دليل المتحيرين (في الشكاية عن تحير العوام باختلاف العلماء...)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

دليل المتحرين

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد السابع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرشد من استرشده إلى سبيل الرشاد وأوصل من استهداه إلى أعلى الغاية وأقصى المراد وهدى المجاهدين فيه بواضح الدليل سبل الحق والسداد ودلهم بواضحات البراهين إلى الحقائق المستجنة في الفؤاد والصلوة والسلام على من أذهب بنوره غواسق الظلمات وكشف بهدايته وإرشاده غواشي الشكوك والشبهات وعلى آله الذين ظهرت بهم البراهين الواضحات والدلائل اللائحات وظهرت من أشعة أنوارهم الآيات البينات ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم ومنكري فضائلهم الذين أسسوا سبل التمويهات وأظهروا طرق التلبيسات ومالوا بالخلق عن الحق الصرف البحت البات

أما بعد فيقول العبد الجاني والأسير الفاني المقيد بوثائق الآمال والأماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي أن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله إلى الخلق على فترة من الرسل وأرشدهم إلى سبيله لئلا تتفرق بهم السبل فدعا الخلق إلى الكلمة الجامعة وهديهم إلى المحجة اللامعة فاجابته الفئة الزاكية والفرقة الناجية ملبين دعوة الداع مجتمعين على الاتباع متسعين نطاق الوفاق مضيقين خناق النفاق حتى اخضر لرياض الدين عود وقام للاسلام عمود ولم يشتت شملهم الاختلاف ولم يتناكروا في اصول معارفهم كأهل الخلاف وان اختلفوا في الفروع فهو من الحق واليه لا في الحق وعليه فهم في رياض القدس يرتعون ومن حياض الانس يكرعون ولم يزالوا فائزين بوافر النصيب من المعلي والرقيب محمودين لدي الملأ الاعلى ومحسودين لابناء الدنيا فهم وان كانوا بظاهر ابدانهم في زحمة ومحنة ولكنهم بباطن قلوبهم وصافي طوياتهم وحسن اعتقاداتهم في سرور وراحة لم يزعزعهم هجوم الحادثات ولم يزلزل اركانهم وقوع فوادح البليات فهم في امن وامان وهيمنة وسلطان مكلوئين بحفظ الله محروسين بعين الله فهم على ارائك الوفاق متكئون اخوان على سرر متقابلون إلى ان دخلت عليهم وشاة الليالي والايام واصيبوا بسهام عيون حواسد الانام واصغوا إلى شبهات اهل الباطل فمكنوا من قلوبهم مزخرف كل غبي جاهل إلى ان ظهرت المناسبة الشيطانية وبانت المرابطة الابليسية فوسوس في صدورهم الخناس الذي يوسوس في صدور الناس واصبحوا كساير الفرق مختلفة وجماعاتهم على الشتات مؤتلفة فدعوا الرفاق بدعائهم النفاق وصغوا إلى كل ناطق واباحوا السمع إلى كل ناعق فاتسع خرقهم وضاق ذرعهم فتفرقت كلمتهم وبانت بينونتهم وصاروا فرقا مختلفين واحزابا متشتتين مجتمعة ابدانهم متفرقة قلوبهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يعقلون وفرقوا بين الآباء والاولاد والرجال والنساء والاخوة والاخوات والاجداد والجدات وكل يميل إلى فريق وكل ذاهب إلى طريق يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرء منهم شأن يغنيه وبعض من سبقت له من الله العناية وسيقت إليه الهداية تنبه لهذه الفتنة العمياء واستشعر لوقوع هذه الداهية الدهماء والبلية الصماء على هذه الفرقة الذين مبناهم على الاستقامة والثبات وعدم التفرق والشتات فازدادت حيرته وحسرت بصيرته للعلم بان المختلفين ليس كلهم على الحق لامتناع اجتماع الضدين وتوافق الفرقتين المتبائنتين وعدم التمييز من البين والكل يدعي أنه الحق وعنده الصدق وليس الحق إلا واحدا ( واحد خ‌ل ) فالتبس عليه الامر وضاق لذلك منه الصدر فسأل سؤال المستوضح الطالب وطلب طلب المسترشد الراغب واخذ في الاستفسار والاستخبار عن هذا الامر العظيم والاستبصار بتهذيب مسالك هذا الطريق القويم فسأل سؤالا وكتب كتبا بمضمون واحد ومطلب غير متعدد إلى اناس من العلماء واراد منهم الارشاد إلى طريق الصواب والسداد وتمييز اهل الحق من اهل العناد والترجيح بين المحق ومن امره إلى فساد وهذه صورة مكتوبه :

بسم الله العالم بحقايق اموره والكاشف لدقايق رموزه  والهادي إلى سبيله وصلى الله على خير خلقه محمد وآله اما بعد فبعد حصول العلم والتعمق للعبد الذليل العاجز المسكين بوجود الصانع وتيقن وجوب طاعة العبد لربه ولزوم الدخول في العبادة كما هو المقصود والمراد من رب العباد وبداهة ان دخوله ليس بممكن الا عن منهجه الواضح اللائح وهو الطريقة المحمدية والشريعة المصطفوية السرمدية على الصادع بها آلاف الثناء والتحية وتحقق ان ذلك لا يمكن الا حال وجوده صلى الله عليه وآله او وصيه وخليفته من بعده وعند غيبتهم صلوات الله عليهم فالرجوع إلى امناء الدين والعلماء الراشدين السالكين طريقة سيد المرسلين عليه سلام الله ابد الآبدين والمريدين تحقيق مراتب الحق واليقين كثر الله امثالهم اجمعين ورفع قدرهم في اعلى عليين وحشرهم مع الائمة الطاهرين فعلى ذلك لما آل امر العبد الجاهل المسكين بالرجوع إلى تلك الفحول المدققة والبحور المموجة وانحصر اموره إلى تقليدهم واخذ المسائل منهم لئلا يقع بتركه في منهج الهلاك ولعل يفوز بالاتيان بفعله بعد اخذ القول منهم بالفيوضات الربانية والعطايا السبحانية وذلك ينبغي ان يكون مشروطا باتحاد العلماء في اللسان والجنان لا الاعتقاد بان يكونوا كلهم متفقين بالفتاوى بل المقصود من اتحادهم ان لا ينسبوا بعضهم بعضا إلى القبايح والشنايع وان لا يأمروا المقلدين باظهار البدع والفضايح فاذا كان كذلك لا يبقى للعبد المكلف اعتقاد ولا يعتمد بوجوب العبادات والاعمال لعدم امكان العمل بها لخفاء الحق وعدم ظهور الشريعة الطاهرة لانه يرى العلماء مختلفين في الاقوال والافعال والاوصاف منهم من سمى نفسه اصوليا ومنهم من قال اني اخباري فالاصولي لا يعتمد على الاخباري والاخباري لا يعتقد بالاصولي وهكذا يتصور العبد الجاهل العاجز ان البلدة الطاهرة الموسومة بكربلاء مدفن سيد الشهداء حاوية خصوصيات الشرافة والكمالات كما هو المعروف وكذلك النجف الاشرف عليه التحية والشرف وهما بلدان معدنان لاهل العلم والايمان ومرجعان لاهل الاسلام فيرى في علمائهم من سمى نفسه شيخيا او كشفيا ومنهم من قال اني بالاسري فالظاهر منهما الاسلام والناشي من كليهما التقوى والصلاح حسب ما قرره لنا سيد الانام عليه وآله الصلوة والسلام كلاهما معترفان بالضرورات الملية ومعتقدان للفرائض اليومية والليلية وكذلك بسائر العبادات مما هو مقرب إلى طرق ارتفاع الدرجات فكثر بينهم القيل والقال والمنازعات والجدال ففي هذه الصورة ما تكليف العبد العاجز هل يسقط عنه التكليف حين تحيره او التكليف ثابت في رقبته او هو المختار يختار ايهما شاء ويقبل قول كل من اراد اما القول بسقوط التكليف عنه فغير ممكن قطعا عقلا والتكليف ثابت بالنسبة إليه يقينا واما القول بقبول قول من اراد فلا يمكن لاستلزام الترجيح من دون المرجح وهو باطل أيضا فالذي يخطر ببالكم الشريف بينوا لنا وافتونا بذلك لازلتم مأجورين والدعاء بمحمد سيد الانبياء وآله الطيبين الطاهرين المعصومين

انتهى مكتوبه بالفاظه بلغه الله مأموله من الهداية إلى سواء الطريق واذاقه من رحيق التحقيق وقد بعث هذه الرسالة الى اناس زعم اني واحد منهم واراد الجواب على النهج الصواب بما يزول به الشك والارتياب ويميز بين الماء المعين والسراب ويكون بالبرهان الواضح والدليل الظاهر وبين جهات الترجيح في مقام التزييف والتصديق ليفوز المحق بالنعيم الخالد وتحق على المبطل كلمة العذاب فلما وصل اليهم الكتاب فبعضهم ضرب صفحا عن الجواب ولم‌ ينطق بكلمة واحدة مع ان تأخير البيان عن وقت الحاجة حرام واي حاجة اعظم من ارشاد المسترشد وايضاح الامر للمتحير المتنكد الذي لا يعرف لمن يرجع إليه ومن يعتمد عليه ومن يسكن عنده ومن يثق بقوله مع الاختلاف الشديد وطعن بعضهما على بعض وتكذيب بعضهم بعضا وليس للعامي سبيل الا الاخذ من واحد منهم وهذه المسئلة وان لم تكن تقليدية لكن البيان والتفسير والتوضيح مما يوجب العلم والقطع بحقية شيء وبطلانه ولذا كثرت الاسؤلة من الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين في المعارف الاصولية والعقايد الدينية التي لا يجوز فيها التقليد بل يجب التحقيق بما يرشد إليه عقله وما يدل عليه رشده ومع ذلك كله لم ‌يَجْبَهْ ائمتنا عليهم السلام احدا من  السائلين بالرد ولم‌ يقولوا لهم ان مثل هذه مسائل لا يقع فيها الفتوى ومن هذه الجهة كثرت الكتب والمصنفات في علم التوحيد والمعارف الالهية والحقايق الربانية وبالجملة فالذي يدعي انه نايب الامام وانه رئيس الاسلام وانه المرجع في الحل والعقد والنقض والابرام لا يجوز له السكوت فيما يجب فيه الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام

وبعضهم تكلم وليته لم‌ يتكلم ولم ‌يجر قلمه ولم ‌ينقش رقمه ولا طاوعه المداد ولم ‌يبرز مستكنات الفؤاد فانه ببيانه قد قوى مذهب اهل العناد وتكلم بما يوجب بطلان هذا المذهب ويورث الفساد لقد اعان المخالف على مذهب الحق واضعف حجج المستمسكين بالحق والصدق قد وسع الخرق على الراقع واتى بما هو يخالف الواقع وسنذكر في خاتمة كلامنا كلامه ونشير الى ما فيه من الفضايح والشنايع وان كانت لظهورها في كلماته تغني عن البيان ولا تحوج إلى التذكار والتبيان ولما كان لكل سؤال جواب ووجب ارشاد المسترشد وهداية المتحير المستوضح وامتثال امر الله سبحانه باظهار الحق وازهاق الباطل والحذر عن مخالفة الله والتجنب عما يوجب سخط الله في قوله تعالى الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقال الباقر عليه السلام نحن اللاعنون ويجب التجنب عما فيه سخط رسول الله صلى الله عليه وآله فانه قال اذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه ومن لم‌ يفعل فعليه لعنة الله وحيث كان الامر كذلك وجب علينا جواب هذا السؤال بواضح البيان لتكون حجة على من عتى وانكر وبيانا لمن استوضح واسترشد ونورا ورشدا لمن آمن واستبصر والا لكنت في شغل عن بيان هذه المطالب وذكر هذه الاحوال وكنت كما قال امير المؤمنين عليه السلام في آخر الخطبة الشقشقية فوالله لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز

فاقول واثقا بالله الملك العلام وجاعلا نفسي غرضا لطعن سهام اغاليط الاوهام غير مبال بانكار من انكر وتكذيب من كذب واستكبر وممتثلا لقوله تعالى فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين ان مراد السائل سلمه الله وابقاه من رسم هذه المقدمات تحقيق المسئلة الاخيرة والكشف عن الفرقة المتلوة من قوله سلمه الله تعالى ومنهم من سمى نفسه شيخيا او كشفيا ومنهم من قال اني بالاسري فان في زماننا هذا هذا الاختلاف صار فتنة عمياء وداهية كبرى قد عمت البلاد والعباد وشملت على قلوب الناس من الطغام والاوغاد وسرت الشكوك في قلوبهم وضيقت الشبهات صدورهم وفرقت بين الاحبة وخالفت بين اصحاب المودة من اهل العراقين والترك والهند والسند والروس واهل ما وراء النهر في اقل زمان فهم بين متحير وبين موافق وبين منافق وبين متجاهر بموافقة احد الطرفين ونصرة احد الفريقين فهي ولعمري بلية عمت ونكبة خصت هذه الفرقة المحقة بعد ما كانت في الظهور وسطوع النور كالشمس المشرقة والنجوم المزهرة وكانت لاهلها قلوب كزبر الحديد والآن قد اختلفت كلمتهم وصار شملهم عباديد طالت عليهم السنة التشنيع من كل فرقة بعد ما كانوا يشنعون بالاختلاف وعدم الائتلاف على كل طائفة ويستدلون بذلك على بطلان ما في ايدي المخالفين وحقية ما بايديهم مستدلين بقوله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا والآن انقلبت القضية وعكست النتيجة ويشنع المخالف عليهم بعين ما كانوا يشنعون عليهم حتى ان بعض رؤساء المخالفين واساطينهم واعمدتهم في الرياستين لما سمع اختلاف هذه الفرقة وتناكرها وتباغضها وطعن بعضها على بعض وعدم تسليم كل منها للآخر قرء مستشهدا مستهزء متهكما بقوله تعالى قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب آه آه يا لها من حسرة لا تنقضي وزفرة لا تنتهي واسف لا ينقطع يشمت العدو ويتشفى المخالف بعد ما كانوا عليهم غيظا ولقد صدق عليهم ابليس ظنه ونال الملعون فيهم مراده وانتجت له المقدمات التي كان قد رتبتها بجنوده وما ابقى هذه النعمة دائمة واركز حسكة الحسد في قلوب اهل هذه الفرقة وخدش بها خواطرهم الصافية حتى افسدها واشتفي به وظهر تأويل ما قاله امير المؤمنين عليه السلام في حديث ام‌ أيمن المروي بطوله في البحار والعوالم وبالجملة هذه فتنة عظيمة وبلية وخيمة قد عمت هذه الفرقة وأين هذه من مسئلة الأصولية والإخبارية فإن اختلافهما لا يوجب كفرا ولا فسقا وإنما هما من قبيل قوله عليه السلام نحن أوقعنا الخلاف بينكم فراعيكم الذي استرعيه الله أمر غنمه أعلم بمصالح غنمه إن شاء فرق بينها لتسلم وإن شاء جمع بينها لتسلم وهذه الفتنة فتنة توجب الكفر والنفاق ووسمت هذه الفرقة المحقة بالشقاق واشتهر ذلك في جميع الآفاق ولعمري إنه يجب على كل مؤمن له حاجة إلى حفظ هذا الدين أن يبذل مجهوده في دفع هذه الفتنة وإطفاء هذه النائرة واطمينان النفس واسكانها عن هذه الزلزلة والولولة الا وان النفوس قد كاعت يجب اطمينانها والقلوب ارتاعت فيجب اسكانها والضمائر قد تعدت فيجب ردها والكينونات قد خرجت عن الاعتدال فيجب تعديلها والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع انه لقول فصل وما هو بالهزل وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم كيف وقد ابيح بهذا الاختلاف هتك الاعراض وقتل النفوس وشيوع الشحناء والبغضاء بين هذه الفرقة الناجية والفئة الزاكية والتجاهر بالغيبة والبهتان واشاعة الكذب والزور في البلدان وهل يكون فساد اعظم من هذا وثلمة في الدين اكثر مما وقعت وبدعة اعظم مما حصلت وبالجملة فالامر عظيم والخطب جسيم فيجب على كل من له قدرة رفعها بالبيان وازالتها بالمرة بالبرهان ودفع شكوكها وشبهاتها عن قلوب اهل الايمان واتمام الحجة على اهل الفسوق والعصيان ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الله الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم وحيث تأيد ما ذكرناه بالسؤال من هذا المستوضح المسترشد المتحير وجب علينا الجواب الصواب بما يكشف عن وجه الحقيقة النقاب

فاقول قوله سلمه الله تعالى فمنهم من سمى نفسه شيخيا او كشفيا فالمراد بالشيخي والكشفي اصحاب الشيخ الاعظم والعماد الاقوم والنور الاتم والجامع الاعم عز الاسلام والمسلمين ركن المؤمنين الممتحنين آية الله في العالمين المبطل لمخترعات الصوفيين والمزيف لاغاليط اوهام الحكماء الاولين المبين للطريقة الحقة التي اتى بها سيد المرسلين وخاتم النبيين صلواة الله عليه وآله الطاهرين والشارح لبعض مقامات الائمة الطاهرين مظهر الشريعة وشارح الطريقة بسر الحقيقة شيخنا وسنادنا وعمادنا الشيخ احمد بن زين ‌الدين الاحسائي أعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه والمنسوبون إلى هذا الجناب قطب الاقطاب ومرجع اولي الافئدة واولي الالباب هم المسمون بالكشفية لان الله سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم وابصارهم وانجلت ظلمة الريب والشك عن ضمائرهم واسرارهم وهم الذين كشفت عن ابصارهم الغشاوة وعن قلوبهم الزيغ والغباوة وهم الذين كشفت عن قلوبهم ظلمة الشكوك والشبهات وظهر النور الحق فيها بالدلائل الواضحات والبراهين اللائحات وهم الذين ليست قلوبهم في اكنة وقد كشف الله سبحانه عن بصيرتهم في الدين كل فتنة وهم الذين انار الله قلوبهم بنور الهداية وهم الذين فتح الله مسامعهم وابصار قلوبهم وسرائرهم بالمعرفة والتوحيد والتجريد ومعرفة النبي صلى الله عليه والائمة عليهم السلام الذين هم اركان التوحيد وهم الذين قد كشف الله عن اعين قلوبهم الغين وازال عنها الرين والمين فعرفوا الاشياء كما هي وما لم يعرفوها سلموا علمها إلى العالم بها واعترفوا بالعجز والقصور كما هو شأن اهل الامكان والاكوان والاعيان

وهذا الاسم اي الكشفية وان كان يصلح لغيرهم ممن هذا شأنهم من الذين قبل الشيخ والذين بعده الذين لم يأخذوا عنه الا انه قد غلب الاستعمال فيهم بمقابلة غيرهم كالامامية لان هذا الاسم للاثني‌ عشرية وان صح اطلاقه على كل من له امام وقد شهر هذا الاسم على هؤلاء الكرام اعداؤهم ومخالفوهم كما شهر اسم الروافض العامة لهذه الفرقة مع انه اسم سماهم الله سبحانه به في عالم الذر ويستعمل في الذين تركوا الباطل ورفضوه من سائر الملل وكذلك اسم الكشفية فانه أيضا في الحقيقة لهم ومن حذا حذوهم وسلك مسلكهم ممن تقدم عليهم او تأخر عنهم ولكن مقابليهم خصوه بهم مأولين اياه على تأويل قبيح بعيد من انهم يقولون انه قد كشف الغطاء عن قلوبهم فيرون العلوم والاحكام ولا يحتاجون إلى نبي ولا إلى وصي ولا إلى ولي ولا إلى عالم حاشاهم حاشاهم فانهم اشد اقرارا واعترافا من غيرهم بالله وبتوحيده وبانبياء الله ونبوتهم ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وولاية الائمة عليهم السلام من بعده وهم الذين اظهروا فضائلهم عليهم السلام ونشروا مناقبهم واظهروا بعض مقاماتهم بما قدروا عليه وبينوا ان الخلق محتاجون في كل الاحوال اليهم فاذا كان هذا شأنهم ودأبهم فكيف ينسب اليهم ذلك القول الشنيع والمذهب الفضيع ولولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين ولكنهم انما نسبوا اليهم هذا الاسم بما القى الله سبحانه على السنتهم ليكون لهم حجة بالغة على مقابليهم ومخالفيهم حتى يصدق عليهم جميع الآيات في القرآن المضادة لكشف الحق وهي قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله تعالى لقد كانت اعينهم في غطاء عن ذكر ربي وقوله تعالى لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد وقوله تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم وقوله تعالى لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وقوله تعالى فاذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا وهذه الآيات تصدق عليهم فهم الذين قلوبهم في اكنة فلا يفقهون ما اظهر الله سبحانه في الآيات البينات من فضائل الائمة وهم الذين اعين بصيرتهم في غطاء وهم الذين قد حجبوا عن مشاهدة المعارف الالهية والاسرار الربانية وبالجملة اني لا احب شرح هذه الاحوال وبسط المقال في تفصيل هذا الاجمال اذ ليس كلما يعلم يقال ولكني ارجو من الله ان سيوضح الحال ويظهر تفاصيل هذا الاجمال ولكل نبأ مستقر فسوف تعلمون ولكن المخالفين ارادوا بتشهير هذا الاسم اي الكشفية امرا قد قلب الله عليهم ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون والشيخية انما هي في هذه الازمان علم لهولاء الاعلام كالرافضة وتعيها اذن واعية

واما هذا الشيخ الجليل والعالم النبيل الذي يسمى المنتسبون إليه الكشفية والشيخية فهو الشيخ احمد بن الشيخ زين‌ الدين بن ابرهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر المطيرفي الاحسائي واحد العصر وفريد الدهر اخذ العلوم عن معدنها وغرفها عن منبعها اي الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وكان يصل اليهم في الرؤيا الصادقة والمنامات الصالحة ولا ريب ان الشيطان لا يتمثل بصورهم ولا يشبه نفسه بهم لقد رأى سيدنا ومولانا الحسن في المنام فجعل عليه السلام لسانه الشريف في فمه وامده من ريقه وكان احلى من العسل واطيب من المسك ولكنه فيه حرارة فلما انتبه واستيقظ تهيجت فيه نوائر الاقبال إلى الله والتوجه إلى عبادة الله والانقطاع إلى الله والاعراض عن كل ما سوى الله والتوكل على الله والاعتماد بالله وابتغاء سبيل مرضات الله بشوق وافر وحب متكاثر بحيث اشغلته عن الطعام والشراب فلا يأكل ولا يشرب الا ما يسد به الرمق وعن مخالطة الناس ومعاشرة الخلق لم يزل قلبه متوجها ولسانه ذاكرا دائم التفكر والتدبر في عالم الآفاق والانفس كثير النظر في عجائب حكمة الله وغرائب قدرة الله وعظيم التنبه للحكم والمصالح والاسرار المودعة في حقايق الاشياء وحيث اشغله ما ذكرناه عن الشراب والطعام والقرار والمنام ومعاشرة الانام وكان لا يستقر له قرار ولا يلتفت إلى نفسه لا بالليل ولا بالنهار ولم يزل يستمر به الحال إلى مدة سنتين إلى ان آل البدن إلى الاضمحلال والبنية إلى الانتقال ولم يتحمل الجسم لتلك الاعمال والعبادات وتكلف الامور الشاقة من ارتكاب الخيرات وتحصيل مزيد الحسنات إلى ان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في الرؤيا الصادقة فامده من ريقه الشريف وسقاه منه إلى ان ارتوى فكان الطعم والرائحة مثل الاول لكنه بارد فلما انتبه سكنت حرارة تلك النائرة وتوجهت إليه العناية فتعلم منهم العلوم والاسرار واشرق من افق قلبه مطالع الانوار وليست تلك العلوم بمحض الرؤيا بل اذا انتبه يجد دليله من الكتاب والسنة ومن بيانات الائمة وارشاداتهم للرعية ودلالة العقل السديد الذي هو لكل مقام حجة وكان يجمع بين ظواهر الادلة وبواطنها وبين قشورها وحقايقها واطلع على جوامع العلوم واحاط بكليات الرسوم بالتوجه إلى الحي القيوم ببركة الامام المعصوم وربما يختلج ببالك ان كل ما ذكرت دعوى بلا بينة وقول بلا حجة فانا نقول بينة هذه الدعوى من اظهر البينات وحجتها من اوضح الحجج الواضحات وها هو ان لم يكن في عالم الدنيا ولكن كتبه ومصنفاته بحمد الله موجودة وقد سئل أعلى الله مقامه عن اغلب العلوم بل كلها فاجاب عن الجميع ببيان واضح ودليل لايح ولم ينسب نفسه إلى التقليد من احد وتريه مستقلا في كل علم تكلم فيه كانه مؤسسه وبانيه ولم يوجد نحو ما ذكر من جهات الاستدلال في كتاب ولم يذكر في خطاب ولم يسطر في سؤال وجواب فاذا نظرت إليه واصغيت إلى كلامه بعين الانصاف مجانبا لجادة الجور والاعتساف تجده منطويا على الفطرة تقبله الطبيعة بصافي الطوية كانه سمع ذلك وعلم بما هنالك فهذه كتبه موجودة ومصنفاته مشهورة وسوق بيانه وكلامه معروف ونمط احتجاجه واستدلاله مكشوف ثم انه أعلى الله مقامه مضت عليه برهة من الزمان بالاحساء وكان متوحدا منفردا عن الناس مشتغلا بذكر الله ومعرضا عن كل ما سوى الله وكان في تلك البلدة قاطنا وللخلق مباينا حليف المسجد والمحراب معرضا عن جميع الاحباب والاصحاب حافظا للعهد والميثاق ناكبا عن سبل الفساق باذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا اليها بعين المستوحشين منها آماله عنها مكفوفة وهمته عن زينتها مصروفة والحاظه عن بهجتها مطروفة حتى اذا الجور مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعا الغي اتباعه وظهرت الفتنة الوهابية واستيلاء ابن ‌سعود في تلك الاطراف وتسلطه على اهالي هاتيك الاكناف اقتضى علمه بما ظهر له من الادلة والبراهين الخروج من تلك البلدة والانتقال عنها إلى غيرها من بلدة إلى بلدة وقرية إلى قرية يطول الكلام بذكر تفاصيل احوال تلك الانتقالات إلى أن وصل إلى البصرة وأسكن فيها عِياله وهو بنفسه الشريفة وولده وبعض اتباعه قصد زيارة الإمام الثامن الضامن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه آلاف التحية والثناء فخرج منها قاصدا لذلك المقصد الشريف والمحل المنيف إلى أن وصل إلى دار العبادة يزد وعرفه فيها بعض مشاهير العلماء من قطان تلك البلدة فاشتهر خبره أعلى الله مقامه وارتفع ذكره وعلا قدره بين الناس وحضره جميع العلماء واستفادوا عنه في علوم شتى فرأوه بحرا مواجا وعيلما تيارا من العلم متلاطما رجراجا لا يساحل قعر علمه ولا يبلغ منتهى كنه فهمه فاذعنت له العلماء وخضعت له الأدباء والشعراء لأنه :

في علم العروض لا مثيل له

وفي علم الموسيقى لا بديل له وشرح حقيقة الحال باستنباط الموسيقى من الافلاك من الموازين الستة ففي علم النحو استاد اهله وسيبويه من احد تلاميذه كالخليل في الصرف

وفي علم المعاني والبيان مستقل ومؤسس ومؤصل القواعد

وفي علم النجوم رئيس اهله وزعيم علمائه وقد بين من احكام النجوم ما كانت مخفية على غيره من الممارسين لتلك المعالم والرسوم واظهر مخفيات النجوم التي عليها الحساب ولم ‌يكن عند القوم منها خبر ولا اثر

ففي علم الهندسة اظهر دقايق ونكات في اصولها وفروعها ما لا تكاد تصل اليها قلوب الكاملين فيها

وفي علم الهيئة كشف دقايق رموزها وبين ما عدوه من مشكلات الفن من تشابه حركات بعض الافلاك على غير اقطابها

وفي علم الحساب فاق جميع اهله بطرق اخراج المجهولات وحل ما لا ينحل من تلك المسائل التي عدوها مما لا ينحل من المسائل

وفي علم الاكسير والكيميا اظهر قواعد العلم ومراتبه وارباعه وما في كل ربع من عجائب العلوم وغرايبها من انحاء الظاهر والباطن وشرح قول امير المؤمنين عليه السلام من قوله في هذا العلم سئلتموني عن اخت النبوة وعصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها وانا اعلم ظاهرها وباطنها فما هو الا ماء جامد وهواء راكد وارض سائلة ونار حائلة الحديث وذكر باطن هذا العلم واسراره واطواره بحيث تحيرت العقول والالباب في فضل ذلك الجناب وليظهر انه هو الذي تعلم من امير المؤمنين ذلك الباطن بلحن الخطاب من قوله عليه السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وقوله عليه السلام ما من احد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل عن مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة

وفي علم الاعداد والاوفاق اتى بما عجز عنه اهل الخلاف والوفاق وبين اسرارها واظهر انوارها وابان ما خفي على غيره من وضعها في اشكالها وهيئاتها ووضع الاشكال واوضح المقال بواضح الاستدلال وذكر مبدء الاشكال واصلها واباها وامها وبين حقيقة الشكل المثلث والمربع إلى المأة في المأة بما يضيق بذكرها المجال

وفي علم الحروف تصرفه فيه معروف وفي علم البسط والتكسير لم يكن له نظير

وفي علم الجفر له قواعد مقررة وقوانين مقننة من كليات العلم وجزئياته واصله ومبدئه ومنتهاه وحقيقة الجفر ومبدء اشتقاقه واصل تحققه عن النبي والولي سلام الله عليهما

وفي علم الطب استاد الفن وله استخراجات واستنباطات يعجز عنها علماؤه وقد ابرز من هذا العلم في علميات الطب ما لم يكن له عنوان في كتبهم وهو علم الضم والاستنتاج وقد اظهر فيه الغرايب وابان عن عجائب المطالب

وفي علم التفسير قد اتى أعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه من مدلولات الاخبار وواضحات الآثار بما لم يذكره المفسرون ولم يعثر عليه الا الاقلون وقد ذكر جهات التفسير من تفسير الظاهر وظاهر الظاهر والباطن وباطن الباطن والتأويل وتأويل التأويل وباطن التأويل وبين الفرق بين هذه التفاصيل ووجوهها وشرايطها وآدابها وسائر احوالها وكيفية اجرائها

وفي علم الحديث هو سيد المحدثين وسند المحققين

اما في علم الدراية فهو الرافع لاعلامها والمنير لظلامها والمجيب عن الشكوك والشبهات التي ترد عليها

واما في علم الرجال فهو اكثر الممارسين لهم تتبعا وازيدهم حفظا وقد كان أعلى الله مقامه يحفظ في كل رجل رجل من الروات جميع الاقوال فيه من المدح والقدح وتحقيق الحق وترجيح الصدق فهو في حفظ الرجال من عجائب الزمان

وفي علم الاصول مهذب قواعدها ومقنن قوانينها والعالم بجميع مسائلها والمطلع على الاختلافات الواقعة فيها ومحقق مطالبها ومبين فوائدها وشارح كيفية الاستنباط منها

وفي علم الفقه هو اعلم الفقهاء والمجتهدين صاحب القوة القدسية والملكة الالهية المطلع على الفتاوى والاقوال ولم يكن يشذ عنه شيء من المسائل وسائر الاحوال اكثرهم حفظا بالفتاوى واشدهم اطلاعا على مواقع الاجماعات من المركبة والمحققة والاجماع المشهوري والمحصل الخاص والعام وما رأيته أعلى الله مقامه في مدة كوني معه من السنين والشهور ان يحتاج في مسألة من المسائل التي يسئل عنها إلى مراجعة ونظر بل كان مستحضرا لجميع ادلتها وشقوقها واختلاف العلماء فيها وهذا من عجائب الكرامات له أعلى الله مقامه ان افتريته فعلي اجرامي وانا بري‌ء مما تجرمون

وفي علم الكلام والحكمة العملية والنظرية باقسامها اصولا وفروعا قد اتفقت الكلمة على أنه لم ‌يسبقه فيها سابق بل ولا يلحقه لاحق وهكذا الكلام في ساير العلوم من العلوم الظاهرية والباطنية والحقيقية والمجازية والاصولية والفروعية لا سيما علم التواريخ والسير ومعرفة القرون الماضية والامم السعيدة والهالكة وما وقع في العالم من عجائب الامور وغرائب حوادث الدهور و معرفة عجائب المخلوقات وغرائب المصنوعات والحوادث الليلية والنهارية ومعرفة علم السماء والعالم من ربط العلويات ومزج السفليات بآثار اشعة العلويات وحدوث الآثار الغريبة منها وهي مبدء علم الطلسمات ومعرفة طبايع السفليات ومزاج الطبيعيات ومعرفة قران الحركات من السريعة والبطيئة والمعتدلة ونسبتها بحروف الصفات المنشعبة عنها العلوم الاربعة السيميا والليميا والهيميا والريميا ومعرفة علم تجويد القرآن والترتيل في القراءة من حفظ الوقوف واداء الحروف والاستقامة في الاداء عند القراءة من معرفة الامور الثلاثين التي نصفها من محسنات القراءة ونصفها من المستهجنات فيها ومعرفة الحروف وصفاتها وقراناتها ونسبة كل حرف مع الحروف كلها فان له في هذا العلم باعا واسعا ويدا طولى بحيث اعترفت القراء ممن شاهدناهم بالعجز عن البلوغ إلى عشر معشار ما عنده أعلى الله مقامه ومعرفة علم كتابة القرآن ورسم الخط في الكتابة فان بعض الكلمات لها صور مخصوصة لا تجري تحت قاعدة الخطوط المعروفة وساير العلوم من علم التطبيق وعلم الكتاب التكويني والكتاب التدويني والكتاب التشريعي والشرع الوجودي والوجود الشرعي ومن علم الميزان ميزان العلوم بالمشاعر وميزان المشاعر بالميزان القويم والقسطاس المستقيم وعلم احوال الكلام وما يقتضيه من القرانات الحاملة لقضاء الله وقدره بانحاء المشيات وهكذا ساير العلوم التي طويت ذكر بعضها ونشرت ذكر بعضها وما خفي على اكثر واكثر ومن العجائب التي لا تنقضي والغرائب التي لا تفنى ولا تتصرم انه أعلى الله مقامه واشاد شأنه ورفع في الدارين اعلامه كان يستخرج هذه العلوم والاحوال كلها من الكتاب والسنة ويستدل عليها بالحكمة والمجادلة والموعظة الحسنة ويأتي بكل مسألة من هذه الفنون المتشتة بآية من محكمات الكتاب وحديث من محكمات الاحاديث ودليل عقلي من العقل المستنير بنور الشرع ومثال من العالم من الآيات المرئية والامثال المضروبة من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الآية وقوله تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقوله تعالى ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا وهذا امر صعب بعيد المنال عزيز الوصال لا يناله الا من له عناية خاصة من الله وتسديد ظاهر من آل الله فان انكرت شيئا من هذا الذي ذكرنا فها كتبه تتلى عليك وصحف بيناته تدل عليه وانموذج من بقايا بعض آثاره تنبئك عليه ان آثارنا تدل علينا

فلما نظر علماء يزد واهل الادب منهم إلى هذا الفضل البارع والحبر الجامع ورأوا زهده البالغ وانه لا يزاحم احدا ولا ينازع احدا فيما عنده وهو الوقور الذكور الشكور حسن الاخلاق طيب الاعراق جمع بين العلم والعمل واحاط بالفضل الجلل اذعنت له العلماء واقرت بفضله العرفاء والادباء والفصحاء والشعراء واصحاب الصنايع لانه كان عالما بها مثل الخياطة والنساجة والنجارة وصنع آلات الحديد والصفر والذهب والفضة واستعمال الفلزات المنطرقة والغير المنطرقة والمعادن الجامدة والمائعة وما ادري ما اقول واي شيء منه اصف واي كمال اذكر ونوره لا يخفى وفضله لا يحصى

لو جئته لرأيت الناس في رجل والدهر في ساعة والارض في دار

ولقد صحبته أعلى الله مقامه في الحضر والسفر لم ‌اجد منه الا اشرف الخبر وكل يوم يتجدد فيه اعتقادي ويزيد عليه اعتمادي ووثوقي لما كنت اشاهد منه دائما من الآيات البينات والدلائل الواضحات الظاهرات والحجج البالغات ما تحير عنده العقول والالباب ولا نشك انه من لدن رب الارباب وتسديد الائمة الاطياب سلام الله عليهم في المبدء والمآب وبلدة يزد اذ ذاك الوقت كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء الذين عليهم العمل مثل الملا اسماعيل العقدائي الفاضل الكامل والمجتهد الواصل مرجع اهل البلد ومقدمهم وزعيمهم كان ينفذ فيهم حكمه ويمضي عليهم امره يقيم الحدود الشرعية من قتل وقطع وتعزير وامثال ذلك وله فهم وقاد جسور في الامور لا ينازعه غيره بحيث يقدر ان يوهن امره وفيها العالم الفاضل الكامل الواصل جامع المنقول والمعقول العالم بالفروع والاصول مالك ازمة التحقيق والتدقيق المولي الولي الحاج رجبعلي فانه كان عالما كاملا متفننا في العلوم مرجعا في غالب الرسوم وفيها الفاضل المدقق المحقق الميرزا علي رضا فانه كان فاضلا اديبا اريبا عالما بفنون العلوم لا سيما علم اللغة وساير علوم الادب وفيها السيد الجليل العالم المجتهد الكامل السيد حيدر وفيها الحكيم المتقن الملا مهدي وفيها العالم الجليل السيد النجيب النبيل الآميرزا سليمان وفيها العالم الكامل الميرزا محمد علي المدرس وغيرهم من العلماء الفحول من اهل المنقول والمعقول وساير الطلبة المشتغلين والمراهقين مثل جناب الآخوند الملا حسين اليزدي والملا حسين الكرماني والملا ابو القاسم وغيرهم من امثالهم والكل منهم قد انقادوا لجنابه واعترفوا ببالغ فضله وبارع علمه ولم يختلف عليه اثنان لا في علم ولا عمل وكانوا يقدمونه على انفسهم في كل حال يقتضي تقديم احد من العلماء كصلوة الجمعة والاعياد والجماعات والجنايز اذا حضروا الجميع فقوله مقدم وان اختلفوا فهو الحكم وقوله محكم

فاشتهر خبره أعلى الله مقامه وانتشر امره وصيت فضله في البلاد إلى ان اخبر السلطان فتح علي ‌شاه تغمده الله برحمته فاشتاق إلى ملاقاته وتشوق إلى رؤيته من عظم ما سمع من غزير علمه وواسع فضله فكتب إلى عامله بيزد ان يشخصه إليه مكرما معظما فلما عرضوا عليه أعلى الله مقامه ملتمس السلطان ابى ان يقبل وامتنع عن المسير إليه فلما افتهم السلطان اعاد عليهم وكرر لهم ان يلتمسوه فاتوا إليه ملتمسين خاضعين مظهرين له انك اذا لم تسر إليه نخاف من ضرره فلما سمع ذلك منهم اجاب ملتمسهم ومقترحهم فعزم المسير وارسلوا في خدمته جناب العالم الفاضل الميرزا علي رضا وكان في صحبته متولي خدمته إلى ان وصلوا دار السلطنة طهران وتواجه مع السلطان وتلقاه بغاية الاعزاز والاعظام وعرف محله ومرتبته وانزله منزلته وكل من كان في طهران من العلماء الكاملين والطلبة المشتغلين واجهوه بكمال الاعزاز والاحترام ولم ‌يختلف عليه اثنان ولم يطعن عليه احد ولم ‌يزد عليه احد قط ثم عرض عليه السلطان المقام عنده والانتقال من البصرة باهله وعياله إلى ايران والسكنى في طهران فاجاب أعلى الله مقامه احد شقي سؤاله وهو الانتقال إلى ايران ولم يجب إلى السكنى في طهران وقال له أعلى الله مقامه اما السكنى في محل انت فيه فلا لاني اذا سكنت في مسكن انت فيه اي الحالتين تريد ان تسلك معي أتريد أن أكون ذليلا عندك ام عزيزا اما الذلة فلا يقتضي مقامك معي ان تجريها واما العزة فلا تحصل لان السلطان مرجع امور الرعية ومدار السلطنة لا يكون الا بقبض وبسط وقتل وقطع واخذ وعطاء واذا رأى الناس اقبالك على واصغائك مني يقصدوني في حوائجهم ومقاصدهم ان لم‌ اجب كنت مكروها عندهم مبغوضا لديهم وان اجبهم واعرض عليك ما يريدون فانت لا تخلو اما ان تقبل مني وتعطي كلما يريدون ام لا اما الاول فلا اريك تفعل بزعمك ان امر السلطنة يختل ونظم المملكة يفسد ففي هذه الصورة كنت ذليلا فالاحسن لي ولك ان اسكن بلدة نائية عنك والكل بلادك واين ما كنت فعندك فاستحسن قوله الشريف وجعل إليه اختيار المسكن فاختار يزد مسكنا ورجع إليه وامر السلطان من يذهب إلى البصرة ويأت بعياله مكرمين محتشمين وسكن في يزد مدة مديدة اكثر من خمس سنين على احسن حال مشغولا بالتدريس ونشر العلوم واظهار غرايب الرسوم

ولما اشتهر عند الناس بعض مطالبه مما هو غير معروف بقوا يلهجون به ويستغربون منه فامر أعلى الله مقامه من يصعد المنبر ويخطب ويقول ايها الناس ان للعلم ظاهرا وباطنا وهما متوافقان متطابقان لا يختلفان ولا يتناقضان الظاهر على طبق الباطن والصورة على مثال الحقيقة وقد قال مولانا الصادق عليه السلام ان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم‌ يك ينفعهم ايمانهم شيئا وان قوما آمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم يك ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ايمان ظاهرا الا بباطن ايها الناس ان اهل الظاهر قد اقرهم رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هم عليه ولم‌ يغشهم ولم ‌يخنهم ولم‌ يقرهم على باطل حاشاه ثم حاشاه فما اتفق عليه اهل الظاهر من قول او فعل او اعتقاد فهو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وما كان من الباطن والاسرار ما يوافق الظاهر ويطابقه ولا يخالفه ولا يناقضه فهو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وما كان من الباطن ما يخالف الظاهر ويناقضه فاحدهما يثبت والآخر ينفي فذلك باطل يجب الاعراض عنه ولا يجوز الاصغاء إليه فانه مخالف للواقع وفي ذلك تكذيب على الله سبحانه ورسوله فما ينسب إلى من الباطن والظاهر ان كان يوافق ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك قولي وقد قلته وما خالف ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك ليس قولي وما قلته وانا بري‌ء إلى الله من ذلك القول والاعتقاد كما برئ الله ورسوله ايها الناس لا تختلفوا فتهلكوا ولا تناقضوا فتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين فنزل الخطيب فسكنت الانفاس واجتمعت الحواس وعلم المقياس وتبين للناس الحق الواضح وما يوسوس في صدورهم الخناس وبنوا على هذا الاساس ولم ‌يزل صيته في ازدياد ومحبته ترسخ في الفؤاد

وقد سافر إلى مشهد مولانا وسيدنا علي بن موسى الرضا عليهما السلام ثلاث مرات واجتمع عليه علماء ذلك المشهد وهم الفحول الذين يرجع اليهم في الفروع والاصول وهم المشهورون المعروفون جلى ( على خ‌ل ) مقامهم وشهرة امرهم تغني عن ذكر اشخاصهم كالاخوة المقدمين المعظمين الميرزا هداية ‌الله والميرزا داود والميرزا عبد الجواد وخالهم المقدم المعظم فحل العلماء الآقا ابو محمد والسيد الجليل والمولى النبيل العالم الفاضل الزاهد العابد جناب الميرزا معصوم وغيرهم من العلماء الاعيان قد قدموا جناب الشيخ أعلى الله مقامه وانار برهانه وعظموه وبجلوه وراعوا احترامه واعزازه واكرامه معترفين له بالفضل والعلم الغزير وكذا سائر العلماء المجاورين في ذلك المشهد المقدس والمحل الاقدس من الطلبة والمحصلين لم يصدر منهم ابدا ما ينافي احترامه ولا اعظامه

ثم لما رجع إلى يزد وعزم التوجه إلى العراق مجيبا لامير المؤمنين عليه السلام حين دعاه في عالم الرؤيا صار يوم خروجه باهله وعياله من بلدة دار العبادة على اهلها يوم مشوم اصابهم كدر شديد وحزن عظيم وقد احتالوا وعالجوا لمنعه من الخروج حيلا ومعالجات لعله أعلى الله مقامه يبقى عندهم لانه كان بركتهم وبه دوام شوكتهم ولكنه ما افادت تلك المعالجات ولا الحيل شيئا وقد خرج عنهم وهم بين باك وباكية ومكدر ومحزون ولم ‌يفرح ولم‌ يرض احد فيما اعلم بخروجه فلما خرج ووصل إلى اصفهان وكنت بخدمته الشريفة تلقاه اهل اصفهان لا سيما علماؤهم وحكامهم واعيانهم باحسن ملقى وعظموه غاية التعظيم وبجلوه غاية التبجيل ولم ‌يكن احد فيها من يزري عليه او ينسب شيئا مما لا يحسن إليه وبلدة اصفهان اذ ذاك الزمان كهذا الزمان سرة ايران مجمع العلماء الفحول ومعدن فضلاء المعقول والمنقول وفي ذلك الزمان فيها روضة العلم مخضرة وسوق المعرفة والفضل عامرة وفيها من اعيان العلماء من الفقهاء والحكماء ما يعجز عن بيان وصفهم اللسان ولا يتحمل درك معالم فضلهم الجنان مثل جناب السيد الاجل السند الانبل مرجع الانام حجة الاسلام موئل الاصاغر والاكابر السيد محمد باقر ومثل العالم الفاضل العامل والكامل علامة الدهر ووحيد العصر ذو الفهم العالي المستقيم والمولى الولي الحميم الحاج محمد ابراهيم الملقب بالكرباسي والعالم العامل والفاضل الكامل الورع التقي الشيخ محمد تقي والعالم المتقن والفاضل المؤتمن قدوة العلماء الاطياب الميرزا باقر النواب والحكيم العظيم والعالم الحميم ذو الفهم الراسخ والفضل الباذخ العلي الولي الملا علي النوري والعالم الكامل الملا محمد علي النوري والفاضل الجليل الملا اسماعيل الملقب بواحد العين والعالم الاعلى الانور الازهر الملا علي ‌اكبر والمولى الاولي صاحب الرياسة الكبرى الآقا مير محمد حسين سلطان العلماء وغيرهم من العلماء العظام والفضلاء الفخام الذين هم المرجع في كل نقض وابرام وهؤلاء العظام قد سلكوا مع ذلك الشيخ الجليل ذي المجد الاثيل والاصل الاصيل احسن المسلك وراعوا معه غاية الاحترام والادب وسلموا قوله في كل مقصد ومطلب استنسخوا ( استحسنوا خ‌ل ) رسائله وكتبه ونشروا فضائله ومناقبه ومدحوه في كل مكان وكان بذكر محامده ومفاخره كل واحد منهم رطب اللسان وقد اشتهرت كتبه عندهم لا سيما شرح‌ الزيارة الجامعة وغيره من سائر الرسائل واجوبة المسائل ولم‌ يعثروا فيها على خلل ولم‌ يطلعوا على زلل مع انه أعلى الله مقامه قد خالف الحكماء الاشراقيين والرواقيين والمشائين في مسائل كثيرة واصر على بطلانها وهدم بنيانها والحكماء الذين في اصفهان كلهم حملة تلك المطالب ومروجوا تلك المسائل فمع ذلك كله لم يجسر احد ان يعيب على كلمة من كلماته او على مطلب من مطالبه وغاية ما كانوا يقولون ان المطلب واحد واللسان مختلف ولا يشكون ان ما عليه مولينا الشيخ حقا ولكنهم يدعون ان ذلك هو الذي يقوله الحكماء

وبالجملة كلهم اقروا له وصدقوه واعترفوا بفضله ولم‌ يذكره احد بعيب ولا دخل في قلب احد من جهته ريب وقد سأل جناب المولي العلي الملا علي النوري عن نسبة مقامه مع مقام المرحوم آقا محمد البيدآبادي فاجاب المرحوم بان التمييز لا يكون الا بعد بلوغ المميز لمقامهما وانا منحط عن مقامهما غير بالغ لمرتبتهما في الفضل والعلم فكيف يسعني الترجيح

وبالجملة قد جلس عندهم اربعين يوما باعز ما يكون وكان اكرم وارد عليهم واشرف وافد لديهم (خ‌ل‌) لا ينكرون فضله ولا مقامه من العلم ثم خرج من عندهم وهم يحبون بقاءه لديهم متأسفين لمفارقته متولهين لمجاورته ولكن ما وسعهم ان يكلفوا الشيخ ويصروا عليه بالبقاء عندهم لما اطلعوا على امر الرؤيا ووجود المستقبلين من طرف الشاهزادة ما كلما يتمني المرء يدركه

وبالجملة لما خرج وسار إلى ان وصل كرمانشاهان استقبله الشاه‌زاده المعظم في موكبه ومعه خلق عظيم ثم ادخله البلد بمن معه في عزة عظيمة وشأن كبير استقبلته علماء البلد كافة وحكامها (خ‌ل‌) واعيانها واشخاصها إلى ان دخل البلد فاستدعي والح عليه بالبقاء عنده وحيث كان مأمورا بالتشرف إلى اعتاب الائمة الاطياب لم يجبه الا بعد الرجوع عن زيارة المشاهد الشريفة فجهز له ما يبلغه ذلك وتشرف بتقبيل العتبات العاليات ورجع إلى كرمانشاهان فاستقبله الشاهزادة (خ‌ل‌) بطور يليق به واستقر فيها فبقي بين علمائها مدة مديدة وسنين عديدة متفقين على فضله وجلالته وعلو مقامه ونبالته وزهده وورعه وتقويه واعراضه عن الدنيا وانكبابه على ما يوجب التقرب إلى الله والزلفى ولم يذكر احد من اولئك الاعلام والفضلاء الكرام الفخام الاخوة الاربعة الذين هم الاربعة المتناسبة في الفضل والعلم والرياسة والجاه والمنزلة وحسن العقيدة وهم العالم الجليل الانور الازهر الآقا محمد جعفر والعالم الكامل الممجد المؤيد الآقا احمد والعالم الجليل النبيل الآقا محمد اسماعيل والعالم الكامل والفاضل الفاصل المؤيد بلطف الله الودود الآقا محمود اولاد العالم العلم المولى الاولي الولي الآقا محمد علي ابن استاد الكل ومرجعهم في الجل والقل ذو المزايا والمفاخر الآقا محمد باقر البهبهاني تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته وغيرهم من اجلاء العلماء القاطنين في تلك البلدة مع عامة الطلبة المشتغلين من المحصلين سلكوا معه احسن المسالك ونزلوه عندهم باحسن منازل الشرف ولم يزل عندهم عزيزا كريما ليس لاحد فيه مهمز ولا لقائل فيه مغمز

وقد زار في مدة مقامه بكرمانشاهان ائمة العراق مرات عديدة وفي كل مرة يجتمع مع العلماء والفضلاء الساكنين في تلك الاعتاب مثل السيد السند الجليل والمولى الاولى النبيل العارف بمعارف التنزيل المجتهد المطلق عند المخالف والموافق المؤيد بلطف الله الخفي والجلي سيدنا مير سيد علي الطباطبائي والسيد الاوحد المؤيد الممجد السيد علي ‌محمد والشيخ المولى الاولي المؤتمن العالم المتقن الشيخ حسن بن الشيخ محمد علي سلطان والشيخ الافخر والعالم الاطهر الشيخ خلف ابن عسكر هؤلاء العلماء مجاوري سيد الشهداء عليه التحية والثناء والشيوخ الاجلاء النبلاء العلماء اولاد شيخنا الاجل ومولانا الاكمل الانبل الطاهر المطهر الشيخ جعفر والعالم الجليل المبرء عن كل شين مجمع الفخر والشرف الشيخ حسين نجف والشيخ الجليل والعالم النبيل حسن الاحوال الشيخ خضر شلال والسيد الاطهر والنور الازهر والبدر الانور جامع الفضل الجلل حائز مرتبتي العلم والعمل العارف بكتابي التكويني والتدويني السيد باقر القزويني وغيرهم من العلماء الاطهار والفضلاء الاخيار من ساكني مشهد النجف الاشرف على مشرفها آلاف التحية والشرف والسادة الاطهار والفضلاء الاخيار السيد الانور السيد رضا شبر والسيد العالم الجليل ذو التصانيف المشهورة والمؤلفات المعروفة السيد الاواه السيد عبد الله شبر والسيد العالم والفاضل الحاسم المولى الولي السيد لطفعلي والسادة الاعلام والفضلاء الكرام والنجباء الفخام السيد المولى المتقن السيد حسن والسيد الممجد المسدد السيد محمد ابني السيد الجليل المولي النبيل السيد المؤتمن السيد محسن والسيد العالم السيد هاشم ابن السيد راضي والشيخ الاجل والمولى الانبل والعالم الافضل المولى الاواه الشيخ اسد الله وسائر العلماء القاطنين في مشهد سيدنا ومولانا الكاظم عليه السلام وهولاء العلماء الاعلام والفضلاء الكرام في تلك العتبات المشرفات في كل مكان اذا حل مولانا الشيخ به كانوا يعظمونه ويمجدونه ويبجلونه وينزلونه احسن منازل التكريم والتوقير ولا سيما السيد الاول المير سيد علي كان رحمه الله يبالغ في تعظيمه وتكريمه وكان يسميه العالم الرباني وكان متحيرا في تبحره في العلوم ومعرفته بجوامع الرسوم ويقول انه لا ريب ان ذلك من تأييد الحي القيوم وكان أعلى الله مقامه يدرس مدة اقامته في مشهد الحسين عليه السلام في الرواق المقدس في شرح الرسالة العلمية للملا محسن الكاشاني وكان يحضر درسه علماء الطلبة والمحصلين وكانت الالسن متفقة في مدحه وجلالته وكونه جامعا للعلوم عارفا بحقايق الاشياء سالكا مسلك ائمة الهدى لم يتكلم احد عليه بما لا يحسن ولا يجسر احد ان يتفوه بما لا يليق ولقد اوتي لجناب السيد المذكور تغمده الله برحمته كراريس من بعض رسائل الشيخ وقيل له انظر ما ترى فيها من حق او باطل فاخذها وجعلها عنده يومين واتى بها في اليوم الثالث رافعا يديه إلى السماء مستشهدا بالله وبرسول الله صلى الله عليه وآله وبامير المؤمنين وبفاطمة الزهراء وباقي الائمة واحدا بعد واحد مسميا باسمائهم مستشهدا بهم ومقسما بحقهم انه ما يعرف شيئا مما في هذه الكراريس من المطالب العالية والمقاصد السنية وليس ادراكها شغلي ولا تلك المطالب فني وانا ما اعرف الا المطالب الاصولية والفقهية ما لي والخوض في هذه اللجج الغائرة التي غرقت فيها سفن كثيرة واتفق في بعض سني زيارته (ره‌) لائمة العراق عليهم السلام اجتمع مع العالم العلم الهمام الحبر القمقام فخر المحققين وقدوة المجتهدين مولى الافاخم الآميرزا ابي ‌القاسم القمي وشاهد منه (ره‌) كمال الاكرام والاعظام وشهد له بالفضل الواسع لما نظر إلى بعض رسائله في الفقه وكذلك اجتمع مع الشيخ الجليل والعالم النبيل والفاضل الفاصل الواصل رئيس المحدثين البصير بمرايا الامور جناب الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ حسين آل‌عصفور وفقه الله لمراضيه وهو امده الله وابقاه لم يزل في فضله وجلالة شأنه رطب اللسان إلى الآن وهكذا دأب سلوك اولئك الاعلام معه اشاد الله شأنه وانار برهانه ولم يعهد من احد منهم من هؤلاء الفحول الذين ذكرنا اسماء بعضهم واهملنا ذكر اكثرهم ان يزروا عليه بعيب او يدخل في احدهم من جهته ريب او يثبت له نقصا او يتكلموا بما لا يحسن او يتفوهوا بما لا يليق وهذا شيء معلوم يشهد عليه العدو والصديق والمؤالف والمخالف فاذا انكره احد فقد انكر الشمس في رابعة النهار وقد زاحم البديهي وصادم الضروري واتى بما ينكره كل احد فلو صدق هذا المنكر مصدق فقد صدق منكر الشمس عند الزوال ولا اظن احدا من العقلاء وان بلغ في التعصب والعناد ما بلغ ينكر ما قلنا ولا يصدق هذه الدعوى هذا حال العلماء الذين عاصرناهم وشاهدناهم وشاهدنا اتصالهم معه وحسن سلوكهم وهؤلاء هم علماء الشيعة وسناد الشريعة وهم المرجع في المهام والمعتمد في كل نقض وابرام وهم الرؤساء الذين عليهم مدار الاحكام من الحلال والحرام

واما العلماء العظام والفضلاء الفخام ممن لم نشاهدهم وشاهدوا مولانا الجليل واستادنا النبيل وعظموه ومجدوه واقروا له بالفضل وحسن الحال مثل السيد السناد والمولي العماد الذي عليه الاعتماد المولى الاولي المهتدي السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم ومنبع الرسوم الواحد في عصره والفريد في دهره تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته ومثل السيد الجليل والمولى النبيل والفاضل النحرير العالم الرباني الميرزا مهدي الشهرستاني ومثل الشيخ الاوحد والعالم الفرد الدر الافخر الشيخ جعفر النجفي ومثل العالم المحقق والفاضل المدقق العالم الرباني والفاضل الصمداني والفرد الذي ليس له ثاني فريد عصره وواحد دهره المحقق المدقق البصير بخفايا الامور جناب الشيخ حسين آل‌عصفور وهؤلاء الاعلام والامناء الكرام والفضلاء الذين عليهم النقض والابرام هم الرؤساء في عصرهم وكل واحد رئيس في قطر وان لم نشاهدهم وما فزنا بشرف ادراك خدمتهم حتى نرى سلوكهم معه حتى نشهد شهادة عيان ولكنا وجدنا كتاباتهم في الاجازات التي كتبوها له بعضهم بخطه فهي تدل على كمال اعتقادهم فيه

فمنها اجازة السيد الاجل الاول وهو بحر العلوم التي كتبها بيده ورأيتها بخطه وهذه صورتها الى ان قال : وبعد فلما كان من حكمة الله البالغة ونعمه السابغة ان جعل لحفظ دينه واحكامه علماء مستحفظين لشرايعه واحكامه صار يتلقى الخلف عن السلف ما استحفظوا من علوم اهل الحكمة والشرف فبلغوا بذلك اعلى المراتب ونالوا به اتم المواهب وكان ممن اخذ بالحظ الوافر الاسنى وفاز بالنصيب المتكاثر الاهنى زبدة العلماء العاملين ونخبة العرفاء الكاملين الاخ الاسعد الامجد الشيخ احمد بن الشيخ زين ‌الدين الاحسائي زيد فضله ومجده واعلى في طلب العلا جده وقد التمس مني ايده الله تعالى إلى ان قال : فسارعت إلى اجابته وقابلت التماسه بانجاح طلبته لما ظهر لي من ورعه وتقويه ونبله وعلاه فاجزت له وفقه الله لسعادة الدارين وحباه بكلما تقر به العين رواية الكتب الاربعة إلى آخر كلامه زيد في اكرامه وانعامه وهي اجازة ليست بمبسوطة ولا بمختصرة بل امر بين الامرين

ومنها اجازة السيد السند الثاني الميرزا مهدي الشهرستاني وهذه صورتها إلى ان قال : وبعد فيقول العبد الراجي عفو مولاه محمد مهدي الموسوي الشهرستاني اصلا والكربلائي مسكنا بفضل ربه العميم بصره الله عيوب نفسه وجعل يومه خيرا من امسه حيث ان الشيخ الجليل والعمدة النبيل والمهذب الاصيل العالم الفاضل والباذل الكامل المؤيد المسدد الشيخ احمد الاحسائي اطال الله بقاه واقام في معارج العز وادام ارتقاه ممن رتع في رياض العلوم وكرع من حياض زلال سلسبيل الاخبار النبوية قد استجازني فيما صحت لي روايته إلى ان قال رحمه الله : ولما كان دام عزه وعلاه اهلا لذلك فسارعت إلى اجابته وانجاح طلبته ولما كان اسعاف مأموله فرضا لفضله وجودة فطنته فاقول إلى آخر مقاله رضوان الله عليه ومنها اجازة الشيخ الافخر الشيخ جعفر رحمه الله وهذه صورتها إلى ان قال : اما بعد فان العالم العامل والفاضل الكامل زبدة العلماء العاملين وقدوة الفضلاء الصالحين الشيخ احمد بن المرحوم المبرور الشيخ زين ‌الدين قد عرض على نبذة من اوراق تعرض فيها لشرح بعض كتاب تبصرة المتعلمين لآية الله في العالمين ورسالة صنفها في الرد على الجبريين مقويا فيها رأي العدليين فرأيت تصنيفا رشيقا قد تضمن تحقيقا وتدقيقا قد دل على علو مقام مصنفه وجلالة شأن مؤلفه فلزمني ان اجيزه إلى آخرها

ومنها اجازة الشيخ الاجل العاري عن المين وهذه صورتها : وبعد فيقول فقير الله المجازي حسين ابن محمد بن احمد بن ابراهيم البحراني الدرازي إلى ان قال : التمس مني من له القدم الراسخ في علوم آل‌ بيت محمد الاعلام ومن كان حريصا على التعلق باذيال آثارهم عليهم الصلوة والسلام ان اكتب له اجازة وجيزة إلى ان قال : وهو العالم الامجد ذو المقام الانجد الشيخ احمد بن زين ‌الدين الاحسائي ذلل الله له شوامس المعاني وشيد به قصور تلك المباني وهو في الحقيقة حقيق بان يجيز ولا يجاز لعرافته في العلوم الالهية على الحقيقة لا المجاز ولسلوكه طريق اهل السلوك واوضح المجاز لكن اجابته مما اوجبته الاخوة الالهية الحقيقية المشتملة على الاخلاص والانجاز وكان في ارتكابها حفظا لهذا الدين وكمال الاحراز فاستخرت الله سبحانه وسألته الخيرة فيما اذن واجاز وان يجعله ممن بالمعلي والرقيب من قداح عنايته قد فاز وحاز فاجزت له إلى آخر ما قال تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته

وقد ذكرنا سابقا مقالة السيد الطيب الطاهر المولى العلي المير سيد علي وما شاهدناه من سلوكه معه أعلى الله مقامه ولكني عثرت على اجازة منه له فاحببت ان اوردها وهذه صورتها إلى ان قال : وبعد فيقول العبد الخاطي ابن محمد علي علي الطباطبائي اوتي كتابه بيمناه وجعل عقباه خيرا من دنياه ان من اغلاط الزمان وحسنات الدهر الخوان اجتماعي بالاخ الروحاني والخل الصمداني العالم العامل والفاضل الكامل ذي الفهم الصائب والذهن الثاقب الراقي اعلى درجات الورع والتقوى والعلم واليقين مولانا الشيخ احمد بن المرحوم الشيخ زين‌ الدين الاحسائي دام ظله العالي فسئلني بل امرني الى آخر ما قال أعلى الله مقامه

وهذه كلماتهم واجازاتهم وله أعلى الله مقامه اجازات كثيرة من علماء كثيرين تركت ذكرها خوفا للتطويل واقتصرت على ذكر كلمات هؤلاء الافاضل العظام والاكابر الفخام الذين هم الرؤساء في الاسلام فتبين لك مما بيناه ان جميع علماء الاسلام في جميع الاقطار المعروفة والبلدان المشهورة مثل البحرين والقطيف والاحساء والمشاهد المشرفة مثل النجف الاشرف ومشهد الحسين عليه السلام ومشهد الامامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام وغيرها من سائر بلدان العراق مثل البصرة والحلة وبغداد والجزائر والفلاحية وعراق العجم مثل كرمانشاهان وهمدان وبروجرد وطهران وقم واصفهان وشيراز وكاشان وخراسان مثل طوس ونيشابور وسبزوار وطبس وتون وكرمان ويزد ورشت وقزوين وغيرها من ساير البلدان جميع علماءها ورؤسائها كلمتهم مجتمعة ومقالاتهم متفقة على جلالة شأنه ونبالة مكانه مع انتشار رسائله واشتهار كتبه ومصنفاته واجوبة مسائله وشرحه على الزيارة الجامعة وشرحه على الحكمة العرشية للملا صدرا وشرحه على المشاعر له وشرحه على الرسالة العلمية للملا محسن وسائر مصنفاته كلها بل اغلبها وصلت إلى هؤلاء الابرار والنجباء الاطهار ولم يطعن فيه احد ولم يذكره بعيب ابدا وقد اتفقت كلمة علماء الاسلام ممن شاهدوه على وثاقته وجلالته مع ما ظهر منه من الاخلاق الحسنة والاطوار المستحسنة والزهد البالغ والورع الكامل وجمعه بين حسن الخلق والخلق وقران العلم بالادب والخضوع والخشوع كما هو شأن العلماء كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وقال مولانا الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف ومن خاف هرب ومن هرب نجا فوضح ما ذكرنا وثبت ما اردنا هذا نبأ من معي ونبأ من قبلي لعلهم يتذكرون

فعلى ما ذكرنا انعقد اجماع علماء الامة اي امة الاجابة الذين هم الشيعة الفرقة الناجية والفئة الزاكية على جلالة شأن مولانا ونبالة محل استادنا وانه عند الله من الفائزين وبآل الله من المقتدين وبهم من المحسوبين وما ادري ما حال من خالف جميع علماء الامة وفقهاء الملة ورؤساء الشريعة وحفاظ الدين على الحقيقة مراجع الاسلام والحجج من حجة الله على الانام لقد قال عز من قائل ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا وهل المؤمنون الا الشيعة وهل العلماء الا رؤساء المؤمنين فاذا اتفقت كلمتهم واجتمعت مقالتهم على شيء ولم يحصل لهم معارض اقوالهم متفقة وافعالهم متطابقة مع اقوالهم ومعذلك يكونون على ضلال وعلى خطأ فانه لا يكون ذلك ابدا فاجتماعهم وعدم المخالفة دليل كاشف على قول رئيسهم وهذا هو الاجماع الذي فيه حجة الله المعصوم المطهر عن ما لا يحبه الله فالويل الدائم لمن خالف اجماع الفرقة المحقة وشق عصى المسلمين وابدع في الدين فاذا عرفت هذا المقدار من الكلام وعرفت اتفاق العلماء الاعلام في حق ذلك الحبر القمقام والمفضال العالي المقام

فها انا اشرح لك مبدء صدور الاختلاف واصل وقوع الخلاف والسبب في ذلك والعلة فيما هنالك

فاقول واثقا بالله المتعال ومستعينا به في كل الاحوال وما اقول وما اكتب الا ما املى علي الملك رومان فتان القبور اول ما ادخل في القبر وما اقول الا ما شهدت واتخذ الله على شاهدا ووكيلا والذي اقوله هو الذي وقع بمشهد من الناس ومرأى منهم لا ينكرونه وانا لا اذكر الا الامور الجلية الواضحة الغير الخفية على احد ممن حضر واطلع واما الامور الاخر التي جرت ولم يطلع عليها اغلب الناس فاني اكتمها في صدري وفؤادي واغص بريقي واقف مع الخصوم عند ما تبلى السرائر عند الذي يعلم الغيب والضماير وحضور الملائكة للشهادة فانهم جرعوني غصصا وسقوني مرا علقما فصبرت امتثالا لامر الله وتأسيا باولياء الله ونظرا إلى قول امير المؤمنين عليه السلام وطفقت ارتأى بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت ان الصبر على هاتي احجى فصبرت وفي العين قذي وفي الحلق شجى ارى تراثي نهبا وقد تحملت امرا عظيما واحتملت خطبا جسيما من اذية الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس بلا جرم اجترمت ولا ذنب اذنبت لا شريعة غيرتها ولا سنة بدلتها ولا حلال حرمته ولا حرام حللته ولا بدعة ابتدعتها ولا حرمة هتكتها ولا مال اكلته ولا قصاص استوجبته كل ذلك بمحض الشبهات الافواهية والامور الخيالية التي يعلمون انها باطلة فقد توكلت على الله واعتمدت بالله ووثقت بمدد الله واعتصمت بحبل الله واستجرت بذمام الله فاعرضت عن كل ما سوى الله وجعلت كل اعتمادي بالله وصبرت كما امرني الله

وقد كتب لي الشيخ المرحوم أعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه بخط يده الشريفة ما لفظه ( واما الاحتمالات الواردة فليس لها الا الصبر فان لكل شيء اجرا مقدرا غير الصبر فان الله تعالى يقول انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب واما هذا الامر فلا بد له من مقر ولكل نبأ مستقر ولا يحسن الجواب على التعيين وستعلمن نبأه بعد حين ) انتهى كلامه الشريف بالفاظه فصبرت لعلمي بان الصبر عهد معهود وميثاق مأخوذ عن الله سبحانه في العالم الاول لامور استحكمت مبانيها في ذلك العالم وقد اشار إليه عليه السلام في دعاء الندبة إلى ان قال : اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في اوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك اذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد ان شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء بذلك فقبلتهم وقربتهم وجعلت لهم الذكر العلي والثناء الجلي الدعاء وهو قوله تعالى فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل وقال تعالى واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وها انا اشرح لك حقيقة الحال بصادق المقال ان افتريته فعلي اجرامي وانا بري‌ء مما تجرمون

واعلم انه لما تكررت زيارة الشيخ المرحوم للعتبات المشرفات ورجوعه إلى مسكنه الذي هو كرمانشاهان كانت نائرة الخلاف خامدة وعيون النفاق راقدة والالسن بفضل ذلك الجناب ناطقة وانهار علومه في قلوب المستعدين متدافقة ولكنه لما احب مجاورة قبر الشهيد المظلوم والسعيد المعصوم مولى العالمين الناظر في المغربين والمشرقين الواقف على الطتنجين سيد الكونين وسند النشأتين مولانا ابي ‌عبد الله الحسين عليه السلام مشتاقا عارفا وتمكن من التخلص عن ذلك المكان بعد معالجات كثيرة فلما قدم إلى المشهد المقدس والسدة السنية الحسينية على مشرفها آلاف الثناء والتحية متوطنا مستوطنا عازما للمجاورة إلى ان يبلغ الكتاب اجله فيصل ما يؤمله فلما استقر به الجلوس بعد مدة يسيرة تحرك اهل الشقاق والذين في قلوبهم مرض النفاق وعدم الوفاق مع آل الله اهل الاتفاق اتوا إلى جناب السيد المهتدي السيد مهدي ابن المرحوم المبرور المغفور المير سيد على تغمده الله بغفرانه واوصله إلى دار رضوانه وشبهوا له واتوا ببعض العبارات المحذوفة الاول والآخر والوسط والعبارات التي لا انس لهم بها ولا معرفة لهم باصطلاحها فذكروا له غير المراد واظهروا الضغائن المستكنة في الفؤاد خوفا على دنياهم الدنية

تصيدت الدنيا رجالا بحبها ولم ‌يدركوا خيرا بل استفتحوا الشرا

فاعماهم حب الغنى واصمهم ولم ‌يدركوا الا الخسارة والوزرا

وزعموا انه أعلى الله مقامه ربما له طمع في الرياسة التي مدتها قليلة وفائدتها يسيرة وعاقبتها وخيمة وعقوبتها اليمة ولم‌ يعلموا ان ( انه خ‌ل ) لا طمع له فيها ولا رغبة له اليها لعلمه بعاقبتها ومعرفته بحقيقتها فموهوا على جناب السيد ولبسوا عليه الامر ولم يعلم لصدقه وغفلته عما هو مرادهم من اظهار ضغائن صدورهم وفساد ضمائرهم فاصغى إلى مقالتهم وسمع حكايتهم وقال ان الامر قد اشتبه علي فاظهر الاعراض واغضى عما عليه المذهب من عدم الاعتبار بالخطوط والقراطيس سيما اذا كانت محذوفة الاوائل والاواخر ولم‌ ينظر إلى بصيرته ( ببصيرته ظ ) الصافية من ان تلك العبارات والاشارات لهجة قد غابوا عنها ولم ‌يكونوا من اهلها وان اصطلاحات اهل كل فن تؤخذ منهم ومعاني كل لغة تسئل عن اهلها ولا تعرف الا منهم ولم ‌يتأمل إلى ان اظهار الاعراض والكلمات الغليظة الغير المناسبة مما يوجب الفتنة الشديدة والمحنة الغير السديدة والناس اهل الشرور والمفاسد يطلبون الفتنة ويحبون وقوع المحنة ربما يصيبهم بعض المنال الدنيوي والعرض الزائل الذي مآله الخسران وعاقبته الحرمان فلما اظهر جناب السيد الاعراض وتفوه بكلمات لم تناسبه زادوا في كلماته كلمات وعباراته عبارات وشهروها بين العوام ونشروها عند الطغام فثارت نائرة الفتنة وهاج اعصار المحنة وشهروا عند الخلق من العوام من الرجال والنساء ان الشيخ احمد قد كفر ولما سئلوا عن السبب يسندونه إلى السيد وهو غافل غير قائل واذا سئل السيد يجيبهم بان الناس يقولون وانا ما اقول ولا تحقق عندي شيء نافضا لجيبه مبرء لعيبه ( لغيبه خ‌ل ) والناس بين هذا الترديد بسعي اهل الضلال والتضليل بقوا في شبهة عظيمة وتشويش شديد ثم عقدوا مجلسا واحضروا اهل الحل والعقد لو شئت لسميت باسمائهم ولاومأت إلى اشخاصهم ولكني من امرهم قد تكرمت وبالجملة عقدوا مجلسا ليكتبوا سجلا في تكفير ذلك العالم الرباني وينقشوا صحيفة في بطلان عقايد ذلك النور السبحاني فلما ارادوا ابداء ذلك الامر الشنيع وقعت زلزلة شديدة فرقت جمعهم ولم تعهد وقوع الزلزلة قبل تلك الليلة في مشهد سيدنا الحسين عليه السلام بل في جميع العراق تلك كرامة ظاهرة لكنها ما افادتهم كسنة من كان قبلهم فاكثروا الاقاويل الباطلة والزور والبهتان والتمويه على الناس ببعض العبائر حتى ادخلوها في قلوب العوام الذين كالانعام والنساء مردة ابليس حتى ان شخصا لا برد الله مضجعه ولا رزقه جنته قد كتب كتابا وذكر فيه جميع المذاهب الباطلة من مذاهب الملاحدة والزنادقة والصوفية والغلات والمفوضة ومذاهب اهل التثليث ومكائد اهل التلبيس كلها نسبها إلى ذلك العالم الرباني والولي الصمداني وكان له مجلس عصر تجتمع الناس عنده فيقرء عليهم ذلك الكتاب ويقول لهم ان هذه العقايد اعتقادات الشيخ احمد الاحسائي فيصيح الناس باللعنة والتبري لجهلهم بانه أعلى الله مقامه وانار الله برهانه بري‌ء منها ومن معتقديها ولكنه سنة بسنة وقد فعل قبل ذلك معاوية وكان يبذل الدراهم والدنانير ليضعون الاحاديث كذبا على رسول الله صلى الله عليه وآله وافتراء عليه في مذمة امير المؤمنين عليه السلام والترضي عن الخلفاء السابقين حتى شهرها في البلاد ونشرها في العباد وامر بتعليم الصبيان في المكاتيب اياها كذلك هؤلاء كتبوا كتابا واودعوا فيه العقايد الفاسدة والمذاهب الباطلة الكاسدة ونسبوها إلى ذلك العالم العلم والنور الانور الاقدم ( الاقوم خ‌ل ) وكذلك رخصوا الناس بالافتراء عليه والوقيعة فيه وانه أعلى الله مقامه يقول كذا وكذا من المذهب الباطل والقول الهائل وكانوا يلاحظون الناس ويذكرون لكل احد ما يستوحش منه وتنفر طبيعته عنه

فمنهم من يقولون له ان الشيخ يرى ان العلماء من عهد المفيد إلى زماننا هذا كلهم على ضلال وان طريقتهم باطلة وان المجتهدين على الضلال والتضليل ومنهم من يقولون لآخرين ان الشيخ يقول ان امير المؤمنين (ع‌) هو خالق الخلق ورازقهم بالاستقلال وانه يعبده من دون الله ويقولون لجماعة اخرى ان الشيخ يقول ان امير المؤمنين عليه السلام خالق الخلق ورازقهم ومحييهم ومميتهم بتفويض من الله وقد فوض الله تعالى امر الخلق والرزق والموت والحيات إليه واعتزل عنهم ويقولون لجماعة آخرين ان الشيخ يقول ان الضمائر القرآنية الراجعة إلى الله تعالى كلها ترجع إلى امير المؤمنين وخطاب اياك نعبد واياك نستعين إلى امير المؤمنين وهو المخاطب بذلك والمشار اليه ويقولون لجماعة اخرى ان الشيخ لا يقول بالمعاد الجسماني ولا يعتقد ان هذا الجسم الدنياوي يعود ويقولون ان الشيخ يقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله ما عرج بجسمه إلى السماء ليلة المعراج بل انما عرج بروحه ويقولون ان الشيخ يقول ان الله لا يعلم الجزئيات وان علمه سبحانه حادث وله علم آخر قديم وله علمان ويقولون ان الشيخ يقول ان الحسين سيد الشهداء عليه السلام ما قتل وانما شبه للناس وامثال هذه من المزخرفات التي يستبشع طبع كل عاقل بل وسفيه منها وينسبونها إلى ذلك العلامة الذي قد سمعت اتفاق جميع علماء الشيعة ورؤسائهم على جلالة شأنه ونبالة مكانه وهو أعلى الله مقامه بين اظهرهم ويقول لهم يا قوم انما فتنتم بها وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري وانا بري‌ء من هذه العقايد فان وجدتموها في كتبي فها هي كتبي حاضرة فاحضروها بين ايديكم واحضر معكم وابين لكم معانيها واشرح لكم مبانيها واعلموا اني ما اقول الا ما اتفقت عليه كلمة الشيعة ولا ادين الا بما دانت به حملة الشريعة ما قال آل ‌محمد قلنا وما دانوا به ( دنا خ‌ل ) اتقوا الله ولا تشقوا عصى المسلمين ولا توقعوا الفتنة في الدين ولا تشمتوا بنا المنافقين ولا تشفوا بنا غيظ قلوب الحاسدين فاني ما اقول الا الحق وما اقول الا ان الله سبحانه واحد في ذاته وصفاته وعبادته وافعاله ولا شريك لله في شيء من هذه الاحوال فهو سبحانه الواحد المتفرد في خلق الاشياء ورزقها وحياتها ومماتها وهو قوله تعالى هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وان التفويض باطل واعتزال الخلق عن الحق واعتزال الحق عن الخلق يوجب الاستقلال وهو في الممكن محال والتفويض عند الامامية ممتنع في الافعال الاختيارية المنسوبة اليهم لقد قالوا فيها بالامر بين الامرين والله سبحانه يقول هل من خالق غير الله ويقول ماذا خلقوا من الارض وان الضمائر الراجعة إلى الله في القرآن لا يجوز ان ترجع إلى غيره سبحانه نبيا كان ام وليا ام ملكا ام غير ذلك بل هو المراد سبحانه في جميع الاسماء والصفات والله سبحانه يقول فلله الاسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون بما كانوا يعملون وان المعاد انما هو بهذا البدن المحسوس الملموس المرئي في الدنيا لا ببدن آخر ولا بالروح وحده وان رسول الله صلى الله عليه وآله انما عرج بهذا الجسم الدنيوي ببشريته وثيابه ونعله وان الله سبحانه يعلم الاشياء بذاته قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها لن تتفاوت احواله سبحانه لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا وليكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا وانه سبحانه عالم بكل شيء كليها وجزئيها ذاتيها وعرضيها مجردها وماديها علويها وسفليها لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وان الحسين سيدالشهداء عليه السلام سيد شباب اهل الجنة قتل مظلوما غريبا شهيدا وان لي قصائد في رثائه عليه السلام وانه ما بكي بعد خشية الله الا للحسين عليه السلام كما قال الدمستاني رحمه الله في وصف العارفين الكاملين :

ولم‌ يسل منهم مرفوع على بشر الا على معشر في كربلا قتلوا

وان علماء الشيعة هم حفظة الشريعة وحملة الدين والملة وامناء الله في زمان الغيبة وان المفيد رحمه الله عظيم الشأن جليل القدر واسع المنزلة قد رثاه الامام صاحب‌الزمان عليه وعلى آبائه السلام بابيات ثلاث وهي :

لاصوت الناعي بموتك انه يوم على آل الرسول مشوم

ان كان شخصك في التراب موسدا فالعدل والتوحيد فيه مقيم

والقائم المهدي يفرح كلما تليت عليك من العلوم رسوم

وان السيد المرتضى علم ‌الهدى صاحب الثمانين ذو الرياستين الجامع بين العلم والعمل بتصنيفه الشافي قصم ظهور الملحدين المعاندين وقوى مذهب الحق بالادلة والبراهين واظهر فروع الشريعة بواضح الحجة والبينة وبلائه في الاسلام عظيم رحمه الله من سيد بذل مجهوده بنصرة هذا الدين القويم وان شيخ ‌الطائفة بتصنيفه الكتب لا سيما التهذيبين له حق على جميع العلماء المؤمنين والعلامة آية الله في العالمين وهكذا سائر العلماء قد اطنب في مدحهم واصر في نشر مناقبهم وفضائلهم ثم قال لهم يا قوم هذا مذهبي وديني وكتبي لا تخالف ما اقول وان بعض العبارات مبنية على اصطلاحات غير مأنوسة لكم حيث انكم ما مارستموها ولا توجهتم لطلبها فاحضروا عندي او احضروني عندكم حتى اشرح لكم الحال بواضح المقال فلم ‌يلتفتوا إلى قوله ولم ‌يصغوا إلى كلامه وخالفوا قول الله سبحانه ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا وخالفوا ما انعقدت عليه ضرورة الاسلام من ان الظاهر لا يعارض النص وان كل احد اذا بين مراده يصدق لانه اعلم بما في قلبه وادري بما عنده والكلام يجري على المجازات والكنايات والاستعارات ويجوز للعالم ان يجري كلامه كيف يشاء ولا لوم عليه ولا عتب وهذا الاعرابي لما حضر مجلس عمر وقال اني اكره الحق واحب الفتنة واشهد بما لم اره وعندي ما ليس عند الله واعلم ما لا يعلمه الله واصدق اليهود والنصارى وآكل الميتة ولا اركع ولا اسجد وانا ربكم وانا احمد النبي وانا علي فانكر عمر عليه وقال ازددت كفرا على كفرك وامر بضرب عنقه وكان امير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال له عليه السلام مه يا عمر فان الرجل من اولياء الله ما تكلم الا بالحق اما قوله اني اكره الحق فمراده بالحق الموت وكل احد يكره الموت ولا احد يحبه واما قوله احب الفتنة فان الله سبحانه يقول انما اموالكم واولادكم فتنة وكل احد يحب المال والولد واما قوله اشهد بما لم ‌اره فانه يشهد بالله ولم يره بالبصر واما قوله عندي ما ليس عند الله فان عنده الظلم وليس عند الله ظلما واما قوله اعلم ما لا يعلمه الله فانه يتصور لله شريك والله سبحانه يقول ام تنبئونه بما لا يعلم ام بظاهر من القول واما قوله اصدق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهما بعض وهو قوله تعالى قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء واما قوله آكل الميتة الجراد والسمك واما قوله ولا اركع ولا اسجد في صلوة الجنازة واما قوله انا ربكم فيريد بالكم ما جمعه الاكمام وهو الردن لا الضمير المخاطب واما قوله انا احمد النبي فيريد به اني احمده وامدحه واثني عليه واما قوله وانا علي يعني اني عال في اعتقادي لست بمتسافل فاذا اول امير المؤمنين عليه السلام هذه الكلمات التي ظاهرها الكفر لاعرابي عامي فكيف لا تجرونه في كلامي وكذلك العلماء في كلماتهم وعباراتهم المتشابهات التي ظاهرها الكفر كثيرة ولم يحكم احد بكفرهم ولا بفسقهم ولا بنقص في وثاقتهم مع انه ما في عبائري ما يشاكل عبائرهم

وهذا السيد المرتضى علم الهدى ذكر في رسالة صنفها في العقايد وفيها ذكر اسلام ابي طالب ذكر فيها ان الله ليس الها للاعراض ولا للجوهر الفرد مع انه قد علم من ضرورة الاسلام ان الله سبحانه اله كل شيء ولم يحكم احد بكفره ولم يجوز سوء القول فيه مع ان عبارته ظاهرة كالصريحة في ذلك

وهذا المجلسي (ره‌) في كتابه صراط النجاة ذكر المقدورات وجعلها اقساما وقال ان احد الاقسام يقدر عليه الخلق ولا يقدر عليه الله وهذا ظاهر بل صريح في ان الخلق اقدر من الله حيث انهم يقدرون على شيء لا يقدر عليه الله

وهذا الاردبيلي قد جوز التركيب العقلي في الله

والخوانساريان جوزا انتزاع المدد الغير المتناهية من ذات الله

والصدوق ذكر في الفقيه ان الغلات والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي وذكر انه يتقرب الى الله في وضع رسالة في سهو النبي والائمة عليهم السلام وانتم تعلمون ان جميع علماء الشيعة من عهد المفيد رحمه الله الى زماننا هذا متفقون على ان النبي والائمة عليهم السلام لا يجوز عليهم السهو وقد شملت لعنته جميع علماء الشيعة واساطين الشريعة

وهكذا امثال هذه العبارات لامثال هؤلاء العلماء البررة السادات كثيرة جدا لو اردنا ذكرها لاقتضى مجلدا كبيرا فما لكم كيف تحكمون فان كان يجب حمل الكلام على ظاهره ولا يلتفت الى قوله فما بالكم ما حملتم هذه الكلمات على ظواهرها وما حكمتم بكفر قائليها ولا بفسقهم ولا بنقص وثاقتهم ولا فتور في عدالتهم وما تجرون ما اجريتموه فيهم في كلماتي وعباراتي مع انها ليست في الدلالة على ما تزعمون باظهر من هذه العبائر وان وجب الحمل على معنى صحيح اذا تبين من قائله خلاف ذلك فانتم ما شاهدتم اولئك العلماء اصحاب هذه العبارات واكتفيتم بكتبهم من كلمات وعبائر يدل بخلاف تلك العبائر دعتكم حمل هذه العبائر عليها فان كان تكتفون بالفاظ الكتب وعباراتها في الحمل على المعنى الصحيح ما ظاهره كفر صريح فهلاتكتفون مني بما اقول لكم بلساني واخبركم عما في نفسي فكيف تجوزون الاجتهاد في مقابلة النص معي وتجرونه في ولا تجرونه في غيري ولا تجتهدون في كلمات غيري هل جائكم نص من الله او من رسوله صلى الله عليه وآله او من احد الائمة عليهم السلام ان تفعلوا ذلك بهم دوني او جائكم نص من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله او احد الائمة عليهم السلام ان لا تسمعوا قولي ولا تحملوني على الصحة وان تعملوا بظاهر كلامي على زعمكم مع ان ما تزعمون ليس بظاهر من كلماتي ولا تلتفتوا إلى ما تسمعون مني هلا اطعتم ( فهلا اطعتم خ‌ل ) الله سبحانه في قوله تعالى ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا وها انا القى اليكم عقايد الاسلام وعقايد الايمان وهلا قال سبحانه وتعالى ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بما قالوا ولم يقل بما كتبوا هلا تراعون معي ظاهر الشريعة فستذكرون ما اقول لكم وافوض امري إلى الله ان الله بصير بالعباد فلم يلتفتوا إلى قوله ولم يصغوا إلى كلامه واصروا واستكبروا استكبارا وازدادوا عتوا وعنادا ولم يحضروا معه ولم يسئلوا عنه ولم يلتفتوا إلى قوله وكتبوا في البلدان إلى رؤسائها واهل الحل والعقد منها ان الشيخ احمد كذا وكذا اعتقاده فشوشوا قلوب الناس وجعلوهم في الالتباس ولم يكفهم ذلك حتى انهم اخذوا الجزء الثاني من شرح الزيارة الجامعة واتوا به إلى وزير بغداد وفيها من مطاعن الخلفاء ومثالبهم ما شاء الله وقد كان رحمه الله قد ذكر في هذا الجزء حكاية حسن بن هاني حيص ‌بيص ديك‌الجن مع المتوكل والابيات التي قرءها بمحضر منه وانا اذكر تلك الحكاية واشرحها لتطلع عليها لتعرف شناعة فعلهم هذا وقباحته لان ضرره ما كان على الشيخ وحده وانما هو على كل الشيعة نعوذ بالله من شرور الانفس وخائنة الاعين ذكر السيد هاشم التوبلي البحراني في كتاب معالم ‌الزلفى ان المتوكل بعث إلى ديك ‌الجن بعد ما مضت برهة من الليل فلما اخبر بذلك تخيل في نفسه انه ما دعاه في هذا الوقت الا ليسئله عن فضائل اهل البيت فاذا ذكر له شيئا منها قتله حنقا وعداوة لآل ‌محمد عليهم السلام فاغتسل وتحنط واوصى وذهب إليه فلما رآه وجده جالسا وبين يديه شمعة وهو وحده فلما دخل عليه امره بالجلوس وقال اني بعثت اليك لاسئلك عن معنى بيت لك فان اصدقتني اعطيتك بدرة من الذهب والا قتلتك فقلت اصدقك يا امير المؤمنين فقال ما الذي قصدت بقولك :

اصبحت جم بلابل الصدر وابيت منطويا على جمر

ان بحت يوما طل فيه دمي وان كتمت يضق به صدري

اخبرني ما هذا الذي في صدرك قد ضاق به ذرعك فقلت يا امير المؤمنين ان اعطيتني الامان اصدقك قال قد اعطيتك فانشدت فقلت :

مما جناه علي ابي ‌حسن عمر وصاحبه ابو بكر

ثم قال لي ما تقول في يزيد بن معوية قلت رجس كافر ملعون قال لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لاخذت الذي فيه عيناك فقلت انه قال حين ما اتى له برأس الحسين عليه السلام وجعل بين يديه فانشد فقال :

ليت اشياخي ببدر شهدوا وقعة الخزرج مع وقع الاسل

لاهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

لست من خندف ان لم انتقم من بني ‌احمد ما كان فعل

لعبت هاشم في الملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

وهذا انكار منه للنبي (ص‌) وانه من الله وانه ينزل الوحي عليه من الله سبحانه فقال المتوكل لعنه الله من اين اخذ يزيد وعلى قول من استند وبقول من اعتمد في هذا المذهب الباطل ؟ قلت بقول ابيه معوية فغضب المتوكل وقال فض الله فاك واجهد بلاك ان معوية كان كاتب الوحي وخال المؤمنين لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لاخذن الذي فيه عيناك فقلت لما حضرت الوفاة معوية اتت إليه امرأته وقالت لا انكح بعدك ابدا فالتفت اليها وقال :

اذا مت يا ام ‌الحميراء فانكحي فليس لنا بعد الممات تلاقيا

فان كنت قد اخبرت عن مبعث لنا احاديث لهو تجعل القلب ساهيا

فقال المتوكل بعد ما لعنه اخبرني انه عن قول من اخذ وعلى رأي من اعتمد ؟ قلت على قول عمر بن الخطاب فغضب المتوكل غضبا شديدا فقال لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لآخذن الذي فيه عيناك فقلت انه شرب الخمر ذات يوم واتت إليه امرأته ونهته عن ذلك وخوفته الله فانشد فقال :

أ اوعد في الجنان بشرب خمر وانهى الآن عن ماء وتمر

أبعث ثم حشر ثم نشر حديث خرافة يا ام‌عمرو

فقال المتوكل وبقول من استند وعلى رأي من اعتمد ؟ فقلت بقول ابي ‌بكر فاستشاط غضبا وانتفخت اوداجه وقال والله لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لآخذن الذي فيه عيناك فقلت انه شرب الخمر ذات يوم في نهار شهر رمضان فاتت إليه امرأته وقالت ان محمدا صلى الله عليه وآله هدر دم من يفطر في شهر رمضان لا سيما شرب الخمر فانشد عند ذلك فقال :

دعينا نصطبح يا ام ‌بكر فان الموت نفث عن هشام

ونفث عن ابيك وكان قرما شديد البأس في شرب المدام

ايخبرنا ابن كبشة سوف نحيى وكيف حيوة اشلاء وهام

الا من مبلغ الرحمن عني باني تارك شهر الصيام

وتارك كل ما اوحي الينا حديثا من خرافات الانام

فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعني طعامي

ولكن الحكيم رأى حميرا فالجمها فتاهت باللجام

فلما سمع المتوكل منه ذلك امر له ببدرة من ذهب ورخصه فانصرف سالما

انظر الآن ايها المنصف وتأمل بعقلك وميز بسريرتك هل يجوز لاحد ممن يؤمن بالله وفي قلبه رقة على هذه الفرقة ان يُري هذه الحكاية لاهل السنة والجماعة سيما والي بغداد الذي قوله فعله ويجب على مقتضى دينهم ان يوصل الاذية والاهانة لقائل هذا المقال بل فيه هتك الشيعة قاطبة وتعرضهم للقتل والنهب وانواع الاذية وهل هذا الا اضرار للمذهب وتعريض لهذه الفرقة المحقة بانواع البلية كيف ‌ما قدروا باي وجه شاؤا والوقت وقت التقية والمقام مقام الهدنة والشيعة مأمورون بان يستروا عن المخالفين جزئيات احكامهم الفرعية خوفا من وثبتهم عند مخالفتهم وقد سئل مولانا الكاظم عليه السلام عن مسئلة في الحيض فارخى ستور الخيمة واخرج من كان فيها واوصاه بالحفظ والكتمان لسر الله إلى ان بين له حكم المسئلة وقال انه سر الله فلا تذعه فاذا كان هذا حالهم عليهم السلام في مسئلة من مسائل الحيض يأمرون بالحفظ والكتمان فما ظنك في القول بالنسبة إلى الصحابة بما لا يليق فضلا عن هذه الامور الشنيعة وقد كان في تلك الايام قد قتل والي بغداد خال الشيخ الاجل والعالم الافضل الانبل شيخنا الشيخ موسى بن الشيخ جعفر تغمدهم الله برحمته وامطر عليهم سحائب مغفرته قتله والشيخ هناك بتهمة نسبت إليه وافتراءات افتريت عليه دون هذا الذي ذكرنا بكثير بمحض الدعوى بلا بينة ولا شهود مع ان جناب الشيخ موسى كان عنده في الغاية من الاحترام والاعظام فاذا كان هذا حاله بمحض الافتراء باقل من هذه المقالة فما ظنك لو وجده في كتاب وعلم يقينا ان هذا قوله ومذهبه كيف ترى ان يفعل ولا لوم عليه ولا عتب لو فعل كل شيء من قتل ونهب واسر وغير ذلك الا ان يحول الله بينه وبين ارادته ثم اروه ورقة اخرى وفيها تزويرهم ومكرهم ونسبة القول إلى مولينا وسيدنا ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام هو الخالق والرازق والمحيي والمميت وهم لا يثبتون له الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل فكيف يثبتون له هذه الامور ويطيقون ان يسمعوا هذه النسبة إليه والقائل بهذا القول عندهم من افسق الفجرة واكفر الكفرة يجب عليهم قتله وسفك دمه ونهب حريمه على كل وجه وقصدهم ببعث هذا الكتاب ان لا يبقوا للشيخ أعلى الله مقامه باقية بل اضروا لاجله كل الشيعة وهذا بعينه قول ابن الزبير في وقعة الجمل اقتلوني ومالكا

ثم لما اخبر مولينا الشيخ بذلك اغتم غما شديدا وحزن حزنا طويلا لما دخل الضرر على جميع الشيعة وعليه وكان يترقب وقوع البلية في كل ساعة ودقيقة إلى ان لم يتمكن من القرار ولا يسعه الاستقرار واقتضى العلم والتكليف الالهي الفرار ولما كان الفرار إلى الله سبحانه هو الامان من كل مخاوف ففر إلى الله سبحانه ممتثلا لامر الله حيث يقول ففروا إلى الله فقصد حج بيت الله خوفا من فراعنة هذه الامة مقتديا بسيد الشهداء حيث فر منهم إلى بيت الله عن حرم جده رسول الله صلى الله عليه وآله فكذلك الشيخ أعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه انهزم من الظالمين وسار باهله وعياله وابنائه وبناته وزوجاته وباع كلما عندهم من المصاغ والحلى فقصد إلى السفر ذلك السفر الشاق مع ضعف بنيته ونفاد قوته وكبر سنه وشدة خوفه فسافر بالعيال وشد الرحال وابقاني بايدي هؤلاء الارذال وحيدا غريبا بلا ناصر ولا معين الا مدد الله وعنايته وحفظه وكلائته فلما بلغ بعياله وبعض اولاده إلى هدية وهي عن المدينة المنورة بثلاث مراحل اتته رسل الله سبحانه ودعته إلى جوار الله ونادته حي على الفلاح حي على الفلاح فهبت عليه الريح المشوقة فشوقته إلى لقاء الله تعالى ثم هبت عليه الريح المنسية فانسته الدنيا وما فيها ثم هبت عليه الريح المسخية فاسخته لبذل الروح في محبة الله تعالى فانتقل من هذا المحبس المضيق ( الضيق خ‌ل ) إلى الفضاء الاوسع ( الواسع خ‌ل ) الفسيح واتصل باحبته وبلغ اقصى الغاية في مؤانسته واستراح من كرب الدنيا ومحنتها ومن المها وزحمتها ومن كدورتها وفتنتها واستبدل باحباب يستأنس بهم واصحاب لا يفارقونه ولا يفارقهم واتصل فراره الصوري بالفرار الحقيقي وكان قاصدا بيت الله الظاهري فوصل البيت المعمور الحقيقي فلم يزل طايفا حول ذلك البيت ورامقا طرفه إلى نور التجلي المصباح المتوقد من نار الشجرة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار ووقعت بموته ثلمة ما سدها شيء ووقعت زلزلة وولولة ومات كثير من العلماء بعده ووقعت فتنة الجهاد وانكسرت بها شوكة الاسلام وصار المسلمون اذلة للكفار وهلكت انفس كثيرة وهتكت اعراض محترمة وصارت للكفار على المسلمين حجة ومن ذلك صارت للروس جسارة على ملك الروم بعد ما كانوا اذلاء مغلوبين لملكهم واخذوا كثيرا من ممالك روم ( الروم خ‌ل ) واستولوا على بلاد الاسلام وقد تزعزع اركانها وانهدم بنيانها وكادت ( كاد خ‌ل ) ان يضمحل حتى تداركها الله سبحانه برحمته لمصلحة تامة وحكمة عامة رجعت الدولة اليهم ولكنهم بعد مقهورون مغلوبون مطيعون لامر دولة الفرنج وكل ذلك اثر ذلك الجهاد الذي عم البلاد والعباد ووقعت فتن ومحن كثيرة ما ارتفعت الا قبل ايام قلائل وبعد آثارها باقية ما لها من نفاد

وبالجملة فبعد وفاته أعلى الله مقامه وانار برهانه ظنت الجماعة انه تضمحل آثاره وتبلى اخباره وتخمد ناره ويطفئ نوره سكتوا عن الكلام برهة من الزمان تقرب من مدة سنتين او اقل فرأوا ان نوره لم يزل في ازدياد ونجم سعد علومه وآثاره لم يبرح في علو وارتفاع رجعوا إلى ما كانوا بصدده وتعرضوا لهذا العبد المسكين الحقير الفقير فطالت السنتهم علي من غير حجة ولا موجب الا اني اذكر مناقبه وانشر فضائله وادرس في تصنيفاته وابين للناس غرر درر فوائد تأليفاته فبعثوا إلي ان اترك ما انت عليه قلت في جوابهم ان الذي انا عليه معرفة الله واسمائه وصفاته وافعاله وآثاره ومعرفة انبيائه ورسله واصناف خلقه ومعرفة حججه وامنائه ومعرفة النبوة المطلقة والولاية المطلقة ومعرفة التوحيد ومراتبه ورفع الشكوك والشبهات الواردة عليه فان كان البحث عن هذه الامور موجب اضلال الناس وتضليلهم فعلى الاسلام السلام فالخلق لماذا خلقوا والانبياء لماذا بعثوا وقد قال امير المؤمنين عليه السلام اول الدين معرفة الله وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد الحد فيه واجابوا ان الذي تباحث فيه علم الحكمة والحكماء ضالون مضلون قلت لهم وما تنقمون من الحكمة هل في لفظ الحكمة او في معناها فان كان لفظ الحكمة فقد مدحها الله سبحانه في كتابه وذكر انه ما بعث الرسل الا ليعلم الخلق الحكمة وقال عز من قائل هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وقال تعالى في داود ولقد آتيناه الحكمة وفصل الخطاب وقال تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة وقال تعالى ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وامثالها من الآيات الكثيرة والروايات الغير العديدة التي يطول الكلام بذكرها وبيانها وان كان تنقمون على الحكمة لاجل معناها فالحكمة عبارة عن معرفة الله وتوحيده وما يتعلق بمعرفته من اسمائه وصفاته وافعاله وآثار افعاله التي هي كينونات الخلائق والذوات والحقايق ومعرفة النفس من حيث تحليها بالفضائل وتخليتها عن الرذائل ومعرفة السياسة الالهية والحدود الشرعية من العبادات والمعاملات والعقود والايقاعات والاحكام ويدل على ان المراد من الحكمة ما ذكرناه قوله تعالى ولا تجعل مع الله الها آخر فتقعد مذموما مخذولا وهو اشارة إلى التوحيد في مراتبه الاربعة وما يتعلق به من الاسماء والصفات والافعال والآثار فان لم تصفه سبحانه بما يليق بجلال عظمته وكبريائه في اسمائه وافعاله وآثاره فقد اتخذت معه الها غيره ناقص في صفة كينونته ثم قال سبحانه وقضي ربك الا تعبدوا الا اياه اشار إلى توحيد العبادة لانه اظهر مراتب التوحيد ثم قال وبالوالدين احسانا والوالدان اللذان قرنهما الله سبحانه بتوحيده وعبادته ووصفهما بانها المربيان ليس الا النبي والولي لقوله صلى الله عليه وآله انا وعلي ابوا هذه الامة فاشار إلى النبوة والولاية وما يتعلق بهما من صفاتهما واحكامهما ومضافاتهما ومنسوباتهما ثم قال سبحانه اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما إلى قوله تعالى ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها وجميع هذه الآيات منها في علم الاخلاق وتهذيب النفس ومنها في الاحكام الشرعية كما يظهر بادنى تأمل وشرحها يوجب التطويل الممل ثم قال سبحانه بعد ان ذكر معرفة الله وصفاته وآثاره وافعاله واسمائه ونبيه ووليه وتهذيب النفس وعبادة الله سبحانه كما شرعها قال ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة وقد تطلق الحكمة ويراد بها الاصول الخمسة من التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد كما قال تعالى ولقد آتينا لقمن الحكمة ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير فاشار سبحانه بالشكر له إلى علم التوحيد والعدل وبالوالدين إلى النبوة والولاية وبقوله إلى المصير إلى المعاد وهل يكون البحث عن هذه الوجوه التي خلق العالم لاجلها موضع نقمة وما تنقمون منا الا ان آمنا بآيات ربنا لما جائتنا ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين فان كان بعض الناس قد توغلوا في الحكمة على غير الجادة المستقيمة وذلك يوجب الاعراض عنها ولزوم عدم التشاغل بها فيجب الاعراض عن العلوم جلها بل كلها لان ما من علم الا وتكلم اهل الباطل فيه لا سيما علم الفقه العلم بالاحكام الشرعية الفرعية فان اهل الباطل قد اكثروا فيها من البدع والامور القبيحة مثل القول بالقياس والرأي والاستحسان وسائر الامور المخترعة والاهواء المبتدعة وما اريكم قد اعرضتم عنها وضربتم صفحا دونها فان كان البحث والتشاغل لاجل التمييز اي تمييز غثها عن سمينها و حقها عن باطلها وشرابها عن سرابها فكذلك القول بعينه في الحكمة فوجب الخوض فيها والتشاغل بها والترادد في مباحثها لتمييز الحق من الباطل والشراب من السراب والغث من السمين فلماذا ما انكرتم الخوض والتشاغل في غيرها وانكرتم فيها فما لكم كيف تحكمون افلا تبصرون فاجابوا بان الخطر في الخوض في الحكمة والتشاغل فيها عظيم لان الخطأ فيها يوجب الخلود في النار بخلاف التشاغل في غيرها فان خطره هين والخطأ فيه لا يوجب الخلود في النار والدوام في دار البوار قلت يا سبحان الله اذا ما اشتغلتم فيها من اين تعرفون حقها من باطلها والاعتقاد الردي من الاعتقاد الحسن ولعل الشخص في كفر وزندقة ويتخيل انه التوحيد ومعذلك تضعف القلوب وتميل إلى كل شبهة وتكون مصداق قول امير المؤمنين عليه السلام همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح وهو قوله تعالى واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون فالقلب اذا لم يكن على بصيرة ولم يكن على بينة واضحة ونور ساطع وسراج زاهر لامع لم يتمكن من دفع الشبهات الواردة والشكوك الحاصلة ولم تزل تتوارد الشبهات حتى تخرج الانسان عن الاعتقاد الحق ولذا لما سئل ذلك العالم ( الرجل خ‌ل ) عن وجه التناقض بين قوله عليه السلام في الدعاء يا من هو قبل كل شيء يا من هو بعد كل شيء وما علم من ضرورة المذهب والدين ان الجنة والنار باقيتان ابد الآبدين لا نفاد لهما ولا اضمحلال بل باقيتان مدة دوام ملك الله فاذا كانتا لا تفنيان فكيف يكون الله سبحانه وتعالى بعدهما فاجاب بان من المعلوم من القواعد اللغوية ( العربية خ‌ل ) انه ما من عام الا وقد خص فالله سبحانه بعد كل شيء الا الجنة والنار فانهما لا تنقطعان انظر إلى هذا الجواب الباطل والقول الهايل فلو انه خاض في معرفة الله كما امره الله سبحانه وكلفه من معرفة توحيده واسرار تفريده وتجريده عرف ان الله سبحانه لا يتفاوت له الحال ولا تتغير نسبته ولا تكون فيه سبحانه جهة وجهة فقبليته عين بعديته وهو قبل في عين كونه بعدا وبعد في عين كونه قبلا اولا ( اول ظ ) في عين كونه آخرا آخر في عين كونه اولا قريب في عين كونه بعيدا وبعيد في عين كونه قريبا لم تجر عليه النسب والاضافات ولم تختلف عليه الحالات ولم تعتوره الصفات المختلفات ولا تتفاوت نسبته قبل خلقه وبعد خلقه ولا ذكر للامكان في القديم سبحانه وتعالى عما يقولون وعما يصفون علوا كبيرا فلو انه تعمق ونظر وتفكر واستبصر عثر على قول مولانا الصادق عليه السلام على ما رواه ثقة‌الاسلام ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه وما رواه الصدوق (ره‌) في التوحيد من خطبة مولانا الرضا عليه السلام في مجلس المأمون وفيها كلما في المخلوق يمتنع في خالقه فبالجملة والتهاون وعدم التشاغل في معرفة الله سبحانه يوجب الوقوع في امثال هذه الورطات والهلكات وقد قيل لعالم ممن يدعي العلم والرياسة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد عرج إلى السماء بالليل فكيف صلى صلوة الظهر وصلوة الظهر لا تكون الا عند كون الشمس في دائرة نصف النهار اين النهار من الليل اين نصف النهار من نصف الليل وكيف كانت هذه الصلوة فبهت وتحير ثم نظر وتفكر فقال انه صلى صلوة القضاء ثم قيل له كيف يترك رسول الله الصلوة وكيف تقضى صلوته قال انه صلى صلوة النيابة انظر إلى هذا الرجل من عدم التشاغل بمعرفة الله وبكيفية آثار خلق الله وعدم الرضاء بان يقول اني ما اعلم كيف اوقع نفسه في هذه الورطة المهلكة وقد ذكر بعض العلماء في بعض تصانيفه ان الله ليس له مكان والا لمازج القاذورات وهذا صريح في الجسمية لان الامتزاج صفة الاجسام ولو كان له سبحانه مكانا لا يجوز ان يخلو منه مكان فيجب ان يكون في القاذورات والنجاسات والا لخلا منه مكان ولما كان هذا الامتزاج محال يجب ان لا يكون له مكان

وبالجملة امثال هذه الامور كثيرة ومثل هذه الهفوات غير عزيزة كل ذلك انما جري لعدم التشاغل في معرفة الله والقول بان ذلك ليس تكليفنا ووقعوا فيما وقعوا وبهتوا وتحيروا فيما تعتريهم من هذه الشبهات وترد عليهم الاشكالات فاجابوا بان معرفة العوام كافية لنا و المعرفة الاجمالية مجزية والخوض في تفاصيلها والبحث عن مسائلها غير واجب ولا لازم قلت نعم المعرفة الاجمالية اذا صحت بحيث اذا فصلت لم يضطرب ( لم يضطرب صاحبها خ‌ل ) ولم يختلف ولم يتحير كافية في كونه مسلما من المسلمين وموقنا من الموقنين ولكن العلماء والفقهاء من اصحابنا ومن جميع فقهاء الاسلام متفقون على انه يجب كفاية ان يكون شخص عالما بتفاصيل علم الحكمة والكلام ومعرفة حقايق الاشياء ودقايقها وتفاصيلها وجهات الشبهات الواردات عليها حتى يكون حاضرا يدفع عن الاسلام ما يرد عليه من الشبهات وما يرد على الايمان من الشكوك والخيالات ويعرف مكائد ابليس ومواقع شبهه ولا شك ان ابليس لا ترد شبهته ( شبهه خ‌ل ) من جهة واحدة بل من جهات شتى وعلوم شتى قد تكون شبهته من باب النجوم وقد تكون من باب (خ‌) علم الهندسة وقد تكون من باب علم الطلسمات والنيرنجات وقد تكون من باب علم الحروف وهكذا جهات شبهاته مختلفة ومواقع مكائده متشتتة فلا بد ان يكون عالما حكيما كاملا يعرف تلك الجهات ويكون له نور التوسم حتى يدفع الشبهات ويدفع حجة المتنبي وشكوك اهل التصوف فانها اعظم داء لهذا الدين القويم واعظم حجاب لهذا المذهب المستقيم والواجب الكفائي هو الذي يكلف به جميع المكلفين فاذا قام واحد به سقط عن الباقين فعلي هذا يجب على المكلفين ان يبذلوا مجهودهم في تحصيل الحكمة والكلام والمعارف الالهية مقدار ما تقوم به الكفاية وهذا لا يكون الا بان يشتغل فيها خلق كثير حتى يكمل منهم اثنان او ثلاثة او اربعة حتى لا تخلو الارض ممن يقوم بحجج الله ظاهرا مشهورا من نواب الامام عليه السلام وهذا علم الفقه فانكم تزعمون انه واجب كفائي وابطلتم قول الحلبيين ( حنبليين خ‌ل ) القائلين بالوجوب العيني واكتفيتم بالتقليد فما بالكم توجبون البحث والخوض واجتماع الناس لتحصيل واجب كفائي وتمنعونهم عن البحث والخوض في تحصيل واجب كفائي آخر وانتم متفقون بانهما واجبان كفائيان كما تكفي المعرفة الاجمالية في اصول الدين يكفي التقليد في الفروع فلماذا الزمتم على الناس البحث والخوض في علم الفروع حتى تحصل له ملكة الاستنباط لاجل تحصيل الواجب الكفائي ومنعتم الناس عن البحث والخوض في تحصيل المعارف الالهية والعقايد الاصولية وهل يجب الخوض في الفروع ولا يجوز في الاصول ان هي الا قسمة ضيزي وهنا صح المثل المشهور زيادة الفرع على الاصل اذا لم يحصل الاصل الثابت فكيف تتفرع الفروع ثبت العرش ثم انقش ثم انا ما نتكلم في كل ما نتكلم من المعارف الالهية والحقايق الربانية ومعرفة الافعال والآثار والاسماء والصفات ومعرفة النبوة والولاية بمحض دلالة العقل وان كانت عندكم كافية كما هو شأن غيرنا من المتسمين بالحكماء فانهم يتكلمون بمحض العقل في المعارف الالهية طابق الشرع ام لا ونحن بعون الله لم نسلك هذا المسلك ولم ننهج هذا المنهج بل نراعي دلالة العقل اولا ثم ننظر دلالة الآيات المحكمة على ما دل عليه العقل ثانيا ثم ننظر دلالة السنة من الاحاديث المسلمة المشهورة الغير المتشابهة على ما دل عليه الكتاب الذي دل عليه العقل ثالثا ثم ننظر إلى المذهب ومطابقة الثلاثة معه فان خالف تركناها لان المذهب اثبت واقوى رابعا ثم ننظر إلى الآيات المرئية في الآفاق والانفس من قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق خامسا ثم نحكم بحقية تلك المسئلة وقطعيتها اذ لا سبيل جعلها الله سبحانه لنا في الحق غير هذه الوجوه فاذا تطابقت وجب ان يكون حقا او يكون الله سبحانه مغريا بالباطل وحاشاه ثم حاشاه فاذا باحثنا في علم المعارف والعقايد على هذه الوجوه فاي ضلال يلزمنا واي محذور نخشاه فلماذا نترك الحق الواضح والطريق اللايح فماذا بعد الحق الا الضلال اتأمرنا ان نترك الحق ؟ اجابوا بان لا نريد منك ترك البحث والدرس في هذه المعارف الا انك سلكت مسلك الشيخ ونهجت منهجه وقلت بقوله قلت واي عيب في مسلكه واي قصور في منهجه اليس علماؤكم وعلماء الاسلام الذين عليهم المدار في النقض والابرام كلهم (خ‌) شهدوا له بالوثاقة والجلالة والعلم الغزير والفضل الواسع والنور الساطع وقد قام الاجماع وانعقد من جميع علماء الشيعة على جلالة  شأنه ونبالة مكانه واي محذور يلزمني اذا اتبعته وقبلت شهادة هؤلاء الاعلام مع ما بذلت مجهودي في التجسس والتفحص عن حاله طلبا للهداية وتجنبا عن الغواية قربة إلى الله طالبا رضا الله وغير طالب لدنياه اذ ما انتفعت منه أعلى الله مقامه من الامور الدنيوية شيئا وصحبته في السفر والحضر وعاشرته في الليل والنهار فلم ‌اجد منه الا اشرف الخبر في العلم والعمل مع ما ظهرت لي من الدلائل الواضحات والبراهين اللائحات من الائمة السادات عليهم سلام الله من رب البريات على حقيته ووثاقته فما الذي يوجب العدول عنه وعدم قبول شهادة اولئك الاعلام والفحول من العلماء الفخام والسادة من الفضلاء الكرام فان كنت مقلدا تابعا فتبعية جميع علماء الاسلام مع غزارة علمهم وجلالة شأنهم وعموم رياستهم وشمول سلطنتهم الحقيقية اولى واحرى بمتابعة شخص واحد غير مطلع على هذه العلوم والمعارف غير سالك سبيلها غير ناهج منهجها وغير عارف بمصطلحاتها واي حجة في قوله على اذا كان لا يعرف شيئا من هذه العلوم وان كان بصيرا في الفقه والاصول ولا شك ان اباه تغمده الله برحمته واسكنه غرفات جنته ابصر منه واعلم واورع واعرف بمواقع الاحتياطات وهو رحمه الله قد اعترف بالعجز عن معرفة كلام هذا العالم العلم الرباني فتقليد اولئك الاعلام اولى من تقليد شخص واحد كما وصفته وجماعة من العوام كالانعام اشباه البهائم وان كنت محققا ناظرا بصيرا مكلفا بالذي افهمه فها انا قد اخبرتكم باني ذخرت محبته ومتابعتي له ليوم فقري وفاقتي إلى الله وارجو من الله ان يحشرني محشره ويرزقني شفاعة نبيه صلى الله عليه وآله بكرامته فان كان عندكم برهان غير ما ذكرت ودليل غير ما بينت يوجب العدول عنه هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين فاجابوا بان اولئك العلماء لم يعثروا على ما عثرنا ولم يتبين لهم ما تبين لنا فلا نكلف باقوالهم قلت هذا بعينه قول السلف الاول لما قال لهم بريدة الاسلمي ان رسول الله صلى الله عليه وآله نصب امير المؤمنين عليه السلام للخلافة فما الذي عدل بكم عنه إلى ابن ابي ‌قحافة قالوا له حضرنا وغبت والشاهد يرى ما لا يريه الغايب ولعمري ان هذه العبارات التي يدعونها ويزخرفون في معانيها في رسائل كتبها أعلى الله مقامه قبل ان يخرج من الاحساء وقبل ان يتوجه إلى العجم وكتبه بحمد الله كانت مشتهرة وهذه العبارات وامثالها مرت على انظارهم

ثم نقول مع قطع النظر عما ذكرناه من ان العلماء عثروا على تلك العبارات ولن ‌يجدوا فيها دلالة على ما يدعونه من تلك المزخرفات نقول ان علماء الاسلام وعلماء الفرقة المحقة قبل جناب السيد السيد مهدي كانت متفقة الكلمة متطابقة المقالة على وثاقته وجلالته ولم يكن عليه نكير وقال صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة فاذا اتفقوا وجب ان يكونوا على الحق فتكون جلالته حقا ثم ان الله سبحانه يجب ان يبين لهم فساد حاله وفساد اعتقاده حتى لا تتفق كلمتهم في ذلك العصر على باطل ثم على فرض التسليم لما ذكروا مع انه محال ان يكون اتفاق جميع العلماء من الفرقة المحقة التي يدور الحق فيهم على الباطل قلنا لهم ما الذي تبين لكم وعثرتم عليه من فساد عقايده وبطلان ما في ضميره من غير المزخرفات من الافتراءات ؟ قالوا اربع عباير في اربع مطالب :

منها عبارة في المعراج تدل على ان النبي صلى الله عليه وآله قد القى كل عنصر من عناصر وجوده في مكان ذلك العنصر فالقي النار في كرتها والهواء في كرته كالماء والتراب وكذلك الماء والتراب خ‌ل

مع ان المعروف من المذهب والمعلوم من الدين صعوده بجسمه

ومنها عبارة في المعاد تدل على ان عناصر البدن كل عنصر يلحق بمركزه ثم لا يعود مع ان ضرورة الاسلام قامت على عود البدن الجسماني

ومنها عبارة في العلم تدل على ان لله تعالى علمين علم قديم وعلم حادث ولا ريب ان الحادث لم يكن ثم كان ويلزم منه ان يكون علم الله متجددا حادثا كان في وقت لا يعلم

ومنها عبارة تدل على ان الامام علة فاعلية ويلزم منه ان يكون اما مستقلا في الاحداث والفعل او يكون مفوضا إليه وكلاهما باطلان لضرورة الاسلام فخالف ضرورة الاسلام في هذه المسائل الاربع فلا يصح الرجوع إليه والتعويل عليه والمتابعة له ومن هذه الجهة نهيناك عن اتباعه وعن نشر مطالبه

فلما سمعت هذا منهم قلت اليست هذه المسائل هي التي انكرتم عليه فيها في حيوته اليس هو انكر التزام صحة هذه المسائل على ما ذكرتم اما عرض عليكم ان تحضروا العبارة لدي حتى افهمكم وافسر لكم حكم المراد منها الستم ابيتم عن ذلك وهل بقي لكم حجة بعد ذلك وهل يعارض الظاهر النص اما تدرون ان العلماء لهم اصطلاحات لا تعرف الا من جهتها وان لا مشاحة في الاصطلاح وان الكلام يجري على وجوه من انحاء التجوزات والاستعارات والتشبيهات والكنايات وانحاء الاصطلاحات واجراء الكلام من قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة وقد قال مولينا الصادق عليه السلام اني لا تكلم بكلمة ( بكلمة واحدة خ‌ل ) واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج ولو شاء انسان صرف كلامه حيث شاء ولا يكذب فان ابراهيم نظر نظرة في النجوم وقال اني سقيم وما كان سقيما ولم ‌يكذب وقال بل فعله كبيرهم ولم ‌يفعل كبيرهم ولم ‌يكذب ابراهيم فاذا كانت هذه الوجوه تحتمل من الكلام فما ظنك بالعبارة مع اجماع المسلمين وضرورة المذهب والدين ونص الكتاب المبين ان لا عبرة بالكتاب ولا بالعبارة وانما العبرة بصريح المقال الظاهر في المراد بما لا يحتمل خلافه في العرف واما اذا كان المتكلم يحتمل في حقه ان يريد خلاف الظاهر وادعى ذلك يجب التصديق له وعدم مخالفته لانه ابصر بمراده واعرف بمقصوده وضميره فكيف بالعبارة وقد ذكرنا مرارا ان اجماع المسلمين منعقد على عدم اعتبار الكتابة اذا نص الكاتب بخلافها ومخالفته مخالفة الضرورة فباي بيان عندكم واي برهان لديكم واي شيء يقطع ذلك الاجماع هل بهذا تحتجون اذا سئلكم الله يوم العرض الاكبر وبهذا تستدلون اذا سئلكم رسول الله صلى الله عليه وآله عند المخاصمة يوم المحشر

ماذا تقولون اذ قال النبي لكم ماذا صنعتم وانتم آخر الامم

وما تقولون في جواب امير المؤمنين اذا قال لكم وهو حامل اللواء على منبر ( المنبر خ‌ل ) الوسيلة آلله اذن لكم ام على الله تفترون يا قوم اتقوا الله وقدموا من قدمه الله خذوا عمن علمه الله ولا تبخسوا الناس اشيائهم ولا تعثوا في الارض مفسدين بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن السبيل ( سبيل الله خ‌ل ) وتحسبون انكم مهتدون فما افادهم هذا الكلام ولا نفعهم هذا الزجر التام واصروا على ما كانوا عليه من الانكار والاصرار بلا علم ولا هدي ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله ويتبع كل شيطان مريد ثم جمعوا واجتمعوا وجلسوا مجلسا يوم الجمعة اول جمعة من شهر رجب واجتمع فيه خلق كثير تبلغ عددهم الوف ولا واحد منهم ( يبلغ عددهم الوفا وما فيهم من خ‌ل ) يصدقني واحضروني في ذلك المجلس الشديد وانه ليوم عصيب وجاء القوم يهرعون من كل جانب ولهم من رؤسائهم جواذب وانا اذ ذاك بينهم وحيد فريد فقال لي واحد منهم في ذلك المجلس ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين واني لي والخروج وقد حف القوم بي من كل جانب ومكان شاكين باسلحتهم مشتملين بارديتهم كانهم اتوا للجهاد بين يدي المبعوث من رب العباد فلما استقر بنا وبهم الجلوس سألتهم لماذا هذا الاجتماع وما الموجب لهذه الغوغاء هل سمعتم ورأيتم مني خلافا للشرع او العرف او الدين او المذهب اجتمعتم لتثبتوه علي وتقيمون الحد قالوا لا قلت فاي شيء اذن اجتماعكم وغوغائكم وضوضائكم قالوا نريد ان نسألك عن عبارات الشيخ ونبين انها كفر قلت فهلاسئلتم منه في اليوم الاول لما طلب منكم ذلك حتى يفسرها لكم وبعد ما ابديتم الفضيحة واظهرتم الشناعة واملأتم الامكنة والاصقاع من القول الباطل والمذهب العاطل آلآن وقد عصيتم قبل ثم ان الرجل قد انتقل من دار الدنيا إلى الدار الآخرة ليس له حضور حتى يبين لكم مكنون ضميره عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم قالوا لا بد من ان ننظر إلى كلماته بعد مماته ونسئلك عنها قلت ان اهل الباطل من الاموات كثيرين فهل صنعتم في عبارة احد من الاموات مثل صنيعكم هذا قالوا ان له تبعة يعتقدون معتقده فيضلون قلت وكذلك اموات من اهل الباطل لهم تبعة ومريدون يتبعون اعتقادهم ويتجاهرون بها وهم قبل الشيخ فهلا احضرتموهم واتباعهم حتى تثبتوا عليهم فساد معتقد شيخهم ليرتدعوا ويرجعوا إلى الحق وان لم ‌تعرفوهم فاني اعرفكم باسمائهم وكتبهم ومقالاتهم وعباراتهم ثم ثنوا بالشيخ واتباعه قالوا ما لك إلى ذلك من سبيل بل لا بد من بيان هذه العبارات قلت إنا لله وإنا إليه راجعون هاتوا ما عندكم فأظهروا تلك العبارات التي قد سبق مضمونها وكنت قبل ذلك شارحا لتلك العبارات ومفسرا لها وموضحا لمعانيها وإن تلك العبارات مطابقة لما عليه ضرورة الإسلام وهي مدلولات الكتاب والسنة وسميت تلك الرسالة بكشف‌الحق ولم ‌أترك هناك لذي مقال مقالا ولا لذي حجة برهانا واستدلالا وتلك الرسالة مشهورة معروفة اشتهرت اشتهار الشمس في رابعة النهار ولا أظن بلدة خالية منها فما نفعتهم تلك الرسالة بذلك البيان التام الوافي والشرح العام الشافي ثم أبرزوا عبارة عن ذلك الشيخ القمقام وعلم الأعلام والنور التام ما صورتها أن الجسد العنصري لا يعود قالوا لي قل ان هذه العبارة كفر أم لا قلت على الذي أفهمها وأدين الله بها ليس فيها كفر ولا زندقة ولكنكم أخبروني عن الجسد بحسب اللغة على ما ذكره في القاموس والصحاح ومجمع‌البحرين دون ما اصطلح عليه الحكماء كم معنى ذكروا له قالوا ما نعرف قلت يا سبحان الله إذا لم ‌تعرفوا معاني الجسد وإطلاقاته على ما عند أهل اللغة فكيف ( كيف خ‌ل ) تنكرون على هذه العبارة لعل الجسد له معنى لو قلتم بعوده كفرتم قالوا نحن نريد فهم العوام قلت هل اللغة إلا فهم العوام فكرروا ثانيا إنا نريد فهم العوام وجميع من حضر ولا واحد منهم صدقني أو ساعدني وقال ( وقلت خ‌ل ) إن فهم العوام أي مدخلية له في المقام وكلما لم ‌يفهمه العوام لو كان باطلا للزم بطلان كتب العلماء ولا شك أن الحطاب والبقال لا يعرفون عبارات شرح ‌اللمعة ولا يعرفون مسئلة الأمر بين الأمرين ولا يعرفون أن الأمر بالشيء ينهي عن ضده الخاص أو العام هل يسوغ لهم أن يحكموا ببطلانها فهذا خرق اتسع على الراقع فلما رأيت قلة انصافهم وغلظة جورهم واعتسافهم قلت لهم ماذا تريدون قالوا نريد ان تكتب ان هذه العبارة كفر فكتبت لهم ان هذه العبارة اذا لم يكن لها بيان مقدما ومؤخرا اذا ( وخ‌ل ) لم يحذف منها شيء من اولها او وسطها او آخرها كفر بحسب فهم العوام كقوله تعالى يد الله مغلولة وقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ولا ريب انه كفر بحسب متفاهم العوام اذ ليس لله يد ولا وجه من الجوارح وابرزوا بعض العبارات منها محرفة ومنها لم يعرفوا ان يقرؤها فارادوا مني ان اكتب على ما هي عليه فكتبت هذه الصورة ومرجع القول انه كلام متشابه نسئل تفسيرها من قائلها كالآيات القرآنية والاحاديث النبوية والولوية وبالجملة لا اعتبار بالقرطاس فلما لم يبلغوا مني مرادهم ولم يقدروا ان يتشبثوا بي بشيء من زخاريفهم وعجزوا والحمد لله ما قدروا ان يثبتوا علي شيئا من الباطل الذي يزخرفونه قالوا نريد ان تثبت اجتهادك عندنا فلما بلغ كلامهم إلى هذا المقام قال صاحب المجلس قد تبين الرشد من الغي انتم قبل ذلك تحتجون عليه بفساد في العقيدة لمخالفته للضرورة فالآن تبين عندنا انه على صفاء الاعتقاد وانتم تطلبون منه الآن ان يثبت اجتهاده ها انتم تدعون الاجتهاد فاذا وجب ثبوت الاجتهاد بالاجلاس باحضار الناس فمتى ما احضرتم واجتمعتم واثبتم اجتهادكم فنحضر فلانا ان يجلس معكم مجلسا آخر لاثبات اجتهاده فبان ان قصدكم غير الله وفي هذا الاثناء اذن المؤذن لصلوة الظهر قمنا للصلوة وتفرق المجلس فغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وظهر الحق والحمد لله رب العالمين ومن قلة انصاف الحضار في ذلك المجلس ابادهم صروف الدهر ولم يبق منهم اي من اهل الحل والعقد احد الا واحد من حاضري ذلك المجلس لكنه كان من الاتباع والاذناب ولم يكن له قابلية السؤال والجواب ثم ما كفاهم ذلك بقوا يثيرون الفتنة ويهيجون للفساد نائرة ويدفعها الله سبحانه كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين ثم مرة اخرى صاحوا بالناس وجمعوهم في حضرة العباس ونشروا الالوية والاعلام واجتمعت عليهم الطغام واللئام لاخراجي من البلد بغير جرم اجترمت ولا ذنب اذنبت إلى ان رد الله كيدهم في نحورهم و ماتوا بغيظهم وردهم الله خائبين عن نيل مقصودهم ومرادهم وافعالهم من ذلك القبيل كثيرة واعمالهم من هذا النمط عديدة واذياتهم لي شديدة يتكرم الانسان عن ذكرها فالاولى والاحرى طيها عن نشرها فان الاوقات اشرف من صرفها في تسطير هذه المزخرفات وبيان الترهات والله المستعان وعليه التكلان ثم الخطب الافضع والامر الاعجب الاشنع قصة اهل النجف فانهم بعد ما كانوا ينقمون على السيد مهدي واتباعه بانه إلى الآن ما جرى في الشريعة الاحمدية ولا ذكر في الطريقة المحمدية على الصادع بها آلاف سلام وتحية ان يوقعوا هذه الفتنة الصماء والداهية الدهماء لاجل عبارات ينادي صاحبها بعدم ارادته ما يترائى من ظاهرها ولا شك ان كل متكلم مصدق في ارادة مراده من كلامه والعبارة والكتابة ليس لها تأثير الا بقراين كاشفة عن ان مراد قائلها هو الظاهر منها والا فلا يصح التعويل عليها لا سيما اذا كان قائلها ينص على مراده وينفي الذي يفهمه غيره لا سيما اذا كان الغير ممن ليس له اهلية لفهم المراد ولا يزالون يلهجون بهذه الكلمات نصرة للحق وينقمون على مخالفينا بل ينسبون بعض الاوقات جناب السيد مهدي إلى هيجان المرة السوداء ولم يزل ذلك دأبهم وشأنهم إلى ان صار ما صار مما لست اذكره فظن شرا ولا تسئل عن الخبر عثروا ( حتى عثروا خ‌ل ) على عبارة في الرسالة التي صنفتها في علم الاخلاق وتهذيب النفس وما يكون العبد المؤمن عليه في افعاله واقواله وحركاته وسكناته ولحظاته وجلساته وسائر احواله وعثر فيها على عبارة هذه صورتها : واعرض عن كتب القوم لا سيما العامة العمياء فلما رآها ونظر اليها صاح وناح وعرف من هذه العبارة اني انكر الاجتهاد والتقليد وانكر طريقة المجتهدين وانكر الكتاب والسنة واني قد اخترعت مذهبا آخر فشيعه في الناس وادخل في قلوبهم الوسواس واوقعهم في شبهة والتباس حتى ان الناس قد تشوشت قلوبهم وزاغت ومالت إلى الباطل مع انا قبل هذا الكلام بشهر اجتمعنا في مشهد الحسين عليه السلام مع كمال المودة والمحبة والانس ثم لما رجع إلى المشهد عمل هذا العمل في موسم زيارة المولود ثم اني كتبت إليه خطا وذكرته ما كان ينقم على من كان قبله وقد كر إلى ما فر منه ثم ما اتاني الجواب وحصل منه الاعراض من كل باب ثم اني شرحت تلك الكلمات مع كلمات قبلها وكلمات بعدها وبينت له المراد وذكرت له ما كان غير خاف عليه في مستجنات الفؤاد وبينت له حقيقة العبارة وشرحتها بصريح الالفاظ دون الاشارة فلم يلتفت اليها ولم ينظر اليها ولا اجابني عن شيء من ذلك ولست ‌ادري اي قاعدة اجريها وباي شريعة عمل بها فان كنت مبطلا وجب عليه ارشاد الضال واهداء المستبصر وكان يعلم من حالي ما كنت بممتنع عليه لو ارادني اينما كنت واينما كان هلاصبر حتى يواجهني واواجهه ويخاطبني واخاطبه ويبين لي فساد ما قلت ثم ينظر هل لي عذر مقبول فيقبل وان لم يكن لي عذر موجه فيردد معي الكلام كما يفعل بسائر تلاميذه حتى يعرف مني العناد بعدم الانصاف وسلوك مسلك الجور والاعتساف فاذا تكلم بعد ذلك فمعذور ولكنه ما اجرى ما ذكرنا فاول ما نظر العبارة اظهر الاعراض وادخل في القلوب الامراض وهيج نائرة لصدور المرض ولم يتكلم معي بشيء ثم لما ابتدئته بالكتاب ما كتب لي الجواب مع قوله عليه السلام ان رد الكتاب واجب كوجوب رد السلام ثم اني كنت مستنصحه ومسترشده ومطالب له بحجة وبينة في فعله هذا وتشييعه الفاحشة في الذين آمنوا والايمان الثابت باعترافه كرة بعد اخرى ومرة بعد اولى كيف يزول بمجرد هذه العبارة التي لا تدل على شيء مما قال باحدى الدلالات الثلاث فان كان فعل ما فعل عن بينة شرعية وحجة الهية فلماذا ما ابداها لي وانا قد طلبتها منه وان كان بلا حجة شرعية وبينة الهية فعل ( فلماذا فعل خ‌ل ) ما فعل فهذا الذي قلنا لك مما لم نوضح اكثر من هذا ثم اني اوضحت العبارة وفسرتها وبينتها وازحت اشكالها وفصلت اجمالها وبينت اعضالها وذكرت اعتقادي فيما نسب إلى من انكاري للاجتهاد والتقليد والكتاب والسنة وانكاري على العلماء من الفرقة المحقة وبعثتها إليه واستدعيت منه النظر اليها ومطالعتها واعطاء التأمل حقه فيها فارى لم يكتب لي جوابا ولم يخاطبني بخطاب وهو مصر على ما هو عليه مما دعيه الداع إليه فان لم ‌ينظر إلى الرسالة ولم يطالعها وجعل الناس في شبهة وحيرة وفتنة وقع بعضها في بعض وانكر بعضها على بعض وسب بعضها بعضا وانه ( فانه ظ ) والله لظلم عظيم وحوبة وخيمة عاقبتها وعرة مسالكها وان نظر اليها وتبين اني محق لست بمبطل فلماذا لم يبينها ولم يظهر للناس انه كان مشتبها ولم يكن ذلك بنقص له لانه ليس بمعصوم وكم من امور تشتبه على فحول العلماء ثم يتبين له الصواب فيعدل عنها ويقول بالحق كما كان ذلك دأب والده العلامة ( الشيخ جعفر خ ) اعلى الله في الفردوس الاعلى مقامه لقد كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم وكم من امر حصل له الاشتباه ثم تبين انه مشتبه ابان للناس بمحضر العوام والخواص وقضاياه رحمه الله في هذا المعنى مشهورة ولدي اهل النجف وغيرهم معروفة هلااقتدى بابيه ومن يشابه ابه فما ظلم وان كان تبين له فساد ما ذكرناه في تلك الرسالة الشارحة ( لما قلنا خ‌ل ) فوجدها باطلة ومعانيها فاسدة فهلابين وجه فسادها وشرح خطائها من صوابها وذكر ان الشبهة دخلت عليك في المقام الفلاني ما هذا السكوت والاعراض عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة هلاسكت اولا لو كان لا بد له من السكوت حتى يريح ويستريح ثم اني رأيته قد سكت عني وحدي ولم يتكلم معي وارى خطوطه صاعدة نازلة إلى من يسئله والذي لم يسئله ولقد وقع بيدي احد الخطوط التي ارسلها إلى البصرة باني لم اجوز لاحد ان يرجع إلى السيد كاظم في امر من امور الدين من الاصول والفروع هل امره الله بهذه الافعال المتناقضة فاطاعه ام نهيه عنها فعصيه ام رأى مذهبا لم يره الله ورسوله فاسسه ام لم ير حرمة لاولاد رسول الله صلى الله عليه وآله فيراعيها اهكذا اوصى رسول الله صلى الله عليه وآله بذريته ؟ ما ادري ما اقول السكوت اولى والمشتكى إلى الله ولا حول ولا قوة الا بالله ثم لم تزل خطوطهم في الاطراف تترى واصحابهم لم يزالوا متعمدين الاذية والايذاء لآل الله وهو يطلع عليه ويسكت عنهم واعجب منه ان عديله ومثيله يقول باني لم يتبين لي شيء لكنه عالم تكلم وحكم فامضيت حكومته

انظر إلى هذا الكلام المتدافع والقول المتناقض واي حكومة في البين وهو إلى ان مات كان يدعي الاشتباه ومتى جرت قواعد الحكومة من حضور الخصمين والترافع من الجانبين واقامة الشهود حتى يحكم ويمضي الشيخ الآخر حكومته فان كان الحكم من جهة ان الحاكم يحكم بعلمه وهو ( فهو خ‌ل ) لا يدعي العلم بل يدعي الشبهة والاشتباه ومازالت تلك دعويه حتى خمدت انفاسه وسكنت حواسه وبطل احساسه وانهدم اساسه وبطل قياسه ولم يبلغ التماسه ثم اذا تبين خطأ الحاكم وجب نقض حكمه بالاجماع واي خطأ اعظم وافحش من هذا الحكم على ما بيناه فان الذي ذكرت بمرأي ومسمع من الكل واطلع عليه الجل والقل فان انكروا وكتموا يصدق عليهم قوله تعالى يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ثم لما طالت عليهم الالسن وعابهم على فعلهم ( الحر خ ) والقن الوضيع والشريف والعالي والداني والمحب والمبغض والمخالف والمؤالف بانكم تتكلمون على رجل هو بين اظهركم وتكتبون إلى البلاد البعيدة مساوي تنسبونها إليه وانتم ما سئلتم منه مسئلة ولاخاطبتموه بكلمة لعل له عذر مقبول او لعله يوافقكم ويرتدع فاذا عرفتم منه عدم الارتداع شأنكم وما تفعلون وهكذا كلام الناس وهم لا يصغون اليهم لعلمهم بانهم اذا شافهوني تدحض حجتهم وتفسد حيلتهم فكثرت عليهم الالسن بهذا ونحوه ثم بعد سنتين بعد ما ملئوا الاصقاع واطراف البلاد بخطوطهم ورسلهم ( رسائلهم خ‌ل ) حتى إلى الهند والسند وقد بعث إلى بعض رؤساء الهند صورة كتابتهم وذكر اني كنت احب ان اموت ولا اسمع ولا ارى هذا الكتاب ومضمونه ان السيد كاظم الرشتي خرج من الدين وعن مذهب المسلمين وقد اعرض عنه جميع العلماء وعدل عن تقليده جميع المؤمنين الاذكياء فوجب علينا اعلامكم بانه لا يجوز تقليده ولا اخذ مسئلة من المسائل الدينية عنه فمن فعل ذلك لن يغفر الله له ابدا ولن تقبل له توبة وقد رشم عالمهم بخاتمه وبعثوه إلى الهند إلى بعض الرؤساء فيها وكتب إلى مضمون الكتاب واراد مني حقيقة الجواب فما اقبلت نفسي إلى جوابه وضربت صفحا عن خطابه وانا والله في شغل عن الناس لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة ولو اسلمني الناس لم اكن جازعا وبالجملة بعد ما كتبوا إلى البلاد ونشروا بين العباد ولكن لاجل اسكات الناس لئلا ينحرفوا عنهم ارادوا الاجتماع حتى يبينوا للناس انا جلسنا معه واجتمعنا به وتبين لنا كفره فيجرون ( على خ ) ذلك الوقت مقتضياته فلما قربت اوان زيارة يوم الغدير امتثلت امر مولانا الرضا عليه السلام وقبلت وصيته لاحمد ابن ابي ‌نصر البزنطي وقد قال له عليه السلام يابن ابي ‌نصر اينما كنت فأت قبر امير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير الحديث فقصدت زيارته عليه السلام واتيت مشهد امير المؤمنين روحي له الفداء وقبلت عتبته الشريفة فلما كان اليوم الثاني من دخولي عليه عليه السلام اتاني آت من قبل احد الشيخين وحيث كان في القوس الصعودي الاصغر مقدم على الاكبر جاء رسول الشيخ الآخر بان الشيخ يحب الاجتماع معك حتى ينظر في امرك ويتبين له حالك فقلت للرسول ما يريد الشيخ من هذا الاجتماع هل يريد قطع الفتنة ورفع الاختلاف وايقاع الائتلاف او زيادة الفتنة وايقاع الاختلاف ؟ قال بل رفع الاختلاف ودفع الفتنة ثم قلت هل نحن متوافقان او مختلفان قال بل مختلفان قلت فاذا جلسنا مختلفين وتكلمنا ولم يرتفع الاختلاف من البين فجلسنا مختلفين وقمنا مختلفين فاي فائدة اذن في هذا الاجتماع غير تزايد النزاع وتكثر القيل والقال والجدال فان ( فلو خ‌ل ) كان في اول الامر قعدت معكم ولكن الآن لا تحدث نفسي بانصافكم ولا يأمن خاطري منكم فاجعلوا حكما بيني وبينكم واضمن انت تصديقه اذا حكم كما انا اضمن ذلك اكتب لي ورقة وارشمها بخاتمك واكتب لك ورقة وارشمها بخاتمي ونجعل الورقتين عند امين مسلط لان كلما حكم هذا الحاكم علي او عليك فهو مقبول حتى نقعد مختلفين ونقوم مؤتلفين ويرتفع النزاع من البين اما انا اتبعكم او انتم تتبعوني واما الحاكم فلا يقبل احد من علماء العراق لا تهامهم بي و( او خ‌ل ) بكم فلنطلب حاكما من غير اهل العراق ولا نضيق عليكم ولا نطلب منكم ما لا يتيسر حتى تتوهموا ان ذلك عذر او مراوغة واتفق في تلك السنة زار جماعة كثيرة من علماء البحرين والاحساء والجزائر

منهم الشيخ العالم الممجد المسدد المؤيد مولانا الشيخ محمد آل عبد الجبار كان عالما فاضلا فقيها مجتهدا حكيما متتبعا متدينا متواضعا منصفا كثير التصانيف وجيد التأليف له كتب ورسائل واجوبة المسائل

ومنهم السيد الجليل والعالم النبيل السيد الطاهر السيد حسين بن السيد عبد القاهر البحراني نزيل البصرة كان سيدا عالما زاهدا ورعا متقنا منصفا مستقلا بالحكم

ومنهم الشيخ الممجد والمولى المؤيد المسدد الشيخ احمد بن الشيخ خلف آل ‌عصفور وامثال هؤلاء من العلماء الاعيان وفضلاء الزمان قد كانوا حاضرين ذلك المشهد المقدس وقادمين إلى زيارة ذلك الامام الاقدس

قلت ان هؤلاء زوار اتوا للزيارة غير متهمين بي ولا بكم علماء مشهورون معروفون ثقات متدينون يقولون حقا ويتكلمون صدقا نسبتي ونسبتكم اليهم متساوية ولو فرضنا والعياذ بالله لهم ميل إلى طرف وجهة اكثر يريدون ان يبيعوا دينهم بدنيا غيرهم فلا شك ان الميل يكون اليكم اكثر لانكم معرقون في البلاد راسخون في قلوب العباد وميل الناس اليكم اكثر ومحبتهم لكم اشد واوفر فعلى كل حال لو لم تتساوى نسبتهم ( المحبة خ‌ل ) إلى واليكم فاليكم اكثر واميل وانا راض بهم فارضوا بهم حكما فاني رضيت بهم حكما ان شئتم مجتمعين او متفرقين فرجع الرسول إليه واخبره بما قلت له وانا قد بعثت أيضا رسولا من عندي مبلغا لما اخبرت رسوله لئلا يقع التغيير والتبديل والزيادة والنقصان فابوا الحكم وابوا ان يجعلوا اولئك الاعلام حاكمين وقال ان هؤلاء ليس لهم قابلية الحكومة فلما رجع الرسول إلي قلت يا سبحان الله انتم تنازعوني باني انكرت ضروري الدين والضروري هو الذي لا يخفى على احد من اهل الاسلام كبيرهم وصغيرهم رجالهم ونسائهم بالغهم وغير بالغهم اذا كان الامر في الظهور إلى هذا الحد وهؤلاء العلماء ليست لهم قابلية ان يعرفوا هذا المقدار فتبين عندي وعند الناس مراد القوم فانهم ما كان مقصودهم احقاق الحق ثم شهروا في البلد بين الزوار الذين اتوا رجالا وعلى كل ضامر من كل فج عميق ليشهدوا مرقد امير المؤمنين ويزورونه وشهروا عند الناس بانا بعثنا تسعة ‌عشر رسولا واردنا منه الحضور والاجتماع فابى

فلما سمعت مقالتهم وعرفت مراداتهم نصب لي منبر بعد صلوة الظهر في صحن الامام امير المؤمنين عليه السلام والخلق بين قعود وقيام وموافق ومخالف ومبغض ومحب فصعدت المنبر وحمدت الله واثنيت عليه وذكرت النبي صلى الله عليه وآله وصليت على آله وعليه وقلت :

ايها الناس ان هذا يوم قد اجتمعت فيه حرمتان احديهما الغدير والاخرى الجمعة فازداد شرفا على شرف ونورا على نور والحرمة الثالثة الحضور عند امير المؤمنين عليه السلام وهذه حرمات قل ما يتفق اجتماعها وتواصلها فاحمدوا الله واشكروه واعرفوا قدر هذه النعمة وافهموا مقام هذه الكرامة وتقربوا إلى الله تعالى بالعمل الصالح واعلموا ان العمل الصالح لا يصعد إلى درجة القبول الا بالاعتقاد الصحيح ومعرفة فضل امير المؤمنين عليه السلام والاعتراف بعلو مقامه وسمو رتبته واعلموا انه عليه السلام واخوه ( اخاه ظ ) واولاده وزوجته عليهم السلام امناء الله وابواب رحمته ومقاليد مغفرته وسحائب (كذا) رضوانه ومفاتيح جنانه هم مفاتح الغيب هم السر اللاريب هم محال المشية وهم السن الارادة وهم قصبة الياقوت وهم حجاب الملك والملكوت ايها الناس نزلوهم في مراتبهم ولا ترفعوهم عن الحد الذي جعله الله لهم لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق هم ليسوا بارباب من دون الله ولا هم شركاء مع الله ولا فوض اليهم امر الله بل هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم وكذلك نجزي الظالمين ايها الناس انهم كلمة الله وانهم حملة امر الله وان رسول الله صلى الله عليه وآله عبد لله شرفه الله وعظمه بحقيقة ما هو اهله وعرج بجسمه إلى السماء بل بثيابه ونعله وان الخلق يوم القيمة يحشرون بابدانهم واجسادهم الدنيوية المرئية المحسوسة في الدنيا والله سبحانه هو العالم بالاشياء كلها قبل ايجادها ومع وجودها وبعد وجودها فلا تتفاوت له الاحوال ولا يوصف بالانتقال ولا يعتريه زوال ولا اضمحلال وهو الحي القيوم القادر المتعال ايها الناس هذا هو الاعتقاد الصحيح فمن اعتقد بهذا الاعتقاد فميزانه رجيح يستحق ثواب الله ويستوجب عطاء الله بزيارة امير المؤمنين عليه السلام في هذا اليوم ومن لم يعتقد الذي ذكرناه كله او بعضه فقد حبط عمله وما له في الآخرة من خلاق ايها الناس هذا اعتقادي وديني وعليه انعقد ضميري وبه ادين الله في سري وعلانيتي وملئت كتبي ومصنفاتي من هذا النوع من الاعتقاد وجميع كلماتي ترجع إلى ما ذكرنا وان كانت بعبارات مختلفة وارى علماء هذا البلد ينازعوني ويخالفوني فان كان نزاعهم وخلافهم في هذه العقايد فاني ادين الله بها وابرء ( إلى الله خ‌ل ) من كل من لم يعتقدها وان كان ينسبون إلي ما ينافي هذه العقايد فاني ابرء إلى الله منها وممن يدين بها وارادوا مني الاجتماع فطلبت منهم الحكم لقطع النزاع وما استصعبت عليهم في امر الحكومة بل اخترت لهم علماء اتقياء ابرارا زهادا يصلحون للحكم في هذه المسائل لان الحكم في هذا المقام هو الذي يعرف ضروريات المذهب والدين وحيث ان علماء العراق متهمون بي وبهم اخترت لهم علماء غرباء زوارا اتقياء وانا عندكم من الآن إلى غدات غد متى ما شائوا بشرط الحكم فانا حاضر ولا تختلفوا ولا تتقولوا الكذب والزور ولا تقولوا ان فلانا اردنا منه الاجتماع لقطع النزاع فابى ولا ريب ان قطع النزاع لا يكون الا بالحكم المطاع واما بدونه فيزداد النزاع والجدال ويحدث ما تمج منه اولوا الابصار والاسماع والصلوة على رسول الله الصادق الامين والسلام على عباد الله الصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم نزلت عن المنبر وبقيت يومي كله ما جاء منهم خبر ولا اثر

ولما صار وقت المغرب اتاني ثلاثة رسول من جناب الشيخ الاكبر اثنان من التجار وواحد من عرض الطلبة ينقلون عنه انه يريد الاجتماع فذكرت لهم الكلام الاول الذي ذكرته للرسول الاول وقال التاجران نحن نجلس عندك وانت ابعث إلى الشيخ رسولا من قبلك حتى يوصل إليه ما تريد كما تريد فانا نخاف من الزيادة والنقصان فبعثت إليه العالم الكامل والفاضل العامل ذا الفهم الثاقب والرأي الصائب اللوذعي الالمعي الولي المؤتمن مولانا ملا حسن الشهير بگوهر وقلت لجنابه ان يخير الشيخ بين ثلاثة امور : الاول الحضور والاجتماع بشرط وجود الحكم على ما ذكرناه فان ابى ذلك محتجا بعدم قابليتهم لما هنالك اعرض عليه الامر الثاني فقل له انت لا تخلو اما ان تكون ملتبسا عليك امري مشتبها عليك حالي او متيقنا بضلالي وان قلبي ينافي لساني فان كان مشتبها والامر عليك ملتبسا فها انا مظهر لك ما اعتقد وادين الله به فيجب عليك القبول والتصديق بنص من الله سبحانه حيث يقول ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا فان كنت متيقنا بان قلبي يخالف لساني واني اسلك مع الناس مسلك النفاق فلا يجوز لك كشف الباطن ويجب عليك التصديق بظاهر اللسان وفعل الاركان ولا يجوز قبل ظهور دولة الحق التفتيش عن الباطن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله مع اصحابه فانك تعلم يقينا انه ما خلص من اصحابه صلى الله عليه وآله الا اربعة وكان يسالكهم رسول الله صلى الله عليه وآله ويداريهم ويعاملهم بالظاهر ولا يعاملهم بالباطن وان كان يعلم ما في صدورهم وضمائرهم وقد امره الله تعالى بذلك وقال ولا تكن للخائنين خصيما وقال سيد الساجدين عليه السلام في دعاء السحر اللهم ان قوما آمنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ما املوا فاذا اظهر شخص الاسلام يقبل منه ولا ينظر إلى ما في باطنه وقلبه حتى يأتي اوانه عجل الله فرجه وانت معترف بانه لا احد سمع من لساني شيئا يخالف ظاهر الشريعة ولا رأى من عمل اركاني فلماذا اذن هذا الاصرار والالحاح ولماذا اثارة نائرة الفتنة الخامدة او المستكنة في الرماد اي رماد الهدنة والتقية فلا تهيج ما امر الله بتسكينه ودع الناس على غفلاتها عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون وان كان كلا ولا بد من ان تعمل بالباطن وتظهر آثار يقينك فالباطن لا يطلع عليه الا الله سبحانه وتعالى فنجعل الله حكما وليأخذ كل واحد منا يد صاحبه وليدع على الباطل منا فنبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين وليكن عندك معلوم انا لا نفترق الا ان احدنا ميت وانت بالخيار بين ان توقع هذه المباهلة في حرم امير المؤمنين عليه السلام او في حرم الحسين عليه السلام او في حرم العباس او في الصحن في هذه الاماكن المشرفة في ملأ من الناس او في الخلوة سرا بحيث لا يكون غيري وغيرك فالامر اليك والخيار لديك فاختر لنفسك ما يحلو فان ابى ذلك وانا اعلم انه يأبى وقل له واعرض عليه الامر الثالث وهو ان الحكم الذي نحن اردناه ان كان ليست له قابلية الحكومة فهل عندهم في الدنيا عالم له قابلية الحكومة ام لا فان قال لا فقد اتى محالا وما اظنه يقول ذلك لمصالح وامور خفية وان قال بلى فقل له الاعتراضات التي لك على كلامه اكتبها لكن بهذه الصورة اكتب اولا كلامه بالفاظه ثم فسر مراده وقل انما اراد من هذا الكلام هذا المعنى ثم اورد اعتراضك ثم ابعث كتابك إلى فاني اكتب بيان كلامي واشرح مرامي فان وافق قبولك فهو المطلوب وهيهات هيهات من ذلك وان لم يوافق فابعث ورقتي وورقتك إلى كل من تشاء وتعتقد انه عالم بيد امين مني وامين منك وكلما يصدقه ذلك العالم الحكم فهو المصدق فلاانازعكم بعد هذا ابدا

فلما تمت وصيتي مضى جناب المولي المؤتمن الملا حسن إلى الشيخ واخبره بما ذكرته له كلها على التفصيل وبعد الكلام الكثير والقال والقيل ما رضي بالحضور مع الحكم ولا المباهلة لما من نفسه يعلم وانما اختار الشق الثالث وقال انه يفعل ولم يفعل مدة حيوته وقد عمر سنين عديدة بعد هذا الوعد فلم يرضوا بالاجتماع مع الانصاف ولا بالمباهلة ليحكم الله لاهل الوفاق والخلاف ويقضي الله امرا كان مفعولا ولم يكتبوا اعتراضاتهم وشبهاتهم ولم يبعثوا إلي عالم يميز المشوب من صاف حتى يرتفع الاختلاف ولم يكفوا عن الكلام ولم يسكتوا ولم ‌يسكتوا الطغام عن التعرض لاهل العلم البريئين عما ينسب اليهم من زخاريف الكلام فيا لله العجب من الناس حيث ان ما ذكرنا كله بمرأي منهم ومسمع لا زيدت ولا حرفت ولا غيرت و لا بدلت وذكرت كلما وقع مجتمعا ومتفرقا فانظر الآن بعين بصيرتك بعد ما احطت خبرا بما ذكرنا وميز وتعقل وتفهم ان الذين خالفونا اي ظلم تركوه واي تعدي اجتنبوه واي ذنب لم يقترفوه لقد جاؤا شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر له الجبال هدا ولكن الله سبحانه انما اخرهم وامهلهم لا تمام الحجة عليهم واقامة بيناته لهم ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمي وهذا الذي ذكرنا لك شرح مجمل بعض الاحوال التي جرت علينا من النساء والرجال من حرمات هتكوها وحقوق ضيعوها وشهادة ( شهادات خ‌ل ) كتموها واموال بغير الحق اكلوها وقلوب افسدوها وكلمات حرفوها وضمائر شوشوها واكاذيب نسبوها واقاويل بالبهتان والزور قالوها وغيبة للاخيار والنجباء اباحوها واذية وايذاء لهم رخصوها وتفلات في وجوه طالت ( طال خ‌ل ) ما سجدت لله رموها وحجب واستار كشفوها ورسوم لاهل آل الله دمروها ومعالم يظهر فيها انوار الله درسوها وفضائل لاهل البيت عليهم السلام انكروها ومناقب لهم اخفوها وفقرات تدل على فضائلهم محوها ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين

واما قولك اطال الله بقاك وادام في العز والتقوى ارتقاك بعد قولك ( منهم من سمى نفسه شيخيا ومنهم من قال اني بالاسري فالظاهر منهم الاسلام والناشي من كليهما التقوى والصلاح حسب ما قرره لنا سيد الانام كلاهما معترفان للضروريات الملية ومعتقدان بالفرائض اليومية والليلية ) الخ فكيف يعقل ذلك في البالاسرية فانهم تركوا شعائر الاسلام وضيعوا طرق التقوى في الانام وانكروا الضروريات في المذهب بل في الدين بما اظهروا من البدع وشيعوا من القول المخترع ناشدتك الله هل من شعاير الاسلام ايقاع الفتنة في الانام وتشويش قلوب الخواص والعوام وتفريق الكلمة بعد ما كانت مجتمعة واظهار البينونة باحداثها في القلوب والضماير بعد ما كانت مؤتلفة ومتحدة قد بذل مجهوده رسول الله صلى الله عليه وآله في تأليفها واجتماعها وايقاع البغضاء والشحناء بين الاوداء والاحباء ففرقوا الاولاد عن آبائهم والزوجات عن ازواجهم والاخوة عن اخواتهم والبنات عن امهاتهم باينوا بين مسالكهم ورخصوا غيبة من ينسب نفسه إلى الشيخ أعلى الله مقامه والي واوجبوا تعزير من يقلدنا وحرموا مجالستهم فاذا حضرنا مجلسا هم فيه يتفرقون تفرق المعز اذا شد عليها الذئب او كأن صاعقة نزلت عليهم او بلية حلت فيهم ( بهم خ‌ل ) ولا يبالون بمجالسة الكفار والنصاب واهل الفسق والفجور بل يجالسونهم ويخالطونهم بلا مبالات ولا اكتراث واذا حضر واحد منا يتفرقون ولا يقعدون ( واذا مروا علينا يتغامزون نسخة ) واذا مروا بواحد منا لا يسلمون ويتقصدون ضررنا بكل وجه يمكنهم في مال او عرض او نفس على حسب امكانهم وطاقتهم ويرموننا بالعظائم من القبايح والشنايع ويرخصون لاصحابهم بان يفتروا علينا ويتقولوا علينا بالبهتان والكذب والزور لقد حاولوا قتلي مرات عديدة سرا وجهرا والله سبحانه بفضله وكرمه يدفع عني حتى يبلغ الكتاب اجله فوالله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة قد اخبرني واحد ممن كان من المباشرين لقتلي في بيت هاشم خان خال نظام ‌الدولة ايده الله بتوفيقه في ملأ من الناس وجاءني يظهر التوبة والندامة ويستبرئ مني الذمة ويطلب العفو مني حيث كان من ذلك اليوم إلى يوم ملاقاتي شملته النكبة واصابه الفقر والفاقة لعل الله يحسن حاله ويرده إلى ما كان عليه من ثروة واتساع ورموني بالرصاص جهرا في حضرة الحسين عليه السلام في الصحن المقدس ودفعه الله عني واصاب في يد بعض اصحابي واخذوا العمامة من رأسي في حضرة الحسين عليه السلام عند ضريحه مرة يوم الجمعة في السجدة الثانية من الركعة الثانية من صلوة الظهر في ملأ من الناس ومرة اخرى في السجدة الثانية من الركعة الثانية من صلوة الفجر وقد رأت الناس وقد سكتت واهانات اخر صدرت علي اخفيتها وسكتت عنها واحتسبتها عند الله لان ما يفعلون كله بعين الله ولا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء فوكلت امري إلى الله وامتثلت قول الله سبحانه في قوله تعالى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ليجزي الله قوما بما كانوا يكسبون

وبالجملة ما ذكرت من قبايح افعالهم وشنايع آثارهم والاذيات التي دخلت علينا منهم والفضايح التي فضحوا بها عامة الشيعة واطالوا عليهم السنة مخالفيهم وفتحوا عليهم منهم باب التشنيع والشماتة وخالفوا اجماع جميع علماء الاسلام الذين عليهم العمل والاعتماد في النقض والابرام كل ذلك بدعوى شبهة دخلت عليهم من بعض العباير التي نفيناها وبينا المراد منها مرارا عديدة انشدك الله هل ارتكاب هذه الامور العظام والفضايح والشنايع لشبهة دخلت عليهم من بعض العباير وقد يجب عليهم عدم الاعتناء بها لضرورة الدين والمذهب من شعائر الاسلام ؟ اهكذا امرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ اهكذا جرت قواعد الدين ؟ اهكذا نطقت به شريعة سيد المرسلين هل الشبهة والظن والتخمين التي تحصل من العبارة تعارض النص واليقين الذي يحصل من بيان القائل مراده ومقصوده من الكلام والخطاب والقول وها انا اخبرك بكيفية البيان لتعلم ان الحجج انقطعت والمعاذير ارتفعت فلم يبق الا مخالفة الله ورسوله وشرح ذلك وبيان ما هنالك ان القوم لما ابرزوا تلك العباير وحرفوها وغيروها وبدلوها كسنة الذين من قبلهم من الذين يحرفون الكلم ونسخوها نسخا كثيرة وسلموها بيد اهل السوق من البقال والعطار والخباز وساير السفلة من طغام الاعوام وسلموا من تلك النسخ بيد النسوان وفسروها لهم باقبح تفسير واشنع تعبير وشهروها بين الناس ومشهد سيدنا الحسين عليه السلام مختلف الزوار والمترددين من كل بلد ومكان وجعلوا تلك العباير وتلك المعاني الفاسدة القبيحة في السنة كل صادر ووارد حتى اشتهرت وشاعت تلك القبايح في الاطراف والاكناف وكان مولينا الشيخ أعلى الله مقامه بين اظهرهم في تلك الايام وانكر عليهم وانكر ان تكون معاني تلك الكلمات هي التي شهروها بين الناس وذكر ان تلك العباير على طريقة العلماء من اهل هذا الفن والشأن فلم يصغوا إلى كلامه ولم يلتفتوا إلى مقصوده ومرامه وقد نهاهم الشيخ الاجل والافضل الاكمل قدوة العلماء وزبدة المجتهدين الفقهاء الشيخ موسى ابن المرحوم الشيخ جعفر عن تلك الافعال القبيحة والاقوال الشنيعة فما انتهوا من نهيه واصروا على تشييع الفاحشة في الذين آمنوا ليستوجبوا بذلك العذاب الاليم في الدنيا والآخرة ثم لما رآهم لا يرتدعون عن غيهم ولا يستقيمون عن اعوجاجهم قال لي ذات يوم اعرض بخدمة الشيخ ان يكتب صريح العقايد الحقة التي هو عليها والتي هي مرجع تلك العبارات بصريح العبارة ويرشمه بخاتمه الشريف وائتني بالمكتوب حتى اطفئ تلك النايرة واسكن هيجان تلك الثايرة لان المتكلم اذا بين مراده يجب تصديقه بالضرورة من الدين وهؤلاء الجماعة لا يخالفون الضرورة ولعلهم جاهلون بمراد الشيخ في الحقيقة فاستحسنت رأيه واتيت إلى مولينا الشيخ وعرضت بخدمته ما قاله الشيخ موسى فكتب أعلى الله مقامه في ساعته بخطه الشريف صريح العقايد وان جميع عباراته وكلماته ترجع إلى هذا المعنى وتؤدي هذا المؤدى ورشمه بخاتمه الشريف واعطاني فاخذته واوصلته إلى جناب الشيخ الشيخ موسى فاستحسنه وجعله عنده واراهم اياه وما زادهم الا نفورا واستكبارا في الارض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ الا باهله فجزى الله جناب الشيخ موسى عن الفرقة المحقة خيرا فانه خطب فابلغ وبين الحق فافصح وذكره فشرح وصاح باعلى صوته ايها الناس نحن معاشر المجتهدين لم نبلغ مبلغ علمه ولم ندرك ما احاط به وسعه من جوامع العلوم وحقايق الرسوم وهو اطال الله بقاه عنده ما عندنا وزيادة وليس عندنا ما عنده هو البحر العميق والارض المطيرة من سحائب العلم النابتة بالاشجار المثمرة بانواع العلوم الالهية اعرفوا مقامه وسلموا له ولا تبخسوا حظه فانه عمر وانفد عمره مع العلماء المرضيين والفقهاء الراشدين من اسلافنا الماضين وكان معروفا عندهم بالوثاقة موصوفا عندهم بالجلالة فكيف يجوز لنا ترك قول اولئك الاكابر ( الاكابر ومخالفتهم خ‌ل ) لبعض العباير التي لا نعرف معناها ولا مبناها ولا مقدمها ولا مؤخرها فبالجملة فانه (ره‌) تكلم بامثال هذه الكلمات واطنب في الكلام واوضح الحق في المقام في الملأ العام الذي قد اجتمع فيه الخواص والعوام وكنت حاضرا في ذلك المجلس وشاهدا ذلك المدرس فبالغ في الوعظ والتحذير فما زادوا الا طغيانا وما استفادوا الا عدوانا وهكذا استمر به الحال حتى انتقل إلى رحمة الله الملك المتعال وبلغ إلى الدرجات العليا في جنة المأوى ثم بعد تعرضهم بي ( لي خ‌ل ) وفعلهم معي بعض ما شرحته لك سابقا التمس مني جناب الشيخ العلي الشيخ علي بن الشيخ جعفر ما التمس اخوه المرحوم تغمده الله برحمته قبل ذلك من كتابة صريح الاعتقاد وبيان حقيقة المراد وانه مرجع تلك العبارات فكتبتها ورشمت المكتوب بخاتمي وبعثته إليه ثم جعلت تلك النسخة نسخا متعددة فرقتها في الاطراف والاكناف اتماما للحجة لئلا يقول قائل اني لم اطلع ثم ازداد جناب الشيخ علي التماس اخيه بان قال لي اصعد المنبر وبين للناس العقايد الحقة ونزه نفسك عما ينسبونه اليك من الاشياء الفاسدة والعقايد القبيحة فان الانسان اذا اخبر عما في ضميره من العقايد لا يقال له ان عبارتك تدل على غير هذا بضرورة من الاسلام ولكنك اذكر وبين واوضح باللغة العربية ليفهم العرب ثم ثنها بالعجمية والفارسية ليفهم العجم واتفق تلك الايام كانت موسم زيارة عرفة والخلايق ملتمة مجتمعين من كل فج عميق فنصب لي منبر مرتفع فصعدت عليه ليلة التروية فخطبت وبينت العقايد الصحيحة والاعتقادات التي انعقد عليها مذهب الاثني ‌عشرية بلسان عربي مبين ثم في ليلة اخرى بعدها ليلة عرفة في الصحن الشريف صعدت المنبر باعلى مراقيه وخطبت بلسان الفارسية والعجمية حتى لا يخفى الامر على عرب ولا على عجم في جميع البلاد والاطراف والاكناف ثم التمس مني جماعة من اصحابنا استمرار هذه الحالة ومن نوع هذه الخطبة كل ليلة بعد صلوة المغرب والعشاء في الصحن الشريف ففعلت ذلك واستمر بي الحال إلى بعد عاشوراء كل ليلة نشرح الحال وننزه شيخنا المفضال عما ينسب إليه والي من مساوي الاقوال واسمعهم بان العباير لا تدل على ما يزعمون ولو دلت ما تترتب عليها فائدة ولا ثمرة بعد بياننا للمرام ثم التمس مني جماعة من اصحابنا استمرارها في الايام ايام التعطيل وبقيت سنتين او اكثر او اقل بقليل كل يوم عصر يوم الخميس ويوم الجمعة نشرح لهم حقيقة الاحوال بابلغ المقال بحيث ما ابقيت امرا مخفيا ولا شيئا مستترا ولا امرا يمكنهم التشبث به الا ذكرت وبينت المراد واوضحت لهم وجه الصلاح والفساد وهكذا كان دأبي في كل شهر رمضان طول الشهر فبالله عليك بعد هذا البيان التام وفعل هذه القبايح والآثام لادعاء شبهة دخلت عليهم من عباير الكلام هل يبقى لهم وعندهم اثر من شعائر الاسلام حاشا وكلا فان مبني الاسلام درء الحدود بالشبهات ودفع الفساد والفتنة بالاحتمالات لا ايقاع الفتنة بالشبهات ولا احداث العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالاحتمالات ولكنهم لو فعلوا ذلك في هذه الايام فقد سبقهم من كان قبلهم في سالف الازمان سنة بسنة ومثلا بمثل

واما قولك الناشي من كليهما التقوى كيف تنشأ منهم التقوى وهم الذين شيعوا الفاحشة في الذين آمنوا وقد قال تعالى الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة هذا اذا كانت فاحشة مبينة يحب ان يشيعها وليس بلازم ان يشيعها في الحال فاذا كان الذي يحب ان تشيع الفاحشة المعلومة المبينة في الذين آمنوا استحق من الله العذاب الاليم ولا يستحق العذاب بالذي يشيع الكفر والنفاق لاجل الشبهة والاحتمال في الشخص المتيقن بل المعلوم ايمانه وورعه وتقويه وزهده واقباله على الله وادباره عن السوي فان ذلك اعظم حوبا واكثر ذنبا وافسق فعلا وافجر عملا واشد عذابا واعظم عقابا وقد قال سبحانه والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا وهل تجد اذية وايذاء للمؤمنين وتتصور ازيد مما فعلوا وارتكبوا والذي لم يفعلوه لم يتمكنوا وكلما تمكنوا منه ما تركوه واذا فتشت منهم عن العلة والسبب مرة يقولون شبهة دخلت علينا ومرة يقولون اجمعت العلماء فان كان اجماع العلماء معتبرا وقولهم مقبولا فهلااعتبروا اجماع علماء الاسلام كافة على وثاقته وعلى جلالته مع شدة اطلاعهم وعظم تفحصهم وتتبعهم واحتياطهم في دينهم فيترك ذلك الاجماع ويقبل اجماع يتقولونه كذبا وزورا والا فاي اجماع انعقد لان اول من خرق الاجماع السيد مهدي وفي عصره واول انكاره كانوا علماء افاضل مثل الشيخ شيخ موسى واخوته والشيخ شيخ حسين وكافة علماء النجف والشيخ شيخ حسن سلطان والشيخ شيخ خلف بن عسكر وسائر طلبة العلوم من المشتغلين والبالغين والمراهقين في بلد الحسين عليه السلام والسيد سيد عبد الله شبر وابوه الاجل العالم الفقيه الكامل السيد محمد رضا شبر وولده السيد حسن وابن عمه السيد الثقة الجليل العالم النبيل ذو القدر العلي السيد علي شبر والسيد سيد محمد ابن المرحوم السيد محسن وهو السيد العالم الزاهد العابد الورع الثقة عند الجميع وابن عمه السيد الاجل والمولى الانبل والفاضل الاكمل المؤيد المسدد السيد محمد السيد جعفر وابن عمه الآخر السيد العالم السيد هاشم والشيخ الاجل والمولى الانبل والفاضل الاكمل الولي المهتدي الشيخ مهدي تغمده الله برحمته ابن المرحوم المبرور الشيخ اسد الله واخوه الشيخ الجليل والمولى النبيل العالم بلا عديل الشيخ اسماعيل وغيرهم من العلماء الذين في العراق كلهم انكروا عليه وعلماء كرمانشاهان كافة المذكورة اسماؤهم سابقا انكروا عليه وعلماء اصفهان لا سيما الرئيسان العظيمان حجتي الاسلام جناب السيد محمد باقر والمولى العالم الفاضل الكامل مرجع الافاضل وموئل الاماثل الولي الحميم الحاج محمد ابراهيم الكلباسي وسائر العلماء واولاد سلطان العلماء واحفاده واتباعه واصحابه من السادة والعلماء كلهم انكروا ولم يصدقوا

ومع مخالفة هؤلاء الفحول من اهل المعقول والمنقول الموجودين في وقت المخالفة هل يبقى مجال للقول بتحقق الاجماع وما صدق السيد مهدي الا جماعة من تلامذته وتلامذة المرحوم المبرور ابيه اناس اذناب اتباع همج رعاع كانوا يتوقعون ان يصدقهم السيد مهدي ويعترف بفضلهم لينالوا المناصب وليتمتعوا في الدنيا الا ان متاع الدنيا قليل الآية وعلموا ان السيد مهدي لا يقر بهم ولا يدنيهم الا بانكارهم على المرحوم الشيخ وعلي وكل من هو اشد انكارا واقبح آثارا في هذا المقام اشد قبولا عنده فصدقوه ليصدقهم وقالوا بقوله ليقول بقولهم والناس في اول الامر حيث كان من بيت رفيع وشهرة البيت عمت في جميع البلاد والعباد وهو يظهر الورع والزهد صدقوه واتبعوا الذي يصدقه فاولئك الاتباع الذين كانوا اذنابا صاروا رؤساء ودخلوا في الاجماع والا فاصل الخلاف في هذا المقام كلها تدور على ثلاثة منهم واحد بمشهد سيدنا الحسين والاثنان في النجف وما تجدوا موافقيهم الا تلامذتهم واتباعهم بلا بينة ولا علم و ( لا هدي خ‌ل ) ولا كتاب منير فان كان الاجماع من غير الدليل متبعا فالاجماع على وثاقة الشيخ من جميع العلماء والانكار عليه من اثنين او ثلاثة بلا دليل ولا برهان واغلب تابعيهم العوام كالانعام والنساء والطغام والمنتسبين بالعلم الذين يعدون انفسهم علماء من الاذناب والاتباع لينالوا بتصديق هؤلاء الثلثة شهرة وعزة ومكانة عند الناس وانت تعلم احوال الناس انهم يزيدون في النقل والاخبار ويلاحقون باشياء غير واقعة ويوصل بعضهم بعضا ليشتهر عند الناس ويتخيلون اذ ذلك هو الاجماع كاجماع اهل الخلاف واهل الباطل وان منشئها من المجتمعين تحت سقيفة بني ‌ساعدة ولقائل ان يقول ان الذين خرجوا من الاجماع بعد تحققه وتأصله يسمون خوارج في الشرع ولذا ترى ان اجماع المسلمين لما انعقد على خلافة امير المؤمنين عليه السلام بعد اتفاقهم عليها فالمنكرون له ولخلافته بعد تحقق الاجماع سموا خوارج ولا دليل لهم على كفر الخوارج وتسميتهم بها الا انهم خرجوا عن الاجماع بعد انعقاده ولو جاز ان يقال ان الاجماع اذا انعقد على حالة ثم اذا تبين خلافها لشخص آخر يجوز ان يخالف الاجماع ويقول بعكس ما ذهب إليه المجمعون فلا يجوز لك ان تحكم بكفر الخوارج وان تسميهم خوارج فان لهم ان يقولوا ان الاجماع منعقد على خلافة امير المؤمنين في حالة عدالته ووثاقته فاذا تبين لنا انه احدث في الدين ما لم يكن فيه وحكم الرجال الغير المعصومين الغير المطلعين بعواقب الامور الجاهلين الذين لا يعرفون شيئا ولا يهتدون إلى الحق سبيلا عدلنا عن القول بخلافته ورجعنا عنه مع ان شبهة الخوارج اقوى من شبهة هؤلاء في الصورة الظاهرة فان شبهة هؤلاء من جهة عبارات قد نفت ضرورة الاسلام الاعتناء بهذا عند انكار قائلها فالوجه واحد والحكم واحد فاذا جاز الخروج عن اجماع المسلمين ورؤسائهم وعلمائهم وزعمائهم صار للخوارج عذر ولم يجز تكفيرهم وما ادري اين يذهبون من توبيخ قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا وهل هؤلاء العلماء الاطياب ممن سميتهم تنكر ايمانهم وما ظنك تفعل لانك تخرج بذلك من الدين فاذا كانوا هم المؤمنين فمخالفتهم اتباع غير سبيل المؤمنين وذلك هو مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله ثم ما ادري ما اقول فقد تبين من هذا البيان التام ان هؤلاء البالاسرية قد آذوا المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا بلا حجة ولا بينة شرعية ولا عرفية فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا بنص من الله سبحانه وتعالى وقد قال الله سبحانه الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولا شك ان المؤمن اكرم على الله من المؤمنة ولا شك ان العالم المؤمن اكرم على الله من المؤمن الغير العالم واذا اجتمعت مع العلم شرافة السيادة والانتساب إلى الدوحة الاحمدية والشجرة المحمدية صلوات الله عليها من رب البرية فقد جمع نورا على نور وحاز شرفا على شرف ولا شك ان الرمي بالكفر والغلو وما يوجب رخصة الناس لايصال انواع الاذيات اعظم من الرمي بالزناء فاذا كان الرمي بالزناء للمحصنة الغافلة بمعنى كون الرمي قبل اقامة البينة الشرعية موجبا للعن اي لعن الاولياء والسعداء والشهداء فالرمي للعالم المؤمن الزاهد العابد بالغلو والكفر والتصوف يكون موجبا لاشد اللعنات واعظمها من الله ومن اولياء الله واحباء الله والملائكة المقربين والانبياء والمرسلين انظر ما حال من استحق اللعنة الشديدة عن الله سبحانه وتعالى هل يبقى له معذلك تقوى وقال تعالى الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد كتم هؤلاء فضل آل‌ محمد الذين هم البينات اما قرأت قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو الآية فبين سبحانه ان البينة هي الرسول ولما كان امير المؤمنين نفس الرسول والائمة من سنخ امير المؤمنين عليه السلام لان الاولاد جزء للوالد وعلى شاكلته كانوا هم البينات وهؤلاء كتموا فضائلهم ومناقبهم حتى انكروا الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الهادي عليه السلام التي قام عليها اجماع الشيعة ان تكون منهم ومحوا فقرات من الزيارة محتجين بان الناس يضلون اذا رأوا هذه الفقرة ومنعوا ان لا يقرئوها فصاروا هم اعلم من الله لان الامام معصوم قد اخذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله والله سبحانه شهد في حق نبيه صلى الله عليه وآله انه ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي واذا كان كلام الامام عن النبي صلى الله عليه وآله لعصمته وكلام النبي عن الله فكلام الامام هو الصادر عن الله فاذا كان كلام الامام عليه السلام يوجب الاضلال والتضليل فلا شك انه ما كان يعلم ذلك لانه اتى للهداية والارشاد فكيف يفعل ما يوجب التضليل والمفروض انه انما قال بامر من الله فيكون الله تعالى لا يعلم ما يصلح الخلق وما يفسدهم فصار هؤلاء الجماعة افضل من الله لانهم اعلم من الله بمصالح الخلق قل ءانتم اعلم ام الله ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله فعلى هذا القياس يلزم هؤلاء الجماعة القول بان الله لا يعلم بعض الجزئيات الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وتلك الزيارة وان كان رواها صفوان مرسلا لكن تلقتها جميع الشيعة بالقبول وذكروها في مزاراتهم ولم ينكروا عليها ولا على شيء من فقراتها مع كمال احتياطهم وبالجملة كتموا ما انزل الله من البينات والهدى وسئل بعضهم عن معنى قول القائل ان الامام ولي الله قال ان معناه انه حبيب الله مع ان النزاع بين السنة والشيعة في الولاية المنسوبة إلى امير المؤمنين ان الشيعة يذهبون إلى انها ولاية التصرف والسنة يذهبون إلى انها بمعنى المحبة وينكرون ان تكون بمعنى ولاية التصرف وهذا المسئول المتسمى بالعلم يزعم انه شيعي ويقوي مذهب السنة ويقول ان ولاية الامام بمعنى المحبة وهذا كتم اول فضائلهم التي يختص بها الشيعة و يثبتها لامير المؤمنين عليه السلام وما ادري ما ضره لو فسرها بولاية التصرف نعم لو فسرها هكذا لطولب بعموم الولاية ولا دليل له على التخصيص الا مزخرفات تستبشع النفس عنها وانكروا علم الامام بالاشياء كلها وموهوا على الناس انه لو علم الاشياء كلها لكان قد ساوى الله وهذا صريح بانهم يساوون انفسهم مع الله في بعض الاشياء دون بعض مثلا انهم يعلمون مسائل في النحو والصرف والمنطق والبيان وسائر العلوم التي يعرفون بعض مسائلها ويعرفون ان زيدا موجود وعمرا ميت مفقود ولا ريب ان الله يعلم ما يعلمون فقد تساووا مع الله في علم هذه الاشياء فصاروا لله مساوين في حال من الحالات وشيء من الاشياء وصفة من الصفات مع ان المسلمين متفقون على ان الله سبحانه لا يساوي لا في الجزئي ولا في الكلي لان علمه عين ذاته ولا اختلاف في ذاته فاي معنى للقول بانهم يساوونه في العلم ببعض دون العلم بالكل فان قلت ان العلم بالاشياء عين ذاته فيلزم مساواتكم معه في حال دون حال فيلزم اختلاف الجهة في ذات الله وان كان غير ذاته فهل هو حادث او قديم فان قلتم بالحدوث وانكرتم العلم الذاتي بالاشياء فقد كفرتم وان قلتم انه تعالى يعلم الاشياء بذاته فهل في ذاته اختلاف جهة وتعدد نسبة ام لا ؟ فان قلت بالاول فقد هدمت اركان التوحيد لان متعدد الجهات حادث وان قلت بالثاني فكيف تعقل مساواتكم معه تعالى في المسئلة النحوية مثلا وعدم مساواتكم معه في جميع العلوم وله حالتان اذن فاذا انتفت المساوات في كل الاحوال فما هو جوابكم في لزوم عدم التساوي اذا علمت مسئلة يعلمها الله هو جواب القائل بان الامام يعلم الاشياء كلها فالكلام الكلام والجواب الجواب والاعتراض الاعتراض فاين تذهبون والى كم عن الحق تحيدون ؟ ثم ان القائل بان الامام يعلم الاشياء كلها لا يقول بانه يعلم جميع ما يعلمه الله حاشا وكلا بل يراهم مضمحلين بالنسبة إلى الله جاهلين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بل المراد انهم يعلمون كلما دخل في عالم الكون في خزائنه دون ما يتجدد آنا فآنا في خلق الله سبحانه من عالم الامكان إلى عالم التكوين فالذي يعلمونه بالنسبة إلى ما عند الله في الخزانة الامكانية قطرة في البحر او رملة في القفر واستغفر الله عن التحديد بالقليل فاين المساوات التي يزعمون والمماثلة التي يموهون ومن ذلك العلم الذي لا يعلمون اذا ارادوا ان يعلموا علموا ومن ذلك يتجدد لهم في ليالي القدر وليالي الجمعة وكل ساعة وكل دقيقة وكل آن واما الذي دخل في عالم الكون من عالم العقل الكلي إلى جميع المراتب من الجزئيات والكليات المودوعة في خزائنها فعندهم مفاتيح تلك الخزائن جعلها الله سبحانه لديهم لانهم عند الله اماسمعته سبحانه يقول ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال مولانا الصادق عليه السلام نحن الذين عند الله وكلما في عالم التكوين فذلك عندهم وكلما في عالم الامكان ما يعلمون حتى يعلمهم الله واذا ارادوا ان يعلموا علموا وهذا مراد العلماء السابقين الذين قالوا ان علم الامام ارادي اذا شاء ان يعلم علم طبقا لاحاديث كثيرة واردة في هذا الشأن الا ان البالاسرية افرطوا في المقال وقالوا ان الامام ما يعلم جاريته في اي زاوية من البيت لما انهزمت والامام ما يفرق بين الماء الذي فيه النجاسة من غيره وان الامام لما سئل من العرب عن اسم ارض كربلاء جاوبوه بانها تسمى الغاضريات قال هل لها اسم آخر قالوا ارض الطفوف قال هل لها اسم آخر قالوا شاطئ الفرات قال هل لها اسم آخر قالوا كربلاء وهو عليه السلام يزعمون انه ما كان يعلم ولما استغرب السائل ذلك استدل له لو كان يعلم لماذا سأل قال السائل فلو كان مجرد السئوال دليل الجهل فلم سأل الله سبحانه موسى وما تلك بيمينك يا موسى وسأل عيسى وقال يا عيسى ءانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله الآيات هل كان جاهلا ؟ فبهت ولم يحر جوابا وهو قول مولينا الباقر عليه السلام اشارة اليهم لانه يعلم بان قوما باقون في آخر الزمان ويحدثون المناكير والقبايح والشنايع قال عليه السلام تضجرا عجبا لاناس من شيعتنا يزعمون ان طاعتنا واجبة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون انفسهم ويقولون  انا لا نعلم كل شيء اترى ان الله سبحانه يبعث حجة على اهل المشرق والمغرب ثم يخفي علمهم عنه وهذا من الذين كتموا ما انزل الله في فضل آل ‌محمد سلام الله عليهم وبينه للناس وانكروا الاحاديث الكثيرة المروية في الكتب المعتبرة الدالة على ولايتهم عليهم السلام وتصرفهم في العالم من الخطب والادعية والقنوتات والزيارات وما في خطبة الافتخار وخطبة البيان والخطبة الطتنجية ( وخطبة الغدير وغيرها من الخطب نسخه ) كثير (خ‌) وحديث معرفتهم بالنورانية وحديث الخيط الاصفر وحديث البساط واحاديث خلق انوارهم واحاديث كونهم اشباحا واحاديث كونهم في الاكوان الستة قبل خلق الخلق واحاديث الدهور وحديث ابن ‌مسعود وسائر الاحاديث المودوعة في الكتب المعتبرة والغير المعتبرة من كتب اصحابنا رضوان الله عليهم وغيرهم وينكرون كل هذه الاحاديث ويرمونها بالضعف والارسال ويرمون رواتها بالغلو والجهل والاهمال ولا يقرون بمضامينها ولا يعتقدون مفاهيمها مع انهم يقرؤون دعاء الاعتقاد المذكور في مهج‌الدعوات واورده البهائي (ره‌) في مفتاح‌الفلاح المروي عن مولانا الكاظم وسيدنا الرضا عليهما السلام ويستحب قرائته في كل صباح ومساء وفيه إلى ان قال واشهد ان عليا امير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين ووارث علم النبيين وقاتل المشركين وامام المتقين ومبير المنافقين ومجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين امامي وحجتي وصراطي ودليلي ومحجتي ومن لا اثق بالاعمال وان زكت ولا اراها منجية لي وان صلحت الا بولايته والايتمام به والاقرار بفضائله والقبول من حملتها والتسليم لرواتها فجعل عليه السلام من الاعتقاد الذي يجب ان يعتقد المؤمن ويدين الله به قبول فضائل امير المؤمنين وتصديق حملتها والتسليم لرواتها كائنة ما كانت وبالغة ما بلغت لا يراعي في احاديث الفضائل ارسال ولا اهمال مع انهم سلام الله عليهم اعطوا ( اعطونا خ‌ل ) قاعدة كلية شريفة مرعية مسلمة عند المخالف والمؤالف من قولهم عليهم السلام : نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ومعنى هذا الحديث بعدة طرق وبعدة الفاظ مروية في الكتب المعتبرة ومسلمة عند الجميع فاذا صحت هذه الروايات فاي شيء يسئل اذن عن سند الرواية وصحتها وضعفها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة يوم الغدير ايها الناس ان لاخي فضائل كثيرة لا اقدر ان احصيها في مجلس واحد الا فمن اتيكم بشيء منها فصدقوه روى الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن زرارة قال دخلت على ابي جعفر عليه السلام فسئلني ما عندك من احاديث الشيعة قلت ان عندي منها شيئا كثيرا قد هممت ان اوقد لها نارا ثم احرقها ( فاحرقها خ‌ل ) قال ولم هات ما انكرت منها فخطر على بالي الآدميون فقال عليه السلام لي ما كان علم الملئكة حيث قال ( قالوا خ‌ل ) اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وفي منتخب‌البصائر وغيره باسانيد عن جابر ان ابا جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان حديث آل ‌محمد عظيم صعب مستصعب لا يؤمن به الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل‌ محمد عليهم السلام فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت له قلوبكم فردوه إلى الله والى الرسول والى العالم من آل ‌محمد عليهم السلام وانما الهالك ان يحدث احدكم بالحديث او بشيء لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا والانكار لفضائلهم هو الكفر وفيه أيضا باسناد صحيح عن الحذاء قال سمعت ابا جعفر (ع‌) يقول في حديث له ان اسوء اصحابي عندي حالا الذي اذا سمع الحديث ينسب الينا ويروي عنا فلم يحتمله قلبه واشمأز منه جحده واكفر من دان به ولا يدري لعل الحديث منا خرج والينا اسند فيكون بذلك خارجا عن ديننا ثم تلك الاحاديث ليست كلها ضعيفة السند على الاصطلاح المتجدد بل فيها روايات صحيحة ومضمونها في زيارات مقبولة مسلمة كذلك في الادعية والقنوتات لا سيما القنوت المروي عن سيدنا الحسين عليه السلام فحينئذ لو لم يطرحوا هذه الروايات وحملوها على ظاهرها بما لا يلزم الاستقلال بالتصرف ولا الشراكة ولا التفويض والاعتزال كما قالوا في الملائكة وتصرفها فاي محذور يلزمهم واي ضرر يعتريهم مع ما علمهم الامام عليه السلام قاعدة كلية في امثال هذه الاخبار كما عن المفضل قال قال ابو عبد الله عليه السلام ما جائكم منا مما يجوز ان يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه الينا وما جائكم عنا ان ( ما خ‌ل ) لا يجوز ان يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه الينا ولا ريب ان مضمون تلك الاحاديث مما يجوز ان يكون في المخلوقين كالملئكة وحملة العرش وامثالهم وفي اي مقام طرحوا هذا المقدار من الاخبار التي تنوف على الفين وما الموجب لردها الا كتمان ما انزل الله من البينات فاذا ضاق بهم الخناق يموهون على الناس بان هذه اسرار لا تجوز اذاعتها ولو فتح هذا الباب لم يبق سؤال ولا جواب ولا يجوز لاحد ان يدون علما او يكتب حكما نعم الاسرار ( الاسرار الالهية خ‌ل ) هي التي لا تكون تحت قاعدة كلية ولا يسعك اثباتها للسامع بالبراهين العقلية و( او خ‌ل ) النقلية او تخاف من احد يصيبك باذية ويوقعك في بلية كما جعل مولانا الكاظم عليه السلام مسئلة الحيض سرا في الزمان الاول وكون امير المؤمنين عليه السلام افضل من جميع الانبياء أيضا كان سرا وهذا كله لعدم برهان واضح ودليل لايح واما في هذه الازمان امثال هذه المسائل مبذولة معروفة وكذلك علم هذه المسائل لو كانت سرا لما اخبر بها امير المؤمنين عليه السلام ابا ذر وسلمان في حديث معرفته بالنورانية واي سر في كون امير المؤمنين او احد الائمة نازلا منزلة الملائكة في التصرف في العالم والملائكة انما هم من خدامه مخلوقون من اشعة نوره واي سر في كون امير المؤمنين او احد الائمة عليهم السلام بمنزلة الثور الذي جميع الارضين السبع محفوظة على قرنه واي سر في كون امير المؤمنين (ع‌) او احد الائمة عليهم السلام نازلا منزلة ذنب بقرة بني‌ اسرائيل في احياء الموتى واي سر في كون امير المؤمنين او احد الائمة عليهم السلام نازلا منزلة عدو الله ابليس اللعين في جريانه وسريانه في جميع مراتب وجود الانسان وسائر الموجودات واي سر في كون امير المؤمنين عليه السلام او احد الائمة عليهم السلام نازلا منزلة ميكائيل واسرافيل وعزرائيل في ايصال الحياة والرزق والموت إلى الاشياء واي سر في كون امير المؤمنين عليه السلام نازلا منزلة الملائكة في حفظهم السموات واي عقل يمنع هذا واي نقل ينفيه وما يموهون من ان انكارنا من جهة عدم دليل على ثبوت هذه المطالب اي دليل تريدون اكثر مما يقرب من الفين حديث اتجوز ان كل ذلك كذب وافتراء ؟ وبالجملة لا محمل لهم في نفي هذه الامور من العقل والنقل الا الكتمان ويشملهم قوله تعالى الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد قال مولانا الباقر عليه السلام نحن اللاعنون ومن العجب انهم اذا قيل لهم ان عيسى روح الله يصدقون واذا قيل ان عليا نفس الله يضطربون ويستوحشون ويستغربون ويمجون ولقد كتبت في هذه الايام في جواب بعض المتعسفين في بيان كيفية مدخلية الائمة في العالم كلاما مشروحا وكتبت من هذا النوع من عجائب الامور اشياء كثيرة لا نطول الكلام بذكرها هنا واما قولك ادام الله حراستك وتأييدك ان كلاهما معترفان بالضروريات الملية فكيف تكون البالاسرية معترفين بالضروريات الملية لانهم اوقعوا الفتنة واظهروا الفساد بمحض عبارة لا يعرفون منها المراد وقد اجمع المسلمون واتفقت ان الكتابة لا تؤسس حكما ولا توجب امرا ولا اعتبار بالقرطاس بل العبرة بالاقرار او البينة على الاقرار والا فمحض الكتابة لا يثبت بها شيء ولا يترتب عليها امر لا سيما مع تصريح المتكلم بمراده وابرازه مستجنات فؤاده وقد خالفوا ضرورة الاسلام واوضعوا فتنة في الانام واهلكوا الحرث والنسل واوقعوا الفساد وشوشوا العباد واخربوا البلاد بمحض عبارة غير ظاهرة في المراد فخالفوا ضروري الدين والملة بل الاسلام والسنة ولكن الناس تكون مع الشهرة كما كان دأبهم من مبدء الوجود إلى آخر مقامات الشهود وما يموهون به على الناس ويلبسون عليهم من ان الكتابة لو لم تكن معتبرة لم يحصل العلم باخبار الماضين ولا بسنن الاولين ولا مذاهب العلماء ولا مطالبهم ولا توثيق وتضعيف الرجال الروات ولا عقايد المتقدمين ومن البين ان ذلك كله انما يعلم من الكتب والخطوط فكيف يمكن القول بان الكتابة ليس عليها اعتبار فذلك محض تمويه وتلبيس لان الكلام فيما اذا كان الكتابة يعارضها بيان الكاتب وتنصيصه فان هذه الكتابة هي التي لا اعتبار فيها او ان الكتابة وقعت في يد من لا يعرفها كمسائل الطب والنجوم بيد الفقيه وكتاب الفقيه بيد المنجم واما اذا كانت ليس لها معارض والكتابة وقعت بيد من يفهمها كمسائل اهل كل فن عند اربابها ولا ريب ان ذلك يفيد الظن دون العلم الا اذا تكاثرت القرائن وتواترت فحينئذ يفيد العلم وما نحن فيه من قبيل الكتابة مع المعارضة وهي لا تعتبر بضرورة الاسلام

واما قولك ادام الله تأييدك ما تكليف العبد العاجز ؟

فجوابه ان التكليف اما في الاعتقادات النظر والفحص وملاحظة المطالب من مظانها والتماسها من مواقعها واما في الفروع فان كنت من اهل الذكر والاستنباط فاعمل بما ترى مما علمك الله وانهى اليك علمه بواسطة الراسخين في العلم من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا من مظانها ومواقعها من اخبارهم وآثارهم ومواضع تسديداتهم من اجماع وغيره وان لم تكن من اهل الذكر ومن اهل الاستيضاح فاطلب عالما تركن إليه وتثق بدينه وامانته ويظهر فيه اخلاق ائمته فان النائب لا بد له من مناسبة مع المنوب عنه في العلم والعمل اما الاول فان يكون علمه كله مستندا إلى الكتاب والسنة وما يرجع اليهما من الاجماع والعقل المستنير بنور الشرع فلا ينقل الا عن آل ‌محمد عليهم السلام ولا يستند الا اليهم ولا يعتمد الا عليهم ولا يقول الا فيهم وما يرجع الا اليهم ويكون معهم عليهم السلام كما قال الشاعر :

اليكم والا لا تشد الركائب ومنكم والا لا تنال الرغائب

وفيكم والا فالحديث مخلق وعنكم والا فالمحدث كاذب

وعن يحيى بن زكريا يقول من سره ان يستكمل الايمان فليقل القول مني في جميع الاشياء قول آل‌ محمد عليهم السلام فيما اسروا وفيما اعلنوا وفيما بلغني وفيما لم يبلغني وفي رواية اخرى ان يقول اذا اصبح او امسى ما قال آل ‌محمد سلام الله عليهم قلنا وما دانوا دنا واما الثاني اي العمل فان يكون متخلقا باخلاق المؤمنين وموسوما بسماتهم وموصوفا بصفاتهم وتلك الصفات بعضها هو الذي ذكره امير المؤمنين عليه السلام في حديث همام على ما رواه ثقة الاسلام والحديث وان كان طويلا ولكني اذكره بطوله لتعرف المؤمن فان المجتهد خليفة الله وحجته عن حجة الله صلى الله عليه وآله وهو الحاكم على الفروج والدماء والاموال على الاطلاق فلا بد ان يكون امينا مؤمنا كاملا موصوفا بما قاله امير المؤمنين عليه السلام روى الكليني رحمه الله في الكافي عن محمد بن جعفر عن محمد بن اسماعيل عن عبد الله بن داهر عن الحسن ابن يحيى عن قثم ابي قتادة الحراني عن عبد الله بن يونس عن ابي ‌عبد الله عليه السلام قال : قام رجل يقال له همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا إلى امير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب فقال يا امير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كاننا ننظر إليه فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه اوسع شيء صدرا واذل شيء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذى لا متأفك ولا متهتك ان ضحك لم يخرق وان غضب لم ينزق ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد ومكادحته احلي من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف ولا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن الله عز وجل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه ولا يصرف اللعب حكمه ولا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش ولا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختال ولا بغدار ولا يقتفي اثرا ولا يحيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرا كثير البلوى قليل الشكوى ان رأى خيرا ذكره وان عاين شرا ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالناس الظن ويتهم على الغيب نفسه يحب في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه وكل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه غريب وحيد جريد حزين يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للقريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس ولا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يبخل وان بخل عليه صبر عقل فاستحيي وقنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو حسده وعفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب ولا يلبس الا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في السر والعلانية لا يهجر اخاه ولا يغتابه ولا يمكر به ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما اصابه ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا امله قليلا زلله متوقعا لاجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا امره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما امره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم ويتجر ليغنم لا ينصت للخبر ليفجر به ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه نفسه منه في عناء والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر قال : فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال امير المؤمنين عليه السلام اما والله لقد كنت اخافها عليه وقال هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين ؟ فقال ان لكل اجلا لا يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك شيطان انتهى الحديث بتمامه صلى الله على قائله وان اشتبه عليك حال العلماء فتتبع آثارهم وتفحص اخبارهم وتنبه إلى اخلاقهم وانظر سلوكهم واطوارهم والى شعارهم ودثارهم والى افعالهم واقوالهم واسئل كمسئلتك هذه منهم ومن غيرهم فاذا تفحصت وبذلت مجهودك يجب ان يهديك الله إلى عالم مستقيم قد رضي الله عنه وجعله حاكما من قبل حججه وخلفائه فان الله سبحانه وعد الهداية باعظم تأكيد للمجاهدين في سبيل الله الذين يبتغون رضاه ويقصدون قربه ونجويه وقال عز من قائل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وما ذكرته لك في هذه الاوراق كل ذلك شيء معلوم تعرفه الناس ولا يخفى عليهم واما الامور الخفية التي اطلع عليها قليل من الناس ما ذكرتها وفيما ذكرت لك بواضح الادلة وساطع البرهان كفاية

خاتمة

وقد وعدناك سابقا بان نذكر لك ما كتبه ثالث القوم في جواب مسئلتك هذه وقد بلغك البتة فانه كتب : بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال امير المؤمنين اخوك دينك فاحتط له وقال مولانا الباقر عند اختلاف الاخبار خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر وكتب العبد الاثيم فلان الموسوي انظر إلى مبلغه من العلم

اما قوله تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فهل قصد السائل الا هذا وهذه الآية هي التي دلته إلى السئوال والتفحص حتى يصدق عليه انه المجاهد ( مجاهد خ‌ل ) والهداية وان كانت من الله لكن جعل لها ابوابا والامام عليه السلام هو ذلك الباب كما قال امير المؤمنين عليه السلام على ما في الكافي ما معناه ولو اراد الله ان يعرف نفسه لخلقه بغيرنا فعل ولكنه تعالى جعلنا ابوابه والادلاء عليه وعند غيبة الامام عليه السلام نائبه هو حامل الهداية وانت بزعمك انك نائب الامام ورئيس الاسلام فهلاتهدي وتبين له طريق هداية الله وتخرجه عن ظلمة الحيرة إلى نور البصيرة واي شيء زاد للمتحير بتلاوتك له الآية اتظن انه ما كان رأى هذه الآية والرجل بهذه الآية اراد المجاهدة وعرف من المجاهدة السئوال من حملة الهداية وانت تبين له ما يعلمه وتحصل له الحاصل عنده

واما قوله وامره بالاحتياط فلعمري كيف يكون الاحتياط في مقام التعارض في طرفي النقيض فان الاحتياط فيما يمكن الجمع كأن يكون الاختلاف بين الواجب والمستحب او بين المكروه والحرام واما اذا كان الامر دار بين الواجب والحرام والمستحب والمكروه فكيف يمكن الاحتياط واذا كان الكشفية لا يرون للبالاسرية حكما ولا يجوزون تقليدهم رأسا لمخالفتهم لقواعد الشرع والبالاسرية أيضا لا يجوزون تقليد الكشفية لشبهة دخلت عليهم من بعض العبائر وقد كان يجب عليهم عدم الاعتناء بها فكيف يحتاط المسكين المتحير وهل هذا الا الامر بمذهب من يقول سيدنا علي قتل سيدنا طلحة وسيدتنا عايشة حاربت سيدنا علي نحب الكل ونحظى بالكل وان كان قصده من هذا الاحتياط اتباع من الاكثر يميلون إليه فهذا خروج عن مذهبه ويلزم من هذا اتباع مخالفي امير المؤمنين عليه السلام لان الاكثر مالوا اليهم فاثبات هذا الاحتياط على كل حال هدم لاركان الدين وتخريب لشريعة سيد المرسلين التي حفظتها امة الاجابة من اصحاب الحق واليقين ولعمري ان هذا كلام لا يرضى ان يتفوه به جاهل سفيه فضلا عمن يدعي العلم

واما قوله خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فاعلم ان الاخذ بالمشهور عند فقد الادلة والتراجيح انما هي في الاحكام الفرعية لا في اثبات الرئيس الحامل للشريعة الا ترى سئوال عمر ابن حنظلة في هذه الرواية عن دين او ميراث فلا ريب ان ذلك حكم جزئيات احكام الفرعية عند تعارض الادلة وفقد المرجح واما في الاحكام الاصولية واثبات الرئيس الحافظ للدين والملة اي دخل فيه للكثرة لقد ذم الله سبحانه الكثرة في آيات تقرب من ثمانين آية مثل قوله تعالى لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس الآية وقوله تعالى اكثرهم لا يفقهون واكثرهم لا يعقلون واكثرهم لا يشكرون ولكن اكثر الناس لا يعلمون واكثرهم يجهلون وهكذا غيرها من الآيات والروايات ومدح القلة في قوله تعالى وقليل من عبادي الشكور وما امن معه الا قليل فشربوا منه الا قليل وامثالها من الآيات وقد قال الباقر عليه السلام ان الناس كلهم بهايم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل وقال مولانا الصادق عليه السلام المؤمنة اعز من المؤمن والمؤمن اعز من الكبريت الاحمر وهل رأى احدكم الكبريت الاحمر وامثالها من الروايات التي مدح فيها القلة وذم فيها الكثرة وقد جرى مذهب الشيعة على هذا اما رأيت كثرة المعاندين وقلة المؤمنين اما رأيت قلة اتباع امير المؤمنين عليه السلام وقد كانوا في مبدء الامر اربعة اما رأيت قلة اتباع الحسن عليه السلام واستيلاء معوية حتى ضيق عليهم الامر بحيث منع ان يسمى احد باسم علي والحسن والحسين وعلي هذا القياس وجب اتباع معوية اما رأيت قلة اتباع الحسين عليه السلام وهكذا اتباع الائمة عليهم السلام واحدا بعد واحد إلى صاحب الزمان حتى انه عليه السلام غاب لكثرة المعاند وقلة الناصر ( والمعاضد خ‌ل ) وهكذا فمذهب الشيعة ودينهم مبني على قلة اتباع رئيس الحق ما دامت الدولة للظالمين ولما كان هذا مبني المذهب والدين وصريح الآيات والروايات والحديث اذا خالف القرآن والمذهب لا يعمل به اقتصر اصحابنا وعلماؤنا رضوان الله عليهم في مدلول مقبولة عمر بن حنظلة على موردها في دين او ميراث او في الاحكام الفرعية التكليفية ثم تقول قوله عليه السلام خذ ما اشتهر يريد به القول المشهور لا القائل المشهور فكم من قائل مشهور قوله ليس بمشهور معمول به عند الاصحاب وكم من قائل غير مشهور قوله مشهور معمول به عند الاصحاب وهذه الرواية اي دخل لها فيما يريد السائل من العالم الذي يجب اتباعه والعمل بقوله فهو يريد العالم الذي يقلده والمرجحات في مقبولة عمر بن حنظلة للعالم لاجل الاستنباط لا لاهل التقليد فمقصود السائل ترجيح العالم الذي يعمل بقوله ويأخذ عنه ويكون من القرية الظاهرة للسير إلى القرى المباركة وذلك معلوم وجواب هذا الرجل اضعف الدين وقوي شبهة المخالفين والوزر عليه ويلقاه يوم الدين

ثم بقي هنا شيء وذكره من الواجبات العينية فان البالاسرية ربما يموهون على الناس ويقولون لهم عليكم بالطريقة التي سلكها آباؤكم واجدادكم باتباعهم للعلماء السالفين فانها طريقة السلامة وبها تحصل برائة الذمة واما الطريقة المحدثة التي عليها الكشفية فهي طريقة محدثة جديدة لم يكن لها ذكر في سالف الزمان فاتباعهم لا يحصل به اليقين لبرائة الذمة فالاحتياط تركهم ولعل هذا هو مراده بالامر بالاحتياط

والجواب عن هذا الكلام الفاسد والقول الزور الكاسد انا ما تركنا طريقة علمائنا الماضين واصحابنا السالفين في كيفية الاستنباط في الاحكام الفرعية فان طريقتهم هي طريقتنا والذي يعملون به هو الذي نعمل به ومسلكهم هو الذي نسلك به وفي اصول العقايد ما عندهم من اجمالات الاعتقادات هو الذي نعتقدها وندين الله بها نعم عندنا تفاصيل تلك الاجمالات التي لم يذكروها ولم يدونوها كزوائد ترجع إلى تلك الاجمالات وبالجملة فالذي عندهم عندنا وعملهم عملنا ( بلا شك خ‌ل ) نعم عندنا مطالب ومسائل وتفاصيل لم يذكروها لا انهم انكروا عليها كالتفاصيل التي تجدها الآن في كتب اهل الاصول والاصطلاحات التي احدثوها في الابواب والفصول فانها لم يكن لها ذكر قبل ذلك في كتبهم المفصلة وفي زبرهم المدونة ولا ريب ان الاذهان كلما تتأخر تنتج منها نتايج لم تكن قبل ذلك انظر إلى تصرفات الناس في هذه الازمان في المطاعم والمشارب والمآكل والملابس فانها ما كانت قبل ذلك الا اصولها من اللحم والخبز والحنطة والطحين بالنسبة إلى المآكل والقز والابريسم والقطن والكتان بالنسبة إلى الملابس وكل تلك التصرفات البديعة الغريبة انما كانت متفرعة على تلك الاصول وتفاصيل لتلك الاجمالات كذلك الذي نحن عليه فان الاصول والاجمالات من الكتاب والسنة والاصول العقلية التي كانت قبل ذلك بيد العلماء نحن نستعملها ونفصلها ونستخرج منها احكاما كثيرة فالاحتياط في العمل بقولنا لانه هو العمل بقولهم اي بقول العلماء الماضين وزيادة استخراج المسائل المبرهن عليها من الكتاب والسنة فهم الذين خالفوا جميع العلماء الماضين والامناء السالفين والحاضرين فان احدا منهم لم يكذب الكاتب عن بيان مراده من الكتابة ولم ‌يقل اني اعلم بكلامك منك وعمل بالباطن وترك العمل بما ظهر له من الشخص من الاعمال والاعتقادات ورجح الظاهر على النص وامثال ذلك من الامور التي اجمعت الشيعة بل المسلمون على خلافه واما اولئك فامرهم مردد بين انهم انكروا ضرورة الاسلام او انهم اقروا بها ولم يعملوا على مقتضاها فالاول يوجب الكفر والثاني يوجب الفسق ولا ثالث في البين فهم الذين خالفوا علماء الاسلام وهدموا اركان الشريعة فالاحتياط الكامل في عكس ما يزعمون وخلاف ما يموهون والسلام واما قولك ادام الله تسديدك وتأييدك هل يسقط عنه التكليف إلى قولك فالذي يخطر ببالكم الشريف فجوابه ان التكليف ليس بساقط والترجيح بلا مرجح باطل لدلالة العقل والنقل والله سبحانه وتعالى ما اهمل العباد ولا تركهم سدى يهيمون في البلاد بل جعل لهم عقولا مازجت هياكلهم فاستعبدت ( فاستعدت خ‌ل ) بها حواسهم وجعل عليها ادلاء هادين مهديين مرشدين إلى الحق والى طريق مستقيم وجعل لهم دلالات وعلامات وشواهد وبينات تميز المحق منهم والمبطل والمدعي منهم واهل الحقيقة وقد ارشدتك الى الدليل واوضحت لك السبيل واعليت لك منار الهداية واوضحت لك سنن الدراية وبينت لك جهات الترجيح وشرحت لك الحق الصريح وفصلت لك المذهب الصحيح فتأمل فيه بصافي طويتك وحسن سريرتك تجد الامر واضحا ظاهرا

وهب إني أقول الصبح ليل أيعمى الناظرون عن الضياء

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم ومنكري فضائلهم أجمعين إلى يوم الدين لقد فرغ من إملائها منشئها عصر يوم السبت الحادي ‌عشر من شهر ربيع المولود سنة ١٢٥٨ في هور الهندية في جزيرة تسمى الحصيوة مما يقرب من مسجد الكوفة حامدا مصليا مسلما مستغفرا

*********

*****

*

المصادر
المحتوى