
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه ومظهر لطفه محمد وآله الطاهرين
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض السادة الاجلاء والازكياء العلماء ايده الله بصنوف الآلاء والنعماء بمحمد وآله سادات الاولياء عليهم سلام الله ما دامت الارض والسماء قد التمس مني ان املي جواب مسئلة عميقة غامضة تاهت عندها العقول والافهام وانحسرت دونها المدارك والاوهام واجابة مسئلته بل امتثال امره وان كانت عليّ واجبة لازمة الا ان هذه المسئلة مما ابى الله الا سترها وكتمانها ولم يأذن بكشفها ورفع الحجاب عن وجه حقيقتها لان من العلوم ما تحتمل ( يحتمل خل ) ومنها ما لا تحتمل ( لا يحتمل خل ) ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل وما كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله لان المطالب تتبع المدارك والمشاعر فكل مطلب من الانواع الاضافية له مشعر خاص لا يدرك الا بذلك فمن طلبه من غيره لم يجده ابدا كما ان من طلب ادراك الالوان بغير البصر بل بالسمع وطلب ادراك الاصوات بالبصر وغيرها واختلاف المشاعر الظاهرية دليل على اختلاف المشاعر الباطنية لان الظاهر عنوان الباطن وقال مولينا الرضا (ع) قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا والناس لاجل المصالح الدقيقة والحكم الخفية غابت عن اكثرهم اكثر المشاعر التي بها تدرك الاسرار وتطلع على نهايات الكنوز والانوار فلا يمكنهم مع كونهم بتلك الحالة ادراكها وحل رموزها واستخراج كنوزها فيلتجئون الى الانكار الا ان يتداركهم الله برحمته ويمن عليهم بتلك المدارك والمشاعر بسابق مشيته ونافذ حكمه وارادته وهذه الغيبوبة ليست لامر جرى اضطراري لا صنع للمكلف فيها وانما هو امر اختياري منشأها الاعمال المقتضية لها لامور قد استحكمت قواعدها وشيدت اركانها في عالم الذر وما بعده من العوالم الى ان انتهى الامر الى هذه الدنيا يطول الكلام بذكر اسبابها وعللها ومقتضياتها وموانعها وشرايطها ولوازمها ومكملاتها ومتمماتها وساير احوالها فلاجل هذا واشباهه صارت الناس في معرض الانكار اذا سمعوا ما لم تدركه افهامهم ولم تعه ( لم تسعه خل ) قلوبهم ولم تفهمه احلامهم كما اخبر الله تعالى عنهم بقوله الحق واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم وقوله عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله هذا كله اذا سلمت القلوب عن الامراض الشيطانية والغايات الابليسية التي فرعها الحسد والظلم والغشم وحب الرياسات وامثالها واما عند سلامتها عن تلك الردية فالامر اعظم واعظم واعظم فلذا ترى ائمتنا سلام الله عليهم مع كمال الرأفة والرحمة والعطف على الرعية كتموا ( كفوا خل ) عنهم جل علومهم وزووا عنهم جميع اسرارهم وحقايق انوارهم وخبايا اخبارهم سلام الله عليهم وليس ذلك بخلا منهم وارادة سوء برعاياهم واغنامهم حاشاهم عن ذلك ثم حاشاهم بل انما فعلوا ذلك لطفا بهم وطمعا لترقيهم ولئلا ينكروا ليهلكوا حتى تطمئن نفوسهم وتتوسع صدورهم وتنضج طبايعهم وتتقوى غرايزهم فيفوزوا باعلى النصيب من المعلي والرقيب واما اذا اعطوهم قبل الاستيهال فهم الذين قد سعوا في هلاكهم واضلالهم وافنائهم ولما علموا بعض المستأهلين بعض تلك الاسرار امروهم بالكف والكتمان لئلا يستولي عليهم الشيطان ومتابعوه من اهل الحرمان والطغيان كما قال عليّ ابن الحسين عليهما السلام لا تتكلم بما تسارع العقول لانكاره ( الى انكاره خل ) وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا وفي الكافي باسناده عن محمد بن عجلان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان الله عز وجل عير اقواما بالاذاعة في قوله عز وجل فاذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به فاياكم والاذاعة وفيه ايضا عن محمد الخزاز عن ابي عبد الله عليه السلام قال من اذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحد حقنا وقال قال لمعلي بن خنيس المذيع لحديثنا كالجاحد له وفيه ايضا عن ابي يعفور قال قال ابو عبد الله عليه السلام من اذاع حديثنا سلبه الله الايمان وفيه ايضا عن يونس بن يعقوب عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله (ع) قال ما قتلنا من اذاع حديثنا قتل خطاء ولكن قتلنا قتل عمد وفيه ايضا عن ابي عبد الله (ع) من اذاع علينا شيئا من امرنا فهو كمن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطاء وفيه ايضا عن نضر بن ساعد مولي ابي عبد الله (ع) عن ابيه قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول مذيع السر شاك وقائله عند غير اهله كافر ومن تمسك بالعروة الوثقى فهو ناج قلت وما هو قال التسليم وفيه ايضا عن ابي عبد الله (ع) الى ان قال (ع) والمذيع لما اراد الله ستره مارق عن الدين وفيه ايضا عن عبد الرحمن بن حجاج عن ابي عبد الله (ع) قال من استفتح نهاره باذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المجالس وامثال هذه من الروايات كثيرة فاذن كيف يجوز لمن انتحل محبتهم وعرف بعض اسرارهم برافتهم ورحمتهم ان يدخل في عقوقهم باذاعة سرهم وكشف سترهم لا يكون ذلك ابدا للراسخ في محبتهم والمستغرق في مودتهم وقد قال الشاعر ونعم ما قال :
ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء من ليلى بلا تعيين
يقولون خبرنا فانت امينها وما انا ان خبرتهم بامين
وكيف يجوز هتك سترهم واذاعة سرهم لاسيما في هذا الزمان وهذا الاوان الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه من كل جانب ومكان ولكن لما كان لكل سؤال جواب ولكل لسان خطاب وكان السائل اطال الله بقائه واجزل عليه نواله وعطائه من اهل الاجابة والبيان فلا يسعني الا الكلام فيه على مقتضى المقام واضعا لكل شيء في موضعه لئلا اكون ظالما للحكمة ومضيعا لها فنشير بالتلويح في ضمن التصريح واقتصر على الاشارة في طي ظاهر العبارة واكتفي بمختصر المقال في شرح تلك الاحوال لئلا يؤدي الى ذكر ما لا ينبغي ذكره في المقال ولما انا به من ضعف الحال وتبلبل البال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وقد احببت ان تأتيني هذه المسئلة في غير هذه الحالة لاؤدي بعض حقها من التحقيق وارشد المتحير الى سواء الطريق ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور وجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل
قال سلمه الله تعالى : سيدي واستادي ومن عليه في العلوم اعتمادي وفي كشف المعضلات استنادي ارجو من طيب انفاسكم الهاشمية واؤمل من هممكم العلية ان تتعطفوا على عبيدكم ومن كان منكم بكشف اسرار تختلج في الخاطر فلا اجد الى بثها سبيلا الا اليكم الى ان قال سلمه الله تعالى :
فمنها انه ما يوجد في الاخبار والزيارات وغيرها ما يشير الى ان امير المؤمنين عليه السلام هو باطن الانبياء وانه ظهر بتلك الصور لهم هو على الحقيقة غير انه يعتريه تغير في الصورة لحكمة الهية قضت بذلك
اقول الظاهر ان مراده سلمه الله تعالى من الاخبار ما رواه في البحار في بيان معرفته (ع) بالنورانية في حديث طويل الى ان قال امير المؤمنين عليه السلام يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال انا امير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقى وايدت بروح العظمة وانا تكلمت على لسان عيسى بن مريم (ع) في المهد وانا آدم وانا نوح وانا ابرهيم وانا موسى وانا عيسى وانا محمد صلى الله عليه وآله انتقل في الصور كيف اشاء من رآني فقد رآهم ومن رآهم فقد رآني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزال ( هو لا يزول ولا يزال خل ) ولا يتغير وانما انا عبد من عباد الله لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لن تبلغوا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لانا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وامناء الله وائمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال شخص لم وكيف وفيم لكفر واشرك لانه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا امير المؤمنين قال عليه السلام من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت واوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكل من شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب الحديث وما في خطبة البيان من قوله (ع) انا ذوالقرنين المذكور في الصحف وانا الحجر الذي تفجر منه اثنتي عشرة عينا من الحجر وقوله (ع) انا آدم الاول وانا نوح الاول وانا ابرهيم الخليل حين القي في النار انا موسى مونس المؤمنين انا فتاح الاسباب الخطبة وفي حديث المفضّل بن عمر الجعفي الذي رواه المجلسي (ره) في اغلب كتبه وغيره من علمائنا رضوان الله عليهم في كتبهم في الغيبة والرجعة وهذا الحديث تلقاه بالقبول علمائنا الفحول من اهل المعقول والمنقول ليس له راد الا من انكر الرجعة وهم شرذمة قليلة لا يعبؤ بهم وبردهم وفيه الى ان قال ابو عبد الله (ع) وسيدنا القائم عليه السلام مسندا ظهره الى الكعبة ويقول يا معشر الخلايق الا ومن اراد ان ينظر الى آدم وشيث فها انا ذا آدم وشيث الا ومن اراد ان ينظر الى نوح و( والى خل ) ولده سام فها انا ذا نوح وسام الا ومن اراد ان ينظر الى ابرهيم واسمعيل فها انا ذا ابرهيم واسمعيل الا ومن اراد ان ينظر الى موسى والى يوشع فها انا ذا موسى ويوشع الا ومن اراد ان ينظر الى عيسى وشمعون فها انا ذا عيسى وشمعون الا ومن اراد ان ينظر الى محمد صلى الله عليه وآله والى امير المؤمنين عليه السلام فها انا ذا محمد وامير المؤمنين الا ومن اراد ان ينظر الى الحسن والحسين عليهما السلام فها انا ذا الحسن والحسين (ع) الا ومن اراد ان ينظر الى الائمة من ولد الحسين فيعد واحدا بعد واحد الى الحسن عليه السلام فها انا ذا هم فلينظر الى واني انبؤ بما نبئوا به واجيب الى مسئلتي فاني انبئكم بما نبئتم به وبما لمتنبئوا به الحديث واما الزيارات المشار اليها فمنها ما في البحار وساير المزار في زيارة امير المؤمنين عليه السلام المروية عن ابي عبد الله (ع) وهي مشهورة معروفة صارت الآن من ضروريات مذهب الشيعة ومنها ( فيها خل ) السلام على اخي رسول الله وابن عمه وزوج ابنته والمخلوق من طينته السلام على الاصل القديم والفرع الكريم السلام على الثمر الجني السلام على ابي الحسن على السلام على شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام على آدم صفوة الله ونوح نبي الله وابرهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمد صلى الله عليه وآله حبيب الله ومن بينهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا السلام على نور الانوار وسليل الاطهار وعناصر الاخيار السلام على والد الائمة الابرار والسلام على حبل الله المتين وجنبه المكين ورحمة الله وبركاته الزيارة وهذا بعض ما وقفنا عليه من الاخبار والزيارات مما يدل على المراد
قال سلمه الله تعالى : ومع قطع النظر عما يشير الى ذلك من الخصوصيات يدل عليه عموم قولهم عليهم السلام اجعلوا لنا ربا نؤب اليه وقولوا فينا ما شئتم ويشير الى ذلك ايضا كلما ورد عنهم عليهم السلام بان بعض الاسرار لو كشفت لكفر اكثر الناس المبيح بها كما في الابيات المنسوبة الى عليّ بن الحسين عليهما السلام وغيرها وربما كان هذا السر ادنى ما اراد من تلك الكلمات الواردة في هذا المضمون
اقول قوله (ع) ( عموم قولهم عليهم السلام خل ) اجعلوا لنا ربا ورد في عدة احاديث بعدة الفاظ منها ما ذكره ايده الله تعالى ومنها ما ذكرنا في حديث معرفته بالنورانية في قوله (ع) لا تسمونا اربابا وقولوا في فضائلنا ما شئتم فانكم لنتبلغوا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار ( معشار من خل ) العشر منها ومنها ما ( مما خل ) في قول الحجة (ع) نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وكذا في غيرها من العبارات ووجه الاستدلال ان كلمة ما للعموم فيجوز ان تثبت لهم كل كمال ما عدا الربوبية فانها صفة لا ينالها احد ممن جرى عليه قلم الامكان وسبح في لجة الكون والمكان والدعوى المذكورة المقررة في احاديثهم المسطورة تدخل في ما نشاء وليس فيه ادعاء للربوبية لهم عليهم السلام فيجب ان يكون تلك الدعوى ثابتة فيهم وهي ادني ما يختصون به من فضائلهم والقول بان الاجماع قائم على عدم ما ذكرت ممنوع ودعوى الاجماع غير مسموعة كما يأتي بيانه ويوضح برهانه ان شاء الله وكذلك يدل على هذا عموم قوله (ع) كما في الزيارة الجامعة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه وقوله (ع) فيها والحق لكم ومعكم وفيكم ومنكم واليكم وانتم اهله ومعدنه ومأواه ومنتهاه وميراث النبوة عندكم واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم ونوره وبرهانه عندكم وامره اليكم الزيارة وقوله سلمه الله تعالى ما ورد عنهم عليهم السلام بان بعض الاسرار الخ يريد به ما ورد في الكافي عن ابي عبد الله (ع) قال ذكرت التقية يوما عند عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال (ع) لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله وفي رواية لكفره ان علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة وقوله (ع) ان هيهنا لعلما جما لو اصبت له حملة واشار الى صدره الشريف وقال (ع) في الابيات المنسوبة اليه:
وفي النفس لبانات اذا ضاق لها صدري نكت الارض بالكف وابديت لها سري
فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري
وقوله (ع) في الخطبة الطتنجية الا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم ان تقولوا جن او ارتد لاخبرتكم بما كان وما انتم فيه وما تلقونه الى يوم القيمة وقوله في الابيات المنسوبة الى عليّ بن الحسين عليهما السلام يريد به قوله (ع) :
اني لاكتم من علمي جواهره كيلا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابوحسن الى الحسين واوصى قبله الحسنا
ورب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا
وقوله ايده الله تعالى وربما كان هذا السر ادنى ما اراد به من تلك الكلمات الواردة عنهم في هذا المضمون اعلم انا انما نعرف ويعرف كل من رتبته رتبة الرعية باعلى ما عندهم من الادراك ومبلغ طاقتهم من العلوم لا يبلغ جزء من مأةالفالف جزء من رأس الشعير مما ارادوا عليهم السلام من كلماتهم واحاديثهم وخطبهم واشاراتهم وتلويحاتهم وتصريحاتهم لان المرء مخبوء تحت لسانه والكلام على قدر عقل المتكلم وعقلهم هو العقل الكلي والعقل الاول الذي هو اول ما خلقه الله واختاره واصطفيه والكاينات قد اوجدها سبحانه باقباله وادباره واذا لم يبق للقول محل ومما يومي الى ما ذكرناه ما رواه الكليني (ره) في الكافي ما معناه انه سئل ابو عبد الله (ع) عما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام قال علمني رسول الله صلى الله عليه وآله الف باب ينفتح من كل باب الف باب قال (ع) وينفتح من كل باب من الالف ايضا الف باب قال وهل وصل الى شيعتكم من هذه الابواب شيء قال (ع) باب او بابان قال فما وصل من فضلكم الى شيعتكم الا باب او بابان قال (ع) فما عسى ان يصل اليكم من فضلنا والله ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة ولقد جمع كل ما اردنا ان نقول آية في كتاب الله وهي قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها والنعمة هي الامام (ع) ويزيدها توضيحا قوله تعالى ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله فعن الكاظم (ع) انه قال نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى وهذا ظاهر معلوم ( معلوم ظاهر خل ) ان شاء الله لا يحتاج الى البيان غني عن اقامة البينة والبرهان لمن آمن بهم واعتقد امامتهم صلى الله عليهم هذا ما يتعلق بالسؤال وظاهر كلماته وعباراته ايده الله بصنوف تأييداته واما حقيقة البيان في الجواب على ما يمكن بيانه ولا يعسر برهانه فاعلم ان حديث آل محمد سلام الله عليهم صعب مستصعب خشن مخشوش ليس مشرعة لكل خائض ولا منهلا لكل وارد خصوصا امثال هذه المقامات ( المقالات خل ) اذ لا ينبغي للمؤمن الممتحن ان يقصر على ظاهر العبارات ولا على ما يستنبطه من المفهومات والمدلولات مما يعطيه النظر في ظاهر اللغات فان هذا المقام مقام دقيق بل هو بحر عميق كم من سفينة غرقت فيه وكم من سابح هلك ولم يصل الى ساحله فقد روي الكليني (ره) باسناده عن عبد الله بن مسكان عن محمد بن عبد الخالق وابي بصير قالا قال ابو عبد الله (ع) يا ابا محمد ان عندنا والله سرا من اسرار الله وعلما من علم الله لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان والله ما كلف الله به احدا غيرنا ولا استعبد بذلك ( بذلك احدا خل ) غيرنا وان عندنا سرا من سر الله وعلما من علم الله امرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله عز وجل ما امرنا بتبليغه فلم نجد له موضعا ولا اهلا ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك اقواما خلقوا من طينة خلق منها محمد صلى الله عليه وآله وذريته عليهم السلام ومن نور خلق الله منه محمدا صلى الله عليه وآله وذريته (ع) وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمدا صلى الله عليه وآله وذريته (ع) فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم الى معرفتنا وحديثنا فلولا انهم خلقوا من هذا لما كان كذلك لا والله ما احتملوه ثم قال ان الله خلق اقواما لجهنم والنار فامرنا ان نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب فطبع الله على قلوبهم وانساهم ذلك ثم اطلق لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة له ليكون ذلك دفعا عن اوليائه واهل طاعته ولولا ذلك ما عبد الله في ارضه فامرنا بالكف عنه والستر والكتمان فكفوا عمن امر الله بالكف عنه واسروا عمن امر الله بالستر والكتمان عنه قال ثم رفع يده وبكى وقال اللهم ان هذا لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوا لك فتفجعنا بهم لم تعبد في ارضك وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما انتهى الحديث فجاء هذا الحديث بيانا لمتشتتات الاخبار وجامعا لمتفرقات الآثار الواردة عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار بشرط ان لا تقتصر على ظواهر العبارات فتحجب عن ادراك المعاني والاسرار بمغلظات الحجب والاستار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وهو قول النبي المختار صلى الله عليه وآله رحم الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه الى من هو افقه منه الحديث فاذا فهمت ما ذكرنا فتوجه بفهمك والتفت بصافي سريرتك الى ما يتلى عليك من السر الحق والكبريت الاحمر لكنا قد اجرينا كلامنا على ظاهر العبارة بخفي الاشارة ليعلم كل اناس مشربهم ولينال كل احد مطلبهم فنقول اذا قيل فلان مثلا كذا وكذا اي يؤتى بقضية حملية فلا ريب ان فيه تغايرا واتحادا في جهة من الجهات الجامعة اما التغاير فلمكان الحمل المقتضى للنسبة المقتضية للمغايرة ولذا قالوا ان القضية لا بد فيها من اربع تصورات تصور الموضوع وتصور المحمول وتصور النسبة الحكمية وتصور الحكم ثم الحكم وان اختلفوا في ان هذه الاربعة اجزاء للقضية او شرايط لها فلو اتحدت امتنع التعدد واما قولهم في حمل الشيء على نفسه فلا بد فيه من المغايرة في المفهوم ولو بجهة من جهات الاعتبارات والا لما صح الحمل بالضرورة وهو معلوم واضح واما الاتحاد فلمكان الصدق والاجتماع فلان المختلفين من جهة الاختلاف متباينان وهما لا يجتمعان ولا يتصادقان من حيث هما كذلك ففرض الاجتماع مع فرض التباين والتضاد من جهة واحدة مصادمة للضرورة ومزاحمة للبديهة والحمل بدون هاتين الجهتين المتضادتين اللتين هما جهة المغايرة والاختلاف وجهة الوحدة والايتلاف مما لا يمكن وقوعه ولا فرضه اما ( واما خل ) المغايرة فمعلومة وتعلم ايضا بالمقابلة واما الاتحاد فقد يكون جنسيا وقد يكون نوعيا وقد يكون صنفيا وقد يكون شخصيا وقد يكون صوريا وقد يكون اشراقيا وقد يكون فعليا وقد يكون وصفيا وبكل جهة من هذه الجهات يصح الحمل مع المغايرة المقابلة ويصح المعنى واما الخمسة الاولى فعلى ضربين احدهما ملاحظة الافراد المتحصلة من الحدود المشخصة وحمل بعضها على بعض ( بعضها خل ) لاجل الجهة الجامعة التي هي تلك الخمسة وثانيهما حملها على الافراد باعتبار ظهورها فيها وتخصصها لديها الا ان الحمل قد يقل ويكثر باعتبار ظهور الجهة الجامعة وخفائها فيقل الحمل في القسم الاول منهما لعدم ظهور الاتحاد والجهة الجامعة ويكثر في القسم الثاني لظهورها الا ان اهل الحقيقة والاسرار ربما يجري كلامهم على القسم الاول تنبيها للمراد ومن هذه الجهة ندر قولهم الانسان حجر مثلا للجهة الجامعة وهي الجسمية لاجل الاتحاد في الجنس البعيد وقولهم زيد عمرو للجهة الجامعة وهي الانسانية لاجل الاتحاد في النوع القريب وكلما كان من هذا القسم يصح العكس فلك ان تقول عمرو زيد في الرتبة الانسانية التي هي احدى مراتبها وتقول زيد عمرو لاجل ذلك وتقول الانسان حجر في الجسمية والحجر انسان فيها ايضا ولا يختلف المعنى ابدا والمراد من هذا الحمل اثبات اتحادهما واجتماعهما وتصادقهما في مرتبة من مراتب وجود احدهما ولا يلزم من كل الجهات ولا جلها ولا اغلبها اما الاولة فلرفع الاثنينية المستدعية لرفع النسبة المستدعي لبطلان الحمل كما ذكرنا واما الثانية والثالثة فلعدم اعتبارهما في مفهوم الحمل بحال من الاحوال وذلك معلوم واضح ان شاء الله واما القسم الثاني فكما تقول في الاول الانسان جسم وزيد حيوان فتغايرا بالبساطة والتركيب واتحدا في الجزء فان الانسان ليس بحيوان من حيث النطق ومن حيث العلم وغيرها من الجهات الذاتية والعرضية وفي الثاني الانسان حيوان او زيد انسان وفي الثالث الانسان نور والشيطان ظلمة وزيد حبشي وعمرو زنجي وفي الرابع الجدار طين والسرير خشبة والخاتم فضة وفي اطلاق احد عليه شيء من مقصودنا ولك ان تعكس الامر في هذه المسئلة فتجعل الموضوع محمولا والمحمول موضوعا بشرط ارادة الحصر لتحقق شرايط الحمل ( الامر خل ) من التغاير والاتحاد وان ضعف اعتبار الاتحاد لاجل الاطراد ولذا صح للانسان ان يقول انا زيد وعمرو وبكر وخالد الخ ولزيد ان يقول انا انسان من غير اعتبار الحدود الشخصية او يقول الخشبة انا سرير او ( وخل ) صنم وباب وضريح وعمود وصندوق وغيرها مما يتشعب منها من دون اعتبار تلك الخصوصيات اذ باعتبارها كذب الحمل لعدم الجهة الجامعة والرتبة الواحدة واما الاتحاد الشخصي فكما تقول الانسان حيوان ناطق وزيد انسان مع التشخص الخاص وامثالهما فاجتمع الموضوع والمحمول في الحقيقة الشخصية واختلفا وتغايرا بالاجمال والتفصيل واما الحمل الاشراقي فكما تقول زيد قائم وعمرو ضارب فان القيام اثر فعلي لزيد احدثه بفعله وقد دلت الادلة العقلية والنقلية على ان الاثر لا يتحد مع المؤثر في شيء من اطوار ذاته وحقيقته والا لزم تغير الذات باثرها وانفعال العلة عن ( من خل ) معلولها وهو في البطلان بمكان فلا يصح ان يكون القيام عين ذات زيد او ( وخل ) في مرتبة من مراتبها بوجه من الوجوه وقد ثبت عند كل عاقل ان القائم مشتق من القيام والمشتق فرع للمبدء ووجوده متأخر عن وجود المبدء ولذا قالوا كما صرح العلامة (ره) في تهذيب الاصول ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل وقد اجمعوا ان اسم الفاعل مشتق اما من المصدر او من الفعل فيكون فرعا لهما في مقام الالفاظ وكلما هو كذلك في مقام الالفاظ فرع في مقام المعاني لما ثبت عندنا بالدليل القطعي من العقلي والنقلي من ان بين الالفاظ والمعاني مناسبة ذاتية وصفات الالفاظ من الرفع والنصب والجر والجزم ( الجزم والجر خل ) والاعراب والبناء والعاملية والمعمولية والفرعية والاصلية والاشتقاق والجمود وغيرها من ساير عوارضها واحوالها كلها حاكية عن صفات المعاني في اطوارها واحوالها وقد افردنا ( ذكرنا خل ) لذلك ( في ذلك خل ) رسالة على حدة ومن اراد التحقيق وكشف الواقع والجواب عن جميع الشبهات الواردة فليراجع ثمة فاذن لا يصح ان يكون القائم من الصفة الذاتية بان يكون اعتبار القيام او القائمية في الذات ومن غير هذا الاعتبار لا يكون القائم قائما وهذا الاعتبار انما يصير في الذات منشأ انقلاب الذات اثرا والاثر ذاتا فهو اذن اشراق وتجلي عن زيد صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ولكن هذا الاشراق مثال وحكاية من فعل زيد القاه في هوية القائم ( القيام خل ) ليعرف زيد به وذلك المثال هو الذات المتغيرة ( المعتبرة خل ) في المشتقات كلها وشرح هذا الكلام مما يطول به المقام وان كانت ذلك من مزال الاقدام ولا بد من الاعتناء ( الاعتبار خل ) بشرحه وتفصيله ولكنا قد شرحنا هذا المعنى في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل حتى صار الامر في ذلك من المعلومات لكل من حضر عندنا وسمع منا وبالجملة نسبة اتصاف زيد بالقائم نسبة اتصاف الصورة المرئية في المرآة فانها دليل زيد وصفته ويحمل عليه بالاشتقاق او بذو او بالتواطئ على ضرب من التقريب الا ان الموضوع ليس هو حقيقة الذات والجهة الجامعية ورتبة الاتحاد ليست في الذات وانما هي في مقام الظهور والاثر والاشراق والفعل الظاهر بالمفعول ومن هذا القبيل قولك الله خالق ورازق ومحيي ومميت فان الامامية قد اجمعوا على ان هذه الصفات صفات فعل وقد علم بالضرورة ان الفعل غير الذات ولا متحدا معها في رتبتها الا على مذهب الصوفية القائلين بوحدة الوجود وان الفعل والمفعول والذات عندهم واحدة في الحقيقة ومتغايرة في الاعيان كما صرحوا في كلماتهم وعباراتهم وحيث بطل هذا المذهب السخيف الباطل فلم يبق الا القول بان الفعل غير حقيقة الذات ولا يجتمع معها ابدا واسم الفاعل اسم ليس عين الذات وانما هو اشراق وصفة استدلال وآية وهي الذات الظاهرة فجهة الاتحاد في مقام التجلي والاشراق والظهور والفعل لا مقام الذات البحت فالقائم اشراق زيد وتجليه واسمه ورسمه ولكن الاشراق والتجلي لاضمحلالها في جنب الذات اذا ذكر الاسم الفاعل يلتفت ( تلتفت خل ) الى الذات والا فلا اتحاد ولا جهة جامعة فافهم واتقن واجر هذا الحكم في جميع الاسماء الفعلية مع اتصاف الذات بها فاذا قلت ان الخالق من اسماء الافعال فمعناه انه اسم وصفة للفعل فيكون المسمى والموصوف هو الفعل فيجب ان يقال ان الفعل هو الخالق والرازق مع انه لا يقال وانما يقال الله هو الخالق الرازق والسر فيه ما ذكرنا واما الحمل الفعلي فهو ان تكون المغايرة في الذات والاتحاد في الفعل بمعنى ان فعل المحمول والموضوع واحد كما تقول ان الوزير مثلا هو السلطان وهذا الحمل ليس في الذات وانما هو في مقام الفعل اي فعل الوزير فعل السلطان وحكمه حكمه وامره امره ونهيه نهيه وطاعته طاعته ومعصيته معصيته وهو قول مولينا الصادق (ع) لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن فاذا قال (ع) نحن هو لا يريد نحن ( عن خل ) ذات الله تعالى وانما يريد ان فعله فعلنا وحكمه حكمنا وامره امرنا فالاتحاد في الفعل دون الذات فانه في الامكان محال وهذا الحمل شايع كثير في احاديثهم وكلماتهم صلى الله عليهم وقد شرح هذا المعنى مولينا الصادق وابوه عليهما السلام بما لا مزيد عليه في حديثين رواهما ثقة الاسلام في الكافي احدهما عن محمد بن اسمعيل بن بزيع عن عمه عن ابي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل فلما آسفونا انتقمنا منهم فقال ان الله جل وعز لا يأسف كاسفنا ولكنه خلق لنفسه اولياء يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه لانه جعلهم الدعاة اليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ذلك يصل الى الله تعالى كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ( عن خل ) ذلك وقد قال من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني اليها وقال من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل الى الله الاسف والضجر وهو الذي خلقهما واشباههما لجاز لقائل هذا ان يقول ان الخالق يبيد يوما لانه اذا دخله الغضب والضجر دخله التغير واذا دخله التغير لم يؤمن عليه الابادة ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم ان شاء الله تعالى وثانيهما ما رواه عن زرارة عن ابي جعفر (ع) قال سئلته عن قول الله عز وجل وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون قال ان الله تعالى اعظم واجل وامنع من ان يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني الائمة منا ثم قال في موضع آخر وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون ثم ذكر مثله انتهى وبما ذكرنا وما تضمن هذان الحديثان الشريفان سهل لك معرفة كثير من الروايات والادعية والزيارات مثل قول الحجة (ع) ( (ع) في خل ) كل يوم من شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فجهة عدم الفرق الذي هو جهة الاتحاد هي في مقام الفعل لا الذات فالمغايرة في الذات والاتحاد في الفعل وهو قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقوله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقوله تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم وامثالها من الآيات ومثل قوله (ع) في زيارة امير المؤمنين عليه السلام على ما رواه المجلسي (ره) في البحار وتحفة الزائر وغيره في غيرهما السلام على نفس الله القائمة فيه بالسنن فاذا قلت على نفس الله فالحمل هنا فعلي اذ الاتحاد في الفعل والمغايرة في الذات فان عليا (ع) اثر من آثار الله وخلق من مخلوقاته والله سبحانه وتعالى منزه عنه وعن احواله وصفاته اذ لا يوصف تعالى بصفات المخلوقين ولا يشبه بصفات المربوبين ولكنه (ع) حيث ( حين خل ) امات نفسه في طاعته وافنى ذاته في عبادته واعدم ارادته في ارادته فشرفه الله سبحانه وتعالى وكرمه وقرنه بنفسه وان كان سبحانه منزها عن الاقتران في ذاته فجعل قوله قوله وفعله فعله وامره امره ونهيه نهيه وطاعته طاعته ومعصيته معصيته واوجب طاعته كما اوجب طاعته وهذا ( هو خل ) مقام الاتحاد المعتبر في الحمل وهو اتحاد فعلي لا حقيقي ذاتي لقد كررت العبارات ورددتها لاجل التفهيم لصعوبة مسلك هذه المسئلة ودقة مأخذها فافهم راشدا واشرب صافيا فانه باب من العلم ينفتح منه الف باب ومن كل باب الف باب والى الله المرجع والمآب واما الحمل الوصفي فهو ان يكون مناط الحمل المغايرة في الذات والاتحاد في الصفة كما اذا كان اثنان متغايرين في الذات متحدين في صفة من الصفات او جهة من الجهات فحينئذ يصح اسناد احدهما الى الآخر بحمله عليه كما اذا كان عالم وانت تعتقده كمال الاعتقاد وجاء عالم آخر مثله واراد ان ينبهك على ان كلما عند فلان هو عندي على حد الكمال يقول لك انا فلان يعني في هذه الصفة اي صفة العلم مثلا ومتحد ( تتحد خل ) معه لا فرق بيني وبينه فيها وهذا الحمل كثير الدوران وواسع الجريان خصوصا في مقام القاء الحجة وايضاح المحجة ليكون ابلغ في الاعذار والانذار فاذا عرفت هذه المقدمة النافعة الشريفة الجامعة لاطوار الحمل ومقاماته في جميع القضايا الحملية فاعلم انه لا شك ولا ريب ان عليا امير المؤمنين عليه السلام واولاده الطيبين الطاهرين عليهم السلام لا يساويهم عين الانبياء ولا مادتهم حتى يظهروا بتلك الصور ولا ان لهم ظهور كلي في العالم الجسمي حتى يظهروا بكل صورة وبكل طور فلا يتعينون سلام الله عليهم في حد خاص بل يظهرون مرة بصورة موسى فيسمون موسى ومرة بصورة عيسى ويسمون ( فيسمون خل ) عيسى وهكذا بصور ساير الانبياء عليهم السلام حتى يكون اسمه تارة عليّا وتارة موسى وتارة عيسى وتارة ابرهيم وهكذا ساير الانبياء ليكون هذه الاسامي لشخص واحد مصور ( متصور خل ) بصور متكثرة في اطوار متعددة والمادة في الجميع واحدة لا تختلف ( لا يختلف خل ) وتكون نسبته (ع) الى الانبياء عليهم السلام كالماء والثلج وكالثوب الواحد الذي يتلون بالوان مختلفة كالاحمرار والاصفرار كما قال شاعرهم :
انا كالثوب ان تلونت يوما باحمرار وتارة باصفرار
وهذا قول باطل وخيال فاسد ومذهب كاسد لا يجوز اعتقاده ولا يصح التعويل عليه اذ قد ثبت بالادلة القطعية من العقلية والنقلية ان الله سبحانه وتعالى خلق محمدا وآله صلى الله عليه وآله من طينة مكنونة مخزونة عنده ولم يجعل في مثل الذي خلقوا منه نصيبا لاحد كما في الكافي عن محمد بن مروان عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول ان الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه وكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا وخلق ارواح شيعتنا من طينتنا وابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة ولم يجعل لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا للانبياء صلوات الله عليهم ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصار ساير الناس همجا للنار والى النار انتهى وفيه تصريح على ان طينة الانبياء مخلوقة من طينة هي اسفل من طينتهم وكذلك الروايات الواردة في خلق انوارهم عليهم السلام وان الانبياء عليهم السلام انما خلقوا من قطرات قطرت من نور محمد صلى الله عليه وآله او من عرقه ومدخول من في مقام الصنع والايجاد هو المادة لا غير فاذن مادة الانبياء اي مادة طينتهم اسفل من طينة الائمة عليهم السلام وهي تلك القطرات المقطرة من ذلك النور الاعظم والعرق الحاصل منه والشعاع اللامع عنه وبين المادتين بون بعيد وقد دلت الروايات الصحيحة والعقول السليمة المستنيرة بنور الشريعة على ان الانبياء هم من شيعة عليّ (ع) وامة محمد صلى الله عليه وآله كما ورد في تفسير قوله تعالى وان من شيعته لابرهيم فكيف يعقل ان يكون الرعية عين الراعي والامة ( الائمة خل ) عين النبي فيكون هو امام في صورة ورعية في صورة اخرى وهذا لا يجوز في الحكمة وهي مقالة القائلين بوحدة الوجود الا انهم اثبتوا في الله وهؤلاء اثبتوا في الائمة (ع) مع رعاياهم ولو اردنا ان نبسط القول في هذا المقام ونبين الحكمة في عدم جواز اتحاد الانبياء معهم في الذات والحقيقة لطال بنا الكلام وليس لي الآن اقبال ذلك مع ما في ذكره من استلزام كشف ما يأبى الله الا ستره وقد قال مولانا الهادي (ع) في الزيارة الجامعة المشهورة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يسبقه سابق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع الزيارة انظر في هذا الكلام بعد ملاحظة قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فتفوز بالنصيب الاعلى من الرقيب والمعلى اذ لو كانوا من حقيقة واحدة لما امتنع عليهم طمع ادراكهم فافهم ومع هذا كله قد قام الاجماع من المسلمين كافة على اثبات تعددهم وانهم ليسوا شخصا واحدا قد ظهر بصور متعددة في الذات والحقيقة ولا معدل عن قبول هذا الاجماع لان الباطن اذا وافق الظاهر فهو حق والا فباطل وقال النبي صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة فتأمل جدا وبالجملة فان محمدا وآله صلى الله عليهم ظهروا في هذه الدنيا بصور وهيئات وهياكل تخصهم وتختص بهم وهم متفردون بها على طبق ما في العالم الاعلى لا يشابههم شبيه ولا يدانيهم نظير ولا تصل اليهم حقيقة اشارة المشير وهم البئر المعطلة والقصر المشيد ولذا كانت حقايق اخبارهم ودقايق آثارهم لا يعرفها على الحقيقة سواهم لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ولا عبد صالح شرح صدره للاسلام فهو على نور من ربه وانما هي لهم خاصة ليس لاحد فيها نصيب كما قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال (ع) نحن واما قوله (ع) من شئنا او مدينة حصينة فهو اشارة الى مراتب اخر غير ما عندهم من سر الحقيقة وكمال اللطيفة فافهم فاذا كان الامر كما ذكرنا فلا يصح لك ان تحمل قول مولينا امير المؤمنين انا آدم انا نوح انا موسى انا عيسى على ما هو المعروف المتبادر من الحمل من الاقسام الستة الاول التي ذكرناها لاشتراط اتحاد المادة والحقيقة في الجهة الجامعة المشتركة لما ذكرنا من استحالة ذلك في حقهم عليهم السلام فاقرب الوجوه الى الافهام ومدارك العقول والاحلام هو الحمل بالمعنى الاخير اي الحمل الوصفي اي انا جامع لما جمع في الانبياء من الكمال والعلم والنور والعصمة والتسديد والعمود من النور ورعاية الخلق ووجوب طاعتهم وامثالها فكل كمال عندهم عندي فانا هم في هذه الكمالات والاحوال وكذلك ما ظهرت انا به من العلم والعصمة فهو في الانبياء عليهم السلام فهم انا في هذه الصفات الظاهرة لا مطلقا ويؤيد هذا الحمل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله على ما رواه الفريقان ما معناه من اراد ان ينظر الى آدم في علمه والى نوح في حلمه والى ابرهيم في خلته والى ايوب في صبره وهكذا يعد الانبياء عليهم السلام بالصفة الخاصة بهم ثم قال صلى الله عليه وآله فلينظر الى عليّ بن ابي طالب (ع) فاذن صح له (ع) ان يقول انا آدم انا نوح اي انا آدم في علمه حيث ان الله سبحانه علمه الاسماء كلها فما عنده عندي وهكذا غيره فالاتحاد في جهة الحمل انما هو ( هو في خل ) الصفة لا ( لا في خل ) الحقيقة وهذا المعنى هو الظاهر من قول الحجة (ع) وعجل الله فرجه الا من اراد ان ينظر الى آدم فها انا ذا آدم ومن اراد ان ينظر الى نوح فها انا ذا نوح الحديث يعني من اراد ان ينظر الى هؤلاء في علومهم وكمالاتهم وخفايا اسرارهم وخبايا اطوارهم فها انا ذا هم في تلك الصفات فلينظر الى ولذا قال (ع) في آخره فاني انبؤ بما نبئوا واخبركم بما خبروا وهو ظاهر ان شاء الله تعالى ويبقى الخفاء في الجملة في ظهور هذا المعنى من قول امير المؤمنين (ع) على ما نقلنا عنه في حديث معرفته (ع) بالنورانية من قوله (ع) انا آدم وانا نوح وانا ابرهيم وانا موسى وانا عيسى وانا محمد صلى الله عليه وآله انتقل في الصور كيف اشاء من رآني فقد رآهم ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس وقالوا هو لا يزول ولا يتغير الحديث واما قوله (ع) انا آدم الى قوله وانا محمد صلى الله عليه وآله فظاهر على ما قلنا من ( في خل ) الاتحاد في الصفة واما قوله (ع) انتقل في الصورة كيف اشاء فمعناه ان الله سبحانه وتعالى خلقه قبل الخلق وقبل العرش والكرسي والملئكة والجن والانس وكل شيء حادث كما دلت عليه الروايات المتكثرة المستفيضة بل المتواترة فكان يظهر (ع) في كل وقت اراد لمصلحة من المصالح حسب ما اراد الله بصورة من الصور كما ظهر (ع) لموسى وهرون وفرعون لما اراد ان يقتلهما فرعون ظهر عليه السلام بصورة فارس عليه لباس الذهب وسرج فرسه من ذهب وبيده رمح من ذهب واشار (ع) الى فرعون ان هممت بقتلهما لاقتلنك قبل ان تأمر بهما وظهر وقت نوح عليه السلام ومنع ذلك الجني ان يغرق سفينة نوح (ع) وظهر لجبرئيل (ع) وعلمه ربه واسمه واسم خالقه وظهر لسلمان الفارسي في صباه وخلصه من السبع وهكذا في اطوار ظهوراته (ع) كما هو المعلوم المذكور في الاخبار وذكرها علمائنا الاخيار ويدل على ما ذكرناه ما ذكره المجلسي (ره) في كتاب الغيبة والرجعة من كتبه الفارسية والعربية عنه (ع) انا مع الانبياء سرا ومع محمد صلى الله عليه وآله جهرا وقوله (ع) نصرت جميع الانبياء ولم ينصرني احد منهم فلا بد ان يظهروا في الرجعة وينصروني وكان نصرته (ع) للانبياء بظهوره لهم في صورة من الصور ولميكن يظهر بصورة واحدة تعرفه الناس في كل عصر حتى لا يهلك فيه الناس ولا يقولوا انه لم يزل ولا يزال وليس في العبارة تصريح على انه (ع) ينتقل في صور الانبياء حتى يكون هم والا لما صح قوله (ع) كنت مع جميع الانبياء سرا ومع محمد صلى الله عليه وآله جهرا وقوله (ع) نصرت جميع الانبياء ولا بد ان ينصروني وهل يعقل ان الشيء ينصر نفسه او يستنصر من نفسه وهو واضح معلوم وقد روي الفريقان وممن روى من العامة محمد بن جرير الطبري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري بي الى السماء وصلت الى المسجد الاقصى وصليت بالانبياء فاتاني جبرئيل وقال يا محمد صلى الله عليه وآله اسئلهم بماذا بعثوا فسألهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص) وان عليا امير المؤمنين ولي الله ذكره في تفسير قوله تعالى واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا فاذا كان كذلك فكيف يعقل ان يكون المطاع هو المطيع والاصل هو الفرع الا على مذهب الصوفية القائلين بان الآمر والمأمور واحد وهذا كفر بالله ( بالله العلي خل ) العظيم لا يجوز الاصغاء اليه والاعتناء به كما لا يخفى على من له ادنى فطنة وعلى ما ذكرنا اتجه معنى كلام امير المؤمنين عليه السلام انا المتكلم على لسان عيسى بن مريم في المهد لان هذا ايضا من نصرته لعيسى على نبينا وآله وعليه السلام حيث تكلم على لسانه وهو في المهد صبيا وقال عنه اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا الآية كما يتكلم عن المؤمن في القبر في جواب الملكين وكما نتكلم نحن عن لسان الله تعالى اذا قرأنا القرآن وقلنا اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي وليس في هذه المذكورات اشكال ابدا لا من جهة العقل ولا من جهة الشرع ولا من جهة الاجماع لكافة المسلمين ولا الفرقة المحقة ولا غير ذلك وكيف يمكن انكار كونهم قبل الخلق وقد تواتر الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وعن امير المؤمنين عليه السلام كنت وليا وآدم بين الماء والطين فاذا كان وليا فلا ضير ان يقدره الله تعالى على اظهار هذه الامور فان قدرة الله سبحانه لا تتناهى ورحمته ولطفه وكرمه بالنسبة الى اوليائه عظيمة ولذا قال (ع) فمن انكر فضلنا فقد انكر قدرة الله في اوليائه فافهم راشدا موفقا ومن ثبت عنده الروايات المتواترة الدالة على ان الخلق كلهم خصوصا الانبياء من شعاع انوارهم واشعة اشراقات ذواتهم واسرارهم كما نظم بعض العلماء في كتابه انوار الحكمة :
ستعرف ان العقل والنقل واحد وذلك معلوم بحكم الضرورة
ببرهان ان العقل نور نبينا وذلك كلي باصل الحقيقة
وان عقول الانبياء وحزبهم واشياعهم من شمسه كالاشعة
فمن ثبت عنده هذا الحكم ويقول بمدلول هذه الروايات فيجعل هذه الحمليات كلها من الحمل الاشراقي والحمل الفعلي على ما فصلنا وبينا الا ان الكلام في الاثبات فافهم وتيقن واستبصر فان الكلام لا يحسن بغير ما ذكرنا فان الشاعر يقول :
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن مكانك والزمان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
وعلى هذا فكلامكم اطال الله بقاكم من انه يظهر من الاخبار ان امير المؤمنين عليه السلام هو باطن الانبياء وانهم هو على الحقيقة فيه اضطراب واغتشاش فانه بظاهره يدل على ان ظهوره (ع) بصورة الانبياء ظهور المادة الواحدة في الصور الكثيرة والشخص الواحد بالهيئات المختلفة وليس كذلك على ما حققناه وانما هو اتحاد في الصفة او في الاشراق والتجلي والفعل ( الفعلي خل ) ان صحت تلك الاخبار ودل على مضمونها صحيح ( صافي خل ) الاعتبار فصح حينئذ الباطن لا على ما هو المعروف عند اهل الظاهر فلنقبض العنان فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال سلمه الله تعالى : وعلى تقديره فهل النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لا تعدد فيهم على الحقيقة وانما هم امر واحد كما يشير ( تشير خل ) اليه بعض الدلائل فيكون الكلام الذي قررناه في جميعهم واحدا لا يختلف او انه مقصور على احدهم
اقول الدلائل كلها منطبقة ومتفقة على ان النبي والائمة سلام الله عليهم من طينة واحدة وحقيقة مؤتلفة غير مختلفة وقد روى الفريقان في ذلك احاديث متكثرة وقد قال امير المؤمنين عليه السلام كلنا محمد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد وفي حديث معرفته بالنورانية انا محمد ومحمد انا والحديث المشهور المعروف حسين مني وانا من حسين عليهم السلام وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله بالطرق المتكثرة انه قال صلى الله عليه وآله كنت انا وعليّ نورا واحدا ننتقل من الاصلاب الى الارحام حتى انتقلنا الى صلب عبدالمطلب فقيل لنصف كن محمدا وللنصف الآخر كن عليا وقوله تعالى وانفسنا وانفسكم اقوى دليل واوضح شاهد على ما ذكرناه وليس المراد انهم واحد من جميع الوجوه بل المراد اتحادهم واجتماعهم في حقيقة نور العظمة التي خلقوا منه وتشعبوا عنه وان اختلف كل منهم بالحدود والمشخصات كاختلاف زيد وعمرو مثلا في الحدود الشخصية واجتماعهما في الحقيقة النوعية فهم حقيقة واحدة ليس بينهم اختلاف ولا علية ومعلولية ولا اثرية ومؤثرية وانما اختلافهم في الامور العرضية والحدود الخارجة عن تلك الحقيقة وان كانت ذاتية لكل منهم الا ان الفرق ان حقيقة الانسان مثلا شعبها وافرادها لا نهاية لها بخلاف تلك الحقيقة المقدسة فانها لا تظهر ولا تتشعب الا باربعة عشر شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها على ما بينا في رسالة النبوة الخاصة وغيرها من ساير الرسايل فعلى هذا يكون الجميع من حقيقة واحدة بل حقيقة واحدة فحينئذ قول النبي صلى الله عليه وآله حسين مني وانا من حسين وقول امير المؤمنين عليه السلام انا محمد ومحمد انا وقول الحجة المنتظر عجل الله فرجه في الحديث المتقدم الا من اراد ان ينظر الى محمد صلى الله عليه وآله فها انا ذا محمد (ص) ومن اراد ان ينظر الى عليّ عليه السلام فها انا ذا عليّ (ع) وهكذا يعد الائمة (ع) واحدا بعد واحد من باب الحمل النوعي اي الاتحاد في الحقيقة الجامعة الذاتية والاختلاف بالحدود والمشخصات فيكون من القسم الثاني من هذا الحمل اي حمل بعض الافراد على الآخر بالجهة الجامعة النوعية اي في المادة الثانية بالنوع وهذا الحمل يصح طردا وعكسا وليس من باب حمل النوع على الفرد كما قدمنا فاذا كان كذلك فيكون الكلام الذي قررنا في جميعهم واحدا لا يختلف ولذا قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه ما قاله امير المؤمنين عليه السلام في مادة الانبياء حرفا بحرف فاتصل الآخر بالاول والاول بالآخر لبيان حكم الاتحاد وحصول المراد والله سبحانه هو الموفق للسداد
قال سلمه الله تعالى : ثم انه على تقديره ايضا ما وجه استحباب الصلوة على الانبياء عليهم السلام مع ان الصلوة على محمد وآله صلوة عليهم فلايحتاج الحاق ذلك بالصلوة على غيرهم من الانبياء عليهم السلام كما يوجد ذلك في ادعيتهم عليهم السلام
اقول جوابه قد ظهر مما بينا وفصلنا من ان حقيقة الانبياء ليست متحدة بحقيقتهم (ع) وانما هي اشراق من اشراقات انوارهم وتجلي من تجليات عكوس اسرارهم عليهم السلام فلايكفي الصلوة على احدهم عن الصلوة على الآخر لما بينهم من المباينة الحقيقية والمغايرة التامة في المادة والصورة فلا بد من الصلوة عليهم بعد الصلوة على محمد وآله جريا على مقتضى حكم التبعية كما هو الحكم في الكينونة الاولية وكذلك الصلوة على احد الائمة عليهم السلام لا يكفي عن الصلوة على الآخر (ع) لما بينهم من المغايرة في الحدود المشخصة وان كانت جهة المغايرة فيهم ضعيفة ولذا ما كفت الصلوة على محمد صلى الله عليه وآله عن الصلوة على آله وان كانوا من حقيقة واحدة لما بينا سابقا من ان الاربعة عشر المعصومين عليهم السلام من حقيقة واحدة لا تمايز بينهم الا في الحدود الشخصية فافهم
قال سلمه الله تعالى : ثم انه يلزم على ذلك ان يكونوا عليهم السلام منذ خلقوا بهذه الكيفية التي ظهروا لنا بها من اشتمالهم على ساير الصفات المختصة بهم وان انكره بعض علمائنا المتقدمين عفى الله عنهم
اقول ان اراد سلمه الله بالكيفية التي ظهروا لنا بها ما يعم الهيئات والصور الظاهرة لنا بها فما قدمنا من قول امير المؤمنين عليه السلام اني اتقلب في الصور كيف شاء الله ينفيه لانه (ع) انما يظهر بالصور على حسب المصالح المقتضية لها حسب ما يريد الله سبحانه من امضاء مشيته بذلك الظهور كما ورد انه (ع) ظهر لفرعون على هيئة فارس شجاع عليه ثياب الذهب وان اراد من الكيفية الصفات والكمالات والاحوال المختصة بهم فهم عليهم السلام كذلك منذ خلقهم الله فان الله سبحانه وتعالى لا يجعل حجته التامة البالغة ناقصة ولا يجعل الفرع اصلا بعد ما كان فرعا في ذاته لاصل ولا يجعل الاصل فرعا كذلك والا لاخل الحكمة واوجب الطفرة وما تمت الحجة وهو سبحانه وتعالى اجل من ذلك واعلى وهو قوله (ع) على ما في الزيارة لامير المؤمنين عليه السلام السلام على الاصل القديم والفرع الكريم فهو (ع) اصل قديم اي متقدم على كافة المخلوقات وعامة الموجودات كما دلت عليه اخبار خلق انوارهم الواردة بالطرق المتكثرة البالغة حد الاستفاضة بل التواتر وهو فرع من فروع الشجرة الاحمدية وشعبة من شعب الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وكل ما سواهم فرع لها فاذن فما يختص بهم مما يليق لمقام قربهم الى سيدهم وخالقهم حسب مقتضى عبوديتهم بسر ذواتهم وكينوناتهم الظاهرة في اعمالهم من كمال الخضوع والخشوع والخشية والهيبة ثابت ومستمر لهم فاتوا كل الخلق في مبدء الايجاد في عالم الذر بجميع الصفات الكمالية فهي لا تزال ثابتة لهم غير مستنزعة عنهم الا انها تختلف بحسب الظهور والخفاء والاسرار والاعلان على ( حسب خل ) ما امرهم الله سبحانه وتعالى وكتب في صحايفهم الخاصة بهم من كيفية طرق معاشرتهم ومعاملتهم مع الخلق فهم سلام الله عليهم لا يزالون على تلك الطريقة ولا يتعدونها ابدا وشرح هذه مما يطول به الكلام ولا يناسب المقام لادائه الى ذكر ما لا ينبغي ذكره ولاستلزامه كشف ما امر الله بستره والله الموفق للصواب
قال سلمه الله تعالى : فالمرجو من السيد المهذب ان يشرح لنا جميع ما اشرنا اليه ولا يستعمل فيه الرموز الغير المفهمة فربما يصعب على عبدكم ذلك لخلو يده من تصانيف اهل هذا الفن وعدم ضبط مصطلحاتهم لموانع تمنع والله ولي التوفيق
اقول قد ذكرنا ما يسعه المقال في شرح هذه الاحوال في هذه الازمان والاحيان وبقي ما لا يذكر في المقال ويجب ان يخزن بالبال ( في البال خل ) جريا على طريقة محمد وآله المفضال عليهم سلام الله بالغدو والآصال وفي ما ذكرنا كفاية لكل ناظر اذا تفهم ما نقول والله ولي التوفيق وصلى الله على محمد وآله الطاهرين