الرسالة العاملية - ۲ (۲۲ مسألة)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

الرسالة العاملية – 1

مشتملة على احدى عشرة مسألة

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه ومظهر لطفه محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد اتت مسائل عويصة غريبة من جبل عامل لبعض العظماء الازكياء ويريد الجواب على الاستعجال وانا مع كمال الاشغال واشتغال البال ما امكنني الا اجابة بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور

قال سلمه الله تعالى : قال الله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والى الرسول والى اولي الامر منكم فمع عدم التمكن من اولي الامر فالمرجع هو النواب عنهم حقيقة فالمراد الملتمس من ذلك الجناب ان تتشفقوا على قنكم الحقير بكشف ما ابهم عليه من المشكلات نحو هذه المسائل بالدليل العقلي والنقلي لاني لم ‌اجد منهلا اطفى به حر العمى الا التعريح ( التفريح خ‌ل ) نحو ذلك البحر الزاخر كيف يصح عذاب من كان اصل خلقته من سجين من الظلمة اذ له ان يقول لم خلقتني منها اذ لو خلقتني من عليين لاطعتك وقبل تحقق الخلق اقول لا خيرة للمخلوق الحادث

اقول اعلم ان الله سبحانه وتعالى اعز واجل من ان يخلق الخلق من سجين والظلمة بحيث لا يقدر على الاقبال والتوجه نحو عليين والنور ثم يوبخهم ويعذبهم بعدم قبولهم النور وعدم طلبهم مقامات عليين ولا يجوز هذا المعنى من له ادنى مسكة ومعرفة وما ورد في احاديث الطينة على ما في الكافي وغيره مما بظاهره يدل على ما ذكرت فهو مما قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وبيان حقيقة الامر بمجمل العبارة هو ان الله سبحانه خلق من ظل الرحمة الحقيقة نورا واسكنه تحت عرشه وحجاب قدرته ثم خلق من ظل الغضب لتبغ ظلمة بشمال كلمته في سجين اسفل السافلين ثم مزج بينهما مزجا وعركهما وصلصلهما حتى صارا شيئا واحدا واستحقا اسما واحدا مع عدم اضمحلال كل منهما في الآخر وحصول طبيعة ثالثة بل مع بقاء فعلهما في صرافة تأثيرهما ثم جعلها حصصا وكل حصة خرجت جامعة مملكة مختارة ذات شعور وادراك وفهم واحساس لكنها عارية ومجردة عن الصور مطلقا وان كانت لا تخلو عن الصور النوعية وهي الصلوحية لكل صورة وقابلة لكل تشخص وهذا هو المراد من الذر في الاخبار فان الذر مادة صالحة لكل صورة وقابلة لكل تشخص ثم عرض الله سبحانه عليهم التكليف والايمان لقوله تعالى الست بربكم فمن سبق الى الاجابة والاقرار خلقه الله في الخلق الثاني من طينة عليين وهي الصورة الانسانية وحدود الايمان والتقوى والخير والبركة وهذه الصورة والطينة لا تخرج الشيء عن الاختيار ولا يبلغه الى الاضطرار بل هو مختار له الثبات والبقاء على الرشد والايمان والازدياد في الطاعة والنور والتقوى فيزيد بذلك نورا وبهاء وشرفا وسناء وله الانكار والخروج عن الاقرار والتوحيد فينخلع عن الصور الطيبة ويؤخذ عنه الطينة العلينة ويلبس الصور الشيطانية البهيمية ويدخل في النار مع الفجار الاشرار وهو قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ومن اعرض عن الحق سبحانه وتعالى وانكر ولم‌ يقر خلقه الله سبحانه في الخلق الثاني من طينة سجين وهو الصورة الشيطانية البهيمية ناكسوا رؤسهم عند ربهم وهي صورة النفاق والكفر والانكار والطبع على القلوب والطرد عن الرحمة والنور كما قال عز وجل بل طبع الله عليها بكفرهم وفبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وهذه الصورة والطينة الخبيثة لا تخرج الشيء عن الاختيار بل هو مختار جامع مملك له الثبات والبقاء على تلك الحالة الخبيثة وازدياد الظلمة والطغيان كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‌ يكد يراها ومن لم ‌يجعل الله له نورا فما له من نور وله ايضا التمكن عن الاقرار والاقبال والتوجه الى الله عز وجل والخروج عن ظلمة الجهل والانكار فينخلع عن الصورة الشيطانية وتنزع عنه الطينة السجينية ويلبس الصورة الانسانية ويدخل الجنة وهو قوله عز وجل فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين فليس للكافر ان يقول لم خلقتني من سجين فان الله عز وجل لم‌ يخلقه الا باقتضاء منه اياه وطلبه ذلك بانكاره وجعله متمكنا من الارتداع عن الكفر والاستيهال للبس الصورة الانسانية والخلق من طينة عليين فمن ابصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما ربك بغافل عما تعملون وما ربك بظلام للعبيد والخلق في الخلق الاول كانوا امة واحدة واختلفوا في الخلق الثاني باختياراتهم واقتضاءاتهم وميولاتهم الذاتية والفعلية مثال ذلك المداد فانه شيء واحد يصلح لكتابة اسم الشقي والسعيد ولا يمتاز ذلك الا حين الكتابة وقولكم قبل تحقق الخلق لا خيرة للمخلوق قد ظهر جوابه من ان السعادة والشقاوة في الخلق الثاني وقد حصلت الخيرة والادراك والشعور في الخلق الاول وهو قول مولينا الصادق عليه السلام لما قيل له كيف سألهم وهم ذر قال عليه السلام جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا

قال سلمه الله تعالى : وما معنى الرب بمراتبه

اقول اعلم ان الرب هو صاحب الربوبية وهو المربي والمالك والصاحب قال عز وجل وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا وقال عز وجل واشرقت الارض بنور ربها اي صاحبها ومالكها لما في الزيارة الجامعة الكبيرة واشرقت الارض بنوركم والربوبية لها ثلاث مراتب : الاولى هي الربوبية اذ لا مربوب لا ذكرا ولا كونا ولا عينا وهي ربوبية الذات البحت عز وجل شأنه فان الاشياء الممكنة كلها عندها ممتنعة ولا ذكر لها فيها فضلا عن كونها وعينها اي موادها وصورها وما قالته الصوفية بثبوت الاعيان في ذاته تعالى زندقة محضة فان الاعيان ان كانت امورا وجودية فان كانت هي الله مع تعددها وتكثرها تكثرت الذات جل وعلا وان كانت هي الله ولا كثرة فيه بوجه لا فرضا ولا اعتبارا تبطل الاعيان وتبطل جميع ما يتفرعون عليها من مسئلة العلم وحكم السعادة والشقاوة وعدم مجعولية الماهيات والقوابل ولا يناسب المقام ذكر جميع الشقوق في هذه المسئلة فليطلب من ساير رسائلنا واجوبتنا والحاصل ان ذات الله جل وعلا احدي الذات واحدي المعنى واحدىي الحقيقة وجميع انحاء الروابط والقرانات والاضافات هناك ممتنعة فهو الرب ولا مربوب بوجه من الوجوه وطور من الاطوار ونحو من الانحاء والثانية هي الربوبية اذ مربوب ذكرا لا عينا ولا كونا وهذه الرتبة رتبة الواحدية ومقام الاسم الاعظم الاقدم وهو مقام الفعل الكلي والمشية الامكانية ومرتبة الوجود الراجح الظاهر في الحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليه وآله وهو مقام الاجمال والوحدة والبساطة وذكر الاشياء في الفعل على جهة الامكان والصلوح وهو مقام العدم المخلوق والنفي الذي هو الشيء فافهم الثالثة الربوبية اذمربوب ذكرا وعينا وكونا وهي مقام ظهور اسم الرحمن برحمانية على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه وهو مقام تعلق الفعل بالمفعول واقتران المشية بالمشاء وظهور الدلالة من الكلمة التامة وربط الاسباب بالمسببات واللوازم بالملزومات والشرايط بالمشروطات ومقام ظهور الاسماء المتقابلة والاقتضاءات المختلفة والميولات المتباينة وظهور الاشياء في الايام الستة يوم الكم ويوم الكيف ويوم الجهة ويوم الرتبة ويوم الوقت ويوم المكان وظهور الطبايع الاربع في الايام الستة التي بها ظهور الساعات الفلكية المستوية والزمانية المعوجة وظهور الطبايع مع الاكوان الثلاثة التي هي الظاهر والمظهر والظهور والعقل والنفس والجسم وهي التي بها الافلاك السبعة اي السموات ومن الارض مثلهن وظهور الطبايع في الاكوان ولها البروج الاثني‌ عشر وشهور السنين ومقادير الاعوام والحاصل ان هذه الربوبية هي المتعلقة بالمربوبين وهي مقام الولاية المطلقة التفصيلية التي حاملها الولي المطلق حامل لواء الحمد والنسبة بين هاتين الربوبيتين هي النسبة بين العرش والكرسي فان العرش باب باطن صاحب الوحدة والاجمال ولذا لا ترى فيها كوكبا ولا اختلاف صورة ولا تباين اقتضاءات الطبايع وهو ينبوع الافاضة وهو مقام النبوة الاولية التي لاضمحلاله في نفسه صار لايعتبر فيه حكم سوى محض الوساطة فخفي لشدة الظهور وخفى اسمه لكمال الوضوح والبروز واستيلاء الوحدة والكبرياء والعظمة حتى فقد عن نفسه فظهر في كل شيء فلا تجده الخلايق لشدة ظهوره لهم الا بمظهره ودليله والكرسي باب ظاهر صاحب الكثرة والتفصيل والاختلاف وتباين الاقتضاءات وتخالف الميولات ولذا ظهرت الكواكب فيه والصور والهيئات والاوضاع وكلها مربية لمرتبة من المراتب السفلية مما يخص بها مما يناسبها وكل واحد من هذه الكواكب مظهر اسم من الاسماء فتقابلت الاسماء وتفصلت واختلفت في هذه الرتبة الاولى فيكون حامل الثانية صاحب الاختلاف وحامل الاولى صاحب الوحدة والاتفاق قال تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عليّ ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ فالربوبية لله سبحانه فالرب حقيقة هو الله سبحانه فهو الرب في المقام الاول في ذاته عز وجل وهو الرب في المقام الثاني في مقام مشيته وقبل خلق خليقته وهو الرب في المقام الثالث في مقام احداثه الخلايق والمادة البرايا واظهار الاشياء مشروح العلل مبين الاسباب فالربوبية في المقام الثاني والثالث فعله لا ذاته ولما كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ والطيبون من اولادهما صلى الله عليهم اجمعين هم محال مشية الله ومهابط فيضه ومحال قدرته كما في زيارة الحسين عليه السلام عن مولينا الصادق عليه السلام ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم ويصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد الزيارة وقالوا عليهم السلام نحن محال مشية الله وفي الزيارة الجامعة الكبيرة وامره اليكم وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاذا كانوا هم محال الفعل فيكون محمد صلى الله عليه وآله حامل الربوبية الثانية وعليّ عليه السلام حامل الربوبية الثالثة ولذا كان عليه السلام مقام التفصيل ومحل وقوع الاختلاف ومنشأه وتشعب الائمة عليهم السلام منه عليه السلام كتشعب البروج الاثني ‌عشر من الكرسي وكلهم اولاد العرش من الكرسي وفيه فافهم وقد قال ابن ابي‌الحديد في قصيدته البائية يخاطب عليا عليه السلام :

تقيلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك انك مربوب

وقال ايضا فيها :

ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها له وسيتلو العود في الحشر للمبدء

تعقيب القصيدة انظر في هذه الكلمات فانها وافية بالمراد وقد اجرى الله سبحانه الحق بلسان هذا المعاند وله الحمد والشكر

قال سلمه الله : وما معنى قوله عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا وهكذا الى آخر مراتب الصعود وكم لبوثهم في كل عالم وكيف صورة ترتيبهم

اقول الذي ورد في الاخبار واشتهر بين العلماء الاخيار من الحديث هذا المقدار الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ولكنا قد وجدنا في كلمات بعض العلماء العارفين هذه الصورة الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا واهل البرزخ نيام فاذا بعثوا انتبهوا واهل البعث نيام فاذا دخلوا الجنة انتبهوا واهل الجنة نيام فاذا دخلوا الكثيب الاحمر انتبهوا واهل الكثيب الاحمر نيام فاذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا واهل الرفرف الاخضر نيام فاذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا واهل ارض الزعفران نيام فاذا دخلوا الاعراف انتبهوا واهل الاعراف لهم سنة ولا نوم فاذا دخلوا مقام الرضوان وهؤلاء لا نوم لهم ولا سنة ولا شك ان مقالي هذه الكلمات في الاخبار موجودة وفي الاحاديث منصوصة اما كون هذه العبارات على هذه الصورة منهم عليهم السلام فغير مقطوع به فكيف كان والمعنى صحيح لا شك فيه لان الخلق لما امرهم الله سبحانه بالادبار والنزول فادبروا ونزلوا ومروا على هذه المقامات والمراتب ومكثوا فيها وتلبسوا بلباسها وتصوروا بصور اهلها وتعلموا لغاتهم ثم نزلوا الى الافلاك ثم منها الى العناصر الى التراب فضربتهم البرودة واليبوسة اي برودة الادبار والبعد عن مبدء الانوار ويبوسة الانجماد والصور والحدود والمتبعدة عن عالم النور والوحدة فماتوا ودفنوا في التراب ثم بعد ذلك احياهم الله سبحانه ليمروا ويصعدوا الى منازلهم الحقيقية واوطانهم الواقعية فاول حياتهم ظهورهم في النبات فلا نسوا ( فلما نسوا خ‌ل ) تلك المقامات التي مروا عليها واحتبسوا في مضيق التراب فلما ظهروا في النبات علموا انه غاية المراد فلا مقام اعلى منه فلما صاروا من مقام النبات والبقول والثمار الى الاصلاب والارحام وظهروا في النطفة ثم في العلقة ثم في المضغة ثم في العظام ثم في اكتساء اللحم انتقلوا الى مقام الحيوانية اي ظهروا فيها وحصلت لهم المدارك الحيوانية والحواس الفلكية رأوا مقاما اعلى واعظم وافسح من مقام النبات وعروق الاشجار والثمار فاطمأنوا بها وركنوا اليها ولم‌ يظنوا ان عالما اوسع واشرح واعلى واعظم من بطن الام فلما آن اوان خروجهم وحان حين انتقالهم الى هذه الدنيا اتاهم الخطاب من الله عز وجل بالخروج والنزول الى مقام اعلى ومكان اعظم ما رضوا وظنوا انه مايحصل لهم مقام مثل ما في بطن الام وصعب عليهم الخروج عن ذلك المضيق حتى اتاهم الملك الزاجر فزبرهم وزجرهم واخرجهم الى هذه الدنيا فلما اتوا الى هذه الدنيا ورأوا وسعتها وزينتها انتبهوا لانهم ما كانوا يعقلونها في بطن الام ابدا فوجدوا سعة عظيمة وامكنة عالية وقصورا مشيدة واوقاتا حديدة يرونها اعظم ما في الوجود واوسعها واشرفها ولذا ركنوا اليها واتخذوها دار مقر فاذ آن اوان خروجهم عن هذه الدنيا يصعب عليهم ذلك ويكرهون ما هنالك فاذا انتقلوا الى عالم البرزخ عالم المثال وارتحلت الارواح الى جنة هورقليا او نار بئر برهوت فيجدون سعة وفسحة عظيمة ومقامات عالية ومراتب سنية ماكانوا يعقلونها في دار الدنيا فينتبهون عن نوم الغفلة ويرون نسبة البرزخ الى هذه الدنيا نسبة بطن هذه الدنيا الى بطن الام فهم في وسعة وفسحة في ذلك العالم ويرونه اعلى المقامات بحسب الوجدان الى ان يبعثوا ويحشروا في مقام ظهور النفس الكلية في اول الظهور في عالم الاجسام فينبهون بوجدانهم عالما اعظم ووقتا اوسع فيكون كل يوم مقداره خمسين‌ الف سنة على النسبة المذكورة في بطن الام وهذه الدنيا فاذا دخلوا الجنة وشاهدوا سعتها وعظمتها يجدون اشياء لم ‌يكونوا يعقلونها قبل ذلك فينبهون ( فينتبهون خ‌ل ) ولما كانوا في الجنة يتلطفون ويتصفون ويصعدون الى مقاماته ومراتبه الوجودية الى ان يصلوا الى مقام نقطة الحقيقة وسر الكون ومبدئه وهو المسمى بالفؤاد وباب المراد ومقام الاتحاد لعظم الوداد فاول ما يصعدون الى مقام صفاء نور الطبيعة وظهورها وهو المعبر عنه بالكثيب الاحمر قد ظهر على لونها فانها لقوة الحرارة واليبوسة التي بها الفعل والتأثير تقتضي لون الحمرة والغالب على اهل تلك الجنة الحمرة لحكم المناسبة الذاتية فيجدون عالما اوسع ومقاما اعظم فينبهون ( فينتبهون خ‌ل ) ثم يمكثون فيها قدر الف‌ الف سنة من سني الدنيا ويتنعمون فيها ثم يصعدون الى مقام الرفرف الاخضر وهو مقام ظهور النفس المطمئنة وصفائها ونورانيتها بعظم شؤن اطوارها واحكام آثارها وتقلباتها وسعة هذه الجنة لا تتناهى ونعيمها لا يحصى ونسبتها الى الكثيب الاحمر نسبة هذه الدنيا الى الجنين ويمكثون فيها قدر اثني ‌عشر الف‌ الف سنة من سني الدنيا ويتنعمون فيها ويعطيهم الله سبحانه من النعيم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي كل جمعة عند زيارة الرب يزدادون ضعف ما كان عندهم على طريق الضرب لا الضعف المتعارف ثم يصعدون منها الى ارض زعفران وهي الجنة التي اتى منها البراق الى النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج ومنها ينبوع النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة وهي مقام الظهورات الرقائقية وصفاء انوار الروح الكلية ومقام نزول الفيوضات القدسية الالهية من عالم الاجمال الى عالم التفصيل وفيه مبدء ظهور سلطان الوحدة فالواقف في تلك الجنة يرى امورا عجيبة غريبة من عجايب عالم الوحدة وفسحات نشأتها بحيث ينسى العوالم الاول وكأنما انتبه من نومه واستيقظ من رقدته بل ربما اعظم واعظم ويمكثون فيها قدر اثني ‌عشر الف ‌الف سنة ثم ينتقلون ويرتحلون ويصعدون الى مقام الاعراف وهو اعلى المقامات واقصى الدرجات ومحل ظهور نشأت مراتب قاب قوسين واواسط ظهور سلطان الوحدة ورتبة الاجمال ومحل فيضان النور الوحداني المنبسط على ذرات الكاينات والمكونات مقام العقل ومنشأ النقل ومظهر الفعل اعظم نعيمهم واشرف ملاذهم التسبيح والتهليل والتقديس وسر المحبة وطلب المؤانسة وهو من بعض وجوه قوله تعالى ولدينا مزيد وقوله تعالى دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين فاذا وقفوا في هذا المقام يشاهدون التجليات الاسمية والظهورات الرسمية بحيث يحجب عنهم سوى الحق عز وجل فينطق لسان كينونتهم بقوله عليه السلام في الدعاء واعوذ بك من كل راحة بغير انسك ومن كل لذة بغير ذكرك الدعاء فينسون المقامات السفلية لصغرها وحقارتها بالنسبة الى هذا المقام وهؤلاء لهم سنة ولا نوم لان ذلك مقام ظهور نشأت الاسماء وانوارها واثارها واطوارها والاسم ليس الا صرف الدلالة على المسمى الا ان تعدد الاسماء لما كان من جهة التعلق الظهور بالمظاهر والمتعلقات جاء حكم الغيور واختلطت الظلمة الضعيفة الاضافية بالنور فتحققت السنة بلا نوم ثم يمكثون ويتنعمون فيها قدر اثني ‌عشر الف ‌الف سنة ثم يصعدون الى مقام الرضوان وذلك نهاية السر وان كان لا ينقطع ابد الابد ودهر السرمد الا ان ذلك منتهى حكم الغيور وهناك تضمحل الظلمة عند النور ويظهر تجلي الجمال والعزة والجلال بلا كيف ولا اشارة وهم حينئذ السابحون في لجة الاحدية وطمطام يم الوحدانية ولهم مقام الوصال والجلوس على سرير المحبة في كل الاحوال عند فناء المحبة التي هي الحجاب كما قال الصادق عليه السلام المحبة حجاب بين المحب والمحبوب وهناك صحو بلا غبار وصفو بلا اكدار وليس في هذه المرتبة سنة ولا نوم وليس ورائها مرتبة الى التجلي بعد التجلي والظهور بعد الظهور الى ما لا نهاية له ابد الآبدين ودهر الداهرين وكل سعة دون هذه المرتبة ضيق وكل حيوة دونها موت رزقنا الله واياكم الوصول الى تلك الدرجة العليا والمرتبة القصوى بالنبي وآله ائمة الهدى وسادة الورى عليهم سلام الله ما دامت الارض والسماء

قال سلمه الله تعالى : ما الفرق بين اهل الحق من اهل الباطن واهل الباطن من اهل الباطل فان الاشتباه في كلامهم كثير

اقول الفرق بينهم في العلم والعمل والاعتقاد اما الاعتقاد فبان لا يخرج عن معتقد الفرقة الناجية المحقة مما اتفقوا عليه اذ لا شك انهم على الحق والحق لا يخرج منهم حتى تقوم الساعة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وقد اقرهم على ذلك والا لكان مغريا بالباطل حاشاه عن ذلك فاذن القول بوحدة الوجود وانه تعالى كالبحر والخلق كالامواج وانه تعالى كالماء والخلق كالثلج وان بسيط الحقيقة كل الاشياء وانه الكل في وحدته وانه ليس له ان شاء فعل وان شاء ترك وان مشيته احدية التعلق وان الفعل والقبول له يدان فهو الفاعل باحدى يديه والقابل بالاخرى وان الفاعل عين القابل والاعيان الثانية عينه غير المجعولة وان الكفار يتنعمون في النار وان فرعون مات على الايمان وهو ناج يوم القيمة وامثال هذه الاعتقادات الفاسدة من القول بحس العناد ( الغناء خ‌ل ) وانه من اغذية الظاهر والباطن وعشق المردان وتخيل صورة المرشد حال العبادة وغيرها من الاقاويل الباطلة التي تخالف ما عليه الفرقة المحقة الناجية دليل على ان صاحبها ليس من اهل الحق من اهل الباطن وان استند في اقاويله ببعض الاخبار المتشابهة والموضوعة فان الاخبار والآيات مهما خالفت ما عليه الفرقة الشيعة من الاثني ‌عشرية وجب تأويلها ان صح ورودها عن اهل العصمة عليهم السلام واما في العمل فبان يعمل الواجبات والمندوبات بسر الاخلاص والتوجه ويترك المحرمات والمكروهات بل والمباحات ويحفظ السر عن تصرف الخطورات والحالات ويواظب على ظاهر الشريعة على كمال التوجه والاخلاص ولا يتهاون بشيء من ذلك ويكون جامعا للصفات التي ذكرها امير المؤمنين عليه السلام في حديث همام واما في العلم فبان لا ينطق في مسئلة الا وله عليها دليل من القرآن من محكمات آياته لا متشابهاته وله ايضا دليل من السنة المحكمة المسلمة المقبولة الغير المردودة المحفوفة بالقراين التي تلزمه العمل عليها ان لم ‌تكن من المتواترات المعنوية ويكون له ايضا عليها دليل من العقل القطعي الواضح الصريح المؤيد بنور الله ويكون له ايضا دليل من العالم من الآفاق والانفس من الامثال التي ضربها الله سبحانه للناس وان لا يكون طالبا للرياسة وسالكا سبيل اللجاج والعناد وان لا يكون له انس بطائفة دون اهل العصمة عليهم السلام وان لا يكون عنده قاعدة مأخوذة من غير اهل العصمة عليهم السلام وان يكون باقيا على الفطرة الصحيحة غير ملتفت الى جهة والى قول لا يرجع الى الكتاب والسنة ويستدل على كل مسئلة بالادلة الثلثة من دليل الحكمة ودليل الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن فاذا اجتمعت هذه الشروط في العارف بالنسبة الى كل مسئلة من المسائل العلمية من الاصولية والفروعية فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام فهو على نور من ربه و هو القرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة وهو المأمور باتباعه والمحظور عن مخالفته وهو المعنى حقيقة في قوله عليه السلام انظروا الى رجل منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته حاكما فاذا حكم لحكمنا فلم ‌يقبل فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله فاذا وجدته يدعي الباطن وهو فاقد تلك الشرايط كلها او بعضها في كل المسائل التي يدعيها او بعضها فانه الكاذب المفتري وهو من اهل الباطل من اهل الباطن فلا يجوز الاقتداء به والاخذ عنه وان اتى بالامور الغريبة الخارقة للعادات والاشياء المتوهمة التي تشبه الكرامات من احكام علوم السحر والشعبدة من علم الهيميا والريميا والسيميا والليميا وتفصيل الامر في هذا المطلب على اكمل ما ينبغي يطلب في شرحنا على الخطبة الشريفة الطتنجية في الجلد الثاني فان ما فيه تذكرة لمن نظر واعتبر وتبصرة لمن استبصر

قال سلمه الله تعالى : وما كبد الثور وما كبد الحوت الذي يأكل منه الناس ويكونون قبل ذلك نيام

اقول في الاحتجاج عن ثربان ( ثوبان خ‌ل ) قال ان يهوديا جاء الى النبي صلى الله عليه وآله قال يا محمد اسئلك فتخبرني فركضه ثربان ( ثوبان خ‌ل ) برجله وقال قل يا رسول الله فقال لا ادعو الا ما سماه اهله فقال رأيت قوله تعالى يومئذ تبدل الارض غير الارض والسموات اين يكون الناس يومئذ قال صلى الله عليه وآله في الظلمة دون الحشر قال فما اول ما يأكله اهل الجنة اذا دخلوها قال صلى الله عليه وآله كبد الحوت قال فما طعامهم على اثر ذلك قال صلى الله عليه وآله كبد الثور قال فما شرابهم على اثر ذلك قال صلى الله عليه وآله السلسبيل قال صدقت يا محمد صلى الله عليه وآله الحديث المراد بكبد الثور ما يتقوى به المرة السوداء المقتضية للدوام والثبات والحفظ والاستمساك لما يرد عليه من الافاضات والواردات من كل الانواع في الجنة ولذا قال مولينا الرضا عليه السلام مابعث الله نبينا الا وهو صاحب مرة سوداء صافية وهي طبع العبودية وطبع العقل الصافي المستلزم لدوام الفيض ابد الابد ودهر السرمد ولذا ثبت عصمة الانبياء عليهم السلام وقوة مالهم من تحمل الاسرار والعلوم والانوار واشراقات تجليات الاسرار بما لا يحتمله غيرهم من اولي الافئدة والابصار لان المرة السوداء طبعها طبع التراب وهو بارد يابس طبعه الامساك والثبات واشد التراب في هاتين الصفتين اسفل النجوم من الارض السابعة وهي نقطة مركز العالم ونسبته في هاتين الصفتين الى كبد الثور نسبة الجزء الواحد الواحد الى ثلاث ‌مأة‌ الف وسبعة واربعين‌ الفا وتسع ‌مأة جزء فالمراد بكبد الحوت ما يتقوى به ما يحفظ الحيوة اي الماء فانه حافظ للحيوة التي هي طبع الامام لهواء الحرارة والرطوبة فالحوت هو البالغ في الرطوبة والبرودة فبرودته الشديدة اعان المرة السوداء في الثبات والاستمساك وبرطوبة اعانت ( اعان خ‌ل ) على الحيوة مع البرودة وانما خص الكبد لانه مقر الروح الطبيعي ومحل الهضم والتحليل وهو يناسب الحيوة التي بها الدوام والثبات المطلوبان في دار البقاء اعلم ان الحوت هو النون في قوله تعالى ن والقلم وما يسطرون وهو البحر تحت العرش وهو مادة الحيوة وهو اسم من اسماء محمد صلى الله عليه وآله والثور وهو اصل التراب ومنشأه وهو ابو تراب فبحبهما عليهما السلام قوام الجنة واهلها كما ان ببغضهما عليهما السلام قوام النار واهلها والجنة اصلها الولاية وحب اولياء الله وبغض اعداء الله تعالى فافهم واما قولكم ويكونون قبل ذلك نيام فلم ‌اقف من ذلك على اثر فلو كان فهو كذلك لان البنية اذا قويت واستولت يكون اشراق نور المعرفة عليها اشد واعظم ويكون ادراكها اكثر ويرى ما قبل ذلك كأنه نائم او ميت كاشراق نور الشمس على الصخرة السوداء فاذا صفيت وصارت زجاجة يكون ظهور الاشراق وسطوع الانوار اعظم واذا صفيت وصارت بلورة يكون ذلك الظهور والاشراق واللمعان اشد واعظم الى ان يحكي مثال الشمس من الاحراق والتسخين وكذلك الحكم في تطورات اهل الجنة وترقياتهم ولا يسعني الآن تفصيل المقال في هذه الاحوال لما بي من الكسل والملل وتصادم الاعراض وتزاحم الامراض ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول امير المؤمنين عليه السلام كلما في القرآن في الحمد وكلما في الحمد في البسملة وكلما في البسملة في الباء وكلما في الباء في النقطة وانا النقطة تحت الباء

اقول اما اشتمال كل جزء من اجزاء القرآن وكل كلمة من كلماته بل كل حرف من حروفه جميع ما في القرآن فلا اشكال فيه ولا ريب يعتريه و لذا قال مولينا الباقر عليه السلام لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والدين والاسلام والايمان والشرايع من الصمد الحديث لان ذلك مقتضى نهاية قدرة القادر وحكمة الحكيم وعلم العليم فان الله سبحانه انزل القرآن بعلمه وهو قوله تعالى فان لم ‌يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو فاذا كان القرآن على مقتضى علمه وقدرته فيكون على اكمل ما يمكن اظهار القدرة العامة وحكمته التامة وكونه معجزا للنبي صلى الله عليه وآله لكل من بعث اليه من جميع ذرات الوجود من الملئكة المقربين والانبياء المرسلين والمؤمنين وجميع الخلق اجمعين واما الترتيب الذي ذكره عليه السلام فذلك من باب ترتب الفروع على الاصول فان فاتحة الكتاب هي السبع المثاني لانها سبع آيات ثبتت في العالمين عالم الغيب وعالم الشهادة وعالم الظاهر والباطن وعالم الاجمال والتفصيل فكانت بذلك اربعة ‌عشر وهي عدد عقود قصبة الياقوت وحجاب الله في الملك والملكوت وهي عدد اليد اي القدرة المستطيلة على كل شيء والوجه الذي يتوجه الى الله كل شيء وعدد اسم الجواد الذي به جاد على الخلق بفيض الوجود واسم الوهاب الذي به وهب الله عطاء كل موجود فالفاتحة اشارة الى مبدء الوجود واصله الذي به فتح الله وبه ختم والموجودات كلها تفاصيل ظهورات هذا الاصل وشؤنه واطواره وآثاره والقرآن كله اشارة الى تلك التفاصيل والاحوال وهي كلها متحققة على اكمل وجه في ذلك الاصل ومنبعثة عنه فافهم والوجه الآخر الظاهري هو ان القرآن جميع معانيه تدور على ثلاثة امور : الاول بيان صفة الحق سبحانه وتوحيده وصفاته واسمائه والثاني بيان صفة الخلق واطوارهم واحوالهم واقتضاءات كينوناتهم والثالث كيفية ربط فعل الحق سبحانه بالخلق واعطائهم حسب ميولاتهم واقتضاءاتهم وسؤالهم اياه تعالى بالسنة استعداداتهم وقابلياتهم ومقالهم وطلبه سبحانه منهم ما به نجاتهم وترقياتهم ومقتضيات تلك الاسباب ومسبباتها والعلوم المتداولة بين عامة المخلوقات كلها تدور على هذه الثلثة وهذه المراتب الثلاثة مشروحة ومفصلة في الحمد ولذلك قال العلماء ان الحمد له ثلاث مقامات الاول مقام حق لا خلق فيه ومعه وهو قوله تعالى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والثاني مقام خلق لا حق معه ولا فيه وهو قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين والثالث مقام حق وخلق وهو قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين والمراد بالثالث هو مقام ربط الفعل بالمفعولات والاسباب بالمسببات لا ذاته تعالى بالمخلوقات فانه تعالى اجل واكرم واعظم من ذلك ثم ان في الحمد واحد وعشرين حرفا غير مكرر فالسبعة الاولى اشارة الى قوله لا اله الا الله والسبعة الثانية اشارة الى محمد رسول الله وعليّ ولي الله واولاده اولياء الله صلى الله عليهم اجمعين والسبعة الثالثة اشارة الى مقام الشيعة اوالي من والوا والسبعة الرابعة التي هي تمام ثمانية وعشرين لما كانت اشارة الى مقام الاعداء والمبغضين تركت لدلالة الشيعة عليه والكناية ابلغ من التصريح ولبيان انهم نسوا الله فنسيهم وهذه الحدود الاربعة هي مؤدى القرآن كله لا يخرج منها شيء فقد جمعه الحمد بجميع حدودها وحروفها واما البسملة فهي سر الاسم الاعظم وقد قال مولينا الرضا عليه السلام ان البسملة اقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضها والمبادى الاربعة ‌عشر محل للاسم الاعظم فهي مقام النار من الشجرة المباركة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية والحمد محل دهن الزيتون من تلك الشجرة وتمام السورة مقام المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري فالنار اصل للدهن وهو تفصيل لها ومنبئ لآثارها ومحل لاظهار انوارها واسرارها واطوارها واوطارها فيكون الحمد متفرعا على البسملة ومتحصلا منها وهي الجامعة لسره ولبه وحقيقته ولذا كانت البسملة في العدد المكتوبي تسعة ‌عشر واستنطاقها واحد وهو الاصل المقوم للاعداد والوجودات الكونية وهو الاسم القيوم مع زيادة الاشارات باخصر عبارات والواحد له من الحروف الالف اذا كرر يكون الباء واذا كرر يكون الدال وهو تمام الاركان ومقام الظهور في الاعيان والاكوان واذا كرر الدال يكون الحاء واذا كرر الحاء خمس مرات يكون الميم والمجموع تمام الحمد فتحصلت المباني من المباني كتحصيل المعاني من المعاني وذلك تقدير العزيز العليم ثم ان البسملة في العدد الملفوظي ثمانية ‌عشر حرفا واستنطاقها اسم الحي فاستخرج منها الاسم الاعظم الحي القيوم وهو اصل الاسماء والاسماء اصول الذوات والحقايق الكونية المثبتة في القرآن فقد جمع البسملة جميع ما في القرآن والحمد وساير الزيادات والاصول والبسملة ايضا احد وعشرين حرفا مع ملاحظة الالفات الثلث المحتجبة المطوية ففيها اشارة الى ما ذكرنا في الحمد آنفا اما الباء فهي اصل البسملة وسرها وهي الابتداع الاول قبل ظهور الاسماء عند التعلق وذلك عند تمام كلمة كن فالنون هي مقام الابتداع ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه ابن ابي ‌جمهور في المجلي فمبدء الظهور الاولي التفصيلي الامكاني في الارادة والابداع المشار اليها بالباء لانها مقام التفصيل وتحقق الاسماء وقراناتها بمتعلقاتها انما كان في القدر على التفصيل وفي المشية الكونية على الاجمال فالامكانية اصل للكونية وهي متفرعة عليها وآثارها مترتبة عليها فافهم واما النقطة تحت الباء فالمراد بها القطب المقوم به الباء الظاهرة في لبها وهو المعبر عن تحتها لا النقطة التي يؤتى بها للتميز فانها فرع وتلك اصل واين هذه من ذلك والمراد بتلك النقطة هي سر المشية وحقيقة الاختراع الاول مقام الوحدة والبساطة المعبر عنها بالكاف في كن والكاف في كهيعص الذي هو تمام كلمة كن بتأثرها في اثرها وهي علة العلل وذات الذوات ونور الانوار ومجمع الكمالات ومحل اظهار الشؤنات والانوار ولا شك ان بها قوام الباء والبسملة والحمد والقرآن كله وهي نقطة التي كثرها الجهال على اعلى المعاني وقوله عليه السلام انا النقطة تحت الباء يريد به انه هو تلك النقطة التي بها قامت الكاينات والمكونات لانها هي امر الله الذي قامت السموات والارضون به كما قال عليه السلام انا ذات الذوات والذات في الذوات للذات والمراد به عليه السلام الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله اي تمام قصبة الياقوت واذا اردت الاختصاص فبملاحظة كونه عليه السلام حامل لوائه الحمد والظاهر بالولاية المطلقة ويحتمل ان يريد عليه السلام بقوله انا محمد صلى الله عليه وآله لان ضمير المتكلم وحده اسمه صلى الله عليه وآله كما ان ضمير المتكلم مع غيره اسم على عليه السلام وقد شرحت هذه الكلمة في الجزء الثاني من شرح الخطبة ولا يسعني الآن تفصيل المقال في ذلك فكأنه عليه السلام قال عليه السلام محمد صلى الله عليه وآله هو النقطة تحت الباء لانه صلى الله عليه وآله هو الواقف في مقام النقطة مقام الوحدة والاجمال فافهم وهذا الذي ذكرنا لك وجه من وجوه كثيرة وله الكفاية ان شاء الله تعالى

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قولهم عليهم السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن

اقول اعلم ان الاثر الحادث وان بلغ ما بلغ لا يبلغ الى حقيقة ذات المؤثر ابدا لانه هناك ممتنع الوجود والذكر والا لم‌ يكن الاثر اثرا ولا المؤثر مؤثرا وهو خلاف المفروض ولا تلتفت الى اقوال بعض اهل الضلال حيث يقولون ان الاثر عبارة عن ظهور ذات المؤثر بطور من الاطوار وتعين من التعينات كظهور الماء في الثلج والبحر في الامواج الى غير ذلك من الامثلة الباطلة المقرونة بالحجج الداحضة فان هذا القول من البطلان بمكان وقد فصلنا في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا بطلان هذا القول بما لا مزيد عليه فاذن لا يجوز القول بان الحادث يتحد مع القديم او يكون عينه في حال من الاحوال ووقت من الاوقات لاستلزامه الاقتران والانفعال والتغير والتكثر وغيرها من اللوازم الباطلة الا ان الاثر له جهتان جهة دلالة على المؤثر وجهة احتجاب عنه ففي الوجه الاول الاعلى هو دليل على المؤثر واسم له والاسم هو المنبئ عن المسمى كما قال امير المؤمنين عليه السلام فاذا نظر العبد الى ذلك الوجه كان له حكم ذلك المؤثر كالقائم فانه اسم لزيد المشتق عند اثره القيام فالقائم قائم بالقيام قيام تحقق فهو اسم له لكنه في رتبة الاثر لا في حقيقة زيد اذ لو كان القائم عين حقيقة زيد لماجاز توصيفه بالقاعد لان ذات الشيء لا يفارقه الا عند فنائه واعدامه ولا شك ان الذات محفوظة حين توصيفها بالقائم والقاعد ولا يجوز ان يقال ان القائم لفظ مركب لمجموع الذات والقيام فان ذلك باطل لاستلزامه تغير الذات باثرها وذلك مما ياباه اولوا العقول السليمة والحاصل ان القائم اسم زيد وصفة له والصفة غير الموصوف كما نص عليه امير المؤمنين عليه السلام والاسم غير المسمى كما نص عليه مولينا الصادق عليه السلام والاسم والصفة شيء واحد كما نص عليه مولينا الرضا عليه السلام فلا يكون القائم عين زيد بل انما هو ظهور زيد بالقيام وذلك الظهور قائم بالقيام فالقائم حقيقة القيام ووجهه الى مبدئه اذا عرف القائم عرف زيد اذ لا فرق بين القائم وبين زيد في التعريف والتعرف والمعرفة الا ان القائم عبد زيد واثره وصفته جعلها في الاثر ليعرفه بها وذلك الاسم والصفة هي الربوبية التي هي كنه العبودية فان الربوبية صفة للرب تعالى وتلك الصفة رسم جعلها عندهم ليعرفوه بها وهو قول امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى على ما في الغرر والدرر فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث فالمثال هو تلك الصفة المخلوقة والاسم المشتق عند وجود الاثر فاكمل حالات العبد واشرفها ان يكون ناظرا الى تلك الجهة العليا فاذا استدام النظر اليه كان حينئذ اسما وصفة لا فرق بينه وبين الحق سبحانه في المعرفة الا انه عبده وخلقه ولذا قال امير المؤمنين من عرف نفسه فقد عرف ربه فمعرفة النفس هي عين معرفة الرب على قدر الطاقة الامكانية وهو قول مولينا الحجة المنتظر عليه السلام في دعاء رجب وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء ولما كان محمد وآله صلى الله عليه وآله هم الناظرون الى تلك الجهة العليا فكانوا هم المتمحضين في الاسمية والصفتية والمثلية ولذا ورد في زيارة مولينا امير المؤمنين عليه السلام السلام على اسمه الرضي ووجهه المضيء وقال الصادق عليه السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها فمن هذه الجهة صار لا فرق بينهم وبين ربهم في المعرفة لكونهم وجه الله وقال عليه السلام نحن الاعراف الذي لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا على احد المعاني ولا فرق في الفعل والمشية والارادة فصارت مشيتهم عين مشية الله وارادتهم عين ارادة الله و ولايتهم عين ولاية الله وفي الطاعة والمعصية والمحبة والعداوة فكان من احبهم فقد احب الله ومن ابغضهم فقد ابغض الله من يطع الرسول فقد اطاع الله الذين يبايعونك انما يبايعون الله وقال الصادق عليه السلام في قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم ما معناه ان الله سبحانه لايأسف كاسفنا ولكنه تعالى خلق لنفسه اولياء جعل اسفهم اسفه ورضاهم رضاه وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته الحديث وهو قوله تعالى ونفخت فيه من روحي والله سبحانه هو المتعالي ان يقترن بشيء من الاشياء فكان ذلك هي الروح المخلوقة وهي روح عليّ عليه السلام وكذا قوله تعالى الله نور السموات والارض الآية وامثال ذلك من العبارات والاشارات فكانوا عليهم السلام لهم مع الله حالات هو فيها هم وهم فيها هو اي حكمه حكمهم وحكمهم حكمه وامره امرهم وامرهم امره الا انهم الاسماء الحسنى والامثال العليا والكبرياء والآلاء ولما كان في هذه العبارة توهم ما تدعيه الطايفة المخذولة الصوفية من اتحادهم مع الله وقوله اني انا الله وامثالها من الكمالات الباطلة ازال عليه السلام هذا التوهم والريبة بقوله عليه السلام الا انه هو هو ونحن نحن اي هو هو في مقام قدمه وازليته ونحن نحن في مقام الحدوث والعبودية وهذا الاتحاد والوحدة في المظاهر الفعلية والاسماء والصفات الخلقية والا فهو سبحانه اجل من ان تناله الاوهام واعلي من ان تبلغه العقول والاحلام واعظم من ان يصل اليه كاينات الامكان والاكوان وهذا الذي ذكرنا لك بعض الوجوه

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية الخ

اقول يريد سلمه الله في بيان معنى ما روي عن الصادق عليه السلام في مصباح الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق او لم ‌يكف بربك انه بكل شيء شهيد اي موجود في غيبتك وحضرتك الحديث وهذا الحديث من معضلات الاخبار شرحته كافيا وافيا شافيا في اجوبة مسائل محمد رحيم خان الرودباري الرشتي واظن ان نسختها توجد عندكم وليس لي الآن فراغ لتجديد البيان وما ذكرته فيها غاية المرام لمن يفهم الكلام والسلام

قال سلمه الله تعالى : فاذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو القطب فيكون محلا للفيض بلا واسطة مع انه صلى الله عليه وآله كان ينتظر الوحي وكيف يكون الواسطة والسفير مفضولا

اقول لا شك انه صلى الله عليه وآله هو القطب والغوث وهو محل الفيض بلا واسطة الشيء سوى نفسه واليه الاشارة في قوله تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولا يجوز في هذا المقام ارادة ذاته سبحانه وتعالى لانه تعالى لا يحل في شيء ولا يسعه شيء فيكون جميع ما سوى ذاته عز وجل من المراتب الفعلية ومقام الاسماء والصفات والتعلقات والظهورات وانحاء التجليات وكلا يبرز من الفعل الى المفعول كل ذلك مما يسعه ذلك القلب المقدس اذ لا يمكن ارادة سويه من المؤمن والا لزم ان يفضل عليه صلى الله عليه وآله احدا ويساويه وكلاهما باطلان باجماع المسلمين والحاصل كونه عليه السلام محلا للفيض وبابا للقدر ومصدرا للامر والنهى فمما لا اشكال فيه لمن راجع الى وجدانه ونظر الى الاخبار وجاس خلال الديار فانه يرى الامر واضحا كالشمس في رابعة النهار وقد ذكرنا كثيرا من هذه المباحث بالبراهين القطعية من العقلية والنقلية في شرح الخطبة الطتنجية فلا يرد الفيض من الله عز وجل على احد من المخلوقين الا بواسطته وبعد الورود عليه صلى الله عليه وآله واما انتظار الوحي فهو في العالم الثاني عالم التفصيل والكثرة كانتظار القلب للآلات والحواس الظاهرية من السمع والبصر والشم والذوق ولا شك ان الفيض انما يرد اولا الى القلب ثم يرد على الحواس والجوارح مع ان القلب في العالم الجسماني والنفساني يحتاج الى هذه الآلات لضيق هذا العالم لا لحاجة القلب فالملئكة بمنزلة الآلات لظهور تفاصيل الفيوضات وهم روابط بين الاجمال والتفصيل يأخذون من اجمالهم ويؤدون الى تفصيلهم كالخطورات التي ترد عليك فانما هي من قلبك نشأت ومنه برزت واليه عادت ولولاها لما برزت العلوم من غيبك الى شهادتك وقد ظهر لك بما ذكر الجواب عن كون الواسطة مفضولا لانها شؤنات الاصل وظهوراته وبعبارة اخرى كتاب للاصل كتبه بيده وفصله في خزانته فاذا اراد علما نظر الى ذلك الكتاب المستطاب فالعالم كله بجميع ما فيه كتب ملأت علما ينظر فيه النبي صلى الله عليه وآله والولي عليه السلام ما يشاء كيف يشاء والملئكة من ذلك الكتاب او حروف ذلك الكتاب فكما ان الله سبحانه اجرى عادته في خلق الاشياء على الاسباب كخلق الولد من الوالدين والحب من الارض والماء وامثالهما وكذلك هو صلى الله عليه وآله والطيبون من عترته صلى الله عليه وآله جعلوا لعلومهم عند ظهورها في عالم الشهادة والتفصيل اسبابا منها الملئكة وساير الالواح الوجودية او قل ان الله سبحانه جعل لعلومهم اسبابا فان مشيتهم هي مشية الله ولا يشاؤن الا ان يشاء الله ولا يشاء الله الا ان يشاؤا على حد قول ذلك العابد الحكيم انا نترك ما نريد لما يريد فهو يترك ما يريد لما نريد لا يكون مشيته تعالى تابعة لمشيتهم عليهم السلام فافهم والملائكة قد دل الاخبار وصحيح الاعتبار انهم خلقوا من شعاع نور عليّ عليه السلام وقد تعلموا التسبيح والتقديس والعبادة والقرب الى الله والزلفى لديه منهم صلى الله عليهم فكيف يمكن القول بانهم الوسائط حقيقة نعم يغرفون من موضع من البحر ويفرغون في موضع آخر في مقام اجراء الاسباب واظهار احكام الاقتضاءات فتدبر

قال سلمه الله تعالى : وبعد الموت هل المتألم او المتنعم الروح وحدها او الجسد وحده او هما جميعا فعلى الاولين كيف يصح مع ان احدهما لا يستقل في فعل بدون الآخر وعلى الثالث فما الثمرة في الافتراق

اقول المتنعم والمتألم في البرزخ ان كان من ماحض الايمان محضا او ماحض الكفر محضا هو الروح في البدن المثالي الذي كان معه في الدنيا و بذلك البدن يكون عالم الرؤيا وان كان النعيم ففي جنة الدنيا من ناحية المغرب خلف جبل قاف في الاقليم الثامن اسمها هورقليا وجابلصا وجابلقا وان كان الالم والعذاب ففي نار الدنيا من ناحية المشرق في وادي حضرموت وهي برهوت في بئر بلهوت واما البدن الجسماني والجسد الدنياوي يبقى في القبر مستديرا يفتح له باب اما من الجنة لتنعمه او من النار لتألمه وان كان من المستضعفين يبقى في قبره ميتا الى يوم حشره اذ لا برزخ له وقولكم كيف يصح جوابه ان الروح لها عالما مستقلا وعالم المثال ايضا له عالم مستقل يجري عليه الاحكام الخاصة بعالمه كما ترى في الرؤيا انك تتنعم وتلتذ بغير ذلك الحس الظاهري وكذلك في الخوف والتألم وليس ذلك الا لاستقلاله واستقلال عالمه بل المستفاد من الاخبار ان لذة اهل جنة الدنيا اقوى واشد من لذة الدنيا بسبعين مرة وكذلك الالم واما البدن الجسماني في القبر وان كان المشهور عندهم لا يحس ولا يشعر لكنه من المشهورات التي اصل لها فقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان كل شيء دخل في الوجود فله شعور وادراك بحسب عالمه ومقامه نعم يختلفون الاشياء في قوة الشعور والادراك وضعفهما والاخبار الواردة في ان الاجساد يفتح لها باب من الجنة او من النار تشير الى شعورها وادراكها وتألمها وتنعمها هذا حكم البرزخ قبل يوم القيمة واما يوم القيمة فتتعلق الارواح بالابدان كما كانت في الدنيا فتنعم او تعاقب فالمختار يوم القيمة هو الشق الثالث والمختار في البرزخ قبل القيمة الشقان الاولان على سبيل الاجتماع كل في مكانه ومرتبته وقولكم وما الثمرة في الافتراق جوابه ان الثمرة هي التصفية البالغة فان الله سبحانه خلق ذرات الخلايق وسار بها في العوالم الكثيرة ثم انزلها الى هذه الدنيا لحكم ومصالح يطول بذكرها الكلام فلما اراد الله سبحانه ان يعيدها الى مركزها ويخلصها عن غربتها ويوصلها الى مكانها الاصلي وكانت هي متوسخة متكدرة باوساخ الادبار وكدورته فاراد الله سبحانه تطهيرها وتطهير ابدانها وتصفيتها على اكمل ما ينبغي كما كانت في الخلق الاول لقوله تعالى كما بدءكم تعودون لتكون نعيمها اشد واقوى واليمها اعظم واءلم فاولا فارق بين الجسم والروح في البدن المثالي ليتصفى الجسم لغاية كدورته وتمكن الكثافات والرذائل فيه ثم بعد ذلك فارق بين الروح والبدن المثالي والروح والعقل واجزائه وذلك في نفخة الصور نفخة الصعق حتى لا يبقى حس ولا محسوس ولا ادراك ولا مدرك ولا شاعر ولا شعور الى مدة اربعمأة سنة الى ان يتصفى الذاتيات وتذهب الاوساخ والاعراض والغرايب في كل هذه المراتب فتعود الروح والنفس والعقل والجسم في كمال الصفاء عن الكدورات في الطرفين من النور والظلمة فيتصل بعضها ببعض كما كانت في هذه الدنيا حرفا بحرف ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء والسلام

قال سلمه الله تعالى : وباي شيء يتوصل العبد الى حصول نور المعرفة في الفؤاد فيدرك به ما لا تدركه العقول

اقول يحصل ذلك بدوام النظر والتوجه الى الله سبحانه والتفكر في مصنوعاته والتجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله وبالتخلق باخلاق الروحانيين وقد قال النبي صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلوله وقال امير المؤمنين عليه السلام ليس العلم في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم وقد كتبت لبعض الاخوان رسالة في هذا الشأن تشفي العليل وتروي الغليل وتغني عن القال والقيل والله يقول الحق ويهدي الى سواء السبيل فعليك بتحصيلها والعمل بما فيها فان ما فيها غاية الغايات ونهاية النهايات وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

واعتذر منك من استيفاء الكلام في هذه المسائل فانها لعمري تحتاج الى بسط طويل وتحقيق شريف عجيب غريب واحببت ان تكون تأتيني في غير هذا الوقت الذي تراكمت الاعراض والامراض وكثر تفرق الخاطر واغتشاش البال وفي هذه الحالة ما ذكرت غاية المقدور ولكنك لا تنظر الى العبارة وتوجه الى المعنى المراد بلطف الاشارة لعلك تحظى بالمطلوب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين قد فرغ منشئها عصر يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان المعظم

المصادر
المحتوى