظاهريته وحيث انه في آخر العوالم دليل على الله وذكر لله من وراء الحجاب فكان في عالم الكثرة دليلا على الله سبحانه فمن جهة الكثرة يقتضي ان يكون اسود ومن جهة انه من الله ودليل عليه يقتضي ان يكون اخضر لاختلاط صفرة عالم الغيب مع سواد الكثرة ومن جهة انه مبين اسماء الله وصفاته على الحدود المباينة لصفات المخلوقين والا لشابه المخلوقين ومن حيث انه واصف تلك الحدود بنفسه واوليائه وخلفائه واصحابه يجب ان يكون ذلك الثوب الستر والطراز مطرزا معلما منقوشا بلا اله الا الله محمد رسول الله والصلوة على محمد وآله وصحبه اجمعين فظهر الظاهر على طبق الباطن والفرع على طبق ( وفق خ ) الاصل والمجاز على نهج الحقيقة وكم من مراتب طويتها ومقامات ماذكرتها مما شاهدتها عيانا في مرايا انحاء التجليات ولو اذن لي بالبيان لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان واريت الناظرين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي ما ذكرنا كفاية لمن اعتبر وتذكر ما مر عليه في العالم الاول عالم الذر ثم اعلم ان الطراز الاصلي الجامع للكينونة وهذه الطرز المذكورة وغيرها هو الصورة الانسانية وهي هيكل التوحيد وصورة التفريد والتجريد والمثل الاعلى والمثال الاسنى والربوبية التي هي كنه العبودية كما قال سيدنا جعفر الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك ه وقد قال امير المؤمنين عليه السلام في الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غايب والحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم الحديث وذلك لان الصورة الانسانية مجمع التجليات وجامع التعينات ومحل الاسرار والاطوار وعليها تدور الليل والنهار وفيها العوالم التي كلياتها الف الف عالم والف الف آدم وفيها الاسماء العظام التي اصلها وسرها الاسم الاعظم هو فكل عالم لمبدئه طراز اتحف من الولاية الاجمالية وبذلك الطراز كان ملكا على اهل ذلك العالم متصرفا فيه فالانسان الكامل الذي ظهرت مراتبه وفصلت الاسماء والصفات المربية له والاثنان والسبعون الاسماء العظام والاسم الاعظم الاعظم القاهر على الاسماء كلها له الغلبة والهيمنة والعزة والمنعة والتصرف والولاية على الموجودات كلها فالواقف مقام التوحيد مع اجتماع تلك المراتب مع قطع النظر عنها له مقام الولاية الاجمالية والنبوة والواقف مقام التوحيد الظاهر بالاسماء والصفات حيث ان وجوده بالاول كان له مقام الولاية التفصيلية الظاهرة في جميع الاطوار والادوار والاكوار والتفصيل لما كان بالصورة المميزة والمشخصة وهي الحدود يعبر عنها بالثوب والستر والحجاب والطراز ولما كان التفصيل انما كان بالاجمال فحامل الولاية المطلقة الاجمالية لقربها الى الوحدة الحقيقية الحضرة الاحدية هو الذي يتحف الطراز الى حامل الولاية الخاصة التفصيلية ولما كان اكمل المظاهر واشرف الاطوار الصورة الانسانية كانت هي الطراز الاول الجامع والنور الاقرب الساطع اللامع والكلام في هذا المقام طويل الذيل ممتد السيل تركناه خوفا وطلبا للاختصار ولما ذكر ايده الله ووفقه مراتب هذا الستر من البدو الى الختم والبداية والنهاية وشرحنا بعض احوالها وذكر ( ذكرنا خ ) بعض خزائنها واصولها وفصولها على وجه الاجمال لضيق المجال وتبلبل البال وتعارض الاحوال اراد سلمه الله تعالى ان يذكر ما في تلك الاستار من النفوس ( النقوش خ ) والاطوار
فقال ادام الله بقاه :
رقمت على العنوان من ديباجها ديباجة الشرف الذي لا يجهل
اقول : لما كان التوحيد هو الظاهر في المظاهر والبارز في اطوار التعينات فكل ظهور مظهر توحيد وكل تجلي محل تقديس وتفريد والاعيان والاكوان حدود تلك المظاهر ووجوه تلك المجالي فلا شيء الا وهو دليل توحيده وشرح تجريده
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
وقد قال سيدنا الحسين عليه السلام تعرفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فانت الظاهر لكل شيء بكل شيء بعد قوله (ع) ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا وقال سيدنا زين العابدين عليه السلام لا يرى فيه نور غير نورك ولا يسمع فيها صوت غير صوتك وقال سيدنا الكاظم عليه السلام ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور ه كل ذلك لاجل تجلي الحق وظهوره في مرايا الآفاق والانفس وقوابل الاكوان ومجالي الاعيان فالكل كلمات التوحيد ومرقوم على الكل لا اله الا الله ولما كانت الحضرة الاحمدية صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اقرب الحضرات الى الحضرة الاحدية والفرق بالميم والميم مقام التمام في مقام الواحدية كانت هي التعين الاول والوجود المنبسط وقال الشيخ الاكبر ان اول الحضرات الحضرة الاحدية واقرب الاشياء اليها الحضرة المحمدية والموجودات كلها ظهورات وتجليات لتلك الحضرة ظاهرة فيها ظهور الاحدية فيها لحكم الانبساط والاحاطة ه فاذن كل شيء ظهر فيه التوحيد والولاية والنبوة فكل شيء مرقوم عليه لا اله الا الله محمد رسول الله (ص) ولما كانت الولاية انما ظهرت في المراتب التفصيلية في الاقرب والاقرب الى الحضرة المحمدية صلى الله عليه وسلم ولما كان الولد جزء الوالد بنص القرآن والجزء تابع للكل تبعية البدل ولذا كان على شكله وهيئته في الظاهر والباطن والاجساد والارواح كان لا يذكر النبي (ص) الا ويذكر معه الاولاد المعنوية والظاهرية الصورية لحيازتهم الرتبة الجامعة او المعنوية فقط كما لا يذكر الكل الا والجزء معه بالدلالة التضمنية فيكون في كل شيء مكتوب بقلم القدرة بالكتابة التكوينية والتشريعية والتدوينية باليد الباسطة لا اله الا الله محمد رسول الله واولاده وخلفاؤه واصحابه اولياء الله ولما كانت الحضرة المحمدية صلى الله عليه وسلم واقعة في اول مراتب الوجود لانه التعين الاول والنفس الرحماني الاولى والموجودات كلها تعينات ظهوره ومجالي مرايا نوره كان لها الكمال المطلق الفائق على كل كمال والشرف الظاهر على كل شرف لان جميع الكمالات من وقوع ( فروع خ ) كماله وجميع المفاخر من شؤن جلاله وجماله
فكل جميل حسنه من جمالهم عار له بل حسن كل مليحة
كما هو شأن جلال الله وجماله وصفاته واسمائه طأطأ كل شريف لشرفه وبخع كل متكبر لطاعته وخضع كل جبار لفضله وذل كل شيء له واشرقت الارض بنوره فكان هذا الحكم بالتبع ثابتا في كل من كان بمنزلة جزئه ونفسه واقرب التعينات اليه واجلى مجاليه ولما كان الامام موسى بن جعفر عليهما التحية والاكرام من اولاده واجزائه الظاهر فيه مثاله وولايته في القرب المعنوي والصوري كان المرقوم على كل شيء بعد الشهادتين ( وان خلفائه واصحابه واولاده اولياء الله خ ) وان محمدا وآله لهم الشرف الفايق والفخر الظاهر والنور الباهر قد سبق كل شرف وفخر ونور وعزة ومنعة وكرامة فلما رقمت هذه الارقام الواضحة في حقايق الاشياء وذواتها وانفسها وليس شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه وهذه الارقام هي الآيات المرئية في الآفاق وفي الانفس ظهرت هذه الارقام للاشياء كلها ظهور انفسها اليها ولا شيء اظهر منها اليها فلم يبق شيء لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امر النبي واوليائه وخلفائه وعظم خطرهم وكبر شأنهم وتمام نورهم وصدق مقاعدهم وثبات مقامهم وشرف محلهم ومنزلتهم عند الله وكرامتهم عليه وخاصتهم لديه وقرب منزلتهم منه وهذا الشرف الاعظم والسر الاقوم والنور الاقدم مرقوم ومكتوب في كل شيء وكل موجود ومفقود وشاهد وغائب وجوهر وعرض وصفة وموصوف ولما كان اشرف الاشياء واعلاها واسناها وابهاها مقامات الطراز الاول والثاني المتحف الى هؤلاء الاولياء الاقطاب كما اشرنا اليه مما اشار اليه الناظم ايده الله بتوفيقه واسعده بامداده خص الناظم سلمه الله بالكتابة والرقم عنوان ذلك الطراز الثاني الذي يلوح منه الطراز الاول واذا كانت مرقومة في تلك المبادي التي ساير الموجودات فروع وتوابع لها ففي التوابع بالطريق الاولى لان الفرع لا يخالف الاصل والتابع يعرب باعراب متبوعه ويوصف بصفات سابقه فاذن رقمت وكتبت على الاشياء كلها بالرقم التكويني شرف هؤلاء الاولياء وفخرهم وان لهم الرياسة الكبرى والولاية العظمى وهو فخر لا يدانيه فخر وشرف لا يحاذيه شرف وهو معلوم عند كل شيء كعلمه بنفسه ولكن اكثر الناس لا يعلمون ولما غلب على الخلق في القوس النزولي حكم الانية نسوا ظهور تلك المراتب العالية بنسيانهم ربهم نسوا الله فانسيهم انفسهم بقوا لا يعلمون ولا يدرونها والا فهي اقرب اليهم منهم ونحن اقرب اليكم منكم ولكن لا تبصرون فلله در الناظم حيث اشار الى شرف رايق وفضل فائق في هذا البيت مع الاول فهما معا ممثل لفلك البيان التام وكل واحد متمم الا ان الاول المتمم الحاوي لاشتماله على الاصول والثاني المتمم المحوي وان كان كل منهما تامين في المقصود وفلك على حدة داير على قطب الحقايق والمعارف والخارج المركز للمتممين ما يشير ( نشير خ ) اليه في البين من اطوار الغيوب فنقول قوله سلمه الله تعالى : رقمت على العنوان من ديباجها المراد به ان تلك التحفة والهدية لها ديباج ولديباجها عنوان وعلى العنوان مرقوم ما يذكره في الشطر الثاني مما اشرنا اليه ونشير ان شاء الله تعالى او التحفة هي الديباج والاول اعلى في الفضل والمدح ونجري الكلام على الاول فنقول انها مشتملة على الديباج وغيره والديباج هو الوجه الاعلى والمثال الملقى من تلك التحفة الجامعة للطراز بانحائها وذلك الوجه مشتمل على عنوانات والاتيان بالمفرد لملاحظة الجنس الواحد احدها عنوان التوحيد وفيه عنوانات العنوان الاول مراتب التوحيد في نفسه توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الافعال وتوحيد العبادة العنوان الثاني مراتبه من حيث الموحد وهو قسمان ذاتي ووصفي العنوان الثالث مراتبه من حيث الوصف وهو توحيد العبادة وتوحيد الذات والتوحيد الشهودي والتوحيد الحقيقي العنوان الرابع مراتبه في السلسلة الطولية الثمانية وملاحظة المراتب المتقدمة وهي ستة عشر فيها العنوان الخامس مراتبه في كل سلسلة المسماة بالعرض وملاحظة المراتب المذكورة بالتربيع في الثمانية والعشرين التي هي تمام القوسين في العالمين العنوان السادس مراتبه في الجميع من حيث الكيان الثلث الوجه من ربه والوجه من نفسه والجامع بين الوجهين الذي به الاختلاف في البين العنوان السابع مشاهدة الغيب المطلق والواحد الحق في هذه الوجوه وطي الاضافات وسلب الاشارات ومحو الجميع ونفي المراتب والرجوع الى الواحد انا لله وانا اليه راجعون على حد ما قال سيدنا الحسين عليه السلام الهي امرت بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير وهذه المراتب في مقام العلم دون العمل وثانيها عنوان الاسماء والصفات وظهور نور التوحيد في خلال التعينات وفيه عنوانات العنوان الاول الاسم الاعظم الاعظم الاعظم اسم الذات الجامعة لكل الصفات والشؤن والاضافات وهو ه بلا اشباع يوجب تولد الواو العنوان الثاني الاسم الاعظم هو مع الواو ليكون هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وهو الذي يدخل تحت اسم الجلالة الله قل هو الله احد فالله صفة وهو موصوف والفرق بينهما معلوم عند اولي البصاير العنوان الثالث الاسماء العظام الاثنان والسبعون قوي كن مع المستتر فيها والغائب المستور في المستتر من سر المضارع المخاطب والمشتق فرع للمشتق منه كما هو الظاهر المعلوم وهو تمام الاثنين والسبعين وهي الاسماء المتعلقة بكليات العوالم العنوان الرابع رتبة الاحدية وهي مقام كشف السبحات وهي صفة لاسم الجلالة قل هو الله احد ونسبتها اليها نسبة الشكل المثلث الى المستدير والثاني فرع للاول وهو ابو الاشكال والمستدير شكل الوحدة فافهم العنوان الخامس رتبة الواحدية رتبة الفيض الاقدس والاعيان الثابتة والصور العلمية ولوازم التعين الاول والاحاطة الكلية بجميع العلوم والحقايق العنوان السادس رتبة الرحمانية والفيض المقدس وظهور الاسماء المتقابلة مثل المنعم والمنتقم والمريد والكاره والمحيي والمميت وغيرها وهو مقام الاستواء على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه وههنا ( هنا خ ) عنوانات كثيرة رأيناها مرقومة على عنوان ذلك الديباج وقرأناها وتركنا ذكرها واشرنا الى نوعها صونا عن الاغيار وحفظا للاسرار وايصالا للامانات الى اهلها ومنعها عن غير مستحقيها وهو سبحانه يقول ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وثالثها عنوان الربط بين الظاهر والمظهر والتجلي والمتجلي له والتعين والمتعين وفيه عنوانات العنوان الاول الولاية المطلقة الاولية الكلية الظاهرة بامر كن وبقوله السارية بنورها وظهورها في جميع الذرات الوجودية من مبدأ الغيب الى آخر مراتب التعينات وان كانت لا نهاية لها ولها الهيمنة بالافاضة ( بالاضافة خ ) على الاشياء كلها بجميع مراتبها واطوارها العنوان الثاني رتبة النبوة وهي الوساطة في التشريع وفي التكوين ايضا بوجه دقيق ولا شك ان النبوة مقامها بعد الولاية وان كان الجامع له السبق على المنفرد ( المتفرد خ ) وبجمعيته تفرد كما ان المتفرد بتفرده اجتمع واقترن واشار الشيخ الاكبر الى العنوان الاول من الثالث والثاني من الثالث على ما ذكرنا ولكن يحتاج في التطبيق الى لطيفة سر قال وكل نبي من لدن آدم الى آخر نبي ما منهم احد يأخذ الا من مشكوة خاتم النبيين وان تأخر وجود طينته فانه بحقيقته موجود في جميع العوالم وهو معنى قوله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وغيره من الانبياء ما كان نبينا الا حين بعث وكذلك خاتم الاولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين وغيره من الاولياء ما كان وليا الا بعد تحصيل شرائط الولاية من الاخلاق الالهية والاتصاف بها من كون الله يسمى بالولي الحميد فختم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية نسبة الانبياء والرسل معه فانه الولي الوارث الآخذ عن الاصل المشاهد للمراتب وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وآله انتهى كلامه وهذا هو الذي نقلنا عنه سابقا من ان الحضرة المحمدية اقرب الحضرات الى الحضرة الاحدية فكانت له الولاية العامة الواقعة على كل مذروء ومبروء وله النبوة الخاصة العامة المطلقة فهو من حيث ولايته اعلى منه من حيث نبوته وبالامرين تقدم على صاحب الولاية فقط كما قال الشيخ الاكبر ان الولي حسنة من حسنات خاتم النبيين العنوان الثالث رتبة الولاية في مقام جمع الجمع وهو الاحدية الثانية العنوان الرابع رتبة الولاية في مقام الجمع وهو مقام الواحدية في هذه الرتبة العنوان الخامس رتبة الولاية في مقام الفرق وهو مقام اعطاء كل ذي حق حقه العنوان السادس رتبة الولاية في مقامات الفرق ومراتبه كما فصلنا ( في المقدمة خ ) اجمالا العنوان السابع رتبة الكمالات الحقيقية والملكات النفسانية والاخلاق الالهية والاطوار الربانية مما يقتضي ظهور التوحيد في الصورة الانسانية من احكام الربوبية الظاهرة في العبودية واحكام العبودية المنوطة بالربوبية من مراتب التقوى والزهد والعبادة والعلم والحلم والكرم والشجاعة والوفاء والحياء والحيوة المطلقة الظاهرية والباطنية والانوار القدسية ومعرفة النفس بكشف السبحات وازالة الانيات وهذه العنوانات هي المرقومة على ذلك الديباج وهو العنوان لها وهي الديباجة الشرف الذي لا يجهل لان ديباجة الكتاب مشتملة على اشرف ما في الكتاب من الثناء على الله والصلوة على محمد وخلفائه واصحابه واولاده سلام الله عليهم وهي عبارة عن العنوانات المذكورة من التوحيد والاسماء والصفات والولاية والنبوة وكرامة النفس وهي المجتمعة في كينونة الانسان الكامل وحيث ان اصول الشرف وكماله ترجع الى هذه الحدود والجهات كانت الصورة المذكورة والطراز الاصلي ديباجة عنوان لهذه الديباجة فالشرف كتاب وديباجته اكمل ما فيه واشرف ما سطر فيه واشرف ما في الوجود من الغيب والشهود من اطوار الشرف ظهور هذه المراتب في حد جامع ولما كانت الصورة الانسانية هي الجامعة لهذه المعاني ( المعالي خ ) والمفاخر في الوجه الاعلى كان الانسان الكامل جامعا لهذه المراتب فهيكل التوحيد الصورة الانسانية طراز مرقوم في ديباجة الوجه الاعلى منه ديباجة الشرف واصوله ومقاماته العلوية وهو الذي لا يجهله احد لما ذكرنا من ان ظهور هذه الكمالات مساوقة لوجود الاشياء وهي حكاية لها وهي اظهر لها من انفسها بها ولكن علايق البشرية ولوازم الانية ومقتضيات الماهية لما حجبتهم عن مشاهدة تلك المقامات القدسية والمراتب الالهية والشرف اللامع والنور الساطع لهذا الانسان الكامل نسوا تلك الاحوال والامور فبقوا بين جاهل ومشكك ومنكر فاذا كشف الغطاء يقال للغافلين لقد كنت في غفلة عن هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد فيرى عند الكشف ظهور تلك العنوانات وبروز تلك الجهات ويجدها اظهر الاشياء واعلاها وابهاها واسناها فيعرف انها لشدة ظهورها خفيت ولعظم نورها سترت فخفاءها لعظم نورها ( واستتارها خ ) شدة ظهورها ولذا قال سلمه الله تعالى ديباجة الشرف الذي لا يجهل اي والله لا يجهله احد الا ان الخفاء نسيان كما نسوا العوالم الماضية سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ولقد كررت العبارة ورددتها لزيادة التعريف والتفهيم لصعوبة مسلك هذا المطلب ودقة مأخذه هذا ما يتعلق بباطن الكلام وتأويله وما اسعد من وفق لتحقيقه واما ما يتعلق بظاهر الكلام في قوله سلمه الله الشرف الذي لا يجهل فاعلم ان الشرف اما بالنسب او بالحسب والامران قد اجتمعا في هذا الانسان الكامل والقول الفاصل اما النسب فلان اشرف طوايف بني آدم العرب لان محمدا صلى الله عليه وآله منهم واشرف طوايف العرب القريش ( قريش خ ) لان النبي المعظم منهم فتشرفوا به واشرف قبائل قريش بنوهاشم لوجود ذلك النور المكرم منهم واشرف بنيهاشم اهل البيت لانهم من محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد منهم الا من اخرجه من البيت مباينة اخلاقه له صلى الله عليه وسلم لان له شرافته لانتسابه اليه فاذا انتفت النسبة في العالم الاعلى من مقامات القلب والفؤاد تنتفي في العالم الجسماني يا نوح انه ليس من اهلك والدليل على ذلك انه عمل غير صالح فهذه هي قاعدة الحقية القرآنية لا تختلف بحال من الاحوال فلا يضاهي اهل البيت في شرافة النسب احد باتفاق جميع المسلمين المقرين بشرف محمد صلى الله عليه وسلم واما الحسب فعلم وعمل وملكات نفسانية ( وغير ذلك خ ) مما مر بعضها والتنزه عن الارجاس والادناس وسوء الاخلاق ودنائة الاعراق وقد شهد الله لهم بذلك في القرآن في مواضع شتى الا ان اظهرها وابينها قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فاذا اذهب الله عنهم الرجس فلم يبق معهم شيء من الاخلاق الردية والملكات الغير المرضية مما لا يحبه الله تعالى فان الرجس هو الذي يكرهه الله سبحانه ولم يتوجه ( لم تتوجه خ ) اليه العناية الالهية الربانية فكلما كان كذلك فهو بعيد عنهم لان الله سبحانه تفرد باذهابها عنهم فوجودها مع ذلك محال لانه يستلزم تكذيب الله سبحانه فاهل البيت عليهم السلام منزهون عن كل شيء لا يريده الله ولا يحبه ونهي عنه الزاما كان ام تنزيها ثم اكده سبحانه بالتطهير فاذا لم يكن عندهم شيء من الرجس مما يحصل به الاعراض عن الله سبحانه فهم دائما متوجهون اليه ومقبلون عليه ومستمدون منه سبحانه بالاعمال الصالحة ولا يعقل ان يكون العبد مقبلا الى الله مستشرقا من انوار عظمته وجلاله من الباب الذي امر الله سبحانه ان يقبلوا ويتوجهوا اليه من ذلك الباب وهو سبحانه يعرض عنه ولا يشرق عليه من انواره ولا يحليه بحلية كينونته واطواره ان ذلك محال كيف وهو سبحانه الذي قال من اقبل الى شبرا اقبلت اليه ذراعا ولدينا مزيد يا ابن آدم اطعني ( حتى خ ) اجعلك مثلي ( انا خ ) اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون والشواهد العقلية والنقلية تأبى عن ذلك فكان اهل البيت عليهم السلام هم المتحلون بحلية كل كمال والمنزهون عن كل نقص وزوال سوى نقص الامكان وحدود الاكوان والاعيان وذلك بنص القرآن وشهادة الملك المنان واجماع اهل الاسلام والايمان وقال الشيخ في الفتوحات ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا محضا خالصا قد طهره الله تعالى واهل بيته تطهيرا واذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم فان الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه الفراء قال تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فلا يضاف اليهم الا مطهر ولا بد ان يكون كذلك فان المضاف اليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون الى انفسهم الا من له حكم الطهارة والتقديس فهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم ( لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الالهي والعصمة حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ) سلمان منا اهل البيت وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم واذا كان لا يضاف اليهم الا مطهر مقدس وحصلت له العناية الالهية بمجرد الاضافة فما ظنك باهل البيت عليهم السلام في نفوسهم فهم المطهرون بل هم عين الطهارة انتهى اقول وهذا هو الشرف الذي لا يجهل والذكر الذي لا يخمل والنور الذي لا يطفى والفخر الذي لا يخفى وقال ابو عثمان الجاحظ في اهل البيت وشرفهم وكيف يقاس بقوم منهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله خ ) والاطيبان علي وفاطمة والسبطان الحسن والحسين والشهيدان اسد الله وذو الجناحين وسيد الوادي عبد المطلب وساقي الحجيج العباس النجدة والخير فيهم والانصار انصارهم والمهاجر من هاجر اليهم ومعهم والصديق من صدقهم والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم والحواري حواريهم وذو الشهادتين لانه شهد لهم ولا خير الا فيهم ولهم ومنهم ومعهم انتهى فقد جمعوا جوامع الشرف نسبا وحسبا وهذا هو المرقوم على الطراز المنسوجة لهم في جميع العوالم والمراتب والمقامات ولما كانت الولاية لهم والتأثيرات بهم اشرق نورهم على كافة الموجودات فرقمت على كل ذرة منها تلك الديباجة الشريفة والكتابة اللطيفة وهو لعمري كما قال ايده الله وسدده ووفقه الشرف الذي لا يجهل
قال سلمه الله وسدده :
كم جاورت قبرا لجدك فاكتست مجدا له انحط السماك الاعزل
اقول : هذا البيت ظاهر في معناه لا سترة عليه ولا اشكال فيه في النظم الترتيبي الا ان الكلام بقي في امور الاول في المجاورة والجوار وما يتعلق بها من الاطوار الثاني في حقيقة القبر والمراد منه عند اهل الكشف والحقايق الثالث في معنى الجد ويستطرد فيه ذكر الاب الرابع في المجد وسره وبيان المراد منه الخامس السماك الاعزل والمراد منه في الظاهر والباطن السادس كيفية الانحطاط وحقيقته والستة هي العدد التام ظاهره في باطنه وسره في علانيته بها خلق الله الوجود وميز الغيب من الشهود واتم به الحدود ودل الى قوله سبحانه صنع الله الذي اتقن كل شيء وهو هذا القول الفصل الذي ليس بالهزل وما كنا عن الخلق غافلين فافهم
اما الاول - فاعلم ان الشيء من حيث هو هو منزه عن الاسم والرسم والاشارة والعبارة والتعريف والتعرف والافادة والاستفادة وانما الاحكام والاوصاف تجري عليه من حيث تعينه وتقيده فاذا تعين بالوحدة ظهرت له اسماء واوصاف واحكام كالوحدة الحقيقية والانبساطية الاطلاقية والجنسية والنوعية والشخصية والعددية والاصل والاسطقس والمادة والامر والعنصر والاسم والفعل والحرف وامثالها من الاسماء التي للتعين الاول او الواحد من حيث هو واحد وقد ذكرنا احوال الواحد في كثير من مصنفاتنا واجوبتنا للمسائل لا سيما في كتابنا اللوامع الحسينية واذا اقترن ذلك الواحد المتعين للآخر ( بالآخر خ ) فهما المتجاوران المقترنان فان اقترنا بحيث انمحي اثر كل منهما رسمه واسمه وحصل من الاقتران حقيقة اخرى يستحق اسما آخر وهما اضمحل اعتبارهما واكتسيا وحدة لهذه الكثرة عند اجتماعهما وهو المركب يتحقق الكل والجزء وغاب الجزء في الكل وظهرت الوحدة المستقرة تحت حجاب الواحدية عند اجتماع الجزئين او الاجزاء فهي كثرة جاذبة للوحدة وعبودية مظهر ربوبية فلا طفرة في الوجود لاستلزام وجود الوحدة بعد الكثرة ولا استحالة في الكون لاستلزام الكل قبل الجزء فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وان اقترنا مع بقاء آثار كل منهما فان توقف وجود احدهما على الآخر بان احدثه لا من شيء ولا على شيء فهما العلة والمعلول فان توقف وجود الثاني بمادته وصورته وكينونته على الاول بان يحدث المجموع لا من شيء وهما الفاعل والمفعول وان كان احدهما واسطة في صدور الآخر ويدا للاعلى غير معتبر اعتباره في نفسه بل الثاني انما ينسب الى الاعلى لا الواسطة فهما السبب والمسبب بالفتح واما بالكسر فهو الاعلى ويقال للسبب يد كالحركة بالنسبة الى افعال الشخص فانها منسوبة اليه لا اليها مع انها لا يحصل بدونها وان كان احدهما واسطة لقابلية الوجود ( بقابلية وجود الآخر خ ) فهو المعد والمعد له كالنطفة للعلقة وهي للمضغة وهي للعظام الى الانسان الهيكل البشرى وان كان احدهما واسطة لقابلية الظهور للآخر فهو الشرط والمشروط كالارض لظهور النور وكالبلور لظهور احراق المنير وان كان الثاني من مقتضيات الاول فهو اللازم والملزوم كالزوجية للاربعة والكلية للطبايع لا الاحراق للنار والاشراق للشمس فانهما من قسم العلة والمعلول لا اللازم والملزوم وانفكاك الاحراق من النار في قصة ابرهيم (ع) ليس انفكاك العلة من المعلول المستحيل بل من قبيل انفكاك اثر المختار منه ان لم يشأ ككلامك بالنسبة اليك واقمنا براهين قطعية في مباحثاتنا واجوبتنا ان كل ممكن زوج تركيبي وان كل مركب مختار واختيار كل شيء بحسبه ولولا خوف التطويل لاعطينا الكلام حقه ولكن الاشارة كافية لاهلها وان كان الثاني من تنزل وجود الاول يعني انجماده وانعقاده وتعينه فهو الشهادة والظاهر والاول هو الغيب والباطن وان كان كل واحد منهما يتوقف على الآخر فهما المتفاعلان كاللبنتين وان كان نسبة احدهما الى الثاني متوقفا على نسبة الثاني اليه فهما المتضايفان كالابوة والبنوة والموضوع والموضوع له وان كان وجود كل منهما عند وجود الآخر معا فهما المتساوقان كالوجود والماهية وان كان كل منهما ينتهي الى الآخر فهما المتحاويان كالجسم والزمان او الجسم والمكان وكالامكان والحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم ويدور كل من المتفاعلين والمتساوقين والمتضايفين والمتحاويين على الآخر فالدور معي وان كان احدهما مثال الآخر وشبحه ودليله فهما الصفة والموصوف وان كان في احدهما مثال الآخر وصفته فهو ( فهما خ ) الدليل والمدلول والعلة والمعلول والعلة تدل على المعلول في فعلها لا في ذاتها وان لم يتوقف احدهما على الآخر وانما اقترنا لنسبة بينهما فهما المتجاوران بوجه خاص ويدور الجوار مدار النسبة شرفا وضعة علوا وسفلا ورقة ولطفا وانما قلنا بوجه خاص لان اطلاق الجوار على هذا الوجه هو الشايع الذايع والا ففي الحقيقة كلما يجتمع مع الآخر ويقع تلوه فهو مجاور له متصل به وذلك الاتصال لا يخلو من الاقسام المذكورة والغير المذكورة والمراد من الجوار في هذا البيت سنذكره ان شاء الله تعالى بعد بيان معنى القبر ونذكر ان جوار هذا الستر لهذا القبر الشريف باي نحو من انحاء المجاورة من الاقسام التي ذكرت
واما الثاني - فاعلم ان القبر هو محل الجسد الذي نزعت عنه الحيوة وهذا وان كان هو الظاهر المتبادر عند عامة الناس من الواقفين مقام الاجسام الثانوية عند تصادم العناصر وتمانع القواسر وتخالف المتمائلات ( المتلائمات خ ) وتعاكس المتشابهات مقام التناكر والاختلاف والتباغض والاعتساف دون التوادد والايتلاف هو القبر المعروف الحامل لهذا الجسد الميت المتواري فيه الا ان عند اهل الوصال واصحاب الاتصال وارباب الانس المتجاوزين عن حدود القيل والقال مطلق الحيوة ومطلق الموت ومطلق الحامل عملا بقوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وهذا الاطلاق سر سار من مبدأ الوجود الى ادنى مقامات الشهود فكل ممكن في كل حال من الاحوال من المبدأ والمآل لا يقوم الا بالاركان الاربعة الخلق والرزق والحيوة والموت فالخلق بقوة الحرارة واليبوسة والرزق بدفع البرودة والرطوبة والحيوة لسريان الحرارة والرطوبة والموت بغلبة البرودة واليبوسة وهذه الاركان لا يخلو منها شيء من الاكوان والاعيان مما تعلق به قول كن من جميع المراتب والمقامات المستودعة في سر الانسان الا ان الموت والحيوة في كل مقام على حسب ما يقتضي ذاته من الامكان وهو قوله تعالى هو الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور وضمير كم عام شامل لجميع الامة وقد ذكرنا في كثير من اجوبتنا للمسائل ومباحثاتنا ان الموجودات باسرها والكاينات بحذافيرها والكلمات باحرفها والاسماء والصفات بدلالاتها والجواهر والاعراض بامزجتها وقراناتها امة لمحمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بنص القرآن وقد جعل الله سبحانه الموت والحيوة ابتلاء لهذه الامة المرحومة فكل شيء له موت وحيوة بحسبه الا ان الحيوة مقدمة على الموت لبطلان الطفرة وقاعدة امكان الاشرف ولذا عرفنا العوالم الاول من قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم ولما كانت الحيوة سابقة والموت لاحقا علمنا وجود عوالم اخر كانت احياء فاصابتها مصيبة الموت وهو قوله تعالى في التأويل الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا فماتوا ودفنوا ثم احياهم الله في هذه الدنيا عالم الاجسام عالم النقش والارتسام وبالجملة فالحيوة متقدمة والموت متأخر وهما في كل عالم بحسبه فكل موت تتقدمه حيوة ولا يلزم ذلك في كل حيوة ولما كانت الاشياء لها خزائن متنزلة من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فافرد الشيء وجمع الخزائن للدلالة على انها لشيء واحد ثم اردفها بالتنزل لبيان انها ليست متساوية بل انما هي متنزلة فاثبت بالنزول الصعود لاستحالة ان يكون النزول هو الغاية والمقصد والنهاية والمطلب فالنزول لغاية الصعود فاثبت سبحانه وتعالى القوسين باكمل بيان لذي العينين ففي كل هذه المراتب موت وحيوة وكل ميت لا بد له من قبر يواري فيه ليحفظه ويستره ولما كانت العوالم كثيرة غير محصورة وما حصرنا منها من انواعها وكلياتها مما قال سيدنا الباقر عليه السلام ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في اواخر ( آخر خ ) تلك العوالم واولئك الآدميين فالمحصور من تلك العوالم لا يسعنا ضبط احوال موتها وحياتها وامواتها واحيائها فنقتصر على ذكر بعض كليات تلك الكليات واجناس تلك الانواع فنقول اما الحيوة الاولى اي الحيوة الابدية التي لا يعتريها موت ولا يواريها قبر النور الازل ووجه الحق لم يزل وجه اللاتعين بل حقيقة اللاتعين اسم استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهو اسم بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهو بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية الآية الكبرى المثل الاعلى ومقام او ادنى ظاهره امر لا يملك ( وخ ) باطنه غيب لا يدرك سر الاسرار ونور الانوار غيب الغيوب السر المقنع بالسر والمجلل به فهي عين الحيوة المنزهة المبرئة عن الممات لا يعتريها فتور ولا يشوبها قصور وهي عين الكافور وينبوع النور ومبدأ الانس والسرور اصل المحبة سر المودة غيب الكينونة نقطة الكلمة باطن الالف اللينية والالف المطوية في البسملة عين الهوية والحقيقة في العبودية والغيب البحت المجهول النعت ذات ساذج ذات بلا اعتبار مدلول اسم ه بلا واو ولا ظهور الاشباع والانشقاق والهاء بل ه بلا كيف ولا اشارة ولا نطق ولا عبارة وهي الآية التي منها رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقصى سيره في ليلة المعراج كما في قوله تعالى لنريه من آياتنا وتلك الآية هي نور العظمة وجلال القدرة وسر اللاهوت قبل الظهور بتعين الماهوت الذي هو مبدأ سر الناسوت وبالجملة هذه الحيوة لا موت لها ولا قبر لها ولا بعث لها ولا نشور وانما هي حيوة دائمة ونعمة باقية وحقيقة غير زائلة تسمى بالاسماء التي ذكرناها وغيرها والناس بالنسبة اليها متفاوتون فمنهم من لم يصل اليها ولا ظهر اشراق نورها عليه ولاجذبته المحبة التي هي سر الاحدية اليه فهو متحير هائم غافل كالبهائم ومنهم من الحد في اسمائها ووصفها بغير صفاتها وسماها بغير اسمائها ولم ينكرها لكنه لم يعرفها ومنهم النمط الاوسط والنمرقة الوسطى والطريقة المثلي يسميها باسمائها ويصفها بصفاتها وهي بعض ما ذكرنا واشرنا ولوحنا ولكني مع ذلك كما قال الشاعر :
تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هندا
تنبيه - الحيوة والموت والحي والميت والقبر امور مختلفة متعددة في عالم الاجسام الذي هو آخر مقامات التفصيل وكل عالم فوقه اقرب الى الوحدة فكلما هو قريب الى عالم الاجسام جهة الكثرة فيها ( فيه خ ) غالبة ولكنها لا تبلغ كثرة عالم الاجسام وكلما هو بعيد عنه فجهة الوحدة غالبة ولكنها لا تبلغ حد الوحدة الحقيقية فالتمايز التام انما يكون في هذا العالم واما غيره من العوالم فلا يلزم ان يكون تمايزه تمايزه ( تمايز خ ) لما ذكرناه من الاجمال والتفصيل والجمع والتفريق ومقام جمع الجمع ووصل الوصل فافهم وليكن على ذكر منك فلنرجع الى ما كنا فيه فنقول اما الحيوة الثانية في العالم الثاني التعين الاول والسر المستسر بالسر والسر المجلل بالسر وباطن الباطن وهي في مقام الاعراف رتبة الايتلاف ومقام نفي الاختلاف قال تعالى وعلى الاعراف رجال وهم جمع بمعنى واحد وواحد بمعنى الجمع يعني ان الحقيقة اجمالية والتفاصيل مطوية فان عبرت عنها بالجمع صدقت وان عبرت عنها بالمفرد صدقت وان عبرت عنها بالتثنية صدقت وان عبرت عنها بالتذكير صدقت وان عبرت عنها بالتأنيث صدقت وان عبرت عنها بالمخاطب صدقت وان عبرت عنها بالغايب صدقت وان عبرت عنها بالمتكلم صدقت فهو جمع وواحد وغائب ومخاطب ومذكر ومؤنث ومولود ووالد وقد قال صاحب الشذور ونعم ما قال :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هبائية ( هوائية خ ) نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها
فهذا الرجل الواقف على الاعراف ابيض اللون واللحية على صورة انسان معتدل المزاج طول قامته الف الف ذراع بيده عصاه من نور على رأسه تاج من نور مزاجه في ذاته العليا حار يابس وفي ذاته الثانية بارد يابس وفي حال القران في الوجه الاعلى حار رطب وفي الوجه الاسفل بارد رطب فحيث ان حكم الظهور في العالم الاسفل كان في حال الاقتران قلنا ابيض والا فلونه في ذاته العليا حمرة والسفلى سواد والقران الاعلى صفرة فاذا نظر الى السواد بكى واشتد وجده وبكاؤه فالحرارة يهيج ( تهيج خ ) الابخرة الصاعدة من ارض الامكان والرطوبة تذيبها وتجريها والبرودة تدفعها وتبرزها دموعا فكثرة الدموع باستجنان النيران نيران الشوق والمحبة التي حوتها الضلوع جرت المياه وابيض الوجه وبطنت الحرارة فبطنت الحمرة والصفرة ومال السواد الى البياض فكان زبرجديا سماويا ( ولذا قال عليه السلام وكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال انه زبرجد خ ) هيئته القيام وشأنه الرضاء والتسليم وامره فعل الطاعات وصفته الذلة والمسكنة وافتراش التراب وقرائته وتلاوته فاتحة الكتاب التكوينية والتدوينية ودليله الموعظة الحسنة وفعله النقش في اللوح بقلم من نور طوله الف الف قامة ينقش فيه ما كان وما يكون الى يوم القيمة واسمه النور الابيض وحجاب اللؤلؤ والدرة البيضاء والقلم الاعلى والالف المتحركة وروح القدس اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش والروح الاعظم والاسم الذي اشرقت به السموات والارض والاسم الذي صلح به امر الاولين والآخرين باب الابواب واول الحجاب النفس الرحماني الثانوي والرحمة المكتوبة بباطنه والواسعة بظاهره والنعمة السابقة والحجة البالغة والعلم الباطن والعرش الاعظم والملك الذي له رؤس بعدد رؤس الخلايق والغيب الاول بعد الغيب الثاني والركن الايمن الاعلى واول غصن اخذ من شجرة الخلد والباكورة في جنان الصاقورة والباء في البسملة وسر العرش ومبدأ الفرش قطب الوجود وسر الشهود ومؤكد الركوع والسجود والرابط بين العابد والمعبود والشاهد والمشهود ومحور فلك الولاية والاصل المايز بين البداية والنهاية مدار الدهر وناموس العصر اي المعتصر من التعين الاول والعصر ان الانسان لفي خسر العقل الكلي ( وخ ) العقل المحمدي النور المحمدي الروح المحمدي صلى الله عليه وسلم مال ( مالي خ ) الامكان وسر الاكوان وحقيقة الاعيان ومستوي الرحمان وله اسماء كثيرة غير ما ذكرنا تركناها خوفا للتطويل وصونا من اصحاب التطفيل وهذا اول حي بالحيوة الثانية عبد خاضع لله مستسلم منقاد له استنطقه الله فوجده كما اراد واختاره لما اراد بما اراد واوقفه فيما اراد طلب له الكمال ليوصله الى الوصال فامره بالادبار ليجد اللذة حين الاقبال وحكم عليه بالاغتراب ليحصل ما اريد منه اذا آب فاماته ليحييه حيوة ابدية وناداه بلسان سره بل بحقيقة نفسه اي ( ان خ ) ادبر تغرب عن الاوطان في طلب العلي فلما سمع الفراق وايس عن الطلاق والتف ( التفت خ ) الساق بالساق فشهق شهقة فمات من شدة الوجد وسورة البرد فالادبار موت وان كان للاقبال والمدبر ميت والقبر هو الوجه الاعلى من الحدود الرقايقية رأس الشكل المخروط ورق الآس ومبدأ الاساس والستر هو الوجه الاسفل تمام الصورة قاعدة الشكل المخروط وهذا الستر مسدل على ذلك القبر المكرم المقبور فيه ظاهرية النبي المعظم صلى الله عليه وسلم على حسب مقتضي ذلك العالم والا فهو بالنسبة الى هذه الدنيا والقبر المحسوس ذات الذوات والذات في الذوات للذات ولما دفن وقبر واسدل عليه ما يناسبه من الستر وهو الثوب الاصفر المصبوغ في ارض الزعفران بالركن الاسفل الايمن من العرش والفتى الشرقي الكوني وشيء يشبه البرق من بعض حكايات اطوار هذا الصبغ لمن عرف اخت النبوة وعصمة المروة بباطنها وظاهرها ومكتوب على هذا الستر لا اله الا الله محمد رسول الله وآله واولاده وخلفائه وامنائه اولياء الله ثم احيي الله سبحانه هذا الانسان الرباني والنور الشعشعاني في العالم الثالث بالطور الثاني في مقام الرفرف الاخضر وهو انسان معتدل المزاج عظيم الابتهاج مضطجع مستلقي ظهره الى الارض التي هي عبارة عن الوجه الاسفل بمعنى ادباره وتنزهه عن لوازم الانية ومقتضيات الماهية المعبر عنها بالارض السفلى ووجهه الى السماء بكله يتلقى الوحي والالهامات الربانية والمعارف القدسية والعلوم الملكوتية تسبيحه سبحان ذي الملك والملكوت وذكره يا رحمن يا الله يا باسط يا الله يا محيي يا الله يا منعم يا الله وشأنه الشكر لله على النعماء الجسام والعطايا العظام وتعداد النعماء والتصديق لقوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ومعرفته العلم الحصولي الحضوري اي الظل الملكوتي النوري المنقسم الى التصور والتصديق وما يتولد منهما عند اصحاب النظر الدقيق والفكر العميق وترتيب القضايا وتحصيل البراهين والقياسات ودليله المجادلة بالتي هي احسن وديدنه الخوف لمقام ربه ومزاجه البرودة والرطوبة في ظاهره والبرودة واليبوسة في باطنه فيخاف بالنظر الى باطنه ويبكي برطوبة ظاهره الى ان جرت من دموع عينيه بحور السموات والارضين منها عذب فرات شرابه سائغ ومنها ملح اجاج ومن كل يأكل الناس لحما طريا ويستخرجون حلية تلبسونها ( يلبسونها خ ) وترى الفلك مواخر فيه بجميع المعاني طول قامته الف الف شبر فعمله العمل بالطاعات التفصيلية وترك المحرمات كذلك ومقره اواسط الدهر وعاء المجردات ومحل الثابت البات وادراكه الصور المجردة عن المادة الجسمية والمثالية والصورة الجسمية والمقدارية دراك للصور كلها ناظر الى اللوح المحفوظ والكتاب المسطور والرق المنشور وهو زمردة خضراء مساحتها سبعمائة الف ذراع في مثلها بذراع الشارع الذي هو الف شبر وكل شبر اثني عشر الف اصبع وكل اصبع سبعمائة الف شعيرة وكل شعيرة سبعمائة الف شعرة وكل شعرة كالف ذراع مما تعدون فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وقد قال الشيخ محيي الدين :
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم تكن ( لم يكن خ ) فهم فتأخذه عنا
وما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
( واسم هذا الانسان الكبير ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى النور الاخضر العلم الظاهر والكرسي العظيم الملك القديم اصل اللاهوت وسر الملكوت وظهور الجبروت مصدر الآلاء منطقة الفلك الاعلى ظاهر المثل الاعلى فرع الآية الكبرى الاصل القديم والفرع الكريم النور الاقدس والفيض المقدس ظاهر الولاية اصل الآية العالم اللدني والبشر الثاني كتاب الابرار نعمة الاخيار عنصر الابرار سر الاسرار والفرقان ( القرآن خ ) المبين الذكر الحكيم المثل الاعلى والطريقة المثلي والآية المعنية من قوله تعالى فاراه الآية الكبرى ولقد اريناه آياتنا كلها حجاب الزبرجد قصبة الياقوت ومبدء الرحموت ومظهر الماهوت ظاهر الغيب باطن الشهادة النفس الكلية والنفس الملكوتية الالهية النفس الناطقة القدسية محل الاسماء المتقابلة ومظهر النعماء المتواترة خ ) وقرائته وتلاوته من القرآن سورة البقرة بوجهه الاعلى وسورة آلعمران بآخر وجهه الاعلى لانه مقام معمورة الوجود والعمارة الظاهرة بالاحكام التفصيلية انما نشأت منه وانتهت اليه وصدرت عن الله تعالى به ثم سورة النساء بالوجه الاوسط لانها محل الصور الشخصية والحدود التفصيلية فما به الابهام ينسب الى الذكر الاب وما به التفصيل ينسب الى الانثى الام ولذا كانت النطفة في صلب الاب التي هي في الحقيقة الاب امرا مبهما مجملا شايعا تقبل جميع الصور فاذا انتقلت الى رحم المرأة الام التي هي في الحقيقة الام تشخصت وتميزت وتباينت واختصت بما لا تشمل غيرها ولذا نسبت الصورة الى المرأة والمادة الى الرجل ولذا قلنا انه يقرأ سورة النساء في الوجه الاوسط لبروز حكم الصورة والحدود المشخصة فيه ثم سورة المائدة بالوجه الاعلى من الاوسط لظهور موائد الله وجلائل مننه وعظائم نعمه بالاجناس المختلفة والانواع المتعددة فيه ثم سورة الانعام في الوجه الاوسط الاسفل لظهور حكم الانية المستدعية للغفلة اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون ثم سورة الاعراف لظهور التعريف والتعرف والتميز والتشخص في هذه الرتبة ولذا اشتملت هذه السورة الشريفة على مبادي الحدود التفصيلية من احوال آدم وموسى عليهما السلام ثم سورة الانفال لظهور التمييز بين مقام النبي والرعية ( في هذا المقام خ ) واثبات ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) من صفايا الاحوال المعنوية والظاهرية مما يطول بذكره الكلام من خصايصه في صورته وهيئته وخلقه واولاده المعنوية والظاهرية وازواجه كذلك وغير ذلك من الاطوار التي لسنا بصدد ذكرها وبيانها ثم سورة برائة في الوجه الاسفل من الاسفل لظهور احكام الكفار والمشركين ومظاهر النفس الامارة بالسوء وفيه تظهر النفس الملهمة واللوامة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة ثم سورة يونس صاحب الحوت وذو ( ذي خ ) النون بالوجه الظاهر الجامع لظهور الكثرة المستدعية للرطوبة القابلة لكثرة التشكل وسرعته ثم سورة هود لتشعب الامم المختلفة المقتضية للانبياء المختلفين وظهور الطاعة والمعصية ومقتضياتهما من الثواب والعقاب والهلاك والنجاة في الدنيا والآخرة وهود مشتق من الهداية او الهداية مشتقة منه والمراد به الهداية وما يتعلق بها ثم سورة يوسف لتنزل المحبة الحقيقية الى المظاهر السفلية المشوبة بالاغراض الدنيوية المصاحبة للشهوات النفسانية والاحوال الجسمانية في هذا المقام ثم سورة الرعد لبيان الآيات المخوفات والمثلات الظاهرات المترتبة على الشهوات من مقتضيات الانيات ترهيبا وتخويفا ثم سورة ابرهيم لظهور المحبة الالهية الخارجة عن الشهوات النفسانية ومقتضيات الانية بل بالتوجه الى المبدأ الحق في المقامات التفصيلية والمراتب المتمايزة ولذا سمى ابرهيم لانه بر وهيم في محبة الله سبحانه ولما كان المحبة في مقام الكثرة ولم يستوعب ( لم تستوعب خ ) جميع المراتب لتقضي الوحدة سمى خليلا دون ان يسمى حبيبا وبين الحبيب والخليل فرق كثير فان الحب يستدعي الاحاطة في جميع المراتب لانه على نحو القبضات العشر التي خلق منها العالم بكله وبجزئه بجنسه وبنوعه بصنفه وبفرده والكثرة في الخليل ظاهرة والخاء واللام في كليهما مخرج الثلث الذي هو شكل التفريق المنافي للحب فافهم والحاء من الحروف المهموسة ومن حروف عالم الغيب والباء من حروف عالم الشهادة فقد جمع الحب الغيب والشهادة والاجمال والتفصيل بخلاف الخلة فان الحروف الاصلية حرفان من حروف عالم الملكوت مقام الكثرة من المقام الذي كلامنا فيه وليس فيها حرف من عالم الغيب الاول ولا من عالم الشهادة كالحب والخاء وان كانت من حروف الحلق لكنها من ادناها واسفلها وهي مجهورة والكلام في الفرق كثير والاشارة كافية ثم سورة الحجر وهو المنع وهو مقام العقل المنخفض المرتبط المتصل بعالم الكثرة عالم النفس فان العقل انما يسمى عقلا لانه يمنع المتمسك به عن ارتكاب خلاف المحبة مأخوذ من العقال فاذا ظهرت المحبة وان كانت في المراتب التفصيلية حصل المنع فان الحب يمنع المحب عن العمل على خلاف مقتضي مراد المحبوب في كل عالم بحسبه ومقتضاه ولذا ذكر فيها لوط المانع لقومه عن ارتكاب ذلك الفعل القبيح وان كان باهلاكهم وافنائهم وفيه يظهر تأويل قوله تعالى توبوا الى بارئكم واقتلوا انفسكم والتوبة تورث المحبة لقوله تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ثم سورة النحل اذ بعد حصول المنع عن العمل بخلاف مقتضي المحبة تتوجه العناية وتريه ملكوت الاشياء وتظهر له جلائل نعم الاله وتلتذ بحلاوة العلم واليقين والمعرفة وتظهر له حقايق المراتب التفصيلية ويخرج من بطن قواه ومشاعره شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس بكل الوجوه فيكون الممنوع بذلك النحل اي منتحل العلم فدل الظاهر على ظاهر الظاهر ولذا تجد في هذه السورة الشريفة بيان احوال النحل وتفاصيل النعم التي انعم الله تعالى على عبده بالنوع وفيها وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وعندها يظهر وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فبر وهيم في سورة ابرهيم عليه السلام ومنع النفس عن خلاف مقتضيات المحبة في سورة الحجر ورأى ملكوت السموات والارض وكان نحلا منتحل العلم في سورة النحل فافهم واشكر الله ثم سورة الاسراء اذ بعد ما حصل له الاستعداد للسفر الى الله سبحانه اخذ في السفر الى المبدأ الحق فابتدأ بالسفر من الخلق الى الحق اول المعراج الى ان وصل في سيره الى اقصى الغاية واكمل النهاية وهو المسجد الاقصى والدخول في السفر الثاني السفر في الحق بالحق ورأى من آيات ربه الكبرى ولما كان مبدأ السفر من الخلق عالم الكثرة اقتضى ان يكون مبدأ العروج من الليل ولما كان منتهاه ظهور الوحدة وخفاء الكثرة اقتضى ان يكون ذلك في النهار ولما كان العروج مقام الوصل والانس اقتضى ان يكون العمل هناك الصلوة ولما كان في اعلى العروج نفي الكثرة بالمرة فكان عنده الظهور التام لسر الوحدة كانت الصلوة صلوة الظهر فاذا تمت الاسفار وجاس خلال تلك الديار صار كاملا مرجعا وكهفا ومأوى لساير الخلق يقرأ بعد الاسراء سورة الكهف وهناك مقام الوصول الى اقصى غاية الوصول فاذا اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فأووا الى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من امركم مرفقا وهكذا الى آخر القرآن ولو اردنا تفصيل جميع السور وعلة نظم ترتيبها وما يظهر في هذا العالم لهذا الرجل المكرم من الاسرار لطال بنا الكلام وان كان لا يخلو من فوايد جمة ولكن لتبلبل البال واغتشاش الاحوال اكتفينا بما ذكرنا واسم هذا الانسان الكبير العظيم الشأن الجليل القدر آية الله الكبرى والمثل الاعلى وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى والنور الاخضر العلم الظاهر الكرسي العظيم الملك القديم شرح اللاهوت وسر الملكوت وظهور الجبروت مصدر الآلاء منطقة الفلك الاعلى فرع الآية الكبرى الاصل القديم والفرع الكريم والنور الاقدس والفيض المقدس وظاهر الولاية اصل الآية العالم اللدني والبشر الثاني كتاب الابرار نعمة الاخيار عنصر الابرار سر الاسرار الفرقان المبين الذكر الحكيم الطريقة المثلي محل الاسماء الحسنى والآية المعينة من قوله تعالى فاراه الآية الكبرى ولقد اريناه آياتنا كلها حجاب الزبرجد قصبة الياقوت ومبدأ الرحموت ومظهر الماهوت ظاهر الغيب باطن الشهادة النفس الكلية النفس الملكوتية الالهية النفس الناطقة القدسية محل الاسماء المتقابلة وموضع النعماء المتواترة الشجر الاخضر النور الانور الضياء الازهر منبع الماء الجاري في الحوض الكوثر الخمر التي هي لذة للشاربين الجارية من ميم الرحمن في بسم الله الرحمن الرحيم وبهذا الحي وهذه الحيوة تم الخلق الاول من مراتب التعين الاول وظهر الغيب باكمل مراتب الظهور في المقامات التفصيلية والمشخصات التمييزية فتفرع تمايز الاشياء منه وظهرت الاسماء المتقابلة به ونزل الكلام النفسي على اكمل ما ينبغي عليه وعنده الذكر الحكيم والكتاب الكريم وتمييز الفرقان وتحقيق البرهان دعا الخلق الى طاعة الله الملك المنان فمؤمن وكافر ومسلم ومنافق على حسب اختلاف تعيناتهم وصور هيآت كينوناتهم فلما كمل حده واستوفى حظه ونال نصيبه من الكتاب اماته الله سبحانه بلطيف حكمته لانفاذ مشيته واقبره في التراب تراب عالم الطبيعة ثم حاكت يد القدرة لهذا القبر المكرم سترا سداه من عالم الهباء ولحمته من عالم الاظلة وبهما معا تم الستر واحكم الامر وتمت الحكاية في بلد جابلقا وجابلصا ورقمت عليه حروف لا اله الا الله وابوابها ومحمد رسول الله واركانها وخلفائه واولاده اولياء الله ونوابها بخط عربي مبين فاسدل ذلك الستر على ذلك القبر ثم احياه الله سبحانه في العالم الثالث عالم الاجسام وهو كما قال عز وجل كنتم امواتا فاحياكم فاحيي ذلك الانسان الكامل في هذه الدنيا بعد ما اقامه في تسعة وثلثين عالما من وراء جبل قاف وبقي في هذه الدنيا معروفا بالنعوت والصفات غير مخفي حاله على من آمن به من الكاينات الى ان آن اوان ارتحاله على مقتضى الحكمة الالهية والاسرار القدسية فاماته الله سبحانه بيده فقبر في موضع موته في بيته صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم واسدل عليه الستر خلفا عن سلف الى ان وصلت ( حلت خ ) النوبة الى حضرة سلطان السلاطين وخاقان الخواقين حضرة السلطان تغمده الله برحمته واسدل على القبر المفخم سترا وبعث قطعة من الستر السابق الذي كان مجاورا لقبر النبي المعظم الى سيدنا ومولانا الكاظم صلوات الله عليهما فالجوار بالنسبة الى هذا القبر الظاهر هو المعنى الاخير وبالنسبة الى القبور التي سلفت كما شرحنا بعض صفاتها واحوالها اختصارا واشارة بمعنى الانجماد والانعقاد اي الظاهر والباطن فالستر تنزل من القبر والقبر تنزل ( من خ ) الميت والميت تنزل الحي فافهم وتبصر وهذه القبور والاموات كما ذكرنا لك سابقا اضافية والا فلا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم فالسافل بالنسبة الى العالي قبر وان كان بالنسبة الى سافله حيوة وقد يكون الجوار بالنسبة الى استار تلك القبور من باب المعدات فان المراتب المتنزلة في السلسلة العرضية ليست الا لكونها سببا للظهور في قوس الصعود ففي حال النزول انجماد وانعقاد وفي حال الصعود معد موجب للاستعداد والتأهل لبروز تلك الحقيقة النازلة فيها كالنطفة فانها قبر للعلقة وهي قبر للمضغة وهي قبر للعظام وهي قبر للصورة الشخصية الحاصلة من اقتران اللحم بالعظم وهي قبر للروح الحيوانية الفلكية وعندها الولادة الجسمانية الحاملة لظهور هذه الروح الصورة الجنية وهي قبر للصورة الحاصلة عند الولادة الدنيوية وهي قبر للصورة الرضاعية وهي قبر للقوة الحاصلة عند العظام وهي قبر للقوة الحاصلة عند الصبي وهي قبر للقوة الحاصلة عند المراهقة وهي قبر لظهور القوة العاقلة الحاصلة عند البلوغ وهي حد التمييز والتشخيص بين الجيد والردي والحسن والقبح وهي قبر للقوة الحاصلة عند التمام اي تمام النشو وعندها يتم الاختيار بظهور النفس المطمئنة من جانب الخير والقوة المميزة حال البلوغ ميزت فاختارت فتم اختيارها في هذه الرتبة وهي البلوغ الى حد ثلثين سنة في الفطرة المستوية لا المعوجة وتلك الرتبة قبر لظهور الكمال باظهار آثارها مختارة من السعادة وتكميل غيره ومشاهدة النشأة الغيبية فيه وهو ليلة الجمعة عند تمام اربعين سنة وهو بلوغ الاشد والاستواء قال تعالى ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وقال ايضا تعالى حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة قال ربي وهي قبر بالنسبة الى ظهور النشأة الثانية وتلك النشأة انما تظهر باعداد السنين بعد الاربعين الى المائة والعشرين فهي معدات لتخلل الآلات الجسمانية الى ان تحصل المفارقة لعدم المناسبة في مقام يحصل فيه الخلل والفساد اما بالاصل والحقيقة مثل مزاج اهل الكثرة وعدم الاعتدال في هذه الدنيا من اهلها او بالتبع مثل مزاج الذين عند الله لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهؤلاء لا مقتضي للخلل والفساد فيهم لذهاب التناكر المقتضي للانهدام فالموت فيهم تبعي اجراء لحكم الغير وهو قوله تعالى انك ميت وانهم ميتون ففي العدول من قوله انكم ميتون مع انه اخصر الى ما ذكر سبحانه اشارة واضحة الى الاصالة والتبعية لوجوه كثيرة يطول بها الكلام فاذا انتزعت الروح من الجسد كانت تلك الروح المنتزعة قبرا لظهور تلك النشئات الروحانية والنفسانية والعقلانية الاخروية من ظهور الكمالات التي لا يفي باقل جزء من معشار جزء من مائة الف الف جزء من رأس الشعير منها جميع مراتب هذه الدنيا بدرجاتها ومقاماتها وترقياتها وبواطنها وكان الجسد المنتزع منه الروح قبرا للجسد الاخروي بنشأته ومقاماته ومراتبه على حد ما سبق في الروح ولما كانت هذه الحفرة محلا لذلك القبر سميت الحفرة قبرا توسعا عند العارفين الكاملين وكذلك يطلق القبر على عالم تلك الروح المنتزعة المسمى بالبرزخ كما ورد ان القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران فاطلاق القبر على تلك الحفرة كاطلاق المرآة على الزجاجة اذ لا ريب انها من حيث نفسها ليست محلا لرؤية المقابل وانما المحل والحامل لها نفس الشبح الذي هو الصورة وكذلك القبر فانه حقيقة لذلك الجسد وتلك الروح وانما اطلق على الحفيرة والبرزخ توسعا وتجوزا اطلاقا لاسم الحال على المحل والستر في هذه المراتب المذكورة قشرها وظاهريتها ومرادي بالقشر ظاهر الشيء حين اتصاله بالغير قبل تخلصه منه واستخلاصه بنفسه فالاشياء المتصلة المترتبة لها ثلث مقامات مقام اتصالها باعلى منها واتصالها بادنى منه والاوسط الذي هو مقامها في نفسها ففي مرتبة اتصالها باعلى منها هو قشر العالي وفي مقام اتصالها بادنى منها قشرها وفي حد الاوسط نفسها الذي هو القبر للغيب المستجن فيها والقشر ستر مسدول عليه والوان هذا الستر المسدول على القبر على حسب مقامه ومزاجه من حمرة وصفرة وبياض وسواد وكدورة ولو اردنا ان نشرح تلك الالوان وما يقتضيها من البيان لطال بنا الكلام وان كانت مفيدة فائدة تامة عند التحقيق والامعان لمن عنده التصديق والاذعان والله المستعان وعليه التكلان
تنبيه - كل سافل قبر للعالي يستجن فيه ظهورات العالي اما في السلسلة العرضية فكما ذكرنا ولذا كان امير المؤمنين عليه السلام قبرا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اودع فيه علومه واسراره وخفايا مغيبات اموره وماظهر تلك الاسرار على احد من الاغيار فان المودوع في القبر ابدا لا يجوز اظهاره واخراجه ولذا كان نبش القبر حراما والنباش تقطع يده حد السارق واما في السلسلة الطولية فالرتبة الثانية اثر للرتبة الاولى العليا وظهورها قد خفي بحدود تلك الرتبة وتعينها وقابليتها فتلك الحدود قبر لذلك الظهور قد خفي فيه ذلك النور لا يخرج ولا يظهر الا بشقها وازالة قيودها وسلب حدودها وذلك عند القيمة الكبرى او ( وخ ) اذا كانت الوديعة لها امد وهكذا كل ثانية بالنسبة الى اوليها من المراتب الثمانية المعلومة فالمراتب السبعة قبر على الترتيب للثامنة العليا الاولى فافهم اذن معنى قوله وقلوب من والاه قبره حيث ان القلب هو حامل النور الاول وهو الهوية التي القي مثال العالي فيها كما في قول امير المؤمنين عليه السلام فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وقول مولينا وسيدنا علي بن محمد الهادي عليهما السلام وقبوركم في القبور فان الحفرة المودع فيها الجسد قبر لقبرهم سلام الله عليهم فتلك الحقايق كلها قبور لهم خفيت في تعينها وحدودها وقيودها نورهم العظيم وسرهم الذي هو الخطب الجسيم وذلك السر فينا رشح طفح من ظاهريتهم عليهم السلام كما في حديث كميل لما قال لامير المؤمنين عليه السلام اولست بصاحب سرك قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قد طفح من طامي بحرهم سر الانبياء ورشح من ماء ذلك الوجود رشحا كان ذلك سر الرعية وحقيقتها وهكذا الى آخر المراتب وتعين الثاني لتلك الحقايق التي يكون الجسم التعليمي شرحه وبيانه استار على تلك القبور وهي تختلف الوانها في كل حال وزمان وكينونة فلو كان لي مجال وللقلب اقبال لاريتكم من عجايب المقال في هذه الاحوال ولكني كيف اصنع والزمان كما اقول :
عتبت على الدنيا وقلت الى متى اكابد هما بؤسه ليس ينجلي
أكل شريف من على جدوده حرام عليه العيش غير محلل
فقالت نعم يا ابن الحسين رميتكم بسهم عنادي حين طلقني علي
وهذه الاستار لتلك القبور لا يصح اهداؤها الى قبر الامام موسى بن جعفر عليهما السلام لانها قبره ايضا لانه مع جده صلى الله عليهما في هذه الرتبة في مقام الجمع دون الفرق فقبره قبره بل المقبور واحد والقبور انما تتعدد بحسب التعينات فالقبر في الحقيقة في الاصل واحد كالمقبور ولا تعدد في كل منهما الا بحسب الحدود والتعينات في القبر كتعدد النور الواحد في السرج الكثيرة والانسان الواحد في الافراد الغير العديدة وكالالف اللينية الواحدة في الحروف الثمانية والعشرين وهكذا امثالها فافهم
واما الامر الثالث - فاعلم ان الجد في غالب الاستعمال كما هو مراد الناظم اسعده الله بتوفيقه هو اب الاب واب الام والاب يطلق على الجد حقيقة بخلاف الجد فانه لا يطلق على الاب بوجه والاصل في ذلك ان النقطة الابتدائية لما انجعلت بالاختراع الاول دعت الله سبحانه باسمه الاعظم الاعظم الاعظم الذي هو بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فلما تحركت بالحركة الاستمدادية كانت عنها الالف فلما نظرت الى نفسها وتعينت وانبسطت بحدودها وجهاتها كانت عنها الباء فالباء اثنان وهما زوجان يدل باحدهما على الزوج والثاني على الزوجة فلما حصل الازدواج وتم الاجتماع وظهرت الاولاد ثم تكثرت فالمبدأ ثلثة والد ووالدة واولاد واليه الاشارة من ( في خ ) قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء فعند تحقق الولد صار للزوج وللزوجة اسم آخر فالزوج الاب والزوجة الام فالاب في اصل مفهومه يدل على ثلثة اشياء لانه لا يكون الا ان يكون له ولد ولا يكون الولد الا بالزوجة فتضايفت الثلثة ولما كان الاصل في هذا المعنى الزوج سمى ابا واوتي له من اسمه ثلثا فان الالف واحد والباء اثنين فالاب مثلث ومن هذه الجهة كان المثلث ابا الاشكال واصلها وباقي الاشكال كلها تفرعت منه فوجب ان يكون هذا الاب اسمه آدم لانه وفق تمام المثلث وان يكون احد اضلاعه حوا لانها وفق كل ضلع منه فلما تفرع من ولده ولد آخر وتغصن ( لغصن خ ) هذه الشجرة غصن آخر تكرر هذا المعنى الذي ذكرناه مع حصول المرتبة الاخرى في الاختصاص فكان الاب جدا فالجد يدل على ابوة فوق ابوة والاب ثلثة فهما ستة والاختصاص مرتبة اخرى فكملت سبعة فاستنطق له اسم الجد فالجيم يدل على الثلثة الاولى والدال يدل على الثلثة الاخرى مع حصول المرتبة فالجد لا يدل دائما الا على السبعة كما ان الاب لا يدل دائما ( الا خ ) على الثلثة فتكرار الاب ستة ومثناها اثني عشر والجد سبعة ومثناها اربعة عشر فالجد يدل على الابوين بخلاف الاب فافهم ضرب المثل ثم ان كينونة الاسم المذكور حيث ان الاسم مطابق للمسمى تدل على ان الشيء لا يتم ولا يكمل الا باصول سبعة وكل اصل اب بالنسبة الى فروعه ولما كان الانسان اشرف الموجودات واكملها ( اكمل التعينات خ ) تفصلت تلك الاصول في حقيقته الظاهرة فلا تتم خلقة الانسان بحيث يظهر عنها آثارها الا بتمام تلك الاصول وان كان كل شيء فيها تلك على جهة الاجمال الاصل الاول عالم العقل عالم الجبروت بمراتبه الثلثة واركانه الاربعة وهي ايضا سبعة الاصل الثاني عالم الارواح الرقايقية بمراتبها واركانها وتمامها سبعة الاصل الثالث عالم النفوس عالم الملكوت ووجه الجبروت بمراتبها واركانها وقد تفصلت بحسب ترقياتها الى سبعة زايدا على تلك السبعة حيث ان مقامها مقام التفصيل الاولى النفس الامارة لونها اسود غليظ حالك من اخرج يده فيها لم يكد يريها لتراكم الانيات وتزاحم حدود التعينات الثانية النفس الملهمة لونها يضرب الى الزرقة وقد غلب عليها السواد وهو قوله تعالى فالهمها فجورها وتقويها الثالثة اللوامة لونها زرقة عميقة ولذا اقسم بالنفس اللوامة الرابعة النفس المطمئنة لونها زرقة تميل الى البياض الخامسة الراضية لونها ابيض يميل الى الزرقة السادسة المرضية لونها ابيض والى الثلثة المذكورة اشار سبحانه بقوله يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية السابعة الكاملة لونها ابيض شديد البياض مشرقة كالشمس الضاحية في رجوعها الى مبدئها واتصالها بباريها وهو قوله تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وهي جنة الوصال ورتبة الاتصال قد بلغت بذلك اقصى مقامات الكمال ولذا سميت كاملة الاصل الرابع عالم الطبيعة محل الكسر مقام التراب قبر عالم المجردات مبدأ الاجسام الماديات والواقف فيها والناظر اليها وعدم المنكشف له مراتب فوقها ميت الاحياء واليه الاشارة في قوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور وقوله تعالى اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون وقوله تعالى الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر في التأويل وقال امير المؤمنين عليه السلام فيما ينسب اليه :
فان امرء لم يحي بالعلم ميت واجسامهم قبل القبور قبور
الاصل الخامس عالم المواد وظهور الاستعداد ومرتبة المداد لكتابة الاجسام على لوح الارتسام وهي البحر المتكون من ذوبان الياقوتة الحمراء التي نظر اليها سبحانه بعين الهيبة الاصل السادس عالم المثال والبرزخ بين المجردات والماديات اصله من اعلى المواد والوجه الاعلى من الصور وهو في اللطافة والكثافة بين بين مؤلف المتباينات يحمل الارواح الى الاجسام الاصل السابع عالم الاجسام محل النقش والارتسام به تمام الشيء في الرتبة الانسانية ظاهرة المراتب مشروحة المقامات يختص كل بفعله وينجذب الى شكله فالاصل الاول الذي هو العقل الكلي في الكلي والجزئي في الجزئي وله الهيمنة والولاية على جميع المراتب والاصل الخامس اب وبيان ذلك نشير اليه فيما بعد ولما انه ليس في خلق الرحمن من تفاوت كانت الاشياء كلها كذلك فبالاصول السبعة التي هي الآباء يتم الوجود ويمتاز الشاهد من المشهود وهي الآباء السبعة وقولهم الآباء التسعة فغير موجه الا بنظر قشري ظاهري نظرا الى الافلاك التسعة فانها في الحقيقة تدور على اصلين الاصل الاول العرش والثاني الكرسي فالعرش اب والكرسي ام بمزج منطقتيهما ظهرت الافلاك السبعة التي اصلها الشمس وهي الجد الاكبر وباقي الافلاك تتفرع منها وتنتهي اليها والاجسام السفلية من المركبات والمتولدات يتحقق ( تتحقق خ ) بتأثيرها فيها اذ لا قابلية لها لكمال تدنسها من الاستمداد من العرش والكرسي لتعاليهما فجعل الله السموات السبع واسطة وحاملة للامداد للمناسبة الظاهرة فآبائها سبعة لا تسعة وكل اب له زوجة هي ام حقيقة يتولد منها ذلك الشيء المتولد فقولهم الآباء تسعة والامهات اربعة بمعزل عن التحقيق فان الاربعة بعد مزج بعضها مع بعض يكون حقيقة جامعة صالحة لقبول تأثيرات تلك الافلاك فكل واحدة ليست بام بل انما هي جزء لماهية الام فاذا التئمت الاجزاء وتألفت وامتزجت فصارت شيئا واحدا كانت قابلة لحمل آثار اشعة فلك من الافلاك على حسب قابليتها من المزج والايتلاف منها ما يقبل تأثير جوزهر فلك القمر وهو البطن الاول من التجويف الاول من الدماغ المسمى ببنطاسيا ومنها ما يقبل تأثير فلك الخارج المركز المسمى بالمدير من عطارد وهو البطن المؤخر من التجويف الاول على ما هو الاصح عندنا من تقديم المفكرة على المتخيلة ومنها ما يقبل تأثير فلك الخارج المركز من الزهرة وهو البطن المقدم من التجويف الثاني ومنها ما يقبل تأثير الخارج المركز من الشمس وهو الحرارة الغريزية التي محلها ما في تجاويف القلب من العلقة الصفراء ومنها ما يقبل تأثير الخارج المركز من فلك المريخ وهو البطن المؤخر من التجويف الثاني ومنها ما يقبل تأثير الفلك الخارج المركز من فلك المشتري وهو البطن المقدم من التجويف الثالث ومنها ما يقبل تأثير الخارج المركز من زحل وهو البطن المؤخر من التجويف الثالث ومنها ما يقبل تأثير المائل من فلك القمر وهو الروح البخاري المتكون من الحرارة الغريزية في تجاويف القلب الخارج من القلب الى الشريانات ومنها الى ساير الاعضاء ومنها ما يقبل تأثير الكرة الاثيرية وهو المرة الصفراء ومنها ما يقبل تأثير ( الكرة خ ) الهواء بمراتبها الاربع وهي الدم بمراتبه الاربع ومنها ما يقبل تأثير الكرة الماء المحيطة بالارض وقد خرج منها ربع الارض لحكمة يطول بذكرها الكلام وهو البلغم ومنها ما يقبل تأثير كرة التراب وهو المرة السوداء فالام واحدة دائما والاب واحد فكل اب معه ام ولا يجتمع الابوان مع ام واحدة عند فرض التخالف بوجه ما لا يكون اما حينئذ ولو فرض ان الآباء تسعة بضرب من التأويل تكون الامهات تسعة لحصول القابلية في كل تأثير وتلك التسعة هي بنات البطارق لكل اب من الافلاك التسعة فافهم وتبصر ( وبهذا التأويل يصح القول بان الآباء ثلثة عشر كالامهات فافهم وتبصر خ )
قاعدة - كل اصل من جهة الفاعلية بحيث يتفرع عليه الفروع فهو اب وكل اصل من جهة القابلية كذلك فهو ام والفروع اولاد فعلى هذا فالماء ابو تراب والهواء ابو الماء والنار ابو الهواء وسماء الدنيا اب النار والثانية اب الاولى وهكذا الى السماء الرابعة وهي اب الجميع والافلاك التي تحتها وفوقها متولدة منها منتهية اليها على تفصيل ربما نذكره فيما بعد ان شاء الله تعالى والكرسي اب الافلاك السبعة التي الشمس منها ولذا كانت الشمس لا تفارق منطقته بحال من الاحوال فهي لا تزال تستمد منه من جهة منطقته التي هي محاذية للقطب لا من جهات اخرى وانما قلنا ذلك لنفرع عليه مسئلة دقيقة نشير اليه ( اليها خ ) عن قريب والعرش اب الكل فاذا عرفت هذا الحكم في العالم الجسماني فاجره في كل عالم من الروحانيات والعقلانيات اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير
قاعدة - لما كان الاب هو الذي يستخرج منه الابن كان كل ما يستخرج منه الشيء يسمى ابا وان لم يكن اصلا له وكان المستخرج اصلا له كاللب المستخرج من القشر فالقشر من حيث انه وعاء يخرج منه اللب يسمى ابا واللب ابنا ومن حيث ان اللب اصل للقشر يسمى ابا والقشر ابنا وكل منهما اب للآخر ولذا كان آدم ابو البشر ابا لنبينا صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم من حيث انه قشره ووعاؤه وهو عليه السلام سلالته قد انسل منه انسلال اللب من القشر ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم اب لآدم من حيث انه اصل له ومحقق حقيقته ومذوت ذاتياته والتعين الاول الذي كانت هذه التعينات اي تعينات الانبياء وغيرهم من فروعه وتوابعه واليه يشير معنى قول الشاعر :
واني وان كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بابوتي
وكذلك كل اصل قد انسل من لبه وقشره اما بظهوراته او بتعيناته او باشعته واشباحه فكل منهما يطلق عليه اب وابن وام وولد بجهتين مختلفتين ولذا قال الشاعر :
ولدت امي اباها ان ذا من عجبات
فلا تستغرب في اصل سمى ابنا وفي فرع سمى ابا من جهة الحاملية والوعائية ولهذه القاعدة فروع كثيرة تقف عليها عند التأمل في مطاوي الكتاب والسنة وكلمات العارفين على الحقيقة
قاعدة - اعلم ان الاب في الحقيقة هو المادة والام هي الصورة اما الاول فلان الاب هو الفاعل وجهة الفاعلية انما تظهر في المادة لقربها الى الوحدة القريبة الى المبدأ فكل ما قرب الى المبدأ يكون في الفاعلية اقوى وبالمؤثرية احرى وبالاستيلاء والاستقهار اولى وكل ما بعد عنه يكون الى الانفعال والقابلية اقرب وبالتأثر اولى ولا شك ان الصورة جهة الكثرة والكثرة بعيدة عن المبدأ فهي بان يكون ( تكون خ ) اما اولى بان يكون ( تكون خ ) ابا اذ لا شك ان الوحدة اقرب الى المبدأ فهي اقرب الى التأثير واولى بالفعل والتدبير وما يتراءي في الصورة من جهة الفعل فهي ظهور الشيء لا تأثير لها فيه ولا ريب ان الشيء انما يظهر بالوجه الاسفل دون الوجه الاعلى لان الظهور بالحدود المشخصة في حال الانية انما يكون بالتعين وهو الوجه الاسفل دون الوجه الاعلى الا ترى في الظاهر من الاب والام الظاهريين فان ما من الاب اجمال ووحدة وما من الام تفصيل وكثرة الا ترى ان نطفة الاب اذا انتقلت الى رحم الام تتصور وتتشخص فيها فالصورة منها واليها والمادة من الاب واليه والحكماء في هذه المسألة على عكس الصواب لما يتراءي لهم من ظاهر الامر من المادة والصورة وقد تكلمنا في هذه المسألة في ساير مباحثاتنا واجوبتنا بما لا مزيد عليه وقد روي من طريق اهل البيت ما يدل على ذلك فقد قال مولينا وسيدنا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ولا شك ان مدخول من في اللغة العربية في مقام الصنع والايجاد المادة والصبغ في الرحمة ظاهر ان المراد منه الصورة وهو نص على ان الصورة هي الام والمادة هي الاب وسيدنا الصادق عليه السلام اعلم بمواقع الحكمة واصولها من الحكماء لانه من معدن العلم واهل بيت الوحي فعلى ما بينا ظهر ان الاب في الحقيقة النطفة الحارة اليابسة والام في الحقيقة النطفة الباردة الرطبة ولما كان الزوج حاملا لهذه النطفة سمى ابا ولما كانت الزوجة حاملة لتلك النطفة سميت اما والا فالاب والام ليسا الا مادة الشيء وصورته واما الاشياء الخارجة التي هي حوامل القشور سميت بتلك الاسماء في اصل اللغة توسعا وتجوزا وهذا الاطلاق والوضع الحقيقي كان في بلد طالعه السرطان والكواكب في اشرافها ولما تحركت الدائرات واختلفت الاوضاع من الثوابت والسيارات وتقدم الليل على النهار والظلمة على النور واستقر القلب في الجانب الايسر وفسدت الثمار وغلت الاسعار واوحشت القفار وما انتظمت اوضاع الليل والنهار انقلب الوضع بحسب التبادر فبقي اهل النظر القاصر ما ينظرون الا الى القشر والظاهر فسموا الحامل باسم المحمول والقشر باسم اللب نظرا الى انجماد فطرتهم وقلة بصيرتهم فلا تتبادر اذهانهم اذا ذكر الاب والام الا الى الزوج والزوجة الحاملين لا الاصليين فافهم وليكن على ذكر منك
اشراق الهي وشهود غيبي - اعلم ان محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في الولادة الظاهرة الجسمانية الجسدانية جد لسيدنا الكاظم عليه السلام من جهة الام وهذا ظاهر لا شك فيه واختلف العلماء في ان الجد من الام هل ( جد حقيقة خ ) يطلق عليه اسم الجد والاب حقيقة ام مجاز ( مجازا خ ) هذه مسألة مذكورة في محلها موجودة في كتب اهلها فليرجع اليها من يطلبها ونحن انما نتكلم في المقامات الباطنية والاسرار الغيبية الالهية على ما شاهدنا ورأينا عند السفر الى تلك المنازل والسير في هاتيك المراحل وانكشاف الاشياء كما هي على ما يحصل للسالك الواصل بعد بلوغ المني والجلوس على سرير الانس مع المحبوب المقصود في الملأ الاعلى وخلع القيود والحدود للاتصال بالمثل الاعلى والبلوغ الى الوطن الاصلي والموطن الحقيقي الذي هو المبدأ في الذكر الاول واليه الرجعي ثم الرجوع الى السفر الثالث ومعاينة الحقايق ومشاهدة النكات والدقايق في السابق واللاحق على وجه لا يعتريه الخفاء فنقول حيث ان مولينا وسيدنا الكاظم عليه السلام فرع من فروع خاتم الولاية المطلقة فكان ابنا له في الظاهر والباطن واما خاتم النبوة المطلقة مع خاتم الولاية المطلقة فلهما نسب مختلفة واوضاع متعددة حسب الجمع والفرق في الارض والسماء في الغيب والشهود فحيث ان حالتهما في الارض لا تختلف مع حالتهما في السماء اذ لم تغيرهما العوارض ولا يختلف صفاتهما باختلاف العوامل فهما وان كانا معربين بالاعراب الذي بمعنى الاظهار والظهور الا انهما مبنيان لا يعتريهما العوامل ولا يؤثر ( لا تؤثر خ ) فيهما الحوامل الا عوارض خارجية هي منهما اليهما كالمطر من السحاب الى البحر فانه من البحر الى البحر فمن هذه الجهة لا يجري عليهما في انفسهما الاحكام الثانوية التي سميناها في الاصطلاح بالاحكام النفس الامرية فحالتهما اذن في نسبتهما في الارض والسماء واحدة ولما كان خاتم النبوة المطلقة كان نبيا وآدم بين الماء والطين وخاتم الولاية المطلقة كان وليا وآدم بين الماء والطين على ما نص عليه في الحديث النبوي والولوي وصرح به الشيخ الاكبر وقال ايضا ان اقرب الحضرات الى الحضرة الاحدية الحضرة المحمدية واقرب الحضرات اليها الحضرة العلوية فحينئذ يجب سبقهما في الوجود على كل مذروء ومبروء لانهما وجدا بالتعين الاول وباقي التعينات والظهورات كلها انما كانت بهما فهما سبقا الكاينات من المكونات المتعينات فلهما في كل مقام ظهور وفي كل مرتبة نور وبنسبة ذلك المقام حكم اقتضاه حفظ المرتبة فاول منازل ظهوراتهما في السموات السبع فخاتم النبوة ظهوره في مقام الشمس وخاتم الولاية في مقام القمر فهما في هذا المقام ابنا عم لان القمر ابن للكرسي والشمس ابن للعرش فكل منهما ابن عم للآخر وثاني المنازل في العرش والكرسي فخاتم النبوة ظهوره في مقام العرش وخاتم الولاية في مقام الكرسي فهما في هذا المقام اخوان رضعا من ثدي واحد وثالث المنازل في بلد بسم الله الرحمن الرحيم فهما في هذا المقام واحد بلا اختلاف الا من جهة التعلقات ومن هذه الجهة جرت الانهار الاربعة في هذه القبة الشريفة من هاء البسملة وميماتها فالجاري من ميم البسم وهاء الله من متعلقات ظهورات خاتم الانبياء والجاري من ميمي الرحمن والرحيم من متعلقات ظهور خاتم الاولياء لكنهما في الاصل واحد ولذا كانت البسملة استنطاقها واحدا ورابع المنازل منازل مبادي مراتب الجنة فخاتم النبوة في الكثيب الاحمر وخاتم الولاية في مقام الرفرف الاخضر يضرب الى البياض فخاتم الولاية في هذا المقام ابن لخاتم النبوة ولذا كني بابي القاسم نظرا الى القاعدة الاولى التي اسسناها من ان كل اصل اب وكل فرع مأخوذ من ذلك الاصل ابن وخامس المنازل ظهورهما في مقام العلم فخاتم النبوة في مقام القلم الاعلى وخاتم الولاية في مقام اللوح المحفوظ وحيث ان اللوح مستمد ومأخوذ من القلم كان فرعا له فكان ابنا له وسادس المنازل مقامهما في المبادي الوجودية فخاتم النبوة في مقام المداد بحر الصاد ماء المزن الذي به الامداد في قوابل الاستعداد وخاتم الولاية في مقام الدواة والقابلية الاولى وظهور الاعيان الثابتة في القلم الاعلى وحيث ان الدواة حاملة للمداد وهو اصل لتحققها لان مرادنا بالدواة نفس القابلية وهي متكثرة وبالمداد نفس المقبول وهو واحد فكان قوام القابل بالمقبول فمؤصل المقبول اصل لمؤصل القابل فخاتم الولاية اذن ابن لخاتم النبوة وسابع المنازل مقامهما في التدبير والتصرف العام فخاتم النبوة في مقام الاختراع وخاتم الولاية في رتبة الابتداع وخاتم النبوة في مقام المشية وخاتم الولاية في مقام الارادة ولما ان الابتداع انما كان بالاختراع كان خاتم الولاية في هذا المقام ايضا ابنا لخاتم النبوة وثامن المنازل مقام الصنع والاحداث فخاتم النبوة في مقام النقطة وخاتم الولاية في مقام الالف وخاتم النبوة في مقام الرحمة الاولية وخاتم الولاية في مقام النفس الرحماني الاولى والنقطة لا ريب انها اب للكل فخاتم الولاية في هذا المقام ايضا ابن لخاتم النبوة فاذا كان خاتم النبوة في هذه المنازل والمقامات ما عدا منزلهما في السموات السبع والعرش والكرسي وبلد البسملة ابا لخاتم الولاية وسيدنا الكاظم عليه السلام ابن لخاتم الولاية فكان خاتم النبوة جدا له في هذه المقامات الروحانية والولادة الحقيقية لابيه كما كان جدا في الولادة الجسمانية لامه فالجد للاب في مراتبه انتهى الى اربعة اذ لا رتبة فوقها وليس وراء عبادان قرية فخاتم النبوة هو الجد الرابع والثالث والثاني والاول للاب وخاتم الولاية ابوه في المقامات كلها والمراتب باسرها واذا دققت النظر وامعنت الفكر رأيت ان خاتم الولاية ايضا جده الرابع وحيث ان الاب يطلق على الجد فكان ايضا خاتم النبوة اباه كما كان جده وخاتم الولاية جده كما كان اباه وكل منهما جد واب على ما فصلت لك فافهم بالفهم المسدد ( المسدد فما اسعدك لو وقفت لفهم خ ) هذه المراتب التي نزلت من بحر الصاد على قلوب اهل الاستعداد الواقفين بباب المراد
تشقيق - اعلم ان الاب والابن على ثلثة اوجه اب هو ابن وابن هو اب وابن ليس بابن ولا اب وابن هو حقيقة ابن فالابن الذي ليس باب ولا ابن هو كما قال تعالى في ابن نوح انه ليس من اهلك مع انه ابنه في الظاهر وليس بابنه في الواقع وليس بابيه ايضا اذا لا ولاية له عليه حقيقة والابن الذي هو الاب حقيقة كرسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فانه ابن لعبد الله في الظاهر وفي الحقيقة اب له كما بينا سابقا والابن الذي هو الابن حقيقة كالحسن والحسين عليهما السلام فانهما ابنا امير المؤمنين عليه السلام حقيقة في الظاهر والباطن وفرعان من فروعه اقتطعا من نفسه واشتقا من ذاته ظهرا على هيئته ومضيا على شاكلته فاحفظ هذه المقامات فانها من الابواب التي ينفتح عنها الف باب
تقسيم الآباء ثلثة الاول ابو العقول وهو خاتم النبوة وخاتم الولاية الثاني ابو النفوس الامارة بالسوء وهو ابليس والجهل الكلي المقابل للعقل الكلي الثالث ابو الاجسام وهو ابونا آدم عليه السلام وقد اشار الحق سبحانه الى الثلثة في قوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه احسانا هذا ابو العقل والوالدان خاتم الانبياء وخاتم الاولياء والعقل لا يدل الا الى الخير فيجب الاحسان الى هذين الوالدين على كل حال لانهما يدلان على الخير في كل حال وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما والضمير يرجع الى والدي النفس فانها قد تكون امارة بالسوء وهو الاغلب وقد تكون مطمئنة بالخير ففي الصورة الاولى والداها الجهل وابليس ومن هذه الجهة اتى بالشرطية لاستثناء حالة الاطمينان واما في الصورة الاولى فلا تطعهما ابدا على كل حال لانهما يدعوان الى الاعراض عن نور الوحدة والخلود في الارض ارض الكثرة والانية والتعين الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر وصاحبهما في الدنيا معروفا وهما والدا الجسد ولذا خصهما بالدنيا لان هذا النسب ينقطع في الآخرة والنشئات الروحانية ( الروحانيات خ ) والمقامات العاليات وهو قوله تعالى فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون والعبرة بوالدي العقل اللذين يدعوان الى البقاء الابدي والفناء السرمدي والى السكر والصحو والتكوين والتمكين والحسب ( الحب خ ) والقرب وهذه الدعوة وان كانت لرتبة فوق العقل الا ان العقل بابها ودليلها وهما الوالدان اللذان يوصي بهما الله سبحانه دائما بعد ذكر توحيده في القرآن مثل قوله تعالى وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا وامثاله وهو النسب الذي لا ينقطع وقد قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم كل نسب ينقطع يوم القيمة الا نسبي فافهم الاشارة بلطيف العبارة والاولاد على طبق الآباء والاب الثالث يجمع الاثنين وهو قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فترى المؤمن يخرج من صلب الكافر كالعكس ويختلف ( تختلف خ ) اخلاق الاولاد والآباء ويلحق كل عند التصفية والتمييز بابيه الحقيقي من الاولين فيجري عليه حكمه تفطن الى تلويح بل تصريح قوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء ومفهوم الشرط حجة عند اهل البيت فالذين لم يؤمنوا فلا يلحقون بآبائهم المؤمنين وانما يلحقون بآبائهم الكافرين لان كل شيء يرجع الى اصله وذلك اصله في مقام التعين ورتبة الانية وان عملوا ما عملوا كما ان اولئك الاخيار يلحقون وان لم يعملوا والجد في كل هذه المراتب والمقامات فوق الاب بمرتبة ولذا كان عدد اسمه سبعة وعدد اسم الاب ثلثة كما ذكرنا في اول المسألة فقد اجملت لك الامر والتفصيل عليك فانه علينا ان نلقي اليكم الاصول وعليكم التفريع كما امر الله سبحانه بقوله عز ذكره واوحى ربك الى النحل اي منتحل العلم اي علم التوحيد بلا كيف ولا اشارة في حقيقة الحقيقة ان اتخذي من الجبال بيوتا اي من جبل الانية والماهية عند تراكم التعينات وتزاحم القيود والماهيات الى آخر المراتب عالم الاجسام قواعد كلية واصولا الهية ومن الشجر ومما يعرشون والشجر اقرب التعينات الى التعين الاول فذابت وتكثرت اطواره ومما يعرشون من النسب والروابط والبرازخ التي بين العالمين في جميع العوالم فامر سبحانه منتحل العلم ان يتخذ قواعد كلية من العوالم الثلثة عالم الغيب وعالم الشهادة وعالم البرزخ على الاطلاق لاستدعاء كل حقيقتين متباينتين في السلسلة العرضية بل في السلسلتين اعتبار الظهور الذي هو العلامة في النشأتين ذلك وذلك وللطولية ( النشأتين وذلك في خ ) في معرفة الاشياء وحقايقها وذواتها وصفاتها وجواهرها واعراضها وساير ما لها وبها ومنها واليها وعليها وعندها ولديها وها انا قد القيت اليك بعض تلك الاصول والقواعد لتستنبط منها علوم تلك المعاهد والمشاهد والمطالب العالية الحقيقية ولو اردنا ان نشرح تلك الفروع المستنبطة من تلك الاصول لطال بنا الكلام ولاخرجنا عما نحن بصدده من المرام ولكني في سعة مع من اخاطب لانه قد ظعن عن مطمورة الزمان وقطع مسافة الدهر ووصل الى ساحل بحر السرمد وهو خائض في تلك اللجج الغامرة وسالك تلك السبل العامرة ايده الله باسعاده وامده بامداده
واما الامر الرابع - فاعلم ان الجد من المجد نيل الشرف والرفعة وكرم الآباء والمجيد هو الرفيع والشرف والرفعة على قسمين ذاتية وعرضية والثانية ما تحصل من النسب والاضافات الخارجة عن حقيقة الشيء ككونه ابا لشريف او اما او اخا او ابنا او عما او خالا او تعلم من العلوم الرسمية من اقوال العلماء ومن كتبهم ورواياتهم من غير ان ينفجر العلم من قلبه وامثال ذلك من النسب والاضافات والاطوار الخارجة عن حقيقة الذات وهذه بمجردها مع عدم الذاتية ليست بقوية واما عند معاكسة الذاتية اياها فلا عبرة بها وقد روي عن اهل البيت عليهم السلام ان الجنة خلقت لمن اطاع وان كان عبدا حبشيا والنار خلقت لمن عصى وان كان سيدا قرشيا واما الذاتية فهي المبادرة الى الاجابة عند قوله تعالى الست بربكم والمسارعة اليها وعقد القلب على موافقتها في جميع العوالم السفلية وبعبارة اخرى القرب الى التعين الاول او الى اللاتعين عند رقة الحجاب ورفع النقاب وهذه المبادرة والمسارعة انما تظهر بقوة العلم في هذه الدنيا المقرون بالعمل من العلوم اللدنية والاسرار الغيبية والاطوار الالهية والانوار اللاهوتية والوقوف على حقايق الاشياء والاطلاع على ملكوتها وجريان ( سريان خ ) نوره في جبروتها وناسوتها وعدم الاعراض عن المبدأ الحق والناموس الاكبر فاذا اقترنت هذه الجهات الحقيقية والشرافة الذاتية مع العرضية من النسب الخارجة فكان نورا على نور وشرفا على شرف ورفعة على رفعة كما اتفق لسيدنا الحسين سيد شباب اهل الجنة روحي له الفداء فانه قد قارن الشرافة الذاتية الحقيقية بالشرافة الاضافية النسبية لكون جده رسول الله صلى الله عليه وآله سيد العالمين وابيه امير المؤمنين خاتم الاولياء وامه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين واخيه الحسن المجتبي سيد شباب اهل الجنة اجمعين واولاده السادة الميامين من آل طه ويس وعمه جعفر الطيار في الجنان مع الكروبيين واخواله ابرهيم والقاسم والطيب والطاهر اولاد رسول الله الصادق الامين وهذه لعمري شرافة لم يسبقه بها احد من المخلوقين من الاولين والآخرين واذا افترقت الشرافة الذاتية عن الشرافة العرضية فلا عبرة لها كما اتفق لابن نوح وقال تعالى انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح واما مجد رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فالوجوه فيه كثيرة ونحن نذكر هنا وجها واحدا من الوجوه الغير المتناهية وهو قوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا والعالمون جميع افراد ما سوى الله سبحانه وبين سبحانه انه نذير على كل شيء دخل في الامكان من كل عال وسافل وذات وصفة وجوهر وعرض ودال ومدلول وكتاب ومكتوب وشاهد وغائب ومخفي وظاهر وصغير وكبير وحقير وجليل وجزء وكل وكلي وجزئي ومستقيم ومستدير وساكن ومتحرك ومشتق وجامد ولطيف وغليظ وذائب ومنعقد ونور وظلمة وسماء وارض وبر وبحر وشجر وحجر وكل رطب ويابس وكل ما احاط به الامكان فاذا كان رسولا لهم فلا ريب ان الرسول اشرف من المرسول ( المرسل خ ) اليه في كل كمال فلما نص الله سبحانه انه صلى الله عليه وآله رسول الى كافة الخلق من جميع الذرات الوجودية كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت كان جامعا لجميع الكمالات الامكانية وجامعا للكمالات التي خلت منها الموجودات من اهل الامكان والاكوان والاعيان حتى يكون له صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بذلك على الممكنات الهيمنة والاستيلاء والفخر والشرف والمنعة والعزة بحيث يكون جميع الممكنات كافة وعامة وخاصة مستقهرة عند ظهور ادنى كمال من كمالاته ومستهلكة عند سطوع ادنى نور من اشراقات ظهوراته ومضمحلة عند ظهور اقل آية من آياته حتى يرى كل ممكن على حسب ما هو عليه من الكمال ان كماله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم خارق للعادة بالنسبة الى تلك الرتبة كما هو شأن النبي مع الرعية في اظهار خارق العادة بحيث طأطأ كل شريف لشرفه وبخع كل متكبر لطاعته وخضع كل جبار لفضله وذل كل شيء له واشرقت ارض الامكان والمكون بنوره وهو المجد الذي ليس ورائه مجد والشرف الذي ليس ما ( الذي ما خ ) فوقه شرف فانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وقد اشار سيد الساجدين زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في دعاء الصحيفة الى هذا المجد الشامخ والفضل الباذخ بقوله خطابا لربه واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين فتأمل في هذا المقام وقف السائلون ببابك ولاذ الفقراء بجنابك وقفت سفينة المساكين على ساحل بحر جودك فانظر في حدود هذه الكلمات ولاحظ القواعد العربية وان هذه كلها صفات الملك والملك خلق وهل خلق يستأهل لهذه الرتبة غير محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فهو الماجد وله المجد لانه كهيعص وحمعسق والم والر والمر ( وطه خ ) ويس وص وق ون وطسم وطس ( وحم بل خ ) وفاتحة الكتاب والبسملة والباء والنقطة التي تحت الباء والالفات الثلثة المحتجبة والكلمة التي هي الفعل الذي نشأ منه الاسم وحروف الكلمة والفها ونقطها والظاهر والظاهر من حيث هو ظاهر والباطن والباطن من حيث هو باطن وغير ذلك مما لا يجري به قلمي ولا ينطق به فمي ولا يفوه به كلمي فكتمانه في الصدور خير من ابرازه في السطور من مقاماته التي لا عبارة عنها ولا اشارة اليها ولا انارة ولا استنارة بل نور غيب وسر لا ريب وهذا الجد هو الذي نال من المجد ما لم ينله احد من المخلوقين وآتاه الله ما لم يؤته احدا من العالمين فلا تحتاج اذن لتذكير وتنبيه ان الستر الذي يجاور قبر هذا السيد القمقام والبدر المشرق التام ماذا يكتسب في المجد من المقام ان في ذلك لذكري لاولي الافهام فيا له من ابن فاز بالشرافة الذاتية والكرامة المعنوية والعزة الالهية وقارنها بشرافة جد مثل هذا السيد الكريم والنبي العظيم الذي من فيض جوده الوجود ومن عميم كرمه الغيب والشهود
وان من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وشرافة آباء ينتهون الى اب هو نفس هذا السيد المتقدم والمولى المعظم نصا من الله في القرآن المفخم وليس فوق ذلك رتبة فيما اعلم وبعم سيد شباب اهل الجنة الذي وهبه جده صلى الله عليه وآله وسلم سودده وشرفه الاعظم وبام سيدة نساء العالمين وفلذة كبد سيد المرسلين عليه وعلى اولاده وخلفائه صلوات الله ابد الآبدين فهي والله الكرامة العظمى والشرافة الكبرى في الرتبة القصوى وقد اكتسب هذا الستر المنيف بمجاورة ( هذا خ ) القبر الشريف من الشرافة الظاهرة والباطنة والرفعة الغيبية والشهودية مع اصلاح قابليته وتمكينها من ورود الفيوضات الاولية الازلية بمجاورة هذا القبر المطهر ما لا تسعه الدفاتر بل لا تتحمله الصدور والضماير ولو اردنا شرح بعض خصوصيات تلك الفضايل الجمة والمطالب المهمة لطال بنا الكلام وان كان لا يخلو من الفوايد العظام الا ان النفس من شأنها الكسل والجبلة من عادتها الملل فاكتفينا بما ذكرنا فليقس عليه ما لم نذكر
واما الامر الخامس - فاعلم ان السماك الاعزل المنزلة الرابعة عشر من منازل القمر التي يجري فيها لامر مستقر وحكم مقدر لمعرفة السنين والحساب ولملاحظة المكتوب والكتاب لاقتضاء السبعة التي هي العدد الكامل بظهورها في الطبايع الاربعة تلك المنازل على الثمانية والعشرين واختصت كل منزلة بحرف من الحروف في التكوين والتدوين ولسنا بصدد شرحها وبيان مقتضياتها واحكامها وعللها ومباديها ومعداتها واسبابها وشرايطها واوضاعها وهيئاتها والوانها وطبايعها وامزجتها وسعدها ونحسها وساير اطوارها وحركاتها واوضاعها واقتضاءاتها في سير القمر فيها وغيره من الكواكب السيارات والثوابت فيها بما يقتضي الاختلاف في الهيئات في اطوار الذوات والصفات والعلل والمعلولات وساير الشؤنات ولو تصدينا لشرح ذلك وبيان ما هنالك لكان كتابا عظيم الحجم والعوايق مانعة عن اظهار المستجنات في النفس والعوارض عايقة عن ابراز المخزونات في القلب واقول كما قال امير المؤمنين عليه السلام :
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري
نكت الارض بالكف وابديت لها سري
ومهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
وقد ذكر بعض قشور وظواهر هذه الامور علماء النجوم فليرجع اليها من ارادها وهذه المنزلة كمال الاربعة عشر النورانية فان هذه المنازل لم تزل اربعة عشر منها نورانية واخرى ( الاخرى خ ) ظلمانية لا تختلف ابدا ولما كان مبدء الوجود من دور الحمل في العالم فاذا كان على نقطة الافق الشرقي تكون المنزلة الرابعة عشر على الافق الغربي لا محالة ولما نظرنا الى نفس الشرق والغرب وجدنا الغرب اشرف من حيث الرتبة لان الغرب مقام كمال العلم وظهور جميع المراتب مشروحة العلل مبينة الاسباب فان العوالم جميعها اخذت بالحركة من مبدء الشرق الى ان وصلت الى نقطة الغرب فالغرب مقام العلم ومقام الجامعية ومقام ظهور العظمة والكبرياء والجلالة ولذا كان الموت ما بعده اشرف واعظم مما قبله بخلاف الشرق فانه مقام الوقوف واول الظهور على رتبة واحدة من غير اجتماع المراتب كما ترى عيانا ولذا كانت الجنة في طرف الغرب والنار في جانب الشرق ولما كانت المنزلة الواقعة على نقطة الافق الغربي هي الرتبة الجامعة الحاملة لظهور اطوار تلك المنازل على التفصيل فبالحرى ان ترى ( حال شروق الشمس وغروبها خل ) سماكا لارتفاعها على غيرها لحصول المراتب وتحقق الدرجات وظهور المقامات التي بها تفصيل العلم للسائر في هذه المنازل والدرجات والعلم يرفع كل من لم يرفع ويرفع الله الذين آمنوا والذين اوتوا العلم درجات ولما كانت المقامات النورانية انما انتهت الى هذه المنزلة فارتفعت على غيرها لهذه العلة سميت سماكا لانه بمعنى الارتفاع او ما يرتفع به والمعنيان حاصلان فيه على الحقيقة دون المجاز وانما اختص باسم السماك مع ان اللفظ الدال على الارتفاع كثير للاشارة الى دقيقة خفية وهي ان هذه المرتبة التي هي آخر المنازل النورانية في مقابلة آخر المنازل الظلمانية على هذا النظر واللحاظ من ملاحظة مبدأ الوجود وكان آخر المراتب الظلمانية التي بها تمامها الحوت وهي البهموت التي عليها المقامات السفلية والمراتب الظلمانية تحسن ( فحسن خ ) المقابلة في النظم الالهي الاولى اقتضى ان يكون في هذه المنزلة الشريفة ما يدل على تلك المقابلة في الضدية مع دلالته على الارتفاع والافتخار فلم يكن الا السماك فانه عند فقد الالف يكون سمك وهو بمعنى الحوت ثم اضيف الالف اللينية حرف العلة مبدأ الحروف واسها واسطقسها لبيان انه سمك عليه الانوار في اطوار السموات لا الحوتة التي عليها الارضون ومبادي الظلمات فالسين اشارة الى كمال الاعتدال في مطابقة الصفة مع الموصوف والاسم للمسمي والظاهر للباطن والميم اشارة ايضا الى كمال الاعتدال في الحرارة الغريزية فان الميم ميزان اعتدال النار اي نار الشجرة الزيتونة التي تفصلت هنا بالشرقية والغربية فالسين لامان والميم لام وياء فهي جوامع مراتب القوابل في العوالم الثلثة والمقبول الواحد الذي هو العشرة التي تظهر كمال الظهور عند تمام القابليات فبالسين والميم تم الوجود وامتاز الشاهد والمشهود فالسين بتحليل اللام اصل اسم خاتم الولاية والميم اصل اسم خاتم النبوة والكاف اشارة الى كلمة كن التي بها صدور الفيوضات الربانية وحدوث الافاضات السبحانية بلا انقطاع ولا زوال والالف قطب الاقطاب رب الارباب مسبب الاسباب مالك الرقاب منه البدء واليه الاياب فدل هذا الاسم الشريف على ما يشتمل هذا المسمى من المفاخر والمزايا والمآثر ولذا اختصت به دون غيره من الاسماء التي تدل على العلو والرفعة والاستعلاء فان قلت كيف يكون هذه المنزلة المعبر عنها بالسماك ارفع واعلى مع ان مما قبلها من المنازل ما هو اشرف منها وامثل كالحمل والاسد وامثالهما مع ان المنجمين صرحوا بانها من المنازل المنحوسة قلت لا منافاة بين ظهور الشرف والرفعة في شيء مع ان غيره مما لم يظهر فيه تلك الرفعة اشرف فان المناط في هذا المقام ظهور الرفعة والشرف لا وجودها كما في قوله تعالى والامر يومئذ لله مع ان الامر لله في كل حال وتأمل في قول النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فان المنبر يظهر فيه الارتفاع والافتخار والشرافة بخلاف القبر وان كان القبر اشرف واعلى الا ان ظهور الرفعة والافتخار في المنبر اكثر واعظم ولذا سمى بالقائم والمهدي مع ان رسول الله (ص) هو القائم المهدي واما ما ذكروا من نحوستها فكنحوسة زحل والمريخ وقد ورد عن طريق اهل البيت عليهم السلام انهما كوكبا رسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما ونحوستهما على اهل الدنيا وسعادتهما على اهل الآخرة كما قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى وليزيدن كثيرا ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا وقال تعالى اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وقال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقد شرح سبحانه الاحوال في هذا المجال وبين المعنى في هذه الآيات بقوله الحق كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فافهم وتبصر ولما كانت المرتبة كلما يسمو ( تسمو خ ) والمنزلة كلما يعلو ( تلعو خ ) يخف اعتباره من نفسها بل يعدم شيئا فشيئا للنظر الى جهة المبدأ ومشاهدته في جميع الاطوار وخلع الانية وقطع النظر عن الماهية وجب ان يوصف السماك بالاعزل لتجرده عن جهة نفسه ومشاهدته الى ربه ولذا ورد ان الشمس عند الغروب تخر ساجدة تحت عرش ربها والسجدة رفع الانية ونزع جلباب الماهية وبذلك كان سماكا حقيقيا رافعا ومرتفعا وهو في الحجاب بغير حجاب واما السماك الرامح فهو وان كان ليس من المنازل الا انه لقربه من الاعزل اكتسب نورا وضياء وروحانية لكنه من وراء الباب ورقة الحجاب ولذا سمى رامحا لطعنه الحدود الغير الموافقة لمحبة الله والمخالفة لمراد الله فمقامه القهر والغلبة والاستيلاء ولذا سمى عالم رقة الحجاب عالم الجبروت لحصول القهر والاستيلاء ومنع المشاهدة في اطوار الحدود والتعينات الى ما سوى الله وهو كوكب اصحاب النفس المطمئنة والراضية والمرضية والكاملة على حسب مراتبه واما السماك الذي من المنازل فهو اعزل مجرد فهو متمحض النظر الى جهة المبدأ والواحد الحق فتمت بها المنازل النورانية والحقايق الربانية فافهم وقد اوقفتك على ظل شجرة سدرة المنتهى واسمعتك تغريد الورقاء على تلك الافنان بفنون الالحان فلله در الناظم ايده الله ووفقه حيث اتفق في جرى كلامه المنظومة ( المنظوم خ ) الوقوف على هذا الدر المنثور فعبر عن المقامات العلوية بالسماك الاعزل فقد ذكر جميع المراتب والمقامات العاليات لاندراجها كلها في تلك الحقيقة البحت البات هذا ما يتعلق بمجمل ظاهر السماك الاعزل واما تأويله وباطنه فشرحه طويل والقلب عليل واللسان كليل ولنشر من كثير منه الى قليل فنقول انه قد دل الدليل القطعي المقرون بالنص الجلي من الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ان الظاهر على طبق الباطن والمعنى على وفق الصورة فالمقتضى لترتيب نظم العالم الجسماني على هذه الافلاك والبروج والمنازل والنورانية والظلمانية والعلوية والسفلية والخفاء والظهور والتأثير والتأثر والفعل والانفعال هو بعينه المقتضي لوجودها في كل العوالم وكل المقامات والمراتب فيكون ( فتكون خ ) العوالم الروحانية كل عالم منها مشتملة على افلاك روحانية ومنازل روحانية وعرش وكرسي روحانيين يحملان التدبير والتقدير للتسخير لهذه الجهات الى باقي مراتبها واحوالها واوضاعها واطوارها فيكون في كل عالم من العوالم عرش وكرسي وبروج ومنازل وسيارات وثوابت وفي كل منها اربعة عشر منازل روحانية ومنازل ظلمانية وآخر المراتب النورية ومنتهاها السماك الاعزل في كل عالم بحسبه ورتبته في جميع مراتب السلسلة الطولية والعرضية والعرضية الف الف عالم والطولية ثمانية فاضرب الطولية فيها فالحاصل هو عدد العوالم ففي كل عالم سماك اعزل منحط المرتبة والقدر عند هذا الستر المكرم المجاور لذلك القبر المعظم وشرح تفاصيل السماك الاعزل والقبر والستر في كل عالم بعد هذا البيان والتنبيه موكول الى هذا الفكر الثاقب والفهم الصائب فان بذكر التفاصيل يطول الكلام ويخرجنا عن مقتضى المقام
واما الامر السادس - فاعلم ان كيفية الانحطاط انما يعرف ويظهر ( تعرف وتظهر خ ) بعد معرفة القبر والستر والجوار فيجري في كل مقام على حسب ذلك المقام بقي الكلام في معرفة الانحطاط اعلم انه بجميع مراتبه يدور على اصلين احدهما انحطاط الاثر والنور عند ظهور المؤثر المنير كانحطاط مقام الشعاع عند ظهور المنير وان علا مقام الشعاع وجل وهذا الانحطاط مقداره اذا اردنا ان نعبر عنه بالعبارة الظاهرة نقول انه جزء من سبعين جزء لا بمعنى ان النور اذا ضعف سبعين مرة يساوي المنير بل المراد ان المنير بعد ما يتنزل فعله الى سبعين مرة يظهر النور ويوجد ولا نهاية لضعف النور بالنسبة الى قوة المنير ولا غاية له اذ النسبة منتفية والشعاع في ذات المنير معدوم وما يتراءي لك في الصورة الظاهرة هو مثال المنير وآيته ودليله وعلامته فلا وجود له من حيث هو نور في ذات المنير بحال من الاحوال والا لتغيرت حالة المنير بزيادة النور ونقصانه وقلته وكثرته وجمعه وانبساطه وغير ذلك لاستدعاء الانبعاث من الذات ذلك بالضرورة فهذا الانحطاط لا قدر له ولا نهاية والسبعون الذي ذكرنا تبعا لما ورد عن الائمة الصادقين هو مراتب تنزل المنير لا نسبة قوته بالنسبة الى الشعاع وثانيهما الانحطاط ( في السلسلة خ ) العرضية وهذا على قسمين احدهما انحطاط السافل للعالي ومرادي بالسافل ما كان للعالي مدخلية في اصل وجوده كالافلاك للعناصر والارواح للاجسام والاجمال للتفصيل والغيب للشهادة والمجرد للمادي والجوهر للعرض والاب الحقيقي للابن الحقيقي والجد للجميع وهكذا في كل ما له وساطة في ثبوت شيء لا في صدوره وكذلك القول في المراتب السبع بالنسبة الى العالم الصغير والكبير كالاسرار بالنسبة الى الانوار والانوار بالنسبة الى الاشباح والاشباح بالنسبة الى الاظلة والاظلة بالنسبة الى عالم الذر والذر بالنسبة الى الهباء والهباء بالنسبة الى الماء والماء بالنسبة الى السحاب المتراكم الاخضر وهكذا كل ثان من حيث هو ثان بالنسبة الى اوله من حيث هو اول وهذا الانحطاط انحطاط وجودي لا يمكن للمنحط الوصول الى رتبة العالي من حيث هما كذلك ابدا بحال من الاحوال وثانيهما انحطاط فاقد الكمال لواجده سواء كان كمالا واحدا او اكثر فيختلف الانحطاط على حسب اختلاف فقدان الكمال قوة وضعفا وقلة وكثرة وظهورا وخفاء وغير ذلك والفرق بين القسمين ان المنحط في الاول لا يمكنه الوصول الى المقام الذي قد انحط عنه ابدا كالنفس فانها لا يمكنها الوصول الى رتبة العقل وكذلك ساير المراتب واما القسم الثاني فمنحط لكنه يمكنه الوصول الى ذلك الكمال اي من شأنه وامكانه ذلك كالجاهل بالنسبة الى العالم والضعيف بالنسبة الى القوي فهذه قاعدة كلية خذها راشدا موفقا واصرفها حيث ما ذكرنا من مراتب القبر والستر فان كان القبر هو امير المؤمنين عليه السلام لحمله اسرار النبي صلى الله عليه وسلم حفظه اياها وعدم اظهاره لها والستر هو الهيمنة الظاهرة والولاية العامة التي غشيته قد اهدي وجه منها المعبر عنها بالقطعة الى الاولياء المنشعبة منه الذين منهم سيدنا المعظم مولينا الكاظم فولايته من ولايته لا كل ولايته لانه جزئه وقطعة منه لكنه على شاكلته وصورته فظهر الجزء على هيئة الكل وهديت ( فاهديت خ ) له قطعة من الستر الذي جاور قبر النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم من الولاية حين استخلصه في القدم بعد طوفه ( طوافه خ ) حول جلال القدرة ثمانينالف سنة ووصوله الى جلال العظمة قد اهدي اليه سلطان السلاطين وملك الملوك صاحب الملك الذي علا على كل شيء علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثر به من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك ( فيه خ ) الصفات وتفسخت دونه النعوت وحارت في كبريائه لطايف الاوهام وهذا السلطان اعظم الملوك والسلاطين وهذه الهدية اكبر التحف والهدايا فبورك من مهدي ومهدي اليه فالانحطاط اي انحطاط السماك الاعزل في جميع العوالم الالف الف من القسم الاول اي انحطاط الظل لذي الظل والشعاع للمنير على الوجه الذي ذكرنا وان كان القبر هي القابلية الكبرى والدواة الاولى للمداد الاعلى والقلم الاسنى والستر هو صورة الابتداع وهيكل التوحيد وصفة التجريد والتفريد قد اهديت قطعة اي وجه من هذا الهيكل العاصم والنور الدائم القائم والسلطان المالك للعرش وما احاط به من الفرش بتمليك الله سبحانه مالك الملوك بالسلطان الاول الاعظم الاقدم الذي خضعت له الملوك وذلت له الرقاب وهكذا اذا كان القبر التعين الثاني النفس الرحماني الاولى او التعين الثالث والستر قشره وظاهريته اي الوجه الاسفل او التعين الرابع والتعين الخامس والسادس والسابع الى العاشر والستر ظاهرية تلك المراتب ففي هذه المقامات والمراتب للقبر مقامان كالستر احدهما مقام له في رتبة ذاته وثانيهما مقام عند ظهوره للغير ففي المقام الاول يكون الانحطاط من القسم الاول وفي المقام الثاني يكون الانحطاط من القسم الاول من القسم الثاني لان السماك الاعزل في اطواره العلوية والسفلية بجميع مراتبه ومقاماته تحت مرتبة القبر والستر فالوساطة هنا في الثبوت لا في الصدور فجميع المراتب العلوية منحطة في هذا المقام بحيث لا يمكن الوصول اليه بحال من الاحوال في عالم من العوالم وطور من الاطوار فافهم وان كان القبر يراد به هذا الجدث الظاهر في هذا العالم في مقام انا بشر مثلكم يوحي الى وهو الذي في المدينة المشرفة والستر هو الستر الاخضر المعلوم المنقوش عليه لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه قد اهدي قطعة منها الى حرم سيدنا ومولينا الكاظم عليه السلام سلطان السلاطين وخاقان الخواقين ليكون طبقا للهدايا والاستار الباطنة ( الباطنية خ ) الغيبية التي اهداها اليه اولئك السلاطين ليكون الظاهر طبقا للباطن والصورة على مثال الحقيقة فالانحطاط اي انحطاط السماك الاعزل من القسم الثاني من القسم الثاني فانما ( وانما خ ) خص الناظم سلمه الله تعالى ووفقه السماك الاعزل بالذكر دون العرش والكرسي مع ان ذكرهما ابلغ في التعظيم واقرب الى مقام التفخيم لان العرش وان كان ارفع الا ان مقامه مقام الوحدة والاجمال ولذا كان اطلسا خاليا من الكواكب والمنازل والستر والحجاب مقام الولاية التفصيلية لا النبوة الاجمالية ذات الولاية الاجمالية فلا يناسب ذكر العرش في هذا المقام واما الكرسي فهو وان كان مقام الولاية التفصيلية ولكن كمال التفصيل انما ظهر في البروج المفصلة بالمنازل والسماك الاعزل كما ذكرنا لك سابقا انما وقع على الافق الغربي عند منتهى المنازل النورانية فله مقام الجامعية على التقريب الذي قد تقدم ولما ذكر سلمه الله تعالى ان السماك الاعزل الذي هو عبارة عن الكينونة الجامعة لجميع جهات النور والخير المجرد عن لحاظ التعين والمتصل بعالم الوحدة بكونه اعزل مجردا عن جهات الانية ولوازم الماهية اراد سلمه الله ان يبين ان السماك بتلك العظمة والجلالة لحكايته لعالم الوحدة ووقوعه مقام الختم الذي هو دليل البدو بل عينه اذا كان منحط المقام عند هذا الستر فما ظنك بالستر في مقام التنزه والتقدس لاجل المجد الظاهر عليه
فقال وفقه الله وسدده في البيت الرابع :
وتقدست اذ جللت جدثا ثوى في لحده المدثر المزمل
اقول : لله در الناظم حيث ادرج في هذا البيت من جلائل المطالب وعظائم المراتب وتحقيق الحقايق وتدقيق الدقايق ما يتحير الفكر في اظهارها وابرازها والقلم عن شرح اشاراتها ونكاتها الا انا نأتي بما يسعنا بيانه ولا يعسر برهانه على حسب اقبال القلب ونشاط الخاطر ونعرض عما سوى ذلك ونكتفي بما اشرنا عما لم نشر وبما ذكرنا عما لم نذكر فنقول لما ذكر سلمه الله ضمنا في البيت الاول تقدس هذا الستر وتنزهه عن كل ما ينبغي ( ما لا ينبغي خ ) وكل ما يوجب بعدا عن الحق فاراد ان يصرح بالامر الملوح اليه هناك فذكر ان الستر وان كان من شأنه ان يكون حجابا مانعا عن مشاهدة الوحدة لكونه في اعلى مقامات الكثرة لظهور الحجاب والستر ومن العجب انه مع هذا مقدس منزه عن جميع الرذائل التي اعظمها واكبرها مشاهدة الكثرات وملازمة الانيات فهو مع كونه حجابا لا يحجب وسترا لا يستر
رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها وتشاكل الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
وذلك لما ظهر فيه من نور الوحدة ومقامات الانس في الخلوة وان كان في ظلمات الكثرة لان ماء الحيوة في الظلمات فاذا ذقتها تيقنت فيها ان ماء الحيوة في الظلمات ولما كان هذا الستر هو التحفة التي ذكرها ايده الله بتوفيقه في اول القصيدة اتى بضمير المؤنث فقال وتقدست اي تلك التحفة والهدية عما يقتضيه الامكان وصفاته من الكثرات والاحوال الغير اللائقة من رذايل الصفات فاذا تنزهت عن العيوب والنقايص مطلقا جمعت لجميع الكمالات ومعالي الصفات وفضائل الدرجات مطلقا لوجود المقتضى الذي هو محض الفيض اظهارا لكمال الالهي ورفع المانع الذي هو وجود النقايص وحصول القبايح فاثبت بهذه العبارة ان هذه التحفة جامعة لجميع الكمالات مما يعد في الامكان كمالا عدا ما اختص بالقبر وصاحبه من المآثر الحقيقية والمكارم الذاتية واما ما عداها كلها ثابتة فيها موجودة عندها ومنزهة عن جميع النقايص الامكانية مما يعد في الامكان نقصا سوى نقص الامكان فانه نقص لا يكمل وجرح لا يندمل الا اذا ذهب الامكان وجاء العيان وظهر المكنون كما كان فبقوله تقدست اثبت جميع هذه الكمالات في جميع المراتب في كل مقام بحسبه ففي عالم الاجسام قد ظهرت على نحو ظهور الاشياء في بدو الوجود على حسب ما اليه يعود في الجنة ومراتبها فان الخلق صاعدون الى ان يصلوا الى الجنة ويتدرجوا في مراتبها ولا يصعدون الا الى ما منه نزلوا فاعلي مقامات الجنة التي لا اعلى منها هي وجه المبدء فاذا خلص الشيء عن النقايص بالمرة يصل اليها وهذا الخلاص قد يكون في الدنيا وهو القليل الوقوع النادر الحصول كالاكسير الاحمر بل اعز منه وقد يكون في البرزخ وهو الكثير وقد يكون في القيمة وهو الكل وحيث ان قوله تقدست لم يذكر له متعلقا خاصا والتخصيص بشيء دون شيء من غير موجب ودليل غير معقول فوجب ان يكون هذا التقدس عن كل عيب وعايق يمنعه عن الوصول الى اعلى درجته التي تعلق به الفيض الابداعي اولا ولا يكون ذلك في الاجسام الا الجسم الظاهر في اعلى مقامات الجنة واقصى درجاتها وابلغ مراتبها بحيث نور حورية من حواري الجنة قبل الاطلاع عليها يوهم الشخص انه نور الله والاجسام في الكينونة الاولى كانت هكذا وانما تغيرت لمكان الادبار ونقص القوابل عن اظهار ما فيها من احكام الامكان وما يقتضي من الاكوان والاعيان فاذا تم النقصان وجبر الكسر بفاضل طهارة صاحب البيت الذي اذهب الله الرجس عن اهله وطهره تطهيرا يحكي كمال الاصل وصفته ويظهر على شاكلته فيرجع الى اعلى ما كان مما اقتضاه الامكان فكان مقدسا عن كل رجس نجس ومطهرا عن كل لوم وخبث لبطلان الطفرة واقتضاء الوحدة وكذلك ظهور سر التقديس ( التقدس خ ) على ما ذكرنا في الاجسام يظهر في جميع مراتب الاكوان من عوالم المجردات ومراتب المفارقات فتتصفي وتتقدس وتصل الى اكمل ما يمكن في تلك المقامات العاليات والدرجات المتعاليات على حسب ما ذكرنا في صفاء الاجسام حرفا بحرف لان امر الله واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت
اشراق وازهاق - قد لوح الناظم اسعده الله بتوفيقه في هذا البيت الى مقام عظيم وخطب جسيم وسر شريف ومعنى لطيف وحقيقة من اشرف الحقايق ودقيقة من اجل النكات والدقايق فاثبت حين نفي ونفي حين اثبت على حد قوله تعالى ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فرفع الحجاب في عين الحجاب واثبت النقاب برفع الحجاب ولوح بذلك الى باب الابواب وسبب الاسباب واختلاف النشئات وحفظ المراتب والمقامات والى لزوم كل احد مقامه ولو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله لحفظ ايمانه والى ان طرق التوحيد بعدد انفس ( انفاس خ ) الخلايق وتفاوت الدرجات في العلم واثبت ان فوق كل ذي علم عليم وانه ما منا الا وله مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون وانه ما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه والى ثبوت مقام هو توحيد لطائفة وشرك بالنسبة الى طائفة اخرى ومعذورية جماعة في المعرفة وعدم معذورية آخرين والى مفاد قول سيدنا الصادق عليه السلام لو لم يقبل منهم حتى يكونوا مثلكم فلا يقبل منكم حتى تكونوا مثلنا والى قول سيد الساجدين عليه السلام :
ورب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
والى قول رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لم يبلغ الرجل كمال الايمان حتى يشهد الف صديق بانه زنديق وغير ذلك من الاطوار والعلوم التي لا تحصى كثرة فلله دره من ناظم ومبين ومن ملوح متقن ومن طبيعة مستقيمة تجري على هيئة اعتدالية وتجذب العلوم الحقيقية والاسرار وتظهرها صفوا بلا اكدار ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والاشارة الى بيان ما ذكر مجملا انه سلمه الله جعل سترا قد جلل قبرا دفن فيه المدثر المزمل مقدسا ومنزها عن كل عيب ونقص ولا ريب ان الكثرة والاختلاف وتعدد الجهات والكيفيات والكميات من اعظم النقايص فيكون هذا الستر المكرم مقدسا ومنزها عن جميع ما لا يرجع الى المبدأ الحق فحركته دائما على القطب لا المحور في سيره في مقامات الترقي الى ان يصل الى مقامات وجوده مقام غيبه وشهوده وظهوره بلا كيف ولا اشارة واستماعه بلا لفظ ولا عبارة فيدور على نفسه فيصحو له العلوم ( المعلوم خ ) بعد محوه الموهوم فيهتك الاستار لمشاهدة نور الانوار وظهور سر الاسرار وقد ظهر هذا السر المجلل بالسر فيه لانه جلل قبرا فيه المدثر والمزمل صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فالمزمل تعين وهو حجاب والمدثر تعين على تعين وحجاب على حجاب وستر على ستر والقبر خفاء واستتار والدفن عدم بروز واظهار مقام الكنز المخفي والسر المختفي والجلال ستر اغلظ الحجب وهذه الاستار والحجب اقتضت كشف الاستار وظهور الانوار والتقدس والتنزه عما يوجب الاكدار بذكر الاغيار وهذا من اغرب الغرائب واعجب ( ابعد خ ) العجائب وبيان هذا الاجمال وشرح هذا المقال على جهة الاشارة ان المرايا والمجالي اذا تقابلت وترتبت وتعددت ففي كل المتأخرة منها اشراق من المتقدمة هي جهة مبدئها ووجه علتها واعلى ما عندها واقصى مقام وحدتها وكثرتها انما تكون بالاقتران بانيتها وهي الحدود الموجودة في المرآة من الصغر والكبر والاعوجاج والاستقامة والبياض والحمرة والصفرة والسواد والكدورة وغيرها من الحدود فبالنظر الى هذه الحدود متكثرة وبالنظر الى المرآة التي قبلها وفوقها وما يشرق منها فيها واحدة وحدة ما يمكن لها ادراك وحدة غيرها وذلك الاشراق اشراق تعين ما في المرآة العليا ومقام كثرة تلك المرآة فلو نظرت بها الى مبدئها اشركت وكثرت ولو نظرت السافلة بها وحدت و( لو خ ) لم يوحدها بها كفرت فلا يزال ما عند السافلة كفر بالنسبة الى ما عند العليا وتوحيد بالنسبة الى نفسها واعلى مقامات التوحيد بالنظر الى الاسفل منه ففي كل مقام شرك وتوحيد وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ففي المرآة الاولى صورة واحدة وفي الثانية مرآة وصورتان وفي الثالثة مرآتان وثلثة اشباح وفي الرابعة ثلث مرايا واربعة اشباح وفي الخامسة اربع مرايا وخمسة اشباح وهكذا الى ما لا نهاية له ففي كل مقام كثرة ووحدة بالنسبة الى الاعلى او ( وخ ) الاسفل فمقام تقدس السفلى وتنزهها مقام تعين وكثرة الاولى بل السفلى انما تحكي في عين توحيده مقام تعين العليا وكثرتها وهو قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ولما كانت الحقيقة المحمدية هو التعين الاول فلما تمت حدوده وجهاته اشرق عنها بالاشراق المتصل التعين الثاني الذي هو قبرها وحجابها ولما تم التعين الثاني بحدوده وجهاته اشرق عنه الستر فالستر اعلى مقامات تقديسه وتنزيهه لاستشراقه عن ذلك النور ادنى مقامات تعين وتكثر الحقيقة المقدسة صلى الله عليها ففي التعين الاول هو المزمل وفي التعين الثاني هو المدثر فان الدثار ثوب على الشعار فيكون في الحجاب الثاني وفي التعين الثالث اختفت تلك الكنوز وتعجمت تلك الرموز فصارت في قبر لا يسافر قاطنه ولا ينتقل الى العالم الاول ساكنه والستر قد استشرق من وراء الحجاب ووقف على الباب ويغشى ( تغشى خ ) ذلك الجناب وصار قشرا لذلك اللب الذي هو لب اللباب فتقدس وتطهر عن كل شيء يعوقه عن ذلك الجناب فبذا صار القشر لبا والفرع اصلا والرشح بحرا والذر نورا لما عداه من الاطياب وهو وان كان واحدا بالنسبة اليه وما تحته لكنه متكثر ومتشعب بالنسبة الى تمام تعين الاول والثاني والثالث فالمزمل الذي هو التعين الاول له مراتب ومقامات المقام الاول في المقام الاول والعلامة الاولى والآية الكبرى والنقطة والرحمة والسر المجلل بالسر والباطن والغيب المطلق مقام اللاهوتية المقام الثاني في المقام الثاني والعلامة الثانية والآية العليا والسر المستسر والالف التي لا نهاية لطولها بدوا وعودا والعماء المطلق والباطن من حيث هو باطن المقام الثالث في المقام الثالث والعلامة الثالثة والآية العظمى وسر السر وباطن الظاهر والحروف العاليات والسحاب المثار من شجر البحر المقام الرابع في رابع المقامات والآيات الظاهرات والبينات الواضحات والكلمة التامة والسر والظاهر من حيث هو ظاهر والوجود المطلق والحق المخلوق به والمفعول المطلق والنفس الرحماني الاولى والاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وعالم فاحببت ان اعرف المحبة الحقيقة والمودة الواقعية الالهية رتبة الواحدية بحر الاحدية طمطام يم الواحدية الاختراع الاول كهيعص الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والاسم الذي صلح به امر الاولين والآخرين والكلمة ( كلمة خ ) التقوى والشجرة الاولى والقلم الاعلى وباتمام هذا المقام الرابع تم التعين الاول فتزمل بهذا الثوب وكان به اليه الاوب واما المدثر فبعد ان تزمل بهذا الثوب الدائم الذي لا يبلى ولا ينفد ولا يعتق ولا يخلق بل كلما ازداد المدي ازداد بهاء واشراقا وسرورا ووفاقا تدثر باثواب اخر الاول الثوب الابيض في الحجاب الابيض في اللؤلؤة البيضاء الثاني الرداء الاصفر في الحجاب الاصفر وارض الزعفران وهو ثوب اصفر فاقع لونها تسر الناظرين الثالث الثوب الاخضر في حجاب الزمرد في مقام اللوح المحفوظ الرابع الثوب الاحمر في الحجاب الاحمر في مقام الياقوتة الحمراء التي غلظها غلظ السموات والارضين الخامس الثوب الكمد المغموس في بحر المداد المنفجر من صاد الصمد الجاري من تحت جبل الازل الى الابد وهو الماء الذي منه كل شيء حي دهر السرمد السادس الثوب الاخضر عميق الخضرة في حجاب الاظلة في مقام الزمردة الخضراء في حوصلة الطير الاخضر ذلك طير القدس الطاير في هواء الانس الذي وكره فوق جبل الملكوت متنزلا الى اعلى الملك السابع الثوب الازرق المائل الى البياض كلون السماء الحجاب الاخضر وراء جبل قاف فلما تمت هذه الاثواب وتدثر بها ذلك الجناب اوحي اليه رب الارباب يا ايها المدثر قم فانذر لان المقام مقام الكثرة المقتضي للخوف الحاصل من الانذار وربك فكبر لان الكبرياء ظهور الحق في عالم الاجسام ذات النقش والارتسام وثيابك فطهر هذه التعينات لتراكمها وتزاحمها وغلظتها تحمل اوساخ الادبار المقتضية لتطهيرها فصدع صلوات الله عليه بما امر وادي ما حمل وحفظ ما استودع وادي الامانات الى اهلها واتقن الامور بحلها وعقدها الى ان جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فآن اوان خلع ذلك الجلباب والتوجه الى ذلك الجناب وايداع تلك الاثواب قبرا مطهرا عن الاكدار ومقدسا عن الاغيار فجلل الستر الشريف ذلك القبر المنيف فتطهر بفاضل تطهيره وتقدس بفاضل تقديسه فصار مقدسا لاجل كونه سترا لذلك القبر وقد اعتني صاحبه بتطهيره امتثالا لامر ربه حيث امره بقوله تعالى وثيابك فطهر فاشار الناظم وفقه الله وسدده الى تلك الدقايق ملوحا الى تلك الحقايق موميا الى هذا المقام ومبينا لهذا المرام باستقامة فطرته واعتدال طويته فقال :
وتقدست اذ جللت جدثا ثوى في لحده المدثر المزمل
وقدم المدثر على المزمل اشارة الى قوس الصعود وابانة عن وجه الشهود وتحقيقا لسر العابد والمعبود والا فالمزمل مقدم على المدثر اما رأيت ما عقب الله سبحانه بعد ذكرهما بما يناسب مقتضي مقام كل منهما فتعرف بذلك ان القيت السمع وانت شهيد مقامهما وقد قال تعالى في المزمل قم الليل الا قليلا نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ان ناشئة الليل هي اشد وطأ واقوم قيلا وفي كل ذلك يريد سبحانه منه صلى الله عليه ( وآله خ) وسلم خلع الاضداد ورفع الانداد وازالة الاغيار وازاحة ظلمة الاكدار والتوجه الى الوحدة الحقيقية في الليل والنهار والسير في الاسماء والصفات وسائر الاطوار واين هذا المقام في ( من خ ) قوله تعالى في المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر وكل ذلك تكليف بالنزول الى مقامات الخلق وشتان ما بين الصعود والنزول فشتان ما بين المدثر والمزمل ولذا فسرنا الاول بالتعين الاول والثاني بالثاني وكم من خبايا في زوايا وكم من امور في الصدور لم يؤذن لنا في ابرازها على السطور
ولما شربناها ودب دبيبها الى موضع الاسرار قلت لها قفي
مخافة ان يعلو على شعاعها ويطلع ندماني ( ندمائي خ ) على سري الخفي
ولما وصف سلمه الله تعالى هذا الستر بالتقديس والتطهير واجتماعه لجميع الكمالات وتنزهه عن رذائل السمات والصفات فكان ببركة ذلك القبر المقدس جامعا لجميع الكمالات اذ ظهر فيه سر كمال صاحب القبر بحيث كل كمال دون كماله وكل جمال تحت جماله فالموجودات حيث انها بفطرتها تطلب الكمال طفقت تطلب الكمال منه فابتدأ بذكر اشرف الاشياء واعلاها واكملها واقويها ومدبرها ومقدرها ومسخرها وانه يطلب من باب طلب المحال ان يكون بمحل ذلك الستر ليستشرق بذلك النور ليتم له السرور ويستولي في الظهور فيكون له نور فوق كل نور
فقال ايده الله وسدده:
فاشتاق ستر العرش لو بمحلها يوما على تلك الحظيرة يسبل
اقول : العرش له اطلاقات كثيرة يجمعها معنيان احدهما كل عال محيط بالسافل وممد له بحيث لا يكون في تلك المرتبة اعلى منه ولذا يقال للفلك الاطلس محدد الجهات عرش لاحاطته بجميع الاجسام واستمدادها جميعا منه لانه مظهر التدبير والتقدير والتسخير وليس فوقه من الاجسام شيء فالعرش في كل مرتبة يكون هكذا لا كل عال بالنسبة الى سافله فلا يقال للسموات عرش وقد اشتق من العريشة وهو ( هي خ ) السقف وهو اعلى ما في الدار فالعرش ليس فوقه شيء من جنسه ولذا كان مستوي الرحمن ومنبع الاحسان وينبوع الامتنان وثانيهما مقر السلطنة وسرير المملكة وتخت الدولة الظاهرة عليه آثار السلطنة والقدرة كما في قوله تعالى من يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين فبالنظرين واجتماعهما وافتراقهما اختلفت اطلاقات العرش ويجمع الكل قوله تعالى الرحمن على العرش استوى فالاول من اطلاقات العرش الاختراع والابتداع والوجود المطلق لانه مبدأ الكل ولا رتبة فوقه والله سبحانه تعالى لا يتصل بشيء وقد ورد عن اهل البيت عليهم السلام في وصفهم خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين وهو العرش الاعظم لان محمدا صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله وهو قبل الاجسام والجسمانيات والارواح والروحانيات والبرازخ ومواقع الارتباطات مع ان خاتم الانبياء كان نبيا وآدم بين الماء والطين وخاتم الاولياء كان وليا كذلك والماء ماء الوجود والطين تراب الانية فافهم فيكون هذا العرش هو الاختراع الاول لا غير والثاني الحقيقة المحمدية والحضرة الاحمدية وهو العرش مستوي الرحمن ومبدء الوجود واول مقام الشهود وهو مقام المفعول المطلق لاشتقاقه من الفعل على ما هو الاصح المختار من ان المصدر مشتق من الفعل فهو العرش العظيم وخاتم الولاية المطلقة الكرسي الرفيع والثالث العقل الكلي والنور المحمدي صلى الله عليه وسلم لاحاطته على جميع الوجودات المقيدة كافة وهو مقام المفعول به بعد المفعول المطلق في الوجود الاول الرابع الدين لقوله تعالى وكان عرشه على الماء والماء هو العلم في الزمان او الوجود من حيث هو بتفسير ان العرش الاختراع الاول وقد قيل لامير المؤمنين عليه السلام كم بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض قال اتحسن ان تحسب قال بلى قال عليه السلام اخاف ان لا تحسن قال بلى يا امير المؤمنين قال ( عليه السلام خ ) لو صب خردل حتى ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء ثم لو عمرت مع ضعفك وكلفت ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان اقل من جزء من مأةالف جزء مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله عن التحديد بالقليل الخامس الطبيعة الكلية وهو تفسير آخر للآية الشريفة المتقدمة والماء هو المادة الجسمانية وهو بحر لذوبانها وصلاحيتها لكل صورة من الصور الجسمانية وهو البحر الذي من دخانه اي من لطائفه خلق الله السموات السبع ومن زبده اي من كثافته الارض السادس العلم الباطن وقد نص عليه مولينا الصادق عليه السلام في كلام له الى ان قال ثم العرش في الوصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان الا ان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب منه مطلع الابداع ومنه الاشياء كلها والعرش هو الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين وصفة الارادة وعلم الالفاظ والحركات وعلم العود والبدو فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش غير ملك الكرسي السابع كل العالم وهو قوله تعالى رب العرش العظيم اي الملك العظيم على الوجه الثاني الثامن قلب المؤمن كما قيل ان قلب المؤمن هو العرش مستوي الرحمن وهو ايضا على الوجه الثاني ويحتمل الوجه الاول على الوجه الاول اذا جعلنا القلب كليا كالعقل الكلي والنور المحمدي التاسع الانوار الاربعة كما قال امير المؤمنين عليه السلام العرش مركب من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة نور اخضر منه اخضرت الخضرة نور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور ابيض منه البياض ومنه ضوء النهار وقد افردنا رسالة في تفسير هذه الانوار الاربعة والعرش مركب منها والعاشر التاسع من الافلاك وهو الفلك الاطلس محدد الجهات الجسمانية منتهى الاجسام وممدها وخزانة الله للفيوضات النازلة اليها والحادي عشر الوحدانية كما نص عليه سيدنا ومولانا الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى سبحان الله رب العرش عما يصفون اي رب الوحدانية الثاني عشر المثل الاعلى كما في قول سيدنا الصادق في تفسير الآية المتقدمة رب المثل الاعلى وله اطلاقات اخر يجدها المتتبع في الكتاب والسنة وكلمات العارفين بالله والعلماء بالعلوم الحقيقية
تنبيه - واذ قد اعطيناك اصلا كليا في العرش والاصل لهذا الاطلاق فلك ان تصرف لفظ العرش في جميع الاطوار التي تجد ما ذكرنا من الوجهين فاذن يصح اطلاق العرش في كل اصل اول تشعب منه الفروع فعلى مبدء كل عالم من عوالم الامكان يقال له عرش وعلى كل مظهر من مظاهر الوجود الظاهر به السلطنة الكبرى يقال له عرش ايضا فاذن لا حصر لاطلاقات العرش وما عددناه من اطلاقاته هنا فهو ما وجدنا من اطلاقات الكتاب والسنة وعبارات العارفين على الحقيقة فتنبه فلو اردنا من الستر الستر الظاهر المعروف فيكون المراد من العرش العرش الجسماني او غيرها من سايرها ما عدا الحقيقة المحمدية ولواحقها من العقل الكلي والنفس الكلية والطبيعة الكلية وامثالها فان هذا الستر بالنسبة العرضية من جهة هذه النسبة خاصة اكتسب شرفا وكمالا وجوديا يشتاق جميع العوالم لان اشتياق الاصل يعم اشتياق الفروع كلها فاشتياق العرش في كل عالم دليل اشتياق جميع المراتب في ذلك العالم وبالجملة اشتاقت الاشياء كلها ان تكون بمحله في وقت ما حتى يحصل له نوع اختصاص لتنال به هذا الشرف الاعظم والفخر الاقوم لان مدار الوجود على خاتم النبوة والولاية وكل ما انتسب اليهما واستشرق من نورهما وحصل له اختصاص بهما يحصل له الفخر الباذخ والشأن الشامخ كل شيء يرومه وكل احد يتوقعه واما اذا عممت القبر والستر وصرفتهما الى المعاني التي ذكرت للقبر على تلك التفاصيل التي شرحت فالكل في كل مقام وفي كل عالم يدعي هذا الاشتياق ويتألم من هذا الفراق ويطلب من الله سبحانه هذا الاتفاق ولا يناله اذ كل شيء له مقام معين وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون نعم يطلبونه من حيث الامكان على حد قول الشاعر :
الا ليت الشباب يعود لنا يوما فاخبره بما فعل المشيب بنا (كذا)
ومن هذه الجهة اتى الناظم ايده الله ووفقه في الشرط بلو الامتناعية في قوله لو بمحلها ولو حرف امتناع والامتناع فقد يكون ذاتيا كما في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وقد يكون عاديا كما في هذه الاشياء في بعض الصور وقد يكون كونيا كما في هذه الاشياء اي الموجودات الكونية بعد لزوم الحدود والتعينات ووقوع كل شيء في مرتبة من المراتب بالنسبة الى القبر والستر على حسب التفصيل الذي ذكرناه من عدم امكان الدنو في اكثر المراتب من القبر والستر في الاكوان دون الامكان ثم ان العرش قد ورد عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ان له ثلثمائة الف وستينالف ركنا وخلق الله سبحانه وتعالى عند كل ركن ثلثمائة الف وستينالف ملك اصغرهم لو امر ببلع السموات السبع والارضين السبع كانت في لهواته اصغر من الخردلة في البرية الواسعة فامرهم الله سبحانه بان يحملوا العرش وعجزوا عن ذلك ثم جعل الله سبحانه وتعالى عند كل ركن ضعف ما كان وامرهم بحمل العرش فعجزوا ثم خلق عند كل ركن عشرة اضعاف ما كان فامرهم بحمله فعجزوا ثم قال لهم تنحوا عنه فاني امسكه بقوتي وقدرتي فتنحوا عنه ثم امر اربعة من الملائكة ان يحملوا بعد ان علمهم كلمات ليخف على كواهلهم وهي بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين وكانت حملة العرش اربعة ويوم القيمة ليصيرون ثمانية والوجه في ذلك ان الاسم الذي خلقه الله بلا كيف ولا اشارة جعله في مقام التعين ثلثة اجزاء عالم الجبروت والملكوت والملك ولما كانت هذه المراتب حادثة ما استغنت كل مرتبة عن اربعة اركان الخلق والحيوة والرزق والموت كما قال تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم والمخاطب عام فاذا لوحظت الاركان الاربعة في العوالم الثلاثة كان المجموع اثني عشر ثم كل مرتبة من هذه المراتب المذكورة حيث ان الله خلقها اظهارا لقدرته واكمالا لنعمته واتماما لحجته سار بها في ثلثين عالما وجعل له من كل عالم قبضة فقبضة من الامكان وقبضة من الوجود المقيد وقبضة من العقل وقبضة من الروح وقبضة من النفس وقبضة من الطبيعة وقبضة من المادة وقبضة من المثال وقبضة من الاجسام وقبضة من الاعراض ولكل منها ثلث مراتب الاعلى والاوسط والاسفل وهو تمام الثلثين واذا لوحظ الثلثون في اثني عشر يكون الحاصل ثلثمائة وستون ولما كان العرش ممدا لهذه العوالم كلها كان فيه وجها منها فمن هذه الجهة كانت اركانه ما ذكر واما ترقيها الى الالوف لان العرش من العالم الربوبي وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون الا ترى ان العرش مستوى الرحمن وسقف الجنان وانما كان ما ينسب الى الرب الفا لان العوالم اربعة عالم الملك وعالم الملكوت وعالم الجبروت وعالم اللاهوت ومراتب الاعداد اربعة الآحاد والعشرات والمئات والالوف فاذا جعلت كلا منها بازاء الآخر يكون الالف بازاء عالم اللاهوت وهو عالم الربوبية ولما كان العرش من ذلك العالم كان عدد اركانه ثلثمائة الف وستونالف ركنا واما الحملة الذين هم الملائكة فهم حملة الروابط والنسب الجزئية للاضافات من وجه الفعل الجزئي ولا ريب ان النسب يتكثر ( تتكثر خ ) اذا تعددت المراتب فاذا كانت جميع الاركان ما ذكر كان اول النسب ملاحظة كل في الكل فيكون في كل ركن بعدد المجموع من الملائكة ولما كانت النسب كلما تكررت يتضاعف ( تتضاعف خ ) فلا يسع لحامل البعض ان يحمل الكل فلا جرم عجزوا عن حمله ثم ثاني التفصيل والكثرة رتبة العشرات فضعف الله سبحانه ( وتعالى خ ) كل مرتبة عشرا فصار المجموع ما سمعت ثم لما تضاعف النسب تحصل نسبا اخرى من هذه التضاعيف والحامل للبعض عاجز عن حمله ( حمل خ ) الكل فعجزوا ولما كانت الجزئيات لا تتناهى ونسبها ايضا كذلك فلا تنتهي الى حد ويحصل العجز وان بلغ عدد الملائكة الى ما لا نهاية له فنحاهم الله سبحانه عن حمل المجموع وجعل الاربعة من الملائكة الكلية بتقويتهم بتلك الكلمات العاليات والاسماء العظام حاملا له فكانت حملة العرش اربعة ولما كان يوم القيمة من هذا العالم وهذه الدنيا لا يعدم ( تعدم خ ) وجب ان تكون حملة العرش يوم القيمة ثمانية اذ يحصل لكل من الملائكة الاربعة وجهان وجه للدنيا ووجه للآخرة
كشف حجاب في الستر والحجاب - اعلم ان الحجاب هو الواسطة بين المحجوب والمحجوب عنه كالستر الذي واسطة بين المستور والمستور عنه ففي السلسلة العرضية كل سافل مستمد من عاليه ممد الى غيره بذلك المدد من غير تصرف وترجمة حجاب وستر وفي السلسلة الطولية كل وجه من وجوه الفعل حامل لفيض من الفيوضات الفعلية الى الآثار حجاب وستر فعلى هذا فالستر في كل عالم بالنسبة الى كل مقام يختلف اختلافا لا يسعني الآن شرح تفاصيله ونذكر ما هو المهم فنقول ان ستر العرش هم الحملة الذين يتلقون من المدد المخزون في العرش حين استواء الرحمن عليه الى جميع مراتب من دونه وهذه الاستار وان كانت بعدد الاركان الثلثمائة والستين الف الا ان كلياتها اربعة فالستر الاول ثوب احمر نسج من ريش جناح جبرائيل وناسجه الروح على ملئكة الحجب في الوجه الاسفل باسم الله القابض في حجاب الياقوت وباب الملك ومنتهى الملكوت الستر الثاني ثوب اخضر نسج من ريش جناح عزرائيل وناسجه الروح على ملئكة الحجب في الوجه الاعلى وهو النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى وهو ذات الذوات والذات في الذوات للذات وهو شجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وصبغ في ارض الزعفران في حجاب الزمردة الخضراء عند الجسد الجديد والملك الذي لا يبيد وهو قبضة من ارض الشام الستر الثالث ثوب اصفر نسج من ريش جناح اسرافيل وناسجه الروح من امر الله وصبغ بماء الذهب في ارض العرب وبشيء يشبه البرقا عند تغريد الورقاء الستر الرابع ثوب ابيض نسج من ريش جناح ميكائيل وناسجه الروح القدس في الماء الغير الآسن والابيض الغربي اشبه الاشياء بالزيبق وماء ذي الوجهين كوكب زحل قد صبغ بقبضة من ارض مصر بعد ما ينفخ عليه بريح الجنوب وهذه الاربعة كليات استار العرش كل واحد منها له سبعونالف شقة وكل شقة يسع استظلال الخلايق به اجمعين وافرد الناظم وفقه الله الستر مع انه متعدد اشارة الى نوعه فلا ينافي تعدد الافراد فستر العرش اربعة وثلثمائة الف وستون الف وعشرون الف وسبعمائة الف ( وسبعمائة الف وعشرون الف خ ) وسبعة آلافالف ومأت االف واربعة منها كليات والباقي جزئيات اضافية ولا حصر لجزئياتها الحقيقيي وهذه الاستار مسدولة على العرش مسبلة عليه قد تغشاه كل ستر في محله ومكانه وتلك الاستار لما نظرت الى تلك الشرافة العظيمة التي حصلت هذا الستر الكريم المجاور لقبر النبي العظيم صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم قد جمع بتلك المجاورة جوامع الخيرات ونال بها كل المسرات وساد بها على كل سيد من السادات من العلويات والسفليات فاشتاقت تلك الاستار ان تسبل ولو يوما على تلك الحظيرة القدس ومهوى الافئدة من الملائكة والجن والانس ولتنال بعض ذلك الشرف ولترقي الى بعض المراقي الصاعدة الى تلك الغرف وهيهات واني لها ذلك واين الثريا من يد المتناول فاذا فهمت حقيقة العرش واستاره فعمم الحكم في جميع معانيه واطواره ملاحظا لمعاني القبر ومعاني الستر على ما فصلنا لك سابقا تجد نورا لا يطفي وكنزا لا يفنى وبدرا لا يخفى ولا يسعنا الآن تفصيل ذلك لكنك تعرفه من تضاعيف الكلام على حسب المقام
تنبيه - هذا كله بالنسبة الى كون الاضافة في ستر العرش لامية واما بالنسبة الى كونها بيانية فيكون العرش احد الاستار لانه حجاب لخاتم الولاية في افاضة الفيوضات الكونية والعينية على جميع الذرات فتمني العرش ان يكون في الفرش بمنزلة ذلك الستر المسبل على ذلك القبر صلى الله على الحال فيه ولما بين الناظم وفقه الله تعالى ان ذلك الستر قد بلغ من الكمالات اقصاها ومن المعالي اعلاها اراد ان يبين العلة في ذلك بانه قد ظهر فيه ظهور سر النبوة المطلقة وهي عامة شاملة لجميع الذرات ولذا اشتاق كل عال وان جلت فضائله وعظمت مناقبه ان يكون بمحله لظهور سر النبوة في كل اطوار ( الاطوار خ ) وهو يقتضي الاستعلاء على كل الاكوار والادوار فيتمنى كل شيء ان يكون بمحله ولا يتمنى هو ان يكون بمحل شيء تلك هي الشرافة البالغة التي بلغت حدها ووصلت غايتها
فقال ايده الله بتوفيقه:
نشرت ففاح من النبوة نشرها ما المسك ما نفحاته ما الصندل
اقول : يعني نشرت تلك التحفة والهدية التي هي الستر المكرم والحجاب المعظم وفصلت وسطعت انوارها وفاحت روائحها فكان نشرها اي طيب رائحتها من النبوة التي تلزمها الولاية التي كل رائحة طيبة من بعض اطوار طيب رايحتها فلا يعادلها بل ولا يدانيها رائحة طيب من طيب الدنيا والآخرة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لو علقت شعرة من شعور الحور العين بين السماء والارض لمات اهل السموات والارض من طيبها وحسن رائحتها ورائحة النبوة وطيبها اعظم واعظم والنبوة وساطة وترجمة عن الله سبحانه وتعالى الى ما عداه يحملها بشر جسماني تعلق به نور روحاني وسر سبحاني وعلم لدني ووجه صمداني فان كان في تعلق الاختراع والابتداع والمشية والارادة والقدر والقضاء والامضاء فهي نبوة تكوين وان كان في الاحكام العملية والافعال القولية والجوارحية والتكاليف القلبية والبدنية فهي نبوة تشريع وكل منهما خاصة وعامة لان تلك الوساطة ان كانت مختصة في تكوين اشياء خاصة لا يتعداها فهي نبوة تكوينية خاصة وان كانت شاملة لكل الاطوار في الاكوار والادوار والاوطار في جميع العوالم الالف الف بحيث لا يشذ ذرة من الذرات الوجودية من العلوية والسفلية والغيبية والشهودية والمجردية والمادية وغيرها فهي عامة مطلقة واسطة في الصدور والاثبات لانها صفة التعين الاول قد ظهر بنوره وظهوره في كل شيء من الاشياء وموجود من الموجودات يتلقي الفيض من اللاتعين ويوصله الى جميع الموجودات في السلسلتين الطولية والعرضية فيلقي الفيض اولا عن الله الى طبقة الانبياء وهم مائة الف واربعة وعشرين الفا ( عشرون الف خ ) ثم بواسطة الانبياء الى حقيقة الرعية وهو اطوار الانسان الذي علم البيان ممن يجري عليه الامر والنهي وتنفي عنه المتبوعية ثم يلقي بالواسطتين الى حقيقة الجن من حيث الاجمال والتفصيل بجميع ما تحتاج اليه من حيث نوعها وصنفها وشخصها من الاطوار التكوينية والاضافات ( الافاضات خ ) الوجودية ثم يلقي عن الله بالوسايط الثلث الى الحيوانات من البهائم بالاجناس المختلفة والانواع المتعددة وكذا الحشرات باجناسها وانواعها واصنافها واشخاصها والطيور بمراتبها واختلاف اجناسها وانواعها واشخاصها وهيئاتها واوضاعها ثم يلقي عن الله الوحي التكويني بالوسايط الاربع الى النباتات من اقسام الاشجار المثمرة وغير المثمرة باختلاف اغصانها وعروقها واثمارها واوراقها واستقامتها واعوجاجها وكثرة اغصانها وقلتها وما يتعلق بها من نموها وذبولها وسقوط ورقها وصلاح ثمرها وفسادها وغير ذلك من اطوارها ثم يلقي بالوسائط الخمس الى الجمادات من المعادن وغيرها من المايعات والجامدات والمنطرقات وغير المنطرقات والجواهر الثمينات وغيرها من ساير المعدنيات وكذا غيرها من الجمادات والاحجار الغاسقة من الكبار والصغار والرمل وساير المتولدات كل ذلك من الله سبحانه بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الوسايط فالوساطة والترجمة وايصال كل فيض الى محله المقصود عن الله سبحانه هي النبوة التكوينية وهذه المراتب المذكورة هي السلسلة الطولية كل ثانية منها اشراق وشعاع من الاولى وكل هذه الاشراقات والاشعة من فاضل اشراق وشعاع النبي المطلق صلى الله عليه وسلم وفي كل من هذه السلسلة افلاك وعناصر ومتولدات وللافلاك جوزهرات وتداوير وخوارج المراكز والحوامل وما يترتب عليها من الآثار وما يتفرع على قراناتها من الاضواء والانوار من احكام الليل والنهار فالنبي المطلق الموحي اليه عن الله سبحانه يفيض تلك الفيوضات الى محالها ومواقعها ويمكن القابليات لقبولها فهي باب الله الى الخلق في الافاضة من اطوار الاكوان والاعيان ومستجنات الامكان والوساطة العامة في هذه الاطوار المذكورة والغير المذكورة هي النبوة التكوينية والتصرف فيها على حسب ما يراه مما اراه الله سبحانه واعطي ( اعطاء خ ) كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه واظهار السلطنة واعلاء الكلمة واثبات الهيمنة العامة والخاصة هي الولاية العامة والخاصة ولذا قال تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد فالنبوة هي الانذار والولاية هي الهداية بالمعنيين اي الارائة والايصال الى المطلوب فخاتم النبوة هو المنذر وخاتم الولاية هو الهادي كما جائت في الآثار الصحيحة بطرق متعددة عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم واما النبوة التشريعية فهي وساطة في الاحكام مما يقتضي كينونة العباد من حيث عبوديتهم ان تكون عليها لتدل على باريها وصانعها وتشهد له ببلاغ الحكمة وتمام الحجة وهذه قد تكون عامة وقد تكون خاصة اما الثانية فهي اذا كانت متعلقة باشخاص مخصوصين لا تتعدى عنهم الى غيرهم كما كانت نبوة ساير الانبياء سوى نبينا صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ونبوة نوح (ع) واما ما سواهما فمختصة باناس مخصوصين كما كان ابرهيم عليه السلام مبعوثا على اربعين بيتا ولوط مبعوثا على اهل المداين السبع وموسى (ع) وعيسى (ع) فانهما مبعوثان على بني اسرائيل خاصة وهكذا ساير الانبياء وكان يتفق في زمان واحد انبياء متعددين كما ان بني اسرائيل قتلوا سبعين نبيا بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقتل كيخسرو ملك العجم كثيرا من الانبياء وهذا شيء معلوم واما العامة فان تعم النبوة جميع الموجودات ممن يصلح لان يتعلق عليه التكليف من البالغ العاقل المختار وقد بينا في ساير اجوبتنا للمسائل ومباحثاتنا بالادلة القطعية من العقلية والنقلية ان كل شيء من الجمادات والنباتات لها ( له خ ) شعور وادراك وعقل على حسب حاله ومقامه فيكون تكليفه على حسبه أما سمعت ان الله سبحانه يقول وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ولو كان تسبيحا بالحال والكينونة ودلالة الاثر على مؤثره لما صح قوله لا تفقهون لان دلالة الاثر على المؤثر والحادث على القديم والعاجز على القوي والمعدم على الغني من اوضح الواضحات بل من ابده البديهيات فما بقي الا تسبيح خاص بشعور واخلاص لا يدركه عامة الناس وقوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا ولا ريب ان الاباء والاشفاق مع عدم العلم والشعور كذب محض وزور صرف ينزه كلام الله سبحانه عنه مع عدم موجب على تكلف التجوزات وتجشم الاستدلالات بانواع المجازات وقوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ولا ريب ان هذا الطوع يضاد الكراهة بنص الآية ولا تكون الطاعة الا بشعور وعلم كما يكون ( تكون خ ) الكراهة كذلك انظر الى دقيقة قوله تعالى طائعين والا لقال طائعات وقوله تعالى ظلالهم عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولم يقل هي داخرة وقوله تعالى حكاية عن يوسف اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ولم يقل رأيتها لي ساجدة وقوله تعالى وكل في فلك يسبحون ولم يقل سابحة وامثالها من الآيات اذا تتبعتها في القرآن تجد اكثر من ان تحصى واعلى من ان تستقصي وقد ذكر سيد الساجدين في الصحيفة يخاطب القمر ايها الخلق المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير الى قوله في كل ذلك وانت ( ذلك انت خ ) له مطيع والى ارادته سريع الدعاء وروي عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم في دعائه لحمي يا ام ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له و( اشهد خ ) ان محمدا صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عبده ورسوله والاحاديث في هذا المعنى كثيرة ولا داعي لتأويلها اذ لا احد يقول ان شعورها وعلمها كشعور الحيوانات الظاهرة بحيث يدركهما كل احد حتى يكون العمل بظاهر اللفظ خلاف حس العقلاء ليجب ارتكاب التأويل والتجوز وبالجملة لسنا بصدد بيان هذه المسئلة وشرحها وانما المقصود الاشارة الى نوعها فنقول اذا صح الاختيار فيصح الشعور فيصح التكليف فلا بد من مكلف فوجب ان يكون على كل موجود من الموجودات من جميع اصنافها وانواعها واجناسها بجميع مراتبها واطوارها نبيا منذرا وعلما هاديا يبين له ما يريد الله سبحانه من خلقه ومن الاعمال والافعال على حسب مقتضي الكينونة الاعيانية والكونية والامكانية ولم يحظ بعموم هذه النبوة في جميع الازمان من مبدء الوجود الى آخر مراتب الشهود الا محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فانه قد بعثه الله على كافة الخلق نذيرا في التشريع لقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وجعله نبيا على الانبياء واوجب عليهم الايمان به لقوله تعالى واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءاقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين وكذلك بعثه نبيا في التكوين لقوله تعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فاذا كان هو السراج المنير فيجب ان يكون كل ما سواه من اشعة انواره وعكوسات آثاره فهو النور الحق والنبي المطلق وكان نبيا وآدم الاول بين الماء والطين وعم حكمه في كل الوجود في الغيب والشهود فالانبياء تلقوا منه من وراء حجاب كما تلقت الكواكب النور من الشمس في الليل من وراء حجاب الارض ولما كانت تحت الحجاب بدت الكواكب وظهرت وتميزت باشخاصها وصفاتها وآثارها فلما ارتفع الحجاب وانكشف النقاب وطلعت الشمس منخلعة عن الجلباب غابت الكواكب وخفيت اشخاصها وانمحقت اضوائها وانوارها فلا سلطان الا للشمس ولا برهان الا لها ولا عيان لغيرها وكذلك الانبياء لما كانوا مستمدين من نور خاتم الانبياء صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم من وراء حجاب الاصلاب والارحام ظهرت الانبياء متميزة متشخصة باحكامها وآثارها ولما بزغت شمس النبوة المطلقة من افق ظهور ( الظهور خ ) غابت وخفيت ونسخت احكام الانبياء ولم يبق الا حكمه فهو الحاكم على كل احد من الانبياء وغيرهم الا ان في الانبياء من وراء الحجاب وفي غيرهم بعد انقطاعهم بلا حجاب واليه الاشارة بقوله علماء امتي كانبياء بني اسرائيل بناء على ان المشبه عين المشبه به فيكون المعنى علماء امتي انبياء بني اسرائيل فالعالم امته وعلماء امته الانبياء وانما خص بني اسرائيل لكثرتهم وشيوعهم وظهورهم والا فجميع الانبياء من آدم ومن تحته علماء امته واليه الاشارة في قوله تعالى لمن يعقل ويفهم ويعرف لحن المقال ويشاهد حقيقة الحال ويعرف وضع كل شيء في موضعه وهو قوله تعالى عباد مكرمون اي الانبياء اكرموا بالنبوة والطهارة والعصمة وطيب الولادة وكمالات معنوية وصورية لا يسبقونه بالقول يعني محمدا صلى الله عليه وسلم لدلالة الحال في لحن المقال وهم بامره يعملون في تكاليفهم ورسالاتهم وتبليغاتهم لانه اذا كان نبيا وآدم بين الماء والطين فلا نسخت نبوته ولاخصت رسالته وهم بامره يعملون في جميع ما لهم ومنهم واليهم وعندهم يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم لانه قد سبقهم فهو قبلهم وبعدهم فهو الفاتح والخاتم والمبدأ والوارث ولا يشفعون الا لمن ارتضى محمدا صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ارتضى دينهم وعرفه من امته ورعيته وكان معتقدا نبوته ( بنبوته خ ) لما اخبر من النبي المبعوث اليه ظاهرا فمن لم يكن هكذا في جميع الامم والازمان فلا تناله شفاعة الشافعين لانهم كانوا عن التذكرة معرضين فما لهم من شافعين ولا صديق حميم وهم من خشيته مشفقون اي الانبياء من خشية مخالفة محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم مشفقون لانه باب الله ووجهه ومخالفته مخالفة الله من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن يقل منهم اني اله من دونه ان قالوا ذلك وادعوا الاستقلال من دونه فقد ادعوا الالوهية والربوبية دون الاله الحق جل وعلا من قوله تعالى أفرأيت من اتخذ الهه هويه وقوله عليه السلام من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فاذا ادعوا الاستقلال بانفسهم واعرضوا عن باب الله فقد اتخذوا انفسهم آلهة من دون الله وقال اني اله من دون الله ومن قال ذلك وفعل كذلك فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين الذين يضعون الاشياء في غير مواقعها بمخالفة محمد صلى الله عليه وآله الذي هو احمد الذي فرق بينه وبين الاحد بالميم واما نبوة نوح عليه السلام فهي وان كانت عامة الا ان عمومها بالنسبة الى اهل زمانه لا في جميع الازمنة فانه من احد رعايا محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) خاتم النبيين وهو الشاهد عليه ودليله الى ربه والمهيمن على ذلك كله
تحقيق الهي - اعلم ان الرسالة قد تكون خاصة والشريعة التي اتى بها الرسول عامة وقد تكون كلتاهما عامتين اما العكس ( عكس خ ) الاول فبان تكون الشريعة خاصة والنبوة عامة فلا تكون ابدا اما القسم الاول فكشرايع ( فكالشرايع خ ) الست فانها عامة في جميع الخلق مع ان نبوة بعض حامليها خاصة كما ذكرنا في ابرهيم وموسى وعيسى واما النبوة العامة الحاملة للشريعة العامة في زمانه فهي شريعة نوح عليه السلام واما النبوة الحاملة للشريعة العامة في كل الازمان والامكنة فخاصة نبينا صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم دون غيره في جميع الاكوان ومغيبات الامكان بجميع الانحاء والاطوار
حكمة سماوية وحقيقة الهية - اعلم انه قد سبق منا ان محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) واقف في مبدأ الوجود فهو اذ ذاك واحد مثال للاحد والواو لفرق المرتبة ولما كان وجه الاحد والواسطة فكان متبوعا مطلقا لا تابعا فهو الواحد المتبوع الذي لا يتبع احدا ولما سبح في بحر القدرة وبحر الجلالة وبحر العظمة وبحر الكبرياء وبحر الجمال وبحر العزة وبحر الحيوة وبحر القيومية الى تمام اثني عشر بحرا الى تمام العشرين وتمت سباحته في هذه الابحر التي هي شعب بحر الاحدية وخلجان طمطام يم الوحدانية قطرت منه مأةالف واربعة وعشرون الف قطرة او لما ظهرت فيه حرارة نار الشجرة الزيتونة في رتبة الوساطة المقتضية للرطوبة عرق فبرز منه مائة الف واربعة وعشرون الف رشحة عرق او لما تجلى فيه النور المشرق من صبح الازل اشرق واضاء فظهر من اشراقه واضائته مائة الف واربعة وعشرون الف شعاعا او لما كملت ذاتيته وتمت كينونته فضل نوره فانقسم بمائة الف واربعة وعشرين الف قسمة وكل هذه الفقرات معناها واحد
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل الى ذاك الجمال يشير
وهذه الطبقة الثانية حيث انهم اقرب الاشياء الى المبدأ لا واسطة بين مبدأ الحق وبينهم ولكمال قربهم اضمحلت انياتهم وذهبت ماهياتهم فلم يبق فيهم الا وجه الحق وبه كانوا واسطة بينه وبين الخلق فاستحقت تلك الرتبة اسم النبوة لكونها ظهرت على مثاله وجرت على شاكلته فجعل الله سبحانه كل قطرة من تلك القطرات ورشحة من تلك الرشحات وذرة من تلك الذرات وقبسة من تلك القبسات نبيا من الانبياء فكانوا بذلك متبوعين لا تابعين آمرين لا مأمورين كما في قوله تعالى وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله واما ظهورهم بهذا العدد الخاص فاعلم ان الكثرة والوحدة انما يكونان ( تكونان خ ) على مقتضى المرتبة واقتضائها ومقتضي تعلق الايجاد وقابليته ولما كانت رتبة الانبياء رتبة ثانية فهناك ( فهنالك خ ) يعتبر امران احدهما ملاحظة الرتبة من حيث هي والثاني ملاحظة وجود اهلها في انجعالها وانفعالها عن الاختراع فباللحاظ الثاني يحصل اربعة وعشرون مرتبة لان جهة الكثرة في التعين الثاني اعظم واكثر ولما كان حدود التعين وجهاتها لا تكون اقل من الستة وهي الكم والكيف والجهة والرتبة والزمان والمكان وكل من هذه الستة لا يتحقق الا في اربع طبايع فاذا لاحظت حدود التعين في الطبايع الاربع كان الحاصل اربع ( اربعة خ ) وعشرين وباللحاظ الاول تحصل مائة لان العشرات اذا لوحظت في نفسها تكون مائة وهذا اللحاظ باعتبار وجود العوالم العشرة في العوالم العشرة لتمام الشيء مشروح العلل مبين الاسباب وهي عالم الامكان الراجح وعالم الوجود المقيد وعالم العقل وعالم الروح وعالم النفس وعالم الطبيعة وعالم المواد وعالم المثال وعالم الاجسام وعالم الاعراض وفي كل من هذه العشرة ( عشرة خ ) عوالم عالم القلوب عالم الصدور عالم التعقل عالم العلم عالم الوهم عالم الخيال عالم الفكر عالم الوجود الثاني وهي الحرارة الغريزية وعالم الحياة وعالم المركبات فتمت المائة بمراتبها الكلية الاولية فلما جمعنا هذه المراتب مع مراتب حدود التعين فصار الحاصل مائة واربعة وعشرون ولما كان عالم الانبياء عالم الربوبي وهما ( هم خ ) الربانيون كان الواحد في مقامهم الفا بالقياس الى غيرهم على ما ذكرنا في العرش فاقتضي ان يكون عددهم مائة الف واربعة وعشرين الفا كل واحد ظهر فيه جهة من جهات هذه المراتب وآثارها واحكامها فبالمجموع تمت المراتب فكان كل نبي حامل اسم من الاسماء الخاصة بمقامه ومرتبته ولما كانت هذه المرتبة بكثرتها وجمعيتها للاسماء رشحة من رشحات بحر النبوة المطلقة كان الحامل لتلك الرتبة وهو خاتم الانبياء جامعا حاويا لجميع الاسماء والصفات وحائزا لجميع مظاهر الرحمانية مما ظهرت في رتبة الانبياء فكان حاملا للاسم الاعظم الاعظم الاعظم وذاكرا بالذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى وجميع الكمالات التي في مقامات الانبياء ذرة من ذرات نور وجوده وقطرة من رشحات بحر جوده فاذا نسبت الشيء اليه وان كان في مقام الرعية بحيث حكي مثاله فظهرت عنه افعاله كان له الرتبة العليا على كل ما عداه فحينئذ فقول الناظم : نشرت ففاح من النبوة نشرها اثبات لاستعلائها في جميع الكمالات التي ظهرت من نشر تلك التحفة والهدية وظهور طينها ونشرها في كافة الموجودات وتعطر مشامها من طيبها ولما كانت العوالم مرتبة ( مترتبة خ ) والمقامات متطابقة وهذه التحفة قد نزلت من الخزينة العلياء الى ان وصلت الى هذه الرتبة المحسوسة كان نشرها في ثلثين عالما وقد استنشق اهل تلك العوالم من حسن طيبها ورائحتها ما لم يجدوا نوعها عندهم فسكرت فصحت في سكرها وسكرت في صحوها وخرت مغشية عليها عند ظهور طيبها فتقوت بذلك مشامها ومداركها فاول تلك العوالم عالم الجبروت عالم العقول فلما نشرت تلك الهدية في اعلى مرتبتها هناك استنشقت مشام روح القدس منها وامتلأت من شذا طيبها فخرت مغشيا عليه فلما افاق زاد الله سبحانه في قوته ونوره وبهجته وكماله ما لا تسعه الدفاتر ولا تتحمل ذكرها الضمائر ثم في العالم الثاني عالم الارواح فلما نشرت هناك وفاح نشرها فعل بالروح من امر الله ما ذكرناه في الروح القدس ثم في العالم الثالث في الجنة التي سقفها عرش الرحمن بجميع مراتبها من حورها وقصورها فلما نشرت ففاح من النبوة نشرها وظهرت لاهل الجنة مقاما من اللذة والسرور ما نسوا ما كانوا يجدونها من نعيم الجنة قبلها ولو شئت لشرحت لك بعض تلك اللذات ولاسمعتك من تلك النغمات ولكني الآن في شغل عن ذلك لعادة الناس بغير تلك اللذات ثم في العالم الرابع في الكثيب الاحمر على جبل الياقوت فظهرت فيه واظهرت من القوة والنور ما لم يكن عندهم قبل ذلك ثم في العالم الخامس في البحر الابيض ثم في العالم السادس في البحر الاخضر في الجزيرة الخضراء والجزائر الخضر التي في تلك النواحي من اهل الملأ الاعلى ثم في العالم السابع وراء جبل قاف في تسعة وثلثين عالما الموجودة في تلك الوادي ثم في العالم الثامن في بلد بسم الله الرحمن الرحيم وبهجة الملك وحدائيل بجنوده واعوانه من الملائكة الذين لا يحصيهم الا الله واستنشقت مشامه من تلك الروايح الطيبة وانسته وجنوده كل شيء سواهم ثم في العالم التاسع عالم العرش من محدبه الى مقعره في اركانه وحملته ونشرت هناك ففاح من النبوة نشرها ففعل بهم ما تقدم ذكر نوعه ثم في العالم العاشر عالم الكرسي ثم في العالم الحادي عشر عالم البروج والمنازل والكواكب والملئكة الحاملين فاستنشقت مشامهم بتلك الرائحة العطرة الطيبة فازدادوا وتقووا لذكر الله ثم في العالم الثاني عشر عالم فلك المشتري بظاهره وباطنه بحامله وتدويره والملائكة الحاملين له والمقيمين فيه ثم في العالم الثالث عشر عالم فلك المريخ من محدبه الى مقعره مع ما يشتمل عليه من الافلاك الجزئية والدوائر ثم في العالم الرابع عشر عالم الشمس محل البيت المعمور بافلاكها ومراتبها ثم في العالم الخامس عشر عالم فلك الزهرة بمقاماتها ثم في العالم السادس عشر في عالم فلك عطارد وبالحاملين والمتممين والتداوير ( تدوير خ ) ثم في العالم السابع عشر عالم فلك القمر بافلاكه وجوزهره ثم في العالم الثامن عشر عالم الكرة الاثيرية بمراتبها وساكنيها ثم في العالم التاسع عشر عالم الهواء بمراتبه الاربعة ثم في العالم العشرين عالم الماء بمراتبه من البحر المحيط والابحر المنشعبة منه والحيتان المتكونة منه وساير ما في البحر من الحيوانات والنباتات والجمادات ثم في العالم الحادي والعشرين عالم الارضين السبع بطبقاتها واطرافها وجهاتها واهاليها ثم في العالم الثاني والعشرين عالم الجماد ( وخ ) مبدأ الاستعداد ثم في العالم الثالث والعشرين عالم النبات باشجارها واثمارها ثم في العالم الرابع والعشرين عالم الحيوان باجناسها وانواعها واشخاصها ثم في العالم الخامس والعشرين عالم الجن باطوارها واختلاف احوالها وطبقاتها ثم عالم الملائكة من المقربين والكروبيين والعالين وساير انواعها من المدبرات والمقسمات والمعقبات وساير ملئكة الارضين والسموات من المسبحات وغيرها ثم في العالم السادس والعشرين عالم الانسان مقام الرعية بمراتبهم واطوارهم وغيبهم وشهادتهم ثم في العالم السابع والعشرين مقام الانبياء على نحو ما وصفنا لك سابقا من اولي العزم واولي الشرايع وغيرهم من المرسلين والغير المرسلين ثم في العالم الثامن والعشرين مقام الانسان الكامل الجامع مقام البشرية في الحقيقة المحمدية في مقام انا بشر مثلكم ومقام وللبسنا عليهم ما يلبسون ومقام قد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم ثم في العالم التاسع والعشرين عالم الاسماء والصفات المربية لتلك المراتب والمدبرة لتلك الذوات ثم في العالم الثلثين عالم الهوية الانسانية والحقيقة الالهية والمثال الملقى والمثل الاعلى وفي كل هذه العوالم نشرت تلك الهدية المشرفة ففاح نشرها وطيب شذاها وبلغت الى كل احد واستنشقت منها مشام كل موجود في كل ( عالم خ ) على حسبه لان نشر طيبها من النبوة وهي النبوة الاحمدية التي كل شيء دونها وتحت رتبتها فاذا ظهرت اخفت واذا اخفت تلقت الاشياء منها ما يناسب مرتبتها ومحلها ولعلك ما استنشقت من تلك الروائح وما شممتها حين نشرت لك تلك التحفة والهدية وليس ذلك الا لضعف في قوتك الشامة وفتور في حاستك العامة كما لا تسمع صرير الاقلام وصوت خفقان الاعلام فاذا آن اوان قوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد تظهر تلك الرايحة وتسمع تلك الاصوات وتفهم تلك اللغات وترى تلك المعالم والمشاهد وهي قد تكون في الدنيا وقد تكون في البرزخ وقد تكون في الآخرة وفقنا الله واياكم لنيل الدرجات العالية والصعود الى اقصى المقامات السامية فعلى ما وصفنا لكم من نشرها وانها من نشر النبوة ووصفنا بعض مقاماتها فتعلم بذلك انه لا يقاس بذلك طيب من طيب الدنيا والآخرة والجنة ومقاماتها فاذن ما المسك ما نفحاته ما الصندل وكذا غيرهما لانهما تولدت من تأليف العناصر وذلك الطيب نشر من محل يكون كل الخلق عن ادراكه قاصرا واين الثريا من يد المتناول ولو كان لي مجال وللقلب اقبال لذكرت لك من حقيقة المسك والصندل من مبدأ وجودهما الى منتهى مقام شهودهما وكلما يتعلق بهما مما شاهدناه عند السير في عوالمهما ولكني في واسع العذر ونسأل الله الحفظ والستر فاذا كان كذلك فمن اعطي هذه الهدية الفاخرة الطيبة فقد اعطي ما لم يعط به احد ولما كان قميص يوسف لما ارسله الى يعقوب من اظهر الافراد في المقام خصهما بالذكر
فقال سلمه الله تعالى :
اعطيت ما لم يحظ يعقوب بهاذ جاءه بشذا القميص الشمأل
اقول : معنى هذا البيت ظاهر فان القميص الذي بعثه يوسف الى يعقوب عليهما السلام انما اكتسب الطيب باتصاله بيوسف وادرك ذلك الطيب يعقوب في كنعان وبينهما من المسافة اثني عشر يوما لما فصلت العير ولو كانت المسافة اكثر من ذلك بمراتب كثيرة لادرك يعقوب ذلك الطيب لقوة الرائحة وشدة الاتصال لمحض هذه النسبة ولما كان يعقوب ويوسف عليهما السلام وجها من وجوه خاتم الانبياء وكان القميص اكتسب الطيب من ظاهرية بدن يوسف عليه السلام كان الطيب المكتسبة ( المكتسب خ ) من قبر النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم المجاور لقبره الشريف مدة متمادية اعظم واعظم واعظم فحينئذ لا يقاس شذا القميص بشذا الستر بل لا نسبة بينهما فان جعل شذا القميص يعقوب بصيرا وفتح عين بصره فقد جعل شذا هذا الستر المدركين له والناظرين اليه بعين الحقيقة بصيرا وفتح عين قلبهم وسرهم اذا قادهم التوفيق ووفقهم التسديد فاين ما يورث النور للبصر مما يورث نور البصيرة وهذا الكلام انما هو من باب المثال اذ لم يظهر تأثير من اكتساب الطيب بمجرد المجاورة العرضية مثل ما ظهر ليعقوب من قميص يوسف والا فجميع من حظى الشيء ( لشيء خ ) من الاشياء للنسبة العرضية لم يحظ كما حظى سيدنا المعظم موسى الكاظم بهذا الستر المكرم المجاور لقبر النبي المفخم صلى الله عليه وآله واما قصة يعقوب ويوسف فهي مشهورة معروفة لا حاجة لنا الى ذكرها اذ قصدنا ان نذكر ما لم يذكروا ونسطر ما لم يسطروا ونشرح ما لم يعثروا عليه من خفيات المطالب وعجائب المراتب ( واما قصة يعقوب ويوسف والتعرض لذكر الشمال والجنوب والصباء فليس من شأننا لانها مذكورة في كتب القوم موجودة عندهم خل ) ويعقوب انما سمى يعقوب لانه جاء الى الدنيا عقيب عيص فعيص ويعقوب كلاهما من ولد اسحق بن ابرهيم والانبياء بعده كان اكثرهم من نسل يعقوب وهم انبياء بني اسرائيل لان يعقوب كان يسمى اسرائيل بمعنى العبد في اللغة السريانية والعيص كان منه الروم اسم ابن له وكان لونه اصفر فبنو الاصفر كلهم من نسل عيص واما يوسف فالظاهر انه مشتق من الاسف لاسف ابيه عليه أما سمعت الله سبحانه يقول وتولى عنهم وقال يا اسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن ولاسفه على فراق ابيه حين كونه في الجب وكونه مملوكا في مصر وكونه مقيدا في السجن الى ان اجتمع معه لما كان عزيزا في مصر ولاسف كل من يراه عليه عند فراقه لكمال حسنه واعتدال قامته وجودة تركيبه وكل من ينظر اليه لا يحب مفارقته فاذا فارقه يأسف عليه فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) مرسلا ان الله سبحانه خلق الحسن مائة جزء وجعل في يوسف تسعة وتسعين جزء وقد سد جوع اهل المصر بالنظر اليه ستة اشهر كان يقعد على نشز من الارض ويأذن الناس للنظر اليه صباحا ومساء وذلك كان قوتهم في يومهم وليلتهم فكيف لا يأسف من يفارق هذا الحسن الفايق فهو يوسف في ( على خ ) كل حال واما الشمأل فانه اسم ملك من الملئكة الموكل بالريح التي تهب من تلك الناحية كالجنوب والصبا والدبور ومقر هؤلاء الملئكة في الركن اليماني الى ( من خ ) الكعبة فالشمال من جنود عزرائيل وهو بارد يابس والجنوب من جنود اسرافيل وهو حار رطب والصبا من جنود ميكائيل وهو بارد رطب والدبور من جنود جبرائيل وهو حار يابس وهؤلاء الاربعة حملة الفيوضات النازلة من الملئكة الاربعة حملة العرش فكل ملك من هذه الملئكة ناظر الى ركن من اركان العرش فاذا اقتضت المصلحة في العالم بهبوب الريح من جهة خاصة يامر الملك الحامل لذلك الركن من العرش المتعلق به من الملئكة الاربعة فيأمر احد الاربعة ان يحرك الهواء من الناحية المنسوبة اليه جنوبا كان ام شمالا ام صباء ام دبورا وقد ذكرنا في شرح الخطبة الطتنجية لسيدنا ومولينا امير المؤمنين عليه السلام ما يتعلق بهذه الرياح الاربعة على طريقة اهل الكشوف والاسرار السالكين مسالك الانوار بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر سوى بشر روحانيين وعلماء ربانيين فلما ذكر الناظم ايده الله بتوفيقه بعض مزايا هذا الستر الشريف والحجاب المنيف ومقاماته بالاجمال وفصلنا نحن بعض ذلك الاجمال بالاجمال واما في التفصيل فقد اتى بقليل من كثير اذ كل ما يصفه الواصفون وينعته الناعتون بكل مجهودهم قليل وقد اكتفي بالاشارة تنبيها لاهل العبارة ثم اخذ في وصف المهدي اليه وحيث انه من شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء جمع الاصل والفرع والاغصان والافنان فخاطبهم
وقال سلمه الله تعالى :
طوبى لكم من وارثين فقد غدت آثار جدكم اليكم تنقل
اقول : انما اتى بضمير الجمع زايدا على ما ذكر لان الاولاد كلهم جزء من حقيقة الوالد فهم متحدوا النسبة من جهة هذه الجزئية فما يصل اليهم من جهة الوراثة من الاب والجد فكلهم في ذلك سواء واما ما اكتسبوا لانفسهم بانفسهم من خصوصيات نشأتهم فربما يختلفون في ذلك الاتصال فيختص كل بما كسبت يداه واما ما استحقوا من الجهة الجامعة فهم فيه واحد فالجمع بحكم المفرد والمفرد بحكم الجمع بلا اختلاف واما الوارث فهو الباقي بعد مورثه فحينئذ لا يصح ان يكون الوارث الا اعلى من المورث او مساويا له في الطبقة او تابعا له بتبعية البدل واما اذا كان اثرا مستمدا منه متقوما به منحطا عن درجته الذاتية بحيث يكون استمداده من عكسه وضده فلا يصح ان يكون وارثا لان الاثر لا يبقى بعد المؤثر والمستمد لا يبقى بعد وجود الممد حتى يكون وارثا له ومستحقا لبقيته اذ بانعدام المؤثر في كل مرتبة ينعدم اثره فيه فلا يكون الوارث الا اعلى منه او مساويا له كما جعل سبحانه في الارث الظاهري التشريعي كذلك فان الوارث هو الاب وهو الاعلى والام كذلك والاخوة هم المتساوون والاعمام اخوة الاب مساوون له واعلى من المورث بمرتبة والاخوال اخوة الام متساوون معها والزوج والزوجة متقارنان متساوقان لهما رتبة واحدة وان كان الزوج اعلى لكن الزوجة خلقت من نفسه والسلطان العادل اعلى من الكل والمولى المعتق لوجه الله كذلك وضامن الجريرة مساو وهؤلاء هم اهل الارث وقد عرفت حالهم واما العبد الحاكي مقام الاثرية في الصورة الظاهرة فلا ميراث له لانه الاسفل والكافر سواء كان مرتدا فطريا او مليا او كافرا اصليا لا ميراث له وكذلك القاتل كولد الملاعنة وامثالهم لانحطاط درجتهم ومرتبتهم في النور والظلمة ولا يرثون ( فلا يرثون خ ) ابدا بحال من الاحوال وحيث ان الوارث يجب ان يكون عاليا قال الله تعالى كنا نحن الوارثين وقال تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض لله يرثها عبادي الصالحون وبهذا المعنى يقال للنبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انه وارث الانبياء يعني الباقي بعد فنائهم والمالك لما بقي من آثارهم مما استعاروا منه صلى الله عليه وآله وانه وارث التورية والانجيل والزبور وانه وارث علم الاولين والآخرين وامثال ذلك من العبارات فالوارث هو الخاتم الباقي بعد الكل والخاتم هو الباقي بعد فناء الاشياء لانه وجه الله الذي به يتوجه الاولياء واما المساوي لبقاء الحقيقة في تعين بعد ازالة التعين الآخر وظهور تعين اعلى واسفل كالاخ فانه يرث اخاه فالكرسي وارث للعرش انتهت اليه جميع آثار العرش واطواره والفيوضات المخزونة فيه في مقام التفصيل كل ذلك انتهى اليه والسموات ورثة العرش والكرسي بانتهاء آثارهما واحكامها وامداداتهما اليها فاذا فهمت واتقنت ما ذكرنا عرفت سر ما اودع الناظم ايده الله بتوفيقه في هذا البيت الشريف من جوامع الاسرار وحقيقة الانوار واثبت مقاما لآل محمد الاطهار يعجز ( الاطهار صلوات الله عليهم تعجز خ ) عنه العقول والافكار بقوله وارثين اذ الوارث على ما هو المعروف ليس الا العالي او المساوي في الحقيقة وان تفاوتت واختلفت بحسب الصفات الخارجة العرضية فاهل البيت لا يصح ان يكونوا اعلى من جدهم صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لقيام الاجماع ودلالة الكتاب والسنة على ذلك وليسوا من شعاعه واثره لان الوارث لا يكون من الشعاع والاثر فما بقي الا ان يكون مساوين معه في مقام الجمع لان الولد جزء للوالد والجزء من سنخ الكل لامحالة وان كانت الجامعية للكل والجزء قطعة من الكل ووجه منه لكنه من سنخه وحقيقة ذاته ولطيفة سره وشقيق نوره وكذا ( لذا خ ) قال تعالى في آية المباهلة ما قال من قوله تعالى تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين وذكر الفاضل جارالله الزمخشري في تفسير الآية الشريفة ما ذكر مما هو معلوم لمن راجع تفسيره ورأى تحقيقه ومن لم يعلم فليرجع اليه فاذا كانوا مساوين معه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في الرتبة الذاتية ولم يظهر منهم ما ينافيه في الرتبة الافعالية والاقوالية والجوارحية فما يثبت له من معالي الاخلاق ثابتة لهم سلام الله عليهم واليه يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) حسين مني وانا من حسين وقوله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة وليس في الجنة الا شباب فلولا قوله وابوه خير منهما شمل الكل وحيث انهما وابوهما ليسوا باعلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فيكونوا مساوين له في الرتبة الذاتية في الجهة الجامعة وان كان خاتم الانبياء افضل منهم في مقام التفضيل عند الفرق فقد ورثوا من محمد صلى الله عليه وآله كل كمال و( كل خ ) جمال وكل صفة كمالية مما احاط به الامكان وكل علم اوحي الله الى رسوله (ص) وكل قدرة اقدره عليها وكل فضل فضله به وبالجملة خير اقتضته النبوة المطلقة فهم ورثوه لانهم اهل بيت النبوة وكل نور اقتضته الولاية المطلقة فهم ورثوه وكل تصرف وتدبير اقتضته السلطنة العامة فهم ملكوه كل ذلك وراثة من النبي المكرم والسيد المعظم صلى الله عليه وآله وسلم فهم ورثوا النقطة من الهوية المطلقة وورثوا الالف اللينية من النقطة وورثوا الحروف العاليات من الالف وورثوا الكلمة التامة من الحروف وورثوا الدلالة الظاهرة في كل الامكان من الكلمة وورثوا شجرة الخلد من الدلالة الكلية وورثوا شجرة طوبى من شجرة الخلد وهي شجرة في الجنة اصلها في دار امير المؤمنين (ع) وليس في الجنة بيت الا وفيه غصن منها وورثوا السدرة المنتهى من شجرة طوبى وورثوا الجنة المأوى من السدرة المنتهى وورثوا منها جميع الروحانيين بجميع الكمالات وجميع المعاني وجميع الصور الحسنة بل جميع الخيرات كلها فهذه هي الوراثة المطلقة الحقيقية واليه يشير الناظم ايده الله بتوفيقه : آثار جدكم اليكم تنقل وما ذكرنا كله من آثار جدهم قد نقلت اليهم أما سمعت الله سبحانه يقول انظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها فرحمة الله هو رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لقوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين والعالمون افراد كل ما سوى الله فاذا اثبت انه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو الرحمة المطلقة العامة الشاملة ثم ذكر سبحانه ان آثار هذه الرحمة حيوة الارض بعد موتها فلما حصر سبحانه آثار الرحمة بما ذكر علمنا ان الارض لا يراد بها خصوص الارض السفلية الجسمانية لان الاشياء كلها بالرحمة وجدت وبها نشأت ومنها تحققت واليها عادت لاستواء الرحمن برحمته الواسعة على العرش واعطائه كل ذي حق حقه وسوقه الى كل مخلوق رزقه فالرحمة عامة ولذا كانت خاصة فاذا كانت تلك الرحمة العامة الواسعة رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف يكون آثارها محض حيوة هذه الارض بعد مماتها وانما المراد بالارض ارض الامكان والنون في كلمة كن الجامعة لجميع الاعيان والحيوة تعلق الكاف بالنون وغيبة الواو في البين فاذا حييت العلة حييت المعلولات فاذا تمت الكلمة وائتلفت الفرقة اي فرقة الحروف العاليات الكونية ظهرت الدلالة وهي فيكون عند قوله تعالى كن فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال فجميع آثار الرحمة هي الحيوة والحيوة هي الوجود لان الفقد والنقص موت وانعدام فتكون هذه الحيوة فاقدة النقصان والفقدان وهي حيوة ابدية سرمدية باقية دائمة لانها من عند الله ما عندكم ينفد وما عند الله باق وتلك الآثار التي هي الكلمات كلها والاسماء الحسنى باسرها والكلمات التكوينيات الطيبة كالتدوينيات بحذافيرها نقلت الى الوارثين الذين منهم سيدنا المعظم موسى الكاظم عليه السلام وانما قال سلمه الله تنقل بفعل المضارع الدال على التجدد والحدوث دون الماضي الدال على الدوام والثبوت لبيان ان تلك الآثار لم تزل تجدد ( تتجدد خ ) شيئا فشيئا آنا فآنا تظهر من الخزائن الغيبية وتكمل وتتم محفوفة بالانوار القدسية فتنقل اليهم لان فيضه تعالى برحمته يفاض على الموجودات ولا تعطيل للفيض ولا نهاية لتلك الرحمة ولا حد لانحاء التجليات في اطوار التعينات وهو السر في قوله تعالى كن فيكون ولم يقل كن فكان لتجدد تلك الاطوار والقابليات وعدم التحقق والاستقرار والعطاء من الخزائن الغيبية في كل الاحوال كما قال تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهو قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد ولهذه النكتة الجليلة عبر سبحانه في آية التطهير بلفظ المضارع دون الماضي لبيان ثبوت الطهارة واستمرارها متجددة آنا فآنا في الحال والاستقبال لا تنقطع عنهم موادها ولم تزل تتجدد عليهم آثارها من المتصلات والمنفصلات كما هو سر الامكان وسر الظهور والتجلي باطوار الاعيان كما لا يخفى على من له عينان واذنان
عود في التحقيق بطور دقيق انيق - اعلم ان آل محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اصحاب الولاية الباطنة والسلطنة العامة ورثوا من فخرهم وسيدهم خاتم الانبياء جميع الشرف من العلم والخير اما العلم فاطواره كثيرة لا تحصى ولا تستقصى ونشير الى انموذج منها فنقول انهم ورثوا من جدهم خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) علوما لا يحصى ادنى مراتبها ومقاماتها منها علم المحبة وعلم المودة وعلم الخلة وهذه الثلثة وان كان ربما يتوهم اتحادها او تقاربها وهو كذلك عند اهل النظر الظاهر ولكن عند اهل الحقيقة بينها فرق بين وتفاوت فاحش وكل واحد منها مشتمل على موضوع ومحمول الذي هو العوارض الذاتية ومسائل واحكام لا تشبه بعضها بعضا فاين الحب من الوداد وهما من الخلة ولو كان لقلمي مداد وفي قلبي استعداد لاظهرت في هذا المقام من مستجنات الفؤاد ما يوصلك الى المراد ولكن الجور قد مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه من كل جانب ومكان فيجب علينا ان نصمت كما صمت آبائنا الكرام وامناء الله على الاعيان والاكوان وهذا ( هكذا خ ) الكلام فيما نذكره عند تعداد العلوم مما يتوهم الاتحاد ومنها علم الوصال وعلم الاتصال وعلم الوحدة وعلم الاتحاد وعلم الاجتماع وعلم الاقتران وعلم الجمع وعلم جمع الجمع وعلم الاجمال وعلم الاطلاق وعلم الانبساط وعلم الكينونة وعلم الجامع وعلم البيان وعلم المعاني وعلم الكيان وعلم الاكوار وعلم الادوار وعلم الاسرار وعلم الانوار وعلم التفرقة وعلم الاسماء الحسنى وعلم الامثال العليا وعلم الكبرياء والآلاء وعلم الاذكار من قوله تعالى بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون وعلم الاطوار من قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا وعلم الحيوة في الممات وعلم البقاء في الفناء وعلم النعيم في الشقاء وعلم العزة في الذل وعلم الصحو في السكر وعلم التمكين في التكوين وعلم العلم في الجهل وعلم المعرفة في الانكار وعلم الرفعة في الضعة وعلم القرب في البعد وعلم الظهور في الخفاء وعلم الاعلان في الاسرار وعلم الانوار في الظلمات وعلم روابط الانيات وعلم النسب والاضافات وعلم المحور والدوائر والكرات وعلم الاحدية وعلم الواحدية وعلم الرحمانية وعلم الاستواء وعلم المستوي وعلم المستوٰي اسم المفعول وعلم التجلي وعلم المتجلي وعلم المتجلي له وعلم الظهور وعلم الظاهر وعلم المظهر وعلم البطون وعلم الباطن وعلم الغيب الاول وعلم الغيب الثاني وعلم الغيب الثالث وعلم المكاشفة والمشاهدة وعلم الكشف والشهود وعلم المعاينة والعيان وعلم الوجوب الظاهر في الامكان وعلم الامكان وعلم النقطة وعلم الالف وعلم الحروف العاليات وعلم الكلمة التامة وعلم الدلالة العامة وعلم الفعل وعلم الاسم وعلم الحرف وعلم التصرفات الفعلية وعلم الانفعالات الاسمية واسم ( علم خ ) الحوامل الحرفية وعلم مراتب البينونة وعلم الفرقان بعد ( علم خ ) القرآن وعلم التفصيل بعد علم الاجمال وعلم العرش الاعظم وعلم الكرسي الاقدم وعلم الافلاك في العالم الاول لاول آدم ( لآدم الاول خ ) وعلم اللاهوت وعلم الماهوت وعلم الجبروت وعلم الملكوت وعلم الملك الناسوت وعلم الالهي العام وعلم الالهي الخاص وعلم التقدم والتأخر وعلم الكثرة وعلم الحجب وعلم السرادقات وعلم اللواء وعلم الاركان وعلم التركيب وعلم الهيئات وعلم الصور وعلم الصفات وعلم اللاتعين وعلم التعين وعلم اللاكيف وعلم الكيف وعلم الكيفوفة وعلم العلل وعلم المبادي وعلم الامثال الملقاة في هويات الاشياء وعلم جهات التعينات وعلم روابط العلويات بالسفليات وعلم الجواهر والاعراض وعلم الضم والاستنتاج وعلم الاستيداع والاستقرار وعلم الناطقات وعلم الصامتات وعلم العلايق المعبر عنها بالسحب المكفهرات وعلم مبادي المعاصي والسيئات وعلم اقسام الموجودات في الاجابات وعلم علة الاختلاف في الصور والتعينات وعلم المشوب وعلم الصرف البحت البات وعلم المنقطعات وعلم الثابتات وعلم السواكن وعلم السيارات وعلم الجوامد وعلم المشتقات وعلم ان ليس في الامكان جامد وعلم سريان الاشتقاق في جميع الذرات وعلم النعم وعلم الابتلاءات وعلم المحن وعلم الاختبارات وعلم الجوامد وعلم المايعات وعلم المركبات المطهرة المقبولة وعلم المركبات المسخوطات وعلم تجلي الذات وتجلي الاسماء والصفات وعلم النقطة التي كثرها الجهال وعلم مبدء الادبار والاقبال وعلم السر وظهور الاغيار وعلم اختلاف الليل والنهار وعلم تسبيح كل شيء من الظلمات والانوار وعلم الفقر والغناء في الاطوار وعلم الموت والحيوة في جميع الاكوار والادوار وعلم الرحمة بطبقاتها وعلم الغضب بدركاته وعلم سبق الرحمة بالغضب وعلم الجنة والنار في جميع العوالم في جميع الاحوال وعلم الادبار والاقبال وعلم الوصال وعلم الفراق وعلم الدال والمدلول وعلم الشاهد والمشهود وعلم الكتاب والمكتوب وعلم اللوح والقلم وعلم اللفظ والمعنى وعلم الحقيقة والمجاز وعلم المجاز في الحقيقة وعلم الحقيقة في المجاز وعلم الاشتراك وعلم الامتياز وعلم النقل والارتجال وعلم الحروف والاعداد وعلم النجوم والافلاك وعلم الاراضي والطبقات وعلم العناصر والمتولدات وعلم الجماد والنبات وعلم اختلاف المعادن وسر تباين انواع النباتات والجمادات وعلم المرايا والمناظر وعلم تطهير الذوات النازلة المتكدرة بازالة الاوساخ وعلم الصناعة الفلسفية في توليد المولود الكريم الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف وعلم الهندسيات وعلم الطبيعيات وعلم ساير الاسرار المستودعات في اطوار الارضين والسماوات وعلم احوال الكلام وعلم استنطاق الاعجام وعلم اختلاط النور والظلام وعلم الاخفاء والابهام وعلم مراتب الاعراض وعلم مقامات الجواهر وعلم الميزان وعلم المشاعر والمدارك وعلم التطبيق وعلم الفارق بين الحق والباطل وعلم مقتضيات الكينونات وعلم كيفية توجه الموجودات بظواهرها وبواطنها الى خالق المخلوقات وبارئ النسمات وعلم الافعال والاعمال وعلم الحركات والسكنات وعلم الجوازم والمرفوعات وعلم العوامل المنصوبات وساير العلوم والاطوار مما لم ينطق باكثرها فمي ولم يجر بها قلمي وما ذكرنا وما لم نذكر من مستودعات السراير ومستجنات الضماير من العلوم التي لا حصر لعددها ولا نهاية لامدها وكل ما يترقى الاولياء من الرعية بانحاء ترقياتهم في العلوم مما يدركونها في الدنيا على جهة الترقي و( ما خ ) يدركونها في البرزخ في درجات جنة الدنيا ومراتبها وما يدركونها في القيمة عند شربهم من عين الكافور وما يدركونها عند شربهم من عين السلسبيل التي مزاجها زنجبيل وما يدركونها عند تناولهم من كبد الثور وعند تناولهم من كبد الحوت وعند وقوفهم على الكثيب الاحمر وعلى الرفرف الاخضر ومكثهم في ارض الزعفران وصعودهم على جبل الاعراف الياقوتة الحمراء التي لا نهاية لها ولا غاية وعند سباحتهم في لجة بحر الرضوان عند انتفاء السنة والنوم كل هذه العلوم والاطوار اذا قايستها بعلم آل محمد الاطهار كان جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما عندهم من العلوم واستغفر الله عن التحديد بالقليل وقد ورثوا تلك العلوم من جدهم صلى الله عليه وعليهم مما علمه الله من علم البيان من قوله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان ومن علم الاسماء من قوله تعالى وعلم آدم الاسماء كلها لانه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ) آدم الاول ونور الازل وقد كان نبيا وآدم بين الماء والطين والاسماء كلها كل الامكان وكل الحوادث بجميع ما لها واليها وعندها ولديها وفيها وبها وعنها ومنها لانها كلها تسبح بحمد ربها وتنزهه سبحانه وتعالى عما ينافي القدم والوجوب فاذن كلها اسماء له تعالى وكل هذه الاسماء علمها الله تعالى نبيه واهل البيت عليهم السلام قد ورثوها من جدهم صلى الله عليه وعليهم في الظاهر والباطن والسر والحقيقة وهذه العلوم من اعظم آثار جدهم صلى الله عليه وسلم ( وسلم خ ) اذ ليس في الوجود اشرف من العلم اذ به تنال الدرجات وتوصل الى اعلى المقامات وبه تتوجه الى رب الارضين والسموات ولما دل الدليل القطعي من العقلي والنقلي ان محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو الواسطة في جميع الفيوضات من جميع العوالم وتلك الفيوضات انما تجري عن الله سبحانه وتعالى بيده فنقلها الله سبحانه وتعالى اليه وملكها اياه وهو قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض لله يرثها عبادي الصالحون وهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو العبد الصالح وهو مفرد في معنى الجمع وجمع في معنى المفرد والوارث اذا كان اعلى يكون هو الفاتح المورث كما بينا سابقا فدلت الآية بلطايف الاشارة لمن يعقل صريح العبارة ان ارض الامكان وما حوته من الاكوان والاعيان كلها ملك لرسول الله ( صلعم ) وهو قوله تعالى خلق لكم ما في الارض جميعا والقرآن قد سبق الموجودات في كل العوالم والاكوان كخاتم النبوة فاول ما شمله اياه في الارض ارض الامكان وارض التعين واللام للتمليك لانه الاصل في الاختصاص واعلى في مقامه وكل ( فكل خ ) ما في ارض الامكان من العوالم كلها ملك لخاتم الانبياء صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم قد ملكه الله سبحانه بفضله وكرمه اياه كما ملكك بيتك فانه لله ولا فرق عند الله سبحانه بين القليل والكثير والحقير والجليل والعالي والداني والضعيف والقوي والكل عنده سبحانه على حد سواء فلا فرق اذن بين ان يملك سبحانه القليل و( او خ ) الكثير او الجزئي او الكلي لان نسبة الكل في اضمحلاله عند ذاته سبحانه على حد واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فكما ملكك بيتك وعبدك وجعل لك الولاية عليه كذلك ملكه سبحانه بيته والبيت على حسب المالك انظر تفاوت بيوت الخلق على حسب تفاوت مراتبهم فاشرف الموجودات واقدمها واقومها والواسطة بينه وبينها يجب ان يكون بيته اوسع البيوت واعلاها وليس ذلك الا لعمق ( العمق خ ) الاكبر وكافة الاكوان والاعيان فهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) انما صنع وخلق لله كما يشهد عليه تأويل قوله تعالى واصطنعتك لنفسي والعالم بيته وملكه فهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) يصلح شأن بيته وملكه بما اراه الله سبحانه وعرفه وهو قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير فرسول الله (صلعم) هو الذي شاء الله ان يؤتيه الملك الدائم والكبير الواسع وشاء ان يعزه لانه التعين الاول والفاتح الخاتم ووجه الله الذي يتوجه به الى الله تعالى كل شيء وهو يد الله الباسطة وعين الله الناظرة الشاهد عن الله تعالى على كل شيء لان الشهادة والمشاهد ( المشاهدة خ ) للعالي يستلزم لمن نظر بعين الحقيقة مشاهدة السافل وقد قال تعالى ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس وكلما غير الناس تابع له كما برهنا عليه في عدة مواضع من رسائلنا ومباحثاتنا فله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) الملك الخالد الواسع وله العز الدائم الباقي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ولما كان الموت هو الانتقال من عالم الى عالم اعلى واقوى كما نشاهده عيانا ونريه كشفا وشهودا فالمالك في كل عالم اذا ارتحل عنه الى عالم اعلى يورث ملكه بقيته التي من سنخه ان كانت والا فالوارث هو الله سبحانه يرث من يشاء من عباده كما ذكرنا في الآية المتقدمة ولما دل الدليل ان الاخوة والاولاد هم البقية فيكون هم الوارثين ان وجدوا عند موت مورثهم وانتقاله من العالم الاسفل الى العالم الاعلى ولما كان خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله لم يزل منتقلا من عالم اسفل الى عالم اعلى فيورث ما ملك في كل عالم عند انتقاله الى عالم اعلى اولاده الحقيقيين واحفاده الواقعيين ولما اثبت الناظم ايده الله سبحانه لآل محمد صلى الله عليه وسلم ( وعليهم خ ) الوراثة ولم يقيدها بشيء دون شيء فاثبت بلطيف الاشارة لهم كل خير وكمال وجمال وملك وسلطنة وهيمنة وابهة كان له صلى الله عليه وسلم ( كانت له صلى الله عليهم خ ) فانتقل آثار جدهم وملكه اليهم فهم سلام الله عليهم ورثوا من جدهم صلى الله عليه وسلم الاكوان والاعيان والاكوار والادوار والاطوار والاوطار والغيب والشهادة والخفاء والظهور والمخفي والظاهر والكون والمكان والزمان والجهات والرتب والكم والكيف والاين ومتى وقد ومنذ ( مذ خ ) والى وعلى وفي ومن والاشارة والعبارة والتلويح والتصريح والقوى الظاهرة والباطنة والفؤاد والقلب والشريانات والاوردة والاضلاع والادوات والآلات والجوارح والعرش والكرسي واللوح والقلم والسموات والارض والحيوان والنبات والجماد والبسايط والمركبات والانوار والظلمات والحجب والسرادقات والتعين واللاتعين وبحر الاحدية و( بحر خ ) الواحدية وبحر الاسماء والصفات وبحر النسب والاضافات وبحر النور وبحر النار وبحر الماء وبحر الهواء ومواقع النجوم وحقايق الرسوم وعالم العقول على مراتبها الثلث من العقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض وعالم الارواح عالم الرقايق ورق الآس بوجهيه الاعلى والاسفل وعالم النفوس باشجارها من شجرة طوبى وسدرة المنتهى وشجرة الخلد وشجرة اليقين التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عليها والخلق اختلفت اطوارهم وشؤنهم وقبولهم الصنايع بحسب نظرهم الى وجه من وجوهه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وعالم النفوس القدسية والنفوس الحيوانية الفلكية والنفوس النامية النباتية والنفوس البرزخية وعالم المثال من جنة هورقليا وجابلقا وجابرصا والجزيرة الخضراء وحوصلة الطير الاخضر وعالم الاجسام بمراتبها ومقاماتها وطبايعها وامزجتها والوانها وروايحها واركانها واعيانها وانحاء تراكيبها ومتولداتها باجناسها وانواعها واصنافها واشخاصها وحركاتها وآثارها واتصالاتها وانفصالاتها وغيبها وشهادتها وورثوا الجواهر جواهر العلل لانهم من اوائلها وجواهر الوجود وصفايا الغيب والشهود وجواهر الحقايق والذوات وجواهر الاسماء والصفات وجواهر العلويات وورثوا الاعراض اعراض هي الذوات على مصطلحنا من ان كل شيء عرض وجوهر في مقامين بلحاظين واعراض هي الصفات واعراض هي الاضافات واعراض هي الآثار المتصلة واعراض هي الآثار المنفصلة واعراض هي الحدود المشخصة واعراض هي التعينات الاولية والثانية وهكذا من مراتب التعينات بالتقدم والتأخر الى ما لا نهاية له واعراض هي التقدم والتأخر واعراض هي الشرافة والدنائة وورثوا الالفاظ الفاظ عالم القدس والفاظ اصحاب الانس والفاظ اهل الجبروت والفاظ اهل الماهوت من اللاهوت والناسوت فان اللاهوت له مقامات واطلاقان احدهما لا كيف له ولا اشارة فليس هناك الفاظ ولا مقابل له وثانيهما المراتب العلوية التي في مقابلها الناسوت والفاظ اهل العرش بجميع اطلاقاته والفاظ اهل الكرسي كذلك والفاظ اهل السموات بجميع اطلاقاتها وعوالمها ومراتبها والفاظ اهل الارضين كذلك ( والفاظ سكان الثرى خ ) والفاظ سكان ما تحت الثرى وورثوا من جدهم مواد الالفاظ مواد الهيئة ومواد الكينونة وهي الحروف والهيئة الخاصة والاولى نفس الحروف مع قطع النظر عن الهيئة الخاصة الا ان تكون من الهيئات النوعية دون الشخصية وورثوا صفات الالفاظ العارضة لها من حيث المادة من صفاتها كالجهر والهمس والاطباق والقلقلة وامثالها ومن بسطها ومزجها وتكسيرها ومن استخراج غوامض الاسرار والملئكة الحافظين القائمين بتدبيرها من العلويات والخدام السفلية حملة الجهات السفلية ومن قواها وهي الاعداد وهي روحانيتها بتكرارها وبجمعها وجذرها وقسمتها وضربها واستخراج المجهولات منها وورثوا المعاني على طبق الالفاظ حرفا بحرف بلا زيادة ونقصان في جهة المقابلة فان لكل لفظ في غيبه معنى هذا اذا كان المعنى في مقابلة اللفظ فان المعنى قد يطلق على ما يقابل اللفظ وعلى ما يقابل الصورة وعلى ما يقابل العين كالمصادر واسمائها والصفات واعراضها وهم ورثوا المعاني بجميع المعاني وبالجملة هم سلام الله عليهم ورثوا من جدهم الملك الاكبر الذي اشار اليه سيد الساجدين (ع) واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده اه وهذا الملك لله ملكه من شاء من خاصة عبيده وصفوتهم ولا شك ان خاتم الانبياء اخص الخواص واصفى الصفوة وهو الذي اوتي الملك الذي مالكه الله قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وقوله تعالى وتنزع من قبيل قوله تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا الا رحمة من ربك ان فضله كان عليك كبيرا فلا ينتزع الملك منه ابدا واذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا وهذا الملك قد ورثه آل محمد صلى الله عليه وآله ( عليهم خ ) من جدهم وهو ملك لا يستحصى وامر لا يستقصى وقد اشار الناظم ايده الله بتوفيقه واعانه بتسديده في المخمس الذي خمس به قصيدة الشيخ الاديب الاريب اللبيب الصالح الشيخ الصالح التميمي في مدح مولينا وسيدنا امير المؤمنين بقوله سلمه الله تعالى :
رتب نلتها بنسبة طه قصرت كل رتبة عن مداها
ان نظرنا الانام من مبتداها ما نرى ما استطال الا تناهى
ومعاليك ما لهن انتهاء
فقوله سلمه الله تعالى رتب نلتها بنسبة طه يشير الى ( هذه خ ) الوراثة فان الوارث هو النسب كما قدمنا ذكره وهذه النسبة انما اقتبسها سلمه الله تعالى من قوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ولا ريب ان الجامع بين النسب والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ليس الا امير المؤمنين عليه السلام في جميع الامة من جميع الموجودات فبهذه النسبة كان له عليه السلام الشرف الفائق والفضل الرائق وحيث انه خلق من الماء ماء الوجود وماء الرحمة وماء العلم كان اباتراب بجميع المعاني فحيث تحققت هذه النسبة التامة في العوالم الاول تحققت الوراثة مضافا الى ما ذكرنا سابقا من كون خاتم الولاية ابنا لخاتم النبوة في العوالم الاربعة واخا له في بعض العوالم وابن عم له في عالم الاجسام من الافلاك السبعة الى الارض فاستحق الميراث من الوجوه الثلثة فاستارثه وورثه ملكه وماله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والمالك له هيمنة على مملوكه وقيموميه عليه فان الناس مسلطون على اموالهم فاذا انتقل اليه ملك الوجود وبقي يتصرف فيه كما يشاء بما يشاء كما يشاء الله سبحانه فقد نال بهذه النسبة رتبا في عالم التوحيد وعالم الجمع وجمع الجمع وعالم الكينونة وعالم البينونة وعالم الاسماء والصفات وعالم التعينات من باقي الحضرات وكل ذلك باعتبار نسبته الى خاتم النبوة ولما كان خاتم النبوة صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو التعين الاول واقرب الحضرات اليه خاتم الولاية وقد قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) آدم ومن دونه تحت لوائي فقد نال خاتم الولاية بنسبته الى خاتم النبوة مراتب عجيبة غريبة في عوالم كثيرة اشرنا الى بعضها آنفا بحيث قصرت كل رتبة عن مداها لان كل المراتب تحت نقطة الولاية وخاتم الولاية هو الفاتح فله الهيمنة على جميع المراتب والمقامات وكل احد تحت رتبة مقامه فيقصر كل احد في كل رتبة عن البلوغ الى ادنى درجة من مراتب هذه النسبة فضلا عن البلوغ اليها ولما كانت الاشياء والموجودات تحت الولاية التي هي اول مقتضيات التعين الاول فيثبت لها حد يقف عنده لكونها محاطة فاذا نظرنا في اطوار احوال الانام من مبتداها وظهور تعينها ما نرى ما استطال في المعالي والرتب العالية حسب ما فيه من نور التجلي الا تناهى لكونه مسبوقا بها بدوا وعودا ما عدا معاليك يا امير المؤمنين فانها لا نهاية لها لانك نفس النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وحامل اللواء وخاتم الولاية المطلقة فلا يسبقك احد فلا نهاية لمعاليك لانك وارث الملك الذي قد استعلي علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثر الله من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الافهام لان كل كبير دون كبريائك وكل شريف دون شرفك وكل جليل دون جلالك وهو قوله عليه السلام في وصف نفسه الشريفة في بعض خطبه ينحدر عني السيل ولا يرقى الى الطير والسيل انما ينحدر من المكان المرتفع فحيث لم يذكر متعلق هذه الرفعة كان هو المحل الاعلى الارفع الذي لا مقام فوقه ولا رتبة اعلاه والسيل انحاء الافاضات والماء الذي به كل شيء حي من اطوار الموجودات وهو الولاية الكبرى فحينئذ لا يرقى اليه طير الافكار والافهام والعقول والاوهام والخواطر والاحلام فكيف يكون لمعاليه انتهاء اذن وكل هذه المقامات والدرجات والمراتب انما نالها بنسبته الى خاتم النبوة في المقامات الثلثة من كونه ابنا واخا وابن عم فاذا صحت النسبة صحت الوراثة واذا صحت الوراثة صح الاستعلاء واذا صح الاستعلاء على كل شيء كما يشهد عليه اسمه الشريف على القول بالمناسبة ( الذاتية خ ) بين الاسم والمسمى واللفظ والمعنى كان لا يصل اليه احد واذا لم يصل اليه احد وقد قصرت كل مرتبة عن الوصول الى مقاماته ودرجات ذاته ما عدا خاتم النبوة الذي هو من جهة الانتساب اليه نال هذه الدرجات والمقامات فالمعالي كلها تنتهي اليه ومعاليه لا تنتهي في الامكان الى حد بمعنى انه لا يمكن لاحد الوصول اليه لانه في مقام التعين الاول ونور الازل والصبح المشرق من نور الازل والهيكل الازل والولاية المطلقة ومحالها ومواقعها هي الكلمات في قوله تعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وقد روي عن سيدنا ومولينا الكاظم عليه السلام انه قال في جواب يحيى بن اكثم نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى ثم ان الناظم اطال الله بقاه وامده بمعونته لما ذكر في هذا البيت مقام وراثتهم وقسم الشجرة الزيتونة الالهية وفرقها على قسمين اصل وفرع ووارث ومورث اراد ان يبين ان لآل محمد صلى الله عليه وعليهم مقامان مقام جمع ومقام فرق فلما ذكر مقام الفرق باكمل تفصيل واوضح بيان اخذ في بيان مقام الجمع بما لا مزيد عليه
فقال سلمه الله تعالى وايده بتقويه :
شملتكم معه العبا بحيوته ومماته استاره لك تشمل
اقول : اخذ سلمه الله تعالى في بيان مقام الجمع فقال لما كان العالم الاسفل شرحا ودليلا للعالم الاعلى والعوالم كلها متطابقة كل سافل شرح للعالي الا ما اقتضته المرتبة قبل الخلط بالعوارض التي توجب التغيير وسلب الحكاية من قوله تعالى حكاية عن ابليس ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ولما كان حملة الولاية ومظاهر الواحدية قد خلصوا من هذا الخلط وتصفوا من هذا الشوب بتصفية الله سبحانه وتطهيره كما اخبر عن ذلك بقوله الحق ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهو دليل التصفية الكاملة والتطهير البالغ والا لحصل فتور على حسب الخلط والشوب وحينئذ فجميع اطوارهم واحوالهم الدنياوية مطابقة لكينوناتهم الغيبية في العوالم العلوية الاولية فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير والعباء لما شملت الخمسة الاطهار كف الحكيم ونور القديم دل هذا الاشتمال على امر عظيم وهو اتحادهم في الحقيقة واجتماعهم في اصل الوجود وشمول مرتبة واحدة لهم وهو كونهم في مقام التعين الاول وسر الازل وانما عبر عن هذا المعنى بالعباء بدلالة حروفه على تلك الحقيقة الشريفة على الترتيب الطبيعي والنظم الالهي والتقديم والتأخير المشتملين على اسرار عجيبة واطوار غريبة من سر الاجتماع والاتحاد والوصل ولذا يستحب في العالم الاسفل في مقام التنزل لبس العباء في الصلوة التي هي معراج المؤمن لحصول الوصال وتحقق الاتصال بالاعمال التي هي سلم الوصول الى التسليم والبلوغ الى الفناء في بقاء الحي القيوم فالعين في العباء اشارة الى التعين الاول وسر الازل ووجه الحق لم يزل لانها كلمة كن الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والكلمة التي نفذت بتأثيرها في كل شيء وهي صبح الازل والاختراع الاول والابتداع والمشية المتعلقة والارادة ومبدأ القدر والقضاء وعلة علل الاشياء ونور الكينونة والقدرة المستطيلة على كل شيء والعلم النافذ في كل شيء وهو العلم المطلق والرحمة الاولية التي بها استوى الرحمن على العرش والشجرة الكلية والنفس الرحماني الاولى والكاف المستديرة على نفسها والحقيقة المحمدية والحضرة الاحمدية والولاية المطلقة والازلية الثانية وعالم فاحببت ان اعرف والمحبة الحقيقية والحركة الجوهرية بنفسها وعالم الامر مجمع الذوات الاحدية ومقام الواحدية والبرزخية الكبرى والغيب الثاني والرابطة بين الظهور والبطون غاية الغايات ونهاية النهايات مرجع الذوات ومنتهى تعلقات الصفات حقيقة الحقايق الظاهر الاول والمظهر الاول بالظاهر الاول ( والتجلي الاول خ ) والمتجلي بالتجلي الاول القابلية الاولى والاسم الاعظم الاعظم الاعظم والذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى والاسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره النور الازل مؤيس الايس مظهر الليس السر المقنع بالسر البحر المحيط الاول الذي لا يساحل عالم اللانهاية قطب دواير البداية والنهاية القدرة الواسعة والرحمة الشاملة مقام العلم اذ معلوم والقدرة اذ مقدور والسمع اذ مسموع والبصر اذ مبصر ينبوع الافاضة ومنبع الانارة آدم الاكبر الاول الواحد التام البسيط الاضافي الاولى فلك الولاية المطلقة العرش الاعظم القلم الاعلى في الاطلاق الاعلى النار الظاهرة في الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية فالنار عين الشجرة كما انها عينها السحاب المتراكم الوجود المطلق الحق المخلوق به الامكان الراجح وغيرها من الاسماء التي يعبر عنها بها لان تلك الحقيقة الاولية هي التعين الاول من حيث انها جهة الحق سبحانه وذكره ومذكوريته في الامكان والاكوان والاعيان سميت ظهورا اولا وتجليا اوليا ومن حيث انها بها يظهر الحق سبحانه لغيره ويوصل فيضه سبحانه الى ما يريد سميت فعلا والحركة من حيث انها ذات تذوتت بها الذوات سميت حركة جوهرية لا الحركة التي ضدها السكون فان هذا مقام رفع الاضداد والانداد ومن حيث انها اول الذكر والمذكور وبها نشأت الاشياء وتأصلت سميت مشية قال امير المؤمنين عليه السلام وهو منشئ الشيء اذ لا شيء اذ كان الشيء من مشيته ومن حيث انها مبدأ الصور والاعيان وبها العزم سميت ارادة ومن حيث انها تكونت وكونت لا من شيء سميت اختراعا ومن حيث انها تكونت وكونت لا على احتذاء مثال سميت ابتداعا ومن حيث انها اول مظاهر الحق سميت التعين الاول ومن حيث انها الاصل الذي تتشعب عن وجوهه حقايق الاكوار والادوار سميت شجرة مباركة زيتونة ومن حيث انها مبدأ الايجاد وعلته واول التعلق وان كان بنفسه سميت محبة ومن حيث انها بها الاحسان والامتنان ومن اثرها الماء الذي به حيوة الاشياء كلها سميت رحمة ومن حيث انها بها تدبير الخلق وهي الآخذة بناصية كل شيء وكل دابة لان كل شيء متحرك فكان دابة سميت ولاية مطلقة ومن حيث انها لا غاية لاولها ولا نهاية لآخرها ولا انقطاع لامدها مع انقطاعها عند باريها سميت ازلا ثانيا ومن حيث انها اول ظهور الحق سميت صبح الازل لان الصبح اول ظهور نور الشمس ومن حيث انها اول الاصول التي تفرعت عنها الفروع سميت آدم الاول لانه انما استنطقت حروف لفظه من الثلثة التي هي اول الاعداد واول الفرد بظهورها في التسعة ( وظهور التسعة خ ) في النسبة الجمعية فالتسعة التي هي مبدأ الآحاد اذا اجتمعت كانت خمسة واربعين وهي عدد حروف آدم ولما كان هو الاصل الاول اوتي بالالف اشارة اليه ولما كان هذا الاصل انما كانت بالطبايع الاربع اوتي بالدال ولما كان تمام الطبايع انما يكون بالاصول العشرة التي هي القبضات العشر اوتي بالميم لتمام العدد وكيفية الخلقة وصفة المخلوق من كونه اصلا اولا ذلك تقدير العزيز العليم ومن حيث انها لا تتوقف في تكونها وانصدارها على شرط وسبب سوى ذاتها سميت الوجود المطلق ومن حيث ان كل الظهورات والتجليات الالهية التي هي جهة الدلالة الاسمية انما كانت بها ووجدت بفاضل ظهورها وتجليها سميت الاسم الاعظم الاعظم الاعظم ومن حيث ان الاذكار كلها انما يكون ( تكون خ ) بفاضل ذاكريتها سميت الذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى لاستعلائها على كل ذكر وتفوقها على كل امر ومن حيث انها متممة وقطب لحقايق الامكان والاكوان وقطب لنفسها بنفسها فهي الكرة المصمتة الدائرة على نفسها على خلاف التوالي والدائرة نفسها عليها على التوالي ومن حيث انها مدلول كلمة كن ومن حيث ان الاصل فيها هو الكاف سميت الكاف المستديرة على نفسها ومن حيث انها علة العلل ومبدأ المبادي سميت السر المقنع بالسر فان المعلول ظاهر العلة فهي سره وباطنه ومن حيث ان الماء الواقع على ارض الامكان ارض الجرز انما نشأ منها وصدر عنها وتتأصل ( تأصل خ ) بها سميت سحابا ومن حيث انها المرمي الصادر بنفسه عن الله تعالى سميت كلمة لانها اللفظ الموضوع للمعنى المفرد واللفظ هو الرمي في اللغة ومن حيث انها حكم الله على الموجودات وهي التي قال الله سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون سميت امرا ومن حيث انها اول المخلوق واول التعين سميت الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ومن حيث ان لها الاحاطة في الاكوان والاعيان وهي للامكان كالعرش المحدد للجهات للاجسام وبها التأثير ومنها التدبير وعنها التقدير سميت فلك الولاية المطلقة ومن حيث ان الموجودات كلها مذكورة فيها وصادرة عنها سميت علما مطلقا ومن حيث ان التأثيرات كلها انما تكون بها سميت قدرة ومن حيث ان التعلق انما تكون في هذه الحقيقة بهذه الحقيقة وقبلها وفوقها انما كان منقطع الاشارات سميت علما اذ معلوم وقدرة اذ مقدور وسمعا اذ مسموع ومن حيث ان النفي والاثبات بها تحققا وتأصلا سميت مؤيس الايس ومظهر الليس ومن حيث ان الحقايق والذوات من حيث بدئها وحكايتها عن احدية مبدئها فيها ذكرت وعنها برزت واليها عادت سميت مجمع الذوات الاحدية ومن حيث انها مقام ذكر الاعيان الثابتة سميت مقام الواحدية ومن حيث ان الفيض بها يجري على اطوار الموجودات سميت الرابطة بين الظهور والبطون ومن حيث انها ليست بشرقية ولا غربية سميت البرزخية الكبرى ومن حيث ان مقامها التعين الاول وهو دون اللاتعين وهي بالنسبة الى ساير التعينات ايضا غيب سميت الغيب الثاني ومن حيث ان الاشارات والوجوه اي وجوه الطلبات انما تنتهي اليها سميت غاية الغايات ومرجع الذوات ومن حيث ان الظاهرية اول ما بدت انما كانت فيها سميت الظاهر الاول وبالجملة لهذه الحقيقة الشريفة المعبر عنها بالعين اسماء كثيرة بجهات مقاماتها وروابط نسبها ولو اردنا ان نشرح ما وقفت عليه من جوامع المقال في بيان حقيقة الاحوال لاخرجنا عما نحن فيه من الاشارة والاختصار وهذا المقام حيث كان اول التعين مقام الاجمال ومقام الاطلاق ومقام الانبساط ليس فيه اختلاف ولا تعدد وانما هو مقام جمع ولما كان هذا المقام ليس هو الاول ( اول خ ) المبدأ اللاتعين ازل الآزال وانما هو الرتبة الثانية في التعبير وفيه ذكر الكثرات وان كانت مضمحلة في المقام الثاني من هذه الحقيقة فان لها ثلثة مقامات الاول مقامها في نفسها وذاتها وهيمنتها واستعلائها واستيلائها فاشار الى هذا المقام بالعين والثاني مقامها في الوجه الاسفل وذكر الكثرة والتعدد وتعلقها بوجوهها الى الحقايق والذوات فاشار الى هذا المقام بالباء فانها مقام نون العين وظهور الكثرات كما قال النبي (صلعم) ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم فالباء هو اللوح المحفوظ والكتاب المسطور مرجع الحقايق الالهية ومحل الاسماء والصفات الاضافية والخلقية والباء مظهر الجليل وقلم التفصيل والمبدأ والدليل والسبب والسبيل والسر والتعليل وهي للاستعانة لانها مظهر القدرة التي كان بها ما كان ووجد الاكوان والاعيان وهي الولاية الظاهرة التي بها الاعانة والتيسير اي اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه وهي للتعدية لان الاشياء والموجودات لا تصل الى مراداتها ومطلوباتها الا بالاتصال وهي تعدي اللوازم الى اظهار مستجنات الامكان في عالم الاعيان ( العيان خ ) في الاكوان والاعيان وهي للمصاحبة اذ بها حصلت الممازجة بين العوالم المتباينة وهي الوجه الذي لا تعطيل له في كل مكان فاينما تولوا فثم وجه الله ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معكم اينما كنتم ونحن اقرب اليكم منكم ولكن لا تبصرون وهي للالصاق اذ بها يحصل الوصول والاتصال الى المبادي الاولية بل الى التوحيد الحقيقي لانها باب الخلق الى الله فلا يصلون اليه الا بها وباب الله الى الخلق فلا يصل فيض من الله سبحانه الى احد وشيء وكون من الاكوان الا بها فهي الباب المطلق والولي الحق وهي للقسم فان الاشياء كلها قائمة بها متحصلة منها فلا يتوجهون لنيل مقصودهم وحصول مطلوبهم الا بها فهي وجه المدد وباب السرمد وهي للزيادة لان لها مقام فوق مقام المخلوقين لان القدرة الالهية التي حملها ( حملتها خ ) هذه الحقيقة المقدسة في طورها وشأنها منزهة عن الحصر في المراتب المتعلقة الظاهرة في المقامات الخلقية فلها اللطيفة الزايدة التي بها كانت بئرا معطلة وقصرا مشيدا وبها كان قول خاتم الولاية ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وهي النعمة التي قال سبحانه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فهي زايدة عما يحتاج اليه الخلق في ذواتهم وحقايقهم وصفاتهم واسمائهم وساير مقدوراتهم وهي للصلة لان بها الوصول والتيسير وبها يبلغ كل طالب الى مطلوبه ويصل كل آمل الى مأموله ويتصل كل محب بمحبوبه وهي ( فهي خ ) الواصل الرابط والقاضي العاقد وحكم الله في العباد وفصل الخطاب وعنها البدء واليها الاياب وهي للسببية لانها سبب كل ذي سبب والواسطة لتعين جميع التعينات فالباء بعد العين اشارة الى ان تلك الحقيقة مجمع الذوات القدسية ومظهر الصفات الالهية ومجمع الشؤن الحقية والخلقية وفيها جمع لكن مع ذكر التمييز واجمال مع ذكر التفصيل فلما جمعت في تلك الحقيقة الشريفة صفتا الجمع وجمع الجمع وتحقق فيها حكم الاختراع والابتداع كان فردا في حقيقة الجمع والتثنية واصلا واحدا بالنسبة الى ما بعده من الحقايق المطلقة والمقيدة فهو واحد في الصورة وجمع في المعنى وقد شملت الوحدة مقامات الكثرة واضمحلت الكثرة عند سطوع نور الوحدة فغلب عليها حكم الوحدة الحقيقية فاشير الى هذه الدقيقة في هذه الحقيقة بالالف بعد الباء فقيل عبا وربما تؤكد بالهمزة فالالف هي الالف اللينية التي طولها الف الف قامة وهي وان كانت واحدة وحدة انتفت عنها جميع الكثرات بحيث سلمت من حدود المخرج ولكنها قد اجتمعت فيها حقيقة النقطة وانبساطها وامتدادها وظهور حركتها ( حركاتها خ ) فالنقطة هي كلمة كن المعبر عنها بالعين التعين الاول والامتداد والانبساط وظهور المثال والفاعلية وذكر الحروف الكونية وغيرها فيها هو المشار اليه بالباء وهي باء بسم الله الرحمن الرحيم والجامع المكتسي ثوب الوحدة المتجلبب بجلباب الواحدية هو الالف الجامع والنور الساطع والاصل الاول فكان باجتماعها للمرتبتين اب حامل للنشأتين ولذا ظهرت فيها حروف الاب فالباء اب فعبا اب فعال لها الهيمنة بجامعيتها على كل ما سواها فعبر عن الفاعلية والتأثير بحرف العين فظهور الفاعلية بالعين وظهور الابوة بالباء فالالف خلاصة المجموع والاصل لذلك الينبوع فالعين كلمة كن والباء سر يكون والالف الاصل الاول المتحقق المتأصل من اجتماعهما والمتكون من اقترانهما ولذا كانت الالف حرف العلة مبدأ الحروف واباها واسها واسطقسها والحروف كلها من اشراقاتها في مقام ومن تطوراتها وتعيناتها في مقام وهي من الحروف في مقام ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله ) ان الحروف تسعة وعشرون حرفا وانكر على من قال ثمانية وعشرون غاية الانكار وذلك لما ذكرنا من اختلاف اطوارها واحوالها في مقاماتها لما ظهر فيها من سر الاصالة والوحدة في مقام الواحدية فالالف في المقام الثاني بعد النقطة غيب لا يدرك ومحيط لا يملك وجوهر بسيط ووحدة مطلقة وانوار ( وحدته مطلقة وانواره ) مشرقة وهو حرف نوراني وسر رباني وهو اسم للقائم الاعلى الذي منه اسم الله ( سبحانه خ ) ثم لكل مستخلف في القيام كآدم وفيه سر العالم ومراتب العلم واجتمعت فيه الاسرار العلوية والانوار الولوية والاطوار النبوية فالالف دائرة احاطية العبارات فيها محذوفة والاشارات فيها مطوية فهو ( وهي خ ) عبارة عن اليوم المطلق برق خاطف ومحق خاسف الظاهر فيه باطن والباطن فيه ظاهر والتوحيد عنه لا ينقطع وهو شكل احاطي وتبيين استنباطي بعزته الباطنة روح الحيوة وبعزته الظاهرة تمسك اسباب القدرة فهو سر الاسرار ونور الانوار ومفتاح الغيوب ومصباح القلوب فالباء الذي بعد الالف بهاء الالف والتاء تاج الالف والثاء ثناء الالف والجيم جمال الالف والحاء حياء الالف والخاء خلق الالف والدال دوام الالف والذال ذات الالف الظاهرة في الحروف والراء روح الالف والزاء زين الالف والسين سناء الالف والشين شرف الالف والصاد صفاء الالف والضاد ضياء الالف والطاء طيب الالف والظاء ظاهر الالف والعين علم الالف والغين غاية الالف والفاء فخر الالف والقاف قلب الالف والكاف كمال الالف واللام لطف الالف والميم ملك الالف والنون نور الالف والهاء هداية الالف والواو ولاية الالف والياء يقين الالف وهذه الحروف كلها جهات تطورات الالف وشؤن ذاته واطوار صفاته وله الهيمنة على الجميع في الجميع
اشراق وازهاق - قد تحقق عندنا كما اقمنا عليه براهين قطعية من العقلية والنقلية ان اصل الاسم حرف واحد وهو الوسط وهو بمنزلة القلب والخارج المركز وما اكتنفه من الحروف فهو متمماته واطواره وظهوراته وتعيناته الا ان مبدأ اليمين وجه للوسط الاصل فالاسماء المفردة اصل اسمها واحد والمزدوجة اثنان فاسم محمد صلى الله عليه وسلم هو حم وهو قول سيدنا ومولينا موسى بن جعفر عليهما السلام ان حم اسم محمد (صلعم) في كتاب هود واسم الولي اللام وهو قول سيدنا ومولينا جعفر بن محمد عليهما السلام في الاشارة الى الولي بقوله السيد اللام واشارته الى النبي بقوله السيد الميم ليس نقضا لما ذكرنا بل انما هو اثبات لما قلنا ثانيا من ان الحرف الاول في اليمين وجه لاصل الاسم يظهر سره فيه ويعرف به كما يعرف الانسان بالوجه وان كان اصله هو القلب وانما التوجه والنظر والخطاب للوجه وهو الظاهر لذلك الباطن ولذا وقع في كلمات الحكماء والعلماء الاشارة الى ما ذكرنا كما قال الشيخ الرئيس في قصيدته في تنزل العالم العلوي الى العالم السفلى وعلته وسره وكيفية التنزل التي اولها قوله :
هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع
الى ان قال :
حتى اذا اتصلت بها هبوطها عن ميم مركزها بذات الاجرع
علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم والطلول الخضع
الابيات فاذا تحقق ذلك فيجب بيان ان الباء كيف كان اصل الاسم في عباء وكيف يكون الالف الذي هو الاصل في الباء فرعا والباء الذي هو الفرع اصلا وبيان ذلك من وجهين احدهما خاص في المقام وثانيهما عام في كل الاوضاع والاعلام اما الاول فاعلم ان الباء لها مقامان احدهما فوق الالف وهو الباء في بسم الله الرحمن الرحيم وقد قال امير المؤمنين عليه السلام كلما في العالم في القرآن وكلما في القرآن باجمعه في فاتحة الكتاب وكلما في الفاتحة في البسملة وكلما في البسملة في الباء وانا النقطة تحت الباء ه ولم يجعل عليه السلام فوق الباء الا النقطة وان كانت النقطة تطلق على الالف في بعض الاطلاقات وقد رأيت ليلة اشرف من ليلة القدر وانور من وقت الظهر سيدنا ومولينا الحسين سيد شباب اهل الجنة روحي له الفداء وسئلته عن معنى كلام ابيه امير المؤمنين عليه السلام في الحديث المذكور فذكر عليه السلام في بيانه ما لا تحمله العبارة ولا تفي بعشر من معشارها الاشارة وقد رتبت في تفسير البسملة كتابا وجعلت له خمسة اسفار ( السفر خ ) الاول في تمام الكلمة الثاني في الاسم والثالث في الله والرابع في الرحمن والخامس في الرحيم وجعلت لكل سفر منازل ولكل منازل ( منزل خ ) اميال وقد ذكرت في الميل الثاني من المنزل الاول من السفر الاول من الاسفار الخمسة ما زاد على خمسة كراريس حجم الربع وقد منعتني العوايق والعوارض عن اتمامه وثانيهما تحت الالف وهي الالف المبسوطة التي طولها الف الف شبر وهي الكتاب المسطور واللوح المحفوظ وهي تفصيل الالف كالكرسي الذي هو تفصيل للعرش وبالجملة فالباء في هذا المقام هو الاول الاعلى لان المراد به التعين الاول الذي هو ثاني مقام اللاتعين بل هذا هو نقطة الحقيقية الكاف المستديرة على نفسها وقد اشار اليها الشاعر بقوله :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة
وعبر عنها بالباء لانها الازل الثاني والغيب الثاني والعالم الثاني كما تقدم بيانه فاذا كانت الباء اشارة الى هذه الحقيقة فلا ريب ان الالف تحتها والباء في العباء اشارة الى التعين الاول الذي فيه سر ( كن خ ) فيكون والالف اشارة الى صيرورة المجموع شيئا واحدا واصلا آخر تفرعت الموجودات الكاينات منه وتأصلت به وتحققت منه وصدرت عنه فالالف في هذا المقام فرع لا اصل فلذا اقتضى في الوضع الاول تأخير الالف عن الباء وتفريعه عليه فاصل الاسم في هذا المقام هو الباء لا غير لظهور اسرارها وبروز اطوارها في هذا الاسم المعظم والسر الاقدم والنور الاقوم والسر المعمي والرمز المنمنم فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم واما الثاني فاعلم ان ترتيب الحروف بحسب مقاماتها ودرجاتها ومراتبها في الشرف والضعة والتقدم والتأخر والعلو والسفل والزيادة والنقصان لا دخل له في وضع الاعلام من الاجناس والانواع والافراد على المعنى العام فان الواضع سبحانه وتعالى انما يضع الالفاظ على حسب المناسبات الحقيقية الواقعية فالمناسب لكل معنى يجعله اصلا لذلك الاسم واللفظ وان كان غيره من الحروف اعلى واشرف منه وقد يكون الاشرف فرعا لاحقا متمما على حسب مناسبة ذلك المعنى لان المعاني تختلف جهاتها ونسبها واضافاتها واطوارها واحوالها فكذلك الالفاظ على حسبها وهذا لا يقدح في اصل تقديم الحروف وتأخيرها وشرفها وضعتها
تحقيق فيه تبيين - اعلم ان الكساء هو عين العباء لان الكاف اشارة الى العين لان النون لا تنفك عن الكاف بحال من الاحوال لان الكاف اشارة الى مخترع الوجود والنون الى مبتدع الماهية لان الامكان لا ينفك عن التعين ابدا فحصول التعين بالنون وحصول الوجود والكون بالكاف فهما لا يفترقان ابدا فالنون تدل على الكاف والكاف يدل على التعين ( النون خ ) قطعا والسين تكرار الباء ثلثون مرة في مقام المراتب المتنزلة الحاصلة من الكيان الثلاث في القبضات العشر فحيث كان اللام اصل اسم الولي ونقطة الولاية سارية في العالمين قطعا عالم الغيب والشهادة وعالم الدنيا والآخرة وعالم الاجمال والتفصيل وعالم النفي والاثبات فتكرر اللام فتكون السين وهي اشارة الى ظهور الولاية في جميع الاكوان والاعيان ومستسرات حقايق الامكان فالولاية المطلقة المعبر عنها بالسين حاملة للعين والالف فالاولى لسر الفعالية والثانية لبيان الوحدة والاصالة فالسين لها سر الجامعية التفصيلية ولذا كانت قلب القرآن على ما ورد في الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فالاصل في الكساء السين كما ان الاصل في العباء الباء والسين في العالم الاعلى هو الباء كما ان الباء في العالم الاسفل هو السين فالعباء اسم للرتبة الجامعة في العالم الاول الاعلى والكساء اسم لها في العالم الاسفل وهما واقعان على معنى واحد في العالمين المتباينين المتخالفين وحيث ان هذه الجامعية انما كانت في اصل الوجود في المبدأ الاول عبر الناظم ايده الله وسدده عنها بالعباء دون الكساء وهذه الجامعية ثابتة لحملة الولاية الباطنة الى ان عرضتهم عوارض التعين والحدود فنزلوا في مقام الفرقان بعد ما كانوا في مقام القرآن في مجلس الانس ووادي القدس ولما ظهروا في مقام التفصيل وتمايزوا وتباينوا فما داموا في العوالم العلوية عالم المجردات لرقة حجابها وضعف انياتها وكون جهة الاختلاف والتمايز فيهم ضعيفا لم يلتبس الامر على احد في انهم حدود الولاية ومهابط العناية وسر اللاهوت ومبدؤ الملك والملكوت ولما ظهروا في مقام الاجسام عالم النقش والارتسام غلظت الحجب وتراكمت حدود الانية فالتبس الامر على الواقفين مقام الادبار الغير المقبلين على المبادي العالية على وجه الاقبال فاراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) تجديد عهد ذلك المقام وتذكير امر اولئك الاعلام فجمعهم تحت العباء وخصهم بنفسه الشريفة في ذلك الكساء فانزل الله سبحانه انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فالرجس لاطلاقه وعدم تقييده بشيء عبارة عن نواقص الامكان ورذائل الاكوان والاعيان التي اصل حصولها وسر تحقيقها ( تحققها خ ) ملاحظة الكثرة والاشتغال بلوازم الانية والالتفات الى حدود الماهية وهذه عين كل نقص ورجس وجميع النواقص والارجاس انما تتولد وتتحصل منها فالتطهير هو التنزه عن هذه اللوازم والتقدس عن تلك الوجوه فاذا انتفى نظر الكثرة جاء حكم الوحدة فبطل حكم الاختلاف وظهر الايتلاف وذهب الفرق وجاء الجمع وجمع الجمع ورجع الامر ( في العالم الاسفل على ما كان في العالم الاول خ ) فاستدار الامر عودا كما استدار بدوا فالحقيقة واحدة والذات غير متعددة والكثرة ذاهبة والوحدة جائية والفرق منتف والفصل مرتفع فكان العباء والاجتماع تحتها دليل الاجتماع في مقام التعين الاول ونور الازل وصبح شمس الازل وقوله سلمه الله تعالى وايده بهديه واسعده بتقويه : شملتكم معه العباء بحيوته اراد ان يبين مقام الجمع بعد ما ذكر حكم الفرق في البيت الذي قبله من اثبات حكم الوراثة ولا تكون الوراثة الا بعد انتقال المورث وبقاء الوارث وهو فرق بين وفصل ظاهر ولا يكون ذلك الا بعد الموت الذي هو عبارة عن الانتقال المذكور واما الاجتماع والاتصال فلا يكون الا بالاقتران في الرتبة معه ولا يكون ذلك الا بالحيوة هذا ظاهر المقام واما في الحقيقة فاراد سلمه الله تعالى ان مقام الجمع وجمع الجمع هو مقام الوحدة ورفع الكثرة والرجوع الى عالم الوحدة وهو الحيوة الابدية التي لا موت فيها وهو السباحة في لجة بحر الاحدية وهي عين الحيوة ( الحيوان خ ) في ظلمات الكثرة التي من اغتسل فيها بعد رفع حجب الكثرات وظلمة الانيات حي ( حيي خ ) حيوة ابدية لا يعتريه موت ولا لواحقه من السنة والنوم فالسنة في مقام رقة الحجاب والنوم في مقام غلظة الحجاب بتكاثف ابخرة الانيات وتصاعدها الى مجاري الحيوة التي هي الوحدة المطلقة والموت ظهور حكم الحجاب وخفاء امر المحتجب فيخرج الحجاب عن كونه حجابا ويأتي حكم الاستقلال من قوله تعالى افرأيت من اتخذ الهه هويه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فالوحدة حيوة والكثرة ممات وما بينهما بين بين والعباء لما كان مقام الجمع والوحدة عبر عنه سلمه الله تعالى بالحيوة والكثرة والفرق لما كان مماتا وموتا والارث لا يكون الا عن موت عبر عنه بالموت لكنه مع كمال الادب والاحترام الدالين على كمال مقام الناظم في المعرفة فاشار الى الموت بالوراثة ولم يصرح بالموت لما فيه من اسائة الادب وقلة الاحترام واثبت بهذا الموت الحيوة للوارث وكونه بقيته ( بقية خ ) وكون الحيوة في هذه المرتبة التي هي عبارة عن الكمال قد انتقلت اليه ومن اللطايف العجيبة والاسرار الغريبة ان هذين البيتين المتجاورين مع تباين مضمونهما كل منهما يدل على الآخر الا ان في الاول تلويح الى الثاني وفي الثاني تصريح بالاول لان الوارث لا يكون كذلك الا عند اجتماعه مع مورثه اولا في حيوته والا لم يكن وارثا له فبهذه الوراثة اثبت الاجتماع وشمول العباء المعبر عنه بمقام الجمع ولكنه سلمه الله تعالى افصح عن المراد في هذا البيت وقد كان كامنا في البيت الاول فافهم فاذا فهمت ما ذكرنا اولا من ان العباء مقام الجهة الجامعة ورتبة الواحدية وان الاصل فيه هو الباء وهو سر الاسم وان العين والالف قد ظهرتا بها وانتهيتا اليها في مقام الظهور وان سر الباء في النقطة والباء غطاؤها والعباء في الحقيقة هو الباء يظهر لك بقائد التوفيق والتسديد ما ذكره الناظم سلمه الله تعالى في المخمس المذكور في مدح مولينا امير المؤمنين عليه السلام اقتباسا من كلامه الشريف بقوله :
نقطة افرغت وليس وعاء ملئت حكمة ولا املاء
تحت باء لها العباء غطاء لا الخلأ يوم ذلك فيها خلاء
فيسمى ولا الملاء ملاءالنقطة هي سر الكينونة وهي بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهي افرغت اي انصبت من بحر الازل اي ( او خ ) ومن النور الذي لم يزل قد اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره او افرغت من بحر نفسها بنفسها كما قلنا في بيان الوجود المطلق انه قبض من رطوبة الرحمة نفسها بها اربعة اجزاء بها ومن هبائها جزء به فالقابض والقبض والمقبوض والمقبوض به والمقبوض منه واحد بلا اختلاف الا من جهة المتعلق فهذه هي النقطة التي افرغت بنفسها لنفسها من نفسها الى نفسها في نفسها فالحقيقة ومن والى وفي وعن كلها واحد وهي التي ليست بشرقية ولا غربية ولا جنوبية ولا شمالية بل هي شرقية وغربية وجنوبية وشمالية ونارية ومائية وهوائية وقد قال صاحب الشذور ونعم ما قال :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية غربية شمالية كل الجهات جهاتها
وهي صاحب الازل ومبدأ الابد وعلة العلل قد افرغت من سماء الجود ولا وعاء هناك لان الاوعية ثلثة الزمان والدهر والسرمد وكلها حدود وتعينات لتلك النقطة فهي نفسها تجل عنها او المراد بالوعاء كل الحدود على جهة الاطلاق وحيث انها التعين الاول كان وعاؤها نفسها وهي الكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي وهي العين التي وضعناها ( وصفناها خ ) سابقا عند وصف العباء وهذه النقطة قد افرغت ولا وعاء هنا غير نفسها يحملها ويحدها من الامتداد او الفراغ الذي هو المكان في كل عالم بحسبه او الحدود مطلقا لانها بها تحققت وبها تأصلت وعنها صدرت ومنها برزت واليها عادت ولا يجري عليها ما هي اجرته ولا يبتدأ بها بما ( لا تبتدء بما خ ) هي ابدته لانها قد سبقتها وهي قد لحقتها والسابق موجود قبل اللاحق فالنقطة موجودة بلا وعاء واشار سلمه الله تعالى الى حدوثها بقوله افرغت والفاعل مجهول لم يأت بذكره اجلالا وتعظيما وتنويها وتقديما وتطريفا ( تشريفا خ ) فاذا اثبت حدوثها صح وصفها بالافراغ ولما كان كل حادث حاملا لاثر فعل محدثه والحامل هو الوعاء الحامل للفيض ولما كان الفعل ايضا حادثا يتسلسل لو اثبتنا للفعل المحدث لهذه النقطة فعلا آخر قلنا هذه النقطة هي الفعل ولما كان الحادث اثر الفعل ويتسلسل لو اثبتنا لهذه النقطة اثرا لهذه النقطة اثر غيرها لتكونها ( لو اثبتنا لهذه النقطة اثر غيرها لتكونها خ ) قلنا هي الاثر ولما كان الفاعل مشتقا والمشتق فرع وجود المبدأ ويتسلسل لو اثبتنا فاعلا المشتق غير الفعل والمصدر قلنا هذه النقطة هي اسم الفاعل المشتق وهي الفاعل الذي هو اسم الفاعل ايضا فقلنا هذه النقطة التي افرغت وان كان ليس هناك وعاء غيرها لكنها هي وعاء نفسها وهي فعل لحصول نفسها وهي اثر لفعل نفسها وهي فاعلية نفسها في مقام الاشتقاق والتعلق لا في مقام الذات والتحقق فاذن هي اسم الفاعل والفعل والاثر والحامل فمن حيث اسم الفاعل حرارة ومن حيث الفعل والاثر رطوبة ومن حيث الوعاء والحاملية يبوسة وبرودة فاجتمعت فيها الحرارة واليبوسة والحرارة والرطوبة والبرودة والرطوبة والبرودة واليبوسة فاجتمعت فيها النار والهواء والماء والتراب واسم الفاعل والفعل والاثر الذي هو المفعول المطلق والحامل الذي هو المفعول به واذا لاحظت الاربعة في الاربعة كان الحاصل ستة عشر وكل منها عين الآخر والمجموع واحد فالنار ماء وهو تراب والتراب هواء والفعل مفعول والمفعول المطلق هو المفعول به والكل عين البعض والبعض هو تمام الكل على حد ما ذكره الشذوري كما نقلنا عنه سابقا وهذا هو الجهة الجامعة والحقيقة الواحدة التي بوحدتها متكثرة وبتكثرها متوحدة وهي وحدة التعين الاول وكثرته وكثرته ووحدته وهو مقام جمع الجمع وتعالى القديم الحق اللاتعين عن هذه الوحدة التي تشوبها الكثرة وان كانت كل واحدة منها ( منهما خ ) عين الآخر وهذا هو معنى قول الناظم ايده الله بتوفيقه وسدده بعنايته نقطة افرغت وليس وعاء مشروحا مجملا ولا تتوهم ان ما ذكرته لغز او تعمية لا والتعين الاول والولي المطلق بل ما ذكرنا تعبير عن الواقع ولغة اهل ذلك العالم مما سمعناه وشاهدناه وقد تكلم سلمه الله تعالى على وفق المراد والمستجن في الفؤاد واين الاستعداد ثم ان ( اين خ ) الاستعداد في اظهار المراد على طبق ما في الفؤاد ما كذب الفؤاد ما رأى وقد اشار الناظم وفقه الله الى ما رأى الفؤاد لاهل الاستعداد بقوله سلمه الله تعالى ملأت حكمة ولا املاء اي ملئت تلك النقطة المنزهة عن الوعاء حكمة من اسرار الوجود ومستجنات الغيب والشهود فقد ذكر فيها كل رطب ويابس وكل جليل وحقير وكلما في عالم الامكان من الاكوان والاعيان في جميع الاكوار والادوار والاطوار على وجه اشرف وهي الاعيان الثابتة وهي العلم المطلق العام وهي القدرة العامة الواسعة المستطيلة على الاشياء كلها ومختصر المقال في الحكمة ما ذكره سيدي ومولاي ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في تفسير قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ان الحكمة هي الولاية المطلقة وهو كما ذكره ( روحي له الفداء خ ) فان نقطة الولاية قد عمت الوجود ولا يشذ منها شيء من الغيب والشهود فهي الحكمة العامة التي هي وضع الاشياء في مواضعها ومشاهدة الاشياء كما هي كل شيء في محله والعلم بهذه الاطوار هو علم الحكمة فهو اذن العلم باحوال اعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية والبشر هو البشر الاول خاتم النبوة المطلقة التي من فروعه خاتم الولاية المطلقة كما اشار اليه سيدنا ومولينا الصادق عليه السلام في زيارة خاتم الولاية وبيان بعض اوصافه عند السلام عليه السلام على الاصل القديم والفرع الكريم فهو الاصل القديم السابق لكونه حامل الولاية المطلقة وفاتحها وخاتمها ونقطة سر الولاية هي السارية في اطوار الكاينات كلها فهو اذن اصل تفرع منه الكاينات قديم قد سبق الموجودات اول به فتحت الاوايل وآخر ختمت به الاواخر سر الهيمنة ونور القيومية ولكنه مع ذلك فرع كريم فرع تفرع من الشجرة الزيتونة التي اصلها خاتم النبوة كريم احاط كرمه الاشياء كلها والموجودات باسرها والاكوان بحذافيرها والاعيان بشراشرها وتلك النقطة قد جمعت فيها جميع اسرار الحروف وفي الحروف جمعت وملئت اسرار الكلمات وفي الكلمات استجنت اسرار المعاني فالمعاني غيب في الكلمات والالفاظ مطلقا تكوينية كانت ام تدوينية والالفاظ والكلمات غيب في الحروف والحروف غيب في الالف المتحركة وهي غيب في الالف اللينية وهي غيب في النقطة فهي غيب الغيوب وسر الاسرار فملئت حكمة في مقابل ( مقام خ ) جمع الجمع وليس هناك املاء لانه لا يكون الا بالمملي والمملي عليه وحدود الاملاء وهذه الكثرات منتفية هناك اذ المفروض انه ليس هناك الا النقطة وهي سر الحكمة فاين الاملاء والمملي والمملي عليه فان الاول هو الالف اللينية والثاني الالف المتحركة لانها القلم والثالث الالف المبسوطة وهذه كلها في غيب ( غيب في خ ) النقطة فهي في مقام الجمع امتلأت حكمة ولا املاء الا نفسها كما ذكرنا في الوعاء في النقطة حرفا بحرف فراجع تفهم ففيها الاملاء والمملي والمملي عليه واحد بلا تكثر ولا اختلاف لانك لا ترى في خلق الرحمن من تفاوت والاشياء السافلة المذكورة في المبادي ( السافلة مذكورة في مباديها خ ) المتصلة المتعلقة على الوجه الاشرف وهو وجه الوحدة اشرف الوجوه واعلاها واكملها واسناها وقد ظهر جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير بوجه من وجوه تلك الحكمة فملأ اركان الوجود واحاط بكل الحدود ثم لما وصف سلمه الله تعالى النقطة بما وصف من عدم الوصف اراد ان يذكر مظهرها ومهبط فيضها وحامل اصلها وفرعها فقال ايده الله : تحت باء لها العباء غطاء وهذه الباء هي باء العباء وهي التي اسم لحقيقة العباء كما ذكرنا وهي باء بسم الله الرحمن الرحيم والمراد بتحت الباء غيبها وسرها لا الواقعة تحتها كما هو المعروف من النقطة التي تميز الباء عن التاء والثاء لانها حدود عرضية وصفات خارجية وعلامات مميزة لا دخل لها في جوهر الذات فالنقطة هي التي قد ظهر وجه منها فعبر كان استنطاق العين فالنقطة افرغت من عالم اللانهاية فكانت هي الكاف المستديرة على نفسها وبيان ذلك ان النقطة افرغت وافراغها استدارتها فكانت هاء فلو انها اشبعت بعد الاستدارة كانت هي الاسم الاعظم الاعظم الاعظم ولكنها قبل الاشباع نظرت الى جهة المفرغ والافراغ من حيث المصدر ومن حيث المفعول المطلق ومن حيث المفعول به فكانت اربعة اركان والهاء لما نظرت الى هذه الاركان استنطقت منها الكاف ولما تنزلت الى مقام انزل كانت مبدأ مرتبة اخرى وهي الياء ولما كعبت الهاء في الياء استنطقت النون ولما قارنت الكاف بالنون استنطقت العين فلما تمت الكلمة وظهر سر النقطة وجد المبدأ الاول وهو الماء الذي به كل شيء حي وهو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض وهو بحر الصاد واول المداد الذي قد توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج عند وصوله الى مقام اللانهاية لصلوة الظهر الموصل ( للوصول خ ) الى اصل الظهور الظهور الاول الماحق كل ظلمة والماحي كل مدلهمة فتمت بتمام هذه المعاني كلمة الاسم الاكبر كهيعص فالهاء استدارة النقطة وانبساطها وعند اعتبار اركانها التي هي اركان التوحيد تكون صورتها هكذا
وهو مبدأ الاسم الاعظم والسر الاقدم والكاف ظهور الهاء باعتبار وجوهها الاربعة والياء تنزل الهاء في مرتبة والعين تمام الكاف والنون الحاصل بتكعيب الهاء في الياء والصاد اثر العين فتركبت الكلمة المذكورة كهيعص وهي جامعة للوجودين الوجود المطلق بالعين والوجود المقيد بالصاد فلها مقام الجمع وهي مع ما فيها وعليها من المقامات مجتمعة في النقطة فلها مقام جمع الجمع فالنقطة التي هي سر ( السر خ ) في الكون تحت الباء اي غيب فيها وباطنها والباء قشرها وظاهرها والباء عباء للنقطة جامعة لها مشتملة عليها والعباء الذي هو الجهة الجامعة غطاء للباء وهي غيب في الوجود فالباء غيب في العباء والنقطة غيب في الباء فهي اذن غيب الغيوب وسر الاسرار ونور الانوار وكلمة الجبار ومعدن الفخار فالنقطة مقام جمع الجمع والباء التي هي الاصل في اسم العباء مقام الجمع والعباء هو الاسم الجامع للمقامين والغطاء في البين وهذه الحقيقة قد سبقت الكون والوجود نفيا واثباتا وخلأ وملأ فان الصادق جعفر بن محمد صلى الله عليه وعلى آبائه وابنائه قال كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فما ندركه من الخلأ والملأ ونعقله كل ذلك مخلوق داخل تحت تعين الوجود فالنفي مجازي اضافي اذ العدم المطلق لا اشارة اليه ولا عبارة عنه والتعين الاول الذي هو الولاية المطلقة قد سبق كل شيء معدوم وموجود فهي موجودة قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء فنقطة الولاية التي هي تحت الباء المغطاة بالعباء كانت موجودة وليس غيرها شيء من الاطوار ولا خلاء ولا ملاء فاذا انتفى الخلاء والملاء لم يبق شيء ولذا قالوا فوق العرش محدد الجهات لا خلاء ولا ملاء فاثبت الناظم ولله دره من مبين متقن ان نقطة الولاية في محلها ثابتة قبل الخلاء والملاء ولذا ربط نظم كلامه في التخميس وتمم كلام الشاعر المفلق الشيخ صالح التميمي سلمه الله تعالى بقوله :
تحت باء لها العباء غطاء لا الخلاء يوم ذاك فيها خلاء
فيسمى ولا الملاء ملاء وانما قلنا سابقا انه سلمه الله تعالى اقتبس من كلامه الشريف لانه قد روي عن امير المؤمنين عليه السلام رواه ابن عباس كما ذكرنا سابقا ان كلما في القرآن في الحمد وكلما في الحمد في البسملة وكلما في البسملة في الباء وكلما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء والناظم ايده الله وسدده قد اقتبس منه علي اخيه وعليه السلام وشرحه وفصله وقال ان تلك النقطة التي تحت الباء قد شملته العباء والعباء هي الباء وهي غطاء النقطة كما كانت العباء في هذه النشأة غطاء للنقطة الحقيقية الظاهرة في الاركان الخمسة في اب الخمس كما في الدعاء يا ابا الخمس بحق الخمس الا ما قضيت حاجتي ويسرت امري فالنقطة عند استدارتها وظهورها بالاركان الخمسة في مبدأ شكل الاسم الاعظم كما تقدم مثاله هي ابو الخمس والخمس اركانها كما تقدم وغيرها وهو المسمى بالخاتم كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الدعاء الجلجلوتي الى ان قال عليه السلام :
وبلغني ربي وكل مآربي بسر حروف يا الهي تجمعت
ثلث عصى صففت بعد خاتم على رأسها مثل السنان تقومت
الى ان قال عليه السلام :
وآخرها مثل الاوائل خاتم خماسي اركان على السر قد حوت
فتلك الخمسة اي اركان النقطة هي الظاهرة في هذه النشأة بالاشباح لخمس المجتمعة تحت عباء الولاية والعباء اسم للباء وهي الكتاب الجامع والنور الساطع واللوح المحفوظ فهذه العباء الظاهرة شرح وبيان لتلك العباء الباطنة ولما كان الظاهر ينبغي مطابقته مع الباطن يستحب اشتمال العباء والتردي بها في الصلوة في هذه الدنيا لبيان وصل الولاية بالنبوة والتصديق والتسليم لقوله تعالى قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى ( وخ ) القربى مؤنث اقرب ولا شيء اقرب من النفس والاولاد فالعباء هي الجهة الجامعة والحقيقة الواحدة المشتملة على حقيقة الحكمة التي جاء النبي وبعث النبي صلى الله عليه وآله لتعليم الناس اياها وهو قوله تعالى هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فالكتاب هو الباء وهو قول النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم والحكمة هي النقطة واليها اشار الناظم ايده الله بتوفيقه في قوله في النقطة ملئت حكمة ولا املاء كما شرحنا لك سابقا وانما كررت العبارة ورددتها للتفهيم ولو اني هذبت العبارة واكتفيت بالاشارة لكلت البصائر الى هذه المطالب ومع ذلك فان عرفتها فانت انت ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ايقاظ وتنبيه - اعلم ان الناظم ادام الله تأييده وتسديده قد اشار في قوله نقطة افرغت وليس وعاء مع ما ذكرنا سابقا من الاشارات الرايقة والتلويحات الفايقة وما لم نشر مما استجن في مخزن القلب ولم نظهرها في السطر فان كتمانه في القلوب خير من ابرازه في السطور الى الخلق في مسئلة اختلفت فيها الحكماء والعلماء وصارت معركة للآراء وافردت في بيانها الرسايل واكثرت الحجج والدلائل في ان النقطة الجوهرية التي هي طرف الخط المسماة عندهم بالجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزي هل لها وجود في الكون والعين الخارجي ام لا وانما قيدنا النقطة بالجوهرية لان العرضية قد اجمعوا على وجودها وتحققها في الموضوع الذي هو الوعاء واما الجوهرية فقد اختلفوا فيها فمن قائل بوجودها وهم المتكلمون متمسكين بالكرة المدحرجة اذا كانت صحيحة الاستدارة فانها تنقسم الى نقط ومن قائل بعدمها وهم عامة الحكماء من الاشراقيين والرواقيين والمشائين متمسكين بمنع الوسط من الاجزاء المفروضة عند الوضع الترتيبي عن تلاقي الطرفين والا انتفى التركيب من البين ولم يتألف الجسم ولم يتركب من الاجزاء الموصوفة وهو المفروض وعدم التلاقي يورث القسمة اذ الملاقي لاحد الطرفين غير الملاقي للطرف الآخر بالضرورة والا حصل التلاقي وذلك هي القسمة البينة الواضحة عند كل ذي حجى والناظم ايده الله بتوفيقه اختار وجودها وتحققها واشار الى تحققها وتأصلها بقوله نقطة افرغت وليس وعاء يعني ان تلك النقطة افرغت بالافاضة من المبدأ الحق الى عالم الامكان والكون او افرغت من بحر الامكان الى عالم الكون او افرغت من البحر الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء التي كان غلظها غلظ السموات والارض لما نظر اليها الحق سبحانه بنظر الهيبة الى عالم الجسم في مقام الجسم الكلي او الجسم الكل وليس وعاء لها لتكون حالة فيه وتكون النقطة العرضية التي اتفقوا على وجودها وتحققها بل هي نقطة جوهرية غير متجزء ولا متقسم
تحقيق فيه تصديق وتزييف - اعلم ان هذا الكلام اي عدم قبول قسمة الجزء او وجود الجوهر الفرد ان كان يراد به نفي القسمة مطلقا ولو من الوجود والماهية والتعين والوجود المطلق فذلك ينافي الامكان والحدوث فان الامكان على مذهب اهل الوحدة الوجود المطلق حين التعين وعلى مذهب الحكماء والمتكلمين الفعل والانفعال الحاصلان من قوله تعالى كن فيكون وبالجملة كل ممكن زوج تركيبي وقد قال سيدنا ومولانا علي بن موسى الرضا عليهما السلام ان الله لم يخلق فردا قائما بذاته لما اراد من الدلالة على نفسه فخلق كل شيء وجعل له ضدا وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين وبالجملة تركيب الامكان من حيث هو امكان لا يشكه انسان والمركب لا يكون الا منقسما فالحق على هذا التقدير مع النافين وان كان يراد به نفي القسمة في عالم الاجسام او كل عالم كما صرحوا بذلك فحينئذ الحق مع الناظم سلمه الله تعالى وجماعة المثبتين فان حدود العالم الاسفل منتفية في العالم الاعلى ولا شك ان القسمة في كل مقام صفة تجري على الشيء من حيث هو فاذن فالشيء من حيث هو هو لا تجري فيه القسمة لان المقسم غير الاقسام وكذلك اذا قلت الشيء اما مقسوم او غير مقسوم او كلي او جزئي او صفة او موصوف او جوهر او عرض فالشيء اي الحقيقة من حيث هي هي ليست الا هي والانقسام جهة مغايرة لذاتها فلا تجري عليها من حيث ذاتها فالنقطة من حيث ذاتها بالاضافة التي ما تحتها من المراتب لا تقبل القسمة وان كانت بالاضافة الى اعلى منها تقبل فنقطة وجود كل مرتبة التي هي وجه مبدئها من حيث استدارتها على مبدئها لا تعتبر فيها الكثرة والاختلاف وقبول القسمة لان القسمة احوال تنزلاتها فلا تجري عليها والا لساوي المتنزل والغير المتنزل وساوى المطلق والمقيد وهو في البطلان بمكان ومن حيث استدارتها على المحور اي من حيث ظهورها بالمحور تقبل القسمة وتتجزي الكرة دائرة دوائر ففي السلسلة الطولية وجه الاعلى الى الاسفل لا تقبل قسمة الاسفل بالضرورة وذلك الوجه في العالم الاسفل هو النقطة وهو حكم يجري في كل السلسلة وفي السلسلة العرضية ايضا تكون النقطة وجه ذلك الاعلى فلا يصح انقسامها بحال من الاحوال وطور من الاطوار الا باعتبار امكان القسمة في الاعلى على الوجه الاعلى وبالجملة ان كان نزاعهم في الاجزاء التي يتركب الجسم منها نفيا واثباتا اي النقطة التي يتركب الجسم منها لا توجد اصلا للزوم القسمة على ما ذكروا فنفيهم للجوهر الفرد مقيد بالذي يتركب الجسم القابل للطول والعرض والعمق منه فالحق مع النافي لان اجزاء المركب اذا لم تكن قابلة للقسمة لا يحصل التركيب بالضرورة وان كان نفيهم للجوهر الفرد مطلقا سواء تركب الجسم منه ام لا فالحق مع المثبتين على الوجه الذي ذكرنا بالتفصيل الذي بينا وذلك معلوم بعد البيان ان شاء الله تعالى فمبدأ كل مرتبة لا تقبل قسمة تلك المرتبة قطعا وهو الجوهر الفرد اما انه جوهر لان العرض حال فيه ووجوده شرط لوجود العرض فلا يصح ان يكون مبدأ الوجود عرضا فهو اما جوهر او اعلى منه وقد جرى الاصطلاح ان ما عدي العرض يسمى جوهرا لحصرهم الامكان فيهما في ظاهر المقال والا فكلام سيدنا ومولينا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء من الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فاذا كان بريئا من الحدود ومحجوبا عنه حس كل متوهم فاين مقام الجوهر والعرض لانهما من الحدود ويتعلق بهما مدارك الاوهام وكيف يكون الجوهر مستترا غير مستور مع انه اما مستتر او ظاهر وقد قال ابن ابي الحديد المعتزلي في مدح امير المؤمنين عليه السلام :
صفاتك اسماء وذاتك جوهر بريء المعاني عن صفات الجواهر
يجل عن الاعراض والكيف والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر
فنفى عنه صفات الجواهر والشيء انما يظهر بصفته وبالجملة ما ليس بعرض يسمى جوهرا على الظاهر ولذا سميناه جوهرا سواء لاحظنا مقابلته مع العرض ام لا واما انه فرد فلانه واحد ليس في مقامه شيء سواه وكلما سواه حدود تنزلاته واطوار مشخصاته وجهات تعيناته فلا يكون له ثاني وثالث ابدا بحال من الاحوال وطور من الاطوار فاين الثاني له ولذا قلنا فردا تبعا لقولهم وهو الحق ولما كانت النقطة في كل عالم من العوالم الالف الف جوهر فرد غير حالة في الموضوع ( موضوع خ ) ولا محل وليس لها وعاء فما ظنك بنقطة الولاية السر الوحداني والنور الرباني والنقش الفهواني والخطاب الشفاهي والامر الالهي في مبدأ التعين تحت حجاب اللاتعين فهي اذن نقطة حقيقية وليس هناك وعاء لا لها ولا لغيرها اذ ليس هناك غيرها وكلما سواها منها ولها واليها وقد قال الشاعر ونعم ما قال :
ما في الديار سواي لابس مغفر و انا الحمي والحي مع فلواتها
فهي نقطة الوجود وسر الشاهد والمشهود وحقيقة الموجود والمفقود ولما صرح الناظم ايده الله بتوفيقه حكم الجمع وجمع الجمع وبين مقام الصلوة التي هي من الوصل في العباء والجمع بين النبوة والولاية في مقام واحد واشار الى تلك المقامات والمراتب والمطالب التي اوضحناها وفصلناها بوجه من وجوهها وشأن من شأونها وهيهات ان يجمع الكل في الكتاب او يحويه خطاب او يفصل في سؤال وجواب لانها من الكلمات التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت وهي النعمة التي لو اجتمع على احصائها كل امة ( محمد رسول الله صلى الله عليه وآله خ ) من العالمين عجزت عن احصاء شأن من شئونها وطور من اطوارها وهي الحكمة التي لا يؤتاها الا ذو حظ عظيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وبالجملة فالناظم المفلق والعالم المحقق لما بين مقام الجمع باكمل جمع اراد ان يشرح مقام الفرق والفصل تبعا لقول العزيز الحكيم في الكتاب الكريم وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب فالحكمة هي الجمع وفصل الخطاب كاسمه هو الفرق والفصل فقال سلمه الله تعالى في المصرع الثاني من هذا البيت : ومماته استاره لك تشمل اتى بخطاب المفرد لان كل واحد في حكم واحد في مقام الجمع والفصل يعني انتم في مقام الحيوة شملتكم معه العباء في مقام الوحدة والتوجه الى المبدأ وفي مقام الممات اي انتقال سيدكم وفخركم من مقام اجتماعكم معه الى المقام الاعلى والعروج الى الدرجة القصوى استاره تشملكم لان بها حصل الفراق ومعها انتفى الطلاق وعندها عدم التلاق فالاستار حجب مانعة وحدود قاطعة وفصول واقعة تميز كل واحد عن الآخر ويثبت لكل حكم خاص به دون الآخر ولما كانت تلك الحدود موافقة لمحبة الله تعالى ومطابقة لمشيته كما قال تعالى خطابا لهؤلاء المخلصين والسادة الموحدين وما تشاؤن الا ان يشاء الله كانت نورانية منصبغة بصبغ الله ومن احسن من الله صبغة فلها في كل مقام لون خاص بها كما اشرنا سابقا في الطراز الى ان نزلت في عالم الحس الظاهري ومقام الاختلاف ومقام نسوا الله فنسيهم على الستر المعروف وهو ثوب اخضر المتحصل من صفرة الروح من امر الله وسواد الجسم آخر المراتب البعيدة مظهر اسم الله المميت وهذا هو خضرة القاف اي جبله واما خضرة هذا الستر فانما هي من تجلي اسم الله البديع واسمه الباعث فتولد من اقتران اثريهما الخضرة والمنقوش عليه لا اله الا الله هو الذكر الاول لاهل الحلقة الاولى العليا تحت الستر الاول والحجاب الاكبر ومحمد رسول الله (صلعم) هو الذكر الثاني لاهل الحلقة الثانية تحت الستر الثاني والحجاب الثاني وآله وصحبه اولياء الله وخلفاؤ الله وهو الذكر الثالث لاهل الحلقة الثالثة تحت الستر الثالث والحجاب الثالث وهذه الاستار قد ظهرت في هذا الستر والمجموع الظاهر والمظاهر هو الرابع وهو خليفة الخليفة وحجة الحجة ونور المحجة والركن الرابع والنور الساطع والبدر اللامع وكل نقش دليل ستر والمجموع دليل الجامع وهو حامل اسرار الثلثة والجامع للاذكار الثلثة والظاهر بالاطوار الثلثة وهذا الستر دليل المرشد الكامل والشيخ العادل الباذل مظهر الانوار ومهبط الاسرار ودليل الجنة والنار فالمقامات اربعة مقام التوحيد الخالص في لا اله الا الله ومقام النبوة المطلقة في محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ومقام الولاية العامة في آله واصحابه خلفاء الله ومقام الشيخ الكامل والمرشد الواصل والدليل على تلك المعاهد والمراحل الموصل للفاني فيه الى اشرف المقاصد وهو الحجاب الاكبر والباب الارشد والطريق الاقصد والعالم المسدد ومأوى الفخار ومثوى الحكم والآثار وبقية البقية من الصفوة الاخيار حامل العناية الازلية للابرار والاشرار مصدر العلوم والاسرار ومهبط الفيوضات والانوار وبه تتم الاركان ويعتدل الزمان ويستقر الخير والنور لاهل الايمان حملة القرآن والفرقان صلى الله على محمد وآله وصحبه وخلفائه وخلفاء خلفائه اصحاب الحق والايقان فبين الناظم اشاد الله شأنه واوضح برهانه في هذا البيت اقصى مقامات الجمع والفرق بمراتبهما واحوالهما فلله دره من مبين محكم متقن جار على الفطرة الاعتدالية والطوية المستقيمة الحقيقية فلما ذكر الستر وبعض احواله وصفاته اراد سلمه الله تعالى ان يوضح الامر ويسفر عن وجه الستر ويكشف الحجاب عن وجه الحجاب ويبين ان الستر وان كان في الظاهر هذا الستر ولكن لا تتوهم انه هو الثوب الاخضر المعروف وان كان هو الثوب ( الاخضر خ ) المعروف ولا تتخيل انه هو النقوش المرقومة المسطورة وان كان هو النقوش المرقومة المسطورة ولكنه رجال وجماعة من الابدال قد غمسوا في بحر الوصال وسبحوا لجة الجلال ونظروا في مرايا الجمال فتجلي لهم نور الاقبال في خلال تلك العكوس والظلال وصاروا حجبا لغير الواصلين وسلما لغير البالغين وحملة الافاضة من السابقين الاولين المعبر عنهم بالقبور الحافظين في الصدور ما القي اليهم من مقامات السرور ومراتب النور وهؤلاء الابدال حجب اولئك الرجال بالمعنى الاول مر ذكره في باب الحجاب والستر من انه الواسطة بين الاعلى والاسفل
فقال لله دره وعظم بره وتولي امره :
هذا رواق مدينة العلم التي من بابها قد ضل من لا يدخل
اقول : يعني ان هذا الستر والحجاب رواق مدينة العلم والرواق مقدم البيت وشقته التي هي دون الشقة العليا الاولى كما في القاموس فهنا ثلثة اشياء الرواق والمدينة والباب ومعانيها الظاهرة غنية عن البيان وعن التذكار والتبيان فان كتب العلماء مشحونة بذلك واقوالهم ناطقة بما هنالك وشرطنا ان نكتفي بما ذكروا ولا نتعرض بكلما زبروا بل نذكر ما افيض علينا من بحر النور وما القي علينا بحمد الله تعالى من عالم السرور مما لم يحوه كتاب الا اشارات السنة والكتاب وتلويحات العلماء الاطياب ان في ذلك لذكري لاولي الالباب فالرواق هو الجناب وباب الباب وحجاب الحجاب الموصل الى الاحباب الدليل الى الدليل والسبيل الى السبيل والحجة من الحجة والداعي الى الخليفة وهو سلم الطريق وهو اول الرفيق والركن الوثيق والجار اللصيق والمرشد على التحقيق ونور النور وحجاب الظهور السفينة في بحر القمقام والساحل للتيار الطمطام والركن الذي يلجأ اليه الانام والقطب الذي يدور عليه الايام بدر الظلام السبب العام والسلطان العام كهف الضعفاء عون الفقراء منجي الهلكي منقذ الغرقي معز الاولياء مذل الاعداء جامع الكلم على التقوى والعدل الذي ينفى عن الدين القويم تحريف الغالين وانتحال المبطلين والحاكم على الرعية وخليفة الامام الامين الواقف على الثغر الذي يلي ابليس وجنوده من الشياطين المكمل للاسفار الاربعة الساير في العوالم الاربعة الشارب من حوض الولاية اوفي كأس الواقي لمن التجأ اليه من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس الكلمة العليا وشجرة التقوى من لولاه لانطمست آثار النبوة ولولاه لانهدمت اركان بنيان ظهور الولاية الناظر في الاشياء بنور التوسم العالم بغير التعلم العارف باسرار الوجود من الغيب والشهود والمطلع على نقطة العلم التي كثرها الجاهلون وانكروا ( انكرها خ ) الضالون المضلون واقر بها المخلصون العالمون والعالم بسر المذهب وسر التوحيد وسر الولاية وسر القيمة واحكام يوم الطامة وسر الجنة والنار وسر الوحدة والاختلاف وسر الكثرة والايتلاف وسر الجمع وجمع الجمع وسر الثواب والعقاب وسر مبدأ المعاصي والسيئات وسر الاقبال والادبار وسر الاكوار والادوار وسر اليمين واليسار وسر الصغار والكبار وسر القلب والاطوار وسر النفس التي من عرفها عرف الله وسر النفس الامارة وسر النفس الملهمة وسر النفس اللوامة وسر النفس المطمئنة وسر النفس الراضية وسر النفس المرضية وسر النفس الكاملة وسر النفس النامية النباتية وسر النفس الحيوانية الفلكية وسر النفس الناطقة القدسية بقواها واطوارها وسر النفس الملكوتية الالهية التي هي شجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وسر الروح من امر الله وسر العقل المرتفع وسر العقل المستوي وسر العقل المنخفض وسر العقل بالملكة وسر العقل بالمستفاد وسر العقل بالفعل وسر الظهورات والآيات وسر المقامات والعلامات وسر الآيات في قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فاذا عرف هذه الاسرار وجاس خلال تلك الديار فهو العروة الوثقى والنور الاعلى رواق مدينة العلم والقرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة والحاكم الذي من انكر حكمه كفر واشرك فالعناية من الغوث انما تتوجه اليه وبه وله تصل الفيوضات الى غيره فان كان مع علمه بهذه الاسرار وغيرها من الاطوار خضعت له الاشياء وانقادت له الامور وتيسرت له الاسباب وخشعت له الرقاب وذلت له الملوك ونزلت عليه الملائكة وبشرته بالمساعدة والمعاونة كما في قوله تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة واعطي الاسم الاعظم بالمعاني كلها لا سيما الاسم اللفظي فاعطى به اجابة الدعاء متى ما اراد وكان هو المضطر الذي اذا دعى اجيب فتطوى له الارض وتحمله السحاب والدنيا كلها له خطوة واحدة ويتصرف في الوجود كيفما شاء واراد بما شاء واراد فان ارادته لا تخالف ارادة الله كمشيته فيكون لهذا العالم نيابتان عن الولي المطلق احدهما نيابته ( نيابة خ ) في بذل العلوم والتصرف في الاسرار كيفما يريد الولي المختار وثانيهما نيابة في التصرف في الوجود من الغيب والشهود وانفعال الاشياء وذوات الموجودات وصفاتها واعراضها واطوارها له تمتثل امره وتنقاد لحكمه وتخبره بخبرها وتعلمه باثرها ويشاهد الشعور والارادة فيها ويعرف اللغات لغات الجمادات والنباتات والحيوانات فاذا اجتمع ( اجتمعت خ ) فيه النيابتان وتمت فيه الخصلتان فلذلك ( فذلك خ ) يسمى في عرف اهل الحقايق والشهود نقيبا وهم ثلثون نفسا كما نص عليه امير المؤمنين عليه السلام وهؤلاء عددهم لا ينقص ولكن اشخاصهم يتبدل ( تتبدل خ ) ولذا سموا بالابدال اذ متى مات واحد منهم جاء بدله مثله من اهل الطبقة الثانية فلا ينقص عددهم عن قوي لام التعريف لانهم مصلحوا القوابل وهي لا تصلح الا بعد ثلثين دورة كما اشرنا سابقا وربما نصرح اليه لاحقا في مقام يقتضي ذلك ان ساعد القدر والله هو المساعد والمعين وهنا اشخاص موصوفون بهذه الصفات المذكورة وفوقها ولهم الهيمنة على هؤلاء النقباء ايضا يسمون بالاركان وهم اربعة لا تتبدل اشخاصهم ولا صفاتهم فهم باقون الى يوم الوقت المعلوم فان كان جامعا للعلوم خاصة وله نيابة في العلوم والاسرار يعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء فهو المسمى بالنجيب والاشخاص الذين في مقامهم يسمون بالنجباء وهؤلاء يقال انهم اربعون والدليل العقلي والاعتبار الاستحساني وان كان يساعد ما ذكروا ويقوي ما علموا الا انا ما وجدنا بذلك حديثا عن النبي واهل بيته وخلفائه صلى الله عليه وعليهم ولا وجدنا آية من الكتاب يدل ( تدل خ ) على هذا العدد ولذا توقفت عن العدد واقتصرت بالصفة وبالجملة فالرواق في هذا المقام ينقسم الى ثلثة اقسام احدها الاركان وهم اربعة موجودون باشخاصهم واعيانهم لا يتغيرون ولا يتبدلون ولا يختلفون ولهم الهيمنة على الاشياء كلها حتى على النقباء وذلك اعلى المقامات واعلى الدرجات واقرب الى البيت وثانيها النقباء وهم ثلثون نفسا ولهم هيمنة على الاشياء بطاعة الله سبحانه وظهرت عليهم احكام الاسماء العظام الثمانية والعشرين وكل اسم له هيمنة على عالم من العوالم وطور من الاطوار كالبديع المربي لعالم العقول وقد ظهر عليه سر هذا الاسم فيتصرف في العقول كيف شاء الله من الزيادة والنقصان والصحة والفساد والخلل والثبات وكالباعث المربي لعالم الارواح والنفوس باحوالها يتصرف في الارواح والنفوس كيف ما يريد مما اراد الله وهكذا الى تمام الثمانية والعشرين من الاسماء المربية لقوسي النزول والصعود والمراتب كلها مجتمعة في الانسان الصغير لكونه انموذجا من العالم الانسان الكبير فاذا ظهرت عليه آثار تلك الاسماء ظهر ( تظهر خ ) تصرفاته لظهور تلك الاسماء فيدعو الله سبحانه بالاسم المربي لذلك العالم فيقع الامر كما يريد وبالجملة فالنقباء قد كملوا الاسفار الاربعة في مراتب التكوين والذوات وكملوا الاسفار الاربعة في مقام الاسماء والصفات وكملوا الاسفار الاربعة في مقام الحروف والقوي والاعداد فصاروا مظاهر للحق سبحانه في كل المقامات فيكون لهم التصرف في كل الجهات وهؤلاء الثلثون لهم الاتصال بالغوث الاكبر والسر الاعظم بواسطة الاركان ويتصلون به ما ارادوا وشاؤا في كل الاحيان فكل منهم الانسان الكامل والبشر الواصل قد ظهرت فيه النفس الناطقة القدسية التي من عرفها فقد عرف الله ومن جهلها فقد جهل الله ومن تخلي منها فقد تخلي عن ( من خ ) الله قد ظهرت فيه القوي الخمس والخاصيتان اما القوي فهو علم وحلم وفكر وذكر ونباهة واما الخاصيتان فالنزاهة والحكمة فنزهوا عن مقتضى الكثرات وامتلأوا حكمة من بارئ السموات وسامك المسموكات وهؤلاء هم الرواق الثاني بعد الرواق الاول وثالثها النجباء وهم اربعون على ما ذكروا وقالوا وهؤلاء هم الذين اكملوا الاسفار الاربعة في التكوين ولم يصلوا الى مقام الاسماء والصفات ومقام سلب القيود والانيات مهما شاؤا وارادوا وهم العلماء الاعلام والامناء والقوام والحفاظ والحكام وهم الذين كلفوا بحفظ الدين وسد الثغور التي فيها طرق للشياطين وحفظ القلوب عن تطرق ابليس اللعين بجنوده من الجن والانس اجمعين وعلموا طرق التعليم بامارات الحق واليقين ومعونة ( معاونة خ ) الضعفاء والمساكين في امر الدين من غير ان يتصرفوا في التكوين ولا يلزم ان تنقاد الاشياء وتنفعل لهم وللنقباء هيمنة واستيلاء عليهم ونسبتهم الى النقباء نسبة النقباء الى الاركان وهم الذين ورد فيهم عن طرق اهل البيت عليهم السلام ان لنا في كل خلف عدولا ينفون عن ديننا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهم القرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة في قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين الليل عبارة عن الليل واليوم عن العلم واليقين والامان عن الغلط والفساد وهم الذين في علومهم مستندين الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والدليل العقلي الواضح وآية من العالم فانه الكتاب الاكبر من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وهم اصحاب الشريعة والطريقة والحقيقة وهؤلاء آخر الرواق او الرواق الثالث وبعض المشايخ قال ان بعد النجباء قوم صالحون وهم ثلثمائة وستون نفسا وهم العلماء الا ان مقامهم دون مقام النجباء ولم يثبت لنا ذلك بواضح الدليل والذي دل عليه الدليل من وسايط الخلفاء ورواق مدينة العلم هو الذي ذكرناه ونص عليه سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام في كلام له يخاطب جابر بن عبد الله الانصاري الى ان قال عليه السلام اتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ومعرفة المعاني ثانيا ومعرفة الابواب ثالثا ومعرفة الامام رابعا ومعرفة الاركان خامسا ومعرفة النقباء سادسا ومعرفة النجباء سابعا والحديث طويل فمعرفة التوحيد هي الوصول الى معرفة مقام الاحدية مقام الذات البحت المجهول النعت وذات ساذج والذات بلا اعتبار الصفات والمنقطع الوجداني مقام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر وجذب الاحدية لصفة التوحيد والنور الذي اشرق من صبح الازل ولاح على هياكل التوحيد آثاره فاذا بلغ الى هذا المقام فقد بلغ القرار في التوحيد بالنسبة الى مقامه ويشاهد التجلي وظهور المتجلي ولا يزال يظهر مقام اعلى فوق مقام الى ما لا نهاية له وهذا هو المعرفة اي اثبات التوحيد والمعاني هو ظهور مقام الواحدية وظهور معاني الاسماء والصفات كالعلم للعالم والقدرة للقادر ومقام العزة والعظمة والجلال والجمال والكبرياء والقدس والسبحان والمشية والارادة والنور والشرف والفخر والسلطان والغفران وهكذا الى آخر الاسماء والصفات فهي معان لله سبحانه وتعالى والابواب هم الانبياء عليهم السلام فانهم ابواب الله سبحانه في التشريع ونبينا صلى الله عليه وآله لانه باب الله سبحانه في التكوين والتشريع فلا يصل الى احد من الذرات الوجودية الا بواسطته وواسطة الاولياء من بعده لا سيما خاتم الولاية المطلقة التي انتهت اليه الرياسة والسلطنة العامة عن خاتم النبوة صلى الله عليه وآله والامام هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله في الاحكام التشريعية والولاية الظاهرة في حفظ الشريعة المطهرة وحفظ الاسلام والمسلمين وتأدية احكام الدين الى جميع المكلفين ورد شبه الخصم من الكفار والزنادقة والملحدين ورد كل ذي حق الى حقه بالحجج والبراهين والاركان هم الاربعة اركان العرش والملائكة الاربعة والانبياء الاحياء الاربعة وهم عيسى روح الله والخضر والياس وادريس وهم الاحياء الى يوم الوقت المعلوم والنقباء ثلثون وقد استفدنا عددهم من كلام مولينا امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام والنجباء هم الذين وصفناهم سابقا وقالوا انهم اربعون فلو كان هناك قسم آخر من الذين لهم مدخلية في الدين من التشريع والتكوين لذكره عليه السلام لانه من معدن العلم ومن اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فالابدال هم النقباء والنجباء لان اعيانهم تتبدل اذا مات رجل من النقباء قام مقامه بعد ان يترقى احد من النجباء واذا مات احد منهم اي من النجباء يقوم رجل من المؤمنين الاتقياء مقامه بعد ان يتأهل لذلك بتوفيق من الله سبحانه وبفضل عناية من رسول الله وخلفائه عليهم السلام فاعيانهم تتبدل وصفاتهم باقية لا تتغير ولا تتبدل وهؤلاء هم حملة اسرار الولاية المطلقة الظاهرة من النبوة المطلقة
تنبيه وجيه - اعلم ان الذي ذكرنا ( ذكرناه خ ) من بيان النقباء والنجباء محصله ان الفرق بينهم باعتبار صعودهم لاكمال الاسفار الاربعة فمن سافر متصاعدا الى ان بلغ مقام مبدء تكوينه وقطع المنازل الثمانية والعشرين في التكوين والمنازل الثمانية والعشرين في التدوين وهو مراتب الحروف ثم صعد منها الى ان قطع المنازل الثمانية والعشرين من منازل الاسماء التي هي ارباب الانواع حافظة وجود كل مرتبة من مراتب التكوين والتدوين ومفيضة عليهما بالفيض المقدس من خزانة الفيض الاقدس فاذا قطع تلك المنازل وسرى تلك المراحل فقد حصل الاسم الاعظم الجامع الكلي بالنسبة الى جميع مراتب العوالم والاسماء العظام المختصة كل اسم منها بمرتبة من المراتب فقام ( فعال خ ) مؤثرا في جميع شؤن تلك المرتبة واطوارها واحوالها وكل ما لها بها منها اليها عندها فهو الواقف على فوارة القدر الجاري بامر مستقر ويفيض على كل مرتبة بحسب اطوارها وشؤنها ما يناسب مقامها ومرتبتها فقد بلغ من المقام الى ان حصل الاسماء العظام والاسم الجامع الكلي التام منفعل له الاشياء لما عنده من تلك الاسماء وتخضع لديه وتخشع عنده فهو الفعال في مراتب الوجود بما ( مما خ ) يختص بمرتبة في السلسلة العرضية وهذا الواصل الكامل هو النقيب والنجيب هو الذي اكمل الاسفار الاربعة في مراتب التكوين ( والتدوين خ ) ولم يقطع منازل الاسماء ولم يرحل اليها فما دام هو في هذا المقام نجيب واذا رحل عنه الى مراحل الاسماء ومنازلها وقطع تلك المراحل الى ان وصل مقام الاسم الجامع يكون نقيبا فالنجيب قبل النضج التام والاعتدال العام والنقيب هو المعتدل الفعال فالنجباء يصلون الى مقام النقباء والنقباء ( هم خ ) في كمال المرتبة ولا يصلون الى رتبة الاركان لان سلسلة النقباء مع الاركان طولية ومع النجباء عرضية هذا ملخص ما ذكرناه ومحصل ما بيناه ولكنه في هذا ( هذه خ ) الايام قد ورد وارد غيبي من عالم اللاهوت على القلب وعرفت ان النقباء والنجباء هم قسمان لا يصل كل منهما الى ما يصل اليه الآخر
توضيح وتبيين - اعلم ان الفيض الابداعي لما صدر عن المبدء الاول الحق وان كان نسبته الى جميع محاله ومواقعه واحدة ولكن تلك المواقع والمحال كلما قرب من مبدئه كان واسطة لايصال الفيض الى من بعد عنه بحيث لا يمكن ان يتحقق البعيد من دون توسط القريب ومعنى ذلك انه قد قبل ذلك الفيض قبولا لا يصلح للبعيد ان يقبل الا به كما ترى اختلاف النور بحسب قربه من السراج وبعده عنه وكذلك نور الشمس بحسب قربه من الشمس وبعده عنها وما قرب من الشمس يفيض الى ما بعد فظهور تلك الحقيقة في تلك الحدود على تفاوت وترتب لا يمكن وجود السافل الا بتحقق العالي كافراد الانسان فان كل فرد وان كان شيئا واحدا وشخصا واحدا لكن له مراتب في وجوده مترتبة فلا يمكن تحقق السفلى الا بالاولى العليا كالفؤاد والعقل والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم والعرض فان العرض لا يقوم ولا يتحقق الا بالجسم والجسم لا يتحقق الا بالمثال والمثال لا يتحقق الا بالمادة وهي لا تتحقق الا بالطبيعة وهي لا تتحقق الا بالنفس وهي لا تتحقق الا بالروح وهو لا يتحقق الا بالعقل وهو لا يتحقق الا بالفؤاد فاذا فرض عدم كل مرتبة عليا يعدم ما تحتها من المراتب وصدق الحقيقة في هذه المراتب يكون بالتشكيك بالاقدمية والاولوية وكل مرتبة من هذه المراتب لها معدات لايصال فيض كل مرتبة الى مراتبها مثلا الاجسام عالم مستقل يصل الفيض اولا الى القطب ثم منه الى العرش على جهة الاجمال ثم منه يفصل في الكرسي بالبروج والمنازل فهما المبدءان الاولان لتحقق عالم الاجسام فالعرش مبدأ الاجمال والكرسي مبدأ التفصيل ولا يحتاج تحقق الشيء الى مبدأ آخر غيرهما ولما كان الارض في الغاية من التدنس والكثافة والعرش والكرسي في الغاية من النورانية فخلق الله سبحانه وتعالى السموات السبع واسطة ووصلة لايصال الفيض من العرش والكرسي الى الارض وما يقترن بها من العناصر فهذه السموات والعرش والكرسي وان كانت من سنخ واحد لان الكل اجسام الا ان العرش والكرسي قد سبقا السموات في الوجود فكانتا هما الواسطة في ثبوتها وتحققها وهذه السموات وان كانت مع العناصر من سنخ واحد الا انها قد سبقت العناصر فكانت واسطة في ثبوتها وتحققها وهذا السبق سبق وجودي لا زماني فان السبق الزماني ليس عليه المدار فكم من سابق في الزمان متأخر في الوجود وكم من متأخر في الزمان مقدم في الوجود والتحقق الا الزمان الذي هو جزء وجود الشيء وجزء ماهيته فان حكمه حكم الشيء في حال التقدم والتأخر والسبق واللحوق فزمان العرش مقدم على زمان الكرسي وزمان الكرسي مقدم على ازمنة السموات وازمنتها متقدمة على ازمنة العناصر لان الشيء لا يتجاوز وقته وما قالته الحكماء من ان الزمان منتزع عن حركات الافلاك كلام شعري قد هدمنا بنيانه وزعزعنا اركانه في كثير من مباحثاتنا ومصنفاتنا واجوبتنا للمسائل وبالجملة فوجود هذه الاجسام مرتبة ( مترتبة خ ) في اصل التحقق فلا يتحقق السافل الا بالعالي
عود في التحقيق بطور انيق - فان تحقق لك هذا المثال وعرفت حقيقة الحال فاعلم ان العالم ينحل الى شيئين احدهما الاجزاء والثاني الكل فالموجودات لها مقام في الجزئية ولها مقام في التمامية والجامعية فكما ان الاجزاء يحتاج ( تحتاج خ ) في تحققها الى وجود ما هو اقرب منها كذلك الكليات ومرادي بها الحقايق الجامعة كافراد الانسان مثلا فان كل واحد تام في الجامعية وجامع للاجزاء الحقيقية وتمام هذا النوع لا يتحقق الا بالوسايط كالاجزاء ففي الانسان من هو بمنزلة القطب النقطة التي يدور عليه الكون بتمامه وهو الحقيقة المحمدية صلى الله عليها مع ما تشتمل عليه من المراتب والمقامات التي ذكرها سيد الساجدين وسند العابدين عليه السلام ( على جده وعليه آلاف التحية والثناء خ ) من مقام التوحيد الذي هو مقام البيان ومقام المعاني اركان التوحيد ومقام الابواب مقام الانبياء الذين هو سرهم ومبدأ تحققهم وكلهم قطرات من فاضل سباحته في بحر التفريد والتجريد ولجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية كما ذكره الشيخ الاكبر وفي ( الاكبر في خ ) الدعاء رب ادخلني في لجة بحر احديتك وطمطام يم وحدانيتك ولذا روى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله ( وسلم خ ) سئل عن تفسير قوله تعالى اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا قال صلى الله عليه وآله اما النبيون فانا الخ فهو صلى الله عليه وسلم جامع لمقام الابواب بعد مقام التوحيد والمعاني ومن مقام الامام الذي هو مقام خلفائه واولاده الحقيقيين الذين من سنخ ذاته ونفسه فهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وخلفاؤه واولاده هو القطب الذي يدور عليهم الوجود من الغيب والشهود والموجود والمفقود ولولا واحد من خلفائه الحامل لولايته لساخت الارض باهلها ولذا اشتهر عند الناس كلمة صحيحة وهي قولهم لو خليت لقلبت ومن هو بمنزلة العرش الاركان الاربعة المذكورين ومن هو بمنزلة الكرسي الحامل للمنازل التي بالسير فيها يكمل القمر شهرا تاما ثلاثين يوما هم النقباء ثلاثين نفسا على ما قاله امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام ومن هو بمنزلة الافلاك السبعة هم النجباء فعلى هذا البيان التام تبين لك ان النجباء لهم مركز يدورون حوله ومقام يقفون عنده لا يصلون الى مقام النقباء في حال من الاحوال ووقت من الاوقات كما ان الافلاك السبعة لا تصل الى العرش والكرسي في حال من الاحوال ووقت من الاوقات فالسبعة في مقامها تدور وتمد وتستمد بلا انقطاع والكرسي في محله ومركزه يدور بلا انقطاع ( والعرش في محله ومركزه يدور بلا انقطاع نسخة ١٣٠٥م ) وكل عال منها محل فيض للسافل وكذلك النجباء لهم مقام ومرتبة لا يصل اليها احد مما تحتهم من المؤمنين وغيرهم وان ترقوا ما ترقوا وبلغوا ما بلغوا ووصلوا ما وصلوا فهم قدامهم اينما ترقوا يدلجون بين يدي المدلج من عباد الله وخلقه من الذين تحت مرتبتهم والمستقهرين بسلطانهم ( لسلطانهم خ ) والمحاطين تحت احاطتهم فهم اكملوا الاسفار وجاسوا خلال تلك الديار وبلغوا اعلى مراتب الانوار ووصلوا الى سر الاسرار وساروا وقطعوا مراحل الثمانية والعشرين من منازل الاسماء وبلغوا الى الاسم الاعظم وعرفوه بسرهم المقدم الاقدم واستداروا على نقطة وجودهم وفنوا عن غيبهم وشهودهم فاشرق عليهم الجبار مقدار سم الابرة من نور عظمته فامدوا واستمدوا ولم يزل هذا شأنهم ورأيهم ( دأبهم خ ) الى ما لا نهاية له واليهم اشرت فيما قلت سابقا :
فيا لهم بشرا عزت مدارجهم حتى علوا رتبة الاوهام والفكر
ساروا فطاروا وداروا اذ احاط بهم لطف الحبيب بلا عين ولا اثر
فهؤلاء هم النجباء تنفعل لهم الاشياء وتنقاد لهم الامور وتخضع لهم الرقاب الصعاب وهم من حيث لا يشعرون واما النقباء فهم على وصفهم المتقدم ولهم رياسة عامة وسلطنة تامة تصدر النجباء وترد عن امرهم وينفذ عليهم حكمهم ولذا سموا بالنقباء والنقيب انما سمى نقيبا لعلو شأنه ونفوذ امره وحكمه وهم نافذوا الحكم في الاشياء مما هي تحت رتبتهم على جهة العموم والله سبحانه يريد لارادتهم ويشاء لمشيتهم على حد ما قال ذلك العارف الكامل الذي لعله منهم انا نترك ما نريد لما يريد الله فهو سبحانه يترك ما يريد لما نريد ولا يريدون الا ما يريد الله ولا يشاؤن الا ما يشاء الله وهو قوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله وهؤلاء وان ظهروا بالثلثين عدد قوي لام التعريف وعدد اول ميقات موسى ولكنهم اذا مات منهم واحد يقوم بدله ما هو من سنخه ورتبته لا انه يترقى احد من النجباء بل الذي يقوم بدله شخص من رتبة مقامه ومرتبته وكذلك اذا مات رجل من النجباء يقوم شخص من سنخه ومرتبته مقامه لا ان رجلا من المؤمنين الاتقياء يترقى ويكون بدله حاشا وكلا لا يكون ذلك ابدا كيف وان المتأخر في الوجود لو ساوى المتقدم لم يكن متأخرا الا من جهة العوارض الخارجية كالاب الظاهري للولد الذي هو اصل لوجوده كآباء الانبياء عليهم السلام واما فيما نحن فيه لا يقوم احد مقام الآخر الا ان يكون من سنخه في رتبة الحدود لا في رتبة الذات ذات الحدود هذا هو الذي ورد من عالم الغيب على خاطر هذا الضعيف بوارد غيبي وان كان الذي ذكرنا سابقا صحيحا فان النجباء هم حملة العلوم والاسرار وهم القرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة وهم العلماء الذين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الا ان الذي ذكرناه اخيرا هو الاوفق للقواعد العرفانية الجارية على الشؤن الالهية من عالم العلم في التعين الاول فافهم راشدا موفقا مسددا مؤيدا هذا مجمل احوال الرواق على ما عند اهل الاشراق من اهل الوفاق والاتفاق وهو ثلثة في عين كونها واحدة الرواق الاول الاركان الرواق الثاني النقباء والرواق الثالث النجباء فالاول مظهر التوحيد في مقام التابعية والثاني مظهر النبوة في ذلك المقام والثالث مظهر الولاية في ذلك المقام وان كان الكل مظهر التوحيد والكل مظهر النبوة والكل مظهر الولاية والكل مظهر البعض والكل مظهر الكل قال تعالى وما امرنا الا واحدة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فالناظر الى الوجه الواحد اعور والناظر الى الوجهين في الوجه الواحد من حيث هو واحد احول والناظر الى الجميع بالوجه الواحد لا من حيث هو كذلك بصير كامل فافهم وابن عليه امرك واعلم ان ابواب الباب ووجوه الجناب كلها واحدة اذا كان الالتفات والنظر الى ما في البيت والمدينة وان كان النظر والالتفات الى نفس الابواب فارتفع الباب وانقطع الجناب وكان الباب عين البيت وانقلب السافل عاليا ولم يكن الباب باب حطة بل بيت ارتفع من غير ان يرفعه الله بل ارتفاعه ادعاء ما انزل الله بها من سلطان لقد قال مولينا وسيدنا علي بن محمد الهادي عليه السلام ( عليهما آلاف التحية والثناء خ ) في بعض احاديثه وكلماته اذا صرت بالباب فاشهد الشهادتين وانت على غسل الخ فكم من عجائب في هذا المقام تركتها وغرائب كتمتها لم اجد لها حملة وليس لها الا مستجنات زوايا القلب ولا يسع بيانها الا بالرمز المنمنم والسر المعمي لاني قد ابتليت بزمان قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه من كل جانب ومكان واجابوه باللسان والجنان رضوا بالجهل انيسا وبالظلم قرينا فما عسى ان اقول وهل يسعني الا العزلة والخمول غير اني كما قال الشاعر :
تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هندا
نسئل الله حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة هذا ما يتعلق بالامر الاول من الامور الثلاثة الذي وعدناك بيانها في مفتتح شرح هذا البيت وهو الرواق
واما الامر الثاني - اي المدينة فاعلم انها هي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لانها مشتملة على ثلث ميمات وحاء ودال وبيان ذلك ان الميم الاول هو المثبت ظاهرا في اول مدينة والميم الثاني يحصل من ضرب الدال في الياء والميم الثالث يحصل من النون لان النون بينات الميم والبينات صفة للزبر والصفة تدل على موصوفها بالالتزام وبالحكاية ثم ذكر الهاء في المدينة لبيان انها مخرج القسمة فاذا قسمت احد الميمات الثلث بالهاء يعني بخمسة اقسام فكانت كل قسمة ثمانية واستنطاقها الحاء فحصل عندنا ميمان ومن الميم الثالث تولدت الحاء والدال ملفوظ في اللفظ فاجتمع عندنا ميمان وحاء ودال والميم الثالث مدغم لاجل استخراج الحاء فاستنطق محمد فالمدينة اسم محمد صلى الله عليه وسلم ومن هذه الجهة قال انا مدينة العلم والاضافة بيانية يعني انه هو العلم كما سنشرح ونبين لك ان شاء الله مفصلا في عين الاجمال وانما كان استخراج اسم محمد صلى الله عليه وسلم من المدينة على هذا النحو لسر غامض ابى الله هتكه ولكني الوح تلويحا من دون اشارة وهو ظهور المراتب الثلث من التوحيد بالوجه الاعلى والنبوة على الوجه الاتم والولاية على الوجه الاعظم فالهاء اصل التوحيد وسره واذا اشبعتها يظهر منه الاسم الاعظم الجامع لجميع الاسماء والصفات فكان ذلك اسما للذات ودلالته على الهوية المطلقة فاذا لوحظ ظهوره في التعينات استنطق منها اسم الله العلي لان الهاء بالتعين الثاني تكون نونا والواو تكون سينا واذا جمعت الجميع واستنطقه كان عليا وهو العلي العظيم وهو العلي الكبير وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وقد قال مولينا الرضا عليه السلام ( عليه آلاف التحية والثناء خ ) ان الله سبحانه وتعالى خلق لنفسه اسماء لغيره ليدعوه بها فاول ما اختاره لنفسه العلي العظيم فاسمه العلي ومعناه الله اه وهو سر التوحيد وحقيقة التفريد واسم للذات الجامعة لجميع شؤنات الصفات وما وراءه في التوحيد مقام الارتفاع عن مقام الاسم والرسم ورفع التعين وسلب الحدود ورفع الاضافات وهناك يرفع التميز وتطفئ السرج ويشرق النور الذي اندك به الجبل وخر موسى صعقا فافهم واما النون ففيه ظهور النبوة لان النون تمام كلمة كن ومقام الكثرة الذكرية ومقام العلم الفعلي ومقام الاعيان الثابتة في العلم الامكاني والعمق الاكبر وذكر الاشياء من قوله تعالى بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون فيجب على الله سبحانه وتعالى ان يبعث عليهم نبيا لانها اول كثرة صحبت التعين الاول فكانت اول امة وان من امة الا خلا فيها نذير والنبي النذير للطاعين ( للظاعنين نسخة ١٣٠٥ م ) تحت حجاب النور وهو الكاف الموحي اليه بالوحي التكويني والتشريعي والكاف آدم الاول والنذير الاول حامل الاسم الاعظم موصل الامدادات والاحكام الالهية الى المستجنات المذكورات في مقام النون وهو العمق الاكبر والبحر الزاخر والتيار المتلاطم المواج ولكن اهلها ساجدة تحت عرش الجبار منقطعة عن انفسها مذهبة لانياتها لا تحقق لها ولا تذوت ولا تثبت مستقهرة تحت جلال العظمة مضمحلة عند سطوع نور الجبروت والهيمنة
ليس الا الانفاس تخبر عنه وهو عنها مبرء معزول
وهم اول الامم فمن شدة الوجود سموا بالعدم وهو قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال سيدنا ومولينا جعفر بن محمد الصادق ( عليها السلام خ ) كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا ومن هنا جاء الوجود على النحو المذكور الذي هو المتعارف عند اهل الشهود وقال تعالى اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ومن هنا جاء العدم فلما انعدمت انياتهم رجحت وجوداتهم فسموا بالوجود الراجح وهو قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار والنار هي الكاف ولما كان الرسول لا بد ان يكون مقرونا ومتصلا بمن ارسل اليه اقترن الكاف بالنون فقيل كن ولذا قال عز من قائل انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فالكاف هو النبي المطلق والنون الرعية وهي عبارة عن ذكر الممكنات كلها مما يمكن ان يتعلق به الجعل الالهي فافهم الدقيقة لسر الحقيقة وتعيها اذن واعية فالنون مبدأ ظهور النبوة الجامعة لجميع مراتبها واطوارها واحوالها في اطوار تنزلاتها في الخزائن الغيبية الالهية من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالنون اشارة الى النبوة المطلقة فالهاء هي اشارة الى التوحيد المطلق والعالم الربوبي بجميع مقاماته والهاء هو قلب العبد المؤمن الذي قال تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن والهاء هي التي وسعت جميع الشؤنات الالهية
واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
واقول و:
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
والياء والنون اذا جمعتهما تولد منهما السين والسين تكرار اللام واللام هو النون مع اتصال الالف به فالكاف ظهرت بالالف والالف اقترن بالنون فتولد منهما اللام فاشتق منهما اسم الولي لانا قد بينا في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ان سر الاسم في الحرف الوسط كما ان سر الانسان في القلب فالولي اسمه اللام لانه مربي القوابل في ثلثين ليلة التي هي تمام عدة ميقات موسى وتمام قوى لام التعريف وسر التوصيف فبذلك كان يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه والولي هو يد الله التي فوق ايديهم والدال والياء في المدينة اذا جمعتهما عند الجمع يكون يدا بها المنع والاعطاء والكرم والسخا ينفق الله بها كيف يشاء ويستنطق من الدال والياء عند الجمع اسماء الجواد والوهاب فبهما اظهر الله الجود ووهب لكل شيء ما يستحقه وما لا يستحقه من فيض فضله ومن عميم جوده فهذه هي الولاية الظاهرة والدال سر التربيع وبه حصل الشكل المربع اول شكل بعد المثلث بل هو تمامه ولذا ظهر بالتأليف والمودة والمحبة والايتلاف لانه مقام التمام والياء اشارة الى القبضات العشر التي ما يتم خلق شيء من الاشياء الا بها وهذه العشرة في كل عالم لها اسماء خاصة بها تحقق تفاصيل وجود الشيء وكمالاته ومن هذه الجهة قال تعالى تلك عشرة كاملة والميم اشارة الى تمام عدة ميقات موسى وقوله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة والاربعون مدة تخمير طينة آدم وانضاجها وظهورها مشروحة العلل مبينة الاسباب فالميم اشارة الى الوحدة الحاصلة بالاربعين وبها الكمال المطلق فافهم فالمدينة بلفظها باقتضاء المناسبة الذاتية بين الاسم والمسمى تدل على جلائل النعم وعظائم الامور بل هو ( هي خ ) محتوية على جميع الاسرار الوجودية من الغيبية والشهودية من الوجود المطلق الى الوجود المطلق فالميم جمع واجمال وتمام الشيء على وجه الكمال وظهور المقامات والمراتب على جهة الوصل والاتصال وروابط الذرات الوجودية الموصلة بها الى رتبة الوصال فالميم تمام وكمال وتفصيل واجمال والدال والياء تفصيل الميم بان حصول هذا التأليف انما كان باصلين الدال المعبر عنها بالاركان والياء المعبر عنها بالمراتب العشرة التي تدور عليها الاكوان والاعيان والزمان والمكان هذا اذا لاحظت الدال في الياء فيكون ظهور هذه الاركان في كل من العشرة التي بها الامكان فاذا لاحظت الياء مع الدال فهناك يد الله الحاملة لرحمته التي وسعت كل شيء قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان والتثنية عين المفرد والمفرد عين التثنية والفرق بالتعين وبهما ظهر الاسمان الاعليان الجواد والوهاب اللذان لهما الهيمنة على كل مذروء ومبروء فالجواد يجود محض التفضل والوهاب يهب من غير استحقاق واليد الاسمان المذكوران تعطي كل ذي حق حقه وتوصل الى كل مخلوق رزقه والهاء حرف ليلة القدر والاشارة الى كف اليد وقبضته لان الخمسة كف الحكيم وقبضته العلي العظيم قال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون والياء مع النون هو السين يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين على صراط مستقيم والسين حرف معتدل زبرها طبق بيناتها صفتها على وفق موصوفها وما حكى الاعتدال في جميع الحروف غيرها وهي سر الاعتدال ورتبة الوصال ومقام الاجمال واصل الكمال وهو قلب القرآن وهو البيان الذي علمه الانسان وهي الاشارة الى الكينونة الاولية والفطرة الاعتدالية التي جرى الكون عليها وهي اسم محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) جمعت جوامع الخير وهي اصل الحروف واول ايجادها ومعطية حقايقها وهي اول سر قامت بها السموات والارض وبها الارتفاع ( الارتقاء خ ) الى العوالم العلوية ولها شكل في العرش وهي من حروف الاسم الاعظم ولها ظاهر وباطن فظاهرها صامت وبه قامت السموات وبباطنه امسك العلويات وبها ظهرت الولاية في العالمين عالم الغيب والشهادة وعالم الظاهر والباطن وعالم الاجمال والتفصيل وعالم الالف والباء وبها تم الكون فالسين سر الوجود وتمام الغيب والشهود ومؤكد الركوع والسجود ومبين العابد والمعبود منها بدءت الاشياء واليها تعود والنون تمام كلمة كن الوجود الراجح حواء وآدم الاول ارض الجرز قال تعالى ومن آياته انك ترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج فالكاف هو الماء والنون هو الارض والنبات البهيج هو قوله تعالى يكون وهذا كله اسم محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فيدل هذا الاسم على التعيين ( التعين خ ) الاول مظهر التوحيد المطلق وله النبوة المطلقة والولاية المطلقة لانه كامل مطلق ظاهر بالتأليف وجامع للمراتب الكاملة المكملة وهو الظاهر بالوحدة ومحل جود الله وموضع هبة الله وهو يد الله وعين الله ووجه الله والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر واليمين التي انطوت بها السماوات العاليات من العقول القادسات والنفوس المجردات والحجب والسرادقات والقبضة التي تستقهر عندها الارض التي هي عبارة عن السفليات واطوار الظلمات وقوابل السيئات ومتممات الطاعات فيا لها من مدينة ما اوسعها واعظمها وما اشرفها واكرمها فلذا اختصت الارض التي حملت ذلك النور الاعظم والسر الاقدم والسيد المكرم صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بهذا الاسم اي المدينة لان المكان يناسب المتمكن وهو على هيئة صفته ونور مرتبته قل كل يعمل على شاكلته وكل ظاهر عنوان لسريرته وكل صورة شرح لمعنويته فلنقطع الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام ثم نقول عند ملاحظة المدينة فالمحال ثلثة كما هو المتعارف بلغة اهل هذا الوقت والزمان الاول البيت والثاني القرية والثالث المدينة وهذا ( هذه خ ) الاوعية الثلثة كل واحد يطلق على الآخر اذا اجتمعت افترقت واذا افترقت اجتمعت فالبيت عند الافتراق هو المدينة وهو القرية قال تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال على قرائة المبني للمجهول في يسبح رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة الآية فالبيوت هم الرجال وهم الخلفاء اي خلفاء الله والاولياء وهم الذين اذن الله تعالى رفع شأنهم واعلاء بنيانهم وحيث لم يقيد الله الرفع بقيد ولم يحده بحد عرفنا انه فوق القيد والحد وما كان من البيت الذي هذا صفته اي لا نهاية لرفعته ولا غاية لعلوه بل هو مرتفع الى ما لا نهاية له فيجب ان يكون ذلك البيت او تلك البيوت اقرب الخلق الى الله سبحانه وتعالى منزلة وشأنا وليس شيء اقرب الى الله سبحانه من الحقيقة المحمدية لقد قال الشيخ الاكبر ان اقرب الحضرات الى الله الحضرة المحمدية ولما كان اولاده الروحانيون وخلفاؤه الاقدمون الطيبون حملة انواره وقبسة ذرات اسراره لا بد ان يكونوا من سنخه ومن حقيقته لان الولد جزء من والده كما قال تعالى ردا على من جعل الملئكة بنات الله وجعلوا له من عباده جزءا فيكون خلفاؤه واولياؤه من سنخ رتبته ومن داخل حضرته اقرب الحضرات الى الله سبحانه وحضرتهم متحدة مع الحضرة المحمدية فاذن هم البيوت التي اذن الله ان ترفع رفعة لا غاية لها ولا نهاية وقد قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام ( وروحي له الفداء خ ) في خطبة المشهورة ينحدر عني السيل ولا يرقى الى الطير اي طير الاوهام والعقول والمدارك والافهام والاحلام لانه قال عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وهذا بعينه حكم الخلفاء المشاركين له في الولاية المضاهين له في الرتبة فافهم وفقك الله وسددك وايدك وثبتك بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة واول تلك البيوت هو الذي وضع علما لهداية الناس ومنارا لارشادهم الى طريق النجاة والخلاص هو الذي ببكة اي مكة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع حمله في مكة وبعث لهداية الخلق في مكة فيه الآيات البينات والحجج الظاهرات والدلائل القاهرات والبراهين الباهرات وفيه مقام ابرهيم فان شرافة ابرهيم عليه السلام وعزته وجلالته ما ظهرت الا بعد ظهور هذا النور من صلبه فكان بذلك له الشرف الباذخ والفضل الشامخ وله المجد الاصيل والكرم النبيل وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) مقام ظهور نور ابرهيم الخليل وهو المبارك الذي جعل الله سبحانه البركة في ذاته بان يفيض منها على جميع ذرات الوجود مما يستحقونه من الاحكام التكوينية والتشريعية فيا لها من بركة شاملة لجميع حقايق الاكوان والاعيان وجعل سبحانه البركة في بشريته الظاهرة بان جعل نسله وذريته من البنت الواحدة عليها وعلى ابيها وبعلها آلاف التحية والثناء بحيث ملئت الاقطار وظهرت واشتهرت اشتهار الشمس في رابعة النهار لا سيما في هذه الاوقات والازمان بحيث قل ما تجد شخصا لا ينتمي اليه بالنسب الظاهر بل الغالب في الناس الفاطميين والعلويين ( الفاطميون والعلويون خ ) وساير بني هاشم لان شرافة اولئك من بركاته صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لان بركاته عمتهم وشرافته خصتهم فبركاته عامة لانه رحمة الله قال تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وقال سبحانه ورحمتي وسعت كل شيء وخاصة ببني هاشم لا سيما العلويين لا سيما الفاطميين لاب كانت النسبة او لام قال تعالى واذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) كل نسب ينقطع يوم القيمة الا نسبي ولا ريب ان النسبة اليه صلى الله عليه وسلم يوم القيمة وهو السلطان الاعظم يوم جلوسه على منبر الوسيلة التي لها الف مرقاة ومن مرقاة الى مرقاة عدو فرس الجواد الف سنة وهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وسلم الجالس على اعلى المراقي والحاكم على كل الخلق وبيده مفاتيح الجنة والنار واليه الاياب وعليه الحساب اتريه يغفل عن اولاده والمنتسبين اليه بظاهره وباطنه وببدنه وكينونته ودينه لا والله ما كان الظن به هكذا بل يحسن اليهم غاية الاحسان ويمن عليهم عظيم الامتنان ولا يفضحهم بسيئاتهم عند مخالفيهم الذين عادوهم لاجله ان ذلك لهو الفوز العظيم هنيئا لمنسوبين ( للمنسوبين نسخة ١٣٠٥ م ) اليه جسدا وجسما وروحا ودينا جعلنا الله منهم ومن الذين لهم حظ عظيم من بركاته انه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم وهو صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم هدى للعالمين كما انه بركة لهم فان هدايته عمت جميع الخلق فبين من يهديهم الى النعيم المقيم وبين من يهديهم الى العذاب الاليم لانه الموصل الى كل ذي حق حقه والسائق الى كل احد رزقه وهو الهادي المطلق على المعنيين بمعنى ارائة الطريق وبمعنى الايصال الى المطلوب للعالمين على جهة العموم لان الله سبحانه جعله نذيرا للعالمين فقال عز من قائل تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ومن دخل هذا البيت المقدس بيت النبوة وبيت العلم وبيت الرفعة وبيت الفخر وبيت السودد وبيت الشرف وبيت النور وبيت البهاء وبيت الثناء وبيت الضياء وبيت الجلال وبيت الجمال وبيت الرحمة وبيت الكرامة وبيت السلطنة وبيت الاسماء والصفات وبيت التوحيد ومأوى التفريد كان آمنا من الشدة العظمى والبلية الكبرى والداهية الدهماء عذاب النار وغضب الجبار والحشر مع الاشرار وحرمان لقاء الابرار ومقاسات كتاب الفجار ودخول هذا البيت عبارة عن الاذعان به والتصديق لحكمه والانقياد لطاعته والاجتناب عن معصيته والدخول في دينه بشرايطه وآدابه فمن كان هكذا هو آمن يوم المحشر ويوم النشر ويوم القيمة ويوم الحساب على الصراط ويوم العقاب وهو آمن في كل هذه المواقف لان الله سبحانه استجاب دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم لما دعاه وقال ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واغفر لنا وارحمنا انت مولينا فانصرنا على القوم الكافرين استغفر لامته ونسب ذنبهم اليه كرامة وتشريفا وتعظيما لامته فلما استغفر لهم اجاب الله سبحانه دعوته وقبل شفاعته وقال انا فتحنا لك فتحا مبينا يعني فتحنا الوجود بجميع ذراته من الغيب والشهود ابتدأناه وابتدعناه لك بانا صنعناك لنا وصنعنا الخلق لك واليه الاشارة في تأويل قوله تعالى واصطنعتك لنفسي فاذا كان مخلوقا ومصنوعا لله سبحانه وكان ما سواه مصنوعا ومخلوقا له ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك اي ذنب امتك الذي نسبته الى نفسك واستغفرته فغفرنا لك ذلك بل انا فتحنا لك فتحا مبينا انما فتحنا لك وخلقنا الخلق لاجلك ليكون الخلق كله لك وشفاعتك لهم عندنا مقبولة لانهم لك تمضي ارادتك وتنفد مشيتك وتقوم حجتك فهم بين يديك يجري فيهم كلما تريد لانك المحبوب والحبيب والمراد والمريد وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقترف ذنبا او يرتكب اثما كيف وقد خص الله سبحانه اشخاصا بانهم عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فاذا كان اوقاتهم في الليل والنهار مستوعبة بذكر الله الجبار القهار ولا يحصل لهم فتور ولا تهاون فاين وقت اذن يعصون الله سبحانه فيه لان المعصية لا تكون الا بالغفلة عن ذكر الله تعالى وقد شهد الله سبحانه لهؤلاء الاشخاص انهم لا يزالون يسبحون الله في الليل والنهار وليس لهم فتور وضعف عن التسبيح والتمجيد والتقديس كما قال له من في السموات ومن في الارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومعلوم ان الذي في الارض هو الجن والانس والذي في السماء هم الملائكة فمن الذين عنده ثم نقول هؤلاء الذين عند الله هكذا صفتهم هل رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم داخل فيهم ام لا فان كان الثاني هل هو صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم افضل واشرف منهم ام لا بل هم اشرف وافضل منه وعلى الثاني يلزم ان لا يكون رسول الله (صلعم) اول الخلق ومبدئهم لان الطفرة في الوجود باطلة وقاعدة امكان الاشرف ثابتة ومحال على الله سبحانه ترجيح المرجوح وتفضيل المفضول وتأخير ما هو حقه التقديم وتقديم ما هو حقه التأخير لان ثبوت هذه الاشياء يلزم اما ان لا يكون نسبة الحق الى جميع الخلق على السوية والتزام ذلك يوجب ان يكون الله محدودا متجزءا متقسما وان لا يكون الخلق حادثا بل قديما مختلفا ولا يلزم ( لا يلتزم خ ) بذلك من له ادنى شعور وعقل واما ان لا يكون الله سبحانه عالما حيث لم يعلم ان ذاك اكمل واشرف حتى يوجه جعله وخلقه اليه دون الاخس ( الآخر خ ) والتزام الجهل في الله من الجهل بالله وخروج عن ضرورة الاسلام ودخول في الكفر والطغيان واما ان يكون الله سبحانه ظالما حيث وضع الشيء في غير موضعه ولا نعني بالظلم الا هذا وما ربك بظلام للعبيد واما ان يكون الله سبحانه بخيلا حيث بخل على المقدم وما اعطاه من فيض فضله وجوده واعطي المؤخر وهو الجواد الكريم او يكون الله سبحانه عابثا حيث انه اعطي ومنع من غير داع وجهة وسبب وهو الحكيم العليم واما ان يكون الله سبحانه ممنوعا مقبوضا على يده حيث منع من اعطاء المقدم الشرافة والفضيلة بجبر جابر وقسر قاسر لا راد لمشيته ولا مانع لحكمه او انه سبحانه تجدد له سبحانه زيادة مؤنة لم يكن له عند خلق الاول المقدم ووجد عند خلق المؤخر فاعطاه اياه دون المقدم واثبات هذه التوالي له سبحانه مكابرة للضروري ومزاحمة للبديهي فلم يبق الا القدح في انه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اول خلق الله واول من اختاره الله سبحانه بالايجاد واول التعين والتجلي الاول والتعين الاول والاشراق الاول او ( وخ ) انه افضل خلق الله واشرف عباد الله وخير عباد الله وخير الخلق والقدح في الاول قدح في ضرورة الاسلام وما نطق به القرآن مع ان الله سبحانه قد بعثه على كافة الخلق نذيرا وقال عز من قائل تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وتخصيص العالمين بالجن والانس من اسخف الاقوال فان الله سبحانه وتعالى قال الحمد لله رب العالمين فالعالمون الذين الله ربهم و( يكون خ ) محمد نبيهم وبالجملة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم اول البيوت واشرفها لانه العبد المؤمن الذي وسع قلبه جميع شؤن الربوبية والاحكام الالهية ومراتب الاسماء والصفات وهو مجمع شؤن الذات وفي الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو المؤمن الاول لانه التعين الاول وصبح الازل واطلاق البيت عليه عند العارفين بالله حقيقة دون المجاز لان المقتضي لوضع الاسم اي اسم البيت للمسكن المعروف فيه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اعظم واولى فهو بيت النبوة وبيت الله الاعظم والمسجد الجامع المكرم وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا فاذا اطلق البيت على جهة الاطلاق يراد به تلك الحقيقة المقدسة واولياؤه وخلفاؤه ويطلق ايضا على مقابله اذا قيد كما اذا قيل بيت الشر وبيت العصيان وبيت الفسوق والطغيان وبيت الكفر والضلال فانه يراد به ابليس او محاله ومواقعه وهو ابوجهل وابو الدواهي وفرعون وهامان وامثال ذلك فانهم بيوت الفسق كما ان اولئك بيوت النبوة وبيوت الولاية وسيدهم رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وكلمة الله وعين الله ووجه الله وهذا الذي ذكرنا هو ما يتعلق بالبيت عند الاطلاق
واما القرية - فانها ايضا رجال وقد نص على ذلك في مواضع كثيرة من القرآن مثل قوله تعالى وكم من قرية اهلكناها فجاءها بأسنا وقوله تعالى وكأين من قرية اهلكناها وامثالهما من الآيات كثيرة وارتكاب التجوز فيها على خلاف قواعد اهل الله فان القرية محل البيوت والحيطان والجدران والعقود وامثالها والله سبحانه خلق الانسان وجعل فيه كلما في العالم من العلويات والسفليات والمجردات والماديات والبسايط والمركبات والانوار والظلمات والمعادن والنباتات والانهار والعيون وساير الاشياء المتفرقات كلها قد جمعها في هذا الشخص كلا في موضعه وكل فرد من افراد الانسان قرية فان كانت جهاتها نورانية كاملة منصرفة في وجوه الخير فقرية مباركة وان كانت جهاتها ظلمانية ناقصة منصرفة في وجوه الشر فهي القرية السوءي وهي التي استوجبت الهلاك من الله سبحانه ولا ريب ان القرآن كان قد نزل على رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم قبل خلق السموات والارض وقبل العرش والكرسي وقبل اللوح والقلم وقد قال سبحانه وتعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وقد قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم كنت نبيا وآدم بين الماء والطين يريد به آدم الثاني لانه التعين الاول ولا يعقل ان يكون نبيا ولا يدري ما الكتاب ولا الايمان ولا ريب ان القرية كانت موجودة في القرآن القديم مع رسول الله (صلعم) ولم تكن هذه القرى المعروفة بين اهل اللغة الظاهرة فاين المجاز لانه ان صح قبل الاستعمال لا يصح قبل الوضع قطعا فكيف يتحقق الاستعمال مجازا ولم يكن هذه القرى مخلوقة ( مخلوقة موجودة خ ) وهل يجوز عاقل ان يكون اللفظ موجودا قبل المعنى فان ذلك مكابرة واضحة فان اللفظ من عالم الشهادة والمعنى من عالم الغيب ولا يمكن ان يوجد عالم الشهادة قبل عالم الغيب لبطلان الطفرة وقاعدة امكان الاشرف وبالجملة فالقرية حقيقة في الذوات والرجال وعالم التأويل والباطن مقدم على عالم القشر والظاهر فان الباطن اب واصل والظاهر فرع وقشر ولا يكون الفرع اصلا والاصل فرعا في مقام من المقامات وحال من الحالات الا ان لا يكون الله حكيما بل كان عابثا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
قاعدة كشفية عرشية - اعلم ان اللفظ اما ان يطلق على معنى او معنيين فان كان الاول فهو الحقيقة ان لم يدل دليل قطعي على مجازيته وان كان الثاني بان يطلق على معنيين او اكثر فلا يخلو اما ان يكون بينهما ترتب ام لا فان كان هناك ترتب فلا يخلو اما ان يكون الترتب علية ومعلولية ام لا وان كان الاول فلا شك ان اطلاقه على العلة حقيقة اولية قطعا والا لساوي العلة والمعلول او لا يكون ( يكون خ ) المعلول اصلا والعلة فرعا وهو في البطلان بمكان اذا كان الواضع حكيما واذا كانت علايم الحقيقة في الاطلاق على المعلول موجودة فالاطلاق هناك حقيقة بعد حقيقة ليس من باب الاشتراك اللفظي لان الشرط فيه اتحاد الصقع والبينونة بين المشترك بالاشتراك اللفظي بينونة عزلة لا بينونة صفة والعلة والمعلول بينونتهما بينونة صفة لا بينونة عزلة ولا يصح ان يكون الاشتراك معنويا لاستلزامه حقيقة واحدة ومعنى واحدا والعلة والمعلول لا تجمعهما حقيقة واحدة والا لم يكن احدهما اولى بان يكون علة والآخر معلولا الا من جهة بعض العوارض الخارجية المقتضي لصدق العلة مجازا دون ان يكون حقيقة ولا يصح ان يكون حقيقة ومجازا لان المفروض عدم المجازية ولا يصح ان يكون منقولا لان الشرط في النقل هجر الاول والمفروض انه ليس بمهجور ولا يصح ان يكون مرتجلا لفقد الشرطين فوجب ان يكون حقيقة بعد حقيقة ويكون الثاني آية ودليلا للاول حاكيا لصورته ظاهرا على شاكلته وان كان الترتب بينهما ليس بالعلية والمعلولية بل باللب والقشر والاثر المتصل فاللفظ موضوع للمعنى الجامع وصدق ذلك الامر الجامع على المعاني التي يطلق عليها ويصدق عليها بالتشكيك ان لم يدل هناك دليل على ارادة خصوصيات الافراد وان لم يكن ترتب ولا دليل على خصوصيات الافراد ويصح ان يكون هناك جهة جامعة للجميع فالوضع للمعنى الجامع لقربه الى الوحدة التي هي المتعينة باللحاظ والكثرة لا خير فيها فلا تلحظ الا لامر عارض ودليل خارج وان لم يكن هناك امر جامع او علم عدم ارادة الواضع فالوضع للجميع بالاشتراك ويراد جميع المعاني عند الاطلاق فخذ ما ذكرنا لك قاعدة كلية تصرفها في جميع تصاريف الالفاظ والمعاني والصور والمباني والحقايق الاول والثواني فتعرف بذلك ان البواطن والاسرار كلها حقايق اولية والظواهر والقشور حقايق ثانوية وهي مجازات للاولية بعين كونها حقايق فلو لوحظ مجازيتها لم يكن الثاني آية وحكاية لان بين الحقيقة والمجاز لا بد من العلاقة والعلاقة والرابطة تقتضي الاثنينية والاثنين كل واحد حجاب للآخر لا دليل للآخر ( على الآخر خ ) لقوله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والدليل ان لم يلحظ المدلول فيه لم يكن دليلا بل كان حجابا وان لوحظ في عين ملاحظة الدليل بدون ملاحظة الدليل والمدلول فهناك يكون دليلا فلا دلالة الا اذا اتحد في اللحاظ فاذا نظرت الى الصورة التي في المرآة ولاحظت انها هي الصورة وهي المنفصلة عنك الصادرة منك وهي شبحك واشراقك ففي هذه الملاحظة ليست دليلا عليك ولا سبيلا اليك واما اذا قطعت النظر عن ملاحظتها ورأيت نفسك ظاهرا فيها لا من حيث الظهور ولا من حيث الصورة بل من حيث نفسك فانت ترى نفسك لكنها في ظهور شبحك بل ما ترى الا شبحك ولذا اذا سئلت عن هيئة صورتك تجيب عما المرآة عليه لا عما انت عليه فعلم ان الذي وصلت اليه شبحك وهو دليلك وهو المدلول عليك فلو كان المدلول هو ذاتك ما وصفتها على هيئة الشبح ولو كان الدليل غير الشبح كان قد حجبت عنك لان الغير من حيث المغايرة حاجب لا دليل فاتحد المدلول والدليل مع ان المدلول غير الدليل وقد اشار الى ما ذكرنا سيدنا الحسين عليه السلام الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير والشاهد في قوله روحي فداه مصون السر عن النظر اليها الى آخر فبالجملة فالبواطن حقايق لا مجازات بل المجاز عند اهل المجاز واهل الحقايق ليس عندهم مجاز قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها والمجاز لضيق المجاز والحقيقة هي الاصل في اول الطراز ما ادري ما اقول
كم ذا تموه بالشعبين والعلم والامر اوضح من نار على علم
اراك تسئل عن نجد وانت بها وعن تهامة هذا فعل متهم
فلنقبض العنان وللحيطان آذان وتعيها اذن واعية فالقرى رجال اهلكوا ورجال بورك عليهم وقد قال سبحانه وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين فالقري المباركة رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله يعني لا تشغلهم الامور الدنيوية ومقتضيات الانية عن ذكر الله الذي به تطمئن القلوب فهم مطمئنوا القلب باردوا الفؤاد لا يصيبهم شك ولا وهم ولا ريب ولا وسوسة ولا سفسطة ولا ظن ولا ما يوجب الفتن ولا المحن وقد قال سيد العابدين وامام الزاهدين في المناجات الى ان قال روحي له الفداء فان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنايح والمنن وهؤلاء الرجال لا يلهيهم التكاثر حتى يزروا ( يزوروا ظ ) المقابر ابدا فهم مع الناس وقلوبهم معلقة بالرفيق الاعلى وهؤلاء هم القرى المباركة وهم الانبياء والخلفاء الذين من سنخهم المأخوذون من حقيقتهم وهم الذين بارك الله سبحانه فيهم بكمال البركة على ما وصفنا لك سابقا من بعض البركات التي كانت لسيد الكاينات صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وحيث ان البركة ماقيدها بقيد ولاحدها بحد عرفنا ان المراد به البركات كلها والفيوضات باسرها وقد ورد عن طريق اهل البيت ان القرآن ذلول ذا ( ذو خ ) وجوه فاحملوه على احسن الوجوه والذي حاز البركات باسرها وجمع الفيوضات بحذافيرها واختص بالكرامات كلها وظهر بالتجليات جميعها ليس الا الولي المطلق والنبي المطلق وقد تبين ووضح سابقا وسيتضح لاحقا وعليه اجماع العارفين الكاملين ان النبوة المطلقة والولاية المطلقة منحصرة في الحضرة المحمدية وتلك الحقيقة المقدسة بشعبها وحدودها واطوارها هي القرى المباركة على المعنى العام الشامل والوجه التام الكامل والقرى الظاهرة علماء امته الذين هم كانبياء بني اسرائيل تأدبوا بآدابهم ونهجوا منهجهم واختصوا بهم وانقطعوا اليهم وقالوا عنهم ومالوا اليهم واعرضوا عن اعدائهم وقصروا انظارهم فيهم ومدوا اعناقهم اليهم وشخصوا ابصارهم نحوهم وتوجهوا بكلهم اليهم فاستشرقت سرائرهم من انوارهم واستضائت بواطنهم من نور اسرارهم وظهر فيهم سرهم وصاروا هم الوسايط بينهم وبين رعيتهم الايتام المنقطعين عنهم القاصرين الغير البالغين في معرفتهم وآدابهم وهؤلاء القرى الظاهرة هم الذين وصفناهم لك في الرواق الاول والرواق الثاني والرواق الثالث وهم الرواق والقرى الظاهرة واولئك العوام الجهال الذين يجب عليهم الاخذ عنهم والسير اليهم هم الرواقيون يعني المنسوبين الى الرواق لا انهم الجالسون في الرواق وهؤلاء القرى الظاهرة يجب على الناس كافة السير فيهم اي الاخذ عنهم والسؤال منهم لانهم اهل الذكر وهؤلاء هم الذين لا يعلمون فيجب الاخذ عنهم ليالي واياما آمنين يعني مقلدين يأخذون قولهم عن محض التقليد فيبينون لهم بالقول السديد بفائق التسديد والتأييد وهذا هو المراد بالسير في الليالي فان الساير في الليل يتوجه الى المقصود ويصل اليه لكنه لا يرى شيئا ولا ينظر الى الطرق ولا الى الدلايل والعلامات الموصلة الى المطلوب واذا ساروا فيهم يعني اخذوا عنهم بالبرهان والدليل بالكتاب والعقل المستنير كما افصح عنه قوله تعالى فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر البينات هي البراهين العقلية والقياسات الاعتبارية المطابقة للواقع والزبر الكتاب والسنة والعقل وحده لا يكفي والنقل وحده لا يبصر به لانه تقليد واما اذا حصل الدليل والبرهان العقلي ومشاهدة الآيات الآفاقية والانفسية يكون الاخذ عنهم على بصيرة ويقين وبينة من الله رب العالمين وهم الذين يدعون الى الله بعلم وهدى وكتاب منير وهذا معنى سيرهم في القرى اياما واليوم عبارة عن البصيرة والبينة وهم اي المقلدون التابعون في كل هذه الاحوال آمنون عن الخطاء والغفلة والسهو لانهم اهل الذكر والذكر مضاد للنسيان والغفلة ولانهم هم الذين جاهدوا في الله واحسنوا والله معهم والله سبحانه ليس مع المخطين لقد قال تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين والمراد بهذه المعية معية عناية وكرامة وتسديد وتأييد لا معية قيومية من قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم الى ان قال سبحانه وهو معكم اينما كنتم وقال تعالى ونحن اقرب اليكم منكم ولكن لا تبصرون فالمعية في قوله تعالى وان الله لمع المحسنين معية اكرام واحسان وانعام وامتنان فلا يكون ذلك الا بحفظ عن الوقوع في الخطاء ومنع للشياطين المغوية لهم وبالجملة الله سبحانه لا يكون الا مع اوليائه بالمعنى الذي ذكرنا الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فالتابعون السائرون في هذه القرى الظاهرة الى القرى المباركة آمنون مطمئنون غير مضطربين ولا مشوشين عالمون عارفون وهم الذين قال سبحانه لا يملكون الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون السائرون في القرى اي التابعون والمتبوعون الذين هم القرى كلهم عالمون الا ان علوم القرى عن مشاهدة وعيان وعلوم التابعين عن دلالة وبيان والفرق عظيم والخطب جسيم فافهم
واما المدينة - عند الاطلاق تطلق على كل فرد من افراد الانسان بل كل ذرة من ذرات الاكوان بعين ما ذكرناه في القرية قال الشاعر :
كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي
كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي
فكل شيء لاشتماله على مقتضيات وخواص وصفات واسماء وذوات وجواهر كل شيء كان كلا من الكل مدينة جامعة لجميع الاحوال والمراتب وحصن مانع عن دخول الاغيار ان في ذلك لذكري لاولي الابصار وهذا الذي ذكرنا بيان الاسماء الثلثة عند الاطلاق وتطلق البيت على ما تطلق عليه القرية وتطلق القرية على ما تطلق عليه المدينة ومعنى الكل واحد لان كل شيء مركب من العناصر وجميع الموجودات على تفاصيلها كلها انما تشعبت من العناصر وقد روي ان آدم على نبينا ( وآله خ ) وعليه السلام لما تفرقت اولاده بعد ان كثرت وتشتتت في البلاد احب آدم عليه السلام ان يطلع على احوالهم وسأل الله سبحانه ذلك والله سبحانه اراد ان يعرفه وذريته هذه المسئلة احتواء كل شيء على كل شيء وان يقنن ( له خ ) قانونا يستخرج منه ( سر خ ) هذا الامر لمن يعقل ويتدبر امر جبرئيل ان يخط بجناحه في الارض اربع نقط كل واحدة تحكي الاخرى فلما رأى آدم تلك النقط على الترتيب اراد ان يحصل امرا جامعا لا يشذ شيء منه فشبه النقطة الاولى بالنار والثانية بالهواء والثالثة بالماء والرابعة بالتراب وحصل شكلا ثم نسبه الى نفسه وتولد منه ستة عشر شكلا وهي بيوت الرمل يستخرج منها جميع ما يريد الانسان من احوال العالم من العلويات والسفليات والظواهر والمخفيات والمجردات والماديات والتامات والناقصات والكاملات والناضجات والغير الناضجات والذاتيات والعرضيات والحقايق والمجازات والضماير والمستسرات بل وجميع ما في الارضين والسموات من احكام الموجودات كل ذلك بقرانات تلك النقطة ( النقط خ ) والاضافات ولما بينا بالبراهين القطعية ان كلما تعلق به الجعل يجب ان يكون فيه العناصر الاربعة ظاهرة بكيفياتها وآثارها وجميع الذرات انما تحققت بتلك القرانات الا ان بعضها ظاهرة بحصول الشرايط والمتممات واغلبها مخفية تنتظر وجود المتممات ( المقدمات خ ) والمكملات وجب ان يكون في كل شيء معنى كل شيء فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال هذا ما يتعلق بالامور الثلثة اذا انفرد كل منها بالذكر واما اذا اجتمعت فقيل مدينة وقرية وبيت وبينها فرق واضح عند اهل اللسان الحقيقي اما المدينة فهي السواد الاعظم واما القرية فهي التابعة للسواد الاعظم واما البيت فهو اجزاء القرية والمدينة فعلى هذا فالمدن بالنسبة الى اجزاء العالم ثلثة المدينة الكبرى وهو العالم الاكبر والمدينة الصغرى وهي العالم الاصغر عالم الانسان فانه المختصر من اللوح المحفوظ والجامع لجميع ما في عوالم الغيب والشهادة وقد قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( عليه السلام خ ) الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم والصراط الممدود بين الجنة والنار لقد جمعت هذه الصورة جميع ما في الوجود من الغيب والشهود والظاهر والباطن وقد قال ايضا امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( عليه السلام وروحي له الفداء خ ) في الابيات المنسوبة اليه :
دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر
اتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
وفي قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق دلالة صريحة على ما ذكرناه من انطواء الانسان على كل ما في الاكوان والاعيان زايدا على ما ذكرناه سابقا من كون هذا الانطواء في كل شيء لان الجمع المضاف يفيد العموم الاستغراقي فيكون جميع آيات الله كلها ظاهرة موجودة في مقامين الآفاق وانفس الخلايق وكلما في الآفاق من الآيات كلها في الانفس وقد علمت ان كل حادث من الحوادث وكل موجود من الموجودات بحدوثها وكينونتها آية من الآيات والآيات كلها موجودة في الانسان وستري في آخر الزمان وكل الموجودات باجمعها وجب ان تكون موجودة في الانسان فعلى هذا فالانسان مدينة كبيرة لكنها صغيرة لصغر ما في هذه المدينة من الآلات والاسباب والمدينة الثالثة المولود الفلسفي الولد العزيز قرة عين اهل التميز اخت النبوة وعصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها ويعلم امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( علي السلام وخ ) روحي له الفداء ظاهرها وباطنها وهذه مدينة قريبة ( قرينة خ ) للمدينتين لكنها متوسطة في البين فالمدينة الاولى لكبرها وسعتها لا تدركها الابصار ولا تنالها ايدي الافكار لانها اوسع من دائرتها واعظم من حيطتها وهي كما قال مولينا وسيدنا جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ان الله خ ) خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهذه المذكورات ( كلها خ ) صفات هذا العالم الكبير لانه ليس بالشخص مجسد لان الشخص والفرد والجسد والجسم بعض اجزائه فلا يوصف الكل بما يوصف به الجزء وليس باللفظ منطق لان اللفظ من بعض اجزائه ولا بالتشبيه موصوف ولا باللون مصبوغ الى آخره فان كل ذلك من بعض اجزائه وهي بريء من الحدود لان بعض اجزائه الغير المحدودة وبريء عن الامكنة لان المكان من بعض اجزائه فحينئذ فالامر كما قال روحي له الفداء محجوب عنه حس كل متوهم واما الانسان المدينة الصغرى فمن جهة صغر حدودها وآلاتها وساير ما يتعلق بها وخفائها لا يمكن الاحاطة بها الا اوحدي الزمان ونادرة الاوان ممن اشهده الله خلق السموات والارض وخلق نفسه واما المدينة الوسطى فليست في الصغر كالثانية ولا في الكبر كالاولي ولذا سموها مرآة الحكماء فانهم اذا تصعب عليهم امر من الامور الغيبية والشهودية والروحانية والجسمانية كانوا يستعملون هذه المرآة لتكشف لهم حقيقة الامر وفيها ما في كل من المدينتين من الاحكام والاحوال والآثار والافلاك والعناصر والمتولدات والانبياء والاولياء والسعداء والشهداء والاخيار والاشرار والفجار والفساق واعداء الانبياء والخلفاء وفرعون وهامان وقارون وجميع الروايح الطيبة العطرة والروايح الخبيثة العفنة والسمومات والترياقات وبالجملة فكل شيء يتخيله الانسان او يراه بالوجدان من احوال المدينتين يراها ظاهرة في هذه المدينة المعظمة المشرفة وكل ذلك لتوليد الولد الواحد وهكذا كل من المدينتين انما تأسست وتمت وارتبطت واقترنت بتوليد ولد واحد وهو الشجاع الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف وهذا لا ينافي ما قلنا سابقا من ان في كل شيء معنى كل شيء فلا اختصاص للمدن بهذه الثلثة لان ما ذكرناه صلاحية ان يكون كل شيء فيه معنى كل شيء وليست تلك الاشياء ظاهرة بارزة فيه وانما يعرفها دقيق النظر لما يظهره من الدليل واما هذه الثلثة فالانطواء وتحقق الاشياء والذوات فيها ظاهرة غير خفية متحققة متكيفة متميزة تظهر بادنى روية ولذا قال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون ومن هذه الجهة خصصنا هذه الثلثة لظهور الامر فيها دون غيرها وهذه الثلثة هي المدن واما ما عداها كلها قرى توابع او بيوت اجزاء وليس لنا الاقبال الآن في ذكر تفاصيل تلك القرى ومعنى كونها اتباع وتفاصيل تلك الاجزاء ومعنى كونها بيوتا معنى يطول به الكلام ويخرجنا عما نحن فيه من المرام فنقصد ما هو الاهم من المهام فنقول العالم ما سوى الله كله من غير استثناء يدور على مدينة وقرية وبيت والمدينة هي الحقيقة المحمدية بالمعنى الاول وهو السابقون من المهاجرين الذين هاجروا الى الله سبحانه بقدم الاقبال والتوجه حتى كشفوا سبحات الجلال ومحوا الموهوم وهتكوا الستر وانجذبت صفات التوحيد حتى اشرق لهم النور المشرق من صبح الازل فلاح على هياكل التوحيد آثاره وانما افردنا ضمير هو وجمعنا السابقون لنكتة ( للنكتة نسخة ١٣٠٥ م ) التي ارادها الله سبحانه من قوله تعالى بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اما النبيون فانا وقوله عليه السلام في الدعاء ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت انظر كيف انث الضمير وافرده ثم ذكره وجمعه والمعنى واحد ولذا قلنا هو السابقون الاولون من المهاجرين الى الله والانصار الذين نصروا خلقه باتخاذهم الله عضدا لخلقه ووجودات الاشياء من اشعة امداداتهم وصورها من اشراق هياكلهم واصلها تفرع منهم لانهم في مقام التعين الاول والحق المخلوق به وهو واحد وهو جمع وهو عال وهو دان وهو متسع وهو مضيق وهو بحر وهو بر وهو سماء وهو ارض بالجملة هو التعين الاول ووجه الازل والنور لم يزل وهذه المدينة تشتمل على محلات مختلفة بالسعة وغيرها ولو اردنا ان نحصي محلات هذه المدينة لعجز عنها قلم الاحصاء فضلا عن الاستقصاء ولكني آت بما هو الميسور من بيانها لانه لا يسقط بالمعسور اما المحلة الاولى من هذه المدينة فمحلة التوحيد ومقام التفريد والتجريد وهي محلة وسيعة لا غاية لها ولا نهاية لا ينقطع السائر عن سيره ابدا ولا يصل اول درجة من هذه المحلة ولا يسير في هذه سوى اهل المدينة واما ما سويهم فقد انقطع سيرهم دونها وما يمكنهم الوصول الى اقل درجة منها وهي اعمر المحلات واوسعها واكبرها مع انه ليس هناك بيت ولا باب ولا سقف ولا حائط ولا جدار وهي مشرقة بالنور مملوة بالسرور مجلس المحبين مأوى المشتاقين مكان الانس وموضع القدس غاية مطلب الطالبين نهاية مقصد القاصدين واعلى امل الآملين ومنتهى مني المريدين فعندها انقطع الكلام وانتهى وان الى ربك المنتهى
المحلة الثانية - محلة الاسم الاعظم والنور الاقدم والسر المعمي والرمز المنمنم
المحلة الثالثة - بحر الاسرار المختص بالعزيز الجبار ومبدأ الانوار ظاهره مظلم للاغيار قد قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( عليه السلام وخ ) روحي له الفداء بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان والعقارب يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وهذا هو الغيب الذي لا يعلمه الا الله من قوله تعالى قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ثم ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت وهذه الامور والغيوب كلها تنشؤ من هذا البحر المتلاطم والتيار المتغاطم ( المتعاظم خ )
المحلة الرابعة محل الاسماء الثلثة الله الحي القيوم
المحلة الخامسة مقام الاسماء الثلثة والسبعون التي عند آدم عليه السلام من قشورها خمسة وعشرون وعند نوح عليه السلام خمسة عشر وعند ابرهيم خليل الرحمن ثمانية وعند موسى اربعة وعند عيسى عليه السلام روح الله اثنان والباقي كله عند نبينا محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم الا واحد منها وزيادة ما عند آدم عليه السلام ليس من ذاته وانما هو لامور خارجة لانه في مبدأ الصعود والعالم في غاية من الخراب والفساد فيحتاج الى معونة زيادة والواحد منها مختص بالله سبحانه وتعالى وهو الشمس الذي في قعر البحر المذكور آنفا
المحلة السادسة مقام باقي الاسماء العظام فانها تحت هيمنة هذه الثلثة وسبعين
المحلة السابعة مقام الوجود المطلق والحق المخلوق به وذلك الولاية المطلقة والاختراع والابتداع عالم احببت ان اعرف والمحبة الحقيقية والتعين الاول والنور الازل وصاحب الازلية الاولية والازلية الثانية
المحلة الثامنة البحر المتعاظم والتيار المتلاطم البحر المواج مقام الابتهاج مرتبة الذكر مبدأ الامكان وسر الاكوان بحر لا يساحل وطمطام لا يطاول
المحلة التاسعة موارد الافعال السبعة الماضي والمضارع والنفي والنهي والجحد والاستفهام والامر وموارد هذه الافعال هي التي تشعبت الفعل المطلق الى هذه السبعة
المحلة العاشرة رتبة الفؤاد وباب الاستعداد متعلق فعل الامر كن المجيب الممتثل للكاف من كن قبل تمامه وان كان بعد تمامه وهو الواقف في مقام الصفة باب لا تعين وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو المعبر عنه بالوجود المقيد وعالم النور ومقام السرور ووادي المحبة وسر الالفة وهو مع انه وجود مقيد سر اللاهوت ووجه الحي الذي لا يموت وهو تمام الوجود الراجح ومبدأ الوجود الجايز فافهم ما اقول فانه لا يسعني الكلام الا هكذا فان البيان يطول
المحلة الحادي عشر ارض الجرز الدواة الاولى القابلية الكبرى معدن الوجود ومحل التمايز بين الغيب والشهود والعابد والمعبود والشاهد والمشهود وهناك ظهور سر اياك نعبد وظهور الخطاب وحكم العبودية والتكلم مع الغير ولولا هذا المقام لم يتحقق هذا الكلام
المحلة الثاني عشر مقام العقل الكلي والسر الغيبي موضع الاجمال ومقام الاتصال دون الوصال ومنه تشعبت العقول وبلغ الى كافة الفروع والاصول والعقول كلها قبسات من هذا النور واشعة من هذا السطوع والظهور وهو باب الممكن والامكان ومقام قاب قوسين عند العروج والصعود الى الامكان وهو وحده يعبد الحق سبحانه في الاسرار والاعلان وهو نور ذائب وعبد راغب واقف خدمة الحق
المحلة الثالث عشر مقام الارواح ومحل الاشباح النور الاصفر فاقع لونها تسر الناظرين عالم الرقايق مبدأ الحقايق ورق الآس قوي البنيان والاساس
المحلة الرابع عشر مقام الجنة المأوى ( مأوى خ ) الاحبة وهذه محلة واسعة عظيمة لا توصف سعتها ولا يعبر عن احاطتها وها انا اذكر لك شيئا قليلا من مقام سعتها في الفروع فقس انت حكمها في الاصول لان الجنة خلقت من نور وجه واحد من وجوه الخمسة المعبر عنها بالهاء في كهيعص فقد روي ان من ادي زكوة ماله يخلق الله سبحانه له جوادا في الجنة ويؤمر بان يركب ذلك الجواد ويركض في ارض الجنة سنة فما بلغ جواده في هذه المدة فهو له وانه ليقطع في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات فانظر ما ترى ان هذا كله ثواب اداء الزكوة وثواب اقامة الصلوة اعظم واعظم واعظم لان الصلوة خير موضوع وهؤلاء كل جمعة بعد ان يزوروا الرب يزدادون بالضعف بمعنى الضرب لا تضعيف شيء واحد فان ذلك مقتضى كرم الله وقدرته وعظمته وروي من طريق اهل البيت ان ملكا من الملائكة اراد ان يعرف سعة الجنة وكان له ثلثون الف جناح كل جناح يملأ ما بين المشرق والمغرب فضعف الله سبحانه تلك الاجنحة بلغت ستون الفا ثم اعطاه الله سبحانه قوة ثلثين الفا آخر فامره بان يطير في هواء ارض الجنة فطار ثلثين الف سنة الى ان عجز ثم قواه الله سبحانه فطار ثلثين الفا آخر الى ان عجز ثم خطر بباله ان الجنة ما اوسعها وارحبها فنادته حورية من حوراء الجنة وقالت له يا فلان انت من اول طيرانك الى الآن تسير في ملكي والآن وصلت اواسط ملكي وانا لرجل واحد من اهل الجنة تأمل في هذا الحديث الشريف وانظر الى سعة دار كرامة الله وهذه السعة سعة جسمانية والسعة الجسمانية وان عظمت وجلت بالنسبة الى السعة الروحانية كحلقة ملقاة في فلاة ( قي خ ) او كالخردلة في البرية الواسعة والسعة الروحانية اذا نسبتها الى السعة العقلانية تكون كنسبة السعة الجسمانية الى الروحانية والسعة العقلانية اذا نسبتها الى السعة الحقيقية اللاهوتية تكون كنسبة السعة الروحانية الى العقلانية واذا نسبتها الى سعة هذه المحلة في محلات هذه المدينة المعظمة تكون نسبة الشعاع الى المنير وما عسى ان تكون نسبة الشعاع الى المنير فعلى هذا ما عسى ان تكون نسبة ما ذكرنا من سعة الجنة الى هذه المحلة فافهم الدقيقة وسر الحقيقة
المحلة الخامس عشر مغرس شجرة طوبى وسدرة المنتهى وهذه اعلى منازل النفس الملكوتية الالهية لقد قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( عليه السلام خ ) فيها ان اصلها العقل وعنه وعت واليه دلت واشارت وشابهته اذا كملت فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى
المحلة السادس عشر مقام النفوس وهذه محلة واسعة بحسب درجات هذه النفس ومقاماتها فهي ترتقي بحسب الكمال من المطمئنة الى الراضية الى المرضية الى الكاملة كما في قوله تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي واما النفس الامارة والملهمة واللوامة فليست داخلة في هذه المحلة بل هي انما عرضت وسكنت غصبا الى ان يخرجها من مكان ( مكانها خ ) المغصوب سلطان العقل وهذه النفس لها شعب اعلاها النفس الملكوتية الالهية وادناها النفس النامية النباتية واوسطها النفس الناطقة القدسية والنفس الحيوانية الحسية وليس مرادي من هذه هي التي في الحيوانات والبهائم والانسان الرعية والجن والنباتات المعروفة فان هذه النفوس ليست من محلات المدينة المنورة المعظمة بل هي في الانسانية لايقة ( لايقة نسخة ١٣٠٥ م ) بمقامها وكذا الحيوانية النباتية فافهم وما اسعدك لو وفقت لفهمها
المحلة السابعة عشر محلة الطبيعة النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة ومبدأ الخلق الثاني ظاهره حرارة ويبوسة وباطنه برودة ورطوبة وهو شيخ كبير قاعد على كرسي من النور ومحلته ما فيها متنفس كلهم هائمون مستقهرون تحت هيمنة القدرة ودائما ينادي منادي الحق في هذه المحلة اين الجبارون اين المتكبرون اين الذين اكلوا رزقي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم فيأتيه الجواب من ناحية من نواحي هذه المدينة لله الواحد القهار
المحلة الثامن عشر المواد بحر الصاد بحر المزن الذر الثالث الاعيان الثابتة في الكون الاخير والياقوتة المذابة من هذا البحر ثار الدخان وانعقد الزبد من الاول مبدأ خلق السموات الجسمانية ومن الثاني مبدأ خلق الارضين الجسدانية
المحلة التاسع عشر حظيرة القدس ومحل الطيور الخضر ومحل الصور المثالية وهذه المحلة تشتمل على عقود منها عقد جابلسا وجابلقا وهما مدينتان احدهما من ناحية المشرق والاخرى في ( من خ ) ناحية المغرب في كل منهما سبعونالف باب من زمردة خضراء عند كل باب سبعونالف امة يتكلمون بسبعين الف لغة كل لغة لا تشبه الاخرى ويخرجون من كل باب في كل يوم سبعون الفا ولا يدخلون ابدا ويدخل سبعون الفا ولا يخرجون ابدا وهم في نعمة عظيمة ومنها موضع خلف البحر مسيرة اربعون ( اربعين خ ) يوما للشمس فيها قوم لم يعصوا الله قط ولا يعرفون ابليس ولا يعلمون خلق ابليس قد ظهرت فيهم مظاهر الولاية فهم مقبلون عليها ويتوجهون ( متوجهون خ ) اليها ويسئلون الله دوام هذه المظاهر وبقائها ففيهم عبادة واجتهاد شديد ولمدينتهم ابواب ما بين المصراع الى المصراع مائة فرسخ لهم تقديس واجتهاد شديد لو رأيتموه لاحقرتم عملكم يصلي الرجل منهم شهرا لا يرفع رأسه من سجوده وطعامهم التسبيح ولباسهم الورع ووجوههم مشرقة بالنور لهم دوي اذا صلوا اشد من دوي الريح العاصفة ومنها عقد ملكوت الارض وهو اثني عشر عالما كل عالم اكبر من عالمنا هذا سبعمائة الف مرة ومنها عقد فيه تسعة وثلثون مغربا ارض بيضاء مملوة خلقا يستضيئون بنورها ومنها عقد فيه اربعون شمسا ما بين شمس الى شمس اربعون عاما فيها خلق كثير ما يعلمون ان الله خلق آدم ام لم يخلقه ومنها عقد فيه اربعون قمرا ما بين قمر الى قمر مسيرة اربعين عاما ومنها ما ذكره امير المؤمنين عليه السلام ان من وراء هذه الآفاق عالم لا يصل اليه غيري وانا الحفيظ بما ورائه وعلمي به كعلمي بدنياكم هذه وانا الحفيظ الشهيد عليها ولو اردت ان اجوب ( اجوز خ ) الدنيا باسرها والسموات السبع والارضين باقل من طرفة عين لفعلت لما عندي من الاسم الاعظم وانا الآية العظمى والمعجز الباهر ومنها عقد فيه اثني عشر شمسا واثني عشر مغربا واثني عشر برا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما وهنا عقود اخر لا يصل اليها علمنا ولا يسعه فهمنا وكلها شعب من هذه المحلة الواسعة
المحلة العشرون محلة جسم الكل المحيط بالاجسام كلها بل العلة لتكونها
المحلة الواحد والعشرين ( الحادية والعشرون خ ) محلة العرش بما فيه من الحجب والسرادقات وهي سبعونالفا وباركانه الثلث مائة وستونالفا وحملته سبعةآلافالف وما تاالف ملك اصغرهم لو امر ببلع السموات السبع والارضين السبع وما فيهما وما بينهما كانت في لهواته اصغر من الخردلة في البرية الواسعة
المحلة الثاني والعشرين ( الثانية والعشرون خ ) محلة النيران الكامنة في زبد البحر وهي الاسماء الالهية الجسمية المدبرة للعوالم السفلية وهي من الاسماء التي ملئت اركان كل شيء وفي ناحية من نواحي هذه المحلة وهي وسطها ثلثمائة وستون عقدا احب ان اذكر تلك العقود واربابها واسماء اربابها وان كان يطول به الكلام لكنها مشتمل ( مشتملة خ ) على الفوايد العظام :
الاول - عقد صاحبه رجل معه خنجر اسمه رخيبا
ب - عقد صاحبه رجل ويحمل زقا اسمه شمشالك
ج - رجل وجهه وجه الكلب اسمه بعوريالوطهشا
د - عقد صاحبه رجل معه تمثال خطاف من حديد اسمه طوطبعال ( طوطيعال خ )
ه - رجل معه سيف مسلول اسمه عدرنا
و - عقد صاحبه انسان ميت وفي رواية انسان قائم اسمه سقطونسحسويلا
ز - عقد صاحبه رجل يحمل سيفا اسمه دهدره وبرواية دهدرده
ح - عقد صاحبه ثعبان ينفخ نارا اسمه سهرونا
ط - عقد صاحبه صورة كبش يلتفت الى خلفه رأسه على ظهره اسمه ارهوطاوهمشتو
ي - عقد صاحبه كبش رأسه مع ذنبه اسمه طنوريا
يا - عقد صاحبه امرأة بيدها قضيب من ذهب اسمها قادروس
يب - عقد صاحبه عقاب على نخلة اسمه لطوناسده
يج - عقد صاحبه صورة لا يدري اي شيء هي قال درشت اسمه صندووره
يد - عقد صاحبه رجل له قرنان وبيده سرطان اسمه سيملسور
يه - عقد صاحبه رجل عليه درع من حديد اسمه لوههره يو عقد صاحبه رجل رجلاه من ذهب قائم على منبر اسمه حفظا
يز - عقد صاحبه رجل عليه ثوب من ديباج اسمه شنوط
يح - عقد صاحبه امرأة متكئة على سرير اسمها طرطيروش
يط عقد صاحبه رجل على رأسه تاج وبيده حلقة كافور وقف على ماء يضطرب اسمه كشغيعيويل
ك عقد صاحبه اسد بلا رأس يتكلم اسمه خيارششورش ( حينارششيورش خ )
كا عقد صاحبه ذئب ملتفت ومهول اسمه ابرادس ( ايرادس خ )
كب عقد صاحبه حية لها جناحان اسمها طلالوريا
كج عقد صاحبه امرأة عريانة اسمها حساشل
كد عقد صاحبه صورة شيئ نحيف الساق اسمه حشيشلعون
كه عقد صاحبه قلة مطبوعة برصاص من لونين اسمها كشكطرح
كو عقد صاحبه رجل على حمار اسمه سوسصمال
كز عقد صاحبه رجل غضبان اسمه كرفيوكدان ( كوفيواكدان خ )
كح عقد صاحبه فرس تقوده جارية اسمها ترتونون
كط عقد صاحبه اسد يهيج نفسه اسمه خونبرنيوز
ل عقد صاحبه شجر عظيم اخضر اسمه هونيشطا
لا عقد صاحبه امرأتان متعانقتان اسمه دوطايرلان
لب عقد صاحبه رجل على كرسي اسمه راش
لج عقد صاحبه رجل على فيل اسمه قدتنعيطيال
لد عقد صاحبه رجل بيده مصحف اسمه كربابل
له عقد صاحبه رجل يحرث ارضا اسمه رصانصايل ( رصانضابل خ )
لو عقد صاحبه رجل خفاه من حديد اسمه قيا ( فتيا خ )
لز عقد صاحبه عقرب عظيمة اسمها كدرةالدر
لح عقد صاحبه ضبع اسمه اسطونش
لط عقد صاحبه رجل يكثر الثمار اسمه ينسدقبال
م عقد صاحبه رجل يرسل النشور اسمه تيسانون
ما عقد صاحبه رجل يرفع الفتن والقتل اسمه ارسايل
مب عقد صاحبه امرأة تضرب بالدف اسمها ضعط ( ضغط خ )
مج عقد صاحبه رجل معه قضيب اسمه
مد عقد صاحبه حمام طاير اسمه غربيون
مه عقد صاحبه رجل على حمار اسمه صريحا ( حريحا خ )
مو عقد صاحبه ثور مضى اسمه وسالوسطلهلول
مز عقد صاحبه ثوران يجريان اسمه سفسائيل
مح عقد صاحبه رجل معه شعاع بوجهه اسمه شماخ
مط عقد صاحبه امرأة تضرب بالعود اسمها شطحال
ن عقد صاحبه كلب يقابل كلبا اسمه الوياسلوفايون
نا عقد صاحبه صورة ارنب اسمه جليحون
نب عقد صاحبه صورة الحنفا اسمه ( الخنفساء اسمها خ ) حجبنون
نج عقد صاحبه رأس مقطوعا اسمه حضبطقلقنه
ند عقد صاحبه رجل عيناه فوق رأسه اسمه كنجطيلشعظع
نه عقد صاحبه رجل ممسك شعر لحية ( لحيته خ ) اسمه نبيطياش
نو عقد صاحبه رجل يقرأ في مصحف اسمه طريعسككاك
نز عقد صاحبه رجل في ارض مزروعة بانواع النباتات اسمه عريصال
نح عقد صاحبه رجل راكب غزال اسمه كحتاح
نط عقد صاحبه قرد كثيرة اسم نوعه فطريليوس
س عقد صاحبه امرأة اسمها حميربرحوشه
سا عقد صاحبه امرأتان تقتل احديهما الاخرى اسمها حرايبكلسحص ( حوانيكلسحص خ )
سب عقد صاحبه غلام في يده دواة وقرطاس اسمه عطلشاهسمتالشمال ( عطلشاهسمثالشمال خ )
سج عقد صاحبه رجل عليه قلنسوة متقلد سيف بيده مزراق اسمه كشومنال
سد عقد صاحبه رجل يقرأ كتابا اسمه دهشال
سه عقد صاحبه رجل يشتعل بالنار اسمه ريشاويل
سو عقد صاحبه رجل يضرب اصل شجرة اسمه نيشا
سز عقد صاحبه رجل يحمل فأسا اسمه حصال
سح عقد صاحبه رجل بيده قوس وسهم من حديد اسمه خينارشرفار ( حنينارشرفار خ )
سط عقد صاحبه رجل في ريح باردة ومطر اسمه كربحل ( كريحل خ )
ع عقد صاحبه ابوقلمون اسمه توهال
عا عقد صاحبه امرأة تنكحها قردة اسمها سطشال ( سطيسال خ )
عب عقد صاحبه صورة طائر يقال له ابوسعيد البخيل اسمه شحصكين
عج عقد صاحبه مدرة حولها غنم اسمها هيهواشيل
عد عقد صاحبه تنين له سبع رؤس اسمه وههئيل ( دههميل خ )
عه عقد صاحبه على نهر جار سريع الحركة اسمه انانيشصطح
عو عقد صاحبه رجل مقطوع اليدين اسمه غضغصاك
عز عقد صاحبه صورة ثعلب هارب اسمه درهياوبرطشغاش
عح عقد صاحبه جيشان ملتقيان اسمه حنيونوشا
عط عقد صاحبه على صورة القيور ( القبور خ ) اسمه هاللولهان
ف عقد صاحبه رجل راكب فرس حامل رمح اسمه طريعلسعفرلون
فا عقد صاحبه غربان طاير اسمه عيقشيال
فب عقد صاحبه رجل جاث على ركبتيه اسمه ححصحاح
فج عقد صاحبه امرأة باكية اسمها وشيصفا
فد عقد صاحبه اسد رابض اسمه جلداش
فه عقد صاحبه رجل على ظهر رجل اسمه بشهرمار ( يشهرمان خ )
فو عقد صاحبه رجل بنبت عظيم اسمه يسغيال ( يسفيال خ )
فز عقد صاحبه رجل عليه قلنسوة مطروحة اسمه مليعيفوريا
فح عقد صاحبه رجل هارب نجس اسمه سعدعابورقا
فط عقد صاحبه رجل هارب اسمه خشامضا ( حشامضا خ )
ص عقد صاحبه رجل يحمل مصحفا منشورا اسمه دهساطامسطامع ( وهساطيسطامع خ )
صا عقد صاحبه رجل ملتفت الى خلفه اسمه عيمحلهذا
صب عقد صاحبه رجل يشبه الرعد اسمه عجلفعل
صج عقد صاحبه تمساح اسمه وساس
صد عقد صاحبه طاير يشبه الاوز اسمه حيقشلع
صه عقد صاحبه ماء قليل اسمه نقصشان (خ)
صو عقد صاحبه حمار على مرور اسمه طحشيلقط ( طحيشلقط خ )
صز عقد صاحبه ثور يسقي كرما اسمه ضطيش
صح عقد صاحبه رجل مريض اسمه هرنباش
صط عقد صاحبه خان خراب اسمه كحيطن
ق عقد صاحبه سفينة اسمها درهلشط
قا عقد صاحبه رجل بيده سوط اسمه رطلامش
قب عقد صاحبه رجل يسل سيفا اسمه يمحطيلنشط
قج عقد صاحبه رجل راكب على حوت عظيم اسمه عطشعسفليون
قد عقد صاحبه حوت ونمر يكلمه اسمه هلسطفسمع
قه عقد صاحبه صورة غراب اسمه لعسطححح ( تعسطححح خ )
قو عقد صاحبه امرأة تضرب بربط اسمها رهطايل
قز عقد صاحبه جوار يلعبن في ماء جاري اسمهن بلسعيمحلشع
قح عقد صاحبه صورة مزمار عظيم اسمها هلع
قط عقد صاحبه رجل على عجلة اسمه طمعوراس
قي عقد صاحبه قمح منشور اسمه حلسوشا
قيا عقد صاحبه ماء مسكوب اسمه اويائيل (خل)
قيب عقد صاحبه برذون اسمه صياصيل (خل)
قيج عقد صاحبه رجل عريان اسمه طيحشغل
قيد عقد صاحبه شجرة عليها طاير اسمها ريباطيشل
قيه عقد صاحبه عنز مذبوحة اسمها فحلسعقط
قيو عقد صاحبه رجل على ثلثين وآخر راكب على نمر اسمه كشفحيشهم
قيز عقد صاحبه رجل يبكي في فيه اسمه صكحائيطل
قيح عقد صاحبه امرأة على سرير من ذهب اسمها طرذان ( ترذان خ )
قيط عقد صاحبه صورة مدينة اسمها ارصاب
قك عقد صاحبه وجه اسيل اسمه دهاطيل
قكا عقد صاحبه دجاجة على ذنب ثعبان اسمه فسعطشكم
قكب عقد صاحبه سفينة معلقة اسمها لفاذيل
قكج عقد صاحبه تنور تقد نارا اسمه محسكطكر
قكد عقد صاحبه رجل لا تطيق ان تنظر اليه اسمه الاتوباش
قكه عقد صاحبه حية عظيمة اسمها طهلسطو
قكو عقد صاحبه رجل حامل سيف اسمه حطيطوبطيش
قكز عقد صاحبه رجل راكب اسد اسمه علشكع ( عصلع خ )
قكح عقد صاحبه نار ملتهبة تحرق الوجوه اسمه دورشناهض
قكط عقد صاحبه انسان عليه رضبس (ظ) ( عليه رجل حبس خ ) اسمه هحطلتشمعون
قل عقد صاحبه انسان مضروب الوسط اسمه هاطاشا
قلا عقد صاحبه موتي يطرحون اسمه مهلهل
قلب عقد صاحبه رجل عليه كفن اسمه مهيشايل
قلج عقد صاحبه امرأة ضاحكة اسمها طمطحشوه
قلد عقد صاحبه شخص له سرور وفرح لا اقدر على وصفه اسمه درفحنانبص درفحنابيص (خل)
قله عقد صاحبه ( كف نسخة ١٣٠٥ م ) مقطوعة اسمها حجكفل
قلو عقد صاحبه دابة لها قرنان اسمها لونيناتمرتار
قلز عقد صاحبه رجل يولد الهواء اسمه ( بعصاشاملكوتل
قلح عقد صاحبه رجل يشير الجربة اسمه شمطيكشبع
قلط عقد صاحبه صفر ورمال كثير اسمه هايا
قم عقد صاحبه حمل وعظم انسان اسمه جاحانوراد
قما عقد صاحبه في صحراء واسعة لا يرى اطرافها اسمه سلشكول
قمب عقد صاحبه بيت من ذهب اسمه غراواران
قمج عقد صاحبه رجل يدفن عقيدة في الارض اسمه صلصطلشل
قمد عقد صاحبه رجل معه مفتاح عظيم اسمه شمعشاسلواذاسل
قمه عقد صاحبه رجل يضرب بسوط اسمه شمطلوتا ( شمطلونا خ )
قمو عقد صاحبه انسان له رأسان ورجلان من حديد اسمه هزديارش ( هرزيارش خ )
قمز عقد صاحبه امرأة تستحم اسمها طحاهيل
قمح عقد صاحبه رجل يحث التراب على رأسه اسمه كويطط
قمط عقد صاحبه رجل يحصد قمحا ويزرع زرعا وتحت التراب قرطه اسمه
قن عقد صاحبه امرأة حسناء وخضرة شديدة اسمها حيسمكست
قنا عقد صاحبه جارية حسناء تحمل صبيا اسمها كهليلسفح
قنب عقد صاحبه رجل معه كتاب ينظر اسمه حيوثاشطيا
قنج عقد صاحبه رجل معه ثور وحراث اسمه فليعطسه
قند عقد صاحبه غراب ينعق اسمه سركساشيط
قنه عقد صاحبه شخص لا يرى اسمه مطاطا
قنو عقد صاحبه امرأة معها سنبلة قمح اسمها هيوشل
قنز عقد صاحبه امرأة ليس معها فرج اسمها درهيل
قنح عقد صاحبه امرأة ورجل متعانقان اسمها ملسارون
قنط عقد صاحبه رجل مربوط اليدين والرجلين اسمه انانيسهه ( اناميسهه خ )
قس عقد صاحبه صورة ما ادري ما هي واسمع صوت بكاء اسمها الشورالسنديل
قسا عقد صاحبه غنم كثيرة اسمها لاندنانطيس
قسب عقد صاحبه طير اسود اسمه كلشعو
قسج عقد صاحبه غلام يضحك بيده تفاحة اسمه هسايلبروشرهوياش
قسد عقد صاحبه شجرة ياسمين اسمها ريسا
قسه عقد صاحبه بركة فيها ماء عليها اون حبشي اسمها لقيقطط
قسو عقد صاحبه خدان مختلفان اسمه كلساشط
قسز عقد صاحبه نور مختلف اسمه محشهلهنيطسحكر ( محسهلهنيطشحكوا خ )
قسح عقد صاحبه رجل بيده اكليل اسمه طيلمالهههور
قسط عقد صاحبه انسان في يده ثور اسمه كحنطيش
قع عقد صاحبه انسان يعلم الناس اسمه وكعسيسطال
قعا عقد صاحبه انسان ينقش حديدا اسمه كراسثوطامنححح
قعب عقد صاحبه قرد فوق شجرة اسمه وانشطالجميعتلطياهشل ( والشطالجميعتلطياهشل خ )
قعج عقد صاحبه انسان يحمل ياقوتة اسمه ترهاهلعيهلش
قعد عقد صاحبه ثعلب اسمه ثباثيره
قعه عقد صاحبه سفينة اسمها مرشاهحسفياش
قعو عقد صاحبه شجرة لها اثني عشر غصنا اسمها رحباشطان
قعز عقد صاحبه رجل يقطف ريحانا اسمه كاهربا كاهرتا ( كاهرنا خ )
قعح عقد صاحبه انسان ركب بشره اسمه صهاديلطهاطاس
قعط عقد صاحبه هامة وتامة اسمها مهلفيليحفطفطط
قف عقد صاحبه رجل بيده حربة اسمه تطاطرشاط
قفا عقد صاحبه رجل معه ثعبان اسود اسمه ططسعفصفهبط
قفب عقد صاحبه رجل له وجهان اسمه بردهايسرح
قفج عقد صاحبه صورة نسر اسمه صطحلكعوس
قفد عقد صاحبه رجل على يده طير اسمه سهصصهمياتيس
قفه عقد صاحبه رجل خاتمه من حديد اسمه كهلسصحح ( كهلسطحح خ )
قفو عقد صاحبه رجل ينظر الى جسده ويبكي اسمه هلته
قفز عقد صاحبه امرأة تبكي على زوجها وهو مطروح بين يديها اسمها قضايلكلفيلش
قفح عقد صاحبه نصف انسان اسمه سمسايل
قفط عقد صاحبه رجل بيده ميزان اسمه كلكعسليس
قص عقد صاحبه رجل معروف بالخير اسمه عرنيطانوس
قصا عقد صاحبه رجل يتكلم بكلام لا يفهم اسمه هحيلبطسلطرند
قصب عقد صاحبه امرأة تدع الى نفسها اسمها تبرهابيل ( تبراهابيل خ )
قصج عقد صاحبه امرأة لطيفة متزينة الوجه اسمها هوبهلبل ( هوبهليل خ )
قصد عقد صاحبه امرأة زاكية ( راكبة خ ) بيدها سيف مسلول اسمها كطشوط ( كصشوط خ )
قصه عقد صاحبه يمامة سوداء اسمها دريهة
قصو عقد صاحبه صياح مسموع اسمه اماه
قصز عقد صاحبه رجل على سرير معه سيف مسلول اسمه جعسطال
قصح عقد صاحبه رجل قائم على رأس انسان اسمه وليبادرفطاش
قصط عقد صاحبه رجل يترسل بيده حق اسمه جنتاطيشعل ( جنساطيشعل خ )
ر عقد صاحبه رجل عليه حديد وسيف اسمه حطففيعيلو
را عقد صاحبه رجل متلطف بشيء اسود ولا اعرفه بتجريد اسمه عجعربد
رب عقد صاحبه ريح شديد اسمه تكارنوش
رج عقد صاحبه رجل حسن الخلق والخلقة اسمه مضكنازيل
رد عقد صاحبه رجل يحمي حديدا لا يلين منه شيء اسمه كيطوسا
ره عقد صاحبه رجل محلوق الرأس اسمه طهجلهشطا
رو عقد صاحبه رجل يحمل صخرة ويربطها على منطقه اسمه خليفاش
رز عقد صاحبه رجل مجروح يجري دمه اسمه الهشل
رح عقد صاحبه لا ارى الا انه مخوف اسمه يناطيش
رط عقد صاحبه انسان يسقي ( كرما نسخة ١٣٠٥ م ) وآخر يحرث كرمان اسمه كرطارش
ري عقد صاحبه رجل بيده رمح وعلى كفه عقاب اسمه ترتيارتاج
ريا عقد صاحبه رجل يضرب صدره بيده اسمه رافاهاطل ( رقاهاطل خ )
ريب عقد صاحبه رجل رأسه بيده راجل اسمه هححشللغطور
ريج عقد صاحبه رجل ينفث في تحلل عظم اسمه اعتقطاطي
ريد عقد صاحبه عقرب عظيمة ورجل يذبح اسدا اسمه طنهينع
ريه عقد صاحبه حبة محرقة اسمها طلنهاشاطل
ريو عقد صاحبه بئر ليس فيها ماء اسمه وردسدهده
ريز عقد صاحبه عين جارية ورجل يدفن ميتا اسمه حرطاوماصيشين
ريح عقد صاحبه رجل يتكلم بما لا يوصف اسمه ما يوباشهل
ريط عقد صاحبه رجل يقال له الخطاف
رك عقد صاحبه حوت على حوت محلا اسمه طليطقه
ركا عقد صاحبه اموال اسمها حيغشلنطنغنوحيفكيشع
ركب عقد صاحبه قوم يحملون رجلا عظيم الخلق اسمه ريعنكلش
ركج عقد صاحبه رجل مضروب العنق اسمه دهسا
ركد عقد صاحبه كلب معض اسمه حهلصلهصع
ركه عقد صاحبه شخص اجد من نفسه عشقا شديدا اسمه كلنعطيطا
ركو عقد صاحبه نسر راكب على حمل اسمه ضجكنعيهج ( ضحكنعيهج خ )
ركز عقد صاحبه قوس عربي وسهمها مغرق اسمه ضيعتكيشهل ( صنعتكيشهل خ )
ركح عقد صاحبه انسان في يده كأس مملو ماء اسمه مكشيانطل
ركط عقد صاحبه ارض خضراء في نهاية البهاء اسمها هيلطليهيدههاححح ( هيلطيهيدههححح خ )
رل عقد صاحبه امرأة في يدها قضيب من ذهب اسمها ولاذياشلش ( ولازلاشلش خ )
رلا عقد صاحبه امرأة ترمي ضبعا وذئبا بالحجارة اسمها كلشبارتش
رلب عقد صاحبه انسان يبل ثيابه بالماء اسمه وليثالا
رلج عقد صاحبه رجل يخوض نارا ووحلا اسمه رجانشنالش
رلد عقد صاحبه يسمع صوته ولا يرى اسمه هجمنليشطكا
رله عقد صاحبه جسدان مختلفان اسمه يوزيد
رلو عقد صاحبه رجل حسن الوجه على صورة هرمس مرفوع اليدين اسمه محثوثال
رلز عقد صاحبه طير كثير الالوان والاصوات المطربة اسمه عنايثال
رلح عقد صاحبه رجل يده الى فوق اسمه معثان
رلط عقد صاحبه صورة كبش لها رأسان اسمها لوربافلا
رم عقد صاحبه آحاد مختلفة اسمه ولندبا
رما عقد صاحبه راكب قوس يرمي بنشابة اسمه نلشكيهالش
رمب عقد صاحبه رجل بيده رمح اسمه اكريمازيد
رمج عقد صاحبه رجل له قربان ( قرنان نسخة ١٣٠٥ م ) اسمه مهلشعلسنط
رمد عقد صاحبه ثور له ثلث قرون من حديد اسمه وليطيطهيهتعه
رمه عقد صاحبه صورة معوجة اسمه كهكملشعهوشط
رمو عقد صاحبه حوت كبير وبيده رمح يحن الحوت اسمه مهزياقلا
رمز عقد صاحبه نار تهيج اسمه شطشاش
رمح عقد صاحبه ذهب وفضة ونحاس اسمه مشطشاش
رمط عقد صاحبه سفينة فيها قرد اسمه ناشليشلنارهنيش ( ناشليشلناوهنيش خ )
رن عقد صاحبه جبل شامخ عليه كرسي رجل بر اسمه سطحطشلشلشه
رنا عقد صاحبه رجل يشير كأنه يتكلم وكأنه جالس على كرسي اسمه طناشباش
رنب عقد صاحبه لا يرى منه الا مخدة النوم اسمه ارعتحاثلياشق ( ارعتحاتلياشق خ )
رنج عقد صاحبه رجل راكب جملا اسمه محانيلنا
رند عقد صاحبه لا يرى اسمه لغطوها
رنه عقد صاحبه الوان كثيرة حسنة اسمها ناتليغوه
رنو عقد صاحبه رجل يحمل خطا اسمه فاماريهلج
رنز عقد صاحبه بيت من نار واخرى من نور اسمه الحسناجوه
رنح عقد صاحبه يعلم رجلا شيئا لا اعرفه اسمه مصطيعشعهيوع
رنط عقد صاحبه رجل في يده مرجانة اسمه شطيعبطيشل
رس عقد صاحبه قلنسوة من ذهب اسمه مستجملهته
رسا عقد صاحبه رجل يذبح رجلا اسمه هومايض
رسب عقد صاحبه رجل يطلب رجلا اسمه عملكهو
رسج عقد صاحبه امرأة تدعو الى نفسها اسمها مهاكحع ( مهاكمع خ )
رسد عقد صاحبه طير يقال له التوفير بارد اسمه ابرشكرتل
رسه عقد صاحبه رجل يصعد اسمه بانبعل ( باتيعل خ )
رسو عقد صاحبه ناقة عليها محملان اسمها مازاماها
رسز عقد صاحبه رجل عريان في يده مزراق اسمه رليباشيرشطرريل ( رليباشيرسطرريل خ )
رسح عقد صاحبه انسان على كفه نعلان وهو يمشي حافيا اسمه فتلغسغطك ( فتلفغطك خ )
رسط عقد صاحبه رجل يقتل رجلا اسمه هيعنع
رع عقد صاحبه رجل في كفه ابريق فضة اسمه ماسماسنا
رعا عقد صاحبه حية سوداء في فيها سمكة اسمها طاليقوناشطيا ( تاليفوطاشطيت خ )
رعب عقد صاحبه زرع سيحصد اسمه هلجكالوتاش
رعج عقد صاحبه ارض معشبة نصفها ماء ونصفها يابس اسمه حنفسصعكهد ( خنفسصعكهد خ )
رعد عقد صاحبه ينفخ زقا اسمه هجاليصحارشباد
رعه عقد صاحبه رجل مستعجل عريان اسمه وستقشطاريش
رعو عقد صاحبه امرأة تساحق اسمها ططوسعياقيل
رعز عقد صاحبه رجل يفعل برجل اسمه دشهاشينيل
رعح عقد صاحبه رجل على نخلة بيده خوص اسمه عقيقنغق
رعط عقد صاحبه جيد وقوس كبير اسمه قشقرنطال
رف عقد صاحبه رجل مفرع الرأس اسمه طهره
رفا عقد صاحبه رجل سقط عن فرس اسمه طيلشلشابراش
رفب عقد صاحبه نور ساطع اسمه بنيان
رفج عقد صاحبه رجل يأكل لحم رجل اسمه حشعوراشعتور
رفد عقد صاحبه امرأتان على اسورة اسمها سلعونك
رفه عقد صاحبه رجل يطلب رجلا بيده سيف اسمه ماشعيقهليشه
رفو عقد صاحبه رجل في فيه مزمار وفي يده طبل اسمه داشويرمابعا
رفز عقد صاحبه رجل قائم في قبة عظيمة اسمه ماسلاهافلاشهلا ماسلاها فلاشهلا
رفح عقد صاحبه رجل في يده رأس مسخ وخنجر اسمه لالاسرناشماهوتا
رفط عقد صاحبه رجل في يده رأس عجوز وحربة بها اسمه هلاشصمابرصال
رص عقد صاحبه رجل يصيح له صوت كالريح العاصف اسمه فليسطلمهلولاس
رصا عقد صاحبه رجل له وجوه كثيرة مختلفة الالوان مالكشاماهوشملموش
رصب عقد صاحبه يصلي لقوم في حمام اسمه هلهلتحطيامولاش
رصج عقد صاحبه رجل قائم على تل عظيم اسمه ياشلعلعلشلطي
رصد عقد صاحبه رجل في يده كوز فيه ماء صافي اسمه فرشاشليرمامح
رصه عقد صاحبه رجل يصارع رجلا ولاحدهما رأسان اسمه ميسوسيالطيلوعرعالفوهوا
رصو عقد صاحبه رجل قائم على منبر اسمه هشفلمعلولنهلامشلوامضو ( هشفلمعلولتهلامشلوامضوا خ )
صز عقد صاحبه رجل قائم وبيده خنجر ومفتاح يفتح باب قبة فيه رجال اسمه منصورانمهلوخيال
رصح عقد صاحبه رجل بيده سيف ورأس مقطوع اسمه شلهولولملهول
رصط عقد صاحبه رجل قائم وبيده خنجر وسيف اسمه مهلسلحوعجلوش
ش عقد صاحبه رجل ملتحف بكشاسة ( بكشاشة خ ) احمر اسمه بطيشار
شا عقد صاحبه رجل جالس على نهر اسمه ولارياشبهشح
شب عقد صاحبه رجل قائم على كرسي اسمه شهطال
شج عقد صاحبه جوار يلعبن بالدفوف اسمه ( اسمهن نسخة ١٣٠٥ م ) حادريانئال
شد عقد صاحبه طير يأكل طيرا آخر اسمه سحطعلطيل
شه عقد صاحبه رجل يهرق ماء من اناء اسمه بربلبابلفحح
شو عقد صاحبه رجل قائم على حوض رخام اسمه سحلسعكشيكيشع
شز عقد صاحبه صورة رجل قائم على سرير من ذهب اسمه ورتاشومال
شح عقد صاحبه رجل بيده سيوف وانسان يهرب منه اسمه فالسطيفا
شط عقد صاحبه رجل متلف نبطي اسمه بشرشار
شي عقد صاحبه صبية قاعدة على كرسي اسمها ( مشطاعويل خ )
شيا عقد صاحبه رجل يقطع اصل شجرة اسمه كليودامحفلسانوس
شيب عقد صاحبه رجل بيده سيف اسمه برمهلشالول
شيج عقد صاحبه رجل بيده منشار اسمه مليندكرش
شيد عقد صاحبه رجل يحمل دجاجة سوداء اسمه رشوشالوشال
شيه عقد صاحبه رجل بيده مفرغة اسمه شلمشول
شيو عقد صاحبه امرأتان على سريرين اسمه ( اسمهما نسخة ١٣٠٥ م ) ماذاطفالوشال
شيز عقد صاحبه رجل قائم على خشبة اسمه سلحسالو
شيح عقد صاحبه رجل قائم على سرير وبيده سيف اسمه سنعجليليولاش
شيط عقد صاحبه رجل يحمل ازارا اسمه شيشال
شك عقد صاحبه امرأة حبلي اسمها عجليلعو
شكا عقد صاحبه رجل يطفي برجله نارا اسمه عجلمشط
شكب عقد صاحبه امرأة قائمة على قفاها اسمها زنابرد
شكج عقد صاحبه رجل وامرأة في سفينة اسمه اسفرحيالشا
شكد عقد صاحبه رجل قائم بازاء رجل اسمه حجدوعضل
شكه عقد صاحبه رجل مرمي بقلاع اسمه ماشرمال
شكو عقد صاحبه رجل ينظر الى رجل قائم بين يديه اسمه الشحلومح
شكز عقد صاحبه شيخ قائم على نهر اسمه مهلشخونش
شكح عقد صاحبه امرأة تدعو الى نفسها رجلا لاجل الرماح اسمها اموش
شكط عقد صاحبه صبي راكب اسد اسمه بردهليصلوصلعش
شل عقد صاحبه رجل راكب فرس وعلى رأسه تاج من ذهب اسمه تسخلوبرزققرشمخعيلسو
شلا عقد صاحبه رجل راكب فرس بيده علاقة اسمه زاشكهالوليش
شلب عقد صاحبه رجل راكب جمل بيده رمح وسيف اسمه علوملشمالولكلشلدلد
شلج عقد صاحبه رجل له قرنان من الحديد عليه انسان بيده سيف اسمه كهطولش
شلد عقد صاحبه رجل بيده صورة معوجة اسمه لهومالش
شله عقد صاحبه حوت وانسان بيده رمح يطعن الحوت اسمه مهدنانداه
شلو عقد صاحبه رجل بين يديه نار يتأجج اسمه ماشعبرناش
شلز عقد صاحبه رجل على سرير بيده قطعة من ذهب وفضة اسمه مطليناش
شلح عقد صاحبه سفينة فيها قرود ورجل بيده خنجر اسمه ماشومالشالولش
شلط عقد صاحبه رجل قائم على جبل شامخ اسمه برشطوجانشلع
شم عقد صاحبه رجل يرى بالكلام الى رجل قائم بازائه اسمه هلناساماش
شما عقد صاحبه رجل قائم وامرأة نائمة على سرير اسمه دعياجيل
شمب عقد صاحبه رجل على فرس ملتقم بيده سيف اسمه مجاثيل
شمج عقد صاحبه رجل نائم يصل اليه ايلام شديد اسمه فغطوثا
شمد عقد صاحبه رجل بيده طاير له الوان حسنة اسمه مافيعوه ( ماقيقوه خ )
شمه عقد صاحبه رجل يحمل جارية بيدها خطاف اسمه ماملهلح
شمو عقد صاحبه رجل قائم في بيت من نار اسمه جدجوع
شمز عقد صاحبه رجل يعلم رجلا الغناء اسمه هطلتنقيلو
شمح عقد صاحبه رجل بيده رمانة اسمه شلشلع
شمط عقد صاحبه رجل ثلاثة اجساد مختلفة اسمها وليديا
شن عقد صاحبه رجل يذبح رجلا بخنجر اسمه هونامص
شنا عقد صاحبه رجل يطلب رجلا وهو هارب منه اسمه عملكوه
شنب عقد صاحبه امرأة فاجرة تدعو الرجال الى نفسها اسمها مينها
شنج عقد صاحبه رجل طير بيده يعقله اسمه ولناشمولاح ( ولناسمولاح خ )
شند عقد صاحبه رجل عريان بيده طبل اسمه يارنابذشكرك
شنه عقد صاحبه رجل يصعد جبلا وبيده سيف اسمه يايفصلمرقيل
شنو عقد صاحبه ناقة عليها محملان اسمها نارهبان
شنز عقد صاحبه انسان يمشي حافيا وفي يده سيف وخنجر اسمه هيفنع
شنح عقد صاحبه رجل يقتل رجلا اسمه طياجيع
هذه عقود هذه المحلة الواحدة ذكرناها ( ذكرناها نسخة ١٣٠٥ م ) بطولها لقلة من يتعرض لها وكثرة منافعها ولعظم ما يتفرع عليها من عجايب الامور وغرايب الاحوال
المحلة الثالثة والعشرون محلة الكرسي بكواكبه وبروجه ومنازله وتداويره انما قلنا تداويره لان الكواكب المذكورة في هذا الفلك انما هي سيارات لا ثوابت كما زعموا وانما قيل لها ثوابت لبطؤ حركاتها واذا ثبتت ( وان اثبتت خ ) حركاتها وجب ان يكون لها افلاك تدور فيها لان الخرق والالتيام وجودهما لا ينبغي لحكمة الملك العلام بالنسبة الى الافلاك والكواكب وقد قال سبحانه وتعالى ما لها من فروج فحينئذ فحركتها لا بد لها من حامل وهو اما الخارج المركز او التدوير فحيث ان هذه الكواكب جزئيات متعلقة بجزئيات والفلك الحامل كلي محيط وجب ان يكون لحركات هذه الكواكب تداوير متعلقة بنفس الكواكب لا من جهة الاحاطة فافهم
المحلة الرابعة والعشرون محلة بيدلوش ولها عقود العقد الاعلى صاحبه دهنماش والعقد الاسفل صاحبه مبذلاش والعقد الايمن صاحبه دهنهاش والعقد الايسر صاحبه اطميغاش ( اطميقاش خ ) والعقد الذي على الخلف صاحبه غاويش ( عادليش خ ) وآخر العقود السارية في الكل صاحبه طهيمعاديش وهنا سبعة اخرى ملوك على الكل في هذه المحلة اولهم هيهاكاموثوتياثي ( كاموثريناقي خ ) وثانيهم ياثالوداعيا ( ثالوداعيا خ ) وثالثهم دفشتاشتويولو ( دفشتالشتويويو خ ) ورابعهم وخياحباكامالاكيكي ( وحياحياكامالاكيكي خ ) وخامسهم مشاشيودرات وسادسهم اهوهيرورحلي وسابعهم ازازفرثارورو ( ازارفرثارودو خ ) ولا بأس بان نشير الى معاني هذه السبعة بالعربية ليتضح الامر اما الاول فمعناه يا عديم النظير في وصفه والثاني يا غاية في العظمة والمهابة والثالث معناه يا من يتم به ويتم بك وبتقويمك ( يتم خ ) تقويمات ساير الكواكب والرابع معناه يا مزين كل السموات والارضين والخامس معناه يا لطيفا في انعامه والسادس معناه يا من له كل جميل ومنه كل جمال والسابع معناه يا غاية في العلو وانما ذكرت معانيها لتعلم مقامهم ولا تستسهل امرهم
المحلة الخامسة والعشرون محلة غدنوش العقد الاعلى صاحبه هاذيش والعقد الاسفل صاحبه مذانوش والعقد الايمن صاحبه هلطاش والعقد الايسر صاحبه طيمارش والعقد الامام صاحبه رانيش والعقد الخلف صاحبه ميالوش والعقد الساري في العقود صاحبه رغانوش ( رغابوش خ ) وهنا ايضا سبعة اخرى هم الملوك والسلاطين على الجميع ولا تزاحم بينهم في كلما يريد كل منهم اولهم هياميراطو وثانيهم كذكرما وثالثهم اوموضيهابوششا ( بوشيشا خ ) ورابعهم قايتيقو ( فاليسيقوما خ ) وخامسهم ساوتقيونامطها ( ساويقيونامطها خ ) وسادسهم مشاشيوكاماطاث ( مشاشيواكاماطات خ ) وسابعهم زافرفرياطوهايشقا ( راثرثرياطوهابشقا خ ) اما الاول فمعناه يا مبدل النحوسة بالسعادة والثاني فمعناه يا ناضج الفواكه ويانعها والثالث فمعناه يا محرك الرياح والاشجار والرابع فمعناه يا مزهر الازهار على الاشجار والخامس فمعناه يا مظهر العجايب والسادس فمعناه يا مظهر الربيع والسابع يا من يحرك اولا ويربي ثانيا وينضج ثالثا ويكمل رابعا
المحلة السادسة والعشرون محلة يديهاش العقد الاعلى صاحبه طوش العقد الاسفل صاحبه هروش والعقد الايمن صاحبه قبوش والعقد الايسر صاحبه زرنوش والعقد الامام صاحبه طاميش والعقد الخلف صاحبه دروش والعقد الساري في العقود صاحبه طاهيطروش وهذه ارباب ظاهر هذه المحلة واما باطنها فمقابلات ما ذكر لان الله سبحانه يقول فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهنا سبعة اخرى هم الملوك والسلاطين على هذه المحلة واهلها اولهم اشراغاشات وثانيهم ثيلاثالاش ( جادوثيلاثالاش خ ) وثالثهم تاهاتوراش ( ناهانوراش خ ) ورابعهم كطراطاباش ( كصاطاباش خ ) وخامسهم درغاطاياث ( درغاطاباش خ ) وسادسهم درغاهوليش وسابعهم بوشا اما الاول فمعناه يا مقوي الضعفا ومقوي السحرة والثاني فمعناه يا معتق الرقاب والثالث فمعناه يا مؤمل المؤملين والرابع فمعناه يا معطي التاج والخامس فمعناه يا طالب الضال ليهديه الى الصراط المستقيم والسادس فمعناه يا مقوي الذنوب والسابع فمعناه يا موصل الناس الى مقاصدهم
المحلة السابعة والعشرون محلة دهاهوش العقد الاعلى صاحبه ذرماش والعقد الاسفل صاحبه هطيش والعقد الايمن صاحبه مفش والعقد الايسر صاحبه ازدش والعقد الامام صاحبه طهميش والعقد الخلف صاحبه تودش والعقد الساري في العقود صاحبه دهنداش وهنا سبعة اخرى هم الملوك والسلاطين لهذه المحلة واهلها اولهم طمثاثيله وثانيهم كيثامركاث وثالثهم ديدواننا ورابعهم شقودناهابس ( شقودناهايس خ ) وخامسهم شبومركشا وسادسهم ياثونوريا وسابعهم احلارهطوطوما ( اخلاهطوطوما خ ) اما الاول فمعناه يا مشير الخيرات والثاني فمعناه يا من يجعل عطياه هبة والثالث فمعناه يا ايها الكاتب والرابع فمعناه يا من يجعل سايره غريقا في النعم والخامس فمعناه يا ايها الناصر والسادس فمعناه يا مفيض الانوار والسابع فمعناه يا واهب العلم اللدني
المحلة الثامنة والعشرون محلة دعديوش العقد الاعلى صاحبه هاذيفش والعقد الاسفل صاحبه عندوش والعقد الايمن صاحبه يغداش ( بغداش خ ) والعقد الايسر صاحبه اوذهغوش والعقد الامام صاحبه هيذبغيش ( هبذنعيش خ ) والعقد الخلف صاحبه مهراش والعقد الساري في العقود مهيدعاش ( هدعاش خ ) وهنا سبعة هم الملوك والسلاطين على الكل احدهم اورثاواهبييالعانكصاضاث ( اوثاوابيلعابانكثاضات خ ) وثانيهم طوريا وثالثهم مشاثاهلويا ( مشاثاهلوا خ ) ورابعهم فافيقي ( المراسافافيق خ ) وخامسهم كيوكيارفياما وسادسهم عيضارانوش
المحلة التاسعة والعشرون محلة زنداش ولها عقود العقد الاعلى صاحبه عليوناش ( عليتوناش خ ) والعقد الاسفل صاحبه هميلوش والعقد الايمن صاحبه دهانيش والعقد الايسر صاحبه طيماش العقد الامام صاحبه صملوش والعقد الخلف صاحبه ارهوش والعقد الساري في العقود كلها صاحبه دهطاريش وهنا سبعة اخرى هم الحكام والسلاطين على هذه المحلة واهلها اولهم فرثاهو وثانيهم وهميشا ( هميثا خ ) وثالثهم يارباي ( رباي خ ) ورابعهم هطثيا ( هبطثا خ ) وخامسهم وهطوطو ( وهطوطوقض خ ) وسادسهم سهميطو وسابعهم فاموطهياث ( فامرطهياث خ ) اما الاول فمعناه يا صاحب التربية ( الزينة خ ) والثاني فمعناه يا حسن العشرة والثالث فمعناه يا كبير والرابع فمعناه يا سميع الدعاء يا مجيب الدعاء والخامس فمعناه رحمتك على نقمتك والسادس فمعناه يا من اوصل الى الفرح والراحة في الحال والسابع فمعناه اذا احسنت الى حسنت احوالي
المحلة الثلثون محلة ترهوناش العقد الاعلى صاحبه اميراش ( امراش خ ) والعقد الاسفل صاحبه هطيش ( هيطش خ ) العقد الايمن صاحبه شاهيش والعقد الايسر صاحبه درانيش العقد الامام صاحبه ملبش العقد الخلف صاحبه دهرش والعقد الساري في العقود كلها معوذليش وهنا سبعة هم الملوك على الجميع اولهم دخناهي ( زضاهي خ ) ثانيهم مالافاشاه ( مالاباشاه خ ) ثالثهم نبرراكشياط ( بذراكشباط خ ) رابعهم اهلاطاقاطوس ( اهلاطاطوطوش خ ) خامسهم مهليشامامليطو سادسهم مليطيطويا ( ملطيطويا خ ) سابعهم اما الاول فمعناه يا ملطف الاشياء والثاني فمعناه يا صاحب تناسب الاحسان الثالث فمعناه يا حكيم الرابع فمعناه يا مربي العلماء وقاهر الجهال الخامس فمعناه يا معلم الجهال ومرشد الضلال السادس فمعناه يا صاحب الاسرار والدقايق
المحلة الحادية والثلثون محلة فلك الشمس سلطان السبعة وممد وجوداتها وانما كانت في الوسط لتستمد من القطب الاعظم ولهذا ليس لها عرض وهي ملازمة لمنطقة البروج المحاذية للقطب وهي تستمد من ظاهر العرش وتمد فلك القمر وتستمد من باطن العرش وتمد فلك زحل وتستمد من ظاهر الكرسي وتمد فلك عطارد وتستمد من باطن الكرسي وتمد فلك المشتري وتستمد من ظاهر تقاطع نقطتي المنطقتين منطقة البروج ومنطقة المعدل وتمد فلك الزهرة وتستمد من باطن النقطتين المذكورتين وتمد فلك المريخ وكرة النار ظهور اشعة الشمس في اول جسم يمكن ظهورها فيه فان الحرارة انما كانت من الشمس وحيث ان الافلاك في غاية اللطافة لم تستأهل لحملها ولما انتهت اللطافة الفلكية الى فلك القمر كان الجسم الواقع تحته اول مقام الكثافة فحمل حرارة الشمس وسمى بالكرة الاثيرية وباقي الافلاك ما عدا الشمس كلها تستمد من الشمس فلك ان تجعل باقي الافلاك عقودا صاحبها الشمس او كل واحد من الافلاك محلة على حدة لظاهر التمايز والتباين الموجود بينها فعلى الاول المحلات لهذه المدينة المنورة واحدة وثلثون وعلى الثانية فالمحلات تسع وثلثون وهذه المذكورات هي محلات تلك المدينة المعظمة وهذا الذي ذكرنا قليل من كثير والا فمحلاتها الكلية على ما في بعض الروايات عن طريق اهل البيت الف الف وهي ايضا كليات لانا قد عددنا من الجزئيات الاضافية من محلات هذه المدينة المشرفة فبلغت تسعة آلاف الف وتسعمائة الف وسبعمائة وهو الذي بلغ اليه علمي القاصر ولو اردت شرحها وبيانها وذكر تفاصيلها وتعدادها لاقتضى رسم مجلدات كبيرة الحجم واني لي ذلك الفراغ والاقبال في هذا الزمان الذي هو الداء العضال مع ما انا عليه من تبلبل البال واختلاف الاحوال وتكثر الاشغال وعروض الاعراض المانعة من استقامة الحال
تنبيه - اعلم ان ما ذكرناه من مبدأ محلة الجنة الى هذه الغاية كلها رسم فروع وتبيين احوال وتعريفها للتفهيم والا فما عليه تلك المدينة المشرفة انما هو مبادي هذه الفروع وعللها وحقايقها واصولها واسطقسها وانت تعلم نسبة سعة العلة الى سعة المعلول فهل تقاس او تنسب وما ورد في بعض الروايات انها جزء من سبعين جزء يراد به نفس الرتبة والتفاوت في اصل المرتبة لان ( لا ان خ ) المعلول اذا ضعفته سبعين مرة تساوي العلة حاشا وكلا بل المعلول عند العلة مضمحل منقطع معدوم لقد قال سيدالشهداء والصديقين الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي ومن كانت حقايقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي وقال ابنه سيد الساجدين انا عبدك الحقير الفقير مثل الذرة بل دونها وهذا هو حكم كل عال بالنسبة الى سافله وهذه المدينة هي مقام التعين الاول والنور الازل الذي بفاضل ظهور تعينه حصلت التعينات وباشعة نوره وجدت الكاينات واليه تنتهي النسب والاضافات وبه ظهر ما فات وما هو آت وله الرتبة الجامعة وهو المعنى من قوله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش وهو الروح الملقى امر الله الى من يشاء من عباد الله وهو الاسم الجامع والكون المانع فلا يقاس ما فيه من السعة والاحاطة بشيء من الكاينات وانما ذكرتها للتنبيه الى بعض التعريف وليترتب عليه ما ذكرناه فانه غاية التعريف في عين عدم التعريف فافهم ضرب المثل وله المثل الاعلى
تنبيه آخر - اعلم ان ما ذكرنا من صور عقود المحلة الثانية والعشرين من الصور المذكورة وعددنا منها صور الجماد وصور النبات وصور الحيوان من البهايم وصور الاموات والاحياء على صور مختلفة ان هذه على طبقها بل ارباب تلك العقود انما هي حيوانات متحققة نورانية ظهرت بتلك الصورة من جهة روابط المتعلقات ونسبة الروابط والاضافات كما يذكرون في صور منطقة البروج العقرب والسرطان والحمل والثور والاسد والسنبلة والقوس والجدي والدلو والحوت فانها ليست على صور مسماها في الارض بل هي حيوانات ثابتات سيارات نورانيات علل لما تحتها ولكنها ظهرت بصور التعلقات لاجل الروابط والاضافات أما سمعت الملائكة الغلاظ الشداد يظهرون لاهل جهنم بهيئات منكرات وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون أما سمعت قول الله سبحانه عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والمعصومون لا يكونون الا طيبين طاهرين مع انهم ظهروا بتلك الهياكل المهولة والصور المنكرة أما سمعت الملكين النكير والمنكر انهما عبدان اسودان ازرقان رأسهما في السماء السابعة ورجلاهما في الارض السابعة يخطان الارض خطا وعليهما شعور سود وعينهما كالمشعل واصواتهما كالرعد العاصف نسئل الله تسهيل امرهما وحسن ملاقاتهما ورأفتهما ورحمتهما وتبدلهما بالمبشر والبشير انه سبحانه على كل شيء قدير
عود في البيان - فنقول اذا عرفت محلات هذه المدينة المنورة فاعلم ان سورها يشتمل على ثمانية الف باب من المصراع الى المصراع مسيرة ثمانية آلاف سنة وهذه الابواب كلها قوارير من فضة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها مرصعة بجواهر على حسب نسبة اهلها منها مرصعة بالياقوت الاحمر منها مرصعة بالفيروزج منها مرصعة بالزمرد منها مرصعة بالعقيق الاصفر وهكذا اختلاف اجناسها والوانها على نسبة اتصال اهلها ومحلتها ولا تتخيل ان هذه القوارير بادنى شيء تنكسر بل هي قوية لانها حجاب عظمة الله وطراز قدرة الله لو اجتمعت معادل ( معاول نسخة ١٣٠٥ م ) الوجود وتظاهر على ضرب تلك الابواب بها اهل كل غيب وشهود موجود ومفقود لما عملت ولا اثرت في تلك الابواب ولاخرقت شيئا من تلك ( ذلك نسخة ١٣٠٥ م ) الحجاب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب وسور تلك المدينة من ذهب ومقرها على وادي العرب فمن وصل اليها ودخل الباب الاعظم منها سكن من النصب والتعب وهو قوله تعالى ومن دخله كان آمنا ومرجع تلك الابواب كلها الى اربعة عشر بابا على عدد قوي اليد واسما الجواد والوهاب والوجه لانها مظهر اليد اي القدرة التي استطال بها على كل شيء ومظهر الاسم الجواد والاسم الوهاب لان الجود الالهي وعطائه الغير المتناهي انما وجدت بالولاية الظاهرة في هذه الابواب من هذه المدينة الطيبة وتلك الابواب هي الوجه للجناب والوجه الذي اليه يتوجه الخلق من معاقب ومثاب ومرجع هذه الابواب الاربعة عشر هو الباب الواحد الاعظم وهو المعنى من قول الناظم ايده الله وسدده واخذ بمجامع قلبه الى محبته : من بابها قد ضل من لا يدخل وهو كما ذكره وفقه الله تعالى للخيرات لان الله سبحانه يقول ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها ويقول ليس البر ان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها وقال سبحانه وتعالى جريا على حكمته البالغة ومقتضي كلمته النافذة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار فقد بين النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انه مدينة العلم والحكمة وقد حصر الباب في علي ( عليه السلام وخ ) روحي له الفداء فمن لم يدخل من هذا الباب فليس له سبيل الى المدينة وتلك الابواب المذكورة وان كانت هي باب توصل لكنها لا يتمكن الداخل الا بعد الدخول من الباب الاعظم فاذا لم يدخل من الباب الاعظم ولا يروم الدخول منه فتمتنع تلك الابواب عن ادخاله مع انها مفتوحة الا ان شرط فتحها والتمكن من دخولها التوجه الى الباب الاعظم والانقياد والاستسلام له وصورة الدخول ان يطأطأ رأسه ويقوس ظهره ويدخل خاضعا خاشعا ذليلا باكيا مستسلما مشاهدا بان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الولاية ثابتة في محلها ومستقرة في موطنها والخلافة كائنة لاهلها من الظاهر والباطن وهذه الحدود هي معنى قولهم حطة كما امر الله سبحانه قوم موسى ان يقولوا حطة ويدخلوا الباب ساجدين في قوله تعالى واذ قلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون وبنو اسرائيل لغتهم اذا اجتمعت نون ساكنة مع التاء يدغمون النون في التاء سواء كانت منقوطة او مؤلفة ولما ارادوا ان يبدلوا حطة بالحنطة فلا بد لهم ان يتلفظوا بالحطة فلا يظهر مرادهم فاتوا بقرينة معينة لمرادهم وقالوا حطة سمقاثا اي حنطة حمراء قالوها وهم رافعون رؤسهم غير خاضعين ولا خاشعين بل مستكبرين ومستهزئين قائلين ان الباب العالي كيف يطأطأ الداخل رأسه ولم يعرفوا ان الباب العالي حكاية عن ارتفاع المقام وعلو المنزلة وسمو الرتبة ( المرتبة خ ) باعتبار الباب من حيث هو واما نسبة الداخل بالبيت ( في البيت خ ) من الباب فالخضوع والخشوع والاستسلام فجهل النكتة قوم وتجاهل آخرون الى ان فعلوا ما فعلوا ونحن اقتصرنا بما ذكرناه من بيان الباب والجناب فانا قد وعدنا سابقا بيان ثلثة اشياء الرواق والمدينة والباب وبما بينا من ذكر الرواق والمدينة تبين منها الباب واما التفصيل فانه يوجب التطويل وانا قلبي كليل وبدني عليل لكثرة القال والقيل فلا يسعني البيان ازيد فيما ذكرنا ( مما ذكرناه خ ) ولكنما فيما ذكرناه الكفاية لان فيه ما يشفي العليل ويروي الغليل والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل وقوله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انا مدينة العلم فالاضافة بيانية فالمدينة هي العلم وتفاصيل هذه المدينة هي تفاصيل العلم وهي التي ذكرناها عند ذكر المدينة ومحلاتها لان العلم في الامكان عين المعلوم دون الازل لا ما قاله الناس واختلفوا في تفسيره وفي حده ورسمه فمن قائل بانه لا يحد ومن قائل بانه يحد والآخرون اختلفوا في تعريفه اختلافا فاحشا مرة بانه من اي مقولة هل من مقولة الكيف او الاضافة او الانفعال والقائلون بانه من مقولة الكيف اختلفوا في انه هل هو ظل او حقيقة ومرجع قولهم الى ان الاشياء بحقايقها تدخل في الذهن او باشباحها ثم انهم اختلفوا في تعريفه على القول بانه من مقولة الكيف فمن قائل بانه الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل ومن قائل بانه الصورة من الشيء في العقل ومن قائل بانه صفة توجب لمحلها تميزا لا يحتمل النقيض ومن قائل بانه ظل ملكوتي صوري وبالجملة في تعريف العلم عندهم خلاف عظيم ولي رسالة في العلم ذكرت فيها سر اختلاف العلماء في تعريفه وقلت فيها ان كلهم صدقوا لان كلا منهم تكلم بالذي وصل اليه من المقام وحيث ان هؤلاء اغلبهم من اهل المجادلة بالتي هي احسن ومنتهى سيرهم في عروجهم الى عالم الصور واهل الصورة ما عسى ان يقولوا لان كلما يقولون باعلى ما عندهم لا يخرجون عن مقام الصورة وهو مقام ادنى المقامات ومرتبة اقل المراتب وهي اول المراتب في قوس الصعود الا ترى هم في علم المنطق الذي سموه علم الميزان لكل العلوم قالوا في مبدئه ان العلم اما تصور او تصديق فالتصور هو الصورة الحاصلة او حصول الصورة او قبول النفس للصورة الحاصلة بلا حكم والتصديق هو ما ذكرنا مع الحكم فالعلم هو الجهة الجامعة اي الصورة الحاصلة مع قطع النظر عن الحكم وجودا وعدما وهذا عندهم هو مبدأ العلوم كلها وانت تعلم ببديهتك ان الصورة مقام الكثرات التفصيلية دون الاجمالية والكثرة مقام النقصان والذل والمسكنة والفقر والفاقة واين هم من مقام الوحدة الاجمالية والوحدة البسيطة فالسائر في المقامات في اسفاره الاربعة الى تمامها الذي هو اقصى مقاماتها التي هي عبارة عن اقصى مراتب الوجود يجب ان يفسر العلم تفسيرا يجامع جميع المراتب والمقامات ليكون على طبق مراد الواضع ولما كان الواضع للالفاظ على مذهب اهل الحقايق والاسرار هو الله سبحانه واللفظ والمعنى يجب ان يكون بينهما مناسبة ذاتية جريا على حكمة الله البالغة ووضعا للاشياء في مواضعها وجب ان يكون ذلك المعنى ظاهرا في لفظه ليكون اللفظ على طبق المعنى والاسم على وفق المسمى فاذا عرفت ذلك فاعلم ان العلم ليس الا حضور المعلوم عند العالم وبعبارة اخرى حضور شيء عند شيء فان كان ذلك الحاضر صورة فالعلم صوري وان كان معنى فالعلم معنوي وان كان حقيقة مجردة عن الصورة والمعنى فالعلم حقيقي وان كان متعلقا بالله فالعلم الهي وان كان متعلقا بالخلق فالعلم خلقي وان كان حصوله بالاسباب الظاهرة فالعلم كسبي وان كان من غير الاسباب الظاهرة بل بنفحة روحانية وجذبة الهية فالعلم لدني وان كان متعلقا بالقشور والظواهر التي يدرك بالحواس وبالصورة التي تطابقها وتوافقها فالعلم ظاهري او كان متعلقا بالسر والغيب مما هو فوق الحواس والصور فالعلم غيبي وبالجملة العلم في كل مقام على حسبه انما هو ظهور ذلك المقام عند السائر فيه ولما كان ذلك الظهور قائما بذلك الشيء الظاهر لا بالعالم قلنا ان العلم عين المعلوم بمعنى ان ذلك الشيء من حيث الظهور علم ومن حيث انه الظاهر المعلوم ( معلوم خ ) فحيث كون الشيء علما غير حيث كونه معلوما ولكن حيث ان الظهور في المعلوم قلنا انه هو العلم وهو المعلوم وبالجملة ان علم العالم قائم بالمعلوم لا بالعالم كالضارب فان الضرب قائم بالمضروب وحال فيه لا بالضارب كالكلام فانه قائم بالهواء وحال فيه لا بالمتكلم فاذا حضر عندك شيء في الخارج مما يدركه الحواس الظاهره فحضوره لديك علمك به لا بشيء آخر واذا غاب عنك حضرت صورته لديك فان المعلوم حينئذ تلك الصورة لا العين الخارجي فان العين الخارجي بعد غيابه عنك ربما تطرؤ عليه حالات لا تعلمها ولا تدري بها فلو كان المعلوم هو العين الخارجي والعلم يجب ان يكون مطابقا للمعلوم فيجب ان تعلم تلك الاحوال مع انه ليس كذلك لانك اذا رأيت زيدا ثم غاب عنك فالذي تعلم من زيد نفس الصورة التي عندك لا شيء آخر والا ربما يموت زيد او يتمرض او يتغير له حالات فلا تعلم بها فليس معلومك الا حصول تلك الصورة عندك وحضورها لديك وقولهم ( فقولهم خ ) ان العلم على قسمين حصولي وحضوري قول خال عن التحقيق وعار عن وسمة التدقيق فان العلم الحصولي ليس الا الصورة الحاصلة على زعمهم وهي قد قلنا انها هي المعلوم فهي دائمة حاضرة لدي العالم وحاصلة لديه وكذلك الاعيان الخارجة حاصلة لدي العالم وحاضرة لديه فلا فرق اذن بين الحصول والحضور نعم لو كانت الصورة الذهنية هي العلم والعين الخارجي الغيبي هو المعلوم لاتجه الفرق وقد قلنا لك ان في صورة غيبية العين الخارجي المعلوم تلك الصورة لا صورة اخرى وذلك ظاهر واضح ولما كان العلم عبارة عن حضور المعلوم فاختلاف العلم انما يكون باختلاف المعلومات فبحسب المعلومات وتعدد مراتبها تعدد مراتب العلم لا غير ولما كان جميع المخلوقات تدور على اصلين فعل ومفعول كما قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فالموجودات كلها تدور على هاتين الكلمتين فالكلمة الاولى هي الفعل وهي الامر المسمى بالتعين الاول والكلمة الثانية هي الخلق وهي المفعول المسمى بالتعين الثاني وتعين التعين وهكذا من ساير المراتب في التعينات ولما كان المفعول المخلوق في مقام التعين انما هو بالاسباب والشرايط والقوابل كان الشيء المفعول لا يتحقق في عالم الوجود مشروح العلل مبين الاسباب الا بثلثين رتبة رتبة القوابل واربعين مراتب تمام الشيء بحسب القوابل والمقبولات انما قلنا ان القوابل ثلثين لان كل شيء مركب من القبضات العشر على حسب مقامها وكل من هذه العشرة لا تظهر كاملة الا في القوسين الصعودي والنزولي فاذا بلغ بالقوس النزولي الى مقام التراب الذي هو مقام الموت في كل عالم بحسبه لا يستأهل للحيوة الا بعد قطع ثلاث مراتب فالثلاثة في العشرة تكون ثلثين وتلك الثلثة رتبة الجماد والمعدن والنبات فاذا بلغت هذه الرتبة تأهلت لقبول الحيوة فتصل الحيوة الى جميع هذه المراتب كلها فتكون رتبة رابعة فتكون المراتب اربعين لتحقق الشيء وظهوره حيا بعد ما كان ميتا وهو قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم وهذه الحيوة انما كانت في اربعين مرتبة تمام عدة موسى في قوله تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فالثلثون لاتمام القوابل والاربعون لاجتماع القوابل مع المقبولات فكانت ليلة الجمعة وتمام الشيء وظهور الامر الوحداني بهذه المراتب كان يوم الجمعة وهو قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله الوصل مقام التمام وذكر الله الوحدة الحاصلة التي هي الصلوة والنداء عند تمام المراتب والمنادي هو الله سبحانه بلسانه فتحقق بالبيان الواضح ان الموجودات المفعولات كلها تدور على هذين الاصلين القابل والمقبول والقابلية تتم بالثلثين وتمام الشيء من القابل والمقبول يكون في اربعين وهذه مراتب الخلق واما مقام الامر فهو كلمة كن فالموجودات كلها مما سوى الله سبحانه وتعالى خلق وامر وهو قوله تعالى الا له الخلق والامر ثم قال تبارك الله احسن الخالقين فبين سبحانه ان تمام الخلق انما يكون بالامرين فاذا تبين هذا القدر من الكلام فاعلم ان العلم من حيث اللفظ جامع لهذه المراتب كلها فالعين عالم الامر لانه كلمة كن فان الكاف عشرون والنون خمسون وجمعها سبعون واستنطاقها ( استنطاقه خ ) العين فالعين هو التعين الاول ونور الازل وحكم الله لم يزل وهو آدم الاول والاختراع الاول والابتداع الاول وفلك الولاية المطلقة والحقيقة المحمدية واللام رتبة القوابل واستيهال الشيء للظهور لا على المراتب والميم مقام الاربعين ليلة الجمعة ويومها مقام التمام والكمال ومجموع الكلمة هي الرابط الجامعة لكل هذه الوجوه فجمعت لهذه ( هذه خ ) اللفظة الشريفة جميع مراتب الموجودات التفصيلية دون الاجمالية فان في كل مرتبة ومقام من العلويات والسفليات والمجردات والماديات والخيرات والشرور وعليين وسجين وهكذا ساير المراتب كل على حسبه فيه سر اللام والميم والعين له الهيمنة والاستيلاء على جميع هذه المراتب والمقامات فالعين هو التعين الاول واللام حامل هذا التعين من سر الولاية فان الولي اسمه الحقيقي هو اللام ولما كان مقامه مقام التفصيل ظهرت بعد اللام الياء فالياء لتمام الاربعين بانضمامها الى الثلثين فالاول اللام وواعدنا موسى ثلثين ليلة والثاني الياء واتممناها بعشر ولما كان مقام النبوة مقام الاجمال انضم اللام بالياء فاستنطق منه الميم فكان مبدأ اسم النبي صلى الله عليه وسلم واوسطه والولي مكمل القابليات والنبي متمم لظهور نور الوحدة وهو اصل الهداية في اطوار هذه القابليات وهما سيدان متممان للقوابل والمقبولات فالولي يعبر عنه بالسيد اللام والنبي يعبر عنه بالسيد الميم ولهذه النكتة لما قال تعالى وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر قال سبحانه فتم ميقات ربه اربعين ليلة فلولا ذلك ما كان لقوله تعالى فتم ميقات ربه اربعين ليلة معنى تأسيسيا ويجل القرآن ان يكون من باب التوضيحات ويذكر فيه ما هو مستغني عنه الا للتأكيد والاظهار فافهم الدقيقة وسر الحقيقة واني اقول كما قال مولاي امير المؤمنين روحي له الفداء ( وعليه آلاف التحية والثناء خ ) :
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري
نكت الارض بالكف وابديت لها سري
فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
واما العلوم الالهية فمراتب الاسماء والصفات ومحال التوحيد والذات كل ذلك في العين لان التعين الاول مجمع الشؤنات الازلية ومنتهى النسب والاضافات الالهية وعندها مقام التوحيد وحقيقة التفريد والتجريد فلفظ العلم دل بمناسبة حروفه وتأليفه وتقديمه وتأخيره جميع عوالم الملك والملكوت واسرار اللاهوت وجواهر العلل وعوالم القدس ومقامات الانس وموضع الاشارة ومحل اللاعبارة ولا اشارة وبالجملة جمع جميع مقامات الربوبية ومقامات العبودية واشار بذلك الى ان العبودية كنهها الربوبية وسرها على حد ما قال مولينا الصادق عليه السلام روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق فافهم الاشارة بصريح العبارة وقوله سلمه الله تعالى وابقاه من بابها قد ضل من لا يدخل اشارة الى الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( المختار عليه سلام الله الملك الجبار خ ) انا مدينة العلم وعلي بابها ومن اراد المدينة فليأتها من بابها وهذا الحديث متفق عليه بين جميع اهل الاسلام وقد قال الناظم المفلق وفقه الله لمراضيه في تخميسه لقصيدة الشيخ الاديب ( الاريب خ ) الشيخ صالح التميمي سلمه الله تعالى فقال ونعم ما قال واولى ما يكون المراد هو هذا الخبر فقال ايده الله تعالى :
خبر جاءنا بذا مأثور وحديث مسلسل مشهور
عنعنته عن الصدور صدور قال زورا من قال ذلك زور
وافترى من يقول ذاك افتراء
اما ظاهر هذه الابيات معلوم وسند هذا الحديث في الكتب مذكور مشهور ونحن شرطنا ان لانذكر ما في الكتب مذكور وان لانبين ما بينه غيرنا في السطور فنقول ان هذا الخبر جاءنا بالوحي الالهي في الوحي التكويني وهذا الخبر مأثور عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ورواه ثقات الكينونات والطوايا الغرايز الصادقات الغير المغيرة بالفطرة الثانية فجاء الخبر مأثورا عن سيد البشر اخبرت به ذرات الوجود من الغيب والشهود انه قال انا مدينة العلم وعلي بابها وذلك لان اهل الولاية ( لان الولاية نسخة ١٣٠٥ م ) باب النبوة والولي المطلق باب النبي المطلق وهذا الخبر مأثور ومسلسل بالسند بالسلسلة الطولية والعرضية بجميع مراتب الترتيبات الوجودية كل خلف عن سلف وسافل عن عال بورود هذا الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ثم ذكر سلمه الله ووفقه لرضاه ان سند هذه السلسلة معنعنة لا فيه ارسال ولا رفع ولا اهمال والرواة كلها ثقاة ما فيها كذب ولا مخالف المذهب سند متصل بالنبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وها انا اذكر السند متصلا فاقول روى الاعراض الجسمانية عن الجواهر ( الجوهر خ ) الجسماني عن الصورة المثالية عن المادة الاولية عن الطبيعة مبدء الكون الثاني عن النفس القدسية الالهية عن الروح ( من امر الله خ ) عن العقل المنخفض عن العقل المستوي عن العقل المرتفع عن القلب عن الفؤاد عن حقيقة ( جسم خ ) الانبياء عن رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انه قال انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها وهذا الخبر متواتر معنى عند اهل الاكوان الوجودية والاعيان الغيبية والشهودية بالمعنى ومعلوم عند الكل اي كل من لبس حلة الكون بعد ما دخل في عالم الامكان ان مدار العالم وقوامها على النبوة المطلقة والولاية المطلقة على حسب ما قدمناه من معناها ( معناهما خ ) وان الولي المطلق باب للنبي المطلق فالولي بالولاية الباطنة المطلقة يستمد من النبي بالنبوة المطلقة على معنى دقيق لا يهتدي اليه الا الراسخون في العلم فقد ( وقد خ ) قال الشيخ الاكبر نظرا الى هذا المعنى ان اقرب الحضرات الى الله سبحانه الحضرة المحمدية صلى الله عليها واقرب الحضرات والمخلوقات اليه ابن عمه علي بن ابي طالب ه فلا اقرب من الباب الى البيت شيء فالنبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو البيت والولي بالولاية المطلقة هو الباب فلا تنال النبوة الا بالولاية ولا تقوم الولاية الا بالنبوة والمدينة كما فصلنا والعلم كما بينا والباب كما ذكرنا
قال زورا من قال ذلك زورو افترى من يقول ذاك افتراء
وصل لما ان الناظم ايده الله وسدده بين المراد من الستر وكشف الستر عن باطن الستر ورفع النقاب عن وجه الستر والحجاب لان لكل ظاهر باطنا ولكل علانية سرا ولكل صورة معنى ولكل جسم روحا فالستر الظاهر المنقوش في النقش الاخضر المكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله وخلفاؤه خلفاؤ الله وامناؤه امناؤ الله له باطن وباطنه رجال وجماعة من الابدال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار فوصفهم بصفات وسماهم باسماء منها ما اشار اليه سلمه الله تعالى في البيت الاول الذي قبل هذا البيت وسماهم رواقا بقوله هذا رواق مدينة العلم الذي الخ
ومنها ما اشار اليه بقوله ايده الله وسدده ووفقه لمراضيه وجعل مستقبل حاله خيرا من ماضيه :
هذا كتاب من غدا بيمينه يعطي الذي يرجو غدا ويؤمل
اقول : توضيح معنى هذا البيت يحتاج الى بيان الكتاب في الظاهر ومعنى كونه بيمينه ثم الاشارة الى حقيقة الحقايق وسر اطوار الدقايق في هذا المقام فنقول ان الناظم ايده الله اشار بقوله هذا الى قوله تعالى فاما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه اني ظننت اني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية واما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه ولم ادر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما اغنى عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه وبيان هذه الآيات في قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقيه منشورا اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا وبيان ذلك على ما وصل الينا عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم عن طريق اهل البيت ( عليهم التحية والثناء خ ) ان الميت اذا مات اول ما يوضع في قبره ويشرج عليه اللبن تأتي الروح وتحل فيه من منخره او من فيه الى حقويه فيقعد في قبره بعد ان يوسع له اللحد بمقدار قراره فاول ما يدخل عليه ملك يسمى رومان فتان القبور فيقول له اكتب فيقول الميت ما اكتب يقول اكتب اعمالك التي عملتها من اول بلوغك الى يوم وفاتك فيقول ما عندي قلم فيقول الملك اصبعك فيقول ما عندي قرطاس فيقول الملك قطعة من كفنك فيقول ما عندي مداد فيقول الملك ريقك فيقول ما اذكر ما عملت فيقول الملك انا اذكرك ثم يأخذ قطعة من كفنه ويأخذ من ريقه ويكتب باصبعه ما يملي عليه الملك رومان من افعاله واقواله وحركاته وسكناته وخطواته ولحظاته ولفظاته من اول بلوغه خمسة عشر سنة الى يوم وفاته فيجعلها في عنقه فتثقل عليه كجبل احد فان كانت مملوة حسنات فيسر بها كمال السرور فيكون اول سروره وان كانت مملوة سيئات يحزن وهو اول عذابه وهذا هو الطاير الذي يلزم الله تعالى في عنقه ثم يتركه الملك فيذهب ثم يأتي الملكان النكير والمنكر على هيئة قد قدمنا ذكرها لانهما عبدان اسودان رأساهما في السماء السابعة ورجلاهما في الارض السابعة يخطان الارض خطا عليهما شعور سود واعينهما زرق لها بريق كالمشعل واصواتهما كالرعد العاصف ويخرج من فيهما النار كالبرق الخاطف وبيد كل واحد منهما مرزبة من نار فيأتيان الى الميت على تلك الحالة المهولة ويسئلانه عن ربه وعن نبيه وعن دينه وعن قبلته وعن امامه فان اجاب على مقتضى الواقع الاعتقاد الصادق فيقولان له نم نومة العروس فيذهبان عنه ثم تأتي اليه افواج من ملائكة الرحمة ومعهم هودج من نور فتخرج الروح من الجسد ويجعلونه في ذلك الهودج ويذهبون ( بها خ ) الى الجنة جنة الدنيا من قوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فهذا هي جنة الدنيا لان جنة الآخرة ليس فيها غدو ولا عشي ولا ليل ولا نهار وانما هي ظل ممدود ونور موجود واما اذا كان الميت من الكفار فلا يجيب ما سئله الملكان فيقول ما ادري فيقولان له لادريت فيضربانه بعمود من نار فيملأ قبره نارا وجوفه نارا وظاهره نارا وباطنه نارا ويصرخ صرخة مهولة منكرة يسمعها كل احد ما عدا الجن والانس فيحجب الله سبحانه عنهما صوته لئلاتنقص عليهم معيشتهم وتسمع صوته البهائم من الحيوانات والحشرات والطيور وامثالها من ساير الموجودات ثم تأتي في قبره ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ويخرجون روحه من جسده ويسحبونها بسلاسل من حديد مكبوبة على وجهها الى نار جهنم نار الدنيا من قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب ونار الآخرة ليس فيها غدو ولا عشي فيأتون بتلك الروح الخبيثة الى وادي برهوت من وادي حضرموت وفيها بئر اسمها بلهوت وتلك البئر مبدأ نيران جهنم السبعة فيجعلونها فيها فهي في عذاب شديد وروح المؤمن في الجنة في نعيم مقيم الى يوم ينفخ في الصور فاذا نفخ في الصور مات كل من في الجنة والنار لان جنة الدنيا ونارها ليستا بدار الخلود واليها الاشارة بقوله تعالى فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ فهذه الجنة والنار هما ال مستثنى خلودهما واما دار الخلود فهي الآخرة وهو قوله تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون واما العالي والمتوسط فهو البرزخ بينهما ففي البرزخ ظهور العالمين وفيه سماء وارض وغدو وعشي وامثالها من احوال هذه الدنيا فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات والارض الا ما شاء ربك وهم حملة العرش فيبقي الخلق مواتا ( موتي خ ) لا حركة لهم فلا حس ولا محسوس ولا حركة ولا متحرك ولا ادراك ولا مدرك والخلق مقهورون مضمحلون فاسدون فانون متفرقوا الاجزاء مختل ( مختلف خ ) التركيب متفككوا التأليف كالبيت المنهدم والاجل المتصرم فينادي الله سبحانه وتعالى اين المتكبرون اين المتجبرون اين الذين اكلوا رزقي وعبدوا غيري لمن الملك اليوم فلا احد يجيب النداء ولا يسمع الدعاء فيجيب الله سبحانه بنفسه فيقول لله الواحد القهار فتبقى النسمات والذرات على هذه الحالة اربعمائة سنة فينفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيئ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ثم يحشر الخلق يوم القيمة وعرصة القيمة ثلاثمائة الف فرسخ في مثلها والخلق منضمون بعضهم الى بعض ثم ينصب منبر الوسيلة في وسط القيمة ولها الف مرقاة من مرقاة الى مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة وكل مرقاة من جوهرة او من درة او من ياقوتة او غيرها من اصناف الجواهر والخلق كلهم وقوف وصفوف منهم عن يمين المنبر ومنهم عن شمالها وكلهم سكوت وهو قوله تعالى وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا ثم يصعد رضوان خازن الجنان ويذهب بمفاتيحها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه هو الجالس على المرقاة العليا ولا جالس سواه ولا قيم على الخلق غيره فيسلم اليه مفاتيح الجنان ثم يصعد مالك خازن النيران ويأتي بمفاتيح النيران ويسلمها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاليه مرد امر الخلق في الجنة والنار ثم ان الكتاب الذي كتبه رومان فتان القبور وعلقه في اعناقهم تطير عن الاعناق ليتميز اهل الخلاف من اهل الوفاق والتصفية البالغة لكل احد ليرد كل فرع الى اصله فاذا تطايرت تلك الكتب فمن كان من اهل اليمين واهل الخير يأتي كتابه من جهة وجهه وقدامه ويستقر بيده اليمنى وهذه البشارة لاهل الاشارة والبشارة ومن كان من اهل الشمال يأتي كتابه من وراء ظهره ويثقب صدره ويجعل يده في ذلك الثقب الى ظهره ويعطي الكتاب بشماله فيدعو ثبورا ويصلي سعيرا ويدخل نار جهنم ويستقر في الطبقة التي عينت له بحسب استعداده ومقامه بما ظهر من افعاله فاراد الناظم سلمه الله تعالى ان هذا الستر بمنزلة الكتاب الذي من اعطي بيمينه فيفوز بكل خير ونور واذا جعلنا الستر هو الكتاب حقيقة فله تأويل بعيد يحتاج الى رسم مقدمات والآن ليس لي ذلك الاقبال لضعف المزاج وقلة الابتهاج وفي ما ذكرنا كفاية هذا ظاهر الكلام في هذا المقام واما حقيقة الامر على طبق ما ذكرنا في البيت الاول من ان الستر رجال الهيون واناس ربانيون قد ملئوا علما والهموا خيرا قد تأدبوا بآداب النبوة والولاية واهل النبوة واهل الولاية ونهجوا منهجهم وسلكوا مسلكهم هجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستلانوا في ( من خ ) اسرار اهل الاسرار ما استوعرت على غيرهم وانسوا بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون وهؤلاء كل واحد منهم هم الكتاب الذي كتبه الله بيد الولاية والنبوة قد اجتمعت فيهم الاسرار واشرقت عليهم الانوار وقلوبهم معلقة في عليين وانظارهم مقصورة الى مقامات المعرفة واليقين ونفوسهم صاعدة الى مقام الانس والتمكين وافئدتهم منخلعة للقرب الى رب العالمين فهم في رياض القرب والمشاهدة يرتعون وشرايع المحبة والمصافات يردون وفي اوكار الاذكار يأوون وهم من خشية ربهم مشفقون الذين اوضحت لهم المشارب واوتيت لهم المآرب واعطيت الرغايب فبلغوا غاية المطالب ووردوا اصفى المشارب ملئت قلوبهم معرفة وايمانا وامتلئت صدورهم صدقا وايقانا كل منهم كتاب واحد قد اجتمعت فيه كل ما يريد الله من خلقه لان الخلق رعيتهم في مقام التعين فيجب ان يكون عندهم ما يحتاجون اليه في امور دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم مما جرى عليه قلم الارادة في لوح القدر ومستقر القضاء وحقيقة الامضاء من انحاء روابط الموجودات واطوار المتممات والمكملات واحوال الخلق من العاليات والسافلات كل ذلك مجتمعة عندهم مكتوبة لديهم فهم مرشدوا الامم ومعادن الكرم واولياؤ النعم ورعاة البرية وهداة الخليقة والقرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة والتعينات الجزئية التي هي سبيل الى التعينات الكلية والعلماء الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فهم حفظة البلاد وساسة العباد وحجج الحجة وابواب الباب والخليفة مجمع الانوار ومهبط الاسرار واولياء الجبار بهم حفظ الله الدين واوضح شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ابد الآبدين اليهم انتهت الرياسة وبهم تمت السياسة وهم الكتاب الجامع والنور اللامع والبدر الساطع والامر الواقع والكهف الحصين والحرز المكين حملة علوم آل طه ويس نور المسترشدين وحجاب الله في الارضين وورثة الانبياء والمرسلين وموضع اسم الذي صلح به امر الاولين والآخرين البلد الامين وطور سينين والرحمة الواسعة والنعمة السابغة والنقمة الدامغة صراط الله الواضح والنجم اللائح والزناد القادح والنور اللائح والمتجر الرابح وانما كانوا كتبا واختصوا بهذا لاسم دون غيرهم مع انا بينا سابقا ان كل فرد من افراد الموجودات جامع لكل شيء لا سيما افراد الانسان فان امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام قال :
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
بعد قوله :
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وعلى هذا فكل احد كتاب وكل فرد من افراد الانسان كتاب فما وجه مزية الاختصاص بهؤلاء الاطياب الانجاب والوجه في ذلك ان الاشياء كلها وان كان كتابا الا ان حروفها مضمرة بل الفها غير معطوفة لم تظهر من القوة الى الفعل بعد ان كامنت وامكانها مابرز وجهاتها ما ظهرت فهي كتاب لكن حروفها لا تنقري ( لا تقرء خ ) واما هؤلاء الاطياب والامناء الانجاب فقد برزت حروف ذواتهم وانعطفت الف سر كينونتهم فانعطفت بحروف عاليات وذوات طيبات فتألف بكلمات طيبات فظهرت منها معان حقيقية من ظاهرية وباطنية وغيبية وشهودية وسماوية وارضية وجمادية ونباتية ومعدنية وحيوانية وانسانية قدسية وملكوتية الهية وامرية فعلية وامرية مفعولية وصورة الهية وحقيقة ربانية فهذه كلمات تألفت وارتبطت وامتزجت واختلطت فصارت بنفسها وقراناتها مبدء علوم كثيرة بل غير متناهية فمن هذه الجهة حيث ان معانيها برزت وحروفها تألفت وكلماتها اقترنت وارتبطت سماهم الناظم ايده الله بتوفيقه ووفقه الى رضوانه كتابا وهو كذلك كل واحد منهم كتاب جامع بحقايق الرسوم ودقايق العلوم منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات وفيه عموم واطلاق وتقييد وتخصيص واجمال وتبيين وناسخ ومنسوخ في ظاهر الحال وفيه عزائم ورخص واوامر ونواهي ومرغبات ( رغبات خ ) وزواجر ( وخ ) بكل طور تبيان علم من العلوم وتعريف رسم من الرسوم بطور فيه بيان حقيقة الافلاك وسر السمك والسماك وهيئات النجوم والسموات وقراناتها بطور القوابل والمقبولات وهذا العلم مكتوب في الورقة العليا وهو الرأس والدماغ وطور فيه سر معنى علم الطبيعة وكيفية تكون الكاينات من العلويات والسفليات وحكم الغرائب والغرائز وما يتفرع عليها من الاحكام وهي في الورقة الثانية الوسطى وهي الكبد وطور فيه كيفية حركات النبات واحياء الارض الموات وسر النمو والذبول وحدوث الامراض والاعراض وعلم حفظ الصحة وامثالها في الوجه الآخر من هذه الورقة وطور فيه العلم الالهي بالمعنى الاعم والاخص وعلم الطريقة والشريعة وعلم اليقين واختلاف مراتب الاشياء من عليين وسجين وحصر الموجودات في حق وباطل ونور وظلمة واختلاف اطوارها بحسبها وعلم الظاهر والباطن وما يتعلق بهما في الورقة الاصلية وهي ورقة القلب وطور فيه علم الاسماء والصفات ومعرفة الذات التي تنتهي اليها النسب والاضافات ومقامات المعرفة ومراتب المحبة ومراتب التوحيد ومقامات التفريد والتجريد بسبب الاضافة ( الاضافات خ ) في الورقة الالهية وورقة الفؤاد من اسفله الى اعلاه وبالجملة فهو كتاب جامع للعلوم كلها لكن يحتاج الى مشاهدة نفسه ومعرفتها وهو قوله تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون
تفصيل فيه تحقيق - اعلم ان هذا الكتاب يشتمل على فصول :
الفصل الاول لا اله الا الله وفي هذا الفصل مباحث :
المبحث الاول في كلمة لا وسر تقديم اللام على الالف لتحقق النفي وسر تقديم الالف على اللام لتحقق الاثبات البات
المبحث الثاني في كلمة اله وسر اشتقاقها وحقيقة الاشتقاق ومبدء الاشتقاق وسر ان المشتق فرع للمبدأ مع انه اصل الاصول وايس الايسيات واسطقس فوق الاسطقسات
المبحث الثالث في حرف الاستثناء وحقيقتها ونسبتها الى ال مستثنى وال مستثنى منه
المبحث الرابع في لفظ الجلالة من الفها ولامها وهائها ونسبة كل منها الى الاخرى وان المراد من هذه الاحرف ما هو وما الهاء التي لبها وسرها
المبحث الخامس في سر الاسم الاعظم والنور الاقوم والسر المعمي والرمز المنمنم
الفصل الثاني في مقامات النبوة المطلقة التي هي محمد رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وفيه مباحث :
المبحث الاول في الاسم المقدس وحروفه التكوينية وكونها اربعة وسر الميم المدغمة
المبحث الثاني في النبوة المطلقة وسر اطلاقها وحقيقة سريانها
المبحث الثالث في حقيقة الرسالة المطلقة وانها هي الاصل في الاحداث والايجاد والاصدار والايراد وظهور معنى قوله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته وسر الهاء ومعنى فعل ( افعل خ ) التفضيل
المبحث الرابع في العبودية وانها ما هي وما مزاجها وما طبيعتها وما لونها وما صفتها وانها مقدمة على الرسالة كما في تشهد الصلوة واشهد ان محمدا عبده ورسوله قدم الاسم ثم الرسم ثم الفرع الذي هو الاصل لكل كمال ولكل نور وجمال ولكل هيبة وجلال ولكل فضل وافضال ولكل تمام وكمال فهو الاصل القديم والفرع الكريم
المبحث الخامس في ان ظهور التوحيد بلفظ الجلالة في لا اله الا الله عين ظهوره في لفظ الجلالة في محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ام لا وما الفرق بين الظهورين وما التفاوت مع الاتحاد في البين
الفصل الثالث في الولاية المطلقة ونسبتها بالنبوة المطلقة وفيه مباحث :
المبحث الاول في الولاية من حيث هي
المبحث الثاني في ان الولاية لله كما في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا
المبحث الثالث في الولاية الظاهرة في الحضرة المحمدية صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ومقامها ومرتبتها في الوجود
المبحث الرابع في الولاية الظاهرة في اوليائه وخلفائه الذين هم اجزاء النبي المطلق ومن سنخ ذاته وحقيقة ماهيته ونسبة هذه الولاية الى ولايته صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وسلم
المبحث الخامس في الولاية الظاهرة والباطنة والحقيقية والمجازية والاصلية والفرعية
الفصل الرابع في كلمة كن وفيه مباحث :
المبحث الاول في حرف الكاف ومقرها ومبدئها وكينونتها واستدارتها وتغيير الاستدارة واختصاصها دون الحروف بهذا المقام
المبحث الثاني في النون وعلة اقترانها بالكاف وظهور الاعيان الثابتة فيها ومقام العالم اذ معلوم والرب اذ مربوب والخالق اذ مخلوق
المبحث الثالث في الامر بين الكاف والنون وانه هي الواو وهو العدد التام في نفسه والعدد الزايد بتثنيته وان هذا العدد بالامرين في ذات كن قبل ان يتعلق
المبحث الرابع في تمام الكلمة والوحدة الظاهرة فيها والمراتب الاربعة التي هي اجزاء ذاتها وكينونتها
المبحث الخامس في دلالة الكلمة وظهورها في قلب المتكلم وتحقق المعاني المختلفة
الفصل الخامس في تعلق الكلمة وفيه مباحث :
المبحث الاول في تعلقها بالمادة المحضة وهي المسماة بالمشية
المبحث الثاني في تعلقها بالمادة من حيث هي هي من حيث صلاحيتها لقبول الصور والهيئات وهي المسماة بالارادة
المبحث الثالث في تعلقها بالحدود والهندسة الايجادية والاوضاع والجهات والآجال والارزاق ومقادير العلوم ومقادير الهيئات والاشباح ومقادير الاشعة واشعة الاشعة وهكذا الى انتهاء الوجودات وهي المسماة بالقدر
المبحث الرابع في تعلقها بالزام هذه الصور والحدود وتلك المادة المعينة وتأليفها وتركيبها بها وحصول الحقيقة الجامعة وهي المسماة بالقضاء وهي قوله تعالى في اي صورة ما شاء ركبك
المبحث الخامس في تعلقها باظهار الشيء مشروح العلل مبين الاسباب ظاهر المراتب وهي المسماة بالامضاء واما الاذن والاجل والكتاب فهي داخلة تحت القدر
الفصل السادس في الاسماء والصفات وفيه مباحث :
المبحث الاول في اصل حقيقة الاسم وتحققه من الفعل
المبحث الثاني في ان الاسم فرع للفعل والفعل علة تحققه وتذوته وثبوته وهو العامل فيه والمغير لآخره الكاشف عن تغيير اوله لان حكم العود هو حكم البدو لقوله تعالى كما بدأكم تعودون
المبحث الثالث في الفرق بين الاسم والصفة وانهما يجتمعان اذا افترقا ويفترقان اذا اجتمعا
المبحث الرابع في الاسماء الذاتية والفعلية والفرق بينهما مع كون الجميع متفرعة عن الفعل
المبحث الخامس في الفرق بين صفات القدس وصفات الاضافة وصفات الخلق وتقسيم الصفة او الاسم عند الافتراق بحسب المفهوم الى هذه الاقسام الثلثة
الفصل السابع في متعلق الفعل وهو فيكون وفيه مباحث :
المبحث الاول في المصدر وانه محل الصدور وانه اول ما اشتق من الفعل وهو اول مجعول تعلق به الجعل الذي هو الفعل
المبحث الثاني في المفعول المطلق ووقوعه تأكيدا للفعل واشتقاق الفعل التأكيدي منه بهذا الجمع ( وبهذا يجمع خ ) بين قول الكوفيين والبصريين فان الاولين قالوا باشتقاق المصدر من الفعل نظرا الى الوجه الاول والآخرين قالوا باشتقاق الفعل من المصدر نظرا الى الوجه الثاني فان قولك قمت قياما في قوة قولك قمت قمت فقمت الثاني مشتق من القيام ومتفرع عليه وهذا الثاني شعاع الاول كصورتك في المرآة بالنسبة اليك
المبحث الثالث في المفعول به وانه حد للمفعول المطلق وتعين له ولزوم تقديم المفعول به على المفعول المطلق باطل عند اهل الاشراق من اهل الوفاق واصحاب الاتفاق فان المفعول به مشتق من المفعول المطلق المشتق من المصدر المشتق من الفعل فكيف يعقل تقدم الفرع على الاصل ضرورة ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل
المبحث الرابع في نسبة المفعول به والمفعول له والمفعول معه والمفعول فيه والحال والتمييز الى المفعول المطلق وان هذه حدود كالعقل بالنسبة الى الفؤاد
المبحث الخامس في اصل الاشتقاق واقسامه ومراتبه وان الاشتقاق على قسمين اشتقاق الشعاع من المنير واشتقاق الفرع من الاصل والاغصان والفروع من الشجرة واشتقاق التفصيل من الاجمال وان القسم الثاني يدور على خمسة عشر قسما وكل قسم اصل من الاصول يعرفها اصحاب الوصول
الفصل الثامن في اسمي الفاعل والمفعول وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الفاعل وانه اي شيء وان مفهوم الفاعل مركب او بسيط
المبحث الثاني في اسم الفاعل والفرق بينه وبين الفاعل وان الفاعل ايضا هو اسم الفاعل
المبحث الثالث في الذات المعتبرة في الفاعل وانها هل هي الذات البحت او الذات الظاهرة والاول يوجب تغيير الذات بفعلها واثرها وهو محال والثاني هو المتجه ولكنه يلزم الاشكال في معرفة الاتحاد والاتفاق فانك اذا قلت زيد ضارب لا تعرف ذاتا غير ما هو الظاهر بالضارب مع انها ليست بالذات البحت فكيف اوجب التغاير الاتحاد والتعدد الوحدة ولذا ورد عن امير المؤمنين علي بن ابيطالب روحي له الفداء الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد وقد قال ايضا روحي له الفداء ( وعليه آلاف التحية والثناء خ ) من عرف الفصل من الوصل والحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد والى هذا الدقيقة اشار بعض اهل البيت في دعاء كل يوم من شهر رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك الى ان قال عليه السلام وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء
المبحث الرابع في علامة الفاعل واشتقاقه من المصدر وكون المشتق فرعا من المبدأ مع ان الفاعل هو الاصل في احداث المصدر وان المصدر يعمل في اسم الفاعل والفاعل ايضا يعمل في المصدر وهذه من عجايب الامور فان المقدمات بديهية في الحقيقة والنتيجة ظاهرة البطلان وهو اصعب ما يرد على الانسان
المبحث الخامس في تعلق الاسماء بالمتعلقات وحدوث المتعلق بالاسم ومعنى الادعية الواردة عن اهل البيت ( عليهم السلام خ ) وباسمك الذي خلقت به العرش وباسمك الذي خلقت به الكرسي وباسمك الذي خلقت به السموات والارض وباسمك الذي خلقت به الانس والجن وباسمك الذي خلقت به جبلات الخلايق الدعاء وان كل اثر يشتق منه اسم لمؤثره وان آثار الله لا نهاية لها فاسماؤه لا نهاية لها والتعيين لذكر بعض الكليات وان هذه الاسماء لها حقايق متأصلة حتى يكون مصدرة لهذه الآثار ومحققة لتلك الاطوار
الفصل التاسع في الاسم الاعظم وفيه مباحث :
المبحث الاول في الاسم "هو" وهائه وواوه والرابطة بينهما وكذلك التثنية والتثليث على مراتب الاطوار ( اطوار خ ) لا تدخل تحت الاحصاء فضلا عن الاستقصاء
المبحث الثاني فيما هو اقرب الى الاسم الاعظم من بياض العين الى سواده وهو بسم الله الرحمن الرحيم كلمة جامعة للاكوار والادوار والاطوار والاوطار وهي اول ظهور المبدأ ولذا صدر به كتاب الله التدويني على طبق الكتاب التكويني وقد قال امير المؤمنين روحي له الفداء ان كلما في القرآن في الحمد وكلما في الحمد في البسملة وكلما في البسملة في الباء وكلما في الباء في النقطة الحديث فالبسملة هي الاسم الاعظم الجامع للاسماء كلها ولقد اردت ان اشرح هذه الكلمة المباركة على حسب ما استفدته من سيدي ومولاي الحسين بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب سيد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء في ليلة اسنى من ليلة القدر والذ من ليلة الوصل فسألته عن معنى كلام والده الطاهر ( الطاهر عليهما آلاف الثناء من الحي القادر خ ) فاجابني روحي له الفداء بكليات اشارات انطوت تحتها كنوز من الاسرار وشوارق من الانوار حتى فتحت لي بها الابواب وسببت لي الاسباب حتى ظهرت لي علوم الهية واسرار ربانية يضيق عن سطرها قلم الاحصاء واردت ان اذكر بعض ما اذن لنا بالبيان فجعلته في طي اسفار خمسة على ما تحقق عندي من الاسفار فان الاربعة المشهورة هي التشريعية التي يقطعها السالك بقدم التوجه والاقبال على المطايا الموظفة في الشريعة الغراء وهنا سفر آخر تكويني فالاسفار على وجه الاجمال خمسة وعلى اول التفصيل ستة والحاصل انا رتبنا تفسير هذه الكلمة الشريفة على اسفار خمسة :
الاول - في تمام الكلمة
والثاني - في البسم
والثالث - في لفظ الجلالة
والرابع - في لفظ الرحمن
والخامس - في الرحيم
وفي كل سفر منازل ولكل منزل اميال وقد كتبنا في الميل الثاني للمنزل الاول من منازل السفر الاول نحوا من ستة كراريس على حجم الربع وماساعدني التوفيق للاتمام فبقيت موقوفة الى الآن نسئل الله حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة وبالجملة فاسرار هذه الكلمة الشريفة كثيرة واطوارها خطيرة وماقدمها الله سبحانه ولم يصدر بها قرآنه الا لان امرها عظيم وخطرها جسيم وسلطانها عميم وصراطها قويم بحكم قاعدة امكان الاشرف وبطلان الطفرة
المبحث الثالث في الاسمين الاعليين الحي القيوم ومعنى الحي واشتمال معناه على جميع الكمالات الكونية فيكون جامعا لجميع الاسماء ومهيمنا عليها وكذا القيوم وسر القيومية ومعنى القيامات الاربعة ومعنى معية القيوم مع كل من قام به وخضع له بحقيقة الانفعال وهو قوله تعالى وهو معكم اينما كنتم مع حفظ قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
المبحث الرابع في ان الاسم الاعظم على قسمين قسم لتأثيره شرايط وآداب لا يظهر تأثيره الا بملاحظتها ولذا تجد هذه الاسماء العظام يستعملها جماعة يجدون التأثير بها سريعا فوريا وتجد آخرين يستعملونها ولا يجدون لها اثرا اصلا وذلك لفقدان الشرايط والاسباب والمتممات والمكملات فربما يكون كل اسم بملاحظة تلك الشرايط اسم اعظم وقسم لا يحتاج في ظهور خواصه وآثاره الى شرط غير نفسه وهو يؤثر دائما على كل حال
المبحث الخامس في ان الاسم الاعظم على قسمين لفظي ومعنوي وبيان اللفظي وانه من اين يتحقق ومن اي شيء يتركب واما كيفية التركيب وان كان في سر الكينونة ظاهرة معروفة ولكن في عالم الظهور لا يظهر الا لاناس مخصوصين من المؤمنين والكافرين وليس شرط استعماله اسلام ولا ايمان الا ترى الابليس فان عنده الاسم الاعظم فتنفعل له الاشياء وهو هو في كفره وطغيانه وعتوه وعصيانه
الفصل العاشر في الفؤاد وفيه مباحث :
المبحث الاول في كيفية تكونه وتحققه وانه نور
المبحث الثاني في انه محل المحبة والمحبة لها مراتب اعلاها ما يكون حجابا بين المحب والمحبوب وهذا المقام في اعلى مرتبة الفؤاد
المبحث الثالث في انه محل التوحيد وانه اعلى ما يصل اليه الشيء هذا المقام كل على حسبه وان ظهور التجلي فيه
المبحث الرابع في ان الفؤاد يدرك الشيء بلا حدود واعراض بلا كيف وكم بلا جهة ورتبة وبلا زمان ومكان وهو مدرك الاسم الذي اشار اليه مولينا وسيدنا الصادق ( عليه السلام خ ) بقوله ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور الحديث على هذا المعنى والذي ذكرناه قبل هذا لغيره وان الفؤاد اعلى المشاعر وقواها ( اقواها خ ) يدرك الغير المتناهي والغير المحدود
المبحث الخامس في ان الفؤاد عنده دليل الحكمة وهو يعرف كل شيء على ما هو عليه في مقامه بلا رسم مقدمات ولا تمهيد قواعد ومن هذه الجهة قلنا ان الفؤاد يدرك من الاسرار ما لم يدخل تحت قاعدة وليس نتيجة عن مقدمة وهذه الاسرار هي التي منعت شريعة الحكمة عن اظهارها لمن لم يفتح له هذا الباب واليه الاشارة بقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما فارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وما ورد من النهي عن اهل البيت ( عليهم السلام خ ) وغيرهم من العرفاء الكاملين والمكاشفين الواصلين يراد به هذا السر الذي لم يدخل تحت قاعدة ولم ينتج من مقدمة اذ الغير الواصلين لهذا المقام ليس لهم قوة ادراكه وهي بهجة ( لهجة خ ) قد غابوا عنها ولم يكونوا من اهلها فلا يدركونها فاما ان يبادروا الى الانكار ويسلكوا مسلك الاشرار ويقبلوا من غير ان يتعقلوا معناها ويتخيلونها على غير وجهها فيكفرون فانت ايها المتكلم بالاسرار فقد افسدتهم فكسرتهم واني لك جبر هذا الكسر ورفع هذا الفساد واليه الاشارة بقول مولينا زين العابدين وسيد الساجدين ( عليه السلام خ ) لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا فان المراد به ذلك النوع من الاسرار التي لم تدخل تحت كلي ولم تنته الى بديهي واما ما سوى ذلك فيجوز ابرازه واظهاره وان كان من الغوامض الخفية اذا كانت تحت قاعدة كلية والا وجب الكف عما لا تفهمه العوام وهذا من زخاريف الكلام الذي لا يرضى به البهائم من الانعام والفؤاد له وجهان اعلى واسفل فالتوحيد والامور التي لا كيف لها ولا حد انما يدركها بالوجه الاعلى وحقايق الموجودات والاشياء كما هي انما يدركها بالوجه الاسفل لان فيه ذكر الكثرات وبها يدرك ما يدرك من الذوات والصفات
الفصل الحادي عشر في القلب وفيه مباحث :
المبحث الاول في ان القلب هو اصل الانسان وانه هو المشار اليه بانا
المبحث الثاني في اركان القلب وانها هي الانوار الاربعة
المبحث الثالث في نسبة هذه الاركان بعضها مع بعض
المبحث الرابع في ظهور الافعال والآثار الكلية لهذه الاركان من حيث نسبة بعضها لبعض
الفصل الثاني عشر في الاركان اي اركان القلب وفيه مباحث :
المبحث الاول في الركن الايمن الاعلى وهو النور الابيض الذي منه ابيض البياض ومنه ضوء النهار
المبحث الثاني في الركن الايمن الاسفل وهو النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة وهو البراق
المبحث الثالث في الركن الايسر الاعلى وهو النور الاخضر الذي اخضرت منه الخضرة
المبحث الرابع في الركن الاسفل الايسر وهو النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة
المبحث الخامس في جامع الاركان الذي تحقق منه الانسان الذي علم القرآن والبيان
الفصل الثالث عشر في العرش وفيه مباحث :
المبحث الاول في معنى الجامع للعرش الصادق على جميع اطلاقاته
المبحث الثاني في اطلاقات العرش وانها كم هي
المبحث الثالث في سر الرحمن عند استوائه على العرش
المبحث الرابع في سر الاستواء وكيفيته وسر المستوي ورسمه وصفته
المبحث الخامس في الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء
الفصل الرابع عشر في الكرسي وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الكرسي الجامعة لاطلاقاته
المبحث الثاني في اطلاقات الكرسي
المبحث الثالث في منطقة الكرسي ونسبتها مع منطقة العرش
المبحث الرابع في تقسيم المنطقة الى اثني عشر قسما وثمانية وعشرين قسمة
المبحث الخامس في الكواكب الثابتة في الكرسي ونسبتها معه وهذا بحث غامض لا يعلمه الا من اشهده الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم
الفصل الخامس عشر في اللوح والقلم وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة القلم الجامعة لاطلاقاته
المبحث الثاني في حقيقة اللوح كذلك
المبحث الثالث في قدر القلم وانه الف الف ذراع وانه لا بد ان يكون مشقوقا وعلة الشق وان لا يكتب الا به
المبحث الرابع في قدر اللوح وانه زمردة خضراء سبعينالف ذراع في مثله
المبحث الخامس في النسبة ما بين اللوح والقلم وانهما بابان من العلم فاللوح باب ظاهر والقلم باب باطن وهما يستمدان من النون قال تعالى ن والقلم وما يسطرون النون بحر المزن والصاد وهو الوجه الاسفل من الفؤاد والقلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد وما يسطرون هو اللوح المنقوش عليه ما كان وما يكون
الفصل السادس عشر في العقل وفيه مباحث :
المبحث الاول في معناه وحقيقته
المبحث الثاني في مقره ومسكنه
المبحث الثالث في صفاته واسمائه والوانه
المبحث الرابع في اقسامه من العقل المنخفض والمستوي والمرتفع
المبحث الخامس في دليله ومدركاته وباقي صفات كينونته
الفصل السابع عشر في النفس وفيها مباحث :
المبحث الاول في معناها وحقيقتها وكينونتها
المبحث الثاني في اطلاقاتها
المبحث الثالث في اقسامها من حيث ترقياتها وهي النفس الامارة ثم الملهمة ثم اللوامة ثم المطمئنة ثم الراضية ثم المرضية ثم الكاملة وهذه النفوس كلها مذكورة في القرآن بالتصريح الاولى في قوله تعالى وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي والثانية ففي قوله تعالى فالهمها فجورها وتقويها والثالثة ففي قوله تعالى لا اقسم بيوم القيمة ولا اقسم بالنفس اللوامة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ففي قوله تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
المبحث الرابع في اقسامها من حيث الذات وهي كما قال امير المؤمنين عليه آلاف التحية والثناء في حديث الاعرابي لما قال يا امير المؤمنين عرفني نفسي قال عليه التحية والثناء وعن اي الانفس تسئل قال الاعرابي وهل هي الا نفس واحدة قال عليه التحية والثناء انما هي اربعة النامية النباتية والحيوانية الحساسة والناطقة القدسية والملكوتية الالهية ثم اخذ عليه التحية والثناء في بيان هذه الانفس الى ان قال في النفس الملكوتية الالهية اصلها العقل عنه وعت واليه دلت واشارت وشابهته اذا كملت فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى
المبحث الخامس في قواها ومرايا مواقع اشعتها وهي القوي الدماغية الخيال والفكر والواهمة والعالمة والعاقلة واحوالها وصفاتها واما الحس المشترك فهو البرزخ بين الغيب والشهادة يدرك العوالم البرزخية والاشباح المثالية
الفصل الثامن عشر في الروح وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة ( الروح خ ) الجامعة لجميع اطلاقاتها وقولهم ان الروح لا تدرك قول لا محصل له بل الذي لا يدرك هو الله سبحانه والمبادي العالية الواقعة في السلسلة الطولية واما ما في نفس الشيء وذاته ومراتبه فكيف لا يدرك وهل اقرب الى الشيء من نفسه الى نفسه شيء فاذا لم يعرف نفسه فاي شيء يعرفه اذا أما قال تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون اومادل مفهوم قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا على ان الله سبحانه اتخذ الهادين عضدا وانصارا واشهدهم خلق السموات والارض وخلق انفسهم وقد دل على هذا المفهوم منطوق الدعاء الوارد في كل يوم من شهر الرجب اللهم اني اسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك الى ان قال روحي له الفداء لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت الدعاء والشاهد في قوله اعضاد واشهاد فاذا اشهدهم الله خلق انفسهم فكيف يجهلون الروح الذي هو من جزء ذاتهم ولعمري ان هذا القول من اسخف الاقوال واضعفها والآية التي زعموا انها تصلح لان تكون شاهدة لهم فلا دلالة فيها على دعواهم اصلا وقطعا كما سنشير اليها ان شاء الله تعالى
المبحث الثاني في اطلاقات الروح ومواقع دلالاته فانه يطلق على امور كثيرة لا يسعني الآن ذكرها لعدم الاقبال وتبلبل البال
المبحث الثالث في الروح من امر الله والفرق بينه وبين روح القدس والروح على ملائكة الحجب وقوله تعالى يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي اشارة الى هذا الروح لانه ليس هو الروح الذي في الانسان لان الله سبحانه نص على ان هذا الروح هو الذي يلقي الوحي بواسطة الملائكة الى الانبياء وهو منزل الملائكة على الانبياء بل هو مرسل الانبياء وباعثهم باذن الله وامره وقد نص الله سبحانه على ذلك بقوله تعالى يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده ذكرها في آيتين فهذا الروح حقيقة الهية ولطيفة ربانية وهو من امر الله الذي قامت به السموات والارض ان الله سبحانه ذكر في محكم كتابه ومن آياته ان تقوم السموات والارض بامره فالسموات والارض وما بينهما وما تحتهما وما فوقهما انما قامت بامر الله وهو الامر المفعولي من قوله تعالى وكان امر الله مفعولا لا الفعلي من قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فالروح من عالم الامر الذي هو فعال للوجود وعليه يدور الامر من الغيب والشهود وهو المراد من قوله تعالى قل الروح من امر ربي لا ما زعمه بعض الناس فان اليهود لما اتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئلوا عن المسائل الثلثة ارادوا جوابها على ما في التورية وكان مكتوبا فيها هذه الصورة ( السورة خ ) فانزل الله قرآنا هكذا
المبحث الرابع في معنى قوله تعالى ونفخت فيه من روحي وان الله تعالى منزه من الروح والنفخ
المبحث الخامس في كيفية تعلق الروح بالبدن وهذا التعلق تعلق حلول واستجنان او تعلق شعاع بمحل كتعلق شعاع الشمس بالارض وحكم هذا ( هذه خ ) الروح في قوسي الصعود والنزول
الفصل التاسع عشر في الجسم والجسد وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الجسم من حيث هو هو
المبحث الثاني في حقيقة الجسم الملكوتي كما قال مولينا الصادق عليه السلام جسم لطيف البس قالبا كثيفا
المبحث الثالث في الجسم المثالي من عالم هورقليا
المبحث الرابع في الجسم الطبيعي مبدأ حقيقة الاجسام
المبحث الخامس في الجسم التعليمي اصل الاعراض
الفصل العشرون في الجنة والنار وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الجنة واصلها
المبحث الثاني في حقيقة النار واصلها اعاذنا الله منها
المبحث الثالث في مبدأ الجنة واصل منشأها وانها اشراق من اي شيء
المبحث الرابع في مبدأ النار واصلها وان تكونها من اي شيء
المبحث الخامس في طبقاتهما واطوارهما واحوالهما وانهما موجودان الآن وان لكل منهما حظاير يدخلها طوائف مخصوصون
الفصل الحادي والعشرون في الآخرة وما يتعلق بها قبل الجنة والنار وفيه مباحث :
المبحث الاول في القبر وما يتعلق به من الضغطة ودخول رومان فتان القبور ودخول الملكين النكير والمنكر وانتقال الروح منه الى الجنة والنار الدنياويين
المبحث الثاني في نفخ الصور وما يتعلق به من فناء الاجسام والاشباح والارواح والنفوس والعقول وما يتعلق بذلك
المبحث الثالث في يوم النشر وكيفية الخروج واتصال الارواح بالاجسام ( بالاجساد خ ) ونشرهم ليوم المعاد
المبحث الرابع في يوم الحشر ويوم القيمة يوم يقوم الناس لرب العالمين ونصب منبر الوسيلة وبيان مراقيها ومسافة البعد بين كل مرقاة الى المرقاة وذكر السلطان الجالس المهيمن على الجميع وظهور قوله تعالى وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا
المبحث الخامس يوم الجاثية ويوم الحساب ونصب الميزان على الصراط والصراط مسيرة ثلثةآلاف سنة قوس منصوب على متن جهنم احد من السيف وادق من الشعر الف سنة صعود والف سنة نزول والف سنة حدال وفيه خمسون موقفا يقف الخلايق في كل موقف الف سنة فكان يوم الحساب خمسين الف سنة دون ( يوم خ ) الحشر والنشر والقيمة والجاثية ومدة هذه الايام فلا يعلمها الا الله ومن يعلمه سبحانه من غامض علومه وسره المكنون المخزون من انبيائه واوليائه وخلفائه الراشدين المهديين والعلماء الراسخين في العلم
الفصل الثاني والعشرون في النور والظلمة وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة النور واصل تحققه وانبعاثه من نور الحق
المبحث الثاني في مراتبه واحواله وتنزلاته الى اقصى مراتبه وغاياته
المبحث الثالث في الظلمة وحقيقتها واصل تكونها وتحققها وسر دخول تاء التأنيث في الظلمة دون النور وسر قوله تعالى خلق الظلمات والنور اتى بالنور بصيغة المفرد وفي الظلمة بصيغة الجمع
المبحث الرابع في القران بين النور والظلمة واتصالهما وامتزاجهما واختلاطهما بحيث سري في كل جزء من النور جزء من الظلمة وهو قول مولينا امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء لو خلص الحق لم يخف على ذي حجى لكنه اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فهنالك هلك من هلك ونجي من سبقت له من الله الحسنى
المبحث الخامس في ان الاحكام على قسمين قسم اولى وهي المسماة بالواقعية وهي التي لا يجري عليها التغيير والتبديل والزيادة والنقصان من جانب النور ومن جانب الظلمة وقسم ثانوي وهي الاحكام التي يجري عليها الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل وهي المسماة بالاحكام النفس الامرية والاحكام الظاهرية في التكوين والتشريع اما في التشريع فكل ما يقع عليه النسخ والاصل كاصالة الطهارة واصالة الاباحة وان الاصل في الامر هو الوجوب دون الندب وان الحكم يمضي بشهادة الشهود وقد تكون زورا في الواقع والحكم يمضي فيه وان الشهود في الزنا اربعة كالميل في المكحلة واما اذا نقصت عن اربعة او لم تكن على الوصف المذكور يحكم بكذبهم ويحدون حد القاذف وقد يكونون صادقين في الواقع وقال سبحانه وتعالى واذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون ومن اعظم هذا المعنى اختلاف آراء المجتهدين وتناقضهم في الاقوال والافعال وتجويز اتباع الكل مع كمال الاختلاف وهذا كله من باب الحكم الظاهري النفس الامري في التشريع واما في التكوين فكتشابه حركة مايل القمر على مركز العالم وحركة مدير عطارد وساير خوارج المراكز على مركز معدل المسير دون افلاكها وهو نقطة متوسطة بين مركز الخارج ومركز العالم وكوجود القلب في الجانب الايسر مع ان مقتضي الطبيعة وجوده في الوسط وكفساد الثمار بعدم ( بعد نسخة ١٣٠٥ م ) نمو الاشجار وسقوط الاوراق ووقوع الخلاف بين اهل الوفاق وشيوع المكر والنفاق والاغضاء عن مستجنات الضماير وعدم البحث بما في مستكنات السرائر وكذب القيافة وعدم صدق الخطوط على البشرة الا احيانا فكل ذلك للطخ ( لللطخ خ ) اي لطخ اهل الظلمة بالنور ولطخ اهل النور بالظلمة وبين اللطخين جاء ما ذكرنا في البين
الفصل الثالث والعشرون في عليين وسجين وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة عليين وهو كتاب الابرار
المبحث الثاني في حقيقة سجين وهو كتاب الفجار
المبحث الثالث في النسبة بين الكتابين
المبحث الرابع في النطف النازلة من عليين والنطف الصاعدة من سجين
المبحث الخامس فيما يحصل به اللطخ بين النطفتين حتى يصير الكافر في صلب المؤمن والمؤمن في صلب الكافر الى ان يظهر معنى قوله تعالى يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح وقوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وحتى يظهر الجمع بين قوله تعالى الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات والخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات مع قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومن ذلك قوم كافرون يسلمون عند موتهم وقوم مؤمنون يكفرون عند موتهم وامثال ذلك من الامور التي ليست حقيقية فيزول عند رجوع كل شيء الى اصله
الفصل الرابع والعشرون في السموات وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة السموات واصل مبدئها وابتدائها من المبدأ الفياض
المبحث الثاني في سر كون السموات طبقات وانها سبعة بلا زيادة ونقيصة
المبحث الثالث في هيأت كل طبقة حتى تكون اربع وعشرين
المبحث الرابع في ان اصل السماء والفلك هو الخارج المركز والباقي متممات وهو معنى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عن طريق اهل البيت عليهم آلاف التحية والثناء من ان بين كل سماء الى الاخرى خمسمائة عام يريد بها خمسة مراتب المتممات لهذه السماء والمتممات للسماء الاخرى والخارج المركز فهذه خمسة مراتب ولما كانت الافلاك في الرتبة الثالثة من الموجودات الجسمانية كانت الخمسة هناك خمسمائة اما انها في الرتبة الثالثة فلان اولها المتولدات وثانيها العناصر وثالثها الافلاك واما الفلكان الاعظمان فهما في الرتبة الرابعة فالعدد هناك الوف وفي السموات مئات وفي العناصر عشرات وفي المتولدات آحاد فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وتعيها اذن واعية
المبحث الخامس في تداوير ( تداويرها خ ) ونسبة التدوير الى الخارج المركز والحاجة الى التدوير وبيان ان التدوير لنفس الكوكب والخارج المركز لاهل العالم
الفصل الخامس والعشرون في الارضين وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الارضين واصل بدو كينونتها وسر تحققها وتذوتها
المبحث الثاني في الاقاليم السبعة وانها لم فصلت بما فصلت
المبحث الثالث في الاقليم الثامن ومقره ومحله وفيه بيان القاف وانها ( انه خ ) جبل من زمردة خضراء وخضرة السماء منها
المبحث الرابع في طبقاتها وسكانها وصور سكانها وهيئاتهم واشكالهم
المبحث الخامس في معنى ان الارض محبوكة بالسماء وقول مولينا الرضا عليه السلام ان كل ارض محبوكة بسماء وما تحتها ( تحتنا خ ) الا ارض واحدة
الفصل السادس والعشرون في الجوهر والعرض وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الجوهر ومعناه وانه هو الذي يقيم الغير والغير يتقوم به
المبحث الثاني في العرض ومعناه ( وخ ) هو الذي يتقوم بالغير فيكون كل شيء جوهرا باعتبار وعرضا باعتبار
المبحث الثالث في تقسيم العرض الى الاقسام الاربعة القيام الصدوري والقيام الظهوري والقيام التحققي والعضدي والقيام العروضي ولعله تقدم منا ذكر لهذه الوجوه وشرحناها مفصلة بما لا مزيد عليه عند الناس في تفسيرنا على آية الكرسي عند قوله تعالى الحي القيوم
المبحث الرابع في ان المعروف عند القوم من العرض هو ما يقوم بالغير قيام عروض وينحصر عندهم في تسعة مقولات واما عند العارفين بالاسرار وكلمات اهل الحقايق والانوار ان العرض ليس له حصر والجواهر ليست مقولة واحدة بل كل شيء يقوم به شيء فمن حيث قيامه به عرض ومن حيث انه مقوم له جوهر فالجوهر هو مقيم الشيء بالنسبة الاقترانية ولا يصح اطلاقه على الله واما ما سواه سبحانه في الامكان فيطلق عليه الجوهر والعرض كائنا ما كان وقد مدح الشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
وهذا ظاهر معلوم
المبحث الخامس في معرفة المقولات التسع التي هي قائمة بالجوهر قيام عروض واحوالها وصفاتها وآثارها ومعنى الحركة والسكون على ما عند اهل التمكين والتلوين
الفصل السابع والعشرون في الحروف وفيه مباحث :
المبحث الاول في النقطة الاولية التي بها تألفت الالف وتحققت وتذوتت وتكونت وتعينت وهي السر المستسر والسر المقنع بالسر وسر المجلل بالسر وسر لا يفيده الا سر
المبحث الثاني في الالف اللينية وهي التي تحققت الحروف من عطافاتها وهي مادة الحروف واصلها واسها واسطقسها وهيولاها وسر سرها ومبدأ وجودها وتحققها وهذه الالف طولها الف الف قامة
المبحث الثالث في الالف المتحركة وهي اول ولد تولد من الالف اللينية وهي اقرب الحروف اليها ولذا ظهرت بصورتها وتحلت باقرب الحلي اليها فان الفتحة مقام الواسطة كما ان الضمة مقام رفع الواسطة ومقام الانضمام الى رتبة الذات الظاهرة وحيث ان الالف اللينية مقام المادة صارت لا مخرج لها حتى يصح انعطافها وظهورها بكل صورة وهيئة والالف المتحركة طولها الف الف ذراع والالف اللينية هو الاختراع الاول في الحروف
المبحث الرابع في الالف المبسوطة وهي الباء من بسم الله الرحمن الرحيم قال النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وهي الابتداع الاول من الحروف
المبحث الخامس في الالف الراكدة وهي لا طول لها ومقامها مقام الانجماد ورتبتها رتبة الانعقاد وهي اصل الحروف
الفصل الثامن والعشرون في قرانات الحروف وفيه مباحث :
المبحث الاول في البسط بحسب نسبها واضافاتها باقسامها الستين من البسط العددي والبسط الحرفي وبسط التمازج وبسط التضارب وهكذا اقسامها الى ان يترقى الى الستين
المبحث الثاني في التكسير باقسامه الثلاثة من الصغير والوسيط والكبير
المبحث الثالث في موازين الحروف وضبط مقاديرها ونسبها وخلط بعضها ببعض حتى يحصل المزاج لتأليف ما يريد العامل من كدورة وابتهاج
المبحث الرابع في طبايعها وصفاتها والوانها وقوتها وضعفها والمصادقة منها والمباغضة والمخفية منها والظاهرة منها والمتألفة منها والمتناكرة والنبي منها والرعية والخادمة منها والمخدومة والعلوية منها والسفلية والروحانية منها والجسمانية والنورانية منها والظلمانية والمتواخية منها والمتعادية والكاملة منها والناقصة وغيرها من ساير صفاتها واحوالها وآثارها
المبحث الخامس في الجفر وانه اسم بقرة اتى بها جبرائيل حين كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وامير المؤمنين عليه آلاف التحية والثناء على جبل فاران فذبحها امير المؤمنين روحي فداه بامر رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وسلخ جلدها فانسلخت وهي مدبوغة فامر رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم امير المؤمنين عليه السلام ان يجعلها ثمانية وعشرين جزءا وكل جزء ثمانية وعشرين ورقة وكل ورقة صفحتين يمني ويسري وكل صفحة ثمانية وعشرين سطرا وكل سطر ثمانية وعشرين بيتا وكل بيت جعل فيه اربعة احرف ففي البيت الاول من السطر الاول من الصفحة الاولى من الجزء الاول اربع الفات وفي البيت الثاني ثلث الفات وباء وهكذا الى تمام السطور فيكون آخره ثلاث الفات وعين ( غين نسخة ١٣٠٥ م ) وهكذا الى آخر الاجزاء واسرار هذه الحروف على هذا النحو كثيرة وفوائدها خطيرة
الفصل التاسع والعشرون في الاعداد وفيه مباحث :
المبحث الاول في الواحد الذي ليس من الاعداد وهو الواحد الذي ليس فيه ذكر الكثرة بحال من الاحوال
المبحث الثاني في الواحد الذي ليس له ثاني وفيه ذكر للكثرات اجمالية لاجل الصلاحية وبذلك كان مادة وعلة للاعداد وهي انما تركبت من تكرار هذا الواحد وبتكراره كانت الاعداد كلها ويتولد منها الى ما لا نهاية له فان الاثنين واحدان والثلاثة ثلث وحدات وهكذا الى ما لا نهاية له من الاعداد
المبحث الثالث في الواحد الذي له ثاني وهو من الاعداد ومبدئها والذي يقول انه ليس من الاعداد توهم وغلط فان هذا الواحد له ثان وثالث ويعد معها وهو اول متعين من تلك الوحدة كنسبة الف ( الالف خ ) المتحركة مع الالف اللينية
المبحث الرابع في ان هذا الواحد اصله ثلثة غلبت عليه جهة الوحدة كصاحب الطبايع الاربع اذا غلبت عليه طبيعة منها يدعي بتلك الطبيعة فيقال انه صفراوي او دموي او بلغمي او سوداوي مع وجود غيرها فيه والاثنان اربعة بعين ما ذكرنا في الواحد لان كل اثنين بينهما نسبة كل واحد مع الآخر بالضرورة فهنا شيئان ونسبتان فالمجموع اربعة ولكن النسبة غير ملحوظة قالوا اثنين
المبحث الخامس في ان الثلثة اول الفرد واول العدد لانها تفصيل الواحد والاربعة اول الزوج لانها تفصيل الاثنين ففي الحقيقة لا يكون اول العدد الا ثلثة لانها اقل عدد يمكن وجوده في الامكان فالثلاثة مبدأ الفرد فجميع الكمالات الفردية ترجع اليها والاربعة مبدأ الزوج لان جميع الكمالات الزوجية ترجع اليها فاذا ثنيت الثلاثة يظهر منها العدد التام واذا ثنيت الاربعة يظهر منها العدد الناقص واذا اجتمعت الثلاثة مع الاربعة يظهر منه العدد الكامل واذا ثني العدد التام يظهر منه العدد الزايد واذا ثني العدد الكامل يظهر منه العدد الكامل في الكامل فهو اذن كمال الكمال فافهم وكن به ضنينا ايها العالم العلم المفضال
الفصل الثلثون في الاشكال وفيه مباحث :
المبحث الاول في ان اشرف الاشكال واعلاها واسناها الشكل المستدير لفقدان الجهة فيه اذا كان حركته على القطب لا تظهر من حركته جهة ولا جهة ولا حيث ولا كيف واذا تحرك على المحور تحصل من حركته دوائر متعددة مختلفة بالعظم والصغر وهذا اول ظهور النقص في الشكل المستدير ومع هذا كله فهو اشرف الاشكال وان كان بعض مقاماته اشرف من بعض كما قلنا في الفؤاد في الفصل المتعلق به
المبحث الثاني في ان الشكل المثلث ابو الاشكال واصلها واسها واسطقسها وهو شكل آدم الاكبر ولذا كان اسمه على تمام وفق اضلاع المثلث فالمثلث له رتبة جامعة وقيومية واسعة وهو مبدأ الاشكال واجمعها والشكل المستدير وان كان اشرف ولكن المثلث اجمع والمستدير وجه واحد منه ونسبة المستدير الى المثلث نسبة الاحد الى الله لفظ الجلالة لان الاحد مقام الوحدة المطلقة ومقام الله مقام الالوهية الجامعة لجميع الاسماء والصفات فكان الاحد يقع صفة له دون العكس كما ان الله يقع صفة لهو فافهم
المبحث الثالث في ان الاشكال مقناطيس لارواحها المناسبة لتلك الاشكال وكل شكل ينجذب اليه ما يناسب مقامه ومرتبته وهذا في كل شيء من التكوينيات والتشريعيات والعقليات والعاديات وفصلت هذا المطلب غاية التفصيل في موضعين احدهما في جواب السؤال عن ان الحروف قد اختلف علماؤها في طبايعها وما اجتمعوا على حرف الا على الالف فانهم اجتمعوا على انها على طبيعة النار واما ما سواها من الحروف فقد اختلفوا فيها اختلافا فاحشا حتى ان كل حرف اعتقدوا فيها الطبايع الاربع كالباء فان منهم من يعتقد انها هوائية ومنهم من يعتقد انها ترابية ومنهم من يعتقد انها نارية ومنهم من يعتقد انها مائية ولا عجب في ذلك اذ قادهم الدليل عليه لكن العجب كل العجب في ان كلا منهم يستعملها على حسب معتقده فيؤثر ذلك التأثير والواقع واحد فكيف تصح اصابة المختلفين على شيء واحد بالاثبات والنفي الواقع وهذا من عجايب الامور وغرائب الاحوال وقد بسطت الكلام في جواب هذه المسئلة بما لا مزيد عليه وبينت ان مدار الحكم على الصورة فلا نعيده هنا فان ( لان خ ) مقصودنا الاشارة لا تحقيق الحقايق وثانيها في تحقيق هذه العبارة ان الاشكال مقناطيس لارواحها فانه كلام السيد آصف بن برخيا وصى نبي الله سليمان على نبينا ( وآله خ ) وعليه السلام
المبحث الرابع في ان الشكل المثلث تأثيره الخراب والفرقة وعدم الايتلاف والبينونة والافتراق والدثور والوبال لانه مقام الوحدة مقام سلب الاضافات والكثرة ومقام العدد التام لا سيما اذا كان على هيئة المثلث الهندي والشكل المربع تأثيره الالفة والمحبة والمودة والايتلاف والاجتماع وزيادة القوة والهيبة عند الناس والملوك ومتى خاصم صاحبه في مناظرة او خصومة كانت الغلبة له
المبحث الخامس في ان الامر لو كان كما ذكر ( ذكرنا خ ) فما معنى كلام المنجمين ان نظر التثليث نظر المحبة ونظر التربيع نظر العداوة وهذا شيء معلوم عندهم صحيح وافقته التجربة والجواب ان التثليث هو التربيع والتربيع هو التثليث لان التثليث في عرف المنجمين هو ان يكون بين الكوكبين من السيارات ثلث البروج ولما كانت البروج اثني عشر يكون ثلثها اربعة وهي نظر التأليف وشكل المحبة والمودة والايتلاف وعدم الافتراق وامثالها ولذا قالوا ان التثليث نظر المحبة لانه تربيع واما التربيع فحيث ان مرادهم ان تكون الفاصلة بين الكوكبين ربع الفلك وربع البروج وحيث ان ربع الاثني عشر ثلاثة كان التربيع هو التثليث وهو نظر العداوة والفرقة والبينونة وعدم الايتلاف ووقوع الاختلاف وامثالها مما في معناها وكذلك حكم كل شيء يجر على حسب قابليته ويجذب على حسب استعداده
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وليزيدن الذين كفروا ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا
الفصل الحادي والثلثون في علم الموسيقى وفيه مباحث :
المبحث الاول في حقيقة الموسيقى وسره واصل مبدئه ومنتهاه
المبحث الثاني في ان هذا العلم اي ظهور هذه النغمات على ( النظم خ ) الطبيعي انما كان من الافلاك قد اظهرها فيثاغورث الحكيم بعد ان سمعها من حركات الافلاك
المبحث الثالث في ان هذا العلم مبني على حدود ستة الاول السبب الخفيف وهو حركة وسكون الثاني السبب الثقيل وهو حركتان الثالث الوتد المجموع وهو حركتان وسكون الرابع الوتد المفروق وهو حركتان بينهما سكون الخامس الفاصلة الصغرى وهي ثلث حركات وسكون السادس الفاصلة الكبرى وهي اربع حركات وسكون
المبحث الرابع في نسبة هذه الحدود الى الافلاك الستة ما عدا الشمس فسبب الخفيف نسبة القمر والثقيل نسبة العطارد ( عطارد خ ) والوتد المجموع نسبة الزهرة والوتد المفروق نسبة المريخ والفاصلة الصغرى نسبة المشتري والفاصلة الكبرى نسبة زحل
المبحث الخامس في تفرع الاصوات والنغمات والالحان المختلفة من المفرحات والمكدرات والمؤثرات والمنومات والمسكرات والمضحكات والمبكيات كلها من هذه الحدود الستة بجميع الاسباب والاوتار ( الاوطار خ الاوطاد نسخة ١٣٠٥ م ) والفواصل وملاحظة بعضها مع بعض
الفصل الثاني والثلثون في علم الصناعة وتوليد المولود الفلسفي وفيه مباحث :
المبحث الاول في اصل هذا العلم وسره ومنشأه ومبدئه ومنتهاه وانها اخت النبوة وعصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها ويعلم مولينا امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) ظاهرها وباطنها وان كل شيء له فيه اصل او فرع
المبحث الثاني في الربع الاول وهو العمل المكتوم والجوهر المخزون لا يكتب في كتاب الا باشارات بعيدة لا يدركها الا اولوا الافئدة واولوا الالباب وقد قال صاحب جوهر الجواهر ان اقرب الاشارات ان يشار بالبعيد الى القريب وبالقريب الى البعيد
المبحث الثالث في الربع الثاني من صيرورته نطفة جمادا منحلا الى ماء رقيق الذي هو نطفة المرأة والماء الغليظ الذي هو نطفة الرجل والتزويج بينهما بالزوجات الاربع ثم بالجواري الست ثم بان يطوف بالبيت الحرام اسبوعا الى ان يكون شيئا واحدا وماءا جامدا
المبحث الرابع في الربع الثالث كما قال امير المؤمنين علي بن ابيطالب ( عليه السلام خ ) وما هو الا ماء جامد وهواء راكد وارض سائلة ونار حائلة بان يستخرج اول الماء الابيض الرقيق ذو الوجهين ثم الماء الابيض الغليظ اشبه الاشياء بالزيبق ثم الماء الاصفر الشرقي ثم الماء الاحمر ثم مزج الماء الابيض الرقيق بالثفل الباقي واستخراج الصبغ الاحمر موسى تلك الامة ثم مزج الماء الابيض الغربي بالثفل الباقي وتقطيره مرات بعد تعفينه حتى يكون الثفل صافيا براقا كبرادة الذهب بل اصفى منها وهنا تمام الربع الثالث
المبحث الخامس في الربع الرابع من العمل وبه يتم العمل وهو مقام التركيب وسقي المركب تسع مرات حتى يخرج بكل سقي رهط من التسعة المفسدة وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون فاذا سقي المركب بالوزن المعين والمقدار المشخص المعلوم عند اهله بان يؤخذ من الماء الابيض المسماة عندهم بالفتاة الغربية وبيوشع بن نون اخرى وبالقمر اخرى جزءان ومن الماء الاحمر والاصفر الممتزجين وهو شيء يشبه البرقا في كلام امير المؤمنين روحي له الفداء :
خذ الطيار والطلقا و شيئا يشبه البرقا
اذا مزجته سحقا ملكت الشرق والغربا
والشيء الذي يشبه البرقا هو الماء الاحمر المستخرج من بعد الماء الاصفر والماء الاصفر المستخرج من الماء الابيض فيمزجان فيحصل شيء يشبه البرقا ويؤخذ منه جزء واحد ويؤخذ من الانفحة جزء واحد ويؤخذ من الثفل الصافي بعد تطهيره بالابيض الغربي جزء واحد وهو الطلق في قول امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) المتقدم فيلقي الجميع في الآلة العمياء ويجعل في التعفين على القدر المعين عند اهل التمكين وهكذا يفعل ويكرر العمل ثلث مرات ففي الثالثة يطلع القمر البازغ من افق العمل ويطرح كل واحد على عشرة فاذا تكرر العمل المذكور على الوجه المسطور يزداد في العمل والفعل والتأثير فاذا اردت ان تبزغ الشمس وتظهر مشرقة بانوارها خذ جزءا من الماء الرقيق الاول واترك الماء الابيض الغربي لانه مادة القمر في فلكه الجوزهر وخذ جزء من شيء يشبه البرقاء وجزء من الانفحة وجزء من الصبغ الاحمر واضف الى المركب الاول واجعله في الآلة العمياء الى اجل معلوم ثم افعل هكذا ست مرات لكمال التسع وذلك معنى قولهم ان واحداسيغلب تسعا من بنات البطارق
فاذا بلغ السقي الى التسع تكرر العمل مرة اخرى من غير سقي لكمال النضج والتعديل فهي الجبال العشرة في قوله تعالى حكاية عن ابرهيم الخليل على نبينا ( وآله خ ) وعليه السلام رب ارني كيف تحيي الموتى اي موت ( موتي خ ) الجمادات كيف تحييها حتى تكون مؤثرة في مثلها وغيرها من جهتها فان الانسان اذا اكل منه حبة واحدة تترقى في فهمه وذكائه وحدته ومعرفته بالامور وذلك لان تلك الحبة تعدل الجسم الجمادي فيكون محلا لتلك الاشراقات الالهية كما ان المرآة كلما صفيتها وعدلتها تظهر النور فيها اكثر واعظم وعلة ذلك تصفية المرآة وتعديلها وكذلك اذا صفت الاجسام واعتدلت الطبايع تظهر جهات النفس والعقل فيها اشد واكثر وكذلك اذ القيت على الاشجار تقوي الشجرة وتكمل وتأتي باعلى ما يمكن في حقها من الثمرة وكذا اذا القي على الاحجار يظهر باكمل ما يستعد من الجواهر كالياقوت والالماس واللؤلؤ وساير الجواهر واذا القيت على الفلزات تنقلب ذهبا وهذه هي الحيوة الحقيقية صاحبة اللطيفة الزائدة تحيي بها ما يجاورها ويكمل ما يصاحبها ولما سأل ابراهيم عليه السلام ذلك استعلاما لاصل العمل وانه هو الخليل لانه قال له ان لي خليلا لو سألني احياء الموتى لاجبته فسأل ابرهيم ذلك وقال سبحانه تبيينا وتوضيحا للامر وان ابرهيم عليه السلام انما سأل ذلك للتعلم لا للاستخبار واستفهام انه تعالى يقدر على ذلك ام لا قال سبحانه اولم تؤمن تقريرا ليقول بلى كما قال لعيسى عليه السلام اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله حتى يقول سبحانك ليس لي ان اقول اه ولذا قال ابرهيم اظهارا لمراد الحق سبحانه بلى ولكن ليطمئن قلبي بالخلة وبالعلم ولم يطلب ذلك للاطمينان والثبات في الاعتقاد وحاشاه من ذلك لان الله سبحانه اراه ملكوت السموات والارض ليكون من الموقنين وانما طلب الاطمينان والثبات في العلم بكيفية احياء هذه الاموات فاجاب الله سبحانه دعوته فقال فخذ اربعة من الطير وهو الطاووس والديك والحمامة والغراب فالطاووس هو الماء الاحمر المسمى عندهم بالفتي الشرقي الذي من شأنه الامتزاج لحصول ما يشبه البرقا والصبغ الاحمر الذي هو مادة الكبريت الاحمر والديك هو الماء الاصفر الشرقي المستخرج بعد الابيض الغليظ والحمامة هي الابيض اشبه الاشياء بالزيبق بل ذلك زيبقهم وهو الطيار في قول امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) المتقدم : خذ الطيار والطلقا والغراب هو الثفل المطهر من ريشه وهو قولهم ازل ريش الغراب ليكون عقابا ويطلق عليه تراب بيت المقدس كما يطلق على الحمامة الطيار قبضة من ارض مصر كما يطلق على الطاووس قبضة من ارض فارس وقال صريع الدلاء في قصيدته :
واهل شيراز فلا يمكنهم ان يلبسوا في فصل تموز الفرا
فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وتعيها اذن واعية ثم قال سبحانه فصرهن اليك اي امزجهن واخلطهن وهو الربع الآخر من العمل وهذا المزج والخلط كما ذكرت لك على النظم الطبيعي وهذا هو الاعتدال الحقيقي وانما قلنا في الابيض الغربي يؤخذ منه جزءان فان الجزئين منه يعادل جزء واحدا من غيره فان الرطوبة يحتاج اليها اكثر ولكن بعد المزج يعادل تلك الاجزاء ثم بعد الخلط والمزج قال سبحانه وتعالى ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا والمراد بهذه الجبال التساقي فان تسعة منها مع السقي والخلط بالاجزاء وواحد منها يجعل في التعفين بلا خلط ولا سقي فاذا تمت هذه التساقي حييت الطيور التي هي العناصر وذهبت عنها الغرائب والاعراض والكثافات فحييت فهي فعالة فكل عنصر يفعل فعله من غير مزاحمة غيرها ولذا اذا القيت الاكسير على الزيبق يعدله ويجفف رطوباته ويجعله ذهبا صافيا فهنا كان الفعل لليبوسة دون الرطوبة فاذا القيته على النحاس يعدله ويرطبه الى ان يجعله ذهبا صافيا خالصا فهنا كان الفعل للرطوبة دون اليبوسة وهكذا باقي الفلزات يعمل في الاضداد ويعدله ويصلحه فحييت بذلك كل الطيور التي كانت ميتة وانما امر ابرهيم عليه السلام بذبحها لبيان ان معصية آدم عليه السلام كان سببا لموت تلك العناصر وعدم حياتها الا بتدبير مدبر وتقدير مقدر وذلك تقدير العزيز العليم وبالجملة فهذا الولد العزيز الكريم المسمى بعبد الكريم وعبد الواسع عند اصحاب هذا العلم وعبد الله عند الحقير الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف تتم صنعته بعد تمام اربعة ارباع للحلين والعقدين قال صاحب الشذور:
وحلين مع عقدين لا بد منهما وحلله واعقده واحلله واعقد
وامثال هذه الفصول لهذا الكتاب كثيرة ولو اردنا شرحها وبيانها لطال بنا الكلام ويخرجنا عما نحن فيه من المرام ولا تتوهم ان هذه الفصول علوم ومعان مستفادة من الالفاظ والعبارات المدونة في هذه العلوم المتعارفة المتداولة بين الناس من اصحاب المجادلة والموعظة الحسنة والحكمة في الوجه الاسفل وانما هي حقايق وذوات واصول وفروع كونية وذاتية مودعة في ذات الآفاق والانفس والمرشد الكامل والستر والحجاب الواصل انما هو جامع هذه الاصول والفصول ومميزها ومعربها وعارف كل فصل في مقامه وكل اصل في بابه بالمشاهدة العيانية والملاحظة العرفانية والمعاينة الربانية فهو الكتاب المعرب وما عداه المعجم لان الذي لا يقرء حروف نفسه وذاته فلا يعرف غيره واذا لم يكمل ذاته فلا يكمل غيره وكمال الذات بالعلم وقد قال سبحانه يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ولا يكون الباب بابا ولا الحجاب حجابا الا بمعرفة ذاته وقرائة حروف نفسه ومشاهدة العوالم العلوية والسفلية والغيبية والشهودية في ذاته ويعرف اسم نبينا ووصفه ومحله وموطنه وحكم الاولى والثانوي في ذاته وكذلك خلفائه واوليائه المضاهئين له المخلوقين من سنخ ذاته وكذلك الانبياء كلهم عليهم السلام وعددهم وعدد اوصيائهم وامنائهم وخلفائهم وكذلك مدة سلطانهم وشدة برهانهم واحكامهم عند وجود الرعية المطيعين المقبلين والرعية المدبرين المخالفين والمزج والخلط بين المقبلين والمدبرين وقلتهم وكثرتهم واحكام كل منهم في صفاتهم ومقتضياتهم وحدودهم واحوالهم كل ذلك مكتوب في لوح الحقيقة والكتاب الكوني الجامع المطابق للكتاب الشرعي الجامع المانع فالعارف الكامل هو الذي يقرأ كتابه ويفتح بابه ويعرف مفصوله وموصوله وما يؤل اليه اموره واذا ( فاذا خ ) عرف تلك الفصول والابواب في ذاته وصفاته وفعله وغيبه وشهوده واجزائه واعضائه وقشوره والبابه وشعره وبشره ونوره وظلمته ويمينه ويساره وكماله ونقصانه واوامره ونواهيه فهو اذن الكتاب وفصل الخطاب وعالم الكتاب فاتحد الكتاب والمكتوب والمحب والمحبوب والطالب والمطلوب وانما يقال له الكتاب لظهور كونه كتابا والا فكل شيء كتاب وانما سموا هؤلاء الاجلة لظهور تلك المعاني والفصول والفروع والاصول فيه ولذا قال تعالى والامر يومئذ لله والحكم يومئذ لله مع ان الامر والحكم لله سبحانه دائما وحيث ان في هذه الدنيا غشاوة على الابصار فلم يظهر ان الامر لله تعالى كمال الظهور ولذا انكرته الدهرية والزنادقة والثنوية والمانوية واليهود والنصارى والمجوس بانكارهم النبي المبعوث وساير الفرق بانكارهم خلفائه وامنائه والعصاة بتركهم طاعتهم والناظرين الى الاغيار بنظرهم اليها والمحجوبين بالتعين اذا قصر نظرهم اليه وحجب التعين عن مشاهدة التجلي وكل هذه جهات الانكار في كل مقام بحسبه واما يوم القيمة ويوم الطامة ويوم الدخول في لجة بحر الاحدية والسباحة في طمطام يم الوحدانية يرتفع الحجاب وينفتح الباب ويظهر الجناب ولم يبق لشيء ظهور ولا لشيء امر الا الله ( لله خ ) العزيز الوهاب فافهم بهذا معنى كونهم الكتاب مع ان كل شيء كتاب بصريح الخطاب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب
تحقيق وتبيين - كما ان باب المدينة له ظاهر وباطن باطنه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ولذا كان رحمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فكذلك باب الباب وجناب الجناب وحجاب الحجاب الذي هو المرشد الكامل والحجاب الواصل والستر الفاصل رحمة لطائفة ونقمة للآخرين فمن جعلهم في يمينه ( عينه خ ) اليمين جهة الخير والنور يعني اقتفي آثارهم ومشي على منوالهم وتأدب بآدابهم فقد جعل الكتاب في يمينه فاذا جعل الكتاب في يمينه وهو باب لباب مدينة العلم كان الباب عن يمينه فاذا دخل الباب دخل المدينة واذا دخل المدينة كان آمنا عن كل رسم ( نقص خ ) وزوال فحينئذ يعطي الذي يرجو غدا اي في الزمان الآتي لان الذي مضى فات والرجاء انما هو للآتي من الاوقات ولا يلزم ذلك ان يكون يوم القيمة بل في كل حالة في كل ساعة وفي كل وقت لان من دخل المدينة من بابها فهو آمن وينافي الامن طلب شيء لا يصل اليه في الحقيقة فاذا كان هذا الكتاب الذي هو باب الولي الذي هو باب النبي عن يمين شخص فتشمله عواطف الكتاب فيعطي جميع ما يريد ويؤمل في كل الحالات بخلاف ما اذا لم يجعل الكتاب عن يمينه ولم يكن ذاك بيمينه فهو مدبر لانه اتى البيت من ظهره والله سبحانه قال ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها وعدم الستر شر والشر اعراض عن المبدأ ( والاعراض عن المبدأ خ ) يوجب حرمان ما يرجو وما يؤمل نستجير بالله منه وهذا هو الذي جعل كتابه بشماله فالكتاب هو الذي ينال باقباله كل خير ويصل بادباره وجعله بشماله الى كل شر وهو قوله تعالى بصريحه وظاهره وليزيدن الذين كفروا ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا وقال تعالى في موضع آخر وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولما كان هذا الستر هو الكتاب وهو الباب وهو القرى الظاهرة اشار الناظم ايده الله بتأييده ووفقه بتوفيقه الى هذه الدقيقة بقوله سلمه الله تعالى من غدا بيمينه يعطي الذي يرجو غدا ويؤمل الى قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين فاذا جعلوا الكتاب عن يمينهم فهم سائرون آمنون في الليالي والايام واذا جعلوا الكتاب عن شمالهم فهم كما اخبر الله سبحانه قالوا ربنا باعد بين اسفارنا وظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق وهؤلاء اصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم
وصل - ولما ذكر الناظم ايده الله وسدده وافاض عليه من رحمته الواسعة ما امده ان هؤلاء الابدال من افاخم الرجال الذين هم الستر والحجاب هم المسمون بالكتاب اراد ان يبين دقيقة شريفة ولطيفة منيفة ودقيقة انيقة من السر الذي ظهر من قوله تعالى قد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم وقوله تعالى انما انا بشر مثلكم يوحي الى وقوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون فقال اثباتا لتلك الحقيقة وتبيانا لتلك الدقيقة :
هذا الزبور وذلك التورية والانجيل بل هذا القران المنزل
اقول : من المعلوم الظاهر ان الادوات انما تحد انفسها والآلات تشير الى نظائرها فاذا كان كذلك فالكتب النازلة عن الله سبحانه على كل نبي من الانبياء المرسلين يجب ان يكون على لسان قومه يعني على متفاهمهم بحيث اذا اقتضت المصلحة وصلحت الرعية وصفت عن كل دنس ودنية وخلصت عن جميع الشكوك والريبة ونظرت بعين الله الى البرية وظهر ( لها نسخة ١٣٠٥ م ) سر دليل الحكمة وانكشفت لها الاسرار الالهية ووصلت الى سر النقطة وصارت كما اخبر الله سبحانه في الاحاديث القدسية كنحو ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سئلني اعطيته وان سكت عني ابتدأته وقد يظهر سر هذا المعنى في جميع الرعية وهذا ما اظن ان يكون في هذه الدنيا عامة في جميع الرعية الا الخارجين عن نوع هذه الدنيا الدنية مثل اهل جابلسا وجابلقا والتسع والثلثون عالما التي هي وراء جبل قاف واهل جبل قاف وامثالهم واما اهل هذه الدنيا التي نزل اليها آدم عليه السلام فمن جهة كدورة المعصية التي خرجت بها آدم من الجنة ونودي هو والذين معه اهبطوا منها جميعا فهبط واغبرت آفاق الدنيا بكدورة تلك المعصية الى ان قال آدم عليه السلام لما نظر اليها :
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الارض مغبر قبيح
ثم بقتل قابيل هابيل كثر ذلك الغبار وتواتر الدخان المثار بمعصية العزيز الجبار فلم تزل المعاصي متواترة والكدورات متوالية الى ان تمرضت القلوب من تواتر الصدمات وضاقت الصدور من تواتر الابالسة والشياطين التي جذبت وجلبت اليها لكثرة المعاصي والسيئات وضعف الدماغ والقوي الحالة فيه عن مدافعة تلك الواردات من الامور المقطعات والكباير المكدرات والصغاير المفجعات فلم تزل امراض القلوب متكاثرة وآلام الصدور متوافرة والقوي ضعيفة والاعضاء نحيفة والاعداء غالبة والاحباء خائفة فكيف يرجي الخلاص ويتحقق المناص والامر دائما في ازدياد والكدورة متواردة ما لها من نفاد فيا لها من امراض قد ازمنت واعراض قد تمكنت وكدورات استقرت فما الحيلة لهذه القلوب المريضة والصدور الضيقة والاجنحة المكسورة واني لها مع هذه الحالة الصعود الى مدارج القدس والعروج الى معارج الانس الا قليلا من الناس ممن شملتهم العناية الالهية وخصتهم العواطف الربانية وعمتهم الالطاف السبحانية واتتهم نفحة من نفحات الكرامة وجذبة من جذبات العناية فقربت لهم البعيد وسهلت عليهم العسير الشديد والحقتهم بعباد الله من اهل تلك العوالم الذين هم بالبدار اليهم يسارعون وباب الله على الدوام يطرقون واياه في الليل والنهار يعبدون وهم من خشيته مشفقون الذين صفيت لهم المشارب وبلغوا مواهب الرغائب وانجحت لهم المطالب وقضيت لهم المآرب وملئت ضمائرهم من حب الله ورووا من صافي شراب محبة الله فبه الى لذيذ مناجاته وصلوا ومنه اعلى مقاصدهم حصلوا فقد انقطعت اليه همتهم وانصرفت نحوه رغبتهم فالله لا غيره مرادهم وله لا لسواه سهرهم وسهارهم ولقاؤه قرة اعينهم فوصله من انفسهم والى الله شوقهم وفي محبته ولههم والى هواه صبابتهم ورضاه بغيتهم ورؤيته حاجتهم وجواره طلبتهم وقربه غاية مسئلتهم وفي مناجاته روحهم وراحتهم وعنده دواء علتهم وشفاء غلتهم وبرد لوعتهم وكشف كربتهم فهو سبحانه انيسهم في وحشتهم وصاحبهم في وحدتهم ومجيب دعوتهم وولي عصمتهم ومغني فاقتهم ولا يريدون سواه ولا يطلبون ما عداه فالله نعيمهم وجنتهم وهو دنياهم وآخرتهم وحالهم كما قال الشاعر:
كانت لقلبي اهواء مشتتة فاستجمعت مذ رأتك العين اهوائي
فصار يحسدني من كنت احسده وصرت مولي الورى مذ صرت مولائي
تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذكرك يا ديني ودنيائي
كما قال الشاعر :
وليتك تحلو والحيوة مريرة وليتك ترضى والانام غضاب
اذا صح منك الود يا غاية المنى فكل الذي فوق التراب تراب
فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
فهؤلاء الانجاب الاطياب والعلماء من اولي الالباب وصلوا الى مقام انحطت دونه المقامات فانكشفت لهم العوالم البرزخية حتى دخلوا الجنتين المدهامتين وشربوا من العينين النضاختين واتصلوا بالابرار الاخيار المصطفين ثم صعدوا الى ان شربوا من عين الكافور وبلغوا مقام الغبطة والحبور ثم صعدوا الى ان اكلوا من كبد الحوت ثم اكلوا من كبد الثور فاستأهلوا للبقاء ابد الآبدين وتأهلوا لاستمرار الافاضة بلا انقطاع دهر الداهرين ثم صعدوا وشربوا من عين السلسبيل التي مزاجها زنجبيل فنالوا بذلك الفضل الجليل والكرم النبيل مقاما لا يزاحمهم جبرئيل ولا ميكائيل ثم صعدوا الى ان وصلوا مقام الكثيب الاحمر فاستشرقوا واستناروا بالنور الازهر ثم صعدوا الى الرفرف الاخضر خضرة الحجاب الاكبر فشملتهم الانوار وظهرت لهم خفيات الاسرار من صور الملأ الاعلى التي قال فيها امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله واظهر عنها افعاله ثم صعدوا حتى دخلوا ارض الزعفران وظهرت لهم انواع البيان من الذي قال سبحانه خلق الانسان علمه البيان وذلك من سر المعاني والبيان ويظهر ذلك من قوله تعالى كل يوم هو في شأن وقد قال النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم شؤن يبديها لا يبتديها يعرفها من كان له قلب وعينان ثم صعدوا الى ان بلغوا مقام الاعراف فشملتهم الالطاف ونالوا بذلك صحبة الاشراف من قوله تعالى فادخلي في عبادي وقول امير المؤمنين روحي له الفداء خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوايل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد وهؤلاء هم الاشراف ثم صعدوا الى ان شربوا من الشراب الطهور فطهروا عن الغيور ودخلوا في مقام الرضوان وسلبوا عنهم مقتضي الاكوان والاعيان وسبحوا في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية وغرقوا بماء الرحمة وحرقوا بنار المحبة وصعدوا الى اعلى ذروة الشجرة وهي شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين والدهن هو الزيت الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار والنار من الشجرة لقوله تعالى هو الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فما ادري ما اقول وما عسى ان اقول فالشجرة من النار والنار من الشجرة والدهن من النار والنار من الدهن والكل من الكل والبعض من البعض والبعض من الكل والكل من البعض
مسئلة الدور جرت بيني وبين من احب
لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لم اشب
فلنقبض العنان فللحيطان آذان واني لي بالكلام في مثل هذا الزمان الذي كميت الجهل مخلوع العنان ومطي العقل معقول اللسان والمشتكي الى الله ومن العجب انهم لا يرضون بالسكوت ولا يقنعون بالبيان لا لامر الله يعقلون ولا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر والحمد لله على كل حال في المبدأ والمآل فهؤلاء الابرار الاخيار حملة الاسرار اذا القي عليهم الكتاب المنزل يجب ان يعرفوه بحقيقة الظاهر وظاهر الظاهر وظاهر ظاهر الظاهر وهكذا الى ان يرتقي الى السبعة او الى السبعين وبحقيقة الباطن وباطن الباطن وباطن باطن الباطن وباطن باطن باطن الباطن وهكذا الى ان يرتقي الى السبعة او السبعين والتأويل وتأويل التأويل وتأويل تأويل التأويل وتأويل تأويل تأويل التأويل وباطن التأويل وباطن باطن التأويل وباطن باطن باطن التأويل وهكذا الى السبعة او الى السبعين ويعرف هذه الوجوه في السلسلتين الطولية والعرضية ويعرفوه بلحن الخطاب وبلحن المقال ودليل التنبيه ودليل الخطاب وفهوي ( فحوي نسخة ١٣٠٥ م ) الخطاب ودلالة الاقتضاء وبالتحمل عن الغير ومن باب اياك اعني واسمعي يا جارة وبالمثال وبالسؤال وبالجواب وبعدم الجواب وبالسكوت والاهمال وبنحو اداء المقال وبذكر الماضي وهو يريد الاستقبال وبذكر المستقبل وارادة ماضي الاحوال وبذكر الجمع وارادة المفرد وبذكر المفرد وارادة الجمع وبذكر المؤنث وارادة المذكر وبذكر المذكر وارادة المؤنث وبذكر المطلق وارادة المقيد وبذكر المقيد وارادة المطلق وبذكر السافل وارادة العالي وبذكر العالي وارادة السافل وذكر الكنايات والاستعارات والتشبيهات والطبايع والغرايز والمزاجات وذكر حروف الصفات واكثار حروف الطبايع في كلمة ( وخ ) تقليلها او عكس المراد منها كالماء فان حروفه نارية ومعناها بارد رطب وبتأنيث لفظ ومعناه مذكر كالشمس وبتذكير لفظ ومعناه مؤنث كالقمر والليل وباكثار حروف القلقلة والاطباق والتفشي والاستعلاء والاستفلاء والشفوي وحروف الوسط وحروف الحلق في كلمة وتقليلها في اخرى وتوسطها في اخرى وكالحروف النورانية في وجود ظلماني وكالحروف الظلمانية في وجود النوراني والحروف الليلية في وجود النهاري والنهارية في وجود الليلي وحروف نفي في مقام الاثبات وحروف اثبات في مقام النفي وحروف ظاهر في مقام الباطن وحروف باطن في وجود ظاهري وترتيب نظم على القواعد اللفظية الادبية على مقتضى القواعد النحوية والصرفية واختلال ذلك التركيب والاتيان بكلمات شاذة عند اهل لسان للاشارة الى غامض البيان والاتيان بالفاظ توهم الزيادة حتى ينصوا انها زائدة والاتيان بحروف محذوفة والاتيان بعبارات يوجب عدم مطابقة الجواب للسؤال والاتيان باجوبة يوهم اختلال الجواب مثل قوله تعالى قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل فاني تسحرون مقتضي الجواب الصواب ان يقول سيقولون الله و( في خ ) هذا التعبير والعدول عما يقتضي القول به ظاهرا اشارات ما اعظمها ولطائف ما ادقها واخفاها وتلويحات ما اسناها وابهاها ولكن اللسان كليل والقلب للبيان عليل والمطلب جليل والطالب قليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فلنقتصر بما ذكرناه فانه قليل من كثير ونبذ يسير وكلام قصير فلنرجع الى المطلب ونقول ان هؤلاء الابرار الاطهار حملة الاسرار ومهابط الانوار الذين جاسوا خلال تلك الديار وعرفوا الكتاب المنزل بتلك الاطوار في جميع الاكوار والادوار فحصل لهم جميع معانيه في جميع اطوار الليل والنهار وقد عرفت منا بواضح البرهان وساطع البيان ان الشيء ما يعرف الا حروف ذاته ولا يقرأ الا حروف نفسه ولا يعلم الا ما في كينونته فلا يعرف جميع مدلولات القرآن الا بعد ما فيه تلك المعاني بذلك البيان قلنا ان الكتاب تكويني وتدويني والكتاب التدويني هو القرآن والكتاب التكويني انت ايها الانسان وهما متطابقان متوافقان مختلفان متحدان فنحو الكتابة مختلف ونحو البيان متحد كما اذا كان شيء واحد قد كتب بخطوط مختلفة كالخطوط ( كالخط خ ) الكوفي والسرياني واليوناني والقلم الريحاني وقلم اهل الهندسة والقلم الشجر وبلغات مختلفة كالعربية والتركية والفارسية والهندية والزنجية والحبشية وغيرها من اطوار اللغة والمعنى واحد والحكم متحد غير متعدد
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فحينئذ فافراد الانسان وان كانت كتابا الا ان النقباء والنجباء الابرار على ما وصفتهم لك في هذه الاسطر كتاب عربي فصلت آياته من لدن حكيم خبير وكل واحد منهم كتاب وكل واحد منهم قرآن كتب في نسخ متعددة فالقرآن الظاهر قد يكون الف الف قرآن في بلدة واحدة والكل على نسخة واحدة الا ان هؤلاء كتاب ناطق والقرآن كتاب صامت فاذا كان كل منهم هو ( هم خ ) القرآن فبالطريق الاولى ان يكونوا هم التورية والانجيل والزبور اما الزبور الذي انزل على داود عليه السلام فليس كتاب فيه تأسيس شريعة مستقلة ناسخة لما قبلها قانونا وناموسا بعدها وانما الكتاب التأسيسي هو التورية والانجيل وصحف ابرهيم وصحف نوح وصحف آدم وقرآن محمد صلى الله عليه وآله وعليهم واما باقي كتب الانبياء غير هذه الكتب فانما هو تفصيل مجمل وتبيين مبهم وذكر قصة واخبار عجيبة ومواعظ بليغة ونصايح في القلوب مؤثرة واخبار عما مضى وعما يأتي وشرح مقال وتفصيل احوال وبيان مطلب وكشف معضل وامثال ذلك من الامور فالزبور من تلك الكتب وكلها مواعظ ونصايح وفيه اخبار عما يأتي كما في قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض لله يرثها عبادي الصالحون وان كان يجوز ان يكون الزبور هنا فعول بمعنى المفعول اي المزبور في اللوح المحفوظ من بعد الذكر اي من بعد محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وهو الذكر كما في قوله تعالى قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله فاول ما كتب في اللوح بعد الشهادة بالله هو محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وقد روي عن امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان الله سبحانه اول ما خلق القلم ثم خلق اللوح ثم قال للقلم اكتب قال وما اكتب قال اكتب لا اله الا الله محمد رسول الله فلما سمع القلم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وسلم انشق من حلاوة اسمه الحديث فاول ما زبر في اللوح محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ثم ذكر السلاطين والرؤساء الذين يملكون ارض الولاية وارض الاكوان من اصحاب التعين الاول وهم العباد الصالحون لانهم اول التعين واول التجلي واول الاشراق واما ما سواهم فكلهم تعين التعين واشراق الاشراق وتجلي التجلي وظهور الظهور فكلهم توابع ولواحق لنور صبح الازل والتعين الاول والغيب الثاني والازل الثاني وبالجملة فالكتب المنزلة فقد روي انها مائة واربعة عشر او ثلثة عشر كلها توابع للصحف والكتب التي نزلت على اولي الشرايع المؤسسة وهم آدم ونوح وابرهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وعليهم وسلم وحيث بينا بالدليل القاطع ان الخاتم هو الفاتح ودل الدليل مع نص القرآن ان محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو خاتم النبيين فيكون هو فاتحهم فهو الاصل والاس والاسطقس وما عداه توابع ولواحق والقرآن هو الكتاب المنزل عليه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فكما انه اصل للانبياء كذلك كتابه اصل لجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء كافة فالتورية والانجيل وصحف ابرهيم وصحف نوح وصحف آدم كلها فروع تفرعت من القرآن فالقرآن اصل لجميع الكتب ونسبة الفرع الى الاصل نسبة الواحد الى السبعين بل الى ما لا نهاية له فلله در الناظم من مبين ما اتقنه ومن محقق ما اعظمه وباق على الفطرة المستقيمة والطوية القويمة حيث لما بين ان الستر والحجاب رجال لان الحجاب هو الواسطة بين الاعلى والاسفل ثم وصفهم مرة بالرواق ومرة اخرى بالكتاب ثم ( بين خ ) انك لا تتوهم انهم كتب من الكتب الجزئية والصحف الغير الكلية بل انهم كتب سماوية ونواميس الهية قد ملأها الله علما وحكمة ونورا ومعرفة بل هم الكتب السماوية الناطقة بل هم الزبور والتورية والانجيل تكوينيون كما ان هذه الكتب تدوينية تشريعية فكل واحد على طبق الآخر ثم اخذ في الذكر تدريجا وقدم الزبور لانه تابع وفرع من الكتب المؤسسة ثم ترقى ونسبهم الى الكتب المؤسسة فذكر التورية والانجيل فبالزبور اشار الى جميع الكتب الغير المؤسسة من الكتب السماوية وخصها بالزبور للاشارة الى انها كتب مزبورة انزلها الله سبحانه على انبيائه وهذا وان كان يشمل الكتب المؤسسة الا انه سلمه الله وابقاه ووفقه لرضاه ذكرها تنويها بها وتعظيما لها وفرقا بين مؤسسها وغير مؤسسها والتورية والانجيل لا اختصاص لهما ( بهما خ ) بل ذكرهما اشارة الى باقي الكتب المؤسسة من صحف ابرهيم وصحف نوح وآدم عليه السلام والدليل على ذلك ذكر القرآن بعده اذ لا تخلو تلك الكتب اما ان تكون اعلى من القرآن او تكون انزل او مساويا اما الاعلى والمساوي فقد قام البرهان على بطلانهما مع انه اجماع بين المسلمين واما الانزل فلا يعقل ان يكون الشيء جامعا للاعلي وفاقدا للانزل وذلك لا يتفوه به عاقل فضلا عن العالم الفاضل فثبت بالبرهان ان مراده اشاد الله شأنه بالتورية والانجيل جميع الكتب المؤسسة وبالزبور جميع الكتب التابعة الغير المؤسسة ثم ترتقي ( ترقى نسخة ١٣٠٥ م ) اطال الله بقاه في رضاه ونظر الى البرهان السابق المسدد المؤيد بنور الله فقال ان ذلك الكتاب المذكور في البيت الذي قبله هو القرآن المنزل بعلم الله وقد قال سبحانه فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو والمراد بهذا العلم هو العلم الذي علمه نبيه لا العلم الذي استأثره في علم الغيب عنده وهذا العلم الذي علمه نبيه صلى الله عليه وآله هو مما شاء تكوينه كما قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء اي شاء تكوينه لان الذي لم يكونه فهو الغيب ( الذي خ ) لا يعلمه سواه قل لا يعلم الغيب الا الله واما الذي شاء كونه وعينه وقدره وقضاه وامضاه من اطوار الموجودات واحوال الغيوب والشهادات والمجملات والمفصلات والمبهمات والمبينات والارضين والسموات والعلويات والسفليات والمجردات والماديات والجلائل والمحقرات وغيرها من الاكوار والادوار والاطوار والاوطار وما يحدث بالليل والنهار من الاطوار الغيبية كل ذلك على اكمل بيان واكمل تفصيل قد اودعها في القرآن ثم ابان عن ذلك بقوله تعالى ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وقال تعالى وكل شيء احصيناه كتابا وقال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقال تعالى وفيه تفصيل كل شيء وقال تعالى وفيه تبيان كل شيء وامثالها من الآيات الدالة على ما ذكرنا والشارحة لما بينا والمعلنة لما افصحنا وقد قال امير المؤمنين عليه التحية والثناء ان كلما في العالم في القرآن وكلما في القرآن في الحمد فاتحة الكتاب الخ فاذا عرفت هذا القدر من الكلام وظهر لك هذا المقدار من المرام فاعلم ان الانسان هو نسخة جامعة لجميع ما في الامكان والاكوان والاعيان وقال امير المؤمنين عليه السلام كما تقدم :
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وقد تقدم الحديث المروي عنه عليه التحية والثناء الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهد على كل غائب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار فاذا كان الانسان هو المختصر من اللوح المحفوظ واللوح المحفوظ فيه كل ما كان وما يكون والمراد من الاختصار ليس ( اختصار خ ) اسقاط وحذف بل اختصار انطواء واندماج مثلا في العالم الكبير العرش بتلك السعة والعظم ( العظمة خ ) والكرسي كذلك واما في الانسان فالعرش قلبه والكرسي صدره انظر التفاوت بينهما والاختصار بهذا المعنى والا فكل شيء في العالم اي ما سوى الله فهو في الانسان موجود في كل بحسبه والصدق حقيقة دون المجاز فالانسان جامع لكل ما في العالم والقرآن جامع لكل ما في العالم فاذن الانسان والقرآن كتابان مقرونان متفقان في عين الاتفاق مختلفان متحدان وفي عين الاتحاد متغايران احدهما تكويني والآخر تدويني وكل منهما منبئ عن صاحبه لا يفترقان حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آله خ ) الحوض وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو الوجود عند سلب القيود وهو التعين الاول والماء الاول وبحر المزن والصاد واول المداد به قد قام الاستعداد وعنده تحقق الفؤاد وهو باب المراد ومنه البدء واليه المعاد فهناك مقام الجمع ومقام جمع الجمع وبعده مقام الفرق فاوله اتصال وآخره انفصال واوسطه ادبار واقبال فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال فالقرآن المنزل على نبيه المرسل قرآنان قرآن تكويني وهو افراد الانسان بالقوة والمؤمنون الكاملون والعارفون الواصلون والاولياء المقربون والخلفاء الراشدون باب الباب والوجه والحجاب هم الكتاب وفصل الخطاب او هم الكتب لانهم الحجب وهو الوساطة بالفعل فهم اي كل منهم القرآن المنزل على النبي المرسل عليه وعلى خلفائه صلوات الله في الآخر والاول
تحقيق سماوي - اعلم ان القرآن ربما يطلق ويراد به هذا الكتاب الموجود بين الدفتين الذي تحدي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) العرب بل كل شيء مما كان او يكون كما اخبر عنه في الذكر الحكيم والنبأ العظيم بقوله واذ لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اتى بلن لنفي الابد وكذلك الفرقان ربما يطلق ويراد به هذا المعنى كالكتاب واذا اجتمعت الثلاثة اي القرآن والفرقان والكتاب يجب الفرق بينها فحينئذ يراد بالقرآن مقام الجمع والاجمال في مدلولات هذا المقال فهو سر سار في كل هذه الاحوال بل في كل كلمة من الحروف والاسماء والافعال لان كل كلمة منه جامعة لكل ما فيه في المثال وقد قال مولينا وسيدنا الباقر المفضال عليه آلاف التحية من الله الملك المتعال لو شئت استخرجت جميع ما يحتاج اليه الخلق من الشرايع والعلوم من لفظ الصمد وهو كذلك ولا اختصاص له بالصمد بل كل كلمة بل كل لفظ منه منفرد لان مولينا الصادق عليه آلاف التحية من الله الولي الخالق قال ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع وفسر الاجرد بان كل كلمة منقطعة تامة المراد اذا كانت ملحوظة في نفسها من غير ملاحظة ارتباطها بالاخرى فاذا كان هكذا حكم كلام المخلوق فكلام الخالق اجل واعلى لا سيما اذا كان معجزا مقرونا بالتحدي
الهام غيبي - ولقد كنت قبل ذلك في حال سلوكي وسيري يتفق في بعض الصلوة اذا اردت قرائة القرآن من السور الطوال كسورة الاعراف وسورة يوسف وسورة بني اسرائيل وسورة القصص وامثالها وكان يأتيني الخاطر بان هذه السور مع اشتمالها على جوامع مقامات الفرق من انحاء الحكايات والقصص والامثال والاحكام والمواعظ وامثالها مما يقتضيه مقام التعين ومقام الحدود المعبر عنها بمقام الفرق فكيف يجتمع ملاحظتها وقرائتها في الصلوة التي هي مقام الوصال ورتبة الاتصال ومعراج المؤمن والوصول الى الموطن وحصول الجمع بل ثبوت جمع الجمع وكنت اقتصر على قرائة سورة التوحيد وامثالها مما يدل على نوع من التفريد والتجريد وكنت اقتصر في لا ( في الاذكار بلا خ ) اله الا الله وكنت متفكرا متحيرا ومتأملا في ان ظاهر الشريعة على طبق باطنها وصورتها على طبق معناها ومارخصنا الشارع المقدس في قرائة هذه السور الطوال في الصلوة التي تؤل الى الاجمال والى التوحيد والوصال الا لانها ترجع الى الوحدة في المآل فاتاني النداء من جانب قلبي الاعلى الذي هو وادي طور سيناء من شجرة نار المحبة وحرارة المودة التي توقد في الافئدة بان الكثرة مآلها الوحدة وان القصص مآلها الى الوحدة وان كانت في المجالي المتعددة أما سمعت الله سبحانه يقول لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب والاعتبار مشاهدة الواحد وازالة الاغيار وهو واحد يرى في مظاهر متعددة طورا بالعظمة وطورا بالجلال ( وطورا بالجمال خ ) وطورا بالعزة وطورا بالمنعة وطورا بالجذب وطورا بالدفع وطورا بالقهر وطورا بالنهر ( بالمن خ ) وطورا بالاجمال وطورا بالتفصيل وهو واحد يرى في حقير وجليل وخطير ويسير
فما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فيا ايها الغافل المبتلي بملاحظة الحدود والذاهل عن مقامات الشهود المقيد بوثايق القيود الى م نظرك الى الاغيار وحتيم سقط عنك الاعتبار امانظرت الى كلام سيد الشهداء والابرار في مناجاته مع العزيز الجبار ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا تعرفت الى في كل شيء حتى لا اجهلك في شيء فانت الظاهر لكل شيء بكل شيء فهناك صحي لي المعلوم ومحي عني الموهوم وغلب لي السر بهتك الستر وشاهدت نور التوحيد وعالم التفريد والتجريد ومقامات القدس في جميع المجالي والمرايا والحدود وان كثرت والتعينات وان غلبت فنور التوحيد اجلي واظهر والتعينات والكثرات مضمحلة داثرة كما قال سيد الساجدين عليه آلاف التحية والثناء في الدعاء وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم الدعاء فتبين لي سر القرآن في جملة الفرقان وبقيت اقرأ في الصلوة من السور اطولها ومن الآيات افضلها ( افصلها نسخة ع ٤٠ ب ) ومن القصص اكثرها كل ذلك لا يشغلني عن مقتضي الصلوة ومبني كينونتها من العروج الى سر التوحيد وحقيقة التجريد والحمد لله الحميد المجيد وهذا الذي ذكرنا لك اعلى مقامات القرآن من البيان الذي علم الانسان وعلم القرآن عند مقابلته مع الفرقان والوجه الثاني ان القرآن ما اجتمع فيه الفرقان والآيات المفصلة منضمة مقرونة كفاتحة الكتاب وكالبسملة والباء والنقطة التي منها الابتداء واليها الانتهاء وهو قول امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان كل ما في الكتب المنزلة في القرآن وكل ما في القرآن في الحمد وكل ما في الحمد في البسملة وكل ما في البسملة في الباء وكل ما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء فالفاتحة بما اشتملت عليه من البسملة والباء والنقطة قرآن وما عداها فرقان واليه الاشارة بقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ففاتحة الكتاب سبعة تثني في كل صلوة والقرآن العظيم عطف تفسير للسبع المثاني اذ لا جايز ان لا يكون السبع المثاني من القرآن عند فرض دلالة العطف على المغايرة ولا جايز ان يكون من الفرقان فوجب ان يكون هو القرآن والقول بان السبع المثاني خارج عن القرآن وانما هي حقيقة متأصلة لا يقول به الاكثرون فالقرآن اعلى مراتبه ومقاماته في هذا الوجه الثاني هو النقطة وثاني مراتبه الباء وثالث مراتبه البسملة ورابع مراتبه الفاتحة وخامس مراتبه اوائل السور من الحروف المقطعة وسادس مراتبه جوامع الآيات المشتملة بجوامع العلوم مثل قوله تعالى يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه وهو لعمري بيان رائق وخطاب فائق مشتمل على جوامع العلوم وحقايق الرسوم فافهم راشدا واشرب صافيا هنيئا مريئا واما الفرقان فملاحظة الحدود ومشاهدة القيود وظهور النور في اطوار التعينات وخلال النسب والاضافات واحكام القرانات ففصل الامر الجامع تفصيل الحدود المشخصات وبذلك جاء الفرق وظهر انا وانت في تلو الآيات قال تعالى يا موسى اني انا الله رب العالمين وان الق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولي مدبرا ولم يعقب يا موسى اقبل ولا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء الآيات وجاء موسى وقال الحق اني انا الله وظهرت العصا وانقلبت ثعبانا وجاء الخوف وانهزم موسى ولم يعقب فاتاه الامان وظهرت اليد البيضاء وشاركه اخوه وارسلا الى فرعون وملأه ( واين هذه الامور في النقطة ثم في البسملة او في الفاتحة اين موسى خ ) واين عصاه واين الصور المختلفة من انحاء التقلبات واين الخوف واين الامان واين فرعون واين هامان اين الكل من الكل واين البعض من البعض واين البعض من الكل واين الكل من البعض وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا اولا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وبالجملة فالاحوالات التفصيلية في المقامات الظاهرة التي تولد منها القصص والحكايات والامثال والآيات البينات والدلائل الظاهرات والحكم الواضحات والانوار المضيئات كلها فرقان وهو الذي اوتي داود قال تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب وهذا هو الفرقان من البيان الذي علم الانسان واعلم بما ذكرنا احكام الفرقان في جميع الاكوان والاعيان والازمان مما استجن في جبلات الانسان الجارية ( الحاوية خ ) لما في الامكان والكون والمكان واما الكتاب فهو السطور والكلمات والحروف والآيات وهو قوله تعالى كتاب مسطور في رق منشور وهو جامع التفاصيل في الحكم الاولى وحامل التغيير والتبديل في الحكم الثانوي فكل جامع مفصل كتاب وهذا غالب استعمالاته والا فقد يطلق الكتاب ويراد به الجامع للاجمال لكنه قليل الاستعمال واما في الغالب فالكتاب انما هو لتفصيل الآيات قال تعالى كتاب فصلت آياته واقرأ لك آية من القرآن تفهم من ذلك البيان من غير تصريح باللسان وانما هو شيء مخزون في الجنان وليس للصدر اليه طريق ولا القوي الدماغية له رفيق وهو من مستجنات الفؤاد على حسب الاستعداد قال تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون
ترشيح فيه توضيح - ربما يخطر ببعض الخواطر الجامدة ويتراءي لبعض الابصار المرمدة ان ما ذكره امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان كل ما في القرآن في الحمد اما في الامور الغيبية المعنوية فلا يحيط بها علمنا ولا يسعها ادراكنا ولا مجال لنا الا التسليم لان الحق يدور معه حيث ما دار واما الحروف الملفوظة والنقوش المحسوسة فان القرآن فيه ثمانية وعشرين حرفا والموجود في الحمد بعد حذف المكرر واحد وعشرون اين السبعة الباقية وما معنى اشتمال الفاتحة على كل ما في القرآن لانه ما يقول الا حقا ولا ينطق الا صدقا وباب مدينة العلم والذكر العظيم وعلى حكيم وبيان ذلك بالاشارة الاجمالية ان المراد بموجودية كل ما في القرآن فيها مذكوريتها فيه لا وجود الاعيان التفصيلية اذ لا فخر فيها ولا شرف وانما الفخر في الاجمال الجامع والبيان الواقع والنور الساطع وبيان هذا البيان ان الحروف الثمانية والعشرين على اربعة اقسام قسم منها بازاء لا اله الا الله وهي سبعة احرف وقسم ثان بازاء محمد رسول الله وهي ايضا سبعة وقسم ثالث منها بازاء الولي المطلق الباطن والاولياء والخلفاء وقسم رابع منها بازاء اعداء الله واعداء الاولياء ولما كانت الاعداء يجب ان يترك وينسى كما انهم نسوا الله فحيث انهم نسوا الله فنسيهم الله يعني تركهم وذكرهم بالكناية ولم يذكرهم بالصراحة لان الكناية ابلغ من التصريح لان ذكر الاحباء يستلزم ذكر الاعداء فتلك السبعة مذكورة ولو بالكناية من غير تصريح ولذا قال تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وكذلك البسملة فانها من حيث اللفظ ثمانية عشر حرفا فيستنطق منها اسم الحي ومن حيث المكتوب تسعة عشر يستنطق منها الواحد الذي هو مبدأ الاشياء ومحققها ومذوتها وهو القيوم وهم ( هو خ هما نسخة ١٣٠٥ م ) الاسم الاعظم كما ورد عن اهل البيت عليهم السلام وهذا غير الاسم الاعظم الذي البسملة اقرب اليه من بياض العين الى سوادها فاذا حسبت الغير المكتوب من الملفوظ مع المكتوب يكون واحدا وعشرين وذلك يطابق عدد الفاتحة والسبعة المنسية تذكر بالكناية التي هي ابلغ من التصريح واما الباء فهي الالف المبسوطة مقام النفس الكلية واللوح المحفوظ من الزمردة الخضراء المكتوب فيها ما كان وما يكون الى يوم القيمة وما بعدها الى ما لا نهاية له واما النقطة فهي سر الاسرار ونور الانوار نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار قد تحركت فحصلت من حركتها الالف اللينية وانعطفت اي اللينية فكانت عنها الحروف الثمانية والعشرين والالف اللينية ابوها واصلها واسها واسطقسها وهيولائها ( هيولاتها خ )
تحقيق فيه تدقيق - اعلم ان علماء الاسرار مهابط الانوار عليهم من الله الكرامة والعناية ما دام الليل والنهار قد ذكروا في وجه اشتمال الفاتحة على جميع المعاني القرآنية وجميع المراتب الكونية والامكانية ان الوجود يدور على حق مطلق وخلق مطلق وواسطة بينها ( بينهما خ ) ورابطة بين الحق والخلق فالحق المطلق هو الظاهر بالاسماء الخمسة في قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والرابطة قوله اياك نعبد واياك نستعين والخلق المطلق من قوله اهدنا الصراط المستقيم الى ولا الضالين وهذا الكلام وان كان صحيحا في الجملة ولكن لا يفتح منه الف باب فاين اذا الحمد ولم كررت الواسطة ولما انحصرت الاسماء في الخمسة ولم لم تزدد ولم تنقص ولنا في هذا المقام بحث شريف وكلام لطيف لا اقبال لي بذكره ولا توجه لي لنشره لضعف القوي وعدم نشاط الاعضاء وعدم استقرار القلب بما يرد عليه من الضراء وجهات الكثرة ودعوى الانية هل من معين فاطيل معه العويل والبكاء وهل من جزوع فاساعد جزعه اذا خلي هل قذيت عين فتسعدها عيني على القذاء وهل الى مأوى الراحة والسرور ومقام النور والحبور وعرصة الغبطة والسرور حظيرة القدس ومأوى الانس والوطن المألوف والمسكن المعروف سبيل فتلقي آه آه قد بعدنا عن تلك الوادي وحرمنا استماع صوت المنادي والوصول الى البيت المطهر للعاكف والباد فبالجملة فلا بأس بالاشارة الى بعض ما ورد على قلبي من الواردات الغيبية والالهامات السرمدية ولا تتعجب انت ايها الناظر من هذا الكلام واشباهه فان الله تعالى يقول الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ونحن الحمد لله قد قلنا ربنا الله واستقمنا على ولاية اولياء الله بمشاهدة الانوار ومطالعة الاسرار في متعلقات ولاية ( الولاية خ ) الظاهرة في المكونات فنقول ان الحمد هو المتولد من البسملة لان المكتوب منها كما ذكرنا حروفها تسعة عشر واستنطاقها واحد والواحد حرفه الالف والالف تكرارها الباء والباء اذا تكررت تولدت عنها الدال وهي تمام الاركان وشجرة تمت لها الاغصان فصارت اصلا في مقام الوجود والظهور وموقعا لذلك النجم المشرق بالنور وعند تكرار الدال تولدت عنها الحاء وتكرار الحاء خمس مرات تولدت منها الميم فالميم هو الرتبة الجامعة وتمام تخمير طينة آدم الاول بيد الله اربعين يوما فلتلك الجامعية توسطت وصارت اصلا والحاء حيث كان اقرب الحرفين الى الميم واظهر لكونها مهبطا للانوار تقدمت والدال هي السر الخفي والنور المخفي تأخرت لان مقتضي هذا المقام مقام الظهور فالحمد اول حقيقة تولدت من الاسم في مقام التفسير الاجمالي فاقتضي ان يكون بعد البسملة واذا نطقت بالاصل الواصل الذي هو الالف التي تولد منها الحمد وجعلتها في مبدأ الحمد ظهر احمد فاحمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو الجامع للاسماء الكلية والجزئية والاضافية والقدسية والخلقية وهو مظهر الاسماء الحسنى ومجلى الامثال العليا ومظهر الكبرياء والآلاء ثم ظهر منه الاسماء فاول اسم من الاسماء الجامعة للصفات والاسماء الثلاثة القدس والاضافة والخلق هو لفظ الجلالة فقدم وجعل مبدأ الاسماء فقال لله انما اتى باللام لبيان الاختصاص في المظهرية الكبرى ثم اول اسم ظهر من متعلقات اسم الله عند الخلق والاحداث رب العالمين فلو لم يكن رب العالمين كيف يقدر على احداث الخلايق وايجادهم اجمعين ( فوصف الله برب العالمين ثم رب العالمين لما اراد احداث الخلايق وايجادهم اجمعين خ ) اظهر اسم الرحمن لان الايجاد يكون بالرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء وهذا الاسم به تم الوجود لما استوى به ( على نسخة ١٣٠٥ م ) العرش واعطي كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فقال الرحمن بعد رب العالمين لانه متفرع عليه ولما ان انه سبحانه انما خلق الخلق للنعم والكرم واظهار اسمي المنعم والمنتقم ذكر الرحيم لانه الظاهر بالرحمة الخاصة لاهل المحبة والمودة وهو قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة الآية ولو كانت الثانية هي الاولى لما صح هذا التعبير ولما اتجه كلام اللطيف الخبير واذا كانت الرحمة اثنتين فقد دل البرهان على ان الرحمن هو الظاهر بالرحمة الواسعة فلم يبق الا ان الرحيم هو الظاهر بالرحمة المكتوبة رحمة النعيم والثواب لا ما يعمهما كالرحمن ولما كان الثواب مقدما على العقاب قدم الرحيم وجعله بعد الرحمن فانه اشرف فرديه لانه قبض باسم الرحيم طينة ( الطينة خ ) الطيبة وبالاسم المنتقم الطينة الخبيثة وكلاهما اسما الله وكلتا يديه يمين فوجب ان يكون الرحيم بعد الرحمن ولما كان الانتقام ربما يوهم منه التشفي وهو عليه سبحانه محال عدل عنه الى اسم مالك يوم الدين فاذا كان يوم الدين يوم الجزاء فادخالهم النار جزاء لمكافات اعمالهم من باب الحكم الوضعي فناسب ان يذكر في مقام المتعلق الآخر للاسم ( لاسم خ ) الرحمن مالك يوم الدين فتم بهذه الاسماء الوجودات الكونية من الدنيا والآخرة اي الخلط والصافي وملتقى النقطتين وعود كل منهما الى مركزهما فلما تمت الاسماء المذكورة وهي بالخمسة ( الخمسة خ ) التي هي كف الحكيم والنور القديم ومظهر اسم الله القويم ذكر الله سبحانه متعلقاتها ولما كانت العبادة جهة الاضمحلال والفناء والدثور والوبار ظهر ( ظاهر خ ) سبحانه باضمحلال نفسه فخاطبه سبحانه دلالة لكمال ظهوره بقول ( بقوله خ ) اياك نعبد فالعبادة للمعبود من حيث ظهوره بالالوهية فالعبادة متعلقة بلفظ الجلالة الله فابتدأ عند ذكر متعلقات الاسماء بذكر الاسم الاعظم الله ثم لما كان الخلق الفقراء الى الله من كل الجهات والفقير انما يتوجه بمن يتولي تربيته وذلك رب العالمين فوجب ان يكون الاستعانة بعد ذكر العبودية لان متعلقها بعدها وانما ظهر الحق في التعبير بالخطاب لان الافتقار ايضا مقام الاضمحلال والدثور والوبار فاقتضى ظهور المعين والمربي اكثر من ظهوره في نفسه فقال اياك نستعين فلما كان متعلق الرحمن الايصال الى المطلوب واعطاء كل ذي حق حقه كان المناسب ذكر الهداية في متعلقه ولذا قال اهدنا الصراط المستقيم بعد اياك نستعين ولما كان الصراط المستقيم يستلزم وضع كل شيء في موضعه فيقتضي وضع المؤمن في الجنة ووضع الكافر المنافق في النار كما قال سبحانه فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يعقلون والاهتداء بهذا الصراط لا يجدي ولا يفيد للطالب السائل الفقير الى الله سبحانه ذكر متعلق الرحيم فقال صراط الذين انعمت عليهم ولما كان متعلق مالك يوم الدين المغضوب عليهم والضالون ذكر كناية بقوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهذه الفرقة متعلق مالك يوم الدين وانعمت عليهم متعلق الرحيم اهدنا الصراط المستقيم متعلق الرحمن اياك نستعين متعلق رب العالمين واياك نعبد متعلق الله الظاهر بالالوهية والحمد منشأ ظهور هذه الاسماء ومتعلقاتها وهو الشكل المربع بمادته والشكل المثلث بصورته وباجتماعهما ظهرت السبعة التي هي العدد الكامل وجميع الكمالات من الافراد والازواج كلها تنتهي اليه لانه جامعة لمبدأ الفرد ومبدأ الزوج وبضرب الثلثة في الاربعة تظهر حدود بروج الاثني عشر التي هي حدود الولاية الظاهرة بالاطوار الكونية وتثنية ( بتثنية خ ) السبعة التي هي المادة والصورة للحمد تمت السموات والارضون والقوابل والمقبولات والظواهر والمستجنات والعلويات والسفليات كل ذلك لا يخرج من حيطة الحمد ولذا كان لواء الحمد هي الولاية الظاهرة في كل الذرات والكائنات ولها سبعون الف شقة ( كل شقة خ ) تسع الخلائق اجمعين وبالجملة فالحمد هو الاصل في العلل والمعلولات وهو اوائل جواهر العلل
حكمة عرشية - اعلم ان التعين الاول لما كان هو الحضرة المحمدية والقرآن انزله الله عليه حين وجوده فالذي له لا يتعدى الى غيره ثم لما انزل الله سبحانه الخلق ليريهم آيات قدرته ويعرفهم اسماءه وصفاته وادلة حكمته انزل محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في كل عالم انزل اليه الخلق ليكون لهم بشيرا ونذيرا لان نبوته مطلقة وولايته مطلقة وهو ذو الرياستين ونور الله في المغربين والمشرقين والواقف على الطتنجين فاول ما نزل الخلق نزلهم الى عالم الانوار فانزل محمدا صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اليهم وانزل القرآن الى عالمهم فقرأ صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم عليهم القرآن وعلمهم البيان والقرآن اذ ذاك نور ابيض على هيئة انسان كامل شخص واقف قائم بيده عصاه من نور وهكذا صفات اهل ذلك العالم كلهم قيام وقوف وفي طاعة الله لهم صفوف فعرفوا القرآن بما فيه من البيان على حسب استعدادهم ومقتضي قوابلهم فلبوا نداء الله واجابوا داعي الله ثم انزل الله سبحانه الخلق من ذلك العالم الى عالم الارواح ونزل محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عليهم بشيرا ونذيرا فتلى عليهم القرآن وعرفهم ما فيه من البيان فعرفوا منه على مقتضى قوابلهم واستعداد مقامهم وتأهل مرتبتهم والقرآن اذ ذاك نور اصفر منه اصفرت الصفرة وحيث كان اهل هذا العالم تنزل من العالم الاول وحدود وتعينات لهم كان ما فهموه في هذا العالم قشرا لما فهموه اهل العالم الاول وظاهر لهم فحصل للقرآن معنيان احدهما باطن وهو ما عند اهل العالم الاول والثاني ظاهر وهو ما عند اهل هذا العالم ثم انزل الله سبحانه الخلق من هذا العالم الى عالم الاشباح عالم الذر الثاني ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اليهم نذيرا وبشيرا فقرأ عليهم القرآن وعرفهم ما فيه من البيان فعرفوه على حسب مقامهم واستعدادهم والقرآن اذ ذاك نور اخضر منه اخضرت الخضرة ولما كان اهل هذا العالم قشرا وظاهرا بالنسبة الى من قبلهم فحصل للقرآن باطنان وظاهر ثم انزل الله سبحانه الخلق الى الكون الناري ونزل اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بشيرا ونذيرا ونزل معه القرآن وتلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وعرفهم ما فيه من البيان على قدر استعدادهم ومبلغ علومهم والقرآن اذ ذاك نور احمر قان تغشى نوره الابصار ولما كان اهل هذا العالم قشرا لمن قبلهم فقد حصل للقرآن ثلث بواطن وظاهر ثم انزل الله سبحانه الخلق الى عالم الاظلة والذر الثالث وهو الكون المائي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اليهم بشيرا ونذيرا ونزل معه القرآن وتلاه عليهم وعرفهم ما فيه من البيان والقرآن اذ ذاك كمد اللون ابيض لكنه يميل الى الزرقة ولما كان اهل هذا العالم ظواهر العالم الاول وقشورهم فحصل للقرآن اربعة بواطن وظاهر ثم لما انزل الله سبحانه الخلق الى عالم الكون الترابي عالم الصور والمثال فنزل محمد صلى الله عليه وسلم اليهم بشيرا ونذيرا ونزل معه القرآن والقرآن اذ ذاك لونه اخضر يميل الى السواد ولما كان اهل هذا العالم قشورا وظواهر لما قبلهم فحصل للقرآن خمسة بواطن وظاهر ولما انزل الله سبحانه الخلق الى عالم الاجسام مقام النقش والارتسام محل الكثرة نزل اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بشيرا ونذيرا ومعه القرآن فقرأه عليهم وعرفهم ما فيه من البيان والقرآن اذ ذاك اخضر شديد الزرقة وخضرة جبل قاف منها لان الخلق وقوف في مبدء ظهورهم على ذلك الجبل وطالع الدنيا كان هو السرطان والكواكب كانت في اشرافها فكانت الشمس في كبد السماء وقت الظهر اقامهم الله في ذلك المحشر على السواء ولما كان هذا العالم قشرا لما قبله وظاهرا له حصل للقرآن ستة بواطن وظاهر ولما تحركت الافلاك وتقدم الليل على النهار وتحققت الاقاليم السبعة وحصل كمال البعد عن خط الاستواء وتغيرت الخلايق وتبدلت واختلفت وائتلفت وخفيت وظهرت وقويت وضعفت وتمرضت وصحت وزبلت ( ذبلت ظ ) وسمنت وصغرت وكبرت على خلاف مشتهياتها الصورية وان كانت على مشتهياتها الحقيقية فغلب عليهم حكم الاعراض وتمكث ( تمكنت خ ) فيهم تلك الامراض فظهر القرآن بالفاظ وعبارات وحروف وكلمات واوضاع ودلالات كما ترى ولما لم يكن للخلق وهم في تلك الحالة قابلية تحمل ظهور النور الاقدس والفيض المقدس لطف الله على العالمين وخيرة الله في السموات والارضين محمد رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لاضمحلال كينونتهم وفساد قابليتهم اذا ظهر كما ان النطفة ليس له قابلية تحمل ظهور الروح الا من وراء حجاب فبقي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم يوصل الى الخلق الوحيين من وراء الحجاب فظهر القرآن وتشعبت وتفرعت بصحف آدم وصحف نوح وصحف ابرهيم وتورية موسى وانجيل عيسى على مقتضى تلك الطبايع في اقتضاءات اللسان الى ان نار نور الحق وبان ظهوره ونضجت بنية العالم بقدر ما يتحمل ظهوره فظهر صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بنزوله الى هذه الدنيا ونزل معه القرآن على ما ترى من الالفاظ والعبارات والاشارات والتلويحات ولما كانت الاعراض قشورا وظواهر للاجسام حصل للقرآن سبعة بواطن وظاهر وهذا القسم ( الظاهر خ ) على قسمين قسم ينقطع اذا ظهر الجنتان المدهامتان وقسم يبقى مدي الزمان والمكان وهذا القسم على ثلثة اقسام احدها ما يفهمه اهل الارض من سكان خط الاستواء وجبل قاف وثانيها ما يعرفه سكان الهواء من اهل الطبايع المعتدلة الغالبة عليها الحيوة والبعيدة عنها الموت وهو لب العناصر ووسطها وخير الامور اوسطها وثالثها سكان اهل السموات وهؤلاء على قسمين قسم يعرفه اهل السموات السبع وقسم يعرفه اهل العرش والكرسي وقد اشار الى هذه العلوم الثلاثة لاهل هذا المقام بقوله تعالى من اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا لكم ومتاعا الى حين وهذه الاحوال الثلثة اطوار ظاهر الجلد الذي هو العلم الظاهر وهذه الظواهر لهذه الوجوه هي التي قال الله تعالى واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا فلو كان المراد مطلق القرآن ولو على ما ظهر لهؤلاء الخلق من اطوار اللغة المعروفة والاحكام الادبية والصفات النحوية والصرفية وكان قلوبهم في اكنة ولو من هذه الظواهر المتعارفة لماقامت عليهم الحجة اذا لم يعرفوها وكانت قلوبهم في اكنة من معرفتها ولما عرفوا ان القرآن معجزة بل كانت لهم على الله حجة حيث جعل قلوبهم في اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا وهذا محال على الله سبحانه بل يجب ان يكون قلوبهم في اكنة مع انهم يعرفون ظواهر الادلة لا يتجه الامر الا كما ذكرنا ولا تلتفت الى الامور الواهية التي يذكرها المفسرون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فان القرآن ليس مختصا بوجه دون وجه وبقوم دون قوم وبحالة دون حالة وبوقت دون وقت وانما هو القرآن القديم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فاذا عرفت هذا البيان التام وحققت ما ذكرناه من التوجيه العام عرفت ( ان خ ) ما عند الخلق الآن بحسب متعارفهم الموجود في زبرهم ودفاترهم ليس من المعاني ( معان نسخة ١٣٠٥ م ) القرآن الباطنية ولا من الظاهرية بل انما هي قشور وظواهر تزول عند ظهور دولة المهدي عجل الله فرجه وهم لا يشعرون ويحسبون انهم على شيء
تحقيق الهي - اذا رجعت الفروع الى اصولها وصعدت الاشياء الى مباديها يأتي القرآن يوم القيمة بصورة شخص جبروتي ملكوتي ملكي نبوي ولوي ملكي جامع الصور والشؤن الكاملة الجميلة بحيث اذا مر بكل صف لا يعرفونه لان عنده مزية عليهم ظهرت تلك المزية لهم بغتة اذ لم يشاهدوه في الدنيا على تلك الصورة بحسب ما يظهر فيمر بصف الملائكة فتقول الملئكة اي ملك مقرب كان هذا لم نعرفه سابقا واذا مر بصف الانبياء يقولون اي نبي مرسل لم نعرفه سابقا من الانبياء وهؤلاء الانبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لانه ليس في صفهم بل هو مطاع ثم امين جالس على سرير السلطنة والخلق جثاة بين يديه بكمال الخضوع والمسكنة وهو يعرف القرآن ولو ظهر بكل صورة لان الذات عن شؤنها لا تغفل وكذلك الانبياء والمؤمنون بسر الولاية يعرفونه وان كان بسر النبوة ( الولاية خ ) وبظاهرية البشرية ما ظهر للرعية لا يعرفونه كيف لا يعرفونه وهم منه وهو منهم وقلنا سابقا ان الكاملين الواصلين هم كتاب الله المطابق للقرآن والذي ورد في الحديث انهم لا يعرفونه بحسب ما ظهر في الدنيا وتلك الصورة الظاهرة في الآخرة هي صورته الحقيقية لا الصورة الدنياوية فلا يعرف حيث انه لم يظهر بالصورة الدنياوية فافهم ازاحة شك - لعلك تقول كيف يكون القرآن على صورة انسان وهو في الدنيا على ما رأيناه من حدود الالفاظ والكلمات وهذه اعراض كيف يكون العرض جوهرا الجواب ان الالفاظ ليس من الاعراض لان لها مادة وهي الهواء وصورة وهي الحدود المشخصة لها عن غيرها وهكذا كل جسم فانه مركب من مادة ومن صورة وبالتركب منها ( منهما خ ) كان حقيقة جوهرية نعم كانت الصورة الانسانية ظاهرة بهذه الصور والحدود وهي غائبة فيها ثم تظهر منها اما رأيت النطفة والعلقة والمضغة والعظام ثم اكتساءه لحما ثم الانشاء لخلق آخر وهو كان غيبا في النطفة والعلقة والصورة الانسانية كانت غيبا ثم ظهرت على حسب استعداد المادة لقبول تلك الصورة وكذلك الشجرة كانت غيبا في النواة ثم ظهرت منها وكذلك الدهن والماست والاقط والجبن كانت غيبا في اللبن ثم ظهرت فاذا جاز ان تكون الصورة الانسانية غيبا في النبات والورق والثمر والشجر والطعام وفي الذي في الفم وفي الكيلوس والكيموس وفي العروق من الشريانات والاوردة وفي الاعضاء والاجزاء الى ان كانت في المني ثم امتزج بمني المرأة فصارت غيبا في النطفة ثم في العلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم ثم تظهر بعد التقلب في هذه الصور فبالحري ان تكون غيبا في حلية هذه الحدود والاعراض والالفاظ الى ان يظهر بالصورة الاصلية الاولية الالهية كما كان بها في مبدأ الوجود ونزل الى المراتب المذكورة من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ولا ريب ان الطفرة في الوجود باطلة والصورة الانسانية اشرف الصور فلا يصح ان يظهر بهذه الصورة اخيرا الا وقد كان عليها سابقا نعم كان غيبا قد ظهر وكان ظاهرا فاستتر
ذكر حقيقة وكشف كربة - اعلم ان القرآن كان نورا من انوار القدس تحت حجاب الواحدية بلا نهاية من الامد ولا غاية من العدد وهو قديم وسر قديم من قول النبي (صلعم) اللهم اني اسئلك باسمك العظيم وملكك القديم وكان هناك لم يزل ولا يزال ثم اراد سبحانه انزاله الى الخلق مع التعين الاول فظهر في العرش نورا واحدا ففي سر مركز العرش كان نقطة على حد قول الشاعر :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الاشياء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة
وتلك النقطة كانت الفا في العرش الالف اللينية ثم لما تنزل بظهوره الى الكرسي ظهرت عند مركز الكرسي الفا متحركة ثم في الكرسي عند ظهور المنطقة باء بسيطة قد ظهرت الموجودات منها باطوارها ثم فيما بين الكرسي والسماء السابعة تنزلت الباء وتكثرت فكانت بسم الله الرحمن الرحيم وتلك قبة بسم الله الرحمن الرحيم قد دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ليلة المعراج ورأى ان الماء الغير الآسن يجري من ميم البسم في احد الاركان والركن الثاني مكتوب عليه الله ويجري اللبن الذي لم يتغير طعمه من الهاء في الله والركن الثالث مكتوب عليه الرحمن والخمر التي هي لذة للشاربين تجري من الميم في الرحمن والركن الرابع مكتوب عليه الرحيم والعسل المصفي تجري من الميم في الرحيم وبالجملة قد تفصلت الباء بالبسملة في تلك القبة المشرفة ثم تفصلت البسملة في السماء الرابعة بفاتحة الكتاب واصلها في فلك الشمس وكل فلك من الافلاك السبعة له آية ولذا كانت سبع آيات ثم تنزلت الى الارض فكانت مفصلة كما ترى فاول ذلك سورة البقرة الى آخر ما ذكرنا سابقا عند شرح البيت الثالث فراجع تفهم وهكذا كيفية نزوله في كل عالم على هذا النظم لان كل عالم له عرش وكرسي وافلاك سبعة كما في الاجسام اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فاذا عرفت كيفية نزول القرآن وانه نور غيبي وسر الهي وامر رباني وحداني قد تفصل في كل عالم نزل على مقتضى استعداد ذلك العالم الى ان تم انسانا كاملا ونورا شاملا يظهر في الحدود والقيود ظهور الانسان في افراده وظهور النور المشرق من الشمس في المرايا والاماكن فمتي ما ظهر حد ظهر ذلك النور فيه وهو نور الشمس حقيقة وكذا اذا تحقق تعين وخصوصية ظهرت الانسانية فيه وهو انسان حقيقة نعم ظهور الانسانية متوقف على تلك الحدود فالانسان انسان على كل ( حال خ ) والقرآن قرآن كذلك ونور الشمس نور على كل حال والجسم الكثيف محل لظهوره وحامل لنوره لا محقق لوجوده ومؤصل لحقيقته فالنور المشرق واحد على كل حال وان تكثرت قوابل ظهوره وكذلك الانسان فانه واحد وان تكثرت قوابل ظهوره وتعددت فهو انسان على كل حال وهكذا القرآن فانه واحد وان تعددت قوابل ظهوره ومهابط نوره فالقرآن النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو الذي عندنا وهذا القرآن الواحد هو المتعدد ولو فرض ان القرآن لم يوجد منه الا نسخة واحدة او وجدت نسخ تبلغ ( كرورا وخ ) كرور الكرور الى ما لا نهاية له كما هو الآن لا يتفاوت الحال فالظاهر في النسخة الواحدة هو الظاهر في هذه النسخ الكثيرة الغير المتناهية بلا تفاوت ولا نقصان لان عالم الغيب المتنزل الى عالم الشهادة لا يظهر الا بمحل حامل مناسب للمشاعر السفلية لان العيون قد رمدت فلا ترى الشيء الا تحت الحجاب الاسود ولذا ترى الجسم الطبيعي الذي هو الجسم حقيقة لا يظهر ولا يرى الا بالجسم التعليمي الذي هو العرض فلا يرى الا بالجسم التعليمي ولا يسمع الا بالجسم التعليمي ولا يذوق الا بالجسم التعليمي ولا يشم الا بالجسم التعليمي ولذا لا يدرك الا الاعراض ولا يسمع الا الاعراض ولا يشم ولا يذوق الا الاعراض وقد جعلت الحكماء هذه المدركات لهذه القوي والمشاعر من الاعراض ولذا اختلفوا في العلم بعد اتفاقهم على انه من العرض في انه من اي مقولة هل من مقولة الكيف او الانفعال او الاضافة او الفعل فاذا كان العلم هو العرض فالمعلوم هو العرض والمدرك والمشعر هو العرض لان امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء قال انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فاذا كان منتهى الادراك هو الاعراض فماعسي ان يحصل لهم العلم بالجواهر والحقايق والذوات الا من وراء الحجاب وهو ادراك ضعيف ومقام غير شريف وبالجملة فالقرآن ظهر بهذه الحدود من اعراض الكلمات والالفاظ والنقوش ظهور الجسم الطبيعي في التعليمي وظهور الانسان في الافراد وظهور ذي المقدمة في المقدمة سواء تعددت نسخ القرآن او اتحدت ظهر بالالفاظ والاقوال في الهواء والنقوش والصور في الاجسام المناسبة لها كالحبر والشنجرف والذهب واللاجورد والقطن والابريسم والالواح من خشب والالواح من ذهب والالواح من النحاس والصفر بالكتابة او بالجفر وبالجملة كل ذلك قرآن على كل هذه الاحوال حقيقة غير مجاز مثل نور الشمس عند ظهوره في الاجسام كل بحسبه فالقرآن واحد في هذه الاحوال المتعددة والحرمات الثابتة للقرآن مثل ان لا يمسه الجنب ويكره قرائته له ويحرم سور العزايم عليه وعلى امثاله وعدم تجويز اهانته بحرق او غرق او تنجيس او توسيخ او غير ذلك كلها ثابتة لكل واحد من هذه النسخ من عهد رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم الى يومنا هذا الى يوم القيمة وفي يوم القيمة وبعدها حيث انه ظهر على الصورة الانسانية يكون حكم الاولياء والخلفاء فافهم هذا البيان المكرر بالفهم المسدد فقد صعب على الاذهان ادراكه وشق عليها تصوره فقد اسمعتك من البيان ما لم تسمعه من غيري فخذه وكن من الشاكرين والحمد لله رب العالمين وبذكر هذه الحقيقة انكشفت الكربة
واما الكربة فاعلم ان جماعة من العلماء نظروا وتأملوا وتفكروا وتدبروا وبصروا واستبصروا وقالوا ان القرآن لا يخلو اما ان يكون لفظا او يكون نقشا او كليهما مجتمعا او متفرقا فان كان لفظا فاللفظ لا يكون الا بالصوت والصوت هو الهواء المعتمد على مقطع الفم فالهواء مادة تصاغ الحروف به ثم الكلمة تصاغ بالحروف الى ان تقع الدلالة كالكلمة والحروف كلها مادتها الهواء وصورتها في الحروف تقطيع فم المتكلم وفي الكلمات صور وحدود وهيئات يؤلفها المتكلم ولا ريب ان هذه الالفاظ والكلمات ليست هي التي تلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فلا يكون هو القرآن حقيقة وانما هو شبيهه وعلى هيئته وهيكله ولا يصدق عليه القرآن على الحقيقة بل يصح سلبه عنه وان كان نقشا فلا ريب ان هذا النقش الذي الآن ليس هو النقش الذي نقشه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بل انما هو نقش ينقشه الشخص بالمادة التي عنده فليس ذلك بذلك النقش وانما هو كنقش صورة الانسان على الحائط ولا شك ان صدق الانسان على الصورة المنقوشة مجاز مع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لم يكتب ولم ينقش الخط وان كان الامران اي النقش واللفظ فمع ما ورد على كل واحد منهما يرد عليه انه يلزم ان لا يصدق القرآن على كل واحد من الامرين مع ان البداهة تنادي بفساده ومن هذه الجهة اضطربوا اضطرابا شديدا ودخلت عليهم لذلك كربة عظيمة حيث ان الذي بايديهم ليس هو القرآن ولا ( ما خ ) انزله الله الملك المنان فلم يعرفوا وجه الجواب ولم يسلكوا طريق الصواب فوقعوا فيما وقعوا من الاضطراب وقنعوا في هذا الباب بان هذا القرآن الموجود عندنا شبه الخطاب وانه ليس عين ما انزله رب الارباب وقالوا بان الحقيقة اذا تعذرت فاقرب المجازات متعين وحيث امتنع ذلك اللفظ وذلك النقش والتمسك بما يشبههما من الامرين وجميع الاطلاقات الشرعية والعرفية واللغوية واقعة عليهما وحيث اذا اطلق القرآن لا يراد الا الذي بايدينا مما يشبهه مع تعدد نسخه وتكثرها فقنعوا من الماء بالسراب ومن الشمس بالتراب وعن السماء بالسحاب وعن البحر بالحباب ذلك مبلغهم من العلم ان في ذلك لذكري لاولي الالباب ونحن بحمد الله قد فرجنا الكربة وازحنا الشبهة ونزهنا الله سبحانه وتعالى عن خلاف الحكمة وجللنا عن ان يبعث الينا ما يقيم اودنا ويقوم عوجنا ويكون علينا دليلا مرشدا ثم يكون علينا شاهدا ثم يرفعه عنا ولا يقدر ان يبقيه لدينا ثم يأمرنا بالتمسك به مع ان الذي لدينا شبهه وما ( شبيهه وما هو خ ) عندنا نظيره فهذا اما تدليس وتمويه او عدم قدرة على الوجه الاكمل والكل هو سبحانه منزه عنه فما ذكرنا لك من ان هذا القرآن هو الموجود عندنا نقشا وخطا حقيقة لا مجازا ولا شبيها ولا نظيرا بل القرآن الموجود عندنا هو القرآن المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مين فاعرفه واحمد الله واشكره على ما انعم عليك ووفقك لمعالي المعارف
بيان عرفاني - اعلم اني اردت ان اضرب صفحا عن ذكر هذا المطلب ولكني عدلت عن اعراضي واحب ان اذكره لعله يتنبه به من عرف حقيقة الامر من قول امير المؤمنين (ع) انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها وقول الله سبحانه وتعالى وما منا الا له مقام معلوم حكاية عن لسان مخلوقاته وقول الله سبحانه وتعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم بعد ما قال قبل هذه الآية وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فبين ان الوحي كلام من الله مع البشر وهو الانسان وقال سبحانه فاستمسك بالذي اوحي اليك وبالجملة فالحقايق في تفسير الظاهر لا يقال لها وحي وحيث ان الله سبحانه قال ولقد اوحينا اليك روحا من امرنا عرفنا ان هذا الروح هو الكتاب المسطور في رق منشور المذخور في البيت المعمور وذلك بيت معمور بالوحدة ونفي الكثرة فان بيت الكثرة خراب ومآلها الى تراب ولا يسكنها الا المحجوبون بالحجاب على المعنى الآخر المعروف عند الاطياب من العلماء الانجاب عليهم رحمة الله من كل باب والشاهد على ان المراد من البيت المعمور هو البيت المملو من الفيض الاقدس قبل الفيض المقدس قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان اذ لا يمكن خلوه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عند الصحو في حال من الاحوال فعلمنا ان القرآن مصاحب للنبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم في التعين الاول والازل الثاني والغيب الثاني والوجود المطلق والحق المخلوق به واذا كان القرآن معه مساوي ( مساو خ ) لحقيقته او عين ( حقيقته خ ) كيف يطابق ذلك ما ذكرناه سابقا من ان القرآن مطابق لكينونة الانسان من الرعية وقد ظهر تلك المعاني والبيان في حقيقة الابواب من نوع الانسان فكيف يجتمع التعين الاول مع التعينات المتنزلة بوسائط عديدة مع ان القرآن واحد وليس بمتعدد وقد اجمع عليه جميع اهل الاسلام فالقول بتعدد القرآن محال وما ذكرناه يقتضي التعدد الجواب ان التعدد المحال هو تعدد يقتضي الخلاف ( الاختلاف خ ) واما كثرة هي عين الوحدة وكثرة لا تنافي الوحدة ( ككثرة النسخ لا تنافي وحدة القرآن وكذلك هذا التعدد لا ينافي الوحدة خ ) وان لم يكن من نوع تعدد النسخ الا انه من نوع تعدد ( تعدد اقرب نسخة ع ٤٠ ب ) الى الوحدة من تعدد النسخ فان كل سافل لا يرى تعددا في مبدئه ولا يرى الا واحدا في جميع الاطوار فالجماد يرى ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا والنبات يرى ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا والحيوان من البهائم والطيور يرى ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا والجن يرى ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا والانسان يرى ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا والانبياء يرون ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا وذلك من حيث التابعية وكونهم رعية وانهم رعايا نبينا واما من حيث انهم متبوعون وانبياء مطاعون فكتبهم متعددة ونبينا ومن في طبقته ومن سنخه يرون ربا واحدا ونبيا واحدا وقرآنا واحدا مع ان هؤلاء كلهم في السلسلة الطولية وكل سفلي شعاع واثر للعلياء ولا يجتمعان ابدا ولكن السافل حقيقة بعد حقيقة لا تجد اهل كل مرتبة الا امرا واحدا وقد تقدم منا بيان هذه المسئلة مرارا عديدة فراجع تفهم وربما يأتينا بيان فيما بعد
وصل - ثم ان الناظم لوفور معرفته ودقة نظره واستقامة فطرته لما بين اسماء وصفات هذه الاستار والحجب المعنوية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار فلما وصفهم مرة بالرواق ومرة بالكتاب ومرة بالتورية والانجيل والزبور والقرآن اراد ان يصفهم بصفة اخرى ويسمهم بسمة عليا ويبين المراد من السر المعضل والامر المشكل والباطن المؤمل من قوله تعالى ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملئكة ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين
فقال لله دره وعظم بره وتولي امره :
هذا هو التابوت فيه سكينة وافي على ايدي الملائك تحمل
اقول : التابوت هو قلب العارف الكامل والمرشد الواصل والغيث الهاطل والمطر الوابل قد طهره الله سبحانه وتولي تطهيره واذهب عنه رجس الكثرات ومقتضي لوازم الانيات وملاحظة الجهات المبعدات عن نور الحق القديم وظهور الصراط المستقيم وهي زجاجة صافية وقد اشار سبحانه الى هذا القلب المطهر والموضع المنور بقوله الحق كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء والمشكوة جسم هذا العارف الكامل طهرته شمس اشراق العناية لما طلعت من افق المحبة فجففت رطوبات الميل الى السوي وزالت عنه الاغيار وانمحت مقتضيات الادبار فصارت ( فصار خ ) كوة حاملة للظهور ومظهرا جامعا حاصلا للنور المصباح قلبه الشريف مضيء بنور المعرفة ومستنير بسناء المحبة باركانه الاربعة واكواره السبعة وادواره الاربعة عشر والزجاجة صدره لان القلب في الصدر وقوله تعالى فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وهو من حيث صفاته ( صفائه خ ) ونورانيته وتتالي الانوار الالهية المشرقة عليه قد حمل السر الاعظم والنور الاقدم كأنه كوكب دري يوقد ذلك المصباح ويظهر ذلك الصلاح ( الصباح خ ) من الشجرة المباركة وهي التعين الاول وفيض الازل والمثل الاعلى الامثل وهي مباركة قد ظهرت آثار بركتها في الجل والقل في جميع الذرات من الاضعف والاكمل بالمجمل والمفصل وهي الزيتونة لانه ( لانها نسخة ١٣٠٥ م ) حملت من الانوار اعظمها ومن الاسرار اقدمها ومن الحقايق اتمها ومن الدقايق اكملها ومن الظاهر افضلها كالزيت الظاهر عند مس النار باتم الانوار فليست بشرقية ولا غربية لانها التعين الاول وهو بريء عن الجهات والحدود فانها من تنزلاتها وتعينات اطوارها وتشخصات آثارها فلا تحدها شرق ولا غرب ولا جنوب ولا شمال ولا يمين ولا يسار ولا خلف ولا قدام ولا وراء ولا امام وهي معدلة المزاج ومهيجة الابتهاج ومصلحة الاختلاج والصاعد لمن تمسك بها باعلى المعراج واليها اشار الشذوري بقوله :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها
فحيث اثبت لها كل الجهات نفي عنها كل الجهات وذلك معلوم بلحن المقال وشهادة الاحوال فيكاد زيتها يضيء قابلية هذه الشجرة من شدة صفائها ونورانيتها وانغمارها في التوحيد والتفريد والتجريد يظهر قبل تجلي المتجلي ويكاد زيت قابلية هذا القلب المطهر من شدة الصفاء وكمال التلألأ وادمان الاقبال وتفرغ البال الى حضرة ذي الجلال يكاد يظهر في عالم الظهور وبروز افعال الربوبية قبل ان يمسها نار التعين الاول وان كان لا يمكن الوجود والظهور الا بمس تلك النار وان يجوس خلال تلك الديار ثم انه نور على نور اي نور في نفسه لشدة صفاء القابلية كالزجاجة التي يراد منها البلور الجامع لجوامع النور الحامل لمواقع الظهور الصافية الطيبة الطاهرة من الاغيار المصفاة من الاكدار والنور الآخر هو الحاصل بمس النار اي النار الشجرة الحاصلة ( نار الشجرة الحاملة خ ) للولاية المطلقة واليه الاشارة بقول مولينا الصادق الامين جعفر بن محمد بن الميامين ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتى الملك المقرب والنبي المرسل والمؤمن الممتحن قيل فمن يحتمله قال من شئنا فصاحب هذا القلب الشريف هو ممن شاؤا ان يودعوا فيه تلك الاسرار ويظهروا له ذلك النار ثم لما طهر الله ذلك القلب واودعه من اسرار الغيب ومن المعارف العرية من الريب وجعلها طريقا موصلا للمريدين وسبيلا مهيعا للسالكين فالطالبون لا يصلون الى هذا المرشد الكامل والطريق الموصل والنور من فيض الازل والتعين الاول الا بعناية خاصة وهداية ناصة فلا كل من طلب وجد الا بعناية ربانية ولا يشفعون الا لمن ارتضى ولذا قال تعالى في تتمة الآية يهدي الله لنوره من يشاء وذلك الحجاب الواسطة بين الرعايا والباب اي باب مدينة العلم هو نور الله ودليل ارادة الله الموصل الى الولي المطلق بسر مشية الله ثم ذكر سبحانه ان هذا الستر والحجاب وان كانوا ذوات مستقلة وحقايق متأصلة لكنها امثال للاولياء وادلاء عليهم ولذا قلنا انهم ابواب الباب وحجج الحجة وجناب الجنب ولذا قال سبحانه ويضرب الله الامثال للناس الناس هم الرعية من العوام والامثال هم العلماء الاعلام الكاملون الواصلون بقطع الاسفار الاربعة الى دار السلام ودار السلام هي باب مدينة العلم الذي من يدخلها من ذلك الباب فقد امن من كل ما يورث السقام من الظاهرية والباطنية من الكفرة اللئام وهم الذين اشار اليهم الله في محكم الكلام وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وبالجملة فالتابوت الذي ذكره الناظم ايده الله بتوفيقه وسدده بتسديده هو قلب هؤلاء الاعلام الذين هم ابواب الباب والستر والحجاب فان هذا الستر المرسول من حضرة السلطان الاعظم والخاقان الاقدم تغمده ( الله خ ) برحمته الواسعة هو ستر للقبر الشريف والمحل المنيف والقلب هو محل الجسد المعظم والنور المكرم والقبر حجاب وهو الباب والستر حجاب للقبر وهو حجاب الحجاب وستر الستر وله ظاهر وباطن وقد اشار الناظم الى الامرين ليبين المقامين ويظهر الخفاء من البين ويصفي القلوب عن الرين ويجلي العين عن الغين ويوضح الامر بلا مين فقال سدده الله بتوفيقه : هذا هو التابوت فيه سكينة اما التابوت فقد علمت انه البدن الظاهر الحاصل باعتدال الطبايع وهو الموجب لاعتدال الحرارة الغريزية الموجب لتصفية الصدر وانشراحه الموجب لصفاء القلب وذكائه وصيرورته محلا للانوار الاربعة والاكوان الثلاثة في الاطوار السبعة والادوار الاثني عشر والاطوار الاربعة عشر وهو قول امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في تعريف الفلسفة لما قال له يهودي لو تعلمت الفلسفة لكان ذلك ( لك نسخة ١٣٠٥ م ) شأن من الشأن فقال له امير المؤمنين يا يهودي وما تعني بالفلسفة اليس من اعتدل طباعه صفي مزاجه ومن صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه فقد دخل في الباب الملكي الصوري فليس له عن هذه الغاية مغير فقال اليهودي الله اكبر لقد نطقت بالفلسفة كلها في هذه الكلمات يا ابن ابي طالب فاذا حصل له قلب هكذا فقد تأهل لان يكون تابوتا فيه سكينة من ربه وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون واما السكينة فهي الثبات والطمأنينة التي هي الاصل في كل خير والمبدأ لكل حق ونور لان الله سبحانه وتعالى خلق قلب الانسان مرآة صافية له وجهان وربما يعبر عنهما في بعض الاخبار عن اهل البيت عليهم آلاف التحية والثناء بالاذنين وهما القلب ( والقلب خ ) لا يخلو عن ثلاثة حالات اما مستقر في الحالتين واما متزلزل في البين وبيان ذلك ان الوجهين من القلب احدهما مقابل لعليين والآخر مقابل لسجين وله نظر واحد فحين ما ينظر الى عليين لا يمكن ان ينظر الى سجين وان كان ناظرا الى سجين لا يمكن ان ينظر الى عليين لان الواحد في الامكان لا يصدر منه اكثر من واحد ولا يمكن ان يكون لشخص واحد قلبان كما قال تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والا يلزم ان يكون الخالق اثنين ولا يصح ان يقول لاحد انا بل يجب ان يقول نحن والادلة القطعية من العقلية والنقلية والوجدانية ناهضة بخلافه فاذا نظر بوجهه الاعلى الى عليين فلا يخلو اما ان يكون ثابتا في ذلك النظر ومستقر ( مستقرا خ ) فيه فينطبع في قلبه معان وصور عليينية كلها حق ونور وخير وعلم ويقين واذا لم يستقر في ذلك فهو كالمرآة المتزلزلة المضطربة لم ينطبع فيها شيء الا صور مختلطة متغيرة مضطربة مجتثة لا تفيد شيئا اصلا فلا تقع الصورة الحقة الا بعد الاستقرار حال المقابلة فاذا استقر ثبتت الصورة وانطبعت ولكن هذا المقدار من الاستقرار لا يقال له طمأنينة وسكينة اذ قد تنطبع الصورة فيه من عليين بتمام نظره واستقراره حال النظر ثم ينظر بوجهه الاسفل الى سجين فتنطبع فيه صورة مناقضة للصورة الاولى فاول انطباعه قبل ان يميل القلب الى نحو التصديق بالصورة الثانية فمجرد حصول تلك الصورة الغير المعتقدة بعد حصول الصورة الاولى الجازمة تسمى الحالة الحاصلة بعد حصول الصورة الثانية وسوسة ثم اذا استقرت الثانية ومال القلب اليها ميلا ما تزعزع اليقين الحاصل بالصورة الاولى تحصل الريبة ثم اذا ازداد الميل الى الثانية وارتفع اليقين من الاولى تسمى الثانية وهما والاولى ظنا واذا ازداد ميل القلب الى الثانية بادامة النظر في الوجه الثاني الى ان تساوت النسبة في التحقق بين الصورة الاولى والثانية فهناك يحصل الشك واذا ازداد الميل الى الثانية بثبوت النظر الثاني واستدامته الى ان قويت الثانية وضعفت الاولى فكانت الثانية ظنا وانقلبت الاولى وهما واذا قويت الثانية واستمرت وقطع النظر عن الاولى ارتفعت الصورة الاولى بالمرة فصار ذلك العلم انقلب جهلا مركبا اذا كان النظر مستمرا الى السجين ( سجين خ ) ومنقطعا عن عليين فاذا لم يستقر في هذا ونظر مرة اخرى الى عليين فتحصل تلك الاحوال المذكورة من الوسوسة والريب والشك والوهم والظن الى ان تذهب تلك الصورة وتأتي الصورة الاخرى ولا يزال ذلك الشخص الناظر في اضطراب وزيغ وفتن وتزلزل الى ان يستقر في احدى الحالتين ويحصل له الثبات والطمأنينة في البين
تحقيق فيه تنوير - اعلم ان الطمأنينة والسكينة والثبات في الحق لا تحصل الا بالتوجه الى الله والاقبال عليه أما سمعت الله سبحانه يقول الا بذكر الله تطمئن القلوب فاذا بالتوجه الى الله سبحانه والتفكر في الآيات الآفاقية والانفسية والمواظبة على تلاوة القرآن والعمل بالطاعات والرياضات والمجاهدة واخراج الابالسة والشياطين بقوة تلك الاعمال تحصل الطمأنينة التامة وبيان ذلك ان الله سبحانه خلق قلب الانسان وجعل له وجهين وجه اعلى ووجه اسفل وجعل العقل في جهة اليمين التي هي الوجه الاعلى وجعل الجهل في الجهة اليسرى التي هي الوجه الاسفل وجعل لكل منهما خمسة وسبعين جندا وكل جند قبيل من الملائكة لا يعلمون ( لا يعلم نسخة ١٣٠٥ م ) عددهم الا الله وجعل للجهل ايضا خمسة وسبعين جندا وكل جند قبيل من الشياطين لا يعلم عددهم الا الله ولما كانت الشياطين اضدادا للملئكة كانت مقتضياتهم وشهواتهم وميولاتهم ضدا لميولات الملائكة وشهواتهم ومقتضياتهم ولما كان العقل غذاؤه الطاعة وهو انما يتقوي بها والجهل غذاؤه المعصية وهو انما يتقوي بها فاذا طلب العقل غذاءه بنوع مما يشتهيه من الطاعات مثلا الصلوة امر الملك الموكل بالصلوة الذي اسمه وصقائيل بان يأمر الجوارح التي هي خادمة لهذين السلطانين ولا خادم لهما غيرها ولا يسع ان يخدم الاثنين في حالة واحدة واذا اراد الملك الموكل بالصلوة استخدام الجوارح لفعل الصلوة امر الجهل الشياطين ( الشيطان نسخة ١٣٠٥م ) الموكل بترك الصلوة ان يمنع الجوارح عن الاتيان بها ولا ريب ان كل واحد يطلب غذاءه ولا يمتنع الا بان يغلب فيقوم الحرب على ساقها بين العسكرين ويقع التغالب في البين والانسان الذي له ( ادنى نسخة ١٣٠٥ م ) فطنة يرى هذا النزاع والمغالبة عند فعل خير او شر والانسان هو صاحب العلم فان مال بشهوته الى جانب العقل واتى بالصلوة قتل الملك ذلك الشيطان وجلس ملك آخر في محله واذا اقتضى العقل بشهوته ان يفعل طاعة لانه غذاؤه امر الملك الموكل بتلك الطاعة والجهل حيث كان ضدا له يأمر الشيطان الموكل بضد تلك الطاعة بمنع الجوارح ان تأتي بها فيقع ايضا بينهما النزاع والقتال حتى يميل الشخص الى جهة مثلا مال الى جهة العقل وفعل ذلك الفعل وقتل الشيطان الموكل بتركه وجلس ملك من الملائكة في مكانه وهكذا لكل عمل من الاعمال الصالحة يقتل شيطان لان الحسنات يذهبن السيئات ويزيد ملكا من الملائكة الى ان تطمئن النفس بالطاعة وبقيت تعمل الطاعات بشهوتها وارادتها فتضعف جنود الجهل وتتقوي جنود العقل الى ان تبيد جنود الجهل وتضمحل فاستقر سلطان العقل على سرير السلطنة في العالم الانساني والبشر الثاني فتكون البلدة بلد الاسلام ويذهب عنها الشرك والكفر والطغيان وفي مبدأ الامر يحصل له الاطمينان والسكينة بما في قلبه من ذكر الله سبحانه فيحصل له اتصال بملائكة سماء الدنيا ويختلفون في قلبه ولذا قال النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اجعلوا قلوبكم منبرا للملائكة فحينئذ يستنير قلبه الصنوبري لانه مساوي ( مساو خ ) لجوزهر فلك القمر ويزداد نورا ويعتدل مزاجه وتقوي قوة ( قواه خ ) الجسمانية في تحمل العلم والنور لا في قوة الجسم وان كانت كذلك لو اراد فاذا استقرت في هذه الطمأنينة والثبات والسكينة تتصل بملائكة الثلاثة الذين في فلك عطارد السماء الثانية وهم شمعون وسيمون وزيتون والملائكة الذين في هذه السماء اكثر من جميع الملائكة ورئيسهم هؤلاء الثلثة والعلوم التي في القوي الدماغية من المتخيلة والمتفكرة والواهمة والحافظة والعاقلة وما يتعلق بها وما تتصرف فيه من العلوم الصورية على اقسامها وانحائها كلها مخزونة في تلك القوي ومفاتيحها بيد هؤلاء الثلاثة فاذا وصل السالك بالطمأنينة في هذا المنزل واتصل بهؤلاء الملائكة سلمت هذه الرؤساء مفاتيح هذه القوي الى هذا الشخص فيحيط حينئذ بجميع العلوم الحاصلة من دليل المجادلة بانحائها واقسامها من العشرين بارواحها واجسادها واطوارها فاذا استقر في هذا المقام بالعلم والعمل وحصل له الطمأنينة والسكينة فيترقي ويتصل به ملائكة السموات السبع ثم يتصل به ملائكة الكرسي والعرش وملائكة السرادقات فيكون مختلف الملائكة ومهبط الانوار القدسية فيتصل به حملة العرش ويسلموا اليه مفاتيح العلوم المودعة في خزائن القلب الاربعة النور الابيض والنور الاصفر والنور الاخضر والنور الاحمر فيحيط بجميع العلوم المتعلقة بخلق الله ويشاهد الآيات كلها لكنه يصدق ويسلم لا كالذي اراه الله آياته كلها فكذب وابي كما قال تعالى ولقد اريناه آياتنا كلها فكذب وابى ثم بالطمأنينة والسكينة يتصل بامر الله بسر الله وكلمة الله ووجه الله وعين الله وجنب الله ولسان الله وباب الله ومظاهر قدرة الله واصحاب الفيض الاقدس ويكون حينئذ محل عناية الله فيسلم الله اليه مفاتيح الفؤاد الذي كان بيده سبحانه فيكون هذا السالك الذي عبر الناظم ايده الله عن قلبه بالتابوت يكون قلبه تابوتا لحكمة الله ووعاء لهذه العلوم والرسوم التي هي وجهة لعناية الله والسكينة دليل على اجتماعه بجميع العلوم والمعارف وعلم المحبة والوصل والاتصال لان السكينة التامة هذه آثارها وهي التي انعم الله سبحانه بها نبيه والصديقين من رعيته واوليائه وخلفائه وقد قال تعالى فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها والمؤمنون هؤلاء الرجال الابدال الذين وصفتهم لك في خلال هذا المقال عند شرح هذه الاحوال ولذا قال تعالى والزمهم كلمة التقوى هي الاتقاء عن ملاحظة الاغيار والتوجه الى ما يوجب الاكدار ويكون حينئذ محلا لنور الانوار وسر الاسرار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار فلما بلغوا مقام الاطمينان واستقرت السكينة في قلوبهم وظهرت آثارها في صدورهم وقواهم ومشاعرهم ازالوا الاغيار ومحوا الاكدار وكانوا احق بان يلزمهم الله سبحانه كلمة التقوى وهو لا اله الا الله وهو مقام عبدي اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حيا لا تموت فالسكينة هي السبب في تلك المآثر والعلة في تلك المفاخر ولذا قال مولينا الصادق عليه آلاف التحية من الله الملك الخالق ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله حتى الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الممتحن قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال نحن وفي رواية من شئنا وفي رواية اخرى مدينة حصينة قيل وما المدينة الحصينة قال هو القلب المجتمع انتهى فالقلب المجتمع هو القلب الذي فيه سكينة وفي رواية عن طريق اهل البيت ان السكينة في التابوت ريح له وجه كوجه الانسان ه اما انها ريح لانه مادة الحيوة واصلها لان الهواء حار رطب وهو مزاج الهواء انما عبر عنها بالريح ولم يعبر بالهواء لانها دائم الحركة ودائم التوجه الى وجه المبدأ ودائم الاستمداد ودائم الامداد هو في عين الثبات والطمأنينة دائم الحركة فمن زيادة الحركة تراه ساكنا فهي سكينة خاضعة ذليلة ثابتة مطمئنة حية بالذات وثابتة بالصفات متحركة من جميع الجهات فحركتها الى الله اوجبت سكونها وطمأنينتها الا بذكر الله تطمئن القلوب واما ان لها وجه كوجه الانسان لان الله خلق الانسان في احسن تقويم قال تعالى وصوركم فاحسن صوركم وحسن الصورة بالتوجه الى الله والاعراض عما عداه وهذا هو الظاهر في الصورة الانسانية لانها الهيكل الالهي والكتاب الرباني كما انبئتك سابقا مرارا عن امير المؤمنين وهذه السكينة بقية مما ترك آل موسى وآل هرون يراد في الباطن مظهر النبوة والولاية فموسى هو النبي المطلق جامعا ( جامع خ ) النبوة المطلقة وهرون هو الولي المطلق حامل الولاية المطلقة وقد ورد في الحديث المتفق عليه في مخاطبة النبي صلى الله وسلم ( رسول الله صلى الله عليه وآله خ ) عليا امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء يا علي انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي وقد نص الاديب الاريب الناظم اكرمه الله بتوفيقه في تخميسه لقصيدة الشيخ صالح التميمي وقال خطابا لامير المؤمنين ( عليه السلام خ ) :
فيك خير الانام اوتي سؤلا مثل ما اوتي ابن عمران قبلا
يا ابا شبر وقد صح نقلا انت هرون والكليم محلا
من نبي سمت به الانبياء
وقد ورد في الحديث المتفق عليه ورواه احمد في مسنده انه لا يذكر المؤمنون في آية الا وعلى اولهم وقد قال تعالى فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وعلي ( امير المؤمنين خ ) اولهم وسيدهم في مقام الولاية الباطنية فالسكينة من الله نزلت اولا على النبي والولي ومن هو من سنخهما والمخلوق من طينتهما والمتعين بتعينهما وبقيتها مودعة في ذلك التابوت الذي فيه اسرار الملك والملكوت وهو ما ذكرنا من اولئك الرجال الابدال تحمله الملائكة يعني ذلك التابوت الملائكة تحمله وهو ما ذكرنا لك سابقا وآنفا ان جميع مراتبه ومقاماته من ظاهر جسمه الى باطن قلبه محل افواج الملائكة ومختلفهم وهم يحفظونه من كل ما يكرهه الله ويحفظونه عن جميع البليات والاذيات ويحفظونه عن مساوي الاخلاق السيئات ويفعلون له ما يشاء من الافعال وينقادون له في السر والاعلان ويفعلون له ما يشاء من غرائب الافعال ويظهرون له ما يريد من عجائب الاعمال والله جعلهم تحت امره ونهيه وطوع ارادته لا يخالفونه ويمتثلون احكامه لان الله احبه واصطفيه واختاره واجتبيه وجعل الملائكة معه حاملة لمراتب ذاته وصفاته وافعاله ويظهرون ( فيظهرون خ ) له الكرامات وخوارق العادات وعجائب المعجزات وما ذلك على الله بعزيز لانه سبحانه قال من اقبل الى شبرا اقبلت اليه ذراعا وقال سبحانه الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة وهذا المعبر عنه بالتابوت هو الذي اعتقد بالربوبية واتى بمقتضاه ثم استقام اليها من نفي التزلزل والاضطراب وسكون القلب والطمأنينة في ظاهر ابدانهم وباطن عقايدهم لا يعتريهم شك ولا شبهة ولا وسوسة ولا زيغ ولا فتنة ولا توجه الى الغير ولا يعتاق عن السير فهو المستقيم في التوحيد والنبوة والولاية وهذا هو الذي عنده السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون من علوم النبوة والولاية واسرار الربوبية والقيومية والهيمنة والاستيلاء والتعزز والتمنع فاذا صار هكذا اتته الملائكة وبشروه بانهم احباؤه في الحيوة الدنيا وفي الآخرة والحبيب يطيع محبوبه ان المحب لمن احب مطيع فحمل الملائكة هذا التابوت كما يقال ان الملائكة حملت العرش وهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وهذه الحاملية ليست حاملية اقامة واثبات وهيهات واني لهم ذلك بل العرش اثقل من ان يحمله شيء من الملائكة لانه مستوي الرحمن استوى برحمانيته سبحانه عليه واعطي كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه والملائكة من اهل الاستحقاق المعطون من جملة الارزاق كيف تحملونه ( يحملونه نسخة ١٣٠٥ م ) حمل اقامة ولهم منه الامداد والافاضة فمعنى حملهم للعرش حمل آثاره الى المواد والقوابل بحسب الاستعداد فجبرئيل حامل آثار الخلق والصنع والاحداث وما يلزمها من الحركات وعزرائيل حامل آثار الموت الى المواد والقوابل المتأهلة بذلك واسرافيل حامل آثار الحيوة كذلك وميكائيل حامل آثار الرزق كذلك فهذه الاربعة الاركان آثارها سارية في الاكوان والاعيان وهو قوله تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وكذلك الملائكة الحاملة للتابوت الذي فيه سكينة من ربه وهي الاطمينان والثبات والاستقرار والاستقامة الحاصلة بذكر الله سبحانه وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون من احكام النبوة والولاية الظاهرة في جميع الذرات بحكم الاطلاق والملائكة حملة تلك الآثار الظاهرة في قلب هذا المعبر عنه بالتابوت وما يتعلق به من الاطوار الى انحاء الموجودات مما يشاء ويريد ذلك الستر والحجاب فمن الملائكة من يحمل من آثار جسمه ومنهم من يحمل من آثار مثاله البرزخ بين الروح والجسم ومنهم من يحمل من آثار نفسه بالمراتب الاربع النفس المطمئنة والنفس الراضية والنفس المرضية والنفس الكاملة ومنهم من يحمل من آثار عقله في الاطوار الثلاثة ومنهم من يحمل من آثار قلبه وهذه المراتب لها آثار تحملها الملائكة وتظهرها وتبرزها الى الاعيان الخارجية من انواع الكرامات وخوارق العادات كما شاهدناها من جماعة من هؤلاء الاولياء الذين هم باب الباب وجناب الجناب ثم اعلم ان التابوت وان كان مفردا لكنه في المعنى جمع يراد بهم النقباء والنجباء وانما افرد لان جهات اختلافهم وتعددهم ضعيفة وانياتهم مضمحلة وكثراتهم زائلة لانهم من عند الله لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فهم جماعة في الصورة وشخص واحد في الحقيقة واشهد ان ارواحكم وطينتكم واحدة طابت وطهرت فيصح التعبير عنهم بالمفرد والجمع والمعنى واحد اذ ليس الكلام فيهم من حيث اشخاصهم وهيئاتهم وصورهم وانما المقصود منهم من حيث انهم مهابط انوار القدس ومظاهر اطوار الانس ففي هذا المعنى كلهم واحد ولذا عبر الناظم عنهم بالمفرد بقوله الرواق والكتاب والقرآن والتورية والانجيل والزبور والتابوت ونحن عبرنا عنهم بالجمع وهو عين المفرد كما ان المفرد عين الجمع والانظار مختلفة والاسرار واحدة
نكتة عرفانية - اعلم ان الله سبحانه قال كما اشار اليه الناظم ايده الله وسدده واسبل عليه جلابيب رحمته الواسعة وهو قوله تعالى ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربه وفي وصف السكينة بانها من ربه اشعار وايماء بان السكينة سكينتان سكينة من الرحمن وسكينة من الشيطان اما السكينة الرحمانية فقد شرحناها مفصلة وان كانت الشيطانية تعرف بالمقابلة ولكن المدركون لذاك قليل فيجب ان نذكرها لتعم الفائدة ولحاجة اغلب الناس ممن يروم البواطن والاسرار والحقايق والانوار اليه فلذا نبينها وان كان يطول بذكرها زمام الكلام ولكن لا بأس اذا ترتبت ( عليها خ ) فوائد مهمة فنقول قد ذكرنا سابقا ان القلب له وجهان وجه الى عليين ووجه الى سجين الوجه الاول مقر العقل وجنوده والوجه الثاني مقر الجهل وجنوده والجوارح خادمة لهما على التبادل والتناوب وهي محل غذائهما ومورد استمدادهما وسبب استمرارهما واضمحلالهما وقوتهما وضعفهما فان استمر الشخص نظره الى الوجه الاول وانقطع عن الوجه الثاني حصلت بتوفيق الله الطمأنينة والسكينة التي من الله وهي التي انزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وعلى المؤمنين وان نظر الى السجين ( سجين خ ) يعني مال الى جانب الجهل لما وقع التغالب بين الجندين والمقاتلة بين العسكرين فيوقع تلك المعصية فيخرج الملك الحامل لضد تلك المعصية ويجلس مكانه شيطان من الشياطين ثم اذا طلب العقل ( غذاءه نسخة ١٣٠٥ م ) والجهل عاكسه لاجل غذائه ومال الشخص الى جانب الجهل واوقع تلك المعصية فيخرج الملك ويجلس مكانه شيطان ولا يزال يفعل هكذا الى ان تضعف جنود العقل وتقوي ( جنود نسخة ١٣٠٥ م ) الجهل وكثرت المعاصي وتقوت النفس الامارة بالسوء وارتفعت اللوامة واطمأنت وسكنت في المعاصي الى ان خرجت الملائكة باسرها وبقي العقل وحيدا فريدا مستضعفا حقيرا خائفا فخرج منها خائفا يترقب وهو قوله تعالى فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهو بيت العقل فاذا خرج العقل يكون البلد بلد الكفر ويستقر الجهل على سرير السلطنة والدولة والمكنة ويستولي على جميع الاعضاء والقوي والجوارح وتستخدمه الآلات والادوات والجوارح الجسمانية فيفعل ما يشاء من المعاصي والسيئات ويحكم ما يريد من قبايح الخطيئات
ازالة وهم - لعلك تعترض على قولنا بان العقل اذا خرج وخلي البدن من العقل جاء الجنون واذا جاء الجنون ينقطع التكليف والتمييز مع ما نجد في الكفار من التميز والشعور والادراك ما تحير عنده اولوا العقول والالباب والجواب ان العقل عقلان عقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان وهو النور المحض وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وعقل يراد به التمييز المطلق والذي يميز بين الحق والباطل والجيد والردي والحسن والقبيح والنور والظلمة والمعنى والصورة ويرتب الامور ويكشف عن دقايق الاشياء وظواهرها فالذي قلنا انه يخرج وهو خائف يترقب وهو النبي الباطن رأسه الله وبعثه على البدن العالم الصغير الحاوي للعالم الكبير ليرفع عنه الاختلاف ويوضح ( له خ ) جوامع الاسماء والصفات ويكشف عن صريح التوحيد الشهودي المقرون بصحيح الاعتقادات لواضح البينات وهو نبي مبعوث وشخص مخصوص لاثبات الوفاق واظهار الاتفاق ورفع الاختلاف وهذا هو الذي اذا ضاق به الخناق ينهزم ويهرب فان الفرار مما لا يطاق من سنن الانبياء والمرسلين والصلحاء والصديقين والذي يبقى لاجل التكليف واقامة الحجة وايضاح المحجة هو العقل بالمعنى الثاني فلا ينافي ان يكون الكفار واصحاب النار ذا شعور وادراك وروية ولكنهم في عمي من مشاهدة الاسرار وملاحظة الانوار قلوبهم في اكنة ان يفقهوا المعارف الالهية والاسرار الربانية والقرآن الجامع لجوامع البيان لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وليس المراد انهم لا يبصرون المحسوسات ولا يسمعون الاصوات ولا يفقهون الامور الدنيوية بلى وهم كاملون في كل تلك الجهات وانما عدم الادراك والتفقه والاستماع لمعالي الامور ومراتب العرفان وهو قوله تعالى طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم وقال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وبالجملة فالتمييز موجود والنور مفقود ولذا لما سئل امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء عن العقل قال هو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان قيل والذي في الكفار والفجار قال تلك هي النكراء والشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل ه فافهم ما القينا عليك من الوجه الجامع والبيان النافع
رجع الى التحقيق بطور انيق - فنقول ان الجهل لما استولى على سرير القلب وانقطع تردد الملئكة واختلافهم وفروا وهربوا وانهزموا ولم يبق لهم اثر ولا من عندهم خبر امتلأ القلب والصدر والقوي والجوارح من الشياطين المردة فانسوه ذكر الله بالمرة وجنبوه الطاعات وورطوه في مهاوي السيئات فليس في ذلك الشخص جهة يذكر الله سبحانه فيه فانقلبت المساجد كنايس وهدمت الصوامع وخربت كعبة القلب وانهدم المسجد الحرام الصدر المنشرح وخرب البيت المعمور وحشي بانواع الفسق والفجور وامتلأت بالشياطين واستقر وزير الجهل وهو الشيطان الرجيم عن جانب اليسرى من القلب المنكوس للشخص المعكوس والرجس المركوس اعاذنا الله منه وهو قوله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فاذا تمكنت الشياطين في هذا القلب المنحوس فاول ما اتصل به شياطين الارض الاولى ثم شياطين الارض الثانية ارض الطبع ثم شياطين ارض العادات وهكذا الى تمام الاراضي السبعة وهؤلاء الشياطين على اختلاف مراتبهم بحسب استعدادهم في طبقات الارض التي قد سكنوا فيها يعلمون هذا الشخص من السحر والشعبدة والمخاريق والحيل وسرعة الحركات ما تظهر بها خوارق العادات ويوهم المعجزات والكرامات من علم السيميا والريميا والليمياء والهيمياء ويساعدونه على هذه الافعال القبيحة والاعمال الشنيعة والاطوار الباطلة والاوطار المجتثة الزائلة ثم يبالغ هذا الشخص بزيادة الاتصال بالشياطين الذين هم تحت الارض السابعة السفلى لتلطيف ظاهره وباطنه بالرياضات الصعبة المستصعبة من انحاء الجلسات كجلسات الجوكية وهي عندهم اربعة وثلاثون ( ثمانون خ ) جلسة لجميع ما يريدون من الاخبارات بالمغيبات والاطلاع على ما في الضمائر وما يستقبل من الحوادث قالوا والعمدة فيها التي لا بد منها خمسة جلسات بعد ان يجوع نفسه جوعا مفرطا فيشتغل حينئذ في مواضع الخلوات بحيث لا يراه احد وفي بدء الامر بالمجاهدة تنهد القوة ويضعف البدن قالوا فلا تبالي بذلك من شيء لان اول زمان المجاهدة كالصيف والشتاء وفي آخرها كالخريف والربيع
الجلسة الاولى لتقوية الكليتين وتنقية الظاهر والباطن وهضم الطعام وجذب البرودة الساكنة في الاعصاب والمفاصل وهي لمن يجلس متربعا ثم يطوي رجله اليمنى مع الساق على فخذه الايسر ورجله اليسرى على فخذه الايمن ويجهد بالرفق والمداومة حتى يقدر على ذلك ويصير عادة له من غير كلفة وهي المشكلة في البداية واذا قدر على ذلك قدر على الجميع بالقدر والتدريج ثم يقوم ظهره ويضع يديه منتصبا عضده متكأ على ركبتيه وينظر الى السرة دائما ولا يتحرك ولا يلتفت حتى يظن كأنه شجرة نابتة على الارض ويذكر ويقول هذه الكلمة دائما بالقلب لا باللسان الك معناها الله عز وجل وهي مذكورة في كل جلسة فاذا وصل الى هذا المقام يحصل له ثلث خصال قلة الطعام وقلة الكلام وقلة النوم
الجلسة الثانية ان يجلس كما ذكرنا اولا ويجعل يده اليمنى على قفاه الى الكتف الايسر وكذلك اليسرى على الايمن ويدير رأسه في الجهات الاربعة من غير ان يحول وجهه ذاكرا بقلبه الكلمة المتقدمة واذا اراد ان يسكن وضع يديه على ركبتيه ويقوم عضديه متكأ عليهما ولا يغفل عن ذكر القلب ابدا عسى الله ان يحصل له غيبة فان كان ذاكرا حاضرا شاهد من عالم الغيب اشياء تشوقه الى زيادة العمل فان وصل الى هذا المقام حصل له اشياء في ظاهره بعد مشاهدة الغيب في باطنه وهي انقطاع عرق الجذام والبرص والناسور والباسور والدق فهذه العلل التي لا دواء لها عند الحكماء والاطباء فمن عمل هذا العمل من به شيء من هذه العلل ويدوم بذلك تزول عنه وهو مشهور قالوا انه مجرب
الجلسة الثالثة وهي ان يجلس كما ذكرنا في الاول ويدخل يديه بين الساق والفخذ الى المرفق ثم يطلع يديه بقوة اليدين حتى يبقى معلقا ولا ينسى الذكر الذي تقدم فاذا حصل له هذا المقام قلعت ( قلت خ ) عنه مادة الماء والتراب وكثرت فيه مادة النار والهواء وهذا المقام المتوسط بين الملك والانسان
الجلسة الرابعة هي ان يجلس كما ذكرنا في الثالثة ويضع يديه على قفاه شابكا لاصابعه ولا يترك الذكر المتقدم فاذا حصل له هذا المقام زال عنه الخوف والجزع من الجن والانس حتى لو انطبقت السموات على الارض لم يخف ( وخ ) هذه مرتبة عظيمة عندهم
الجلسة الخامسة وهي ان يجلس على رجليه ويضع اولا يديه على الارض منصوبتين ويضع المفصل الذي بين ابهام الرجل واصابع رجله اليمنى على مرفقه اليمنى ورجله اليسرى كذلك على مرفقه اليسرى ويبقى معلقا على قوة اليدين ولا يترك الذكر المتقدم ذكره خاصة في هذه الحالة فاذا حصل له هذا المقام ورسخ فيه وبالغ بحيث لا يبات الليل في هذه الحالة يحصل له الطيران ويصير من جملة الارواح وبمثل هذه الاعمال الشاقة والرياضات الصعبة يلطفون البدن ويجففونه حتى يحصل لهم الاتصال بالشياطين الذين تحت الارض السابعة السفلى وفوقها وكلما يواظبون على هذه الاعمال يكون اتصال الشياطين بهم اكثر وازيد فكذلك كلما بالغوا في المعاصي التي ليس فيها حظ للبدن كالزنا واللواط وشرب الخمر وامثال ذلك بل المعاصي التي تميت القلب وتقسيه تزداد الكفر والشرك كالاستهانة بالقرآن وتنجيسه والعياذ بالله والاستخفاف به والاستخفاف بالكعبة وكتابة القرآن بالاشياء النجسة كالدم والعذرات والعياذ بالله وامثال ذلك لقد شاهدنا جماعة كانوا يفعلون ذلك لزيادة اتصال الشياطين بهم حتى يظهروا خوارق العادات ويموهوا على الناس انهم من سادة البريات وقد قال سبحانه في الذكر الحكيم والنبأ العظيم هل انبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك اثيم يلقون السمع واكثرهم كاذبون والشعراء يتبعهم الغاوون الم تر انهم في كل واد يهيمون والشعراء هؤلاء افاكون وهم الذين يتبعهم الغاوون لا الذي ينظم الكلام ويحسنه باحسن النظام مع انهم لا يتبعهم احد فالافاكون الآثمون الذين يرتكبون كبائر الاثم والفواحش من نوع ما ذكرناه هم الشعراء وهم منازل الشياطين ومأوى الابالسة الملحدين فالشياطين يفعلون لهؤلاء الملحدين الضالين المضلين من نوع ما يفعله الملئكة للعارفين الكاملين والمرشدين الواصلين فيصعدون بهم الى الجهة ( جهة خ ) العلو لا الى الحد الذي يحرقهم الشهاب الثاقب اذا صعدوا لاستراق السمع ويمشون بهم على وجه الماء فلا يغرقون ولا تبل اقدامهم لان الشياطين تحملهم وتخفيهم عن ابصار الناس باحاطتهم به وترميهم من اعلا ذروة قلة الجبل فلا يتأذون لان الشياطين ينزلون بهم ويدخلون النار فلا يحرقون لان الشياطين محيط ( تحيط نسخة ١٣٠٥ م ) بهم وقد اخبرني من اثق به وهو المعروف المشهور ان الغلاة الذين يرون الاستقلال لمولانا امير المؤمنين روحي له الفداء على محمد وعليه آلاف التحية والثناء ويرون انه الله الذي لا اله الا هو وامثال ذلك من الاعتقادات الباطلة الفاسدة اذا ولد لهم ولد يرمونه من اعلى الجبل الى الارض فلا يموت ولا يصيبه جرح ولا اذية فيشتد بذلك اعتقادهم ويموهون ويلبسون على غيرهم وتدخل الحيرة على جماعة من الاخيار من فعلهم ولا يدروا ( ما يدروا خ ) انهم اذا القوه من ذروة الجبل تلقته الابالسة والشياطين ويضعونه على الارض بلا مضرة تبين وهكذا سائر ما يفعلونه مما يموهون به على الناس كاخبارهم بما في الضمائر واطلاعهم على بعض ما في السراير واظهارهم للناس مخفيات الامور واخراجهم مخبيات الكنوز واشباعهم خلقا كثيرا من رغيف واحد ودخولهم في النار وخروجهم من غير احتراق شيء من اجسادهم وثيابهم وهكذا جميع ما كانوا يفعلون اهل الحق باستمداد الملئكة يفعلون هؤلاء الارجاس الانجاس باستمداد الشياطين وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم فيكثرون التصانيف ويأتون باشياء مموهة من الزخاريف ويبسطون في الكلام ويبالغون في النقض والابرام ويأتون باشياء غريبة من المعاني مما يوحي اليهم من الشياطين من الصور المكتوبة والنقوش المرسومة في كتاب الفجار في سجين ويصورونها بعبارات محيرة تقرب الى القواعد المقررة لتلبيس الناس وتمويه الذي في صدره الوسواس الخناس انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير مثال هؤلاء واهل الحق من اهل الباطن كالماء الصافي والبول الصافي فان في كل منهما تنطبع الصورة الا ان احدهما من عليين والآخر من سجين فهؤلاء استمر نظرهم في الوجه الثاني من وجهي القلب واقتصروا في ملاحظة هذا الوجه فحصلت لهم فطرة ثانية مستقرة ثابتة بحيث لا يلتفتون الى غيرها وان كانت هي مجتثة زائلة في اصلها كما قال تعالى مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار الا ان هذه ( هذا خ ) الاجتثاث في اصل الشجرة من حيث هي الا ان نظرهم عليها ثابت ومشاهدتهم لها مستقرة فحصلت لهم في باطنهم الطمأنينة والسكينة وهذا ( هذه خ ) هي السكينة التي ليست من الله ولم ينزلها الله على اوليائه ولم يرضها لهم فاولئك هم الكفرة الفجرة وهذا انما تحصل لهم اذا لم ينظروا الى الفطرة الاولى الالهية اما اذا نظروا اليها بعد استقرارهم على الثانية على الوجه الذي ذكرنا جائهم معنى قوله تعالى ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء لتعوده بالثانية وعدم التمكن من النزوع عنها وملاحظة الاولى ومنافاتها مع الثانية فهم دائما في ضيق وحرج وشدة ومحنة في القلب اذ يأتيهم بالفطرة الاولى ما يقطعون بحقيته والفطرة الثانية المغيرة يناقضها فلا يقدرون الانفكاك عنها والخروج منها فهم في شدة وعذاب ومحنة وعقاب هذا في الدنيا وعذاب الآخرة اشد واخزي وهو معنى قوله تعالى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا مع ما نجد من الكفار مثل الفرنج ( الافرنج خ ) والروس في سلطنة ودولة وعيشة رغدة اما في قلوبهم عند النظر الى الفطرة الاولى في ضيق وحرج والله سبحانه وتعالى اصدق القائلين والمخبرين فاما المؤمنون الكاملون والعارفون المرضيون والحجب الصالحون فهؤلاء ليست لهم فطرتان بل بقوا على الفطرة الاولى العليا ولم يتمكن منهم الشيطان حتى يأمرهم فيغيروها كما وعد في قوله تعالى ولآمرنهم فليغيرن خلق الله وفطرتهم واحدة وطريقتهم واحدة لان امر ربهم واحدة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير فهم رضوان الله عليهم في راحة وفي جنة لا يرون فيها نصبا ولا تعبا واما اولئك المخذولون وعن نور الحق محجوبون الذين قد ران على قلوبهم بما كانوا يكسبون اذا لم ينظروا الى الفطرة العليا الاولى فهم في ثبات وطمأنينة وسكينة وراحة ولكن هذه الراحة متاع الحيوة الدنيا وفي الآخرة هم الخاسرون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون قل متاع الدنيا قليل فهم تابوت فيه سكينة ولكن هذه السكينة ليست من الله ولا الى الله ولا بالله ولا تشملها عناية الله ولا تعمها كرامة الله ولا ينظر اليهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم
تنبيه فيه تحذير يا اخي يا قرة عيني الحذر الحذر مهلا مهلا لا يغرنك هؤلاء الخداعون ولا يلبسن الامر عليك اولئك الملحدون ولا تغتر بمن تجد منه خوارق العادات ولا ما يشبه الكرامات ولا ما يوهم المعجزات لان هؤلاء اعداء الدين يريدون اضمحلاله بهذه الافعال المتشابهة والاعمال المموهة بل اطلب الميزان ليدلك بصريح البيان الى مقام العيان وتميز بين الحق والباطل ويفرق بين الثابت والزائل والله سبحانه وتعالى في القرآن قال واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام والحب ذو العصف والريحان فباي آلاء ربكما تكذبان وقال سبحانه وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين فتمسك بالميزان واطلب بقية الله فانه هو الميزان وليس لي الآن اقبال على ازيد من ذلك من البيان لعل فيما بعد نجد مقاما مناسبا لتمام البيان ان ساعد القدر بامر مستقر ووافق القضاء بحكم الامضاء وحصل لي نشاط في الحال ويرفع عني تبلبل البال وتدفع عني الامراض المانعة من استقامة الحال وتنطفي عني نوائر الاشغال التي احرقت كبدي واوهنت خلدي واذهبت جلدي حتى اقوم عن ساق النشاط واظهر من الاسرار ما يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فهيهات هيهات رفع هذه الموانع عني وانا في تمني رفعها كما قال الشاعر :
الا ليت الشباب يعود لنا يوما فاخبره بما فعل المشيب بنا
الا ان رجائنا بالله عظيم لانه سبحانه على كل شيء قدير وبالاجابة لمن دعاه جدير وما ذلك على الله بعزيز
عود في التحقيق بطرز رشيق - اعلم ان ما ذكرنا هو حال اصحاب السكينتين السكينة التي هي من عند الله والسكينة التي هي من الشيطان وهما السكينة الرحمانية والسكينة الشيطانية واما اصحاب التلوين فهم الذين لم يستقروا في حال ولم يستقروا في جهة بل يميلون مرة الى جانب العقل واخرى الى جانب الجهل مرة يقرؤن ( يقوون خ ) الشيطان واخرى يسلكون سبيل الرحمن يتعارضا نظراهما ولا ينصبغون بصبغ الا وقد نزعوه عنهم وانصبغوا بصبغ آخر لا يلبسون لباسا الا وقد خلعوه ولبسوا لباسا آخر ضد الاول فهم بتعارض الانظار لم يزالوا واقفين ولم يحصل لهم الترقي ولا يصلون الى مقام اليقين ولا يتصلون باولياء الشياطين وهم دائموا الحركة ولكنهم وقوف يقدمون رجلا ويؤخرون اخرى كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا هؤلاء ان كان قلبهم قد استقر بالحق الا ان اعمالهم المعاكسة لما استقرت عليه قلوبهم اقعدتهم وعلقت بهم ثاء الثقيل من الاعمال الغير اللايقة والافعال المنافية واتصلت بهم ميم المركز وظهرت هاء الهبوط فهم في مقام الاعتقاد راقون اعلى الدرجات وفي مقام العمل هابطون الى اسفل الدركات وهؤلاء هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم وعسى موجبة لان العلم يغلب على العمل والروح غالب على الجسم فعند رد الفروع الى الاصول تصفوا الجوارح من مقتضياتها من دواعي النزول ويلحقون بآبائهم الذين هم الاصول وهو قوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء ولولا سلاسل الاعمال وقيود الشهوات والميولات ولوازم الانيات والماهيات التي اقعدتهم وقيدتهم ومنعتهم عن الصعود الى معالي الدرجات ولو وافق عملهم علمهم او طابقت شهوتهم معتقداتهم لكان هؤلاء ايضا من اصحاب التمكين واصحاب السكينة ولكن ريش الغراب قعد بهم عن اللحوق بمقام العقاب والوصول الى رتبة الاحباب ولكن مآلهم الى النجاة وعاقبتهم الى الحيوة فنسئل الله حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة وان كان قلوبهم غير مستقرة وصدورهم غير منشرحة ما استمر نظرهم الى شيء ( وخ ) ما استقر عقيدتهم الى وجه بل مرايا قلوبهم وحقايقهم مضطربة متمايلة لا ينتقش فيها شيء ولا ينطبع فيها امر والمنطبع ليس له حقيقة ولا اصل ويحسبون انهم على شيء الا انهم هم الكاذبون وهؤلاء متزلزلون مضطربون همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا الى ركن وثيق فهؤلاء المقصرة الذين ما اطمأنت نفوسهم ولا استقرت مرايا حقايقهم وقلوبهم فلو استقرت لادركت وابصرت وانتقشت صور الحقايق فيها فادركت واستشعرت لكنها مالت وماثبتت فهم في دركات الهلاك نازلون وعن درجات النجاة مائلون اذ لم يثبتوا على شيء لا حق ولا باطل وعندهم ما يحصل به الاطمينان والتمكين وان كان قلوبهم قاسية في اصل الفطرة كالاحجار الغاسقة التي لو استقرت وقابلت اشراق الشمس او ما يقابله لم يثبت فيها شيء لانجماد حقيقتهم وخمود نار طويتهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وهؤلاء هم المستضعفون الذين لا اعتبار بتصديقهم ولا بتكذيبهم ولا يفيد نظرهم ولا ينفع بصرهم ولا يؤثر استمرارهم ولا استقرارهم فهؤلاء بعد لم تنضج طبايعهم ولم تعرف سرائرهم ولم يعلم ما هم عليه في اكوارهم وادوارهم واطوارهم واوطارهم وهم المرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم فهؤلاء مراتب اهل التلوين في اصل الفطرة
تقسيم - اصحاب التمكين وهم اصحاب السكينة على قسمين تابع ومتبوع فهم اربعة واصحاب التلوين منهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ومنهم المقصرة المترددة في طغيانهم يعمهون ومنهم المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وقد اخبر الله سبحانه عنهم في سورة التوبة قال عز من قائل والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم الى ان قال سبحانه وتعالى وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم والله عليم حكيم اما السابقون الاولون من المهاجرين والانصار ( وخ ) هم الحضرة المحمدية صلى الله عليها ومن كان من سنخها ومن حقيقتها هم السابقون الذين سبقوا الى كل خير وكل نور وهم في مقام التعين الاول كل ما سويهم تحت رتبتهم وهم سبقوا اولا قبل كل سابق وهم اول المجالي واول المظاهر واليهم تنتهي النسب والاضافات وعنهم يرتجي كل الخيرات هم الاولون بلا آخر ولا غاية وهم السابقون بلا نهاية وهم المهاجرون الذين خرجوا من بيت انياتهم وماهياتهم وسلبوا تعيناتهم وهاجروا الى ربهم بلا كيف ولا اشارة ولا جهة ولا عبارة فساروا فطاروا وداروا وشربوا وسكروا ووصلوا واتصلوا فلا فرق بينهم وبين حبيبهم وهو قوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله والموت هو الفناء وذلك الفناء هو البقاء وهو السكر وذلك السكر هو الصحو وهو المحو الذي هو الصحو وبالجملة هم الذين هجروا هجرة تامة ثم في سفرهم الرابع نصروا الله ونصروا امر الله ودين الله وعباد الله بان هدوهم الى الله ودعوهم الى الله واخرجوهم من الظلمات الى النور وطهروا بيت الله واظهروا امر الله كما في الدعاء وبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت واما الذين اتبعوهم باحسان هم هؤلاء البررة الكرام الذين اشار اليهم الناظم سلمه الله تعالى وايده بتقويه واخذه بهويه الى رضاه في الابيات المصدرة بهذا وهذا وهم ابواب الباب وجنب الجناب والذين فصلت ذكرهم في هذه الاوراق هم الذين اتبعوهم باحسان وهم قسما ( قسمان خ ) اهل التمكين اهل الطمأنينة والسكينة الالهية من المتبوعين والتابعين وهم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه الى آخر ما اعد لهم من الثواب واما الذين حولكم من الاعراب الذين هم اشد كفرا ونفاقا واجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله وانما قال حولكم لانهم دخلوا البيت من ظهورها وهؤلاء حولكم لانهم غمسوا في بحر الطغيان وسلكوا مسلك اهل البغضاء والشنئان وكل ذلك من اقتضاء الماهيات ودواعي الانيات وهي حول الوجود والمستمدة منه في الغيبة والشهود والذين مردوا على النفاق فالنفاق هو المراد بهم المنافقون الاولون المعرضون المدبرون عن نور الحق وهم الذين قال تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار انما سماهم نفاقا للمبالغة كما يقال زيد عدل والذين مردوا على النفاق هم اهل الشقاق الذين ذكرتهم وفصلتهم وبينت احوالهم وابنت اقوالهم واحوالهم سابقا وآنفا وهم التابعون والاولون هم المتبوعون وهم اهل السكينة والتمكين ولكنها من الابالسة والشياطين كما ان الاولين سكينتهم من عند الله رب العالمين ثم اشار سبحانه وتعالى الى اهل التلوين فابتدأ بالاولين منهم وقال سبحانه وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وهم اصحاب التلوين الذين ذكرنا ان قلوبهم مستقرة وبواطنهم ثابتة على الحق الا ان اعمالهم المنافية اقعدت بهم عن الترقي الى تلك الدرجات وقال امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في الدعاء الذي ترجمه بالعربية من دعاء الخضر (ع) وفيه اللهم عظم بلائي وافرط بي سوء حالي وقصرت بي اعمالي وقعدت بي اغلالي وحبسني عن نفعي بعد آمالي وخدعتني الدنيا بغرورها ونفسي بخيانتها ومطالي وهؤلاء وان كانوا من اهل التمكين لكن منعتهم ثاء الثقيل عن الوصول الى مسكنهم والبلوغ الى مأمنهم فهم في الطريق اخذهم قطاع الطريق ويوشك ان يوصلهم ( توصلهم نسخة ١٣٠٥ م ) العناية الالهية الى خير غاية واليهم ايضا يمكن الاشارة في قوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وهؤلاء ايضا قد خرجوا من بيت انسهم ومأوى نفوسهم هائمين والى جناب الحق طالبين والى حضرته مشتاقين وقد منعهم ابليس اللعين وساعدته الشهوات والميولات التي هي من اقتضاء الماهيات وتلقيهم ( تلقتهم نسخة ع ٤٠ ب ) الشياطين فاعتراهم داء دفين لعلك تعترض وتقول العارفون بالله كيف يعصون لان الذي عرف شيئا اما احبه غاية المحبة او اعرض عنه وابغضه واما ما عدا ذلك فلا يتعقل بل ولا يتخيل والجواب ان العارفين بالله على قسمين منهم اصحاء في الباطن وفي الظاهر ابدانهم بسيطة ( نشيطة خ ) للعبادات وقلوبهم معلقة ببارئ السموات وسامك المسموكات وحرارة المحبة في قلوبهم كامنة وآثارها ولهبها في الجوارح ظاهرة جففت رطوبات مزاجهم واخرجت المواد الفاسدة من كينوناتهم فاعتدلت طباعهم وصفي مزاجهم ورجح ميزانهم فاتبعت تلك القلوب الجوارح والاعضاء وبقيت تعبد الله وتدعوه في السراء والضراء لا يفتر عن العبادة ولا يتعب في الطاعة مستحضرون الحق سبحانه في كل حال ويشاهدونه بلا انقطاع ولا زوال واوردوا انفسهم موارد الفناء والاضمحلال وهم يسبحون بحمده بالغدو والآصال وهم الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهؤلاء هم الاصحاء من العارفين الكاملين الامناء ومن العارفين مرضي وهم اناس ظهرت المعرفة في قلوبهم وسرائرهم وامتلأت بها افئدتهم وحقايقهم ولكن نفوسهم قد بقيت فيها بقايا من آثار الجهل وبقايا ظلمات من آثاره فتلك الظلمة وان كانت قلت وضعفت وخرجت النفس من كونها امارة بالسوء ولكنها سرت فيها سريان المواد الفاسدة في جوارح الانسان واورثت امراضا مزمنة في ذلك البنيان فهو حي لكنه مريض ومرضه في نفسه وفي مشاعره وقواه وكينونته فاذا اعترت معصية ودعت النفس اليها عرف الشخص لما فيه من النور في القلب ان هذه معصية وهي خلاف محبة الله ولكن النفس لما فيها من ثقل الامراض المزمنة فيها ما يتمكن من النهوض والهرب منها فتقارف المعصية والعياذ بالله وهي كارهة لها غير محبة اياها فاذا اقترفها وارتكبها يحس بالمها ويندم ويستغيث كالمريض الذي لم يقدر على النهوض والحركة وتأتيه افعي وهو يعلم انها تلدغ لكن لا يمكنها النهوض والهرب منها وهي مطروحة الى ان تأتي وتلدغه ثم يصيح المريض وينادي ويستغيث وهذا مثال ذلك بعينه فافهم ضرب المثل ولذا قال تعالى خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم قال مولينا الصادق عليه آلاف التحية والثناء من الملك الخالق ان عسى في هذه ( الآية خ ) موجبة يعني يجب على الله على حسب وعده وتفضله ان يتوب عليهم وهو سبحانه ارحم الراحمين واكرم الاكرمين غفار الذنوب ستار العيوب يا نور النور ويا مدبر الامور وافض علينا من نورك وانظر الينا بعين عنايتك ولا تجعلنا ملقى بين يدي عدوك يا غفار يا ستار واما القسم الثاني من اصحاب التلوين فهم المقصرة فقد ادخلهم الله سبحانه مع التابعين من اهل السكينة في التوبيخ والعذاب وهو قوله تعالى من اهل المدينة مردوا على النفاق قوله تعالى سنعذبهم مرتين لانهم الضالون المضلون فمرة لضلالة انفسهم ومرة لاضلالهم غيرهم وهو قوله تعالى وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وليسئلن يوم القيمة عما كانوا يفترون ولا ينافي ذلك قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر اخرى لان ذلك ايضا من اوزارهم لانهم قالوا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا وهم اتبعوا سبيلهم تلك خطايا بدعتهم التي ابتدعوها لانهم قالوا كما اخبر الله سبحانه وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ثم قال سبحانه وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء انهم لكاذبون وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم واما الذين ( اما الذي نسخة ١٣٠٥ م ) ما يحملونه من خطاياهم وهو خطيئة المتابعة وهي التي يستغيثون منها يوم القيمة ويقولون انا اطعنا سادتنا وكبرائنا فاضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا وقال تعالى لكل ضعف ولكن لا تبصرون وبالجملة هم يحملون اثقال البدعة واثقال حملهم اياهم تلك الخطيئة والحاصل قوله تعالى سنعذبهم مرتين يريد به النوعين لا مرتين بالعدد فان لهم عذابا من الله مرات ومرات ومرات لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عليهم ( عنهم نسخة ١٣٠٥ م ) من عذابها وهم مبلسون ملعونون ناكسوا رؤسهم وهم يصطرخون فيها وقوله سبحانه وتعالى لا تعلمهم نحن نعلمهم فالمراد من هذا العلم العلم الذي تظهر آثاره فان العلم على قسمين علم بشيء يتفرع عليه جميع آثاره وهذا هو العلم التام كما اذا علم الحاكم بالبينة او يعلمه من نفسه بثبوت حق على آخر يحكم بما علم ويأخذ الحق من الذي عليه وكذا اذا علم بوجوب حد على شخص فانه يحده واذا علم بارتداد مرتد يجري عليه حكمه من قسمي الارتداد وهكذا كل من علم شيئا يجري مقتضي علمه ولكن هنا علم آخر حكم الله سبحانه على عدم اجراء مقتضاه عليه كما ادب نبيه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وقال ولا تكن للخائنين خصيما وقال ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله وامثالها من الآيات التي ادب بها نبيه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في السلوك مع منافقي قومه فهو صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم يعلمهم ويطلع عليهم ولكن لا يجري عليهم مقتضيات ما يعلم منهم بل كان يكتفي منهم بمجرد اظهار الكلمتين واما قلوبهم فلا يسئلهم عنها وان كانت مملوة غيظا وضيقا وقد قال صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اني امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله خ ) ولم يرد منهم ازيد من القول شيئا وقال زين العابدين وسيد الساجدين عليه آلاف التحية والثناء من الله رب العالمين في دعاء السحر في شهر رمضان اللهم ان قوما آمنوا بالسنتهم ليحقنوا دمائهم فادركوا ما املوا وانا آمنا بالسنتنا وقلوبنا فادركنا ما املنا وثبت رجاؤك في صدورنا الدعاء فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) يعلم لكن ما يجري مقتضي علمه عليهم فحيث انه سكت عنهم كأنه لم يعلمهم وقد اشار سيد الساجدين في ذلك الدعاء الى هذا النوع بقوله روحي له الفداء فبحلمك امهلتني وبسترك سترتني حتى كأنك اغفلتني ومن عقوبات المعاصي جنبتني الدعاء فان قلت فعلى هذا فالله سبحانه وتعالى ما اجرى مقتضي علمه عليهم فكيف نسب العلم الى نفسه ونفي عن نبيه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والحالة واحدة قلت هذا الكلام من الله سبحانه وهذا البيان والاعلام لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) من اجراء مقتضي علمه ولا يلزم اجراء ذلك المقتضى في جميع الحالات لحكم ومصالح يضيق لذكرها الاحصاء فضلا عن الاستقصاء فكيف لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وهو عالم بجميع القرآن تفسيره وتأويله ظاهره وباطنه والله سبحانه وتعالى يقول وفيه تفصيل كل شيء وفيه تبيان كل شيء ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ( وكل شيء احصيناه كتابا خ ) وكل شيء احصيناه في امام مبين اذا كان كل شيء في الكتاب ورسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عنده علم الكتاب فاي شيء يشذ عنه لا والله لا يشذ عنه شيء وهو المحيط بعلم ما كان وما يكون مما دخل في خزانة من الخزائن الغيبية فان الله سبحانه وتعالى ذكر في محكم كتابه فقال عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وهو صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) المرتضى من الرسل وهو الرسول المرتضى وقال تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وهو الرسول المجتبى واي مانع لله سبحانه ان يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) علم كل شيء اوجده وجعله في خزائن الغيب والشهادة من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم هل لضعف في قدرة الله او لقصور في قابلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وعدم تحمله لما في الامكان او ان الله سبحانه بخل عليه هذا الكمال او هو لم يطلب من الله ذلك او ما كان يعلم ان طلب العلم كمال والعلم بالشيء خير من الجهل به اما كان يطلب من الله كل خير ونور اما كان يعلم ان العلم خير ونور اما كان كل حادث مظهر اسم من اسماء الله دالا على نوع من قدرته سبحانه وجلاله وجماله اليس رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم مظهرا لجميع الاسماء والصفات الالهية وهل يوجد اسم ما جمعه ولا حمله ولا كان مظهره صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اليس سبحانه قال سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم اليست الآيات جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي اما ارى الله سبحانه جميع هذه الآيات نبيه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وقد ارى فرعون آياته كلها كما قال تعالى ولقد اريناه آياتنا كلها فكذب وابى اما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) صعد في المعراج وسار في جميع الخزائن ووقف على جميع الذرات في جميع الحالات من مبدئها الى منتهاها ووقف على كل شيء حين خلق الله سبحانه اياه اما كان نبيا على العالمين اليس العالمون هم الذين كان الله ( سبحانه خ ) ربهم في قوله تعالى الحمد لله رب العالمين وكذلك قال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا اليس النذير يعلم المنذر له والنبي يعلم من ارسل اليه وان لم يعلمه كيف يكون نبيا وكيف يؤمر مع ذلك ان يبلغ وكيف يأمره الله سبحانه بالتبليغ وهو يقول يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك فكيف يبلغ من لم يعرفه ان قالوا ان التبليغ والتكليف فرع الشعور والعقل والادراك وهي مفقودة في غير الانس والجن والحيوانات فقد بينا قبل ذلك ان كل شيء له ادراك وشعور واقمنا عليه براهين قطعية وذكرنا آيات كثيرة كالروايات والادعية وذكرنا دعاء ام ملدم المشروح ( المشهور خ ) ان النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم علمه امير المؤمنين للحمي وام ملدم اسم من اسمائها يا ام ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فاذا كان هذا حال الحمى التي عندهم عرض من الاعراض فما ظنك بغيرها من ساير الاعراض والجواهر والعلويات والسفليات وهل ينكر هذه الامور الضرورية والاشياء التي قامت على اكثرها ضرورة الاسلام واجتمع عليه المسلمون فتبا لهم وسحقا ما لهم كيف يحكمون افلا يبصرون ام على الله يفترون والله سبحانه يقول وقوله الحق قل فلله الحجة البالغة واي حجة اعظم من رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم واي نقص اعظم من الجهل واي كمال اشرف من العلم به يعرف الله وبه يعبد وبه يعظم وبه يكبر وبه ينزه وبه يقدس والعلم معرفة آثار قدرته وآثار قدرته ظاهرة في مصنوعاته فمن العجب كيف يكون التعين الاول والنور الازل غير محيط بباقي التعينات ومهابط الفيوضات ومجالي التجليات لانها به تحققت وبظهوره تذوتت وبنوره تشيئت ومن نوره تكونت وبوجهه ( وخ ) الى وجهه اقبلت وبظل عكوسات آثاره ادبرت وبفاضل ظهوره ظهرت قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق بهما كيف يشاء فمن انكر علمه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بالاشياء المكونة الموجودة دقيقها وجليلها وخطيرها وحقيرها وعسيرها ويسيرها وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها وشاهدها وغائبها وكيل الماء في البحار وقدر الهواء والنار ووزن الارض والسموات وعدد قطرات الامطار وعدد الرمال في البراري والقفار وعدد الاشجار والاحجار وعدد كل ما يحويه الليل والنهار وعدد النجوم والكواكب وعدد المشارق والمغارب ( وعدد الملائكة المسبحات خ ) وعدد الملائكة المقدرات وعدد الملائكة المقسمات وعدد الملائكة المعقبات وعدد الملائكة الحافظات وعدد الملائكة الحاملات وعدد الملائكة الجاريات وعدد النجوم في الكرسي وعدد اشبار العرش والسرادقات وعدد ما حواه اللوح من ذرات الكائنات وعدد ما جرى القلم بانحاء الافاضات فقد اخطأ خطاء فاحشا كيف وهذه الاشياء تحققت بالولاية التي هو صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم بنفسه حاملها والله من ورائه محيط وقد قال البوصيري واجاد وافاد بقوله في القصيدة الميمية المشهورة :
وان من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فاذا كانت الدنيا والآخرة من بعض جوده ونواله وعلم اللوح والقلم من بعض علمه فما عسى ان يقول قائل او يتكلم متكلم وما عسى ان ينفيه ويثبته فاني للقطرة والحكم على البحر المحيط التيار المغطمط المتلاطم وهي قطرة حقيرة ضعيفة واين الثريا من يد المتناول ثم اجمل في المقال وابان عن حقيقة الحال بقوله :
دع ما ادعته النصارى في نبيهم و احكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
ثم اشار سبحانه وتعالى الى القسم الثالث من اهل التلوين فقال عز من قائل والمرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم وهؤلاء المرجون هم الذين اخبرتك بهم من اناس مانضجت حقايقهم ولا تحققت سرائرهم فكان يقول شيخنا اعلى الله مقامه ان قلوبهم ما خلقت بعد ومراده اشاد الله شأنه وعظم برهانه ان اجمالهم ما تفصل وابهامهم ما تبين لان كينونتهم مريضة وافئدتهم غير صحيحة ومعنى ذلك ان نطفتهم ماصارت علقة وعلقتهم ماصارت مضغة وعظامهم ماكسي لحما وهؤلاء مؤخر امرهم والحكم بايمانهم وكفرهم الى ان يتبين امرهم ويظهر شأنهم ويثبت ايمانهم او طغيانهم ليجري عليهم ما قدر لهم على مقتضى علمه سبحانه في بدو شأنهم في الغيب وهو سبحانه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وهذا الذي ذكرناه واجملناه وفصلناه هو حكم صاحب التمكين اي السكينة والتلوين على حسب الظاهر وفي الظاهر التلوين مقدم على التمكين والتمكين هو الاصل وعليه المدار واما عند اهل الحقايق والاسرار والعارفين الكاملين من اهل الانوار فالتمكين هو الذي ذكرنا لك من قطع العارف الكامل والمرشد الواصل الاسفار الاربعة وبعد ذلك تمكن وثبت وقد دخل في الباب الملكي وليس له عن هذه الغاية مغير كما قال امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) ولكن الممكن لا يقف وليس له حد الوقوف ولا له على مقام عكوف وهو دائما يحتاج الى المدد الجديد ودائما يفتقر الى الافاضة الجديدة ويتحرك بالحركة الجوهرية فلا سكون لتلك الحركة ولا وقوف لذلك السير وهو دائم الاستمداد والواقف بباب المدد على حسب الاستعداد فاين الوقوف واين التمكين ولذا قلنا ان الامكان ليس فيه جامد وهو بما هو عليه مشتق لا جمود ولا خمود لا في الذوات ولا في الصفات ولا في الحقايق ولا في الجهات ولا في النسب والاضافات ولا في الحدود والتعينات ولا في المعاني والالفاظ والعبارات ولا في الاوضاع والموضوعات وما تسمع من اهل النحو ان اللفظ اما جامد او مشتق فذلك على ظاهر الكلمات ( الممكنات خ ) من حيث تقسيم الموجودات الى وجود وتعينات فاذا لاحظ التعين من حيث هو جاء الجامد وظهر الماء الراكد وهو في ركوده جار وفي جموده مشتق ذائب وهو في كل حال ( في حال خ ) ركوده جار وفي حال جموده ذائب سار وفي وحدته متكثر وفي كثرته متوحد والى هذا المعنى اشار رأس الجالوت اعلم علماء اليهود وسأل مولينا الرضا عليه آلاف التحية والثناء وقال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر وما المتكثر المتوحد وما الجار المنجمد وما الناقص الزائد فاجاب عليه السلام يا ابن ابيه اي شيء تقول وممن تقول ولمن تقول وبمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن وهذا جواب موجز الخ لكل ( فكل خ ) شيء زايد وفي حين الزيادة ناقص اذ يأتيه مدد ويذهب عنه ما كان اولا الا ترى الانسان اذا ما اكل يومين كيف يضعف وينحل جسمه فلولا انه يذهب منه ما كان كذلك انظر الى السراج كيف يأتي اليه شيء ويذهب منه شيء فهو يزيد دائما بالدهن ( المكلس نسخة ع ٤٠ ب ) وينقص دائما بما عنده من الذاهب وكذلك هو جار منجمد هو شيء واحد تشير اليه باشارة تميزه عما عداه وهو جار يمر مر السحاب وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب فالامكان لا يقف على حد فلا يحصل له حد التمكين ومقام يتمكن ( به خ ) وهو دائم في التلوين وتجدد الحالات وتغير في الصفات تأتي اليه اشياء وتذهب عنه اشياء وكل آن ينصبغ بصبغ من صبغة الله ومن احسن صبغة من الله وهو معنى قول امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء من الرب الاعلى في جواب الجاثليق لما سئله عن الشيء ونصف الشيء قال عليه السلام اما الشيء كافر مثلك واما نصف الشيء فمؤمن مثلي فافهم الكلام وعلى من يفهمه الكلام السلام
تجلي سبحاني - هذا الذي ذكرنا هو حال عامة الموجودات من اهل التمكين والتلوين وهنا مقام خاص باهل السلوك من اولياء الله وسلاك سبيل الله والسائرين الى مقامات الله والسالكون اذا صعدوا عن ظاهر ما عليه الناس من اهل الجمود والخمود واصحاب القيود والواقفين مقام الخصوص مع التفكر والتدبر والسلوك المقرر تظهر له حالات وصور وحقايق يظن انها مقام الوصول ولم يزل ينتقل بالصعود من عالم الى عالم ومن مقام الى مقام يتلون بلون ذلك المقام وينصبغ بصبغه فتظهر له حالات متجددة متغيرة متلونة ولم يزل في هذه الاحوال والدرجات الى ان يقف في المقام الاعلى ويصل الى الموطن المعروف والمسكن المألوف فيتمكن في الوقوف ويذهب عنه تلك الحالات المتجددة المتغيرة الظاهرة له في سيره وسفره لانه مقدمات فجائت النتيجة وتلك صور وظهرت الحقيقة وتلك معاني تبينت منها الدقيقة فهو مستقر متمكن واقف وباسرار الحقايق عارف ومن بحر المعارف غارف وبتلك الصفات الذاهبة غير تعارف ( معارف خ ) وللاسرار الالهية واصف وباطوار الملك والملكوت مطلع واقف وهذا هو صاحب التمكين بوصوله والسالك صاحب التلوين لانه في اثناء سيره والاول اذا طرقت سمعه مظاهر تلك المعالم والاطلال لا يتزلزل ولا يضطرب ولا يحصل معه وجد وليس هو من التواجد بل هو واصل من اهل التمكين والوجود وهي في تلك المعالم والاطلال متفيئ بفيء تلك الظلال متك على ارائك الوصال وجالس على سرير الاقبال وهو كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف واما الثاني اذا سمع شيئا مما يشير ( يشعر خ ) بظهور تلك المقامات التي هو متشوق اليها وساير اليها سالك سبيلها مترقب الوصول اليها يهتز ويضطرب ويميل ويميس ويخفق قلبه ويضطرب لبه وتتحرك اعضاؤه وجوارحه شوقا الى تلك المنازل وتوقا الى تلك المراحل اذ هي منازل المحبة ومراحل المودة ومنتهى مني المشتاقين وغاية مراد المريدين ومنتهى همم القاصدين فتحن اليها حنين الطير الى وكره وحيث انه ليس من اهل الوصال وبينه وبينها منازل ومراحل ولذا تجده يتحرك حركات من غير شعور ولا روية اذ غاية نظره الى المحبوب وهو يريد الوصول اليه ولا يتمكن منه فيضطرب اضطرابا ويحترق اكتئابا اذ لا يسمع من المحبوب جوابا ولا خطابا فهو يصيح ويشهق وقلبه يخفق وفمه من شدة حرارة الحب الظاهرة في الاعضاء يزيد وهو من رحيق الحب مسكر وهذه حالته الى ان يرجع الى نفسه ويحل في رمسه ويعدل من مقام انسه فيستشعر مقامه ويعرف مرامه ويعلم انه في السلوك والمنزل قريب والمحب غير بعيد وقد قال سيد الساجدين في دعاء السحر وان الراحل اليك قريب المسافة وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك فان الآمال هي طرق الوصول باسباب القبول والابواب للدخول على كل مرجو ومأمول والله سبحانه ولي الهداية في البداية والنهاية
حقيقة دقيقة - هذا الذي ذكرناه من حكم التلوين والتمكين هو ما عند العارفين المتوسطين اصحاب التواجد والوجد والوجود المرتبط بالاثنين وهو كما ذكروا والحق كما سطروا ولكن هنا دقيقة انيقة وهي ان الواصل اذا وصل فعند وصوله لا يحيط بجميع التجليات وان كان هو ذاهلا عن التجلي والمتجلي والمتجلي له من حيث هو كذلك وانما نظره على نور موجود وظل ممدود وماء مسكوب من غير الالتفات الى النور والظل والماء وهو قول امير المؤمنين في السؤال عن الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة محو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر الحديث فلا يزال يتجلي له الجبار طورا بعد طور فيتجلي له بحكم المحو والصحو الى ما لا نهاية ( له نسخة ١٣٠٥ م ) ولا غاية لهذا السير ولا لهذا التجلي وهو قوله تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية
وصل - ولما بين الناظم اجزل الله احسانه واكرامه من رحمته الواسعة بعض صفات الاستار الباطنية وهم الرجال وهم البيوت وهم الاستار وهم الحجب وهم الكتب اشار الى وصف آخر اعظم وتعريف اقوم فقال غشيه الله برحمته:
هذا الغشاء به تغشت سدرة للمنتهى وغدا عليها يسدل
اقول : هذا البيت ظاهره لا غبار عليه ولا خفاء فيه ونحن شرطنا ان نذكر ما لم يذكروه ونسطر ما لم يسطروه لان المذكور مذكور فلا فائدة في صرف الهمة في ذكره ثانيا اذ ليس قصدنا اكثار الكلام واظهار الفضل بل مرادنا بث الحقايق واظهار الدقايق والاسرار التي انعم الله سبحانه على عبده الفقير الحقير الغير المستحق لان الناس حصل في طبيعتهم نضج واعتدال بحيث اذا انصفوا ولم يعاندوا ولم يجحدوا يعرفون حق المراد ويفهمون على قدر ما عندهم من الاستعداد ولا يضيع عندهم شيء من المراد وان كان اكثر الناس اهل الفساد واغلبهم اهل العناد لا يصغون الى كلام ولا يلتفتون الى المقصد والمرام معرضين عن نور الحق ناكبين عن جادة الصدق ولكن حيث ان فيهم ولو قليل من يعرف هذه المقامات ويوشك له الوصول الى تلك الدرجات احببت ان اودع تلك الحقايق والاسرار في طي هذه الاسطر والاوراق لاولئك القليلين ومن يأتي بعدهم من الآخرين وارى اعلام الموت خافقة والوية المنايا مرفرفة واخاف يدركني الموت قبل ان اظهر ما استودع في قلبي من العلوم والاسرار التي اذن لي بالبيان وامرت بالاظهار والاعلان فيجب ان اكتبها اغتناما للفرصة قبل الموت والفوت نسئل الله حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة فنقول قوله سلمه الله هذا الغشاء فالمراد به هذا الستر المرسول الى القبر المكرم المعظم المفخم والقبر ستر للجسد الشريف والعنصر اللطيف وهذا اشارة لاهل البشارة من ان هذا الستر هو ستر الستر والحجاب هو حجاب الحجاب فالغشاء هم الرجال الموصوفون المذكورون سابقا من انهم النقباء والنجباء والصديقون الشهداء والسدرة المنتهى شجرة في اعلى الجنة وهو منتهى ما تصل اليه الاوهام والافكار والتخيلات والتعقلات من عالم الصور انما كانت هذه السدرة لانها متوسطة بين عالم الوحدة وعالم الكثرة فالرأس المتعلق بعالم الوحدة ضيق لقربه الى الوحدة والذي متعلق بالكثرة متسع لظهور الكثرة وخفاء الوحدة وقد يطلق عليها ورق الآس مكتوب على اوراق هذه السدرة لا اله الا الله محمد رسول الله وخلفاؤه اولياؤ الله على نحو المكتوب في الهامش
وهذه السدرة لها مقامان مقام في السلسلة العرضية ومقام في السلسلة الطولية اما مقامها في السلسلة العرضية فهي ما بين العقل والنفس وهذه الرتبة تسمى الروح والرقيقة وورق الآس والسدرة اما الروح فمن حيث ان طبيعته طبيعة الهواء فان العقل نور ابيض والبياض طبعه البارد الرطب وقد اجمع الطبيعيون على ان كل بارد رطب لونه البياض والعقل لما تنزل من عالمه وقشوره وظواهره حصلت الحرارة من جهة الحركة الكونية والرطوبة الحاصلة من الميل الى الاسفل باقية فصارت طبيعة هذه الرتبة حارة رطبة وهي طبيعة الهواء ولما كان الريح هو الهواء المتحرك وهذه الحقيقة دائمة الحركة لانها دائما تأخذ الفيض والمدد بالوجه الاعلى وتفيض الى النفس بالوجه الاسفل وهي متحركة دائما فناسبت ان تسمى الريح ولكن قلبت الياء واوا لبيان ان الواو هي الستة التي خلق الله سبحانه الكون فيها وهي العدد التام وهي مقام الواحدية مقام الاجمال والوحدة ولكنها منشأ لظهور الكثرات التفصيلية وحيث ان مراتب الواو انما تفصلت في النفس لان كلما فيها من اطوار الكثرات وشؤن الانيات كلها تنتهي الى الواو ومن هذه الجهة اقترنت الواو في الهاء في هو لكنها تأخرت عن الهاء بخلاف الواحد فان الواو اقترنت بالاحد فظهر الواحد لكنها تقدمت وفي هذه التقدم والتأخر اسرار كثيرة ومراتب عديدة من زبر الواو وبيناتها وتثنيتها وان الواو هي الامر بين الكاف والنون وهي المساوقة للوجود وهي اصل التعين وبها ظهر التعين الاول وبها برز نور الازل وبها ظهر القديم الاول وبها برز كل مجمل ومفصل فلو كان لي مجال وللقلب اقبال لشرحت لك معاني هذه الكلمات وفصلت اجمال هذه العبارات ولكني اكتفيت بالاشارة ولوحت بصريح العبارة ومع هذا الاجمال قد طال الكلام فكيف اذا فصلت الامور واودعتها في الالواح والسطور وبالجملة لما كانت هذه الرتبة هي مظهر الواو على اكمل تفاصيلها في النفس وان الواو ايضا كورق الآس السدرة وورق الآس فيها اجمال وتفصيل ولذا كانت نصف قوس وباقي القوس مجتمعة في رأسها فاذا انتشر ذلك المجتمع كانت الواو دائرة تامة بظهور باطنها فان باطنها احد وهو استنطاق زبرها وبيناتها فافهم ولهذه العلة جعلت الواو بدلا عن الياء فقيل روح وهذا معنى قول سيدنا الصادق عليه آلاف التحية والثناء من الملك الخالق ان الروح مشتقة من الريح فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال وبالجملة لنوع هذا الستر المذكور اطلق الروح على الكينونة الالهية الاولية من نور التعين الاول كما في خطاب الله سبحانه لآدم يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وقال ايضا يا آدم بروحي نطقت وبضعف كينونتك تكلفت ما ليس لك به علم قال تعالى ونفخت فيه من روحي وكل هذه المقامات مشتقة من الريح بنقصان حرف وهي الياء وزيادة حرف وهي الواو واين الياء من اظهار هذه المقامات والواو هي سر الامر بين الكاف والنون لان كن اصلها تكون حذفت التاء الدالة على المضارعة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين وهي وان كان محذوفا في ظاهر لفظ كن ولكنها مقدرة في باطنها
واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم
واما الرقيقة فهي المتوسطة بين العظم واللحم كذلك لما كانت هذه المرتبة متوسطة بين عالم النفوس وعالم العقول وبين عالم التفصيل والاجمال وبين عالم النكرة والمعرفة وهي الباء في البسملة وهي ليست مستقيمة كالالف ولا مبسوطة كالباء ولا متحرفة كالجيم وانما هو الف مايل الى الانبساط وهو البرزخ المتوسط بين المستقيم والمنبسط فالمستقيم هو الالف والمنبسط هو الباء ولذا اختصت باء البسملة بهذه الصورة دون غيرها من الباءات ولذا سميت هذه الرتبة رقيقة فهي تأخذ من عالم العقول الاجمالات وتترجمها وتفصلها وتفيض الى النفس فهي البرزخ وكل برزخ مترجم للامرين المختلفين بما لولاه لما امكن القبول واما ورق الآس فقد روي ذلك عن سيدنا ابي عبد الله الصادق ( عليه آلاف التحية والثناء من الملك الخالق خ ) في حديث طويل وانما سميت السدرة لانها على شكل المخروط لما ذكرنا سابقا من ان رأسه متصل بالعقل الذي فيه الوحدة الاجمالية وقاعدتها متصلة بالنفس التي هي مرتبة ( رتبة خ ) الكثرات التفصيلية ولما كان بين المتصلين لا بد من المناسبة وجب ان يكون المتصل بالعقل نقطة والتفصيل ( المتصل نسخة ١٣٠٥م ) بالنفس وسيعة منبسطة فلا محالة يحدث هذا الشكل وهو الذي رسمناه لك في الحاشية اذ لو كانت الوحدة العقلية اقتضى شكل المستدير ولو كان كثرة في مبدء التفصيل اقتضى ان يكون مثلثا ومربعا فالحالة المتوسطة لا يقتضي الا الصورة التي ذكرناها وهي شكل ورق الآس عند اهل الاختصاص واما السدرة فبعين ما ذكرناه وانما وصف السدرة بالمنتهي فلبيان ان الصور والهيئات والاضافات والتفصيلات انما تنتهي الى هذه الرتبة وفوقها مقام الوحدة ومقام الاجمال ليست فيه كثرة ظاهرة متميزة وانما هي كثرة صلوحية ذكرية كذكر الحروف في المداد وذكر الاعداد كلها في الواحد ولكنه مع ذلك واحد لا كثرة فيه في الظاهر بحال من الاحوال فالكثرات التفصيلية انما تنتهي الى اسفل هذه السدرة والملائكة كلها منتهى سيرهم ومقامهم هذه السدرة يغشونها ولا يتجاوزونها وهو قوله تعالى اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى وليكن عندك معلوم ان الملائكة الذين لا يتجاوزونها هم ما عدا روح القدس لانه يتجاوزها ويتعداها لان مقره شجرة طوبى وهي اول غصن اخذ من شجرة الخلد وسدرة المنتهى اول غصن اخذ من شجرة طوبى وكذلك ملائكة ( الملائكة نسخة ١٣٠٥ م ) الكروبيون الذين كانوا في طور سيناء عند تجلي الرب سبحانه يتجاوزون عن هذه السدرة ويتعدونها لان مقامهم شجرة الخلد وملك لا يبلى وهو مقام الوحدة ومحل الانس والذي يبلى مقام الصورة ومحل الكثرة ورتبة النكرة وهو قوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولا ريب ان ما عند الله مقتضى الوحدة وما عند الخلق مقتضى الكثرة ( والكثرة خ ) مقتضاها موت وفناء وابادة وهو قوله تعالى الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر فصرح سبحانه بان الكثرة ومشاهدتها وملاحظتها داعية لزيارة المقابر وهو الموت في قبور الطبيعة وهو قوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور ان انت الا نذير وقوله تعالى اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون وقال امير المؤمنين عليه السلام فيما ينسب اليه من الشعر :
وان امرء لم يحى بالعلم ميت فاجسادهم قبل القبور قبور
وبالجملة فالسدرة المنتهى تنتهي اليها جميع اطوار الجنة واحوالها والصور التفصيلية والكثرات الصورية فلا يتعداها ابدا وهي على قسمين عام وخاص فالعام هي السدرة المنتهى للعالم الاكبر وهي نابتة في ارض الزعفران في اعالي الجنة وهي النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والبراق انما خلق من نورها فتنتهي اليها جميع ما في العالم من الكثرات وهي الروح من امر الله الذي ينزل الله الملائكة به ويلقي الوحي الى الانبياء به وهو قوله تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون وهو منزل الملائكة في ليلة القدر قوله تعالى تنزل الملائكة والروح اي بالروح وهو خلق اعظم من جبرئيل وميكائيل واسرافيل واما الخاص ففي الانسان الصغير في العالم الصغير وهو مقام الروح الواسطة بين العقل والنفس والبرزخ بينهما كما سبق ذكره وهذا الغشاء اي الرجال من الابدال ان اردنا الخاص اذا ظهرت احكام هذا الروح في عالمه من تصرفاته وتدبيراته من القاء الملائكة الجزئية على القلب والصدر والقوي والمشاعر ليورد على الشخص ما يستحقه من الافاضات الخاصة والامدادات الجزئية على الشخص فاذا ظهرت تلك الافاضات والامدادات في مراتب وجوده مما تحت الروح تزينت لا سيما المراتب الجسمانية من جهة كثافتها تحمل اشراق تلك الانوار واثاره ( اثار نسخة ع ٤٠ ب ) تلك الاشعة والقبسات كالشمس عند اشراقها على الارض بخلاف ما اذا اشرقت على الهواء والنار والاجرام الفلكية فانه لا يظهر فيها نور الشمس بخلاف الاجسام الارضية الكثيفة على حسب استعدادها من الصفاء والكدورة وكلما ازداد صفاء ازداد نورا كما هو المشاهد المحسوس وكذلك الانوار الساطعة من السدرة المنتهى حين اشراق شمس الولاية او تغريد ورقاء الارواح المنتهية اليها على افنانها ووصول تلك النغمات المطربة والالحان الطيبة والاصوات الحسنة والقوي الجسمانية فتزداد بهاء ونورا وتكون سببا لظهور آثار السدرة المنتهى ولولا تلك الاجسام المعتدلة ما ظهرت آثار الروح كما ينبغي ولا ريب ان الجسم حجاب للروح وستر ولكن زينة الروح بالحجاب والستر اذا كانت مزينة ومنقوشة باحسن الصور واكمل الزينة فالغشاء زينة لمن يغشيها فاولئك الرجال الابدال الذين هم حجاب الحجاب زينة للحجب الاولية لان آثار العالي انما تظهر بالسافل فلا يظهر العالي لولا السافل ولا يوجد السافل الا بالعالي كما قال الشاعر : فلست تظهر لولاي لم اكن لولاك وهذا الغشاء غشيت به سدرة المنتهى فوصلت انوارها واحكامها من خلالها فتشعبت وتفرعت واختلفت وائتلفت واتحدت وتمايزت وتزينت بها كما تتزين الشجرة بالاوراق واما السدرة المنتهى العامة فهذا الغشاء انما تغشاها وبذلك الغشيان تحمل انوارها وتجمع اسرارها وتعلن اخبارها وتظهر من اسرارها فيكون ظهورها بها ولذا لو لم يكن تلك القرى الظاهرة ما امكن السير الى القرى المباركة لانها منازلها المعمورة فلا يسار اليها الا بها في اول الامر لضعف المناسبة بينهما والتلقي يستدعي المناسبة اولا ولذا وجب الفناء في الشيخ اولا حتى يتمكن من الفناء في النبي ثم الفناء في الولي ثم الفناء في الله وهناك منتهى المطلب والحجاب هو الواسطة بين العالي والسافل وهؤلاء الحجب والاغشية هم مواقع النجوم ومهابط العلوم ومظاهر اسرار الحي القيوم وهؤلاء الاغشية هم الاركان وهم بهجة الزمان وبهم تظهر اسرار المهيمن المنان وهم افق شمس النبوة ومطلع بروج الولاية وبهم يتزين ( تزين خ ) سدرة المنتهى وبهم تخضر وتتروى وبهم نضارتها وبهم تظهر عمارتها وفي الزيارة عن احد اهل البيت ( عليهم السلام خ ) في مقام القطبية السلام عليك يا ناضر شجرة طوبى وسدرة المنتهى وهذه النضارة انما كانت بهؤلاء الرجال بل اولئك الابدال مواقع النجوم وحملة العلوم مظاهر فيض الحي القيوم بهم تظهر اشراق السدرة وبهم تمتاز آفاقها وبهم تبرز انوارها وبهم تنال آثارها فبهم تكون ريانيتها وخضرتها ونضارتها لانهم احد الاركان وبهجة الزمان وانسان العين وعين الانسان واما السدرة في السلسلة الطولية فليس لبيانها في قلمي مداد ولا لقلبي استعداد لما في مستجنات الفؤاد من مكنونات المراد فاقول كما قال ابو نواس :
ولما شربناها ودب دبيبها الى موضع الاسرار قلت لها قفي
ولكن لا بد من اشارة لئلا يكون ظلم الحكمة بمنعها عن اهلها وامتثال امر الله في ايصال الامانة الى اهلها وقد قال تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها فنقول ان سدرة المنتهى هي ورق الآس في اول الاساس من مبدأ الايناس في عالم اللباس واصلها النون واضيفت اليها الالف لظهور سر الولاية لتحقق اللام التي هي السدرة اذا وصلت رأس النون الثاني بالالف هكذا
فالنون فيها كثرات كن واذكار الموجودات والعلم الامكاني الفعلي والفيض الاقدس والنور المقدس اول الكثرات مع اضمحلال الانيات في مقام الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت ولما ظهرت الكثرة ولو على نحو الاضمحلال تحققت الكثافة ولكن على اكمل الصفاء والاعتدال فظهر سر الكاف وهو الالف اتصل بالنون ومعنى ذلك ان الواحد تسعة عشر وهذا مقام التعين الاول فاذا ظهر الاحد في الواحد استنطق الكاف والكاف فيها نوع الكثرة ولذا قلنا ان الواحد سر الكاف والاحد غيب في الواحد كما ذكرنا واستنطاق حرف الواحد الحامل للاحد الالف اللينية او المتحركة فاتصلت بالرأس الايمن من النون لتحقق اليمين والتعين الاول واذا قارنت الالف بالنون صار لاما فحيث كانت الكثرات ظاهرة فيها على نوع من الظهور المقتضي لاظهار انوار القدس كالجسم الكثيف الحامل لاشراق الشمس فالنون زيت والالف نار تعلقت به فتحقق المصباح وظهر الصباح ونادى حي على الفلاح فظهرت الولاية بعد خفائها وهو قوله تعالى كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فبالخلق الاول الذي هو التعين الاول ظهرت الولاية المطلقة الشاملة الكاملة العامة لكل ذرات الوجود وهو باطن الولاية او الولاية الباطنية فظاهرها لام وباطنها نون وباطن النون كاف وباطن الكاف الف متحركة وباطن الالف المتحركة الف لينية وباطن الالف اللينية النقطة وباطن النقطة غيب لا يدرك وسر لا يملك ورمز لا يفك قل لا يعلم الغيب الا الله فاللام هي السدرة المنتهى انتهت اليها الرياسة العامة والسلطنة الكبرى التامة وهي مرجع البلاد وسايس العباد ومنها البدو واليها المعاد وهي السلطان يوم التناد انما انت منذر ولكل قوم هاد فالامور كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت على اي طور واي وضع من معنى وصورة وحقيقة وجوهر وعرض وعال وسافل ومجرد ومادي وغيب وشهادة ومستقيم ومستدير وصغير وكبير وحقير وخطير وعسير ويسير واسم وصفة ومثال وشؤن واحوال واكوار وادوار واطوار واوطار مما فيه نسبة واضافة وارتباط ولو على نحو الاجمال والوحدة الاجمالية وغير ذلك كلها تنتهي الى تلك السدرة لان امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء قال في الخطبة اليتيمية ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص على العجز والبلاغ على الفقد والطلب على اليأس الطريق مسدود والسبيل مردود دليله آياته ووجوده اثباته الخطبة وقوله روحي له الفداء انتهى المخلوق الى مثله والمثل المنتهى اليه الخلق هو السدرة المنتهى وليس كمثله شيء على احد معانيه وهو السميع البصير اي ليس كمثل ذلك الخلق المنتهى اليه الخلق شيء والا لما كان هو المنتهى اذ لا يجري عليه ما هو اجراه ولا يبدو فيه ما هو ابداه فاللام هو ذلك الخلق المنتهى اليه الخلق فاذا هي السدرة المنتهى عندها جنة المأوى يعني متصلة بها ومقترنة معها لا يفترق كل منهما عن صاحبه فافهم الاشارة بل التلويح في قالب التصريح والاشارة بظاهر العبارة
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
وقوله سلمه الله تعالى وغدا عليها يسدل يريد ظهور الامر في غد كما قال تعالى والامر يومئذ لله فان الامر دائما لله وانما خص بيوم القيمة لظهور رجوع الامر الى الله في ذلك اليوم وان الامر الذي قامت به السموات والارض عبد لله وملك له فليس بمستقل ولا مفوض اليه وهكذا الحكم ثابت دائما وواقع ابدا ولكن الابصار قد زاغت والبصائر قد اختطفت من شدة اشراق ذلك النور واحراقه لاهل الغيور والا فالامر اوضح من نار على علم نعم انما الظهور الكامل والبروز الشامل لا يكون الا في ذلك اليوم لان في ذلك اليوم تظهر آثار الاسم الله الظاهر بالالوهية على كل شيء فلا يجهله شيء وهذا دائما في كل حال الا ان الجهل العرضي غطى الاعين فيكشف يومئذ ويقال قد كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وكذلك ما قاله سيد الساجدين وسند العابدين الهي ارحمني اذا انقطعت حجتي وكل عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك اياي لبي مع ان الفاقة الى الله دائما شديدة والحاجة اليه لم تزل ماسة والسؤال دائما واقع ولكن القلوب الآن في غفلة وفي ذلك اليوم يظهر كمال الظهور ويكون كالنور على الطور وكذلك قول الناظم ايده الله برحمته وسقاه من رحيق رحمته وغدا عليها يسدل بل هذا سدل هذا الغشاء والغطاء بالمعنى الذي ذكرنا على السدر ( السدرة خ ) بالوجه الذي بيناه لم يزل عليها مسدول والقلب عند النظر اليها اذا بانت مبتول بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول اين يذهب الفرع عن اصله واين يفترق النور عن منيره لا بل هما متصلان متطابقان متوافقان لا يختلفان ولا يفترقان ما عند الله باق وما من الله ثابت اولاسمعت قول الله سبحانه الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكروزن فلا يتفارق الستر والحجاب عمن استتر به واحتجب عنه ابدا دائما نعم يخفى ويظهر كما ان النور لا يفترق عن الشمس نعم ربما يحجب عنها السحاب فعند حجب السحاب ليس ان النور قد زال عن الشمس وليس عند انكشاف السحاب وانجلائه قد طلع الشمس وحصل نور جديد كلا وحاشا بل هو ذلك النور الاول والحجاب الامثل وسر الازل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصل - ولما ان الناظم ايده الله بتوفيقه وسلك به مسالك رحمته وكشف له الغطاء عن وجه بصيرته وصف هذا الستر بالوصف البالغ وعرفه بالتعريف الفائق وبين احواله ببيان رائق من اطوار الظاهر والباطن اراد ان يوضح الامر ايضاحا ويفصحه افصاحا ويسفر عن وجه الحق ويرفع النقاب عن وجه الصدق ويبين ان هذا الحجاب والستر ليس بمعنى الحاجب المانع والستر الذي يستر ويخفى والايتوهم متوهم ان القبر قد خفي بهذا الستر واستتر واحتجب بهذا الحجاب وحجب بل ان هذا الستر زاده ظهورا وهذا الحجاب ليس هو المنسوج من القطن والابريسم وان كان كذلك ظاهرا وانما هذا الحجاب والستر قد نسج من المعارف الالهية والاسرار الربوبية والاطوار اللاهوتية بالخيوط المغزولة في عالم الجبروت المنسوجة في عالم الملكوت سداه علم وحلم ولحمته نور ومعرفة
فقال اشاد الله شأنه وعظم برهانه وشيد بالتوفيق بنيانه وقوى برحمته اركانه واظهر مستسرات عرفانه :
هذا هو الستر الذي كشف الغطاء عن اعين بالغين كانت تكحل
اقول : ظاهر هذا البيت ان هذا الستر مبارك مطهر قد اكتسب الشرافة بمجاورة الجدث المنور الحال فيه ذلك الجسد المطهر وهو بتلك المجاورة صار محلا للعناية وموضعا للكرامة حتى ان العين العمياء اذا اصابها ذلك الغطاء كشف عن عينه الغطاء وزال عنه العماء كرامة لذلك الستر اذ تشرف بذلك القبر وذلك ليس ببعيد من كراماته ولا بغريب من عناياته لان من جاور النار تظهر فيه الحرارة فيحترق ومن جاور المسك يؤثر فيه العطر فيعبق وتأثير ذلك القبر المطهر اعظم واكثر وهذا معلوم لا يخفى ونوره ظاهر لا يطفى واما ما اردنا بيانه ومهدنا بنيانه ( تبيانه خ ) فمعناه انك يا ايها الناظر لا تتوهم ان ذلك الستر ستر حاجب وحجاب مانع وانما هذا الستر حجاب من حجب الله وسر من سر الله ( وستر من ستر الله كما قال امير المؤمنين عليه السلام انه ستر من ستر الله خ ) وحرز من حرز الله وامر من امر الله مختوم بختام ( بخاتم خ ) الله ه وهذا الحجاب هو الدليل وهذا الستر هو الكاشف أما سمعت الحديث الوارد في وقوف النور المحمدي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم في الخلق الاول من وراء الحجب حجاب القدرة وحجاب الرفعة وحجاب العظمة وحجاب الكبرياء وحجاب العز وحجاب الجلال وحجاب الجمال وهكذا الى تمام الحجب وورد في الاخبار عن اهل البيت الاطهار في تعداد بعض الحجب حجاب الؤلؤ وحجاب الياقوت وحجاب الزمرد وحجاب العقيق الاحمر وحجاب العقيق الاصفر وهكذا من تعداد الحجب والاستار وقد قال امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي نور من سبعين جزء من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر وفي الزيارة الرجبية لاهل البيت عنهم عليهم السلام الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب واوجب علينا من حقهم ما قد وجب وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب وهذه الحجب لا يراد بها حجب مانعة والا لا فخر بها ولا اعتناء بها لان الحاجب للنور ظلمة والمانع عن الحق باطل فاي فخر فيه واي اعتناء بظاهره وخافيه وانما المراد بالحجاب في هذا المقام هو الباب الواصل والواسطة بين العالي والسافل والمترجم للبيان عند تعليم القرآن وترجمان اللسان لمن لا يعرف البيان ولا يكون ذلك الا لجامع المقامين وحائز المرتبتين والامر بين الامرين والواقف على الطتنجين والناظر في المغربين والمشرقين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو الحجاب الاكبر الواسطة بين الله وبين خلقه في كل ما يرد ويصدر واولياؤه وخلفاؤه حجب له وواسطة بينه وبين رعيته آخذين منه وموصلين الى امته لانهم باجمعهم او كل فرد فرد منهم لا يحتملون جميع اسرار العلوم والاحوال التي تتجدد والاحكام التي يحدث ( تحدث خ ) شيئا فشيئا وبالجملة ليس كل احد يقدر على حمل الولاية النبوية والولوية بل لا بد ان يكون لها حامل جامع ومظهر مانع وهو الحجاب بينه وبين امته ولا يختلف الحال في ذلك بين وجوده ورحلته صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فان الكرسي لا يفارق العرش والا لما برز شيء من العرش والقمر لا يفارق الشمس والا لم يبرز من الشمس شيء من الاشياء المحدودة التفصيلية وبالجملة فالنبوة والولاية مقرونتان متصلتان لا تقوم احديهما الا بصاحبهما وهما الاسمان الاعليان اللذان اذا اجتمعا افترقا تقول نبي وولي واذا افترقا اجتمعا فكل واحد نفس الآخر وهو قوله تعالى وانفسنا وانفسكم وبالجملة فالولي حجاب النبي والواسطة بينه وبين رعيته وبابه فالنبي هو المدينة والولي هو الباب والجناب والباب هو الحجاب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب والولي الذي هو الباب له ايضا باب وهم العلماء العارفون الاطياب والمرشدون الواصلون الكاملون الانجاب فهم باب الباب وحجاب الحجاب
تمثيل نوري - اعلم ان العرش اصل اول مقامه الوحدة الاجمالية والكرسي اصل ثان مقامه الكثرة والتفصيل وهو وان كان اصلا لكنه فرع فهو الاصل القديم والفرع الكريم وهما بابان من العلم مقرونان فالعرش باب باطن والكرسي باب ظاهر على طبق الباب الباطن لا يقوم احدهما الا بالآخر فهما متحاويان متساوقان الا ان العرش اول والكرسي ثان فهما من نور واحد متضارعان على ثدي واحد الا ان المضارعة حيث ظهرت بالثاني اختص الكرسي باسم المضارع والعرش باسم الماضي بمعنى الثابت النافذ امره وحكمه كالسيف الماضي فبهما تمت المبادي وهما اوائل جواهر العلل ولما نقصت قوابل الاجسام السفلية اهل الكون والفساد لكمال بعدها عن المبدأ وقربها لعلايق الروابط وثاء الثقيل وهاء الهبوط وميم المركز ضعفت المناسبة بينها وبين المبدء الاول العرش والكرسي فاقتضت الحكمة الالهية بحكم سبحان الذي اتقن صنع كل شيء ان يجعل بين تلك الاجسام السفلية وبين العرش والكرسي اجساما هي كالبرزخ بين العالمين لها مناسبة ومرابطة مع العرش والكرسي ومناسبة مع اعالي العناصر وبواسطتها الى اسافلها وهي الافلاك السبعة التي سلطانها الشمس ولذا كانت في الوسط كالقلب الذي في الوسط وهذا ( هذه خ ) السبعة التي هي السموات السبع هي القرية الظاهرة للسير الى القرية المباركة التي هي العرش والكرسي ومعنى سير هذه الاجسام السفلية في تلك العلويات ان تلك العلويات تربي قوابل السفليات بتكرر الاستدارة عليها واشراق اشعتها عليها حتى تتربي وتنضج تلك القوابل حتى يشابه جواهر تلك المبادي السبعة وتتعلق بها روحها فشابهتها فاذا حصلت المشابهة امكنت الاستفاضة بعد ذلك من العرش والكرسي فتصل الى القرية المباركة وتأخذ منها وتستمد من اشعتها وتحصل لها قابلية الاستمداد منها كما تربي النار الخشبة اذا قابلتها اياه ( اياها خ ) من غير ان توصلها بها فهي بالمقابلة تجفف رطوباتها فتجففها وتكلسها الى ان تجعلها مشابهة لذلك الجسم الذي تعلقت به النار فتشتعل كما اشتعلت النار في ذلك الجسم فكان حكمه حكمها وصفته صفتها وتأثيره تأثيرها وفعله فعلها وجهة استمداده هي جهة استمدادها فبقي يستمد مما كانت تستمد منه النار من الكرة الاثيرية او غيرها على الخلاف الواقع في حقيقة النار الكامنة في الاجسام السفلية كانت النار هي القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة واستيهالها اياها لان تأخذ من القرية المباركة كما تأخذ القرية الظاهرة كالاكسير الملقى على الفلزات المسية ( الميتة نسخة ١٣٠٥ م ) ويذهب ما فيها من الاعراض والامراض فيجعلها قابلة للفعل والتأثير من ( وخ ) الاستمداد من المبادي العالية والجواهر الاصلية
زيادة بيان وايضاح - اعلم ان فلك القمر بافلاكه بعد ان كسيت العظام لحما في الجنين تربي القلب الذي هو اللحم الصنوبري بتكرار ( بتكرر خ ) ايقاع اشعته عليه واحداث تأثيره لديه الى ان يلطف البخار المتصاعد من الحرارة الغريزية المتعلقة بالعلقة الصفراء التي في تجاويف القلب حتى يشابه ذلك البخار جسم الفلك الجوزهر فيتعلق به الحيوة الحيوانية من باطن فلك القمر كما تتعلق النار بالخشبة من غير الاتصال والنار على حالتها والخشبة على حالتها لا يفقد شيء منهما شيئا من احوالهما وعطارد بافلاكه الاربعة يربي البطن الاول من التجويف الثاني عند القوم وعندنا البطن الثاني من التجويف الاول ويربي ذلك البطن بايقاع اشعته عليه حتى يصير ذلك البطن في اللطافة كجسم فلك التدوير لعطارد فيتعلق به روح عطارد من ( غير خ ) ان ينقص من عطارد وروحه شيء فيفعل فعل عطارد بروحه من تركيب الصور بالضم والتفكيك ليفكك هيئات مجتمعة ويفرقها ويجمع صورا متفرقة فيألفها كأن يجعل لشخص واحد الف صورة ويؤخر ( يفرق نسخة ١٣٠٥ م ) اجزاء شخص واحد ويجعلها عضوا عضوا وجزء جزء ويرتب المقدمات ويحصل النتايج وبالجملة يفعل افعال فلك عطارد ويصور صوره والزهرة يربي البطن الثاني من التجويف الاول او البطن الاول من التجويف الثاني بايقاع اشعتها عليه وتربيه الى ان يتلطف ويصير مشابها لتدوير الزهرة فيتعلق به روحها فيفعل افعالها ويؤثر تأثيرها من ادراك الصور والهيئات من غير ترتيب كما في الفكر والشمس تربي العلقة الصفراء التي في تجاويف القلب التي هي محل الحرارة الغريزية فتلطفها الى ان تصير تلك العلقة في اللطافة مشابهة لفلك الخارج المركز للشمس فتتعلق بها روحها وتدبيرها وتأثيرها من انضاج الغذاء وجعلها صالحة لان تكون جزء للبدن فيتعلق بها الروح الحيوانية والمريخ يربي البطن الثاني من التجويف الثاني الذي في الدماغ ويلطفه بتكرار ايقاع الاشعة الى ان يصير مثل تدوير فلك المريخ في اللطافة والشرافة فيتعلق به روحه فيفعل فعله من احداث الصورة والصور الغريبة التي ليس من شأنها الظهور في العين الخارجي كالمحبة والعداوة والمشتري يربي البطن الاول من التجويف الثالث بايقاع الاشعة عليه الى ان يلطفه ويرققه ويجعله مناسبا في اللطافة والرقة لفلك تدوير المشتري فيتعلق به روحه فيؤثر اثره ويفعل فعله ويظهر حكمه ويكون مثله وزحل يربي البطن الثاني من التجويف الثالث من الدماغ بايقاع اشعته عليها الى ان يلطفه ويرققه الى ان يصير مثل تدوير فلك زحل في اللطافة والرقة ويتعلق به روحه ويؤثر تأثيره ويجعل حكمه حكمه وهذه الكواكب السبعة في افلاكها السبعة يربي قابلية قوة من القوي الدماغية والحرارة الغريزية والروح البخاري في القلب ويصلح استعداده ويأهله للاستمداد من العرش والكرسي وكان لا يمكن قبل ذلك واذا عرفت هذه المقدمة النافعة تبين لك ان هؤلاء العارفين الكاملين ستر وحجاب لكنهم يربون قوابل الاستعدادات وينضجون غرايز طبايع الماهيات ويؤهلونهم لاستشراق نور الولي ويتحملون لذلك الاشراق ولا يحترقون لما فيهم من الاكدار ولا يضطربون لمزج الاغيار ويصلحون قوابل نفوسهم وعقولهم ويخرجون تلك الغرايب عنهم ليتأهلوا ويستحقوا للاستفاضة من الاسم الاعظم والنور الاقوم فلولا الشيخ الواصل والمرشد الكامل الموصوف بما ذكرناه لم يحصل للقلوب الضعيفة والانفس السخيفة والارواح الخسيسة ان تترقى الى عالم الانوار وتستحق لتحمل الاسرار وهؤلاء الانجاب الاطياب المرشدون الى الحق والصواب منهم ظاهر مشهور مبتلي بالاذيات وغرضا لسهام البليات وموضعا لمطاعن اهل القساوات وموصلا للطالبين المنصفين الى اشرف السعادات ومبينا لهم طريق الرشاد والهدايات ومنقذ منهم ولو قليلا ولو واحدا من الهلكات وبذلك امرهم رب الارضين والسموات وخالق الموجودات ومدبر الكاينات وهو قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم الآية وهذا النفر هو نفر عن جلباب الانية وصعود عن حضيض مدارك الماهية وارتقاء الى معالي الدرجات البهية والمراتب السنية وقد امرهم سبحانه وتعالى بذلك في الآية الاخرى فقال انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا باموالكم وانفسكم فالنفر اذا كان خفافا اذا بلغوا مقام الارواح والعقول وثقالا اذا كانوا بعد مقام النزول عند الاعراض والاجسام والله سبحانه امرهم بالنفر حتى يكملوا الاسفار الاربعة ويصلوا الى المعاهد الخمسة ويبلغوا الى كعبة العلم ويطوفوا بها اسبوعا ولكل طواف يحصلون علما خاصا من علوم الاسرار الواضحة المنار ويوصلونها الى الاخيار والاشرار ويكشفون الغطاء عن اعين الغير الواصلين وتصلح قوابلهم وتجفف رطوبات ميولاتهم بحرارة المجاهدات بالرياضات المشروعة ليأهلوهم لقبول النور من عالم السرور فالغطاء هي تلك الاعراض والامراض وهذا الستر يكشف الغطاء ويرفعه لاصلاح القابلية وانضاج الطبيعة فيدرك الاشياء اذن من غير غطاء ومن غير حجاب فلا يزالون في اصلاحه الى ان ينكشف الغطاء وعند ذلك تمام الفناء في الشيخ فينجلي حينئذ الغين من العين وفي هذه اشارة لطيفة لا بأس بالاشارة اليها لتعرف كمال استقامة ( فطرة خ ) الناظم ودقة علمه وغزارة فهمه ايده الله بتأييده وجعله من خلص عبيده فنقول ان قوله كشف الغطاء عن اعين بالغين كانت تكحل المراد بالعين هو كلمة كن وهذه الكلمة وان كانت عينا عند الاستنطاق ولكنها الف في سر الحقيقة والرقاق وقد اشرنا الى كون سرها الفا عند ذكر النون لتحقق اللام في البيت الذي قبل هذا فالعين اذا اضيفت اليها نقطة عرضية تمييزية تحديدية كانت غينا وانما قلنا نقطة عرضية لان النقطة نقطتان نقطة اصلية وهي سر الوجود واصل الشاهد والمشهود والمبدء الذي منه بدء كل شيء واليه يعود وهي النقطة التي هي سر الباء في قول امير المؤمنين عليه السلام كلما في الباء في النقطة والمراد من النقطة التي تحت الباء اي سرها واصلها ولعلي اشرت الى هذا المعنى قبل هذا فنقطة الباء هي الالف اللينية ونقطة اخرى هي نقطة تمييزية تحديدية وهي في الحقيقة حد يميز ويشخص كنقطة الباء والتاء والثاء فان المادة والصورة النوعية واحدة في الحروف الثلاثة مع تباين مقاماتها وتفاوت مراتبها وتباين احوالها فالنقطة التحتانية ميزت وشخصت الباء عن التاء والثاء والجيم عن الحاء والخاء والنقطتان الفوقانيتان ميزت التاء عن الياء والثاء والثلاثة الفوقانية ميزت الثاء عن الباء والتاء والفوقانية الواحدة ميزت الخاء عن الجيم والحاء والنقاط في الحروف المتواخية والمتحابة حدود مشخصات وصور معينات واطلاق النقطة عليها وعلى النقطة الاولى اطلاق من باب التضاد فان الاولى وجود والثانية ماهية والاولى وحدة والثانية كثرة والاولى اجمال والثانية تفصيل والاولى سر والثانية ظاهر والاولى ماء والثانية سراب والفرق بين الاولى والثانية من الثريا والثرى فلا تعجل في حمل اطلاق النقطة واعرف لكل موضعه واطلب لكل موقعه واعرف لكل محله واثبت لكل منزله فان كثيرا ما يشتبه ويلتبس الامر على كثير من العلماء النقطة التي تجعل العين غينا هي حجاب مانع لا الحجاب الذي ذكرنا سابقا من انه نور اصفر موصل فيض العالي الى السافل ومترجمة له ومبينة ( مترجمه له ومبينه نسخة ١٣٠٥ م ) له فهذا الحجاب المذموم وهو الذي يجعل العين غينا يعني الواحد الفا لان العين كلمة كن وكن امر الله وقد حصر الله امره فيه وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقول كن هو امر الله والامر منحصر فيه كما تشير اليه كلمة انما فاذا كانت كلمة كن التي هي العين هو الامر والله سبحانه يقول وما امرنا الا واحدة والتاء لمبالغة الوحدة لا للتأنيث والواحد استنطاقه الالف والف ( الالف خ ) بالنقطة يكون الفا وهو معنى كون العين غينا وهذا وجه آخر فافهم فانه دقيق وتعمق فانه عميق لا يمكن الوصول الى قعرها الا بارشية النبوة والولاية وهي الحبل الممدود ورأس منه متصل بالقلب ورأس آخر متصل بالسماء فما احصى هذا القلب وما اسعده فاذا ظهرت الحدود وتراكمت القيود وجعلت الواحد الفا تزاحمت نسبه واضافاته وكثراته الى ان صار الالف الف الفا والالف الالف جعل له الف الفالف الفا وهكذا الى ما لا نهاية له يعني تراكمت الحجب المانعة وتزاحمت الطاعات وتعارض الحدود بالاضافات وصار الامر كما اخبر الله سبحانه عن افعال اهل المعاصي والسيئات المتورطين في دركات الانيات والماهيات التي هي لوازم الكثرات وخفاء الانوار بظهور الاغيار وحصول الاكدار ورفع الاقبال بوجود الادبار وهو قوله سبحانه العلي المختار او كظلمات في بحر لجي يغشيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فاذا بلغت العين بالنقطة الى الغين وحصلت هذه الاحوال الشنيعة والاطوار الفظيعة فالفخر كل الفخر لهذا الستر المسدول على القبر المطهر الحاجب للجسد الشريف وهو الرجل العالم الظاهر والنور الباهر والعالم الماهر ان يصلح قابلية هؤلاء الالوف باشياء موافقة وادوية من الارشادات ملايمة وعقاقير من الهدايات مؤالفة بعد استعمال الروادع والاستفراغات وانحاء المعالجات لاخراج تلك الظلمات من تلك القلوب المريضة واصحاب المراتب الحضيضة حتى تتأهل لاستشراق النور واستنارت السناء والبهاء من الملأ الاعلى ويبلغون به الى الدرجات العليا فهكذا شأن هذا السر ( الستر خ ) في كشف الغطاء عن الاعين المكتحلة بالغين فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء على الافنان بفنون الالحان وتعيها اذن واعية
اقول ( وصل خ ) : ولما بالغ الناظم في وصف هؤلاء الرجال الذين هم الاستار والحجب لقبر النبي المختار سماهم باسماء كل اسم منبئ عن مقام عظيم وشارح عن الخطب الجسيم وهي ستة اسماء الاول رواق المدينة والثاني كتاب لاصحاب اليمين وسبب لنيل كل ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين والثالث الكتب السماوية المنزلة من الله سبحانه من الملأ الاعلى هي مائة واربعة عشر التي منها القرآن المهيمن الجامع على كلها واشار الى انهم كتب تكوينية على طبق هذه التدوينية والرابع التابوت الذي فيه سكينة من الله وبقية مما ترك آل الله تحمله ملائكة الله على المعاني التي ذكرناها واشفينا بها العليل وروينا بها الغليل والخامس غشاء سدرة المنتهى اشارة الى قوله اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى والسادس الستر الذي هو يكشف الغطاء عن العين المحجوبة بالغين فيا له من ناظم ما اطول باعه واكمل في صناعة الشعر ابتداعه وفي دقايق الاسرار اصطناعه لقد اشار الى المصرع الثاني من هذا البيت الى جوامع العلوم وحقايق الرسوم واني وان اطلت الكلام في بيان هذه المقامات وفصلت كثيرا من الحالات واشرت الى اغلب الدلالات ولوحت الى جلايل الاشارات ولكن الذي في قلبي من الدقايق والحقايق مما يتعلق بهذه العبارات اكثر مما ذكرت واجملت وفصلت بل الذي ذكرته قليل من كثير وحقير من خطير وقطرة من البحر المواج المتلاطم كتمتها في الصدر وما ابرزتها في السطر منها لعدم الاقبال وتبلبل البال وكسالة ( الكسالة خ ) المانعة عن ابداء ما في البال ومنها توقفه على مقدمات يطول بذكرها الكلام ويخرجنا عما نحن فيه من المقام ومنها ما اجد من كثرة المنكرين والمعاندين وقلة اهل الانصاف وغلبة اهل الجور والاعتساف يحتجون بادنى شيء غريب ويصيرون بصدد الاذية للعالم المصيب ان هذا الشيء ( لشيء خ ) عجيب ومنها ما لم يؤذن لنا بالبيان لعدم حضور الاوان قال سيدنا ومولينا الصادق عليه آلاف التحية والثناء ما كلما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله ومنها ما لم اعط له عبارة ولم اتمكن من التعبير ولو بالاشارة وان كان المعنى ظاهرا عندي كالشمس في رابعة النهار ولكن التعبير لا يساعد المعنى والعبارة لا توافق المقصود وكلما نعبر يؤدي خلاف المراد ولولا هذه الموانع والعمدة منها عدم اقبال القلب وتواتر الاحزان والهموم وتكاثر افواج الغموم لاظهرت من المطالب الغريبة والمقامات العجيبة ما تحير عنده العقول والالباب ولم يصل الى مقامه سؤال ولا جواب ولا كلام ولا خطاب ولأريت معنى قوله عليه السلام ان الله اعد لعباده المتقين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفيما ذكرناه كفاية لاولي الدراية وفي الشاهد دلالة على الغايب وبالجملة والناظم اسعده الله بامداده لما اتم وصفهم الذاتي وكمالهم الحقيقي في ستة اسماء لانها العدد التام والمدد العام بها تتم حقيقة الشيء وذاته اراد ان يصفهم بوصف آخر لتتم به السبعة العدد الكامل ويكمل به شأنهم وذلك يوم السبت يوم الكمال ويوم المبارك ويوم الآخرة ويوم النجاة بدخول الدار العامرة
فقال سلمه الله تعالى :
هذا الازار يحط عن زواره وزرا به رضوى ينوء ويذبل
اقول : سمى هذا الستر ازارا لانه يشتمل على جميع من عنده والخلق من الغير الواصلين الغير الكاملين تشملهم عناية هذا الستر ورعايته وكرامته وانه قطب ممد ومركز مقوم لجميع من عداهم ممن تحتهم في جميع مراتبهم ولذا قال سيدنا الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في حق بعض اولئك الانجاب الاطياب بهم يرزق الله العباد وبهم يدفع عن البلاد وبهم يكشف الضر وبهم يدفع الهم ه لان القطب هذا شأنه وديدنه والا لم يكن قطبا وقد ذكرنا سابقا ان نسبة هؤلاء الى غيرهم نسبة السموات السبع الى اهل الكون والفساد المتولدين من العناصر فتشملها عناية السموات من جميع الجهات ولذا عبر عنهم بعد الستر بالازار ثم اراد ان يبين سلمه الله تعالى انهم نور يشرق به الظلمات التي قابلته لا كل الظلمات فان ما لم يقابل منها لا يشرق عليها نورهم ولا يناله خيرهم ولذا قال سلمه الله تعالى يحط عن زواره المقابلين اليهم بوجوههم المحبين لهم بذاتهم وسرهم المنقطعين اليهم والمقبلين عليهم بسرهم فتشرق عليهم انوار عنايتهم وتتوجه اليهم ملاحظتهم فبتلك الملاحظة والعناية يستنير قلوبهم ويستشرق ظاهرهم وباطنهم وتذهب عنهم الظلمات ومقتضى السيئات ولوازم الانيات وما حصل بدواعي الشهوات كل ذلك يذهب عنهم ويتطهرون من تلك الكدورات باللطيفة الزائدة عند اولئك الاطياب الانجاب فان الخلق على ثلثة اقسام قسم لطيفته زائدة على ذاته وذلك مثل الانوار والنفوس المطهرة والعقول القادسة كالشمس مثلا والسراج فان كل واحد منهما يظهر نفسه ويضيء غيره ويظهره ويبينه وقسم لطيفته مساوية لذاته يعني يظهر ذاته ويكملها ولا يضيء غيره كالجمرة في المثال المحسوس وكالانبياء الذين بعثوا الى انفسهم وليس لهم رعية سوى انفسهم وقسم لطيفته ناقصة عن ذاته كالاجسام الغاسقة التي ( ليس خ ) لها من النور ما يظهر ذاتها والقسم الاول الذين لطيفتهم زائدة على ذاتهم على قسمين تابع ومتبوع كما بينا سابقا في تفسير قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان وذكرنا لكم ان هذا الستر رجال من الذين اتبعوهم باحسان وهم التابعون ولكنهم القرية الظاهرة للسير الى المتبوعين باللطيفة الزائدة فيهم وبتلك اللطيفة الزائدة يشرقون على القوابل السفلية ويذهبون بها كلما عندهم من الظلمات ويظهرونهم من درون ( يطهرونهم من درن خ ) السيئات ومن هذه الجهة وردت اخبار عديدة واحاديث كثيرة متفقة المراد متحدة المقصود في ان الحضور عند العالم يحط السيئات ويضاعف الحسنات وقد ورد عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ان الحضور عند العالم والجلوس لديه ساعة افضل من ختم كلام الله اثني عشر الف مرة لان بالحضور عند العالم يحصل ما يستنير به ( قلبه نسخة ١٣٠٥ م ) ويستقر به لبه وتحصل له زيادة البصيرة بها يطرد الشيطان وبها يزيل الشكوك والشبهات وبها تزول الظلمات ولا ريب ان هذه استفادة باطنية سرية وتلاوة القرآن وقرائته من غير استحضار معانيه ومعرفة اسراره ومبانيه ومعرفة ظاهره وباطنه ومعرفة محكمه ومتشابهه ومجمله ومبينه وناسخه ومنسوخه وكنايته واستعارته ودليل التنبيه ودليل الاقتضاء وفحوي الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب والخطاب من قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة وغيرها والنكات والدقايق والاسرار والحقايق قراءة لفظية حظها اللسان فلو كان عالما بوجوه القرآن مما ذكرناه ولم نذكره وذكرنا سابقا وما لم نذكره فهو العالم من العلماء الاعيان فحينئذ اذا حضر عند العالم استفادته تكون روحانية واستفادة التلاوة والقراءة على هذا النحو جسمانية وفضل هذا على ذاك فضل الروح على الجسم واي نسبة بين الروح والجسم واي نسبة بين عالميهما فعالم الروح نسبته الى عالم الجسم كلا نسبته لسعة عالم الروح وضيق عالم الجسم وقوله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اثني عشر الف مرة اشارة الى الرتبة لا الى النسبة العددية فان الحضور يقتضي التواجه والتقابل وبدن الانسان قواه الظاهرة اثني عشر واذا نسبته الى الله بحكم ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون يكون اثني عشرالفا والقوي الاثني عشر القوى الظاهرة الحواس الخمس وتجاويف الدماغ الثلثة بالبطنين في كل تجويف ستة والقلب اللحم الصنوبري هذه سبعة وتلك خمسة فالمجموع اثني عشر فاذا حضر عند العالم تتوجه اليه وتقابله بهذه الحدود الاثني عشر وكلها تستنير وتقبل الى الله سبحانه فتكون اثني عشر الفا وقد ورد ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) انه سأله رجل وقال يا رسول الله تشييع الجنازة افضل ام الحضور عند العالم فقال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اذا كان للجنازة من يشيعها ويدفنها فان الحضور عند العالم يعدل عند الله ثواب تشييع الف جنازة وعبادة الف ليلة في كل ليلة يصلي الف ركعة وثواب الف حجة وعمرة وثواب الف غزوة الخ وهذا كله ما ذكرناه من ان الحضور عند العالم يستفيد قلبه ويشرح صدره ويستنير قواه ومشاعره خلاف العمل اذا لم يكن عن بصيرة قلبية ومشاهدة يقينية ليس له ذلك الثواب لان الجسم كما لا يقوم الا بالروح وكذلك عمل الجسم لا يقوم الا بعمل الروح فلولا عمل الروح عمل الجسم ميت مطروح كما انه لولا الروح فالجسم ميت مطروح فاذا حييت الروح فالجسم حي بفاضل حياته بخلاف الجسم فانه لا يمكن حيوته الا بالروح ولذا كان العالم نفسه تسبيح وكلامه ذكر ونومه عبادة وقد ورد ان نوم العالم افضل من عبادة العابد لان العالم على طمأنينة وسكينة من ربه فلا يضطرب ولا يتشوش ولا يعتريه ( لا تعتريه خ ) شبهة ولا ريبة ولا شك ولا وهم ولا وسوسة ولا غير ذلك من خطورات النفس فهو آمن مطمئن بخلاف العابد فان جسمه يتحرك ونفسه ليست مطمئنة ولا قوية مقابلة للشبهات الشيطانية فحينئذ ما عسى ان يكون للعمل قوة وثبات وانما يصح العمل لان عندهم شيئا من الاعتقاد الاجمالي دون التفصيلي وذلك ايضا عمل بالروح وهو يحفظ هذه الاعمال عن التهافت والدثور والاضمحلال والابادة ما دام ذلك النور اي الاعتقاد الاجمالي باقيا في القلب فاما اذا اضطرب حتى عن ذلك الاعتقادات ( الاعتقاد نسخة ١٣٠٥ م ) الاجمالي جاء معنى قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا فبالجملة مشاهدة العالم والحضور عنده والجلوس مجلس افادته للتعلم والاستفادة يستنير القلب وينشرح الصدر وتحصل له نورانية تنبعث بها للعمل وباشراق نور العالم تذهب عنه ظلمات المعاصي والسيئات فيبقي ما دام باقيا في ذلك المجلس طيبا طاهرا يشرق بالنور فاذا خرج عن ذلك المجلس فما دام على تلك الحالة تجري عليه احكام تلك الحالة واذا تغير عنها تجري عليه احكام التغيير وهو قوله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ولذا روي عن طريق اهل البيت عن النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ان المكان الذي فيه العالم لا يدخله الشيطان ولا تأتي حوله الابالسة اه لان الشيطان لا يأوى بجنوده الا الى الاماكن المظلمة الغاسقة المدلهمة واذا حضر ذلك العالم يشرق من قلبه نور التوحيد ومن صدره نور النبوة ومن خلال جسده نور الولاية وان كان القلب اصل هذه الوجوه الا ان هذا التعبير للاشارة الى المرتبة وتلك الانوار تشرق من المؤمن وتضيء بها اكناف الاماكن التي حولها فاين يأتي حينئذ الشيطان واين تستقر الظلمة مع النور واجتماع الضدين محال كما ان اقترانهما واجب ولذا قال سيدنا الصادق لبعض اصحابه انكم تتعجبون من عظم نور النجوم والكواكب والشمس والقمر وهذه الانوار فان الملائكة سكنة السموات والكرسي والعرش يتعجبون من النور الذي يظهر ويتلألأ ويتشعشع من بيت فيه عالم من العلماء الالهيين والعرفاء الربانيين مما يخرج من قلبه ومن صدره ومن بدنه ومن اعضائه وجوارحه فالملائكة يتعجبون من شدة نورانية تلك الانوار واشراقها وسعتها اكثر واعظم مما تتعجبون من عظم نور الشمس والقمر وساير الكواكب ثم قال روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء انكم تتعجبون من قوة الملئكة الذين يحملون السموات السبع
معترضة - احب ان اعرفك عظمة هذه السموات والافلاك حتى تتعجب من عظم الملائكة الذين يحملونها فنقول ان اعظم جبال الارض وهو جبل دماوند ارتفاعه فرسخين ونصف تقريبا اذا نسبته الى كرة الارض تكون نسبته نسبة سبع عرض الشعيرة الى كرة قطرها ذراع فانظر ماذا ترى نسبة اعظم الجبال الى الارض ونسبة الارض الى الشمس نسبة الواحد الى الالف وقول اهل النجوم انها ثلثمائة خال عن التحقيق ومولانا الصادق اعلم منهم بهذا العلم لانه اخذه عن جده وهو رآها ليلة المعراج وقول اهل النجوم مستندة الى آلات وارصاد خطائها اكثر من صوابها ولقد كتبنا فيما كتبنا في علم الهيئة من نوع الاشارة اليها بدليل الحكمة وبينا فيها من هذا النوع كلام كثير وبالجملة فالشمس اكبر من الارض الف مرة وان كانت الارض اكبر من القمر بخمسة وعشرين مرة وانت اذا نظرت الى الشمس التي هي اكبر من الارض بالقدر المعلوم رأيتها لبعدها مقدار شبرين بل اقل فانت اذا قسم هذا الفلك فلك الشمس واجعل كل شبرين مقدار الف مرة من الارض فاذا نظرت الى تمام فلك الشمس واعطيت لكل مقدار شبر او شبرين قدر الارض الف مرة فانظر الى ما يبلغ سعة هذا الفلك واحاطة دائرته وتيقن حينئذ ان الشمس اسرع حركة من القمر وان كانت الشمس تقطع الدورة بمدة سنة والقمر مدة شهر فاذا كان هذا حكم فلك الشمس فما ظنك بالافلاك المحيطة بها اذا قسمتها اشبارا واعطيت لكل مقدار شبرا او شبرين قدر الارض الف مرة فانظر ماذا ترى ثم انظر الى فلك الكرسي فلك الثوابت فان الكواكب التي فيه اصغرها كالسهي بقدر الارض خمسة عشر مرة واكبرها كبنات نعش والفرقدين والشعري وامثالها بقدر الارض مائة مرة وانت اذا نظرت الى تلك الكواكب رأيت التي بقدر الارض مائة مرة لبعدها تترآى لك كالنقطة الكبيرة وانت حينئذ قسم فلك الكرسي نقاطا واعط كل نقطة قدر الارض مائة مرة فانظر ماذا ترى من سعة الكرسي وعظمه فانك تجد امرا عجيبا فوق الوصف والبيان ثم اعتبر بحال العرش الذي يكون الكرسي مع ما فيه من الافلاك السبعة بالنسبة اليه كحلقة ملقاة في فلاة قي وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان الله سبحانه جعل للعرش ثلثمائة الف وستينالف ركنا خلق عند كل ركن ثلثمائة الف وستينالف ملك اصغرهم لو امر ببلع السموات والارضين السبع كانت في لهواته كالخردلة الصغيرة في البرية الواسعة ثم امرهم بان يحملوا العرش فعجزوا عنه ثم خلق عند كل ركن من الملائكة ضعف ما كانوا ثم امرهم بحمل العرش فعجزوا عن حمله ثم خلق عند كل ركن عشرة اضعاف ما كانوا على ذلك العظم والمقدار الذي وصفنا لاصغرهم فامرهم بحمل العرش فعجزوا الخ فعلى هذا فاعجب عن عظم الملائكة الذين قدروا على حمل العرش والسموات اذا كان اولئك الملائكة الكبار بتلك العظمة عجزوا عن حملها فاذا عرفت عظمة السموات وعظمة حامليها فلنرجع الى تتمة كلام سيدنا الصادق عليه آلاف التحية والثناء من الله الملك الخالق فقال انتم لا تتعجبوا من عظم الملائكة الذين يحملون السموات بل تتعجبوا ( تعجبوا خ ) من عظم الملائكة الذين هم حملة كتب حسنات العالم من اهل التوحيد فانظر يا اخي الى عظم تلك الكتب التي هي اعظم من السموات واوسع منها ثم يكون الملائكة الذين هم حملة هذه الكتب موضع عجب بالنسبة الى الملائكة الذين يحملون السموات وان هذا الامر العظيم والخطب الجسيم ثم لا تسألني عن ان هذه الكتب اذا كان اكبر من السموات واوسع منها فاين موضعها فاني اقول لو سئلت ذلك ولا بد ان اجيبك فاقول ان تلك الكتب في الجنة اقل ما يعطي المؤمن في الجنة بقدر السموات سبع مرات وهو قوله تعالى وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين وهم الذين اتقوا الاغيار وخافوا من الادبار وكلامي هذا كلام ظاهري قشري فمن هذه الجهة قلت لا تسئل عني والله سبحانه وتعالى يقول لا تسئلوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم وان تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم وهيهات هيهات اين ثقل السموات وعظمتها من ثقل تلك الكتب وهي علة السموات والارض وموضع مددها ومحقق عددها اين نسبتها منها فلنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية فافهم ما القينا عليك من الاكسير الاحمر فكم من خبايا في زوايا ثم قال سيدنا الصادق ( عليه السلام خ ) ولا تتعجبوا من كثرة الاشجار والازهار والاوراق والاوراد وحشايش الارض بل تعجبوا من كثرة الملائكة الذين بايديهم اطباق النور فينثرون ( فينشرون خ ) على العالم من اهل التوحيد والنبوة والولاية انتهى ما نقلته ( من خ ) معنى كلام الامام الهمام مع بعض الشرح فانت اذا تأملت في هذا الحديث ( الشريف خ ) وطبقت ظاهره بباطنه وسره بعلانيته والقيت السمع وانت شهيد رأيت في مقام العالم الذي هو الباب والحجاب امرا عظيما وخطبا جسيما ثم ان ما ذكره روحي له الفداء تقريب الى الافهام وتيسير لما يعسر من مدارك الانام والا فالامر اعظم ثم اعظم ثم اعظم فاذا حضرت عالما نوره هكذا وكتبة حسناته هكذا وعدد الملائكة الذين ينثرون عليه اطباق النور هكذا ونفوذ كلمته في القلب هكذا فاذا اشرق عليك بعض تلك الانوار واصابك قبسة من تلك الاطباق للنثار فبماذا تبلغ نورانيتك وتترقى مقامات انسانيتك واني يوصلك اعمالك الضعيفة الضئيلة وافعالك السخيفة القليلة الى هذه المرتبة وتبلغك الى هذه الدرجة فلا تنقطع اذا عن الحضور اليهم والاستفادة من آثارهم والاستشراق بانوارهم فانه افضل الاعمال ويحط عنك الاوزار الذين ينوء عنها رضوى ويذبل واليه اشار الناظم بدل الله سيئاته حسنات : يحط عن زواره وزرا به رضوى ينوء ويذبل واتى برضوى مثلا لا حقيقة حيث ان رضوى هو المشهور في الالسن وتزعم الكيسانية انه الجبل الذي غاب فيه محمد بن الحنفية ابن امير المؤمنين روحي له الفداء ويزعمون انه هو القائم المنتظر وهو الذي يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وهو جبل بالطائف وبالجملة فمراده سلمه الله ليس خصوص رضوى بل كل جبال ( جبل خ ) لان الجبال تنهد بمعصية الله وتزعزع ولا يجتري ولا يجسر على مخالفة الله سبحانه جبار السموات الا الانسان الغافل و( او خ ) الجاهل المريض الذابل ( الذليل خ ) وقد ورد عن طريق اهل البيت عن سيدنا الصادق في النجف انه اعظم جبل كان على وجه الارض واطولها ولما ان نوحا قال لابنه يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين وكان هذا الجبل قريبا من دار نوح لانها كانت في الكوفة وهي مسجد الكوفة فقال ابن نوح ساوى الى جبل يعصمني من الماء ومراده بالجبل جبل النجف وظن لعلوه وارتفاعه وسمكه اذا الاتجاء ( التجأ خ ) اليه يأمنه من الغرق لان الماء لا يصل اليه ولم يعلم المخذول ان ذلك غضب على اهل الارض والله سبحانه لا يعجزه شيء ثم لما اتيه الماء وغرق وقال سبحانه للارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي اوحى الله تعالى الى الجبل وقال له يا جبل ايعتصم بك عني فتقطع الجبل هيبة من الله عز وجل وصار قطعا تفرقت الى ارض الشام ثم ازداد خصوعا وخشوعا الى ان صار رملا ثم ازداد خشوعا وخضوعا الى ان ماع وذاب وصار ماءا رجراجا وبحرا مواجا فسمي ذلك البحر ني ثم بعد حين من الدهر جف الماء وقالوا ني جف ثم غلب عليه الاستعمال فقيل نجف والشاهد في قوله سلمه الله تعالى ينوء ويذبل فاذا كان هذا الجبل العظيم الذي هو اعظم من رضوى صار هكذا عند معصية واحدة او ترك الاولى فبلغ به الحال هكذا فما ظنك برضوى وساير الجبال واكناف الارض واطرافها بل هذا الازار يحط الاوزار التي تنوء عنها وتذبل السموات السبع والارضين السبع وما فوقهن وما تحتهن وما بينهن بل اذا امتلأت السموات والارض من معاصي شخص او اشخاص وعصوا الله باعظم المعاصي واكبرها بحيث ان ذنوبهم طبقت السموات والارض فاذا زاروا هذا الازار المكتنف بالانوار والمحشو بالاسرار تحط عنهم تلك الاوزار وان بلغت ما بلغت لان كرامة العالم من اهل التوحيد عند الله عظيمة وعنايته جسيمة وهو سبحانه وتعالى ارحم الراحمين وما ذلك عليه بعزيز ان يخلص المتمسكين باهل ولايته واللائذين باهل توحيده وقد قال سيدنا الحسن العسكري ان العالم يأتي يوم القيمة وعلى رأسه تاج من جواهر تغشى بنورها الابصار وذلك التاج له اربعة اركان ويسطع من كل ركن نور يملأ ارض المحشر فليتشبث ( فيتشبث خ ) كل من اخذ من ذلك العالم بذلك النور في جميع اطراف القيمة ولو بوسايط عديدة بعيدة فيدخلون الجنة فيا له من مقام ما اكرمه ومن شرف ما اعظمه ومن مرتبة ما ابهاها ومن درجة ما اسناها ومن كرامة ما اجلها ومن عناية ما افضلها واشملها ومن رحمة ما اوسعها ومن قدرة ما اجمعها نسئل الله سبحانه ان يجعلنا منهم ومن المحشورين معهم ومن الناطقين بما نطقوا ومن الساكتين عما سكتوا انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير
وصل - لما فرغ الناظم ايده الله بتأييده وسرى به الى عالم تجريده وتفريده وجعله من خلص عبيده من بعض اوصاف الستر وبعض اسمائه وهو قليل من كثير وحقير من خطير وقطرة من البحر التيار ورشحة مما يطفح من اناء الاسرار كيف لا وهو النعمة التي قال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وهو البئر المعطلة اذ لا يمكن لاحد ان ينزح شيئا من ماء اسراره وقصر مشيد اذ لا يسع لاحد ان يصعد الى ذروة مجده وشرفه ويرتقي الى اعلى درجات عزه ومنعته ينحدر عنه السيل ولا يرقى اليه الطير وهو الغيب الذي بيد الله مفاتحه وهو قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو وهو الكلمات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وفي الدعاء واعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما برء ومن شر ما ذرء وهو الكلمات التي بها ابتلى الخليل ابرهيم فاتمهن ثم شرفه الله وكرمه كرامة لاتمام كلماته ومنحه واعطاه وشرفه وحباه وقال اني جاعلك للناس اماما وهو الكلمات التي تلقي به ( بها خ ) آدم من ربه فتاب عليه وهو الكلمات التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله وهو علم الساعة من قوله تعالى وعنده علم الساعة فلا تمترن بها وهو النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى وهو حجاب الواحدية وهو حجاب الرحمانية وهو حجاب القدرة وهو حجاب الرفعة وهو حجاب العزة وهو حجاب المنعة وهو حجاب الغلبة وهو حجاب القيومية وهو حجاب الرأفة وهو حجاب الرحمة وهو حجاب الهيمنة وهو حجاب الجلال وهو حجاب الجمال وهو حجاب الكرم وهو حجاب النعم وهو حجاب الاقتداء وهو حجاب الفخار وغيرها من الاطوار وهو سر الوجود وباب الغيب والشهود وموضع امتياز العابد من المعبود ومحل اقتران الشاهد بالمشهود وحقيقة الركوع والسجود ومبدأ ( المبدء نسخة ١٣٠٥ م ) الذي منه البدء واليه كل شيء يعود والنور المشرق من صبح الازل والوجه من التعين الاول وجامع هياكل التوحيد وسر التفريد والتمجيد وما عسى ان اقول من الكلام وقد قطع الكلام كلام الله الملك العلام كما سبق في هذا المقام لو كان ما في الارض من شجرة اقلام فاذا علقه الله سبحانه بما ليس فيه مجال وهو في الظاهر والصورة محال فاين موضع الجواب والسؤال واين محل المقال فوجب السكوت اذ ليس في محال القول حجة ولا في المسئلة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم ولا في اثباته له تكريم فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم وانه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون افبهذا الحديث انتم مدهنون حتى اذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون ونحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون وهذه الكلمات والصفات من سر باطن باطن باطن الباطن ولا يسعنا الكلام بازيد مما قلنا ولكنه ليس من البواطن التي بينا عند شرح قوله سلمه الله تعالى هذا الزبور وهذه التورية الى آخر البيت فان ذلك في السلسلة العرضية من تنزل الشيء الواحد من الخزاين الالهية من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم واما هذه البواطن التي اشرنا هنا الى باطن باطن باطن الباطن فانها من السلسلة الطولية دون العرضية وقد قال امير المؤمنين روحي له الفداء انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها وقال تعالى حكاية عن الملائكة بل عن كل شيء وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وقال تعالى حكاية عن يوسف وهو مقتضي حكمة الربوبية معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده وقال تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه والبيان في كل صقع لا يشمل الصقع الآخر فافهم فانا لو اردنا شرح هذه الكلمات لاقتضى مجلدا كبير الحجم ونحن في شغل عن ذلك وهذا الذي ذكرنا نحن في وصف هذا الستر قليل من كثير وحقير من خطير وبالجملة لما وصف الناظم ايده الله بعض اوصاف هذا الستر ونحن اتبعناه ببعض آخر ولعل يحصل من يشرح الوصف الذي وصفته كما شرحت انا وفصلت بالاشارة الاجمالية الوصف الذي وصفه الناظم سلمه الله تعالى ولما فرغ من وصف ما اراد ذكره اراد سلمه الله تعالى ان يبين كيفية وصول هذا الستر الى ذلك الامام الهمام سيدنا ومولينا موسى بن جعفر عليهما آلاف التحية والاكرام من الملك العلام
فقال لله دره وعظم بره وتولي امره ورفع ذكره واسبل عليه استار رحمته الواسعة بالقدرة الجامعة :
لما به ساروا واعلام لهم خفقت باثواب الجلالة ترفل
اقول : اما في الظاهر فمعلوم غني عن البيان ان الستر الشريف المرسول من حضرة السلطان بن السلطان بن السلطان والخاقان بن الخاقان بن الخاقان تغمده الله برحمته الواسعة لما وصل الى دار السلام بغداد وارادوا ان يسيروا به الى حضرة سيدنا ومولانا ابن الرسول وفلذة كبد الزهراء البتول وابن امير المؤمنين سيف الله المسلول السيد الاظهر ( الاطهر خ ) الامام موسى بن جعفر عليهما آلاف التحية من الله الملك الاكبر رفعت الاعلام ونشرت الالوية وشيعه وجوه دار السلام الذين عليهم النقض والابرام والحل والعقد في المهام واتبعته غيرهم من الخواص والعام ( العوام خ ) فوضعوا الستر على الرؤس تعظيما وتفخيما لذلك الناموس ضجت الاصوات بصنوف اللغات بالكلمتين الشريفتين وما يشتمل على الثناء على الله سبحانه والتمجيد والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وتلقتهم اهل القصبة الشريفة باعلام خافقة والوية منشورة والسنة بالتسبيح والتحميد ناطقة باصوات والحان فائقة بكلمات وعبارات رايقة وادخلوا بكمال الاعظام والاعزاز والاكرام وزينوا به قبر ذلك السيد القمقام وهذا ظاهر معلوم ولما كان كل ظاهر تنزل من باطنه لبطلان الطفرة وصريح قوله تعالى وما ننزله الا بقدر معلوم اذ لو كانت تلك الخزاين متساوية فلا معنى للنزول وفيه دلالة على ان تلك الخزائن عليا وسفلا متنزلة المراتب وقد قال مولينا الصادق ( عليه السلام خ ) ان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم يك ينفعهم ايمانهم شيئا وان قوما آمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم يك ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ظاهر الا بباطن كما لا روح الا بالجسد وكل ظاهر على كل طور لا بد من نزوله من باطن الا ان باطن كل ظاهر على حسب ظاهره والظاهر على مقتضى تنزل باطنه فتختلف البواطن كما اختلف الظواهر كاختلاف الارواح مع اختلاف الاجسام وكذلك ظاهر ما صنع اهل دار السلام في تعظيم هذا السر الشريف والحجاب المنيف لا بد ان يكون ناشئا من سر باطن في الستر والسير به والاعلام وساير الاحكام فنقول اما هذا الستر فهو قطعة من العباء والكساء التي جمعت الخمسة كف الحكيم وحوتهم وشملتهم واثبت ( اثبتت نسخة ١٣٠٥ م ) مقام جمعهم ولما كان الموجود منهم خمسة شملتهم ظاهرا وباطنا ولما كان الباقون في غيب الاستجنان لم تشملهم ظاهرا فوجب ان تشملهم كذلك كما شملتهم في الباطن لان الظاهر عنوان الباطن اذا كان الظاهر حقيقة لا عرضا كحسن وجه الكفار وقبح وجه بعض المؤمنين وارسال هذه التحفة ليس مخصوصا بسيدنا الكاظم بل لغيره ممن سواه من سنخه ومن حقيقته الا ان الارسال الى هذا السيد الطاهر ظهر بهذا النوع من الظهور واما للباقين فعلى وجه الخفاء وعدم الظهور كالجسم الطبيعي اذا ظهر بالجسم التعليمي والا فالاصل هو الجسم الطبيعي والجسم التعليمي عرض خارج وكذلك الظهور على الوجه المخصوص لمولانا الكاظم عليه آلاف التحية والثناء كان امرا عرضيا لا ذاتيا والا كان اقتضى ظهور هذه الشوكة والجلالة من اصل دار السلطنة متصلا الى ان يصل الى الزوراء ثم الى القبة النوراء وحيث لم يكن عرفنا ان ذلك عرضي واما على الوجه الحقيقي فان الستر المشرف ساروا به باعلام حقيقية والوية الهية الى ان اوصلوه الى محله لان الله سبحانه لا يخل بالحكمة وبالجملة فتلك القطعة قطعة اخذت من العباء مع عدم تغير العباء وتفاوتها لانها نسجت من عالم الرحمة الاولية بخيوط سداها الاسماء كلها من العظام وغيرها وكل اسم خيط جعل سدا هذه العباء والجامع لهذا السدا وحافظه ومحدده هو كلمة التوحيد لا اله الا الله وحروفها الثلاثة الظاهرة في اثني عشر ان عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله منها اربعة حرم فبالاسماء وكلمة لا اله الا الله ثم ( تم نسخة ١٣٠٥ م ) سدا هذه العباء واما لحمتها فالمعارف والحقايق الالهية الظاهرة في النبوة المطلقة والولاية المطلقة بجميع اطوارهما واحوالهما في نشأتيهما من الغيب الازلي الى السر الابدي والعالم السرمدي كلها التي تحملها الكلمتان الشريفتان وهما محمد رسول الله الظاهر باثني عشر حرفا في البروج الاثني عشر فهذه الخيوط على تفاوت الوانها واصباغها وهيئاتها واشكالها لحمة العباء ولما حيكت حاكتها يد القدرة في ظل العظمة وحجاب الكرامة اهدتها الى نبي الرحمة ثم انه جعلها قطعا متعددة على عدد كليات سداها ولحمتها من غير ان ينقص من تلك العباء شيء تشعب ذلك الاصل بهذه الفروع والقطعات وكل قطعة على هيئة العباء كما ان كل قطعة من صاحب النبوة المطلقة صلى الله عليه وآله وسلم على هيئته اما اخبرك الله سبحانه وتعالى بان الولد جزء من والده بقوله تعالى وجعلوا له من عباده جزءا وذلك لما قالوا ان الملائكة بنات الله اما اخبرك ان الولد عمل يتصف بانه صالح او غير صالح اما الاول كما في قوله تعالى فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون واما الثاني فقال سبحانه خطابا لنوح يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فعلمنا ان الولد عمل لوالده لكنه يتصف بالصلاح وعدمه وقد اخبرك الله سبحانه بان كلا يعمل على شاكلته فعلمنا ان الولد على شكل ابيه وهيئته مع انه جزؤه فلما كان سيدنا الكاظم جزء من النبي وهو عمل صالح ظهر على شاكلته فالعباء التي للنبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اذا تقطعت وتجزءت اذا ظهرت قطعها وبرزت اشكالها تكون على شكل الاصل فكانت هذه العباء الظاهر ( الظاهرة نسخة ١٣٠٥ م ) بصورة الرداء على هيئة العباءة الاولية لا فرق بينها وبينها الا ان الثانية فرع والاولى اصل ولا يتبين ذلك الا بالبيان لان هذا الفرق فوق طاقة المخلوقين الا بعناية خاصة وبيان خاص وهو قول سيدنا الصادق عليه آلاف التحية والثناء في الحديث المتقدم او من شئنا فتلك القطعة التي هي الستر قد نسجت كما ذكر من سداها ولحمتها ونساجتها وحايكها والمحوكة له قد سيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لاشخاص كرام من العالين وهم اربعة اولهم وسيدهم روح القدس وثانيهم الروح من امر الله وثالثهم نفس لا يعلمها ولا يحيط بها الا الله وهي قوله تعالى حكاية عن عيسى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك النفس المضافة الى الله تأكيد وظهور لان النفس من التأكيد المعنوي ورابعهم الروح على ملائكة الحجب وهؤلاء الحقايق والذوات العالون الجامعون لجميع شئونات الصفات من احكام التعينات هم الذين ساروا بذلك الستر الى المكان المقدس والمحل المشرف المنزه وشيعتهم الكروبيون وهم ليسوا بملك وهم ملك كما يأتي بيانه ويتضح برهانه ثم شيعتهم حقايق الموجودات وذرات الكاينات وجهات الروابط والاضافات والمختلفات والمؤتلفات والافراد والكليات والانواع والاجناس والاعيان والاشخاص وساير الاكوار والادوار والاوطار والاطوار وهذه الموجودات من المحسوسات والمعقولات والظاهرات والمخفيات كلها تبعت وشيعت اولئك الرؤساء مبدأ الشكل المربع الظاهر بالتأليف والاجتماع والمحبة والمودة وقران كل شيء بمناسبه ولهم اعلام اربعة وهي الكليات العلم الاول الاعلى روح القدس وهو علم عظيم ولواء كبير يقرب الى لواء الحمد وهذا اللواء محوك بيد العظمة سداه من زغب ميكائيل ولحمته من زغب اسرافيل وعزرائيل وله سبعةآلافالف شقة كل شقة تسع الخلايق اجمعين وطول هذا العلم واللواء الف الف قامة مكتوب عليه لا اله الا الله محمد البشير النذير السراج المنير واولياؤه وخلفاؤه مهابط فيض الله اللطيف الخبير العلم الثاني طوله الف الف ذراع للروح من امر الله محبوك ( محوك خ ) بيد الرحمة سداه من زغب اسرافيل ولحمته من زغب ميكائيل وجبرائيل مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) نبي الرحمة وشفيع الامة واولياؤه وخلفاؤه ابواب الهداية والبرازخ بين البداية والنهاية والعلم الثالث طوله الف الف شبر حاكته يد الكرم في محل النعم سداه من زغب عزرائيل ولحمته من زغب ميكائيل وجبرائيل مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ولي النعم واولياؤه وخلفاؤه اولياء الكرم والعلم الرابع طوله الف الف شبر غلظه سبعونالف ذراع وهذا العلم من ياقوتة حمراء وله سبعونالف شقة من الزمردة الخضراء وكل شقة تسع اهل الدنيا ومن فيها وهذه كليات الاعلام ( وخ ) حاملها بشر من اولئك الكرام الفخام يحملونها من حجاب الواحدية ويسيرون بها والستر على يد نفس الله التي لا يعلم ما فيها عيسى وباقي الخلايق لهم اعلام على حسب مقامهم ومرتبتهم في ارتفاعها وانخفاضها منها اعلام الملائكة الكروبيين وهي اعلام مرتفعة وبالجلال والعظمة خافضة ( خافقة نسخة ٢٢٤٤ م ) والوانها صفر وشققها خضر وساقها حمرة مخلوطة ببياض ثم باقي الذرات الوجودية لها الوية منشورة ( وخ ) لو اردنا شرحها وتفصيل صورها واحوالها وتفصيل الذرات الحاملة لتلك الاعلام لخرجنا عما نحن فيه من المقام وبالجملة فالاعلام الف الف على اختلاف المقادير والالوان والصور والهيئات والشقق وامثالها وتحت كل علم من الخلايق ما لا يحصيهم الا الله سبحانه وتعالى على اختلاف اشخاصهم واعيانهم وصورهم وهيئاتهم وصفاتهم آه آه لو كان لي قلب مجتمع خلي من الاشغال المانعة من استقامة الحال لاخبرتك من هذه الاعلام وحملتها والذين تحتها من الخلايق العظام بصور انواعها التي منها يعلم صور اشخاصها ولكن الى الله مشيات ( المشيات خ ) كلها فلا عتب فيما شاءه وملام الا ان في نوع ما ذكرنا كفاية لاولي الهداية والرشاد واهل الصواب والسداد وهؤلاء الرؤساء المتبعون السابقون والتابعون لهم باحسان من حملة الاعلام ومن الواقفين تحت الرايات والالوية المنشورة وتلك الاعلام تخفق لما يفيض عليها من كرامات الله سبحانه وعناياته ومن الشقق ما تخفق عند ظهور العظمة ومنها ما تخفق عند ظهور الكبرياء ومنها ما تخفق عند ظهور الجلال والبهاء ومنها ما تخفق عند ظهور النور والسناء ومنها ما تخفق عند ظهور الكرم والآلاء ومنها ما تخفق عند ظهور المجد والنعماء وبالجملة لهم اطوار مختلفة عند الخفقان فحملة الاعلام والذين تحت تلك الرايات من الخواص والعام ( العوام خ ) من الناطقات ظاهرا والصامتات ومن الجامدات والمشتقات ومن المجردات والماديات كلها رافعة اصواتها بالتسبيح والتمجيد ( التمجيد والتحميد خ ) والتقديس والتهليل لهم رجل عظيم في تسبيح الله سبحانه بحكم وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فاصواتها مرتفعة وقلوبها خاضعة وابدانها خاشعة وافئدتها فارغة وهم في حنين الى بارئهم وانين اذا حصل لهم الفراق لشدة لواعج الاشتياق وبالجملة في حال عظيم يسيرون ومن ( يسيرون من خ ) جبل الاحدية والستر بين يديهم كلما يتقدمون بالستر الى عوالم التفاصيل والكثرات يلحقهم خلق كثير بالوية واعلام رافعين اصواتهم بتسبيح الله وتقديسه وسائلين حوائجهم الى حضرة قدسه لان العنايات والكرامات والرحمة الواسعة والعنايات الجامعة والاعطاف الشاملة والنعماء البالغة السابغة على رؤسهم مرفرفة ولهم معدة حيث انهم يعظمون شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب لكم فيها منافع الى اجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق ولم يزالوا سائرين ولله سبحانه مسبحين واياه داعين ولخيره طالبين ولشعائر الله وحرماته معظمين وكذلك متزايدين متلاحقين افواجا افواجا وسائرين من مبدء سيرهم الذي ذكرنا الى اربعين منزلا في اربعين يوما حتى اتوا الى البيت العتيق الركن الوثيق والجار اللصيق وهو القبر المطهر والمرقد المنور بذلك الامام الاطهر الازهر في بلد الاحسان عند اجتماع بهرام وكيوان على دقايق الاقتران واتصال برجيس وناهيد في درجات الامتنان وفي الافق الذي كان عليه السرطان في خط الاستواء مستوى الرحمن فاتوا بهذه الخلعة السنية والتحفة البهية الى كل من ارباب الولاية واصحاب العناية واجزاء الرسول ومصادر العز والقبول انوار التنزيل اصحاب التأويل الغرر الميامين الدرر الاطيبين فخلعوهم به والبسوهم اياها فشملت السائرين به حامل الاعلام والالوية والمشيعين لها من جهة الاكرام والاعظام من عناية الله وكرامته وشمول رحمة الله لهم وعنايته عليهم
الى ان ظهر ما اشار اليه الناظم ايده الله بتوفيقه واكرمه بتسديده وتأييده وقال :
باهى الاله بهم ملائكة السما فبدت على الزوراء ضحى تتنزل
اقول : اي باهي الله سبحانه بهؤلاء المشيعين السائرين بالستر من اصحاب اليقين الذين شملتهم العناية والكرامة من الله رب العالمين فاختارهم الله واجتبيهم واصطفيهم واظهر فضلهم للملائكة ومقامهم لهم فلما عرفت الملائكة ذلك فبدت ونزلت على دار السلام حاملون انوار الكرامة واطباق النور والرحمة فنشروها ( فنثروها نسخة ١٣٠٥ م ) على السائرين به والمشيعين له وحملة الالوية والاعلام وسدنة مخازن الفيض من الله العلي العلام ومعنى نزول الملائكة عليهم ليس انهم مفارقونهم ولما باهي الله بهم عرفوا ونزلوا كلا ان الملائكة لا يفارقونهم كيف يفارقونهم وهم الموكلون بهم فمنهم المقسمات ومنهم المدبرات ومنهم المعقبات فكيف يمكن التخلف بل لا يمكن والا لفسدت السموات والارض ومن فيها بل المراد تنزلهم عليهم اتصالهم بهم بنحو المناسبة لان الانسان بل كل شيء له جهتان كما فصلنا لكم سابقا عند بيان السكينة وذكر الطمأنينة فهذا التنزل عليهم والاتصال بهم من نوع ذلك الاتصال فيكونون معهم ويسلمون اليهم مفاتيح الخزائن التي عندهم حتى يكونوا اولياءهم من قوله تعالى نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة وهذا معنى قول الناظم سلمه الله فبدت على الزوراء ضحى تتنزل والمراد بالزوراء دار السلام محل الانعام وموضع الاكرام مقام الامن من المخاوف والنجاة من المهالك بحسن سياسة على الاعلى المحبو بجلائل النعماء والآلاء وانما قال ضحى لانه مقام انتشار النور على كل شيء لا سيما هؤلاء السائرين بالستر والمشيعين له لان الظلمات قد ذهبت والاكدار قد ولت فكان الوقت ضحى ظاهرا بالانوار وكاشفا للاسرار وانما خص الضحى ولم يذكر الظهر مع ان النور هناك اكثر وشموله وانبساطه اظهر والظل يرتفع بالكلية لانعدام الظل في بعض الآفاق لا سيما خط الاستواء فالظهر انسب في المقام ولو اتوا بالستر نصف الليل عند معترك الظلام وانما خص الضحي دون الظهر رعاية للادب وملاحظة للرتب فاذا ذكر سطوع الانوار واشراق شمس العناية على التابعين للولاية والمشيعين لايتاء الستر الى موضع القبر وعبر عنها بالظهر فاي شيء يقول اذا اراد ان يذكر اشراق النور وصبح شمس الازل على الحقيقة المحمدية حامل النبوة المطلقة وحامل الولاية المطلقة فان قال ضحي فقد ساوى بينهم والفرع لا يساوي الاصل وان قال العصر فقد نقص الاصل ورفع الفرع وذلك خلاف الحكمة وظلم لا يجوز على اهل الفطنة فوجب ان ينسب الى التابع الضحي وعلى المتبوع الظهر حتى يطابق ويوافق ويظهر سر قوله سبحانه سبحان الذي اتقن صنع كل شيء فلله در الناظم من حكيم متقن ومن عالم معلن يضع الاشياء في مواضعها ويعطي الحقايق رتبها فان حق المراتب واجب بل هو من اوجب الواجبات واعظم العزايم اللازمات الثابتات واما الملائكة فان لفظها اما مشتق من المالك المشتق من الالوكة بمعنى الرسالة او مشتق من الملك بمعنى العبودية وكلا الاشتقاقين يأتيان في المقام اما الاول فان الملائكة رسل كما قال تعالى الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس واما الثاني فانهم عبيد لا يخالفون امر مولاهم كما قال تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فاذا نظرت الى نفس صلاحية اللفظ فانه يصح اطلاقه على كل من عنده احدى الصفتين فكل رسول يصح ان يسمى ملكا وكل عبد يصح ان يقال انه ملك كما ان الجن من حيث اشتقاق اللفظ يصح ان يطلق على الملائكة كما اطلق سبحانه في القرآن وقال سبحانه وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون ولا ريب ان ليس احد نسب الجنة الى الله بنسب النبوة ام غيرها نعم جعلوا بين الله وبين الملائكة نسبا حيث قالوا انهم بنات الله وحيث ان الجن اشتق من الاستجنان والخفاء يصح ان يطلق على كل من له صفة الخفاء والاستجنان ان يقال له جن كما في قوله تعالى واذ انتم اجنة في بطون امهاتكم فمن هذا الباب تسمية الجنين جنينا ومن هذا الباب قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا الآية فمن هذه الجهة اي الصدق اللفظي وصلاحية اللفظ في الدلالة اختلفت الاطلاقات في الآيات واحاديث سادة البريات في الجن والملك وكثيرا ما يطلقون الملك على شيء ثم ينفونه عنه كما في الاربعة الذين تقدم منا انهم الرؤساء وهم ساروا بهذا الستر من مبدئه الى محله وهم اولوا الاعلام الذين وصفت اعلامهم وذكرت بعض صفاتها واحوالها وقد ورد انهم الملائكة العالون الذين ما امروا بالسجود لآدم كما افصح عنه صريح القرآن في قوله تعالى خطابا لابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين وقد سموهم ملائكة عالين مع انه قد ورد عن مولانا وسيدنا الرضا عليه من الله آلاف التحية والثناء انهم ليسوا بملك وانما هم بشر وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ذلك ايضا وبهذا المفتاح الذي منح الله عليك بواسطة هذا الحقير الفقير الضعيف تقدر على فتح هذه الابواب المغلقة وتسلك هذه المسالك الوعرة ( الوعرة الضيقة خ ) واما الملائكة الذين هم في مقابلة الانسان والجان فهم عبارة عن ذوات نورانية قد اضمحلت فيهم جهة الميولات النفسانية والشهوات الانسانية والجنية فغلبت عليهم جهة النور بحيث اضمحلت عنهم جهات الظلمة بالمرة فلا اثر لها بالكلية الا في بعض الموارد الجزئية وهي والعياذ بالله ليست بمعصية بل انما هو ترك الاولى وترك الاصلح فان الله سبحانه نص على ذلك في محكم كتابه وهو اصدق القائلين واعلم من كل احد لانه خلقهم وصورهم واوجدهم الا يعلم من خلق وقال سبحانه عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال سبحانه في تفسير الظاهر عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ( وخ ) تقديم الجار والمجرور على المتعلق يفيد الحصر حيث لم تكن قرينة تدل على عدمه فالملائكة ليست لهم جهة يظهرون بها الظلمة ليجروا عليها مقتضياتها والفرق بينهم وبين الانبياء ان الانبياء اضعفوا بقوة العمل والاقبال والتوجه الى الله سبحانه وتعالى بحيث انغمسوا في بحر النور وسبحوا في لجة الظهور وكشفوا سبحات الجلال من غير اشارة ومحوا الموهوم وصحي لهم المعلوم وهتكوا الستر بغلبة السر وجذبة الاحدية اليها انفسهم فالقوا بذلك الجذب لوازم انيتهم فاشرق لهم النور من صبح الازل فلاح على هياكلهم آثاره واطفئوا سرج القوي والمشاعر والحواس مما يلي شهواتهم وميولاتهم وانياتهم وطلع لهم الصبح الوضاح استغنوا به عن المصباح فازالوا الظلمات وطهر القلب من شوائب الشكوك والشبهات وشرح الصدر لئن لا يتضيق بتوارد الهموم والظنون والخيالات واصلح البدن لئلايتمكن الشياطين والابالسة بالقاء الاوهام والضلالات قد اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واما الملائكة فهم وان كانوا كذلك لكن ذلك من اصل الخلقة والفطرة فلم يجدوا انفسهم مذ وجدوا انفسهم ولم يشاهدوها مذ شاهدوها فهم مطهرون من ( في خ ) اصل الخلقة والايجاد لا بقوة العمل لتواتر الامداد فهم بالنوع افضل وفي الجنس اكمل واشرف فالملائكة هم حملة الامداد والوجوه للتعين الاول في اطوار ايصال الفيض الى القوابل والاستعداد فمنهم مقبلون الى الله ليس لهم شأن الا طاعة الله فهم على اقسام منهم قيام لا يقعدون ومنهم قعود يذكرون ولا يقومون ومنهم ركوع فلا ينتصبون ومنهم سجود فلا يرفعون رؤسهم وهم بين يدي الحق مضمحلون منهم مشتغلون بالذكر فهم على انحاء منهم يذكرون سبحان الله منهم يذكرون الحمد لله ومنهم يذكرون لا اله الا الله ومنهم يذكرون الله اكبر ومنهم من يبكون من خشية الله بحيث لو جمعت جميع بحور الدنيا في جنب دموعهم كالقطرة في البحر ومنهم من يحملون عدد القطرات فكل قطرة ينزل بها ملك ثم لا يصعد ومنهم يسوقون السحب الى المواضع التي يريد الله ان يمطرها وهذا هو الرعد وهذا الصوت العالي صوتهم والبرق نار يخرج من فيهم فهؤلاء اصغر من الزنبور واكبر من البعوضة منهم من يسقون الاشجار ومنهم من يحملون ظلمة الليل وضوء النهار ومنهم من يجرون الشمس بكلاليب من نور فان الشمس عليها سبعينالف كلاب وكل كلاب يجره سبعونالف ملك يجرون من مشرقها الى مغربها ثم ينزعون عنها النور فتخر ساجدة تحت عرش ربها ثم يسئلون ربهم هل يلبسها ( نلبسها خ ) لباس النور ام لا فيأتيهم النداء بما يريد الله ثم يسئلون ربهم هل نطلعها من مشرقها او من مغربها فيأتيهم النداء بما يريد الله ثم يسئلون ربهم عن مقدار الضوء الذي يلبسونها اياه فيأتيهم النداء بما يحتاج اليه الخلق من قصر النهار وطوله في الصيف او في الشتاء في الربيع او الخريف وهكذا يفعلون بباقي الكواكب ملائكة اخر موكلون عليها على حسب مقتضي كينوناتهم ولا تتوهم ان ذلك مخالف لما عليه علماء الهيئة اذ لا تخالف بين ما ذكرناه مقدار سم الابرة ولكن الشأن في وجه الجمع فاني لو اردت بيانها يطول بنا الكلام ومنهم من يحملون الهواء ومنهم الموكلون بالرياح وهم الملائكة الاربع الصبا والجنوب والشمال والدبور وهؤلاء اسماء الملائكة كل ملك يسير الريح الى الناحية التي وكل بها ومنهم الملائكة الموكلون بالاشجار ومنهم من يجذب الغذاء اليها ومنهم من يحلها ويعفنها ومنهم من يدفع الفضولات عنها ومنهم من يمسكها عن التهافت والدثور والاضمحلال وهذه القوي الاربعة الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة يد لهم يتصرف الملائكة بها كما ان الكاتب يكتب بالقلم ومنهم من ينوع الاشجار انواع ( انواعا خ ) ومنهم من يميزها اشخاصا ومنهم من ينقلها من حال الى حال ومنهم من يسبب لها التغيير ومنهم من يغيرها بزيادة ونقصان بنمو وذبول ومنهم من يغيرها بلطافة ونعومة وبكثرة الاغصان وقلتها وهكذا من ساير احوالهم وكذلك يفعلون بالاحجار ومنهم الموكلون بحمل السموات ومنهم الموكلون بحمل الارضين ومنهم الموكلون بعدم طغيان البحار ومنهم الموكلون بضبط الانهار والاشجار ومنهم الموكلون باختلاف الليل والنهار ومنهم الموكلون بالارزاق ورئيسهم ميكائيل ومنهم الموكلون بالحيوة ورئيسهم اسرافيل ومنهم الموكلون بالموت ورئيسهم عزرائيل ومنهم الموكلون بالخلق ورئيسهم جبرائيل ومنهم الملكان الخلاقان اللذان يقتحمان رحم المرأة من فمها ويقولان يا رب كيف نخلقه ذكرا او انثي فيأتيهم النداء بما يريد الله ثم يسئلان كيف نخلقه سعيدا او شقيا فيأتيهم النداء بما يريد ( الله خ ) ولهم صور شتى مختلفة فمنهم من بين منكبه وشحمة اذنيه مقدار سير الطاير المسرع خمسمائة عام منهم من لو صبت مياه جميع البحار في نقرة ابهامه لا تمتلي ومنهم من له الف رأس وعلى كل رأس الف وجه وعلى كل وجه الف فم وفي كل فم الف لسان وبكل لسان يسبح الله بالف لغة ومنهم من له الف يد وعلى كل يد الف ساعد وعلى كل ساعد الف مرفق وعلى كل مرفق الف كف وعلى كل كف الف اصبع وهكذا صورهم وهيئاتهم واشكالهم العجيبة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) جبرئيل بصورته الاصلية وانه ملأ ما بين المشرق والمغرب وله ستمائة جناح وبالجملة فصورهم وهيئاتهم مختلفة وكل واحد منهم موكل بجهة من الجهات لا يسعهم الجهة الاخرى حتى لو ان الف ملك لو اجتمعوا لا يقدرون على حمل باقة بقل فهم صغار وكبار وصور شتى وهيئات مختلفة عجيبة غريبة لا يسع الناظر ان ينظر اليها الا عند الموت الا اذا استأنس بهم مثل اولئك الابرار الذين مضى بعض ذكرهم ووصفهم فبالجملة فكل شيء موكل عليه ملك وكل جزء من اجزاء الشيء موكل عليه ملك وفي كل قران من قرانات الشيء حتى يحدث بذلك القران شيء آخر موكل عليه ملك في جوهر الشيء موكل عليه ملك في عرضه موكل عليه ملك وفي قبوله لذلك العرض موكل عليه ملك وفي حصول الامر الثالث لاقتران العرض بالجوهر موكل عليه ملك وبالجملة جميع الاقتضاءات لا تجري على مقتضياتها الا بالملك باذن خاص والمقتضي والمقتضي ايضا بيد الملك مثلا اذا قابلت مرآة صافية غير مكدرة باكمل ما يكون من الصفاء ولا حايل بينك وبينها فالمرآة بيد ملك وانت مكتنف بك ملائكة لا يحصى عددهم الا الله ووجهك موكل عليه ملك ومقابلتك اياه موكل عليه ملك وانطباع صورتك في المرآة بعد المقابلة موكل عليها ملك فلو اتيت بالمرآة فانما اتيتها بالملك ولو عصاك الملك لم تقدر على الاتيان به وكذلك اذا قابلتها فانما تقابل بالملك فلو امتنع عليك الملك ما قدرت على المقابلة فبعد المقابلة بالمرآة اذا لم يحضر الملك الآخر لانطباع صورتك فيها فانها لا تنطبع ولا تظهر في المرآة شيء ذلك تقدير العزيز العليم ثم هنا ملائكة موكلون بمآكلك ومشاربك والاكل والشرب اذا لم يكن اثلاثا لم يحصل المزاج فانت تأكل وتشرب من غير قدر ووزن والملائكة يقدرون ويوزنون ويدفعون الفضول بالقوة الدافعة فاذا فعل امرا يخالف شيئا من محبة الله على الوجه الذي يريد الله ولم يكن من قوة ايمانه او والعياذ بالله من استدراجه ويريد الله سبحانه ان يجري عليه مقتضي فعله يأمر الملائكة بالكف عن التقدير والوزن ورفع الفضول فانه يتمرض حتى يأتي الله بامره اما يطيب بسبب آخر من الاسباب الالهية او يموت فكم من اكل كثيرا وابدل له بالعافية وكم من اكل قليلا طلبا للعافية فابتلي بالامراض والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون لا راد لقضائه ولا مانع لحكمه له الحكم واليه ترجعون وقد اجملت الكلام وما اوضحت البيان خوفا من التطويل وصونا من اصحاب القال والقيل وفي الدعاء يا سبب من لا سبب له ويا مسبب الاسباب من غير سبب افض علينا من نورك وانشر علينا من رحمتك واسعدنا بكرامتك واما عدد الملائكة فهي كثيرة جدا وقال الله سبحانه وما يعلم جنود ربك الا هو وهم الملائكة لانه سبحانه لما قال ساصليه سقر وما ادراك ما سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر ضحك الكفار وقالوا ان على سجن رب محمد ليس الا تسعة عشر ثم قال واحد منهم استكبارا واستهزاء بان ثمانية عشر منهم على وانتم كلكم تعجزون عن واحد فلما عتوا واستكبروا ووافقهم على ذلك جماعة من المنافقين انزل الله عليهم قرآنا وقال وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ثم قال سبحانه وما يعلم جنود ربك الا هو فعددهم لا يحصى وكثرتهم لا تستقصى الا ان مولينا وسيدنا جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام خ ) اشار الى نوع البيان لمن له عينان فقال ان الانس عشر الجن والانس والجن عشر الحيوانات البرية والجن والانس والحيوانات البرية عشر الحيوانات البحرية والجن والانس والحيوانات البرية والبحرية عشر الطيور والمجموع عشر الاشجار وكل ذلك عشر الاحجار والاحجار والاشجار والطيور والحيوانات البحرية والبرية والجن والانس عشر الملائكة الذي في السماء الدنيا وكل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الدنيا عشر الملائكة الذين في السماء الثانية وكل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الثانية عشر الملائكة الذين في السماء الثالثة وكل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الثالثة عشر الملائكة الذين في السماء الرابعة وهكذا الى السماء السابعة وكل هؤلاء الخلق مع الملائكة الذين في السماء السابعة عشر الملائكة الذين في الكرسي وهؤلاء مع الملائكة الذين في الكرسي عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش والعرش له سبعونالف سرادق فانظر الآن في نفسك هل يقدر احد على ضبط اعداد الملائكة كلا بل الامر كما قال ( سبحانه خ ) واجمل وما يعلم جنود ربك الا هو فكل ملك من هؤلاء الملائكة حامل وجه من وجوه الفيض من الفيض الاقدس الى محله وموقعه فهم على عدد ذرات الوجود والموجودات لا حصر لها ولا غاية لعددها ولا نهاية لمددها والملائكة كذلك
مقابلة - الشياطين اضداد للملائكة فشأنهم في الظلمات كما هو شأن الملائكة في الانوار فجهة النور فيهم مضمحلة فانية لا اثر لها ابدا كما ان الملائكة جهة الظلمة فيهم كذلك والفرق بين الشياطين والكفار الذين اعرضوا عن الله سبحانه بالمرة كنمرود وشداد وامثالهما وقد ادعيا الربوبية دون الله سبحانه كما ذكرنا في الفرق بين الملائكة والانبياء الاطهار راجع تفهم واصل مبدأ الشياطين ان ابليس كانت له امرأة اسمها طرطبة فواقعها ولما كانت ملساء باضت ثلثين بيضة فجعل ابليس كل عشرة منها في ناحية من نواحي العالم وخرجت من كل بيضة قبيل من الشياطين لا يعلم عددهم الا الله وهؤلاء كلهم ذكور ليس فيهم اناث الا واحدة وهي امالصبيان وهؤلاء كلهم كفار ليس فيهم مؤمن الا واحد وهو هام بن هيم بن قيس بن ابليس هكذا سمعت من شيخي العلامة واستادي وسنادي وعمادي اعلى الله شأنه وانار برهانه ورفع ذكره واعلى امره وقد سمعت منه ايضا اعلى الله مقامه ان ابليس نكح نفسه فحصلت هذه البيضات ففرقها في نواحي الوجود ولا منافاة بين الكلامين لان طرطبة اسم نفسه وانيته التي ينكحها وجوده المنصبغ بصبغ الطغيان كالماء الصافي اذا شرب منه الافعى انقلب سما قاتلا ولا منافاة ايضا بين ان اولاده كلهم ذكور وبين ما ورد في الحديث من ان هام بن هيم بن قيس بن ابليس اسلم واتى الى النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فتعلم منه بعض القرآن وعرفه الحلال والحرام ووجه توهم المنافاة انهم اذا كانوا ذكورا كيف يحصل منهم التوالد حتى يكون الهام اعلى جده ابليس ووجه رفع التنافي ان اولاد ابليس اجزاؤه ومن سنخه وقرأنا لكم سابقا آيات من القرآن ظاهرة الدلالة على ان الولد على هيئة الوالد وقوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته فيكون اولاد ابليس كلهم على صفته وهيئة عمله فيكون كلهم ينكحون انفسهم ويبيضون فيكثر منهم النسل ( وخ ) لقد اراني الله سبحانه في بعض احوال المكاشفة كيفية صدور النسل من ابليس وتكثره وكيفية نكاحه نفسه وعلى اي صورة كان حين النكاح والحمد لله رب العالمين
وصل - لما ذكر الناظم ايده الله بتوفيقه وسدده بتسديده وجعل نور الحق امداده والملائكة وقاده ان الملائكة بدت تتنزل ضحي في دار السلام انجذابا لتلك الالوية والاعلام لما اشرقت عليهم انوار العناية وتشعشعت لهم شروق شمس الكرامة فانجذبوا اليهم لما باهاهم الله بهم فاحاطوا بظاهرهم وباطنهم باعلاهم واسفلهم بحيث لم يبق لهم جهة الا واحاطوا بها شوقا وتوقا لحصول المناسبة المقتضية للمحبة والوداد فاشار سلمه الله الى هذه الاحاطة وتلك الاستدارة الموجبة لجذب الانوار وهتك الاستار وكشف الاسرار
فقال سلمه الله العزيز الغفار :
من تحت اخمص زائريه كم لها من اجنح نشرت وطتها الارجل
اقول : هؤلاء الملائكة ليسوا من المدبرات ولا من المقسمات ولا من المعقبات ولا من الحافظات ولا من المخلقات ولا من المقدرات ولا غير ذلك من الموكلات بجهة خاصة من جهات العالم وانما هم ملائكة الرحمة وملائكة المغفرة وملائكة الكرامة وملائكة العناية وملائكة العفو والرضوان وملائكة هم حملة الاحسان والامتنان وملائكة الرأفة وملائكة العطف وملائكة الكرم وملائكة الآلاء والنعم وملائكة الانس والمحبة وملائكة اللطف والمودة وملائكة حملة اطباق النور المنثار وملائكة يهتكون الاستار لكشف الاسرار فان اولئك الملائكة غير هؤلاء يشملون المؤمنين والكفار وقد ورد ان الملك لا يدخل بيتا فيه كلب او لا يدخل بيتا فيه زبالة وامثالها من الاحاديث الواردة في نفي الملك في تلك الاماكن مع ما ورد واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار ان قطرة من المطر يحملها ملك ويضعها في محلها وان كل شيء موكل عليه ملك وقد ذكرنا سابقا ان القوى الحيوانية من الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة موكل عليها ملك يدبرها ويربيها مع ان في الكلب تلك القوي الاربعة والمطر يقع على الكلب وعلى الزبالة فالجمع بين هذه الروايات ما اشرنا اليه بلحن المقال من ان الملك الذي لا يدخل بيتا فيه كلب هو ملك الرحمة وملك النور وملك الكرامة والعناية من نوع ما ذكرنا آنفا واما الملائكة الذين يحملون القطرات ويربون القوي وموكلون على الاشياء اولئك هي المدبرات والمقسمات والمقدرات وامثال ذلك مما في الارضين والسموات
مطايبة - قد سئل بعض مخالفينا ممن يدعي العلم والمعرفة ويزعم ان رياسة فهم الاخبار والآيات قد انتهت اليه عن الجمع بين الروايات الدالة على ان الملك لا يدخل بيتا فيه كلب والروايات الدالة على ان كل قطرة ( من المطر خ ) يحملها ملك فاجاب بان الملك الحامل للقطرة الى هذا البيت الذي فيه كلب يرمي بها من بعيد نحو الكلب ويولي منهزما ذلك مبلغهم من العلم وبالجملة حضور اولئك الملائكة المدبرات وغيرها ( غيابهم خ ) سبب لتمام الشيء بالحضور ونقصانه بمعنى تزلزل بنيانه وهدم اركانه عند الغيبة فالمراد بغيبته عدم تصرفه فاذا لم يتصرف بامر من الله لامر ( لمانع خ ) غيبي او شهودي مما يرجع الى نفس الشيء او ما يرجع الى ما يتعلق به من اضافاته ونسبه فانه يكون سببا لفساده ووقوع الخلل فيه واما الملائكة الذين يحضرون لزيادة النور وادخال السرور وهؤلاء ( فهولاء نسخة ١٣٠٥ م ) ملائكة مقربون مخصوصون واقفون على فوارة القدر بامر مستقر فيتلقون منها انحاء الافاضات وانواع الامدادات من انحاء الخيرات ويلقونها الى محالها ومواقعها من الذوات والصفات والاصول والفروع وهؤلاء الملئكة الذين حضروا في دار السلام لتشييع تلك الاعلام التي حملتها اولئك الاعلام الكرام بين يدي الستر المنور الذي هتك بها الاستار ونفيت بها ( هتكت به الاستار ونفيت به نسخة ١٣٠٥ م ) الاغيار وزالت به الاكدار هم الملائكة الذين بايديهم اطباق النور شملت عنايتهم الزوار فنشرت اجنحتهم لهم ليدوسوا عليها ليحصل لهم الفخار لان الله سبحانه بعثهم رحمة شاملة ونعمة كاملة لاهل دار السلام التي هي في كنف حماية وحراسة على العالي على القدر والمقام فاتت الملائكة طائفين بهم ومحيطين عليهم فنشرت اجنحتها لتمشي الزوار والمشيعين عليها تحقيقا للافادة وتحصيلا لكمال الافاضة وتبيينا لغاية العناية ففعلوا ذلك بامر من الله سبحانه كرامة لرسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وعناية الى الامام الهمام حيث انه جزء لرسول الملك العلام وعلى هيئته وشاكلته في الانام فالتعظيم له صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم يقتضي التعظيم لاولاده واحفاده وهو قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والقربى مؤنث الاقرب واقرب الاشخاص الى الشخص اولاده اذا لم يخالفوه في اخلاقه لان الولد جزؤه ولا شيء اقرب الى الكل من الجزء ولا شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه وهما قربان لا يحول بينه وبين من يتقرب اليه حائل ابدا فيجب تعظيم الاولاد لتعظيم الآباء بشرط ان لا يخالف الاولاد آبائهم بحال من الاحوال وبطور من الاطوار في طريقة من الطرائق ووجه من الوجوه واذا جائت المخالفة جائت المباعدة على حسب المخالفة ان كانت كلية قلبية فالمباعدة كلية كما قال تعالى في حق ابن نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح وقال سيد الساجدين النار خلقت لمن عصاه وان كان سيدا قرشيا وان كانت المخالفة جزئية فالمباعدة جزئية عرضية ظاهرية فلا تتحقق الولادة التامة الموجبة الكرامة ( للكرامة خ ) التامة الا عند عدم المخالفة التامة واذا وقعت المخالفة حصلت المباعدة بقدرها واذا لم تتحقق لم تقع تأتي الجزئية والسنخية والمشاكلة على حقيقتها فكلما يجب للاب يجب للابن في مقام الفرعية البدلية والصفتية والتأكيدية ولا يتفاوت الحال بان تكون البنوة لاب او لام وقد تقدم منا في البيت الثالث تفصيل الابوة والبنوة والاب والابن واختلاف احوالهما على التفصيل فراجع اليه تفهم ما نريد فالملائكة كرامة لجده رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) الذي هو سيد البشر وخير من غاب وحضر من اللاهوت الاعلى والناسوت السفلى وما بينهما من المراتب والمقامات حضروا بعدد لا يحصيهم الا الله ونثروا على زائر الامام الاطهر موسى بن جعفر عليهما التحية والثناء من الله الخالق الاكبر اطباق النور وكل طبق ما بين المشرق والمغرب ممتل من انواع الجواهر المعنوية والتحف الحقيقية من حلي وملابس وتيجان ( وخ ) نثروا هذه الاطباق على رؤس الزوار وصار لكل منهم حظ عظيم ولكن ابدانهم الدنيوية وسخة كدرة لا تليق للبس تلك التحف ولا لاستعمال تلك الجواهر من انواع الذخائر فذخرها الله سبحانه في خزاين رحمته لهم الى ان تطهر ابدانهم وتصفو قواهم ومشاعرهم حتى تعرف تلك الجواهر النفيسة والتحف والهدايا الانيسة حتى لا يضيعوها ويعرفوا قدرها والا فهي محفوظة لهم ومدخرة لاجلهم ولا بد ان تصل اليهم ولكن الدنيا ضيقة عن تحملها مثاله اذا كان السلطان له ولد صغير لا يعرف قدر الجواهر ولا الاشياء الثمينة ولا يعرف سياسة الملك وتدبير العسكر وتجهيز الجنود وتمهيد الامور وطريقة الرياسة وكيفية السياسة يمنعه السلطان عن التصرف في المملكة ولا يعطيه تلك الجواهر النفيسة بل يدخر له الخزائن وما فيها من الجواهر والتحف السنية والاشياء النفيسة الى ان ينشئ الولد ويكبر ويرشد ويتبصر ويعرف دقايق الامور ومخفيات الاشياء فهنالك يعطيه ما ادخر له وكذلك هدايا الله سبحانه وتحفه وكراماته واحسانه لعباده المؤمنين المتقين التي يمنحهم اياها ويكرمهم بها في كل وقت وآن فهي لهم مخزونة في الخزاين محفوظة لهم عند ايناس رشدهم فان آنسوا منهم الرشد دفعوا اليهم تلك المزايا والمفاخر والشرف والمآثر امتثالا لقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم وحصول الرشد قد يكون في الدنيا وهم الكاملون البالغون وقد يكون عند الموت وهم المؤمنون الممتحنون الذين يحضرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في ملأ من الملائكة منهم جبرائيل وعزرائيل ومنهم في البرزخ وهم اواسط الناس من المؤمنين ومنهم في القيمة ومنهم عند دخول الجنة وشرح هذه الاحوال وكيفية ايناس الرشد في هذه المقامات يطول به الكلام وانا مع عدم الاقبال وتبلبل البال كيف يرجي مني شرح تفصيل هذا المقال وبالجملة فهؤلاء الملائكة نثروا على رؤس الزايرين تلك الاطباق وسقوا قلوبهم واسرارهم كؤسا دهاقا ونشروا اجنحتهم لتمتع اسافل وجودهم وارجلهم والاستنارة بنور كرامة الله الظاهرة في جميع مراتبهم وهو تأويل قوله تعالى ولو انهم اقاموا التورية والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون والامة المقتصدة هؤلاء الابدال وصفوة الرجال الذين اعطاهم الله سبحانه ومنحهم واعد لهم وادخر لهم في الدار الآخرة ولذا قال الناظم من تحت اخمص زائريه كم لها من اجنح نشرت اشارة الى هذه الدقيقة الشريفة وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان الملائكة ليضع ( لتضع خ ) اجنحتها لطالب العلم رضي به وانه ليستغفر له كل من في السموات والارضين حتى الحيتان في البحار والمراد بالعلم هنا علم النبوة والولاية وظهور سريان علم التوحيد فيهما وذلك العلم يقتضي الزيادة ورفع الاعلام ونشر الالوية وايصال هدية سيد الانام الى ذلك الامام الهمام عليه من الله آلاف التحية والاكرام
تنوير رباني - فحيث بلغ الكلام الى هذا المقام فلا بأس ان نشير ببعض الكلمات المختصرة الى بعض اسرار ومعاني اجنحة الملائكة وما ورد في بعض الاخبار عن بعض الاطهار ان الملائكة لتأتي الاولياء اهل التوحيد والولاية وتزاحمهم على فرشهم وتكاياهم وتقع عندهم اجنحتهم وريشها وزغبها وانهم يجعلون زغب الملائكة وريشها سجالا ( ظ سخالا خ ) لاولادهم وعوذة لهم يستكفئون ما يرد على الاولاد من البلايا والنوائب وان المراد من هذا الزغب والريش الذي يقع على بسطهم وفراشهم ما هو فنقول اما اتيان الملائكة لغير النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لا نكر فيه ولا استيحاش لما بينا سابقا من التفصيل التام ذكرنا الآية الدالة على ذلك ونعيدها لانه المسك كلما كررته يتضوع وهو قوله تعالى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة فاما الجناح فانه آلة الحركة والطيران الى العالم الاعلى وقد قال تعالى جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثني وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء وهذا صريح في ان زيادة اجنحة الملائكة من زيادة الخلق فالاصل في الجناح الاثنان لان احدهما يمين والآخر يسار بهما يطير الى فضاء القدس ومأوى الانس ثم الزيادة فبحسب متعلقاته وقد قال بعض العلماء كلاما في هذه المقام تفوح منه رائحة التحقيق لا بأس بنقله حرصا لزيادة الفائدة قال رحمه الله ان نفوس القدسية انسيها وملكيها لما كانت بكمالاتها الذاتية والكسبية ترتقي الى ذروة العوالم الالهية وحقيقة الجناح والريش ليس الا ما يتمكن من الصعود من دون توسط آلة خارجة فالجناح الايمن هي المعارف الالهية والجناح الايسر هي العبادات المقربة الى جناب الربوبية والريش والزغب عبارة عن كليات العلوم وجزئياتها اصولا وفروعا بحسب مناسبات تقع بينهما بالترتيب والتقدم والتأخر فالارواح الانسية بسبب خطاياهم وخطية ابيهم ووجوه اخر سقط ريشها فهبطت الى العالم الذي يقرب من عالمها الى ان وقعت في هذا العالم الاسفل فاعطاها الله القيوم قوي واعضاء وآلات تقوم مقام ريشها وزغبها وجناحها بحيث لو سلكت سبل الهداية وصرفتها فيما خلقت له صارت تلك القوي والاعضاء جناحا وريشا لها فلما كانت الملائكة لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون بقوا على اجنحتهم وريشها وزغبها مما يناسب عالمهم ومرتبتهم واما السر في سقوط الريش والزغب في بيوت الاولياء فهو ان الحقايق العلوية بحسب ما اعطاها الله من القوة والقدرة لما توجهت الى العالم الذي تحت حيطتها تصورت هي وجميع ما لها من الكمالات والصفات بصورة مناسبة لذلك العالم الا ان الصورة العقلية لا يسعها ظرف الخيال وكذا الصور الخيالية لا يسعها مضيق عالم الحس فما لم يتلبس الصورة العقلية بكسوة مطمورة الخيال لم يدخل في القوة الخيالية وهكذا فالملائكة الذين هم من عالم الامر لما كانوا من معدن الحيوة وجب ان يتراؤا بصورة حيوانية فعلومها واذكارها وكمالاتها التي هي من توابعهم وبها يقدرون على الذهاب والمجيء بحكم الله تصورت بصورة الجناح والريش وفي العالم الخيالي بما يناسب ذلك العالم وفي عالم الشهادة بما يناسب تلك المرتبة من دون مجاز واستعارة وبالجملة لما جاؤا الى هذا العالم صاروا من موجودات ذلك العالم وباعتبار القوي والكمالات التي يطيرون بها في فضاء القدس صاروا من اصناف الطير وما يلزمها من الجناح والريش وغيرهما ومن لم يفهم هكذا لم يدخل في ميدان العرفاء انتهى كلامه وهو كلام متين وجوهر ثمين الا ( ان خ ) قوله في الانسان بحسب خطاياهم سقط ريشها بل لم يسقط ريشها وهذه الخطايا الغير القلبية عرضيات لا تؤثر في حقيقتها بل الريش موجود في الانسان والجناح متحقق فيه ولا يلزم ان يكون الجناح والريش على صورة واحدة غير مختلفة بل تظهر في كل عالم بصور مختلفة وهيئات متعددة على حسب اقتضاء تلك الرتبة الا ترى الميزان فانه في كل مقام ظهر على حسب ذلك المقام الا ترى ميزان الشعر فانه علم العروض وميزان العلوم فانه علم المنطق وميزان الافلاك وحركات الكواكب فانه الارصاد وميزان الحق والباطل فانه الكتاب والسنة وميزان المدارك اي المدركات فانه المشاعر وميزان الاجسام المكيلة فهي المكيال باقدار مختلفة واما الغير المكيلة فمن جنس الثياب والاقمشة فالذراع والاشبار وفي الابنية ميزان اعتدالها واستقامتها الشاقول وميزان الكواكب والبروج وارتفاعات الكواكب ووقوعها في كل وقت في محل خاص الاسطرلاب وميزان ساير الاجسام من الفلزات المنطرقة وغير المنطرقة وساير الاجسام الميزان ذو الكفين وكلما ذكرناه ميزان ذو وجهين وجهتين لكنه يظهر في كل مقام بحسب اقتضاء ذلك المقام وتلك الرتبة وكذلك الجناح فهو آلة الطيران الا ان الطيران في كل عالم بحسبه وكل مقام على مقتضاه فالانسان طير من اطيار القدس فمن جهة جامعيته تظهر باجنحة مختلفة حتى ان العلماء الكاملين والعرفاء الواصلين ذكروا في تأويل قوله تعالى جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع قالوا ان الملئكة هم الانسان لصلاحية اللفظ للاطلاق كما قدمنا سابقا ولما قال النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ان الصلوة معراج المؤمن والعروج الى عالم القدس لا يكون الا بالجناح فالصلوة جناحه لانها معراجه اي آلة عروجه ولما كان الجناح لا يكون اقل من اثنين كذلك لا تكون الصلوة اقل من ركعتين فمثني صلوة الصبح وثلث صلوة المغرب ورباع صلوة الظهر والعصر والعشاء ما دام في هذه الدنيا هي اجنحة فالعلوم والمعارف جناح التوحيد والولاية واذا اراد الصعود الى العلو المحسوس ان شاء صعد بجناح معنوي وان شاء صعد بجناح صوري له ريش وزغب ولكن الانسان حيث خلق من طين لازب فاختار السكون والخضوع والخشوع والانقياد والتسليم ولو اراد الرفعة والعلو والطيران لمامنعه مانع لما حصل من الاجنحة الالهية بالهبوط والخضوع والانكسار واما الملائكة حيث انهم مخلوقون من نور وشأنهم الخدمة والاختلاف والتعدد ( التردد نسخة ١٣٠٥ م ) فيما وكلوا به والصعود للاستمداد لاجل الامداد فشأنهم شأن الروابط والحروف العاملة الفعالة وطبيعتهم قد غلبت عليها الهواء فما غلبه الهواء مسكنه الهواء وما كان مسكنه الهواء وليس بصرف الهواء بل فيه خلط من التراب والماء فلا بد لهم من حافظ ومانع يعارض التراب والماء لجذبهما الى الهبوط وذلك المانع هو الريش والزغب لقوة الحرارة ووسعة المسامات اقتضت خروج الريش والزغب من فاضل ما تدفعه القوة الدافعة فالهواء يتخلل في فرج الريش والجناح فيقف في الهواء ما شاء ثم يهبط الى الارض ان شاء بقوة ما فيه من طبيعتي التراب والماء ثم اذا شاء صعد لغلبة ما فيه من الهواء وهذا البيان سر حقيقة الطيور الدنياوية فقس عليها حال الطيور القدسية الالهية اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولما كانت الملائكة انما خلقوا للخدمة وهي مقتضي التردد والاختلاف ظهر طيرانهم فظهرت اجنحتهم بريشها وزغبها بخلاف غيرهم من الانس فافهم هذا البيان المكرر المردد بالفهم المسدد واعلم بذلك ان الانسان ( من خ ) شأنه الطيران اذا شاء وحصول الريش والزغب لقد جاءت الآثار والاخبار ان الاولياء حملة الاسرار لا يموتون الا ان يجعلوا لهم وليا وحافظا لاسرارهم وموضحا لمنارهم فبعض الاولياء جريا على العادة المستمرة المستقرة اخرج من فمه طيرا شبه العصفور فابتلعه وصيه الحامل لعلومه واسراره فسر هذا العصفور هو الذي ذكرنا لك في هذه السطور فافهم راشدا واشرب عذبا صافيا
وصل - لما ذكر الناظم ايده الله بتوفيقه وفتح عليه باب تسديده بعد وصف الستر كيفية ايصاله مع السايرين به وظهور الجلالة والعظمة والكبرياء الظاهر بكثرة المشيعين وانوار السايرين به ورفع الاعلام العظيمة ونشر الالوية الكثيرة التي قد قلنا انها الف الف بل ازيد ولو قلنا سبعينالف الف لم يكن بعيدا بل هو قريب من قريب لان الله سبحانه قال انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاذا كان مراتب الموجودات الف الف والعدد الربوبي من قوله تعالى ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون يقتضي ان يكون الف الف سبعين الف الف الف وهذه الاعلام بشققها من سبعين الف الى ما يتنزل من المراتب وطولها من سبعين الف الف قامة الى ما يتنزل من المراتب من الاذرع والاشبار والاصابع وغير ذلك بحسب مقام حاملها ( حامليها خ ) وتحت كل راية وعلم من المخلوقين ( الخلق خ ) ما لا يحصيهم الا الله سبحانه واصواتهم مرتفعة بالتسبيح والتقديس والتكبير والتهليل والاذكار المشتملة على الثناء على الله سبحانه اكملها واعلاها والثناء على حامل النبوة المطلقة والولاية المطلقة وما يدل على استعلاء الاسمين الاعلين الحي القيوم من منثور ومنظوم وارتفاع تلك الاصوات وتداخل بعضها ببعض كما تداخلت الظهورات في اطوار حقيقتهم ثم تنزل الملائكة ملائكة الرحمة وملائكة النعمة وملائكة الكرامة وساير ما وصفناهم سابقا وبايديهم اطباق النور وبالسنتهم البشارات الموجبة للبهجة والسرور اجنحتهم منشورة على الارض وايديهم مبسوطة بنشر ما اعد الله عليهم من الكرامات والعنايات وهو في وقت الضحي محل التجليات وموضع بث الخيرات لتكميد الشيطان وساير الابالسة من اهل الطغيان في دار السلام محل الاكرام والاعظام وموضع على الذي كاسمه على على كل ما يرد عليه من النقض والابرام وهو ابو الفتوح وصاحب الشوكة ومن بيده الحل والعقد في المهام صاحب السياسة ومنتهى الرياسة أيد ( أبد خ ) الله شوكته على الدوام فهم في هذه الحالة والستر بين ايديهم يحمله ذلك السيد القمقام والبدر التمام ( التام خ ) فيا لها من حالة عجيبة وشوكة غريبة وهو روحي له الفداء بها خليق ولها حقيق الى ان اتوا به بذلك العز والاكرام واوردوه في محل قبره الشريف فاشار الى ما بعد الورود لاهل الوفود
وقال سلمه الله تعالى :
واتوا لبابك يحملون وسيلة المرسلون بها غدا تتوسل
اقول : ما ادري ما اقول وما عسى ان اقول وهذا باب وان كان واسعا عاليا متعاليا متقدسا لكنه كباب حطة الداخلون على ما يريد الله قليل ولذا ظهر الباب بالضيق وحكمه حكم الصراط فمن مر عليه وهو مؤمن موحد متقي يتوسع له كما بين المشرق والمغرب ومن كان كافرا منافقا يترفع ويترقق حتى يصير ادق من الشعر واحد من السيف وهو قوله تعالى وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وهذا ( هكذا خ ) الكلام في بيان هذا الباب على وجه المقصود والمرام واني في بيان ذلك كما قال الشاعر :
تعرضت عن قولي بليلى وتارةبهند فلا ليلى عنيت ولا هندا
فسميتها ليلى وسميت دارها بنجد فلا ليلى اردت ولا نجدا
ولكني اتكلم حيث ما يمدني الله بمدده ويسعدني باسعاده ويجري على قلمي ويظهر بي كلمي فنقول وبالله التوفيق اما ظاهر هذا البيت فصعب واما باطنه فسهل بعكس الابيات الاخر ونحن نبين حقيقة المرام بعون الله الملك العلام فنقول ان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( محمدا صلى الله عليه وآله خ ) قد شرفه الله سبحانه على كل الخلق لا سيما الانبياء والمرسلين لانه خاتم النبيين ولا يكون الخاتم الا فاتحا ولا يكون الفاتح الا مهيمنا ولذا ورد في زيارته صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم في حرم امير المؤمنين عليه وعلى اخيه الف تحية وثناء من رب العالمين السلام على رسول الله امين الله على وحيه وعزايم امره الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله ورحمة الله وبركاته ولذا كان سيد الاولين والآخرين وفي وصف الله له غني عن وصف الواصفين ومدح المادحين وهو قوله تعالى ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين واذا كان خاتم النبيين كان اولهم لان الخلق الآن في قوس الصعود يصعدون الى ما منه بدؤا فلو لم يكن البدو اي بدو النبوة هذه الحقيقة المقدسة لم يكن الختم بها والا لما صح قوله كما بدأكم تعودون فاذا كان به البدو وكان كلما سويه تحته وكان كل الانبياء رعيته لقوله سبحانه وتعالى واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءاقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين وهذا الرسول المصدق لما مع الانبياء لو كان غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لكان هو اشرف الانبياء وسيدهم وفخرهم حيث ان الانبياء مأمورون بالايمان به ثم اخذ عليهم العهد والميثاق ثم جعلهم شهودا وجعل نفسه الشريفة شاهدا على الكل وكان هو خاتم النبيين وسيد الاولين والآخرين فاذا كان كذلك فوجب ان يبين الله اياه للخلق ويظهر امره ويوصي للانبياء ان يبشروا به امتهم من بعدهم كما اوصي بمحمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) كما اخبر الله سبحانه حكاية عن عيسى حين قال ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد والله سبحانه ماغش الخلق ولم يفضل سوى محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فعرفنا ان النبي الذي اوجب الله على الانبياء الايمان به والتسليم والانقياد هو نبينا محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم وهو الذي يكون جميع الانبياء رعيته والزم به عليهم فرض طاعته واوجب عليهم نصرته واخذ عليهم العهد والميثاق بذلك وقد روى محمد بن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) انه قال ليلة اسري بي الى السماء اتيت المسجد الاقصى واجتمعت الانبياء كلهم لدي فتقدمت وصليت بهم فلما فرغت من الصلوة اتاني جبرائيل وقال لي يا محمد سلهم بماذا بعثوا فقلت يا معشر الانبياء بماذا بعثتم قالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واذن جميع الانبياء من امته ورعيته يستمدون منه ويرجعون اليه وقد تقدم منا تأويل قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الآية ما يشفي العليل ويروي الغليل في هذا المقام ولا شك ان الامة تتوسل الى نبيه وسيلة يتقربون بها الى الله زلفى فمن اعظم الوسايل واشرف الذرايع محبة اولاد الرسول ومودة احفاد الزهراء البتول والانقطاع الى اولاد امير المؤمنين الذي هو نفس الرسول ( صلوات الله وسلامه عليهما خ ) كما افصح عنه قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والمخاطب جميع امة النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وقد قلنا كما قال الله سبحانه وتعالى انه بعث على كل العالم ما سوى الله فخطاب قل لا اسئلكم يشمل كل الوجود من الغيب والشهود ومنهم الانبياء ومحبة اولي القربى وتعظيمهم واحترامهم هو اجر الرسالة والنبوة واعظم ما يتوصل ( يتوسل خ ) به الى الله فالسائرون بالستر والمشيعون له ورافعوا الاعلام والالوية حملوا وسيلة هو الستر والحجاب لانه الوسيلة ( الوسيلة الى الله خ ) الى الفوز في يوم الحساب ويوم المآب وهذه الوسيلة التي هؤلاء حملوها واتوا بها من الستر المعظم والحجاب المقدم المكرم المفخم هي الوسيلة للانبياء في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد فاذا كان الكروبيون من المشيعين ومن حملة الاعلام فما ظنك بالانبياء العظام الكرام فهم من السايرين المشيعين بالطريق الاولى فهم توسلوا بهذه الوسيلة وتمسكوا بهذه الذريعة اي حمل التحف والهدايا اي قطع العباء والكساء لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) الذين منهم سيدنا الكاظم عليه آلاف التحية والثناء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لينالوا اعلى الدرجات ويفوزوا باشرف المثوبات ولكن الابصار لما لم تنظر اليهم والانظار لما لم تشاهدهم اخفى امرهم الناظم فقال ان المرسلون يتمسكون بهذه الاستار والحجب يوم القيمة ومراده بذلك ظهور الامر كما ذكرنا عند قوله سلمه الله تعالى : وغدا عليها يسدل والا فهم سلام الله عليهم دائما يتوسلون بهذه الوسائل الى النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ليقربهم الى الله زلفى لانه نبيهم وهم رعيته وابصار الرعية شاخصة الى نبيهم واعينهم ممدودة اليه واعناقهم مادة اليه يطلبون احسانه ويراقبون بره وامتنانه فهو الوسيلة لهم الى الله وهم عليهم السلام يتوسلون اليه بوسائل منها نشر فضائله ومناقبه وانما ( انه خ ) هو ذو القوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين ومنها بابلاغ الرسالة التي هي ( هو نسخة ١٣٠٥ م ) السبب فيها وسر النبوة المطلقة والولاية المطلقة ومنها نشر علومه واسراره وشريعته وآثاره ومنها الاشارة ( البشارة خ ) الى وجوده والاخبار ببعثته وظهوره وصدوره ووروده واصداره وايراده ومنها احترام ذريته العلوية واولاده الفاطمية واعلاء كلمتهم ورفع ذكرهم وتعظيم شعائرهم ونشر فضائلهم ومقاماتهم فمنها زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وقبورهم والمام مشهده ومشاهدهم والحضور مع زواره وزوارهم ومساعدة احبائهم ومكايدة اعدائهم والحاصل كل طرق الخير له صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والانبياء يتوسلون بها اليه دائما في الدنيا والآخرة في كل وقت واوان وهذه هي الوسايل الجزئية وهو المراد من قول الناظم ايده الله تعالى : والمرسلون بها غدا يتوسلوا وانت تعلم انهم يتوسلون بها في الدنيا والآخرة ولكن الوسيلة حيثما تطلق يراد بها منبر ينصب للنبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم يوم القيمة ولها الف مرقاة من كل مرقاة الى مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة ولعل هذا من الفرس التي يقطع ( تقطع خ ) في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات انظر ماذا ترى وقد ذكر المنجمون واصحاب الهندسة ان قطر محدد الجهات مقدار قطع مسافة ثمانينالف سنة للرجل المتوسط السير فيكون من وجه الارض الذي هو تقريبا نصف القطر اربعين الف سنة وشيئا وذلك المنبر مسافة الف ( الف الف خ ) سنة من فرس يقطع بقدر الدنيا سبع مرات بمقدار طرفة عين فانظر الى العظمة وسعة المملكة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) جالس على اعلى مراقيها ولواء الحمد عن يمينه وكتاب الله عن يساره والخلق كلهم صفوف ووقوف عن يمين المنبر ويسارها ثم تجثوا الخلايق بين يدي الكتاب ويقرأ عليهم كتابهم ولكنه يتكلم بكلمة واحدة وصحايف اعمال الخلايق على اختلاف مضامينها ومدلولاتها كل بيد صاحبها ينظر اليها ويرى ان الكتاب ينطق بصحيفة من اولها الى آخرها وهو لا يتكلم الا كلمة واحدة وتلك الكلمة تظهر في جميع الكتب والصحف ظهور الشيء الواحد في المرايا المتعددة المتكثرة كل تحكي من الشيء الواحد على ما عندها متحدة مختلفة مخططة منقوشة صافية كدرة وغيرها من الاحوال والامور والشيء واحد وكل مرآة تصفه بما فيها وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهذه المنبر هي المسماة بالوسيلة وهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اذا دعوتم الله فادعوا ان يقرب لي الوسيلة ه لان عندها السلطنة الكبرى والرياسة العظمى وظهور خضوع كل شيء من المكلفين له واستسلامهم لديه وتذللهم عنده ووقوفهم بين يديه فهو الرئيس المطلق والحاكم بالحق والناطق بالصدق وكل شيء منحط عند علياه وكل شيء محتاج اليه سواه له الحكم واليه ترجعون والله من ورائهم محيط واما الباب فقد تكلمنا سابقا في معناه والمراد منه وفحواه في الظاهر والباطن وذكرنا ان الباب هو الستر والحجاب وهو الرجال الابدال على ما وصفنا سابقا فلا نعيده واما ما يتعلق باللفظ المطابق للمعنى اما الباب ينحل الى ابين مع اتحاد المادة واختلاف المتعلق وحيث ان الباب واسطة بين الاعلى والاسفل وفيه نسبة الى الاعلى على هيئته ونسبته الى الاسفل كذلك ولما كان كل اصل اب ( ابا خ ) على ما قدمنا من البيان في البيت الثالث فيكون هذه الواسطة بالنسبة الى من دونها اب ( ابا خ ) لكنه مرة بصورة المتعلق السافل ومرة بصورة العالي الاعلى ففيه نسبتان وكل منهما يسمى باسم واحد ومن هذه الجهة سمى بابا لانه واحد وهو اب لكنه في مقامين فافهم وهو ايضا مردود الصدر الى العجز فاوله عين آخره وظاهره عين خافيه والصورة وان كانت واحدة والاسم غير متعدد الا ان جهة كل واحد منهما غير الاخرى باللطافة والكثافة والغلظة والرقة فالباب دائما على شكل ورق الآس وهو ايضا ثلثة احرف اثنان متوافقان وهو دليل اتحاد الرأسين بالعالمين وظهور حقيقة اخرى في البين فهو واحد وان كان لوحظ فيه اثنان فالالف دليل وحدة عالمه والباءان دليل نسبة الطرفين فهو اثنان في عين كونه واحدا فاذا حذفت الباء الاول ينقطع ان يكون بابا فيكون اب قد رجع الى الاول وانقطعت ملاحظة الثاني او رجع الى الثاني وانقطع عن الاول فآب بمعنى رجع واذا حذفت الباء الثاني يكون باء بزبره وبيناته وهو باء بسم الله الرحمن الرحيم التي ظهرت الموجودات منها وهي الالف المبسوطة وشجرة طوبى واللوح الاعلى والزمردة الخضراء ورتبة النعم والآلاء مقام الرحمة والشفاء واذا حذفت الباء الاول انقطعت البابية وجاءت الابوة فيكون ابا للوجود واصلا لكل غيب وشهود ومرجعا لكل موجود ومفقود منه بدءت الاشياء واليه بالكمال تعود ولكنه اب ثان وآدم تال وهو البشر الذي خلق من الماء فجعله نسبا وصهرا والماء هو آدم الاول والاب الاول والبشر هو الاب الثاني والنور الشعشعاني سر البيان والمعاني والقياس الاقتراني وهو ايضا آخره يرد الى اوله وقد قيل في ذلك :
ما اسم اذا عكسته فعكسه في طرده لكن حفظ مال المشتري في رده
هو ايضا خمسة كف الحكيم وسر النور القديم الظاهرة بالولاية الفاقدة للنهاية والبداية مطوي في الخمسة تسعة وهي الافلاك واصل السماك ومحقق الاندكاك والانفكاك والخمسة هي المجتمعة في العباء والمفصلة في البقاء والمجملة في اللقاء والخمسة هي العدد الدائر الحافظة نفسها في جميع النسب والاضافات اذا نسبت اليها وان كثرت وترامت وتعددت تكعيباته هذا سرها في الاعداد واذا ثنيت تكون هي العشرة الكاملة حافظة نفسها في جميع مراتب التكوين وظهور سرها في التكوين والتدوين واما بيان ظهورها في المكونات في كل شيء وانتهاء الموجودات اليها فلان الاشياء كلها لا تخلو من العوالم العشرة عالم الامكان وعالم الفؤاد وعالم العقول وعالم الارواح وعالم النفوس وعالم الطبايع وعالم المواد وعالم المثال وعالم الاجسام وعالم الاعراض واما حفظ نفسها في الالفاظ والاعداد والحروف وكل شيء فقاعدته ان تضعف ذلك الشيء ستة مرات ثم تضيف اليه واحدا ثم تضربه في عشر ثم تطرحه عشرين عشرين ويبقى الباقي عشرة وذلك في كل شيء من لفظ ومعنى ولنضرب لك مثالا فنقول الباب مثلا خمسة في العدد وثلثة في اللفظ اما اللفظ فقد ضعفناه ست مرات كانت ثمانية عشر اضفنا اليها واحدا كان تسعة عشر فضربناها في عشرة فكان مائة وتسعين واسقطنا عشرين عشرين فسقطت مائة وثمانون وبقيت عشرة واما في العدد فنقول ان عدد الباب خمسة ضربناها في ستة كان الحاصل ثلثين ثم اضفنا اليه واحدا وضربنا المجموع في عشرة فكان الحاصل ثلاثمائة وعشرة فاذا اسقطنا عشرين عشرين تبقى عشر وهو المطلوب من انتهاء الاشياء اليها وهكذا تفعل في كل لفظ من حيث حروفه ومن حيث عدده على كل وجه وعلى كل حال فاذا ضربنا الباقي في احد عشر قواه الاسم الاعظم يستنطق منه الاسم الاعظم على واذا اضيف اليها واحد وثلثون يستنطق منها اسم عمر رضي الله تعالى عنه وبالجملة فالعشرة سر كامن في كل شيء فالخمسة كما انها بنفسها عدد دائر كذلك مثناها فالخمسة اذا ثنيت كانت عشرة تظهر في كل الوجود والى هذه الدقيقة اشار سبحانه في قوله تعالى تلك عشرة كاملة والا فمن البين ان الثلثة مع السبعة تكون عشرة فلو كان المراد هذا المعنى الظاهر لم يكن القرآن فيه تفصيل كل شيء ولم يكن معجزة ولم يكن الله سبحانه حكيما لتصديه لذكر البديهيات فاذا كعبت الهاء التي هي الخمسة اي ضربت في العشرة نطقت النون فدلت على الكاف فاستنطق منها عين التعين الاول وظهر بها كل ما قل وجل والخمسة يستنطق منها الهاء وباشباعها حصلت الواو وباتصالها بها ظهر الاسم الاعظم هو فالهاء حرف الباطن من اعلاه والواو حرف الظاهر من ادناه وهو الاول والآخر والظاهر والباطن ويتنزل هو الى رتبة ثانية ظهر العلي فبتنزل الهاء يتولد النون وبتنزل الواو ظهرت السين والمجموع مائة وعشرة وهو العلي الكبير وهو العلي العظيم وهو العلي الحكيم فتبين من هذا البيان وما اودع الله سبحانه في الباب سرا دقيقا ورمزا رقيقا وهو ان الباب اذا نظرت الى باطنه فهو البيت لان الهاء التي هي استنطاق باطن الباب هي ميادين التوحيد الظاهر في كل شيء من الموجودات لان مراتب الموجودات لا تخلو من خمس يجمعها عالمان عالم الامر وهو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وعالم الخلق وهو دلالة الكلمة فالكلمة لها اربع مراتب الاولى النقطة والرحمة والسر المجلل بالسر وباطن الباطن وحق الحق الثانية الالف والرياح والسر المستسر وباطن الباطن وحق الحق الثالثة الحروف والسحاب المزجي وسر السر وباطن الظاهر الرابعة الكلمة التامة والظاهر والسحاب المتراكم والحق وهذه الاسماء اخذناها من آية ورواية اما الآية ففي قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات بضميمة قوله تعالى الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما واما الرواية فقول امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) كلما في الباء في النقطة بضميمة قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان امرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر والسر المستسر والسر المقنع بالسر والخامسة وهي مقام الخلق وهي الدلالة والماء النازل من السحاب المتراكم وبحر الصاد وبحر المزن والمداد الاول والدواة ( للدواة خ ) الاولى والمحبة والوداد والماء الذي به كل شيء حي وهذه الاسماء ايضا اخذت من ما تقدم من الآية بضميمة قوله تعالى كهيعص وقوله تعالى ن والقلم وما يسطرون وقوله تعالى افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون وهذه المراتب الخمسة هي ميادين التوحيد ولا ريب ان التوحيد الظاهر للنقطة اعظم واعلى من التوحيد الظاهر للالف والتوحيد الظاهر لها اعظم واعلى من التوحيد الظاهر بالحروف والتوحيد الظاهر لها اعظم واعلى من التوحيد الظاهر بالكلمة والتوحيد الظاهر لها اعظم واعلى من التوحيد الظاهر للدلالة وبالدلالة تحققت الموجودات والكاينات تصدق الدلالة عليها على التشكيك واما في السلسلة الطولية فهي الدلالة ودلالة الدلالة ودلالة دلالة الدلالة وهكذا الى آخر المراتب وصدق الدلالة على الدلالة ( الدلالات خ ) المتأخرة من باب الحقيقة بعد الحقيقة فالخمسة جامعة لمراتب التوحيد كلها وهي غيب الباب ولذا كانت الخمسة هي العدد الظاهر لان التوحيد ينفي الغير ولا يمتزج بالغير ابدا كالمراتب الخمسة نفسها وهي المبادي وهي لم تزل ظاهرة وهذه مراتب التوحيد وهي كلها في غيب الباب ومراتب الكلمة التي هي مراتب الفعل كلها في غيب الباب ومراتب المفعولات المخلوقات ( وخ ) القبضات العشر في غيب الباب واليد الظاهرة بالكف الظاهرة بالاصابع الخمسة هي غيب الباب والابوان في ظاهر الباب والالف المبسوطة هي ظاهر الباب والباء التي ظهرت الموجودات منها هي ظاهر الباب ورجوع الاشياء كلها اليها هي ظاهر الباب فالباب هو الباب وهو الولد لاولي الالباب وهو البيت وهو الساكن في البيت وهو اعلى البيت وهو اسفل البيت وهو سر البيت قال الشاعر ونعم ما قال :
ما في الديار سواي لابس مغفر وانا الحمى والحي مع فلواتها
وهذا على مذهب اهل الوحدة ظاهر واما على مذهب غيرهم فذلك مقامات الظهور ومراتب النور والظهور غير الذات وان قيل انها هي الذات ولذا قال النحاة ان اسم الفاعل مشتق من الفعل والمشتق فرع للمشتق منه وان الفاعل ايضا هو اسم الفاعل والكل مشتقة اما من الفعل او من المصدر فالفاعل اذن فرع من المصدر او الفعل مع ان الفعل والمصدر انما تحققا من الفاعل ان هذا لشيء عجيب واللفظ على طبق المعنى والصورة على مثال المعنى والظاهر عنوان الباطن فافهم وفقك الله للصواب ورفع بفضله ومنه عن وجه معرفتك النقاب ولله در الناظم حيث تنبه لامر دقيق ولم يذكر ان الستر انما اتوا به الى الباب لان الستر هو الباب وهو الجناب ولو قال ايضا ذلك لكان له وجه ولو كان بعيدا جدا الا انه يكون كما قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في الدعاء الهي هب لي نفسي فافهم وقوله سلمه الله : واتوا لبابك انما يريد امتثال قوله تعالى والسعي الى ما مهده الله والسير فيما سهله الله وهو قوله وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين فامتثلوا امر الله وسلموا لحكم الله وقالوا لبيك لبيك اتينا طائعين ولقولك سامعين ولامرك ممتثلين والى طريقك سالكين وفي القرى التي جعلتها لنا سايرين ولبابك الذي امرتنا بالدخول فيه داخلين خاضعين ذليلين قائلين حطة فاغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاسرين ولذا قال سلمه الله : واتوا لبابك يحملون وسيلة الوسيلة بعد الستر هذا الذي ذكرناه من كيفية الدخول في الباب الذي هو باب حطة لكن بنو اسرائيل يجب ان يقولوا حطة فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم واما هذه الامة المرحومة امة محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فلا بد لهم اذا وقفوا بالباب يشهدون الشهادتين ويكون ظاهرهم طاهرا وباطنهم مصفى عن ارجاس الذنوب وهو قول سيدنا على الهادي العسكري عليه آلاف التحية والثناء من الرب العلي اذا صرت بالباب فقف واشهد الشهادتين وانت على غسل وكبر الله الى ان قال تمام ( تمامه خ ) مائة تكبيرة وهاتان الشهادتان ثم التكبير بعدهما هو معنى حطة وسرها وحقيقتها وروحها وغيبها فالاتيان للباب على ما وصفنا هو اعظم الوسايل واشرف الدلايل واما الباب فالمراد منه اولئك النقباء الاطهار فقد بينا صفتهم واعدادهم واحوالهم في البيت الذي قال الناظم المتقدم :
هذا رواق مدينة العلم التي من بابها قد ضل من لا يدخل
ثم فيما بعده ازددت في البيان والتبيان حتى لا يخفى شيء من حاله لكل من هو انسان لا سيما عند بيان اصحاب السكينة وذكر مقامات اصحاب التمكين والسايرين بما لا مزيد عليه الا ما في قلبي من مخزونات الاسرار التي كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور
وصل - لما بين الناظم اشاد الله شأنه وصف السايرين الى ( ان اتوا الى خ ) باب الحضرة النضرة الخضرة شاهدوا الجمال ولاحظوا الجلال ورأوا النور على الطور وظهرت لهم التجليات وبانت لهم العزة والعظمة والهيبة وسر الهيمنة والقيومية فلم يتماسكوا ان نزلوا
قال سلمه الله تعالى :
نزلوا على الجرعاء من وادي طوى وتفرسوا بقبولهم فترجلوا
اقول : اي نزلوا بالخضوع والخشوع والتذلل والمسكنة ورأوا ما في هذا المقام من الهيمنة والهيبة والجلالة والكرامة والانوار المشرقة ونيران المحبة المحرقة وظهور الملائكة باكمل ما عندهم من الظهور والكروبيون طائفون بذلك الوادي هائمون لصوت المنادي وهم الذين تجلى الرب سبحانه على الجبل لموسى بن عمران مقدار سم الابرة بنور واحد منهم فقوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل من قبيل قوله تعالى الله يتوفى الانفس وقوله تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم فما ظنك بهم باجمعهم مع كمال ما عندهم من انوار العظمة واطوار الكبرياء وما ظهر فيها من تجلي الحق جل وعلا فلما رأوا تلك الانوار وشاهدوا تلك الاسرار حقروا انفسهم وصغروا ما عندهم ونزلوا خاضعين خاشعين ونسوا انفسهم وما عندهم من النور وموارد البهجة والسرور فنزلوا على الجرعاء وهو المكان المرتفع من وادي طوى وذلك الوادي هو الذي كلم الله به موسى وهذا المكان الذي نزلوا هو العالي من ذلك الوادي وهو ارفع من تلك الرتبة وان كان في ذلك الوادي ظهرت النار في الشجرة وتكلم الجبار مع موسى بن عمران بواسطة تلك الشجرة فقد ظهرت في هذا الوادي الشجرة الاحمدية من الحضرة المحمدية ( صلى الله عليه وآله خ ) وهي الشجرة المباركة الزيتونة لا شرقية ولا غربية منزهة عن الجهات مبراة عن الحدود والكيفيات يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار التجلي من الوجود الازل ( الاول خ ) والحي لم يزل فتجلى له الجبار فاشرق بتجليه النار وهي نار المحبة وسر المودة التي كانت لخلق الخلق غاية ولذا كان هو الحبيب وهو المحبوب اين هذه الشجرة من شجرة موسى بن عمران واين هذه النار من تلك النار وقد ورد في تفسير قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها قال عليه السلام من في النار هو رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ومن حولها موسى بن عمران اين مقام الذي في عين النار نار المحبة الاولى العليا ومقام الذي يحوم حول النار الذي تصيبه حرارتها ولهبها والنار التي هذه صفتها رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فيها وموسى بن جعفر انما تلقى من هذه النار وموسى بن عمران من حرارتها ووهجها ونار موسى بن عمران من شجرة طور سيناء في وادي طوى طوتها انوار الملئكة الكروبيين وذلك الوادي مقرهم اجمعين وهم بشر وليسوا بملك ونار موسى بن جعفر من الشجرة الاحمدية في وادي طوى مقرها الحقيقة المحمدية ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) فاين هذا الوادي من ذلك الوادي ولذا وصف الناظم وبين نزولهم على الجرعاء من وادي طوى وهذه الجرعاء هي التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى اليها الطير فان كان موسى بن عمران خلق من قطرة لما اتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) السباحة في الابحر الاثني عشر ثم في الابحر العشرين ثم قطرت منه صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم قطرات خلق الله من كل قطرة روح نبي من الانبياء منهم موسى بن عمران وصارت له تلك الشرافة وكذلك الانبياء لانهم خلقوا من قطرة من جسده الشريف فان حقيقة موسى بن جعفر قد خلقت من عين تلك الحضرة المقدسة ومن ذات الحقيقة المحمدية عليها السلام من رب البرية واين مقام من خلق روحه وجسمه وجسده من حقيقة ذاتية ومن خلق روحه وجسده من قطرة خارجية والفرق بعيد والامر شديد والموفق للاذعان بالحق سعيد واين الثريا من يد المتناول فان قلت فعلى ما ذكرت يلزم ان يكون كل سيد فاطمي هذا حاله وحكمه فلم الاختصاص قلت نعم اذا وافقت اخلاقه اخلاق الرسول وافعاله افعاله واعماله اعماله وحركاته وسكناته حركاته وسكناته ولم يخالفه طرفة عين بحال من الاحوال ووجه من الوجوه وطور من الاطوار ونوع من الانواع فاذا رأيته وجدته على شاكلته وعلى جمال سيرته محتذيا طريقته امثلته بين عينيه فاذا وجدت سيدا هكذا فهو جزء رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ويجري عليه احكامه بالتبعية من العلم والحلم والكرم وهؤلاء قليلون لم نجد على القطع واليقين الا اناسا مخصوصين مشهورين بالكمال ومعروفين بالجلال موصوفين بمعالي الاعراق ومكارم الاخلاق لم يطعن فيهم احد بعيب ولم يذكر لاحد منهم ريب لم يخالفوا الرسول طرفة عين وهم متلقون عند الكل بالقبول بلا مين وهم مع كثرة اعدائهم الذين كانوا بصدد قتلهم ونهبهم وسبي ذراريهم ما امكنهم ان يظهروا لهم عيبا او نقصا ولو افتراءا وزورا وتقولا وبهتانا فلا يوجد في كتاب من الكتب ولا في زبر من الصحف طعنا فيهم وقدحا في مقامهم ومرتبتهم مع شدة انكارهم عليهم وكمال اعراضهم عنهم فقد اعرضوا لقلة المناسبة وما انكروا فضلهم لقوة الظهور وما عسى ان يقول الشخص في الشمس وان انكرها وعاندها كذلك هؤلاء الطيبون الطاهرون وقد احسن الشاعر واجاد في مدح امير المؤمنين عليه السلام :
تصالح الناس الا فيك واختلفوا الا عليك فهذا موضع العبر
يعني ما اختلفوا الا عليك وما اتفقوا الا فيك فاتفاقهم في فضله وجلالة مقامه ومنزلته وقد اجمع على ذلك المسلمون وانه من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وانه من الصادقين الذين امر بالكون معه وانه المعنى من قوله تعالى وانفسنا وانفسكم وانه الاصل في كل آية يخاطب فيها المؤمنون وكذلك اولاده هؤلاء الطيبون قد اجمعوا انهم من اهل البيت وانهم ايضا من الصادقين وانهم المعنيون من قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى وبالجملة توافق اخلاقهم مع اخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) قد قامت عليها ضرورة الاسلام
تنبيه - وان كان مستغني عنه ولكن نفثة مصدور اعلم ان الحسين عليه السلام قد قتله بنوامية بجنودهم واتباعهم وقتلوا انصاره ونهبوا امواله واسروا عياله وشهروهم في البلدان وهذا لا ينكره احد فعاتب عليهم الناس وطالت الالسنة بالطعن عليهم من كل جهة ومكان واصروا والحوا على الطعن عليهم بهذا الشأن وهو العلة لتزلزل اركانهم وتزعزع بنيانهم وذهاب دولتهم وبذلك احتج الخراساني من انهم قتلوا ابن الرسول وسيد شباب اهل الجنة وقتلوا ذراريه واسروا نساءه واجتمع الناس معه وازال الدولة عن بني امية ثم ان احمد السفاح لما تسلط وقتل بني امية وعمدة احتجاجه عليهم بقتلهم الحسين بن علي بن ابي طالب وهؤلاء بنوامية كانوا سلاطين والناس تابعة لهم ويصدقونهم بكل وجه طمعا للدنيا وللحرص على الرياسة الفانية الزايلة فلما عاتب الناس عليهم وطالت السنتهم بالطعن عليهم فهلا ذكروا لهم حجة واثبتوا له عيبا ونقصا حتى يدفعوا بذلك عنهم العار والشنار اتظن انهم اذا ما استشكلوا عن قتله هل كانوا يستشكلون عن الافتراء عليه والبهتان له اترى الذين اعانوهم على قتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم هل كانوا يستشكلون عن قبول الافتراء عليه ونشرها في البلدان لا والله ما كانوا يستشكلو ( يستشكلون خ ) ولو قدروا كانوا يفعلون ولقطعوا السنة الناس عنهم وماهيجوا نائرة القتال عليهم ولسكتوا الناس بادنى حجة وكانوا يقنعون بذلك عنهم ( منهم خ ) لانهم اصحاب السلطنة وارباب الدولة والمكنة والناس مع اهل الدنيا ولا يستشكلون عن معصية الله وتريهم ما احتجوا لهم بحجة ولا اثبتوا له عيبا ولاقدروا على الافتراء عليه مع اطاعة الناس لهم بكل ما يقولون وما كان حجة يزيد في قتله عليه السلام الا ان الحسين عليه السلام كان ينازع سلطانه واي سلطان له وهو قوله تعالى ام انزلنا عليهم سلطانا فهم به يتكلمون وهذا التنبيه ينبئك على امر عظيم حيث انهم ما قدروا على الافتراء عليه مع ما الناس عليه من كثرة العصيان والطغيان وارتكاب الفواحش وقول الزور وهيهات هيهات اني لهم ذلك وقد كسفت الشمس وخسفت ( خستف نسخة ١٣٠٥ م ) القمر وبانت النجوم في النهار واظلمت الاقطار والاطراف وبكت السماء دما وظهرت الحمرة في السماء وقد قال الشافعي رحمة الله عليه ان الحمرة ما ظهرت الا بعد قتل الحسين عليه السلام وروي ابنحجر في الصواعق ان يوم دخول رأس الحسين والسبايا في الكوفة جرى من جدران الكوفة دم عبيط وان في يوم عاشورا مارفعت حجرة ولا مدرة الا وجرى تحتها دم عبيط وامثال هذه كثيرة ولكن هذه اشياء اتفقت عليه الناس ولو كان المقتول من ساير الناس ولم يكن نظام العالم منوطا بوجوده الشريف ولو لم يكن معه ربط الهي في حل الولاية لما اختل اساس النظام ولما ظهرت الغرائب من كسوف الشمس وخسوف القمر وهل يدفع هذا او ينكره ذو عقل ولكن اكثر الناس هم الغافلون ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون فالعجب الذي لا ينقضي ابدا من الذين شاهدوا تلك الآيات وظهرت لهم تلك البينات ومع ذلك قام لبني امية عمود ودامت سلطنتهم والناس يتبعوهم وهم يقولون بالحديث المتفق عليه الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ولكن العذر ما ذكرناه من الآيات ولامور اخر استحكمت ونفذت بها مشية الله سبحانه في عالم الذر
زيادة تنبيه - اخبرك بشيء آخر اظهر وابين في طهارة الائمة وان الله سبحانه قد تولي تطهيرهم واذهاب الرجس عنهم لكن تنبه لما اقول ثم انصف فانه من مزايا العقول وهو ان العسكر الذين في كربلا في رواية انهم ثلثون الف وفي رواية انهم مائة الف وفي رواية اربعمائة الف وهؤلاء الذين اغلبهم او بعضهم او من سنخهم وفطرتهم كانوا في وقعة الحرة في المدينة وانهم بعد قتل اهل المدينة واستيصالهم والتمكن منهم والتسلط عليهم فسقوا بنسوان اهل المدينة وفجروا بهن حتى اشتهر ان التي حملت من الزنا من البنات الابكار اربعة آلاف ما عدا الثيبات وما عدا اللاتي ما حملن وهم مع ذلك في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اللائذون بقبره الشريف هكذا فعلوا بهم من القتل والسلب وهتك الاعراض انظر الآن بعين بصيرتك وابصر بصافي سريرتك وشاهد بعين طويتك ان الذين قتلوا الحسين وسبوا ذراريه بنات امير المؤمنين وفاطمة الزهراء وهن سلام الله عليهن من احسن النساء واجملهن واكملهن واضوءهن وجها انظر هل خطر ببال احد من اولئك الفجار الذين ما استشكلوا في قتل الحسين عليه السلام سيد شباب اهل الجنة ان يتعرضوا لهؤلاء النسوة وما يتبعهن ويلوذ بهن من بنات الانصار ونسوانهم بسوء ويخطر ببالهم ذلك ولو خطر ببالهم لتعرضوا البتة ولكن الله سبحانه محاه عن خواطرهم وافكارهم حتى يكون هو سبحانه المتولي لحفظهن ورفع العار عنهن حتى الى زماننا هذا لقد مضى اكثر من الف سنة من قتله سلام الله عليه لم يذكر احد ولم يفتر عليهن بذلك من اعدائهن ولم يخطر ببال احد ذلك وتأمل في عناية الله سبحانه بالنسبة اليهم ان يزيد لما بعث العسكر الى المدينة عين شخصا من رؤساء العسكر ان يقف على باب بيت علي بن الحسين ويمنع العسكر ان يهجم على بيته اذ كفتهم وقعة كربلاء وما نالوا من الشدة واللأواء فاجتمعت العلويات والفاطميات وساير الهاشميات كلهن في بيت سيدنا السجاد وجلس ذلك الرجل على الباب ومنع كل من اراد ان يدخل الى ان سكنت الهيجاء واكتنف بنوامية فعلوا ( اكتفت بنوامية بما فعلوا نسخة ١٣٠٥ م ) من هتك الاعراض ثم ان مولانا السجاد اخذ جميع ما كان على العلويات والفاطميات وساير الهاشميات من حلي واسورة بحيث ما ابقى عليهن شيئا واخذه منهن كلهن وسلمها كلها الى يد ذلك الرجل المستحفظ عليهن وانما فعل ذلك واخذ من البنات والاطفال حليهم ليس لاجل عجزه لرضاء ذلك الرجل عنهم بدونه كلا وحاشا بل كان قادرا ان يعطيه ما يرضى وفوق الرضاء لانه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ومكانته عند الله عظيمة بل انما فعل ذلك لتنشر الاخبار وتسير سير الشمس في رابعة النهار في جميع الاقطار بان داره مع ما فيها من العيال من النساء والبنات والاطفال بقيت محفوظة ولم يصبهن ما اصاب نساء اهل المدينة من الفضايح والشنايع حتى لا يخطر ببال احد ولو بالاحتمال ان العسكر دخل المدينة وفعل ما فعل وهن فيها فاذا تأملت في هذه القصة بعين البصيرة تجد من حماية الله وحفظه وتولي عصمتهم وطهارتهم وتطهيرهم واظهار رشدهم وصلاحهم وتنزههم عما يوجب العار والشنار مما ينبئك على امر عظيم وخطب جسيم وفيما ذكرناه كفاية لاولي الالباب والبصيرة والفكرة والروية
رجع الى التحقيق والبيان - فنقول ان طهارتهم وعفتهم ليس تنكر ولهم مع هذا كله نسبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله المختار خ ) صاحب مقام التعين الاول والنور الازل حامل الولاية المطلقة والنبوة المطلقة فكيف لا يكون باب موسى بن جعفر جرعاء من وادي طوى الذي ظهرت النار من الشجرة فيه لموسى بن عمران وتكلم انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هويه فتردي ما هذه الصلوة وما هذه الساعة وما هذا الجزاء وكيف هذا السعي وما هذا الذكر وما معنى اكاد اخفيها وما معنى الصد عنها وبالجملة تحت هذه المطالب اسرار وغرائب يضيق الذكر لاحصائها وبالجملة فلا ريب ولا شك ان هؤلاء الاطهار السادة الابرار بلغوا في الفضل مقاما لا يتناهى وقد اشار الناظم اطال الله بقاه الى هذا المعنى في تخميسه لابيات الشيخ صالح التميمي وقال ونعم ما قال :
نلت فضلا ابا تراب فاقصى كل فضل عم الوجود وخصا
وبيوم الحساب لا يتقصى ربما رمل عالج يوم يحصى
لم يضق في رماله الاحصاء
ولو ان الاقلام كل نبات ومياه البحار حبر دوات
ضقن عما اظهرت من خارقات وتضيق الارقام عن معجزات
لك يا من اليه ردت ذكاء
ويشير بهذه الابيات الى قوله تعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله ويريد ان كلمات الله هي فضايل امير المؤمنين واولاده الطاهرين ويدل على ذلك ما روي عن مولانا الكاظم عليه آلاف التحية والثناء في جواب ما سئله يحيى بن اكثم القاضي عن هذه الآية الشريفة قال اما الابحر السبعة فعين اليمين وعين كبريت ( الكبريت خ ) وعين افريقية وعين الطبرية وعين ابرهوت وجمة ماسيدان وجمة ناجروان واما الكلمات فنحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى واين هذا المقام لغيرهم ما سوى جدهم وابيهم وهذا ظاهر معلوم ولذا قال الناظم اجزل الله عطاه بتأيده نزلوا على الجرعاء من وادي طوى والوادي الباطني على طبق الوادي الظاهري وقوله سلمه الله تعالى وتفرسوا بقبولهم فترجلوا يعني انهم لما نزلوا ووصلوا الى تلك الوادي ونزلوا على الجرعاء منها وشاهدوا الانوار وعاينوا الاسرار ورأوا تلك العنايات شاملة لهم وتلك الكرامات ظاهرة عليهم تفرسوا القبول وحدسوا الوصول الى كل مأمول وشاهدوا الاقبال منهم فترجلوا لما سمعوا المنادي ينادي اخلع نعليك انك بالواد المقدس ولما سمع كل واحد منهم النداء وشاهدوا المنادي مقبلا عليهم متوجها اليهم منبسطا لهم فترجلوا وخلعوا النعال يعني خلعوا عن قلوبهم محبة الاموال والعيال وخلعوا من جلباب الانية ورفعوا حجاب الماهية وقيل لهم ما قيل لموسى وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي اتوكأ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى قال القها يا موسى فالقيها فاذا هي حية تسعي وكذلك هم القوا عصى انيتهم وبالقائهم اياها استشرقت واسلمت مع سليمان لله رب العالمين فحيت باذن الله فتسعى الى ما يريد الله وتحب ما احبه الله وتكره ما اكرهه الله وما يشاؤن الا ان يشاء الله وخوف موسى وهربه لاجل ان الوحدة تهرب من الكثرة والاجمال يهرب عن التفصيل والغيب يهرب عن الشهادة ثم ان الله يؤلف بينهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بينهم فاذا الف بينهم لا تحبون ( لا يحبون خ ) المفارقة ولذا كان ما سمعت من الاخبار ان موسى بن عمران ما كان يحب الموت وما كان يرضي ان يموت الا بتدبير وافق مشية الله فاختار الموت قال الشيخ الرئيس في قصيدته في السؤال عن علة تعلق الروح بالجسد لقد شرحناها واجبنا عن سؤاله وقال فيها عند تعلق الروح بالجسد :
انفت وما انست ولما واصلت الفت مجاورة الخراب البلقع
واظنها نسيت عهودا بالحمى ومنازلا بفراقها لم تقنع
وهذا كان علة الخوف وعلة الالقاء ومعنى الحية وبهذه الوجوه كلها ترجلوا وخلعوا النعال وقد فسر بحب النساء وكل قبح وفساد من المرأة واصول النساء ترجع الى ثلاث احدها الماهية وثانيها النفس الامارة وثالثها الجهل المركب وهذه الثلاثة مبدأ جميع الشرور والقبايح والمفاسد واليهن الاشارة بقوله تعالى ان كيدكن عظيم اذا وصف الله سبحانه شيئا بالعظمة لا يكون اعظم منه شيء لان كل عظيم عند الله حقير وصغرت الاشياء كلها في جنب عظمته فاذا خلع عن قلبه حب النساء فقد خلع عن التعينات والاضافات والنسب وكل شيء ينافي الوحدة الحقيقية والمناسبات الشعرية في هذا البيت كالابيات الاخر كثيرة يعرفها اهلها ولسنا بصددها
وصل - ولما ذكر الناظم بلغه مناه ببلوغه الى وادي طوى بلوغ الزوار الابرار الى الجرعاء من وادي طوى وهو وادي موسى بن جعفر النور الازهر وترجلوا لخلع ( بخلع خ ) نعليهم جهات الكثرة ولوازم الانية وقربهم الى نور الحضرة اراد ان يصفهم بما يقتضي المقام بعد هذه الحالة
وقال سلمه الله وابقاه :
وتقدموا ( تقدسوا خ ) بحظيرة القدس التي رجل بن عمران بها لا تنعل
اقول : كل مقام ظهر فيه سر نور الحق سبحانه وتعالى اما في مقام الوحدة او في مقام الاشراق بحسب القوابل الصافية الطيبة المستدعية لحفظ ظهور تلك الانوار على الوجه اللايق لمحبته بحيث تظهر فيها المراتب الكثيرة لكنها مطلوبة محبوبة الجارية على وفق محبته سبحانه يسمى حظيرة القدس اما حظيرة فلانها محدودة بحد خاص واما القدس فانها منزهة مقدسة عن مقتضيات الماهية لانها حينئذ تبعت واسلمت وآمنت واستنارت واستشرقت وكان لونها سماويا فحينئذ تحفظ النور على حسب ما يقتضى من مقامها كما اذا اشرق النور على المرايا البيضاء او الحمراء او الصفراء الصافية المعتدلة كالبلور الصافي المقتضي لجذب النور وجمعه الموجب لاظهار آثاره المستجنة الغايبة في النور كالاحراق والاشراق على الوجه الظاهر المحسوس وكل حد شامل على هذه الانوار المشرقة على الاشياء التي تبرز اشراقها وتظهرها ولا تخفيها تسمى حظيرة القدس وحظاير القدس حينئذ كثيرة فمنها ما تكثر الظهورات فيها بحسب التعينات ومنها ما انتفت فيه التعينات وبقي صرف الوحدة البحت البات فالاولى طبقات الجنان من جنان الدنيا وهما الجنتان المدهامتان اللتان تظهران في آخر الزمان ومنها جنة الآخرة بمراتبها وطبقاتها ومنها الجنان التي هي الاشعة والانوار للجنان الاصلية تسكنها الجن والمجانين الذين استوعبت ايام تكليفهم بالجنون ومنها حظيرة في الجنة اهلها لا يهنون بالطعام ولا ادام ولا نكاح ولا استيناس الا بذكر الله ومنها حظيرة فيها اهل وسكان لا يستأنسون بشيء الا بمشاهدة جلال الله ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة جمال الله ومنها حظيرة لا يستأنسون ( اهلها خ ) الا بمشاهدة وجه الله ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة الله ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة الوحدة والتوحيد والتفريد والتجريد ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بذكر الاسم الاعظم هو ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة الهاء ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة ظهور التوحيد في الدلالة ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بظهور الكلمة ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة ظهور التوحيد في الحروف ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة ظهور التوحيد في الالف ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة ( ظهور خ ) التوحيد في النقطة ومنها حظيرة لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة الذات وهي اعلى الحظاير كل هذه حظاير القدس ومأوى الانس الا ان كل احد يستأنس بمقام من المقامات وحال من الحالات وصفة من الصفات واما الذات البحت فلا يصل اليها احد فقوله سلمه الله تعالى :
وتقدسوا بحظيرة القدس التي رجل بن عمران بها لا تنعل
كل هذه الحظاير رجل ( موسى خ ) بن عمران لم تنعل فيها وكل هذه الحظاير ثابتة مستقرة بواد حل فيها سيدنا ومولانا موسى بن جعفر وهؤلاء المشيعون لما شملتهم تلك الانوار واحاطت بهم تلك الاسرار خلعوا النعال اي نزعوا الجلباب ورفعوا الحجاب وكشفوا النقاب وظهرت لكل حظيرة هي مأوى انسه ومحل قدسه لان منهم من نظرهم ( نظر خ ) الى آثار الله سبحانه الظاهرة في العوالم الجسمية وهؤلاء بعد تقدسهم وتنزههم وخلعهم النعال تظهر لهم حظيرة القدس الجنة التي يأكلون فيها ويشربون ويطعمون وينكحون على حسب الدرجات والمراتب ومنهم من نظرهم الى آثار الله الظاهرة في العلوم الالهية وهؤلاء بعد خلعهم النعال تظهر لهم حظيرة القدس حظيرة اسماء الافعال ومنهم من نظرهم في الذات الظاهرة في الاسماء والصفات وهؤلاء بعد خلع النعال تظهر لهم حظيرة القدس التي لا يستأنسون اهلها الا بمشاهدة وجه الله وهكذا قس ساير احوال اصحاب حظاير القدس
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
وكل علم من تلك الاعلام التي ذكرنا عددها لاهل حظيرة من تلك الحظاير وكل من تحت علم والمشيعون السايرون تحت كل علم من تلك الاعلام يتبعون صاحب الراية فيدخلون في حظيرته حظاير القدس على حسب الاعلام الخافقة والالوية المنشورة والرايات المشهورة فلما تقدسوا بتلك الحظيرة وحملوا تلك الوسيلة تجلي لهم الجبار كرة بعد اخرى ومرة بعد اولى فنالوا المراد وبلغوا باقصى ما عندهم من الاستعداد وقوله سلمه الله : وتقدسوا بحظيرة القدس معناه انهم بعد ما خلعوا النعال وترجلوا ذهبت عنهم العلائق وانقطعت عنهم العوائق فتقدسوا بتقديس الله وتطهيره واذهاب الكدورات وذهاب الاعراض والامراض الداعية لظهور الاغيار وحصول الاكدار ولما تقدسوا استأهلوا بحظيرة من حظاير القدس على مقتضى فضل الله سبحانه لا على مقتضى استعدادهم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ووادي طوى الذي جاء لموسى بن عمران النداء فسمع النداء من كل جهة هو في احدى الحظاير المقدسة المذكورة وهي التي رجل ( موسى خ ) بن عمران بها لم تنعل وهذا ليس بذلك المدح العظيم في حق السيد الاطهر موسى بن جعفر لما ذكرنا لك نعم اذا جعلت الحظيرة ( حظيرة خ ) القدس عامة وشاملة لكل تلك الحظاير والمقامات ومراتب القدس التي ذكرنا تم المطلوب واتجه المقصود ففي كل تلك الحظاير القدس رجل بن عمران لم تنعل فيها فافهم الكلام وعلى من يفهم السلام
وصل - ولما بين الناظم ايده الله وسدده وصول الزائرين والمشيعين الى حظيرة القدس الجامعة لجميع الحظاير فلا ريب ان الانوار والاسرار والجلال والجمال والقوة والكمال والاقتدار والقيومية والهيمنة والاستعلاء والعلم والحلم والرأفة والرحمة مع الهيبة والمنعة كلما حصل الترقي بخلع النعال ونزع الجلباب وكشف النقاب يكون ظهورها اكثر وبروزها اعظم لان العيون صلحت والابصار قويت والاغطية والاغشية والحجب المانعة قد ارتفعت فلا تدرك ولا ترى الا اشراقا تهيج اشواقا وانوارا تظهر اسرارا فاشار الى تلك الانوار وظهور تلك الاسرار
وقال اراه الله نور معرفته واضاء سره وطويته :
شاموا السنا من قبتيك وعنده وجدوا منار هدى يشب ويشعل
اقول : لما ظهرت تلك الانوار بتجلي الجبار على تلك الوادي والديار وهي مقام وادي طوى من مقر سيدنا ومولينا موسى بن جعفر ابي الرضا ظهرت من نار الشجرة ونودي اني انا الله رب العالمين من نار الشجرة المقدسة المطهرة المنورة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) وقد صلى مولينا الامام جعفر بن محمد الصادق وقرأ الحمد فلما وصل الى قوله اياك نعبد واياك نستعين كررها سبعين مرة او اكثر الى ان غشي عليه فلما افاق سئل عن ذلك فقال (ع) لازلت اكرر هذه الآية حتى سمعت من قائلها ولسانه كشجرة موسى حيث كانت حاملة لكلام الله الى موسى بل شجرة موسى مثل لسانه لان هذا اللسان من نوع الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وهذه النار هي نار التجلي الاول وهو مع من في مرتبته في تلك الرتبة بحكم الجمع وجمع الجمع كما بينا في حقيقة العباء فظهرت تلك النار على تلك الشجرة والعجب ان كلا من الشجرة والنار عين الآخر كالتجلي والمتجلى له وبالجملة فذاك النور الظاهر من تلك النار الظاهرة في القبتين هو نور الانوار وعلة العلل وعنصر العناصر واصل الاصول وايس الايسيات واسطقس الاسطقسات والخلق كلهم فروع ذلك ( لهذه خ ) الاصول لانهم حملة الولاية الظاهرة ومحال المشية النافذة القاهرة فالخلق تحت رتبتهم ومقامهم وفروع تشعبت من انوار جدهم صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فلا يصلون الى مقامهم فلا يرون تلك الانوار الا من بعيد ولا يصلون اليها ولا يقربون لديها انظر التفاوت بين موسى وموسى فموسي بن عمران يطلب النار ولا يصل اليها ولم يحصل له الاقتباس منها كما قال الشاعر الشيخ السهروردي :
جاءها من غرفة ( عرفت نسخة ١٣٠٥ م ) يبغي اقتباسا وله البسط والمنى والسئول
فتعالت عن المنال وعزت عن دنو اليه وهو رسول
وموسى بن جعفر دوحة من الشجرة الاولية الالهية الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار الاختراع والابتداع وتلك الشجرة هي شجرة النبوة الظاهرة في الولاية وهي الحقيقة المحمدية صلى الله عليها كما قال صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انا الشجرة وعلى اصلها والائمة اغصانها الحديث وقال الشيخ الاكبر في الفتوحات ان الحضرة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) اقرب الحضرات الى الله واقرب الحقايق والحضرات الى الحضرة المحمدية الحضرة العلوية انتهى ملخصا بالمعنى فكانت الحضرة الاولى هي الشجرة البسيطة الوحدانية الاجمالية النقطة الحقيقية واول تعينها وتفصيلها وتشعبها بالشعب اصل الشجرة ونسبة الاصل اليها نسبة النقطة الى الالف اللينية فهي اصل الشجرة الحروف المنتهية الى النقطة الملحوظة اولا وبالذات واول شعبها الالف اللينية وهي مادة الحروف واصلها وهي انما تحصلت وتحققت وتعينت بانعطافاتها وهو معنى قول سيدنا ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق انه ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة هذه الالف احد فضائلهم يعني نسبتهم الى العالم عند حمل الولاية الباطنية نسبة الالف الغير المعطوفة الى الحروف التي كانت ووجدت وتأصلت وتحققت بانعطافاتها وتعيناتها فالالف اول تعين النقطة والالف المتحركة اول تعين الالف اللينية والالف المبسوطة اول تعين الالف القائمة المتحركة وباقي الحروف تعين التعين وظهور الظهور وبروز البروز ومظاهر المظهر ومجالي التجلي الاولى ( الاول خ ) فجميع الحروف بتأليفاتها وكلماتها وبعباراتها واشاراتها ودلالاتها وظهورها وخفائها وحقائقها وصفاتها وساير اطوارها شروح للالف اللينية والعالم باجمعه في مقام التفصيل حروف تكوينية تنتهي الى الالف اللينية وهو قول امير المؤمنين عليه آلاف التحية والثناء انا النقطة تحت الباء والمراد منها الالف اللينية وهي التي تحت الباء اي سرها وحقيقتها بل تحت التحت لان تحت الباء الالف القائمة وتحت الالف القائمة الالف اللينية والمراد بالتحت الستر ( السر خ ) واللطيفة كما تقول ان القلب تحت البشرة لا النقطة التميزية التي تحت الباء تميزها عن التاء والثاء فان هذه النقطة جهة الكثرات وهي من لوازم الماهيات فالالف اللينية الغير المعطوفة بالتقريب الذي ذكرناه باب واحد من الابواب الالف الف الف من فضائلهم والى هذا المعنى اشار الشاعر في مدح النبي صلى الله عليه وآله :
ما عسى ان اقول في ذي معال علة الكون كله احديها
وهذه العلة هي الولاية الظاهرة وهي قول امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك وهذه الولاية الظاهرة هي السيل المنحدر عن جبل الازل في الازلية الثانية في التعين الثاني في مقام البشر الثاني الى ما لا نهاية له في الاودية السافلة يسيل ذلك السيل فيها بقدر مقدور وامر مستقر الى ما لا نهاية له وبها ظهر لغيره بغيره واما باطنه فهو الغيب الذي لا يدرك لانه في علوه وسموه بحيث سبق كل حقيقة من الحقايق المخترعة فلا يرقى اليه طير المدارك والمشاعر والافهام والاحلام وهو معنى قوله روحي فداه ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير فافهم فهمك الله وثبتك بالقول الثابت وبالجملة ان سيدنا ومولينا موسى بن جعفر عليهما آلاف التحية والثناء غصن من تلك الشجرة الالهية ودوحة من تلك الشجرة الزيتونة والغصن من سنخ الشجرة ومن حقيقتها فاذا قطعته وزرعته كانت تلك الشجرة بعينها باغصانها واوراقها واثمارها ورائحتها وطعمها ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار ولما كانت الخلايق من ساير اطوار التعينات قبسات اقتبست من شعاع السراج الموقد من زيتها ونارها التي قد برزت منها وهو قوله تعالى الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا والنار هي تلك الشجرة والشجرة هي تلك النار هي هي وهي منها كادت الخلايق لا يصل الى ما يناسب تلك الحقايق اي اغصان الشجرة واصلها ولقاحها ونفسها فليس لهم حظ الا النظر من بعيد بل المنظور ليس الا لحظة من تلك اللحظات وقبسة من تلك القبسات اعارها اياها لتراها بها فالمنظور بعيد وان كان قريبا ونحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون اذ لا يرى السافل سوى العالي في عين عدم رؤيته اياه فيراه حين لا يراه ولا يراه حين يراه ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك تعرفت الى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فانت الظاهر لكل شيء بكل شيء وحيث ان السيد الطاهر المولى موسى بن جعفر كان مطلعا لنور الولاية واقفا ( وافقا خ ) لظهور شمس النبوة قال الناظم ايده الله وسدده اشارة الى هذه الدقيقة شاموا السنا فافهم واما السنا فحيثما يطلق منفردا يراد به النور كالضياء والبهاء واذا اطلق مع الضياء فبينهما فرق والنور يطلق على الجميع منفردا واما حين الاجتماع فبينهما فرق وبيان ذلك ان النور يطلق على المنير وعلى الشعاع على جهة الحقيقة بعد الحقيقة وقد قال سبحانه وتعالى الله نور السموات والارض فاطلق النور على الاسم الذي هو العلة لان الظاهر بالالوهية هو الاسم الاعظم الاعظم ( الاعظم خ ) وهو الاسم الذي خلق الله به السموات والارض وخلق به جبلات الخلايق وخلق به الجن والانس ووضع على البرق فلمع وعلى الودق فهمع وعلى الليل فاظلم وعلى النهار فاضاء وتبسم وهو النور الاول وله الاسم الاول والحقيقة الاولى العليا وقد قال سبحانه وتعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور وهذا النور مجعول ذلك النور واثره ومخلوقه وله اسم النور في الحقيقة الثانية في الرتبة التبعية والضياء يطلق على المنير والاصل والعلة وهو قوله تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا فالضياء هو المنير لانه صفة الشمس المنيرة والنور هو الفرع المقتبس كما هو شأن القمر واما السنا فهو يطلق على الضياء وعلى البهاء وعلى النور اذا انفرد بالذكر واما عند الاجتماع فقد قال شيخنا العلامة اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه ان السنا بمعنى النور والشعاع والفرع لا الضياء والاصل لقول مولينا وسيدنا ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما آلاف التحية والثناء من الملك الخالق في تفسير البسملة ان الباء بهاء الله والسين سناء الله فلما قدم البهاء عن ( على خ ) السناء علمنا ان السناء فرع والبهاء اصل فكان البهاء بمعنى الضياء والسناء بمعنى النور لاقتضاء الترتيب الموجودي ( الوجودي خ ) الجاري على حكمة الاختراع والابتداع ويؤيده قوله تعالى يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فان البرق هو حامل النور الذي حملته الكرة الاثيرية بواسطة اشراق الشمس فالبرق لم يزل تابع الشمس في الوجود والاقتضاء والتحقق والتذوت فكان فرعا تابعا ولكن الذي يختلج بخاطري الفاتر وذهني القاصر ان هذه الفرعية والتبعية تبعية بدل لا تبعية تأكيد وصفة وان سمى النحاة كلها توابع والبرق ( فالبرق خ ) كالقمر والشمس واسطة لهما في الثبوت والقمر للبرق كالشمس للقمر وذلك في جميع العوالم ( عوالم خ ) البروق والاقمار والشموس فالضياء حقيقة النبوة والسناء سر الولاية في عالم الظهور والضياء مقام اللاهوت والسناء الانوار الظاهرة في عالم الناسوت والضياء سر النقطة والسناء اشراق الالف والضياء رتبة الحروف والسناء نور الكلمة التامة والضياء انوار سرادق العرش والسناء النجوم المشرقة في الكرسي والضياء عالم الاسرار والسناء رتبة الانوار والضياء نور القدس والسناء محل الانس والضياء اقليم الظاهر من حيث البطون والسناء ناحية الباطن من حيث الظهور والضياء نور الوجود والسناء مقام الشهود واما النور فمن جهة النون يطلق على العلة والمبدأ ومن جهة الواو يطلق على الفرع والتابع البدلي ومن جهة الراء يطلق على الشعاع والاثر وهو التابع المنفصل اما الاول فلان النون تمام قول كن مقام العلة وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن وهو هي ( وهو خ ) الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وهو النور الاول وصبح الازل واما الثاني فلان الواو حدود الماهية وجهاتها واطوارها الستة التي بها امتازت المراتب وتفصلت وتميزت فلها التفصيل والتشخص ( التشخيص خ ) وهي الرتبة الثانية كما هي ( هو خ ) شأن مقام التابعية واما الراء فانها قافان اي رتبتان والشيء في مقام الظهور بالاثر له مقامان احدهما الظهور بالفعل وثانيهما الظهور بالاثر وان كان بالفعل وشرح المقامين الراء فمن هذه الجهة صح اطلاق النور على الجميع فيقال للضياء نور وللسناء نور والبهاء هو الضياء والشعاع هو النور المنفصل كما ان السناء هو النور المتصل والمراد من النور هو جهة الرب كما ان الظلمة هي جهة النفس وما قالوا من ان النور هو المظهر لغيره والظاهر بنفسه كلام قشري صوري فان المقام الذي لا كيف له ولا كم ولا نسبة ولا اشارة ولا عبارة ولا تلويح ولا تصريح بل هو المجرد عن السبحات والمنزه عن الانيات كما اشار اليه مولينا ابو عبد الله الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء بصريح العبارة ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهذا المقام لا شك انه نور بل اصل الانوار وليس ظاهر ( ظاهرا خ ) بنفسه ولا مظهر ( مظهرا خ ) لغيره لان اعتبار الظاهرية حد من الحدود وجهة من الجهات وقد قال امير المؤمنين روحي له الفداء في الحقيقة نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره وذكر روحي له الفداء في وصفها كشف سبحات الجلال من غير اشارة نعم ان ما عبر القوم عن النور الجسماني بما عبروا وهذا المقام اجل واعلى مما هم بصدد بيانه وتفسيره لانهم في مقام الناسوت في الوجه الاسفل والمقام الذي ذكرنا رتبة اللاهوت واين هذا من ذلك المقام وعلى من يفهم الكلام السلام وقوله تعالى الله نور السموات والارض فالمراد به الاسم الاعظم الاعظم لا الذات البحت فانه سبحانه اجل من الاسم والتعبير واما القبة فالمراد بها حاوي الظاهرية اي ظاهرية الجسم وهو القبر فالقبة قبر مرتفع والفرق ان القبر قد استتر فيه النور والقبة شرح ارتفاع صاحب القبر وبيان انه البيت الذي اذن الله ان يرفع وتذكر فيها ( يرتفع ويذكر فيه خ ) اسمه يسبح فيه الله سبحانه بالغدو والآصال وارتفاع البيت دليل ظاهرية القبر وارتفاع شأن الساكن فيه ولا يكون ذلك الا بشارح مقامه ومبين مراتبه ومعلن فضائله وهو مظهر مناقبه ومقاماته وكاشف مطالبه ومراداته وهو الباب والوجه والجناب والقول والخطاب والصدق والصواب وهو النقيب المذكور والنجيب المسطور وهما بابان من العلم فالنقيب كالعرش باب باطن اجمالي والنجيب كالكرسي باب ظاهر تفصيلي وكل باب من هذه الابواب يفتح منه الف باب ومن كل باب من الالف يفتح الف باب وهي الابواب التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله امير المؤمنين عليه السلام خ ) عند موته قبل مفارقة روحه الشريفة بدنه الشريف وبعد ما غسل صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وحنط وكفن واجلسه امير المؤمنين ( عليه السلام على خ ) سريره وسئله وتعلم منه صلى الله عليه وسلم الف باب على ما وصفنا لك وتلك الابواب هي الابواب التكوينية والذوات النورية والحقايق الالهية الحقيقية الواقعية الاولية فالابواب الاولية التي علمها اياه صلى الله عليهما قبل وفاته هم النجباء والتي علمها اياه صلى الله عليهما بعد وفاته هم النقباء وهما بابان عظيمان وخيران كثيران وحكمتان الالهيتان ( الهيتان خ ) وبيانان واضحان وعلمان لائحان اشتملا على جوامع اسرار الولاية والنبوة وانطويا على محاسن اطوار التوحيد والتفريد بسر الآية وهما القبتان العظيمتان الشريفتان المرتفعتان مبدأ مقدرا مقرهما ارض الحيوة واقصى سمكهما وارتفاعهما سماء الالوهية المشتملة على مقامات الاحدية والواحدية والرحمانية والربوبية في هاتين القبتين قبر الولي والقبر حاوي ظاهر البدن والبدن حاوي ظاهر الروح والروح حاوي ظاهر القلب والقلب حاوي ظاهر الفؤاد والفؤاد حاوي ظاهر النقطة والسر المنمنم والرمز المعمي وهو قول امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء لكميل لما قال اولست بصاحب سرك قال عليه السلام بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني وهذا الرشح الطافح من تلك الظواهر فافهم وكن به ضنينا وكن مستودعا للسر امينا فالقبتان هما البابان احدهما النقباء ومنها يشرق نور المحبة والوداد والاجمال والاتحاد ( وخ ) ثانيهما النجباء ومنها يشرق الانوار التفصيلية في المراتب التمييزية في الاولى منهما يشرق النور الابيض من افق الوحدة على هياكل التوحيد وقوابل محال التفريد والتجريد وهو نور وحداني ازلي اجمالي بسيط لونه البياض لشدة البساطة والوحدة لا لاجل الطبيعة والكثرة وفي الثانية منهما يشرق انوار مختلفة الالوان من حمرة وصفرة وخضرة وساير الالوان المركبة فهناك تميز النور الابيض والنور الاصفر والنور الاخضر والنور الاحمر ففي الجانب الايمن الاعلى من قلبه مشرق النور الابيض وفي الجانب الايمن الاسفل مشرق النور الاصفر وهما وادي طور سيناء والشجرة النابتة فيه شجرة الخلد تنبت بالدهن السر الغيبي الساري في العالم الشهودي وصبغ من الصور الطيبة والالوان الحسنة والنفوس المطمئنة للآكلين المستمدين ( من خ ) الامدادات الالهية من المادة والصورة والجانب الايسر الاعلى من قلب هؤلاء الطيبين الطاهرين مشرق النور الاخضر وفي الجانب الايسر الاسفل من القلب مشرق النور الاحمر فاشرقت تلك الانوار من تلك القلوب فاستضائت بها العوالم الغيبية والشهودية فاستشرقت وتلألأت واستنارت واستضائت فاذهبت الظلمات وازالت درن غواسق السيئات ( الشبهات خ ) المدلهمات واشرقت على قلوب المشيعين المتبعين لاولئك القادة الهداة فتلك انوار قد بزغت من صبح شمس الازل بظهور النار الظاهرة من الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية فاضاءت به الديار يكاد سنا برقه يذهب بالابصار ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب وهنا كلام ترقب بيانه عن قريب ان شاء الله تعالى
حكمة الهية - اعلم ان القباب كثيرة لكنها بالنوع تنقسم الى قسمين احدهما قباب مرتفعة مستوية مستقيمة متصاعدة الى جهة العلو وثانيهما قباب منكوسة فيها ظلمات وغواسق مدلهمات متنازلة متسافلة الى جهة السفلى وكل منهما له درجات ومقامات تعرف بالمقابلة فاعلاها واعظمها واشرفها قبة الاحدية وتلك قبة لا غاية لاستدارتها ولا نهاية لامتدادها لا يحيط بها الاحلام ولا يصل اليها نظر الافهام فهو ( فهي نسخة ١٣٠٥ م ) غير مكيفة وغير محدودة وثانيها قبة الواحدية مبدأ الاسماء الالهية وسر الاكوان الوجودية قطب الاقطاب ورب الارباب ومالك الرقاب ومنشئ السحاب اي سحاب المشية الكونية من ابخرة ارض الامكان وثالثها قبة الاسماء والصفات والمعتبرة فيها الذات الظاهرة المعتبرة في المشتقات
ورابعها قبة بلدة بسم الله الرحمن الرحيم وهي القبة التي لها اربعة اركان في كل ركن مكتوب عليه كلمة من البسملة يجري منها نهر من الانهار الاربعة فالنهر الاول الذي هو الماء الغير الآسن يجري من ميم البسم النهر الثاني الذي هو اللبن الذي لم يتغير طعمه يجري من الهاء الله والنهر الثالث الذي هو الخمر لذة للشاربين يجري من ميم الرحمن والنهر الرابع الذي هو العسل المصفى يجري من ميم الرحيم ورئيس هذه القبة وزعيمها والسلطان على من فيها ملك يسمى وحدائيل وحيائيل ويكائيل ( بكائيل خ )
وخامسها قبة العرش المركب من تلك الانوار الاربعة الجارية من مباديها المذكور فاجملت بعد ما فصلت وتركبت بعد ان تجزئت واجتمعت بعد ان تفرقت فلذا ظهرت الميم بعد اللام والوحدة لا تكون بعد الكثرة الا في القوس الصعودي فتكون البعدية بعدية رسمية لا حقيقية والرئيس في هذه القبة اربعة روح القدس والروح من امر الله والنفس التي لا يعلم ما فيها عيسى والروح على ملائكة الحجب والرئيس على الجميع والزعيم على الكل وهو روح القدس وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش وفي هذه القبة اهلها كلهم سجود لا يرفعون رؤسهم ولا يركعون ولا يقيمون جباههم معفرة وقلوبهم منورة ومن شدة اضمحلالهم لمشاهدة جمال معبودهم فنوا عن انفسهم لا يكادون يظهرون فغشيهم نور الوحدة وانتزعوا عن جلباب الكثرة فنسوا انفسهم في مشاهدة ربهم فجذبت الاحدية صفاتهم ( وشؤنهم خ ) واطوارهم فقيل ان تلك القبة ليس فيها شيء وسموها بالفلك الاطلس لخلوها عن النقوش والرئيس على اهل القبة والزعيم عليهم وان كان ليس لهم رئيس اذ ليس ( ليست خ ) عندهم مناقشة ولا مكابرة وكونهم فانين مضمحلين لا يشاهدون انفسهم ولا يلاحظون انيتهم امتثلوا امر الله سبحانه وتعالى حين قال لهم توبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم فقتلوا النفس وحلوا الرمس فاي حاجة لهم الى الرئيس بل هم كما قال الشيخ المقتول :
ليس الا الانفاس تخبر عنه وهو عنها مبرء معزول
ولكن الوجود لا يقوم بغير رئيس ولا زعيم كما ان الحروف لا تقوم بدون الالف والنقطة والاعداد لا تقوم بدون الواحد والدوائر لا تقوم بدون المحور والقطب والاشجار لا تقوم بدون الاصل والمعادن لا تقوم بدون الاصلين الكبريت والزيبق والمتولدات لا تقوم بدون التراب والطين خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون فالرئيس لا بد من وجوده اختلفت الرعية ام اتفقت تباينت او اجتمعت تظاهرت او تقاعدت ظهرت او خفيت بدت او استجنت فمن هذه الجهة قلنا رئيس اهل تلك القبة وزعيمهم اسمه ثعائيل
سادسها قبة الدهر وهي محيطة على الوجود المقيد ووجه السرمد وسرها مقوم الاود وحامل المدد وباب الفرد الصمد منه بدأت الموجودات واليه تعود بالكمال وهو سبب الاحياء وعلة الهلاك والدهرية جعلوا السبب مسببا وقصروا نظرهم الى السبب ومانظروا الى المسبب قالوا وما يهلكنا الا الدهر بزعمهم السبب مسببا والفرع اصلا والاثر مؤثرا ولذا كذبهم الله بقوله الحق وان هم الا يظنون لا يعرفون الحقيقة ولا يصلون الى الدقيقة بل قد ضيعوا الطريقة فلو تدبروا لوجدوا الدهر اسما من اسماء الله وشأنا من شؤن صفاته واسمائه وفي دعاء صفر يا دهر يا دهير يا ديهور والاسم به الرسم وبه وجود المتعلق كما في الدعاء وباسمك الذي خلقت به العرش وباسمك الذي خلقت به الكرسي وباسمك الذي خلقت به الجن والانس وباسمك الذي خلقت به جبلات الخلايق الدعاء ولا ريب ان القيام انما قام بالقائم والقعود بالقاعد والكتابة بالكاتب ولكن الاسم صفة ورسم لا استقلال له ولا تذوت فهم عبدوا الاسم ومن عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد المسمى بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد ولو قال هؤلاء وما يهلكنا الا الدهر على حد قوله تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم الذين تتوفيهم الملائكة طيبين الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم الله يتوفى الانفس حين موتها لصدقوا واصابوا ولكنهم اقتصروا على الاسم وقالوا وما يهلكنا الا الدهر كفروا وكذبوا واخطأوا وقبة الدهر محيطة بكل الممكن وسر اهلها ورئيسهم وزعيمهم ملك يسمى قيائيل ( قبائيل خ ) وهوائيل ويدائيل هو الرئيس والسلطان الحاكم والسر القائم والنور الدائم فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال
وسابعها قبة الزمان والزمان ما ( ماء نسخة ١٣٠٥ م ) يجري من تحت جبل الازل الى ما لا نهاية له من المدي كما قاله بعض العلماء وهذه القبة محيطة بجميع الاجسام مبادي النقش والارتسام وهو جسم الكل عندنا لا العرش الجسماني كما زعموا لان الزمان ليس منتزعا من حركة الفلك كما قالوا والا لكان اصل الجسم بلا زمان وهو غير معقول عند اهل التحقيق من اهل هذا الشأن والله سبحانه وتعالى يقول اشارة الى هذه الدقيقة خلق السموات والارض بالحق واجل مسمى فقبة الزمان جسم الكل المحيط بالاجسام كلها واما محدد الجهات فهو اول تعيناته وظهوراته
وثامنها قبة محدد الجهات الجسمانية وهي المسماة بالفلك الاعلى والفلك الاطلس والعرش الجسماني وهي اول ظاهر من ذلك العمي واول قيد من ذلك الاطلاق وهي لكونه مبدأ له الاحاطة بجميع الاجسام الظاهرة المتعينة المختلفة المتعددة المنشعبة الى العالي والسافل والدني والفاضل وهذه القبة لها اربعة اركان وكل ركن يحمله ملك من ملائكة الرحمن فالركن الاول منها يحمله ميكائيل والركن الثاني يحمله اسرافيل والركن الثالث يحمله عزرائيل والركن الرابع يحمله جبرائيل فميكائيل يعينه اسرافيل وعزرائيل بنصف قوتهما ويلقي ما حمله من آثار ذلك الركن الى اعوانه من الملائكة الكلية وهم تسعون ملكا ويوصلها الى ساير الخلق مما احاط به تلك القبة واسرافيل يعينه ميكائيل وجبرائيل بنصف قوتهما ويلقي ما حمله ( من آثار الركن الثاني الى اعوانه التسعين وهم يوصلونه باعوانهم الى ما احاط به تلك القبة وعزرائيل يعينه ميكائيل وجبرائيل بنصف قوتهما ويلقي ما حمله خ ) من ذلك الركن الى اعوانه التسعين باعوانهم الى ما احاط به تلك القبة وجبرائيل يعينه عزرائيل واسرافيل بنصف قوتهما ويلقي ما حمله من آثار ذلك الركن اي الركن الرابع باعوانه التسعين باعوانهم الى ما احاط به تلك القبة فالركن الاول آثاره الرزق يحملها ميكائيل الى غيره والركن الثاني آثاره الحيوة يحملها اسرافيل ويوصلها الى مستحقيها والركن الثالث آثاره الممات يحملها عزرائيل ويوصلها الى مستحقيها والركن الرابع آثاره الخلق يحملها جبرائيل ويوصلها الى مستحقيها
وتاسعها قبة الكرسي فيها التفاصيل والاسماء المتقابلة وفيها تظهر اطوار تلك الاركان في الاكوان الظاهر منها الهياكل الاثني عشر والبروج التي في هذه القبة العظيمة مثال تلك الاثني عشر وصورها وهيئتها وآياتها ولما كانت السبعة التي هي العدد الكامل الحاصلة من جمع هذه الاركان مع الكيان لا من ضربها فيها المثناة بميل الانبساط اي انبساط آثار القبة الاولى المتقدمة في هذه الثانية المتأخرة المتحققة منها اربعة عشر فاذا تفصلت بالعلو والسفل والنورانية والظلمانية كانت ثمانية وعشرين فالمبادي كانت في قبة محدد الجهات تفصلت في قبة الكرسي فظهرت في وسطها الذي هو محاذي قطبها وسرها اثني عشر برجا وثمانية وعشرين منزلة وهذه البروج والمنازل لا تزال نصفها نورانية ونصفها ظلمانية ذلك تقدير العزيز العليم
وعاشرها القباب السبع للسيارات السبعة الشمس هي الحاكم والرئيس على الجميع لكنها تمد هذه القباب الست بوجه من وجوهها فتأخذ من باطن قبة المحدد وتمدد ( تمد خ ) القبة الاولى من هذه القباب وتأخذ من ظاهر تلك القبة وتمد السابعة منها وتأخذ من باطن القبة الثانية وتمد القبة الثانية من السبع وتأخذ من ظاهرها وتمد السادسة من السبعة وتأخذ من باطن القران بين القبتين الاوليين وتمد القبة الثالثة وتأخذ من ظاهر ذلك القران وتمد الخامسة من هذه السبعة وكل قبة سلطانها عن الشمس الكوكب السائر فيها فالسلطان في الاولى من السبع زحل بظاهره يربي السفلة وهو نحس مشوم على اهل الدنيا وبباطنه ( يمد خ ) ويربي اهل الخير والصلاح والسداد وهو سعد على اهل الآخرة والسلطان على الثانية منها عن الشمس المشتري والسلطان على الثالثة منها عنها المريخ والشمس وسط الكل السلطان المهيمن على الجميع والسلطان على الخامس منها عنها الزهرة وعلى السادس منها عنها عطارد وعلى السابعة منها عنها القمر
حادي عشرها قبة الجزيرة الخضراء التي احاط بها البحر الابيض والماء الحاصل من ذوبان الياقوتة الحمراء وتلك الياقوتة لما ذابت وماعت حصل منها بحر مواج وماء رجراج يتولد فيه اللؤلؤ والمرجان وعلى ساحلها الجزيرة الخضراء التي نباتها الزعفران وهي قبة واسعة عظيمة لا تدركها عميقات الابصار وحديدات الانظار والحاكم الرئيس والمتولي الامير على اهل تلك القبة في تلك الجزيرة نقائيل وهو السلطان المستولي والقاهر المهيمن
واياك واسم العامرية انني اغار عليها من فم المتكلم
وثاني عشرها قبة ببكة وهي اول بيت وضع للناس وهي قبة واحدة تشتمل على قباب كثيرة اكبرها واعظمها قبة من ياقوتة حمراء فيها سرير من ياقوتة حمراء وحول هذه القبة عن يمينها ويسارها تسعونالف قبة من زمردة خضراء والسلطان الرئيس الحاكم على تلك القبة واهلها والمتولي لدائرتها سلطان عظيم اسمه الشريف تكحائيل يملك في هذه القبة في رحلة واحدة خمسين الف سنة ثم يظهر السلطان بطرز آخر بصورة اخرى ووجه آخر من ظهورات اسم الرحمن فافهم ان كنت من سنخ الانسان
وثالث عشرها قبة دار السلام وهذه القبة لها اربعة اركان ركن باليمن اي اليمين وهو موضع عين اليمين ومنه ينفجر تلك العين ويزول بانفجارها كل مين وركن منها البحرين بحر النبوة والولاية مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فباي آلاء ربكما تكذبان وركن منها المدينة وسر الطينة على ما شرحنا لك سابقا من احوال المدينة ومحلاتها وعقودها وركن منها دار السلام ووادي السلام ومحل الاكرام والانعام وتلك القبة هي المحدودة بهذه الجهات ولعمري غير محدودة الجهات فضاها والحاكم الرئيس على اهل هذه القبة والمتولي لدائرتها سيد قمقام ولي الاكرام والانعام تكزائيل وتلك القبة اختصت به من قوله تعالى والامر يومئذ لله والحكم يومئذ لله والا فكل القباب قبابه وكل الجهات جهاته
ورابع عشرها قبة جابلصا
وخامسعشرها قبه جابلقا وهما قبتان عظيمتان في كل منهما سبعونالف باب وعن كل باب يخرج منه سبعونالف امة ويدخلون فيه كذلك ولا يخرجج الداخل ولا يدخل الخارج ابدا وعند كل باب سبعونالف امة يتكلمون بسبعينالف لغة كل لغة لا تشتبه الاخرى
سادس عشرها قباب وراء ( جبل خ ) قاف وهي تسعة وثلثون قبة مملوة خلقا يستضيئون بنور الولي لا يعصون الله طرفة عين لا يدرون اخلق الله آدم ام لم يخلقه
سابع عشرها قبة وراء هذه القباب تشتمل على اربعين عين شمس ما بين شمس الى شمس اربعون يوما فيه ( فيها خ ) خلق كثير لا يعلمون ان الله خلق آدم ام لم يخلقه
ثامن عشرها ( قبة نسخة ١٣٠٥ م ) يشتمل على اربعين قمرا ما بين قمر الى قمر مسيرة اربعين يوما فيها خلق كثير لا يعلمون ان الله خلق آدم ام لم يخلقه
تاسع عشرها قبة قاف وهي من زمردة خضراء يكون ( تكون خ ) السماء مترفرفة عليها وخضرة السماء منها
عشرونها قبة وراء القبة المذكورة اوسع منها ارضها اوسع من ارض الاولى سبع مرات والسماء الثانية مترفرفة عليها وهي المسماة قبة قاف الثانية وهكذا ما وراء هذه القبة قاف السماء الثالثة والرابعة الى السابعة فهي سبع قباب كلها تسمى قبة قاف وتمتاز باضافتها الى السماء فالاولى تسمى قبة قاف السماء الاولى والثانية قبة قاف السماء الثانية وهكذا الى السابعة وقبة قاف عرضها مسيرة الف سنة من ياقوت احمر عمود هذه القبة من فضة بيضاء ولواؤها من زمردة خضراء لها ثلث ذوائب من نور ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب والاخرى في وسط السماء مكتوب عليها ثلاثة اسطر السطر الاول بسم الله الرحمن الرحيم السطر الثاني الحمد لله رب العالمين السطر الثالث لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ )
واحد وعشرونها قبة وراء قاف السماء السابعة تشتمل على سبعين ارضا من ذهب وسبعين ارضا من فضة وسبعين ارضا من مسك
ثاني وعشرونها قبة خلف هذه القبة المذكورة تشتمل على سبعين ارضا سكانها الملائكة لا يكون فيها حر ولا برد طول كل ارض مسيرة عشرة آلاف سنة
ثالث وعشرونها قبة خلف القبة المذكورة تشتمل على حجب كثيرة قد عبر عنها بالظلمة
رابع وعشرونها قبة خلفها تشتمل على حجاب من نار وهي نار نضج ثمار الجنة منها
خامس وعشرونها قبة خلفها تشتمل على حجاب من نور يضيء به الوجود وتستنير بها كل ما في الغيب والشهود
سادس وعشرونها قبة تشتمل على ستة اكوان الكون الاول نوراني لا غير والكون الثاني جوهري والكون الثالث هوائي والكون الرابع مائي والكون الخامس ناري والكون السادس اظلة وذر لا سماء مبنية ولا ارض مدحية
سابع وعشرونها قبة الوجود المقيد وهي تشتمل على عشر قباب
القبة الاولى قبة الفؤاد وباب المراد ومحل الاستعداد
القبة الثانية قبة العقل وهي تشتمل على ثلاث قبب الاولى قبة العقل المرتفع الثانية قبة العقل المستوي
الثالثة قبة العقل المنخفض الثالثة قبة الروح منبت شجر الآس النضرة الخضرة المورقة
الرابعة قبة النفس وهي تشتمل على سبع قباب الاولى قبة النفس الامارة الثانية قبة النفس الملهمة الثالثة قبة النفس اللوامة الرابعة قبة النفس المطمئنة الخامسة قبة النفس الراضية السادسة قبة النفس المرضية السابعة قبة النفس الكاملة والى هذه الانفس اشار الله سبحانه في القرآن قال سبحانه وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي وقال تعالى فالهمها فجورها وتقويها لا اقسم بيوم القيمة ولا اقسم بالنفس اللوامة وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وهذه الملحقة بالعباد هي الكاملة وهي التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ثم ان هذه القبة تشتمل على اربع قباب : الاولى النفس النامية النباتية الثانية النفس الحساسة الفلكية الثالثة النفس الناطقة القدسية الرابعة النفس الملكوتية الالهية لقد بين امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) هذه الانفس واحوالها وقد روي ان اعرابيا سأل امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) عن النفس فقال عن اي الانفس تسئل فقال يا مولاي هل النفس عديدة فقال عليه السلام نعم نفس نامية نباتية ونفس حسية حيوانية ونفس ناطقة قدسية ونفس الهية ملكوتية فقال يا مولاي ما النباتية قال عليه السلام قوة اصلها الطبايع الاربع بدو ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو والزيادة وسبب افتراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدءت عود ممازجة لا عود مجاورة قال يا مولاي وما النفس الحيوانية قال عليه السلام قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة والحركة والظلم والغشم والغلبة واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب افتراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الى ما منه بدءت عود ممازجة لا عود مجاورة وتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها فقال يا مولاي وما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية وفراقها عند تخلل الآلات الجسمية فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي وما النفس الالهية الملكوتية فقال قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت وعنه وعت واليه دلت واشارت وعودها اليه اذا كملت وشابهته منها بدئت الموجودات واليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل سعيه وغوى فقال السائل يا مولاي وما العقل قال جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات ونهاية المطالب ولشيخنا العلامة اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه كلام في بيان بعض فقرات هذا الحديث الشريف احب ان اورده في هذا المقام لما فيه من الفوايد الوافية فاقول قال اشاد الله امره ( وعظم برهانه نسخة ١٣٠٥ م ) في شرحه الشريف على الحكمة العرشية في بيان هذا الحديث الشريف ما لفظه : قوله عليه السلام بدؤها عند مسقط النطفة يعني في الرحم او قبل سقوطها وهي من المعادن فلما سقطت في الرحم وكانت نطفة الرجل حارة يابسة تعلقت بنطفة المرأة وهي باردة رطبة حصلت النفرة بين ما هو كالنار وبين ما هو كالماء فصرف الله بحكمته دم الحيض اليها فتوسط بينهما وفيه مزاج بارد يابس وهو التراب الذي اخذ مادته الملك من الارض من الموضع الذي اذا مات لا يدفن الا فيه فماثه ومزجه باذن الله في النطفتين فبرودته تكسر حرارة نطفة الرجل ( وتكون نطفة الرجل خ ) بقدر نصف نطفة المرأة لتعتدلا في الطبايع والتراب قد يكون بقدر نطفة الرجل او نصفها او ربعها او سدسها او اقل وكلها ( او كلما خ ) يكفي في مطلق التوفيق بينهما الا انه اذا كان بقدر نطفة الرجل او اكثر ربما فسد المزاج فتغلب الصفراء او البلغم واذا كان بقدر النصف الى ما يقرب من مساوات نطفة الرجل صلح المزاج وكانت السوداء معتدلة في رجحانها فيعتدل المزاج فيكون الولد عاقلا عالما حافظا زكيا فان خلص التراب من الشوائب كانت صافية فيكون نبيا او وصي نبي قال الرضا عليه السلام مابعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية فاذا اجتمعت الاسباب تألفت القوة اي النفس النامية النباتية بها يحصل العقد والنمو وحينئذ بتقدير الله تعالى تحصل للمرأة حمي ضعيفة لتعين بحرارتها حرارة الرحم ليحصل التعفين الذي هو علة الانحلال ليحصل الغذاء الذي به النمو وليحصل العقد الذي هو علة المزاج ولذا قال عليه السلام بدؤها عند مسقط النطفة قال عليه السلام وسبب فراقها اختلاف المتولدات اي المتولدات من الغذاء الطعام والشراب بزيادة احد الطبايع الاربع بعضها على بعض تبطل الزيادة الاخرى الناقصة فتبطل تركيب القوة المتألفة من الكل بالاعتدال فتفاوت الاخلاط فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتلحق حرارتها بالنار فتمتزج بها وتلحق رطوبتها بالهواء فتمتزج بها وتلحق برودتها بالماء فتمتزج به وتلحق يبوستها بالتراب فتمتزج به في كل ذلك الامتزاج استهلاك للتمييز لا استهلاك فناء وقوله عليه السلام في النفس الحيوانية قوة فلكية وحرارة غريزية اصلها الافلاك يريد ان النفس الحيوانية من نفوس الافلاك على نحو ما اشرنا اليه وهي حرارة لانها من علة الكون وركن الحيوة وغريزية اي طبيعية اصلها الافلاك وهي في غيب النامية لان متعلقها الذي هو الابخرة المعتدلة وزنا ونضجا كامنة في النطفة الامشاج وفي غذائها اي النطفتين وفي التراب الذي يقال انه ليس منها ولا من غيرها وهذه كلها مختلطة بالغرايب والاعراض الفاسدة فهي حينئذ متعلقة في غيبهما فاذا تخلصت من الاعراض الغريبة واتحدت بالتعديل والنضج ظهر المتعلق المتخلص المعتدل بالنضج وظهرت النفس الكامنة فيه عند تمام الاربعة الاشهر التي هي الولادة الجسمانية لان الجسم ولد النفس وهو اول ايجادها اي ظهورها في متعلقها والولادة الثانية التي هي الولادة الدنياوية وهي خروج الجنين من بطن امه صورة الاولى فقوله عليه السلام ايجادها ان اريد به ظهور من الغيب الى الشهادة فهي الاولى والثانية صورة لها وان اريد به ظهورها الى فضاء الدنيا فهو على الظاهر ظاهر ولا يصح ان يراد بها بايجادها من الغيب عند الولادة الظاهرة كيف وهو الحاكم بوجودها وتحققها عند تمام الاربعة الاشهر وقوله عليه السلام وفعلها اي فعلها الطبيعي الحيوة اي الحركة بالارادة والحركة اي الكون في المكان الثاني والظلم اي وضع الاشياء في غير مواضعها والغشم اي الاخذ بانف ( بعنف نسخة ١٣٠٥ م ) والغلبة اي الاستيلاء واكتساب الاموال والشهوات الدنيوية لكثرة الحرص مقرها القلب لانها متعلقة بالابخرة الصافية المعتدلة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الكائنة في تجاويف القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات لانها اذا اختلفت الطبايع وما تولد منها افسد القوي منها ضده فلم يبق لها قرار لفساد مكانها وخرابه فاذا فارقت عادت الى ما منه بدئت اي الى نفوس الافلاك عود ممازجة لانها من قوي متعددة من الافلاك المتعددة فاذا تفكك تركيبها بطلت فامتزج كل جزء منها باصله كقطرة الماء في البحر فيبطل فعلها ووجودها ويبطل تركيبها وقال عليه السلام النفس الناطقة القدسية قوة لاهوتية اي روحانية بدء ايجادها عند الولادة الدنيوية معناه كما تقدم في الحيوانية الحسية بل سابقة على النطفة لانها كانت في غيب النطفة المعنوية ففي الكافي بسنده الى ابياسمعيل الصيقل الرازي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان في الجنة لشجرة تسمى المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا فهي كامنة في النطفة القاطرة من شجرة المزن على البقلة والثمرة فاذا اكلها انتقلت الى الكيموس ثم اذا صنع انتقلت الى الكيلوس ثم الى النطفة التي ( المني نسخة ١٣٠٥ م ) في الصلب ثم الى الرحم في النطفة ومنها الى العلقة ثم الى المضغة ثم الى العظام ثم اذا تمت الخلقة ظهرت ثم اذا ولد طلعت كما مر مقرها العلوم الحقيقية الدينية اي المقرونة بالاعمال الصالحة فانها مسكن طمأنينتها موادها التأييدات العقلية اي امدادها من الانوار العقلية المشرقة على اماكنها فعلها المعارف الربانية اي انها تنزع الى معرفة خالقها الى آخر ما قال اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه
القبة الخامسة قبة الياقوتة الحمراء وغلظها غلظ السموات السبع والارضين السبع والكرسي بكواكبها وبروجها ومنازلها والعرش باركانه الثلثمائة والستينالف وملائكتها وهم على ما ذكرنا سابقا هم مضروب سبعةآلافالف في ثلثمائة وستينالفا وهم كليات الملئكة من سكان العرش وهم في سرادق واحد من سرادقاته وله سبعونالف سرادق وتلك السرادقات والكرسي والدرجات والارضون والسموات في هذه القبة كحلقة ملقاة في فلاة قي وفي هذه القبة غابت تلك القباب المتقدمة وخفي ظهورها وبروزها واستتر نورها ولذا قلنا ان سكانها ماتوا ودفنوا في هذه القبة فهي مقبرة سكان تلك القباب واليه الاشارة بقوله تعالى اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون وقوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور ورئيس هذه القبة من هذه الجهة الملك عزرائيل او صوائيل ومن جهة ما بعدها من باقي القباب من حيث مبدئيتها رئيسها جبرائيل وللكل جنود لا يحصي عددها الا الله
القبة السادسة قبة البحر الاعظم والطمطام المغطمط المعظم كثير التلاطم والامواج كثير الحيتان والحيات يعلو مرة ويسفل اخرى في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا واحد العصر واوحدي الدهر ويتولد منها اللؤلؤ الرطب ( حسب وهو خ ) كمد اللون ليس باسود غاسق لمكان الوحدة وظهور البساطة ولا بابيض شفاف لظهور الكثرة وصلوح التعين والتشخص وهو الامر بين الامرين والجامع بين العالمين والواقف على الطتنجين اهاليها سكان الماء الغواصون في ذلك الفضاء لكنهم مضمحلوا الوجود ومغيب الشهود موجود معدوم مستقل مضمحل مخفي ظاهر جار منجمد بحر متصل ( متحصل خ ) من ذوبان الياقوتة الحمراء لما نظر الله سبحانه اليها بعين الهيبة زعيم هذه القبة ورئيسها وكبيرها وسلطانها الميم المطموس شمس الشموس وانيس النفوس مخمس الهاء معشر الدال مثلث الهيئة مربع المادة فلا بيان لهذا الرئيس في هذا المقام الا هكذا فانه بيان حالي وشرح مقالي واسمه صريح المقال صبائيل
القبة السابعة قبة الجزيرة الخضراء وهذه غير التي ذكرناها سابقا وهذه الجزيرة على ساحل البحر الابيض من الوجه الاعلى من المذكور سابقا واهلها وسكانها صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت وهم اشباح النور ومعادن السرور ومحال البهجة والحبور ابدان نورانية لا ارواح لها وهم طيور فضاء القدس واوعية ومهابط الانس وهذه الاوصاف التي ذكرنا والسمات التي بيناها كل ذلك بالنسبة الى المقيدين بعلائق الماديات والموثقين بوثاق التعينات من عالم الاجسام ومحل النقش والارتسام واما بالنسبة الى ما فوقهم من المقامات فهي مقام الضيق والمحبس والمضيق ليس فيه فضاء واسع ولا مقام جامع رتبة الفراق ومحل الاشتياق ولذلك كان عالم البرزخ جامع النشأتين وحاوي نسب العالمين ورئيس هذه القبة وزعيمهم شخص لاهوتي وسر جبروتي وعين ملكوتي ومقام ناسوتي جامع المقامات رفيع الدرجات ذو العرش اسمه ثلائيل
القبة الثامنة قبة الزمردة الخضراء التي تضرب الى السواد تشتمل هذه القبة على تسع قبب لقد شرحنا لك قبل ذلك بعض احوالها فالقبة الاولى من لؤلؤة بيضاء والقبة الثانية من زمردة خضراء تضرب الى الصفرة والقبة الثالثة من الفيروزج والقبة الرابعة من العقيق الاصفر والقبة الخامسة من الياقوتة الحمراء والقبة السادسة من الذهب المصفي والقبة السابعة من العقيق والقبة الثامنة من الزيبق والقبة التاسعة من الفضة الصافية وتحت هذه القباب التسع اربع قباب الاولى قبة من نار والثانية قبة الهواء والثالثة قبة الماء والرابعة قبة التراب
القبة التاسعة قبة الدخان وارتفاعها سبعة عشر فرسخا وثلث فرسخ وهذه السماء التي تنزل منها الماء الطهور كما في قوله تعالى انزلنا من السماء ماء طهورا وقوله تعالى انزلن من السماء ماءا فسالت اودية بقدرها وفي هذه القبة يكون الله سبحانه السحب والامطار والرعد والبرق ( والبرد خ ) والطل وامثال ذلك
القبة العاشرة قبة المتولدات وهذه القبة له ( لها نسخة ١٣٠٥ م ) ثلث طبقات الطبقة الاولى المعدن باقسامه ومراتبه وصاحب هذه القبة في هذه الطبقة ملك يسمى قدسائيل الطبقة الثانية طبقة النبات ارباب النفس النباتية الظاهرة من نضج الطبايع واعتدالها وظهور كل واحدة منها بآثارها فالنار ترقق وتلطف وتميل الى جهة العلو والتراب يغلظ ويمسك ويميل الى جهة السفل والهواء يحلل ويهضم ويعفن والماء يدفع الفضول ويبقى الاصول وباجتماع ظهور هذه الآثار يرتفع النبات الى السماء لقوة ما فيه من الحرارة ويحصل له عروق في الارض بحسب ما فيه من قوة اليبوسة ويحصل له نضج وقوة محللة هاضمة لقوة ما فيه من الرطوبة ويدفع الفضلات لقوة ما فيه من البرودة والجامع لهذه الاربعة والمالك لها هي النفس النباتية ورئيس هذه الطبقة وسلطانها الحاكم عليها ملك يسمى تنبائيل الطبقة الثالثة طبقة الحيوان ارباب النفس الحيوانية الظاهرة بعد كمال النفس النباتية الحافظة الجامعة للمشاعر والقوى وساير الآلات الجسمانية البدنية وهاتان النفسان اي النامية والحيوانية هما المذكورتان في حديث الاعرابي المتقدم
القبة الحادية عشر قبة النحاس وفي هذه القبة طوائف الجن المخلوقون من نار وريح السموم وهم اصناف وطبقات قد ذكرناها في الرسالة المنفردة الموضوعة في احوال الجن وحقايقهم وذواتهم
القبة الثانية عشر قبة من النور الاخضر خلقها الله سبحانه من نور تهليل الولي الاعظم لان الله لما خلق الولي سجد لله وقال في سجوده سبحان الله الف سنة فخلق الله سبحانه من نور التسبيح نورا ابيض متلألأ متشعشعا ثم قال الحمد لله الف سنة فخلق الله سبحانه من هذا الذكر الشريف نورا اصفر فاقعا احاط بالوجود كله ثم قال لا اله الا الله الف سنة فخلق الله سبحانه من هذا الذكر الشريف نورا اخضر وخلق من ذلك النور هذه القبة الخضراء يسكنها الملائكة المدبرات والمقدرات والمقسمات والمعقبات وامثالهم من حملة الفيوضات فالملئكة كلهم سكان تلك القبة وعنها يصدرون واليها يردون وهؤلاء غير الملئكة العالين وغير الكروبيين وغير المقربين وغير الذوات النورية والحقايق اللاهوتية والاسرار الملكوتية وانهم في قبة اخرى فالكروبيون في قبة من اللؤلؤة البيضاء المرتفعة المتحققة المتشعبة من شعلات النور الابيض والعالون اربعة لكل واحد منهم قبة على حدة مختلفة الجوهر متفاوتة اللون فمنها من ياقوتة حمراء ومنها من زمردة خضراء ومنها من لؤلؤة بيضاء ومنها من ذهب مصفى واما المقربون فهم كثيرون في الانواع والاجناس ولكل نوع وجنس قبة تشتمله وتحيط به مختلفة الالوان والجواهر يطول الكلام بذكرها لو اردنا شرح تلك القباب وبيان تلك المسببات والاسباب مع ما انا عليه من القلب الكليل والبدن العليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ورئيس اهل هذه القبة وسكانها اربعة وهم حملة العرش ورئيس هذه الاربعة واحد وهو روح القدس وهو اب الخلق من الروحانيين عن يمين العرش كما قال سيدنا ومولينا جعفر بن محمد الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء
القبة الثالثة عشر القبة النوراء البيضاء وهذه قبة عظيمة تشتمل على اربعة عشر قبة مختلفة الالوان متفاوتة الجواهر وهذه القباب تحت قعر البحر الاخضر في الجزيرة الخضراء غير الجزيرتين الخضراوتين المذكورتين وهي بحر وهي جزيرة وهي قبة وهي ساحل وفيها من العجايب والغرايب ما لا يحصيها الا الله سبحانه ولو اردنا شرح تلك القباب وما لها من الاصحاب لطال بنا الكلام ولاخرجنا عما نحن فيه من المرام
القبة الرابعة عشر قبة اصحاب الجمع وجمع الجمع وهي قبة لا كيف لها ولا حد ولا اشارة ولا عبارة وليست فيها الا النقطة الجوهرية الجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزي فتشعبت ( فيتشعب خ ) منها القبة المتقدمة في الذكر فافهم
وثامن وعشرونها قبة الوجود المطلق وهذه القبة تشتمل على قباب منها قبة فيها بحر الصاد واول المداد ومنشأ الاستعداد وباب المراد وهو الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ليلة المعراج لما امتثل امر الله حين ناداه وقال يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وهو بحر المزن الذي قال تعالى افرأيتم الماء الذي تشربون اانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وهو الوجود وسر الغيب والشهود واصل الموجود والمفقود ومنه كل شيء بدأ واليه يعود وعنده عرف العابد من المعبود وظهر الركوع والسجود وامتاز الشاهد من المشهود وامتاز الوالد من المولود واستبان العاد من المعدود والذي ( الذين خ ) يشربون ماء يسري في وجوداتهم وينفذ في كينوناتهم من المدد الغيبي وهو الجوهر الذي به يتحركون ومنه يستمدون واليه يرجعون والى ( على خ ) الله يردون وعن امره يصدرون انا لله وانا اليه راجعون وهو النون ومنه يستمد القلم وكل ما يسطرون وهم سكان تلك القباب الآتية ذكرها وقاطنوا ذلك الحجاب وهم الذين يسطرون بالقلم والقلم باليد واليد بالقدرة والقدرة بالذات الظاهرة فعندها انتهت النسب والاضافات وانقطعت عندها القرانات وهي المثل الذي انتهى المخلوق اليه قال امير المؤمنين روحي له الفداء انتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله والى هذه الدقيقة يشير ما قاله مولينا وسيدنا الباقر روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في زيارة سيد الشهداء روحي له الفداء في الدعاء ليس وراء الله ووراءكم يا سادتي منتهى ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لان الولاية هي نقطة الاكوار ومنتهى الادوار وبها ظهر الجبار واليها تنتهي الاسرار وبها تميز الفجار من الابرار وعنها تستمد اهل الجنة واهل النار وهذه القبة فيها ماء وهو عين الحيوة ومادتها واهلها يقظان لا تعتريهم سنة ولا نوم
القبة الثانية جوهرة حمراء رتبة الكلمة التامة مقام قيوميتها بالدلالة واستمدادها منها ولذا ظهرت منها الحمرة اللازمة لطبع الحرارة المستلزمة للحركة المنبعثة عن عين الحيوة فهي ماء بها كل شيء حي وهي نار لانها الحركة المستلزمة للحرارة فاعجب من نار هي ماء ومن ماء هو نار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وهي ليلة القدر ورتبة الحشر والنشر فيها يفرق كل امر حكيم وفيها تكون البنت اما لابيها والابن ابا لابيه والسيدة الزهراء الصديقة الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) تكني بام ابيها وقد ورد في تفسير قوله تعالى ووصينا الانسان بوالديه احسانا عن ابي عبد الله الصادق عليه آلاف التحية والثناء من الله الخالق ان المراد بالانسان في هذه الآية الشريفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والوالدان الحسن والحسين عليهما آلاف التحية والثناء فهما والدان وولدان ولقد شاع وذاع وخرق الاسماع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) حسين مني وانا من حسين وقد قال الشاعر :
اني وان كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بابوتي
وقال بعضهم ونعم ما قال :
اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي ومماتي في حياتي
ولدت امي اباها ان ذا من عجباتي
وهو طفل صغير في حجور المرضعات
فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وتعيها اذن واعية ورئيس هذه القبة وزعيمها والحاكم عليها تلك الولاية المطلقة والحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) في وجه من الوجوه ومقام من المقامات ورتبة من المراتب كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور
القبة الثالثة غمامة بيضاء وهي العماء التي فوقها هواء وتحتها هواء وفيها الحروف العاليات والبسائط المجردات والدوات السرمديات وهي التي اشار اليها مولينا وسيدنا الرضا في حديث عمران الصابي ان الحروف ليس لها معنى غير انفسها وهي السحاب المثار من شجر البحر ويطلق عليها السحاب المزجي في تأويل قوله تعالى ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما منضما بقوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت الآية وسكان هذه القبة اسرار مستسرة بالسر وهم بواطن الظاهر وحق الحق وثالث المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي الآيات المرئية في الآفاق وفي انفسكم وهي لما كانت حروفا كان حاكمها والسلطان عليها الالف اللينية وهي الحروف التي تحجب كما في قول سيدنا ومولانا الرضا عليه آلاف التحية والثناء في حديث عمران الصابي وهي حروف نورانية ظهرت في اربعة عشر هيكلا والى هذا المعنى يشير تأويل قوله تعالى واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم فموسي هو صاحب النبوة المطلقة والعصي هو صاحب الولاية المطلقة والحجر هو فاضل طينة حامل الولاية المطلقة وهو القرآن الكريم في الكتاب المكنون الذي لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين والعيون الاثني عشر هي التي تشعبت من حامل الولاية المطلقة فالولاية المطلقة حقيقة وحدانية ظهرت في اثني عشر حاملا وحامل الولاية المطلقة يقال انه واحد ويقال انه اثني عشر فافهم الكلام وعلى من يفهمه السلام
القبة الرابعة عقيق اصفر فاقع لونه ( لونها خ ) تسر الناظرين لانها مقام الوحدة والاجمال ونفي الكثرة والاضمحلال سكانها مفرد وهو جمع وجمع وهو مفرد ولم يزل يقول او يقولون ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا تعرفت الى في كل شيء ورأيتك ظاهرا في كل شيء فانت الظاهر لكل شيء بكل شيء وكذلك لم يزل يقول او يقولون وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم وبالجملة فسكان هذه القبة قد نفوا الكثرات وازالوا الانيات ورفعوا التعينات فلم يبق الا الواحد الثابت البات فليست هناك كثرة ولا تعدد ولا اختلاف ولا ايتلاف بل هو شيء واحد الامر ( امر خ ) الاحد الواحد وما امرنا الا واحدة وهو ثاني المقامات ورتبة الواحدية في مقام الاسماء والصفات واول الحركة عند ذكر الغير الحاصلة بها الرطوبة ولذا قلنا انه العقيق الاصفر وربما نعبر عنه بصاحب القباء الاصفر الماشي على الارض بالتبختر وهو مقام الرياح وهو شجر البحر وهو النفس الرحماني الاولى وهو الاسم المخزون والسر المكنون وحيث كانت هذه القبة وساكنها هي الالف اللينية وحق الحق وباطن الباطن والسر المقنع بالسر كان رئيسها وزعيمها والحاكم عليها والمتولي لدائرتها النقطة الحقيقية التي تشعبت منها اي من حركتها الى جهة الفعل والاثر حقيقة الالف بامر مستقر فالالف آدم الاول وحواؤه قابلية تعيناته وصلوح انياته فالقبة وساكنها واحدة باعتبار ومتغايرة باعتبار فافهم وما اسعدك لو وفقت بفهم ( لفهم نسخة ع ٤٠ ب ) هذه الاسرار الظاهرة بهذه الاطوار ولو اردنا شرحها وبيانها لضاقت الدفاتر ولكلت البصائر قبل ما يبدو ما استجن في السراير واستكن في الضماير والله خليفتي عليك
القبة الخامسة قبة الغيب ومقام العلم اللاريب قعر بحر القدر فيها شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها لقد ( فقد خ ) ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير وساكن هذه سر الهي وخطاب شفاهي ونقش فهواني وغيب الهي وهو هو ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص على العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس وهو الغيب الذي لا يعلمه الا الله وهو الاسم المكنون المخزون الذي استأثره في علم الغيب عنده فلا يخرج منه الى غيره وهو غيب الغيوب والملك الذي ذكرنا قبل انه دام الملك في الملك هو الملك الذي اشار اليه سيد الساجدين في الصحيفة واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الاوهام وهذا الملك هو الملك القديم الذي قاله رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم في الدعاء اللهم اني اسئلك باسمك العظيم وملكك القديم وهو الذي قال امير المؤمنين عليه السلام استخلصه الله في القدم على ساير الامم اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وهذه القبة ليس لها رئيس ولا حاكم في مقام الحدوث غيرها كما ان خلقها ( خلقتها خ ) بنفسها كذلك رياستها بنفسها والله سبحانه من ورائهم محيط وهو سبحانه هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معكم اينما كنتم وجوهر هذه القبة لا لون له ولا وزن ولا كيف ولا كم ولا ثقل ولا خفة ولا تقدير ولا ارتفاع ولا انخفاض ولا استدارة ولا استقامة ولا اقتران ولا اتصال ولا انفصال ولا اضافة ولا نسبة ولا تباين ولا تساوي ولا عموم ولا خصوص ولا اطلاق ولا تقييد ولا كل ولا كلي ولا جزء ولا جزئي ولا اصل ولا فرع ولا مشابهة ولا مناسبة ولا مجانسة ولا اتحاد ولا اختلاف ولا ايتلاف ولا لطافة ولا غلظة ولا قول ولا فعل ولا اثر ولا تأثير ولا حكم ولا محكوم ولا لفظ ولا معنى ولا اسم ولا مسمى ولا نور ولا ضياء ولا بقاء ولا فناء ولا شقاء ولا راحة ولا بؤس ولا نعمة ولا فقر ولا غني ولا فلك ولا عناصر ولا مجرد ولا مادي ولا لطيف ولا كثيف ولا عبارة ولا اشارة ولا تلويح ولا تصريح ولا اشتراك ولا امتياز ولا حركة ولا سكون ولا ضياء ولا سناء ولا ارض ولا سماء ولا ضر ولا لوي ( لوء خ ) ولا جن ولا انس ولا ملك ولا شيطان ولا عقل ولا جهل ولا عليين ولا سجين ولا الفعل ولا القوة ولا الامر ولا الخلق ولا غير ذلك من اطوار الموجودات واحكام النشئات وانحاء الاضافات واصناف الموجودات لان هذه القبة قد سبقت كل شيء فلا توصف بشيء مما بعدها لان الذات لا توصف بشيء من صفاتها وكل ما يقوله قائل او يتكلم متكلم او يتفوه متفوه او يراه راء او يسمعه سامع او يذوقه ذائق او يشمه شام او يلمسه لامس او يتخيله متخيل او يتفكره متفكر او يتوهمه متوهم او يعلمه عالم او يحفظه حافظ او يتعقله عاقل او يشاهده شاهد او يجده واجد او يعرفه عارف او يتحققه متحقق كلها منزه عنه وصف هذه القبة وساكنها وهي ساكنها وساكنها هي بلا اعتبار مغايرة ولا اختلاف جهة بل هي من حيث انها قبة ساكن ومن حيث انها ساكن قبة ضلت فيها الصفات وحسر تحبير اللغات وانقطع عندها الاشارات كيف واثرها الصادر عنها والوارد اليها المستمد منها الوافد عليها هو الذي قال سيدنا ومولانا ابو عبد الله الصادق هادي الخلايق وبالحق والصدق ناطق ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله اربعة اجزاء معا ليس واحد منها قبل الآخر واظهر ثلاثة منها لفاقة الخلق اليها واخفى واحدا منها وهو الاسم المكنون المخزون الحديث وقوله روحي له الفداء وجعله اربعة اجزاء دليل على ان المراد من هذه ( هذا خ ) الاسم هو الاثر لان المؤثر اي فعله لا يتجزى باجزاء ولا يتحدد بحدود ولا اعضاء فاذا كان هذا شأن الاثر الفيض الصادر من تلك القبة المباركة فما ظنك بها نفسها وحقيقتها فقولهم الربط بين الحادث والقديم قول غير مربوط وكلام غير مضبوط ( كيف خ ) وقد قال مولينا وسيدنا الرضا روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له فاذن انقطع الكلام وهو غاية المقصد والمرام لقد انبئك ( انبأتك نسخة ١٣٠٥ م ) حقيقة القبة وتفصيل بعض القباب فتفطن واصرف الذهن الى فانه لا يدركه الا اولوا الالباب فكم من عجايب كتمتها وغرائب اخفيتها لو اصبت لها حملة ولكني كما وصف مولينا امير المؤمنين روحي له الفداء :
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري
نكت الارض بالكف وابديت لها سري
فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
ثم ان هنا قبة اخرى وهي قبة بلصيال بن جود وتسمى ايضا بقبة الزمان وهذه القبة لها ظاهر ولها باطن اما ظاهرها فاني اروي عن مولاي وسيدي شيخي واستادي وسنادي وعمادي اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه ان بلصيال بن جود كان حكيما من الحكماء الكاملين ذو باع طويل في العلم ورسوخ في اليقين فكان في عهد نبي الله نوح فلما سمع بالطوفان وان نوحا دعا على قومه ذكر لسلطان بلده ان نوحا عليه السلام نبي الله وهو الصادق الامين لا ترد له دعوة لقد دعا على قومه ووعده الله بان يهلكهم بالطوفان فقال السلطان ما الحيلة فقال الحكيم اني ابني قبة بالارصاد والعزايم واحكمها بالاسماء وبالروحانيات وامزج بين العلويات والسفليات وارتب تلك القبة المحيطة بالبلدة ترتيبا طبيعيا لا يدخل فيها الطوفان وتسلم البلدة من الغرق فلما اراد الله سبحانه اظهار الاسرار المودعة في اسمائه تعالى وسماته والخواص المقررة والعجايب المقدرة في حقايق الاشياء والغرايب المودعة في سرائر الكاينات وان العلويات لها ربط بالسفليات ولها هيمنة واستيلاء عليها يتصرف كيف يشاء الله بما جعله الله سبحانه في سر كينوناتها من مثال فعله تعالى كما قال امير المؤمنين روحي له الفداء في وصف الملأ الاعلى صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فحيث كان الله سبحانه القى ذلك المثال في هويات الاشياء وذوات الموجودات وكانت هي مخفية مستورة بالاغشية والاغطية اراد الله سبحانه اظهارها للخلق وبيان بديع صنعته المستودعة في حقايق الموجودات وانها كاملة كفعله تعالى لان الاثر على هيكل صفة فعل المؤثر وهيمنة الاثر دليل هيمنة فعل المؤثر القى ذلك المثال وجعل عليه دليلا وبرهانا وهو الطاعة او استعمال الاشياء المناسبة بحسب القرانات والاوضاع ليزيل الاوساخ ويكشف الغطاء كما في قوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد فلذلك مامنع الله سبحانه بلصيال بن جود عن ضرب تلك القبة على تلك المدينة لتسلم من الغرق لانه تعالى كما اراد ان يرى الخلق قهره بالطوفان اراد ان يريهم حكمته بما اودع في حقايق الاشياء من صفة الربوبية التي هي نفس العبودية بسلامة تلك البلدة بواسطة تلك القبة وما حوته من اسرار الاسماء العظام والامثال الملقاة في هويات الاشياء بتقدير الملك العلام فحفظت تلك البلدة بتلك القبة عن الغرق وعم الطوفان وشمل البلاد والعباد ولم يسلم احد الا اهل السفينة والبيت المعظم والحرم الامن مكة ولذا سماه الله بالبيت العتيق كما قال تعالى وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود الى ان قال تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق فلما نجت تلك البلدة اخفاها الله سبحانه عن اعين الخلق كما فعل بجنة عاد لحكم ومصالح يضيق بذكرها المقال وسميت تلك القبة بقبة الزمان لبقائها واستمرارها مع الزمان فهي لم تزل معمورة مخفية كالبلاد الاخر المخفية مثل جابلقا وجابلصا والبلاد التي وراء جبل قاف من القباب المذكورة وهكذا الى ظهور المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان فيظهر تلك القبة والبلدة وجنة عاد والجنتان المدهامتان عند ظهوره فتعمر البلاد والعباد ويستدير الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والارض وان كان مبدء الاستدارة من اول يوم ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) كما قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض وزمانه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) مبدأ الاستدارة لان اول ما خلق الله السموات والارض كان الزمان قد استدار على هيئة اقتضت ان يكون نبينا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو النبي المطلق والخلق كلهم امته ورعيته وذلك يوم كان طالع الدنيا السرطان والكواكب في اشرافها وسر الوحدة غالب ونور الواحدية ساري والخلق على كثرتهم والآفاق على اختلافاتها لا تحكي الا امرا واحدا وهو ظهور وجود الحق المنبسط في اطوار التعينات بانحاء التجليات فجهات الانية مضمحلة لا يرى فيها الا واحد في جميع اطوار المجالي فالكثرة هناك عين الوحدة بمعنى ان الواحد يظهر في تلك المرايا على حد ما قال الشاعر :
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فعلى هذا فالاقليم ( فالاقاليم خ ) واحدة وان اختلفت والجهات متحدة وان تعددت الا ترى في الجنة مع سعتها واتساع دائرتها وحركة افلاكها لا تعدد للاقاليم فيها مع انها متحركة على المحور وتعدد الاطوار موجود فيها فلا يقال ان هناك آفاقا مائلة كل افق له حكم الآخر وذلك واضح وذلك ( وهذا خ ) معنى كون طالع ( الدنيا ع ٤٠ ب ) السرطان والكواكب في اشرافها ولما اختلفت الآفاق وتمايلت وتعددت وتباينت وتشابهت اختلفت الاقتضاءات والمقتضيات وفسدت الامزجة وتمكنت الامراض وازمنت وارمدت عيون الافهام والمشاعر والمدارك وتمرضت فلم تستطع لمشاهدة ذلك النور الاعظم لظهور ذلك النير المعظم صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم فاقتضى ظهوره صلى الله عليه وآله من وراء الحجاب فاقتضت كينونة العالم ظهور الانبياء مجتمعين ومنفردين ناسخين ومنسوخين ظاهريين ( ظاهرين خ ) ومخفيين على اختلاف مقاماتهم حسب ما ظهروا ببشريتهم سلام الله عليهم فلما صح المزاج وظهر الابتهاج وغلبت الصحة في بنية العالم وزال معظم الامراض وانكشف اغلب الاغطية والاعراض اقتضت كينونة العالم ظهور ذلك السيد المكرم صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فاستدار الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والارض وهذه الاستدارة مبدأ ظهور النضج والاعتدال وتمام النضج لتمام الاستدارة انما يكون لظهور سيدنا ومولينا المهدي فتظهر المخفيات وتبلى السرائر المستجنات وتظهر الخفايا المستكنات من الكنوز الظاهرة والباطنة من اطوار الكنوز وانحاء الرموز الى ان يكون اوان ظهور تلك الكلمة التي يستوحش منها اهل ذلك الزمان من المصدقين اول مرة ثم يستقرون ويطمئنون عند ظهور نور الله وبروز ذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب فقبة بلصيال بن جود انما يحصل لها في ذلك الزمان تمام الظهور ولكنها الآن مخفية محجوبة من اهل الغيور والله متم نوره ولو رغمت انوف وهذا الذي ذكرناه هو ما يتعلق بظاهر قبة بلصيال واما باطنها وحقيقتها وان لم يؤذن لنا كمال الاظهار لاستلزامه هتك الاستار التي ابى الله الا كتمانها واخفائها نظرا الى قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ولكن لا بأس بالاشارة الى بعض احوالها امتثالا لقوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به وان الله يحب المحسنين فنقول ان الباء في بلصيال اشارة الى باء بسم الله الرحمن الرحيم واللام اشارة الى ثلثين ليلة التي وعد الله سبحانه موسى المتممة بالعشرة وهي لام الولي والعشرة المتممة ياؤه والصاد بحر صاد ( الصاد خ ) اول المداد وهو ظهور الكاف في العين لظهور الغيب وبروز مبدأ الوجود ودلالة الكلمة التامة والودق المغدق النازل من سحاب الكرم والنور المشرق من صبح الازل اللايح على هياكل التوحيد آثاره والياء تفصيل الهاء حرف ليلة القدر مقام التوحيد والتفريد الآيات المرئية في الآفاق والانفس من جميع البرية الظاهرة بنفسها في جميع اطوار الوجود واكوار الغيب والشهود ولذا ترى الهاء حافظة لنفسها في جميع مراتب التكعيب وهي التي ظاهرها عين باطنها وسر غيبها عين شهودها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره ( ظاهره خ ) مفقود لا يرى وباطنه مشهود ليس يخفى فلما تثنت ( ثنيت خ ) الهاء ظهرت الياء فهي العشرة الكاملة فسرت اطوارها في جميع الاطوار الوجودية والذرات الكونية من العوالم العلوية والسفلية والغيبية والشهودية وقد نعبر عنها بالقبضات العشر ولما كانت بين الاسماء والمعاني مناسبة ذاتية كما هي عند اهل البيت روحي لهم الفداء وعليهم آلاف التحية والثناء وكانت الالفاظ واضعها الله سبحانه وتعالى لجهل ما سواه بجميع وجوه المناسبة المقتضية للدلالة وضع الله سبحانه جميع الالفاظ الدالة على جميع المعاني سواء كانت عينا او معنى مطلقة او مقيدة الفاظ المعاني وحروفها ووجوهها وغير ذلك من اطوارها وصيغها ( وضعها خ ) سبحانه على نمط تنتهي الى العشرة بان تضعفه ست مرات ثم تزيد على الحاصل واحدا ثم تضربه في العشرة ثم تسقط عن الحاصل عشرين عشرين فلم يبق الا العشرة وهذا في كل لفظ وحرف واسم حرف واسم عدد وغير ذلك فالعشرة هي العشرة الكاملة التي كملت بها الموجود ( الوجود ع ٤٠ ب ) وظهر بها الغيب والشهود وامتاز العابد من المعبود وتبين الركوع والسجود وهي متممة اللام في مقام التفصيل واذا اجتمعت والتأمت وائتلفت استنطق منها الميم وصار مبدأ اسم النبي ( صلى الله عليه وآله خ ) واليه الاشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي اني خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا فافهم الدقيقة بسر الحقيقة وتعيها اذن واعية والالف بعد الياء اشارة الى الوحدة الحاصلة من قران تلك القبضات العشر اي الامر البسيط الوحداني فصح ان تقول انه واحد وصح ان تقول انها عشر فاللام التي بعد الياء اشارة الى تمام الميم بالتصريح بعد ما اشار اليه اولا بالتلويح لان ذلك مقام الاجمال وهذا مقام التفصيل او قل هناك مقام التفصيل وهذا مقام الاجمال والحكم واحد على كل حال انما قدم الياء على اللام لمكان الصاد لانها هي الصاد في قوله تعالى كهيعص وهو رتبة الاجمال ومقام الاعتدال ومقدمة الاتصال وصوم الوصال فاقتضى التقدم لانها في قوس النزولي فمدلولات هذه الحروف هي باطن بلصيال بن جود الجامع لها رفيع الدرجات ذو العرش وهذا الجامع له ظهور في رتبة الياء ( الباء خ ) مرة وفي الالف الغائبة بين الباء والسين في البسملة المطوية خطا ولفظا مرة وفي باطن اللام مرة وفي ظاهرها اخرى وفي حقيقة الصاد مرة وفي اطوار الياء اخرى وفي سر الالف مرة وفي حقيقة اللام اخرى وهو الواحد الظاهر في هذه القباب وهو الواحد المتفرد مع اقترانه بجميع الاصحاب وهو الذي يكون جميع الشؤن شؤنه وكل الاطوار اطواره وتمام الاوطار اوطاره فهو الآمل والمأمول الواقف على الطتنجين الباطن ( الناظر خ ) في المغربين والمشرقين كيف والذات عن شؤنها لا تغفل والنفس عن اطوارها لا تذهل وقد قال الشاعر ونعم ما قال :
ما في الديار سواي لابس مغفر وانا الحمى والحي مع فلواتها
ولذا كان دابة الارض قال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فلنقبض العنان فللحيطان آذان قال الشاعر ونعم ما قال :
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
ففي هذه القباب التي ذكرنا بعض تفاصيلها ليس الا واحد وهو النفس الواحدة التي خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وهذه النفس هي التي قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وقال امير المؤمنين روحي له الفداء من عرف نفسه فقد عرف ربه وهي نفس الله التي يحذر الله بها عباده كما قال تعالى ويحذركم الله نفسه وهي النفس التي لا يعلم ما فيها عيسى كما في قوله تعالى حكاية عن عيسى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك وهي النفس الملكوتية الالهية التي قالها امير المؤمنين عليه السلام كما تقدم في حديث الاعرابي انها قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة اصلها العقل منه وعت واليه اشارت الى ان قال فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وهي النفس للعالم الكلي التي يشير اليها بقوله انا كما انك في الجزئي تشير بقولك انا فاذن هي نفس الله القائمة في الله بالسنن فهي القائمة على كل نفس وعلى كل شيء بالولاية لكن هذه القيومية والولاية انما كانت في الله اي في سبيله او لله كما تقول في الحب في الله والبغض في الله والحروف لا سيما الجارة يقوم بعضها مقام بعض وهذه الولاية والتصرف والاحاطة واعطاء كل ذي حق حقه انما كانت بالسنن والآداب التي قررها الله وسنها وادب تلك النفس الشريفة بالاقامة بها فهي نفس الله اي نفس لله متمحضة النظر الى الله متوجهة بكلها الى الله معرضة عن كل ما سوى الله منفية الانية مندكة الماهية وهي نقطة الدائرة التي لم تزل في ذاتها حائرة وتقول اللهم زدني فيك تحيرا قال الشاعر :
قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة
والمراد بالدنيا البدو والآخرة العود وذلك في كل شيء بحسبه لا الدنيا والآخرة المعروفتان وتدبير النفس المذكورة في العالم الكلي كتدبير النفس الجزئية اي النفس الناطقة في العالم الجزئي الانساني فكلما في العالم الجزئي شؤن للنفس اما شؤن ذاتية بتنزلها في اطوارها من اجمالها الى تفصيلها من غيبها الى شهادتها من ظاهرها الى باطنها من لاهوتها الى ناسوتها من تجردها ( مجردها خ ) الى ماديتها او شؤن فعلية من آثارها وافعالها وحركاتها وسكناتها وكل ما لها ومنها واليها وفيها وبها وعندها ولديها صادرة عنها وواردة عليها فلا يعزب عن علمها وعن احاطتها وقيوميتها شيء من اطوارها من المراتب التي تحتها وكذلك حكم هذه النفس الكلية بالنسبة الى العالم الكلي فليس شيء سواها ولا غيرها ولا مباين لها مباينة عزلة وانما بينونتها معها بينونة صفة فهي المحيطة على الكون كله لقد قال الشاعر فيها :
وهي الآية المحيطة بالكون ففي عين كل شيء تراها
وهي القائمة على كل نفس بما كسبت وهي لله وعن الله والى الله وبالله الا الى الله تصير الامور والى هذه الدقيقة الانيقة التي يجب الالتفات اليها بسر الحقيقة اشار الله سبحانه في كتابه الكريم بقوله قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون لله مع ان الجواب يقتضي ان يكون قولهم الله او بيد الله لا لله فالعدول عن ذلك الظاهر الى هذه العبارة للاشارة الى ان ملكوت الاشياء وحقائقها وذواتها وصفاتها وجواهرها واعراضها بيد تلك النفس القائمة على كل نفس بما كسبت ولكنها ليست مستقلة دون الله ولا مشاركة مع الله ولا مفوضة اليها الامور من الله بل هي لله وملكه وعبده مختصة به ويد له وعين ( له خ ) وجنب وسمع وبصر وقلب له سبحانه وتعالى وهو تعالى هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير قال تعالى هنالك الولاية لله الحق وهذه النفس هي تلك الولاية وحاملها ومحلها ومظهرها فان قلت انها مستقلة كفرت وضللت وان قلت انها شريكه مع الله فقد اشركت والحدت وان قلت ان الله فوض اليها الامور واعتزل عنها كشأن المولى مع عبده والموكل مع وكيله فقد نافقت واخرجت الله عن سلطانه لا حكم الا لله ولا ملك الا لله ولا عظمة ولا سلطان الا لله ولا ظهور ولا قدرة الا لله وحده ( وحده وحده ع ٤٠ ب ) ومع هذا كله هذه النفس هي مرجع العباد والبلاد واليها تصير الامور في المبدأ والمعاد وعنها ينادي المنادي وعنها صدور الصادرين واليها ورود الوراد ( الواردين خ ) وهي المهيمنة يوم التناد وهي التي القت الموجودات اليها زمام الانقياد وهي الحاضرة والشاهدة لكل حاضر وباد والله من ورائها محيط وهي القرآن المجيد في اللوح المحفوظ فافهم فقد القيت اليك السر الحق والكبريت الاحمر فخذه وكن من الشاكرين وليس وراء عبادان قرية فهذه القباب المذكورة والغير المذكورة وسكانها ورؤسها ( رؤساؤها نسخة ١٣٠٥ م ) والحكام عليها كلها شؤن هذه النفس المذكورة الشريفة واطوارها واضافاتها ونسبها واطوارها وادوارها واوطارها واكوارها والله على كل شيء قدير فافهم الاشارة بلطيف العبارة قال الشاعر :
فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتأخذه عنا
وما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
والكلام في هذا المقام طويل الذيل ممتد السيل اقتصرنا على ما ذكرنا فان ما فيه كفاية لاولي الدراية
عود في الكلام بربط في المقام - اعلم ان القباب المذكورة والغير المذكورة كلها لا تخلو عن مقامين ( مقام خ ) الاجمال ومقام التفصيل ومقام الغيب ومقام الشهادة ومقام الظاهر ومقام الباطن ومقام العلو ومقام السفل وكل هذه القباب بجميع اطوارها منحصرة في مقامين احدهما مقام الانتساب الى الله والدلالة عليه وثانيهما مقام الاعراض عن الله سبحانه والالتفات الى جهة النفس والماهية ففي المقام الثاني ظلمة مدلهمة وليل غاسق وشر محض لا نور فيها ولا تنسب الى الله لان الخير بيديه والشر ليس اليه وان كان الخير قبضة من يمينه والشر قبضة من شماله الا ان كلتا يديه يمين وبالجملة فالظلمة والشرور لا تنسب الى الله سبحانه وان كانت بالله لان الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر اتقولون على الله ما لا تعلمون فتلك القباب من هذه الجهة السفلى ليست لله ولا منسوبة اليه ولا الى احد من اوليائه ومحبيه لان المحب تابع والتابع من حيث هو تابع منصبغ بصبغ المتبوع ومعرب باعرابه ولذا قالت النحاة في التوابع انها كل ثان معرب باعراب سابقه وفي المقام الاول نور محض منسوبة اليه سبحانه وتعالى ولذا ترى بيت الله الحرام والمساجد العظام تنسب الى الله ويقال انها بيوت الله واما ساير البيوت فلا تنسب اليه سبحانه مع ان الكل مخلوق لله وملك له منسوب اليه وترى انه سبحانه نسب الروح التي نفخت في آدم وعيسى اليه سبحانه مع ان الارواح كلها لله فالنسبة للشرافة والشرافة بالاقبال والتوجه اليه ( عليه خ ) وكذلك هذه القباب من الجهة العليا الاولى تنسب الى الله سبحانه وكل ما ينسب الى الله ينسب الى اوليائه ولما كان سيدنا ومولينا موسى بن جعفر روحي لهما الفداء وعليهما من التحيات اتمها واكملها ومن الكرامات اعظمها واجلها من اولياء الله المقربين وامنائه المكرمين بل هو وآباؤه واولاده المعلومون حملة ولاية خاتم الولاية المطلقة ودوحات شجرة النبوة المطلقة فثني الناظم ايده الله بهداه واسعده بتقويه تلك القباب كلها نظرا الى المقامين المذكورين اللذين ترجع اليهما المقامات كلها والدرجات باسرها ثم نسبها الى جانب الحق والنور ثم نسب تلك الجهة المنسوبة الى الله من حيث الشرافة الى هذا السيد الاكبر والمولى الازهر والولي الاظهر ( الاطهر ع ٤٠ ب ) لبيان ان ما ينسب الى الله ينسب اليه وما لا ينسب الى الله لا ينسب اليه لتمحضه في العبودية التي هي كنه الربوبية ولما كان ظهور ولايتهم عاما شاملا في جميع المراتب والمشيعين الحاملين لذلك الستر قد تجلي لهم نور الحق من نقطة وجودهم الى ظاهر شهودهم في جميع المراتب فظهرت لهم تلك القباب منسوبة الى ذلك الجناب مستشرقة بانوار القدس مستنيرة بانوار الانس فتلألأت منها الانوار وظهرت بها الاسرار فقال زاده الله نورا وعزا : شاموا السنا من قبتيك والقبتان هما النوعان بحيث تشمل هذه القباب مما ذكرناها وما لم نذكر من جهتها العليا فشاموا السنا من كل قبة على حسب ما هي عليه من التحديد والغير التحديد والتعين واللاتعين والاشارة واللاشارة والكيف واللاكيف وعلى حسب ما فيها من الحدود النوعية والصنفية والشخصية وعلى حسب رقة الحدود ( التي هي الحجاب خ ) وغلظتها وعلى حسب قوة النور واقوائيته وشدته واشديته وعلوه واعلائيته فتختلف بذلك الوان السناء والانوار الساطعة من هاتين القبتين فمنها نور احمر ومنها نور اخضر ومنها نور اصفر ومنها نور ابيض ومنها نور ازرق سماوي ومنها غير ذلك بحسب تركيبات الالوان من مقتضيات طبايع الاكوان مما ظهر من تلك القباب بعد رفع الغشاء والحجاب لما رأى المشيعون بالاعلام الخافقة والسنة بالتسبيح والتقديس ناطقة وابصار واعين لمشاهدة تلك الانوار خاشعة والراية منشورة ورايات مشهورة تلك الانوار المتضمنة للاسرار الساطعة في تين ( من هاتين خ ) القبتين استشرقت سرايرهم واستنارت ضمايرهم وتجلي لهم الجمال والجلال وانكشفت الغطاء وزالت دواعي الاستقلال المورث للاضمحلال فوجدوا عند ذلك من سطوع تلك الانوار وظهور تلك الطلال والآثار وبروز تلك الديار ما لا تحمله ( لا تحتمله خ ) الافكار ولا تحيط به القلوب والانظار ووجدوا منار الهداية فيها ظاهرة وعلم النور والتقى لايحا والى هذا المعنى اشار الناظم اشاد الله شأنه وانار برهانه بقوله : وجدوا منار هدى يشب ويشعل الوجدان والعيان والرؤية متى ما اطلق واحد منها يشتمل ( يشمل نسخة ١٣٠٥ م ) الآخر الا انه ربما يفرق بين هذه الوجوه فالوجدان في مقابلة الفقدان وهو يجده بسر الذات والحقيقة لانه المقام الذي لا يفقد شيئا وذلك بنظر الفؤاد نور الله الذي به خلق العباد وهو نور التوسم ان في ذلك لآيات للمتوسمين وهو نور التفرس في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ويطلق عليه المعرفة كما في قول مولينا الصادق روحي له الفداء اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة ويطلق عليه العلم ايضا اذا لم يقترن بالمعرفة كما في قوله عليه السلام العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب الذي هو الفؤاد لا غير والعيان مشاهدة القلب بمراتبه الثلث في مقام العقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض الا ان العقل المنخفض حيث كونه موضوعا او محمولا في الاشكال الاربعة ملحق بعالم الكثرة فليس فيها العيان ولذا اختص عين اليقين بنظر القلب والمقام الاعلى في العيان ما يدركه بالعقل المرتفع وهناك وان كان حجاب لكنه رقيق يتلألأ بخفق ( ويخفق خ ) فيتحد الحال والمحل كما قال الشاعر :
رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها فتشاكل ( فتشاكلا فتشابه خ ) الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
وهذا اعلى مقامات علم اليقين واقصى مراتبه وارفع درجاته وآخر مراتبه ما لا يدركه ( يدركه خ ) القلب بالعقل المستوي الرتبة المتوسطة وهنا مقام معاينة الاشياء بمعانيها وحقايقها والرؤية مختصة بمشاهدة البصر وتطلق الرؤية على نظر الفؤاد ايضا كما في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى وعلى نظر القلب كما في قول امير المؤمنين عليه السلام و( في خ ) حديث ذعلب لما سئله عن الرؤية قال عليه السلام لم اعبد ربا لم اره ثم قال روحي له الفداء لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقايق الايمان وعلى نظر البصر كما في قوله تعالى قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وبالجملة فالوجدان حيث كان يراد به ما ادركه الفؤاد بحقيقة المراد منزها عن شوب الفقدان ولا يكون ذلك الا برفع جميع الحجب المستدعية للفقدان عبر الناظم ايده الله بتوفيقه وامده بتسديده عن مشايعة ( مشاهدة خ ) المشيعين للستر والحاملين للاعلام للانوار الساطعة عن القبتين بذلك اذ هناك اندكت جبال انياتهم واضمحلت جهات ماهياتهم واشرقت الانوار في سرائرهم وسطعت في ضمائرهم فوجدوا عند ذلك منار هدى والمنار هو العلم الذي يهتدي به الى الطريق وذلك في كل عالم وقبة على نحو من الانحاء وطور من الاطوار ولما كان صاحب القبتين هو من حملة الولاية المطلقة الظاهرة في كل شيء موجود ومفقود ومشهود كان منار هدايته في كل مقام على حسب ذلك المقام مما يقتضيه كينونته فالمنار على هذا التقدير متعدد نقتصر على ذكر بعضها اذ لا يسع المقام لذكر التفاصيل ولما كانت القباب المذكورة والغير المذكورة كلها تجمعها ثلث قبب الاولى الزمردة الخضراء وهي المشتملة على عشرين قبة من الكلية الاضافية الثانية الدرة البيضاء وهي المشتملة على قبتين الثالثة النور الاعلى المجرد المنزه عن الكيف والكم فالمنار في القبة الاولى حملة الشريعة وهو المنار الاول وهم الذين عندهم الاحكام الفرعية والاصول والعقايد الحقة المستنبطة من البراهين العقلية والنقلية في مقام الخلط واللطخ عند ظهور الاحكام الثانوية التي سميناها بالاحكام النفس الامرية في ثلثة مقامات مقام الصوف والشعر والوبر وفي مقام التزييل الحاصل بعود كل شيء وفرع الى اصله ومستقره حتى تصفوا الاحكام ولم يتغير الحلال والحرام ولم تختلف آراء المجتهدين ولم يكن مانع لعدم العمل بما في الواقع الاولى كما قال سبحانه وان لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون وآية ذلك الامراض الحاصلة من الاعراض الغريبة الموجبة لاختلاف التكليف فالمريض يفطر الصيام ويصلي قاعدا او مستلقيا والمسافر يصلي مقتصرا ( مقصرا نسخة ١٣٠٥ م ) والخائف يصلي الى اي جهة اتفقت وامثالها من اختلاف الاحكام الذي اوجبه تغيير الموضوع واذا صفي الموضوع عن الاعراض الغريبة اتحد الحكم فحملة الشريعة هم المنار في هذه الطريقة وبهدايتهم تنكشف عن هذه الحقيقة فبعد ذهاب الاعراض الموجب لعدم اختلاف الحكم هم المنار ايضا في ثلث مقامات مقام الصوف ومقام الشعر ومقام الوبر فحصلت لهم ست جهات ثلثة مع الخلط واللطخ وثلثة اخرى بدونه عند التصفية والتزييل لان الخلق في كل من المقامين لهم ثلث درجات الدرجة العليا مقام الوبر وهم القصوى في هذه الدرجة ادراكهم من سنخ ادراك اهل السموات والعرش والكرسي في عالمهم الدرجة السفلى وهي الادنى مقام الشعر وادراك اهل هذه الدرجة من سنخ ادراك اهل الارض من حيث انجمادهم وعدم نفوذ علمهم ذلك مبلغهم من العلم والدرجة الوسطى مقام الصوف وهو الرتبة ( المرتبة خ ) المتوسطة بين المرتبتين وادراكهم من سنخ ادراك سكان ما تحت فلك القمر الى كرة البخار ومرادي من هذا الكلام ظهور هذه المرتبة في الانسان حيث ان الانسان جامع مملك فيه جميع ما في العالم يحكم عليه على حسب ما ظهر فيه من سر ذلك العالم فاذا ظهر سر العقل فيه قيل انه انسان عقلي واذا ظهر فيه سر الروح قيل انه انسان روحي واذا ظهر فيه سر النفس على مراتبها السبع قيل انه انسان نفسي يغري الى مرتبة من مراتبها الظاهرة فيه واذا ظهر سر الطبيعة فيه قيل انه شخص طبعي ميت في الاحياء واذا ظهر سر المادة فيه قيل انه شخص صاحب عقل بالملكة واذا ظهر فيه سر عالم المثال قيل انه شخص صوري لا يتعدى ادراكه عن عالم الحس واذا ظهر فيه الحرارة الغريزية قيل انه شخص صفراوي واذا غلبت الرطوبة الغريبة مع الحرارة قيل انه شخص دموي واذا غلبت البرودة الغريبة مع الرطوبة قيل انه شخص بلغمي واذا غلبت اليبوسة مع البرودة قيل انه شخص سوداوي واذا ظهر فيه ما فيه من القبضات المتخذة من العرش والكرسي قيل انه شخص ظاهري نظري واذا ظهر فيه ما فيه من القبضات المتخذة من السموات السبع قيل انه ظاهري صوفي واذا ظهر فيه ما فيه من قبضات العناصر قيل انه ظاهري شعري وانما نسبنا هذه المراتب الثلث الى الظاهر نظرا الى قوله تعالى ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين وهذه المراتب الثلثة مراتب ظاهر الجلد والجلد هو عالم الظاهر وفي هذه القبة اي القبة الزمردية ست منائر المنار الاول للواقفين في مقام الشعر عند اللطخ المنار الثاني للواقفين مقام الصوف عند اللطخ المنار الثالث للواقفين مقام الوبر عند اللطخ المنار الرابع للواقفين مقام الشعر عند التزيل المنار الخامس للواقفين مقام الصوف عند التزيل المنار السادس للواقفين مقام الوبر عند التزيل ولكل منها طريق للهداية والارشاد لا يسعني الآن ذكر تفاصيلها وبيان كيفية ارشادها ولكني امثل لك مثالا تعرف به نوع المراد فنقول ان الاكسير على ما هو الحق عند اهل التدبير كما نص عليه امير المؤمنين الخبير روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء من العلي الكبير انه ما من شيء الا وفيه منه اصل او فصل ويحصل ذلك من كل شيء لان الله سبحانه خلق الخلق على هيئة اعتدالية تحكي ظهور الحق وقد القى سبحانه صفة تجليه ومثاله فيه كما سبق من الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالجمادات الغاسقة لا بد ان تكون كاملة في اصل الخلقة والايجاد فلا تكون الا اكسيرا فعالا يصير ما يصاحبه مثله وهذا حكم الله في كل شيء من السلسلة الطولية والعرضية لانه تعالى كامل ولا يكون فعله الا كاملا ولا يكون مفعوله الا كاملا ولكن الاشياء في القوس النزولي لزمتهم ظلمة الادبار وغطت على وجه ذلك المثال الذي خلق الله سبحانه خلقه عليه ففسدت الكينونات وضاعت الجبلات فجعل سبحانه وتعالى لايصالها الى مقامهم الاول انحاء معالجات اما في الانسان فعالجها سبحانه بالاعمال الصالحات والتجنب عن المعاصي والسيئات واما في غيره لتعديل المزاج بالست الضروريات فلما انعقدت الجمادات على اطوار مختلفات وانحاء مشتتات لا يمكن ايصال المرضى بالامراض المختلفة لغلبة طبايع مختلفة وامزجة متفاوتة بحسب القوة والضعف من اللطافة والغلظة والنعومة والثخن وصلاحها بطور واحد وطريق غير متعدد فمن هذه الجهة اختلف علماء هذا الفن فمنهم من حصره في شيء مخصوص لا يتعداه ومنهم من حصره في شيئين لا يتعداهما ومنهم من حصر في اشياء متعددة الى ان اتفقوا على امكان حصوله في عشرة اشياء وهي المعروفة عندهم والمذكورة في كتبهم وزبرهم وتصانيفهم ولا يسعني الآن تفصيلها لضيق المجال وبلبال البال والعلة في هذه ( هذا خ ) الاختلاف عدم اهتداء كل واحد منهم الى ما اهتدى اليه الآخر في اصلاح المزاج وحصول الابتهاج وكل من سلك مسلكا في شيء مخصوص وصل الى مقصوده ونال مراده ومطلوبه ولكنه ماقدر اجراء ما فعله لاصلاح مزاج ذلك الشيء في تدبير عقار آخر فانكره والذي ما اهتدى الى كيفية اصلاح ذلك الذي اصلحه الاول انكره فصاروا كما قال الشاعر :
لو كنت تعلم كل ما علم الورى طرا لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل مني هوى بغير هواك غير العالم
وبالجملة لكل طريق ولكن الذي استفدناه من حكمة الله سبحانه ومن سر الخليقة وسر الاختراع والابتداع ومن كلام مولينا وسيدنا امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء من العلي الاعلى ان مادة هذا الشيء اي الاكسير في كل شيء لا تختص بشيء دون شيء وبعقار دون عقار وبمايع دون مايع وبمنعقد غير منعقد وبمنطرق دون منطرق وهو كما قال عليه السلام وان من شيء الا وفيه منه اصل او فصل فعلى هذا هذا الولد العزيز وقرة عين اهل التميز الشجاع الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف تنعقد نطفته من كل شيء من الجمادات والحيوانات واجزاء الانسان ومن الاصول والفصول الا ان الفخر كل الفخر اصلاح الشيء وصيرورته الى ان يكون حجرا يعني نطفة والنطفة لا تكون الا باجتماع المائين والماءان لا ينعقدان الا ان يكونا مختلفي القوام ومختلفي الطبيعة ويكون احدهما رقيقا والآخر غليظا ويكون احدهما باردا والآخر حارا ويكون احدهما في الكم قليلا والآخر في الكم كثيرا فنطفة الرجل حارة يابسة غليظة وهي جزءان ونطفة المرأة باردة رقيقة وهي اربعة اجزاء فاذا اجتمعتا وانعقدتا تمت النطفة وبلغت وصارت مبدأ نشو جسم آدمي ثم من بعد ذلك تنقلب النطفة علقة والعلقة مضغة وهكذا فالطريق اذا تحققت النطفة واحد واما صيرورة الغذاء الى ان تكون نطفة طريقها مختلف وكذلك تربية المادة الى ان تبلغ حد الحجرية صعبة مستصعبة لانها في كل مادة لها طريق غير الآخر وليس لها قاعدة كلية بحيث تنطبق على جميع الاشياء فبعضهم ذكر تربية الشعر الى ان يبلغ حد النطفة وبعضهم حيث لم يصل الى طريقة هذه التربية انكر ان يكون مادة الاكسير شعرا فقال انه كلام شعري فعدل عنه وقال انه محال وذكر طريق تربية البيض الى بلوغه حجرا نطفة وبعضهم لم يهتد الى طريق تلك التربية انكر ان يكون البيض مادة وقال في شعره :
والبيض ان عملته برفق وحسن تدبير له وسحق
يريك من الوانه عجايبا
الى ان قال :
لكنني لست له بصاحب لانه طريق غير الطالب
قال الشذوري :
دع البيض ليس الصبغ من بيض طائر ولا حجر فض ولا شجر غض
وقالوا انها اي مادة الاكسير الزاج وذكر كيفية تربيته الى ان يصير نطفة وانكره الآخر حيث لم يهتد الى طريقها وهكذا في غيرها ونحن قلنا انها في كل شيء وليس لتربيته الى ان يصير نطفة قاعدة كلية مطردة فلا بد ان يكون لكل شيء تربيته الى ان يبلغ حد النطفة منار هدى يوصله اليه ولذا قالوا ان الربع الاول من هذا العلم وهو تربية الشيء الى ان يصير نطفة حجرا يسمى بالعلم المكتوم وذلك ليس لاجل كتمانهم اياه بل لعدم الاهتداء الى تربية كل مادة خاصة الى ان تبلغ حد الحجرية فاختلاف التدبير انما هو في هذا الربع واما باقي الارباع الثلثة فالحكم فيها واحد والطريق غير متعدد وقد ذكرنا وشرحنا هذه المسئلة باقصى ما يمكن شرحها وبيانها في شرحي على القصيدة البائية من شذور الذهب وهي التي اولها :
خذ البيضة الشقراء وانزع قشورها فان لها تحت القشور لبابا
وخذ ماءها واخلطه بالمح كي ترى حمامته فيها تصير عقابا
فتبين لك من هذا البيان التام ان طريق تربية كل شيء حتى يبلغ مقام كماله ويجلس على سرير جماله لا بد من دليل هادي ومرشد كامل ومنار واضح حتى يمشي ذلك الطريق الوعر المسالك الضيق المنافذ فمن هذه الجهة قلنا منار هداية الواقفين مقام الوبر مثلا في مقام اللطخ غير منار الهداية للواقفين منار ( مقام خ ) الصوف وهكذا وقد يكون المنار في الواقفين منار ( مقام خ ) الشعر غير منار الهداية للواقفين مقام الصوف وهكذا حكم جميع المقامات الستة وقد يكون المنار واحدا يظهر في كل من هذه المقامات الستة وهو الكامل الذي قطع الاسفار الاربعة ورأى الاشياء كما هي وعرف انحاء التدبيرات والترتيبات في التربية ويوقف كل احد موقفه ويبلغ كل شيء منتهى رتبة كماله وهذا هو الاكسير الاحمر بل اقل منه قال مولانا وسيدنا الباقر عليه آلاف التحية والثناء ان المؤمنة اعز من المؤمن والمؤمن اقل من الكبريت الاحمر وهل رأى احدكم الكبريت الاحمر وقد يكون المنار متعددا يختص تربية واقف كل مقام وشخص دون الآخر مثاله معلم الاطفال فانه منار لتربية الصبيان حتى تحصل ملكة لتحصيل القواعد الكلية والصرفي مثلا منار لهداية الشخص وتربيته الى ان يكون كاملا في علم الصرف وبالغا فيه وهكذا ساير العلوم ففي القبة الزبرجدية المنار للارشاد والهداية الى ان يحصل لهم قابلية الدخول في القبة الدرية التي بعدها وهو فوقها كليات عدده ستة وهم حملة الشريعة وما يتعلق بها من العلوم والآداب مما يتعلق بالصورة الظاهرية هذا في التشريع التدويني واما في التشريع التكويني فهي محال الفيض ومواقعه وحملة الولاية التفصيلية المصلحة لقوابل الصورة ( الصور خ ) من عالم النفوس الى التراب ومن التراب الى رتبة الجامع
فالمنار الاول الروح من امر الله وهو منار الهداية في ايصال الفيض الى حقايق النفوس بمراتبها واحوالها حتى قامت بامر الله وخرجت في الاستواء وظهرت على هياكل التوحيد والحايد عن ذلك المنار في تلك الديار خرج عن الاستقامة الى الاعوجاج وظهر على هياكل الكفر والنفاق والذين كفروا اولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون
والمنار الثاني الروح من ( على خ ) ملائكة الحجب يتلقى عن الله ويترجم ويلقي الى عالم الطبيعة حتى صلحت ونضجت وكملت ولبت داعي الله وسمعت منادي الحق حين قال الست بربكم فلبت النداء واجابت المنادي على اختلاف مراتبها من الطبايع
والمنار الثالث حامل اسم الله الآخر يتلقى الفيض عن الله بواسطة الملك المقدم ذكره ويلقيه الى عالم المثال ومقام ظهور الهيئات والاشكال ويصلح قابليته ويعدل مزاجه حتى تظهر بموافق محبة الله الصورة الانسانية ولمخالفيها الصورة البهيمية
والمنار الرابع حامل اسم الله الظاهر يلقى الفيض من المبدأ الفياض الى جسم الكل ويربيه ويصلح قابليته حتى يقوم بامر الله وينفذ فيه حكم الله
والمنار الخامس حامل اسم الله الباطن يتلقى عن المبدأ الفياض ويلقي الى العرش ويصلح قابليته ويعدل مزاجه حتى يجعل له اركانا وسرادقات ومنطقة ودوائر متحركات ليقوم بامر الله ويكون خزانة لمدد الله الى جميع عالم الاجسام محل النقش والارتسام
والمنار السادس حامل اسم الله الشكور يتلقى الفيض عن المبدأ ويصلح قابليته الكرسي ويعدل ( مزاجه خ ) ويجعله مواقع النجوم ومبادي للرجوم
والمنار السابع حامل اسم الله الباسط يتلقى الفيض عن مبدئه ويلقي الى فلك البروج ويصلح قابليته ويعدل مزاجه حتى يجعله صالحا لان يقسم بالبروج وتنفى عنه الفروج ويظهر فيه العدد الزايد ويدحض به حجة الناصب المعاند
والمنار الثامن حامل اسم الله الغني يتلقي الفيض من مبدئه ويوصل الى السماء الاولى ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها معدنا للخضوع والخشوع والزهد والعبادة والنسك وآمرا بافتراش الارض وتوسد التراب
والمنار التاسع حامل اسم الله الحكيم يتلقى الفيض من المبدأ الفياض ويوصله الى السماء الثانية يصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها محلا للعلوم الالهية والرسوم القدسية
والمنار العاشر حامل اسم الله العليم ( القائم خ ) يتلقى الفيض من مبدئه ويوصله الى السماء الثالثة ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها حتى تكون محلا لقهر الله وغلبته في الظاهر ومحلا للطمأنينة والرأفة في الباطن
والمنار الحادي عشر حامل اسم الله القاهر يتلقى الفيض من الله سبحانه ويوصله الى السماء الرابعة ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها صالحة لان تكون خزانة للامدادات الوجودية في الكون الثاني الشهودي ومترجمة لها لما بعدها من السموات الثلثة وفوقها لان فوقها تحتها وهي سر السموات ولبها وعندها خزائنها وجعلها الله سبحانه حاملة لموادها وامداداتها وهي الرابعة التي بها تمام الاركان وظهور الاكوان وتحقق الاعيان ومبدء الزمان والمكان ولذا كان فيها البيت المعمور والكتاب المسطور ولا تكون العمارة الا بعد التمام فالشيء التام اصل جامع وسر مانع
والمنار الثاني عشر حامل اسم الله النور معدن السرور ومذهب الغيور ومقر الوحدة ومفني الكثرة الله نور السموات والارض لانه الاسم الجامع موضوع للظاهر بالالوهية الجامعة للاسماء الحسنى كلها من القدس والاضافة والخلق ومن اسمائها الاحد والواحد يتلقى الفيض من حامل هذا الاسم الاعظم الاعظم الاعظم ويوصله الى السماء الخامسة سماء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها صالحة لان تكون خزانة لانحاء المودة والمحبة والايتلاف وازالة الاختلاف واظهار الوصال والاتصال
والمنار الثالث عشر حامل اسم الله الودود يتلقى الفيض من المبدأ الفياض ويوصله الى السماء السادسة ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها صالحة لان تكون خزانة للاحكام التفصيلية والصور الفكرية وموصلة للصور المستودعة في اللوح بواسطة الملئكة الثلاثة شمعون وسيمون وزيتون الى القوى الفكرية وهي البطن الثاني من التجويف الاول للدماغ عندنا والبطن الاول من التجويف الثاني عند القوم
المنار الرابع عشر حامل اسم الله المحصي يتلقى الفيض من مبدئه ويوصله الى السماء السابعة ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها مجيبة للنداء وملبية لقول الست بربكم واني انا الله حتى تكون بذلك خزانة للامدادات ( لامدادات خ ) الحيوة ومترجمة لها الى ما سواها من المتولدات وظاهرة بالافلاك الاربعة مربية للطبايع الاربع فافهم
المنار الخامس عشر حامل اسم الله المبين يتلقى الفيض من المبدأ الفياض ويوصله الى كرة النار ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها جاذبة غارنة ( غاذية نسخة ٢٢٤٤ م ) ملطفة مرققة
المنار السادس عشر حامل اسم الله القابض يتلقى الفيض من مبدئه ويوصله الى كرة الهواء ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها حافظة للحيوة وهاضمة للغذاء ومعفنة ومصلحة ومحللة وعندها التعفين والتحليل
المنار السابع عشر حامل اسم الله الحي يتلقى الفيض من المبدأ الفياض ويوصله الى كرة الماء ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها موصلة للحيوة الى محالها ومصلحة للقوة الدافعة ومدرقة ( مدرئة نسخة ٢٢٤٤ م ) للطعام والغذاء
المنار الثامن عشر حامل اسم الله المحيي يتلقى الفيض من المبدء الفياض ويوصله الى كرة التراب ويصلح قابليتها ويعدل مزاجها ويجعلها صالحة لحفظ القوة الماسكة وللزرع والحرث وساير المنافع
المنار التاسع عشر حامل الاسماء الثلثة اي القابض والحي والمحيي والمميت من حيث الاجتماع يتلقى الفيض من المبدأ الفياض ويوصله الى المعدن ويصلح قابليته ويعدل مزاجه حتى يكون مظهرا لتعلق احد الاسماء الاربعة
المنار العشرون حامل اسم الله العزيز يتلقى الفيض من مبدئه ويوصله الى النبات ويصلح قابليته ويعدل مزاجه حتى يجعله مظهرا لمتعلقات الاسماء الاربعة فارتفاعه باسم الله القابض كجذب الغذاء وتحليل الغذاء وهضمه وتعفينه باسم الله الحي ودفع الفضولات باسم الله المحيي وامساكه في الارض بانبات العروق باسم الله المميت وهكذا ساير المراتب التكوينية حيث انها تكونت ووجدت بالشرع الوجودي يكون في كل مقام منار علم هداية يكون سببا لتربية ذلك الكون وتحققه
فما ذكرناه عشرون منارا بل يبلغ الى الف الف وكل مرتبة منار لتربية اهل تلك المرتبة ولا يكون المنار الا قطب المرتبة وسرها واسطقسها وهو اي المنار بالنسبة الى تلك المرتبة التي هو علم طريق هدايتها نسبة القلب الى ساير الاعضاء والجوارح حرفا بحرف في التكوين والتشريع او في الشرع التكويني والشرع التدويني فافهم وقس على ما ذكرناه ما لم نذكره ان القيت السمع وانت شهيد والكلام في حقيقة المنار طويل الذيل ممتد السيل وفيما ذكرناه كفاية لاولي الدراية فافهم ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله وايانا الصراط المستقيم صراط اهل المحبة والوصول ومنازل اهل الصلاح والقبول
واما الهداية فاعلم انها لما كانت لا تتحقق الا بظهور التوحيد والنبوة والولاية وضع لها لفظ فيه جميع المراتب كلها بل وسرها وقطبها اي قطبها لغيرها او لنفسها اذ ليس المراد من التوحيد ذات البحت فافهم ولما كان اعظم الاسماء بل قيل هو المسمى وانه ليس بمشتق لفظ الجلالة الله ولما كان سر هذا الاسم هو الهاء والهاء سر هو واصله لان الواو انما تتولد من الهاء بالاشباع اخذ من هذا الاسم الهاء لان الاقرار بالتوحيد لا يتم الا بالاسماء والاقرار بالاسماء لا يتم الا بالاسم الاعظم والحاء جامع المراتب كلها اذ من حيث انها جزء للفظ الجلالة دل عليها دلالة الجزء على الكل ومن حيث انها اصل للاسم الاعظم هو دل عليه دلالة القطب على المحور والدائرة فالدائرة هي الواو والمحور هو الخط الواصل بين الهاء والواو وتمت الدلالة على جميع مراتب التوحيد من توحيد الذات لظهور المسمى الماحي للصفات ودلالة الاسم عليه وتوحيد الصفات والاسماء والاسم الاعظم الاعظم والاسم الاعظم ودلالتها عليها ظاهرة غنية من البيان وتوحيد العبادة لان الله متعلقه المعبود الحق فان العبادة لا تصلح الا للجامع لجميع الكمالات المنزه عن جميع النقايص وتوحيد الافعال ودلالة الهاء عليه من جهة ان الله لا يكون الا كاملا والكامل لا يكون الا ان يكون له اثر ولا يكون المؤثر كاملا الا ان يكون الاثر كاملا وذلك معلوم ظاهر فاذا دلت الهاء على المراتب الاربع من التوحيد دلت على المراتب الاخر من مراتب التوحيد وهي ترتقى الى خمسة آلاف ومائتين وثمانين مرتبة كلها مندرجة تحت الهاء وقد فصلناها باكمل التفصيل في رسالتنا البهبهانية ومن اراد التفصيل فليطلبها
واما النبوة المطلقة فحيث كان اصلها وسرها النبوة المحمدية صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وكان له اسمان احمد ومحمد والدال الجهة الجامعة للاسمين ومنها تولد باقي حروف الاسم والحاء تولد من الدال بالتكرير والميم تولد من الحاء بالتخميس والميم الآخر كذلك حتى بلغ الاسم الى الارض والالف اشارة الى الوحدة والولاية وكونه التعين الاول وهي لا دخل لها الى النبوة الاصل في اسم النبوة الدال وهو تمام الاركان وتمام الميزان واصل حقيقة الانسان وتمام الاعتدال في الاكوان واما الولاية في خاتم الولاية ليس انها مقام التفصيل وقد ظهر عالم ( تمام خ ) التفصيل في القبضات العشر وسري في كل الوجود من الغيب والشهود واستنطاقها الياء فاخذ للتوحيد الهاء وللنبوة الدال وللولاية الياء فتحقق بها الهدى ولذا قال الناظم هداه الله سواء الطريق وسقانا واياه رحيق التحقيق : منار هدى اشارة الى هذه الدقيقة وبيانا لسر هذه الحقيقة فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال ثم ان هدى يستنطق عنه الواحد وهو تمام البسملة التدوينية التي هي طبق مسئلة ( بسملة نسخة ١٣٠٥ م ) التكوينية فبها تم الوجود ولذا كانت البسملة اقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضها وهي الجامعة لجميع ما في فاتحة الكتاب الجامعة لجميع ما في القرآن الجامعة لجميع ما في الاناسي الثلثة الانسان الصغير والانسان الوسيط والانسان الكبير وهي المطابقة للاسم الاعظم هو بزبره وبيناته وذلك الاسم الاعظم اذا تنزل في عالم التفصيل يكون عليا وهو قوله تعالى وهو العلي الكبير وهو العلي العظيم وحيث ان الهداية انما تتم بالولاية وهي الجزء الاخير للعلة التامة كانت لا تتحقق الا بالاقرار بالولي وهو قوله تعالى قل انما اعظكم بواحدة الواحد هو الهدى والهدى متعلق الاسم الاعظم وتنزل الاسم الاعظم الاسم العلي وهو قوله تعالى وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم وهو معنى قول مولينا وسيدنا الرضا روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان الله سبحانه خلق ( اختار خ ) لنفسه اسماء لغيره ليدعوه بها فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم فاسمه العلي ومعناه الله انتهى ومعنى الله هو ومعنى هو هو ( معنى هو ه نسخة ع ٤٠ ب ) بلا اشباع فمن ( فمن هذه نسخة ع ٤٠ ب ) الجهة لا تتم الهداية الا بالاقرار بالولاية والا فلا ينفعه الاقرار بالنبوة والتوحيد وهو قوله تعالى والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات قال مولانا وسيدنا ابو عبد الله الصادق روحي له الفداء في تفسير هذه الآية والذين كفروا بالولاية اولياؤهم الطاغوت قال بعض من حضر ان الناس يقولون ان المراد به الكفر بالله قال عليه السلام كيف يكون ذلك والله سبحانه وتعالى يقول يخرجونهم من النور الى الظلمات والكافر بالله لا نور له اصلا فاين هذا النور الذي يخرج منه فدل صريح الآية ان الكافر له نور يخرج منه الى الظلمات ولا ريب ان الكافر بالله ليس له نور اصلا فثبت انه آمن بالله فحصل له نور ثم آمن بالرسول فاستفاد نورا آخر فلما كفر بالولاية لم يستقر ذلك النور المتزلزل لان استقراره بالولاية واحاطت به الظلمة وخرج من النور الى الظلمات فمن هذه الجهة صارت الهداية صفة للولي المطلق ومستنطقا من اسمه ومن اسم الجلالة ومن الاسم الاعظم لبيان ان ولاية الولي وان كانت اصلا لكنها فرع للنبي وللاسم الاعظم والنور المكرم ولذا قال مولينا وسيدنا الصادق روحي له الفداء في زيارة امير المؤمنين الصادق الامين خاطبا له السلام على الاصل القديم والفرع الكريم فهو اصل بالنسبة الى غيره من الموجودات لانه حامل الولاية واول التعين والموجودات اثرها وفرع للنبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لانه نفسه في قوله تعالى وانفسنا وانفسكم والنفس تأكيد والتأكيد تابع فرع وقد ذكرنا لك سابقا قول النحاة ان التابع كل فرع معرب باعراب سابقه والفرع وان كان فرعا لكنه متلبس بلباس الاصل ومتحل بحليته ومنصبغ بصبغه وتلك صبغة الله ومن احسن من الله صبغة فنحن له عابدون فاذا قلت جاء زيد نفسه فالنفس مرفوع كما ان زيدا كذلك والفعل يدخل عليها بالتبعية كما يدخل على زيد بالاصالة فالنفس متلبسة بلباس زيد متحلية بحليته موسومة بما وصف به زيد فكان لذلك فرع كريم مع انه هو الاصل القديم فالهداية اذن منسوبة الى الولي يعني تتم بها وهو الجزء الاخير للعلة التامة وهو قوله تعالى انما انت منذر ولكل قوم هاد ولا يصح ان يكون متعلق الوصفين واحدا بتعيين ( بتغيير خ ) الاسلوب الدال على تغيير المراد كما هو الاصل في قول الحكيم مع ان اتحاد المراد من الوصفين يستدعي تقديرا والاصل عدمه فاثبت ( فاثبتت نسخة ١٣٠٥ م ) الآية الشريفة ان في النبوة انذار وارائة للطريق فحسب كما قال تعالى وما على الرسول الا البلاغ وقال تعالى وما عليك الا البلاغ المبين وقال تعالى ليس لك من الامر شيء واما الهداية فمعنى الايصال الى المقصود والتيسير لما خلق له باعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه انما هو شأن الولي بما حمل من ولاية الله العامة وعنايته الخاصة بكل مذروء ومبروء وبالجملة فالهداية لا تتم الا بالولاية ولذا نسبها الناظم ايده الله بتسديده الى قبتي الامام الهمام موسى بن جعفر وقال : شاموا السناء من قبتيك فلولا انهم رأوا النور من تين القبتين لماوجدوا منار هدى فلم يهتدوا الى الحق والى طريق مستقيم ولذا قال تعالى واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى الى الولاية ولولا اهتداؤهم الى الولاية مانالوا المغفرة ولاشملتهم التوبة وهو قوله تعالى استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فان المغفرة لا تكون الا بالاقبال الى الله ومنكري ( منكر نسخة ع ٤٠ ب ) الولاية معرض عن الحق لان الولاية لله وحاملها ولي الله والمعرض عنها معرض عن الله لانها طريق الى الله وسبيل اليه انظر الى الشمس اذا اشرقت على البلورة والذي لم يقابل البلورة لم تصبه الحرارة لانه معرض من ( عن خ ) وجه الشمس والدليل الموصل اليها والطريق السالك الى جهتها فاي اشراق يطلب من الشمس اذن اذا كان مدبرا غير مقبل فالحكم عليه بالمغفرة تناقض ظاهر وتعاكس باهر اذ يجب عليك ان تحكم عليه بالاقبال حين الادبار وهذا محال لمن له نظر واعتبار ولذا شرط الله سبحانه شرطا للاستغفار بقوله الحق ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولا شك ان المخاطب بالخطاب غير الرسول كما انه غير الجائين المستغفرين والا لقال واستغفرت لهم والالتفات وان كان سائغا جايزا في كلام العرب الا انه خلاف الاصل ولا يصار اليه الا بدليل واضح وبينة ظاهرة وبرهان قاطع فلا يصار الى ما يخالف الاصل بمحض الاحتمال وذلك معلوم واضح فشرط الله سبحانه وتعالى للمغفرة وانتفاعهم باستغفار الرسول اتيان الولي وليس المراد بالاتيان محض الحضور بل المراد به التصديق والاذعان والانقياد لامره والتسليم لحكمه كما افصح عنه سبحانه وتعالى وفسره وبين ابهامه وفصل اجماله بعد اليمين المؤكدة بقوله الحق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فشرط ثلثة شروط الاول تحكيم الولي في كل ما يقع التنازع والاختلاف كما هو مدلول عموم ما فيما شجر ففي كل موضع يقع الاختلاف بالمسائل العلمية اصلية كانت ام فرعية نظرية كانت ام اعتقادية مطلقا على كل حال اذا وقع الاختلاف فالتشاجر والتنازع يجب الرجوع الى الولي والتحاكم عنده والترافع اليه الشرط الثاني انه بعد ما حكم له لاحدهما او لاحدهم بما حكم لا يجد المحكوم عليه او المحكوم له في انفسهما حرجا وضيقا واحتمالا خلافا او انه لم قال كذا ولم حكم بكذا وان كان هذا الحكم ليس على مقتضى القواعد العقلية والنقلية او ان العقل لم يقبل ذلك او ان الدليل قائم بخلافه او انه يحتمل فيه السهو والاشتباه والاشكال وامثالها مما يوجب الحرج والضيق للصدر واذا احتمل شيئا من هذه المذكورات والغير المذكورات فلا يثبت ايمانه الشرط الثالث انه بعد ما تبين ان قول الولي هو الحق وكذا فعله وتقريره وانه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي وانه من العباد المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون وانه مطهر من الرجس والدنس والكذب والخطا والسهو من الدنس والرجس وانه نفس الرسول فلا يتقول على الله ولا يقول بغير حكم الله ويجري عليه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عدا ما اختص به من خصايصه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فيجب عليه التسليم لحكمه وامره والانقياد لطاعته والاذعان لحكمه والاحتراز عن مخالفته وهذه الامور الثلثة تفسير لقوله تعالى ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك وهذا معنى الاتيان والمجيء لا مجرد الحضور وهذا الاتيان هو شرط لقبول الاعمال وطهارة الانفس والاموال ولذا اجمع المسلمون على خلافته ووجوب طاعته ووجوب ( لزوم خ ) الانقياد لامره ونهيه وان اختلفوا في ان هذا الحكم ثابت له ولاولاده وحده بعد الرسول صلى الله عليه وآله وانه اول الخلفاء واول الاوصياء وسيدهم بنص الرسول الامين صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) يوم غديرخم او انه رابع الخلفاء وان غيره لا يشاركه ( يشاركه خ ) ايضا في وجوب الطاعة والتسليم والانقياد وان الاجماع قام على مشاركة غيره من الخلفاء له في هذه الخلال المذكورة في الآية الشريفة وهذا الخلاف مشهور بين المسلمين واما الخلاف في وجوب طاعته ولزوم التسليم لامره والانقياد له والتجنب عن مخالفته فمنفي ومرفوع وقد اتفق المسلمون على لزوم طاعته ووجوب الخلال الثلاث المذكورة فيه ولذا عد الخوارج من الكفار ومن الخارجين عن دين محمد المختار عليه سلام الله الملك الجبار وانهم مرقوا عن الدين وهم المارقون الكافرون الجاحدون بما اتى به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه اجمعين وقد روي محمد بن جرير الطبري في تفسيره عند قوله تعالى واسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا عن رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انه قال ليلة اسري بي الى السماء اتيت بيت المقدس واجتمعت الانبياء عليهم السلام فيه فاذن جبرئيل واقام وتقدمت انا وصليت بهم ثم اتاني جبرئيل وقال لي يا محمد ( سلهم ( اسئلهم خ ) بماذا بعثوا فسئلتهم فقلت يا معشر الانبياء بماذا بعثتم قالوا بعثنا لشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عبده ورسوله وان علي بن ابي طالب ولي الله وحجته على خلقه وهو قوله تعالى واسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا فتبين ان الهداية والايمان مشروطان بقبول الولاية حتى من الانبياء والمرسلين وروي اخطب خوارزم في مناقبه عن رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم انه قال ليلة المعراج لما وصلت الى مقام قاب قوسين وشرفني الله سبحانه بمخاطبته ومما قال لي يا محمد لو ان عبدا عبدني صام نهاره وقام ليله حتى يصير كالشن البالي ثم يحج مائة الف حجة ويعتمر مائة الف عمرة ويغزو مائة الف غزوة مع نبي مرسل او امام عادل ثم يقتل بين الركن والمقام مظلوما شهيدا ثم يأتيني بغير ولاية ابن عمك علي بن ابي طالب اكببته على منخريه في نار جهنم فعلى هذا فهل تجد مساغا لحمل الخطاب في قوله تعالى اذ ظلموا انفسهم جاؤك لغير امير المؤمنين والحالة هذه لا والله لا يمكن الا ما ذكرناه ولا يتصور الا ما بيناه
قال زورا من قال ذلك زورو افترى من يقول ذاك افتراء
فتبين لك مما بيناه واوضحناه ان الهداية لا تتم الا بالاقرار بالولاية ولذا قال الناظم : شاموا السناء من قبتيك وعنده وجدوا منار هدى يشب ويشعل
ونسب الى قبتي الامام موسى بن جعفر روحي له الفداء وعليه من الله آلاف التحية والثناء لانه من اولاد حامل الولاية المطلقة الباطنية والولد جزء الوالد وسنخه كما نص عليه الله في كتابه فعند عدم مباينة الاخلاق حكمه حكمه وامره امره وما يثبت له يثبت له لوجود المقتضي ورفع المانع وقد اجمع المسلمون ان موسى بن جعفر عليهما من الله آلاف الف تحية وثناء ماخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ولا امير المؤمنين عليه السلام في قول ولا فعل ولا طريقة ولا جهة من الجهات ولا نحو من الانحاء بل وافقهم وبالغ في العبادة والاجتهاد والزهد والورع والاقبال الى الله سبحانه والتجنب عن مخالفته بما لا ينكره احد ولا يدفعه احد فاذن هو ومن هو بمنزلته من الاولاد والاحفاد محبتهم والانقياد لهم والتسليم لامرهم من تتمة الهداية ولا تتحقق ولا تتم الا بالاقرار بفضائلهم والتصديق لحملتها والتسليم لرواتها فافهم وما اسعدك لو وفقت لفهمه والعمل به فان فيه خير الدنيا والآخرة واما الهداية فانها تستعمل على معنيين بمعنى الارائة وبمعنى الايصال الى المطلوب واختلفوا في انها حقيقة في اي منهما بما لا محصل في ذكره وبيانه فان الاستعمال في المعنيين ثابت والقرينة الواضحة لجعل احدهما حقيقة دون الاخرى في الظاهر منتفية والاصل في الاستعمال الحقيقة كما هو مذهب المرتضي لا لدليله الذي ارتضى لانه غير مرضي وتحقيق القول بما لا مزيد عليه قد حققنا في الاصول وقد بينا ما فيه من الاصول والفصول وبالجملة فالاصل في الاستعمال الحقيقة الا ان يدل دليل قطعي على المجاز واذ ليس فليس ولكن الهداية متى ما استعمل بالنسبة الى النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ففي الغالب يراد بها الارائة كما ذكرنا من ان شأن النبي الابلاغ والانذار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا وقال تعالى شاهدا لما بيناه ومؤيدا لما ذكرناه انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء يعني لا توصل الى المقصود الذي هو الايمان فان النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) يحب الايمان لكل احد وقد نفي الله سبحانه وتعالى ايصاله الى الايمان الذي هو المطلوب بل جعل ذلك شأن الولي وقد نسبها الى نفسه لان الولاية لله سبحانه وهداية النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ارائة للطريق لان ذلك شأنه كما جعله الله له ذلك وقوله انك لا تهدي من احببت وليس لك من الامر شيء وما على الرسول الا البلاغ واذا نسبت الهداية الى الولي فالمراد بها الايصال الى المطلوب كما هو شأن الولاية من اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فالولي هو الموصل اهل الحق الى الايمان والنعم وموصل اهل الباطل الى الكفر والنفاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في حديث سراقة بن مالك لما سئله عن افعال العباد هل فعلهم فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير او فيما لم تجف به الاقلام ولم تجر به المقادير قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير قال ففيم العمل قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله ه والميسر بكسر السين اسم الفاعل هو الولي وهو الموصل لكل شيء الى ما هو مخلوق له وهو مقصوده ومطلوبه لان الولاية هي التصرف التام فيما ولي عليه والولاية المطلقة هي التصرف التام في كل شيء بخلاف النبوة فانها محض الانذار والتبليغ فقط لا غير فهداية الولي هي الايصال وهداية النبي هي الانذار والارائة واما قوله اوصله الله الى مقصوده وانيل مأموله : منار هدى يشب ويشعل اي منار الهداية قد اضاء وتوقد واشتعل بنور نار الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم ولما كان المقام مقام الامام الهمام موسى بن جعفر عليهما السلام ناسب قوله سلمه الله : منار هدى يشب ويشعل حيث ان منار موسى كانت شجرة فيها نار متوقدة حيث قال موسى عليه السلام آنست نارا وقد قال عبد الحميد بن ابي الحديد في مدح جده امير المؤمنين روحي له الفداء :
يا ايها النار التي شب السنا منها لموسى والظلام مجلل
والولد على سر والده وجزئه وقد قال الصادق روحي له الفداء في تفسير قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها ان من في النار هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ومن حولها موسى فلنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية والله خليفتي عليك
وصل - ولما ذكر الناظم ان حملة الستر والحجاب والمشيعين له على ما وصفنا حالهم سابقا لما وصلوا الى ذلك المكان ورأوا السنا من القبتين الشريفتين ووجدوا منار الهدى قد توقد ضياء ونورا ولما كان السناء من ظاهر القبتين فهو لا تخلو اما من جواهر العلل وهم الانبياء اي انوارهم قد تلألأت وتشعشعت وظهرت او انوار النقباء والنجباء والكل يجب ان يكون ( من خ ) مظهر واحد لان انوار الانبياء اذا ظهرت من غير حجاب هلكت الرعية فلانهم خلقوا من شعاع نورهم من فاضل ظهورهم والشعاع لا يثبت عند ظهور المنير ويضمحل عند ظهور المنير ويحترق و( قد خ ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان لله سبعينالف حجاب من نور وظلمة لو كشف واحد منها لاحترقت ( لاحرقت نسخة ١٣٠٥ م ) سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق ولذا لما تجلى الرب لموسى ووقع شعاع التجلي على بني اسرائيل ماتوا وهلكوا ولم يهلك موسى ولم يمت مع ان مقتضى تجلي الرب ان يكون الخلق لم يثبت عند ظهوره فكان يقتضي موت موسى بالبرهان الذي اقتضى موت بني اسرائيل حرفا بحرف ولكنه مامات موسى عليه السلام لان تجلي الرب وظهوره انما كان في مقام موسى لقد تجلى له به ولما كان التجلي من جهة الوجود وهو يقتضي زوال الانية واضمحلالها وثبوت الشيء وقوامه وظهوره وفي ترتب الآثار عليه انما كان باقتران الوجود بالماهية فاذا اضمحلت الماهية ولو بالوجدان يستولي سلطان الوجود ويخر مغشيا عليه ويصعق فاذا علمت ذلك علمت معنى كلامنا ان ظهور الانبياء وظهور النقباء والنجباء في موضع واحد كما ان ظهور الحق كان في رتبة موسى ومات بنو اسرائيل كذلك ظهور الانبياء في رتبة النقباء والنجباء ولما كان النور اذا غلب وكان قويا ينجذب الضعيف اليه لقوة المشاكلة فيسقط الضعيف مع ما هو عليه من الماهية عند تجلي القوي فاراد الناظم ان ينبه على هذه الدقيقة ويشير الى سر هذه الحقيقة
فقال شاهده الله نور قدسه واجلسه على سرير انسه :
فتهافتوا مثل الفراش واحدقوا فغشيهم النور القديم الاول
اقول : لما تجلى لهم الجبار بتلك الانوار الساطعة من القبتين النورانيتين اي قبة الكاظم وهي النقباء وقبة الجواد وهي النجباء وانما خصصنا قبة الكاظم بالنقباء لان النقباء اعلى مقاما واعظم شأنا واوسع جنانا ( جنابا نسخة ٢٢٤٤ م ) فظهور الحلم والكظم والعفو والمسامحة والاغضاء فيهم اكثر لانهم خلعوا الانية ودكوا جبل الماهية فلا يجدون لانفسهم مقاما حتى يغضوا او يجهلوا بل لا يجدون لانفسهم تحققا ولا يرون لها ترجحا اوما سمعت قصة نبي الله نوح عليه السلام فان اسمه كان عبد الخالق فمر ذات يوم على كلب اجرب اوبر مشوه الخلقة فقال خطابا له يا كلب ما اقبح وجهك فلما قال ذلك راجع الى نفسه وعاتبها وقال لها يا نفس هل وجدت لك تحققا وعرفت لك ترجيحا ووجدت لك شيئية وتذوتا فبقي يبكي ويتضرع الى الله ويخضع ويخشع وينوح وسمى نوحا لكثرة نوحه وبكائه وخوفه لمقام ربه قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وقصة موسى عليه السلام نظير هذه القصة مشهورة ومعروفة وقد قال سيد الشهداء الصديقين وسند الاصفياء المرضيين في مناجات ( مناجاته خ ) مع ربه الهي من كان ( كانت خ ) حقائقه دعاوي فكيف لا يكون دعاويه دعاوي ومن كانت محاسنه مساوي كيف لا تكون مساويه مساوي الدعاء وقال سيد الساجدين وزين العابدين ذو الثفنات راهب العرب في دعائه في يوم عرفة الى ان قال وانا مع ذلك اقل الاقلين واذل الاذلين مثل الذرة او دونها وفي دعاء السحر الهي ما انا وما خطري وامثال ذلك في كلمات اولئك الاجلاء العارفين والاولياء الكاملين كثيرة وذكرها يؤدي الى التطويل وان كان تطويلا ليس بمخل ولكن الاختصار احب الى وقد ورد عن طريق اهل البيت عليهم السلام ان العلم ثلثة اشبار اذا بلغ الشخص الى الشبر الاول يجد في نفسه استقلالا وكبرياء وتكبرا وامثال ذلك مما هو معروف عند علماء هذا العصر وفقهائهم واذا بلغ الى الشبر الثاني سكن واطمأن وسكت الا عند الحاجة واذا بلغ الشبر الثالث عرف انه لا يعرف شيئا واعترف بالجهل وصدق بقوله تعالى ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ولا يعقل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لا يعلم منافقي امته ولا يعرفهم وهم في بلد واحد ومحل واحد فكيف يكون ذلك مع ان الامام عنده نور التفرس ونور التوسم اذا رأى شخصا عرفه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق كما دلت عليه صريح الآيات والاخبار لقد قرأنا عليك سابقا قوله تعالى قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون فكيف لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) واعمال الخلايق تعرض عليه غدوا ورواحا وعشيا وصباحا وفي كل ساعة بل كل وقت واوان وفي كل زمان ومكان ولقد قال تعالى كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وبالجملة فعدم علم رسول الله صلى الله عليه وآله لكونه في العلم بالغا الى الشبر الثالث والمراد بالشبر الثالث مقام الفؤاد والعبودية التي كنهها الربوبية ومقام اللاتعين ومقام الشهود ومشاهدة المعبود فان في ذلك المقام ليس الا الله والانيات مضمحلة والماهيات متدككة ( متدكدكة خ ) فلا وجود ولا شهود الا للرب الودود والسيد المصمود اليه كل موجود وذلك معلوم ظاهر والشبر الثاني يراد به البلوغ الى مقام القلب مقام السكون والاطمينان والسكوت لقلة الكثرات وضعف روابط الانيات ومقام رقة الحجاب وضعف المسبب لفتح الباب والاسباب ان في ذلك لآية لاولي الالباب واما الشبر الاول مقام النفس فان كانت امارة بالسوء فواعولاه وواويلاه ووافضيحتاه وان كانت النفس مطمئنة فليس فيها الا الصور والكثرات والجهات والاضافات والقرانات وساير الحالات فافهم فمن هذه الجهة وامثالها قلنا قبة الكاظم هم النقباء الكاملون والعرفاء الواصلون والحكماء البالغون مقام الشبر الثالث بقدم سعيهم وجهدهم وتربيتهم فقد بلغوا مبلغا عرفوا انفسهم وشاهدوا ربهم وعاينوا بعين طويتهم وسريرتهم فلا يجدون سواه ولا يرون غيره معرضون من حيث انفسهم كاظمون غيظهم واما قبة الجواد فقد قلنا انهم النجباء لانهم في الشبر الثاني من العلم والنور لهم نظر الى انفسهم لكن من حيث الاضمحلال وفي مقامهم ناجي سيد الشهداء بقوله ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا تعرفت الى في كل شيء حتى لا اجهلك في شيء وكذلك سيد الساجدين وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم لان الغير له ذكر في هذه الانظار وفي هذه المقامات لكنه على جهة الاضمحلال والزوال وظهور الحق لا يزال فهم في هذا المقام مظهر الجود وبسط اليد بالانفاق والعطية على اصحاب الحدود وتنوع العطايا على حسب مراتب ارباب القيود وبالجملة فالنور الساطع من هذين النوعين اي القبتين قد تشعشع وعلا وتلألأ وسما حتى احاط بجميع مراتب المشيعين من مبدأ وجود ذاتهم الى آخر مقام حقيقتهم فلم يتمالكوا لعظم النور وشدة الظهور الى ان صعقوا وخروا كما خر موسى في الطور عند تجلي النور بما هو عليه من الظهور ففي هذه الصورة حال المشيعين حملة الستر والحجاب حال موسى بن عمران عند ظهور النار على الشجرة فجعل الناظم ايده الله وسدده بتقويه القبتين هما الشجرة والنور الساطع عليهما من تجلي القبر الشريف قبر موسى بن جعفر عليهما السلام نار الشجرة والجماعة حملة الستر والمشيعين لهم مثال موسى بن عمران عليه السلام حيث خر فخروا فتهافتوا اي فتساقطوا وانجذبوا وفنوا لفناء انياتهم وانجذبوا الى ذلك النور انجذاب الحديدة الى المقناطيس والفريسة الى السبع وتهافتوا تهافت الفراش على السراج والفراش هو الهمج من الطير الذي يتساقط في النار ويتهافت على السراج حتى يحترق والمراد انهم فنوا واضمحلوا واحترقت انياتهم بنار المحبة والمودة وظهور النور من مبدأ السرور وانما نسبهم الى الفراش لبيان ان هذا التهافت والتساقط جبري لانه جذبة من نور المبدأ جذبتهم عن انفسهم فلم يتمالكوا حتى سقطوا وخروا كالفراش والفريسة لانهم ما اهلوا انفسهم سابقا ولم يرتاضوها بالرياضات والمجاهدات حتى حصلت لهم المحبة المقتضية لفنائهم عند ظهور المحبوب لما وجدوا عند انفسهم من كمال المحبوب وجماله فان هذا الجذب بكشف سبحات الجلال وبمحو الموهوم وصحو المعلوم وبهتك الستر لغلبة السر وبجذب الاحدية لصفة التوحيد وباطفاء السرج الانية لما بدى صبح الظهور من افق النور واما في هذا المقام فليس الامر كذلك بل هم لما اقدموا على التهجم على هذا الوادي وادي المقدس والمحل الاقدس ظهر لهم النور نور العظيم حيث اخذهم واحاط بهم ولم يتمالكوا حتى يتهافتوا كالفراش المتهافت على السراج حتى يحترق والفرق بين المقامين كثير والتفاوت بين لان الاولين السابقين ذاقوا حلاوة الفناء وعرفوا لذة البقاء مع المحبوب فاقدموا عليه واما هؤلاء اتيهم الامر من حيث لا يشعرون مثل بني اسرائيل لما غشيهم نور التجلي فتهافتوا تهافت الفراش على السراج فاحترقوا وماتوا وهؤلاء وان كانوا في الغفلة مثل بني اسرائيل ولكن لم يكونوا في الاقدام مثلهم لانهم اقدموا خاضعين خاشعين ذليلين منقادين فظهرت الانوار المتضمنة للاسرار واحاطت بهم من كل جانب من ظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم فصاروا مشمولين للعناية وبالغين اقصى الامنية ومنتهى الغاية فان الجذبة على قسمين قسم تحصل بتسبب اسبابها منك كما اذا اشتغل بالرياضات والمجاهدات وانحاء النظر والتفكر في ملكوت الارض والسموات واستعمال الافكار المرضيات وتلاوة الآيات البينات والتأمل والنظر في الآيات المرئية في الآفاق والانفس من ظهور المقامات والعلامات وملاحظة الغير والسوي بعدم الاستقلال ومشاهدتهم اياها بنظر الاضمحلال فالتنبه والتوعي بعدد الدقايق والساعات والاشتغال بانحاء العبادات والاتيان بالنوافل والمستحبات والتجنب عن المعاصي والسيئات وعن مساوي الاخلاق ورذائل العادات والسعي لتحصيل محاسن الملكات وعدم اشتغال النفس بالملهيات وعدم رخصتها باستعمال دواعي الشهوات والميل الى مقتضيات الانيات ولوازم الماهيات والعمل لجوامع الخيرات وامثالها من الاحوال المورثة للقرب من بارئ السموات ورافع المسموكات وداحي المدحوات وما يوجب ترقيق الحجاب وقرع الباب والتوجه الى الوجه والجناب والنظر الى المسبب لا الاسباب وهمة دخول بيت الوحدة لا الوقوف على الابواب فان هذه وامثالها ترقق حجاب الانية ويصفيها من كدورات الماهية حتى يأهلها لمقابلة فوارة النور من عالم السرور ويحصل له قوة جامعة ماسكة اذا اشرق عليها النور حفظه ولم يضيعه بملاحظة السواء والغيور ويتجلي له الجبار حينئذ اي يظهر له التجلي والا فهو سبحانه لم يزل متجليا ظاهرا فاذا ظهر له ذلك التجلي انجذب واذا جانب الوحدة وخلع جلباب الكثرة ونال بذلك الكرامة والعزة وخرج من عالم الغيور والغرة وفني عن نفسه وابطل شهود حسه وشاهد مقام رمسه فغاب من السواء وتوجه الى المولى وبقي مغشيا عليه فلا يجد شيئا سوى الظهور بلا كيف ولا اشارة والانجذاب بهذه الاسباب مقتضى العبودية التي شهد لها اسم العبد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) روى عنه ابو عبد الله الصادق في تفسير قوله تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا قال عليه السلام العين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق بلا كيف ولا اشارة فالعين والباء سببان للانجذاب فان المراد بالعلم هنا ما يعم اليقين والمعرفة فاذا حصل العلم حصل التوجه واذا حصل التوجه حصلت البينونة ( واذا حصلت البينونة نسخة ١٣٠٥ م ) رقت الكينونة واذا رقت الكينونة ظهر النور وانصبغت بصبغه فتحلى بحليته فارتفع عنه الكيف والاشارة والقول والعبارة وهو معنى الدنو بلا كيف ولا اشارة فاذا حصل هذا الدنو ظهر مقام اسم الفاعل الذات الظاهرة بالاثر كما اشار اليه مولينا وسيدنا ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه آلاف التحية والثناء من الملك الخالق بفعله الشريف لما وقف في الصلوة وشرع في الفاتحة ولم يزل يكررها حتى خر مغشيا عليه فلما افاق سئل عن ذلك فقال لازلت اكرر هذه الآية حتى سمعت من قائلها ه والقائل هو المتكلم اسم الفاعل فاذا تمادي في هذا الانجذاب وحصلت الجذبة والنفحة من نفحات العناية الازلية كرة بعد اخرى ومرة بعد اولى يظهر هناك مقام التوحيد ومقام الذات الظاهرة بلا ملاحظة الظهور فهناك موضع مسمى الاسماء ومنتهى النسب والاضافات وهنا مقام فوق هاتين المرتبتين وهو مقام سقوط الاضافات من الاسم والمسمى والذات والظهور والشأن والشؤن والغيور وساير الامور وهذه هي الجذبة الاولى وهنا جذبة اخرى وهي وقوفه من دون المقدمات والاسباب مع اولئك الاطياب الانجاب ومصاحبة النور له من ذلك الباب بموافقة الاحباب والاصحاب وحملهم لذلك النور المشرق وان كان الواقف متسربلا بالجلباب فيأتيه النور من عالم الظهور فيجذبه عن السوي والغيور فيفقد نفسه ويحل رمسه ويخمد حسه ويسمع النداء من الملأ الاعلى فيضمحل ويندك ومثال هذه الجذبة ما روي ان مولينا وسيدنا الحسين روحي له الفداء وعليه من الله آلاف التحية والثناء كان ذات يوم جالسا في ملأ من اصحابه اذ ذكرت حكاية الاسرار وعدم تحمل الناس اياها فقال الحسين روحي له الفداء ان عندنا اسرارا وعلوما ما يتحملها الناس فالتمس الحاضرون منه عليه السلام اظهار شيء من ذلك فابي عليه السلام عليهم وهم قد كثر الحاحهم ولجاجهم وارادوا منه عليه السلام بيانه ولم يقبلوا منه الامتناع فقال عليه السلام ان كان ولا بد من البيان وانكم مصرون على ذلك واني اعلم انكم لا تتحملون ذلك ولكني آخذ بيد واحد منكم واقويكم ( منكم اقويكم نسخة ١٣٠٥ م ) عقلا واثبتكم جنانا واشدكم معرفة وابصركم بمواقع الامور واقواكم بنية وامتنكم اركانا واصوبكم كلاما واسدكم منطقا واخبره بكلمة مما عندي سرا فان تحمل ما قلت له وثبت عليه ولم يتزلزل جنانه ولم تنهدم اركانه ولم يتضعضع بنيانه ولم يتزحزح عن مقره فبعد ذلك اخبركم بها واما اذا تغير حاله وضعف احتماله فصدقوني واعلموا باني خبير بكم وبما انتم عليه بصير باحوالكم وبما صرتم اليه وان اسرار الله لا تحتملها الا مدينة حصينة وقلوب منيرة وصدور منشرحة فرضوا بذلك فاخذ عليه السلام بيد واحد منهم اختاره بعلم وتصديق منهم بانه اشدهم اركانا واقويهم جنانا وابصرهم بالامور واصبرهم على عوائق الدهور لمعرفته التامة وبصيرته الكاملة فاتى به الى زاوية من زوايا البيت فاخبره بكلمة واحدة من المخزونات المكنونات والاسرار المصونات عنده فاول ما طرق سمع الرجل بتلك الكلمة تزعزعت اركان بدنه وانهدم بنيانه واحدودب ظهره وابيضت لحيته وشاربه وضعف بدنه وسالت الفضولات الباردة من عينه وانفه وارتعدت فرائصه وارتعشت جوانبه وصار كمريض مضى عليه من العمر مائة وعشرون سنة ماذا ترى من ضعف البدن بمقتضي العمر وبمقتضى المرض والكلام تقريبي والا فالامر اعظم واعظم فمع ذلك قد نسي الكلمة وهام وتحير ومشى على وجهه ولم يعلم غاية خبره فهو يدور في البراري والفلوات ولا يعرف له حال بحال من الحالات فبهذا المثال تعرف حال الجذبة التي تأتي دفعة بدون تمهيد مقدمة ولا تسبيب سبب فانها تفسد المجذوب وتضمحل اركانه الظاهرية والباطنية كاليد اذا كانت باردة غايتها وجعلتها ( على النار خ ) القوية وحميتها بها دفعة واحدة فان اليد تشل وتسيل منها القيح والدم وكذلك حكم كل باردة ( بارد في الغاية خ ) اذا ابقيتها على النار القوية دفعة واحدة فانه يفسد ويضمحل ولا ينتفع به ابدا وهو بعينه كما مثل الناظم جذبه الله اليه بعين عنايته وسلك به سبيل طاعته بالفراش فانه اذا رأى السراج ترمي بنفسه عليه ويتحرق بالنار التي حصل منها ذلك النور وهذا حال المشيعين والحاملين لذلك الستر لكنهم وان كانوا كالفراش وغشيهم ذلك النور الماحي للغيور والمزيل للسوي والزور وتزعزعت اركانهم ولم يتمالكوا بانفسهم حتى تساقطوا وتهافتوا لكنهم بلغوا مقام الصديقين ووصلوا رتبة المحبين وشاهدوا الحق واليقين واشرقت عليهم انوار رب العالمين وصاروا لا يسمعون سواه ولا يعرفون غيره قائلين لا يسمع فيها صوت غير صوتك ولا يرى نور غير نورك قد محوا الاغيار وازالوا الاكدار وقصروا انظارهم الى الواحد القهار فلا يرون سواه ولا يجدون غيره ولا يشاهدون الا اياه ولا يتوكلون الا عليه ولا يسلمون الا اليه ولا يدينون الا دين الشهود ولا يتوجهون الا الى المعبود ولا دأب لهم الا الركوع والسجود فهم في نعيم مقيم وجنة ذات نعيم ولذة وسرور ومعرفة وحبور وهذه نعمة اتتهم بغتة وهذه كرامة جاءهم دفعة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ولمثلها فليعمل العاملون ولادراكها فليتنافس المتنافسون لكنها كرامة غيبية ونعمة ازلية انقطعت عنها يد الاسباب وضربت دونها الف حجاب نعم ذلك مقتضى بدو شأن المجذوب من عالم الغيب الا ترى حر بن يزيد الرياحي قد خرج من الكوفة بعدة واستعداد لحرب سيدنا الحسين سيد العباد ونور البلاد فلما وصل اليه ورأى حرص القوم في قتله اعرض عما جاء به وادركته السعادة ونال من فضل الله سعادة الشهادة وانظر الى سحرة فرعون اتوا كفارا يريدون المغالبة على موسى بن عمران فلما تبين لهم الامر وو ضح نالتهم السعادة وخصوا بالشهادة فجمعوا سعادة الايمان وسعادة الاستسلام والاذعان بان لا تخالفوا لومة لائم ولا صولة جائر فدوا انفسهم لنصرة دين ربهم وجاهروا باعلاء كلمة الحق لما وقعوا ساجدين وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهرون فقتلهم فرعون شر قتلة رحمة الله عليهم تترى وهكذا من امثالهم كثيرة وقد قال صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم كن لما لا ترجوه ارجى منك مما ترجوه ان موسى بن عمران خرج يطلب نارا فرجع وهو نبي فالجذبات الالهية اذا فاضت ( فاجئت نسخة ٢٢٤٤ م ) الانسان وان كانت تجعله كالفراش المتهافت على السراج لكنها يصعد ( تصعد نسخة ١٣٠٥ م ) به الى اعلى الدرجات واكثر الغايات ( اكبر العنايات خ ) وقصة اصبحت كرديا وامسيت عربيا من المشهورات المسلمات ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون ويبصرون ويسمعون وهم القليلون لان الله سبحانه وتعالى قد ذرأ لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون فمن هذه الجهة وردت التأكيدات الاكيدة في زيارة قبور النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والائمة والاولياء والخلفاء والسعداء والشهداء وعباد الله الصالحين واتيان مشاهدهم والحضور عند العارفين الكاملين وفي المشاعر العظام وبيت الله الحرام مع ان الحق سبحانه وتعالى ظاهر في كل مكان والنبي والخلفاء هم وجه الله اينما تولوا فثم وجه الله ولا يتفاوت لهم مكان ولا شأن وانما علة الحضور عند تلك القبور وتلك الاماكن لانها مهابط فيضه تعالى ومنازل ملائكة الله ومختلف امنائه وموضع اجابة الدعاء فاذا حضر تلك الاماكن وتلك المواطن من قصرت قابليته عن استيهال تلك النعم الزاهرة والمزايا الوافرة تكمل قابليته بشمول انوار تلك الحضرات واسرار تلك الاماكن المطهرات وما يرد على تلك القلوب والضماير المطهرات من جلائل الكرامات وجوامع الخيرات ونوامي البركات ليشمل القاصرين تلك البركات وتعمهم تلك العنايات ويخصهم رشح من تلك الفيوضات تصلح قابليته وتنضج كينونته وتصلح للترقي الى معالي الدرجات والصعود الى اعلى المراقي من الحسنات وهذا فرع من فروع تلك الجذبات وشمول تلك العنايات ومن هذه الجهة لما اتى المشيعون وحملة الستر من جانب النبي الاعظم صلى الله عليه وآله الى جزء روحه وبدنه وقوة قلبه وقرة عينه موسى بن جعفر عليهما السلام ورأوا تلك الانوار المتضمنة لتلك الاسرار تهافتوا وتساقطوا كالفراش المتهافت على السراج الوهاج فشملتهم العناية الاولية فغشيهم النور القديم الاول
اما النور فاعلم ان اهل اللغة قد اختلفوا فيه قال في القاموس النور بالضم الضوء اين كان او شعاعه قال والضوء النور قال في الطراز النور ما به تظهر الاشياء للبصر فهو الضوء او هو ما للشيء من نفسه كالنور القائم بنفس الشمس والضوء فرعه وهو الشعاع الفائض من المنبسط عنه وهو ابلغ من النور وان كان فرعا لان الابصار بالفعل انما يتأتي بمدخلية الضوء ولا يكفي فيه النور اذ النور القائم بالشيء انما يبصر به نفس ذلك الشيء لا غير فاما رؤية ما سواه فهو بتوسط الضوء الفائض منه ولذلك كان جعل الشمس سراجا ابلغ من جعل القمر نورا كما حققه السراج بالكشف وقال ( قول خ ) الفيروزابادي النور الضوء او شعاعه خطاء محض اذ لا قائل بان النور شعاع وقالت الحكماء الضوء ما للشيء من ذاته كما للشمس والنور ما له من غيره كما للقمر فانه مستفاد من الشمس قالوا وهو المطابق للتنزيل الالهي من قوله تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا اه وفيه ايضا الضوء شدة النور وزيادته او شعاعه الفايض منه ويطلق كل منهما على الآخر انتهى اقول : بين قوله في لغة الضوء انه شدة النور وزيادته او شعاعه الفائض منه ويطلق كل منهما على الآخر مناف لما قاله عند تخطأة الفيروزابادي بان النور هو الضوء اذ لا قائل بان النور شعاع الضوء فاذا اطلق كل منهما على الآخر والضوء يطلق على شدة النور وعلى شعاعه يجب ان يكون النور ايضا كذلك بين الكلامين تدافع ظاهر وانا اذكر لك ما يطلق عليه الضوء وما يطلق عليه النور من الآيات القرآنية حتى تعرف حقيقة اللغة فيهما بان الله سبحانه جعل القرآن عربيا غير ذي عوج فانزل القرآن عربيا وما في القرآن اولى بان يتبع وعليه يستدل وسيأتيك تمام الكلام قال تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وظاهر ان النور في ( هذه خ ) الآية الشريفة فرع للضياء والضياء اصل واما ان هذه الفرعية بالشعاع في الاثر المنفصل او بالتنزل بالاثر المنفصل وذلك امر آخر قال تعالى ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين والضياء في هذه الآية الشريفة اما صفة للفرقان او امر آخر في هرون وموسى بن عمران فان كان صفة للفرقان والفرقان هو التورية ولا ريب ان التورية فرع للنبي وذلك اقوى لضرورة ان الاصل اقوى من الفرع وذلك الاصل اما ان يطلق عليه الضوء حتى يكون الضياء يطلق على الاصل والشعاع او يطلق عليه النور ليصح ما قالوا ان الضوء يطلق على شعاع النور وقال تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور جعل الضياء مقدما على هذا النور الثاني لان هذا النور الذي على النور انما حصل من ضياء الزيت وهو الامكان الراجح ولو فرض تحقق الضوء بدون مس النار كان الزيت هو الضياء فالضوء في الرتبة مقدم على النور الحاصل بعد مس النار وهنا دقيقة عظيمة وهي ان الضياء في هذا المقام نفس الكاف المستديرة فان الكاف تستدير على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي فالضياء في مقام النفس والنور في مقام الكاف مع ان الظاهر من الآية الشريفة ان النور هو المصباح الذي مثل النور والضياء الذي ذكرناه مقدم على الجميع وفي حديث بدو الوحي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) يسمع ويرى الضوء فان الذي يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) في مبدأ الوحي ليس هو صوت الملك وانما هو صوت الله من قوله عليه السلام لا يسمع صوت غير صوتك فالضوء الذي يراه النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هو ما ظهر في حقيقة ذاته المقدسة من نور الحق سبحانه وتعالى وذلك النور قبل القبل وبعد البعد وقبل خلق الملك والفلك والعرش والكرسي واللوح والقلم وذلك الضوء هو علة العلل ومبدأ المبادي وحقيقة الحقايق وايس الايسيات واسطقس الاسطقسات وفي حديث امير المؤمنين روحي له الفداء في ذكر نسبة تكوينه مع النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) قال انا من احمد كالضوء من الضوء ولا ريب انه لم يسبق النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) موجود من الموجودات كما قال الشيخ الاكبر ان الحضرة المحمدية ( صلى الله عليه وآله خ ) اقرب الحضرات الى الله سبحانه واقرب الحضرات الى هذه الحضرة المقدسة ابن عمه علي بن ابيطالب اذ لا ريب انه نفسه ولا شيء اقرب الى الشيء من نفسه اليه فالضوء في هذا المقام اطلق على الذات والعلة لا الشعاع والفرع هذا ما اذكر من اطلاقات الضوء في القرآن والحديث واما النور فقد قال تعالى الله نور السموات والارض وقال الله تعالى مثل نوره ولا ريب ان مثل النور ليس هو النور الاول لان في الاول اطلق النور على الله سبحانه وتعالى اما على ما يراد من ذاته تعالى او على الاسم الاعظم واما في الآية الثانية فالمثل لنور الله فاذا كان الله هو النور يكون المثل نور النور ويؤيد ما ذكرناه ويشيد ما اصلناه ما ورد عن امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان مثل نوره رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم واين رسول الله من الله وقد قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عند قول الاعرابي ما شاء الله وشاء محمد وما شاء الله وشاء علي لا تقل هكذا قل ما شاء الله ثم شاء محمد فان مثل مشية محمد صلى الله عليه وآله في مشية الله كمثل الذباب تطير في هذه الدنيا وقل ما شاء الله ثم شاء علي لان مثل مشية علي في مشية الله مثل البعوضة تطير في هذه الدنيا فتشبيه مشيته صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بالذبابة اشارة وتنبيه الى تأويل قوله تعالى يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب واشار بهذا التعبير الى تأويل قوله تعالى ليس لك من الامر شيء وحديث المعراج انه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) نظر الى مقدار سم الابرة من نور العظمة ثم عطف سبحانه لبيان حقيقة الامر بقوله الحق بعد هذه الآية وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ثم عظم الامر بقوله تعالى ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وهذه الخطاب ( الخطابات خ ) لمن قال له كن فيكون يعني ما آتيكم الرسول من العطايا التكوينية والتشريعية والجوهرية والعرضية والاصلية والفرعية فخذوه وما نهاكم عنه على هذا التفصيل فانتهوا فافهم واشار صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بتشبيه مشية امير المؤمنين بالبعوضة الى تأويل قوله تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه الآية ثم رجعنا الى المطلب الاول قال تعالى نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء والله بكل شيء عليم ولا ريب ان هذا النور ليس هو النور الاول بل هذا مثل النور فيكون مثل نور النور وقال ( تعالى خ ) الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ولا ريب ان هذا النور ليس مثل نور النور وانما مثله محمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وهذا النور الذي يخرج المؤمن اليه والكافر عنه انما هو اثر وصفة لمحمد صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فالنور في هذه الآية مثل مثل نور النور وقال تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور والجعل في غالب الاطلاقات انما يستعمل لاحداث الصفة واثبات اللوازم لملزوماتها والصفات لموصوفاتها وتقديم الخلق في هذه الآية الشريفة وتأخير الجعل اقوى دليل واعظم قرينة في المراد وان المقصود من النور هنا ( هو خ ) الصفة دون الذات فيكون مطابق المراد مع الآية المتقدمة وقال تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والانجيل الى ان قال سبحانه فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون ولا ريب ان النور في هذه الآية الشريفة هو الولي الظاهر بولاية الله المطلقة المعنوية الباطنية فيكون النور في هذا المقام مساويا لاطلاق النور في قوله تعالى مثل نوره كمشكوة فالمراد بالنور في هذا المقام هو الاصل والعلة دون الشعاع والفرع الا بمعنى آخر كما بينا من قوله عليه السلام السلام على الاصل القديم والفرع الكريم فافهم وقال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين وهذا النور يحتمل ان يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) والكتاب هو الولي وان النور هو الولي والكتاب هو القرآن الدال عليه فعلي اي التقديرين فالمراد بالنور هو الاصل والذات لا الشعاع والفرع فيكون مطابق المراد موافق المقصود مع الآية المتقدمة وقال تعالى افمن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها والمراد بالنور في هذا المقام نور الهداية المتحققة بالتوحيد والنبوة والولاية او الولاية لانها جاذبة للتوحيد والنبوة والمقصود واحد واثر النبوة والولاية وشعاعهما في القلب فيكون مثل المثل فقال تعالى واشرقت الارض بنور ربها ولا شك ان رب الارض وصاحبها هو الولي بما ملكها اياه لما حمله الولاية وفرض له الطاعة ولا ريب ان في القيمة بالنبوة والولاية يقوم المحشر ويدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ومن اسماء النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) الحاشر لانه يحشر الخلايق ومن اسماء النبي الشهيد والولي السائق واليهما الاشارة بقوله تعالى وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد والشهيد هو النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لقوله تعالى ويكون الرسول عليكم شهيدا والسائق الولي لانه يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه وهما المعنيان من قوله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله الها آخر فالقياه في العذاب الشديد ولا ريب ان الولي هو قسيم الجنة والنار وهو نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وهو الذي قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهو العذاب الواقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج وهو النار التي قال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملئكة والولي هو الذي ظهر به عدل الله وفضله فافهم قال تعالى يسعي نورهم بين ايديهم وبايمانهم وهذا النور كما ذكرنا في قوله تعالى يخرجهم من الظلمات الى النور فهو مثل مثل نور النور وقال تعالى انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا وهو نور الايمان والايقان وهو مثل ما تقدم من مثل المثل وقال تعالى ويجعل لكم نورا تمشون به وهذا النور اشراق في القلب متخذ مشرق من افق حكم الله بين العباد وسلطانه في العباد والبلاد كما تقدم في قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم وقال تعالى يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره والنور هو الولي او النبي صلى الله عليه وآله فان اهل الباطل واهل الكفر والنفاق راموا وحاولوا اخفاء امر النبي والولي وابى الله الا ان يتم نوره يعني امر النبي والولي واستقلاله واضمحلال ما عداه ولما كان التابع من حيث هو تابع معربا باعراب متبوعه كان حكم المتبوع جاريا على التابع حرفا بحرف فالحامل لامر النبي والولي والمودع لاسرارهما المتبع لهما الناهج منهجهما والسالك سبيلهما الذي قد هجم به العلم على حقيقة الايمان فاستلان من اخبارهما ما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون واوله الجاهلون ونبذه الملحدون وهو الخلف الذي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهو نورهما والمبطلون يريدون اطفاء نورهما الذي هو نور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون وقد قال بعض الشعراء لما رأى وقيعة الناس في مولانا العلامة وسيدنا الفهامة استادنا وعمادنا وكهفنا نور قلوب العارفين وسرور صدور الموحدين مولانا الشيخ احمد بن زين الدين انار الله برهانه واعلى شأنه ورفع في الدارين اعلامه وانكار فضله وقصد اخماد ذكره بعث اليه اعلى الله مقامه بهذين البيتين :
لزين الدين احمد ضوء فضل به تجلي القلوب المدلهمة
يريد الحاسدون ليطفئوه ويأبى الله الا ان يتمه
وبالجملة فالنور في القرآن اطلق على الله سبحانه وعلى نبيه ( صلى الله عليه وآله خ ) ووليه وعلى الايمان والاسلام وعلى ساير مقتضيات النبوة والولاية وما قاله في الطراز ان النور ما به يظهر الاشياء للبصر ثم تكلم في هذا النمط بما مرجعه الى الجسم والظهور الحسي البصري وذلك كما عرفت مخالف لمدلول جميع الآيات لان قوله تعالى الله نور السموات والارض اي عاقل يحمله على الظهور الحسي المكيف بالكيفيات المحدودة المشخصة والذي قال به جماعة من اهل الاسلام من صحة الرؤية في الله سبحانه بالابصار لا يريدون بذلك المشاهدة والرؤية الجسمانية بالحدود الجسمية على الاوضاع المعلومة فان ذلك مخالف لضرورة العقل والنقل وهم قد صرحوا بان الرؤية في الدنيا محال وفي الآخرة تكون رؤية بلا كيف ولا اشارة ولا حد ولا كم وقولهم ما به تظهر الاشياء للبصر يريدون البصر والادراك الحسي الجسمي المتعارف المحدود ثم في اطلاق النور على العلم والايمان والتقوى والصلاح ونور القلب وشرح الصدر وامثالها كل ذلك مما لا يدركه البصر وقد قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب ولا شك ان العلم ليس مدركا بالبصر الظاهري كذلك العقل نور من عند الله وليس يدرك بالبصر كذلك الانوار العقلية والنفسية والروحية لا يدرك بالبصر وبالجملة فكأنهم ما ارادوا بتعريف النور الا نور الشمس والسراج وبعض الكواكب وتلك الانوار المذكورة في الكتاب والسنة جعلها كلها مجازات حتى يلزم شيوع المجاز وتكثره وهو خلاف الاصل مع انا قد بينا في كثير من رسائلنا ومباحثاتنا واجوبتنا للمسائل ان اللفظ اطلق على معان بينها ترتيب بالعلو والسفل بمعنى ان وجود العالي له مدخلية في وجود السافل بما يوجب اطلاق الكلي على الفردين التشكيك لا يصح ان يكون اللفظ اطلاقه على السافل حقيقة وعلى العالي مجازا لان المجاز ان لم يستلزم الاستعمال على ما زعموا يستلزم الوضع قطعا فاذا كان العالي موجودا قبل السافل وصح اطلاق هذا اللفظ عليه فكيف يتعقل ان يكون الاطلاق على السافل حقيقة وعلى العالي مجازا وذلك لا يكون ابدا لاستلزام المجاز عدم الوضع وهذا باطل قطعا مع ان الحق الحقيق بالتحقيق والتصديق كما هو مذهب مشهور اهل العلم ان الواضع للالفاظ هو الله سبحانه ولا ريب ان الله سبحانه حكيم لا يخل بالحكمة والطفرة في الوجود باطلة فلا يدع المخلوق اولا المستحق للاسم معطلا حتى يخلق السافل ثم يضع له اسما ثم يطلق ذلك الاسم على العالي مجازا حتى يكون الاصل فرعا والفرع اصلا وقد بينا في رسالة منفردة بالبراهين القطعية من العقلية والنقلية ومقتضى لوازم آداب اهل اللسان ومقتضى الحكمة الالهية والطريقة الاثني عشرية والقوانين الالهية والقواعد الاسلامية ان بين الالفاظ ومعانيها مناسبة ذاتية وان اللفظ تابع للمعنى في الاصالة والفرعية وان اللفظ سفير المعنى وبابه وشرافته وكثافته وعزته وذلته تابع في معناه فكل مسمى شريف يتبرك باسمه الا ترى اسم النبي والولي مع اشتمالهما على الحروف الهجائية وهي عامة في جميع الالفاظ والاسماء حيث الفهما الله سبحانه بمناسبة خاصة بينهما وبين مسماهما كان يتبرك بهما ويستشفي بهما وتداوي الامراض بهما ويجب تعظيمهما واحترامهما حتى ان جماعة من الاثني عشرية لا يجوزون للمحدث مسهما وليس ذلك الا لتبعيتهما لمسماهما كما ان اسم فرعون وهامان واضرابهما من الفراعنة والابالسة تهان اسماؤهم وتنجس وتحرق وغير ذلك من انواع الاهانات وليس ذلك الا لتبعيتهما لمسماهما وبالجملة هذا المعنى لا يستريب فيه من له ادنى مسكة في العلم وخبرة بطريقة اهل البيت فوجب ان يكون المعنى اذا كان اصلا ان يكون اللفظ اصلا واذا كان المعنى فرعا فاللفظ ايضا يكون فرعا ولا يصح ان يكون المعنى اصلا واللفظ فرعا ولا العكس ابدا فحينئذ فلا شك ان عالم العقول والارواح والمجردات اصل لعالم الاجسام والجسمانيات والاعراض والعرضيات وكما اثبتنا تقدم وجودها على الاجسام لبطلان الطفرة فاثبات تقدم وضع اللفظ عليها اي على الارواح والمجردات على عالم الاجسام والاعراض بطريق اولى فلا اقل من اتحاد طريق المسئلتين لو لم نقل بالاولوية والا فالاولية ظاهرة فحينئذ فقول صاحب الطراز لا يجري على مقتضى الطراز الاول معنى مع انه لقائل ان يقول انكم كما جعلتم كتاب اللغة مثل القاموس والصحاح ومصباح المنير وامثالها اصلا في اللغة وتحملون كل ما فيها عليى الحقيقة على المذهب الاصح فما ضركم لو جعلتم القرآن وكلام امناء الرحمن نازلا منزلة صحاح الجوهري وقاموس الفيروزابادي فجعلوا كلما تجدون فيه يستعمل فيه حقيقة الا اذا ثبت انه مجاز خلاف الاصل
فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان الذي حصلنا من اطلاقات الآيات في النور انه يطلق على اختلافات اطلاقاته على ثلاثة وجوه على الله وعلى النبي والولي وعلى الحقايق العلوية والصفات الالهية اما اطلاقه على الله فسبيله سبيل ساير الاطلاقات مما ملئنا كتبنا ومصنفاتنا من ذلك لا سيما اللوامع الحسينية واما اطلاقه على الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( صلى الله عليه وآله خ ) فحقيقة يقينا لسبقها وتقدمها في الوجود واما اطلاقه على الله وعلى الحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليها ( صلى الله عليه وآله خ ) فليس من باب الاشتراك المعنوي لاستلزامه التركيب ولا من باب الاشتراك اللفظي لاستلزامه بينونة العزلة ولا من باب الحقيقة والمجاز لعدم صحة السلب في كل منهما ووجود التبادر والاطراد في مدلوليهما ولا النقل ولا الارتجال لعدم هجر واحد منهما المشترط فيهما وليس الا قسما سابعا ماذكره الاصوليون ولا كتبه المتصدون لهذا الشأن وانما نطق به العلماء الالهيون والعرفاء الربانيون بما استودع عندهم من الاسرار وما استجن في ضمايرهم من الانوار وهو الحقيقة بعد الحقيقة وفيه الوضع الخاص والموضوع له العام وان انكره من جهله ولو كان لي مجال وللقلب اقبال لشرحت هذه المسئلة بكمال الشرح والتحقيق واوصلت الطالب الراغب الى سواء الطريق ولكني كيف اصنع مع ضيق المجال وتبلبل البال وتعارض الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال ومكابدة الانذال ومقاسات معارضات الارذال والى الله المشتكي وعليه التوكل في كل الاحوال وكذلك اطلاق النور على حقيقة الولي حقيقة ولكن اطلاق النور على النبي والولي ليس من باب الحقيقة بعد الحقيقة لمكان الرتبة الجامعة وعدم نقص في التركيب وان كان ضعيفا لان كل ممكن زوج تركيبي والدليل على الجهة الجامعة فيهما قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) كنت انا وعلي نورا واحدا ننتقل ( انتقل خ ) في الاصلاب والارحام حتى انتقلنا الى صلب عبدالمطلب فافترقنا فقيل لنصف كن محمدا وللنصف الآخر كن عليا والدليل على صحة هذا الحديث قوله تعالى وانفسنا وانفسكم قد اتفق المفسرون بان المراد بالنفس هنا في هذه الآية الشريفة امير المؤمنين عليه السلام فاذا صدقت الآية الرواية وجب القبول والاذعان مع ما ذكرنا سابقا من نسبة النبوة الى الولاية ونسبة الولاية الى النبوة مفصلا مشروحا فيكون الاشتراك بين النبي والولي معنويا واطلاق اللفظ الواحد عليهما بالاشتراك المعنوي ولكن لما كان النبي المطلق مقدما على الولي المطلق والولي تفصيل اجمالات النبي والاجمال مقدم على التفصيل والوحدة مقدمة على الكثرة فيكون الاطلاق من باب الاشتراك لكنه على التشكيك واما اطلاق النور على العلم والايمان والاسلام والكتاب وامثالها فحقيقة ايضا لما قلنا سابقا آنفا الا ان اطلاقه عليها وعلى الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( صلى الله عليه وآله خ ) ليس من باب الاشتراك المعنوية لما قلنا لعدم الجامع لان الصفة لا يجمعها مع موصوفها حقيقة وكذلك الاثر والمؤثر فلم يبق الا الحقيقة بعد الحقيقة واما اطلاق النور على النور الظاهر في عالم الاجسام كالشمس والسراج وامثالهما فحقيقة ايضا للتبادر وعدم صحة السلب واما نسبة الاطلاق بين النور الجسماني والروحاني على جهة الاشتراك المعنوي لكان ( لمكان خ ) الجهة الجامعة وهي الوجود ولكن الاطلاق من باب التشكيك لا باب التواطؤ لتقدم الارواح على الاجسام وشرافتها عليها وهذا ما يتعلق بلفظ النور عند الاطلاق واما ما يتعلق بالمعنى فاختصر المقال بكلمة واحدة بلسان اهل الاشراق واصحاب الاذواق فنقول ان كل شيء له جهتان جهة الى ربه وهي المعبر عنها بالوجود وجهة الى نفسه وهي المعبر عنها بالماهية والوجود لا ينظر الى نفسه ابدا كما ان الماهية لا تنظر الى ربها ابدا فالوجود هو نور محض والماهية هي ظلمة محضة ولما كان الممكن لا يمكن تحققه ولا تقومه الا بهذين الاصلين المتعاكسين المتقابلين المتضادين وجب تركب كل شيء منهما ظاهرا ( اظهارا نسخة ع ٤٠ ب ) لحكمته وانفاذا لمشيته وتبيينا بانه تعالى لا ضد له ولا ند له ولا تركيب فيه كما قال مولينا الرضا عليه السلام وروحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في خطبته في مجلس المأمون الى ان قال بتجهيره الجواهر علم ان لا جوهر له وبتشعيره المشاعر علم ان لا مشعر له وبمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له الخطبة فخلق الخلق سبحانه من هذين الضدين وركبهم منهما فاحد اجزائهم نور والآخر ظلمة ومن غلب عليه جهة النور سمى المجموع نورا ومن غلب عليه جهة الظلمة سمى المجموع ظلمة فالمقبل نور والمدبر ظلمة ولما كان العالم عالم اللطخ والخلط تفاوت ظواهر الاشياء وبواطنها فمن الموجودات من كان ظاهره بصفة الاقبال وباطنه بصفة الانكار ومنهم بالعكس فمن كان ظاهره بصفة الاقبال كان نورا ظاهره فان كان باطنه ايضا بصفة الاقبال كان ظاهره وباطنه نورا وان كان باطنه بصفة الانكار كان ظاهره نورا وباطنه ظلمة وان كان ظاهره بصفة الانكار كان ظلمة فان كان باطنه طبق ظاهره كان باطنه وظاهره ظلمة فالشمس نور لان ظاهرها بصفة الاقبال وباطن الشمس قد روي انها ظلمة يحشر بصورة العجل لانها عبدت من دون الله فكان باطنها ظلمة والكافر على الصورة الانسانية وهي نور لا سيما اذا كانت حسنة نضرة وباطنه بصفة الانكار ( وخ ) الادبار فهو ظلمة والدليل على ان الصورة الانسانية نور قوله عليه السلام في الدعاء اللهم ان الشيبة نور من انوارك فمحال ان تحرق نورك بنارك ولا ريب ان ليس المراد من الشيبة اللحية ضرورة ان اللحية ليست في الآخرة لانها من عوارض هذه الدنيا نبتت لآدم عليه السلام بعد ان قبلت توبته وغفرت حوبته فلما رآها استوحش منها فاستغاث بالله وقال يا رب هل صدر مني ذنب استوجب ( استوجبت نسخة ١٣٠٥م ) منك العقوبة فاوحى الله اليه ان هذه بهاء وهيبة لك وللذكور من ذريتك فاين محلها في الآخرة اذا لم تكن منها ولا يصعد الى مقام الا ما نزل منه واللحية ما نزلت من الجنة ولا من النار وهي من عوارض هذه الدنيا فلو كانت في الآخرة فاي فرق بين الدنيا والآخرة وذلك معلوم واضح فثبت ان المراد بها الصورة الانسانية وهي التي نور من انوار الله لانها كتاب كتبه الله بيده ومن اسماء الكتاب الذي هو القرآن النور فما كان لطيفته زايدة على ذاته فهو النور التام العام والزيادة هي الشعاع واللطيفة هي النور وتختلف الانوار على حسب اختلاف اللطيفة في الزيادة والنقيصة وما كانت لطيفته مساوية لذاته فهي اقل مراتب النور وادناها بحسب الوجود والظهور وما كان لطيفته انقص من ذاته فذلك هو الظلمة ولذا قلنا ان الحكم لجهة الغالب والا فالظلمة ليست بخالصة لا نور فيها ولا النور خالصا لا ظلمة فيه بل هما مقترنان ممتزجان والاسم للغالب واذا خلص اضمحل الكون وخلوصه محال الا ان يخرج الامكان عن امكانه او تعدم الاشياء من اصلها والله سبحانه على كل شيء قدير ولكن القدرة لا تتعلق بجعل الممكن واجبا كما لا تتعلق بجعل الواجب ممكنا والممتنع موجودا قال سيدنا ومولينا الرضا عليه آلاف التحية والثناء ليس في محال القول حجة ولا في المسئلة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم
واما القديم فاعلم انه بمعنى التقدم فكل من تقدم عهده وتقادم عصره يسمى قديما فاقل ما يطلق على الشيء لفظ القديم ما اتى عليه ستة اشهر وهو قوله تعالى كالعرجون القديم ولذا قال جماعة من الفقهاء ان الانسان اذا نذر ان يعتق كل عبد قديم له و( او خ ) اوصي بذلك ولم يعين فانه يعتق كل عبد دخل ملكه ستة اشهر فصاعدا وبالجملة هذه المدة اقل ما يطلق عليه القديم فيطلق على اكثر من ستة اشهر ولا نهاية لهذا الاطلاق ولذا قالوا ان القديم على قدمه فعلى هذا تعدد القدماء كما يتعدد الآزال كما تتعدد الارباب فتقول رب الارباب وازل الآزال واقدم من كل قديم وارحم من كل رحيم فالقديم الاول هو التعين الاول والحق المخلوق به والوجود المنبسط والوجود الراجح والذكر الامكاني والاعيان الثابتة في العلم والغيب الاول فلك الولاية المطلقة الكاف المستديرة على نفسها المحبة الحقيقية عالم فاحببت ان اعرف والحركة بنفسها والازل الاول والغيب الاول والازل الثاني والغيب الثاني والنور الاول والسر لم يزل والسر المستسر بالسر والسر المقنع بالسر رتبة الواحدية مبدأ الاسماء والصفات اول مقام شؤن الذات حضرة الواحدية الحقيقة ( الحقيقية خ ) المحمدية في الرتبة الاولية والى هذا المقام اشار امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في الخطبة استخلصه الله في القدم على ساير الامم اقامه في ساير عوالمه مقامه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحوبه خواطر الافكار وهذا القديم الاول في التزييل الفؤادي له اربع مقامات وكل منها قديم فالقديم الاول من القديم الاول السر المقنع بالسر وشمس الازل النقطة الاولية قطب القطب وسر المحور والرحمة الاولية الالهية اول المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان مبدأ الآيات وسر الذوات بلا كيف ولا اشارة القديم الثاني من القديم الاول مقام النفس الرحماني والنور الشعشعاني والبشر الثاني واصل المحور الف التكوين الغايب في بسم الله الرحمن الرحيم مبدأ التعلقات الذات المنتهى اليها تعلقات الصفات السر المستسر وثاني المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وثاني الآيات البينات القديم الثالث من القديم الاول عباد مكرمون الذين فنوا عن انفسهم وشاهدوا وجه محبوبهم كثرة هي غير الوحدة ووحدة فيها سر الكثرة ووجود المطلق وظهور النور الحق ووجود الحق المخلوق به واجزاء الذات البسيطة وهو من العجب وحدود الكلمة التامة والحروف العاليات التي مادخلت تحت الكتابة ولا العبارة ولا الاشارة لا بلفظ ولا بمعنى وهي التي تخججت وعن البيان تحرفت لا يجوز البيان اكثر من ذلك القديم الرابع من القديم الاول السر المقنع بالسر والسر المستسر بالسر والكلمة التامة والولاية العامة والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر اسم المكنون المخزون الذي استقر في ظله لا يخرجج منه الى غيره
القديم الثاني المصدر المفعول المطلق نور الانوار وسر الاسرار الغيب الثاني الوجود المطلق الثاني مبدأ الوجود المقيد البرزخ بين الدهر والسرمد يقال له القديم الدهري والسر السرمدي وهو بحر الصاد اول المداد ومبدأ الاستعداد جنة المحبين مني المريدين وطن المسافرين نور قلوب المشتاقين فؤاد العالم واول آدم اي ثانيه النور المشرق من صبح الازل المجذوب بالاحدية لانه صفة التوحيد طير القدس الطائر في فضاء الانس هو طاير بلا ريش وجناح بلا كيف ولا اشارة بلا لفظ ولا عبارة وهي الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) في الرتبة الثانية
القديم الثالث روح القدس اول غصن اخذ من شجرة الخلد واول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة واول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الالف القائم والنور الدائم قصبة الياقوت وحجاب الله في الملك والملكوت وهو سر الجبروت وباب اللاهوت مبدأ الماهوت واسم الله الذي به صلح امر الاولين والآخرين وباب الله للصادرين والواردين وحامل الامر الذي يقول للشيء كن فيكون والنور الذي اضاء به العالمون
القديم الرابع الباء في بسم الله الرحمن الرحيم النفس الملكوتية الالهية ذات الله العليا وشجرة طوبى والسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى تمام الغيب والسر اللاريب المحشر الاول الذر الاول النور الاول الحجاب الاول مقام الكثرة الظاهرة رتبة ظهور الافراد الزاهرة ومقام بروز الانجم الطالعة والشمس المضيئة والقمر المنير وظهور لطف العليم الخبير مبدأ الولاية الظاهرة مقامات التفصيل مراتب الكثرة مبدأ نصب منبر الوسيلة ظهور الآية العظمى والحقيقة الكبرى ودابة الارض التي تتقلب في الصور كيف شاء الله اللوح المحفوظ والكتاب المسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور رحمة الله على الابرار ونقمته على الفجار مبدأ الجنة والنار مظهر اسم الرحمن مبيد الشرك والطغيان امان كل خائف وملجأ كل هارب ومأوى كل طريد وكهف كل شريد غني كل فقير وعصمة كل مستجير باب الرحمة الواسعة والآلاء الوازعة ومظهر القدرة الجامعة بل هي القدرة الجامعة وهذه المراتب المذكورة التي طوينا ذكرها وابينا نشرها كلها فوق الزمان والمكان
القديم الخامس عالم الملك والالف الراكدة والانوار الجامدة خاضعة راكعة ساجدة الذر الثالث وآدم الثالث والمقام السادس والرتبة الجامعة والحقيقة المانعة وهكذا على هذا النهج لو عددت مراتب الوجود يضيق بها قلم الاحصاء والاستقصاء وانا مع كمال اختلال الاحوال وتبلبل البال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال لا يسعني الاطناب والاستقصاء في المقال الا ان المقصود بيان الاشارة الى نوع المراد فالعارف المسدد الموفق يمكنه استنباط ما لم نذكر بما ذكرناه
ثم اعلم ان المراد بالقديم الاول في هذا البيت يحتمل ان يكون هو القديم الاول الذي ذكرناه وفسرناه لان النور الذي يغشي ويتصل ويحيط بمن دونه نور هذا القديم الحكيم العليم لانه نور الانوار وسر الاسرار والمنتهى اليه كل شيء في جميع الاكوار والادوار في جميع الاطوار وهو المثل الذي ينتهي المخلوق اليه وليس كمثله شيء ونوره هو الذي يغشى كل شيء فمراد الناظم ايده الله وسدده اراد بالقديم الاول هذا القديم والنور الذي غشي المشيعين هو نور الكروبيين الذين جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ونور الكروبيين هو نور هذا القديم الاول وان كان ظاهر العبارة بظاهر فهم العوام لا يساعده لان ذلك الذي ذكرناه على تقدير اضافة النور الى القديم لا التوصيف كما هو ظاهر العبارة فان القديم صفة للنور او بدله وظاهره ان النور هو ذلك القديم الاول لكن دقيق النظر وحديد البصر يكون الامر كما ذكرته لان الصفة غير الموصوف والبدل غير المبدل اما الصفة فقد قال امير المؤمنين لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فاذا كانت الصفة غير الموصوف فهي لا تخلو اما ان تكون مساوية لحقيقته او تكون شعاع نوره فان كانت مساوية لحقيقته كانت البينونة بينهما بينونة عزلة لا بينونة صفة فتعين ان تكون شعاعا وظهورا حتى تكون اسما دالا عليه ومن هذه الجهة قال مولانا الرضا روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في الاسم انه صفة لموصوف فاذا كان شعاع نوره فقد ثبت ما ذكرناه ووضح ما بيناه من عدم الفرق بين الصفة والاضافة
واما البدل فلا ريب انه تابع والتابع كل ثان معرب باعراب سابقه والثاني لا يكون اولا ولكن البدل من سنخ المبدل منه ولذا قالوا ان البدل اذا جاء يكون المبدل منه في حكم السقوط فللبدل نيابة عن المبدل منه وهو حكم الخلفاء بعضهم مع بعض عند فقد المتقدم منهم ولكن البدل اثر متصل ليس حكمه حكم التأكيد والصفة فتعين ان يكون القديم صفة للنور لا بدلا كقولك جاء زيد القائم لا جاء زيد اخوك فافهم فهمك الله وايانا من مكنون العلم ومخزون السر وهنا احتمال آخر وان كان بعيدا عن نظر التحقيق وان كان قريبا عن نظر التحقيق وهو ان يراد من القديم الاول ذات الله سبحانه وهو القديم الحي القيوم وانه هو الاول بلا اول والآخر بلا آخر واوليته عين آخريته وآخريته عين اوليته وهو الاول الباقي على الاولية كما قال سيد الساجدين وكذلك انت الله الاول في اوليتك وعلى ذلك انت دائم لا تزول فهو اول دائما اذ لم تسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا وليكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا وهذا الاول لا ثاني له بحال من الاحوال لان الثاني شقيق الاول وباين من الاول بينونة عزلة اذ الثاني من حيث هو كذلك لا يدل على الاول والاول من حيث هو كذلك لا يدل على الثاني دلالة توصيف وحكاية لان الاول لا يوصف به الثاني والثاني لا يوصف به الاول نعم يدل كل واحد على الآخر دلالة لزوم لان الاول يستلزم الثاني من حيث هو اول لاقتضاء المقابلة والثاني يستلزم الاول دلالة التزام او تضمن من ارجاع الاول الى الواحد الذي في ضمن الاثنين ( فافهم خ ) فاولية الحق سبحانه لا ثانية لها وانما عبر عنه بالاول لبيان استقلاله وتذوته لا ان يكون له ثانيا واني يكون ذلك والاشياء كلها معدومة في ذاته سبحانه والتعينات كلها ممتنعة والظهورات كلها في الملك فدام الملك في الملك ورجع من الوصف الى الوصف وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص الى العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس السبيل مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الا انه بكل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك فيكون المراد من النور هو الله لقوله تعالى الله نور السموات والارض وهو القديم الاول والقديم صفة له ذاتية والاول كذلك والثلثة شيء واحد غير متعدد لا مفهوما ولا مصداقا لا في الذهن ولا في الخارج ولا في نفس الامر لان المغايرة على اي وجه كانت واي اعتبار تحققت تجعل الله سبحانه ثالث ثلثة ولا تقولوا ثالث ثلثة وانما الله اله واحد فالثلثة الفاظ تقع على معنى واحد واين اللفظ واين المعنى واين الدلالة واين الوقوع واين الايقاع اين الواحد اين المتكثر وقد قال الشاعر ونعم ما قال لقد اجاد في المقال :
ما وحد الواحد من واحد الا وقد اشرك في واحد
لان ملاحظة الوحدة تثلث المراتب فافهم وقوله سلمه الله وافاض عليه من شآبيب رحمته الواسعة : فغشيهم النور القديم الاول لا يريد بهذا الغشيان غشيان ذاتي لان ذلك يستلزم الاقتران وهو يستلزم التركيب وهو يستلزم الحدوث وهو يستلزم ان يكون له محدث فان جوزت فيه الاقتران عادت الاستلزامات وهلم جرا الى ان ينقطع الاقتران فتأتي الوحدة من غير ملاحظتها بلا كيف ولا اشارة فغشيانه بالنور غشيان اوليائه واهل اصطفائه على حد ساير ما ينسب اليه من الافعال مثل قوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها وقوله تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملائكة طيبين وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم وامثالها من الآيات ولا ريب ان الله هو الذي يتوفى وحده والملائكة اسباب لاجراء فعله من وليه المطلق ومن هذه الجهة قال مولانا وسيدنا ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله تعالى لما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا قال روحي له الفداء ان الكروبيين قوم من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا مع ان المتجلي هو الله سبحانه وانما اظهر تجليه بآية من آياته وعلامة من علاماته فكذلك الذي يغشيهم بالنور ( انما خ ) هو الله سبحانه ولكنه سبحانه انما يفعله بآياته وعلاماته وتلك الآيات نور بعض النقباء او النجباء الذين شاموا منهم السنا لان هؤلاء اي النقباء والنجباء الذين هم الابدال هم القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة ولما كان الفناء في الشيخ هو المقدم لانه الباب وهو مقدمة للفناء في الولي الذي هو مقدمة للفناء في النبي الذي هو مقدمة للفناء في الله فنسب الناظم ايده الله برحمته الواسعة رؤية السناء والنور الى القبتين وهما ما ذكرناه من النوعين ونورهما دليل السالكين الناقصين الى الولي الكامل المطلق لغشيانه اياهم فتهافتهم وتساقطهم لذلك النور المعبر عنه بالفناء في الشيخ ولذا نسب رؤية النور الى القبتين ولم ينسبها الى القبرين
تكملة - ومن القديم الاول الذي لا ثاني له ملك الله سبحانه واليه الاشارة بقول النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم واسئلك باسمك العظيم وملكك القديم وهذا الملك القديم الاول المنفي عنه الثاني له مقامان :
احديهما ( احدهما خ ) ملك الله الذي استعلي على كل شيء كما ذكره مولينا وسيدنا سيد الساجدين وزين العابدين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في دعاء الصحيفة بعد الفراغ من نافلة الليل واستعلي ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الاوهام كذلك انت الله الاول في اوليتك وعلى ذلك انت دائم لا تزول الدعاء وهذا الملك قد استعلى وارتفع من جميع مدارك الاوهام ومشاعر الافهام ومذاهب العقول والافهام وهو المبدأ الاول والنقطة في سر الازل كل ما سواها دونها وكل ما غيرها تحتها بل ليس الغير في رتبته وليس السوي في منزلته وكل شيء دونه مستقهر تحت جلال قدرته ومضمحل دون سطوع نور عظمته وهو الفرد الواحد الاحد الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير واللطيف الخبير وهو الاسم الاعظم الذي استأثره الله في علم الغيب عنده وهو الغيب الذي مفاتحه عند الله قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو وهو الغيب الذي لا يعلمه سوى الله قال تعالى قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله وهو الكلمة التي لو كان ما في ارض الامكان من شجرة هي افراد الموجودات اقلاما يعني حملة الامدادات والبحر اي بحر الاكوان وهو النون والصاد والمزن يمده من بعده يعني من بعد هذا البحر سبعة ابحر تفصلت وتشعبت من هذا البحر بخلجات ( بخلجان نسخة ١٣٠٥ م ) وطتنجات مختلفة بالسعة والضيق ومتفاوتة بالرقة والغلظة ومختلفة بالعذوبة والمرارة مانفدت كلمات الله وتلك الكلمات ترجع الى كلمة واحدة وهي ذلك الملك وليست تلك الكلمة والكلمات ليست هي التي تلقاها آدم من ربه وكان سببا لقبول توبته وليست هي التي ابتلي بها ابرهيم فاتمهن بل انما هي المكنونة المخزونة في خزانة الغيب عند الله آه آه ما ادري ما اقول وماذا اتفوه واي شيء اتكلم والقلوب ضيقة والصدور حرجة والقوي مكدرة والعيش منغص والحواس مختلة والقلب مبلبل ولو فرض عدم هذه الامور كلها ما انا وما خطري وما انا والخوض في هذا البحر المتلاطم والتيار الغطمطم ولكن ذلك جهد المقل فلنرجع فنقول وهو النعمة التي لا تحصيها الخلايق وان جهدت والى كل هذه الامور اشار مولينا امير المؤمنين في المقام الاعلى والرتبة القصوى ومقام يقول فيه لي مع الله بقوله عليه السلام ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير فقوله روحي له الفداء ينحدر عني السيل اشارة الى ظاهر الولاية وقشور الهداية التي هي الايصال والوصال والاتصال وهي الولاية المطلقة التي حملها وتصرف بها في جميع الذرات والكاينات لانه نفس خاتم الولاية المطلقة وهذا مقام ظاهريته فسيل الفيوضات والافاضات والامدادات كلها ينحدر عنه ثم اشار الى مقام الاستعلاء ورتبة الارتفاع بقوله ولا يرقى الي الطير وهو طير العقول والافهام والادراك والاوهام والمشاعر والاحلام فقد بلغ في الاستعلاء مبلغا لم يبلغ ادنى ما استأثر به من ذلك اقصى نعت الناعتين لان الخلق كلهم من تعينات هذا العين وظهورات آثاره واشراقات انواره والاشراق وجه واحد من المنير وغاية حظ الاشعة الوصول الى ذلك الاشراق وهو وجه واحد من وجوه المنير فادنى ما استأثره الله عنده كونه حامل الولاية المطلقة وكل الخلق وجميع الموجودات تقصر عن بلوغ هذا الامد وتفني عند هذا المدد لان هذا الملك هو عاد العدد بلا امد
تعرضت في قولي بليلى وتارة بهند فلا ليلى عنيت ولا هندا
ثم قال عليه السلام ضلت فيك الصفات يخاطب الله سبحانه ويقول اذا كان هذا شأن ملكك وهذا علوه وارتفاعه واستعلاؤه بحيث ان الاشياء كلها والخلايق باجمعها والموجودات بحذافيرها والكائنات والمكونات بقضها وقضيضها اذا عجزت عن ادراك بعض احواله وتوصيف بعض ما له من الجلال والجمال والعزة والكمال فضلا عن الوصول الى ما هو عليه في حقيقة الذات بجميع الكمالات ومع ذلك هو ملكك الحقير بين يديك والفقير اليك لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حيوتا ولا نشورا فكيف يا رب تباركت وتعاليت ان ينال وصفك او يوصل الى معرفتك او يحاط بكبريائك قد ضلت دونك الصفات وتحيرت فيك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الاوهام كذلك انت الظاهر بالعظمة والكبرياء بمخلوق من مخلوقاتك ومصنوع من مصنوعاتك فلا يحاط بها ولا ينال فكيف بك يا كريم وبظهور عظمتك يا ارحم الراحمين يا نور يا نور النور يا مدبر الامور افض علينا من نورك وعاملنا بجوامع احسانك ولا تجعلنا لقى بين يدي عدوك يا ارحم الراحمين وهذا القديم هو الاول الذي لا ثاني له لان كل ما سواه معدوم في رتبته موجود بفيض اشراق نوره والنور لا يجامع المنير في حقيقة واحدة ولا يعد معه ولا يقال السراج اول والشعاع ثاني ولا ان الشمس اول ونورها ثاني ولا اذا سئلت ما في البيت اذا كان فيه سراج فيه سراج واشعة ولا يقال ان زيدا واحد وقيامه وقعوده ثاني ولا اذا سئلت من في البيت وكان فيه زيد تقول فيه زيد وكلامه وقيامه وامثال ذلك فلا يعد الشعاع مع المنير ولا يكون الشعاع ثاني المنير فظهر لك من هذا البيان التام ان هذا القديم الاول ليس له ثاني واليه الاشارة في تأويل قوله تعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فلا سراج غيره والا لما ( لما كان نسخة ع ٤٠ ب ) موضع الامتنان والى هذا الاسم الاعظم والملك القديم الاقدم يشير تأويل قول مولانا ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق بغير الوجه الذي تقدم منا في بيان هذا الحديث الشريف ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور الحديث
وثانيهما ملك الله القديم هو جميع العالم وجميع الذرات الوجودية من حيث الوحدة والبساطة من غير ملاحظة خصوصية الاجزاء والجزئيات كالشجرة اذا لوحظت من حيث الوحدة والهيئة المجموعة فانه ينظر اليها من حيث انها شيء واحد بسيط وكذلك العالم الكلي من الامكان والاكوان والذوات والصفات والجواهر والاعراض شيء واحد وشخص واحد ظهر فيه سر الواحد الاحد وهو الانسان الكبير الذي على طبقه الانسان الصغير وهو الملك القديم الذي سبق الزمان والزمانيات لانهما جزؤه والكل غير الجزء وسبق الدهر والدهريات لما ذكرنا في الزمان والزمانيات اما الزمان فهو امتداد الاجسام والزمانيات نفسها واما الدهر فهو وقت المجردات وامتداد وجودها والدهريات نفسها وكذلك سبق السرمد والسرمديات لان السرمد وقت الفعل والوجود المطلق وهو جزء العالم والجزء غير الكل وبالجملة فهذا الملك القديم ليس عنه عبارة ولا اليه اشارة ولا تلويح ولا تصريح وما ذكرنا رسوم والعبارة ضيقة والاشارة محددة
ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب
فافهم واغتنم وكن من الشاكرين
وصل - لما ذكر الناظم ادامه الله وابقاه واسعده بتقويه حال حملة الستر وانه حصل لهم الفناء واحدقوا وقصروا انظارهم الى جانب المبدأ وغشيهم النور واحاط بكلهم وظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم حتى انغمسوا في بحر النور وفنيت انياتهم واضمحلت ماهياتهم وجذبتهم العناية الى ما منه بدؤا وغشيهم النور واحاط بهم في جميع مراتبهم وحصل لهم السفر في الحق بالحق ثم لما راجعوا الى انفسهم ورأوا تلك الجلالة ظاهرة فيهم مشرقة من القبة الشريفة ووجدوا لعظم ما شاهدوا من النور ان لا مقام اعظم من هذا المقام ولا نور اعظم من هذا النور وتخيلوا ان هذا النور هو نور الذات القديمة لا انه نور الستر فحصل لهم ما يحصل للمؤمن في الجنة لانه قد روي ان المؤمن بين هو على سريره ومجلس انسه في الجنة اذ يشاهد نورا اعظم ما كان يتصور ويتخيل من نور فتوهم ان الجبار قد تجلى له فاذا ( فلما خ ) رفع رأسه فاذا بحورية قد اشرفت على المؤمن فلما رأته تبسمت فاشرق من نور ثناياها نور قد توهم المؤمن ان ذلك نور الجبار جلت عظمته وكذلك الملائكة لما رأوا نور الولي المطلق الظاهر بالنبوة والولاية في عالم الانوار وجدوا ما لم يتعقلوا ان هذا النور يكون للمخلوق توهموا ان هذا هو النور القديم الخالق فهموا بان يوقعوا لذلك النور التقديس والتسبيح فتداركهم وقال لا اله الا الله لتعلم الملائكة ان ذلك هو نور المخلوق لا الخالق وهو نور الحادث لا القديم فلما وجدوا ما للنبي المطلق من الحول والقوة حتى انقاد له كل شيء وخضع له كل شيء وذل له كل شيء تطأطأ كل شريف لشرفه وبخع كل متكبر لطاعته وخضع كل جبار لفضله وذل كل شيء له واشرق العالم بنوره تخيلوا ان تلك الهيمنة والقيومية مستقلة فتداركهم النبي صلى الله عليه وآله وعرفهم نفسه وقال لا حول ولا قوة الا بالله لتعلم الملائكة ان الحول والقوة لله وحده وانه عبد ضعيف حامل ولاية الله وحوله وقوته فقالت الملائكة تبعا للنبي المطلق لا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله وكذلك هؤلاء الاعلام حملة الاعلام لاتيان الستر بمحل الامام الهمام على آبائه وعليه السلام وجدوا تلك الانوار مشرقة بجميع مراتبهم محيطة ( بجميع نسخة ع ٤٠ ب ) مقاماتهم فحيث انه قد اتيهم النور دفعة واحدة ولم يتصوروا نورا اعظم من ذلك النور ومقاما اعلى من ذلك المقام ولو خلوا وانفسهم وتركوا وحالتهم لانجر بهم الى توهم ان هذا هو النور القديم الاول بذاته وذلك الحاد وكفر فلذا تداركهم الامام ونادي بباطن سرهم بلسان انهم عباد مكرمون وقال سبحان الله سبحان الله ان الذي رأيتموه خلق من خلق الله ونور من نور الله حادث مخلوق مربوب لا يمكنكم الوصول الى الذات الاحدية لبطلان الطفرة بل ذلك نور مخلوق وعبد مرزوق فلما تنبهوا لذلك قالوا سبحان الله فسبحوا الله موافقة لتسبيح الامام وكبروا موافقة لتكبيره تعليما وارشادا لهم حتى يزدادوا بصيرة ونورا وهداية ورشدا ولا يكونوا بهذا الاتيان الى الحضرة المنورة عليهم وبال وضلال
فاشار الناظم الى هذه الدقيقة الانيقة ولوح الى هذه الحقيقة فقال بعد قوله : فغشيهم النور القديم الاول تنبيها وتبيينا ان النور القديم ليس هو الذات الازلية وانما هو شأن التعين الاول لقد سبح ليسبحوا ويكبروا :
قد سبحوا لما اتوك وكبروا اذ شاهدوا منك الضريح وهللوا
اقول : يعني انهم لما شاهدوا تلك الانوار وظهرت لهم تلك الاسرار وكان قد ربما يتخيل لهم استقلالها وعدم اضمحلالها فسبح الامام عليه السلام ليعرفهم مقام قطبيته وان الله سبحانه اجل من ان يكون يقترن بشيء او يتصل بشيء او ان الذي وجدتموه هو منسوب اليه وهو سبحانه منزه عن ذلك فلما سبح الامام القى في روعهم التسبيح والتقديس اي تسبيح الله ( سبحانه خ ) وتنزيهه عن كل ما لا يليق لجلال ( بجلال نسخة ١٣٠٥ م ) قدسه وعظم شأنه فان الامكان من حيث انه امكان فقر محض لا سبيل الى الغناء فيه بحال من الاحوال فهو فقير محض ومحتاج صرف لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وهو قوله تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني فاذا كان حقيقة الامكان فقرا محضا فجميع صفاته وافعاله ( احواله خ ) واضافاته ونسبه وكل ما له ومنه واليه وبه وفيه وعنه ولديه اولى بالفقر لان الصفة اضعف من موصوفها والتابع من متبوعه فاذا تطرق الفقر في المتبوع ففي التابع اولى هذا حال الامكان وما يتعلق به وكلما فيه نقص وان كان كمالا بالنسبة الى مقامه فالعلم الذي في الامكان والقدرة التي في الامكان والحيوة التي فيه وان كان كمالا بالنسبة الى مقامه لكنه نقص بالنسبة الى الازل الواجب سبحانه فاذا عرفت حال الامكان فاعلم ان الواجب سبحانه غني محض لا يشوبه شيء من الفقر والحاجة والفقدان تعالى عن ذلك علوا كبيرا فاذا ( واذا خ ) كان حقيقة الحق سبحانه الغني المحض فلا يشوبه شيء من الفقر بحال من الاحوال وبطور من الاطوار فصفاته سبحانه تقتضي الغنى المحض بما لا يشوبها شيء من الفقدان والحاجة ولما كانت الكثرة تستلزم الحاجة والفقدان والفقر فوجب ان لا تكون الصفات متكثرة بحال من الاحوال فوجب ان تكون الصفات هي الذات فلا يجوز ان يتصف القديم بشيء من صفات الحادث لان صفات الامكان صفات فقر ولا يجوز ان ينسب الفقر المحض الى الغني المحض لان الصفة من مقتضيات الموصوف فاذن لا يجوز ان يوصف الله سبحانه بشيء من صفات الممكنات فيجب تنزيهه تعالى عن جميع الامكان وصفاته فتسبيح الله تنزيه الله سبحانه عن جميع احوال الامكان بصفاته وافعاله فالصفات السلبية لله سبحانه كل الامكان كل الممكن ليس محصورا بعدد معين كما زعموا انها سبعة بل لا نهاية لها ولا حد ولا حصر ولا نهاية ولا غاية بل هي كلمة واحدة يشتمل ( تشتمل نسخه ١٣٠٥ب ) على جميع الممكنات والكائنات وكل شيء سوى الله فكل كمال في الامكان فهو نقص في الواجب سبحانه فالعلم الذي نثبته له تعالى منزه ومقدس عن العلم الذي في الامكان فلذا ننفي عنه جميع لوازم العلم الامكاني فان العلم يقتضي معلوما فهو من باب الاضافة او انه من مقولة الكيف على تفسير بالصورة الحاصلة او انه من مقولة الانفعال او غير ذلك كل ذلك منفي عن علم الله سبحانه لانه ليس من مقولة الاضافة ولا من مقولة الكيف ولا من مقولة الانفعال ولا هو عين المعلوم ولا هو الانكشاف ولا غير ذلك من احوال المخلوقات فلا يجري على مقتضى الافهام الممكنة ولا العقول الحادثة فكل الحوادث وان عظمت وجلت من ملك مقرب او نبي مرسل لا يسعه ادراك العلم الذاتي ولا القدرة الذاتية فاذن لا يقال ان علمه يقتضي معلوما حتى يلتجئ الى علمه تعالى بالاشياء قبل الخلق الى ما التجأوا اليه وقالوا ما قالوا لانضيع الوقت بذكرها وتفصيلها بل نقول انه عالم ولانعلم كيفيته ولا كميته ولا حالا من الاحوال لان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظائرها قال مولانا ابو عبد الله الصادق كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم وقال امير المؤمنين روحي له الفداء ( وعليه آلاف التحية والثناء خ ) في الخطبة اليتيمية ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال ( عليه خ ) لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص على العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته فاي سبيل للممكن الى الواجب اذا كانت الآلات تشير الى نظائرها ما للتراب ورب الارباب واين الثريا من يد المتناول فاذن يراد بالتسبيح تنزيهه تعالى عن كل الامكان والممكن من ادراكات الممكنات ولكنه سبحانه لما اراد ان يعرف الناس نفسه جعل لهم عينا من نفسه اعارها اياهم ليعرفوه بها على حد ما قال الشاعر :
اذا رام عاشقها نظرة فلم يستطعها فمن لطفها
اعارته عينا رآها بها فكان البصير بها طرفها
ونحو هذا الذي ذكرناه مكررا مرددا هو معنى التسبيح اي تنزيهه سبحانه عن كل ما عداه
تحقيق فيه تدقيق - اعلم ان التنزيه تنزيهان تنزيه هو تحديد يجب تنزيه الله سبحانه عنه وتنزيه هو توحيد والى المعنى الاول اشار الشيخ الاكبر بقوله فان قلت بالتشبيه كنت مجسما وان قلت بالتنزيه كنت محددا اما التنزيه الذي هو التحديد هو ان تنظر الى الحق سبحانه والى ذكر تلك الصفة فيه ثم تنظر الى جلال قدرته وعظمته وتنزهه عنها فاذا قلت ان الله ليس بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا لفظ ولا معنى ولا مستدير ولا مستقيم ولا غير ذلك فقد حددته بعدم هذه الاشياء كما انك تحدد الحرف بانه ليس مستقلا في نفسه ولا مقترنا باحد الازمنة الثلاثة فقد حددت الحرف وميزته عن الاسم والفعل بالوصف العدمي فالتنزيه بهذا المعنى تحديد يكون الحق سبحانه وتعالى في مقابلة تلك الامور المتنزه ( المنزه خ ) عنها كما ان الحرف صار في مقابلة الاسم والفعل لان الاسم هو المستقل بنفسه وغير مقترن باحد الازمنة والفعل هو المستقل المقترن والحرف لا هذا ولا ذاك فقد صار محدودا والتحديد مقابلة وتركيب وعزلة ومن هذه الجهة ترى العارفين الكاملين نفوا التنزيه نظرا الى هذا المعنى كما نفوا التشبيه فان العلة الموجبة لنفي التشبيه هي بعينها العلة الموجبة لنفي التنزيه ولكن الله سبحانه في عدة مواضع من القرآن امر بالتسبيح الذي هو التنزيه مثل قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى سبحان الله عما يصفون سبحان ربك رب العزة عما يصفون فسبح باسم ربك العظيم وسبحان الله بكرة واصيلا وامثالها من الآيات كثيرة وكذلك رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم امر بالتسبيح والتنزيه وكذلك خلفاؤه وامناؤه على شرعه ودينه وكذلك جميع الانبياء فانكار التنزيه الذي هو التسبيح لا يسعه مسلم معتقد بدين الاسلام بل بجميع الاديان والملل والمذاهب ولكنه يجب ان يكون لها ( له نسخة ١٣٠٥ م ) معنى وبيان لا يلزم الاكتناه والتحديد وذكر الغير فنقول ان النفي يستلزم الاثبات ولو اعتبارا وذكرا وصلوحا فما لا يصح اثباته لا يصح نفيه وقد بينا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل ان الاثبات ممكن وكل ممكن زوج تركيبي والتركيب لا بد ان يكون بين الضدين المتخالفين اذ لا يمكن ان يكون التركيب بين المتوافقين كما اذا مزجت ماء بماء او ترابا في تراب فلا يقال انه تركيب بل اضافة شيء الى مثله والتركيب لا يكون الا ان يكون بين الاجزاء جهة منافاة ومنافاة فالاثبات لا ينافيه الا النفي فوجب ان يكون الاثبات مركبا مع النفي وكذلك النفي حيث انه شيء كما نص عليه مولانا امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء بالعموم ونص عليه مولانا وسيدنا ابو عبد الله ( الصادق خ ) روحي له الفداء بالخصوص والعموم اما قول امير المؤمنين بالعموم وهو قوله انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها ولا ريب انا ندرك النفي والعدم فاذا كانت الادوات تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظايرها فوجب ان يكون فينا اما مشعر عدم ليس بموجود وهو ينافي كونه فينا لان العدم ما كان حتى يقع في شيء او على شيء او يكون العدم والنفي شيئا او لاندرك العدم او لا يصح قوله عليه السلام وتشير الآلات الى نظايرها اما النفي فانا ندركه يقينا ونجعل النفي مقابلا للاثبات واما العدم فليس مشعر من مشاعرنا ذلك واما قول امير المؤمنين فلا يصح انكاره للحديث المتفق عليه بين المسلمين ان الحق مع علي وعلي مع الحق يدور معه حيثما دار فلم يبق الا القول بان النفي شيء والعدم الذي ندركه شيء وتسميته بالعدم تعبير عن الاضافة الى الكون لا الامكان فان الغير الممكن لا عبارة له ولا اشارة اليه وذلك معلوم واضح لمن له عينان والقى السمع وهو شهيد واما قول مولينا ابي عبد الله الصادق عليه السلام بالعموم ما يدل على ان النفي شيء معلوم هو قوله كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه هو مخلوق مثلكم مردود اليكم ولا شك ان النفي تشخصه وتميزه عن الاثبات وعن متعلقاته فيجب ان يكون مخلوقا مثلنا مردودا الينا واذا كان مخلوقا مثلنا ونحن ممكن حادثون وكل ممكن مركب فوجب ان يكون مركبا من ضدين وضد الاثبات نفي واما قوله بالخصوص فقوله عليه السلام لما سئل عن اختلاف زرارة وهشام في النفي هل شيء او لا قال هشام فانه شيء وقال زرارة انه ليس بشيء قال عليه السلام للسائل قل بقول هشام في هذه المسألة يعني قل ان النفي شيء وليس هذا المقام مقام استقصاء هذه المسألة لقد فصلت القول فيها في كثير من مباحثاتنا لا سيما ( في خ ) اللوامع الحسينية لاني قد عنونت لهذه المسألة في ذلك الكتاب المستطاب واوردت جميع ما يتعلق بها من العقل والنقل فمن اراد تحقيق القول فعليه بمطالعة ذلك الكتاب ولكنها تحتاج الى لطف قريحة والنظر بعين صحيحة وبالجملة فالنفي لا يكون الا في موضع يصح فيه الاثبات كما ان الاثبات لا يكون الا في محل يصح فيه السلب وهذه قاعدة مطردة في جميع النفي والاثبات واما قولهم السالبة بانتفاء الموضوع فمرادهم بالموضوع هو المتحقق الخارجي لا الصلوح الذكري فاذا قلت ما جاء زيد لان عدم المجيء انما كان في الخارج واما صلوح المجيء حاصل لان المخاطب السامع نظر الى صلاحية المجيء فتوهم ذاك فرفع هذه الواهمة بقوله ما جاء زيد فنفى ما كان مثبتا في الذهن وما كان مثبتا في الذهن الا ما كان صالحا ومذكورا وما في قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال مولينا وسيدنا ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا وكذلك الاستثناء المتصل والمنفصل اذا قلت جاء القوم ولو لم يكن هناك من يتوهم مجيء زيد ما احتجت الى الاستثناء لان مجيئه منفي في الواقع الخارج ولكن حيث ثبت في الذهن مجيئه نفيته بالاستثناء وكذلك في الاستثناء المنقطع ولذا ترى الاشياء البعيدة عن تصور المعارض والمنافي لا تحتاج الى نفي واثبات كما انك لا تراك تقول اذا ضحى النهار انه ليس بليل واذا كان غسق الليل تقول انه ليس بنهار واذا رأيت الشمس مشرقة تقول انها ليست بمظلمة واذا رأيت النار محرقة تقول انها ليست بباردة وهكذا في امثال هذه المذكورات لبعد تخيل المعارض والمنافي انما قلنا لبعد التخيل لامكانه لتحقق ذكره ولو كان بعيدا في الغاية فاتضح لك بهذا التقريب ان ما لا يصح اثباته لا يصح نفيه وما لا يصح نفيه لا يصح اثباته وهذه قاعدة مطردة في الامكان لاتتخلف بحال من الاحوال وان كانت مخفية عن الاذهان فبعيدة من عقول الرجال ولكني نبهت عليها وفتحت قفلها واذنت للدخول فيها امتثالا لقوله تعالى واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله اما الاذان فقد اذنت واعلمت واعلنت وفصلت واجملت وبينت وابهمت وابنت واما الحجيج فما اكثر الضجيج واقل الحجيج
خليلي قطاع الفيافي الى المنى كثير واما الواصلون قليل
رجع الى الكلام فنقول اذا ثبت ان كلما يصح اثباته يصح نفيه وكل ما يصح نفيه يصح اثباته وكل ما لا يصح اثباته لا يصح نفيه وكل ما لا يصح نفيه لا يصح اثباته ثبت ان الله سبحانه وتعالى خارج عن مقام النفي والاثبات لان الاشياء ماذكرت هناك حتى توجب نفيا واثباتا نفيا للنقايص واثباتا للكمالات وان لم تكن تلك النقايص موجودة بالفعل لتنفي بل يكفي الذكر والصلوح ولذا قلنا في قوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا انه يمكن الاذهاب بامكان الرجس وصلوحه ولا يلزم ان يكون موجودا في الخارج حتى يذهب واما في الله سبحانه فلا ذكر للاشياء هناك ولا صلاحية فلا يكون هناك نفي ولا اثبات فاي شيء تنفي فاي شيء تثبت وهو سبحانه خارج عن النفي والاثبات والسلب والايجاب وقد قيل في هذا المعنى شعرا ( بالفارسية خ ) احب اثباته لرشاقة معناه قال السيد الفندرسكي في قصيدته المشهورة الى ان قال :
در هويت نيست نه نفي ونه اثبات ونه سلب زآنكه از اينها همه آن بيگمان بالاستي
فاذا كان سبحانه وتعالى خارجا عن مقام النفي والاثبات والسلب والايجاب فما عسى ان يقول الموجب وان ينفي النافي وقد سبق منا ان الممكن لا ذكر له في الواجب نفيا ولا اثباتا سرا ولا علانية واما الاعيان الثابتة التي يزعمون في الازل ما عرفت المراد منها فان كانت هي اشياء متعددة فهل هي الله سبحانه او غيره فان كان الاول كان التوحيد مرتفعا وان كان الثاني فهل هي قديمة او حادثة فان كان الاول فقد ارتفع التوحيد ايضا وان كان الثاني فكان ذات الواجب محلا للحوادث وان لم تكن اشياء متعددة فان كان شيئا واحدا فما الموجب للقول بالاعيان الثابتة الغير المجعولة فاي فائدة لهذا التعبير وذلك الشيء الواحد فهل هي عين الذات او غيرها فان كان الاول فهي الذات فاي فائدة لهذا التعبير وان كان الثاني فهل هو حادث او قديم يعود الكلام الاول وان كانت الاعيان ليست بشيء فلا ذكر للاشياء في ذات الواجب سبحانه فاذ لا ذكر لا نفي ولا اثبات لانهما فرع مذكورية الشيء ان لم نقل بموجوديته واما التعبير بمثل لا اله الا الله ولا شريك له ولا يشبه شيئا وامثال ذلك فانما هي مكنسة لغبار الاوهام فان هذه الاحتمالات لا تنشأ الا من عين النفس اذا كانت امارة او ملهمة او لوامة واما المطمئنة فانها مؤدبة بما علمه الله من تأديبها ليصح صيدها بان تأخذ الصيد وتمسكه لصاحبها ولا تأكل منه شيئا ولا تشرب دما وهو قوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم والنفس لا تتوجه بها الى الله كآلات ( كالآلات ع ٤٠ ب ) الجسمانية ولكنها لما تتصور وتحتمل حصول الشريك هو ان له تعالى شبيها او ضدا كل ذلك اوهام باطلة وخيالات فاسدة ترى نفسها وتثبت لها صفاتها وتتخيل ان ربها يجري عليه ما يجري على نفسها فتتوهم هذه التوهمات ولما كانت هذه الاوهام والخيالات مظنة للضرر ومظنة لاخراجها عن توحيد الله اتيت بهذه العبارات مكنسة لذلك الغبار ومصقلة لتلك الاكدار ليكون التوحيد له ثبات وقرار والا فالعارفون الموحدون والكاملون البالغون لا يتصورون لله شريكا ولا يتخيلون ( له خ ) شبيها لان نظرهم الى الله سبحانه بطرفه الذي اعارهم اياه وذلك الطرف لا يشبهه شيء ولا يمثله شيء ولا يضاده شيء ولا يناده شيء وليس كمثله شيء ولا هو على شيء ولا هو من شيء ولا هو في شيء بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فالعين الذي ( التي خ ) هذه صفتها والطرف الذي هذا رسمه فمتي ترى الكثرة حتى تحتمل او تجوز او تثبت امرا آخر فاين هناك النفي والاثبات والسلب والايجاب
كلمة علوية - قد شرح امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء هذا التنزيه والتشبيه على الوجه الذي لا يلزم التحديد ولا يلزم التركيب ولا يلزم العزلة باكمل شرح واكمل بيان في الحديث الذي رواه عنه عليه السلام كميل بن زياد النخعي حيث سئله عن الحقيقة لما جعله رديفا له على ناقته فقال عليه السلام ( روحي فداؤه خ ) ما لك والحقيقة قال اولست بصاحب سرك قال روحي فداؤه بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلام الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة قال كميل زدني بيانا قال محو الموهوم وصحو المعلوم قال زدني بيانا قال هتك الستر لغلبة السر قال زدني بيانا قال جذب الاحدية لصفة التوحيد قال زدني بيانا قال نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا قال اطف ( اطفيء نسخة ١٣٠٥ م ) السراج قد طلع الصبح وهذا الحديث الشريف على قائله آلاف التحية والثناء متكفل للبيان الوافي التام والشرح الكامل العام لمعنى التشبيه والتنزيه لا سيما قوله روحي له الفداء كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني حقيقة التوحيد الجامعة لجميع مقامات التنزيه والتكبير ان تكشف حجب الجلال والجلال هو التجلي وظهور المتجلي والربوبية التي هي كنه العبودية والنقش الفهواني والخطاب الشفاهي والهاء في كهيعص وذلك الجلال قد تعين واكتنف بالسبحات التي هي الحجب المانعة من ظهور نور التجلي بلا حجاب وحقيقة التوحيد انما تحصل اذا كشفت وازالت تلك السبحات ورفعت الاغبار ( الاغيار خ ) وازحت الاكدار المعبر عن هذا الكشف والازالة بالتنزيه ولكن لا يكون هذا التنزيه اي ازالة السبحات ورفع الحجب والانيات عن اشارة فان الاشارة من السبحات فتكشفها وتزيلها بلا التفات ولا نظر منك ان هذه سبحة او انية انا ازيلها فان هذه التفاتات ونظرات هي من اعظم التحديد واكبر الحجب واكثف الظلمات واغلب لوازم الانيات وهذا هو التنزيه المورث للتحديد الموجب للتشبيه بل التنزيه الخالص والتسبيح المحض الذي يريد الله سبحانه وينبغي لجلال قدسه وجمال انسه ان تقطع النظر عن كل السوي وترفع الاعتبار عن كل الغيور بحيث تقطع النظر عن قطع النظر وترفع الاعتبار عن رفع الاعتبار وتدنو بلا كيف ولا اشارة ولا ملاحظة الاغيار ولا ملاحظة نفسه بحيث ينسى نفسه وكل ما يتعلق بها من المشاعر والمدارك والخيالات والافكار والاوهام والعلوم والتعقلات ومستجنات القلوب ومستكنات الفؤاد وهواجسن الضماير والمستسر بالسراير ينساها بالمرة ولا يتوجه الا الى الله لا من حيث الاسم ولا من حيث الرسم ولا من حيث الصفة ولا من حيث الفعل ولا من حيث الاختراع ولا من حيث الابتداع ولا من حيث الامر والنهي بل يلتفت اليه سبحانه وحده ولا يذكر غيره حتى ينفي او يثبت لان الله سبحانه لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فمتي التفت الى جهة لا يسعه الالتفات الى الجهة الاخرى فاذا توجه الى الله سبحانه والى توحيده كيف يلتفت الى غيره والى عدم صلاحيته له والى نفيه عنه بما يناسب المقام فكيف تجتمع هذه الملاحظات مع ملاحظة الذات البحت البات فالتسبيح الحقيقي هو التنزيه بلا كيف ولا اشارة يعني يتوجه اليه من غير ان ينظر الى سواه من ممكن من الممكنات وحادث من الحوادث فقد نزهته عن النقايص والامكان باوضح بيان واكمل تبيان وهذا هو التنزيه البالغ
تمثيل صوري - اذا اردت ان تنزه زيدا عن السرقة وتصورت اولا صلاحيته لها ثم نفيته عنها وهذا وان كان تنزيها لكنه ازراء بالجملة بحاله وان كانت تلك الصلاحية من امكانه ولا يضر بشأنه واما ان نفيت السرقة بالمرة واحتمالها وتوجهت الى زيد بنفسها ومن جهة كمالاتها ولاذكرت النقايص ولا احتملتها بحال من الاحوال وطور من الاطوار وقد نزهته كمال التنزيه بابلغ تنزيهه واكمله واعلاه واشرفه وكذلك اذا نزهت الله سبحانه وسبحته بالاعراض عن ذكر غيره وعدم التوجه الى الغير بالمرة وتمحض النظر والالتفات اليه سبحانه بلا كيف ولا اشارة فذلك هو التنزيه وهو تأويل قوله تعالى فاسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون فالاسراء بالليل قطع الكثرات ولوازم الانيات وملاحظة جهات الماهيات وعدم الالتفات الى تلك الميولات وقطع تلك الشهوات وعدم الالتفات الى ساير الجهات ومنع النفس من ساير الالتفاتات وهذا الوجه وهذه الطريقة هي التي امرنا بان نمضي فيها ونسلكها وهذا هو التسبيح فمن هذه الجهة قال امير المؤمنين روحي فداؤه كشف سبحات الجلال من غير اشارة ثم اكده بما اردفه بقوله الحق محو الموهوم وصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر ويجب ان نقيد الفقرتان بغير اشارة فمحو الموهوم بغير اشارة وهتك الستر بلا اشارة واما تفسير باقي الفقرات من الحديث الشريف فلا يسعنا لضيق المجال وتبلبل البال واختلال الاحوال لقد شرحها وفسرها استادنا وسنادنا وعمادنا العلامة اعلى الله في الدارين مقامه ورفع اعلامه هذا الحديث الشريف في بعض اجوبة المسائل شرحا وافيا شافيا ومن اراد الوقوف على حقيقة الامر في شرح تلك الفقرات فليطلبه فان فيه تمام الامر في هذه المعاني
تنبيه - قد سبق منا كلمة احب بيانها بما يكشف الغطاء عنها وهي انا ذكرنا ان العرفاء الكاملين من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وساير الصفوة المنتجبين لا يتصورون لله شريكا ولا يتخيلون له شبيها حتى تدعوهم الحاجة الى نفيه وقلنا ان نسبة كلمة لا اله الا الله وقوله لا شريك له وامثالها مكنسة لغبار الاوهام فعلى هذا ينبغي ان يكون تلك الاذكار مما تنزيه لله عن نقايص الامكان ساقطا عن الانبياء وان لا يذكروها مع ان الامر ليس كذلك بل هذه والتسبيحات تنور القلب وتشرح الصدر وتزيد في الخير وامثال ذلك والجواب ان العرفاء الكاملين والعلماء البالغين مما سميناهم لا يتصورون لله شريكا ولا يتخيلون له شبيها ولا يتصورون ضدا ولا ندا ولا نقصا حاشاهم ثم حاشاهم ولكن لهم نظران نظر يتوجهون به التوحيد المحض الخالص بحسب مقامهم ومرتبتهم باستعمال مشعر الفؤاد وهم في هذا النظر منغمسين في بحر التوحيد مغمورين في التفريد والتجريد لا يجدون لانفسهم حالا من الاحوال ولا يرونها بطور من الاطوار فهم لا يشعرون ولا يدركون ولا يتوجهون الى غير مقام التوحيد وهم في سكر وصحو ونعيم ولذة وسرور ولكنهم غير ملتفتين الى انفسهم والى ساير مشاعرهم قد اطفأوا سرج الحواس وطلع لهم صبح الاستيناس في الخلوة مع محبوبهم ومشاهدة وجه مطلوبهم وهم بهذا النظر ليس معهم شيء الا الواحد الاحد وهم مطرحون كالاموات كما اشار الشاعر الى صفة كل واحد منهم وقال :
ليس الا الانفاس تخبر عنه وهو عنها مبرء معزول
وهذا هو اليقين وهي حقيقة التوحيد وهي العبادة المطلوبة الحقيقية التي كلما سواها كثرة واختلاف ومشاهدة انية وعدم الايتلاف ولهم نظر آخر اذا افاقوا والتفتوا الى انفسهم وجدوها وهذا النظر يعدونهم ( يعدونه خ ) شركا ويذكرون الله بكلمة التوحيد ونفي الشريك في وجدان انفسهم حيث وجدوها بان نظروا اليها نظر احتقار وزوال واضمحلال مثل قوله في الدعاء الهي كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت فهذه المشاهدة ووجدان نفسه يجعلونه شركا وينفون لا انهم احتملوا ان يكون لله شريكا فنفوه بل انهم حسبوا النظر شريكا يعني النظر الى نفسه فكيف ينظر اليها وهنا قاهر قادر مهيمن اظهر له من نفسه كما قال مجنون ليلى :
فكيف ترى ليلى بعين ترى بها سويها وما طهرتها بالمدامع
وبالجملة وجه تلك الاذكار لهؤلاء الابرار من جهة هذه الانظار لا احتمال النقص في ذاته تعالى حتى ينفوه بتلك الاذكار تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا كما هو شأن اهل الاستدلال واهل القيل والقال والمراء والجدال فانهم كيف يطلبون الدليل هل الله واحد ام متعدد وكيف يسئلون عن الدليل على ان الله سبحانه كامل ام ليس بكامل افي الله شك فاطر السموات والارض وهل يوجد غيره وهل سبيل الى سواه وهل تسئل وتطلب دليلا قط على ان قيام زيد وقعوده ليس بشريك له يفعل فعل زيد ويقوم مقامه كما ملئه المتكلمون والحكماء القشريون الظاهريون بتلك الخرافات كتبهم وزبرهم وبالجملة نظر اولئك الابرار في تلك الاذكار على هذه الانظار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار
واما التكبير - فالكلام فيه كثير وان كان مستغنيا عن التقرير والتعبير لكن ابتلاء الناس بالحجب والقيود ومشاهدتهم للحدود واعراضهم عن الاحد الواحد المعبود احوجنا الى اكثار الكلام وزيادة النقض والابرام والا فالعلم نقطة كثرها الجاهلون ونقول ان مولينا ( الصادق خ ) جعفر بن محمد عليهما آلاف التحية والثناء سأل رجلا وقال ما معنى قولك الله اكبر قال يعني ( الله خ ) اكبر من كل شيء قال عليه السلام وهل ثمة شيء فيكون الله اكبر منه فقال كيف اقول قال عليه السلام ان الله اكبر من ان يوصف فهذا الحديث الشريف واف بالمراد وكاف بكشف المقصود لمن له قابلية واستعداد فان الخلق مقهورون مضمحلون فانون عند ظهور الحق بل ليسوا باشياء معه ممتنعون في رتبة ذاته فاذا قلت ان الله اكبر من كل شيء فاثبت هنا شيئا وجعلت الله اكبر منه وقد حددت الله وجزأته وجعلت له شريكا وجعلته سبحانه احد الفردين الكاملين فقد قلت بالتشكيك واثبت بذلك له شريكا وقد نفي امير المؤمنين عليه السلام التشكيك بقوله ليس بينه وبين خلقه فصل ولا له عليه فضل فيستوي الصانع والمصنوع والمشيء والمشاء الخطبة اذا تساوت حقيقة الافراد في التشكيك جاء التركيب فاذا جاء التركيب جاء الاحتياج واذا جاء الاحتياج جاء الحدوث وصح ان يكون له محدث تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلا يصح ان يقال ان الله اكبر من كل شيء ثم انه ليس شيء في رتبة الذات سواها والآثار الفعلية لا تجامع مع حقيقة الذات الالهية والا لم تكن اولى بان تكون اثرا حادثا وذلك مؤثرا مع انه لا يعقل ولا يتصور ( وخ ) معنى الكبرياء كما قال عليه السلام انه اكبر من ان يوصف فان الموجودات حيث عجزت عن وصف ظاهرية ملكه تعالى فكيف يبلغون وصفه ويرومون رسمه واما نفس الملك فكذلك لانه وجه من وجوهه الحادثة في الذات الظاهرة واما القديم الحق فلا ينال ولا يوصف ولا يعرف فليس الا القول بان الله اكبر واجل من التوصيف والوصف وقد قال الشاعر ونعما قال وقد اجاد في المقال :
ولقد علمت بانك لا تنال بحيلة فجعلت رأسي تحت طي جناحي
وذلك معلوم ظاهر
واما التهليل - فاذكر فيه كلمة واحدة تفهم معناه ( معناها نسخة ١٣٠٥ م ) واصرفها الى حيث شئت من باقي متعلقاتها وهي ان تعلم ان كل شيء نظرت اليه ووقفت عليه فهو حجابك وشاغل لك من مبدئك ففي الحديث كل ما يشغلك عن الله فهو صنمك فاذن كل متوجه اليه معبود قال مولينا الصادق روحي له الفداء من استمع الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان وكل شيء تقبل اليه من دون الله فهو اله من دونه واليه يشير قوله تعالى افرأيت من اتخذ الهه هويه وقوله تعالى اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله قال مولينا الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء انهم ما عبدوهم ولا اتخذوهم اربابا يعبدوهم ولكنهم اطاعوهم في معصية الله انتهى لقد قال شيخنا واستادنا وسنادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه في قوله تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه يعني من يقل منهم اني انا فملاحظة الانية من دون الله هو الشرك واتخاذ اله غير الله وهو قوله تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون والايمان لا يجامع الشرك الظاهر الجلي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ان الشرك في هذه الامة له دبيب اخفي من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء بالجملة فاذا نظرت الى شيء شغلك عن الله وحجبك عنه فقد اتخذته الها من دونه ولذا قال سيد الساجدين وان كل معبود مما دون عرشك الى قرار ارضيك السابعة السفلى باطل مضمحل ما عدا وجهك الكريم الدعاء ولا ريب انه عليه السلام لا يريد ان هناك معبودا هو مضمحل او ان المعبود من دون الله من الذي تعبده عبدة الاوثان مضمحل بل المراد كل شيء يقع عليه النظر من حيث هو هو فهو معبود واما اذا نظر اليه من حيث ربه فمعبوده الله سبحانه فاذا عرفت هذه الدقيقة عرفت معنى الاله و( عرفت خ ) معنى لا اله الا الله يعني كل شيء هالك الا وجهه الكريم وكل شيء سوى الله ليس بشيء ولا تحقق له الا بالله فالاشياء كلها آيات ودلالات فلا تجد سواه ولا ترى غيره قال بعض الشعراء :
لو اقسم المرء بالرحمن خالقه بان كل الورى لا شيء ما حنثا
ان كان شيئا فغير الله خالقه الله اكبر من ان يخلق العبثا
فهذه الكلمة اثبات ونفي اثبات الشيء الثابت ونفي الباطل الزائل لا ما زعموا من نفي الآلهة التي تشمله كلية واجب الوجود وعموم لفظ الله على القول بانه كلي مشتق تنفي تلك الآلهة ووجودها بالدليل ويكون الله كليا منحصرا في الفرد ولذا قالوا في تعريف الكلي انه هو الذي نفس تصوره لا يمنع عن وقوع الشركة قالوا انما قلنا نفس تصوره ليدخل فيه الله لانه من حيث مفهومه ونفس تصوره لا يمتنع ان يكون لمن ثبت له الالوهية افراد متعددة لكن الدليل العقلي دل على بطلان وجود ما سوى فرد واحد فيكون الله سبحانه كليا منحصرا في الفرد ومن هذه الجهة قالوا انه جزئي حقيقي وجزئي اضافي والاوقات اشرف من تضييعها بذكر هذه الترهات وبيان هذه المزخرفات سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا لقد سبق سبحانه الكلية والجزئية لانهما مخلوقتان ولا يجري عليه ما هو اجراه والخالق سبق المخلوق في كل ما له من اسم ورسم فلا اله الا الله ليس على زعمهم ولا على تخيلهم بل على معنى آخر ووجه آخر :
ان بحت يوما طل فيه دمي وان كتمت يضيق به صدري
نسئل الله الفرج من ضيق المخرج ويظهر كلمة الله الحق ويجعلها العلياء انه على كل شيء قدير والكلام في هذه الكلمة من وجوه شتى : احدها في ترتيبها والاتيان بالاستثناء وخصوص هذه الهيئة التأليفية وان الخبر ( الجزء خ ) المقدر ما هو هل ( هو نسخة ١٣٠٥ م ) موجود او ممكن او مستحق للعبادة او غيرها الثاني في خصوص حروف هذه الكلمة وكونها على هذا العدد المخصوص الثالث في ان اصولها انما هي ثلثة وهي اللام والالف والهاء والباقي تكرار والوجه في ذلك والعلة فيما هنالك الرابع في الفرق بين لا اله الا الله ولا اله الا هو الخامس في باطنها وسرها السادس في ظاهر ظاهرها والسابع في تأويلها الثامن في باطن باطنها وسر سرها التاسع في حقيقة اللام وسرها وحقيقة الالف واطوارها العاشر في لفظ الجلالة وما يتعلق بها وما يضاف اليها وهنا مباحث اخر ولو اردنا شرح هذه الوجوه وبيانها وتفسيرها وتحقيقها لادي الى تطويل وتفصيل ولو اردنا ان نقتصر على مجرد الاجمال لم يعرف المراد وتشوش الاذهان وتضطرب الايقان واما التفصيل فلا سبيل اليه مع ابتلائي بهذا الزمان واهله الذين لا يصغون الى حق لا لامر الله يعقلون ولا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر عن حق (كذا) ولا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون ثم في النار يسجرون والحكم لله ولا قوة الا بالله
اشعار - ان الناظم ايده الله بتوفيقه وسدده بتسديده اراد ان يبين دقيقة انيقة مخفية الا عن العارفين الكاملين مطوية الا عن صدور المؤمنين وهي ان القوم حملة الستر والحجاب والاعلام لما وصلوا الى باب ذلك الجناب سبحوا اشارة الى ما قال علي بن محمد الهادي العسكري اذا صرت بالباب فقف واشهد الشهادتين فان باب الله لا يعرف الا بذكر الله عنده فان ذكر الله عنده فهو الباب والدليل والجناب والسبيل وان لم يذكر الله ولا اسمه ولا صفته عنده فليس ذلك الباب باب الله ولا ذلك الجناب جنابه وهو قول النبي صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم عاشر من يذكر الله رؤيته ويزيد في علمك منطقه فاذا لم تذكر الله عنده فذلك ليس باب الله فاذا لم يكن باب الله كان باب الشيطان اذ ما بعد الحق الا الضلال فلما قال رفع الله قدره وسما ذكره انهم سبحوا لما اتوك وكبروا الخ اراد التعريف لان ذلك السيد الاكبر والنور الازهر الامام موسى بن جعفر عليهما آلاف التحية من الخالق الاكبر باب الله وحجاب الله حيث ان القوم لما اتوا اشتغلوا بالتسبيح والتكبير والتهليل ولم يذكر التحميد لمذكوريته مع هذه فانه رابع لم يتخلف عن الثلاثة فبالاربعة تم الوجود وامتاز الشاهد من المشهود قيل للصادق جعفر بن محمد لما كانت الكعبة مربعة لها اربعة اركان قال لانها بازاء بيت ( البيت نسخة ١٣٠٥ م ) المعمور وهو مربع قيل لما كان البيت المعمور مربعا قال لانه بازاء العرش وهو مربع قيل لما كان العرش مربعا قال لانه بازاء الكلمات التي بني عليها الاسلام وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فسكت السائل ولم يسئل ان هذه الكلمات لما كانت مربعة ولو سئل سائل لقلنا انها بازاء العوالم الاربعة عالم العقول مظهر التسبيح لاضمحلال الصور والحدود النفسانية فيها وعالم الارواح مظهر التحميد لان ذلك العالم مبدأ تمايز الاشياء وظهورها بصورها وهياكلها وهيئاتها المستدعية لظهور النعمة الموجبة للحمد والشكر والثناء عليه سبحانه بلسان الكينونة على كماله وعظم جلاله وجماله وعالم النفوس مظهر التهليل لان الاشياء لما تميزت وتشخصت وتمايزت ظهرت انياتها وماهياتها واستدعت ملاحظتها وحجبت عن مشاهدة بارئها فاقتضت كينوناتها رفع انياتها ونفي اعتبارها وتنفيها وتقتلها امتثالا لقوله تعالى توبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فقالت لا اله الا الله كلمة اثبتت الحق وابطلت السوي وعالم الاجساد ( الاجسام نسخة ١٣٠٥ م ) مظهر التكبير لان الكبر من شأن الاجسام والكبرياء ظهور الحق سبحانه في هذا العالم ولذا قال الحسين سيد الشهداء والصديقين في دعائه يوم عاشورا وهو آخر دعاء دعا به عليه السلام في دار الدنيا يستحب قرائته يوم الثالث من شعبان يوم ولادته او يوم الخامس منه وهو اللهم متعالي المكان عظيم الجبروت شديد المحال عريض الكبرياء قادر على ما يشاء الدعاء فوصف الكبرياء بالعرض الذي من صفات الاجسام فهذه العوالم الاربعة بازاء هذه الكلمات الاربع فتبين لك ان التسبيح ظهور الحق سبحانه في عالم العقول فمن غلبت عليه جهة العقل يكثر ذكر سبحان الله والتحميد ظهور الحق في عالم الارواح والتهليل ظهوره في عالم النفوس والتكبير ظهوره في عالم الاجسام وانما كانت الكلمات الاربعة ( الاربع خ ) بازاء العوالم الاربعة لان الله سبحانه وتعالى لما خلق النبي من حيث كونه وليا خر مغشيا عليه تحت عرش الله الف سنة ثم افاق وناداه الله سبحانه وتعالى انت الحبيب انت المحبوب انت المراد وانت المريد خلقتك لاجلي وخلقت الخلق لاجلك ثم سجد لله شكرا وقال في سجوده الف سنة سبحان الله سبحان الله فسطع من هذا التسبيح نور ابيض اضاء الكون واستنار الوجود ثم قال الحمد لله ولم يزل يكررها الى مدة الف سنة فسطع من هذا الذكر نور اصفر فاقع ( لونه تسر الناظرين خ ) فاضاء العالم به واستشرق الكون بهذا النور ثم قال صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لا اله الا الله الف سنة فسطع من نور هذا الذكر المبارك نور اخضر اضاء به الكون وامتلأ به الوجود واستشرق به كل مفقود ومشهود ثم قال الله اكبر الف سنة فسطع من هذا الذكر الشريف نور احمر اضاء الكون واستشرق به الوجود فمن هذه الانوار الاربعة الساطعة من هذه الكلمات الاربع اختلفت الموجودات وتشعبت وتكثرت واختلفت وتفصلت واجملت على الوضع الذي نريه ( تريه خ ) وانما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) هذه الاربعة على حسب ما فيه من الطبايع الاربع التي كل طبيعة حية بالذات فمن عنصر النار ذكر الله اكبر ومن عنصر الهواء ذكر الحمد لله ومن عنصر الماء ذكر سبحان الله ومن عنصر التراب ذكر لا اله الا الله وقد ذكرنا وجه المناسبة في ذلك وانما كانت الطبايع اربع لان الجعل اذا تعلق بالمجعول فعند التعلق يحصل هذه الطبايع فمن جهة الفعل تظهر النار ومن جهة المجعول المفعول به يظهر التراب ومن جهة نسبة الفعل الجعل الى المجعول يظهر الهواء ومن جهة نسبة المجعول المفعول الى الجعل الفعل يظهر الماء وبهذه الاربعة تمت الاركان وكملت بها بنية الانسان ودار به الزمان والمكان وبها تحققت الامور ودهرت الدهور وتم بها الحور والقصور الا الى الله تصير الامور والله ولي التوفيق والهادي الى سواء الطريق
وصل - ولما ذكر الناظم ايده الله بتأييده وسدده بتسديده وجعله من خلص عبيده ما رأى المشيعون والواقفون في ذلك الوادي من نار تجلي موسى ما ارتهم ( اردتهم خ ) التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وهي جوامع الاذكار وكلما سويها تدخل تحت هيمنتها وسلطنتها الا الصلوة على محمد وآله وخلفائه فان لها الهيمنة على هذه الاربعة ولها الرتبة الجامعة والدرجة الرفيعة الشاملة لها ولما سويها وقد ذكرنا في شرحنا على الخطبة الطتنجية لامير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في هذا الباب كلاما وافيا وبيانا شافيا تطمئن به القلوب وتشرح به الصدور وتسكن اليه النفوس وبالجملة فلما اتوا بذكر الله وعرفوا ان ذلك الجناب اي حضرة الامام الهمام موسى بن جعفر عليهما من الله آلاف السلام باب الله وجنب الله ووجه الله الذي يتوجه به اليه الاولياء وبدلالته يصلون الى مقام القرب والزلفي ( وهو ممن تجب مودته وفرض طاعته من اولي القربى خ ) وهو الوسيلة الى الله والذريعة لديه لان مودته وآبائه وابنائه واجبة على كل الخلق من اهل الارض والسماء ما هو مدلول كم الشامل للامة كلها الذين هم العالمون في قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى فلما عرفوا هذا المعنى بالمشاهدة والعيان وبالدليل الواضح والبرهان وعرفوا انه الوسيلة الى الله والذريعة اليه وباب الحوائج ومصدر المناهج فالتجئوا الى ضريحه
وقال سلمه الله وابقاه وجعل له الوسيلة الى بره وتقويه اشارة الى هذه الدقيقة الانيقة والحقيقة العميقة الشريفة المنيفة:
وتزاحموا وتراكموا وتوسلوا وتوقعوا وتخضعوا وتذللوا
اقول : لما تبين لهم ان تلك القبة المشرفة والقبر المنور وذلك الامام الازهر باب الله وتصعد ( مصعد نسخة ع ٤٠ ب ) الحوائج وهو العمل الصالح كما ابن نوح عمل غير صالح والكلم الطيب الحوائج المشروعة استقامة الطوية والسريرة والعمل الصالح الذي يرفع تلك الكلم الطيب الى الله ويقرنها بالنجح والاجابة ذلك العبد الصالح وهو قوله تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ولما عرفوا انه العمل الصالح لرفع الكلم الطيب التي هي تلك الحوائج التي امر الله سبحانه بطلبها التجئوا اليه ورفعوا حوائجهم الى الله سبحانه لديه ولما كان السائل السافل المحتاج حقيرا ذليلا خاضعا خاشعا في الواقع وجب ان تكون هذه الجهات ( كلها خ ) ظاهرة منه حتى يصل الى ما يريد من المقامات العالية والدرجات المتعالية ولما كان التوجه فلا بد ان يكون بكله وبجميع مراتبه حتى تشمله العناية بجميع المراتب ويكون محلا للكرامة بجميع المقامات ولما كان الانسان له جسم ونفس وروح وعقل منخفض وعقل مستوي وعقل مرتفع فوجب التوجه الى الله سبحانه بالوسائل التي جعلها للناس بكلهم وجميع مراتبهم والمراتب منحصرة في هذه الستة اشار الناظم ايده الله الى جهة توجههم في مقاماتهم المفصلة بذلك النير الاعظم والامام المعظم المفخم فقال سلمه الله تعالى وتزاحموا اي بعد التهليل والتكبير والتسبيح في جلال ( جلالة خ ) قدرة الله تزاحموا للتوجه الى ذلك القبر المقدس قبر الامام عليه من الله آلاف التحية والسلام باجسامهم لان المزاحمة شأن الاجسام لغلظتها ولانها ذات ابعاد فلا يمكن ان يحل احدها في محل صاحبه فاذا اراد الكل الوقوف في ذلك المحل لاستلزام ( لاستلام خ ) القبر الشريف وتقبيل المرقد المنيف يتزاحمون يزاحم بعضهم بعضا ويدفع بعضهم بعضا للدنو الى القبر وللالتماس بركته للمسارعة الى الخيرات وعدم الايثار في العبادات فلما تمت توجهاتهم بالاجسام مقام النقش والارتسام والتوجه الجسمي وحده لا يكفي فلا بد من التوجه بسائر المراتب ولما كان اقرب المراتب والمقامات الى الاجسام مقام النفوس فقال وتراكموا والتراكم اعم من المزاحمة وهو اتصال المنفصلات واجتماع المتفرقات كما قال تعالى الم تر ان الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فالتراكم هو الاتصال والاجتماع ولو بغير المزاحمة فان النفوس لما كانت من عالم التجرد لا مزاحمة بينها والقرب والبعد المكاني مساوي لها بالنسبة الى الاجسام ولما كانت نفوس المشيعين كلها متوجهة الى باطن القبر الشريف وكلها مقبلة مجتمعة على شيء واحد من غير تدافع ولا تزاحم كانت متراكمة مقبلة ومتوجهة لان الاجتماع مظنة الخيرات ولذا قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم لا تجتمع امتي على خطاء وعلى ضلالة وقال الله سبحانه وتعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وسائت مصيرا فاذا اجتمعت النفوس وتراكمت على شيء واحد فالله سبحانه وتعالى يوصل الخير اليهم ولذا يستحب الاجتماع عند الدعاء وفي الحديث ما اجتمع اربعون نفسا في دعاء وطلب حاجة من الله الا واستجيب لهم دعاؤهم ولما كان الاقبال بالنفس وحدها لا يكفي بل يحتاج الى مراتب اخر ولما كان اقرب العوالم الى عالم النفوس عالم الارواح اشار سلمه الله تعالى الى نوع توجههم في ذلك العالم فقال وتوسلوا نسب التوسل الى عالم الارواح لان الكثرة الغيبية الموجبة للتراكم والشهودية الموجبة للتزاحم منتفية وهنا مبدأ ظهور العقل الذي ادراكه بفعله معتبر في هذا الشأن والجسم والنفس انما اتيا بهما للتبعية ولان يكون محلا لاظهار العقل ما تقتضيه كينونته ولذا اذا كانت النفس والجسم خاليتين من العقل اما بعدم ظهوره بعد في الغير البالغين والغير المميزين من الاطفال والصبيان او باختلال محله الموجب لعدم استقامة ظهوره كالمجانين لم تحصل منهم العبادة ولا يقع عليهم التكليف اي التكليف العقلاني من معرفة التوحيد والاعمال الصالحة وهو قول سيدنا ومولانا ابي جعفر محمد بن علي الباقر ان الله سبحانه خلق العقل فاستنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا فيمن احب وبك اثيب وبك اعاقب فحصر الثواب والعقاب بالعقل ولما كان الروح هو البرزخ بين العقل وبين النفس فوجهه الاسفل مرتبط ومتصل بالنفس ويجري عليه حكمها والوجه الاعلى مرتبط ومتعلق بالعقل ويجري عليه حكمه ولما كان العقل له مراتب وكل مرتبة يجري عليها حكم غير ( حكم خ ) المرتبة الاخرى اختلف ما ينسب اليها من الافعال وان كان بالنوع رتبة واحدة فاول مراتبه اعلى الروح وهناك مقام التوسل والالتجاء لما تبين له انه الباب ووجه الجناب ولا تلتمس الحوائج الا من ذلك الباب ومن يساويه من الائمة الاطياب والخلفاء الانجاب فوجب الالتجاء والتوسل وجعله وسيلة وذريعة ومعرفة ذلك ولما كانت هذه المعرفة وهذا الالتجاء والتوسل في مقام الارواح بعد تراكم النفوس وتزاحم الاجسام لا يكفي وحدها في انجاح المطالب وحصول المآرب الا بباقي المراتب ولما كان اقرب المراتب الى الروح العقل المنخفض اشار اليه وقال اعلى الله مقامه وبلغه مرامه وتوقعوا يعني انحطوا وسفلوا ووجدوا انفسهم منحطة ومرتبتهم سافلة وذلك بالعقل المنخفض فانه اول مراتب العقل واسفل مقاماته واول ما ظهرت طبيعة العقل من البرودة واليبوسة في هذه الرتبة فاقتضى الوقوع والتوقع والانحطاط والتسافل ولما رأوا نور ذلك العالي سفلوا ووقعوا وانحطوا ولما كان الانحطاط والتسافل لا بد ان يكون في اعلى مقاماته واكمل درجاته في جميع المراتب والمقامات ولا يكفي الظهور بالعقل المنخفض وحده ولما كان اقرب المراتب الى العقل المنخفض العقل المستوي اشار سلمه الله تعالى اليه بقوله وتخضعوا نسب الخضوع الى العقل المستوي لان المقام كل ما ترقى ظهور عظمة الله يكون اكثر ولا تظهر العظمة الا بمعرفة نفسه خاضعة ذليلة لان فخر الامكان وكماله التذلل لله والخضوع والخشوع كما قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم الفقر فخري وبه افتخر وكلما تزداد المعرفة يزداد الانكسار فلما توقع في المرتبة المتقدمة خضع وخشع في هذه المرتبة التي هي اعلى من ما قبلها ولما كان التوجه بالعقل المستوي وان كان كافيا وافيا لكنه اذا كان بجميع المراتب كان اكمل واوفي ولما كان اقرب المراتب الى العقل المستوي العقل المرتفع اشار سلمه الله تعالى الى فعله وتوجهه فقال سلمه الله تعالى وتذللوا والذلة لا تكون الا بالخضوع والخشوع في جميع المراتب ووجدان نفسه محتاجة فقيرة في كل المقامات والمراتب ولما تمت المراتب وكملت جهات التوجه ووقع كمال التذلل عرفوا انفسهم بانهم ذليلون محتاجون من جميع المراتب والمقامات وهناك مقام الاستغاثة ومقام الانابة ومقام طلب السؤال والحاجة والاستغفار والتذلل
فلما جاؤا متذللين متخضعين متوقعين متوسلين متراكمين متزاحمين بقوا يذكرون الوسيلة كما اخبر عنهم الناظم ايده الله وسدده وشملته آثار رحمته ونظر اليه بعين عنايته فقال :
جاؤك في آثار رحمة ربهم قد توجوا فيها الرؤس وكللوا
اقول : وان كان كلام الناظم من باب الاخبار الا انه حكاية عن لسان حالهم واستعدادهم فخاطب الامام عليه السلام وقال جاؤك اي القوم المشيعون الذين حملوا اعلام الهداية ونشروا الوية النبوة والولاية وعظموا شعائر الله واظهروا امر الله فجاؤك في آثار رحمة الله اما الاثر فهو على قسمين اثر متصل واثر منفصل اما الاثر المتصل فهو كل سافل يستمد من عاليه ويكون العالي باب فيضه ويد غيره ويد مبدئه وهذا الاثر منسوب الى المبدأ وان كان بواسطة هذا العالي كالولد فان الوالد باب المدد له وحامل الفيض من الله سبحانه اليه لان الولد اثر للوالد يعني منسوب اليه دال عليه مردود اليه سواء كان للثاني المسمى بالاثر المتصل له غني عن عاليه ام لا اما الاول فكالابن للاب في العالم الجسماني فان الاب وان كان بابا لثبوت الابن ووجوده ولولاه لما تحقق الابن في العادة ولكن الابن لما تحقق واستقرت النطفة في رحم الام استغني عن الاب ولذا اذا مات الاب لا يموت الابن ولا ينقطع من هو ثابت باقي وهذا الكلام قشري وصوري لان هذا الاب ليس اب حقيقي فلو كان اب حقيقي لكان اصلا ولو كان ( كان ابا حقيقة لكان اصلا وكان خ ) الابن فرعا ولا يمكن تحقق الفرع بدون الاصل لان المدد الذي يأتي الى الثاني بحسب ظاهر الاسباب انما يتأتي بترجمان الاول فاذا مات المترجم انقطع الترجمان ولا يصلح المدد الاول للثاني فيجب ان لا يكون ولو امكن لمحتاج ( لما احتاج خل ) في الاول فليس هذا من باب الاثرية الاتصالية بل الاثر المتصل لا يزايل مؤثره المتصل فلو فارقه آنا واحدا تعدم وفسد فالاب الذي هو مؤثر في الابن ويد للمبدأ بالنسبة اليه هو المادة اي مادة الولد والام الصورة اي صورة الولد ولما كان الشخص حاملا لتلك المادة سمى ابا اطلاقا باسم الحال على المحل وذلك شايع ذايع فالاب تلك المادة والام تلك الصورة والولد هو الحاصل من اجتماعهما فلا يفارقهما بحال من الاحوال وبطور من الاطوار لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في الرحم وبالجملة فان الاثر وان كان متصلا لم يزل مع المؤثر ولا يفارقه بحال من الاحوال وان كان من سنخه ومن جنسه ومن نوعه فالاثر المتصل هو الذي يأتي اليه المدد بترجمان مؤثره الذي هو قبله ويطلق المؤثر للاثر المتصل الاسباب والمعدات واليد وامثال ذلك فالفؤاد اثر منفصل من المشية والوجود المطلق والعقل اثر ( متصل خ ) للفؤاد لان نسبته اليه نسبة الماء الى الثلج والروح اثر متصل للعقل والنفس اثر متصل للروح والطبيعة اثر متصل للنفس والمادة اثر متصل للطبيعة والمثال اثر متصل للمادة والجسم اثر متصل للمثال والعرش اثر متصل للجسم الكل والكرسي اثر متصل للعرش والشمس اثر متصل للعرش بواسطة للكرسي ( الكرسي خ ) وزحل اثر متصل للشمس والافلاك الستة آثار متصلة للشمس ولا ترتب بينهما اي بين الستة والنار اثر متصل للافلاك والهواء اثر متصل للنار والماء اثر متصل للهواء والتراب اثر متصل للماء والمعدن اثر متصل للعناصر من حيث الظهور والنبات اثر متصل للمعدن قائما به قيام ظهور والحيوان اثر متصل للنبات في الظهور فالانسان كذلك انما قلنا في الظهور لان في الوجود بالعكس وظهور العالي لازال قائما بالسافل ولذا قلنا ان ظهور العالي قائم بالسافل كقيام ظهور نور الشمس بالارض فلولاها لم يظهر النور لان النور هو موجود وجدت الارض ام لم توجد كذلك ظهور النبات بالمعدن ووجود المعدن بالنبات وظهور الحيوان بالنبات ووجود النبات بالحيوان وهكذا الحكم في قوس الصعود والنزول ففي قوس النزول كل ثان اثر لاوله اثرا متصلا وفي قوس الصعود كل ثان مؤثر لاوله اثرا متصلا وظهوره اثر الاول اثرا متصلا فخذ هذه القاعدة واحفظها فانها مطردة لا تختلف في حال من الاحوال واما الاثر المنفصل فهو كل سافل منسوب الى العالي من حيث هو لا من حيث انه يد الا بمعنى تأويلي كشعاع الشمس بالنسبة الى الشمس وكالصورة بالنسبة الى الشاخص وكالظل بالنسبة الى ذي الظل فعلى هذا فحقيقة الانبياء من حيث التعين اثر منفصل للحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) وحقيقة الرعية من الانسان اثر منفصل لحقايق الانبياء والجن اثر منفصل لحقيقة الرعية والبهائم اثر منفصل لحقيقة الجن والنباتات اثر منفصل لحقيقة البهائم من الحيوانات والجمادات اثر منفصل لحقيقة النباتات والاثر المتصل حقيقة واحدة مع مؤثره ولكنه قشر وفاضل منه
تمثيل قشري - اللوز له دهن وله سفل وللسفل ( ثفل وللثفل نسخة ع ٤٠ ب ) قشر رقيق وله قشر غليظ وعلى ذلك القشر قشر كثيف فالدهن اثر متصل لاشعة الافلاك والسفل ( الثفل نسخة ع ٤٠ ب ) اثر متصل للدهن وهو قشر له والقشر الرقيق اثر متصل للسفل ( للثفل نسخة ع ٤٠ ب ) والقشر الغليظ اثر متصل للقشر الرقيق وكل اثر متصل اذا عبرنا عنه به نريد على هذا النوع من البيان فافهم واتقن حتى لا تختلف عليك الامور فانه باب من العلم ينفتح منه الف باب ثم اعلم ان الشعاع ايضا له هذان الاطلاقان شعاع متصل وهو الاثر المتصل وشعاع منفصل وهو الاثر المنفصل فالاثر المتصل من سنخ مؤثره وبينهما جهة جامعة فاذا اطلق لفظ واحد عليهما كان الاطلاق من باب الاشتراك المعنوي على التشكيك دون التواطي للتقدم والتأخر والشرافة والدنائة والاولية والثانوية والاولية وغير الاولية ( والاولوية وغير الاولوية خ ) واما الاثر المنفصل فلا تجمعهما حقيقة واحدة اذا اطلق لفظ على الاثر والمؤثر كالنور على الشمس وعلى الشعاع وكالانسان على الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) وعلى الانبياء وعلى الرعية ( وكالحيوان على الحقيقة المحمدية وعلى الانبياء وعلى الرعية خ ) وعلى الجن وعلى البهائم وكالجسم النامي على الحقيقة المحمدية صلى الله عليها ( عليه وآله خ ) وعلى الانبياء وعلى الرعية من الانسان وعلى الجن وعلى البهائم وعلى النباتات وكالجسم المطلق على كل ما ذكرناه وعلى الجمادات وكاطلاق الجوهر على كل ما ذكرناه وعلى العقول القادسة والنفوس المفارقة وكاطلاق الوجود على الكل وكاطلاق المؤمن على الكل وكاطلاق المسلم على الكل وهكذا من ساير الاطلاقات فانها ليست من باب الاشتراك المعنوي تشكيكا كان او تواطئا وانما هو من باب الحقيقة بعد الحقيقة كما شرحناها وبيناها في كثير من مباحثاتنا وقد كتب بعض التلامذة رسالة في الحقيقة بعد الحقيقة والوضع الخاص والموضوع له العام الذي احاله كثير من الناس وهي رسالة جيدة منطوية على مطالب شريفة في هذا الباب فمن ارادها فليطلبها فعلى هذا اذا وجدت لفظا اطلق على الاثر المتصل والمؤثر وكان اطلاقه على الاثر حقيقة لوجود علائم الحقيقة فيه فاقطع قطعا بحتا باتا على ان ذلك اللفظ المستعمل في الاثر حقيقة هو المستعمل في المؤثر حقيقة وان وجدت فيه علائم المجاز لان الواضع اذا كان هو الله سبحانه فلا يخل بالحكمة كما اشرنا اليه سابقا واما اذا كان استعماله في المؤثر حقيقة وفي الاثر ان وجدت فيه علايم الحقيقة فالاشتراك معنوي والصدق على التشكيك واما اذا اطلق لفظ على الاثر المنفصل ومؤثره وكان حقيقة في الاثر لوجود العلائم فيه فاقطع قطعا حقيقيا باتا على انه حقيقة في المؤثر وجدت علائم المجاز في المؤثر ام لم توجد نص اهل اللغة بذلك اي بمجازية المؤثر ام لم ينصوا فان العلائم ( وقول اهل اللغة خ ) انما يصار اليه اذا لم يحصل العلم القطعي بالموضوع له فاذا حصل العلم بالموضوع له وتبين انهم لم يعثروا على الواقع فلا اتباع لقولهم ولا ركون الى نصهم لانهم ليسوا من اهل اللسان وانما هم استنبطوها من محاورات العرب واشعارهم وخطبهم وحكاياتهم وامثال ذلك وجواز الخطاء عليهم من اجلي البديهيات والمناط المعتبر حصول العلم القطعي في المعنى خالف في ذلك الفيروزابادي او وافق وليس هو باولى من غيره ولم يأت نص من الله ولا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله خ ) على اتباعه فالبرهان احق بالاتباع حيث ما وجد ولا قام اجماع على لزوم اتباعه وان قام الدليل القاطع على خطائهم افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع ام لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون قال مولينا وسيدنا الباقر روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان علمتم فقولوا والا فلا فافهم والا فها فافهم وثبت ( والا فلا فافهم وتثبت خ ) ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله وايانا الى الصراط المستقيم
اما الرحمة فاعلم انها فيض الله سبحانه الجاري على اطوار الموجودات فان جرى على مقتضى المشية الحتمية فهي الرحمة الواسعة وان جرى على مقتضى المشية العزمية فهي المكتوبة وبيان ذلك ان الله سبحانه حتم على نفسه ان يجري فيض جوده على حسب القوابل والاعيان والاستعدادات على حسب ما جرى في علمه وقضائه وقدره خيرا كان ام شرا نعيما كان ام اليما جنة كان ام جحيما ومقتضي هذه المشية الحتمية تسمى رحمة العدل وهو قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء ولا شك ان الجنة شيء والنار شيء والثواب شيء والعقاب شيء وظهور الحق سبحانه بهذه الرحمة هو اسم الرحمن قد استوى اي ظهر متساويا نسبته الى جميع ذرات ( الذرا نسخة ١٣٠٥ م ) الوجودية من استقامة او اعوجاج من خير او شر عال او دان لان نسبة المبدأ الى جميع الموجودات الحادثات على حد سواء والا كان مختلف النسبة ومختلف النسبة حادث فاسم الرحمن هو الظاهر بالرحمة الواسعة قد استوى على العرش يعني جعل العرش خزانة لجميع الامدادات والفيوضات التي تستحقها قوابل السفليات وهو متساوي النسبة يعطي كل من سئله على قدر سؤاله ولو سألته القوابل على نسبة واحدة اعطاهم اياها ولكنها لما سألت بالاختلاف اجابهم وهو قوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فنسبة الماء نسبة واحدة والقوابل اختلفت والماء هو ماء الوجود والسماء هو العرش نزل منه الماء ماء الافاضة باسم الرحمن والرحمن يوصف بالاسماء المتقابلة كالغافر والمنتقم وكالرؤف والقهار وكالعطوف والجبار وكالمحيي والمميت وكالمنعم والمعذب وهكذا في ساير الاسماء وهذا الاسم اي الرحمن هو الآخذ بناصية كل شيء وكل دابة لما بينا سابقا من ان كل شيء له شعور وقوة وحركة يدب في ارض القابلية فكل شيء دابة وهو قوله تعالى ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم والصراط المستقيم هو الرحمة الواسعة والقدرة الجامعة وهو الذي عم كل شيء من شقي وسعيد وحق وباطل وطاهر ورجس كما نص عليه الله بقوله الحق فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون وقوله تعالى وهذا صراط ربك مستقيما يريد بالمشار اليه بهذا شرح صدر المؤمن وضيق صدر الكافر وجعل الرجس على الذين لا يؤمنون هو الصراط المستقيم والمنهج القويم وفصل الخطاب والقول الفصل الذي ليس بالهزل وهذا الصراط المستقيم هو مقتضي اسم الرحمن الظاهر بالرحمة الواسعة والرحمة الواسعة هو الماء الذي ينزل من القرآن يعني من اسم الله فيه شفاء للناس ولا يزيد الظالمين الا خسارا فافهم واتقن واما الرحمة المكتوبة فهي رحمة الفضل وهي التي قال تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة بعد قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فان كانت الرحمة الواسعة هي رحمة الفضل والخير لما كان لقوله تعالى فسأكتبها الآية معنى محصلا لان تلك الرحمة قد وسعت كل شيء فاي اختصاص بالمؤمنين لها اذا لم تكن لها مزية فتلك الرحمة هي الرحمة التي يدخل اهل الجنة الجنة ويوصل بها اهل الخير اليه ويجعل النور في القلب ويشرح الصدر ويقوي الايمان ويذهب النفاق ويجنب المعاصي والسيئات ويوجب الطاعات والحسنات وهذا مقتضي المشية العزمية وهي مشية المحبة فان الله سبحانه وتعالى احب لعباده الخير ليوصلهم الى جنات النعيم على مراتب الجنة من جنة الوحدة وجنة الاسماء والصفات وجنة اللذات والشهوات وجنة الذكر والمناجاة وامثالها من جوامع الخيرات ومحاسن المبرات وعظايم الحسنات وهذه الرحمة تسمى رحمة الفضل والرحمة المكتوبة وهي مائة جزء اظهر الله سبحانه في الدنيا جزءا واحدا منها بها يرحم الناس بعضهم بعضا وتعطف الوالدة على اولادها والاب الى ابنائه والمحب الى حبيبه والصديق الى صديقه وكل حنين وعطف ورأفة ولطف واحسان وامتنان وانعام واكرام وغير ذلك من جوامع الاحسان كل ذلك بجزء واحد من الرحمة المكتوبة واودع تسعة وتسعين جزء في خزائنه الغيبية او في الركن الايمن الاعلى من العرش فاذا جاء يوم القيمة اظهرها وضم اليها هذا الجزء الذي في الدنيا فيرحم بها عامة عباده ممن ارتضى من المسلمين والمستضعفين من ساير الملل حتى يأتي ذمي الى المؤمن ممن ارتضى دينه فيقول له ان لي عليك حقا فيقول ما ذلك ( الحق خ ) فيقول استظللت بظل جداري في يوم حار فيذكره ذلك فيشفع له ويأتيه آخر فيقول ان لي عليك حقا فيقول المؤمن ما هو يقول سقيتك ماءا باردا في يوم حار فيذكره المؤمن فيشفع له وهكذا تنبسط الرحمة وتشمل عامة اهل الاسلام ما عدا الكفار ماحضين الكفر محضا حتى ان ابليس ليتوقع الرحمة
تبيين - قد تطلق الرحمة الواسعة على رحمة الفضل ايضا كما في الدعاء اللهم انك قلت وقولك الحق ورحمتي وسعت كل شيء وانا شيء فلتسعني رحمتك يا كريم ولا ريب ان الداعي لا يطلب رحمة العدل فان ذلك لا بد ما يجري لانه سبحانه وتعالى حكيم لا يخالف مقتضي الحكمة والسؤال في هذا المقام مستغن عنه وانما السؤال فيما لولاه لم يقع وذلك رحمة الفضل لان الخلق بعدل الله ما يستحقون شيئا من الخير كما قال تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى وقال تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون اي من الاعمال والافعال وقال سيد الساجدين وزين العابدين في الدعاء كل مننك ابتداء وكل احسانك تفضل لا يجب لاحد ان تدخله جنتك باستحقاقه ولا يوجبه رضوانك باستيجابه وله روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء دعاء احب ان اورده في هذا المقام بتمامه لتعرف مقام الخلق في استحقاقهم الجنة او الخير وهو لعمري دعاء تحير فيه الافهام وتحسر عن ادراكه الاذهان وتعجز عن البلوغ الى ادنى مراقيه طامحات العقول والاوهام ولا يفتح مقفله ولا يفك معضله ولا يسهل مشكله الا بما ذكرنا سابقا في مقام التنزيه عن البيان فما اسعدك لو وفقت لمعرفة ذلك التبيان فانه قل ما عثر عليه انسان والدعاء هذا : الهي وعزتك وجلالك لو انني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين بحمد الخلايق وشكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك ولو انني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي وحرثت ارضها باشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السموات والارضين دما وصديدا لكان ذلك قليلا من كثير ما يجب من حقك على ولو انك يا الهي عذبتني بعذاب الخلايق اجمعين وعظمت بالنار خلقي وجسمي وملأت طبقات جهنم مني بحيث لا يكون في النار معذب غيري ولا لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلا من كثير ما استحق من عقوبتك يا كريم تأمل في هذا الدعاء الشريف فانظر ( وانظر خ ) هل يبقى بعد ذلك الا ما قال تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وتأمل في هذا الكلام الشريف وامعن النظر فيه وبالجملة فرحمة العدل ليس شيء يسئل عنها او يطلبها لان الخوف كل الخوف من عدله تعالى ونقول ربنا عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك وفي الدعاء وكل خوفي من عدلك فالرحمة التي سألها الامام بقوله ورحمتك وسعت كل شيء وانا شيء فلتسعني رحمتك يجب ان تكون هي رحمة الفضل دون العدل الا انه يرد هنا اشكال وهو ان الفضل ليس عاما لكل شيء وانما هو خاصة للمؤمنين لقوله تعالى ويؤت كل ذي فضل فضله فلا يشمل كل احد والا يلزم الا تكون نار ولا عقاب ولا جهنم ولا كدورة ولا شيء مما يكرهه الانسان لان الفضل بيد الله يعطيه من يشاء ولا اختصاص له بحال دون حال وبشخص دون شخص مع وجود المقتضي ورفع المانع بعيد عن الكرم بل قبيح علي ولي النعم وحينئذ كيف يجتمع ويوافق ( يطابق خ ) المذهب قوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء واردنا بذلك رحمة الفضل فان الفضل يخص ولا يعم ويجب تخصيص الشيء حتى ينطبق مع القواعد الاسلامية والآيات القرآنية ولكن هذا التخصيص ينافي قوله عليه السلام في الدعاء وانا شيء وظاهره الاستدلال بعموم الشيء والا لما صح هذا الاستدلال اذا كان مخصوصا اللهم الا ان يقال حيث ان الله سبحانه ( وتعالى خ ) عالم السر والخفيات يعلم مراد السائلين ويطلع على ضمائر الطالبين خاطبه الداعي عليه السلام بما عنده مما يعلمه ان الله يعلم ما في سره وقلبه وهو قوله تعالى واسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فكأنه اراد عليه السلام بقوله ورحمتك وسعت كل شيء يعني فضلك شامل فوسع كل من رضيت دينه لان قلت وقولك الحق من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه وقلت وقولك الحق ولا يشفعون الا لمن ارتضى اي من ارتضى دينه وقلت وقولك الحق ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول وانا يا الهي ممن ترضى دينه لاني آمنت بالتوحيد والنبوة والولاية واتيت بالذي امرت بالاتيان اليه خاضعا خاشعا مسلما محكما له فيما يقع التشاجر فانا يا الهي ( شيء خ ) ممن ترتضى عنه في الدين فلتسعني رحمتك اي فليشملني فضلك ولا تؤاخذني بالمعاصي التي اقترفت واياه ارتكبت اذا كان ديني سالما واعتقادي صحيحا فبهذا ينزل كلامه عليه السلام ويخصص شيء وما قاله بعض المتكلفين ان المراد بهذه الرحمة لغة الوجود وهي عامة شاملة لكل موجود ومفقود فبعيد عن التحقيق وتكلف ظاهر مع انه لا ينطبق بالواقع لان رحمة العدل هي الوجود وهي الفيض الذي ذكرناه والوجود والفيض انما تظهر بالقوابل
كقطر الماء في الاصداف درو في بطن الافاعي صار سما
لقد افصح الحق سبحانه عن هذه الدقيقة الانيقة بقوله تعالى انزل من السماء ماءا فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فكون الرحمة هي الوجود والفيض لا يقتضي ان يكون خيرا ونورا في جميع الموارد كما هو المعلوم الظاهر
تنبيه - اعلم انهم قالوا ان الرحمن هو معطي الرحمة والخير والرزق في الدنيا والرحيم هو معطي الخير والنور في الآخرة فعلى قولهم ان الرحمة فضل مطلقا الا ان الفضل في الدنيا يشمل المؤمن والكافر من ادرار ارزاقهم وابقاء حياتهم ورفع الاذى عنهم وايصال الكل الى مطلوبهم بما شاء الله كيف شاء الله وهو رحمة الرحمن واما الرحيم فهو المتفضل على المؤمنين في الآخرة بالجنة والنجاة من النار ودفع الشدايد اهوال القيمة والثبات على الميزان والجواز على الصراط كالبرق الخاطف وامثالها من نعم الله سبحانه على المؤمنين في دار الآخرة فخصوا رحمة الرحمن في الدنيا وخصوا رحمة الرحيم في الآخرة ولست ادري ما الذي الجأهم الى هذا القول الفاسد وما الذي احوجهم الى هذا المذهب الكاسد مع انه عليه السلام قال في الدعاء يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما فنسب الرحمن الى الدنيا والآخرة والرحيم الى الدنيا والآخرة فاين الاختصاص الذين يزعمون ان الرحمن مختص بالدنيا والرحيم مختص بالآخرة وقال مولينا الصادق روحي له الفداء وعليه السلام من الملك الخالق في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم قال الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله الى ان قال الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة يعني ان الرحمن اسم خاص بالله سبحانه لا يصح اطلاقه على غيره تعالى ووجه هذا الاختصاص ان صفته اي الظهور بالرحمة عامة شاملة لكل شيء من الاشياء ومخلوق من المخلوقات ويعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه فمن جهة عموم هذه الصفة وعدم صحة صدقها على غيره تعالى اختص هذا الاسم اي اسم الرحمن به تعالى ولا يجوز اطلاقه على غيره لان الرحمن هو الجامع لصفات الاضافة وصفات الخلق والاسم الله هو الجامع لصفات القدس والاضافة والخلق وبهذا يفرق بين الاسمين الاعليين وكلاهما بالله سبحانه وتعالى لا يصح اطلاقهما على غيره وقول الشاعر في مدح مسيلمة الكذاب وانت غوث الوري لازلت رحمانا لا ينهض حجة على الجواز لان الشرع منعه وقول الخارج من الشرع لا يعبؤ به ولا يلتفت اليه وبالجملة فكلام الصادق عليه السلام نص في الاختصاص وانه عام يشمل كل شيء من الموجودات لانه لم يذكر متعلق العام فيكون شاملا لكل شيء من الاشياء ولكل موجود من الموجودات ولست ادري ما الذي دعاهم الى هذا التخصيص اظنه لما ذكر في كتب اللغة ان الرحمة لرقة القلب والرحمن بزعمهم وان لم يستعمل في معناه الحقيقي بقولهم ان الرحمن مجاز بلا حقيقة ( لكنه خ ) يراد منه العطف والرأفة لان شرط المجاز ان يكون مناسبا للمعنى الحقيقي فوجدوا المناسبة اذا اطلق على الله سبحانه الرأفة والعطف فقالوا ان الرحمن عطف ورأفة لكنه في الدنيا شاملة للمؤمن والكافر والعادل والفاسق والعالي والسافل والدني والفاضل والرحيم فضل خاص للمؤمنين في الآخرة لانه يقبح شمول الرحمة للكفار واختص بالمؤمنين الاخيار وهذا القول مناف لظاهر الآية ورحمتي وسعت كل شيء بل نصها ومناف لصريح الدعاء يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ومناف لصريح كلام الصادق روحي له الفداء وعليه وعلى آبائه آلاف التحية والثناء وترك الكتاب والسنة وقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام الذي هو من افاضل علماء الامة لاجل اعتبار استحساني يشبه المجاز به ( المجازفة نسخة ع ٤٠ ب ) مخالف للعقل السليم والطبع المستقيم فالرحمن عام كما ذكرناه والرحيم خاص كما قلناه والرحمة التي في الدنيا بمعنى التفضل على الكافر من جهة ادرار الرزق وما شاكل ذلك فذلك من رحمة الرحيم لا الرحمن فان الفضل يشمل الكافر لمصلحة المؤمن لا لنفس الكافر لان الله سبحانه امد الكفار وحفظهم عن طوارق الليل والنهار وجعلهم عن حوادث الدهر في اكنة وقرار لاجل انس المؤمنين لتوقف امور معاشهم وما يصلح احوالهم حتى يتمكنوا من اصلاح معادهم في مقام العادة بحسب الاسباب الظاهرية على اغلب الناس غير المؤمنين والمسلمين الا ترى الافرنج وصنايعهم وتسهيلهم للامور وكذا غيرهم كل ذلك لاجل المسلمين وفي الحقيقة هذا الفضل على المسلمين لا الكفار واما رحمة الرحمن في الدنيا رحمة العدل فمن نحو قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين قال تعالى واملي لهم ان كيدي متين واي فضل فيما كان على سبيل المكيدة وعاقبته نار الحطمة ومن نحو قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه الى قوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ومن نحو قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وقوله تعالى وبكفرهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وامثالها مما نشاهد من نزول الوبال واللعنة على الكفار وبالجملة فاسم الرحمن له ظهور في الدنيا والآخرة والرحيم له ظهور في الدنيا والآخرة على ما فصلناه لك منه ببعض البيان
حكمة ايمانية - قد سرى في الاوهام وجرى في الاذهان ان الرحمن مجاز بلا حقيقة وان الرحمة قد وضعت لرقة القلب وهي محال على الله فالرحمن استعمل في خلاف ما وضع له ابدا ولم يستعمل فيما وضع له وهكذا الكلام على التحقيق الذي سبق منا في مبحث الاثر كلام خارج عن التحقيق وبعيد عن وصمة ( وسمة خ ) التدقيق لانا قد بينا هناك ان اللفظ اذا اطلق على الاثر والمؤثر وكان حقيقة في الاثر يجب ان يكون حقيقة في المؤثر سواء كان وجدت علائم الحقيقة فيما يطلق على المؤثر ام لم توجد وسواء وجدت علائم المجاز فيما يطلق على المؤثر ام لم يوجد بعين ما ذكرنا سابقا واي عاقل يرضي بان يقول ان الله لم يكن رحمانا قبل ان يخلق العباد وقبل ان يخلق قلوبهم وقبل ان يخلق رقتها ثم خلق القلوب ورقتها ثم وضع لها اسما ثم استعار منه له تعالى اسما سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا والحقيقة ذكر والمجاز انثي فنسبوا الحقيقة الى انفسهم والمجاز الى الله الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزي ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين
تحقيق عرشي - قال تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وهذه الرحمة يصح ان يكون رحمة واسعة وهي رحمة عدل في مقام النبوة لانه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) لما دعى الخلق الى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوتين التكويني والتشريعي في العالمين في الغيب والشهادة والاجمال والتفصيل والوحدة والكثرة والخلق قاطبة بين مصدق ومكذب في ظاهر اللسان واما في باطن الجنان فهم بين مصدق ومكذب ومستضعف متوقف فالمصدق بايمانه وتصديقه كان النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) له نورا ورشدا موصلا له الى اعلى عليين ومسببا له اسباب التوفيق ومجنبا له عن المعاصي والسيئات وسوء الاخلاق وسوء الاعراق واضمار النفاق وابطان الشقاق وامثال ذلك مما ينافي الوفاق وكان لهؤلاء فضلا ونورا وللمكذبين ظلمة ووبالا ونكالا وعذابا وطبعا للقلب وضيقا للصدر والتباسا للامر واضطرابا في القلب وامثال ذلك واما المتوقفون فيلهي منهم ويرجي امرهم حتى تصفوا قلوبهم وتظهر بواطنهم اما يعذبهم واما يتوب عليهم وهذا هو مقتضي العدل ويصح ان تكون الرحمة رحمة الفضل لانه صلى الله عليه وآله بركة للعالمين وامان لهم عن الهلاك والعذاب كما قال تعالى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وقد انقطع العذاب عن هذه الامة ولو اتوا بالكباير وموبقات الجراير كما كان شأن الامم الماضية من نزول العذاب عليهم بغرق وحرق وخسف ومسخ وصاعقة وصيحة وامثالها من انحاء العذاب وقد ارتفعت عن هذه الامة ببركة هذا السيد الطاهر والنور الباهر عليه آلاف التحية والثناء من الملك القادر وكذلك ما كان على الامم الماضية من العسار ( الآصار خ ) والشدائد التي هي مذكورة في محلها ومثبتة عند اهلها كوجوب حمل بني اسرائيل قرابينهم على اكتافهم الى موضع مخصوص يذبحونها فيه وكوجوب قرض بني اسرائيل لحومهم اذا تنجست بنجاسة البول وككتابة المعصية اذا هم احدهم بها ولم يفعلها وكالكتابة على باب دورهم اذا ارتكب صاحب الدار معصية ان فلان بن فلان عصى المعصية الفلانية وكان له بها العار والفضيحة والشنار وكانوا يؤاخذون بالخطاء والسهو والنسيان وكان اذا ارتكب احدهم معصية واحدة لم يغفر له حتى يتضرع ويخشع ويخضع ويهجر ملاذ الاطعمة والمشتهيات قريبا من خمسين سنة او ستين سنة وبعد ذلك ربما يغفر له ام لا وامثالها من العسار ( الآصار خ ) والشدايد كثيرة وكل ذلك ارتفع عنا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) وفضله فكان هو رحمة للعالمين وفضلا من الله عليهم اجمعين وهو قوله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وفضل الله هو رتبة النبوة لما ذكرنا من ان النبي صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) فضل على الخلق وبركة ودعا لهم ورفع عنهم اعظم الآصار والمضار وذلك بقبوله عن الله تعالى وامتثاله لامره وحكمه لما كلفه تعالى بمضمون الآية وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله سبحانه اذا كلف الامم الماضية يعني انبياءهم بذلك كانوا يستثقلون ويقولون ربنا لا طاقة لنا بذلك ولا اممنا لهم طاقة بذلك فاذا رأى الحق سبحانه منهم الاستثقال كان يلزم عليهم ولذا كانت الامم الماضية اذا هم واحد منهم بمعصية كتبت له ولما اوحى الى نبينا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ما اوحي وكان مما اوحي ان كلفه صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) بمضمون الآية الشريفة ولما كان صلى الله عليه وآله حبيبا وكان الحبيب لا يستثقل شيئا مما يرد عليه من محبوبه بل كان يفرح ويسر اذا اتى اليه امر من المحبوب وان كان فيه هلاك نفسه فكيف اذا كان فيه حيوته فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ولباه واجاب داعي الحق بالسمع والطاعة والقبول فلما رأى الحق سبحانه منه القبول قال سبحانه آمن الرسول بما انزل اليه من ربه ثم اجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عن امته ورعيته فقال صلى الله عليه وآله والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ولما رأى الله سبحانه سرعة اجابته صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) عن نفسه وعن المؤمنين من امته تفضل عليهم وقال يا محمد لئن اجبت واطعت فاسئل تعط واشفع تشفع قال صلى الله عليه ( وآله خ ) وسلم ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال تعالى لك ذلك وكانت الامم الماضية اذا اخطأوا او نسوا او سهوا يؤاخذون ويجري عليهم احكام الذي ترك عمدا فرفع الله سبحانه عن هذه الامة كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) واجابة لدعائه ثم قال صلى الله عليه وسلم ( وآله خ ) ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال تعالى لك ذلك فرفع عن امته الآصار والشدائد التي اشرنا الى بعضه ( بعضها آنفا نسخة ١٣٠٥ م ) وفصلها امير المؤمنين عليه السلام في جواب مسائل الزنديق مشروحا في الاحتجاج فارتفعت تلك الآثار كرامة للنبي المختار عليه وآله وصحبه سلام الله الملك الجبار ثم قال صلى الله عليه وآله ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به والمراد من هذه الطاقة الطاقة العرفية كما اذا كلفهم بقرض لحومهم وابشارهم او يمشون على رؤسهم او لا ينامون لياليهم وايامهم ويشتغلون بالافعال الشاقة وامثال هذه المراد بما لا طاقة لنا به عادة فقال سبحانه لك ذلك فرفع عنه وعن امته ما لا يطيقون عادة كما كانوا مكلفين بقرض لحومهم اذا اصابتهم بنجاسة ( نجاسة نسخة ١٣٠٥ م ) البول ثم قال صلى الله عليه وآله واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولينا قال سبحانه لك ذلك فقد غفر سبحانه ذنوب امته وعفي عنهم ورفع عنهم تخليد العذاب بما كانوا يرتكبون من الموبقات والجراير والسيئات فكل امة محمد صلى الله عليه وآله من امة الاجابة لا بد يؤل الى الجنة وما اصابهم العقوبات عند الموت والشدائد واهوال القيمة او الالقاء في النار مدة ثم اخراجه عنها وادخاله الجنة فذلك لما عراهم اي امته من لطخ الكفار والمنافقين الاشرار وادخالهم في النار مدة يسيرة لتصفيتهم عن غش ما اصابهم من لطخ اولئك الكفار الفجار والا فامته (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) مغفورة ذنوبهم مستورة عيوبهم لبركة دعائه وهو قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر يعني ذنب امته حيث نسبه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) الى نفسه تشريفا لامته وتفخيما لهم وتعظيما والا فرسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) لا ذنب له بحال من الاحوال الا ان حسنات الابرار سيئات المقربين ثم قال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) فانصرنا على القوم الكافرين قال تعالى لك ذلك وحكم له بان ينصره ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون وهذه كلها كرامة من الله سبحانه لرسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) على هذه الامة وهو قوله تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فكان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) رحمة للعالمين رحمة الفضل على ما بينا فقول الناظم ايده الله بتوفيقه وتسديده جاؤك في آثار رحمة ربهم اشارة في الباطن الى قوله تعالى فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها فاذا كان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) هو الرحمة اي رحمة الله كما نص عليه سبحانه وتعالى ( بقوله خ ) وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وقد ذكر ان آثار الرحمة حيوة الارض بعد موتها والمراد بهذه الارض ارض الاكوان وموتها عبارة عن ذكر الامكان فان الذكر لا وجود له ظاهرا فهو بحكم الموت فيكون من آثار النبي الذي هو الرحمة حيوة الاكوان ووجودها وتحققها على ما هي عليه من اختلافها وايتلافها وهذه الرحمة تصح ان تكون رحمة العدل وان تكون رحمة الفضل والثاني اقرب والى المقام انسب وان كان الاول ايضا له مناسبة فان حيوة كل شيء على حسبه وحيوة المؤمن بالهداية والارشاد وتنوير القلب كما قال تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وحيوة الكافر موت قلبه وطبعه والختم عليه وامثالها من الامور كما قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فالحيوة بالمدد الا ان مدد كل شيء من سنخه فعلى هذا البيان جميع ما في الوجود الكوني من آثار نبينا (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) الا ان من الآثار ما هي متصلة وما هي منفصلة وقد اشرنا الى نوع المتصل والمنفصل من الآثار فراجع وهذا هو المعنى الحقيقي والمدح الواقعي الذي فوق ما يقوله القائلون ويصفه الواصفون والى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله في مدح النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) :
ما عسى ان اقول في ذي معال علة الكون كله احديها
فهو الذي نص عليه سبحانه بقوله فانظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها والضمير المرفوع في يحيي في الظاهر راجع الى الله لبيان ان النبي ليس مستقلا وليس الفعل منسوبا اليه ابتداء وانما هو منسوب الى الله والرحمة هي اليد وهي السبب لاحداث الاشياء ووجودها وتحققها وقد قال تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات فالرحمة هو الذي ارسله للعالمين رحمة وجعله في الخلق سراجا وهاجا فالرحمة هي الاصل والقطب والرياح المحور والسحاب الثقال الدائرة وبها تمت كلمة كن امر الله التي قامت به السموات والارض كما قال تعالى ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون لما تمت الكلمة انزل منها ماء الدلالة ساقه الى بلد ميت وهو ارض الجواز وارض القابليات فاخرج الله به من كل الثمرات من انحاء الموجودات والكائنات وافراد الاعيان والاكوان كذلك نخرج الموتى وهي موتي ارض الامكان اخراجهم يراد به لبسهم حلة الكون واخراجهم من الامكان الى الاكوان وبالجملة فاذا نص الله سبحانه على ان نبيه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) هو رحمة للعالمين والعالمون جمع محلي باللام يفيد العموم الاستغراقي كما قال الحمد لله رب العالمين فاذا كان هو الرحمة لجميع الكاينات ( والذرات خ ) والحقايق الوجودية والذوات الجوهرية وساير المراتب والمقامات من مراتب الموجودات ولا ريب ان الرحمن اشتق من اسم الرحمة وقد قال العلماء علماء الاصول والادب وغيرهم ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل انقطع الكلام وتبين المرام قل ما شئت بعد ذلك
حدث فلا حرج عليك فانما تروى لنا متسلسل الاسناد
ولنقبض العنان فللحيطان آذان وتتبع في القرآن مقتضيات الرحمة وما نسب الله اليها من الاحكام والآثار تجد امرا غريبا وبابا واسعا ينفتح منه الف باب وينفتح من كل باب الف باب فالعالم كله من آثار رحمة الله وقول الناظم ايده الله بتأييده وسدده بتسديده خطابا للامام موسى بن جعفر عليهما السلام : جاؤك في آثار رحمة ربهم فالمراد بها على هذا المعنى جاؤا ( جاؤك خ ) في آثار الرحمة اي بآثار الرحمة لان الحروف الجارة يقوم بعضها مقام بعض وتلك الآثار هي تلك الاعلام التي رفعتها اولئك الملائكة الكرام العظام ومن الآثار تلك الالوية المنشورة والاعلام المشهورة والاعناق المادة والافئدة المنخلعة والذوات المقبلة والصفات المتوجهة والكينونات الخاضعة والجواهر والحقايق المتذللة فاذا جاؤا واتوا على هذه الحالة فلا بد من ان يستحقوا عناية الله ومواهبته ( مواهبه نسخة ع ٤٠ ب ) المستودعة عند آل الله وهم اسباب ايصال تلك الوسائل والمواهب والعطايا وفي الزيارة وما شيء منا الا وانتم له السبب واليه السبيل وفي زيارة الحسين سيد شباب اهل الجنة كما هو المروي عن ابي عبد الله الصادق ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر من احكام العباد لانهم حملة الولاية ارثا من جدهم وهم اهل بيت النبوة حملة الرحمة والفيوضات الالهية فاذا جاؤا خاضعين خاشعين متذللين متوسلين بآثار الرحمة ومتوجين فيها الرؤس فلا بد من ان تشملهم العناية ويبلغون بها منتهى الغاية واما ظاهر ما اراد الناظم في هذا البيت ظاهر اذ ( اذا خ ) اراد بآثار رحمة الرب قطعة من الستر الذي هو من آثار نبينا قد توجوا فيها الرؤس يعني بها وجعلوها تاجا على رؤسهم وكللوا رؤسهم بتلك الآثار التي هو ذلك الستر وذلك واضح ظاهر وحقيقة الامر هو الذي شرحنا لك وفصلنا وذكرنا وبينا فخذه واغتنم وكن من الشاكرين وكم من عجائب تركتها وكم من غرائب كتمتها كلها مطوية في هذا البيت لعدم الاقبال وتبلبل البال ولادائها الى تطويل المقال وابداء ما أبى الله الا كتمانه في هذه الاعصار في هذه الاحوال والله المستعان في المبدأ والمآل
وصل - لما بين الناظم اشاد الله شأنه وانار برهانه طريق الاتيان والدخول من الباب الذي امر الله سبحانه ان يأتوا البيوت منه وذكر ما يقتضي من الناس ان يكونوا عليه من الاحوال والاطوار والاوطار من التسبيح والتهليل والخضوع والخشوع وجميع ما قدمه اراد ان يذكر النتيجة
فقال سلمه الله وابقاه :
فاقبل هدية امة الهادي التي منك الاغاثة في الشدائد تسئل
اقول فلما قال : جاؤك في آثار رحمة ربهم انما اتى بهذا التعبير دون غيره استرحاما واستعطافا كما قال تعالى حكاية عن هرون لما اخذ موسى برأسه يجره اليه قال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي انما كني عن ابن ام ولم يقل ابن اب بان الرأفة ( الرقة خ ) في الام اكثر والعطف من جهتها اشد ومن هذه الجهة كني بابن ام استعطافا واسترحاما وكذلك الناظم انما عبر بالرحمة لطلب الرحمة فان الرحمة يراد في هذا المقام رحمة الفضل لا رحمة العدل فالمقصود استرحاما واستعطافا لان ينظر اليهم بنظر الرحمة والرأفة ويقبل هديتهم فقال ايده الله فاقبل هدية امة الهادي اما الهدية فقد قدمنا شرحها وبيانها وقلنا ان الانسب ابدال التحفة بالهدية وابدال التصريح باسم الامام موسى بن جعفر عليهما السلام بلقب من القابه وقلنا ان الاحسن يقول بدل قوله :
وافتك يا موسى بن جعفر تحفة منها يلوح لنا الطراز الاول
وافتك يا سر الوجود هدية منها يلوح لنا الطراز الاول
واما امة فعلى قسمين امة الاجابة وامة الدعوة اما الاول فهم الذين اجابوا دعوة النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) وآمنوا به وبكل ما جاء به مخلصين مطيعين قد اخلصوا سريرتهم وصفوا طويتهم واجابوه بسرهم وعلانيتهم وظاهرهم وباطنهم وعلموا انه السبب المتصل الموصول بين الله وبينهم وان امره امر الله وحكمه حكم الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ومخالفته مخالفة الله ومحبته محبة الله وبغضه بغض الله وهو باب الله وجناب الله وعين الله وكلمة الله ورحمة الله وقدرة الله وعناية الله ووقاية الله والاسم الاعظم والنور الاقدم والسر المعمي والرمز المنمنم وهو سر الوجود وباب الغيب والشهود ومحقق الركوع والسجود هو الوجه وهو الجناب وهو الامر الذي قام به العباد وهو طيب طاهر منزه عن الارجاس مطهر عن الادناس متحلي بكرم ( بكرائم خ ) الاخلاق متجنب عن مساوي الاعراق كيف وان الله سبحانه قد طهر اهل بيته عن الرجس ونزههم عن كل دنية ورذيلة فاذا فعل ذلك باهل البيت فلا ريب انه لاجل كرامة صاحب البيت فهو اولى بان يكون مطهرا منزها مقدسا وانه اصل الاعلام السامي وفرعه النامي وانه مبدأ كل خير ونور ان ذكر الخير كان اصله وفرعه ومعدنه ومأويه والحاصل اذا آمن به (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وصدقه ظاهرا وباطنا سرا وعلانية واعتقد ما ذكرنا فهو امة الاجابة واما اذا آمن ببعض دون بعض فان كان ذلك الذي انكره مما قامت عليه الضرورة والاجماع خرج عن كونه من الامة ودخل في سلك الكفار وان كان لم ينكر في ظاهر الامر وانكره في باطنه من صفاته ما قام عليه الاجماع فهو ليس من الامة وانما هو منافق من المنافقين الذين اخبر الله سبحانه عنهم في كتابه وكشف عن حالهم في كلامه ثم قال ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار والمنافق اكبر ذنبا واعظم حبوا من الكافر لان الكافر مأمون الغائلة والمسلم متحذر منه واما هذا المنافق فليس بمأمون الغائلة ولا مأمون الغدر يغش ويفسد من المؤمنين ويفسد امورهم وضررهم اشد على الاسلام من الكافر وذلك معلوم ظاهر واما اذا انكر بعض صفاته التي هي من لوازم ما ثبت بالدين ضرورة كما اذا انكر كون هذه الآثار عن النبي المختار من التكوينيات مع اعتقاد بانه رحمة الله والله سبحانه اخبر ان آثار رحمته حيات الارض بعد موتها فلو كان من هذه الارض المعروفة ولو كانت حيوة الارض انبات هذه النباتات لما صح قوله آثار رحمة الله لكان يقتضي ان يقول من آثار رحمة الله وجمع المضاف يفيد العموم ولا شك ان اخراج النبات من الارض ليس ( جميع خ ) آثار رحمة الله بل السموات من رحمة الله خلقت والارض من رحمة الله سطحت والذوات من رحمة الله تذوتت والحقايق من رحمة الله تحققت والجواهر من رحمة الله تجوهرت والاصول من رحمة الله تأصلت والفروع من رحمة الله تفرعت والاشياء من رحمة الله تشيئت والاكوان من رحمة الله تكونت والاعيان من رحمة الله تعينت والموجودات من رحمة الله وجدت والمخلوقات من رحمة الله خلقت والغرايز من رحمة الله جبلت والطبايع من رحمة الله تحصلت والامزجة من رحمة الله اختلطت وهكذا ساير الاكوان والاعيان والاكوار والادوار والاطوار والاوطار كلها من آثار رحمة الله كما قال البوصيري :
وان من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فاذا كانت الموجودات كلها آثار رحمة الله فاختصاصه بهذه الارض وهذه النباتات لا معنى له عند كل عاقل لبيب ومنصف القى السمع وهو شهيد فحينئذ وجب ان يصدق بان تلك الاشياء التي تلوناها عليك كلها من آثار نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لانه رحمة الله فاذا كان مصدقا بان النبي هو رحمة الله وممتنعا بان ينسب هذه الآثار كلها بل النباتات التي جعلوها مصداق هذه الآية اذ النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) فما ادري ما اقول في حقه هل هي امة او خارجة عنها
ضاع الكلام فلا كلام ولا سكوت معجب
وبالجملة فامة الاجابة ان يكون مؤمنا به (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) بظاهره وباطنه بسره وعلانيته بجميع قواه ومشاعره بانه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) حجة الله على جميع خلقه من الاولين والآخرين من السابقين واللاحقين من الانسان والحيوان والنبات وجميع الصامتات والجامدات وجميع ما في الارضين والسموات بل الارضين والسموات والحجب والسرادقات والعرش والكرسي واللوح والقلم والعين والمعنى والظاهر والباطن والمعنى واللفظ والجوهر والعرض والذات والصفة وكل شيء يكون الله ربه يكون محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) نبيه والحجة عليه ويعتقد انه عين الله الناظرة في العباد ويده الباسطة بالانفاق والعطية و( في خ ) الاصدار والابراز وجنبه القوي الذي يقول الكافر يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وصراطه السوي الذي قال تعالى وانهم عن الصراط لناكبون ومثله الاعلى الذي قال تعالى ولله المثل الاعلى والاسم الحسنى ( الحسن خ ) الحسن بل اسمائه الحسنى من قوله تعالى فلله الاسماء الحسنى فادعوه بها ونوره الانور من قوله تعالى مثل نوره ولسانه الناطق ووعده الصادق ووجهه المضيء وكلمته التامة ونعمته السابغة ونقمته الدامغة وصراطه الواضح وسبيله اللائح ووليه المتصرف في خليقته اب الامة اي العالمون كلهم واصل الرحمة السراج الوهاج والنور الذي به الابتهاج والذكر وصاحب الخلق العظيم والاسم الذي صلح به امر الاولين والآخرين والعبد الذي وسع قلبه جميع شؤن الربوبية من الاسماء والصفات والنسب والاضافات والقرانات والتعلقات بانحاء الاختراع والابتداع والكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر وفلك الولاية المطلقة وصبح الازل بل وشمس الازل مجمع الصفات الكمالية مع الشؤن الالهية غيب الغيوب نور الانوار سر العظمة والكبرياء مبدأ الآلاء والنعماء اول الكتاب النقطة والحجاب بئر معطلة وقصر مشيد والفيض الجديد الامر القائم على كل نفس بما كسبت النور الدائم وجميع الاشياء منه استشرقت الغيب المطلق والازل الثاني بل الازل الاول الذي له ثاني والاول الذي ليس له ثاني حجاب الله الاكبر نور الله الازهر وامثالها مما يقتضيه الاقرار بانه سيد المرسلين وسيد النبيين وحجة الله على الخلق اجمعين واذا كان سيد الخلق كلهم يجب ان يكون صفاته بعض ما ذكرنا وليس هذا من الاسرار الغيبية ولا من البواطن السرية وانما هي من لوازم الاقرار بانه سيد الخلق واول الموجودات وهذا عند المسلمين من اجل ( اجلي نسخة ١٣٠٥ م ) البديهيات واوضح الواضحات والاقرار بالملزوم وانكار اللوازم كالاقرار بالشمس وانكار ضوئها وقولهم بالفرق بين اللوازم البينة والغير البينة وان كان صحيحا الا ان القول بان هذه من اللوازم الغير البينة ناش عن الغفلة وعدم اعطاء التأمل التام في وصف هذا السيد القمقام والا فمن نظر وابصر وتأمل وتفكر يعرف ان هذه من اللوازم البينة واما اللوازم الغير البينة فهو مما لم يتفوه فم الحكيم العليم الكريم امتثالا لقول سيد الساجدين وسند العابدين لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا والاسرار التي يجب ان تستتر عن الاغيار هي ما لا تدخل تحت قاعدة من القواعد المعروفة عند اهل المجادلة والموعظة الحسنة واما الذي له دليل وعليه برهان واضح السبيل فليس مما يجب ستره الا للمعاند الالد والجاحد الاشد والا فمن انصف ونظر الى مقتضي الحكمة الالهية وانه سبحانه يجري الامور على ما ينبغي كما ينبغي وانه لا يخل بالحكمة وانه خلق الخلق للمعرفة يرى الامر في كل ما نقول واضحا كالنور على الطور فبعض الجهال الذي ينسب الينا هتك الاستار عن وجوه الاسرار واذاعة مخفيات الاخبار قال افتراءا واتى زورا وكذبا وبهتانا فانا لم نذكر الا والبرهان المعروف عند اهل المجادلة والموعظة عليه قائم بل ما نقول كله من لوازم الضروريات وما يجب ان يكون عليه من يعتقد الربوبية والنبوة والولاية لان كلا من هذه الثلاثة له مقتضيات يقتضيها واذا اجريت المقتضي على المقتضى تم ما ذكرنا ووضح ما بينا وهذا يعرفه كل من دخل في الاسلام وعرف مجملات ما يجب عليه اعتقاده عند عامة المسلمين اذا انصف وتأمل وراجع وتدبر ولم يكن همه غلبة الخصم والتفحص عن عيب لمؤمن مسلم والا فالامر اوضح من ان ينكر واجلي من ان يسطر
كم ذا تموه بالشعبين والعصم والامر اوضح من نار على علم
واما السر المصون والغيب المكنون فلم يتفوه به العلماء الربانيون ولا العرفاء الالهيون فان اذاعة السر من اكبر الكباير وافسق الفجور عند اولي البصائر فكيف يجوزون اولئك الابدال الفحول الرجال مع قلوب طاهرة وصدور منيرة وانفس زاكية ان يرتكبوا الآثام والسيئات وان يقترفوا الجرائر الموبقات بل اشدها واكبرها واكفرها حاشا وكلا ان اولياء الله ما استودعوا سرا الا وامروا ان لا يؤدوا ( لا يؤدوه نسخة ع ٤٠ ب ) الا الى اهله ولا يأتمنون الخائن وهم يعرفون الناس بالفراسة والتوسم والله سبحانه ادبهم وقال لهم ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وكان شخصا من اكابر العلماء واساطين الفضلاء ومن الاجلاء النبلاء وكان عزيزا مبجلا معظما في حضرة مولينا واستادنا وعمادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه وكان يعظمه في الغاية ويبجله في النهاية وقد تذاكروا في حديث روي عن امير المؤمنين ( عليه السلام خ ) ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) علمني الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب غير ان الناس يقرؤن آية منها ولا يعرفون معناها وهو قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم بان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون فسأل ذلك العالم شيخنا وعمادنا عن طريق استنباط تلك الابواب من هذه الآية الشريفة ولما كان مولينا يعرف بالفراسة من قول النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وعندهم التوسم من قوله تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسمين يعرف منازل الناس ودرجاتهم ومقام تحملهم للعلوم وقوة ادراكهم وضعفها وتحملها وعدم تحملها عرف انه ليس ممن ينشر عنده هذا الدفتر اجابه وقال قال امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه السلام ما كلما يعلم العالم يقدر ان يفسره فان من العلوم ما يحتمل ( ومنها خ ) ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل فلم يقنع ذلك العالم والح بمطالبة الجواب قال قال مولينا الصادق عليه السلام ما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله فلم يكتف ذلك العالم بما ذكر اعلى الله شأنه من الحديثين واصر بمطالبة الجواب وفي كل يقينه واعتقاده ان الشيخ لم يخيب ظنه وينيل مأموله قال مولينا الشيخ :
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
فلم يكتف ذلك العالم بما ذكره من البيتين واصر بمطالبة الجواب قال له مولينا الشيخ اعلى الله مقامه انت لا تخلو بين حالتين اما ان تعرفني حكيما عالما بصيرا بالامور عالما بدقايقها وخفاياها واضعا كل شيء في موضعه مؤديا الامانات الى اهلها ام لا تعرفني حكيما بل جاهلا عابثا فان عرفتني حكيما فها انا اقول لك كف عن هذا السؤال اذ لا مصلحة لك فيه وان لم تعرفني حكيما فلماذا تسئل الجاهل العابث فسكت الرجل وقلبه مكدر وخاطره مشوش فما كان مولينا يرضي بتكدره ولكن امر الله غالب ولم يكن يخالف الله لئلا يتكدر خلق من خلق الله انظر كيف صان السر وحفظه لما علم انه لا يتحمل ولقد سمعت انا من الشيخ التقي الصالح العلي جناب الشيخ علي بن شيخنا وسنادنا اعلى الله مقامه و( هو خ ) كان من العلماء المبرزين والفضلاء المتبحرين وكان من حملة الاسرار ومن شعره الذي قال في حفظ السر في مقطوعة له الى ان قال :
وانت تزعم فردا لست تكتمه فكيف يكتم عنك السر اثنان
عندي ثقات فمن سمعي ومن بصري ولكن فؤادك ( فؤادي خ ) اولاها بكتماني
الابيات وهو رحمه الله مع هذه المبالغة في حفظ الاسرار يقول سألت والدي عما ورد في رواية عن طريق اهل البيت ان المهدي عجل الله فرجه في اول ظهوره معه ثلثمائة وثلثة عشر رجلا فاذا حضروا يخرج كتابا مختوما بخاتم رطب يعرفه الناس انه خاتم رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ثم يقول لهم بايعوني على مقتضى ما في هذا الكتاب فاذا قرأ عليهم ينكرون عليه ولم يثبت الا اثني عشر نقيبا ويقولون انت لست بصاحبنا ويتفرقون ويجولون شرق الارض وغربها في ساعة واحدة ثم يبايعونه عن تسليم لا عن معرفة وكنت اعلم ان ذلك الجناب رحيب الساحة يعلم مضمون الخط ويعرف المراد وهو بايع بمضمونه وحاله مع المهدي عجل الله فرجه حال تبع مع رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وكنت ذات ليلة عنده فسئلته عن تلك الكلمات او الكلمة على اختلاف الروايات فابي ان يخبرني بها حتى بقيت معه تلك الليلة بطولها والتمس واتوسل واخضع واخشع لعله يرحم بحالي ويخبرني عنها فقد طال فيها فكري ومنعتني رقادي وكلما اتأمل لم اهتد اليها سبيلا وكلما الححت وعالجت وتوسلت فابي الا الامتناع والستر ولم يذكرها ولم يظهر ما امره الله بستره لاجل بنوته فاذا كان يخفى عن فلذة كبده وقرة عينه ووصيه بعده فما ظنك بالغير هكذا يكتمون الاسرار ويسترونها عن الاغيار امتثالا لامر الله وصونا لحريم الله فالذين يظهرون ليس ذلك بسر وانما هو قشر وقد اتفق معي شخص من خواص الاصحاب وعلمائها وسألني عن مسئلة علمت انه ليس من اهلها فابيت اظهارها وبالغت في اخفائها حتى عاودني مرات مرة بعد اخرى وكرة بعد اولى ولم ازدد الا الكتمان وعدم الاظهار حتى جائني ذات يوم وقال لي يا فلان الامر يفيد الوجوب ام لا قلت بلى هو الحق عندي ثم قال اليس الله تعالى يقول ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وقد عرفت مقصوده بانه يقول تفعل حراما ان لم تبينها لي فقلت له انا ايضا اسئلك عن مسئلة هل النهي للتحريم ام لا قال بلى وهو الصحيح من المذهب ثم قلت هل فاعل الفعل المنهي فعل حراما ام لا قال بلى قلت له اقرأ قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وامثال هذه القضايا اتفقت كثيرا يطول الكلام بذكرها ونشرها وبالجملة فالسر عندنا مصون لا يبرز محروز في حصن منيع ذي حايط رفيع لا تطاوله ايدي الاظفار ولا تصل اليه الا في القلوب والابصار فالذين يعتقدون في نبينا (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) ما قلنا وفي خلفائه وامنائه والمؤدين عنه والقائمين مقامه والنائبين عنه مثل ما وصفناه الا الخواص التي اختص بها من الامور التي دل عليها الدليل وذكر الفقهاء في كتبهم وزبروها في زبرهم ولم ينقض عهدا ولم ينكث زماما ولا يرد قهقري ولا يرجع الى وري بل يمشي مستقيم السير ويسير معتدلا ويزداد آنا فآنا فذلك هو من امة الاجابة ولهم جميع ما قدمنا من البركات والعنايات والفضائل والفواضل وهم المخصوصون بالسعادة المنتجبون للشفاعة والمختصون به والمقدمون لديه والمؤمنون به وهم الذين وجوههم مشرقة يوم القيمة وجباههم مضيئة وانوارهم ساطعة ودرجاتهم رفيعة وهم على منابر من نور حول النبي المحبور (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ )
واما امة الدعوة فهم الموجودات كلها والمخلوقات باسرها والكائنات بحذافيرها والكلمات بحروفها والالفاظ بدلالاتها والمعاني بسرائرها والصور بهيئاتها والاشكال بحدودها والسموات باطرافها والارض باكنافها والاعراض بجهاتها والجواهر بكيفياتها والمسلمون والكفار واليهود والنصارى والمجوس والصابئة وعبدة الاوثان وعبدة النيران وعبدة الكواكب وجميع الموجودات في الاعيان والاكوان والامكان وهؤلاء هم امة الدعوة الذين دعاهم رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) الى توحيد الله وعبادته وطاعته وقبول امره ونهيه فمن اجاب منهم وسلم وصدق فهو من اهل الاجابة وهم الامة المرحومة ولهم الممادح التي ذكرها الله سبحانه في كتابه وذكر النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) لاصحابه وذكر الاولياء بعضهم لبعض فالقرية الظاهرة للسائرين فيها فهم الامة ولهم الرحمة ولهم النعمة وبهم الكرامة ولولاهم لم تنزل قطرة ولولاهم مانبتت حبة ولولاهم ماقرت عين ولولاهم ما زال مين ولولاهم مادارت الافلاك ولولاهم مادبرت الاملاك فبالجملة هم المختصون بكل فضيلة والمنتمون الى كل منقبة معاصيهم تكفر ان شاء الله ذنوبهم تغفر وهم العباد الذين خاطبهم الله بقوله الحق يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا وهؤلاء هم الذين استغفر رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) لهم ونسب ذنوبهم الى نفسه قال واعف عنا واغفر لنا وقال تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ولهذا نسب الناظم ايده الله وسدده وهداه الى ما فيه رشده الامة ( الامة الى نسخة ع ٤٠ ب ) الهادي لبيان ظهور الهداية فيهم وهو اشارة دقيقة ونكتة انيقة
واما الهادي فهو من اسماء النبي واستنطاقه الكاف وهو عدد زبره والكاف هي المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي وتدور نفسها عليه على التوالي فالهاء حرف ليلة القدر في آخر المنازل وحرف التوحيد في اول المراحل تحفظ نفسها في جميع اطوار التكعيب وهو من اقصى الحلق من حروف عالم الجبروت بل من حروف اللاهوت فهي دائرة قبل الاتصال ظاهرها في باطنها وباطنها في ظاهرها وحينئذ حركتها على القطب واذا اتصلت بغيرها تكثرت وتحركت على المحور فتوسط في الدائرة خط المحور فحصل لها ثلث درجات دائرة ومحور وقطب واما قبل الاتصال فالدائرة نفس المحور والمحور نفس القطب والمجموع شيء واحد وعددها وان كان خمسة لكنه في كل مقام واحد لا ترى الكثرة ففي حال العمل واحد وفي حال العلم في مقام الكثرة خمسة فافهم لغة الحكيم ورمز العليم ومن هذه الجهة صارت حالة الهاء قبل الاتصال غير حالها بعد الاتصال لان الفرق بين المحور والقطب وبين الحركة على القطب والحركة على المحور بعيد وبينهما مسافة بعيدة فالهاء حركته على القطب في مقام الوحدة وعدم الاتصال والهاء مقام الكثرة والاتصال ففي انفصالها اتصال وفي اتصالها انفصال ولذا قلنا ان ها حرف ليلة القدر فذلك حال الاتصال فانها حينئذ من الكمال الظهوري لآخر المبادي وفي حال الانفصال حرف التوحيد وشرح التجريد ومقام النفي التأبيد واثبات الاكيد واذا ظهرت تطورت باربعة اطوار تستنطق منها الكاف في مقام الامر التكويني والهادي في مقام التشريعي في الاول كهيعص تأخرت الهاء عن المتولد عنها لبيان ان السر غائب وفي التشريعي تقدمت الهاء لبيان الظهور التشريعي فان التشريع تفصيل والتفصيل من مبدأ الاجمال فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم واما الالف في الهادي الالف اللينية وهي حرف العلة وسر الوحدة قالوا ان حرف العلة ثلثة واو والف وياء بشرط ان يكون لينية والواو ساكنة ما قبلها حركة من سنخها والياء ساكنة وما قبلها حركة من سنخها وانا اقول الامر كما ذكروا بالنسبة الى جريان الاحكام الظاهرة ولكن التحقيق ليس كما عرفوا بل الاصل في حرف العلة الالف لانها حرف الوحدة وهي علة الحروف العلة المادية والفاعلية اما المادية فبظهور امثالها التي هي الذات الظاهرة منها تنعطف بالاستقامة والاستدارة والانبساط والميل وساير اطوارها يحصل هذه الحروف فاما الفاعلية فهي بمنزلة القلب وجه المبدأ الفاعل القى مثاله فيها فاظهر عنها افعالها فهي حرف العلة المقومة فمن هذه الجهة لا تظهر بذاتها وحيث ان اصل الاكوان ليس اقل من ثلثة فلم يزل هذه الالف في الوسط الذي هو القطب نسبته على جميع اطرافه على السوية وهي سالمة عن قيد المخرج وليس لها مخرج من الحلق ولا من الوسط ولا من الشفة وانما تظهر في الفضاء وتستقر في الهواء كما هو شأن وجه المبدأ المرتبط الى السوي فاذا كانت الواو والياء مشابهتين لها في ازالة القيود وقمع الحدود فتحليان بحليتها وتنصبغان بصبغها لانهما تابعان والتابع معرب باعراب متبوعه فيسميان باسمها ويجري عليهما حكمها فقيل انهما حرف العلة وصارتا ممتزجتين معها بحيث يقال ان حرف العلة ثلثة مع ان الامر في الواقع ليس كذلك بل حرف العلة في الحقيقة واحدة وهي الالف واما الواو والياء فانهما شابهتاها مثال الالف النار ومثال الواو والياء الحديدة المحماة بالنار فالحديدة وان كانت باثر النار احترقت لكنها شابهتها بحيث لا فرق بينها وبينها الا ان الحديدة حديدة والنار نار وهو ( معنى نسخة ١٣٠٥ م ) قول النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل هو فيه انا وانا فيه هو الا انه هو هو وانا انا وكذلك الواو والياء انصبغتا بصبغ الالف وتحلتا بحليتها وتخلقتا باخلاقها فصار لها ( لهما خ ) مقام ما في الحديث القدسي عبدي اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حيا لا تموت فهو مقام ما روي عن طريق اهل البيت عن الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره التي يبصر بها ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت عني ابتدأته واما الدال فانها حرف الاركان ومدار المكان والزمان ومحل الاساس والبنيان وعندها اجتمعت الطبايع ومنها تظهر البدايع وهي اربعة ظاهرة في ثلاثة اذ قبلها الجيم فالجيم اذا اجتمعت مع الدال ظهر العدد الكامل وان ظهرت في الدال ظهر العدد الزايد واذا ثنيت العدد الكامل يظهر العدد الاكمل اي اسماء الجواد والوهاب فهما مدار الكون والعين فالجيم اذا تكررت كان العدد التام واذا اجتمعت مع الدال كان العدد الكامل واذا تكرر العدد الكامل كان الاكمل واذا تكررت الدال كان العدد الناقص فكمال الدال بالاقتران بالجيم فاذا انقطعت عنها يتولد عنها النقص والنقصان واذا ظهرت الجيم في الدال كان العدد الزايد واذا ثنيت العدد التام كان العدد الزايد ايضا فالجيم لا يكمل ظهوره الا بالدال والدال لا يكمل الا بالجيم لان الجيم تفصيل الالف التي هي الفرد والدال تفصيل الباء التي هي الزوج فالزوج بلا فرد ناقص لا تحقق له ولا تذوت والجيم من غير ظهورها في الدال لا تظهر كمالاته ولا تبرز اشاراته وهو للدال كالشمس للارض والدال لها كالارض للشمس فاذا لم تكن الارض لم يكن للشمس ظهور نور ولم تبرز كمالاتها ولا مقاماتها ولولا الشمس لم تكن الارض فالدال مبدأ الزوج واول ظهور الشكل المربع واول حصول المزاج الاعتدالي واول الطبايع واول الايتلاف ومقام رفع الاختلاف وتمام التركيب واما الياء فعشرة كاملة ورتبة جامعة تمام المقبول وتمام الوجود من الغيب والشهود ومبدأ ثاني وكون تفصيلي وهي الوجود بالتمام والمراتب الاخر كلها متمماته منها المتمم الحاوي ومنها المحوي لان الحدود المحصلة والمراتب التي بها تمام النظام والتدبير باذن الله اللطيف الخبير انما هي هذه المراتب العشر والعلوم كلها منها تحصلت واليها رجعت وعنها بدئت لان الموجودات اما ذكر او كون والكون اما غيب او شهادة وكل منهما اما اجمال او تفصيل او ما ليس كذلك او برزخ بينهما او اعراض واصباغ لازمة او منفكة غير دائمة فالوجود الذكرى هو المعبر عنه بالامكان والوجود الغيبي الذي منزه عن الاجمال والتفصيل هو الفؤاد وباب المراد ومنشأ الاستعداد والوجود الغيبي الاجمالي هو العقل والبرزخ بين الاجمال والتفصيل في الغيب هو الروح والوجود الغيبي التفصيلي هو النفس والوجود الشهودي الذي منزه عن الاجمال والتفصيل هو الطبيعة وهي بازاء الفؤاد في الخلق الثاني والوجود الشهودي الاجمالي هو المادة والبرزخ بين الوجود الشهودي الاجمالي والتفصيلي هو المثال والوجود التفصيلي الشهودي هو الجسم والعرض الخارج لازما كان او منفكا هو الوجود العرضي وهذه العشرة بها تمام الكون فلا يخلو شيء منها وباقي المراتب هي لاجل ظهورات هذه العشرة وما قلنا رتبة القوابل ثلثين فانما هو تعدد اطوار هذه العشرة من ظهورها بطور الجماد والمعدن والنبات وفي رتبة الحيوان تظهر العشرة بكمال ظهورها بل الحق عندي ان كمال الظهور انما هو في مقام الانسان فان العقل باطواره الثلثة لا تظهر في الحيوان وكذلك الفؤاد وما ذكره الشيخ الاجل استادنا وسنادنا وعمادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه من الظهور بطور الجماد والمعدن والنبات والحيوان الرتبة الرابعة وجعل تلك الثلثة مراتب القوابل وظهور العشرة في الرتبة الحيوانية مقام المقبولات فان نظره اعلى الله مقامه في العشرة اي القبضات العشر التي هي من الافلاك التسعة والارض ولا ريب ان هذه العشرة انما تظهر في الرتبة الحيوانية بتمامها فان الامام امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء قال في الروح الحيوانية ان اصلها الافلاك فالقبضات المتخذة من الافلاك انما تظهر مع الحيوان والمراتب العشر التي ذكرناها غير تلك القبضات وهي كليات المراتب في مقام التفصيل ولا يشذ مرتبة منها ولا تجمع تلك المراتب الا في مقام الجامع فيكون بذلك رفيع الدرجات ذو العرش فبالجملة فالذي ذهبنا اليه هو ما ذهب اليه المولى الاولى فاذا عرفت حدود هذه الحروف ووجوهها ومحالها ومواقعها فاعلم انه يجب ان يكون تأليف هذه الحروف اسما من اسماء محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) لانه جامع مراتب الخمسة التي للتوحيد ولم يجمعها احد سواه ولا يجمعها ابدا ولذا كانت الاشارة الى اسمه الشريف في الاسم الاعظم الخاتم الخماسي الاركان هكذا
وهو واحد حقيقة وخمسة اركانا وهو ابوالخمس في الدعاء يا اباالخمس بحق الخمس الدعاء فالهاء اشارة الى هذه الخمسة من مراتب التوحيد وهو صلوات الله عليه ظاهر بالتأليف والاتحاد والايتلاف وعدم الاختلاف ومن هذه الجهة قال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا علي ولما كان اول رتبة الايتلاف الشكل المربع مبينه ومظهره الدال يجب ان يكون الدال من اجزاء اسمه ولما كان هو العلة في اطوار الموجودات وانحاء الكائنات واطوار الحقايق والذوات والصفات يجب ان يكون في حروف اسمه ما يدل على العلية ولما كان الاصل في حروف العلة الالف اللينية وجب ان تكون الالف اللينية جزؤ من حروف اسمه ولما كان مبعوثا في التكوين والتشريع الى هذه الاكوان العشرة وجب ان تكون الياء في اجزاء اسمه الشريف ولما كان حرف العلة هي العلة والاصل والذات وما سواه فروعها وآثارها واشعتها وانوارها وجب ان تكون حرف العلة مقدمة على جميع الحروف لان العلة في الاصل ولما كانت الالف اللينية ساكنة لا يمكن الابتداء بها لان الابتداء بالساكن متعذر فوجب ان يكون في ثاني حرفه لان الضرورات انما تتقدر بقدرها ولما كان مقام التوحيد اعلى المقامات واشرفها وجب ان يكون مقدما ( مقدم خ ) الحروف على الباقي وما دل على التوحيد هو الهاء فوجب ان تكون الهاء مبدأ الاسم واوله ولان الاسم استنطاق تكرير الهاء اربعة مرات اقتضى تقدم الهاء والالف لما ذكرناه وجب ان يكون ثانيا والدال لما كان حرف الالفة والوداد ومقام الجمع ونسبته وصفته (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وجب ان يكون بعد الالف ولما كان الياء دليل المرسل اليهم دليل امته والامة انما تحقق بعد تمامية الرسول في الكمالات الذاتية والعرضية وجب ان تكون الياء الدالة على الامة آخر المراتب فاذا قدمنا الهاء ثم الالف ثم الدال ثم الياء يتألف من هذه الحروف على هذا الترتيب الهادي فكان الهادي اسمه الشريف دال على انه عبد مخلوق يوحد ربه في المراتب الخمس ولما كان تمام الاسم تنزل الهاء اربع مرات دل على انه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) مبعوث متنزل خمس مرات وهو علامة الحدوث ثم حرف العلة دلت على انها نبي واسطة لان الالف مبعوث عن النقطة ودل بالدال على جمعه وخلقه على طريقة واحدة لان الحق طريقه واحد ثم استنطق من هذا الاسم الشريف الكاف لبيان ان كاف المتولدة منها كن هاد الى مقامات التكوين وان الكاف جامع مراتب التوحيد الخمسة وحيث انها حادثة جامعة للطبايع الاربع وحيث ان كل شيء فيه معنى كل شيء والاثر يشابه صفة المؤثر وجب ان يكون جامعا للمراتب العشر ليصح قوله تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير وقوله سلمه الله وابقاه : هدية امة الهادي يصح ان يراد بالامة في هذا المقام السلطان الاعظم والخاقان الاقدم حيث انه اهدى تلك القطعة من الستر الى سيدنا ومولينا الكاظم عليه السلام وروحي له الفداء وانما اتى بذكره السامي بلفظ الامة لانها جماعة ارسل اليهم الرسول وهو حيث كان سلطانا رئيسا على الكل فقد جمع كلهم كما جمع حكمهم ولقد قال الشاعر في نحو هذا المعنى :
يا سائلي عنه لما جئت اسئله الا هو الرجل العاري عن العار
لو جئته لرأيت الناس في رجل والدهر في ساعة والارض في دار
ولذا اتى بالجمع في مقام المفرد او ان المراد بالامة الجماعة الحاملين للستر والمشيعين له بالاعلام والالوية حملوا الهدية الى محلها نسب الهدية اليهم مع انهم حاملوا الهدية وموصلوها لان الفعل قد ينسب الى السبب الحامل كقوله تعالى وانه لقول رسول كريم يعني ان القرآن ( يعني القرآن خ ) مع انه قول الله سبحانه نسب الى الرسول وهو اما جبرائيل او النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ولا يتفاوت الحال في الاتيان بالشاهد وقال تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها وقال ( تعالى خ ) قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم وقال تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون نسب الكتابة اولا اليهم وجعل اليد سببا وآلة ثم نسبها الى اليد بقوله تعالى فويل لهم مما كتبت ايديهم فاذا عرفت هذا فلا منافاة بين ان تكون الهدية مرسولة من حضرة السلطان ظل الله ولكن القوم لما كانوا حاملين ومؤدين نسبت اليهم لانهم كاليد للكتاب ( للكاتب خ ) والحركة للفاعل فصح ان تكون الهدية من السلطان وهي منسوبة الى الرعية الحاملين الموصلين اياها الى حضرة الامام الاعظم والسيد المعظم على جده وآبائه وابنائه الصلوة والسلام فافهم راشدا واشرب عذبا صافيا
وقوله سلمه الله تعالى وابقاه وحفظه ووقاه : منك الاغاثة في الشدايد تسئل لانه ولد لحامل النبوة والولاية كما مر مرارا عديدة والولد جزء ومن سنخ الوالد وعلى شاكلته والولاية تدبير الله سبحانه وتصرفه في الكون كما يشاء بما يشاء ولكنهم لصفاء طويتهم وطهارة ذاتهم وسريرتهم حيث وقفوا على فوارة القدر بامر مستقر فيكونون حملة الافاضة للمستفيضين فالمستفيض يتوجه من الباب الى الجناب مثاله ان البلورة لصفائها ونورانيتها وكونها لها القوة الجامعة تجمع النور وتبث الحرارة فيها وتؤثر الاحراق فيما يشاء او تشاء الشمس فالذي ليس لها ( له خ ) صفاء البلورة واراد الاقباس ( الاقتباس خ ) من حرارة فان الشمس يتوجه الى البلورة ما دامت مقابلة ومستشرقة من الشمس فتؤثر الحرارة في المقابل للبلورة من حيث مقابلتها للشمس فالتأثير والتدبير في الحقيقة للشمس وحدها دون البلورة ولكنها حاملة فمن اراد ان ينتفع بحرارة الشمس ويظهر تأثيرها بالاحراق اما ان يكون نفس البلورة او يقابلها فالقاصرون ان يكونوا نفس البلورة يجب ان يقابلوا البلورة ويستشرق من نورها ويقتبس من فاضل النار الظاهرة منها فالشمس هي الولاية التي لله كما قال تعالى هنالك الولاية لله الحق والبلورة حقايق الذين طهرهم الله عن الاخباث وصفاهم عن الارجاس وشهد لهم بذلك في موضعين احدهما انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فاذا طهرهم الله تعالى عن الرجس ولم يعين مقدار الطهارة عرفنا انها الطهارة العامة والنظافة التامة فذهبت عنهم لوازم الامكان فبقوا مصفات مطهرين مقابلين الى الله ومتوجهين اليه سبحانه بكلهم في كل احوالهم وثانيهما في آية انفسنا فان الله تعالى جعل امير المؤمنين عليه السلام نفس النبي فساواه في الطهارة والنظافة وكرايم الاخلاق ومحاسن الاعراق ثم وصف نبيه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) بانه على خلق عظيم فحيث وصفه الله تعالى بالعظمة عرفنا انه لا اعظم من كرم اخلاقه ولا اكرم لان كل عظيم عند الله حقير والعظيم القهار الجبار وصف خلقه بالعظمة في مقام المدح فيكون ذلك الخلق اعظم من كل عظيم واجل من كل جليل واشرف من كل شريف ولا يكون كذلك الا لطهارته وتصفيته فان المغشوش بالذنوب والمكدر بالعيوب لا يصفه الله بهذا المدح العظيم فعرفنا انه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اطهر من كل طاهر واصفى من كل صفي ولما وصف امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء انه نفسه والنفس تابع تأكيدي معرب باعرابه متحلي بحليته منصبغ بصبغه فيكون مثله في الطهارة والمزايا والمآثر والفواضل الا ما اخرجه الدليل من خصايص النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فيكون شهادة ثانية من الله سبحانه لامير المؤمنين بالطهارة ولما كان الاولاد من جزء الوالد ومن سنخه وعلى شاكلته فيكون اولاده المتخلقين باخلاقه المتأدبين بآدابه الناهجين منهجه والسالكين سبيله مثله في الطهارة ثم ندب الله سبحانه الى مودتهم ومحبتهم والتوجه اليهم في قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى ولم يأمر بمودتهم المستلزمة لطاعتهم وامتثال امرهم لان المحب لم يتمالك الا ان يطيع محبوبه في كلما يأمره وينهاه بل فيما يتخيل ان المحبوب قصده ومراده العمل به فيأتي به ولو كان فيه تلف الاموال والنفوس ان المحب لمن احب مطيع ولا يصح ان يأمر الله سبحانه بمودتهم ومحبتهم ثم ينهي عن طاعتهم لانه تكليف محال في الظاهر والعادة فالامر بمودتهم يستلزم طاعتهم ولولا انهم مقابلون لفوارة النور من عالم السرور يتلقون عن المبدأ الصافي ويكيلون بالكيل الوافي ويوصلون الى الفقراء المستحقين والضعفاء المستمدين ما جازت طاعتهم في كل حال على كل حال فثبت انهم عليهم آلاف التحية والثناء من الله سبحانه كالبلورة المتقابلة ( المقابلة نسخة ١٣٠٥ م ) لنور الشمس فما سويهم اما في درجتهم عليهم السلام او يتوجهون في الامور كلها اليهم ولا ريب انا قاصرون عن مقامهم اذ لم يشهد الله سبحانه لاحد بالكمال مثل ما شهد لهم فوجب على الامة ان يسئلوهم الاغاثة في الشدايد ويتوسلون الى الله تعالى بهم ويسئلون حوائجهم عن الله تعالى عندهم ولذا اشتهر عند الناس ان موسى بن جعفر باب الحوائج وسر المناهج فاذن فالامر كما قال الناظم المحكم المتقن : منك الاغاثة في الشدائد تسئل وهو كما قال وقد اجاد في المقال وقد وردت هنا رواية احب ايرادها تصديقا لقول الناظم وان كل واحد من هؤلاء السادة الاطهار اهل بيت الرسول المختار وان كان يستغاث في كل شدة ونازلة الا ان الاستغاثة في بعض الشدائد ببعضهم اولى ببعض فقد روي عن النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ان الاستغاثة لامر من امور الدنيا بي وبولدي الحسن والحسين وللانتقام من الاعداء بامير المؤمنين علي بن ابيطالب روحي له الفداء واما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين ومعرة الشياطين واما محمد بن علي وجعفر بن محمد فللآخرة وما تبتغيه من طاعة الله ورضوانه واما ابو ابرهيم موسى بن جعفر فالتمس به العافية من الله عز وجل واما ابو الحسن الرضا فاطلب به السلامة في الاسفار في البراري والبحار واما ابو جعفر الجواد فاستنزل به الرزق من الله عز وجل واما علي بن محمد فللنوافل وبر الاخوان وما تبتغيه من طاعة الله عز وجل واما الحسن فللآخرة واما صاحب الزمان فاذا بلغ السكين منك هكذا واومى بيده الى حلقه فقل يا صاحب الزمان اغثني يا صاحب الزمان ادركني وورد ايضا عن ابيالحسن الرضا عن ابيه موسى بن جعفر عن آبائه عن امير المؤمنين علي بن ابيطالب قال حدثني اخي وحبيبي رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) قال من سره ان يلقى الله عز وجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتوالك يا علي ومن سره ان يلقى الله وهو عنه راض فليتوالى ابنك الحسن ومن احب ان يلقى الله ولا خوف عليه فليتوالى ابنك الحسين ومن احب ان يلقى الله عز وجل وقد محى الله ذنوبه عنه فليتوالى علي بن الحسين فانه ممن قال الله عز وجل سيماهم في وجوههم من اثر السجود ومن احب ان يلقى الله عز وجل وهو قرير العين فليتوالى محمد بن علي عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل ويعطيه كتابه بيمينه فليتوالى جعفر بن محمد عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله طاهرا مطهرا فليتوالى موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل وهو ضاحك فليتوالى علي بن موسى الرضا عليه السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل ورفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليتوالى محمد بن علي عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل ويحاسبه حسابا يسيرا ويدخله جنات عدن عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فليتوالى علي بن محمد الهادي عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل وهو من الفائزين فليتوالى الحسن بن علي العسكري عليهما السلام ومن احب ان يلقى الله عز وجل و( قد خ ) كمل ايمانه وحسن اسلامه فليتوالى الحجة بن الحسن المنتظر صلوات الله عليه هؤلاء ائمة الهدى واعلام التقى من احبهم وتولى بهم كنت ضامنا له على الله بالجنة
وصل - لما طلب الناظم ايده الله وسدده واوتي كتابه بيمينه واستدعي من الامام الهمام ومولي الانام ان يقبل الهدية ويوصلهم الامنية ويغيثهم في الشدايد اراد ان يشفع دعاءه ويؤكد مسئلته لنجح ( لتنجح خ ) طلبته بشفيع منيع ويؤكده بالقسم الرفيع حتى لا يجبه بالرد ولا يخيب عن المدد
فقال :
بضجيع حضرتك الجواد محمد وحفيدها وهو الامام الافضل
اقول : يعني اقبل يا سيدي هدية الامة امة محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) التي تطلب منك الاغاثة في الشدائد لانك من الذين امر الله سبحانه بمودتهم ولا يأمر ذلك الا لعظيم شأنك وجليل مقامك عنده فانت وجيه فيجب علينا ان نتوسل الى الله بكم ونلتجي في الشدايد فها نحن آتين حضرتك متمسكين باعظم الاسباب وهي آثار رحمة الله اي الستر من قبر رسول الله وجاعليته ( جاعليه نسخة ع ٤٠ ب ) وسيلتنا اليك وذريعتنا لديك فاقبلها من المهدي ومن الموصل وانظر بعين العناية الى الجميع بحق ضجيع حضرتك محمد الجواد فانه قرينك في الحقيقة والذات لانكم خلقتم من نور الله نور واحد وحفظتم بعين عنايته فجمعتكم حقيقة واحدة وفي الزيارة واشهد ان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة لانهم اجزاء من رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) والجزء من سنخ الكل ومن طينته وحقيقته واجزاء امير المؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام وهو نفس النبي والنفس مع الشيء من حقيقة واحدة وبالجملة ذرية بعضها من بعض وهو نور واحد وطينة واحدة وحقيقة واحدة خلقوا مع الرسول (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) لعدم جواز تخلف الجزء من الكل فقد قام البرهان بصحيح العيان ان نور النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) خلق قبل العرش وقبل الكرسي وقبل السموات وقبل الارضين وقبل الزمان وقبل المكان بل قبل القبل بلا قبل لان الحضرة المحمدية صلى الله عليها متقدمة على الحضرات كلها وليست حضرة اقرب الى الحضرة الاحدية من الحضرة المحمدية ( صلى الله عليها خ ) كما نص عليه الشيخ الاكبر على ما نقلنا عنه مرارا عديدة اما الحضرة الواحدية فهي مبدأ الاسماء والصفات وظهور الشئون والتجليات ومبدأ اطوار التعينات فهي في التعين الاول لان الذات البحت مقام اللاتعين لا اسم هناك ولا رسم ولا اشارة اليها ولا عبارة فالاسم نحو من التعين ولذا تختلف الاسماء والاختلاف ليس في صرف الذات ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وانما الاختلاف في الظهور بطور التعين وحضرة الواحدية مقام الاعيان الثابتة والتجلي الظاهر في تلك الاعيان من حيث المتجلي منشأ الاسماء والصفات وقد قلنا وقاله العارفون الكاملون المحققون ان ليس بعد رتبة الذات البحت سوى رتبة التعين الاول والحقيقة اللابشرط وقد اجمعوا بعد تواتر الاخبار ان التعين الاول هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليها فيكون في تلك الحقيقة وفي تلك الحضرة ظهور الاسماء والصفات ومبدأ التعينات ومقام اختلاف التجليات فلا شيء اقرب الى الحضرة الاحدية سوى الحضرة المحمدية صلى الله عليها ولذا قلنا انها قبل القبل بلا قبل لان القبل والبعد والاولية والآخرية من اطوار التعين والتعين الاول لكمال بساطته ورقة حجابه قد سبق التعينات فلا يوصف بشيء من احوالها واطوارها وبالجملة فالحقيقة الجامعة تحت العباء اي عباء الوحدانية قد سبقت الاشياء كلها والموجودات بحذافيرها والحقايق باسرها ومن حقيقة واحدة لكنها جامعة والحقايق التي من سنخها مندرجة فيها ومندمجة في حقيقتها ومجتمعة معها في مقام الجمع وجمع الجمع فلما تنزلت تلك الحقيقة باطوارها في التعينات المتأخرة ظهرت هياكل متعددة هي هياكل التوحيد واشباح التفريد والتجريد والى هذه الهياكل اشار امير المؤمنين روحي فداءه وعليه آلاف التحية والثناء في تلك الحقيقة الجامعة بعد تشعبها قال نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره وآثار ذلك النور الوحدة وعدم الاختلاف فالهياكل وان كانت متعددة لكنها في الحقيقة واحدة واذا شملتهم عباء الوحدة انتفت آثار الكثرة ولاحت على تلك الهياكل آثار النور المشرق من صبح الازل واذا انتزعت العباء واختص كل واحد منها بعباء ورداء تعددت الهياكل فهم في الذات واحدة وفي الصورة مختلفة فالجواد والكاظم كلاهما صفتا كمال نشئتا من عين الحمد الا ان الكاظم ظهر فيه اللطف والعطف والجواد الكرم والاحسان فهما في الذات متحدان لا بمعنى ان الاثنين صارا واحدا بل هما شيء واحد عراه الاختلاف في الخارج عن الحقيقة ولذا قلنا انهما في الذات متحدان وفي الصفات الذاتية قرينان وذلك عند ظهور الحدود وبروز التعين والقيود في الصفة العرضية الخارجية في مقام الناسوت وفي مقام ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ضجيعان كيف يكون الاضطجاع وهما قائمان فلا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون وفي ركن النور الابيض قائمان بمعنى آخر بغير القيام الذي استشهدنا له بالآية الشريفة وفي مقام الركن ( ركن نسخة ١٣٠٥ م ) النور الاصفر قاعدان على هيئة المتورك لانها قعدة العبد لانها على صورة لا اله الا الله ففي ذلك الركن في مقام قعود المتورك على هيئة العبد الذليل العاجز الحقير المحتاج المستجير وفي مقام آخر من هذا الركن قاعدان قعدة الخدام وهذه القعدة على صورة اسم محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) وهو قعدة الخادم متهيئ للنهوض في الخدمة في مقام عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وفي ركن النور الاصفر ضجيعان اي في مقام الالف المبسوطة ضجعة الانبياء اعينهم مادة الى السماء ينتظران الالهام ويشاهدان الاعلام وينظران الى الآيات ويلاحظان ملكوت السموات وهنا تمام الخلق الاول فلما ظهر في العالم الثاني عالم الاجسام مقام النقش والارتسام مقام تراكم الحدود وتزاحم القيود ففي اول هذا العالم لا قيام ولا قعود ولا اضطجاع بل هو غيبة في عين الحضور وحضور في عين الغيبة عند العالم الاول موت وفي هذا العالم مبدأ الحيوة وسرها واصلها واسطقسها غير محدود بجهات هذا العالم وغير مقيد بقيود وغير متطور باطوار وغير متحرك بادوار وكيف وهو القطب والفعال وما سواه آثاره اي الآثار المتصلة بحدود تعيناته لا يجري عليه ما هو اجراه ولا يعود اليه ما هو ابتدأه ولا يتصور بصورة قشوره ولا يظهر في ذاته بطور اطوار نوره وبالجملة هو منزه عن الحالات الثلاثة متصاعد عنها قد سبقها فلا تلحق به ولا تصل اليه وهما روحي فدائهما كاسلافهما وابنائهما سلام الله عليهم لا يوصفون في هذا العالم بشيء من تلك الاحوال لا بقيام ولا بقعود لا باضطجاع ولا باستلقاء بل ظهورهم هناك بلا حدود ولا اعراض من حدود فاتحته من المراتب السافلة وان كان هو تحققه من تراكم الحدود وتصادم القيود من العالم الاول وعند نزولهما الى العالم الثاني قائمان واقفان وقوف العبد الذليل بين يدي المولى الجليل مستسلمان منقادان خاضعان خاشعان خائفان مقام ربهما وفي مقام آخر من هذا العالم هما قائمان بايديهما عصاء من نور مقبلان الى عالم السرور مدبران عن مقام الغيور معرضا ( معرضان خ ) عما يوجب الاكدار وهو ملاحظة الاغيار وهما ساكتان والى جهة المبدأ ناظران وهذا المقام مقام الوحدة الاجمالية والسباحة في البحر الابيض بحر النور وعند نزولهما في العالم الثاني من العالم الثاني قاعدان عليهما الصفرة لفرط المحبة ولدوام الشوق والمودة واما صفرة غيرهما فمن جهة الخلط والارتباط بالغير فاقتضت الصفرة لحرارة الحركة ورطوبة الميل واما هما فلن يزالا متوجهين الى المبدأ الحق فقد جففت لدوام النظر الرطوبات وبقيت الحرارة ممتزجة برطوبة الاسماء والصفات الالهية لان كثرتها وتعددها دليل زيادة الرطوبة فانها هي التي تقتضي الارتباط والتعدد والاختلاف هذه العلة لصفرتهما واما صفرة غيرهما فكما ذكرنا وبينا وعند نزولهما الى العالم الثالث من العالم الثاني الذي هو الخلق الثاني هما مضطجعان لكنهما مستلقيان عيناهما الى السماء ووجههما الى الاعلى وظهرهما الى الارض بدليل اعراضهما عن السوي وتوجههما الى المبدأ الذي وجهة السماء كما انا نتوجه الى الكعبة لانها وجه القبلة ومع انهما مضطجعان قائمان وهما قاعدان اما قيامهما فمن جهة الولاية التي هما حاملاها فيكونان قائمين على كل نفس بما كسبت والمتوليان على الموجودات على ما ذرأت وبرأت وقائمان بطاعة الله كما شرعت وقائمان بامر الله وهما قاعدان وجالسان على سرير السلطنة دست الايالة والحكومة في المقامات الباطنية والحقيقية كالالهية ولهما الامر والنهي والحكم في الاطوار الوجودية الخلقية وهما مضطجعان لانهما الف المبسوط والكتاب المسطور واللوح المحفوظ والباء في البسملة والسين في ياسين واللام في الف لام ميم والسحاب المتراكم والتيار المتلاطم الكلمة الطيبة والشجرة الالهية وهذه الاحوال كلها حالة اضطجاعهما واستلقائهما اما استلقائهما واضطجاعهما لاجل خضوعهما وخشوعهما وانقيادهما وانهما لا يملكان لانفسهما نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ثم لما ظهرا في مدينة كان طالعها السرطان والكواكب في اشرافها ظهرت الحالات الثلثة مجتمعة متفرقة في كل حالة يظهر اثر الحالة الاخرى وقيامهما في عين قعودهما وقعودهما في عين اضطجاعهما واضطجاعهما في عين قيامهما على حد ما قاله علي بن موسى الاندلسي صاحب شذور الذهب قال ونعم ما قال :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها
فانتفت هناك الآفاق وظهر الاشراق وتهيجت الاشواق وظهرت النار في الاسرار وبدت في ساير الاطوار ان في ذلك لآيات لاولي الابصار فلما تحركت الافلاك واجرى التدبير على حسبها الاملاك بدت الظلمات وظهرت الآفاق المايلات وتمايزت الحركات واختلفت حركات الكرات وتصادمت في حركاتها الدايرات وتعارضت الصفات وتخالفت الظواهر والبواطن في الكينونات وتعارضت افعال الذوات والصفات وظهرت احكام اللطخ والخلط في الحقايق والاعراض عند ظهور الافاضات تغيرت الحالات وغلبت الظلمات واضمحل النور وبدي حكم الغيور وخفيت اسباب الظهور وغلب الكافر وخفي النور الظاهر وغلب القمر المنير وتراكمت الموانع للمستشرق والمنير واكفهرت السحب وتراكمت الحجب وظهر تأويل قوله تعالى فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون وقوله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم وقوله تعالى ما ارسلنا من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ومقام القاء الشيطان الامنية واما النسخ ما يلقيه متأخر بعد وقوله تعالى عليها تسعة عشر وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب الى قوله تعالى وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وقوله تعالى الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعملن الكاذبين وقوله تعالى فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون وقوله تعالى هل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم وقوله تعالى ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون وامثالها من نحو هذه الآيات والاخبار بهذا المضمون كثيرة جدا ولو لم تسمع من الآيات ما يدل على هذا المعنى لوجدته عيانا ظاهرا الا ترى ان المؤمن قد يتفق ان يكون مشوه الخلقة والكافر قد يكون حسن الخلقة معتدل الاعضاء متناسب التركيب الا ترى ان القلب في الجانب الايسر ومن شأنه ان يكون في الوسط الا ترى الفضولات اذا خرجت من الانسان عفنة ونجسة الا ترى العرق نتن ودمع العين مالح وماء الاذن مر وريق الفم تفه الا ترى سقوط الاوراق ويبس الاشجار وعدم بلوغ الثمار ونضجها وينعها على ما ينبغي من الاطوار الا ترى غور المياه من العيون والآبار وغلاء الاسعار وعدم امنية البراري والقفار الا ترى تلاطم البحار وتغطمط التيار وفساد الآثار الا ترى تواتر الامراض وتكثر الاعراض الا ترى كثرة النفاق وزيادة الشقاق الا ترى البواطن مخالفة مع الظواهر والسرائر منافية مع الظواهر الا ترى اكاذيب المقال واغاليط الافعال الا ترى قلة العلوم ونزر المعاني والرسوم الا ترى قلة المعارف وكثرة الاهوال والمخاوف الا ترى ان اكثر الناس لا يعقلون ( واكثرهم لا يسمعون خ ) واكثرهم لا يفقهون واكثرهم يخرصون واكثرهم يظنون واكثرهم يجهلون الا ترى انقسام الناس الى مجتهد ومقلد ومستبصر وبصير وعالم ومتعلم وعامي وعالم الا ترى سهو الناس واغلاطهم وجهل الناس واخلاطهم الا ترى قلة الرفيق وعدم الصديق وفقد الشفيق الا ترى قلة الجواهر وكثرة الاحجار والخزف وساير الجمادات الا ترى قلة الاشجار المثمرة وكثرة الاشجار الغير المثمرة الا ترى انقلاب اهل الزمان وتقلب الدهر الخوان الا ترى كثرة الخيانة وقلة الامانة الا ترى كثرة الكذب وقلة الصدق الا ترى قلة المؤمنين وكثرة الكاذبين المنافقين الا ترى المؤمن خائفا والكافر في الغالب آمنا الا ترى المؤمن تتعسر عليه الامور غالبا والكافر تتسهل له غالبا الا ترى ان المؤمن مغلوب مقهور والكافر مظفر منصور الا ترى الانبياء قد قتلوا والاولياء قد استشهدوا والسعداء قد ابيدوا واهلكوا لقد قتل بنو اسرائيل من ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ولم يحصل عنده اضطراب ولا تغيير احوال ولا تحاشي ولا انكار وقد قتل كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس عشرين نبيا من انبياء الله العظام وهو على سرير مملكته وتخت سلطنته الا ترى نبينا (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ومقاساته ومكابدته مع قريش وساير الكفار حتى قال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ما اوذي نبي مثل ما اوذيت وكفي به شاهدا الانقلاب الزمان وعدم مساعدته لامناء الله حتى قال سيد الخلق ما قال وبالجملة ما ذكرناه وما لم نذكر اعظم شاهد واعظم برهان وبيان بان العالم في الخلق الاول ما خلق هكذا والا دل على ضعف الصانع وعدم حكمة الخالق حاشا وكلا سبحان من اتقن صنع كل شيء وهذا الذي ذكرناه وما ( الذي خ ) لم نذكر اعراض تزول وامراض عرضت بنية هذا العالم فعن قريب تتحول وتضمحل وتصحوا الابدان ويصفوا الزمان وتعتدل بنية الانسان وتتقوي الاكوان والاعيان وتظهر حجة العالم وتحسن اطوار بني آدم واما في هذا الوقت فالامراض غالبة والاعراض قاهرة والغرايز مستسرة مخفية اما رأيتهم كيف قتلوا الحسين بن امير المؤمنين علي بن ابيطالب وهم يعلمون انه سيد شباب اهل الجنة لانه الطيب الطاهر وانه الدر الفاخر وانه لا عيب في نسبه ولا حسبه ولا في علمه ولا في ادبه جمع المحاسن كلها وحاز المفاخر باسرها وانطوى على المعالي بشراشرها وقد قال السيد السند السيد محمد القطيفي سلمه الله تعالى في هذا المقام وقد اجاد وتكلم بالمراد ودل على مستجنات الفؤاد بقوله سلمه الله في قصيدته الدالية الى ان قال :
حملت به ام الفخار فعند ما مخضت به عقمت على ميلادها
وبالجملة تمرض الزمان وفسد المكان وتغيرت بنية الانسان من اول ما خرج آدم من الجنة ولذا لما خرج قال :
تغيرت البلاد ومن عليها ووجه الارض مغبر قبيح
وهكذا تبقى الى ان يصفو العالم عن اللطخ والخلط فما دامت الدولة لاهل الخلط واللطخ لا يصفو تمام الصفاء فمن هذه الجهة قتل سيدنا ومولانا الكاظم ودفن بدار السلام وقتل مولانا وسيدنا محمد بن علي الجواد ودفن في جنب جده عليهما من الله آلاف التحية والثناء وكانا ضجيعين والا فاين الموت منهما اذ سببه تخلل الآلات الجسمانية في الموت البدني الجسماني والخلل لا يكون الا بفساد الطبيعة وسوء المزاج وحاشا طبيعتهم وطينتهم ومزاجهم المأخوذة من طينة رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) ومزاجه وطبيعته ان يتطرقا فيها الفساد او ينسب اليها سوء لان المنسوب الى الله لا يتطرق اليه السوء لانه ليس منسوبا الى الله ولا من الله وانما هو من الشيطان وهم عباد الرحمن المخلصون اوليائه الصادقون قال تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وقال عن لسان ابليس لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فليس عندهم دواعي الموت والفناء كاهل الجنة بل اهل الجنة مثلهم فلولا ان السيف قطع اعضاءهم والسم سري في امعائهم قطعها وفرق بينها فميز الاجزاء ومنعها عن التعادل والتناسب والاجتماع على هيئة اعتدالية تحفظ جهات الصورة النوعية وكان سببا لمفارقة الروح من الابدان الظاهرة لما تفارقا ابدا كيف وبين ارواحهم واجسادهم تحاب وتواد محبة العاشق معشوقه فلا يفترقان ابدا كابدان اهل الجنة مع ارواحها ولذا ترى بعض اولياء الله الذين ما بلغوا مقام خاتم النبيين ولم يتمكن منهم اعداء الدين بلغوا من العمر خارج الحد المضروب له الا ترى الخضر فانه الياء بن ملكا بن ارفخشد بن سام بن نوح لما لم يتمكن منه احد من المخالفين لغيبته عن اعين الناظرين بقي حيا الى الآن وبعده الى يوم الوقت المعلوم حتى يقتل وكذلك عيسى بن مريم حيث هرب من القوم الظالمين وصعد الى السماء الرابعة بقي حيا الى الآن وما بعده الى ان يقتل الدجال ويكون خير ناصر لدين الله الملك المتعال وكذلك ادريس والياس والقائم المنتظر المهدي عجل الله فرجه وفاقا للشيخ الاكبر كما فصل احواله وما يصير حال ظهوره في عدة من كتبه لا سيما في الشجرة الالهية الموضوعة في الاحوال الجارية في الازمنة المستقبلة وبالجملة لولا السيف والسم ما جاءهم ما جاءهم من الموت والاصح ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) قتل بالسم سمته اليهودية وكذلك كل نبي من انبياء الله وكل ولي من اولياء الله اذا كانوا حاملين للولاية المطلقة او وجها من وجوهها ماماتوا وماخرجوا من الدنيا الا مقتولين شهيدين منهم بالسيف ومنهم بالسم ومنهم بالحرق والطبخ كما كان بنو اسرائيل وغيرهم من الامم الماضية يفعلون بانبيائهم يقتلونهم ويطبخون لحومهم ويأكلون يا ويلهم ما اقسي قلوبهم وما اصبرهم على النار يوم يميز الاخيار من الاشرار ولذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله انك ميت وانهم ميتون ونظرا الى ما ذكرنا من عدم اهلية ابدان الانبياء للموت والفناء والدثور وان ابدانهم كابدان اهل الجنة في الجنة انكر سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه موت النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) لما اتاه الناعي بنعي ( ينعي خ ) رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) وسيدنا ابوبكر نظرا الى الدقيقة المذكورة وعرف ان السم يقطع الامعاء ويفرق الاعضاء ويكون سببا لمفارقة الروح واشار الى عمر بذلك وقرأ له الآية انك ميت وانهم ميتون فاستقر عمر واعترف بموت النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) والا كان في اول الامر قد ابى ولولا السم كان كما ظنه وتخيله وتوهمه ولكن حكم الله غالب وامره ليس له مدافع ولكن ابى الله المشيئات كلها فلا عتب فيما شاء وملام
( ولكن الى الله (ظ) المشيئات كلها فلا عتب فيما شائه وملام نسخة ع ٤٠ ب )
وبالجملة فقول الناظم اطال الله بقاه وامده برحمته ورضاه اشار بقوله ان محمد بن علي الجواد روحي فداءه وعليه آلاف التحية والثناء ضجيع الامام موسى بن جعفر الى هذه الدقيقة الانيقة والى الضجيع المدفون انما يكون في هذا الدهر المنكوس والزمان المركوس ومع هذا كله هما احياء عند الله يريان يسمعان يبصران ويطلعان على زايريهما وينظران اليهم بنظر العطوفة والرأفة وتشمل عليهم عطفهما ورأفتهما ورحمتهما وتنالهم بركتهما لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون وقد رويت عن شيخي رفعه عن الامام جعفر بن محمد الصادق روحي له الفداء وعليهما آلاف التحية والثناء ان حمل حنطة اذا مر بقبر مؤمن يعلم كم فيه من حبة واذا كان هذا حال المؤمن فسيد المؤمنين وفخرهم بالطريق الاولى على الوجه الاعلى وكيف لا يعلمون وقد قال تعالى قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا ريب ان الامامين سلام الله عليهما من المؤمنين وقال تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم واذا كانت الامة هم الشهداء فان رسول الله سيدهم يشهدون بالطريق الاولى ولا فرق بين حيوتهم وموتهم كما تلونا عليك من الآية الشريفة وغيرها وقد طرق سمعك مرارا ان الحسين عليه السلام لما قطعوا رأسه الشريف وعلوه على السنان والرمح كان يقرأ القرآن وان بدنه الشريف كان يحس ويشعر وتكلم مع جده وابيه وامه واخيه لما اتوا الزيارة ( لزيارته نسخة ١٣٠٥ م ) وان الجمال الملعون لما اراد تكة سراويله مسك يده الشريفة عليها حتى قطعها ذلك الرجس اللعين ثم قبض بيده الاخرى عليها حتى قطعها لعنه الله وبالجملة فحياتهم حال موتهم لا تنكر ولا تشبه حالهم حال ساير الموتى فسيدنا الكاظم عليه السلام ومولانا الجواد روحي لهما الفداء متحدان في مقام قائمان في مقام قاعدان في مقام ومستلقيان في مقام ومضطجعان في مقام وليس ذلك مخصوصا بهما بل جميع ما هو منهما ومن سنخهما الا ان يتفرق قبورهم ويتشتت مشاهدهم كرسول الله وامير المؤمنين عليهما من الله آلاف الف تحية وسلام وكامير المؤمنين والحسين واما الحسن والسجاد والباقر والصادق روحي لهم الفداء وعليهم من الله آلاف الف سلام فكما ذكرنا في الكاظم والجواد واما علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري فكما ذكرنا فيهما صلى الله عليهما وعليهم واما علي بن موسى الرضا روحي له الفداء وعليه من الله آلاف الف تحية وسلام فكما ذكرنا في امير المؤمنين والحسين واما بيان حال مولينا وسيدنا محمد بن علي الجواد واصله ونسبه واخلاقه وآدابه وكمالاته فقد ضربنا عنه صفحا لانه كالنور على الطور وكالنار على علم وكالشمس المضيئة فلا يحتاج الى البيان وهو لعمري غني عن التذكار والتبيان مع ان العلماء من فرق الاسلام قد تصدوا لذكر ( احوال خ ) هؤلاء السادة الاطهار وبيان فضائلهم ومقاماتهم وآبائهم واجدادهم مثل صاحب الصواعق المحرقة والفصول المهمة وغيرهما في غيرهما فليطلب هناك ولا اظن احدا خفي عليه امرهم من الموافق والمخالف والصديق والعدو والمحب والناصب والغالي والقالي الا قليل من المستضعفين قال الشاعر في مدح امير المؤمنين ما احسنه واقربه بمطابقة الواقع بل هو الواقع الحقيقي لا غير
تخالف الناس الا فيك واختلفوا الا عليك وهذا موضع العبر
مع انا قد شرطنا انا لم نذكر ما ذكروا ولم نسطر ما سطروا لانا في شغل عن الناس وعن التصنيف والتأليف واظهار ما هو قد ذكره الغير ولا يفيد الا محض الاعلام بانه مطلع على كلام الغير ولكن اخرجنا الى الكلام جهل الناس بمعالي المراتب وحقايق المطالب والنقطة التي يقع بها التأليف بين الظاهر والباطن والحقيقة والطريقة والشريعة وبها يعرف الحق من الباطن والسعيد من الشقي والصادق من الكاذب والمحقق من المدعي فان الامور قد البست والاحوال قد تشابهت والنفوس قد كاعت والالباب قد ارتاعت والوية الباطل قد نشرت واعلام الضلالة قد خفقت والبدع قد ظهرت والاباطيل قد شاعت والاراجيف قد عملت ولما قرأنا قوله تعالى الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقال مولينا محمد الباقر روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء نحن اللاعنون وقوله تعالى وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وقول النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) اذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله تصدينا لذكر المطالب الحقة النازلة من عليين على القلوب الصافية والصدور المنشرحة المستنيرة وان نروعهم اولا بذكر المطالب والمقامات التي لم يكتب في كتاب ولاجري في سؤال ولا جواب ولا في كتاب ولا في خطاب الا رموزات واشارات ضمنت كلمات العرفاء الانجاب والعلماء الاطياب لتميل قلوبهم اولا الى فهمها وان كان لاجل ابطالها وردها واذا تعلمت النفوس وتمكنت هذه المقامات والمراتب فيها ورسخت فيثبت عليها الموفق المصيب وتهدي ( يهتدي خل ) اليها كل عاقل لبيب وينكرها من خلقت طينته من سجين من المركبات المسوخات ( المسخوطات ١٣٠٥ م ) حتى يكون مصداقا لقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فيحصل المقصود من تمييز المنصف من العنود حتى نأتي ما امرنا الله باتيانه ولاندخل في زمرة الذين كتموا من البينات والهدى من بعد ما بينه الله للناس والله سبحانه اعلم وابصر بعباده يفعل بهم ما يريدون وقال تعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وقال تعالى وما على الرسول الا البلاغ المبين والرسول عليه البيان اما بذاته او بنفسه او بيده فالاول في زمانه عند التمكن من خطابه الشريف والثاني بعد زمانه عند عدم التمكن من امنائه وخلفائه واصحابه القائمين مقامه والسادين مسده والفاعلين فعله المتخلقين باخلاقه الاقرب فالاقرب والثالث عند عدم التمكن من خلفائه وامنائه واصحابه وهم العالمون المتقون والعرفاء الكاملون وحجبه المتوسطة بينهم وبين رعيتهم الغير البالغين فان قلت قولك ان هذه المطالب لم تذكر في خطاب ولم تبرز في سؤال وجواب دليل على انها غير محتاج اليها وليس كما قلت انها لدفع البدع ورفع شيوع المنكرات ولو كان كما ذكرت والارض غير خالية من نائب عنهم وحاكم من قبلهم وليس الامر منحصرا بك لتصدوا لذكرها ولتعرضوا لشرحها وبيانها وتفصيلها واجمالها فعدم تعرضهم دليل عدم الحاجة لو فرضنا انها صحيحة قلت ان سكوت العلماء وعدم التعرض والتصدي للبيان والاظهار من جهة فقدان الشرط فاكتفوا بالاشارات واقتصروا على التلويح في العبارات وظهور البدع مع عدم التمكن من الاظهار ( الاظفار نسخة ١٣٠٥ م ) لا يوجب الاظهار كما ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) سكت اربعين عاما والشيطان يعبد جهرة والناس منغمسون في لجة الطغيان والعدوان ومغمورون بالشهوات فسكت عنهم رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فلما آن اوانه وقرب ابانه نهض باعباء الرسالة وبلغ وبين ولكنه بقي في مكة احديعشر سنة لم يقاتلهم ولم يحاربهم ولا يناجزهم بالقتال مع ما يلقي منهم من الاذيات ويقاس ( يقاسي نسخة ١٣٠٥ م ) شدايد الكربات ويتحمل عنهم الى ان آن اوان الجهاد ودني وقت الاظهار والاعلان وكسر سورة الباطل اتاه الاذن من الله ونزلت اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره فتصدي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) للجهاد وتعرض للقتال الى ان اختار الله له دار البقاء ففعل اوليائه وخلفائه وامنائه كفعله ومشوا على منواله واحتذوا مثاله وكذلك العلماء البالغون تصدوا لاظهار ما تصدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله خ ) لظاهر الشيعة ( الشريعة نسخة ١٣٠٥ م ) وحكوا مثال اسمه الذي في الارض وهو محمد فان له (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) اسمان اسم في الارض وهو محمد واسم في السماء وهو احمد الاسم هو الظهور يعني له ظهوران ظهور في العوالم الظاهرية مما يتعلق بظواهر الابدان من احكامها وافعالها وصفاتها وكينوناتها ومظهر هذا الظهور وموقع هذا النور المسمى بمحمد وله ظهور في العوالم الباطنية والاسرار الغيبية ومظهر ذلك الاسم هو المسمى باحمد ولما كان الخلق في القوس الصعودي وكلما قرب من هذا القوس كان غليظا وكثيفا وكلما بعد وقرب الى المبدأ كان رقيقا لطيفا ومن عهد النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) في رأس كل مائة سنة كان يظهر من يروج الاحكام المناسبة لذلك المقام ولما كان مبدأ القوس كانت التربية لظهور الاحكام بالظواهر والمروج في رأس كل مائة سنة كان يروج الشريعة على مقتضي ظواهر الرعية ولما كان البدن الظاهري له مقامان مقام يتعلق بالاختلاف وعروض الاحوال وتغير الموضوعات ومقام لا يقتضي ذلك ولما كان كل مقام انما يكمل في ستة اطوار كما بيناها سابقا كانت الاحكام الظاهرية التي هي مقتضي ظهور اسم محمد انما يتم في اثني عشرمائة وفي كل مائة من يروج الاحكام ويبين الحلال والحرام ويظهر ما كان مخفيا ويفصل ما كان مجملا في المائة السابقة ويبين ما كان مبهما فيها وبالجملة فذلك العالم الكامل والفاضل الفاصل يروي غصن الشريعة وتخضر ( يخضر خ ) عودها الى ان بلغ الكتاب اجله وتم تمام المائة الثانية عشر واذا ظهر بعض الكاملين واظهر بعض البواطن للبالغين الواصلين ( الواصلين الذي خ ) كان مخفيا وتلك المطالب كانت مطوية كما فعله الشيخ الاكبر وجعل حقايق المطالب وخزنها تحت الالفاظ والعبارات واودع تلك الدرر المكنونة في اصداف الاشارات حتى يكون عونا لمن يروجها وذخيرة لمن يبرزها ويتقوى بها فلما تمت المائة الثانية عشر ( الثانية عشرة خ ) وتمت الدورة الاولى المتعلقة بالظواهر لشمس النبوة والاثنتي عشرة دورة لقمر الولاية من حيث التبعية فتمت الدورة وتمت مقتضياتها والكرة الثانية والدورة الاخرى لبيان احكام ظهور البواطن والاسرار المخفيات والمخبيات تحت الحجب والاستار وعبارة اخرى الدورة الاولى لشمس النبوة كانت لتربية الابدان والارواح المتعلقة بها مثاله الجنين في بطن الام والكرة الثانية لتربية الارواح القادسة والنفوس المجردة الغير المرتبطة بالاجسام مثاله تربية الارواح بالتكليف في هذا الدنيا فلما تمت الدورة الاولى لشمس النبوة التي هي متعلقة بتربية الظواهر التي هي مقتضى ظهور اسم محمد اتت الدورة الثانية لشمس النبوة لتربية البواطن والظواهر في هذه الدورة تابعة كما ان الدورة الاولى لتربية الظواهر والبواطن كانت تابعة فكانت هذه الدورة الثانية فيها اسم رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) الذي في السماء وهو احمد فكان المروج والرئيس في رأس هذه المائة المسمى باحمد ولا بد ان يكون من اعذب ارض واحسن هوى ولو اردنا ان نبين خصوصيات مكانه وزمانه وسنه واستقامة بدنه وساير احواله بالبرهان العقلي والذوق الوجداني لفعلت ولكنه يطول بذكره الكلام وان كانت فائدته عامة ونفعه شامل لكني في ضيق المجال وتبلبل البال وابتلائي بمقاساة الانذال ومكابدة اذيات الجهال فلا يسعني الآن شرح هذه الاحوال فلو امدني الله بالبقاء وكشف عني بمنه وكرمه هذه الالواء ( اللئواء ع ٤٠ ب ) اكتب رسالة منفردة ابين فيها رئيس هذه المائة اي المائة الثالثة عشر التي نحن فيها وهي الالف ومأتان وسبعة وخمسون من الهجرة النبوية واشرح احواله وابين صفاته وازيح جميع الاشكالات وانه المرجع الواجب عليه بيان تلك المطالب والاشارات والحمد لله رب العالمين وهذا الامر وان وقع وهذا العالم وان وجد لكنه لم يمكنه اظهار مطالبه ولا افشاء مقامات علومه الا بتأييد حاكم مسلط نافذ الحكم مبسوط اليد وقد اتفق في هذا الزمان ان حامي حوزة الاسلام وحافظ شريعة سيد الانام جامع السياستين حاوي الرياستين رياسة العلم والايقان وسياسة ( رياسة خ ) الحكم والسلطان الوزير الاعظم والدستور المعظم عليپاشا والى دارالسلام وولي الاحسان والانعام قد اعان في ترويج هذه المطالب وسد ابواب الموانع وقصم شوكة المخالفين المنازعين ( المنافقين خ ) وفصم عروة المعاندين الناصبين فها هذا العالم الشريف قد سطع برهانه وارتفع شأنه وتأسس بنيانه وقوي اركانه فطلبه الطلبة الحاملون وعرفه الماهرون وانشرحت به الصدور الضيقة واستنارت به القلوب الغاسقة واطمأنت به النفوس المضطربة وسكنت به القوي المشوشة ووقفت به سفينة الطالبين للحق واليقين وانهزمت به جنود الشياطين وترى الهداية خافقة واعلام الارشاد على رؤس الالباب والافئدة مرفوفة ( مرفرفة خ ) وظهر كالنور على ظهر الطور وبرز كنار على علم واوضحت المشكلات وانحلت المعضلات واحكم المتشابهات وظهرت المجملات وتبينت الدلائل الواضحات وظهر الميزان القويم القسطاس المستقيم وتبين المحق من المبطل والمدعي من المحقق والصادق من الكاذب ولم يزل بحمد الله في ازدياد والقلم الذي يسطر به على القلوب والاكباد سابغ المداد فتظهر به جوامع الاستعداد ومحاسن القوابل للاستمداد نسئل الله تعالى بقاء هذه الدولة العلية بحاملها والشوكة الالهية بواليها وان ينصر سلطان الزمان ويمد ظلال رأفته وعطفه ( على نسخة ع ٤٠ ب ) حفظة قلوب اهل الايمان وحملة العلوم والايقان فاذا عرفت ما بسطنا لك من قليل من كثير وقطرة من بحر ما في قلبي من الكلام علمت عذر اولئك الاعلام في السكوت والكلام بالاشارة والرمز والاظهار لما لا يوجب اعلاء الكلمة لعرفت عذرنا في النطق والبيان فاعلاء كلمة الله المستودعة في حقايق الانسان وابراز ما كان مخفيا على عامة الناس بجوامع البيان وواضح البرهان وقد جمع كلام مولينا وسيدنا ابي عبد الله جعفر بن محمد روحي له الفداء وعليهما آلاف التحية والثناء جميع هذه الاحكام وابان عن عذر من سكت ونطق بالكلام بقوله روحي له الفداء ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله وهو جوامع البيان لمن له عينان واذنان يسمع الحق ويراه ويمشي عليه اليه فاحفظ ما القينا اليك والله خليفتي عليك فقد انبئك نبأ من معي ومن قبلي والله عليم حكيم وقوله سلمه الله تعالى وابقاه وحرسه ووقاه : وهو الامام الافضل يريد بالافضل بالنسبة الى غير هذا النوع اي غير اهل البيت المطهرين والامناء المنتجبين المطهرين من الذنوب والمبرئين من العيوب وهذا لا شك فيه ولا ريب يعتريه فاما بالنسبة الى اهل هذا البيت فلا ريب انه ليس بافضلهم بل اما يساويهم او ادنى ( منهم نسخة ١٣٠٥ م ) ولا ريب ان الحسن والحسين افضل منه لانهما سيدا شباب اهل الجنة وليس في الجنة كهل ومولانا الجواد لا شك انه من اهل الجنة فيكون الحسنان افضل منه ولما قال رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وابوهما افضل منهما علمنا ان امير المؤمنين افضل منهما فيكون افضل من الجواد وهكذا غيره مما يطول بذلك الكلام فلتطلب تفاصيلها من كلام اولئك الاعلام في كتبهم المفصلة الموضوعة لبيان هذا المرام وعذرنا في عدم ذكر هذه الامور قد بيناه وما عندنا قد بسطناه والله ولي التوفيق
وقوله سلمه الله : وحفيدها اشار الى ظاهر الامر والا ففي الواقع ليس بينهما ترتب اصالة وفرعية فاذن ليس بينهما ترتب الابوة والبنوة فضلا عن الحفادة وقد يظهر لك معنى كلامنا مما فصلنا سابقا في بيان الاب والابن فراجع تجد الامر ظاهرا واضحا بينا منيرا وان كان في الاجمال الذي ذكرت ايهام فافهم وعلى من يفهم الكلام السلام بقي الكلام في الحضرة والحضرات الخمس التي عند العرفاء الكاملين والعلماء البالغين الواصلين وتصحيح ما قالوا وشرح ما ذكروا وحقيقة القول على الوجه الذي عندنا وليس لي الآن اقبال لبيانها وتوجه الى شرحها وتبيانها فلعل فيما بعد نشير الى شيء منها ونبين صحيحها وفاسدها وحقها وباطلها اذ لا كل حضرة حضرة ولا كلما يسمى بها هي والله الموفق
وصل - ولما بين وفقه الله للتوفيق وسقاه من رحيق التحقيق ان مولانا الامام الهمام هو الباب والوجه والجناب اراد يوضح هذا المعنى ويشرح هذا المدعي ويوضح المقصود ويوجد المفقود ويرفع النقاب عن وجه الاحتمال ويدفع الشبه بواضح الاستدلال فقال اشاد الله شأنه واوضح برهانه واوصله الى مناه لكعبة ( المراد خ ) وبلغه طواف حول بيت الفؤاد باحسن الاستعداد :
يا كعبة الاسلام حول ضريحكم نسعى ونحفد بل نطوف ونرمل
اقول : لما كان في الابيات السابقة يخاطب سيدنا ومولينا الكاظم روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ثم التفت في نفسه وقال انه وآباؤه وابناؤه من نور واحد يشاركون في المزايا والفواضل والاختصاص لاجل خصوصية الحجاب والستر الذي اوتي اليه من الباب ولما اكمل ما يتعلق بذلك الخطاب مع ذلك الجناب توجه بكلامه الى الجميع فقال وجه الله به الى قبلة التقوى وعلمه منار اليقين والهدى : يا كعبة الاسلام وهي كناية عن القبلة يعني يا قبلة الاسلام اعلم ان الكعبة اول بيت وضع للناس بناه آدم ابونا لما نزل من الجنة وتاب الله عليه وبيان ذلك ان آدم عليه السلام لما كان في الجنة خطر بباله انه خير خلق الله واول مخلوقاته واول من رفع رأسه من الطين مبدأ الخلق البشرى ومظهر الهيكل الانساني مبين الصورة الانسانية حقيقة الكينونة التي هي كتاب الله الذي كتبه بيده والهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي الشاهد على كل غايب وهي الحجة على كل جاحد وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين جنة المحبة والطاعة ونار البعد والمعصية جنة المحبة ونار البغض والكراهة فلما نظر آدم عليه السلام الى هذه الخلقة والصفة والبهاء والكرامة وانه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واوجد فيه زوجته واحله دار كرامته واسجده ملئكته وعلمه الاسماء واراه حقايق الاشياء وعاتب بذلك الملئكة لما اعترضوا في خلقته بعد ان سماه الله خليفته فاعترضوا عليه وقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فلما اعترضوا هذا الاعتراض ولم يلتفتوا الى ما اجاب الله بقوله خليفة فان خليفة الله محال عليه ان يفسد ويسفك الدماء فبعد هذا الكلام ما كان ينبغي لهم الاعتراض فيقول اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء بعد ان يقول لهم الله اني جاعل في الارض خليفة فمن هذه الجهة احترقت اجنحتهم بنار الهيبة واوضح لهم المقصود وانه خليفة الله بالبرهان والبينة بان عرض عليهم المسميات وسئل منهم اسمائها فلم يعرفوا ثم علم آدم الاسماء فبين فضله على الملئكة بواضح البرهان ومشاهدة العيان واظهر عجز الملائكة حيث قالوا لا علم لنا الا ما علمتنا ثم ازداد آدم تشريفا وتعظيما الا ان كلف الملئكة بان يسجدوا لله ويتوجهوا اليه بوجهه فجعل آدم ذلك الوجه والجناب وامرهم بالسجود له من ذلك الباب فسجدوا خاضعين بتقصيرهم معترفين ولقوله سبحانه وتعالى اني جاعل في الارض خليفة متذكرين لانه تعالى ما ابقى باقية ولم يجعل للكلام مساغ فاعترفوا بالزلل وتابوا الى الله بالقول والعمل ثم رجم ابليس عن دار رحمته واخرجه من جنة كرامته وقال اخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين وازاح حجج ابليس وما يموه على الناس من المكر والتلبيس فلما نظر آدم عليه السلام الى هذه المفاخر وتأمل في هذه المآثر تخيل انهم لشرافة منه ولكرامة له افتخر واعتقد ان ليس في الكون له نظير ولا له شبيه ولا بديل افتخر بذلك مما اعطاه من الكرامة لا من جهة نفسه بل من باب واما بنعمة ربك فحدث فلما لم يكن غيره حدث به نفسه ولما كان هذا الخاطر ربما يفسد عليه الامر بدوامه واستمراره اراد ان يعرفه الحقيقة ويعلمه النكتة والدقيقة ويبين له ان هذه المآثر والمفاخر ليس الا لاجل ذلك النور الزاهر والبدر الباهر في صلبه لانه نسي اصله ونسي ما اخذ عليه العهد في العالم الاول وهو قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فاراد الله سبحانه ان يذكره الميثاق وان يريه ذلك العهد والوفاق فقال له يا آدم ارفع رأسك وانظر الى ساق العرش فانطبع مثال النور الذي في صلبه في العرش فرأي ما عنده بتلك المرآت ( المراتب خ ) ورأى نورا ساطعا وبدرا لامعا وشمسا مضيئة وزجاجة كأنها كوكب دري قد استضاءت بذلك النور جميع مقامات الغيب والشهود وتوجهت اليه الاشياء من كل غيب وشهود وموجود ومفقود وقال آدم يا رب ما هذا النور والسرور وما هذا التمثال الذي هو مقناطيس الارواح والاشكال وما هذا الجمال الذي كل شيء يتمني منه الوصال وما هذا الجلال الذي اضمحلت دونه كل حقيقة ذات ومثال وما هذه الشمس التي كل شيء له ظلال فاوحى الله اليه ان هذا نور حبيبي وصفيي وخليلي ونوري ومن لم اخلق الكائنات الا له ولم اوجد الموجودات الا لاجله وما كانت الاشياء الا تبعا له وهو الذي اخذت الميثاق عليك وعلى ذريتك بطاعته والايمان به والاذعان بالتصديق له كما في قوله تعالى واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ذاك الرسول هو هذا النور (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) فرجع آدم عليه السلام عما تخيله وخرج عنه ما توهمه وذكر الميثاق ورجع الى التسليم والانقياد والاذعان والوفاق فلما صار ما صار من امر آدم وحيلة ابليس واليمين الكاذبة الفاجرة وخرج آدم وحواء من الجنة والثلثة الباقية فاهبطوا الى الارض متفرقين متشتتين مطرودين مذودين فوقع آدم على جبل سرانديب وهو جبل في الهند معدن الجواهر والياقوت الاحمر وحواء نزلت الى جدة وابليس نزل الى اصفهان والحية بارض مغان والطاووس بالهند ولما تشتتوا بقي آدم يدور يبكي على معصيته وينوح على خطيئته وتجري دموعه كالسيل وقد روى من اهل البيت عليهم السلام انه جرى من عينه اليمنى نهر كالفرات ومن عينه اليسرى نهر كالدجلة ولم يزل يبكي ويحث التراب على رأسه من فراق الجنة ومنازل الاحبة حتى طالت المدة وبقي ثلثة مائة وثلثة عشر سنة يدور في الارض ولا يأوى الى قرار ولا يجعل له كنا ولا دارا حتى كان ذات يوم يمر فاذا بجوهرة مشرقة مضيئة تذهب بالابصار فاعجبت آدم وبقي يحد النظر اليها فنطقت الجوهرة باذن الله وقالت يا آدم انستك المعصية اماتعرفني انا صاحبك وصديقك في الجنة وكان ذلك ملكا من الملائكة شديد الحب لمحمد وآله فلما اخذ الله الميثاق من جميع الخلق بالطاعة والانقياد والتسليم لمحمد وآله الذين مذكورون في التشهد في الصلوة فقبل من قبل وانكر من انكر فكتب ذلك بيد القدرة في لوح القدر والتقمه ذلك الملك لحبه لهم صلوات الله عليه وعليهم فلما خلق الله سبحانه آدم (ع) واودع صلبه ذلك النور العظيم الذي ذل له كل شيء وخضع وخشع له كل موجود فلم يزل ذلك الملك مع آدم (ع) لا يفارقه محبة لذلك النور الذي في صلبه فبقي معه في جميع الاوقات والاحوال فلما خرج آدم (ع) من الجنة ولم يقدر ذلك الملك على مفارقة آدم بحمله لذلك النور المعظم نزل من الجنة وانجمد حجرا ليكون مع آدم عليه السلام وكل من يكون ذلك النور في صلبه فامر الله سبحانه آدم عليه السلام بحمل ذلك الحجر فحمله آدم عليه السلام ولم يزل يدعو الله ويستغيث ويسئله قبول توبته ودفع بليته الى ان تمت المدة وعطف الله عليه بالرحمة وجاءه جبرائيل وذكره النور الذي رءاه على ساق العرش فانه تعالى حلف بعزته وجلاله لا يسئل الله سبحانه بشفاعة ذلك النور احد بحاجة الا وقضي الله حاجته ودفع بليته وعلمه اسماء تلك الانوار يعني النور الواحد الذي تشعبت منه الانوار فدعي آدم ربه بتلك الاسماء فاستجاب دعوته وقبل توبته وبلغ امنيته وهو قوله تعالى وتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم فلما استقرت التوبة وزالت عنه البلية بقي يطلب حواء ولما صار يوم الثامن من ذيالحجة رأى آدم حواء ولما كانت المعصية غيرت خلقته وخلقتها وكثرة البكاء والتضرع هدمت اركانه واركانها ومن جهة الاقبال الى الله ليغفر له زلته اهمل نفسه واهملت نفسها فلم يعرف احدهما صاحبه وقال الصادق جعفر بن محمد روحي لهما الفداء وعليهما آلاف التحية والثناء ما تناكرتم الا لما بينكم من الذنوب ولما قبلت توبتهما وسكنت عبرتهما ووقفت فورتهما جاءت المعرفة وذهبت النكارة ولما صار اليوم التاسع من ذي الحجة عرف كل منهما صاحبه في ذلك المكان ولذا سمى ذلك اليوم عرفة وسمى ذلك المكان عرفات ولما تعارفا وشكرا لله على هذه النعمة جائهما جبرائيل وقال لهما قفا في هذا المكان وهو اول الزوال وقت الظهر اي الظهور التام المقتضي للمعرفة فوقفا في ذلك بنية التقرب وذكرا الله سبحانه وحمداه وشكرا له ولذا يستحب يوم عرفة قبل الشروع في الدعاء التكبير والتهليل والتحميد وامثالها مما بمضمونها مائة مرة فوقف آدم وحواء وجبرائيل ثالثهم الى غروب الشمس ثم افاضا من عرفات واتى بهما الى المزدلفة فوقفا وباتا تلك الليلة فيها فلما اصبحا امرهما جبرائيل بنية الوقوف قربة الى الله الى طلوع الشمس فلما طلعت الشمس اتى بهما الى وادي محسر منتصف الطريق بين مني والمشعر امرهما بالهرولة فتهرولا حتى اتى بهما الى مكة وخط له خطا حد الكعبة حد البيت الذي هو الآن وامرهما بان يطوفا حول هذا الخط اسبوعا ونزلت خيمة من السماء من الحرير عمودها الزمرد واوتادها الياقوت الاحمر واطنابها من الابريسم على موضع البيت ثم اتى بهما الى الصفا والمروة وطافا مبتدين بالصفا سبعة اشواط ثم استقر آدم بالجبل المحاذي للبيت وهو الصفا واستقرت حوا على الجبل الآخر وهو المروة وسمى ذلك الجبل الصفا لانه مقر صفي الله وسمى الجبل الآخر مروة لانه مقر المرأة ثم ان الله سبحانه امر آدم عليه السلام ان يبني البيت على حدود الخيمة وبني هذا البيت ثم امره تعالى ان يجعل الحجر الذي عنده في الركن العراقي ففي اي موضع بلغ نور الحجر فذلك حد الحرم ففعل آدم عليه السلام وحد الحرم بمبلغ نور الحجر وامر آدم عليه السلام ان يطوف هذا البيت وجعل البيت مربعا لانه بازاء البيت المعمور وهو مربع والبيت المعمور بازاء العرش وهو مربع من اربعة انوار النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار وقد جعل البيت محاذيا للعرش حتى يذكر وذريته النور الذي رآه على ساق العرش وان العالم له خلق ولظهور سلطانه وجد ولبيان شوكته تحقق ولتبيان معرفته تذوت وهو له ومنه واليه فيجب على اهل العالم الاذعان والانقياد له والتسليم لامره والتصديق له والقبول لفرض طاعته وجعل الحجر ملتقن الميثاق والشاهد على اهل الخلاف والنفاق ولذا يدعو الحاج اذا حاذاه ويقول شهادتي اديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ويكون هذا الحجر بما عنده من اللوح الذي فيه اخذ الميثاق مذكرا لذلك العهد الذي اخذ عنهم على التسليم لمحمد وآله (صلعم) ( صلى الله عليه وعليهم خ ) حتى يعرفوا ان الامر قد احكم من العالم الاول وخضعت الاشياء لذلك النور الاول من القديم الاول ليزدادوا تسليما ولينالوا الى اعلى الدرجات واعلى المنازل والمقامات ويخضعوا لباري النسمات جعل الله سبحانه هذا البيت قبلة لاهل العالم اشارة الى انه وجه وباب بازاء العرش الذي هو مقر ذلك النور الذي قبلة العالم ووجهه يتوجهون به الى الله سبحانه وذلك النور هو القبلة حقيقة ولما كان العرش محلا لذلك المثال وموضعا لذلك التمثال اكتسب الشرافة فصار قبلة ولما كان البيت المعمور بحذاء العرش ومثالا له صار قبلة ومطافا للملائكة الذين اعترضوا على الله فانحطت درجتهم ولما خلق الله آدم وسجدوا لله تعظيما لآدم وتابوا واستشفعوا به قبل الله توبتهم وامرهم بان يطوفوا بالبيت المعمور ولم يرخصهم للطواف بالعرش واما آدم فلما نزل الى الارض وحجب من السماء وذريته لا يرون البيت المعمور ولا العرش جعل الله سبحانه هذه البقعة من الاخلاص ( الارض خ ) التي تقدمت في الاجابة على الاراضي كلها جعله مثال البيت المعمور وقبلة لاهل الارض يتوجهون الى الله سبحانه بمثال المثال فالبيت المسمى بالكعبة حرم آمن لانه مثال ذلك الحرم الامن وقبلة لانه مثال تلك القبلة ومطاف لانه مقابل ذلك المطاف ويطوف بالعرش دائما مضروب بعشرين سبعمائة ( مضروب سبعمائة خ ) الف الف ومأتين الف في ثلثمائة وستينالفا والكل يطوفون سبعة اشواط كل يوم بسعة العرش وسعته لا تتناهى وتقريبه ان الكواكب المركوزة في الكرسي اكبرها بقدر الارض مائة مرة واصغرها السهي التي لا يدركها الا حديد البصر اكبر من الارض خمسة عشر مرة وانت اذا نظرت الكوكب الكبير كالجدي مثلا تجدها كالنقطة فاذن اعط كل نقطة من الفلك مقدار مائة مرة من الارض فاذا قسمت جميع الفلك المرئي نقطا وجعلت كل نقطة مقدار مائة مرة من الارض فانظر ماذا ترى من سعة الكرسي والكرسي بهذه السعة بالنسبة الى العرش بل الى سرادق واحد من سرادق العرش كحلقة ملقاة في فلاة قي واولئك الملئكة المعدودة بالعدد المذكورة اصغرهم لو امر ببلع السموات السبع والارضين السبع كان في لهواته كالخردلة في البرية الواسعة واولئك الملئكة يطوفون حول العرش ويلوذون به لانه مقر نور محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وهو الملاذ لكل من عاذ والمعاذ لكل من لاذ ولذا كان حرما آمنا لان الذي فيه زمام الله الذي لا يطاول ولا يحاول والبيت المعمور قبلة وملاذ ومثابة وحرم امن لكونه حكاية للعرش الذي هو الحرم الآمن لكون مثال ذلك النور فيه والكعبة البيت الذي في الارض انما كان مطافا ومثابة وامنا وبركة لانه مثال مثال المثال الذي فيه آيات بينات مقام ابرهيم فكعبة الاسلام حقيقة ذلك السيد القمقام يعني الحقيقة المحمدية صلى الله عليها في مقام جمع الجمع ومقام الجمع ومقام التفصيل ان في ذلك لآيات لقوم يوقنون وتلك الحقيقة هي كعبة الاسلام في الحقيقة والاسلام هو الاستسلام والايمان الذي عم كل شيء وكل موجود وكل مشهود ومفقود فلله در الناظم حيث تنبه لهذا السر وتنبه لهذه الدقيقة واشار الى تلك الحقيقة التي فيها الانوار المطهرة موجودة في مقام الجمع والاجمال فيشملهم الحكم بالتفصيل وانما سميت الكعبة كعبة لانها مربعة والمربع هو الاصل الذي عليه تبني الاصول وهذا المعنى حقيقة ينصرف الى ذلك الاصل الذي كل ما سويه فضول لان الفروع فاضل الاصل وهذا البيت انما يقال له كعبة لانه الاصل الذي دحيت الارض من تحته وهذا البيت الذي في الارض انما بناه ابونا آدم الذي هو آدم الآخر وذلك البيت الاول الذي هي كعبة الاسلام حقيقة بناه آدم الاول وخلق الله سبحانه الف الف عالم ونحن في آخر العوالم واولئك الآدميين فهناك البيت والبناء مادة البيت والباقي ( الباني نسخة ١٣٠٥ م ) واحد وقد بني آدم ابونا بيتا آخر وهو الجامع الاعظم الذي بالكوفة وسعة هذا الجامع كان اثني عشرالف ذراع وظني ان حايط القبلة من المسجد الموجود الآن من بنيان آدم باق الى الآن والبينان الآخر لآدم الاول بيت في بلدة باء بسم الله الرحمن الرحيم من زمردة خضراء مسافة اثني عشر الف الف ذراع وكل ذراع اثني عشر الف ( الف الف نسخة ١٣٠٥ م ) قامة وكل قامة اثني عشر الف الف شبر وكل شبر اثني عشر الف الف اصبع وكل اصبع اثني عشر الف الف شعيرات ( شعير خ ) وكل شعيرة اثني عشر الف الف شعرة وكل شعرة اثني عشر الف الف قامة من اهل هذه الارض وذاك بيت ثاني بناه آدم الاول في بلدة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم وذلك البيت بحيطانه واركانه وابوابه كلها من الزمردة الخضراء وفي ذلك البيت مقامات مقام ابرهيم الخليل ومقام جبرائيل ومقام امير المؤمنين ومقام رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ومقام زين العابدين وسيد الساجدين ومقام ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ومقام دكة القضاء ومقام بيت الطشت ومقام آدم (ع) اما ابرهيم فهو ابرهيم الاول لان ابرهيم الخليل انما سمى ابرهيم لانه بر وهيم في محبة الله وهذا المعنى في اول من خلق الله اوضح وفيه اظهر لانه الحبيب والحبيب هائم في محبة المحبوب وبار بالمحبوب عامل بارادة المحبوب والحبيب هو الذي اشار بعض الشعراء الى مقامه بقوله :
ما لي سوى روحي وباذل روحه في حب من يهواه ليس بمسرف
ثم تنبه الى النكتة والدقيقة ونظر الى سر الحقيقة وعاتب نفسه وقال لقد ادعيت عظيما وارتقيت مرتقا صعبا فهل انت اذا بذلت روحك في حق محبوبك اديت حقه حتى لا تعد مسرفا وليس هذا دأب المحبين ولا ديدن المريدين ثم عدل عن هذا المقام وترقى ونعم ما قال لقد اجاد في المقال :
وحياتكم وحياتكم قسما وفي عمري بغير حياتكم لم احلف
لو ان روحي في يدي ووهبتها لمبشر لوصالكم لم انصف
وقد اتى بالصدق وقال بالحق وادي بعض الحقوق ولم يعد من اهل العقوق بل لم يؤد شيئا والى هذا المعنى ناظر كلام سيد الساجدين زين العابدين مما تلوناه عليك سابقا في دعاء اوله الهي وعزتك وجلالك الدعاء فاذا كان الفيض الاول الاقدس والنور الاعظم المقدس في مقام التعين الاول هو الحبيب الهائم في المحبة الفاني نفسه بالشوق والمودة فهو بر وهيم فهو ابرهيم فذاك مقامه واما جبرائيل فيراد به الروح القدس وهو من العالين اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش واول من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة و( او خ ) الروح على ملائكة الحجب او القلم الاعلى قصبة من ياقوت وهؤلاء لهم مقام في ذلك ( هذا خ ) المسجد يعبدون الله في ذلك المقام وهو روح القدس وهو باب الابواب ومقام التعين الاول في الحجاب واما مقام زين العابدين وسيد الساجدين فذاك مقام مبدأ الوجود ومقام امتياز العابد من المعبود ومؤكد الركوع والسجود وهو مقام المبدأ الاول القابلية الاولى الدواة الاولى وكان علي بن الحسين روحي لهما الفداء وعليهما آلاف التحية والثناء مع تلك العبادة العظيمة والجهد الجهيد في الطاعة وكان ذا الثفنات حتى لقب بسيد الساجدين واذا اطلق ينصرف اليه كان اذا نظر الى طومار عبادة امير المؤمنين يتأوه ويتحسر ويقول من يقدر على هذا ولا شك ان كلما قرب الى المبدأ اشد عبادة واعظم في الطاعة فالمخلوق الاول اولى بان يسمى بهذا الاسم اما مقام ابو عبد الله الصادق عليه السلام فان الخلق الاول هو الاب والاصل لجميع المخلوقات لانه حامل الولاية والولي هو الذي يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه والخلق كلهم عياله والعالم كله شخص واحد هو عبد الله والولي ابو هذا العبد وهو ابو عبد الله واما مقام امير المؤمنين علي فالعلي اسم من اسماء ( الاسماء خ ) وهذا الاستعلاء تستحقه التعين الاول والملك الذي استعلى علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثر من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيه الصفات وتفسخت دونه النعوت وحارت في كبريائه لطائف الاوهام سبحانه من اله هذا وصف ملكه فكيف به في ذاته وهذا هو العلو الشامخ والفضل البازخ ( الباذخ ظ ) ومقام علي مقام ذلك النور من الاختراع الاول والفيض الايس ( الاقدس خ ) واما مقام محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فهو مقام الحمد في الحمد لله رب العالمين والحمد مشتق من الدال والدال من الياء والياء ( من الباء والباء خ ) من الالف فافهم واما دكة القضاء فهي السلطنة العامة والرياسة الخاصة فيها منبر الوسيلة ومبدئها على الحقيقة والمنبر قد وصفنا لك سابقا ان له الف مرقاة من مرقاة الى مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة من اسفل المنبر الى اعلاه مقدار مسافة الف الف سنة عدو الفرس الجواد وهذا الفرس يقطع في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات فانظر ماذا ترى فالجالس القاعد على اعلى المراقي هو الولي المطلق والقاضي بالحق على كل ذرات الكاينات ليعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه وهو خليفة الله صاحب الحكمة وهو فصل الخطاب وهو الذي قال تعالى اني جاعل في الارض خليفة يعني في ارض الامكان ولا يكون ذلك الخليفة الا الواقف في اعلى مراتب الامكان حتى نسبة الامكان اليه نسبة الاجسام الى محدد الجهات ولا يكون ذلك الا التعين الاول والنور القديم الاول واما بيت الطشت فهو طشت تقع فيه سلسلة الوجود ويزداد الولي بذلك علما كل آن وحين انه يسمع كوقع السلسلة في الطشت اذا كانت سلسلة الوجود حلقاتها كل الاكوان فيكون الطشت ارض الجواز وحقيقة المجاز مبدأ العزة والاعزاز واما مقام آدم فهو آدم الاول باني كعبة الاسلام وقبة الاكوان والامكان والوجود المطلق والحق المخلوق به والنور القديم ومبدأ الاسم الحي القيوم باطن الاسم الاسم الاعظم ( باطن الاسم الاعظم الاعظم خ ) وسر المحبة في عالم احببت ان اعرف وهذا المقام افضل مقامات هذا المسجد واشرف مراتبه فاذا عرفت هذا فاعلم ان هذه المقامات كلها لحقيقة واحدة بالنسبة الى ذلك المسجد الذي بناه آدم الاول وتلك الحقيقة هي الحقيقة المحمدية صلى الله عليها في مقام الوحدة الاجمالية في مقام الجمع ظهرت في كل مقام بطور من اطوارها ففي مقام ظهرت بطور ابرهيم الخليل بن تاريخ ( تارخ نسخة ع ٤٠ ب ) حكاية ومثال له اعارته اسمها وفي مقام ظهرت بطور روح القدس وفي مقام كانت زين العابدين وسيد الساجدين وفي مقام ظهرت بطور الابوة للعالمين العالم الاكبر هو عبد واحد وتلك الحقيقة ابوه وهي اذن ابو عبد الله وظهرت بطور الصادق في مقام ظهور الولاية التي هي مقام اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فهو صادق فيما يعطي كل من على حسب قابليته واستعداده وان طلبوا بلسان الدعوى ان الطلب زايد او ناقص وجرى العطاء على خلاف القابلية فالمدعي كاذب والمعطي صادق وهو الصادق الامين الذي استودع ولاية الله رب العالمين الله اعلم حيث يجعل رسالته واما مقام على فتلك الحقيقة هي الظاهرة باسمها حين كانت طائفة حول جلال القدرة اسمها على فاعارت اسمها امير المؤمنين لسر ذكرناه سابقا واما مقام محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فهو ظاهرية الحقيقة لانه اسمها في الارض واما دكة القضاء فلها السلطنة العامة والرياسة التامة والقاضية بالقضاء المطلق في كل الكاينات وذرات الموجودات حقايق الذوات والصفات واما بيت الطشت فالبيت هو العالم باسره والطشت محل قابليتهم المستمد من المقبول ووقع السلسلة ظهور المقبول في قابلية القابل وانما عبر عنها بالسلسلة لان مراتب الوجود متصلة مترابطة لاتصال التدبير مقام الصنع والاشياء متصلة بعضها ببعض فمن هذه الجهة عبر عنها بالسلسلة اما وقعه فان حلقاتها مختلفة كما ان الموجودات متشخصة متميزة فمن جهة تمايزها وتشاخصها هي حلق مختلفة ومن جهة ارتباطها واتصالها وانضمام بعضها ببعض عبر عنها بالسلسلة وكل واحدة اذا وقعت في الطشت وهي جهات القابليات اذا اتصلت المقبولات بها لكل واحدة منها اقتضاء غير اقتضاء الاخرى وبيت الطشت هم بيته ( وهنا خ ) مقام آخر يسمى مقام نوح وهو انما سمى نوحا لانه من كثرة نوحه وخوفه مقام ربه وهذا المعنى بالحقيقة اولى لان الخوف على قدر المعرفة وكلما هو اقرب الى المبدأ معرفته اكمل وخوفه اعظم وتلك الحقيقة هو نوح وباعتبار هذا الظهور تميز لها مقام واما مقام آدم فهو آدم الاول وانما كان اشرف المقامات لانه ظهور المبدأ الواحد ومقام العلية المطلقة ومقام الظهور المطلق وباقي المقامات كلها منشعبة ( متشعبة خ ) من هذا الظهور ومنفصلة من هذا النور وهو اصل الذات وباقي الظهورات اولاده وهنا تفاصيل كثيرة تركت ذكرها لضيق المجال وتبلبل البال وبالجملة فهذا البيت بيت عظيم وله خطب جسيم بناه آدم الاول الذي هو كعبة الاسلام وقبلة الانام ونور الظلام وقوله سلمه الله تعالى وابقاه : حول ضريحكم وظاهر الضريح هو المعروف المعلوم واما باطن الضريح هو حجاب القدر وهو باب الابواب القرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة وهم النقباء والنجباء وهم الابدال الاطهار وهم الولاة على الخلق من ولي الله الملك القهار وقد ذكرنا ان النقباء نسبتهم الى سائر الخلق نسبة العرش والكرسي والنجباء نسبتهم نسبة السموات السبع الى المتولدات ولا شك ان السافل يسعي ويحفد يعني يسرع في السعي ويطوف اي يدور حول المركز دورة على خلاف التوالي ويرمل اي يهرول السعي في عالم الاجسام والاسراع خفة السير في عالم الارواح اي النفوس والطواف ان كان بالاستدارة على القطب فهو في عالم الفؤاد وان كان بالاستدارة على المحور فهو في عالم العقول واما الترمل فهو سرعة السير في كل هذه المقامات في مقام الجامعية فالخلق يدورون بحركة الاستدارة الى نحو هذا الضريح وهو القرى الظاهرة وباب الابواب وحجاب الحجاب وحجج الحجج وخلفاء الخلفاء والمحتاج لا بد له من الحركة على وجه مبدئه ولما كان الامكان او السافل في كل مكان محتاجا الى مبدئه العالي بكل جهة كانت نسبته الى العالي بجميع جهاته على السوية وكان السافل دائرة والعالي قطبا وجهة فقر السافل اليه من جميع الجهات متساوية ولا نعني بالدائرة الا خطا منحنيا اذا فرضت نقطة في حلق وسطه تكون الخطوط الخارجة من تلك النقطة الى ذلك الخط المنحني المحيط مساوية ( متساوية نسخة ١٣٠٥ م ) والخط الواصل من الطرفين الى ذلك الخط المنحني المسمى بالمحيط يسمى محورا وذلك الخط المحيط يسمى دائرة والقطب يسمى مركزا واذا قلنا ان الحوادث متساوي النسب ( النسبة خ ) في جهة افتقارها الى الله سبحانه فيكون ذلك العالي الذي هو وجه المدد متساوي النسبة الى جميع مراتب السافل فبهذا المعنى تكون جميع الحركات اي حركات السافل في جميع احوالها مستديرة وهذا قول شيخنا العلامة رفع الله في الدارين اعلامه ان الحركات كلها مستديرة يعني حركات الحوادث المحتاجة من جهة احتياجها كلها مستديرة ليس جهة في الفقر الى المبدأ اولى من جهة فكلها متساوية النسبة الى قطبها والى هذا المعنى يشير قوله تعالى في التأويل وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ولا تحصل الاحاطة بجميع الجهات حتى يكون وسطا ويحتمل ان يكون في قول الناظم اطال الله بقاه اشارة الى هذا المعنى حيث اتى في الطواف بلفظة بل التي للاضراب فلما قال : حول ضريحكم نسعي ونحفد والسعي والاسراع لما كان اعم من الاستدارة والاستقامة كما كان السعي بين الصفا والمروة على الاستقامة دون الاستدارة فاضرب عن الاول حيث كان عاما مبهما وقال بل نطوف فان الطواف لا يكون الا بالاستدارة في الغالب الا ان يكون المطاف مستقيما او مربعا الا ان الطواف استدارة ونسبة الطائف متساوية واما اذا كان المطاف غير متساوي النسبة فهذا امر آخر لا دخل له بالطايف فلما كان الطواف تعتبر فيه الاستدارة اتى بالطواف على وجه الاضراب يعني لا تتوهم ان السعي بغير الاستدارة وانما هي استدارة لانه حركة على وجه المبدأ وهو لا يكون الا نقطة والكعبة قد قلنا انها مثال العرش وهو مربع ولكنه في الصورة الظاهر مستدير الحركة والتربيع معنوي اراد الحق سبحانه ان يجعل تلك الاركان التي في العرش قد غلبت عليها جهة الوحدة وظهرت على شكل الاستدارة ظاهرة التربيع في عالم الحس حتى ان اهل الحجب الظاهرية يدركون ظاهر التربيع فقد ظهرت فيها جهة واحدة من العرش لا كل جهاتها فظهرت بالاركان دلالة على تلك الاركان وظهرت بالوحدة الحاصلة من التركيب التأليفي للدلالة على وحدة العرش الظاهر بصفة الاستدارة وظهرت على التجويف دلالة على ان العرش كرة مجوفة حمل ذلك المثال وظهر فيه ذلك الجمال فصارت بهذه الحكاية مصدر الاقبال وصارت قبلة للذوات والاظلال وانما وجب الطواف سبعا لبيان مراتب الاستدارة والافتقار واشارة الى ما اشار سيد الساجدين في الدعاء اللهم اني اخلصت بانقطاعي اليك واقبلت بكلي عليك والكل في عالم التفصيل جميع المراتب التفصيلية ولما كانت المراتب في عالم التفصيل بالاجمال سبعة وهو جمع الاركان مع الكيان لظهور العدد الكامل والنور الواصل الظاهر في المراتب السبع عالم العقول والنفوس والطبايع والمواد والمثال والاجسام والاعراض فكل شوطه بازاء عالم من العوالم لبيان انه المقبل بكله ومستدير بجميع جهاته وعوالمه ومراتبه حتى يكون حجة تامة ولو اردنا ان نشرح اسرار الحج كلها في هذا المقام لا يسعنا ذلك فاكتفينا بقدر الواجب والا فاطوار العلوم كثيرة ونسبة العالي الى السافل غير عديدة فكل طور مظهر جهة من الجهات وحيثية من الحيثيات واعتبار من الاعتبارات وجهات الشيء الواحد لا تتناهى الا ترى علماء الحروف يستخرجون من حرف واحد حروفا غير متناهية كلها بجهات متسعة وقواعد مضبوطة من انحاء البسط باقسامه الستين من بسط الترفع وبسط التضارب وبسط العددي وبسط الطبيعي وبسط التمازج وامثالها الى الستين او اكثر وبكل بسط تظهر حروف غير متناهية لا غاية لها وهذه الحروف كلها جهات ذلك الحرف الواحد وكذلك المعاني بل الامر فيها اعظم لان دائرة المعاني اوسع من دائرة الالفاظ والحروف ولذا قالوا ان المعاني غير متناهية والالفاظ متناهية ولم يعلموا ان الالفاظ والمعاني كلها صنع الحكيم العليم وهو واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما امرنا الا واحدة وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فجعل احدهما متناهيا والآخر غير متناه خلاف الوحدة المطلوبة المنصوصة فيجب اما القدح في عدم تناهي المعاني او تناهي الالفاظ فاختر لنفسك ما يحلو وما ذكرنا في الوصلية ان المراد توضيح الوجه والجناب فلا بد من الاشارة الى وجه التوضيح فنقول ان المراد بالوجه ليس هو الذات او وجه الذات وانما المراد بالوجه ما به يتوجه الى الشيء من افعاله واقواله وكلماته وكيفية التوجه مثل الكعبة فانها قبلة يتوجه بها الى الله سبحانه في الصلوة فمقصودنا هو الله والتوجه الى هذه الجهة وليست الجهة مقصودة اولا وبالذات ولا ثانيا وبالعرض وانما المقصود الذات فقط ومثالها وآثارها امور نتوجه بها اليه كما نتوجه بالمرآة الى الشاخص وليس المقصود خصوص الصورة التي في المرآة وانما المقصود الشاخص الخارجي والكعبة بهذه النسبة ولهذا قال سلمه الله تعالى وابقاه : يا كعبة الاسلام اي يا قبلة الاسلام لان القبلة وجه للمقبل الى المقبل اليه وهو شيء موجود متحقق رابطة بين المقبل والمقبل اليه غير ملحوظة ولا منظور اليها حال التوجه والالتفات فهم القبلة لانهم الكعبة والخلايق حول ضريحهم يطوفون ويسعون ويسرعون في السعي ويهرولون في الطواف او يهرولون بين المنارتين منارة العقل ومنارة الفؤاد فاذا وصل من عالم النفس الى عالم الروح خفت كينونته واسرعت اي اخذت في الاسراع واذا وصل الى مقام العقل اشتدت السرعة الى ان يبلغ ادنى الفؤاد وهناك تسكن الحركات المحدودة وتأتي بغير المحدودة وهي الحركة الجوهرية والاستدارة الغريزية ولبيانها محل آخر فان القوم حسب الحركات في اربع مقولات في مقولة الكم كحركة الاجسام من الصغر الى الكبر ومن القصر الى الطول ومن الطول الى القصر ومن السمن الى الهزال ومن الهزال الى السمن وفي مقولة الكيف كالحركة من الحرارة الى البرودة ومن الرطوبة الى اليبوسة ومن اليبوسة الى الرطوبة ومن البرودة الى الحرارة ومن الجهل الى العلم ومن القوة الى الضعف ومن الضعف الى القوة ومن النشاط الى الكسل ومن الكسل الى النشاط وامثال ذلك وفي مقولة الاين كالحركات المستقيمة التي توجب تبدل الامكنة والنقل من مكان الى مكان وفي مقولة الوضع كحركات الافلاك من الكرات والدوائر وكل حركة مستديرة لا تنتقل من المكان وهذه الاربعة متفق عليها واما الحركة الجوهرية والاستدارة الغريزية فمنهم من اثبتها ومنهم من انكرها فلا المثبت عرف معناها ولا المنكر عرف معنى ما انكر ولنا في ( هذا خ ) المقام مباحث شريفة تركنا ذكرها كغيرها لما بي من الضعف والكسل والملل ومقاساة الاهوال ومكابدة الارذال ولو كان لي قلب متوجه وسعة في المقال ولا ابالي الطغام ولا التفت الى اللئام لاريتك من مكنونات العلم ومخزونات السر ما تحير به الاحلام وتحسر عن ادراكه الاوهام ولاريتك ما قاله الامام الهمام عن النبي عليه الصلوة والسلام ان الله اعد لعباده المتقين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكن ما الحيلة في زمان عم اهله الجهل والنفاق وشملهم الطغيان والشقاق رضوا بالجهل واعرضوا عن العلم لا لامر الله يعقلون ولا من اوليائه يقبلون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والى الله المشتكي من عظيم البلوي والله المستعان وعليه التكلان
وصل - لما بلغ الناظم في كلامه بما بلغ وجمعهم بالخطاب بعد ما افرد واثبت لاعتقاد الحق في القول الفصل والمذهب الجزل في ائمة الدين انوار الهدى واليقين اراد ان يكشف عن حقيقة الاعتقاد ويبين حقيقة المراد مشفوعا بالقسم ومقرونا باليمين فقال اشاد الله شأنه وعظم برهانه وامده بالحيوة الابدية وافاض عليه من الاشواق الحقيقية :
وحيوتكم من كنتم سؤلا له بمماته في قبره لا يسئل
قد حلف بحيوتهم وانه لقسم لو تعلمون عظيم وانما اخذه اقتباسا من قوله تعالى لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون اما القسم فهو عبارة عما يصلح به القابلية لورود جواب القسم الذي يقسم له لان القابلية اذا لم تكن صالحة لم تقبل ما يرد عليها من الغير فاذا اراد القبول يأتي له اولا بما يصلح قابليته ويكمل استعداده للقبول فذلك الشيء يسمى قسما لانه قسمة بينه وبينه لان اصلاح القابلية من جهة ذلك المقسم والقابلية للمقسم له فاذا صلحت وكملت يقع الجواب فصار ذلك الشيء المصلح للقابلية قسما بينهما ويسمى يمينا لان مصلح القابلية اعلى مرتبة ( مرتبته نسخة ١٣٠٥ م ) فهو جهة العليا فيكون يمينا لان هذه القسمة من جهة العليا ويسمى حلفا لانه يقترن بالشيء لاصلاح قابليته ولاعتدال مزاجه وبنيته للقبول ولما كان اصلاح قابلية الحوادث والممكنات لا يكون الا باسم الله سبحانه فلا يجوز القسم للممكن الا بالله او بما يرجع الى الله لانه سبحانه متمم القوابل ومصلحها لقبول الفيض والايجاد على مقتضي كينونة الانوجاد واما الله سبحانه فانه يقسم بكل شيء لانه سبحانه لا يصلح قوابل الاشياء لقبول الفيض بذاته وانما يصلحها بنفسها اي بالاشياء بعضها ببعض وهو قوله ( تعالى خ ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا وانما عد البيع والصوامع مما يحفظها الله عن الهدم والخراب لقوله تعالى وقوله الحق كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا وقوله تعالى من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى اذا رأوا ما يوعدون اما العذاب واما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا واضعف جندا هو الله سبحانه وتعالى انما يقيم الاشياء بعضها ببعض ويمد كل شيء من جنسه وسنخه وهو تعالى يقسم بكل شيء كقوله تعالى والشمس وضحيها والقمر اذا تليها والنهار اذا جليها والليل اذا يغشيها والارض وما طحيها ونفس وما سويها وقوله تعالى والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الامين وقوله تعالى والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل وامثالها من الاقسام والايمان ولكنك قد علمت مما ملأنا هذا الشرح منه بان مصلح القوابل وان كانت في جزئيات الاشياء او جهات خاصة بها كالطعام يهضمه المعدة والحطب تحرقه النار وامثالهما من الاسباب والمعدات الجزئية الا ان مرجعها واصلها الولاية التي اليها كل شيء يؤب وهي مصلحة القوابل وحلالة المشاكل ورافعة المعاضل وهو اسم الله وذكر الله وفي دعاء امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه السلام يا من اسمه دواء وذكره شفاء فاسمه مصلح القابليات ومهيج الحرارات الغريزيات ومعدل المزاج ومورث الابتهاج ونافي الفقر وجالب الشكر فعلى هذا فجميع الاقسام الالهية والايمان الربوبية كلها ترجع الى الاسم الاعظم الاقدم والنور المفخم والسر المعمي والرمز المنمنم ويعبر عنه بحسب ظهوراته واطواره تعبيرات مختلفة وحسب متعلقات ذلك الاسم فيعبر عنه مرة بالشمس ومرة بالقمر ومرة بالنفس ومرة بالتين ومرة بالزيتون ومرة بطور سينين ومرة بالبلد الامين وامثالها من الاقسام والايمان ومرجع الكل الى واحد ولقد افصح عن حقيقة ما قلنا وشيدنا واسسنا قوله تعالى فلا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم واي عظمة لمواقع النجوم لو كان يراد بها هذه النجوم التي بالافلاك فانها آخر المراتب واسفل المبادي فمواقع النجوم التي هي عند الله قسم عظيم هو محل الاسماء الالهية الفعلية ومظاهر القدرة ومهابط العلوم ومظهر الافعال والآثار فتلك المواقع للنجوم وهي جهات الولاية وظهورات الحق فبالجملة فمرجع هذه الاقسام كلها الى قسم واحد وهو قوله تعالى لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون والناظم ايده الله برضوانه قد حلف بحيوتهم وهو قسم عظيم والعمر والحيوة واحد في المآل وحرف القسم هي الواو واللام والباء والتاء وهذه الحروف كلها حروف دالات على الاسم الاعظم بوجه من وجوهه والاسم الاعظم الرابط القسم وهو مصلح القابليات وهو معتدل ( معدل نسخة ع ٤٠ ب ) مزاج الكثرات لقبول ورود المقبولات وذلك في مقامات احدها في الواو وهي العدد التام والنور العام علامة الذكور وموقع السرور وجاذب النور باطنها الاحد وظاهرها الواحد وهي الستة الايام التي خلق الله فيها السموات والارض واما الباء فباء بسم الله التي ظهرت الموجودات منها وهي مصلحة القوابل وحلال المشاكل ومجمع القرآن وسر الايمان واما اللام فهي الاصل في المقام وهو لام الولي الملك العلام وهي الثلثون ليلة لميقات موسى وتمامها بالياء لتمام الاربعين سنة لظهور الميم التي فيها اجتماع القوابل والمقبولات ولا تجتمع ( لا تجمع خ ) الا بعد اصلاحها وذلك معلوم عند من عض على العلم بضرس قاطع والناظم ايده الله وسدده بتقويه انما اختار الحيوة لشيئين احدهما اثبات انهم احياء عند ربهم يرزقون وهذه الحيوة ثابتة لهم في الدنيا والآخرة فظاهرهم حي وباطنهم حي وسرهم حي وعلانيتهم حي وهم احياء من عند حي لانهم خلقوا من عين الحيوة كما فصلنا لك من قبل عند تفسير قوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا والماء هو الحيوة لقوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي فاذا كان الخضر قد شرب من عين الحيوة ( الحيوان خ ) وبقي حيا فكيف بالذي خلق من عين الحيوة بل من الماء الذي به كل شيء حي وعلة موتهم لما ذكرنا سابقا من تفريق الاعضاء بالسيف او بالسم فبعد تفرق الاعضاء ينقطع تعلق الروح لكن اجزاء البدن حية بحياتها فان الله سبحانه وتعالى خلق الاشياء على الوجه الاكمل ولا ريب ان الحيوة اكمل من الموت فيجب ان يكون جعل الاشياء كلها على وجه الحيوة الا ان حيوة كل شيء بحسبه وحيوة جمادية وحيوة نباتية وحيوة بهيمية وحيوة جنية وحيوة انسية ( انسانية خ ) وحيوة رفيع الدرجات وولي الحسنات وكما ان اجسام اهل الجنة حية بالذات واشجارها حية وثمارها حية وارضها حية وزرعها حي لا شك ان بدن النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) في الدنيا اشرف وافضل والطف من ابدان اهل الجنة فيجب ان تكون ابدانهم في الدنيا حكم ابدان اهل الجنة من ساير المؤمنين في الجنة هذا بيان من الناظم ان الرسول (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) نفسه واولاده احياء في الدنيا والآخرة وان فارقت الارواح اجسادها لان اجسادها حية نورانية تسمع وترى وتعقل وتبصر وامثال ذلك ثم ان الحيوة اكمل صفة واشمل اسم من الاسماء الالهية فان الحيوة تضاد الموت والحي حيان حيوة ازلية وهي الحيوة المنزهة من كل نقص وضعف وعيب وقصور ونقصان مطلقا فيكون واحدا لان الكثرة فقدان ويكون احدا لان التركيب فقدان الاجزاء كل واحد عند الآخر ويجب ان يكون قادرا لان العجز فقدان ونقصان وعالما لان الجهل فقدان وهكذا ساير الكلمات ( الكمالات نسخة ١٣٠٥ ب ) التي يمكن ان يكون كمالا فلا يكون حيا الا ويكون جامعا لجميع الكمالات ومنزها عن جميع النقايص ورذائل الصفات ولذا كان الحي القيوم من اسماء الله العظام كما قال مولينا وسيدنا الصادق ان الاسم الاعظم في ثلاثة مواضع من القرآن الاول في آية الكرسي في قوله تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم والثاني في اول آية من آلعمران وهو قوله تعالى الم الله لا اله الا هو الحي القيوم والثالث في سورة طه في قوله تعالى وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما واما الحيوة الامكانية فهي ان تكون جامعا لجميع الكمالات الامكانية ومنزها عن نقايصها الا ما يقتضيه لوازم نفس الامكان من التعدد والكثرة والمعنى والصورة والجسم ومحل الاعراض وهذه كلها من لوازم الامكان فالكمال الامكاني يقتضي ان يكون جامعا لهذه المراتب والمقامات والاطوار لكن في كل مقام على اكمل ما يمكن ان يكون في ذلك المقام بحيث لا يعتريه زوال ولا نقصان مثلا فالحيوة في مقام المعاني وعالم العقول ان تكون جامعا لجميع الكمالات العقلانية وجميع الكمالات التي في العقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض كلها حاصلة كاملة من ظهور العقل بالفعل والعقل بالصفات واما العقل بالملكة فانه موت وليس الموت زيادة مقام وترقيه من مقام الى الامكان وان كان موتا في الازل وانما في الامكان يكون نورا على نور والحيوة في عالم النفوس ان تكون كاملة فعالة مؤثرة في الاشياء تنفعل الاشياء منها وعالمة بما في اللوح المحفوظ من احكام القدر والقضاء حاضرة لديها المعلومات كلها فاذا كان شيئا موجودا في اي خزينة من الخزائن ولم تعلم به ولم تحط به علما فذلك ميت يعني ليست حيوته تامة بل حيوته في مقام دون مقام في مرتبة دون اخرى بل الحيوة الكاملة ان تكون منزهة عن كل نقص في الامكان ولا شك ان الجهل وعدم العلم نقص كل نقص فقدان وكل فقدان موت فلا يكون حيا والمفروض حيوته فالحيوة الكاملة في عالم النفوس قرائة ما في اللوح المحفوظ ولما كان مقام العقل فوق مقام النفس والنفس هي اللوح المحفوظ والكتاب المسطور والامام المبين والكتاب المبين وهي التي قال تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وقال تعالى وكل شيء احصيناه كتابا وفيه تفصيل كل شيء ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فالحي في هذا العالم ان يكون غير جاهل بهذا الكتاب وما هو مسطور فيه لان الجهل موت كما قال امير المؤمنين روحي له الفداء :
وان امرأ لم يحي بالعلم ميت وابدانهم قبل القبور قبور
ولذا عبر الله تعالى عن الجاهل والناقص والكافر وامثالهم بالموت كما في قوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور اي في قبور الطبيعة والجهل وقال تعالى الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر وهذا شيء معلوم في النبي والولي لا يثبت لهما الحيوة الا بعد احاطة علمهما بما في اللوح والقلم لان مقامهما اعلى من مقام اللوح والقلم فان نور محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) لما خلقه الله خر مغشيا عليه الف سنة ثم خلق الله سبحانه القلم وقال له اكتب قال وما اكتب قال اكتب لا اله الا الله محمد رسول الله فخر القلم مغشيا عليه وانشق حلاوة باسم محمد (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فاذا كان القلم نسبته الى رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) هكذا فيكون تحت رتبته فيجب ان يكون علم اللوح والقلم من بعض علومه والدنيا والآخرة من بعض جوده لان العوالم كلها من جوده كما قال البوصيري في مدح النبي ونعم ما قال وقد اجاد في المقال :
وان من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فالحي في عالم النفوس لا يكون الا ان يكون كما قال امير المؤمنين عليه السلام في ( هي خ ) ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى والجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وهذه هي الحيوة الكاملة في عالم النفس واما في عالم الاجسام فالحيوة الكاملة فيه ان يكون معتدل المزاج سالم القوى والمشاعر ظاهرا بالاعتدال الكامل جامعا لجميع القوي الاعتدالية المزاجية التي في جميع الاجسام في جميع عوالمها من عالم الحيوة الآخرة من اعتدالاتها وقوتها ونشاطها وقدرتها وحسنها وبهائها وجمالها وسعة ملكها ودائرتها وان يكون جميع ما في جنان الآخرة موجودة عنده بالفعل لا يفقد منها شيء وكل احوالها حاضرة وتكون حيوة الآخرة باقتضاءاتها وخواصها وشرايطها وسعتها وارتفاعها وظهور ساير احوالها كلها عنده ثابتة موجودة غير مفقودة ولا متوقعة ولا منتظرة الا ما لم يوجد بعدد ( بعد وخ ) يتوقع المدد فيما بعد ويكون عنده استيهال ذلك المدد وقابلية ذلك العدد ويكون عنده ما تقتضيه جنة الدنيا من الجنتين المدهامتين واقتضاءاتهما واحوالهما وكمالهما واحاطتهما وما في العوالم التسعة والثلثين التي خلف جبل قاف وما في قاف وما تحته وما فوقه وما في الاقليم الثامن وما في العرش والكرسي وما في السموات والارض وما بينهما وما تحتهما وما فوقهما وما في الهواء وما في البحار وما في السحاب وما تقتضي كينونة موجود من الموجودات مما يكون به كماله واستقامته وبه يتمكن اظهار ما فيه من الامكان في الاكوان كل ذلك يجب ان يكون في المطلق موجودا وثابتا على الوجه الاكمل والنحو الاعلى واليه اشار الشاعر في مدح النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) بقوله :
من فيه ما في الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الكرم
فاذا وجدت عنده مبادي جميع الاقتضاءات في الذوات والصفات من عالم الاجسام كان محيطا وعالما بجميع ما فيها وجميع ما يقتضيها وجميع ما لها ( وخ ) ومنها واليها ولديها وعنها وكان عالما بحدود السموات والملائكة الموجودين منها والذين على اطرافها واكنافها وارجائها وحملة اجزائها ومقدرة اقواتها واوزانها ومكائيلها حتى بالمثاقيل والقراريط والشعرات والدوانيق والطسوجات وغيرها من انحاء المقادير بحيث اذا سألته عن وزن الارضين والسموات بالدوانق ( بالدوانيق نسخة ١٣٠٥ م ) عنده خبرها وعن مقاديرها بالشعرات والشعيرات والقراريط مثلا كم قيراط يكون وزن الارضين والسموات وبالمثاقيل وبالاوقية وبالامداد وبالارطال وبالامنان وبالكرك ( بالمكوك خل ) وبالكرور والارادب والشنون كل ذلك يعلمها ويحيط بها ويعلم الوانها ويبصرها ويريها وعنده ذوق طعومها وشم روايحها وتمييز بعضها عن بعض وترتيب حركاتها ومعرفة اقتضاءات تلك الحركات بالاتصال والانفصال ونسبة حركة كل سماء الى جميعها واقتضائها واحوالها ونسبة الكل الى الكل ونسبة البعض الى البعض ونسبة الكل الى البعض كل ذلك بعلم لا يشوبه خفاء ولا يشوبه تغيير ولا زيادة ولا نقصان الا ما تقتضي كينوناتها من الزيادة والنقصان وهي بعلم منه وكذلك يكون محيطا وعالما بجميع احوال الآخرة كما فصلنا في السموات والارض وكذلك العوالم التي خلف جبل قاف والقباب التي بيناها سابقا كل ذلك يكون عنده حاضر موجود يراها ويسمعها وجميع مشاعره ومداركه تتصرف في جميع احوالها وان نقص عن ذلك بشيء جزئي لم يكن حيا ومن هذه الجهة ورد عن امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء انه قال لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا على احد الوجوه والتأويلات يعني غطاء هذه الاعراض التي تمنع عن مشاهدة الآخرة واحوالها كما يقال للمحجوبين من اهل الدنيا في الآخرة لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد ولا يقال هذا في حقه ففي حق رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اعظم واعظم لان امير المؤمنين حسنة من حسناته وقول رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ما عرفناك حق معرفتك يقوله امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء بطريق اولى لانه حسنة من حسناته واذا عجز الاصل عن شيء فالفرع بطريق اولى وكذا اذا قدر الفرع على شيء فالاصل بطريق اولى وهذا لا يستريبه عاقل وخذه قاعدة كلية تجد لها افرادا غير متناهية وابواب ( ابوابا نسخة ١٣٠٥ م ) ينفتح عنها الف باب بلا خفاء ولا حجاب في المعقول والمنقول وفي الفروع والاصول وفي الالفاظ والمعاني وفي السرائر والمباني وبالجملة فالحي المطلق في عالم الامكان لا بد ان يكون عقله محيطا بالعقول على نحو ما وصفنا ونفسه محيطة بالنفوس على ما شرحنا وجسمه محيطا بالاجسام على ما بينا والاحياء يتفاوتون في ذلك كل على قدر مرتبته ومقامه كاهل الجنة في درجاتهم ولكن كل مرتبة منها ما يفقد شيئا مما في مقامها ومرتبتها والزيادة عند الزيادة
حكمة ايمانية - الرئيس المطلق والحاكم على الخلق يجب ان يكون حيا حيوة كاملة مطلقة بحيث تربو وتعلو حيوته على حيوة جميع من تحته من المراتب السفلية والمقامات التي هو رئيس عليها فاذن وجب ان لا يفقد شيئا من الكمالات وان عظمت وجلت وقد نبه الله سبحانه الى هذه الدقيقة الانيقة والنكتة العميقة بقوله الحق قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى ما عسى ان اقول ليس في قلمي مداد ولا في نفسي استعداد ولا لقوتي امداد حتى ابرز ما في مستجنات الفؤاد من حقيقة المراد والله الموفق للسداد لكن فليتأمل المتأمل وليتفكر المتفكر وينصت الناصت ويتعقل العاقل وينصف المؤمن الكامل انه كيف هذا التكليف كيف يكلف الله بالمحبة والمودة وهل المحبة والمودة مما يقوى عليه التكليف فان المحبة ميل النفس وانجذابها الى محبوبها وهو امر فطري يقع ( وخ ) ان لم يرد ولذا قال العارفون ان المحبة انما ( انما سميت نسخة ع ٤٠ ب ) محبة لانها امر غيبي ينزل من عالم الغيب على حبة القلب فيمنع القلب عن التوجه الى غير محبوبه ثم ينزل منه الى الصدر فيمنع الصدر عن تصور غير محبوبه ثم ينزل الى القوى الدماغية فيمنعها عن تخيل وتصور وتعقل غير محبوبه ثم ينزل الى الجوارح فيمنعها عن خدمة غير محبوبه فالمحب لا يجد سوى محبوبه شيئا اصلا فكيف يقع عليه التكليف انك احبب او ابغض فالحب والبغض امران قلبيان لا يقوى عليهما التكليف على القواعد المؤسسة في هذه الملة الاسلامية والفرقة الايمانية من الاخذ بالسهولة وما جعل عليكم في الدين من حرج ورفع القلم عن الخطاء والسهو والنسيان والطيرة والحسد وما استكرهوا عليه فالمحبة والعداوة من هذا النوع كيف يكلف الله سبحانه عباده بشيء لا يسعهم امتثاله وهو على الله سبحانه محال والقرآن لا يخالف مذهب الاسلام فما معنى هذه المحبة والمودة المأمور بها في حق اهل البيت فلنقبض العنان فاني اردت اولا اطلاق العنان في هذا الميدان ولكني عدلت وقد قال ابو نواس :
فلما شربناها ودب دبيبها الى موضع الاسرار قلت لها قفي
فلنرجع الى سوق الكلام الاول ونقول ان الحي المطلق في عالم الامكان لا بد ان يكون جامعا لجميع الاطوار الكمالية التي في العوالم الثلاثة عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك على التفصيل الذي فصلناه والبيان الذي بيناه وكذلك يكون في مقام الفؤاد الذي هو عالم اللاهوت محل للتجلي بعد التجلي والظهور بعد الظهور بحيث في كل آن يتجلي له الجبار بطور اسم من الاسماء لظهور توحيد من مراتبها بلا نهاية ولا غاية وفي كل آن يظهر له اسرار التوحيد واطوار التفريد والتجريد وظهورات الحق المجيد باطوار الاسماء والصفات ربما لا غاية لها ولا نهاية وهو قوله تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وله دائما يتجلي اسم خاص من الاسماء وظهور خالص من المظاهر وطور خاص من الاطوار بحيث تجدد به الآثار ويشرق به المنار ان ذلك لذكري لاولي الابصار ما ادري ما اقول وما عسى ان اقول ولو اذن لي بالبيان لذكرت ما يتهيج به الانسان الى عالم المعاني والبيان لا على ما في المطول والمختصر بل على ما في المطول والمختصر لا على ما في مفتاح السكاكي بل على ما في السر الالهي ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله والله سبحانه وتعالى يقول ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به وقال تعالى قل انما اعظكم بواحدة فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال وبالجملة فرسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) هو الحي مظهر اسم الحي بل هو الاسم الحي لله سبحانه وحيوته مقتضية لجميع الكمالات ومعالي الاسماء والصفات ولما كان الولد هو عمل الوالد والولد الطيب هو العمل الصالح والله سبحانه وتعالى يقول قل كل يعمل على شاكلته كما بيناها مرارا عديدة فيجب ان يكون اولاد رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) على شاكلته ولطف سريرته وجمال سيرته موصوفون بصفاته موسومون بسماته ومن هذه الجهة ترى الناظم جمعهم وحلف بحيوتهم والحيوة هي التي كانت ثابتة برسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ثم ان الحيوة على قسمين حيوة بعد الموت وحيوة مقدمة على الموت ولا ريب ان الموت والحيوة مخلوقان فمن جهة بطلان الطفرة ووجوب الحكمة وكون خلق الله على الاستقامة وجب ان يكون وجود الحيوة مقدما على الموت وقوله تعالى خلق الموت والحيوة فالتقديم في القوس الصعودي كقوله تعالى من الجنة والناس مع تقدم الانس على الجن وقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم دل ذكر الموت على حيوة سابقة متقدمة وبهذا اثبتنا عالم الذر والعوالم الاول فالخلق كانوا احياء في العالم الاول ثم عارضهم الموت في عالم الطبيعة وماتوا ودفنوا هناك ثم احياهم الله في هذه الدنيا باسباب يطول بذكرها الكلام ولعلنا اشرنا الى شيء منها سابقا ولكنا بيناها في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل فلما احياهم في هذه الدنيا اماتهم ثانيا ثم احياهم في القبر وسأل عنهم ثم اخرج الروح من البدن ثم احيي البدن في القيمة الكبرى وقوله تعالى نقلا عن الكفار ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين اشارة الى نوع الاحياء والاماتة اي احياء في الخلق الاول عالم المجردات واماتة في ذلك العالم واحياء في عالم الاجسام واماتة في ذلك العالم والا فانواع الحيوة والموت كثيرة وكل نقصان وفتور وضعف اذا طوى ومنع ظهور الروح اما الروح الحيوانية او الروح النفسانية او الملكوتية فيه فهو موت وقد ورد في الحديث عن ابي عبد الله الصادق جعفر بن محمد روحي لهما الفداء وعليهما آلاف التحية والثناء انه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب شارب الخمر حين يشرب وهو مؤمن وقد سئل عن ذلك فقال روحي له الفداء ان روح الايمان تفارقه واذا فارقت الروح محلها يبقى ذلك المحل ميتا وبالجملة كلما يفارق روح من الارواح محلا من المحال وهو ميت واذا عادت الروح اليه لاصلاح ذلك المحل فهو حي بعد موت وهكذا مراتب الحيوة والمماة لا تتناهى فكل شخص في كل آن لعروض الحالات والتغييرات والتبديلات له حيوة وله موت فافهم فهمك الله واما نبينا (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وامناؤه وخلفاؤه والذين في رتبة مقامه ومن جوهره وسنخه لما احياهم الله سبحانه وتعالى والبسهم حلة الكون وتجلي عليهم بنور الوجود وجعلهم من التعين الاول وجمعهم في عالم جمع الجمع ثم نزلهم الى عالم الجمع والبسهم رداء عزته وثوب هيمنته وسطوته وجمعهم في مقام عزته ثم انزلهم الى عالم التفصيل وجعلهم هياكل التوحيد وفرقهم وميز اشخاصهم في عالم التشخيص والتمييز ونزلهم من عالم الى عالم ومن كون الى كون وهم في كل هذه التنزلات والاكوان لم يزالوا على الحياة والبقاء لم يعتريهم ( لم يعترهم خ ) موت ولا فناء لانهم مع الله وعند الله لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فكيف يعقل ان يفسد المقبل الى الله المتوجه اليه بكله وسره وحقيقة كينونته أما سمعت دعاء سيدنا ومولانا الحسين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في دعاء عرفة وانا اشهد بحقيقة ايماني وعزم ثبات قلبي وشعري وبشري ودمي ولحمي وعظامي وعروقي وشراسيفي واضلاعي وحمالة امرأسي وطامور صدري ومخي وفكي وفمي ومغرز حنكي وما طبقت عليه شفتاي وحمايل حبل وتيني وعرنين انفي وصماخ سمعي وما ضمنت ( ضمت خ ) عليه يداي وما سمت به قدماي الى ان قال بانك انت الله الدعاء فاذا كان توجههم الى الله هكذا وهم الصادقون فاين الفساد الذي يورث الاختلال ويوجب قطع الاوصال ويكون سببا لمفارقة الروح من البدن في تلك الحال ولا تنالهم في ذلك العالم ايدي الطغيان ولا تصيبهم سهام الغي والعدوان حتى يقطع السيف اوصالهم ويفتت السم اكبادهم وامعاءهم فلا موجب للفناء ولا سبب للدثور والابادة والله سبحانه جعل العالم عالم الاسباب فيجب ان لا يموتوا وان يكونوا باقين على الحيوة الابدية الى ان صاروا في هذه الدنيا وشملتهم سيوف الاعداء وازلفت الرماح نحورهم ( اولقت (ظ) الرماح في نحورهم نسخة ع ٤٠ ب ) ونفذت النبال والسهام في صدورهم وفلق السيف هاماتهم وقطع السم امعاءهم حتى فارقت ارواحهم اجسادهم غصبا ورغما فبقيت الاجزاء والاعضاء بعد مفارقة الارواح ذات شعور وادراك وذات عقل واختيار فمن بعض الاجزاء ما يقرأ القرآن ومنها ما يبين للديراني البيان ومنها ما يدافع عن نفسه وعرضه وامثالها من الحالات الجارية على تلك الاجزاء المقطعات والرؤس المشالات أما سمعت ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) عند تغسيله غسل الميت كان يقلب كيف ما يريد الغاسل ولا يحوجه الى تحريكه وكذلك غيره من الاولياء وسلمان لما مات في المداين وحضره امير المؤمنين عليه السلام قعد وتحرك ثم عاد الى ما كان سابقا وبالجملة فان احوالهم لا تشبه احوال الناس الذين يوسوس في صدورهم الوسواس الخناس كيف والله تعالى قد طهرهم وزكاهم واصطفيهم واجتبيهم وانزل فيهم قرآنا واعلن لهم شأنا وقال ما قال في آية التطهير وقال يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وقد قلنا لك مرارا ان الولد جزؤ الوالد ومن سنخ ذاته وعلى شاكلته والمتفرع عنه والمتغصن منه وبالجملة هذا الذي ذكرناه لا شك فيه ولا ريب يعتريه ولقد ذكرنا من كلام الشيخ الاكبر في شرح البيت الثاني ما يؤيد هذا المقال ويشرح هذه الاحوال وهذا ما يتعلق ببعض احوال الحيوة وانا قد تركنا كثيرا من تفاصيل احوالها وبينا قطرة ما في القلب من اجمال تفاصيلها وانما ذكرت شرذمة يسيرة لتكون دليلا على ما لم نذكر وسبيلا يسلك به الى ما لم تبين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فاما الممات فهو على ضد الحيوة ضد النقيض في كل ما ذكرنا فلا نطول الكلام بذكره وبيانه لانه يعلم بالمقياس في التضاد وان كان في بيانها فوائد جمة ومنافع عظيمة اذ المقايسة ربما تصعب على الاذهان والمقابلة في جميع الجزئيات ربما يخفى على اعيان الزمان فكيف بمن ليس له انس باطوار ما نقول من البيان الا اني لفي واسع العذر في الاقتصار على الاشارة والتلويح الى التبيان وقوله سلمه الله تعالى : بمماته في قبره لا يسئل اعلم ان الذين يسئلون في القبر طائفتان احديهما ماحضوا الايمان محضا وثانيهما ماحضوا الكفر محضا واما الفرقة الثالثة فهم المستضعفون فيلهي عنهم ولا يسئلون في قبورهم ويبقون امواتا كما انهم كذلك لانهم قلوبهم باقية على موتها الاول من قوله تعالى كنتم امواتا فاحياكم ولم تتوفر الدواعي والاسباب بعد الى حيوتها فبقيت ميتة لان الصورة الظاهرة الانسانية فقد اكتسبها من عوارض هذه الدنيا فان كانت طيبة في الاصل اذا حييت كان البدن في مقره ومحله وان كانت الاخرى كان هذا البدن بتلك الروح الخبيثة كالطاوس الذي حمل ابليس واوصله الى الحية وهي كانت بوابا على الجنة ثم جعل في بطنها فدخل الجنة وغوى آدم واخرجه منها وان كان آدم عليه السلام يعود اليها لكن قصده الاذية ومقصوده المرارة وهو قوله تعالى لن يضروكم الا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون لانتم اشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بانهم قوم لا يعقلون وقال ( تعالى خ ) ان كيد الشيطان كان ضعيفا فافهم ضرب المثل وتعيها اذن واعية والى الفرقتين من المستضعفين مع التفريعين اشار الله سبحانه بقوله الحق والمرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم اما الطائفة الاولى اي ماحضوا الايمان محضا فهم الذين اسلموا في الدنيا ثم رسخ الايمان ودخل في قلوبهم وعرفوه وصدقوه وفصلوه في صدورهم واطمأنت له قلوبهم وشرحت له صدورهم فتحققت لهم اربع مراتب الاول التسليم الثاني التصديق الثالث المعرفة الرابع الايمان او اعكس الترتيب فانك لم تجد الرسوخ الا على ما ذكرناه وان كان جريان الحكم على عكس الترتيب والى ما ذكرناه صرح كلام مولانا وسيدنا ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق بقوله انكم لن تؤمنوا حتى تعرفوا ولن تعرفوا حتى تصدقوا ولن تصدقوا حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح آخرها الا باولها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا وخسروا خسرانا مبينا ثم هذه المراتب الاربع تضرب في سبعة التي هي مراتب المعرفة كما ذكره سيد الساجدين وسند العابدين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء في حديث الخيط الاصفر لجابر بن عبد الله الانصاري بقوله اتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ومعرفة المعاني ثانيا والابواب ثالثا والامام رابعا والاركان خامسا والنقباء سادسا والنجباء سابعا لقد سبق منا بعض البيان لهذا الحديث الشريف ومقصودنا الآن بيان نفس العدد ومضروبه في الاربعة فاذا كانت المعرفة لها سبعة مراتب ففي كل مرتبة لا بد من الايمان والمعرفة والتسليم والتصديق وقد سمعت ان سيدنا الصادق قال ان الايمان لا يتحقق الا بالثلاثة ويشير اليه بل يدل عليه كلام الله سبحانه قوله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ففي كل من هذه السبعة لا بد من هذه الاربعة فهذه ثمانية وعشرون ثم ان الانسان له ثمانية وعشرون مرتبة وظني اني قد فصلتها سابقا وفي كل مرتبة من هذه المراتب الثمانية والعشرين يراد منها الايمان والمعرفة والايمان لا يتم الا بالاربعة والمعرفة لا تتم الا بالسبعة وفي كل من الثمانية والعشرين ثمانية وعشرون ثم في كل مرتبة من التوحيد خمس مراتب والايمان به يقتضي تمام الاربعة فحصل هناك عشرون مقاما زيد على ثمانية وعشرين فيكون حقيقة الحاصل سبعة واربعون فمضروب السبعة والاربعين في الثمانية والعشرين اذا تحقق في الشخص فذلك هو ماحض الايمان محضا في اول مقام الكمال وفي اوسطه يضيف الثمانية والعشرين رتبة الاسماء في مقام صرف الاسم وفي مقام التوجه الى التعلق بالاثر وفي مقام التعلق وهناك اربعة وثمانون مرتبة تزاد على الحاصل من الضرب المذكور اولا وهذا مقام الخواص من ماحض الايمان محضا ثم اذا كشف السبحات وازال الانيات وقطع دابر الماهيات واذهب الظلمات واتى بالنور البحت البات وتوجه الى الله وقطع النظر عن كل ما سواه من الكائنات والامكانات مع قطع النظر عن قطع وسلب الالتفات عن سلب الالتفات واستقر في هذا المقر وثبت في هذا الجوهر وسبح في هذا البحر التيار والطمطام الذي لا يساحل في جميع الاطوار لان الاطوار والادوار والاكوار ذهبت وولت وادبرت واسلمت وما لها من قرار ولم يزل يسبح في بحر الاحدية وطمطام يم الفردية الى ما لا نهاية له من المدي وهذا المقام للخصيصين وهم العباد الزهاد على الحقيقة التي يعرفها اهل الفؤاد وهؤلاء هم الذين يسئلون في القبر ولكن سؤالهم روح وريحان وكرم وامتنان تأتيهم الملائكة افواجا افواجا ويبشرونهم الى المبدأ الاول معراجا ويبدل المنكر والنكير بالمبشر والبشير كما في دعاء كل يوم من شهر رجب وادرأ عني منكرا ونكيرا وار عيني مبشرا وبشيرا واجعل لي الى رضوانك وجنانك مصيرا وعيشا قريرا وملكا كبيرا وصلى الله على محمد وآله كثيرا ويأتيهم ولي الله ويضيء القبر من نوره ويبشرهم بنعم الله وكرامات الله وبالنور والحبور والسرور وتأتي الملائكة غير الاولين بهوادج من نور ويصعدون به الى زيارة الله رب العالمين وهناك الكرامة العظمى والآية الكبرى والرحمة الواسعة والفضل الواسع والعدل الجامع وماحض الايمان له معنى آخر اجمالي تفصيله الذي ذكرنا بعض احواله وهو ان يعتقد التوحيد والنبوة والولاية اعتقادا تحقيقيا قطعا ( قطعيا خ ) اجماليا لا ينكر اذا تفصلت شيئا من تفاصيلها ويكون ثابتا عليها راسخا فيها كالجبل لا تحركه عواصف الشبهات ولا تزيله قواصف الشكوك الواردات ويكون على بصيرة وبينة على حقيقة الهية بحيث تزول الجبال قبل ان يزول وتتحول الاراضي السبعة الثقال قبل ان يتحول ويكون بحيث اذا خالفه الثقلان لم يزدد الا ايمانا وبصيرة واذا عارضه الخافقان لم يزدد الا ايقانا وبينة ماذا ( فاذا خ ) بلغ هذا المبلغ ووقف هذا الموقف وشهد هذا المشهد فهو المؤمن الممتحن وماحض الايمان المتقن ويصدق عليه قوله تعالى ولا يملكون الشفاعة الا من شهد بالحق وهم يعلمون وهؤلاء هم الفرقة الناجية والفئة الهادية وهم اهل الرشد والبصيرة وهم اهل الهدى والبينة وهم الذين لهم في القبر ما ذكرنا من البشارات واما اذا اقترف هؤلاء الكبار من جهة بعض الاعراض الخارجة والامراض المانعة بعض السيئات يأتيه منكر ونكير بتلك الصورة الهائلة والهيئة المنكرة التي تتضعضع لها الجبال ولا تقف لها الرواسي الثقال فتكفر بتلك الروعة تلك السيئات وتمحي تلك الذنوب لان السيئات تذهب بالحسنات واي حسنة اعظم من عقد القلب على التوحيد واهل التوحيد مع الله والى الله وبالله وعن الله وبعين عناية الله وهم اولياؤ الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( واما الطائفة الثانية اي ماحضوا الكفر محضا فهم بعكس ما قلنا وشرحنا خ ) وهم الذين تبين لهم دليل الحق وظهر عندهم سبيل الصدق ووجدوا الامر عيانا وشاهدوا الحق برهانا وعيانا ثم انكروه لاغراض نفسانية وآثروا الحيوة الدنيا على الآخرة وقووا حزب الشيطان واعرضوا عن حزب الرحمن الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون وان حزب الله هم المفلحون وان جند الله هم الغالبون اللهم اجعلنا من حزبك فان حزبك هم المفلحون واجعلنا من جندك فان جندك هم الغالبون واجعلنا من اوليائك فان اولياءك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فهم طين ملعونة ومركبات مسخوطة عجنت بماء الكفر والنفاق واختمرت من طينة العدوان والشقاق عرفوا الحق وانكروه نابذوا القرآن وهجروه فهم ماحضوا الكفر تمحضوا في الكفر والعدوان والنفاق والطغيان فهؤلاء اذا دخلوا في القبر وشرج عليهم اللبن اتاهم المنكر والنكير باوحش ما يكون من الهيئة واقبح ما يكون من الصورة لهما صيحة اعظم من صيحة قوم شعيب وتخرج من فيهما نار اخذت من اسفل طبقات السعير نعوذ بالله وبه نستجير من مشاهدتهما وملاحظتهما ونسئله حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة والسؤال من هؤلاء في القبر شديد والامر عظيم نسئل الله الراحة عند الموت والعفو عند الحساب فمراد الناظم احسن الله عاقبته واعاذه من سوء الحساب انه ولي وهاب ان من كان من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا سؤلا له اي ما يسئل به يعني من كان هم مقصوده ومراده وطلبته وبغيته يروح اليهم ويغدوا عليهم مسلما لهم منقطعا اليهم سائلا من الله حوائجه بهم وجاعلا له حصنا حصينا وحرزا منيعا ممتثلا لقول ربه مؤديا اجر رسالة نبيه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ناظرا اليهم بعين المحبة وجاريا بالنسبة اليهم مقتضي المودة كما هو الشأن بين المحب والمحبوب والطالب والمطلوب والمريد والمراد بان لا يغفل عنهم ولا ينطق الا فيهم ولا يرغب الا اليهم ولا يسئل الا عنهم ولا يطلب الا منهم ولا يحضر حضور القلب والنفس والصدر والروح الا اليهم ويكون بالنسبة اليهم كما قال الشاعر :
اليكم والا لا تشد الركائب ومنكم والا لا تنال الرغائب
وعنكم والا فالحديث مخلق وفيكم والا فالمحدث كاذب
فان كان فعله هذا وانقطاعه الى هؤلاء الطاهرين عن بصيرة وايقان وبينة وبرهان وكان دأبه ذلك في مدة حياته فهو عند ما مات مستريح مطمئن القلب ثلج الفؤاد منشرح الصدر فاذا ادخل قبره لا يسئل سؤالا يسوؤه ولا يرى شيئا يكرهه بل يسئل سؤال المريدين ويفعل به فعل المحبين ولم يزل في امن وامان ونعمة واحسان وكرامة وامتنان فيا لها من عاقبة محمودة وخاتمة مسعودة وراحة لا يتعقبها تعب ولا يكون بعدها نصب وسرور دائم وعطاء قائم ومكروه زائل ومقصود حاصل وحاجات مقضية وامنية حاصلة ولمثلها فليعمل العاملون ولادراكها فليتنافس المتنافسون والكلام في هذا المقام طويل ولكن القلب عليل واللسان لاجله كليل نسئل الله الفرج وحسن المخرج انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير
وصل - ولما حصر الناظم بلغه الله الى رحمته وجعل اهل البيت منتهى بغيته ( امر خ ) النجاة في حب هؤلاء السادات مشفوعا باقرار التوحيد ومقرونا باعتقاد النبوة وخلافة الخلفاء فالاقرار بهم جزء اخير للعلة التامة لان الاعتقاد والاقرار بهم يستلزم الاعتقاد بالله وبرسوله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) وبالخلفاء الراشدين والامناء المهديين اصحاب الرسول وارباب القبول الذين تنتهي اليهم السؤل اهل الاتصال والوصول فالنجاة منحصرة فيهم وهم الحرم الامن الذي جعل ( جعله خ ) الله سبحانه للناس كما قال اولم يروا انا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم عطف القول اليهم واسترحمهم واستغاث بهم
وقال ايده الله وسدده :
فترحموا يا آل بيت المصطفى وتكرموا وتفضلوا وتقبلوا
اقول : استرحم الناظم واستعطف فقال خاضعا خاشعا : فترحموا يا آل بيت المصطفى طلب رحمة الفضل لا العدل كما هو مقتضي رحمة الرحمن وهو مقتضي قوله تعالى صراط الذين انعمت عليهم اي انعمت عليهم بمحبة اهل البيت وموالاتهم واحترامهم واكرامهم والتوجه الى الله سبحانه والى رسوله بمحبتهم وولايتهم وهذه والله هي النعمة التي لا تضاها والمكرمة التي لا تسامي لان بها النجاة من النار ولا شيء اعظم من هذا لان الدنيا منقضية تزول والآخرة باقية لا تزول ولا تحول عذابها دائم وخلودها قائم لا مغيث لمستغيث ولا مجير لمستجير ولا معطي لسائل ولا مقنعي ( مصغي نسخة ع ٤٠ ب ) لقائل واهل العذاب في انين وعويل وشدة وتنكيل لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف لهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور الذين كفروا بنعمة ربهم واعرضوا عن اهل البيت واولي القربى الذين امر الله بمحبتهم ومودتهم والتوجه اليه بهم والنجاة منحصرة فيهم والراحة منوطة بمعرفتهم فاي نعمة اعظم من هذا واي كرامة اكبر من ذلك ولذا اعتني الكاملون والعلماء العاملون والفضلاء الراشدون بمحبتهم ومودتهم وذكر مناقبهم ونشر فضائلهم وبيان مراتبهم لقد قال الشافعي محمد بن ادريس في شعره :
لو فتشوا قلبي لالفوا به سطران قد خطا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانب وحب اهل البيت في جانب
وقال ايضا على ما نقل عنه ابنحجر في صواعقه المحرقة :
يا راكبا نحو المخضب من منى اهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا اذا فاض الحجيج الى منى فيضا كمنهل الفرات الفايض
واخبرهم اني من النفر الذي لولاء اهل البيت ليس بناقض
ان كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان اني رافض
وقال بعض الشافعية في القصيدة الدالية المشهورة الى ان قال :
وسائلي عن حب اهل البيت هل اسر اعلانا بهم ام اجحد
والله مخلوط بلحمي ودمي حبهم هم الهدى والرشد
حيدرة والحسنان بعده ثم علي وابنه محمد
وجعفر الصادق وابن جعفر موسى ويتلوه على السند
اعني الرضا ثم ابنه محمد ثم علي وابنه المسدد
والحسن التالي ويتلو تلوه محمد بن الحسن المفتقد
فانهم ائمتي وسادتي وان لحاني معشر وفندوا
ائمة اكرم بهم ائمة اسماؤهم مسرودة تطرد
هم حجج الله على عباده وهم اليه منهج ومقصد
هم النهار صوم لربهم وفي الدياجي ركع وسجد
قوم لهم مكة والابطح والخيف وجمع والبقيع الفرقد
قوم منا والمشعران لهم والمروتان لهم والمسجد
قوم لهم في كل ارض مشهد لا بل لهم في كل قلب مشهد
وبالجملة فالعلماء الاعلام حيث وجدوا ان الامر في النجاة في الآخرة منحصرة بهؤلاء الكرام توجهت عنايتهم اليهم واوجبوا محبتهم عليهم ولذا ان الناظم اتبع آثارهم واقتفى منارهم وسلك مسلكهم ونسج على منوالهم تحقيقا للامر وتصديقا للسر وملاحظة لعواقب الامور وامانة عن ريب الدهور فسأل منهم الرحمة التي هي الرقة والعطف والرأفة فاذا عطفوا ومالوا الى احد وقلوبهم محل لمشية الله وصدورهم ممكن لارادة الله وهم متلاشون فانون مضمحلون ما يشاؤن الا ما يشاء الله وحيث انهم مؤدبون بالآداب الالهية ومطهرون عن العادات الغير المرضية ومنزهون عن النقايص الامكانية وليس لهم انية مشهودة ولا ماهية الا وهي مفقودة فلا يشاء الله الا ما يشاؤن واذا عطفوا الى احد ورأفوا به كما هو شأنهم مع المنقطعين اليهم والمقبلين عليهم كما وصف الله سبحانه جدهم وسيدهم ونبيهم (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) في قوله تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم والولد سر ابيه فاذا رأفوا ورحموا احدا سألوا الله سبحانه انعامه واكرامه وقلوبهم مقابلة لفوارة النور فيشرق عن قلوبهم الى قابلية ذلك المنقطع اليهم فيصلحها ويقويها ويجعلها طاهرة مطهرة مصفاة مزكاة تزداد قابليته لقبول النور من عالم السرور ونفي ما امكن من الغيور فاذا توجه اليهم مرة اخرى تشرق العناية عليه مرة اخرى وتزداد قابليته وتتقوي لعناية اخرى وهكذا كلما ازداد التوجه ازدادت العناية حتى تتصفي قوابل وجوده الى ان تجمع النور وتظهر الحكاية ويكون القرية الظاهرة وهو قول مولانا وسيدنا ابي عبد الله الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسألة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة والمتوجه ( فالمتوجه خ ) اليهم والمقبل عليهم والمسترحم منهم والمستغيث بهم مشمول العناية مسحوب الكرامة فايزا بالسلامة آمنا من كل ما يوجب الندامة يوم القيمة ويوم الطامة وهذا معلوم عند كل احد لا ينكر مقامهم احد ولا يغمض عن فضلهم احد الا ان كل احد يدعيهم ويقول انا من مواليه ومحبيه مع تباين الفرق وتنافي المسالك والمذاهب فطوبي ثم طوبى لمن قبلوه وويل ثم ويل لمن انكروه :
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
فاسترحامهم واستعطافهم مفتاح ابواب الخيرات ومغلاق ابواب الشرور والسيئات لانهم الانوار المشرقة من صبح الازل واذا قابل انوارهم معتقدا باسرارهم احد فانوارهم تشرق عليه وتذهب الظلمات عنه ويغسل درن السيئات منه وتشرق على صدره نور العلم المستلزم للخوف المستلزم للهرب المستلزم للنجاة قال الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف ومن خاف هرب ومن هرب نجي ويشرق نور اليقين في القلب المستلزم لمشاهدة الفضل المستلزم للرجاء المستلزم للطالب المستلزم لحصول المقصود قال الصادق اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل واذا تمكن من رؤية الفضل رجي ومن رجا طلب ومن طلب وجد ويشرق على فؤاده ضياء المعرفة ويهيج به ريح المحبة ويستأنس في ظلال المحبوب فلا فرق بينهم وبين حبيبهم فيشرفوا بالمثال ويصلوا الى مقام الوصال ويخرجوا عن عالم القيل والقال ويكون الامر كما قال امير المؤمنين المفضال روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء من الملك المتعال فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فاذا القي مثالهم فيه وظهرت افعالهم عنه فهو المني والسؤل وهم الاصول في كل رد وقبول فما ردوا رده الله وما قبلوا قبله الله وما يشاؤن الا ان يشاء الله فقوله سلمه الله وابقاه : يا آل بيت المصطفى المنادي للحاضر والغايب لا ينادي وهذا دليل على حضورهم عند كل شدة ووجودهم عند كل بلية فهم المنادون والمستغاث بهم في كل نازلة مهمة وحيث ان هذا النداء ليس خاصا بشخص دون شخص ولا مكان دون مكان ولا زمان دون زمان عرفنا ان لهم الاحاطة لكونهم حملة الولاية من البداية الى النهاية وهم وجه الله فاينما تولوا فثم وجه الله فعبر الناظم ايده الله واوصله الى مناه انما عبر عنهم بطريق المنادي للدلالة على انهم وجه الله وبابه فاينما تولوا فثم وجه الله لان الله تعالى لما امر بمودتهم وكل الامة مكلفين بهذا وقد قال الله سبحانه وتعالى انه المبعوث على كافة الموجودات وعامة المخلوقات فيريد الله سبحانه من كل احد امتثال امره واوجب على كل شخص محبتهم ومودتهم ويريد بهذه المحبة المحبة الذاتية الحقيقية لا العرضية الصورية والمحبة الحقيقية كما ذكرنا وصفها لك سابقا من انها تنسي كل شيء سوى المحبوب ولم يبق للمحب سواه مطلوب ويتمحض نظره اليه وينصرف توجهه عليه فلو لم يكن التوجه اليهم التوجه الى الله ولو لم يكن النظر اليهم النظر الى الله ولو لم يكن الانقطاع اليهم الانقطاع الى الله ولو لم يكن محبتهم محبة الله لما اوجب مودتهم الله ولا محبتهم على كل الاشياء وهذا هو الدليل الواضح والبرهان اللايح على انهم وجه الله ولولا ذلك لما اوجب محبتهم في كل الاطوار على جميع الاكوار والادوار والمحبة وصفها ما عرفت وانها تمحض المحب في التوجه الى المحبوب فهم حضور والخلق غيب وهم شهود والخلق محجوبون وهم المنادون في كل حال وفي كل طور ولذا اتى الناظم ايده الله بلفظ النداء ثم انه وفقه الله وسدده عبر عن حرف النداء بالياء دون الهمزة الدالة على القريب ودون ايها الدالة على البعيد لبيان تنزههم عن كمال قربه ودنوه اليهم واين الثريا من يد المتناول وبيان تنزهه عن البعد عنهم غايته فاتى بالمتوسط لا القرب المفرط ولا البعد المفرط بيانا لحاله وشرحا لمآله وقوله سلمه الله : آل المصطفى فالآل مشتقة من الاهل قلبت الهاء الفا لينية بيانا لان شأنهم الترقي والصعود الى جانب المبدأ كما عرج جدهم رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ولما كانت حرف العلة كما ذكرنا سابقا هي الالف اللينية وهي اصل الحروف لها الفاعلية ولظهورها المادية فالهاء نازلة عن هذه الالف بمرتبتين احدهما رتبة الالف المتحركة فان حروف الحلق التي من اقصاها الهاء والهمزة وان اختلفوا في ان الهاء مقدمة اقصى ام الهمزة الا ان الحق عندنا ان الهمزة اقدم لانها المبدأ واول متولد من الالف اللينية وكلما قرب الى المبدأ ظهور السرية والخفاء فيه اكثر واعلى وحيث ان الهمزة اقرب كانت اخفي وكانت اقصى والالف اللينية ليس لها مخرج وهي خالصة عن القيود خالية عن الحدود وهي مظهر النفس الرحماني الاولى وهي مقام مبدأ الظهور وهي النور على الطور وانتفى فيها حكم الغيور وكما انها هي المبدأ فكذلك في الصفات لها التقدم وظاهرها عين باطنها وسرها عين علانيتها ليس بازائها احد ولو فرض في التعبير يقال انه احد وللهمزة واحد ولما ان اهل البيت لم يزالوا في الترقي في ذواتهم وحقايقهم وقد قلنا ان اصل الاسم في الحرف الوسط اذا كانت الكلمة فردا وفي الحرفين ان كانت زوجا والاهل حيث كان فردا كان اصل الاسم الهاء التي في الوسط والهمزة واللام متممان فلما كان شأنهم الترقي في المعنى وجب ان يكون في اللفظ ما يدل عليه فانقلبت الهاء الفا لينية حتى يكون الترقي في اللفظ مثل المعراج في المعنى وكما ان جدهم في عروجه وسيره وصل الى المبدأ الذي نزل منه كذلك الهاء وان كانت مقام التوحيد ظاهرها عين باطنها وسرها عين حقيقتها الا ان الالف اللينية فيها هذا المعنى وزيادة السلم ( السلامة خ ) عن شرك المخرج وعدم التقيد ( التقييد خ ) بالقيود والتحديد بالحدود وظهورها على نحو التعيين ( التعين خ ) الاول وليس بالحروف حرفا اعظم من الالف شأنا واعلاها مكانا واعظمها رتبة واكبرها منزلة وهي حقيقة الحروف وسرها والحروف ليست ثانية لها لعدم كونها في مرتبتها وانها حدودها كالبحر بامواجه والحروف في امواج الالف التي هي البحر والشجرة باغصانها والبيت باركانها والمداد بهيئاتها فالالف حرف العلة وحرف التفريد وحرف التجريد وحرف اضمحلت الحروف عندها وحرف فنيت الحروف وتلاشيت ( تلاشت خ ) لديها وحرف لها القيومية على الحروف وحرف لها السلطنة عليها في كل منكور ومعروف وحرف لها الولاية الكبرى وحرف لها السلطنة العظمى وحرف لها القدر والقضاء وحرف لها الجبروت الاعلى وحرف هي امر الله الذي قامت به الارض والسماء وحرف هي الاسم الاعظم الاعظم الاعلى وحرف هي الذكر الاجل الاكبر الاوفي وبالجملة وهي سر الحروف وحقيقتها واصلها واسها واسطقسها منها بدئت الحروف واليها انتهت بالكمال واذا كان الامر كذلك وجب ان تنقلب الهاء الفا ويترقى الاسفل اعلى لبيان قوسي الصعود والنزول ففي المقام الثاني جعلت الهاء اصلا للكلمة والهاء اشارة الى مراتب التوحيد لبيان انهم في تنزلاتها الى المراتب السفلية هم ميادين التوحيد ومظاهر التفريد والتجريد وحروف لا اله الا الله وشرح مقام محمد رسول الله وانهم كف الحكيم وسر العليم واهل العباء والخمسة النجباء على جدهم وعليهم آلاف التحية والثناء وفي الاول اي مقام النزول الف لينية على ما وصفناها لك آنفا ولذا قال مولينا وسيدنا ابو عبد الله جعفر بن محمد عليهما التحية والثناء ما عسى ان يبلغ اليكم من فضلنا والله ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة يعني جميع ما وصل اليكم من فضلنا واقصى ما بلغكم من مرتبتنا الا الف ( مرتبتنا الف خ مرتبتنا انا الف نسخة ١٣٠٥ م ) غير معطوفة والحروف الكونية والشرعية والتدوينية كلها لنا وبنا مضافون الينا لانا حملة الولاية وبيوت النبوة ومعدن الرسالة وهذا باب واحد من الف الف باب من فضائلنا ومراتبنا ومقاماتنا وحيث كان الامر كذلك وجب قلب الهاء الفا ليكون اللفظ على طبق المعنى والاسم وفق المسمى ولما انقلب ( انقلبت خ ) الهاء الفا صار الاهل آلا فالآل فيه الف متحركة وهي اول تعين الالف اللينية واللام التي هي اصل الولاية والالف اللينية هي القطب في الاسم وسره كالقلب الذي هو الاصل والوسط ثم الآل ونسبة الآل الى الاهل في اسمائهم نسبة احمد من محمد في اسماء النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ولنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية
واما البيت فهو وعاء وجامع ومكن للشيء فلما كان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) هو وعاء العلم والنور والسرور والسودد والشرف والكمال والجمال والجلال والرحمة والعزة والكرامة وهو الذي قال تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولما كان ذات الله سبحانه وتعالى لا يسعها شيء ولا يحويها شيء ولا يدانيها شيء فلا يصح اعتبارها في هذا الحديث الشريف فاذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات متعين فحينئذ يجب ان يكون قلبه الشريف قد وسع جميع مقامات الربوبية من الاسماء والصفات والاسماء الحسنى العظام والامثال العليا الكرام والاسم الاعظم الاعظم الاعظم والذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى والكلمات التامات والاسماء الفاعلات وساير الشؤنات والاطوار والنسب والاضافات والذات الظاهرة بانحاء الظهورات ومقامات الاختراع والابتداع والافعال وساير الظهورات والشؤنات كلها قد وسعها ذلك القلب الشريف لذلك العنصر اللطيف وكان بذلك بيت الله ومسجد الله وكعبة الله وكتاب الله وجمع الله وحيث كان النبي والولي لهما ثلث مقامات مقام جمع الجمع ومقام الجمع ومقام الفرق كانت المراتب المذكورة في المقام الاول والثاني غير متميزة واما في مقام الفرق فحيث ان النبي سماء والولي ارض والنبي عرش والولي كرسي والنبي شمس والولي قمر والنبي واحد والولي متعدد والنبي قلم والولي لوح والنبي باطن والولي ظاهر والنبي غيب والولي شهادة والنبي نقطة والولي الف والنبي سحاب مزجي والولي سحاب متراكم والنبي سحاب والولي ماء والنبي ماء والولي تراب والنبي بذر والولي شجرة والنبي شجرة والولي ثمرة والنبي قطب والولي محور والنبي اصل والولي فرع والنبي علم والولي قلب والنبي سر ولب والولي بيت فالبيت عند التفصيل يختص بالولي وفي مقام الجمع يشملها فصارت مهابط الولاية ومحالها التي هي مواقع النجوم كل واحد بيت للاجمالات التي ترد من سماء النبوة وتأوي الى هذه البيوت وتتفصل وتتميز وتتشخص والى هذه البيوت اشار سبحانه بقوله تعالى في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال على قراءة المبني للمجهول والوقف على الآصال رجال يعني تلك البيوت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلوة وايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار فاذا كانت البيوت هم الرجال الذين صفتهم انهم لا يلتهون عن ذكر الله بالشواغل الدنيوية بل العوارض الغيرية فاذا لم تشغلهم ذلك فقد توجهت بكينوناتهم وسرائرهم الى المبدأ الاول الحق فهم البيوت المرتفعة لا الى غاية ثم عين الله سبحانه اول تلك البيوت وقال تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابرهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ولقد شرعت في تفسير هذه الآية الشريفة منذ ثمان سنوات في كل شهر رمضان نبين تفسيرها مقدار ساعتين او اكثر او اقل وفي بعض السنين يتفق كل خميس وجمعة نفسرها الى الآن تمام ثمان سنين تقريبا ومافرغنا بعد من تفسير البطن الاول والتأويل الاول من هذه الآية الشريفة مع انا في هذه المدة لم نخرج عن المقام وحصرنا الكلام فيما يتمكن بهذه الآية الشريفة دون زوايد الكلام والامور التي لا دخل لها في المقام وهكذا ان مدني الله في العمر نحصر امرنا في تفسير هذه الآية وبيان غرائب ما فيها وعجائب ما هي متضمنة لها وما عسى ان اقول الآن مع ضيق المجال وتبلبل البال وما في نفسي من الامور التي تمنعني على التهجم في المقال نسئل الله التوفيق في المبدأ والمآل وبالجملة فاهل البيت بيت العلم الذي انزله الله سبحانه على رسوله ولم يرسل نبيه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) حتى يكمل علومه ويعلمه ما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيمة وبعده الى ما شاء الله من الاطوار والادوار والاكوار والاوطار وهم بيت الرحمة وقد بينا سابقا من قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) رحمة واسعة ورحمة مكتوبة وذكرنا تفسير قوله تعالى سابقا انظر الى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها فهم بيت تلك الرحمة واسعة كانت ام مكتوبة منهم تفصلت وبهم تشعبت وبهم تميزت ووصلت الى كل شيء استحقاقه منها كالبلورة الحاملة لاشراق نور الشمس والجامعة لذلك النور والمترجمة له حتى أظهرت الحرارة الموجبة للاحراق فالبلورة بيت الشمس لاظهار احراقها كلما يقابلها وكذلك هم بيت الرحمة تشعبت الرحمة وفصل الى متعلقاتها بهم وهم بيت الهداية التي هي الايصال الى المطلوب اي الى ما تيسر له في الخلق الاول على حد قول النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) كل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله ولما كان الولي هو ذلك الميسر بكسر السين كان يوصل كل احد الى ما خلق له مما تقتضيه كينونته وتستدعيه حقيقته ان خيرا فخير وان شرا فشر
واما المصطفى فهو الذي اصطفاه الله في القدم على سائر الامم اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار فاول ما اصطفاه في الحجاب الواحدية والتعين الاول والنور الازل حيث لا غيره ولا مخلوق سواه وكان طايفا تحت ذلك الحجاب على حجاب القدرة ثمانين الف سنة وكان هو المصطفى والمنتجب اذ لا غيره لانه الفرد الاول محل العناية وموضع الكرامة اول المدد وعاد العدد بلا امد ثم اصطفيه تحت الحجاب الرحمانية والطوف عند جلال العظمة تحت القدرة وهناك اثنان احدهما الطائف حول جلال القدرة والثاني الطائف على جلال العظمة فهنا مبدأ ظهور الولاية فاصطفى النبي على الولي ثم اصطفاه في الحروف العاليات التي هي الكلمات الطيبات والحروف نفس الكلمة والكلمة نفس الحروف وهنا حجاب الرحيم ومقام العلي العظيم وهذه الحروف هي السبع المثاني وعالم المعاني والبشر الثاني والنور الشعشعاني ثم اصطفاه في آخر المبادي عند ما ينادي المنادي عند ظهور حرف ليلة القدر وهنا حجاب الملك ثم قام تربيع الفرد الاول ثم اصطفاه في الظلال منتهى الآمال اول ظهور الجلال والجمال عبرنا عنها بالظلال لانها صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله ثم اصطفاه في القلم الاعلى والنور الاسنى قصبة الياقوت وحجاب اللاهوت وسر الله في الملك والملكوت ثم اصطفاه في مقام حملة الاسماء والصفات ومطارح تجليات الذات بحجب الصفات ثم اصطفاه في البحر الابيض بحر الصاد وبحر المزن والنون وموضع ظهور البطون الواو الغايبة بين الكاف والنون وهنا مقام ظهور العين في التعين الثاني وهي العين التي بين الكاف والنون ثم اصطفاه في اللوح المحفوظ والكتاب المسطور في رق منشور والبيت المعمور المحيط به السقف المرفوع وهكذا اصطفاه الله سبحانه في كل عالم من العوالم الالف الف واجتباه فيها وخصه بنفسه الشريفة وجعل طاعته طاعته ومحبته محبته وامره امره وحكمه حكمه ورضاه رضاه وسخطه سخطه فاصطفيه لنفسه وخلق الخلق لاجله قال تعالى واصطنعتك لنفسي اذهب انت واخوك بآياتي ولاتنيا في ذكري اذهبا الى فرعون انه طغى وما اصطفاه الله على كل احد الا بعد ان علم انه اشرف كل احد واشرف كل شيء فهو علم الله الذي قال تعالى ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب وليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين وامثالها والتجرد ( التجدد نسخة ع ٤٠ ب ) في ذات الله محال فيكون في اول التعين ( التعلق خ ) وهو قدرة الله المتعلقة التي استطال بها على كل شيء فلان التعلق اقتران والاقتران في ذات الله محال فيكون في التعين الاول وهو امر الله الواحد قال تعالى وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وهو جود الله الذي به جاد على كل موجود ومنه استنطق اسم الجواد والوهاب وهو الكمال وهو الجمال وهو العزة اي عزة الله الظاهرة في المخلوقات روي في الحديث عن طريق اهل البيت ان يهوديا اتى رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وقال يا محمد قد بلغ من امرك انك تقول اني رسول الله وافضل من موسى وعيسى فقال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اما قولك اني رسول الله فنعم قد قلت ذلك واما قولك قلت اني افضل من موسى وعيسى يا يهودي ما ينبغي ان اصغر ما عظمه الله من قدري ان الله اوحى الى يا محمد فضلك على الانبياء كفضلي وانا رب العزة على كل الخلق فبالجملة فالمصطفى هو كمال الله الظاهر وجماله الباهر ونوره الزاهر ورحمته الواسعة وقدرته الجامعة وعلمه النافذ الانفذ وهكذا ساير الكمالات مما لا يحويها فكري ولا يجري بها قلمي ولا يفوه بها فمي فعلى هذا فاهل البيت هم اهل بيت العلم واهل بيت المعرفة واهل بيت المجد واهل بيت القدرة واهل بيت الجود واهل بيت العزة واهل بيت الكرم واهل بيت الكمال واهل بيت الجمال واهل بيت الجلال واهل بيت النور واهل بيت الاسماء والصفات واهل بيت الذات الظاهرة واهل بيت الافعال القاهرة واهل بيت الملك المستعلي على كل شيء واهل بيت الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر واهل بيت النور المشرق من صبح الازل واهل بيت السلطنة واهل بيت الرياسة واهل بيت الفخر واهل بيت المنعة واهل بيت الرحمة واهل بيت الحيوة واهل بيت النبوة واهل بيت الرسالة واهل بيت الوحي واهل بيت العصمة واهل بيت الطهارة واهل بيت الفخار وهكذا فكل كمال هو رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) المصطفى والمجتبي والمرتضي وهم اهله واذا كانوا اهله فجمعوا كل خير فهم بيت كل خير ونور فان شئت جعلت المصطفى بيت الاصطفاء وجعلتهم اهله كما سماه الله الذكر في قوله تعالى وانزلنا اليكم ذكرا رسولا ثم قال تعالى فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وهم اهل الذكر المسؤلون او ان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) هو الكمال وهم بيت الكمال وبيت الجمال وذلك الكمال استقر عندهم وذلك ( ذلك الجمال نسخة ع ٤٠ ب ) استكن لديهم وهم بيته ومأويه ومحلا لسره ونجويه وموضعا لرسالته وعلاه ومظهرا لسودده وبهائه وبالجملة هم اهل بيت المصطفى بكل المعاني كيف ما شئت فقل
حدث فلا حرج عليك فانما تروى ( لنا نسخة ع ٤٠ ب ) متسلسل الاسناد
وقد قال البوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وكفى بهم فخرا وشرفا من ان انتسبوا الى تلك الحقيقة المقدسة المشرفة المكرمة والولد من سنخ الوالد ونفس الشيء من سنخه وذاته فما عسى ان يقول قائل او يتكلم متكلم وهو كما قال مولانا وسيدنا ابو عبد الله الصادق في حديث مشهور نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وقال فيما قدمنا وما عسى ان يبلغ اليكم من فضلنا والله ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة وكل ذلك بنسبتهم الى المصطفى محمد رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) لا غير والى هذا المعنى اشار الناظم في مخمسه لقصيدة الشيخ صالح التميمي في مدح امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء قال :
رتب نلتها بنسبة طه قصرت كل رتبة عن مداها
ان نظرنا الانام من مبتداها ما ترى ( ما نرى نسخة ع ٤٠ ب ) ما استطال الا تناها
ومعاليك ما لهن انتهاء
وهو كما ذكر فالمفاخر باسرها والشرافات برمتها انما ناولوها بهذه النسبة وكفي بها فخرا وشرفا والى هذا المعنى يشير تأويل قوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم والذين آمنوا هو رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) وجمع لكونه مفردا ومفرد لكونه جمعا ولذا قال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا وقال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اما النبيون فانا الحديث فرسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) والذين آمنوا وذريته الذين اتبعهم بايمان صادق وتصديق موافق بظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم وشاهدهم وغائبهم واولهم وآخرهم فلما آمنوا كايمانه وصدقوا كتصديقه قبلهم الله سبحانه والحقهم به في منزلته ومرتبته وفي جميع ما ينسب اليه تفضلا من الله وكرامة لذلك السيد الطاهر وتصديقا لايمانهم وتحقيقا لشأنهم وتشييدا لسلطانهم وقد فعل وله الحمد والشكر وان لم يعملوا كعمله وهيهات واني لهم وعمل رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) فلا يعادل جميع اعمالهم ثواب تسبيحة واحدة من رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وينبهك على هذه الدقيقة وينبئك على هذه النكتة العميقة الانيقة اشارة وتلويحا قول رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ضربة على يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين فقال ابو عبد الله الصادق روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء وانا من الثقلين فانظر ما ترى فعلى هذا يصح ان يقال ان رمية رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) كفا من الحصي على وجوه الاعداء تعدل عبادة الثقلين وامير المؤمنين من الثقلين وينبئك على ما ذكرنا نسبة الله بتلك الرمية الى نفسه الشريفة بقوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فتلك رمي الله واي نسبة بين فعل الله ( سبحانه خ ) وبين فعل الخلق وجميع الافعال من نوع واحد ونسبتها الى فعل غيره كنسبة فعل الله سبحانه الى فعل غيره ولا نسبة فلا يبلغ احد من الائمة والذرية عمل رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) ولكنه تعالى الحقهم به تفضلا وآتاهم ما لم يؤت احدا من العالمين اكراما لجدهم وذلك ظاهر ان شاء الله وقد صرح امير المؤمنين عليه السلام في خطبته عند ذكر الآل الى ان قال عليه السلام علاهم بتعليته وسما لهم ( بهم نسخة ع ٤٠ ب ) الى مرتبته فبالجملة لما ان الناظم ذكر لهم المدح الباذخ والفخر الشامخ بندائهم بيا آل المصطفى فاسترحمهم واستعطفهم فقال : وتكرموا وتفضلوا وتقبلوا يعني تنزهوا وتكرموا عن ابعادنا وتطريدنا كما هو شأنكم التكرم ولا تنظروا الينا بسوء اعمالنا ولا تعاملونا بافعالنا فان افعالنا قبيحة واعمالنا سيئة وآثارنا غير مليحة ولكن شأنكم الصفح والعفو والتكرم وعدم المقابلة بالاعمال السيئة اذا كان القلب مطابقا موافقا ومحتاجا ( محبا خ ) صادقا والاعمال ربما تغلب النفس الامارة ونقترف مساوي الافعال ونرتكب قبايح الاعمال لكنا مصدقين بفضلكم ومسلمين لكم ومسمين بكم فتكرموا يا سادتي وتنزهوا عن طردنا وابعادنا وتفضلوا بغير استحقاق فانا باعمالنا القبيحة لانستأهل منكم نظرا ولا عناية لانكم الطيبون الطاهرون ونحن يا سادتي مغشوشون مكدرون بكدورة الخطايا والذنوب متوسخون باوساخ المعاصي والعيوب ولكن القلوب مصدقة والصدور مؤمنة فتفضلوا فانا اهل وموضع فضل لان الله سبحانه يؤت كل ذي فضل فضله والفضل لا بد له من محل لايق وهو المرتضي دينه ونحن ذلك الذي اخترناكم ائمة وسادة وقادة فتفضلوا بنا واشرقوا علينا من فاضل انواركم لتغسلوا عنا تلك الاوساخ والدرن وتصرفوا عنا صروف الدهر والزمن ونطلب فضلكم ونرجو احسانكم وتقبلوا منا ما اتينا به اليكم من تلك الهدية الشريفة مع صفاء الاعتقاد وخلوص الوداد فانه غير عزيز منكم عن مثلنا كما قال الشاعر :
لا نبرح ( لا ابرح خ ) الباب حتى تصلحوا عوجيا وتقبلوني على عيبي ونقصاني
وقبولكم هو المأمول والتفاتكم هو المرجو المسؤل وقد سمع بعض العلماء العارفين عن بعض اهل البيت عليه ( عليهم خ ) السلام دعاء يدعو به في جوف الليل اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على محبتنا وولنا يوم القيمة حسابهم ولا تفضحهم بسيئاتهم ثقل موازينهم بفاضل حسناتنا الدعاء فهم معدن الجود والكرم وعين الاحسان في الامم لا يخيبون من جاءهم ولا يجبهون بالرد من اتيهم جعلنا الله من محبيهم ومواليهم والمرحومين بشفاعتهم والمحشورين في زمرتهم وتحت لوائهم انك على كل شيء قدير
وصل - لما بلغ الناظم بلغه الله امنيته واوصله بغية المراد من ذكر القصيدة الشريفة ونال المقصود بذكر هذه الخريدة المنيفة ختم الكلام بالصلوة عليهم فانه مفتاح كل خير وقد روي عن النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) انه قال من صلى على مرة صلى الله عليه عشرا وفي رواية من صلى على محمد وآله مرة صلى الله عليه في الف صف من الملئكة كل صف ما بين المشرق والمغرب فاراد سلمه الله ان يختم الكلام في قصيدته الغراء وفريدته النوراء الذي جمع فيه بدايع المعاني وضمن فيها جوامع المعاني والمباني بالصلوة على محمد وآله ليكون ختامه مسكا فقال ختم الله له بالحسنى ومهد له اسباب الخير في الدنيا والعقبى :
صلى الاله عليكم ما رنحت ريح الصبا غصنا وغرد بلبل
اقول : الصلوة قالوا انها اذا استعملت في الله تكون بمعنى الرحمة واذا استعملت في الملئكة تكون بمعنى الاستغفار واذا استعملت في المؤمنين تكون بمعنى الدعاء اي دعاء مخصوص فالصلوة عندهم لفظ مشترك بين ثلثة معان اشتراكا لفظيا وقوله تعالى ان الله وملئكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعدوا هذه الآية من المواضع التي استعمل اللفظ المشترك في اكثر من معناه استعمالا واحدا هذا قولهم واقول الصلوة اما مشتقة من الصلة او من الوصل او من الصلوان فان كانت مشتقة من الصلة فمعناه اعطاكم الله وحباكم ومنحكم واكرمكم من عطائه وحبائه وفضله وكرمه ما يغبطه الاولون والآخرون وآتيكم الفضيلة والوسيلة والمنزلة الرفيعة والشرف الباذخ والعلو الشامخ ما لم يؤت احدا من العالمين بحيث طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم وبكم يسلك الى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن وان كان الاشتقاق عن الوصل فمعناه وصلكم الله به بحيث يجعل حكمكم حكمه وامركم امره وقولكم قوله ورضاكم رضاه وسخطكم سخطه وطاعتكم طاعته ومحبتكم محبته وعداوتكم عداوته وبيعتكم بيعته وقد قال تعالى الذين يبايعونك انما يبايعون الله وقال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال ابو عبد الله جعفر بن محمد ان الله لا يأسف كاسفنا لكنه خلق لنفسه اولياء جعل اسفهم اسفه ورضاهم رضاه وسخطهم سخطه فاذا اسفوا ينسب اسفهم الى نفسه فهو قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم انتهى وكذلك يجعل بيتهم بيته وروحهم روحه وانفسهم نفسه ومشيتهم مشيته وارادتهم ارادته وعلمهم علمه قال تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وقال تعالى ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وفي دعاء السحر اللهم اني اسألك من علمك بانفذه وكل علمك نافذ ولا ريب ان ذات الله ليست مختلفة حتى يوصف بالنافذية والانفذية فيكون فيه التعدد حتى يدخل عليها كل سور الموجبة الكلية وبالجملة فوصلهم الله الى نفسه وقال في عيسى انه روح الله وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلام السلام عليك يا نفس الله القائمة فيه بالسنن واذا جعلت الصلوة مشتقة من الوصل يكون فيه ظهور معنى قوله في دعاء كل يوم من رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك وقول النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ ) الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد واذا جعلت الصلوة مشتقة من الصلوان ومنه المصلي والمجلي في فرس الرهان فالمصلي هو الذي رأسه عند ورك الآخر فمعناها جعل الله طاعتكم مقرونة بطاعته ومعصيتكم كمعصيته وامركم كامره وهذا غير الوصل ومنه الحديث ان الله تعالى قال اني اثيب من اطاع النبي وان عصاني واني اعذب من عصى النبي وان اطاعني فامرهم تابع لامر الله ونهيهم تابع لنهيه وطاعتهم تابعة لطاعه الله ومعصيتهم تابعة لمعصية الله وفي كل الاحوال فالمراد بالصلوة عليهم طلب ظهور الحق سبحانه فيهم اما بالمتابعة او بالاتصال او بالعطية والاعطاء والاكرام وفي كل ذلك بركة لاهل محبتهم وولايتهم وطاعتهم
تحقيق - اعلم ان العلماء اختلفوا في ان الصلوة على النبي هل يكون سببا لزيادة في رتبته ام لا فبعضهم قال بالاول لانها دعاء وهو اذا لم يستجب فلا فائدة في ذلك ويكون هذا التأكيد الاكيد والحث البليغ في الصلوة عليه وآله عبثا وهو غير معقول وبعضهم قال بالثاني لان الله سبحانه اعطاه فوق ما يتحمله ممكن فلا محل للزيادة والقول الاول اوجه من جهة اللفظ والصورة وان كان في الحقيقة غير موجه والقول الثاني لا وجه له لفظا ولا معنى ولا حقيقة بل هو من فضول المقال واسخف الاقوال وقولهم ان الفائدة ترجع الينا فذلك خارج عن حقيقة اللغة لان الصلوة دعاء وطلب لشخص كيف يتناول غيره كأن تقول اعط زيدا فانه لا يتناول العطاء لعمرو فان كان من جهة التعبد فذلك لا يكون الا لامر واقعي ذاتي حقيقي وما قالوا ان الامر الفلاني تعبدي ان ارادوا بان افهامنا لا تدركه فله وجه وان ارادوا انه لا حكمة له في الخارج اصلا فهو محض مجازفة فذلك ينافي حكمة الحكيم القادر العليم والاعيان الثابتة عند الاعيان من العلماء العارفين والعرفاء المحققين قد قطع عذر كل متعذر وابطل حجة كل محتج ولسنا الآن بصدد بيان هذه المسألة وانا اقول الذي يقول ان الصلوة يكون سببا لزيادة في مقامهم ومرتبتهم في ذاتهم وحقيقتهم وهويتهم فقد اتى بالكلام الباطل المجتث الزايل لان الخلق ما سوى الحقيقة المحمدية اذا كانوا من اشعة انوارها ومن عكوسات آثارها فاي تأثير للشعاع في المنير وقد بينا ان الشعاع لا ذكر له في حقيقة المنير بحال من الاحوال اذ لا ريب ان التعينات المتأخرة بالذات لا ذكر لها عند التعين الاول فلا تأثير ولا يكون صلوتهم سببا لزيادة مرتبته و( في نسخة ١٣٠٥ م ) مقام ذات الحقيقة المحمدية والذي يقول ان الصلوة لا تؤثر اصلا فقد افرط في المقال ايضا نعم انما تؤثر الصلوة في زيادة شوكتهم وسلطانهم ونورهم والشوكة والسلطان في مقام الادنى دون مقام الذات الا ترى ان شوكة الشجر تزيد بالورق مع ان الورق يستمد منها ويأخذ عنها وشوكة الشمس تزيد اذا اشرقت على مرايا صافية او بلورة صافية ويعظم ظهورها ويزداد نورها وسلطانها مع ان الشعاع لا تأثير له في مقام ذات الشمس فالذي ينكر الفرق الواضح بين ظهور الشمس من حيث هي ( وخ ) بين ظهورها في المرايا الصافية في الزيادة فقد كابر وجدانه وانكر حسه فظهر لك ان الصلوة تزيد في مقامهم الظاهر لغيرهم من عظمتهم وشوكتهم وسلطانهم وعزتهم الظاهرة لغيرهم في مقام الظهور لا ذاتهم من حيث انفسها الغير الظاهرة لغيرهم فانها مستغنية الا عن الله ولا تترقى ولا تزداد الا باعمالهم الذاتية من انحاء التوجهات من الذاتية ( الحقيقية خ ) من التوحيد ومشاهدة الاسماء والصفات وظهور التجليات وساير الحالات الذاتية الحقيقية فالترقي بالعمل الذاتي لا بالظهور الغيري فان ذلك حظ الغير وهو معنى قوله عليه السلام ان الذكر ليس قولا باللسان ولا اخطارا بالبال فان الاول للذاكر والثاني للمذكور ( فان اللسان وآثاره شأن من شؤنات صاحب اللسان ولا دخل للغير فيه والتصور والاخطار للمذكور خ ) من حيث هو مذكور لان التصور لا يكون الا بالتمييز والتحديد وهو مشخص المذكور عن غيره فالمذكور من حيث هو مذكور تحديد وهو لا يجوز على الله فالذكر اذن هو التوحيد الذاتي والاقبال السري الحقيقي الى جهة الله سبحانه بلا كيف ولا اشارة وهو العمل الذاتي والتجلي الحقيقي وما عدا ذلك فليس مما يوجب الترقي في عين الذات فان قلت ان العمل كيف يكون ذاتيا وهو اثر فعله ولا يكون ذلك الا بفعله والفعل ليس عين حقيقة الذات لانه حركة والذات منزهة عنها وقد قال امير المؤمنين روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء ان الفعل ما انبأ عن حركة المسمى فالفعل اذا كان حركة فكيف يجري في الذات وكيف يكون العمل ذاتيا قلت الفاعل اذا كان قديما فلا ريب ان فعله حادث غيره لما ذكرت بعينه واما اذا كان الفاعل حادثا فهو له فعلان فعل هو اثر لا دخل لذاته فيه وفعل هو قبول الوجود والكون من مبدئه وهو انوجد وانفعل حين تعلق الوجود والكون به وذلك الفعل لتمام ذاته وهو قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون والضمير الفاعل انت وهو المكون ولذا ترى الضمير في يكون راجعا الى الشيء ولذا قلنا ان المفعول هو فاعل فعل الفاعل وهو مقتضي الصيغة اللفظية والمعنى على طبقها وهذا مرادنا من الفعل الذاتي وهو عبارة عن التجلي وقبوله الذاتي هو المظهر والمحل والعين الثابت وللكل اصطلاح في التعبير والمعنى في الكل واحد وليس هذا المقام موضع استقصاء هذا المبحث وان كان من اصعب ما يرد على العلماء الاعلام فانه من مزال الاقدام وكم زلت للاعلام فيه اقدام نسئل الله العصمة والتوفيق فترقيات الحقيقة المحمدية صلى الله عليها من اعمالهم الذاتية ولما كان الممكن دائم الاحداث ودائم الاستمداد فالمدد في كل حال لازم والقبول متحتم فالحادث في كل حال مستمد ولا يكون ذلك الا بالعمل الذاتي اي بكن فيكون وهو قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فخطاب كن دائم الورود وقبول يكون دائم التحقق والى هذا المعنى نظر من قال بالحركة الجوهرية فكل عمل اذا كان من جهة الاقبال يزداد نورا وبهاء ويوجب زيادة في الذات والحقيقة فالممكن الحادث دائم الحركة والزيادة في ذاته اما متصاعدا الى ما لا نهاية له من ساوى يوماه فهو مغبون واما متنازلا الى ما لا يتناهى من كان يومه الاول احسن من الثاني فهو ملعون كما ورد في الحديث وهذا التصاعد والتنازل بكون المدد وهو يكون بالعمل وهو قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فالذي يقول ان الحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليها لا تترقى بعد وانما بلغت حدا لا تبلغ الزيادة فكلام شعري الا ان ينكر حدوثها ويقول انه الواجب القديم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا واذا كان خلقا حادثا وهو التعين الاول مقابلا للتجلي الاول فالحق دائم التجلي وهو دائم القبول وهذا معنى الزيادة لان كل تجلي يورث اشراقا زايدا يوجب صقالة المظهر فتوجب زيادة الظهور كما تشاهد في المرآة اذا اشرق عليها الشمس وتزيد في صقالة المرآة فالظهور دائما في الزيادة فلا وقوف للممكن بحال ابدا ولذا قلنا ان الجامد لا يوجد في الكون والامكان والاشياء كلها مشتقة والمبني لا وجود له اصلا والاشياء كلها معربة متغيرة بتغيير العوامل وورودها وعروض العوامل دائم التحقق والتغيير في كل الاحوال حاصل والظهور اي ظهور التغيير ثابت للذي فتح الله عين بصيرته ومن عليه بمعاينة الاشياء ومشاهدتها من قوله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) اللهم ارني الاشياء كما هي نعم قد يخفى على بعض المحجوبين المغلوب عليهم بالشهوات وملاحظة الانيات فيزعمون انه المبني او انه الجامد وقد قال تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء فالحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليها دائمة الترقي والزيادة في كل حين وآن وكل مكان وزمان وفي كل حال على كل حال وبكل طور ولكن زيادة مقامهم لا تظهر لما عداهم لقصور ما عديهم عن مشاهدة مقاماتهم الذاتية فالذي ظهر للناس وساير المخلوقات وجه واحد من وجوه سلطانهم والخلق يتفاوتون على حسب قوة مشاعرهم وضعفها في ظهور تلك الحقيقة الظاهرية لهم فمرة يريها مخفية ومرة يريها ظاهرة بظهور ضعيف ومرة يريها ظاهرة بظهور قوي فالذي يظهر للخلق يوم القيمة على منبر الوسيلة هو الذي كان ظاهرا في الدنيا الا ان الابصار الدنيوية ضعيفة مرمدة فلا تقوى على الابصار كما ينبغي فلما تقوت في الآخرة من قوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد والغفلة عن المشاهدة دليل وجود المشهود فالحالة التي تكون رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) في الآخرة وعلى منبر الوسيلة وفي الجنة في درجاتها ومقاماتها ومراتبها هي بعينها موجودة في الدنيا بلا تغيير الا ان الابصار قليلة الادراك والقوي عديمة الاحساس فلا يتوهمن متوهم ان تغييرات تلك الحالات وظهور تلك المقامات تجددت له (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) وقد تغير في الترقي اليها حاشا وكلا نعم هو يترقى في كل حال بكل طور الا ان ذلك التغيير وذلك الترقي لا يحس غيره وغير ما في مقامه (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) من خلفائه وامنائه واولاده فظهر لك مما بينا وتبين مما شرحنا ان الترقي والزيادة حاصلة لتلك الحقيقة المقدسة بزيادة اطوار التجلي واحوالها ولكن تلك الزيادات لا تحصل بصلوتنا عليه بل نحن وجميع ما لنا وبنا وفينا وعندنا وعلينا ولدينا من قد ومذ ومم كل ذلك معدوم الكون والعين عندهم فاي اثر لدعائنا لهم وصلوتنا ( صلواتنا خ ) عليهم نعم تلك الصلوات تزيد في شوكتهم وسلطانهم وتلك الزيادة باصلاح شأننا واعلاء مكاننا وترقى درجاتنا وارتفاع مقاماتنا وازالة الكدورات ولوازم الماهيات ودواعي الانيات عنا فاذا ارتفعت تلك الدواعي والمقتضيات وظهرت تلك التجليات والاشراقات فيحصل لنا قابلية حكاية نورهم وحفظ ما يظهر فينا من ظهورهم وتكون حالتنا عند ذلك كالبلورة الحافظة لنور الشمس واشراقها والحاملة لآثارها فتحرق ما يلاقيها ويصيبها فظهرت بذلك سلطان الشمس ومقاماتها في الاحراق فان من دون البلورة لم يكن ظاهرا واشرافها وظهور مثالها فلولا المرآة لم يكن ظاهرا وهذا معنى القول بان فائدة الصلوة ترجع الينا مع ان تلك هي الدعاء لهم كيف يستجاب في غيرهم فان استجابة ذلك الدعاء لا تكون الا باصلاح حالنا وتزكية نفوسنا وهو قوله عليه السلام في الزيارة وجعل صلواتنا عليكم وما خصصنا ( خصنا خ ) به من ولايتكم طيبا لخلقنا وطهارة لانفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا فاذا تبين ما ذكرنا لك فهمت ان الصلوة تزيد في درجاتهم وزيادة درجاتهم لا تكون الا بزيادة درجاتنا ففائدة الصلوة ترجع اليهم عند رجوعها الينا فالذي قال انهم لا يترقون في ذواتهم اخطأ وغلط والذي قال ان الصلوة عليهم مما عداهم تكون سببا لزيادة درجاتهم الذاتية الحقيقية اخطأ وغلط والذي قال ان فائدة الصلوة لا تكون سببا لزيادة درجاتهم مطلقا اخطأ وغلط والذي قال ان فائدة الصلوة ترجع اليهم مطلقا فقد اخطأ وغلط والذي قال ان فائدة الصلوة ترجع الى المصلي مطلقا اخطأ وغلط والحق الصواب الذي لا يداخله شك ولا ارتياب انهم عليهم السلام يترقون ويزدادون في ذواتهم وهوياتهم دائم الابد بلا انقطاع ابدا وليس لذلك الترقي سببا غير اعمالهم الذاتية على ما وصفنا وان هذه الصلوة لا تزيد في مقام ذاتياتهم ولا ينتفعون بها وانهم ينتفعون بها في مقام عرضياتهم من ظهور شوكتهم وسلطانهم وشدة ظهور نورهم وامرهم ولا يظهر هذا السلطان الا بتصفية قوابل اولئك المصلين ليظهر فيها اشراق انوار صاحب النبوة والولاية المطلقة فمن قال انهم ينتفعون بهذه الصلوة صدق ومن قال انهم لا ينتفعون صدق ومن قال ان الفائدة ترجع الى المصلين على ما بينا وفصلنا ( فصلنا صدق خ ) والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
رفع اشتباه - لعلك رأيت من اختلاف كلمتنا ( كلماتنا نسخة ١٣٠٥ م ) في ارجاع الضمير الى الحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليها فان في بعض المقامات يرجع الضمير اليها مفردا وفي بعضها جمعا وفي بعضها مذكرا وفي بعضها مؤنثا والحقيقة واحدة ولعلك تحمل هذه الاختلافات على قلة المعرفة في الرسوم الادبية والعلوم العربية والامر ليس كذلك فانا قد تعمدنا الامر في ذلك اقتداءا بالله سبحانه في كتابه في قوله تعالى مصدقا بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم ارجع الضمير الى الكلمة مذكرا وهي مؤنثة وقوله تعالى في الحديث القدسي خطابا لايوب اتشك في صورة انا اقمته ارجع الضمير الى الصورة وهي مؤنثة وهو مذكر وفي دعاء كل يوم من شهر رجب وبمقاماتك ( وعلاماتك خ ) التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء فافرد الضمير مرة وجمعه مرة اخرى وذكره مرة وانثه اخرى والمرجع واحد في الجميع ولهذا الاختلاف غايات وعلل لا يقتضي المقام ذكرها وبيانها فانه يطول بها الكلام وكذلك الحكم في الحقيقة المقدسة فانها بحسب ظاهر اللفظ مؤنثة فارجعنا الضمير اليها بحسب الظاهر من اللفظ وبحسب الحقيقة والواقع مذكر وهو الاصل وما عداه فرع وهو الحقيقة وما سواه مجاز وهو المقصود لذاته وما سواه مقصود بالعرض وقد خاطبه الله سبحانه بلسان الوحي في الحديث القدسي انت المراد وانت المريد وانت المحبوب وانت الحبيب خلقتك لاجلي وخلقت الخلق لاجلك وهو قوله تعالى في القرآن في التأويل والباطن واصطنعتك لنفسي اذهب انت واخوك بآياتي ولاتنيا في ذكري اذهبا الى فرعون انه طغى ولذا ارجعنا الضمير اليه مذكرا وهي في الظاهر اللفظي ( واحدة خ ) لكنها اثنان في مقام وثلثة في مقام واربعة في مقام وسبعة في مقام والمثني للجمع والتربيع في مقام فحكمها حكم اليد فانها واحدة في مقام وهو قوله تعالى يد الله فوق ايديهم وهي اثنان في مقام وهو قوله تعالى بل يداه مبسوطتان وهي ثلثة وما زادت في مقام وهو قوله تعالى والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون يعني خلقناها مستديرة لان المستديرة ( المستدير نسخة ١٣٠٥ م ) اوسع الاشكال فمن هذه الجهة صرنا في سعة في الاطلاق حيث شئنا لانهم رخصونا وقالوا نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وفي رواية اخرى اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا اذ كل كمال قد جمعوه وكل جمال قد حازوه وكل خير عملوه وكل علم احاطوا به مما تسعه عقولنا وافهامنا واحلامنا وما لم تسعه لانهم في مقام التعين الاول وكلما سواه تحته وفرعه ونوره وقشره ليس وراء الله وورائكم يا سادتي منتهى ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هذا ما يتعلق ببعض القول في الصلوة على اهل البيت
واما الاله فقد ذكر العلماء معانيه المتعددة في اللغة ووجه مناسبة اطلاقه على الله فلا يحتاج الى ذكرها وشرحها وبيانها لانا على العهد مقيم وعلى الصراط الحق مستقيم لا نذكر في الغالب ما ذكروا ولم نسطر ما ستروا الا اذا اردنا ان نفرع عليه امرا آخر لم يذكروا فنذكر مذكورهم ونسطر مسطورهم لنذكر عليه ما يتفرع عليه من تلك الفروع التي لم يذكروها ولم يسطروها ولذا اعرضنا عن ذكرها وواظبنا ( واجبنا نسخة ١٣٠٥ م ) ذكر ما لم يذكروا وهو ان الاله يراد به المعبود الحق سبحانه بكل معنى والمعبود يستلزم عابدا والعابد يجب ان يتوجه الى الواحد الظاهر بالتوحيد الذاتي والفعلي والاسمي فاصل الاسم فيه اللام والالف وهما حرف نفي يدل على نفي جميع الغير والسوي واثبات ان المعبود واحد ووجهه التوجه الى واحد وكل ما سواه باطل مضمحل ثم ان الالف المتحركة التي هي الهمزة في الاول تدل على مقام الاسماء والصفات واللام تدل على جهات العابد الظاهر فيها المعبود فالعابد لا يتوجه الى المعبود الا بجميع مراتبه التفصيلية وللمعبود الظهور فيها بحيث اضمحلت به كثراته وفنيت به مراتب شهوده والالف اللينية يدل على التوحيد الصرف ومحو الغير والهاء اشارة الى مراتبه وميادينه الحقة وقد مضى منا ما يصلح ان يكون شرحا وبيانا لهذه الاحرف على هذه الوجوه وقوله سلمه الله وابقاه وحرسه ووقاه : ما رنحت ريح الصبا غصنا هذا الكلام له ظاهر وباطن اما الظاهر فاعلم ان الريح شجر البحر والسحاب يثار من هذا الشجر كما قال امير المؤمنين عليه السلام وروحي له الفداء ( وبيانه خ ) ان بين الارض البارزة عن الماء والكرة الزمهريرية التي هي الطبقة الثالثة من طبقات الهواء كرة تسمى كرة البخار والهباء لان لطائف الماء والرطوبات التي في الارض تجذبها حرارة الشمس وحرارة النار فتتصاعد وتختلط بالهواء وهي المسمى بالبخار ولطائف الارض اذا لطفتها الحرارة والقت في هويتها مثاله ( مثالها خ ) تتلطف وتتنعم وتقبل الحرارة وتحفظها في غيبها فتشبه بحمل تلك الحرارة وتجففها ( بخفتها خ ) المبادي العالية فتصعد اليها وهي المسمى بالهباء وهي الذرات المبثوثة في الهواء المختلطة به الظاهرة باشراق الشمس عليها اذا كانت متصلة بحجاب اسود واجزاء ارضية اخرى اكثف من الاولى واغلظ منها قد سرت في باطنها اجزاء نارية صعدتها قوة النار لا خفة التراب وهي المسمى بالدخان وهذه اللطائف من الامور الثلثة المذكورة قد حصل لها نوع اتصال بالمبدأ فخفت وصعدت واختلطت بالاجزاء الهوائية فصارت طبقة الهواء باعتبار امتزاج الاجزاء بهذه الاجزاء طبقة اخرى وكرة اخرى تجري عليها احكام اخر وتلك الطبقة هي الحافظة لنور الشمس وحرارتها في الجملة وهذه الكرة تسمى بكرة البخار تغليبا والا فهي كرة مركبة من البخار والدخان والهباء ممتزجة ( ونسخة ١٣٠٥ م ) مع الامتزاج منفصلة وقطر هذه الكرة سبعة عشر فرسخا وثلث الفرسخ ويعلم منه مقدار المحيط لان القطر ثلث الدائرة وجزء من واحد وعشرين جزء تقريبا وهذه الكرة اختلفت كلمات اهل الشرع في التعبير فمن الروايات ما عبر عنها بالبحر وهو البحر الذي يأخذ السحاب منه الماء وهو بحر البخار لان السحاب انما ينعقد من هذا البحر لان الله سبحانه يأمر ملائكة من جنود جبرائيل يقسم البخار والهباء فالبخار يقسمه اربعة اربعة والهباء جزء جزء ثم يأمر ملائكة من جنود اسرافيل يمزج بين كل اربعة من البخار وجزء من الهباء بالمزج الاعتدالي حتى يحصل لها كيفية حمام مارية في التعفين والحل ثم يأمر ملائكة من جنود ميكائيل تسوق تلك الاجزاء تنعقدها ( فتعقدها نسخة ع ٤٠ ب ) سحابا ويرسل الماء الى المحل اللايق به ويظهر آثار رحمته فيه فتلك الكرة بحر لاختلاط اجزائه وعدم تمييزها وسيال وكل سيال كثير مجتمع الاجزاء غير مميزة يسمى في عرف اهل البيت بحرا ولذا ورد بحر النور بحر الظلمة بحر النار والابحر التي سبح فيها نور رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) قبل خلق العالم ومنها ما عبر عنها بالسماء وهي سماء المطر وهو انما ينزل من هذا البحر وبالجملة هو بحر قد خلقه الله سبحانه في الطبقة القريبة من الارض لانتفاع ساكنيها منها وهذا البحر بما فيه من الاجزاء ساكن كبحر الماء فاذا اصابت ناحية منها حرارة قوية بحيث تحفظ تلك الاجزاء من الحرارة في اعماقها فتتحرك الى جهة انبعاث تلك الحرارة قد تكون من الشمس وقد تكون من كواكب حارة اخر وقد تكون بقران كوكب ناري مع كوكب مائي وقد يكون بحلول كوكب ناري في برج ناري ولم يكن مانع آخر يوجب ضعفها فلا يترتب عليها تأثيرها فاذا سرت الحرارة في تلك الاجزاء تتحرك الى تلك الناحية وهذا المتحرك هو الريح فالذي يقولون ان الريح هي الهواء المتحرك يحمل على هذا المعنى الذي ذكرنا اذ ليست الريح هي الهواء المحض بل ذلك لا يمكن الآن لامتلاء هذه الطبقة من البخار والدخان والهباء وبهذه الاجزاء يغلظ الهواء ويمنع الاجزاء والاشياء الخفيفة كالريش الواحد او تبن اذا القيته من مكان عال عن النزول دفعة واحدة كالاشياء الثقيلة وليست العلة في ذلك نفس الهواء بل وجود تلك الاجزاء المانعة فاذا صفي محل بآلات معينة عن تلك الاجزاء الارضية والمائية المسماة بالبخار والدخان والهباء ويصفو ( الهباء يصفو خ ) الهواء فلا يمنع شيئا عن النزول خفيفا كان ام ثقيلا فاذا القيت ريشة او ذهبا من المكان المرتفع ينزلان معا سواء وليس لخلو المكان من الهواء بل من الغلظة شبهوا وموهوا على بعض الجهال بامكان الخلاء بان المكان يمكن ان يصفو من الهواء بالمرة فيلزم الخلاء واستدلوا على ذلك بما ذكرنا وذلك في الحقيقة تمويه وتلبيس لا غير فان المانع يمنع ان يكون هو الهواء المحض ليلزم ما ذكروا وبعد المانع ما ذكرنا من الاجزاء بل هو المانع حقيقة وهي التي تغلظ والثقيل يحرقها ( يخرقها خ ) لما فيه من القوة النازلة لقوة الاجزاء المايلة الى مركز الثقل بخلاف الخفيف وذلك معلوم واضح فاذا حلت الحرارة في تلك الاجزاء وتحركت الى ناحية الحرارة وهي التي قد انبعثت منها تسمى تلك الريح باسم تلك الناحية ولذا اختلفت امزجتها بالحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة مع ان الريح لو كانت هي الهواء كان مزاجها حارا رطبا لا غير كما هو طبع الماء مع ان الطبايع الاربع موجودة فيها كما نذكره ان شاء الله تعالى فصح ان الريح هي الهواء المختلط لا الهواء المحض وهي التي توصف بالطبايع المختلفة ثم ان الله سبحانه خلق ملائكة هي حملة الرياح وسايقوها الى المواضع التي يريد الله سبحانه عمارتها او خرابها احيائها او اهلاكها يأمر الملائكة الموكلين برياح تلك الناحية التي فيها ذلك الموضع فترسل اليه وهو قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح فتجري ( فيجري خ ) قدر الله سبحانه وقضاؤه فيه ولما كانت الجهات اربعة كانت رؤساء الملائكة الموكلين بهذه الرياح اربعا :
فالاول الصبا وهو اسم ملك رئيس سلطان على الهواء التي تهب ما بين مطلع الشمس الى الجدي وهذا الملك مقره الركن اليماني ويستمد من ميكائيل من روح القدس وهو الحامل للركن الاعلى من العرش وهو النور الابيض وطبعه بارد رطب منه الروح والريحان والقوة والنشاط للانسان ولذا قال النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله وسلم خ) نصرت بالصبا وهلكت عاد بالدبور
والثاني الشمال وهو اسم ملك رئيس سلطان على الريح التي تهب من الجدي الى المغرب وهذا الملك مقره الركن ويستمد من عزرائيل ويستمد عزرائيل من الروح على ملائكة الحجب والنفس التي لا يعلم ما فيها عيسى وهي النفس التي قال تعالى ويحذركم الله نفسه وهذا الملك هو الحامل للركن الايسر الاعلى من العرش وهو النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة وطبعه بارد يابس منه تقوي القوة الماسكة وبها تتقوى الانسان وتحفظ
والثالث الدبور وهو اسم ملك رئيس سلطان على الريح التي تهب من سهيل الى المغرب وهذا الملك مقره الركن ويستمد من جبرائيل وهو يستمد من الروح على ملائكة الحجب غير الملك الاول وان اشتركا في الاسم وهو الحامل للركن الايسر الاسفل من العرش وهو النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وطبعه حار يابس ومنه يستمد القوة الجاذبة والقابضة ومنه الحرارة الغريزية ومبدؤها وقوتها
والرابع الجنوب وهو اسم ملك رئيس سلطان على الريح التي تهب من مطلع الشمس الى سهيل وهذه ( هذا نسخة ع ٤٠ ب ) الملك مقره الركن ويستمد من اسرافيل وهو يستمد من الروح من امر الله وهو الحامل للركن الايمن الاسفل من العرش وهو النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة وطبعه حار رطب ومنه تستمد القوة الهاضمة او القوة المحللة ومنه التحليل والتعفين والتحليل وجعل الغذاء شبيها لجزء البدن وهؤلاء الملائكة الاربعة اي الصبا والدبور والشمال والجنوب مقره ركن من اركان الكعبة وكل ركن تهب ( مهب خ ) ريح من هذه الرياح الاربعة وقد روي عن طريق اهل البيت ان اصل هذه الرياح كلها من جانب الركن اليماني ولذا يتحرك هذا الجانب دائما والظاهر انه روحي له الفداء وعليه آلاف التحية والثناء من هذا الكلام اراد امرا معنويا باطنيا واما الظاهر فاني ما تتبعت كمال التتبع للركن اليماني حتى اجد الريح هناك دائما متحركة واتفحص عنها واحقق خبرها حتى يحصل لي العلم بذلك لاني رأيت هذا الحديث الشريف بعد تشرفي بمكة المشرفة زادها الله شرفا واعظاما لكن بحسب الباطن فلا محيص عن هذا الكلام لان الركن اليماني يريد منه يمين العرش كما ان الكعبة بازائه وعلى اليمين روح القدس وهو اصل الملائكة الذين هم اصل حملة اركان العرش ومبدئه وسر تلك الاركان وحملتها انما تنتهي اليه فجميع الآثار كلها لا تخلو من ظهور طبيعة من طبايع هذه الاركان فيه وانما خص الناظم رزقه الله من نفحات القدس واجلسه على سرير الانس الريح بالصبا لانها ريح العافية والسلامة واعتدال الطبيعة ومحل الاستقامة وان رسول الله (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) قد نصر كما قال (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) نصرت بالصبا وهلكت عاد بالدبور حيث كانت الصبا ناصرة لرسول الله (صلعم) كان لها الاعتدال والجلال والجمال والفخر والبهاء والنور والسناء والآلاء والنعماء
قوله سلمه الله تعالى : رنحت يعني اديرت الغصن لان الصبا اذا هبت الاغصان بها اعتدلت وتقوت واورقت وصار بها ( لها خ ) استعداد الثمرة وظهرت زينتها وبهجتها ولا يقال ان الصلوة منقطعة لانها ممتدة بمدة معينة وهي مقدار هبوب ريح الصبا وهو ريح الصبا ما دامت الدنيا موجودة فحصل بالصلوة على محمد وآله انقطاع ومن مثل الناظم الجاري على الفطرة المستقيمة والناظر الى الاشياء بعين المعرفة صاحب هذه القصيدة الغراء والفريدة النوراء التي عجزت عن الاتيان بمثلها السن الفصحاء وعقول البلغاء يستبعد ان يكون لدعائه غاية ولطلب الخير وجلبه الى مثل هؤلاء الطاهرين نهاية ما السر في ذلك وما النكتة فيها هنالك الجواب انه سلمه الله تعالى انما خص بالصبا لانها ريح السلامة والعافية والتربية وهي التي نصر رسول الله صلى الله عليه وآله بها فمراده بالصبا ما ينصر رسول الله (صلعم) من الرياح وهذه النصرة ثابتة في كل عالم في كل مقام من مبدأ الوجود الى اقصى غاياته وابعد نهاياته وهي دائمة المهب ابد الابد ودهر السرمد فلا غاية لمهبها بل كل ريح تهب بالنسبة اليهم ريح الصبا ان الله سبحانه ينصر رسله دائما قال تعالى انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد فهذه النصرة دائمة ثابتة ولا نهاية لذلك فافهم
واما باطن هذا الكلام فاعلم ان المراد بريح الصبا ريح تهب من مطلع شمس الازل الثاني اي شمس الوجود المطلق الى القطب الشمالي الذي هو الوجه الظاهر فالشمس عبارة عن صبح الازل في كلام امير المؤمنين عليه السلام نور اشرق من صبح الازل وهو وان كان صبحا الا انه بالنسبة الى ما عداه من المراتب والمقامات شمس فمطلع هذه الشمس عند النقطة التي هي الرحمة في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ثم تمتد الفا وهي النفس الرحماني الاولى وهي العماء التي فوقها هواء وتحتها هواء والغصن الذي ترنح هذه الريح اياه غصن شجرة الخلد وهي شجرة الوجود الراجح الفيض الاقدس محل الاعيان الثابتة وهو وان كان غصنا لكنه عين الشجرة وهي عين الغصن وهي النار في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فالنار هي الشجرة وهي الموقدة المستخرجة منها كما في قوله تعالى الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا وهي مظهرة الشجرة ومخرجها وموصلها فهي الشجرة وهي المتخذة منها وهي اصلها وهي فرعها وهي الشجرة وهي الغصن فريح الصبا مقام النفس الرحماني الاولى والغصن رتبة الحروف والشجرة هي الكلمة فلا يزال تلك الريح التي تهب من مطلع شمس النقطة الى القطب الذي هو النقطة وتحرك غصنا من شجرة الخلد الشجرة الالهية والشجرة الكلية التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ولا نهاية لهذا الهبوب ولا غاية لهذا التحريك وبتلك الحركة ظهر الوجود وكل شيء من الغيب والشهود فهي المتحركة والمحركة للاغصان من غير غاية ولا نهاية ولا بداية وصلوات الله ورحمته وبركاته على المعاني كلها مستمرة على تلك الحقيقة ما دامت تلك الريح ترنح اي تحرك ذاك الغصن اي حرف اول من تلك الحروف اي تمتد اول حقيقة من تلك الحقايق وتلك الحقيقة الاولية بالنسبة الى باقي الحروف قلب ومن هذه الجهة افرد الغصن او المراد بالغصن النوع اي الرتبة وهي الحروف كلها والهياكل التي هي الحقايق باسرها وهذا التحريك الجوهري والامداد الذاتي فهذا الغصن لا نهاية له ولا غاية فالصلوة بمعانيها كلها ثابتة لاهل البيت ولا غاية لها ولا نهاية والوجه الآخر ان المراد بريح الصبا الهواء الذي ورد عن النبي (صلعم) ( صلى الله عليه وآله خ ) انه اول ما خلق الله وهو اول الاثر الصادر من الفعل وهو المصدر والمفعول المطلق وهو وجه الفعل الى المفعول وباب المدد وهو حار لنسبته الى الفعل الذي هو النار ورطب لارتباطه الى المفعول وهو الريح التي تهب من مطلع شمس الفعل الى الجدي منتهى المحور وهو آخر رتبة التعلق بالمفعول وهذه الريح دائمة الهبوب لعدم انقطاع الفيض والغصن الذي ترنحه وتحركه هو الغصن حمل الباكورة في جنان الصاقورة التي ذاق روح القدس وهو خلق اعظم من جبرئيل وميكائيل تلك الباكورة وذلك الغصن اول غصن اخذ من الشجرة الخلد كما قاله مولينا وسيدنا ( ابو عبد الله خ ) جعفر بن محمد الصادق روحي لهما الفداء وعليهما وعلى آبائهما وابنائهما آلاف الف تحية وسلام من الملك الخالق ان القلم هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد ه وهذه الشجرة غير ( عين خ ) شجرة الخلد التي ذكرناها في الوجه الاول لان الشجرة الاولى شجرة الوجود الراجح وهي الخلد وهي التي لا يعتريها الدثور والوبار لرجحان وجودها لكونها الفيض الاقدس والنور المقدس غير مشوبة بشيء من شرايط الوجود المقيد من لوازم الانيات والحدود وساير مراتب الماهيات ويقبح التعطيل لا سيما على الحكيم بل يستحيل ولذا قيل انها شجرة الخلد واما شجرة الخلد في الوجه الثاني فانها شجرة الوجود المقيد شجرة الكون وروح القدس يراد به العقل الكلي العقل الاول وهو اول غصن اخذ منها واول مراتبها وافرادها وحدودها والباكورة اول الثمرة ولا ريب ان العقل اول من لبس حلة الكون والوجود وبرز من مقام اللاتعين الى مقام التعين والشهود فهو اول ذائق الباكورة في جنان الصاقورة اي الجنان التي سقفها عرش الرحمن فريح الصبا عبارة عن الهواء الذي هو اول ما خلق الله مقام المحبة وسر المودة وعالم فاحببت ان اعرف وهي البرزخية الكبرى وحاملة الفيض والمدد وهي لا تزال ترنح اي تحرك ذلك الغصن اول الاغصان النابتة من شجرة الخلد فالفيض دائم الورود والعقل دائم الاستفاضة فهو غصن لم يزل يتحرك بتلك الريح وهي المشار اليها في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته فافهم الاشارة بلطيف العبارة والبلبل المغرد على هذا الغصن هو الروح الملكوتية اللاهوتية الآية الكبرى اللسان القائل اني انا الله فلم يزل يغرد بلحن لا كيف له ولا اشارة بقوله تعالى قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وعلى الغصن الاول حامل الاسم الاعظم الاعظم الاعظم والذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى فيغرد بالذكر الجلي الذي هو الخفي الذي هو الاخفى بلا كيف ولا اشارة يا هو يا من لا هو الا هو
والى هنا نختم الكلام ليكون ختامه مسكا وهذا آخر ما اردنا ايراده في هذا الشرح وكم من عجائب كتمتها وغرائب سترتها ولو اذن لنا بالبيان لاريتكم من الاسرار المستودعة في كينونة الانسان من عجائب المطالب وغرائب المقاصد والمآرب وفيما ذكرنا كفاية لاولي الالباب
*******************
وقد فرغ من تسويدها مؤلفها ومنشيها عصر يوم الاربعاء في شهر جمادي الاولى من شهور سنة ١٢٥٨ حامدا مصليا مستغفرا