الرسالة الغروية

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

الرسالة الغروية

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين المعصومين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت من العالم العامل والفاضل الكامل اللوذعي الالمعي المولي الصالح الشيخ محمد صالح اصلح الله له امر الدارين وحباه بكل ما تقر به العين مسائل كلت دون تحقيقها بصائر الافهام وحسرت عند شرحها وتنقيحها كما اراد اكثر مدارك الاحلام لانها من مخزونات العلوم ومكنونات الاسرار المودعة عند الخصيصين من العلماء الاعلام واراد من الحقير المعترف بالقصور والتقصير جوابها وكشف حجابها على الحقيقة والواقع لا على ما هو المتعارف الظاهر وانا مع قصور باعي وقلة اطلاعي قد تراكمت على الاعراض وتواردت الامراض فجعلت القلب متقسما والبال متوزعا بادرت الى اجابته وانجاح طلبته لان الميسور لا يسقط بالمعسور وقد احببت ان تأتيني عند فراغ البال وعدم تراكم الاشغال لادي (كذا) بعض حقها على التحقيق واشير الى امور عجيبة غريبة لم‌ يخطر بالبال ولم‌ تجر على خيال وجعلت كلامه سلمه الله تعالى وادامه متنا وجوابي كالشرح له كما هو شأني في اجوبة المسائل والله المستعان وعليه التكلان في كل آن

قال سلمه الله وايده : بسم الله خير الاسماء والحمد لله والشكر له على جميع ما انعم به علينا من الآلاء وصلى الله على محمد سيد الانبياء واهل بيته الهداة النجباء وبعد فيا مولينا قد من الله علينا بوجودك ووفقنا للعلم بطريق الاستضائة بعلمك بسؤال ما جهلناه وطلب التنبيه عما اعقلناه قد اشكل عليّ بعض كلمات السالفين كقول بعضهم كان موجودا قبل وجود السموات والارضين والافلاك ثم قال هذا القائل ولا يتوهم احد انها كانت موجودة كما هي موجودة الآن وانما هي قدرة اخرجها الله تعالى فاكشف لنا باي كيفية وجوده وما المراد من الحرف وما حاله باعتبار السبق وهل يعقل سبقه عليه كليا ولو تغييرا او لا وهل هو في الازل سابقا عليها او على الازل وعليها وما المراد من عدم توهم مساواة وجودها قبل وجودها الآن وما المراد من الحصر بانما في كونها قدرة اخرجها الله تعالى

اقول اعلم الحرف سر غيبي ونور الهي كان مخزونا ومكنونا تحت حجاب الواحدية في عالم الكينونة بسر البينونة فنزل من ذلك الحجاب الاعظم الى اطوار الوجودات الكونية بمراتبها واحوالها وتفاصيلها واجمالاتها فانقسمت بالقسمة الاولية الى قسمين امكانية وكونية والثاني ينقسم الى قسمين تكوينية وتدوينية والاول ينقسم الى اقسام كثيرة لا تحصى جزئياتها الا ان كلياتها ثلثة وثلثون كما عن مولينا الرضا صلوات الله عليه في حديث عمران الصابي اربعة منها استسرت بل تجللت بالسر وواحدة منها ابطنت في ظاهر القشور ومبادي الستور ( الشؤن خ‌ل ) وثمانية وعشرون ظهرت وهي الحروف الظاهرة للخلق وهي معنى قول مولينا الرضا عليه السلام وخمسة منها تحججت الا انه على التفصيل الذي ذكرنا فخذ ذا ودع عنك التفاصيل التي ذكروها في قوله عليه السلام تحججت فانها لا تسمن ولا تغني من جوع وان احببت الاشارة الى ما لم‌ يشر اليه احد من العلماء ولم‌ يخطر ببال شخص من الازكياء فاستمع لما يتلى ان هو الا وحي يوحى

فالحرف الاول اي السر المقنع بالسر والمجلل به وهي النقطة الغير المحدودة بالحدود التي هي بالحروف غير مصوتة ( مصوت خ‌ل ) وبالشخص غير مجسدة ( مجسد خ‌ل ) وبالتشبيه غير موصوفة ( موصوف خ‌ل ) وباللون غير مصبوغة بريئة ( مصبوغ بريء خ‌ل ) عن الامكنة والحدود مبعد عنها ( عنه خ‌ل ) الاقطار محتجبة ( محتجب خ‌ل ) عن حس كل متوهم مستترة ( مستتر خ‌ل ) غير مستورة ( مستور خ‌ل ) والحرف الثاني حركة النقطة وهي حركة ذاتية وميل حقيقي وشأن وجودي ظهرت من نفسها واستقرت في ظلها ودارت على مبدئها واستدارت ببارئها والحرف الثالث نسبة النقطة الى الحركة وميلها اليها وارادتها لها ارادة ذاتية ومناسبتها لها مناسبة حقيقية والحرف الرابع نسبة الحركة الى النقطة لانها لو لم ‌تكن من الطرفين لم‌ يتحقق الوجود من البين وهذه الاربعة هي التي ذكرنا ( ذكرنا انها خ‌ل ) استسرت ( استقرت خ‌ل ) وتجللت بالسر فاذا تحققت هذه الاحرف الاربع تكونت الالف وهي اللينية وهي التي ذكرنا انها ابطنت وهي مادة المواد وحقيقة الحقايق واسطقس الاسطقسات ونور الانوار ومنها نشأت الحروف وعنها بدات واليها عادت فاول متولداتها الالف المتحركة المشار اليها بالهمزة وهي الظاهرة في مفتتح الحروف ثم الالف المبسوطة وهي الباء التي ظهرت الموجودات منها كما قال صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم وهكذا الى آخر الحروف الثمانية والعشرين فالحروف ثلاثة وثلاثون كما عن الرضا عليه السلام كما تقدم وتسعة وعشرون باضافة الالف اللينية اليها اضافة الاب الى اولاده والكلي الى الافراد المتحصلة منه كما عن النبي صلى الله عليه وآله وثمانية وعشرون كما هي المعروفة المتداولة واما الحروف التكوينية من هذه المراتب فكما هي مذكورة في دائرة العقل من المراتب واما التدوينية فهي على اربعة اقسام :

فكرية وهي ما يتخيلها الانسان من صورة الحروف فانها حروف غيبية لها تأثيرات حقيقية

وعددية وهي قوى الصور الجزئية وروحها وسرها وغيبها منشأ الآثار ومبدء خفيات الاطوار وهي موضوع علم الاوفاق الذي بتأثيراته ملأ الآفاق

ورقمية وهي المكتوبة المنقوشة التي هي جاذبة لروح من الارواح ونور من الانوار على حسب استعدادها وقابليتها من النورانية والظلمانية والعلوية والسفلية

ولفظية وهي الحروف الملفوظة التي يتلفظ بها الانسان وآثارها ظاهرة وتأثيراتها بينة

فاذا اجتمعت هذه الاربعة كان لها تأثير عظيم في العالم العلوي والسفلي ولما كانت العوالم متطابقة وامر الله تعالى واحدة كانت هذه المراتب المذكورة والاقسام المعدودة للحروف كلها مترتبة في الوجود متنزلة من الغيب الى الشهود واليها الاشارة في قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالحروف الامكانية مقدمة على جميع المراتب كلها تقدم العلة على معلولاتها ( معلولها خ‌ل ) وهي اذ ذاك امكانات ذكرية مستجنة في غيب الذكر الاول وهي المشية استجنانا ذكريا لا وجوديا كونيا كاستجنان الشجرة في النواة والانسان في النطفة وهذه الحروف هي قدرة فعلية اخرجها الله سبحانه وتعالى لايجاد الكاينات والمكونات وهي القدرة التي استطال بها على كل شيء مذروء ومبروء وهي امر الله الذي قامت به السموات والارض وهو قول كن كما اشار اليه عز ذكره بقوله انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له وهذه القدرة التي تنزلت بالحروف هي الفعل والحركة الايجادية الغير المحدودة بالحدود والغير الظاهرة في الاحساس والشهود لا هيئة لها ولا كيف ولا تعبير عنها بلفظ ولا حرف وهو قول مولينا الصادق عليه السلام في الدعاء بدت قدرتك يا الهي ولم تبد هيئة فشبهوك وجعلوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لم يعرفوك يا سيدي وهذه القدرة ربما يعبر عنها في مقام التفهيم والتبيين عند التعلق لا في نفسها بالالف عند النظر الى الوجه الاعلى وبالكاف عند النظر الى الوجه الاسفل ولهذا ترى الحروف المقطعة في اوايل السور في النصف الاول من القرآن كلها مبدوة بالالف والتي فيها في الآخر مبدوة بالكاف والتي فيها في النصف الآخر مبدوة بالكاف لان القرآن فيه ذكر العالمين عالم المبدء وعالم المنتهي والعالمان متطابقان كما قال عز وجل كما بدءكم تعودون وما اذا كانت مصدرية يكون التقدير بدءكم عودكم الا ان في البدء بساطة يعبر عنها بالالف والعود لتكثره ( كثرة خ‌ل ) لكونه مقام التعلقات والروابط يعبر عنها بالكاف وكلاهما واحد يختلفان في الحكم من جهة التعلق وهنا اسرار كثيرة كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور

وهذه الحروف الامكانية المستجنة في غيب الفعل الذي هو القدرة لما تعلقت بآثارها بتعلق الفعل ظهرت الحروف الكونية وفصلت الحروف الامكانية كما فصلت هيئات حركة اليد بتفصيل المداد الواحد بالهيئات والصور الرقمية والنقشية وتلك الحروف الكونية ظهرت بآثارها واشعتها في هذه الحروف التدوينية بمراتبها وكل حرف من هذه الحروف حاكية مثال حرف من الحروف الكونية جاذبة آثارها وتأثيراتها كالبلورة الجاذبة لحرارة الشمس عند مقابلتها اياها وفاعلة فعلها وهذه الحروف الكونية مقابلة للحروف الامكانية المستقرة في ظل الكينونة الظاهرة بالفعل والامر الايجادي وهي القدرة التي بتأثيرها وجدت الموجودات وبآثارها سكنت السواكن وتحركت المتحركات ففي كل حرف تظهر تلك الآثار والاطوار اذا صحت المقابلة وتحققت المواصلة وبعض احوال وطرق المقابلة مشروح في كتب علماء اهل هذا الفن ولذا ترى يظهر بمراعاة تلك الشرايط والاحوال آثار ( احوال الآثار خ‌ل ) عجيبة غريبة في الاطوار العلوية والسفلية كل ذلك لتصحيح المقابلة التي هي علة لجذب تلك الآثار الحقيقية كما مثلنا لك بالشمس والبلور فعلى ما فصلناه ( فصلنا خ‌ل ) بالاشارة تبين لك حقيقة الحروف وحالها باعتبار السبق وان هذا السبق ليس في الازل لانه ذاته عز وجل وليس فيه غيره تعالى بكل معنى لا حرف ولا لفظ ولا معنى وانما السبق باعتبار وجودها في عالم الفعل والمشية والارادة والكاف المستديرة على نفسها وليس وجود هذه الحروف الموجودة عندنا على هذا التفصيل في الفعل وجودا استجنانيا ولا من حقيقة واحدة وانما كانت هذه الحروف ظلا وشعاعا لتلك الحروف المستجنة في الفعل نسبتها اليها نسبة الشعاع الى الشمس الا انه لا فرق بينه وبينها الا انها شعاعها واثرها وتلك الحروف المستجنة في الفعل انما هي مستجنة فيه استجنان صلوح وذكر لا عين وكون تفصل عند التعلق كالسرير والصنم والباب والضريح وغيرها المستجنة في الخشب فاذا تعلق الفعل ظهرت الحروف التي هي علة لما عداها وهو قبل التعلق شيء واحد يعبر عنه بالقدرة مرة وبالرحمة والعلم والكلمة والولاية المطلقة وامثالها اخرى فافهم ما اشرنا اليه لك من السر الحق والكبريت الاحمر ولو اردنا شرحها وبيانها على التفصيل لطال بنا الكلام وفي ما ذكرنا كفاية لذوي الافهام ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال سلمه الله تعالى : وقال ايضا ان الله تعالى لما خلق اللوح والقلم وقال له اكتب فقال ما اكتب فنظر اليه بنظر الهيبة فقطرت من رأسه قطرة فنظر اليها بعين الكبرياء فصارت همزة فنظر اليها بعين العظمة فامتدت الفا فقال تعالى لاجعلن هذا الحرف مبدأ اسمي الاعظم بحذف مني في العبارة غير مغير لما اشتمل عليه من المراد حيث اردت اختصارها وما معنى قولهم فالالف محتو على عجاب الملكوت وعظمة اللاهوت وهيبة الجبروت وما معنى تعليلهم بانه لم يكن من القلم نقطة الا بعد تجليه تعالى له بعين الهيبة وبان النقطة غشيت من النور الالهي والجلال الذاتي فبعده ماعت فصارت همزة فهي لم تظهر الا بعد تجلي الهيبة فصارت متغذية بنور الهيبة فما المراد من احتوائها وما المراد من التعليل وما معنى التغذية بنور الهيبة

اقول اعلم ان اللوح والقلم لهما اطلاقات كثيرة مستفادة من اخبار اهل البيت عليهم السلام ويختلف احكامهما ( احكامها خ‌ل ) بحسب كل اطلاق في كل مقام واما في هذا المقام فالمراد بهما ليس ما هو المتعارف المتبادر عند الاطلاق عند علماء هذا الفن لان المراد عندهم من اللوح هو الباء والمراد بالقلم هو الالف المتحركة وهذا لا ينطبق على ما في السؤال لان الهمزة التي هي الالف المتحركة انما تكونت بالقلم بل القطرة الساقطة من رأسها فنقول المراد بالقلم في هذا المقام هو القلم الاعلى وهو اول غصن اخذ من شجرة الخلد وهو غصن من الياقوت الاحمر واللوح ثاني غصن منها وهو من الزبرجد الاخضر قد بسط الى سبعين ‌الف شبر في مثله والغصن هو نفس الشجرة والثاني هو نفس الاول قال تعالى وانفسنا وانفسكم والعبارة الظاهرة هي ان القلم نفس المشية الكلية وفلك الولاية المطلقة لان بها فصل الله سبحانه كلماته وحروف معاني خلقه في ما قضاه ودبره ورتبه في ملكوته فيكون قلم الكاتب في انشاء الكتاب التكويني واللوح ارض الامكان الراجح ورتبة الزناد القادح ولما خلق الله اللوح بالقلم اي المشية وارض الامكان التي هي محلها وموقع نجومها ومهبط احكامها ومخزن علومها قال له اكتب والكتابة هي اثبات الحقايق والذوات والصفات واللوازم والمتممات والمكملات من حروف الكلمات الدالة على مراد الله سبحانه في الايجاد والانوجاد وشرح اسمائه وصفاته وكينونات ( كينونة خ‌ل ) رحمته وكل ذلك لما كان بالمشية والفعل وكان امر الله سبحانه جاريا على الاختيار من غير جبر واضطرار امره سبحانه بالامر الاختياري وقال له اكتب ولما كان الفعل بتعلقه بالامكان حصل له جهتان والخطاب للمجموع المركب المختار المتحصل من تينك الجهتين ونظرا الى الجهة السفلى كما هو شأن المكلف المختار من حيث وقوع التكليف والخطاب لانهما يقعان على الشيء من حيث هو وتلك الجهة جهة عقلية وادبار وتذلل وانكسار وعجز ونقص واعدام اجاب متحيرا و( او خ‌ل ) تكلم متفهما وانه ليس عندي شيء والفيض والعلم والنور كله عندك وقال ما اكتب وانا من حيث انا لا اعلم شيئا ولا اقدر على شيء وهذا عند ذهوله عن الجهة العليا والمبدء الاعلى ولما كان هذا السؤال من جهة انيته ومهيته الضعيفة الجاهلة واراد سبحانه ترقيه الى الجهة العليا ليظهر به مجاري اقضيته واقداره كما يشاء بما يشاء فنظر اليه تعالى بنظر الهيبة ليجذبه اليه ويذيب جموده ويوجهه الى عالم النور ويوصله الى مقام السرور ولا شك ان حرارة التجلي اذا وقعت على جمود المهية الباردة البعيدة عن النور تستدعي الذوبان والرطوبة ولذا قالوا ان الحرارة نكحت ( نكحت البرودة خ‌ل ) تولدت ( تولد خ‌ل ) منهما الرطوبة ولذا قطرت من رأسه قطرة وهذا الرأس هو وجه الفعل المختص بالمفعول الاول المنفصل عنه مثل هيئة حركة اليد المناسبة للمكتوب فهناك هيئتان احديهما للحركة والثانية للمفعول المطلق وهما متطابقتان ( متطابقان خ‌ل ) كل واحدة على طبق الاخرى يعني تكون الثانية على مثال الاولى ( الاول خ‌ل ) كما تجد من حركة يدك المتعلقة بالالف مثلا

ولما كان المفعول الاول من حيث تعلق الجعل به في كمال البساطة والذوبان والسريان في جميع اطوار القيود والحدود عبر عنه بالقطرة حيث انه وجه واحد من وجوه المشية الكلية ولما كان المفعول من حيث هو مفعول ظاهر الفعل والفاعل وهو في رتبة السافل وعالم الظهور الحامل فعبر عن تعلق فعله سبحانه وتعالى به لتعينه وحدوده وتشخصه بالكبرياء لانها ظهور الحق سبحانه في عالم الكثرة الشهودية فقال فنظر اليها بعين الكبرياء فصارت همزة ولما كان المفعول الاول له جهتان جهة الوجود وجهة المهية وكل منهما يستدعي جعلا على حدة فعبر عن الجعل المتعلق بالوجود بنظر الهيبة وعن الجعل المتعلق بالمهية بنظر الكبرياء وانما عبر عن الجعل بالنظر لان الجعل هو توجه الجاعل الى المجعول بالايجاد على جهة القهر والغلبة والعزة والهيمنة وهو مفاد النظر بنظر الهيبة والكبرياء والمراد بالهمزة هنا الالف المتحركة ويعبر عنها بالالف القائمة كما ان المراد بالقطرة النازلة من رأس القلم الالف اللينية والهمزة في مقابل العقل الكلي يربيها اسم الله البديع

ثم لما اراد الله سبحانه وتعالى ايجاد الحروف من التكوينية والتدوينية وكانت الحروف انما تفصلت من الالف المعبر عنها بالهمزة في هذه العبارة في التكوين والتدوين اما التكوينية فمن اقبال العقل وادباره واما في التدوينية فمن تنزلات الالف وانبساطاته ولذا حصل من انبساط الالف الباء ومن ميل الالف على ( الى خ‌ل ) الباء الجيم ومن انبساط الباء الحاصلة من انبساط الالف الدال ومن ميل الباء على الدال الهاء وهكذا ساير الحروف ولما كان هذه الجهات والنشآت لا تكون الا بالجعل الالهي فقال فنظر اليها بعين العظمة فامتدت الفا والنظر اليها بعين العظمة تعلق الجعل بادبارها وتنزلها اي الهمزة المعبر عنها بالعقل في الحروف التكوينية وبالالف المتحركة في التدوينية والعظمة هو ظهور الحق سبحانه في عالم الكثرة الغيبية وعبر بالكبرياء عن الاول وان كان بالنسبة الى هذه المرتبة غيبا لبيان كونه من عالم الظهور والشهود بالنسبة الى عالم الامر المعبر عنه بالقلم في هذا المقام ولما كان هذه الرتبة مقام الكثرات ومقام تنزل العقل الى النفس المستدعي للنقوش والهيئات والنسب والاضافات وكان غيبا بالنسبة الى عالم الملك عبر عن توجه العناية الى هذه الرتبة بتعلق الفعل بها نظر العظمة فامتدت اي انبسطت وتشعبت فكانت الفا وهذه هي الالف المبسوطة عند اهل هذا الشأن ويعبر عنها بالباء في البسملة وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله على ما رواه ابن ابي ‌جمهور في المجلي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم ولما كانت البسملة هي الاسم الاعظم بنص روايات متكاثرة ( متكثرة خ‌ل ) جعل الله سبحانه الالف المبسوطة الذي هو مبدء ظهور العوالم وامتياز النشآت في مبدئها واليه الاشارة بقوله فقال تعالى لاجعلن هذا الحرف مبدء اسمي الاعظم وهو الاسم الاعظم المهيمن على كل العالم الجامع لجميع ما في القرآن من السر المعمى والرمز المنمنم ولك ان تجعل هذا الاسم الاعظم هو اسم الله والالف المبدوة به انما هو الالف المبسوطة ظهرت على وجه البساطة حكاية لعالم الوحدة وتحرزا عن عالم الكثرة ففي عالم الوحدة والاجمال مبدء الاسم الاعظم الله وفي عالم الكثرة والتفصيل مبدء الاسم الاسم بسم الله الرحمن الرحيم وقد ذكرت لك الوجهين وكشفت لك القناع من البين وهنا وجوه اخر تركتها خوفا من فرعون وملأه الا ان جنابك تدركها ( يدركها خ‌ل ) بلطيف الاشارة مما لوحنا بصريح العبارة

واما معنى قولهم فالالف محتو على عجايب الملكوت وعظمة اللاهوت وهيبة الجبروت فاعلم ان الالف بصورته الظاهرة المعبر عنها بالالف المبسوطة المشار اليها آنفا محتوية على عجايب الملكوت لانه عالم النفوس ومحل الهيئات والنقوش وكلها تفرعت منها وتشعبت عنها وهي الاصل والاصل محتو على جميع كمالات الفرع وهي العجايب التي احتوتها الالف المبسوطة والالف بسرها وغيبها ونقطتها محتوية على عظمة اللاهوت وهي مشتقة من اللاهوتية اي اللاتعين والتشخص وهو الفؤاد وباب المراد ومقام الاتحاد والمبدء الذي هو المعاد فنور ( بنور خ‌ل ) العظمة الماحي لكل ما سواه والفاني كل ما عداه والغاشي بنوره عالم الملك والملكوت والجبروت هو الاسم الذي بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه ( عن خ‌ل ) الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وكذا الالف باول تنزلها في معناها وظهور الصور المستجنة فيها محتوية على هيئة الجبروت لانها مبدء عالمها وسر حقيقتها ومنها تشعبت وعنها تفرقت واليها عادت والاصل محتو لجميع كمالات الفروع وانما نسب العجايب الى الملكوت والعظمة الى اللاهوت والهيبة الى الجبروت لان الملكوت مقام الكثرة واختلاف الاشياء باطوارها واكوارها وادوارها واوطارها ولوازمها وشرايطها ومتمماتها ومكملاتها وعناصرها وطبايعها وقرانات نسبها المتولدة ( المولدة خ‌ل ) منها من العجايب والغرايب ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واللاهوت مقام الفناء وزوال الاشياء واضمحلالها وظهور التجلي الماحي لوجود المتجلى له والتجلي انما هو مقدار سم الابرة من نور العظمة على ما روي عنهم عليهم السلام والجبروت مقام القهر والغلبة والاستيلاء واستجنان تلك الكثرات وخمود الانيات وعدم ظهور اطوار الكاينات وهي تستدعي الهيبة المستدعية للعزة فافهم

واما حصول النقطة من القلم بتجليه تعالى له بعين الهيبة فتبين لك مما ذكرنا من ان القلم هو المشية والنقطة هي المبدء الوجود المقيد والنظر اليها بعين الهيبة تعلق الجعل باقتران المهية النوعية الكلية بها وجعلها مبدء ومهيمنا على ما سويها مستقرا للكثرات فالقى مثال هيبته سبحانه في هويتها لهذا القهر والغلبة وهو زمام الله المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول ومن هذه الجهة قال وهيبة الجبروت كما قدمنا

واما غشيان النقطة بالنور الالهي والجلال الذاتي فظاهر لما ذكرنا من انه وجه التوحيد وحجاب التفريد والتجريد وميعانها عبارة عن تنزلها وارتباطها الى الحدود والمهية فهي ميعان يتعقبه جمود ولذا كانت همزة وهي على اصطلاحهم العقد الاول بعد الحل الاول واما ظهورها بتجلي الهيبة فكما ذكرنا آنفا من بيان كون الهيبة بعد العظمة وتغذيتها بنور الهيبة استمدادها من ذلك المثال واتصالها بذلك الجلال فقد تبين من هذا البيان التام المراد من الاضواء والتعليل والتغذية فافهم راشدا موفقا

قال سلمه الله : وما معنى قول السيد الجليل آصف بن برخيا الحرف سر من اسرار مخزون في خزائن علمه في ناحية من نواحي الغيب لا يعلمه الا الله والحرف هو سر مكنون والنور المخزون الى آخره فما المراد بقول هذا السيد وما معنى كونه مخزونا وما المراد من كونه في ناحية من نواحي الغيب وما معنى نفي علمه مطلقا الا الله وكيف يكون معنى هذا الكلام مع ملاحظة بكم بدء الله وبكم يختم مع الالتزام بكونهم عليهم السلام العلة بمعانيها الاربع افدنا مأجورا ولازلتم مسددا مؤيدا مكلوءا وليس لنا حق نطالب نفسك الزكية به في المبادرة الى تشريف عبدك بالاستضائة بلمعة من انوار اهدائك والسلام على مولاي اولا وآخرا

اقول اما معنى قول السيد الجليل المذكور ان الحرف سر من اسرار الله فامران

احدهما ان المراد بالحرف هو حرف الكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر وقامت به السموات والارضون وظهور الحروف في المرتبة الثالثة من هذه الكلمة الطيبة فان اول مراتبها النقطة وثانيها الالف المعبر عنها بالنفس الرحماني الاولي وثالثها تحديد الالف بالحروف وتكون الحروف المختلفة الفعلية التي بها قوام الموجودات الكونية والعينية ورابعها الكلمة التامة التي تألفت من تلك الحروف وخامسها الدلالة الحاصلة من اثر تلك الكلمة وهي مادة المواد وهيولي الهيولات وعنصر العناصر واسطقس الاسطقسات وبها اي بتنزلها بالحدود والتشخصات تكونت اطوار الموجودات فقوام الموجودات وملاكها بهذه الحقيقة التي هي دلالة الكلمة الاولية واثرها فقوام الدلالة بالكلمة قوام الشعاع بالمنير وقوام الكلمة بالحروف قوام المركب بالاجزاء وقوام الحروف بالالف قوام المفصل بالمجمل وقوام الالف بالنقطة قوام الظهور بالبطون ولما كان الاثر لا يمكن له الارتقاء الى حقيقة ذات المؤثر وقد دلت الادلة القطعية ان كلمة كن هي العلة المؤثرة بالله سبحانه وتعالى في الوجود والخلق كله آثارها فلا يلحق الاثر وان ترقي بحقيقة ذات المؤثر ففعل المؤثر بالنسبة الى الاثر سر لا يصل اليه الاثر بحال من الاحوال فالحروف الظاهرة في تلك الكلمة اي كلمة الفعل سر من اسرار الله مخزون في خزائن علمه وهو العلم الحادث وعالم الامكان اي اعلا مقاماته فهذا السر الذي هو الحروف مخزون في الكلمة التامة وهي مخزونة في عالم الامكان الراجح والامكان الراجح مخزون ( مخزونة خ‌ل ) في رتبة مقامه ( مقامه فهي خ‌ل ) لا يصل اليه الامكان الجايز بحال من الاحوال لانقطاع الاثر عند ظهور فعل المؤثر فهذه الحروف هي سر من اسرار الله كما ذكرنا وقوله في ناحية من نواحي الغيب الغيب هو الامكان الذي مالبس حلة الكون فله نواحي احديها الكلمة المذكورة اي الفعل والمشية الامكانية والثانية الحروف العاليات والثالثة الالف والرابعة النقطة والخامسة محلها اي الكلمة ومتعلقها اي الامكان الراجح وذكر الاشياء فكانت الحروف في الناحية العليا من نواحي الغيب فلا يعلمه الا الله لان كل ما سوى الله دونه وتحت رتبته فلا يصلون اليه لان العلم والوصول شرطه ( شرط خ‌ل ) اتحاد الرتبة وهو هنا منتف فلا يعلمه احد الا الله وهذه الحروف هي بحر القدر او الكلمة بحر القدر وفي قعرها شمس تضيء وهي الالف على الاول والحروف على الثاني لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير لان منها امدادات الاشياء واصل البداء فلا يحيط الا الخارج عن عالم الامكان وفيها ( منها خ‌ل ) الاجل المسمى الذي قال تعالى واجل مسمى عنده فافهم

وثانيها ان المراد بالغيب هو الغيب الكوني وهو على قسمين ذاتي ووصفي فالذاتي هو الجواهر القدسية كالنفوس المجردة والارواح الرقايقية والعقول القادسة والوصفي هو اللطايف الظاهرة بالحدود الحروفية الحاملة لسر من الاسرار الالهية الفعلية وهي مخزونة في الخزاين الغيبية قبل ظهورها في النشآت الجسمية على الصور اللفظية والرقمية والنقشية فهي حدود صور قائمة بامر الله حاملة لفعل الله مخزونة في غيب الله لا يعلمها احد الا الله او من علمه سبحانه ممن ارتضيه او اجتباه وهو قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فالحرف هو السر المكنون في الخزاين الغيبية الكونية في المراتب الوصفية والنور المخزون المشرق من شمس المشية على آفاق العوالم الغيبية الظاهر في العالم الجسماني بالحدود التدوينية ولما كان هذا الغيب كما ذكرنا له ناحيتان ناحية الذات والتكوين وناحية الصفات والتدوين وكل منهما مشتمل على نواحي هي مراتبها وكلاهما مخزونان فوق عالم الشهادة كل في مقامه على حسبه وقال السيد الجليل الكريم في ناحية من نواحي الغيب وهي الناحية السفلى دون العليا بعكس الاولى فقد ظهر من هذا البيان العام الخاص المراد من كون الحرف مخزونا في الخزانتين الامكاني والكوني والمراد من كونه في ناحية من نواحي الغيب الغيب الامكاني والكوني ايضا

واما معنى نفي علمه مطلقا لغير الله اما في الغيب الامكاني في الحروف التي في الرتبة الثالثة من مراتب الفعل فذلك لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى ولا ينافي ذلك كون آل‌محمد سلام الله عليهم بهم بدء الله وبهم يختم وانهم العلل الاربع لان ذلك في عالم الكون دون الامكان لانهم الفقراء المحتاجون الى فيض الله ومدده فان كانوا محتاجين الى ما عندهم فذلك تحصيل للحاصل بل محال لا يعقل وان كان ( كانوا خ‌ل ) الى ما ليس عندهم فلا يعلمونه الا عند ما وصل اليهم وان الاحاطة بالشيء لا يكون الا بالخروج عن دائرته وهم سلام الله عليهم لا يخرجون عن دائرة الامكان ولا يدخلون في دائرة الوجوب فلا يزالون يتجددون في العلم آنا فآنا وساعة وفي ليالي الجمعة وليالي القدر وغير ذلك فهم لا يحيطون بعلمه الا بما شاء كونه وكونهم العلل الاربع في عالم الاكوان لا ينافي استمدادهم من عالم الامكان مع ملاحظة انه ما سبقهم سابق ولالحقهم لاحق ولا يطمع في ادراكهم طامع وانما تكون المنافاة عند توهم الاستقلال دون الاضمحلال ولا يحتاج جنابك الى تنبيه ازيد مما ذكرنا واما في الغيب الكوني فلا يعلمون الا بتعليم من الله بمدد جديد كما ذكرنا سابقا فكلما في عالم الاكوان في جميع خزائنها من الغيب والشهادة فانهم عليهم السلام يعلمونه بتعليم الله لا بانفسهم وكل ما في عالم الامكان لا يعلمونه الا حين ما يلبس حلة الكون وان شاؤوا ان يعلموا قبل ذلك فيعلمهم الله تعالى بذلك وهو معنى قولهم عليهم السلام متى شاؤوا علموا فافهم فهمك الله تعالى

قال سلمه الله : وما المراد من كلام اندلسين والزماطرة ان ارواح الحروف دائمة الفيض والهبوط ابد الآباد من العالم الاعلى على اشكال الحروف الموجودة في العالم الآدمي الانساني وهذه الارواح ابدية الفيض ودائمة الهبوط على الدوام قائمة مقامها الذي خلقت منه لزمت ما التزم منه الافلاك ملازمة فيض الارواح على اشكالها سيدي افدني هل المراد بالارواح القوى اللازمة لها او الاعداد الواقعة او غيرها وما المراد من العالم الاعلى ومن الاشكال الموجودة في العالم الآدمي وما ابدية الفيض وما دوام الهبوط وما معنى قيامها مقامها الذي خلقت له وما لزمت من الالتزام المشارك للافلاك نور بصري بطلعة شمس الهدى في فلك جواب البصيرة وفقني الله للقيام بخدمة خطابك

اقول اعلم ان ارواح الحروف تطلق ويراد بها معان : منها صورها الفكرية والخيالية والنفسية ومنها قواها العددية ومنها اركانها الطبيعية ومنها طبايعها العنصرية ومنها نقطة وجودها وحقيقة ظهورها وشهودها وقطب تأصلها وتحققها والمراد بالارواح هنا تلك النقطة الحقيقية المبدئية ( البدنية خ‌ل ) المقابلة لفوارة القدر بامر مستقر الملازمة في النظر والتوجه والالتفات لقطب المشية وفلك الولاية المطلقة ولما كان فيض الله سبحانه لا ينقطع بل دائما يزداد ويتجدد فاول ما يبرز من المشية يقع على تلك النقطة تنبسط الفا وتتحدد الالف حروفا كل حرف حامل وجه من وجوه ذلك الفعل الكلي ظاهر على هيئة ( هيئته خ‌ل ) مطابق للاسم الالهي المربي لتلك الحقيقة فاول الفيض الظاهر من اسم الله البديع على هيئة الالف المتحركة في الحروف الكونية فاستمد منها العقل ثم الفيض الظاهر من الاسم الباطن على هيئة الباء فاستمدت منها النفس ثم الفيض الظاهر من اسم الله ( الله الظاهر خ‌ل ) على هيئة الجيم في الحروف الكونية فاستمدت منها الطبيعة ثم الفيض الظاهر من اسم الله الآخر على هيئة الدال فاستمدت منها المادة الكلية ثم الفيض الظاهر من اسم الله الظاهر على هيئة الهاء فاستمد منها شكل الكل ثم الفيض الظاهر من اسم الله الحليم على هيئة الواو فاستمد منها جسم الكل ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحيط على هيئة الزاء فاستمد منها العرش محدد الجهات ثم الفيض الظاهر من اسم الله الشكور على هيئة الحاء فاستمد منه ( منها خ‌ل ) الكرسي ثم الفيض الظاهر من اسم الله الغني على هيئة الطاء فاستمد منه فلك البروج ثم الفيض الظاهر من اسم الله المقتدر على هيئة الياء فاستمد منه فلك المنازل ثم الفيض الظاهر من اسم الله الرب على هيئة الكاف فاستمد منه زحل بفلكه ثم الفيض الظاهر من اسم الله العليم ( العلي خ‌ل ) على هيئة اللام فاستمدت منه فلك المشتري ثم الفيض الظاهر من اسم الله القاهر على هيئة الميم فاستمد منه فلك المريخ ثم الفيض الظاهر من اسم الله النور على هيئة النون فاستمد منه فلك الشمس ثم الفيض الظاهر من اسم الله المصور على هيئة السين فاستمد منه فلك الزهرة ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحصي على هيئة العين فاستمد منه فلك عطارد ثم الفيض الظاهر من اسم الله المبين على هيئة الفاء فاستمد منه فلك القمر ثم الفيض الظاهر من اسم الله القابض على هيئة الصاد فاستمد منه كرة النار ثم الفيض الظاهر من اسم الله الحي على هيئة الراء فاستمد منه كرة الهواء ثم الفيض الظاهر من اسم الله المحيي فاستمد منه كرة الماء ثم الفيض الظاهر من اسم الله المميت على هيئة الشين فاستمد منه التراب ثم الفيض الظاهر من اسم الله العزيز على هيئة التاء فاستمد منه المعدن ثم الفيض الظاهر من اسم الله الرازق على هيئة الثاء فاستمد منه النبات ثم الفيض الظاهر من اسم الله المذل على هيئة الخاء المعجمة فاستمد منه الحيوان ثم الفيض الظاهر من اسم الله القوي على هيئة الذال المعجمة فاستمد منه الملك ثم الفيض الظاهر من اسم الله اللطيف على هيئة الضاد المعجمة فاستمد منه الجن ثم الفيض الظاهر من اسم الله الجامع على هيئة الظاء المعجمة فاستمد منه الانسان ثم الفيض الظاهر من اسم الله رفيع الدرجات على هيئة الغين فاستمد منه الغوث والقطب الجامع في الرتبة المذكورة

وهذه المذكورات هي تمام اركان الوجود الكوني ومراتبه لا يشذ منها شيء وهي متقومة بهذه الاسماء الظاهرة بهذه الحروف فكل حرف حامل اسم من فعل وبذلك يكون عاملا فيهما يؤدي اليهما ما حمل من الفعل فهذه الاسماء المذكورة هي كليات الاسماء الالهية المدبرة التي بها خلق الله ما خلق واعطى ما اعطى ومنع ما منع من فيضه الاقدس والمقدس وهي ارواح الحروف اي نقطة وجودها وسر كينونتها قد اشتقت من الفعل المتعلق بتلك النقطة كالقائم المشتق من الفعل حين تعلقه بالقيام وهذه الاسماء هي الارواح وهي القطب لتلك الاشباح وهي دائمة الفيض والهبوط اي النزول باشعتها واشراقات ( اشراق خ‌ل ) وجودها بالله سبحانه بالافاضة والاحداث والايجاد ولما كان فيض الله سبحانه لا ينقطع ابدا على ذرات الكاينات وانما يفيض سبحانه بالاسماء التي هي من اعظم الاسباب فاستجنت قوى تلك الاسماء في الحروف فاستدامت في الافاضة والاشراق فلا نهاية لهذه الافاضة ولذا قالوا كما ذكرت ايدك الله ان ارواح الحروف دائمة الفيض والهبوط ابد الآباد من العالم الاعلى على اشكال الحروف الموجودة والمراد بالعالم الاعلى عالم اللاهوت ووجه الحي الذي لا يموت واول متعلق المشية الذي هو محل الافاضة وهي على اشكال الحروف الكونية كما فصلنا لكم والحروف الموجودة في عالم الانساني الآدمي لها معنيان :

احدهما هي الحروف التدوينية التي يتعاطاها الانسان في اللفظ والرقم والفكر والعدد الظاهر بثمانية وعشرين حرفا هي الاولاد او تسعة وعشرين بملاحظة ابيها او بثلاثة وثلثين بملاحظة المراتب الاربع للكلمة التامة التي كل مرتبة حرف وهي الاصل القديم والاب اي اب الحروف هو الفرع الكريم

وثانيهما هي الحروف التكوينية الظاهرة بثمانية وعشرين مرتبة في العالم الانساني ( الانسان خ‌ل ) كما فصلنا لك او تسعة وعشرين بملاحظة الوجود المطلق الساري في الجميع او ثلاثة وثلثين بملاحظة ظهور المشية الكلية بتأكيدها الذي هو المصدر وهو الفعل الذي اشتق من المصدر كما زعمه مطلقا من لا حظ له في العلم والمعرفة

ومراتب المشية اربعة : الاولى هي الرحمة والسر المقنع بالسر والسر المجلل بالسر الثانية النفس الرحماني الاولى والسر المستسر والرياح المثار من شجر البحر وهو الحل الاول الثالثة السحاب المزجي وباطن الظاهر والسر والعقد الاول والرابعة السحاب المتراكم والظاهر وهذه الاربعة الظاهرة في العالم الانساني مع التسعة والعشرين تكون ثلثة وثلثين وهذه هي الحروف التدوينية والتكوينية المجتمعة في الرتبة الانسانية الحاملة للحروف الحاملة للارواح الواقفة على فوارة الفيض ابد الابدين ودهر الداهرين ولذا قالوا ان هذه الارواح ابدية الفيض دائمة الهبوط على الدوام

ولما كان كل شيء له مقام معلوم لا يتعداه ولا يتجاوزه كما قال عز وجل وما منا الا له مقام معلوم فالمفيض في مقام الافاضة لا يتنزل بذاته الى المستفيض فاذا سمعت التنزل في كلام الله كما في قوله تعالى وما ننزله الا بقدر معلوم وفي كلمات اهل البيت عليهم السلام فانما المراد به التنزل بالنور والشعاع او القشر والانجماد والا فكل شيء في مقامه هو ولذا قالوا قائمة مقامها الذي خلقت فيه ( منه خ‌ل ) اي تلك الارواح قائمة في مقامها الذي خلقت تلك الارواح في ذلك المقام وهو عالم اللاهوت وحجاب الجبروت ووجه الحي الذي لا يموت مقام البرزخية الكبرى ومرتبة الروح من امر الله ومقام يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وتلك الارواح التي هي تلك الاسماء المذكورة ظاهرة على اشكال الحروف الكونية والوصفية المذكورتين لان الاثر على هيئة صفة مؤثره والشعاع على صفة كينونة منيره ولما كان مبادي الوجود انما هي الافلاك التسعة وما سويها يستمد منها وهي تستمد من تلك الارواح فاستمداد ساير الاشياء والموجودات منها بالطريق الاولى ولذا قالوا لزمت ما التزم منه الافلاك لزمت الافلاك وما التزمت من ذلك الفيض الابدي الصادرة من تلك الارواح ملازمة فيض الارواح على اشكالها اي افاضة تلك الارواح الحرفية على الافلاك فيض الارواح على حسب اشكالها المعنوية الغيبية على القوابل السفلية او المراد بقولهم على اشكالها اي حدودها وصورها المحققة للمراتب السفلية التي هي دونها فتلك الاشكال حاملة لفيض الارواح موصلة الى غيرها من المراتب فتبين لك من هذا البيان المراد من الارواح للحروف وان المراد منها هي تلك الحقيقة الواحدة السارية في الحدود الثمانية والعشرين او غيرها على ما فصلنا وهذه الاشكال الحرفية ( الجزئية خ‌ل ) التي هي اعم من الحروف الفكرية والعددية والطبيعية المعبر عنها في كلامكم بالقوى اللازمة او الاعداد الواقعية وهي كلها حروف حاملة لفيض تلك الارواح موصلة الى محالها وقوابلها فمنها حروف جارة ومنها حروف ( الحروف خ‌ل ) المشبهة بالفعل التام او الناقص ومنها الحروف الجازمة ومنها الحروف الناصبة ومنها الحروف الرافعة وغيرها من امثالها فافهم والا فاسلم تسلم

قال سلمه الله تعالى : وما المراد بمجموع كلام السيد آصف بن برخيا ودقايق جزئياته حيث يقول ان الاشكال مقناطيس لارواحها متى صور شكلا جذب روحه اليه فيهبط ويستعد للتحريك لساعته وهذه اول مقامات هذا العلم الذي يكون منه اتصال الاعلى بالادنى وهذا اقوى دليل على تولية عالم الانساني على التصرف في الموجودات وجذب العلويات للسفليات واستخدام الجميع في العليات فالاحرف فاعلة لا محالة في الوقت وانما بقي طريق التهذيبات والتركيبات فهذا الاتصال الروحاني في مقام كن والتهذيب والتركيب في مقام فيكون فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بقدرة الله وفيضان الارواح على الاشكال من اربع جهات نور قلبي بما من الله به علينا جعلني الله وقاك من كل مكروه يصدر اليك

اقول اراد عليه السلام ان يبين في هذه الكلمات ربط العلويات بالسفليات وسر الامر في الاحكام العمليات ( احكام العليات خ‌ل ) ومنه يظهر الامر في النواميس الالهية وحقيقة الشرعيات وعلة التأثير في الاوفاق ( الاوقات خ‌ل ) والاعداد والاشكال من المثلث والمربع والمخمس وامثالها وكذا علة التأثير في الحروف اللفظية والنقشية الرقمية والفكرية والعددية وسر ان الاثر والمؤثر كل منهما في رتبة ذاتهما وحقيقتهما لا يخرج كل منهما عن مقامهما ويقع التأثير بينهما واحكام الرؤيا فانها على ما عبرت والاختلاف في طبايع الحروف وصحة عمل كل من المختلفين على اختلاف اعتقاداتهم فهاء كالباء مثلا فان جماعة زعموا انها باردة يابسة والاخرى زعموا انها حارة رطبة نقيض الاولى وكل من الفريقين يستعملها على حسب معتقده فيها فتؤثر مع ان القولين نقيضان والواقع واحد والحاصل انه عليه السلام احل في هذه الكلمات الموجزة مشكلات ورفع بها معضلات واشار الى آيات بينات فقال ان الاشكال مقناطيس لارواحها فاذا تحقق شكل اي الهيئة والصورة بقرانات اجزاء معتدلة مؤتلفة او غير مؤتلفة تناسب روحانيا من الروحانيات فتتعلق اشعته ( اشعة خ‌ل ) بها فتكون حياتها بذلك التعلق اذا استقرت المقابلة كما اذا قابلت الشمس مرايا مختلفة متعددة فكل منها تجذب شعاعا يظهر فيها على حسبها ويحكم عليه بها ويؤثر على حسبها في صفاء المرآة وكدوراتها واعتدالها واعوجاجها وبياضها واحمرارها واصفرارها وضعفها وقوتها وانجذابها وتساوي سطوحها كل منها تجذب من ذلك النور ما يناسبه وكذلك كل شكل من الاشكال جاذب بشعاع حقيقة من الحقايق العلوية والسفلية لان النور الرحماني لا يزال منبسطا فاذا حصلت قوابل ظهوره ظهر والاشكال والصور هي القابليات وهي الماهيات ( الماهية خ‌ل ) التي لازمة للوجودات على ما هو التحقيق ولذا كانت صور الطاعات والاعمال الشرعية جواذب للخير والنور تظهر آثارها لمن له عينان وفي البرزخ ويوم القيمة لكل احد وكذلك صور المعاصي جواذب الآثار ( آثار خ‌ل ) السجينية مع ما عليها من انواع الآلام والاسقام على حسب مناسبة تلك الصورة لتلك الظلمة وكذلك الاشكال في علم الاوفاق فان الشكل اذا تحقق على كمال الاعتدال جذب شعاع روحاني على حسب مقابلته وحكايته بخلاف الجارية على خلاف الاعتدال وعلى خلاف القوانين المعتبرة عندهم في ترتيب الاشكال وان كانت اشعة الروحانيات موجودة لكنها ليست قابلة للحكاية كما مثلنا لك بالشمس واشراقها على المرايا وعلى البلور وعلى الاحجار الغاسغة حرفا بحرف فالفيض الالهي موجود والصور والاشكال الواقعة على نهج القرانات المتناسبة مظهرة وحاملة جاذبة لافعاله بالقاء مثاله وقابليته لحمل القاء ذلك المثال كما في قول امير المؤمنين عليه السلام فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالمثال دائم الوجود والهوية القابلة لالقاء المثال هي تلك الصورة والهيئات

ولذا ترى الحكماء ذكروا ان الذي يريد ان يكون له ولد على هيئة وصورة خاصة يريدها يتصورها عند الجماع فانه اذا قدر الله له ولدا يكون على تلك الهيئة والصورة وقد جذبت تلك المادة لما تحققت واستقرت واستدامت وكذلك اهل الجنة كلما تصوروا شيئا حضر عندهم على حسبها لان الجاذب المقتضي موجود والمانع من خلاف الاعتدال مفقود فوجب الظهور على هيئة التصور وكذلك الرؤيا اذا عبرت على وجه انتقشت صورته في الخيال ورسخت فاستمدت وجذبت شعاع الارواح على حسبها فوقعت ووجدت كما تصورت وهكذا الحروف اذا تصورت على الهيئة الاعتدالية جذبت الروحانيات ووقع التأثير في الآن ولذا قال عليه السلام ومتى صور شكلا جذب روحه اليه فيهبط اي ذلك الروح بشعاعه لا بذاته فانه لا يخرج عن مقامه كما مثلنا لك بالمرآة فانك اذا قابلت مرآة جذبت بصفائها شعاع وجهك اليها ما القيت مثالك فيها واظهرت آثارك منها على مقدار حملها لمثالك ويستعد ذلك الشكل بما حمل من مثال ذلك الروحاني بالقاء مثاله فيه الذي هو روحه للتحريك ( للتجريد خ‌ل ) لساعته لان العلويات حيوة كله لا موت فيها فاذا ظهر في شيء يظهر آثار الحيوة التي هي الحركة في ذلك الشكل في الآن لوجود المقتضى وارتفاع المانع

ثم قال عليه السلام وهذا اول مقامات هذا العلم الذي يكون منه اتصال الاعلى بالادنى يعني هذا اي معرفة ان الاشكال مقناطيس الارواح وان الصورة السفلية جاذبة للحقيقة العلوية واشراقها ونورها او بجمودها وقشرها ومعرفة هذه الامور اول مقامات هذا العلم اي علم الحروف وعلم الاوفاق والاعداد لانها مبنية على هذا الاتصال وتأثيرها منوط على القاء هذا المثال وهذا الاتصال لا يكون الا على الوجه المناسب على نهج الاعتدال فان مباين الشيء لا يتصل به والغير المعتدل لا يظهر فيه نور الاعتدال الذي هو شأن العلويات فاول مقامات هذا العلم الذي يكون منه اتصال الاعلى بالادنى ويظهر منه التصرفات العجيبة الغريبة في العالم الاسفل معرفة هذا الجذب والنسبة وكيفية الاتصال وعلة الانفصال وفساد التدبير لعدم ظهور التأثير ثم التصرف على حسب النسبة الطبيعية وجذب تلك الارواح العلوية بحسب قرانها بالمقامات السفلية ثم اراد ان يبين علة تصرف الانسان في الموجودات وجذب العلويات الى السفليات وان ذلك التصرف من هذا الاتصال لان الانسان بصورته الانسانية على ما قال امير المؤمنين عليه السلام مجمع صور العالمين والمختصر من اللوح المحفوظ فكل صورة من تلك الصور وكل شكل من تلك الاشكال وكل هيئة من تلك الهيئات جاذبة روحانية من العلويات وبذلك يقع التأثير بحكم العزيز القدير كالبلور المقابل لنور الشمس المحرق لما يقابله بما جذب من حرارة النور ولما كانت الصور في العالم الانساني لا تحصى كثرة وعددا كان التصرفات التي يقع للانسان في مطمورة المكان والزمان في مقامات الدهر لا تحصى ولذا قال عليه السلام اشارة الى هذه اللطيفة الشريفة وهذا اقوى دليل على تولية العالم الانساني على التصرف في الموجودات وجذب العلويات للسفليات واستخدام الجميع في العمليات كما عرفت بيانه وحققت برهانه مما ذكرنا لك من سر التدبير والتقدير وصنع العزيز الخبير

ثم ذكر عليه السلام تفريعا للمقدمات السابقة بقوله فالاحرف فاعلة لا محالة في الوقت لانها اشكال بسيطه بحسب الاضافة معتدلة على كمال الاعتدال فالقيت فيها امثلة الجمال والجلال فكانت عاملة فاعلة كل حرف بما حملت من ذلك المثال لما تقرر ان الاشكال مقناطيس للامثال فتكون فاعلة في الوقت من غير تراخ ولما كان هذا التأثير والفاعلية لم تظهر في الغالب مع ان مقتضى دليله وبرهانه ان يكون كل حرف فاعلة ظاهرة بالتأثير للمقدمة المذكورة والمشهود المرئي خلافه اراد عليه السلام ان يبين علة التأخير ووجه التخلف فقال وانما بقي طريق التهذيبات والتركيبات يعني ان الاحرف وان كانت فاعلة بمقتضى المقدمة المذكورة الا ان فاعليتها لا تظهر الا بقابل مناسب فحيث لم تكن لم تظهر الفاعلية كما اذا لم توجد البلور لم يظهر احراق الشمس في العالم السفلي مثلا فالحروف ايضا كذلك فلا بد من اصلاح قابليتها لظهور تأثير حقيقتها واصلاح القابلية تكون بطريق التهذيب والتركيب من ملاحظة النسب والقرانات وتعديل الامزجة والاتصالات ووزنها بالموازين القويمة المستقيمة وتركيبها مما يناسبها ويعادلها بالميزان الطبيعي وطرح غرايب الطبايع واخذ غرايزها وربط امزجتها وملاحظة نسبة علوياتها بنظراتها ومقارناتها وملاحظة قواها واعدادها واعداد انفسها واعداد قواها وملاحظة احكام الفكرية والعددية واللفظية والنقشية وملاحظة نسبة بعضها ببعضها وملاحظة نسبتها مع الكواكب بان يعرف طبايع الحروف وطبايع الكواكب والبروج ومنازل القمر وطبايع الدرجات فيطلب الكوكب المناسب لذلك العمل ويطلب اتصالات ساير الكواكب المعينة له على ذلك العمل ثم يجمع كلما يناسب ذلك الكوكب من الاطعمة والالوان وغيرها ثم يتخذ تمثالا على صورة العمل من الجوهر المناسب لذلك الكوكب المناسب لذلك الحرف ثم يكتب صورة ذلك على كاغذ او رق مناسب ثم يضع على العضو الذي يريد احداث العمل فيه دواء مناسبا ثم يلفه ويضعه في باطن تلك الصورة ثم يلحظها بادوية تناسب المطلوب ثم يدخنها بدخان مناسب وهكذا ساير الاحوال المودوعة ( المودعة خ‌ل ) في الكتب المتكفلة لبيانها المودعة في صدور اهلها فاذا حصل التهذيب والتركيب على النظم الطبيعي فيقع التأثير في الحال

ثم اراد عليه السلام ان يبين ان هذا التأثير والتدبير ليس من نفسها وانما هو من حيث حامليتها للمشية الكلية والكلمة الالهية والحروف العاليات ومقام رفيع الدرجات لئلا يظن استقلال هذه الحروف في التأثير ولا يظن التفويض اليها في هذا التدبير بل انما المؤثر هو الله سبحانه بفعله بالقاء مثال فعله في مفعوله فقال عليه السلام فهذا الاتصال الروحاني في مقام كن والتهذيب والتركيب في مقام فيكون يعني الروح المنجذب الى الشكل الحرفي اي القدرة الظاهرة فيه لا يتوهم احد انه ( احداثه خ‌ل ) من القدرة الذاتية الالهية وانما هي روح منبعث من نور روح الله في مقام الفعل المعبر عنه بكن فهذه الحروف حملة لوجوه الفعل وحفظة لامثاله واسمائه وصفاته وبهذه الحاملية حصل التأثير بحكم التدبير والتقدير ولما كان ظهور كن لا يكون الا بيكون لانه جهة لقابلية ولولاها لم تظهر آثار الفاعلية والقابلية اذا ماصلحت ماحفظت القاء المثال الصادر من كن فاصلاح القابلية في الحروف لظهور ذلك المثال انما هو بالتهذيب والتركيب حتى يتحقق فيكون بعين قول كن فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال ثم اراد عليه السلام ان يبين ان العالم في كل حال محتاج الى المدد وفي كل وقت يجري سر كن فيكون فقال عليه السلام تحقيقا لهذا المطلب الدقيق فيحصل بهم نفع العالم في مقامي كن فيكون اي يحصل بهذه الحروف وانما اتى بجمع المذكر لبيان ان هذه الحروف بحسب هذه الحاملية ذوات متأصلة متحققة ذو آثار عجيبة غريبة ولذا اتى بجمع المذكر العاقل فيحصل بهم نفع العالم اي نفع العالم بجميع اطواره وتغييراته وتبدلاته وترقياته وتنزلاته وساير مضاره وانما خص النفع بالذكر مع ان الحكم عام في الجميع لشرف النفع وانه الاصل الوجودي وغيره المجتث العدمي وانه يذكر معه بالمضادة تلويحا وانما لم يذكرها صريحا لقوله تعالى نسوا الله فنسيهم فيكون هذا التأثير في مقامي كن فيكون بالتهذيب والتركيب فيفعل ما يشاء اي الانسان بتلك الحاملية وبما عنده من القوي الحرفية ما يشاء ويحكم ما يريد من انواع التصرفات واظهار العجايب والغرايب في الذوات والصفات بقدرة الله وفيضان الارواح على الاشكال من اربع جهات اي جهات العناصر الاربعة والاسطقسات الاربعة والعوالم الاربعة اي اللاهوت والجبروت والملكوت والملك خذ ما القينا اليك والله خليفتي عليك

ثم انه سلمه الله الحق بالمسائل المذكورة هذه المسائل :

فقال : مولاي ان من سوء الادب الاكثار في السؤال سيما بالنسبة الى خاص المقال ممن ليس له غير ما في اللوح مكتوب من الاتصال نسئل الله اتصال الرحم الروحاني منا بكم في مقام الصفا في العالم الانساني وهو اللطيف الخبير ما المراد مما ذكره ابن‌سينا حيث يقول لما انقسمت المخلوقات قسمين علوي وسفلي والعلوي روحاني والسفلي جسماني والعلوي لطيف والسفلي كثيف والعلوي مضيء والسفلي مظلم والعلوي معقول والسفلي محسوس هذا في باب الايجاد والتركيب واما في باب الفعل والترتيب فالعلوي فاعل والسفلي مفعول وضده باب الاتصال فان العلوي مطلوب والسفلي طالب وفي باب الجذب العلوي مرغوب والسفلي راغب فهذا الكلام بظاهره يعاكس ما ذكره السيد آصف بن برخيا من ان الاشكال مقناطيس الارواح فالارواح على هذا مجذوبة وفي كلام ابن ‌سينا جاذبة فكيف التوفيق

اقول ما ذكره ابن ‌سينا كلام متين رزين حق لا شك فيه ولا ارتياب ولا ينافي ما ذكره السيد آصف بن برخيا لان الاشكال جاذبة يعني طالبة راغبة والارواح مجذوبة يعني مطلوبة مرغوبة فان السافل لم يزل يطلب العالي بكله ولا التفات للعالي الى السافل الا ببعض الوجوه واما الجذب وكيفية كون الارواح مجذوبة للاشكال فقد شرحناها وبيناها في السؤال المتقدم فلانعيده واما معنى الضدية في باب الاتصال ان في مقام الفعل كان يشتق للعلوي اسم الفاعل واما في باب الاتصال ( الاتصال في مقام الترتيب خ‌ل ) يشتق اسم المفعول فيقول للعلوي مطلوب والسفلي طالب والعلوي مرغوب والسفلي راغب والعلوي مجذوب والسفلي جاذب ولا ريب ان العلوي هو المطلوب والسفلي يجذب شعاع نوره اليه لاستمداد بقائه وحفظ وجوده وكينونته وحيوته وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى واما ما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل جذب الاحدية لصفة التوحيد فبظاهره وان كان يدل على ان العلوي هو الجاذب لكنه لا منافاة ايضا في المقام فان جاذبية العلوي انما تكون عند ظهوره بقهاريته وهيمنته على السفلي فيفني عن نفسه ويغيب عن شخصه ويتوجه الى العلوي بكله كظهور النور على جبل طور المستدعي لاندكاكه وموت بني ‌اسرائيل وغشيان موسى فالعلوي جاذب بهذا المعنى ومجذوب بالمعنى الذي ذكرنا والسفلي مجذوب بهذا المعنى وجاذب بالمعنى الذي ذكرنا فافهم راشدا

قال سلمه الله تعالى : واخذ ابن ‌سينا في تقسيم الحروف ثم قال بعد وكل هذا ليتمكن العالم الانساني في هذا العلم ويقبض الزمامين ويجمع تحت دائرة وجود الامرين وهذا حد السعادة الانسانية اذ يفيض عليه روح القدس اسرار الاحرف التي بها سمى خليفة ما المراد بقبض الزمامين وما كيفية جمعهما وماذا عنى بالامرين وكيف افاضة روح القدس الاسرار وما معنى تسمية خليفة اعرب لنا من خفي ما اريد بهذه الفقرات بصريح ما يفهمه السائل

اقول اعلم ان مرادهم بقبض الزمام بسط الكلمة وحلها وتفكيكها ووضعها في بيوت الطبايع وتعديلها وازالة الاعراض والغرائب عنها الى ان يتصفى ويطلب كل جزء مناسبة وينطق كالاول وهو قوله تعالى كما بدأكم تعودون فهذا العود الذي هو عين البدو وهو الزمام وبه التمام وكثيرا ما يستعملونه في المطالب الجفرية لاستخراج المجهولات مثاله في اسم محمد صلى الله عليه

وآله فالزمام هو الاصل الذي تركب بعد التصفية وتحقق باتمام الاسفار الاربعة ولما كان العالم عالمين عالم الغيب وعالم الشهادة فيكون الزمام زمامين غيبي وشهودي اجمالي وتفصيلي علوي وسفلي مجردي ومادي ( محوي وحاوي خ‌ل ) فالمراد من هذه العبارة ان العالم الانساني في مراتب الحروف الكونية اخذ في النزول وكلما نزل حصل مرتبة وكدورة من لوازم الادبار فلما بلغ الى غاية مراتب النزول اخذ في الصعود الى ان وصل الى البدو المعبر عنه باخذ الزمام بعد ازالة الغرايب وكسر الكينونة لتصفيتها من الاعراض والامراض وصوغها ثانيا بصفايا الجواهر تلك العناصر الغير المختلطة بشيء من الغرايب وهناك تمام الامر في عالم الدهر فاذا حصل التمام والصفاء العام في العالمين المذكورين يحصل الجمع بينهما بالضرورة لوجود المقتضي الذي هو المناسبات الحقيقية والروابط الذاتية بين العالمين المقتضي لاظهار ما في العالم الاعلى في العالم الاسفل وظهور العالم الاسفل على كينونة العالم الاعلى وحصول المشابهة بهذا الجمع ورفع الاضداد مع اوائل جواهر العلل والسبع الشداد والمراد تمام الاسفار الاربعة التي هي السفر من الخلق الى الحق وفي الحق بالحق وهو الزمام الاول والسفر من الحق الى الخلق وفي الخلق بالحق وهو الزمام الثاني والجمع بين الزمامين اتصالهما بحيث يظهر آثار الحق سبحانه باسمائه الثمانية والعشرين في مرايا الخلق فانه محل الاسماء والامثال العليا وبها يظهر التجليات وانحاء ظهورات جواهر القدسيات ويقف على فوارة القدر بامر مستقر ولا مغير له عن هذه الغاية وهذا هو حد السعادة الانسانية وهو قول امير المؤمنين عليه السلام في الفلسفة من اعتدل مزاجه قوى طباعه ومن قوى طباعه ظهرت آثار النفس فيه فصار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان وقد دخل في باب الملكي الصوري وليس له عن هذه الحالة مغير وهو الكمال التام والصفاء العام

وقوله ويجتمع تحت دائرة وجود الامرين معناه ما ذكرنا في قبض الزمامين فان المراد من الامرين العالمين عالم الاسماء وعالم متعلقاتها وعالم الامر وعالم الخلق والجمع بينهما جعل السافل بمراته بعد تصفيته وتخليته عن الغرايب والاعراض ورجوعه الى مبدئه كيوم وجد من المبدء الفياض فيحكي عالم الامر وتظهر فيه اسرار الاسماء ويكون فعالا متصرفا في الاشياء فكان قائما مقام المبدء الاعلى في التصرف والتدبير وحاملا للولاية الكبرى في التصوير والتقدير كما في الخطبة في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وهي الخلافة الكبرى بل ولاية العظمى ولكل احد على حسب كينونته في قطعه لمقامات عالمه الثمانية والعشرين وظهور الاسماء الثمانية والعشرين بحسب الفرعية والتبعية والجزئية خلافة ظاهرة وبراهين قاهرة بحسب ما القى الله في هويته مثاله فاظهر منها افعاله وهذه الخلافة انما كانت بافاضة روح القدس الملك الاكبر الذي هو خلق اعظم من جبرئيل عليه السلام وميكائيل واسرافيل عالمه النور ومحله السرور ومقامه فوارة القدر ومرتبته الافاضة الى الاشياء منها بامر مستقر بواسطة الاسرار الاحرف النورانية في الحقايق العلوية والذوات النورية والاحرف الظلمانية في الحقايق السفلية والمركبات المسخوطات الظلمانية فافهم فقد تبين لك من هذا البيان معنى قبض الزمامين من انهما عود العالمين الى مبدئهما وظهورهما بصورتهما الاصلية النورانية وكيفية جمعهما يجعل السافل مرآة مقابلة مستقرة مطمئنة صافية غير مشوبة للعالي واستنارته بنوره واشراقه من فاضل ظهوره وحمله لمثاله وجريه على منواله والامرين بعالم الامر وعالم الخلق بعالم الاسماء وعالم المتعلقات وكيفية افاضة روح القدس بالاشراق بتلك المجالي والمرايا واظهار آثاره فيها كاشراق الشمس على البلورة واظهار الاحراق به وهذه هي الحروف التكوينية والحروف التدوينية على طبقها حرفا بحرف وهي مفصلة في كتب القوم من ارادها فليرجع اليها ولكن من غير قبض الزمامين في الحروف التكوينية لا يتمكن من قبضها في التدوينية وان تمكن في بعض الوجوه فلا ينتفع بها كل الانتفاع فافهم ضرب المثل ويضرب الله الامثال للناس ومايعقلها الا العالمون

قال سلمه الله تعالى : ثم ما المراد مما ذكره السيد آصف بن برخيا يقول لقد مدت لنا الاحرف النورانية حجبا نورانية وسرادقات جلالية وكل حجاب له باب وعليه حجاب وكل منهم ينادي بلسان حاله داعيا لوصاله فالباب الاول انهاني الى ما لا معول عليه والثاني انهاني الى الافلاك والثالث انهاني الى الاسماء وتلك قد ادركناه فهما ورسما وكل واحد منهم ممره الى ساحل المحيط ولم ازل كذلك حتى وصلت بابا مغلوقا وقفلا موثوقا فافتتحت ذلك بذلك فوجدت الآلات والاسفار ومراكب الايسار فانتهيت لها الى الفياض الاكبر والمحيط الاعظم ورقيت المؤمنين واردت ما ورائها فقالا لي لا تتعداه فنحن النهاية انتهى كلامه فما معنى مدها حجبا وسرادقات وما المراد بالباب والحجاب ومن المنادي وباي كيفية نداؤه بلسان حاله وما المراد من انهاء الباب الاول الى ما لا معول عليه وما معنى فهمه ما انهاه اليه الباب الثاني بالادراك وما الاسماء التي ادركها فهما ورسما وما معنى ممر كل واحد منها على ساحل المحيط وما الباب المغلوق والقفل الموثوق وما معنى الافتتاح وما المراد بالمفتوح والمفتاح وما الآلات والاسفار والمراكب واي شيء الفياض الاكبر ومن المحيط الاعظم وما معنى ارتقائه المؤمنين واي شيء اراد وراء مقامهم ومن القائلان لا تتعداه وباي معنى هما النهاية تلطف على بيان ذلك والسلام عليكم مقدار ما انتم اهله

اقول اخذ عليه السلام في بيان سيره في مراتب ذاته ومسافات سره ( سيره خ‌ل ) فقال عليه السلام وقد مدت لنا الاحرف النورانية وهي متى اطلقت يراد بها احد معان الاول المرتبة الثالثة من مراتب الكلمة الاولى العليا التي انزجر لها العمق الاكبر الثاني الحروف المثبتة في عليين كتاب الابرار وهي وان اشتملت على علوية وسفلية ومجردية ومادية وفلكية وعنصرية الا انها كلها تجمعها حروف نورانية ومبادي الهية وحوامل قدسية على اختلاف مراتبها وحينئذ يعبر عن سفلياتها ومادياتها وعنصرياتها بالظلمانية والا فهي نورانية ويقابلها الظلمانية المكتوبة في السجين كتاب الفجار الحروف المعكوسة من الثمانية والعشرين وكلها ظلمانية الا ان بعضها ظلمات فوق بعض وهذا القسم تكوينية وتدوينية الثالث الاربعة‌ العشر من الحروف التي يجمعها قولك صراط علي حق نمسكه وهي حروف اوائل السور وهي ايضا تكوينية وتدوينية فالاقسام اذا ستة

والمراد من الاحرف النورانية في كلام السيد المذكور وجوه المشية اي الكلمة الكلية التي هي مظاهر تلك الحروف التي هي الرتبة الثالثة منها وهي حوامل الفيوضات الالهية ومبادي الوجودات التكوينية وبها يمد الله سبحانه وتعالى الخلق من باطنها وظاهرها ولما كان هذا السيد الكريم من المتمسكين بالعروة الوثقي والواقفين على باب الولاية الكبرى والغير المايلين والمنحرفين عن محاذاة النقطة الاولى كان استمداده نوريا فكان امداد الله سبحانه وتعالى اياه بالاحرف النورانية حجبا نورانية وسرادقات جلالية وهذه الحجب والسرادقات عبارة عن اطوار الوجودات ( الموجودات خ‌ل ) في قوسي الصعودي والنزولي فمن جهة ان كل مرتبة منها كان حجابا لله وبابا للافاضة الى المرتبة السفلى بحيث لولا ذلك الحجاب اي الواسطة والباب لاضمحل هذا السافل عند ظهور سطوع نور المبدء الاعلى وهو قوله عليه السلام ان لله سبعين ‌الف حجاب لو كشف واحد منها لاحترقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق فالواسطة تسمى حجابا ولذا ورد في الزيارة الرجبية وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب وقد يطلق الحجاب ( الحجب خ‌ل ) على ضد ما ذكرنا وهو المانع والظلمة وقد وقع التعبير عنهما في كلام اهل البيت عليهم السلام الا ان المراد هنا المعنى الاول فتكون الاطوار الوجودية له عليه السلام حجبا نورية من جهة وساطة الافاضة ومن جهة ان كل مرتبة منها محيط بجميع ما لها من الاجزاء والشرايط واللوازم والمتممات والمكملات كالممثل المحيط بالمتممين تسمى كل مرتبة من تلك الاطوار الكونية سرادقا وجميعها سرادقات ومن جهة هذا الاستيلاء المذكور والهيمنة المزبورة وصف بالجلال وقال سرادقات جلالية ونسب النور الى الحجب لدفع توهم انه بالمعنى الآخر

وهذه الحجب والسرادقات ثمانية وعشرون كما ذكرنا من قبل عند ذكر الاسماء والحروف المفيضة وفي كل منها عشرة مراتب وهي القبضات العشر التي هي من الافلاك التسعة والارض في كل مرتبة ( مرتبة منها خ‌ل ) بحسبها وكل مرتبة منها يشتمل على عشرة كاملة اخرى وهي الامكان والفؤاد والقلب والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم والعرض وهذه العشرة اذا لوحظت مع تلك العشرة كانت مأة وهي في ثمانية وعشرين كان الحاصل الفين وثمانمأة وهي عدد الحجب والسرادقات وهي لذلك الجناب حجب نورانية وسرادقات جلالية تستمد من المبدء الاعلى بالاحرف النورانية ولما كان كل مرتبة من هذه المراتب المذكورة مشتملة على ثلاث مراتب الاعلى والاوسط والاسفل وكل مرتبة من حيث انها واسطة باب ومن حيث انها مانعة عن الاتصال حجاب فجهة البابية غير جهة الحجابية ولذا اشار اليه بقوله على نبينا وآله وعليه السلام وكل حجاب له باب وعليه حجاب فمجموع هذه الحجب والابواب مع الحجب النورانية والسرادقات الجلالية ثمانية ‌آلاف واربعمأة وهي كليات المراتب التي سافر عنها واليها

ولما كانت هذه المراتب مراتب وجوده واطوار كونه وشهوده فلا ريب ان كلا منها يطلب وصاله ويحب الاتصال به ولذا قال على نبينا وآله وعليه السلام وكل منهم ينادي بلسان حاله داعيا لوصاله وانما اتى بضمير جمع المذكر العاقل لبيان ان كل مرتبة منها ذات شعور وادراك وانما قال بلسان حاله ولم يقل بلسان مقاله مع انه يدعوه به ايضا لان اللسان المقالي اذا خالف اللسان الحالي فالاجابة للحال دون المقال لان بها حفظ الكينونة وبغيرها اعدامها ( امدادها خ‌ل ) كالمريض الصفراوي اذا طلب بلسانه عسلا فانه لا يجاب وانما يجاب ما يدعو بلسان الحال من استعمال العقاقير الباردة فلسان الحال هو الاصل في المبدء والمآل ولسان المقال فرع تابع ولا يلزم اجابته دائما وانما اللازم اجابة لسان الحال فمن هذه الجهة عبر عليه السلام بما يجب اجابته ولا تمكن مخالفته واما ندائهم للوصال فان القشر لا يستغني عن اللب والظاهر لا يسعه التخلف عن الباطن والمستمد لا يزال يطلب الاتصال بباب مدده

فلما نودي عليه السلام بلسان يجب ان يلبى فاخذ في الصعود اليها فاخذ في شرح بيان هذه المراتب المعبر عنها بالباب والحجاب له الاعلى والوسطى والسفلى فقال الباب الاول انهاني الى ما لا معول عليه لانه المرتبة السفلى وصاحب الهمة العليا لا يعول على السفلى والثاني انهاني الى الافلاك وهي المرتبة الوسطى وهي الدوائر المحيطة الحاملة للفيض الى المرتبة السفلى ولما كان في نزوله حين امتثاله لقوله تعالى ادبر وصل الى هذه الرتبة واحاط بما فيها علما ثم لما نزل لم ينس عليه السلام تلك المرتبة لقوة نورانيته وشدة تأصله ولما فيه من العصمة بخلاف غيره من الغير المعصومين فانهم نسوا ما عرفوا ولذا قال عليه السلام اشارة الى مقامه وذلك قد فهمناه بالادراك يعني فهمناه حال نزولنا الى هذه المرتبة بالادراك اي بالاحاطة والوصول والاتصال والثالث انهاني الى الاسماء وتلك قد ادركناها فهما ورسما فاشار الى المرتبة العليا وعبر عنها بالاسماء لبيان ان كل اثر يكون مبدء اشتقاق اسم لمؤثره والمشتق وان كان فرعا للمبدء الذي هو المشتق منه الا انه اصل للدلالة على الذات المبدء ( المبدء المؤثر خ‌ل ) فالاثر بوجهه الاعلى يدل على المؤثر ولما كان الاسم هو المنبئ عن المسمي كما صرح به امير المؤمنين عليه السلام والاثر هو الدال المنبئ عن مؤثره فكان اسما له فالاشياء الحادثة بجهاتها العليا هي الاسماء الحسنى والامثال العليا ولذا قال عليه السلام والثالث انهاني الى الاسماء اي المرتبة الثالثة في المقام الصعودي فان الشيء له حالة من حيث نفسه ومقتضياته واطواره وهو من هذه الحيثية حجاب ومانع عن مشاهدة المؤثر وله حالة من حيث اثريته وانفعاله وانصداره من مبدئه وهو من هذه الحيثية مصدر ومفعول مطلق دائرة مستديرة حول محورها وقطبها ولذا عبر عنها بالافلاك وله حالة من حيث دلالته على مؤثره وظهور مؤثره فيه باشراقه وجلاله وجماله وهو من هذه الحيثية اسم له ولما كانت دلالة الاسم انما هي بمتعلقه من الاثر المتقوم به لا بغيره ولذا لا يدل القائم الا على الظاهر بالقيام ولا يدل على العالم والكاتب والقاعد وغيرها فكانت دلالة الاسماء دلالة الرسم لا دلالة العين والاسم صفة الاستدلال لا صفة الكشف فكان ما ينهي اليه الاسم الرسم والفهم ( الفهمي خ‌ل ) الرسمي كما قال السهروردي :

منتهى الحظ ما تزود منها للحظ والمدركون ذاك قليل

ولذا قال عليه السلام والثالث انهاني الى الاسماء وتلك قد ادركناها فهما ورسما فان الاسم لا يدل الا على الظهور الخاص المتعلق بالامر الخاص فكانت دلالته رسمية لا كشفية عينية وذلك معلوم ظاهر

ولما ذكر احوال المراتب الثلثة لكل مرتبة اخذ في بيان باقي المراتب على وجه الاجمال فقال عليه السلام وكل واحد منهم ممره على ساحل المحيط يعني كل من هذه المراتب وعلة تذكير الجمع قد ظهرت مما سبق وهذه المراتب المعدودة وغيرها مما في مطاويها ممرها اي مرجعها الى ساحل المحيط وبيانه ان الشيء له رتبتان رتبة ذوبان ورتبة انجماد والاولى هي جهة الى مبدئه وهو الوجود اي الاثر وهو امر وحداني سار في جميع المراتب الظاهر بكينونة الوحدة الحافظة لها في كل مرتبة والثانية مراتب التعينات والماهيات ( المهية خ‌ل ) ومقامات ( المقامات خ‌ل ) التشخصات ومراتب الكثرات وجوامع الانيات والمقامات الحاصلة من النسب والاضافات وساير القرانات من العلل والمعلولات والشرايط والمشروطات والاسباب والمسببات واللوازم والملزومات والمتممات والمكملات وساير انحاء الاطوار والاكوار والادوار والاوطار ومراتب احكام الليل وساعات النهار فالمرتبة الاولى يسمى بالبحر لذوبانه والثانية يسمى بالبراري والقفار والاحجار والاشجار والمدن والامصار وساير المراتب بساير الاطوار واول التعين اي تعين ( التعيين اي تعيين خ‌ل ) ذلك الامر الواحد بحدود الكثرات في مقام رقة الحجاب يسمى بالساحل وهنا ثلاث مراتب بر وساحل وبحر ولما كانت الاشياء بجهة مبدئها امرا وحدانيا كان ذلك بحرا وبجهة انياتها كثرات متباينة كانت برا ولما كان العقل المعبر عنه بالقلب او القلب المعبر عنه بالنفس الناطقة المعبر عنها بانا اول التعينات ومبدئها واول غصن اخذ من شجرة الخلد واول كف غرفت من ذلك البحر فكان هو الساحل وجميع الموجودات بحذافيرها بجميع مراتبها واقتضاءاتها ومقتضياتها مرتبطة بالقلب ومتعلقة به ومستمدة عنه كالاوردة النابتة من الكبد والشريانات النابتة من القلب والعرق الواحد ذي الثقبتين المتصل من الكبد الى القلب فيأخذ الحيوة من القلب ويوصلها الى الكبد ومن الكبد الى الاوردة ومن الاوردة الى ساير البدن والروح البخاري في الشريانات متصلة بالاعضاء والجوارح بها حيوتها فممر الاعضاء في سيرها لاستمدادها من مبدئها الى العروق وممر العروق الى القلب منها بلا واسطة كالشريانات ومنها بواسطة الكبد بواسطة ذلك العرق كالاوردة وكذلك مراتب الموجودات مرتبطة ( مرتبط خ‌ل ) بعضها ببعض ومستمدة بجميع احوالها من القلب وهو العقل الكلي والنور المحمدي الظاهر في الاشياء بالاشياء وهو ساحل البحر الاعظم المحيط المتعاظم والتيار المتلاطم والبحر هو الفؤاد وباب المراد ووجه الامداد

ثم اشار عليه السلام بعد بيان احوال هذه المراتب واتصالها بالقلب الذي هو محل الفيض الاقدس اي روح القدس اشار الى سيره عليه السلام الى تلك المقامات وعروجه الى تلك العرصات باسم الله رفيع الدرجات فقال على نبينا وآله وعليه السلام ولم ازل كذلك حتى وصلت بابا مغلوقا ومقفلا موثوقا اي لم ازل اسير تلك المقامات واقطع تلك السباسب والفيافي برفيع الدرجات الى ان وصلت الى ساحل البحر المحيط فوجدت بابا مغلوقا وهذا الباب هو باب العقل المرتفع وهي بلدة بسم الله الرحمن الرحيم التي وصل اليها النبي صلى الله عليه وآله وهذه البلدة مقفول بابها بقفل وثيق للذي لم يصل اليها وساير في مراتب دونها فلما وصل اليها واستأنس بها وذكر بسم الله الرحمن الرحيم فتحت تلك الباب للوصول الى ذلك الجناب ولذا قال عليه السلام فافتتحت ذلك بذلك اي بيت بسم الله الرحمن الرحيم المقفل بقفل بسم الله الرحمن الرحيم بمفتاح بسم الله الرحمن الرحيم فالبيت سرها والباب وجهها والقفل قشرها والمفتاح كينونتها ففتح القفل بالمفتاح الذي هو القفل ولذا روي ان النبي صلى الله عليه وآله لما سأل جبرئيل عن مفتاحها فقال هو عندك وهو بسم الله الرحمن الرحيم فلما قرعها فتح الباب ودخلها فاذا هي بسم الله الرحمن الرحيم وتجري الانهار الاربعة من اركانها الاربعة

فلما اتم سيره عليه السلام في القوس الصعودي حتى وصل الى مقام الساحل وهو مقام العقل اول التعينات ومبدء الكثرات وبدء ظهور الاختلافات فاليه انتهت مراتب الموجودات وهو بازاء مقام قاب قوسين بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله كل في مرتبته ( مرتبة خ‌ل ) ولما اتم سيره في مقام الانجماد اخذ يسبح في لجة بحر مراتب الذوبان وقد ذكرنا لك ان ذلك وجه مبدئه ولا ريب ان ظهور تلك الرتبة اي معرفة المبدء لا يكون الا به لانه منزه عن اطوار الخلق والمقامات السفلية فاحتاج في السير في البحر المحيط الى مركب من سنخه ودليل من نوعه وآلات من مشاكله واسباب من مماثله ولما كان تلك المعرفة انما يكون بالفعل اي فعل المبدء وهو آية التعريف وغاية التوصيف ولا يمكن الوصول الى ذلك البحر المحيط الا بتعريفه وتوصيفه كما قال عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقال على نبينا وآله وعليه السلام فوجدت الآلات والاسفار ومراكب الايسار وكلها هي جهات التعريف والتعرف واسباب للسير في ذلك البحر المحيط على الوجه الاكمل وهو كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وهتك الستر وجذب الاحدية لصفة التوحيد فلما تمسك بتلك الاسباب بظهور ذلك الجناب تمكن من السير الى ذلك البحر ولذا قال فانتهيت اليها الى الفياض الاكبر والمحيط الاعظم اي فانتهيت حال كوني راكبا على تلك المراتب اي سالكا سبيل الله ذليلا في جهات التعريف والتعرف الى الفياض الاكبر والمحيط الاعظم وهي نقطة وجه المبدء وظهور المسمى بملاحظة الاسم وهي التي اشار الشاعر بقوله :

قد طاشت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة

سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة

فالفياض الاكبر هي النقطة التي هي مبدء الوجود واصل البروز والشهود وغاية الوجود والموجود منها وبها ولديها ينتثر الفيض واليها يعود وهي آية التوحيد ومقام التجريد وعلامة التفريد وهي المقامات والعلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وهي غاية مقصد الطالبين ونهاية سير المسافرين ومحل المثال واصل الجمال والجلال ونور الحق اللايزال والمحيط الاعظم الفها اي ذوبانها اي اعطافها وجها ( وجيها خ‌ل ) وظهور المحبة وبدء بروز المودة المقتضية للميل المقتضي للسيلان والرطوبة وهنا مقام ظهور الفعل واشتقاقه من المصدر

ولما كان هذه الرتبة فوق المراتب وفوق العقل التي بها يمتاز ايمان المؤمن وكفر الكافر وبها تختلف مراتب المؤمنين وفيها مقام ظهور الايمان قال عليه السلام رقيت المؤمنين اي رقيت مرتبة المؤمنين الذين قال الله تعالى فيهم انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية وقال تعالى النبي الامي الذي يؤمن بالله ومعنى ارتقائه اليهم وصوله الى محاذاة مرتبتهم في الرتبة الشعاعية كما تقول ان القمر في برج الحمل والحمل في الفلك الثامن وبينهما مسافة لا تحصى فمعنى كلامه عليه السلام بيان اصل حقيقة المطلب اي واني وان بلغت في مقام التوحيد مقام الفياض الاكبر والمحيط الاعظم ووصلت مقام الفناء والصحو والمحو الا ان حقيقتي وذاتي من شعاع هؤلاء المؤمنين فاني مستغرق في بحر التوحيد بما ظهر لي بهم ولما لم يكن التعدي عن هذه المرتبة والتجاوز عن هذه الدرجة ولما كان المؤمنون يراد بهم مقام النبوة المطلقة والولاية المطلقة وهما مرتبتان لا جمعية فيهما ظاهرا والجمع بظاهر لفظه لا يؤدي التثنية ظاهرا اراد عليه السلام دفع هذا الاحتمال ودفع ( رفع خ‌ل ) هذا الداء العضال فقال واردت ما ورائها يعني قصدت السير الى ما وراء هذه الرتبة التي هي مرتبة ذاتي وسر حقيقي ولما كان هما المعلمان واليهما انتهى التعليم لقوله صلى الله عليه وآله في الحديث المشهور اراد تعليمه وتعريفه مقامه فقالا اي النبي والولي صلى الله عليهما وعلى آلهما لا تتعدى اي لا يخطر ببالك التعدي وبجنابك التجاوز والا فلا يمكنه ذلك لاستحالة خروج الشيء عن مبدء ذاته فارادا ان يعرفاه نفسه ومقامه فقالا له لا تتعدى فنحن النهاية والينا الغاية وهو قوله عليه السلام ليس وراء الله وورائكم يا سادتي منتهى فكلما سويهم ينتهي اليهم ويبتدء منهم ويعود اليهم والكلام في هذا المقام طويل والقلب لبيانه كليل لان الفهم عن ادراكه عليل فطيه اولى والامساك احرى وفي ما ذكرنا الكفاية لاولي الفهم والدراية وبما ذكرنا من البيان التام والتبيان الشامل العام تبين لك المراد من جميع ما سألت ما المراد وما الشيء واي شيء الى آخر كلامكم اسبغ الله نعمه عليكم والله خليفتي عليك ( عليكم خ‌ل )

قال سلمه الله تعالى : ثم يا من هداني الله بنبذة من شعاع فضلك ما معنى قول الحكماء وما مرادهم في قولهم ان الفلك حي في ذاته كامل في صفاته عليه وبه تكرير الكون من السفلي ومداد العلوي نور الله ابصارنا وبصائرنا بالهداية الى ما تشرفنا به

اقول اعلم ان كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى جعل فيه الحيوة والشعور والادراك كما فصلنا بيانه واوضحنا برهانه في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا الا ان الاجسام السفلية والمتولدات الكونية لتصادم العناصر وتخالفها وعدم ظهور نضجها واعتدالها تختل اوضاعها ونسبها وتخفي الحيوة الحقيقية فيها فاذا تصفت عن الغرايب والاعراض واعتدلت عن غلبة الاخلاط والامراض عادت الحيوة كما كانت وتبقى مستمرة ثابتة دائمة باقية بلا زوال ولا اعراض ولما كان الفلك غير مختلط بالعناصر السفلية بلغت كينونتها في النضج والاعتدال الى الغاية القصوى في الكينونة الدنيوية فانتفى الاختلال وانعدم التصادم الموجب للفساد فلا مانع لاظهار الحيوة فهو حي دائما ثابتا مستقرا لا يعتريه موت ولا زوال الا عند نفخة الصعق فقولهم ان الفلك حي في ذاته مرادهم ان الله سبحانه خلقه على كينونة اعتدالية في ذاته تقتضي الحيوة فالحيوة عين ذاته بجعل الله سبحانه وتعالى فيكون حياته بذاته لغيره لا انها بذاته لذاته ليستلزم الاستقلال والقدم في ما شأنه الاضمحلال والعدم كما ذهب اليه من ليس له في العلم الالهي والحقيقي قدم فاذا ثبت ان الفلك حي في ذاته بريء عن الاخلاط والغرايب المعوجة لفطرته وكينونته فيكون كاملا في صفاته معتدلا في مقتضياته نافذا آثاره وحيث كان هو المبدء في الاجسام السفلية والمحيط المهيمن على الاجساد الدنيوية والاركان والطبايع العنصرية فعليه ظهور الامدادات الالهية وهو حامل الافاضات القدسية وبه تكوين الكون من السفلي وبه مداد العلوي الذي هو نفسه اذ ليس اعلي من الفلك في العالم الجسماني شيء اصلا ومبدؤه العرش ومنتهاه فلك القمر فيمد الله سبحانه وتعالى الفلك بنفسه ويكونه به بمباديه العالية ويكون الاجسام السفلية ويمدها بالفلك بمراتبه فبالعرش يكون القلوب وبالكرسي يكون الصدور وبزحل يكون العقول وبالمشتري يكون العلوم وبالمريخ يكون الاوهام وبالشمس يكون الحرارة الغريزية وبالزهرة يكون القوى المتخيلة وبعطارد يكون القوى المتفكرة وبالقمر يكون الحيوة اي الحركة الارادية وهكذا بمقارنات هذه الافلاك بمحاذاة من الاجسام السفلية يكون حقيقة من الحقايق وذاتا من الذوات فافهم

او انه يراد بالفلك الذي هو حي في ذاته فلك الولاية المطلقة اي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر ومن آثارها الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض وبه حيوة كل شيء فهي ( فهو خ‌ل ) اولي بان تكون ( يكون خ‌ل ) حية بالذات ( في الذات خ‌ل ) ومعنى حياتها بالذات هو ما ذكرنا لك من حيوة الفلك الجسماني لا انها مستقلة في ذاتها غير مستندة الى غيرها بل الله سبحانه وتعالى اقامها بنفسها وامسكها بظلها واقام الاشياء بها واحياها بفاضل حياتها فتدبر

قال سلمه الله تعالى : ما المراد بالعلم الذي اعطاه الله آدم هل هو الاسماء على العموم كما قال تعالى او الرمل او علم النجوم ونقل عن آصف انه يقول علوم الاسماء فروع هذا العلم وعلم الفلك زمام له وعلم الرمل استنباط فلكي وعلم الحروف هو العلم القويم والصراط المستقيم فما المراد من كلام آصف وما المراد من العلوم الثلاث وهل اوسطها معتبر عندكم او لا وعلى تقدير اعتبار فاي دائرة هي المعتبرة بزدح او ابدح او دائرة سكن وهل المعتبرة عندكم منه تصعيد النقطة او ملاحظة الطالع او ملاحظة بيت الحاجة او الشكل الحال فيه افدنا مولاي فماتكلمت بمثل هذا الكلام تقريبا من اثني‌ عشرة سنة او ازيد فلاتحرمنا لمعة من انوار علمك والسلام بدوا وختما

اقول العلم الذي اعطاه الله آدم هو ما اخبر الله سبحانه عنه في القرآن المجيد بقوله وعلم آدم الاسماء كلها اتى بالجمع المحلى باللام لافادة العموم الاستغراقي ثم اكدها بكل تأكيدا للعموم وتثبيتا لهذا المفهوم الا ان الاسماء المعلمة تدور على نقطة تستخرج منها فان تعليم الخصوصيات فردا فردا وان كان يمكن الا انه لا يكشف الحقيقة ولا يوصل الى الواقع ويوصل الى الصور والحدود الجامدة وتحجب عن مشاهدة النقطة في الهوية فوجب ان يكون التعليم على طبق سر الخليقة ليصح ان يشهده الله سبحانه خلق السموات والارض وخلق نفسه فان مشاهدة الشيء اذا لم تكن كما هي لم تكن مشاهدة بل كذب وزور وبهتان وغرور فوجب التعليم على مقتضى الايجاد فان العلم عين المعلوم في الحوادث الامكانية فابان الله سبحانه لآدم حين ما اراد تعليمه عن سر النقطة الاولية وهي النقطة التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة وهي انبسطت الفا وانعطفت الالف الى ثمانية وعشرين فاظهرت في ثمانية وعشرين جزء في ثمانية وعشرين ورقة ذات صفحتين اليمنى واليسرى وكل صفحة في ثمانية وعشرين سطرا وكل سطر في ثمانية وعشرين بيتا وكل بيت فيه اربعة احرف الاولى لبيان الجزء والثانية لبيان الورقة والثالثة لبيان الصفحة والرابعة لبيان البيت وبها تمام الوجود وتمايز الشهود وجميع الذرات الوجودية كلها قد ذكرت في هذه الحروف باجزائها واوراقها وصفحاتها وسطورها وبيوتها فالبيت قيد السطر والسطر قيد الصفحة والصفحة قيد الورقة والورقة قيد الجزء والجزء قيد الحروف والحروف قيد الالف والالف قيد النقطة والنقطة ايس الايسات واسطقس الاسطقسات واصل الاصول وهيولي الهيولات ليس ورائها مرتبة اذ ليس وراء عبادان قرية وهذا هو العلم الذي علم الله سبحانه آدم عليه السلام لا علم دون علم وهي مجمع العلوم ومنبع الرسوم وما سواه فروعه وشعبه وقشوره واشعته وانواره واضوائه وشعاع الشعاع ونور النور وهكذا الى ما لا نهاية له والى ما ذكرنا اشار السيد الجليل آصف بن برخيا على نبينا وآله وعليه السلام بقوله علوم الاسماء فروع هذا العلم ان اريد بالاسماء هي اللفظية

وان اريد الاسماء على الاطلاق من اسماء ساير الموجودات كما هو الظاهر من سياق الآية الشريفة في قوله تعالى انبئوني باسماء هؤلاء فلا ريب ان استخراج هذه الاسماء ومعرفة مسمياتها من فروع هذا العلم وشعبه وتفاصيله لانها انما تتألف من هذه الحروف بتأليف حقيقي ونظم طبيعي وحيث دلت الادلة القطعية على ان الاسماء لها مناسبة مع مسمياتها فاذا الفت على النظم الطبيعي والنسبة الاعتدالية دلت على مسمياتها مما يناسبه وتلك النسبة الخاصة الحاصلة عند الوضع والهيئة المشخصة هي الدلالة الوضعية اللفظية فظهرت المسميات بمناسبة الاسماء بوضع العليم الحكيم على هيئات معتدلة مترابطة متناسقة فعلمها آدم عليه السلام بتعليمه سبحانه فكانت معرفة الاسماء والمسميات فرعا لعلم النقطة الذي هو الاصل على ما عرفت مجملا وان اريد بالاسماء الاسماء المعنوية فهي ايضا متالفة ( مؤتلفة خ‌ل ) متركبة من الحروف المعنوية على هيئات متناسقة متناسبة تدل على مدلولاتها مما يراد بها منها اما توحيده تعالى او عظمته او قهاريته او جبروته او سعة قدرته او عموم علمه او شمول رحمته او ظهور كبريائه او بروز كينونته او ساير الشؤنات العامة او الخاصة وهي ايضا فرع الحروف الكونية المعنوية التي هي فرع الالف الغير المعطوفة التي هي فرع النقطة الكونية وان اريد بالاسماء الاسماء العظام كما هو مدلول بعض الروايات فكذلك ايضا لانها مؤلفة من الحروف النورانية المؤلفة من انعطاف الالف اللينية التي هي حرف العلة المؤلفة من نقاط ثلثة المنتهية الى النقطة الالهية الاولية وهي وان كانت اسما لكنها بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء عن الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهي غير صقع الاسماء المتكثرة المختلفة الكلية والجزئية المتعلقة المرتبطة المتآلفة والمتخالفة كما هو الظاهر

ولما دلت الادلة القطعية ان كل عالم له ثلاث مقامات علوي وسفلي ومتوسط والعلوي هو الفلك وقد افردنا رسالة في ان العلوي في كل عالم هو الفلك وانه يتشعب الى تسعة واصولها اثنان العرش والكرسي وعلى اصطلاح القوم محدد الجهات وفلك الثوابت وهما التاسع والثامن وباقي التسعة اي السبعة هي المعدات بحراكاتها وقراناتها ونظراتها ودرجاتها ووجوهها ومثلثاتها وساير احوالها والسفلي معاكس للعلوي في جميع ما له وعليه من الادوار والاكوار والمتوسط ذو وجهين ( جهتين خ‌ل ) باحدهما وهو الاعلى مرتبط بالعلوي الفلكي ومستمد منه وبالآخر وهو الاسفل مرتبط بالسفلي ومقترن به ومستمد منه ولما كان المستمد متقوما بالممد فكان الممد اصلا له آخذا بناصيته ومظهرا له على مشاكله قل كل يعمل على شاكلته فكان العلوي على هذا البيان التام زماما لمن دونه والمستمد منه واليه اشار السيد الجليل والامام النبيل السيد آصف برخيا بقوله الشريف وعلم الفلك زمام له ويريد بالفلك العلوي وهو الجاري على ما ذكره علماء الهيئة والنجوم لانا قد بينا في تلك الرسالة ان مقتضي العالم العلوي الظهور بهذه الافلاك والكرات المحيطات والتداوير المعلقات والنجوم المضيئات وساير احكام الاحاطات والعلم بهذه الاحوال والاطوار زمام للعلم بالكينونات المتوسطة والذوات المستمدة والزمام هو المقود الذي به ينقاد الشيء ولا ريب في انقياد المستمد للممد والسافل للعالي ولا يظهر فعل ولا اثر في السافل الا باتصاله بالعالي وجذبه مثاله ولما كان ظهور العالي بالسافل كان العلم بالعالي مأخوذا من العلم بالسافل ولذا يتوقف العلم بالتأثيرات الحرفية والتدبيرات التدوينية على علم الافلاك واوضاعها ونسبها وقراناتها ونسبة كل حرف الى متعلقها من الاوضاع الفلكية ليقابل ذلك الوضع ويجذب بما يناسبه مثاله فتظهر منه افعاله فعلم الفلك ايضا مستخرج من علم النقطة الظاهرة بالحروف الثمانية والعشرين استخراج الاصل من فرعه او اللب من قشره او المراتب والجهات من الجامع فباعتبار الثاني اصل والاول فرع حامل للاصل وهو ايضا يرجع الى الثاني لان المجموع من الاصل والفرع اصل بالنسبة الى الاصل والفرع بانفرادهما فافهم

ولما كان علم الرمل علم النقاط في عالم الكثرات وهي من حيث قربها الى الوحدة متصلة باحوال العلويات واحكام الفلكيات ومستخرجة من تلك المقارنات والصفات والاضافات كان استنباطه من عالم الافلاك وما يتبعه من العناصر واليه الاشارة بقول السيد الجليل المذكور وعالم ( علم خ‌ل ) الرمل استنباط فلكي مأخوذ من القرانات الفلكية والاوضاع العلوية ومنتسب الى تلك الدرجات والمقامات كما هو المعلوم عند اهل هذا الفن والمفصل عند اهل هذا الشأن ولا نطول الكلام بذكر تلك الاحوال لان المقصود حل العبارة بلطيف الاشارة لا تفصيل المقال بشرح الحال فقد تبين ووضح ان العلوم الالهية المودعة فيها الاسرار الغيبية المنبئة عن الاطوار المخفية التي هي عبارة عن علم الفلك وعلم الرمل وعلم الاسماء الحاوية لجميع العلوم والاحكام كلها متفرعة ومستخرجة عن علم الحروف المفصلة من النقطة التي علمها الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام فكان هذا العلم الشريف والسر اللطيف هو العلم القويم والصراط المستقيم الذي هو الدليل على كل علم والسبيل الى كل رسم والمستخرج منه كل باطل وحق ونور وظلمة ولذا قال السيد المكرم والامام المعظم على نبينا وآله وعليه السلام وعلم الحروف هو العلم القويم والصراط المستقيم لان الحروف بتكونيتها وتدونيتها اصل كل علم ومبدء كل رسم وعلة كل تأليف وتركيب وسبب تأصل كل وضيع وشريف ومنها بدت الحروف واليها ختمت وعنها صدرت وبها تأصلت وبحدودها ورسومها تشخصت وبحامليتها للمبادي العالية اثرت وتاثرت وفصلت وتفصلت واظهرت وظهرت واستقلت واضمحلت وتباينت وائتلفت واحيت وحيت واماتت وماتت واعلت وعلت واسفلت وسفلت وانضجت ونضجت وقربت وقربت وبعدت وبعدت لانها الصراط المستقيم الظاهرة باعطاء كل ذي حق حقه وبالسوق الى كل مخلوق رزقه بحامليتها ومحموليتها فهي فاعلة بالاعتبار الاول ومفعولة بالاعتبار الثاني الا ترى كلام النحاة في تقسيمهم الكلمات المؤتلفة من الحروف العاليات بانها تعمل ولا يعمل فيها وتعمل ويعمل فيها ولا تعمل ولا يعمل فيها وهذه هي حدود ما ذكرنا آنفا فافهم وتبصر فان شرح هذا الكلام طويل والقلب كليل فبما ذكرنا واوضحنا وشرحنا وفصلنا تبين المراد من كلام السيد آصف والمراد من العلوم الثلثة المذكورة

وقولكم وهل اوسطها اي علم الرمل معتبر عندكم نعم هو المعتبر عندنا وكيف لا يعتبر وهو علم آدم عليه السلام علمه جبرئيل عليه السلام لما تفرقت اولاده واراد آدم عليه السلام استخبار احوالهم ومعرفة ( معرفة احكامهم خ‌ل ) اماكنهم وازمانهم وما يجري عليهم سأل الله سبحانه وتعالى عن ذلك فعلمه سبحانه بواسطة جبرئيل قاعدة كلية وقانونا الهيا يستنبط بها جميع الاحوال الغيبية والاطوار المخفية من العلوية والسفلية ويكون علما مستقلا له ولعقبه ونسله حتى يفوزوا بهذه السعادة ويحظوا بنيل هذه الدرجة العلية ولئلا يكون مختصا به عليه السلام كما لو اخبره او اشهدهم اياه فنزل جبرئيل عليه السلام وجعل نقطة في الارض بجناحه ثم نقطة اخرى تحتها ثم اخرى ( احرف خ‌ل ) تحتها وهذا الرابع ( الواقع خ‌ل ) تحت الثالثة فارتفع جبرئيل الى محل القدس وحرم الانس فنظر آدم عليه السلام الى هذه النقاط الاربع المرتبة فعرف ان النقطة الاعلى الاولى النار والثانية نقطة الهواء والثالثة نقطة الماء والرابعة نقطة التراب وهو شكل الطريق عند اهل هذا العلم ثم لما كانت الحوادث الكونية والحقايق الوجودية من الشهودية والغيبية انما تأصلت وتحققت بضم هذه العناصر بعضها على بعض ونسبة بعضها الى بعض فضرب آدم عليه السلام هذا الشكل في نفسه فاستخرج من هذا الشكل ستة ‌عشر شكلا ونسبها الى مباديها التي هي الافلاك والبروج والمنازل وساير القرانات ونسب بعض هذا الشكل الى الآخر نسبة طبيعية اعتدالية فاستخرج منها بملاحظة هذه الجهات جميع الاشياء المعينات والطبايع والذوات والصفات والجواهر والاعراض والمجردات والماديات وساير المخبيات استخراجا حقيقيا وعلم بها بما كتب الله في لوح هذه الاشكال على النسبة الاعتدالية علما قطعيا واقعيا فعرف بها احوال اولاده واحفاده وساير الكون باستمداده وامداده وقد اظهر هذا العلم غاية الاظهار وابرزه في قالب المشاهدة دانيال النبي صلى الله عليه وآله كما ان اسمه على عدد نقاط الرمل وقد كان هذا العلم معجزته واظهر به نبوته ودعا به رعيته فآمنوا به واجابوا الى دعوته وقصته مشهورة وهو علم شريف لم‌ يزل الانبياء يستعملونه والاولياء يتعاطونه الى ان دخل فيه من ليس له باهل ونظر فيه من لم‌ يطلع على حقايقه ورسومه ودقايقه ورموزه فكان يخبطون الغث بالسمين ويخلطون الرخيص بالثمين ولم‌ ينظروا الى اعتدال نسبها ولا الى موازين طبايعها فخبطوا خبط عشواء وبقوا في هذا الوادي حيارى يصيبون مرة ويخطؤن الفا

وقولكم وعلى تقدير اعتباره فاي دائرة هي المعتبرة بزدح او ابدح او دائرة سكن

جوابه ان طريق الاستخراجات كثيرة وجهاتها غير عديدة وهذه الدوائر وغيرها مما ذكره اهل هذا الفن وما لم ‌يذكروه كلها موصلة الى المطلوب ومؤدية الى المقصود الا ان بعضها اقرب بالنسبة الى غيره بالاضافة الى بعض الطبايع والافهام دون الآخر فيختص بها ويرجحها على غيرها زعما منه انها هي الموصلة دون غيرها حيث لم يطلع على تلك الجهة الاخرى بالنسب الاعتدالية الموصلة الى المقصود المطلوب واما الناظر الى النقطة الاصلية التي عنها ( منها خ‌ل ) نشأت هذه النقاط التفصيلية فيشاهد تلك الجهات ويحيط بتلك الطرق ويرعي كلها موصلة اذا وضعت على النسب الحقيقية بامتزاج العلوية والسفلية والكل صحيح موصل والكل مؤد مباح الا ان بعضها اقرب من البعض وذلك ايضا بحسب مناسبة بعض الافهام فالكل يناسب الكل وقريب عند الكل واما المحيط الناظر فالكل عنده على حد سواء وهذه المقدمة التي ذكرناها هي بعينها جواب قولكم وهل المعتبرة عندكم منه ( فيه خ‌ل ) تصعيد النقطة او ملاحظة الطالع او ملاحظة بيت الحاجة او الشكل الحال فيه فان هذه الوجوه كلها معتبرة ومؤدية الى المطلوب والتفاوت بجهات الملاحظة بحسب الموافقة وتفصيل هذه الطرق يطلب في كتب اهل هذا الفن فانا لسنا بصدد بيانه ولا المقصود منا تبيانه وبرهانه فافهم فهمك الله

ثم انه سلمه الله تعالى قد الحق المسائل المذكورة بهذه المسائل :

قال سلمه الله تعالى : مولاي ما المراد من تأثيرات الكواكب السيارة في الاجسام والنفوس على الانفراد او الجمع بينهما

اقول اعلم ان الله سبحانه حيث اجرى عادته ان يجري الاشياء باسبابها جعل الكواكب بحركاتها في افلاكها وتبدل اوضاعها سببا لنضج الكاينات والمكونات السفلية لان الكواكب قبسات نور كانت مستجنة في نيران مستجنة في زبد البحر الذي ارتفع منه الدخان فخلق الله سبحانه منه السماوات السبع وهو قوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فالكواكب قوى الافلاك ومهابط الفيض الالهية في العالم الجسماني وهي احد الخزائن التي قال الله سبحانه وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وهي من الخزاين الجسمانية قد جعل الله سبحانه وتعالى فيها مواد الاجسام السفلية وامداداتها وقواها وهي تترجم لك المواد بما يصلح القوابل السفلية من المتولدات وكاينات الجو وتوصل اليها بايقاع اشعتها الحاملة لتلك المواد الصالحة المناسبة للمكونات العرضية فتكون كل الكاينات بايقاع اشعة تلك القبسات بتربيتها بكر الافلاك وملاحظة الملئكة المدبرات وهذا هو المراد من تأثيرات الكواكب وهي حاملة الفيض ويد المفيض كالبلور الحامل لحرارة الشمس والجامع لها الموصل الى غيره بالاحراق والاشراق فالمحرق والمشرق انما هو الشمس والبلور آية ويد وسبب ومعد وهكذا الكواكب حملة لآثار الفيض وموصلة الى محله ومواقعه بالترجمة فليست الاجسام السفلية آثار منفصلة للكواكب كاشعة الشمس بالنسبة اليها والقيام والقعود بالنسبة اليك وانما هي واسطة الفيض ومصلحة لقابلية السفليات للاستفاضة من العلويات كالوالد للاولاد كالمعلم للمتعلم

فمن انكر تأثير الكواكب ان اراد استقلالها في التأثير وتأصلها وينكر استنادها الى قيوم قاهر عليها كالدهرية واضرابهم ( احزابهم خ‌ل ) فحق صواب اذ لا استقلال لاحد الا لله وحده وان اراد على جهة التفويض ورفع ( دفع خ‌ل ) اليد حين التأثير فكالاول ايضا وان اراد على ما قررنا وفصلنا من الوساطة والسببية وكونها يدا للحكيم ومظهرا لقدرة العزيز العليم فكلام باطل وقول مجتث زائل وكأنه مصادمة للضروري ومزاحمة للبديهي فان تأثير الكواكب في العالم اظهر ظاهر واوضح واضح الا ترى الشمس فانها في العالم العلوي والسفلي اما في العلوي فلان القمر يزداد نوره وينقص بسبب قربه وبعده عن الشمس بل نور ساير الكواكب ايضا مقتبسة من الشمس واذا ظهرت اخفت بشعاعها ونورها جميع الكواكب واما تأثيرها في السفلي فمن وجوه منها انها اذا طلع الصبح ظهرت في الاجساد الحيوانية انوار الحيوة وكلما كان طلوعه اكثر كان ظهور قوة الحيوة في الابدان اكثر وما دامت الشمس في الارتفاع حركتهم في الزيادة واذا مالت عن وسط السماء اخذت حركاتهم في الضعف الى الغروب فتسكن بالليل بما يشبه الموت وهو النوم ومنها ان كل موضع بعيد عن الشمس مثل تحت القطبين فلا يكون هناك حيوان ولا نبات للبر ويكون النهار والليل هناك اشهر وربما اذا بلغ الارتفاع اي ارتفاع القطب تسعين درجة كان النهار ستة اشهر والليل مثله ومنها اختلاف الناس في اجسامهم وطبايعهم انما هو لاختلاف حركة الشمس لان الذين يسكنون خط الاستواء الى محاذاة رأس السرطان يسمون بالسودان لان الشمس تمر على سمت رؤسهم في السنة اما مرة او مرتين فتحرقهم وتسود ابدانهم والذين مساكنهم اقرب الى خط الاستواء الى محاذاة رأس السرطان كالزنج والحبشة فالشمس لقوة تأثيرها تحرق حتى شعورهم وتسود ابدانهم وتجعل شعورهم جعدة واخلاقهم وحشية والذين مساكنهم اقرب الى محاذاة رأس السرطان الى محاذاة بنات النعش الكبرى لاجل ان الشمس لا تسامت رؤسهم لا جرم الوانهم متوسطة واخلاقهم حسنة كالصين والترك والخراسان والعراق والفارس والشام ومن هؤلاء من كان اميل الى ناحية الجنوب كان اتم في الذكاء بقربه من النقطة ومن كان اميل الى ناحية المشرق فهو اقوى نفسا واشد تذكيرا اذ الكواكب تظهر من المشرق واليمين اقوى ومن كان الى ناحية المغرب فهو الين نفسا واشد ثباتا واكثر كتمانا لان هذه الناحية منسوبة الى القمر والذين مساكنهم محاذية لبنات النعش وهم الرؤس فانهم لكثرة بعدهم عن ممر البروج صار البرد غالبا عليهم والرطوبة الفضلية ولذا صارت الوانهم بيض ( بيضاء خ‌ل ) وطباعهم باردة واخلاقهم وحشية

ومنها الفصول الاربعة التي هي السبب في تولد النبات انما هو من الشمس وتأثير الشمس في النبات ظاهر وكذا وجود بعض النبات في بعض البلاد دون بعض فان النخل ينبت في البلدة الحارة

وكذا وجود بعض الحيوانات في بعض البلاد دون بعض كالفيل والكركدن وقد يوجد بعضها في البلدة التي هي اشد حرارة من الهند فان الفيل توجد ( قد يوجد خ‌ل ) في بلاد السودان اعظم جسما واطول عمرا

واما انعقاد الاجسام السبعة من الفلزات وساير المعادن الغير المنطرقة والمنطرقة والاحجار فمعلوم ان السبب فيها بخارات تتولد في باطن الارض بسبب تأثير الشمس وهكذا غيرها من امثالها فان بالبيان يطول الكلام ومرادنا الاشارة باقصر العبارة

واما القمر فله ايضا تأثير عظيم الا ان تأثير ( تاثير الشمس ظاهر خ‌ل ) في الحر والبرد اكثر وتأثير القمر في الرطوبة والجفاف اقوى لما هو المعلوم من ان البحار يأخذ في الازدياد من حين تفارق القمر الشمس الى وقت المقابلة ثم يأخذ في الانتقاص ولا يزال يستمر بحسب نور القمر حتى ينتهي الى غاية نقصانه عند حصول المحاق ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة مع طلوعه وغروبه كبحر فارس وهند وذلك انه اذا بلغ القمر مشرقا من المشارق ابتدأ البحر في المد ولا يزال كذلك الى ان يصير القمر الى وسط السماء في ذلك الموضع فعند ذلك ينتهي المد منتهاه فاذا انحط القمر من وسط السماء جزر الماء ورجع البحر ولا يزال راجعا الى ان يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه فاذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدء المد هناك في المرة الثانية ولا يزال زايدا الى ان وصل القمر وتد الارض فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتدء بالجزر ثانيا حتى بلغ القمر افق المشرق لان الماء كروي محيط وكلما تحرك القمر صار موضعه افقا لموضع من مواضع البحر فصار ذلك الموضع وسط السماء لموضع آخر ومغربا لموضع وهكذا فيحصل احوالا ( احوال خ‌ل ) مختلفة ومن جملة تأثير القمر زيادة لبن الحيوانات في زيادة القمر وسرعة النبات وغلظته ايضا وكذلك بياض البيض المنعقد في اول الشهر ازيد والانسان اذا قعد او نام في ضوء القمر حدث في بدنه الاسترخاء ويهيج عليه الزكام والصداع وكذلك الاشجار ان غرست والقمر زائد النور كبرت ونشأت والعكس بالعكس وكذلك القمر من الاجتماع الى الامتلاء يكون البقول والرياحين اكثر نشوا وازيد نموا وكذا القرع والقثاء والخيار والبطيخ ينمو نموا بالغا عند ازدياد النور حتى في الليلة الرابعة‌ عشر يظهر التفاوت في ليلة واحدة ولا كذلك غيره من الكواكب فانا نجدها اذا اتفق لبعضها قران مع بعض او احتراق او غير ذلك فانا لا نرى لذلك ظهور اثر في يوم القران والاحتراق فاما ان كان القمر ساقطا في وقت القران او الاحتراق عن جزء القران او الاحتراق فانا نرى له اثرا بينا في عالمنا وانما كان تأثير القمر ازيد لقربه وسرعة سيره

واما ظهور التأثيرات من ساير الكواكب فنرى صيفا احر من صيف وشتاء ابرد من شتاء وليس سببه الا انه متى قارن الشمس كوكب حار كان الصيف حارا او بالعكس وعلمنا بالاستقراء تأثيراتها ومثاله ان تأثير الزهرة في هذا العالم الشبق والعشق والباه والالفة فاذا رأينا رجلا نكح امرأة والزهرة في الحوت والقمر يسدسها في الثور او يكون القمر في السرطان والزهرة في الثور او يكون القمر مقارنا للزهرة في بعض المواضع المذكورة ولا يكون احد النحسين ناظرا اليها فان الزوجة تكون موافقة ويتفق بينهما من المحبة ما لا يمكن شرحه ومن تزوج والزهرة محترقة في السنبلة او الحمل او العقرب والمريخ يقابلها او يربعها وزحل يقارن الزهرة او يقابلها في بعض المواضع المذكورة والمشتري ساقط عنها فانه يكون النكاح في غاية الردائة من التباغض واذا قارن القمر الزهرة في الثور وشرب في ذلك اليوم مسهلا الذي جرت العادة به عشرين مجلسا فانه لا يسهل ذلك اليوم سبع مجالس بل اقل وذلك لان القوى الطبيعية حينئذ في غاية القوة لقوة القمر بكونه في شرفه ومع الزهرة وكذلك اذا كان المشتري في السرطان والقمر مقارنه فان الطبيعة في غاية القوة ومن زرع او غرس والقمر في الجدي او الدلو او العقرب وكان القمر مقابلا لزحل ولا ينظر الى المشتري فانه لا يثمر ولا ينمو ولا يفلح ذلك ومن اتخذ طيبا والقمر يقارن زحل او يتصل به من بعض بيوت النحسين ولا ينظر الى الزهرة او الزهرة غير قوية فلا يكون لذلك الطيب رايحة طيبة وهذه وامثالها من التأثيرات بينة ظاهرة لا يمكن انكارها بالنوع وان كان في بعض الخصوصيات يتفاوت الفهم في ادراكه وقد نص مولينا امير المؤمنين عليه السلام على ذلك وصرح بان الروح الحيوانية من تأثير قوى الافلاك فاذا كانت الروح الحيوانية من الافلاك فمظاهرها ومواقعها ومهابط افعالها بالطريق الاولى لانها فروع تابعة للاصل

والاطناب في هذا المقام كأنه غير لازم لظهور الامر الا على الوجه الذي ذكرناه من القوي بان التأثير بالاستقلال او بالتفويض الذي يلزم منه نوع الاستقلال واما على الوجه الذي ذكرناه فليس الحكم فيه مختصا بالكواكب بل كل شيء سبب لشيء ومسبب عن شيء ودليل على شيء ومدلول شيء وجوهر لشيء وعرض لشيء واثر لشيء ومؤثر في شيء وكتاب لشيء وقلم لشيء ويد لشيء وقدرة ( مدبرة خ‌ل ) لشيء وهكذا اطوار الوجود قد ابتلي بعضها ببعض وقال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره

واما الشبه ( الشبهة خ‌ل ) الواردة في هذا المقام من منع تأثير الكواكب في العالم فهي اوهن من بيت العنكبوت وانه لمن اوهن ( لاوهن خ‌ل ) البيوت ولا بأس بان نشير الى بعضها تنبيها للغافلين وارشادا للمسترشدين فنقول انهم ذكروا في منع تأثير الكواكب وجوها :

منها انه لو كان وقوع الممكنات او لا وقوعها متعلقين على حركات الكواكب لصارت هذه الممكنات اما واجبة او ممتنعة فيرتفع الاستخارة والشور وجوابه بعد الاغماض عن حل ما عقدوا او نقض ما ابرموا خوفا للتطويل نقول لو كان هذا هو المانع من التصرف فيجب ان لا يكون الله ايضا متصرفا ومؤثرا لانه العالم بوقوع الاشياء او لا وقوعها حتما فيرتفع الاستخارة والشور فما هو الجواب لكم هو الجواب لنا عليكم

ومنها انه لا سبيل الى معرفة طبايع البروج والكواكب وامتزاجاتها الا بالتجربة واقل التجربة مرتين وذلك متعذر اذ الفلك اذا وقع على شكل معين لا يعود مثله الا بعد الوف سنين

ومنها ان علم الاحكام مبني ( منبئ خ‌ل ) على معرفة درجة الكواكب وتحصيل هذه غير ممكن اذ في آلات الرصد قد يكون خلل ولذا وجدنا موضع كوكب درجة معينة بحسب زيج غير تلك الدرجة في زيج آخر لانهم يسامحون في الثواني والثوالث

ومنها ان هذه الاحوالات التي دلت على وقوعها اما انها لا بد وان يقع ام لا فان كان الثاني بقي الامر في محل الشك فلا يكون في علم الاحكام فائدة وان كان لا بد ويقع فلا فايدة في تقدم العلم بها ولا يفيد العلم الا زيادة في الغم ولذا قيل كلياتها لا تدفع وجزئياتها لا تعرف وما فيها الا تقديم هم وتأخير مهم

وجواب هذه الوجوه امر واحد لان مرجعها الى المنع من معرفة تلك التأثيرات على الوجوه الخاصة والحدود المعينة وعدم الفايدة في معرفتها كثيرا وليس هذا هو المراد فانا نقول بموجبه ونمنع من معرفتها الا لمن اشهده الله خلق السماوات والارض وخلق انفسهم واحاط بجزئيات العالم العلوي وكلياته وعرف حدود الكواكب وقراناتها ونسبها واوضاعها واضافاتها وخواصها وتأثيراتها من حيث الافراد ومن حيث الامتزاج وحقيقة الامر الاعتدالي بعد ملاحظة التفاضل والتفاوت بين الطبايع واني لساير الناس غير الملهمين من امر الله المؤيدين بروح القدس ومعرفة هذه الجهات والاعتبارات لان ( ان خ‌ل ) هؤلاء المنجمين ما ضبطوا امر السيارات الا السبعة المعروفة ومن الثوابت الا كواكب البروج والمنازل ومعدودا من سايرها وهذا المقدار لا يكفي في معرفة التأثير والحكم بوقوع شيء او لا وقوعه لان جميع الكواكب لها نسب خاصة الى هذه البروج والمنازل وللسيارات ( السيارات خ‌ل ) وتختلف الاحكام باختلاف ملاحظة تلك النسب والاضافات ولذا ورد عنهم عليهم السلام في علم النجوم ان قليله لا ينفع وكثيره لا يوجد عندهم وقولهم ان المنجم كاذب ورب الكعبة وذلك اذا حكم حكما بتا لا ما اذا قال الذي يظهر لي مما اعرف من قرانات هذه الكواكب التي اعرفها وقوع امر كذا وكذا فانه ليس بكاذب ان كان صادقا مع ان الوجه الاخير من ادلة المنع يرجع الى القول الاول وجوابه جوابه على انا نقول الاتصالات الفلكية كالاسباب الفاعلة والاستعدادات الارضية كالاسباب القابلة او الاثر محتاج الى السببين فالمنجم اذا اخبر عن اتصال فلكي فان كان خيرا سعى الانسان في تحصيل المنفعلات الارضية حتى يكمل الحصول وان كان شرا سعى في دوافع الارضية حتى لا يحصل فان تلك الاتصالات امور اقتضائية ويرفع حكمه او في مانع والموانع الارضية كثيرة اعظمها الدعاء فانه يدفع البلاء وقد ابرم ابراما والتوسل والالتجاء بالكرام واللواذ بالمشاعر العظام والاتيان بالعبادات بقلب تقي وصدر نقي وبدن زكي وتوجه من الاغيار بريء وهي لعمري من اعظم الموانع لمنع تلك الاتصالات عن اقتضائها ان كان شرا ومقابلاتها ان كان خيرا فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال

قال سلمه الله تعالى : وما معنى القول بان زحل يؤثر اثرا طبيعيا في الاجسام وفي الارض بردا ويبسا وتجمدا ويؤثر في النفوس الاستعداد لقبول الخيال والوهم وتعقل الامور

اقول اعلم ان الحكماء والمنجمين وساير العلماء من اهل المعرفة قد اتفقوا ان للكواكب تأثيرا في العالم الارضي خصوصا السيارات وقد اتفق المنجمون على نسبة كل كوكب الى اثر خاص معين وعرفوا بالتجربة ظهور ذلك الاثر منه وجعلوا لكل واحد منها طبايع وصور وسعادة ونحوسة وذكورة وانوثة وكونه ليليا او نهاريا وامثال ذلك مما سنذكر شطرا منه ان شاء الله تعالى ولكنهم تحيروا في الدليل المقتضي لهذه النسب الخاصة والحدود المعينة وتخصيص كل الى كل فاستندوا تارة الى التجارب وتارة الى الاستقراء وتارة الى ظهور الالوان وتارة الى ظهور الطبايع وتارة الى سرعة الحركة وبطؤها وكل هذه وجوه ( الوجوه خ‌ل ) لا يسمن ولا يغني من جوع لا يلتفت اليها العاقل اللبيب ولا يعرج اليها العالم المصيب لانها امور واهية لا تفيد ظنا فضلا عن العلم بل انما هي اوهام فاسدة واحلام كاسدة نعم الاصل في هذه الامور كلها تلقيهم عن الانبياء الذين اشهدهم الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم وقولهم هو الحجة والصواب ولا يعتريه شك ولا ارتياب وحيث انهم عليهم السلام لا يقولون الا عن حجة ولا يتكلمون الا ببينة يجب علينا الفحص عن تلك الحجج الواضحة والبراهين اللائحة وهو قوله تعالى فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وقوله تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة

والذي يختلج ببال الحقير الفقير المعترف بالقصور والتقصير هو الذي اقتبسته من انوار اهل بيت العصمة والرسالة ومعدن الحكم والنبوة الذين هم سر الانبياء وعنصر الاولياء فاستمع لما يتلى ان هو الا وحي يوحي وهو ان العالم الاسفل بمجموعه دليل على العالم الاعلى كما نطق عليه قوله تعالى وقول مولينا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فيكون العالم الاسفل دليلا على العالم الاعلى على حسب مقامه ومرتبته في الدلالة ولما كان الوجود على عالمين عالم الغيب وعالم الشهادة وكان عالم الغيب اصلا لعالم الشهادة وعالم الشهادة هو عالم الاجسام وعالم الغيب هو عالم العقول والنفوس والطبايع والمواد والاشباح وظهور الاصل ( الاصلي خ‌ل ) الاعلى انما يكون في الوجه الاعلى من العالم الاسفل ولما كان مبادي العالم الاجسام واشرف ما فيها الافلاك كانت مظهر تلك المراتب الغيبية ولما كان ظهور عالم الغيب في الغيب على قسمين احدهما ظهور الاجمال والتفصيل من حيث هما وثانيهما ظهور مراتب التفصيل يجب ان يكون في مبادي العالم الاسفل الجسماني حكاية لهذين الظهورين ولما كان ظهور الاجمال والتفصيل مقدما على ظهور المراتب المفصلة وجب ان يكون المظهر الاول في هذا العالم الاسفل مقدما فخلق الله سبحانه العرش والكرسي ليكونا حاكيتين عن عالم الاجمال والتفصيل وهما اصلان عظيمان مخزونان لجميع ما يحتاج العالم الجسماني ثم اراد الله سبحانه وتعالى ان يخلق مظهرا للمراتب المفصلة ليكون بيانا لكيفية تشعب الآثار عن تلك العوالم وكيفية استمداد اهل كل مرتبة من اعلاها مع انحفاظ قاعدة قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم فخلق الافلاك السبعة المعبر عنها بالسموات السبع ليكون كل سماء دليلا على مرتبة من مراتب الغيب ولما كان عالم العقول اول المراتب المفصلة من تفاصيل عالم الغيب كان مظهره من السموات اولها واعلاها المحيط بها ولما كان عالم النفوس تحت عالم العقول وجب ان تكون السماء الثانية مظهرا للنفس ولما كان عالم الطبيعة تحت عالم النفوس وجب ان يكون مظهرها السماء الثالثة ولما كان عالم المواد تحت عالم الطبايع كان مظهرها من السموات الخامسة ولما كان عالم الاشباح والاظلة تحت عالم المواد كان مظهرها من السموات السادسة ولما كان الصور الجسمية والحدود الشخصية الجسدية تحت عالم المثال يجب ان يكون مبدء ظهورها ومنشأ كينوناتها السماء السابعة ولما كانت هذه المراتب الغيبية والشهودية والكرات الصحيحة الاستدارات لها قطب جامع وسر كامن في كمونه ظاهر تدور عليه تلك الكرات والدوائر وكان القطب في الوسط لقوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس كان مظهر هذا القطب ومحل هذا اللب في وسط هذه الافلاك والسموات وهو السماء الرابعة فانتظمت الافلاك والسموات ودل كل فلك وسماء على ما هو المظهر والدليل عليه واثر كل منها بالقاء مثال ظاهر فيه افعاله في المراتب السفلية

ولما بينا وفصلنا في شرحنا على الخطبة الشريفة الطتنجية في ذيل قوله عليه السلام وزينها ( زيناها خ‌ل ) بالكواكب المضيئات ان الكواكب هي اصل الافلاك وسرها وقواها ووجه مبدئها ونسبتها الى افلاكها في المثال التقريبي نسبة المرارة والقوى الى ساير البدن فيكون ما هو المظهر له سره في كوكبه ولما كان زحل هو النجم الثاقب ومقره في السماء الاولى في القوس النزولي كان مظهرا للعقل ولما كان له روح وجسد كان روحه حاملا للمدد ( للجسد خ‌ل ) لتربية العقول الجزئية الظاهرة في المراتب الجسمانية ولما كان كل روح انما ظهر في محل خاص من الجسد لما بينهما من المناسبة الحقيقية والمرابطة الواقعية بروابط عالم المثال كان جسم زحل مربيا للمحل الظاهر فيه العقل من تجويف من تجاويف الدماغ وغيره من المراتب على حسب ظهور العقل فيه ولما كان العقل اول عابد لله وخاضع له لسر ( بسر خ‌ل ) العبودية لانه اول خلق استنطقه الله فقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فهو الظاهر بالاستكانة والخشوع والانقياد والتذلل لرب العباد فما هذا شأنه يكون طبيعته طبع التراب المناسب للمسكنة اماسمعت الله تعالى يقول او مسكينا ذا متربة وقد قال الصادق عليه السلام في كوكب زحل انه هو النجم الثاقب وانه يأمر بالزهد وافتراش التراب ولذا كان كوكب امير المؤمنين عليه السلام وهو ابوتراب فنسبت اليه البرودة واليبوسة ولما كان كل ممكن له جهتان جهة انية وجهة الوجود وهو بجهته مؤثر في الموجودات نسب اليه صورة كل جهة وطبعه ومزاجه وعمله مما سنفصله لك ان شاء الله تعالى فكان زحل مربيا لكل ما يتعلق بالبرودة واليبوسة اي الغالب فيه من المزاج والصفات والطعوم والالوان والاعضاء والاماكن والازمنة وفي ساير ما غلبت عليه اليبوسة والجمودة ويؤثر في النفوس بباطنه وروحه الاستعداد بحفظ القابلية بقوة البرودة واليبوسة التي هي علة الامساك والقبول وحفظ ما يرد عليه من الافاضات والامدادات واذا ورد ان الله تعالى ما بعث نبيا الا وهو صاحب مرة سوداء صافية وانما غلبت السوداء لقوة الماسكة والحافظة لما يرد عليه من الافاضات والامدادات الالهية وقولهم انه يؤثر في النفوس للاستعداد لقبول تعقل الامور صحيح لا شك فيه لما ذكرنا انه مرب للعقول وقد روي ان النبي صلى الله عليه وآله قال في ليلة المعراج لما صعدت الى السماء السابعة ما مر بي ملك من الملئكة في تلك السماء الا واوصاني ان آمر امتي ان يحجموا في القفاء لان الدم حار رطب ومزاجه يضاد العقل الذي هو بارد يابس فاذا قوى الدم ضعف العقل واذا احتجموا على القفا يجذب الدم الفاضل الغالب وتقوي اليبوسة المعتدلة مع البرودة كذلك ويتقوى العقل لذلك

واما قولهم يؤثر في النفوس الاستعداد لقبول الخيال والوهم فوهم لان المربي للخيال هو الزهرة وللوهم هو المريخ والمناسب للخيال لاجل انه صورة البرودة والرطوبة والمناسب للوهم الحرارة واليبوسة كما سنذكره ان شاء الله تعالى وزحل بارد يابس فلا يناسبه تربية هذه المحال الا ان يراد بالاستعداد مقدار ما يمسك ويحفظ هذه القوى فحينئذ يصح انتساب الاستعداد بالمعنى الذي ذكرنا

ثم اعلم انهم قالوا ان زحل كوكب نحس وهو النحس الاكبر لظاهر طبعه من البرودة واليبوسة المفرطين اللتين هما طبع الموت وقد ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ان كوكب زحل كوكب امير المؤمنين عليه السلام وهو سعد اكبر فما يناسب اليه يكون في الغاية من السعادة وهذا ينافي ما اتفق المنجمون عليه من انه النحس الاكبر ورفع المنافاة بين قولهم وبين ما ورد عن ائمتنا عليهم السلام بان نقول انه نحس على اهل الدنيا وسعد على اهل الآخرة ونحس على المخلدين على الارض في الشهوات والمطموسين في بحر الطبايع والماهيات وسعد على المتخلفين عن اللذات والمستأنسين بمناجاة بارئ المسموكات والمعرضين عن الشهوات كما كان امير المؤمنين عليه السلام كذلك فانه نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وهو سور باب مدينة العلم الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهو من الذين اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وهو الماء الذي شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فافهم المطابقة على وجه الموافقة وتعيها اذن واعية فتبين لك من هذا البيان التام انه سعد لاناس ونحس لاقوام ومن هذه الجهة ذكر اهل العلم ان له طبيعتين ظاهره برودة ويبوسة وباطنه حرارة ورطوبة فالظاهر موت وقلع وقمع والباطن حيوة ووصل وجمع فافهم فقد اوقفتك على ما لم يذكر في خطاب ولم يسطر في كتاب فاغتنم وكن من الشاكرين

قال سلمه الله تعالى : وما معنى ان له في جميع الموجودات اثرا لا يحصى

اقول لقد تبين مما ذكرنا معنى تأثيره في الموجودات لان له نظرا في كل الموجودات وهو حامل لاثر فعل الله في انحاء الاضافات مما يناسب طبيعته في الظاهر والباطن وان اردت بعض تفصيل ما يضاف اليه من الآثار في جميع الموجودات فاعلم ان اثره في الطعوم البشاعة والعفوصة والحموضة الكريهة النتن وفي الالوان السواد الحالك وما مازج لونه الصفرة واللون الرصاصي والظلام وفي الملموسات ابرد الاشياء واصلبها وايبسها او اقذرها وفي المقادير القصر واليبوسة والثقل والصلابة وفي الامكنة الجبال اليابسة التي لا ينبت فيها والاراضي الصلبة وفي المساكن السراديب والنواويس والآبار العميقة والابنية العتيقة والصحارى السبخة ومرابط الثيران والحمير والخيل وفي البلاد السند والهند والزنج والحبشة وقبط وسودان بين الجنوب والمغرب واليمين والمغرب وفي الفلزات الاسرب وخشب الحديد والحجارة الصلبة وفي المعادن اللازورد والسبح وفي الفواكه الفلفل والشاه‌بلوط والزيتون والزعرور والرمان الحامض والعدس والكتان والشهدانج وفي الاشجار العفص والهليلج والزيتون والفلفل والخروع وكل شجرة كريهة الطعم منتن الريح وكل شجرة ذات ثمرة صلبة القشر كالجوز واللوز وفي الزروع كل حب بارد يابس وفي الادوية العقاقير الباردة اليابسة التي في الدرجة الرابعة سيما المحذرة منها وفي القوى القوة الماسكة والمرة السوداء والقوة الحافظة وقوة العاقلة وفي الاعضاء البسيطة الشعر والجلد والظفر والريش والعظام والمخ والقرون والظلف وفي الاعضاء المركبة الاليتان والدبر والمصارين والبول والعذرة والظهر والركبتان وفي آلات الحس القوى الشامة والاذن الايمن والمنخر الايمن وفي الاسنان الشيخوخة وفي الانسان الآباء والاجداد والاخوة والاكابر والعبيد وفي الصور كل قبيح المنظر ممشوق عبوس عظيم الرأس اقرن صغير العين واسع الفم غليظ الشفتين كثير الشعر اسود متغير اللون الى الادمة وقص ضخم الكتفين قصير الاصابع ملتوي الساقين عظيم القدمين وفي الاخلاق الباطنة الهارب الفزع المفكر الجبان المتخيل المكار الحقود المنقبض الجياد الموسوس الذي لا يعلم احد ما في نفسه ولا يحب الخير لاحد وفي الافعال الظاهرة صادق القول والمودة صاحب التؤدة والتجارب بعيد الغور كتوم السر اذا غضب لم يملك نفسه مصر على فعله وفي الافعال والطباع الغربة الطويلة والفقر الشديد والثروة مع البخل على نفسه وغيره والعسر والنكر والشدايد والهموم والحيرة وايثار العزلة واستبعاد الناس بالظلم واستعمال الفسق والحيل والبكاء والحزن وفي اطباق الناس ارباب الصنايع وقهارية الملوك ونساك الملك المشقشقون والعبيد المكدكدون والخصيان واللصوص وفي الاديان اليهودية وسواد اللباس وفي ذوات الاربع الحيوانات السود وما يأوى تحت الارض والبقر والمعز والنعامة والسنجاب والسمور والسنانير والفارة واليربوع والحيات العظام السود والعقارب والبرغوث والخنافس وفي الطيور طير الماء وطير الليل والغربان والخطاطيف السود والذبان فهذه المذكورات وامثالها من اطوار الموجودات آثار ظاهرة وهي في كل شيء ولا يمكن احصاؤه وما ذكرنا بعض انواعه للاشارة الى نوع البيان

واما آثاره الباطنية فاضداد ما ذكرنا حرفا بحرف

واما صورته فذكروا له صورتان احديهما انه شيخ بيده اليمنى رأس الانسان واليسرى كف انسان وهو يحرك الموتى بعصاه والثانية راكب فرس اشهب على رأسه بيضة وبشماله ترس قد علا به وجهه وفي يمناه سيف

قال سلمه الله : وما المراد من فيض المشتري على الاجسام ما يحفظ قواها وهيئاتها على اتم صفاتها واعدلها وما المراد من تولية قوى التناهي في الاجسام نباتيا وحيوانيا حتى تهيأ لقبول الاجناس بواسطة فيضه الاعتدالي

اقول لما ذكرنا ان الفلك السادس السماء السادسة في قوس الصعود والثانية في النزول مظهر لعالم النفوس وهي ( هو خ‌ل ) الصور المجردة عن المواد الجسمية والصور الشبحية والمدة الزمانية وهي العلم الصور المخزونة في الصدور ولما كان سر الفلك في كوكبه كان المشتري مظهرا للنفس وحاملا لمثالها وفيها الصور والهيئات المفصلة والمتنزلة من عالم العقل الذي مظهره زحل وحيث ان الحاكي حامل مثال العالي المحكي فتظهر الافعال من هذا الحامل على ذلك المثال ولما كان المثال من عالم النفس وذلك هو العلم لان العلم حصول صورة الشيء في الصدر الذي هو دون رتبة العقل وقشر للقلب ( القلب خ‌ل ) المقتضي للخوف وهو قول الصادق عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف وقول عليّ بن الحسين عليه السلام لا علم الا خشيتك ولا حكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم ولما كان المشتري واقفا على هذا الباب وحاملا لذلك الجناب كان من فيضه الصور والهيئات والنهايات والقوي المتعينة والحدود المشخصة بحكم المناسبة المذكورة والحكاية المزبورة ولذا كان كوكب العلماء والقضاة ومظهر الحدود والانيات وقد ورد عن الصادق عليه السلام ان المشتري نزل الى ارض العجم ولزم احد اولادها وعلمه علم النجوم ثم سئله عن موضع المشتري الآن فنظر الى محله فلم يجده فلم يعرف الجواب فتركه ومضى الى الهند ولزم احد اولادها وعلمه العلم المذكور ثم سئله عن موضع المشتري فنظر المتعلم الى محاله ومواضع حصوله وتأمل تأملا تاما ثم قال ان حسابي يدلني على انك انت المشتري نقلته بالمعنى فظهر لك ان جميع ما يتعلق الى الصور والحدود والهيئات منسوبة اليه ومتعلقة به على الوجه الاعلى ولذا كانت طبيعته حارة رطبة اما الحرارة فلكونها وجه العقل واما الرطوبة فلانه محل النقوش والحدود والصور وله طبيعة اخرى باطنه وهي البرودة والرطوبة كما هو مقتضى مقام الكثرة ومن هذه الجهة قالوا ان المشتري بظاهر جسده يفيض على الاجسام ما يحفظ قواها وهيئاتها وهي القوى الجسمانية الظاهرة في الدماغ في الكبد في الاخلاط وساير المواقع والمحال التي هي محال للقوى الروحانية التي تفاض من المشتري بواسطة روحه الحاملة لظهور النفس الكلية كما ان جسمه حامل لظهور الكرسي الظاهر بمنطقته في البروج والمنازل وحيث كانت هذه الصور من آثار النفس القدسية والملكوتية الالهية التي اصلها العقل منه نشأت وعنه وعت واليه دلت واشارت وشابهته اذا كملت فهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى والجنة المأوى وقالوا انه يفيض على الاجسام المدد الصوري الذي يحفظ به قواها وهيئاتها على اتم صفاتها واعدلها فيكون هو المتولي لقوة التناهي في الاجسام اي الحد الخاص الذي تنتهي اليه الاجسام بما هي عليه من القوى والطبايع ومن النبات والحيوان حتى تتهيأ تلك الاجسام لقبولها التحصص بالحصص الجنسية بالحدود النوعية والصور الشخصية بواسطة فيضه الاعتدالي المقتضي لظهور تلك الاجسام على كمال ما ينبغي من الصور الحقيقية الذاتية ومن هذه الجهة نسب اليه كل معتدل الصورة معتدل الهيئة معتدل الطبيعة

ولا بأس بان نشير الى بعض ما ينسب اليه من المتعلقات الجسمانية فنقول ( ونقول خ‌ل ) انه ينسب اليه من الطعوم الحلاوة والمرارة الطبيعية ومن الالوان البياض المشوب بصفرة او سمرة والضياء والبريق والغبرة ومن الملموسات اعدل الاشياء واتمها واحسنها واطيبها واسلسها ومن المقادير الاعتدال في الخشونة والملاسة ومن الامكنة الاراضي السهلة ومن المساكن المساكن العامرة ومنزل الاشراف والمساجد والبيع والكنايس ومسكن العباد والمعلمين ومن البلاد ارض بابل وخراسان والبربر الى المغرب والترك ومن الفلزات مرقشيشا وتوتيا وكبريت وزرنيخ الاحمر وكل حجر ابيض واصفر وحجر مرارة البقر ومن المعادن الرصاص القلعي واسفيداج والشبه الفاتق والالماس ومن الفواكه الرمان الحلو والتفاح ومن الاشجار كل شجرة لها ثمرة حلوة قليلة الدسم كالتين والخوخ والمشمش والاجاص والنبق وهو شريك الزهرة في الاشجار الفاكهة وفي الزروع الورد وكل نبات ارج الرايحة والحنطة والشعير والارز والحمص والسمسم والذرة ومن الادوية ما يكون معتدلا في الحرارة والرطوبة ويكون نافعا ومن القوى الغاذية والنامية والمصورة ومن ذوات الاربع والبهايم الاهلية وذوات الاظلاف والابل وكل دابة حسنة اللون او طيبة اللحم مما يؤكل ومن الطيور كل طير مستوي المنقار والحمامة والدراج والديك والدجاج وفي الاعضاء البسيطة الشرائين النافضة والمخ والنطفة والقرون ومن الاعضاء المركبة الفخذان والامعاء والرحم والحلق ومن آلات الحس اللمس والاذن الايسر ومن الاسنان الكهولة ومن الانساب الاولاد واولاد الاولاد ومن الصور جسم مكلثم الوجه غليظ الارنب ناتي الوجنتين عظيم العين فيها شهلة خفيف اللحية ومن الاخلاق الباطنة حسن الخلق ملهم بالعقل عظيم الهمة ورع منصف موصوف بالرياسة على الامصار حريص في العمارات ومن الافعال الظاهرة فهم سخي النفس صادق المودة مفتخر كاره للشر ( للشرور خ‌ل ) ومن الافعال والطبايع معونة الناس والاصلاح وبث الصدق فيهم واظهار السرور لكل من يقاربه والتمسك بالدين والامر بالمعروف وصدق الرؤيا وكثرة الضحك والمزاح وشدة الرغبة في المال والمستقلات ( المستغلات خ‌ل ) والتعزز بالنفس ومن اطباق الناس الملوك والوزراء والاشراف والعظماء والقضاة والعلماء والعباد والتجار والاغنياء ومن الاديان النصرانية وبياض اللباس وهذه وامثالها مما يناسبها ويشاكلها هي منسوبات المشتري ومتعلقاته ( متعلقاتها خ‌ل ) ومواضع تصرفاته ومحل القاء امثلته باشعته وقراناته وحيث كانت طبيعته حارا رطبا معتدلا وفي باطنه باردا رطبا كذلك فله صورتان اما صورته الاولى فشاب في يمناه سيف مسلول ( السيف المسلول خ‌ل ) وفي يسراه قوس وهو راكب برذون واما الاخرى فرجل على كرسي عليه ثياب مختلطة الالوان وبيسراه خود

قال سلمه الله تعالى : وما المراد من فيض المريخ على الاجسام الحرارة الغريزية حتى تتهيأ لقبول التغيير بقوة الحرارة وكيف يكون كزحل في باب التغيير بالافساد وما معنى افاضته على النفوس الخمسة الغضب والمكر وسوء الاعتقاد وما يؤدي معناها من الافعال الذميمة

اقول لما ذكر سابقا ان السماء الخامسة في القوس الصعودي والثالثة في النزول مظهر للطبيعة الكلية وهي من حيث انها مبدء الاجسام ولها هيمنة وقهارية وفعل وتأثير في ما يتعلق به من الاجسام تكون حارة يابسة طبع النار ومن حيث انها آخر مراتب الخلق الاول ومقام خفاء القوى الروحانية وهي المسماة بموت عالم الغيب ومقبر الارواح واليها الاشارة في قوله تعالى ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور القبور الطبايع التي ينقطع ظهور الارواح في القوس النزولي عندها واليها ايضا يشير سبحانه في قوله الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر اي مقابر الطبيعة وهذا العالم انما يحصل بمزج عالم الغيب بعضه في بعض وبرد عاليه الى سافله ورطبه الى يابسه وغليظه في كثيفه بحيث يحصل من مجموع الضم والامتزاج حقيقة اخرى غير متصفة بصفات واحد منها الماحي لظهور تشخص كل منها الجامعة لمقتضياتها من حيث الاجمال لا من حيث التفصيل فهي مقام خفاء عالم الانوار وغيبوبة عالم الاسرار فهي من هذه الجهة تكون باردة يابسة او باردة رطبة على الاختلاف فظاهرها حار يابس وباطنها بارد يابس او بارد رطب ولذا قالوا ان المريخ شيخ كبير قاعد على كرسي من النار فالشيخوخة طبعها البرودة والرطوبة او اليبوسة والنار طبعها الحرارة واليبوسة والقعود على الكرسي كناية عن ظهوره بطبيعة النار ولما كانت هذه الحرارة غير ذاتية كالمشتري والشمس لم تكن معتدلة ولذا نسبت اليه النحوسة فهو من حيث الحرارة يفيض على الاجسام الحرارة الظاهرية حتى يتهيأ ( تتهيأ خ‌ل ) تلك الاجسام للانعقاد بالكينونة التي تقتضيها كما هو شأن فيض الطبيعة واما انه كزحل في باب التغيير بالافساد فمن جهة ان زحل طبيعته باردة يابسة مفرطتان والمريخ حارة يابسة يبوسة مفرطة وهما مضادان ( متضادان خ‌ل ) للحيوة لانها حارة رطبة فالبرودة تضاد الحرارة واليبوسة تضاد الرطوبة فزحل على هذا التقدير في الغاية من النحوسة واما المريخ فانه بظاهر طبيعته حارة يابسة واليبوسة وان كانت تضاد الحيوة لكن الحرارة لا تنافيها فتكون نحوسة المريخ اقل من نحوسة زحل وايضا ان زحل مفرط في البرودة والمريخ مفرط في اليبوسة والبرودة قوة فاعلة واليبوسة قوة منفعلة فما هو نحس بالقوة الفاعلة اقوى مما هو نحس بالقوة المنفعلة فمن هذه الجهة قالوا ان زحل هو النحس الاكبر والمريخ هو النحس الاصغر وايضا ان نحوسة زحل متعلقة بالجهل الكلي الذي هو مقابل للعقل الكلي ونحوسة المريخ متعلق بجهنم واطوارها وطبقاتها ولا ريب ان جهنم فرع من فروع الجهل الكلي فيكون زحل في مقام النحوسة اقوى من المريخ ولما كان المريخ هو مظهر عالم الطبيعة وهي اول مقام ظهور الانية والماهية في المراتب الشهودية فلا شك ان متعلقها من هذه الجهة لا يكون الا من نوع الفساد وخلاف الاعتدال فافهم ثم ان ما ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ان المريخ كوكب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو سعد مناف لما ذكره المنجمون من انه النحس الاصغر وبيانه والكلام فيه كما مر في زحل حرفا بحرف فلا نعيده

واما معنى افاضة المريخ على النفوس الخمسة وهي القوي الدماغية الغضب والمكر وسوء الاعتقاد فظاهر على ما ذكرنا من انه يؤثر الحرارة واليبوسة المفرطتين الغير المعتدلين فمقتضى عدم الاعتدال الفساد ومساوي الاخلاق ورذائل الافعال وها نحن نذكر بعض متعلقاته وآثاره كما ذكرناه في زحل والمشتري فنقول ان من آثاره في الطعوم المرارة وفي الالوان الحمرة المظلمة وفي الملموسات اخشن الاشياء واخسها واحدها وفي المقادير الطول والحثورة والحقارة والخشونة وفي الامكنة الاراضي الخشنة وفي المساكن موضع النيران وما يصنع الفخار وفي البلاد الشام والروم وما كان بين المغرب والشمال وفي الفلزات مقناطيس وشاهدانج وزنجفر وفي المعادن الحديد والنحاس وفي الفواكه اللوز المر وفي الاشجار كل شجرة مر حارة كثيرة الشوكة لثمرها نوى او قشر وطعمه يكون حريفا او حامضا كالكمثري والعوسج وفي الزروع الخردل والكراث والبصل والثوم والسداب والفجل وبادنجان والحبة الخضراء وفي الادوية ما يكون سما حارا في الرابعة وفي القوة القوة الغضبية والواهمة وفي ذوات الاسود والنمور والذباب والخنازير والكلاب وكل سبع والافاعي والحيات وفي الطيور الطيور المعقفة المناقير وكل طاير احمر والزنابير وفي الاعضاء البسيطة الاوردة وفي الاعضاء المركبة الساقان والمرارة والكليتان وفي آلات الحس الشم والعين اليسرى وفي الاسنان الشباب وفي الانساب اخوة الاوساط وفي الصور طويل القامة عظيم الهامة صغير العين والاذن والجبهة حديد النظر ازرق قليل اللحم احمر الشعور وسبطه وفي الاخلاق الباطنة اضطراب الرأي وقلة الثبات والخرق والجهل وقلة الحيلة والورع وفي الافعال الظاهرة صاحب الجسارة والاقدام واللجاج والسفه وفحش اللسان والطيش والخداع مع سرعة الرجوع وفي الافعال والطباع الغربة والاسفار والخصومة والحرب واعمال الشر وقلة الخير وافساد الاشياء الصالحة والكذب والنميمة والايمان الكاذبة وكثرة الشهوة للفاحش والحرص والغضب والقتل والاباق وكل ما يحدث فجأة وفي اطباق الناس القضاة والجنود المقاتلون وفي الاديان عبدة الاصنام وشرب الخمر وحمرة اللباس وهكذا ساير متعلقاته في ما يتعلق بظاهره من النحوسة والافساد واما ما يتعلق بباطنه فمقابلات ما ذكرناه فان الله سبحانه وتعالى يقول فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فافهم ضرب المثل واما صورته فاثنتان لان له طبيعتان فاحدهما شاب راكب اسدين بيمناه سيف مسلول وبيسراه طبرزين والثانية راكب فرس اشهب على رأسه بيضة وفي شماله رمح عليه حربة حمراء وفي يمناه رأس انسان وثيابه حمراء فافهم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى فيض الشمس على النفوس قوى القلب والقهر حتى تؤدي النفوس الى العلو والتسليط والقهر وعدم الانقياد حتى يصير المرء لا يلقى زمامه بيد غيره وما المراد من فيضها على الطبع حرارة غريزية ملائمة وكيف يفعل في النفوس الاعتدال وزيادة الحركات

اقول لما ذكرنا سابقا ان السماء الرابعة وسط الافلاك السبعة وقطبها ومظهر باطن العرش الذي هو القطب في العوالم الجسمانية والمراتب الشهودية والمظهر حكاية للظاهر ومحل لالقاء مثاله وموقع لظهور افعاله وذكرنا ان الفلك سرة الكوكب واصله وحامل الاسم الظاهر فيه كانت الشمس هي الاصل الذي تدور عليه الافلاك السبعة ولها السلطنة العظمى والهيمنة الكبرى عليها ومن هذه الجهة ليس لها عرض لانها دائما تنظر الى القطب الظاهر باعظم دوائره وهي النقطة ومن هذه الجهة وجبت ان تكون حارة يابسة معتدلة فيهما لانهما مزاج القطب المؤثر والفعل المدبر ويجب ان يكون في الغاية من الضياء والنورانية لانها مظهر للنور الاعظم والسر الاقدم الذي هو باطن العرش ولذا ورد ان الشمس تكتسي بحلة من ضوء العرش وحينئذ تفيض على المواد السفلية بنورها واشعتها ما يناسب مقامها ومرتبتها وهو الهيمنة والاستيلاء والقهر والغلبة والتعزز والتمنع ولذا قالوا انها تفيض على النفوس بروحها ونفسها بحكم المناسبة قوى الغلب والقهر حتى تؤدي النفوس الى العلوي وتظهر فيها مثال القطب الذي هو الاستعلاء ( الاستيلاء خ‌ل ) والغلبة على ما سواه والتسلط والقهر على من عداه وعدم الانقياد لاحد لان هذه الاخلاق سر السلطنة وظهور القيومية ومقام التفرد والاستقلال وان يكون الشيء بحيث لا يلقي زمامه بيد غيره لما فيه من ظل الربوبية الملقى اليه بواسطة الشمس من المبادي العالية وشأن الحرارة واليبوسة التي هي شأن النار التي هي مزاج الفاعل الارتفاع والاستعلاء والغلبة والشمس حاملة هذه الآثار كما هو الظاهر لمن جاس خلال تلك الديار

وقولكم ما المراد من فيضها على الطبع حرارة غريزية ملائمة كيف تفعل في النفوس الاعتدال وزيادة الحركات وقد تبين المراد مما ذكرناه من حال الشمس وكينونتها فتكون هي الاصل في افاضة الحرارة الغريزية المعتدلة الملائمة لان المفاض عليه يكون على هيئة المفيض وصفته وحيث كانت الشمس في الغاية القصوى في الحرارة واليبوسة الاعتداليتين ( الاعتداليين خ‌ل ) فيكون ما نسب اليه كذلك في الاعتدال على حسب مقامه ولذا كان الذهب صافية معتدلة مصفاة عن الغرايب والاعراض والحرارة الغريزية الملائمة مقتضية للاعتدال وقوة ظهور الروح الحيواني المقتضي لزيادة الحركات واما متعلقاتها في العالم السفلي ففي الطعوم الحرافة وفي الالوان الضياء والشقرة والصفرة وفي الملموسات اعظم الاشياء واشرفها واكرمها وفي المقادير الاستدارة واللمعان والتملل وفي الامكنة الجبال ذوات المعادن وفي المساكن بيوت الملوك وفي البلاد الحجاز وبيت‌المقدس وارمنية وديلم وخراسان الى الصين وفي الفلزات اللازورد والرخام والكباريت والزجاج والسندروس والزفت وفي المعادن اليواقيت وكل حجر ثمين والذهب الابريز وفي الفواكه الاترج وفي الاشجار كل شجرة شاهقة يانعة لثمرها دسم كثير فيستعمل فاكهتها كثيرة كالنخل والكرم وفي الزروع قصب السكر والمن والترنجبين والارز الهندي وفي الادوية ما يقصر حرارته عن الدرجة الرابعة ويكون نافعا مستعملا وفي القوى الحيوانية وفي ذوات الاربع الغنم والخيل والغزلان وفي الطيور العقاب والبازي والديك والقماري وفي الاعضاء البسيطة الدماغ والعصب والجانب الايمن من البدن وفي الاعضاء المركبة الفم والاسنان والرأس والصدر والجنب وفي آلات الحس البصر وفي الاسنان وسط العمر وفي الانساب الآباء واوساط الاخوة والمولي وفي الصور عظيم ( عظم خ‌ل ) الهامة سمين ابيض مشرب صفرة سبط الشعر في بياض عينه ( عينيه خ‌ل ) صفرة قوى البدن ذو تمكن وفي الاخلاق الباطنة ( الباطنية خ‌ل ) العقل والمعرفة والفهم والذكاء والبهاء والزهو والاستطالة والعظمة والسنا والحسن ومخالطة الناس والانقياد لهم وسرعة الغضب وفي الافعال الظاهرة صاحب الثروة والشوكة والاستيلاء والعزة والقهر والجلال وفي الافعال والطباع الحرص والرياسة والرغبة في جمع المال واهتمام امر المعاد والاقتدار على الاشرار وذوي المعاصي فيضر وينفع ويسيء من حاربه جدا فاذا كانت في شرفها دلت على الملوك وبالضد على الملك الذين يزول عنهم الملك وفي اطباق الملوك والرؤساء واصحاب التدابير والقضاة وفي الاديان صاحب الناموس الاكبر وامثالها مما فيه استعلاء وحرارة معتدلة ورياسة وعزة واما صورتها رجل بهي المنظر بيده اليمني عصاة يتوكؤ عليها كهيئة القوس راكب عجلة يجبر بها ( يجريها خ‌ل ) اربعة من الثيران وفي يده ضربة وصورتها الاخرى رجل جالس وجهه كالطبق قابض على اعنة اربعة افراس فافهم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى فيض الزهرة على الاجسام الحرارة والرطوبة وتأثيرها في النفوس السرور والهوى والفرح وما معنى صدور قوى التوليد عنه في العالم الحيواني

اقول لما ذكرنا ان السماء الخامسة في النزول والثالثة في الصعود مظهر المادة الجسمانية والمادة جهة التأليف والاجتماع والربط والميل والمحبة ورفع النفرة وتلائم الطبيعة ونفي الكثرات الموجبة للاختلافات الموجبة للمنافرات وذكرنا ان سر السماء في كوكبها وهو مربيها ظهر لك ان الزهرة كوكب شأنه التأليف والمحبة وثوران الود والايتلاف لان تأثيرها بالقاء اشعتها في الظاهر والباطن موجب لظهور هذه الآثار المذكورة فان الاثر على شبه صفة مؤثره فهي حارة رطبة وحرارتها اقل من رطوبتها فهي الى البرودة اقرب منها الى الحرارة ومن هذه الجهة نسب اليها الكبد الذي فيه قوى التوليد من ايتلاف العناصر والاخلاط وهو لا يكون الا بحرارة ورطوبة معتدلتين لتمام النضج والايتلاف فان التوليد لا يكون الا من مناسب المناسب وبالجملة من آثارها جميع ما يتعلق بالتأليف والميل والمحبة والاعتدال وان اردت تفصيل بعض انواعها فاعلم ان اثرها في الطعوم الدسومة التي فيها تلزز الاجزاء الموجبة للايتلاف والربط التام الكامل وفي الالوان البياض الناصع والسمرة والادمة والضياء وقيل لها الخضرة وهو غير بعيد وفي الملموسات انعم الاشياء والذ واحملها وفي المقادير السيلان واللين وفي الامكنة الاراضي الكثيرة المياه وفي المساكن الاماكن المونقة والطرق ( الطريق خ‌ل ) التي فيها المياه وفي البلاد اهل بابل وعرب الحجاز وكل بلدة في جزيرة وفي الفلزات المغنيسا والكحل وفي المعادن اللؤلؤ والزبرجد والجزع والحلي المرصع بالجواهر واواني البيت من الذهب والفضة والرصاص والنحاس وفي الفواكه التين والعنب وفي الاشجار كل شجرة لينة المس طيبة الريح والمنظر كالسرو والساج والتفاح والسفرجل وفي الزروع الحبوب اللينة والادهان والشعير والقثاء والخيار والبطيخ وفي الادوية ما يكون ( تكون خ‌ل ) معتدلا في الرطوبة والبرودة لذيذا نافعا وفي القوي الشهوانية والخيالية وفي ذوات الاربع كل ذي حافر ابيض واصفر من الوحوش وكذلك الحيتان وفي الطيور الفواخت والعندليب والجراد وما لا يؤكل من الطير وفي الاعضاء البسيطة النخم واللحم والمني وفي الاعضاء المركبة الرحم والمذاكير وآلات المباضعة وفي آلات الحس الاستنشاق والعين اليمنى وفي الاسنان وقت البلوغ وفي الانساب النساء والامهات والخالات وفي الصور صبيح مكلثم الوجه ابيض مشرب الحمرة سمين ذو تمكن كثير اللحم حسن العين واسواده وسواده اوفر صغير الاسنان مليح العين قصير الاصابع غليظ الساق وفي الاخلاق الباطنة حسن الخلق والبهجة والشهوة وحب الغناء واللهو واللعب والفرح والتحمل والعدل والطمأنينة الى كل احد يلائمه طبعه وحاله وفي الافعال الظاهرة السخاء والحرية والرأفة على الاخوان والنظافة والعجب والزهو وقوة البدن وضعف النفس وحب الاولاد وجمهور الناس وفي الافعال والطباع البطالة والضحك والاستهزاء والرقص والخلاعة وحب اللهو واللعب والنرد والشطرنج وايمان الكذب والخداعة والتصدي للرجال وكثرة النظر في وجوه المرد وكثرة النكاح في الدبر والقبل وحب الزانية والبطر وفي اطباق الناس الاغنياء ونساء الملوك والزواني واولادهم وفي الاديان الاسلام واما الصورة فله صورتان احديهما امرأة راكبة جمل وبين يديها بربط تضرب به والثانية امرأة جالسة مرخاة الشعر وعلى يمناها امرأة تنظر اليها في ثيابها خضرة او صفرة وعليها اسورة وطوق وخلاخل فافهم راشدا واشرب صافيا

قال سلمه الله : وما المراد من فيض عطارد القوى النارية لقبول التعدي وما معنى روحانية فعله وكيف تأثيره في النفوس الذكاء وحدة الفهم حتى يتصور الامثلة على اتم احوالها وهيئاتها افض على سلسال اللطف

اقول لما كانت السماء الثانية في الصعود والسادسة في النزول مظهرا لعالم المثال والاشباح مقام الصور والنقوش المتنزلة من عالم النفوس وهي الصور البرزخية والحدود الشبحية ولما كان المظهر على مثال الظاهر كان عطارد اصلا لاظهار الصور والخيالات وانزالها في القوى المفكرة وما يناسبها من ساير الاكوان الجسمانية السفلية ولما كانت الصور البرزخية انزل من الصور الجوهرية النفسية وكلما نزلت المرتبة كانت الكثرة فيها اقوى واعظم واشد كان ظهور الكثرات في هذا الفلك وهذه السماء لا سيما في هذا الكوكب الذي هو سر الفلك واصله اكثر واعظم ولذا نسبت اليها المفكرة التي تجمع بين المختلفات وتباين بين المؤتلفات وتلاحظ القرانات زايدا عما عليه الصور من الحالات والنسب والاضافات ولذا كانت افلاكه اكثر من غيره وله اوجان وحضيضان وحاملان المسمى احدهما بالمدير وورد ان ملائكة هذا الفلك اكثر من جميع الافلاك من حيث ظهور الصور النسبية والاحوال والقرانات وما ورد ان ملئكة السماء الثانية عشر ملائكة السماء الثانية ( الثالثة خ‌ل ) فالمراد به الاصول بدون ملاحظة ما تصوره المتخيلة والمتفكرة وفي هذه السماء مقر الملئكة الثلاثة شمعون وسيمون وزيتون وتحت كل واحد منهم من الملئكة ما لا يحصى عددهم الا الله سبحانه وهم موكلون بانزال الصور المتنزلة من العوالم الغيبية الى القوة الفكرية ولذا سمي عطارد فالكاتب لكثرة الصور والحدود والخطوط والهيئات والرسوم الظاهرة في فلكه وتوابعه ولما كانت العمدة من شأن عطارد ملاحظة القرانات واظهار الصور النسبية والاضافية واظهار الحالات والصفات المكنونة في الحدود قبل حصول المقارنة لم يعتبر حاله وطبيعته من حيث نفسه وانما اعتبر من حيث غيره وقالوا انه ليس له طبيعة منفردة وانما هي تابعة لما يقارنه في الطبيعة والسعادة والنحوسة والتأثير وسموه بذي جسدين وذلك لما ذكرنا لك من اقتضاء مقامه من اظهار الصور الحاصلة بقرانات الصور المتباينة والحدود المتخالفة والا فكيف يمكن ان يكون خاليا من الطبايع وان قالوا ذلك في الافلاك وزعموا انهم لو اثبتوا لها طبايع يلزمهم تركيبها وقد اثبتوا انها بسايط ولم يعلموا ان الممكن يمتنع ان يكون بسيطا والبسيط من جميع الجهات هو الله سبحانه وكل ممكن زوج تركيبي وكل كوكب عطارد فان له طبيعتين لكونه منشأ للصور ومحلا للحدود والاعراض والصور والقرانات والنسب والاضافات فمن جهة الصورة وربط الحدود والمشخصات يقتضي ان يكون طبيعة باردة رطبة ومن حيث ان الصورة محدودة مشخصة محفوظة متماسكة الاجزاء حافظة لما هي عليه من الاحكام الخاصة بها منجمدة منعقدة غير ذائبة كانت طبيعتها باردة يابسة اما البرودة فلانها مقام الانية ومقام الحجاب والبعد عن الفعل الالهي الذي هو الحركة الايجادية تقتضي الحرارة واما اليبوسة فلانها حافظة ماسكة واما الرطوبة في الصورة الاولى فلسرعة القبول والتشكل وربط الاجزاء بعضها ببعض فعطارد له ثلاث طبايع طبيعة لظاهره وهي البرودة والرطوبة وطبيعة لباطنه وهي البرودة واليبوسة وطبيعة له عند اقترانه بغيره ولما كان المعتبر فيه ضبط هذه النسب والاضافات والقرانات جرت عليه حالة النسبة الحكمية التابعة للطرفين فهو بهذا النظر يكون ذا جسدين واما ان عطارد يفيض القوي النارية فلا يكون ذلك الا عند اقترانه بالشمس او المريخ او حلوله في البروج النارية وامثال ذلك واما بدون ذلك فلا لما ذكرنا من عدم اقتضاء طبيعة الذاتية الظاهرية والباطنية وما يقارنه من الكواكب الباردة بالطبع او الحارة بحرارة معتدلة فقولكم وكيف تأثيره في النفوس الذكاء وحدة الفهم حتى يتصور الامثلة على اتم احوالها وهيئاتها فجوابه ما ذكرنا من انه محل الصور والملائكة الحاملة للصور مقرها عنده وهم يصلحون القوة المفكرة بايقاع اشعة عطارد حتى تصلح لقبول الصور حين ما القيت اليها من الملئكة الثلاثة المذكورة بجنودها وتوابعها

واما آثاره في الموجودات فبعض انواعها ما نذكره اما في الطعوم فما اختلط من طعمين وفي الالوان من يتركب من لونين المركبة وفي الملموسات الممتزج من شيئين وفي المقادير المركب من كميتين وفي الامكنة الرمال وفي المساكن الاسواق وبيوت المصورين وما يقرب من البساتين وفي البلاد مكة والمدينة وعراق وديلم وجيلان وطبرستان وفي الفلزات النورة والزرنيخ والكهرباء والزيبق وفي الفلزات فيروزج وكل انية منقشة وفي الاشجار كل شجرة قوية الرايحة وفي الزروع الباقلا والماش والكرويا والكزبرة وفي الادوية ما زاد يبوستها على برودتها وليس في الغاية فيكون مجبوبة ولا ينفع الا احيانا ويضر احيانا ولا يستعمل دائما وفي القوى المفكرة وفي ذوات الاربع الكلاب المعلمة والحمير والبغال والثعالب والارنب وكل حيوان صغير ارضي او مائي وفي الطيور الحمام والصقور والبزلة ( البزاة ظ ) وطيور الماء وفي الاعضاء البسيطة العروق النابضة وفي الاعضاء المركبة اللسان وفي آلات الحس الذوق وفي الاسنان الصبي وفي الانساب الصبيان وفي الصور مربع القامة ادم يضرب الى الحمرة ضيق الجبهة غليظ الاذنين حسن الحاجب حسن الانف واسع الفم صغير الاسنان خفيف اللحية دقيق الشعر حسن النظر طويل القدمين وفي الاخلاق الباطنية الذكاء والفطنة والحلم والسكينة والوقار والعطف والرأفة والحفظ والشوق في كل امر والحرص على اللذات وكتمان السر والمحمدة ورعاية حقوق الاخوان والكف عن الشر وفي الافعال الظاهرة الظرف بعد الغور ( صاحب الظرف بعيد الغور نسخة ٦٤ خ ) متلون الاخلاق محب الاطلاع على الاسرار والحريص على الرياسة والذكر وطاعة الله والمكر والخداع وفي الافعال والطباع حسن التعليم والادب والوحي والمنطق وعلوم الربوبية وحلو الكلام سريع حسن الصوت حافظ الاخبار مفسد المال كثير الرزايا من الاعداء كثير الخوف منهم سريع في الاعمال حريص على الاصطبار من الوظايف ويدل على السعاية والسرعة وفي اطباق الناس التجار والكتاب واصحاب الدواوين والنقاشين وفي الاديان المناظرون من الناس في كل دين فهذه المذكورات وامثالها مما له جهتان ظاهرتان او اكثر آثار عطارد ومتعلقاته واما صورته فله صورتان احديهما شاب راكب طاوس في يمناه حية ويسراه لوح يقرءه والثانية رجل جالس على كرسي بيده مصحف يقرأه وعلى رأسه تاج وعليه ثياب خضر صفر

هذا آخر مسائله اسبغ الله عليه جزيل نواله وحيث لم ‌يسئل عن القمر وعن آثاره وتصرفاته لم‌ نتعرض لشرح احواله لان الجواب على قدر السؤال لو زدتم في السؤال حرفا لزدنا في الجواب كذلك الا ان في ما اسسنا من القواعد الكلية وما فرعنا عليه من الفروع الحقيقية تبين حال القمر منها لدقيق النظر وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا وكان ذلك في الحادي من شهر جمادي الثاني من شهور سنة الف وماتين وثلاث وخمسين في بلدة سيدنا ومولانا الكاظم عليه السلام مع توزع البال واختلاط الاحوال

المصادر
المحتوى