الرسالة الطينية(في شرح: ... انا ذات الذوات في الذات للذات)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

الرسالة الطينية

شرح انا ذات الذوات في الذوات للذات

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه ومظهر لطفه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومنكري فضائلهم اجمعين الى يوم الدين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان الاخ الامجد الانجد الجواد الشيخ جواد بدكه سلمه الله وابقاه وحرسه ووقاه قد اتى بحديث ( الحديث خ‌ل ) صعب مستصعب من قولهم عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن ممتحن امتحن ( مؤمن امتحن خ‌ل ) الله قلبه للايمان واراد رفع ( دفع خ‌ل ) حجابه وكشف نقابه وحل مشكله وفتح مقفله وتحقيق معانيه وشرح دقائق مبانيه وقد ظن السراب شرابا والتراب كتابا والزجاج جوهرا والاجاج عذبا فراتا والسحاب سماء وما انا والولوج في هذا البحر المتعاظم والتيار المتلاطم الا انه سلمه الله تعالى حيث ظن ( تعالى ظن خ‌ل ) في خيرا ارجو منه سبحانه ان يمدني للصواب ويؤيدني بفصل الخطاب فان من احسن الظن ولو بحجر القى الله الخير به اليه كما ورد عنهم صلوات الله عليهم

قال سلمه الله تعالى : سيدنا وعمادنا ومولينا ما معنى قول امير المؤمنين عليه السلام وقد سئل هل رأيت رجلا في الدنيا فقال عليه السلام رأيت رجلا وانا الى الآن اسئل عنه فقلت له من انت قال انا الطين فقلت من اين فقال من الطين قلت الى اين فقال الى الطين فقلت من انا فقال انت ابو تراب فقلت انا انت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين في الدين انا انا وانا انا انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات فقال عرفت فقلت نعم فقال فامسك

اقول اعلم ان هذا الحديث الشريف رواه الشيخ رجب الحافظ البرسي في كتابه مشارق الانوار وهو من غرايب الاخبار ومعضلاتها قد تاهت في حله طامحات العقول والاحلام وحسرت عن ادراكه الاكابر من الحكماء والعلماء الاعلام وقد احببت ان اكلف بشرح ( لشرح خ‌ل ) هذا الحديث الشريف في حال اجتماع ( اجتماع القلب وخ‌ل ) الحواس لا زيل عنه بواضح البيان كل شبهة واشكال والتباس واني لي في هذه الحال مع كمال تبلبل البال واختلال الاحوال وعروض الاعراض المانعة من استقامة الحال شرح حقيقة الحال والبسط في المقال واستخراج غوامض الاسرار ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور

فاقول وبالله التوفيق ان السافل في جميع الاحوال والاطوار لم يزل مستمدا من العالي وسائلا منه المدد في التكوين والتشريع وفي العلم والتصور والوجود ولما كان مولينا وسيدنا امير المؤمنين عليه السلام هو العلي العالي الاعلى وهو المستعلي المشار اليه في الدعاء في الصحيفة السجادية بعد الفراغ من صلوة الليل واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استأثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين الدعاء ولما كان هو العالي وليس اعلى منه ومن اخيه وسيده رسول الله صلى الله عليه وآله وهما حقيقة واحدة ولكنه عليه السلام في مقام التفصيل ومظهر احكام الرسول صلى الله عليه وآله كان هو عليه السلام مسئول كل سائل ومطلوب كل طالب والسؤال انما يسئل عنه والجواب انما يراد منه فهو عليه السلام مجيب كل سائل وحلال كل مشكل بنفسه الشريفة او بابداله الائمة الهداة عليهم السلام او بالسنته ونوابه وخلفائه وحملة علومه ومعارفه وسننه وآدابه لانه الحكم الذي جعله الله سبحانه للناس عند التشاجر والتنازع والاختلاف وقال عز من قائل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولما جعله حاكما وبالحق ناطقا وللامة هاديا والى الصراط دليلا مرشدا وللرشد مبينا ( بينا خ‌ل ) قال عز من قائل يوم نصبه واظهاره علما والى الحق سلما اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ولما كان الجهل بالحقائق والاسرار ليس من اكمال الدين ولا من اتمام النعمة بل هو نقص في الدين ونفي للنعمة ونقض لغرض الحكيم فانه تعالى خلق الخلق للمعرفة وجعل عليها دليلا من ( في خ‌ل ) ارشاده بقوله هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فاذا ثبت ان امير المؤمنين عليه السلام هو الحكم العادل والعالم الفاصل للخطاب توجه اليه سؤال ( السؤال خ‌ل ) السائل هل رأيت رجلا وهذا السائل على ما يظهر لي ( لي هو خ‌ل ) رجل من الكروبين وهم ( هو خ‌ل ) قوم من الشيعة خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم وهم الذين يصلحون لهذا السؤال بلسان المقال والحال والفطرة والكينونة واما ما عداهم فسؤالهم بمحض اللسان المقالي دون الحالي والاستعدادي وتقرير السؤال انك يا امير المؤمنين عليك وعلى آلك السلام هل رأيت رجلا يعني انسانا كاملا جامعا لجميع الكمالات ومهيمنا على معاني كل الصفات ومظهرا لجميع الظهورات بحيث يكون الكاينات كلها والموجودات باسرها لديه كالرحي الدائرة على القطب وكالخاتم في الاصبع وذلك لكمال خضوعه لله وتسليمه لامر الله وانقياده لحكم الله وطاعته لله والاذعان لامره ونهيه ومراده بذلك ان يعرف الولي المطلق والمهيمن القاضي بالحق ليكمل ايمانه ويعظم ايقانه وينال بالانقياد له في طاعة الله سبحانه منتهى المرام من السكنى في الجنة دار السلام وهذا هو المراد بقوله هل رأيت رجلا اذ لو كان مطلق الرجل كان سؤاله سؤالا عن البديهيات وطلبا للضروريات وذلك مع قبحه في نفسه لا يناسب هذا البيان الغامض لوجوب التطابق بين السؤال والجواب فكيف يكون السؤال عن ( من خ‌ل ) البديهي ويجيب امير المؤمنين عليه السلام وهو العلي العظيم ( الحليم الحكيم خ‌ل ) عن النظري الذي لا يصل الى ادنى معانيه الا واحد العصر وفريد الدهر وعلامة الكون فصح ما ذكرنا من ان مقصود السائل هو الرجل البالغ الكامل ( الحامل خ‌ل ) المهيمن في الظاهر والباطن والصورة والحقيقة على الوجه الاكمل والكمال الابلغ الذي ليس دونه كمال ولا فوقه جلال ولا جمال في الرتبة الامكانية الخلقية ولما كان الجواب يجب ان يكون على مقدار معرفة السائل وادراكه والا فكان الجواب عبثا والمجيب لا يكون حكيما ولما كان الخلق كما ثبت بالادلة القطعية من العقلية والنقلية قد خلقوا من شعاع نور الحقيقة المحمدية ( نور المحمدية خ‌ل ) صلى الله عليه وآله وانت تعلم ان الشعاع والنور انما يكون اشراقه وتحققه بعد تحقق جميع مراتب المنير وتماميتها الى كمال ظهوره في عالم الشهادة باتمام جسمه وجسده فاذا تمت كينونة المنير ظهر وبرز منه الشعاع والنور فالنور مستند في تذوته وتجوهره وتحققه الى عالم الشهادة من المنير اي مقام جسمه كما ترى من استناد نور الشمس والسراج فانهما مستندان الى شهادة الشمس والسراج وظاهر جسمهما لا الى غيبهما وحقيقتهما كما هو الظاهر المعلوم فحيث كان الامر كذلك كانت الموجودات من حجاب الكروبين الى ما لا نهاية له مستندة الى جسم الحقيقية المحمدية بعد تمام مراتبها من مقامات الارواح والعقول والنفوس وتنزلها الى عالم الاجسام والاجساد الجوهرية اراد ان يبين عليه السلام للسائل ان ذلك الرجل الكامل الذي هو الذات وذات الذوات في كل الذوات ( الذرات خ‌ل ) هو بشريتهم الظاهرة في مقام الشهادة الجسمانية ثم اراد ان ينبه عليه السلام ان عالم شهادتهم ليس هو ذاتهم وحقيقتهم وانما هو سبيل ظاهريتهم ومقام تنتهي الى اشباحه وشؤنه كلما سويهم عليهم السلام وانهم عليهم السلام في ذاتهم وحقيقتهم غيب لا يحاط به علما ولا ينال حدا ولا رسما ومع ذلك عباد مكرمون لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وبشرح هذه الاحوال يكمل وصف هذا ( ذلك خ‌ل ) الرجل المفضال وينزه الحق سبحانه عن حادثات الذوات والصفات ( الصفات والافعال خ‌ل ) والاحوال

فاشار الى القسم الاول بقوله عليه السلام وروحي له الفداء : فقال رأيت رجلا والى الآن اسئل عنه

وهذه الرؤية رؤية احاطة عيان ولا اخبار يورث اليقين المعبر عنه بعلم اليقين المكني عنه بالرؤية وهذا الرجل هو بشريتهم الظاهرة فان شئت قلت بشريته عليه السلام او بشرية باقي الائمة عليهم السلام فانهم كلهم سواء في هذا المعنى فنحن نفرد الضمير ونشير في ما بعد الى امير المؤمنين عليه السلام لانه روحي فداه في هذه الاحوال فخرهم وسيدهم وولي الامر ويميرهم العلم اي يكيل ويقدر لهم من قوله ( تعالى خ‌ل ) ونمير اهلنا ولذا كان عليّ امير المؤمنين ( كان امير المؤمنين خ‌ل ) دون غيره ومرادنا بالبشرية ليست هي الظاهرة في الخلق من قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم وقوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون وانما المراد بها رتبة الجسم لان الحدود على الوجه الاكمل انما ظهرت في عالم الاجسام دون غيرها وظهور الشعاع والنور هو ذوات الموجودات وحقائقها وكينوناتها انما تذوتت وتحققت وتأصلت وتشيئت بعد تمام عالم الشهادة الذي هو عالم الجسم بالنسبة اليه فذوات الحقايق كلها اليه تنتهي

وقوله عليه السلام والى الآن اسئل عنه وهذا السؤال ليس عن جهل حاشا وكلا وانما هو من قبيل قوله تعالى وما تلك بيمينك يا موسى وامثالها وانما اراد عليه السلام بهذا السؤال هو الكشف عن لسان كينونته وذاته فهو عليه السلام في مقام ذاته وحقيقة ( حقيقته خ‌ل ) يفيض الى مقام جسمه وهو اي جسمه دائما ينطق ويتكلم بنحو ما اخبر عنه عليه السلام ولما كان مقام الجسم مقام الانجماد والكثافة والغلظة ولا يكون ذلك الا بغلبة اليبوسة والبرودة فان الحرارة ترقق وتلطف وتذيب

قال عليه السلام : فقلت له من انت فقال انا الطين

يعني قلت للجسم الغليظ الذي كل الموجودات الكثيفة الغليظة واللطيفة الرقيقة ( الرقيقة التي خ‌ل ) تنتهي اليه من انت وما حقيقتك وذاتك ليعلم الناس مقامك ومنزلتك مع ما انت عليه من سمو المنزلة وعلو الدرجة فاجاب وقال انا الطين اي انا حقيقتي التراب ادنى المقامات واسفل الدرجات لا درجة ولا مقام ولا مرتبة اسفل وادنى من مرتبتي ومنزلتي فان التراب له مقام يكون كل شيء من الموجودات بسائطها ومركباتها اعلى منه وانما قال الطين ولم يقل التراب لان الطين فيه انجماد وانعقاد بخلاف التراب فانه اعم من ذلك فمراده ان مقامي مقام الانعقاد والكثافة بالنسبة الى العوالم والمقامات التي فوقي فانه مقام الذوبان ومقام ظهور الاسماء والصفات وانحاء التجليات واطوار الربوبيات بخلاف مقامي فانه طين منعقد وتراب منجمد واشار ايضا الى ( الى كمال خ‌ل ) مقام العبودية والخضوع والخشوع والمسكنة والتذلل والامكان والفقر والفاقة وقلة الحيلة وظهور تمام الضعف وانفعاله المطلق وانكساره العام وعدم الارتفاع وكمال الانخفاض وامثالها من المراتب المناسبة لمقام الطين والتراب فان الجسم الشهودي بالنسبة الى المقام الغيبي كما ذكر عليه السلام من لسانه المقالي والحال ( الحالي خ‌ل ) فلو كان له مقام ( كان مقام خ‌ل ) ادنى واقل واضعف من التراب لعبر عنه به ولكنه ادنى ( ادنى واقل خ‌ل ) واسفل من التراب ليس في الوجود شيء ولذا عبر عنه به

ثم سئل عليه السلام تعليما له وتنبيها للخلق حتى يقع السؤال ويذكر الجواب عن مبدئه ومادة وجوده واصل نشوه وحقيقة ذاته فقال روحي فدائه وعليه السلام : فقلت له من اين فقال من الطين

فلما كانت الاشياء لا تتعدى مبدئه وانما تنتهي الى ما خلقت منه ولما كان عالم الاجسام انما خلقت من التراب بمعنى انه الجزء الغالب لانه ليس فيها عنصر الا التراب وانما المراد ان الغالب فيه هذا العنصر والشيء انما ينسب الى الغالب كما يقال فلان صفراوي او دموي او بلغمي او سوداوي مع انه فيه غيرها ولكنه نسب الى الغالب فلذا قال هذا الرجل العظيم الكريم مبدئي من الطين كما قال تعالى للملائكة اني خالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين وقال تعالى ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون وقال تعالى خلق الانسان من صلصال كالفخار وقال تعالى منها خلقناكم ولا ريب ان آدم ابا ( ابو خ‌ل ) البشر ابو الاجسام والاجساد دون الارواح والاشباح فثبت ان الجسم انما خلق من الطين وهو الغالب ولذا صح الانعقاد والانجماد وسكن الارض واستقر في التراب كل ذلك دعته المناسبة الفطرية والمشابهة الكينونية ولما كان المقام مقام الجسم اتى بالجواب الصواب وقال اتيت من مقام الطين والتراب وخلقت منه عبرة لاولي الالباب

ثم سئل عليه السلام بلسان امداده وافاضته من الرجل الجسماني عوده ومنتهى سيره فقال روحي فداه وعليه السلام : فقلت له الى اين ؟ فقال بلسان مقاله واستمداده واستزداده وكينونته : الى الطين

لما كانت الاشياء تعود الى ما بدئت ( بدء خ‌ل ) منه وهذا الرجل الكامل انما كان بدو ايجاده وحقيقة انوجاده من الطين كما نص عليه سبحانه واعترف هو تبعا لله سبحانه فيكون عوده اليه وهو قوله تعالى كما بدءكم تعودون وقوله سبحانه اشارة الى هذا الرجل وافراد ( انوار خ‌ل ) اشباح نوره بالتبعية منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى فهذا الرجل هو الرجل خلق من الذليل ويعود الى الذليل وذلك بالنسبة الى خالقه ومبدئه والمراتب المتقدمة عليه من نحو قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة وذل كل شيء لكم لان مبدء الاشياء وعلة وجودها اذا ذل لشيء فالاشياء بالطريق الاولى لان المعلول ذليل ( ذليل عند علته والشعاع ذليل خ‌ل ) عند منيره والفروع ذليلة عند اصولها فاذا كان المنير والاصل ذليلا لشيء فهو بالتذلل اولى ولما كان الامام امير المؤمنين عليه السلام قد ظهر للعالم في مقام جسميته وليس للخلق طريق الى ما وراء هذا المقام حتى يعرفوه بما عندهم من العلم ( العلة خ‌ل ) لان حقايق الموجودات كلها منقطعة عند هذه الظاهرية التي تنتهي الى مقام جسمه الذي هو اسفل مراتبه وآخر مقاماته ولا ترى الاشياء فوق هذه الرتبة رتبة ولا ( هذه الرتبة ولا خ‌ل ) وراء هذه المرتبة وترى ان تلك الحقيقة الالهية منحصرة في هذه الرتبة الجسمية اراد عليه السلام كشف هذه الحقيقة وذكر هذه الدقيقة وبيان ان الذي ظهر للخلق ادنى مقاماته وآخر مراتبه ودرجاته ولما كان ابانة هذا المعنى بلسان الرجل الذي هو منير ومبدء لما سويه من الذوات والصفات اولى واكمل بل هو المتعين اذ العالي يعرف مقامه للسافل الذي ينتهي ( تنتهي خ‌ل ) اليه نسبته ولذا سئله عليه السلام تبينا ( تبيينا خ‌ل ) للمقال وتوضيحا لشرح حقيقة الحال كما قال تعالى لعيسى (ع) يا عيسى (ع) ءانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله حتى يقول عليه السلام سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق الآية

فمن هذه الجهة سئل امير المؤمنين عليه السلام هذا الرجل الكامل الترابي دفعا لشبهة ما تخيل الناس من جهلهم بحقيقة الواقع او يلبس عليهم اهل التلبيس فقال روحي فداه : فقلت من انا فقال انت ابو تراب فقلت انا انت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين

فسئل اولا عن رتبة مقامه عليه السلام ومرتبة ذاته وحدة وحقيقة ( مرتبة ذاته وحقيقته خ‌ل ) فاجاب الرجل بالرسم والاثر فقال انت ابو تراب يعني ليس لي حظ من معرفة ذاتك وحقيقتك الا اني فرع من فروعك وشعبة من شعب نورك وحيث كنت انا التراب وقد انشعبت منك ( عنك خ‌ل ) وتفرعت عنك ( منك خ‌ل ) وتقومت بك وتحققت لك وانا بيت ظهوراتك ومأوى تفاصيل حدودك فانت ابو تراب والمراد بالاب هو الاصل الذي تفرع عنه الفروع وتقومت به وحيث اني خلقت من التراب وعودى الى التراب وانما انا تقومت بك ( انا انما تقومت خ‌ل ) وتحققت بك فانت ابو تراب فلا حظ لي في معرفتك اكثر من ذلك واليه يشير الشاعر بقوله :

منتهى الحظ ما تزود منه الحظ ( اللحظ خ‌ل ) والمدركون ذاك قليل

فليس لي علم بحقيقة ذاتك ( علم بحقيقتك وذاتك خ‌ل ) ولا باطوار مراتبك ولا باسرار حقيقتك ما اعرفك الا انك اصلي وبك تحققي لانك البشر الذي خلق من الماء في قوله تعالى هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ولا ريب ان هذا البشر ليس غيرك وحيث انك خلقت من الماء وانا من التراب والماء اصل واب للتراب فانت اذن ابو تراب فلما كشف عن حقيقة المقال وصرح بحقيقة الحال وبين انه عاجز عن ادراك ذاته وحقيقته فضلا عن الوصول الى درجته ومرتبته اراد عليه السلام زيادة التوضيح وزيادة البيان وشرح حقيقة الحال بالتصريح فقال عليه السلام فقلت انا انت يعني انا معك متحد الحقيقة ومتحد الذات كما يتراءى للخلق فاجاب بكله وسره ولبه فقال حاشاك حاشاك انت اجل من ان تنسب الى باتحاد الحقيقة وانت اعلى من ان يقال انا انت انت السر اللاريب وانت الغيب الذي لا يدرك انت في مقام اللاتعين انت اول قصبة الياقوت انت حجاب الله في اللاهوت وانا شخص ناسوتي ووجه شهودي واصل ترابي واين التراب ورب الارباب اين الثرى من الثريا اين السافل من العالي اين المادي من المجرد المحض اين المستمد من الممد اين الفرع من الاصل اين النهاية من اللانهاية انت الاصل وانا الفرع انت اللاتعين وانا آخر مراتب التعين انت الغير المحدود وانا المحدود في ادنى مقامات الحد انت الغير المتناهي وانا المتناهي انت في حجاب الواحدية وانا في الرسوم الجسمية انت سر اللاهوت انا اصل الناسوت انت البحر التيار المتلاطم انا القطرة المنعقدة المنجمدة ببرودة الانية انت شمس الازل انا كوكب عالم المثال انت سر المثال وانا فرع المثال ولكن بين المثال الذي انا فرع له والمثال الذي انت سر له مراتب لا تتناهى ولا تتكيف بل لا نسبة ولا ارتباط انت سر الاسم الاعظم الاعظم الاعظم وانا اللفظ الادنى الادنى انت سماء الكرامة وانا ارض المذلة انت ماء الحيوة انا تراب الممات انت معدن العلم انا مظهر الجهل انت سر الرفعة وانا منتهى الضعة وبالجملة واين الثريا من يد المتناول واين انا منك حتى يقال انا انت ثم لما استبعد ( استعبد خ‌ل ) وتحاشى عن هذه النسبة كما تحاشى واستبعد عيسى ونزه ربه وقال سبحانك الآية كذلك هذا الرجل الكامل والانسان الواصل عرف مقامه مع مباديه العالية وجواهر اوائل العلل وخضع واستكان واعترف وابان ثم اراد ان يبين ان هذا الذي ذكرت وهذا الجواب الذي فصلت هذا من الدين الذي يجب علينا ان نعتقده ونقر به ونعترفه والا فما انا والوصول الى رتبة مقامك لاني ما اقول الا ما هو في مقامي وماادرك الا ما يناسب رتبتي كما قلت سيدي انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها ولكن الدين الذي ادين به والطريق الذي اسلكه دعاني هذا الاقرار والاعتراف فقولي هذا من الدين الالهي وفي الدين يعني للدين كما يقال الحب في الله اي لله فاعترافي هذا للدين الذي ادين الله به واعتقده فانه يجب على من الله ان اسلم لاهل الفضل فضله وانقاد واخضع للذي فضله الله على وعلاه الى مقامه فهذا هو ( وهذا خ‌ل ) شرح حالي وحقيقة ذاتي اما ذاتك فلا اعرفها سوى انك ابو تراب واما ذاتي فهي التي عرضتها عليك وانت اعلم بي ( به خ‌ل ) مني باني الطين ومن الطين والى الطين واما انت انا فحاشاك ( انت فحاشاك خ‌ل ) حاشاك اين التراب ورب الارباب واين الثريا من يد المتناول

فلما شرح هذا الرجل مقام خضوعه وخشوعه وتسليمه وانقياده لباب مدده اراد ان يبين مقامه بالنسبة الى غيره من ساير المخلوقات والموجودات والذوات والصفات والحقايق والمجازات والجواهر والاعراض والاصول والفروع وساير مراتب الموجودات فقال : انا انا وانا انا

اعلم ان انا انما يقال عند التعين والتشخص وحمله بانا ليقال انا انا للدلالة على الاستقلال والتذوت والتحقق كما في قولهم انت انت فانت المحمول ليس من باب حمل الشيء على نفسه وانما يراد به الاستقلال والتذوت والكمال فقوله انا انا يعني اني انا ( يعني انا خ‌ل ) المتفرد المستقل الكامل واليه الاشارة بقوله عليه السلام في حديث عمران الصابي في معنى الاختراع انه خلق ساكن لا يدرك بالسكون يعني خلق مستقل بالنسبة الى ما عداه بالله سبحانه لكن لا يدرك بالسكون الذي هو ضد الحركة اذ ليس هو المراد من هذه العبارة وانما يراد به الاستقلال والتذوت الاضافيان او انه وان كان مستقلا لكن حين تذوته واظهار افعاله لا يلحظ ولا يدرك ولا ينظر الى استقلاله وانما الاستقلال لله سبحانه فحين لا يلاحظ استقلاله مستقل متذوت وان لوحظ استقلاله فانه مضمحل فاستقلاله في اضمحلاله كما ان اضمحلاله في استقلاله وهو قول امير المؤمنين عليه السلام في صفة النفس الملكوتية الالهية نعيم في شقاء وعز في ذل الحديث والى هذا المعنى اشار قول الشاعر :

اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حيوتي

وحيوتي في مماتي ومماتي في حيوتي

فاذا عرفت المراد من قوله عليه السلام حكاية عن الرجل الترابي انا انا فاعلم ان الموجودات ما سوى الحقيقة المحمدية صلى الله عليها انما خلقت من فاضل شعاع نورها والروايات به متظافرة متواردة بل متواترة معنى وهو قولهم عليه السلام انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا ولا ريب ان الاثر والشعاع انما يكون بعد تمام المنير في جميع مراتبه الذاتية في تنزلاته اذ الشيء قبل ان يتم ( تتم خ‌ل ) كينونته لا يمكن ان يكون مصدرا ومنشأ للشيء الآخر بالضرورة ولما كانت مراتب التنزلات كما برهنا عليه في ساير مصنفاتنا واجوبتنا للمسائل انتهت الى عالم الجسم وهو المرتبة ( الرتبة خ‌ل ) السادسة التي بها تمام الشيء فيكون النور المتشعشع المشرق على قوابل جميع الكاينات وذرات الموجودات من فاضل نوره اي نور الجسم وهو الرجل الترابي فلجسمه الشريف هيمنة واستقلال واستعلاء بالنسبة الى جميع ما سويهم وهذا الاستقلال عين الاضمحلال كما فسرنا لك وفسر لك الرجل بانه من الطين والى الطين وانه هو الطين واي خضوع اعظم من ذلك ولكنه مع هذا الاضمحلال ( الاستقلال خ‌ل ) له هيمنة واستقلال واستعلاء على كافة الموجودات من الكروبين والانبياء والمرسلين وجميع المخلوقين فهو وان قال انا من الطين والى الطين بالنسبة الى ابي‌تراب ولكنه بالنسبة الى غيره قال ويقول انا انا يعني المتفرد المستقل وكلما سواي جعلني الله سببا لامدادهم وافاضتهم فانا بالنسبة الى الخير ( الغير خ‌ل ) انا وبالنسبة الى امير المؤمنين وحقيقته طين وتراب فافهم الفرق واعرف الصدق وتفهم المقام ( المقال خ‌ل ) وعلى من يفهمه السلام وانما قال انا انا وانا انا مرتين ( قال انا انا مرتين خ‌ل ) لان الموجودات لا تخلو من مقامين مقام المتبوع ومقام التابع ومقام الاصول ومقام الفروع ومقام المبدء ومقام المشتق ومقام الاجمال ومقام التفصيل ومقام الغيب ومقام الشهادة ومقام العلة ومقام المعلول ومقام المنير ومقام النور ومقام الكلمة ومقام الدلالة ومقام الظاهر ومقام الباطن ومقام التعين ومقام اللاتعين ومقام المقدمات ومقام النتيجة ومقام الوحدة ومقام الكثرة ومقام العالي ومقام السافل ومقام اللفظ ومقام المعنى ومقام الالف ومقام الحروف ومقام الحركة ومقام الآثار وبالجملة فجميع الموجودات لا تخلو من هذين القسمين وهذا الرجل الترابي ابو البشر الجسماني الجسداني هو المستقل المتفرد في هذه المراتب كلها فهو الذي يقول انا انا في مقام المتبوع ويقول انا انا في مقام التابع ويقول انا انا في مقام الاصول ويقول انا انا في مقام الفروع ويقول انا انا في مقام المبدء ويقول انا انا في مقام المشتق ويقول انا انا في مقام المنير ويقول انا انا في مقام النور وهكذا ساير المقامات التي لا تخلو من مقامين والكل اليه مستند وبه معتمد وعنه يستمد ( يستند خ‌ل ) فهو عاد العدد بمنتهى ( ومنتهى خ‌ل ) الامد فهو لا غيره وهو الذي ورد انه دابة الارض والذي ورد انه امير المؤمنين عليه السلام فالمراد انه عليه السلام اياها من حيث ظهوره في عالم الاجسام وتلبسه لباس النقش والارتسام والا فهو عليه السلام في رتبة ذاته : بريء المعاني عن صفات الجواهر

يجل عن الاعراض والاين والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر

فاستناد الكاينات وحقايق الذرات الى مقام جسمه وشخص رسمه وجسمه عليه السلام بنوره جعله الله سبحانه سببا للافاضة والاستفاضة والامداد والاستمداد فقوله عليه السلام في زيارة آل يس فما شيء منا الا وانتم له السبب يريد ( يراد خ‌ل ) بهذه السببية في مقام الجسم لا الحقيقة ولكنه ليس ذلك هو الجسم الظاهر بمدلول قوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون وقوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم وقوله تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم بل المراد به هو الجسم الذي اشار اليه مولانا السجاد عليه السلام بقوله ولو ظهرنا للناس بالصورة التي خلقنا الله عليها مارآنا احد الا وقد مات كيف لا وقد روي عن الصادق عليه السلام على ما في الصافي وكنز الدقائق وبصائرالدرجات وغيره ( غيرها خ‌ل ) من الكتب المعتبرة ان الذي تجلى لموسى على نبينا وآله وعليه السلام فخر موسى صعقا واندك الجبل وهلك بنو اسرائيل رجل من الكروبين امره الله سبحانه ان يتجلى لموسى اظهارا لكمال قدرته سبحانه بمقدار سم الابرة من نور ذلك الرجل وهو ملك من الكروبين والملائكة خدامهم فما ظنك بهم سلام الله عليهم لو ظهروا بصورتهم الاصلية اذن والله هلكوا وقد ورد ان الحورية لو علقت شعرة منها بين السماء والارض لمات اهل السموات والارض من حسنها وطيبها وورد ان المؤمن جالس على سريرة ( سريره خ‌ل ) في الجنة فاذا بنور عظيم قد اشرق عليه فمن عظم ذلك النور ظن ان الجبار قد تجلى له فرفع رأسه ونظر فاذا الحورية اشرقت على قصره وسريره فلما نظرت اليه تبسمت وهذا النور هو المشرق من ثناياه ( ثناياها خ‌ل ) فاذا كانت ثنايا الحور ( الحورية خ‌ل ) هذا صفة نوره فما ظنك بساير جسده والجنة بحورها وقصورها كافة خلقت من نور الحسين عليه السلام فما ظنك بنوره لو ظهر

فتبين لك مما بينا ان الذي ظهر حجاب قد احتجبوا عليهم السلام للرعية حتى يتمكنوا من رؤيتهم وينظرون اليهم من وراء حجاب واما جسمهم الحقيقي الذي مقام ترابهم فهو الذي باشراق نوره تذوتت الموجودات وتحققت الكاينات وبذلك النور الظاهر من هيكل ذلك الرجل فتح الله الوجود وبه يختم فافهم المراد وكن من اهل السداد لتهتدي ( لتهدي خ‌ل ) الى سبيل الرشاد فذلك الرجل الترابي هو الذي يقول انا انا وانا انا وانا انا ( انا وانا انا خ‌ل ) وهكذا الى ما لا نهاية له تعبيرا لاستقلاله وتجوهره بالنسبة الى الكاينات وحقايق الموجودات وما يلحقها من الاعراض والصفات فلما ابان الرجل الطيني والهيكل الترابي ما جعله الله له من الهيمنة والاستقلال والاستعلاء على ساير الذوات ( الذرات خ‌ل ) وعبر عن ذلك بالضمير المنفصل اراد ايضاح الامر وتبيينه مع مزيد فايدة قد مرت الاشارة ( مرت واشار خ‌ل ) اليها في مطاوي جوابه حيث كان الجواب لبيان الغير وتعليمه كما سئل امير المؤمنين عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله عن احوال الملئكة وفضل الانبياء عليهم وهكذا ساير مسؤلات ( سؤالات خ‌ل ) الائمة عليهم السلام والا فهم اعلم من المسؤل من انفسهم بتلك المسئلة ولو كان السؤال له عليه السلام كان قبيحا ولولا المصلحة لظهور الجواب في هذا المقام من نفس الرجل حسب ما اشرنا اليه لما اجاب بل وقف وجمد وسكن واعترف بالعجز كما فعل سلمان لما قال لامير المؤمنين عليه السلام في حديث الى ان ( عليه السلام الى ان خ‌ل ) قال يا محنة ايوب فلما سئله امير المؤمنين عليه السلام وقال ( قال خ‌ل ) اوتدري ما محنة ايوب قال لا ادري وهذا الرجل افضل من سلمان بل من جميع الانبياء واعرف واعلم منهم فكيف يتصدى في الجواب لكن لما كانت المصلحة في جوابه بلسانه خاصة لمصلحة تقدمت الاشارة اليها اجاب

ثم اراد الايضاح في الامر والكشف عن معنى قوله انا انا وانا انا فقال : انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات

يعني الذوات والحقايق وان تأصلت وتحققت والجواهر وان تجوهرت الا ان تجوهرها وتحققها ( تحققها وتجوهرها خ‌ل ) بي فانا الذات التي قامت تلك الذوات والجواهر بي فانا ذات لها فهي بالنسبة الى اعراض وان كانت ذواتا وجواهر والى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله في مدحه عليه السلام :

يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض

وهذا العرض القائم ليس قيامه عروضيا كالالوان للاجسام بل القيام صدوري كقيام الاشعة بالمنير والانوار بالشمس والصور في المرايا بالشاخص الخارجي فلما بين الرجل انه الذات لتلك الحقايق وانها قائمة به اراد ان يبين ان هذا القيام اي قيام الاشياء به وتقويمه ( الاشياء وتقويمه خ‌ل ) اياها ليس باستقلال من نفسه ولا مشاركة مع ربه ولا تفويض يوجب الاعتزال بل هو عبد وملك ( ملك وعبد خ‌ل ) للذات الحق سبحانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ( موتا ولا حيوة ولا نشورا خ‌ل ) وهو سبحانه القائم على كل نفس بما كسبت ولكن هذه الذات جعلها الله سبحانه سببا لقيام الاشياء وتحققها وفي الزيارة فما شيء منا الا وانتم له السبب كما ان الماء والتراب سبب للزرع والله سبحانه هو الزارع فنفى عن نفسه الاستقلال واثبت انها ملك للغير وحقيقتها الطين واصلها الطين ومرجعها الطين ومع ذلك مصدر هذه الافعال العجيبة والآثار الغريبة واول جواهر العلل فلا يتوهمن متوهم انه مستقل في اظهار هذه الافعال والآثار او له شراكة مع الله سبحانه او ان الله سبحانه فوض اليه الامر بل هو السبب الاعظم في الافاضة والامداد والاعطاء والله سبحانه هو الذي ( سبحانه الذي خ‌ل ) يجري فعله بالاسباب حتى اشتهر عند جميع الناس من العوام والخواص ان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها وذلك شيء معلوم

ثم قال عليه السلام : قال عرفت فقلت نعم قال فامسك

وهذا القول من الرجل لامير المؤمنين عليه السلام مع كماله ومعرفته وعلمه بانه عليه السلام اعلم بنفسه من نفسه فضلا عما يتعلق بغيره كان من باب اياك اعني واسمعي يا جارة فالمقصود الرعية الغير المطلعين كما ان الله سبحانه بعد ان قص في القرآن قصة نوح وساير الانبياء قال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك وهو صلى الله عليه وآله كان ( وكان خ‌ل ) ثابت الفؤاد قبل ان يخلق آدم لانه صلى الله عليه وآله كان نبيا وآدم بين الماء والطين وذلك ايضا يراد به قومه وان خاطبه بنفسه صلى الله عليه وآله وكذلك قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر واي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وبالجملة فقد قال الصادق عليه السلام القرآن من باب اياك اعني واسمعي يا جارة وكذلك قول الرجل لامير المؤمنين عليه السلام عرفت فانه يريد به قومه وشيعته وذلك ظاهر معلوم ثم انه عليه السلام اجاب عن شيعته قال نعم كما اجاب رسول الله صلى الله عليه وآله عن امته لما عرض عليه التكليف واجاب صلى الله عليه وآله وقبل قال تعالى آمن الرسول بما انزل اليه ثم انه صلى الله عليه وآله اجاب عن امته كما اخبر الله عنه وقال والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه الآية وكذلك في هذا المقام اجاب امير المؤمنين عليه السلام عن امته فقال نعم ثم اوصى امته ورعيته وشيعته بالامساك وحفظ السر وعدم اذاعته ما دامت الدولة للفاسقين فقال امسك من باب اياك اعني واسمعي يا جارة فافهم الكلام

وهذا الذي جرى على قلمي مع كمال الاستعجال واختلال البال من المعنى الواحد من معاني هذا الحديث الشريف مما ظهر لهذا الحقير المعترف بالتقصير والقصور ( بالقصور والتقصير خ‌ل ) ولو اردنا شرح جميع ما اعرف من معانيه لاقتضى مجلدا كبيرا وانا في شغل عن ذلك والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وكتب مؤلفها يوم الاثنين تاسع شهر جمادي ‌الثانية من شهور سنة ١٢٥٨ حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى