
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الموسوي الرشتي ان جناب المولى الاكرم والمخدوم الاقدم المؤيد بلطف الله الخفي والجلي مولينا محمد علي ساكن ارض الغري ( مدينة بقرب النجف ) على مشرفها آلاف التحية والثناء من الرب العلي قد ارسل الى العلم الانور والنور الازهر مولينا ومقتدانا واستادنا ومن عليه في العلوم الحقة استنادنا اطال الله بقاه وجعلني في كل مكروه فداه بمسئلة جليلة عظيمة يريد الجواب على الاستعجال وكان شيخنا ومولينا في غاية الاشتغال وما تيسر له الاقبال الى الجواب فامر هذا العبد القاصر ذا الفكر الفاتر باملاء الجواب وانا وان لم اكن اهلاً لذلك الخطاب ولالهام الحق والصواب الا اني ارجو ان اكون ممن استنار باشراقات انواره الشريفة المستشرقة من عكوسات انوار اهل بيت العصمة والطهارة عليهم سلام الله ما دامت الدنيا والآخرة فلذا امتثلت امره العالي مع قصور باعي وقلة اطلاعي ونقصان استعدادي وعدم انفتاح باب فؤادي واسئل الله العصمة والتوفيق والاهتداء الى سواء الطريق وجعلت كلام السائل سلمه الله وابقاه متنا وجوابي كالشرح لئلا يشتبه الامر كما هو عادة جناب الاستاد في اجوبة المسائل فاقول واثقا بالله الملك العلام :
قال سلمه الله تعالى وابقاه : مسئلة اصولية - الشرايع التي شرعت للامم من لدن آدم الى زمان نبينا صلى الله عليه وآله هل تكون منحصرة في الستة بمعنى ان من زمان آدم الى زمان نوح جميع اهل ذلك الزمان كانوا مأمورين بشريعة آدم وان كان بعضه نبياً ولما نسخت شريعة آدم بعد ما جاء نوح كان جميع الناس مأمورين بشريعته في حياته وبعد موته الى زمان ابراهيم (ع) وهكذا الى زمان نبينا (ص) وبعد ما تشرف كل الدنيا بل الارضون والسمٰوات العلى بشرف اجلال طلوع نبينا صلى الله عليه وآله كان جميع من كان في الارض من الانس والجن مأمورين بشريعة نبينا (ص) الى يوم القيمة فعلى هذا كل من كان من الانبياء الذين كانوا في زمان واحد من هؤلاء الستة كانوا مأمورين بالعمل بشريعته ولم يكن لواحد منهم شريعة جديدة كما ورد به في بعض النصوص او يحتمل ان يكون لبعض الانبياء الذين كانوا في عصر واحد من هؤلاء الستة شريعة جديدة لزمه العمل بها لنفسه خاصة او لها مع القوم الذين ارسل اليهم
اقول الامر في هذا المقام ظاهر ان شاء الله لكني احب ان اخبر جنابك العالي بحقيقة الامر في ذلك لئلا يشتبه الامر فنقول ولا قوة الا بالله العلي العظيم اعلم ان حكم الله سبحانه على المكونات ليس كما هو عليه والا لما اختلف شيء ولا تعدد لانه واحد وفعله واحد ومقتضاه واحد وما امرنا الا واحدة وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والكثرة في نفسها لنقصانها بالنسبة الى الوحدة ليست مطلوبة فلا يصار اليها ابتداء كما لا يخفى بل حكمه على الاشياء المكونة كما هي عليه على مقتضى الكينونات وقوابل الايجادات فلولاه لم يحسن الايجاد لمكان الاضطرار المرجوح عند ( عنده خل ) التكليف المرجوح عند عدمه الايجاد ولو اتحد الحكم حقيقة مع تباين الاقتضاءات وتخالف الاستعدادات لفسدت السموات والارض لعدم المقبول مع القابل من حيث هو قابل وبطلان القابل من حيث هو كذلك مع وجود المقبول وبهما تمام الوجود وظهور الحق المعبود وهو سر قوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها ولا يكلف الله نفسا الا ما آتيها بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ومعاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فاذا صح هذا فاعلم ان ذلك الحكم اي ترتب المقتضي على المقتضى ( المقتضى على المقتضي خل ) على قسمين حكم تكويني ذاتي ايجادي وحكم تشريعي وجودي صفاتي وكلاهما على قسمين غيبي وشهودي والقسمان وان كانا قسيمين لكنهما في هذا المقام متطابقان متوافقان ولا بينونة بينهما الا بينونة الصفة ولما اختلفت درجات الخلق لا يمكن ايصال ذلك الحكم الا بمترجم وسفير وبشير ونذير ولا يمكن ( ما يمكن خل ) لاحد انكار ذلك الا ان يمنع الاختلاف ويدعي الايتلاف ويكابر الضرورة ويزاحم البديهة الم يسمع قوله عليه السلم ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو خرقت واحدة منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من الخلق الم يسمع كيف خر موسى النبي عليه السلم عند تجلي الرب وهلاك بني اسرائيل واندكاك الجبل الم تعلم ان ذلك المتجلي حادث لتعالى القديم عن ذلك علوا كبيرا فاذا وجب السفير والواسطة يجب ان يكون كاسمه بين العالي والسافل والا لم يكن كذلك هف وكلامنا في هذا المقام انما هو في القسم الثاني دون الاول لكونه المسئول عنه فنقول ان حكم الحق على المكلفين المخلوقين يقتضي بالاقتضاء الاولي ان يكون ساريا جاريا على الكل على جهة الدوام والاستمرار لكونه المناسب لمقام العظمة والكبرياء والموافق لمرتبة السلطنة واقرب الى الوحدة التي هي شأن الحق ولما سيجيء من السر الحقيقي في ذلك الا ان يوجد سبب اقوى من ذلك المقتضى ليترتب عليه ما اقتضاه ولما كان هذا الامر الثانوي المبطل للاقتضاء الاولي مما يجهله المكلفون لقصور ادراكاتهم عن فهم اقتضاء الكينونات وجب على الله سبحانه في الحكمة ان يبين لهم ذلك وهو حكم النسخ ولما كان هذا امرا ثانويا مخالفا للاقتضاء الاولي لا يصار اليه الا بدليل قاطع وبرهان ساطع كالبدر اللامع فلا يصار اليه بمجرد الاحتمال ولو مساويا فاذا عرفت هذا فاعلم ان الله سبحانه لما جعل آدم خليفة في الارض ولم يكن من سنخه احد من البشر حتى حصلوا ووجدوا ولم يكن في شرق الارض وغربها وسهلها وجبلها انسان غير آدم وذريته فاوحى الله سبحانه اليه شريعة تعم ( تخص خل ) الكل وتشمل الجل والقل بحيث لا يشذ منها شاذ ولما كثروا وتناسلوا وتوالدوا وملؤا الارض وما اقتضت الحكمة ان يكتفوا بمبلغ واحد اما لضعف في المبلغ حيث لم يكن ( لم تكن خل ) له تلك الرتبة او لضعف في المبلغ اليه لعدم قبولهم من واحد وعدم ملايم ( تلايم خل ) طبعهم معه او عدم الانس معهم في عالم الذر اختص كل طائفة بنبي يناسبهم ليبين لهم ما يختص ( يخص خل ) بهم من احوال تلك الشريعة الاولية لما قلنا ان حكم الله يجب ان يكون بالاقتضاء الاولي جاريا ساريا مستمرا لوحدة نوع ما شرعت الشريعة لاجله كما يأتي بيانه تفصيلا ان شاء الله تعالى سواء كان بسفارة واحد وترجمته او مختلف متعدد ولما كان ذلك الامر الواحد نزل على آدم عليه السلم اولا ولم يكن هناك احد من الانبياء عليهم السلام اختص آدم عليه السلم بتلك الشريعة وساير الانبياء على ما وصفت لك يتلقون الوحي من الله سبحانه بالهام او بسماع صوت او بمعاينة ملك او غير ذلك لكن ليس ذلك الوحي والالهام امرا جديدا وحكما تأسيسيا وانما هو بيان وتفصيل لتلك الشريعة كما تأتي الملائكة عند ائمتنا عليهم السلام وتنزل عليهم الملائكة والروح في ليلة القدر فان ذلك كله تفاصيل ما كان مجملا عندهم من الشريعة النبوية على الصادع بها آلاف الثناء والتحية والفرق بين الوصي والنبي الذي هو على شريعة الآخر يأتي فيما بعد ان شاء الله ( تعالى خل ) فتلقي الفيض من الله تعالى بواسطة الملئكة او غيرها لا ينافي تابعيته للغير اي لشريعته كما دلت عليه الاخبار وشهد له صحيح الاعتبار اما الاول فكما في الكافي عن هشام بن سالم قال قال ابو عبد الله عليه السلم الانبياء والمرسلون على اربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث الى احد وعليه امام مثل ما كان ابرهيم عليه السلم على لوط عليه السلم ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد ارسل الى طائفة قلوا او كثروا كيونس عليه السلم قال الله تعالى وارسلناه الى مائة الف او يزيدون قال يزيدون ثلثين الفا وعليه امام ونبي ( امام الذي خل ) يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم الحديث ولا تتوهم من هذا الحديث ان لوطا ماكان مبعوثا الى ( على خل ) احد لان المثل انما هو للجزء الاخير وهو قوله عليه السلم وعليه امام لا انه لم يبعث لان ذلك لا يحتاج الى التمثيل كالاول واما ذكر يونس فلبيان من ارسل اليهم من القلة والكثرة اي لا يتفاوت الامر ان قل المرسل اليهم او كثر متى لم يصل الرسول الى حد اولي العزم فهو تابع لاولي العزم وان استلقى الوحي من الملك وكان رسولا من قبل الله الم تقرء القرآن بعد ما ذكر الحق ان لوطا من المرسلين قال فآمن له لوط اي لابرهيم انظر كيف صار تابعا لابرهيم ورعية له مع انه مبعوث من قبل الله الى الامة فالبعث تبليغي لا تأسيسي وان حصل لهم تفصيل الاجمالات وقد اعطاك الامام عليه السلم اصلا كليا بان ما سوى اولي العزم ليس بامام وهم امام عليهم واما الثاني فلما قلنا ان حكم الله وامره على الخلق يجب ان يكون جاريا دائما مستمرا الا ان يأتي سبب اقوى فيجري الحكم على الاقتضاء الاولى من اول آدم الى نوح عليهما السلم ووجود الانبياء كما دريت لا ينافي وحدة الحكم والشريعة اذ ليس كل نبي ناسخ ومؤسس واختلاف بعض الموضوعات الجزئية لا يستلزم الاختلاف الكلي حتى يستلزم النسخ الكلي والاختلافات ( الاختلاف خل ) الجزئية في الشريعة لا ينافي ( لا تنافي خل ) بقاء الكلية الاولية وتلك الجزئيات هي التي اشرنا اليه من انها تفاصيل تلك الشريعة وكان الحال على هذا ( ذلك خل ) المنوال الى آخر الدور الاول اي نهاية اقتضاء الحكمة ( الحكم خل ) الاولي الكلي وتحقق اقتضاء ( الاقتضاء خل ) الامر الثاني والحكم الثانوي فخرج بذلك الحكم الثاني شيخ المرسلين وافضل اولي العزم بعد محمد خاتم المرسلين عليه وآله سلام الله اجمعين نوح النبي عليه السلم فكان في اول الدور الثاني ولما كان نوحا ( نوح خل ) افضل الانبياء لانه من افضل اولي العزم وهم افضل الانبياء بالكتاب والسنة والاجماع والعقل كما يأتي بيانه ان شاء الله بعث على كافة المكلفين في زمانه والدليل على ذلك عموم الطوفان وهلاك كل من في الارض سوى راكبي السفينة وقد نطق به القرآن في مواضع عديدة وسنذكرها ان شاء الله تعالى فكانت بعثة نوح عامة وشريعته عامة ولم يكن في زمانه نبي الا ما كان منصوبا من قبله والكلام ( من قبله لكلام خل ) في هذا المقام طويل والاختصار هو المطلوب والدليل في هذا المقام هو الذي ذكرنا في عموم شريعة آدم من اقتضاء الاستمرار في حكم الله الواحد القهار وان كان ثانويا مضافا الى الاخبار الكثيرة واجماع العلماء واهل السير والتواريخ بل المسلمين كلا لكن معرفة ذلك يحتاج الى تتبع ما فكان الحكم الثاني الذي اتي به نوح عليه السلم باقيا جاريا مستمرا على اقتضائه الى نهاية هذا الاقتضاء لتحقق الاختلاف الكلي في الموضوعات الكلية المسبب عن اختلاف الاوضاع الفلكية والادوار ( ادوار خل ) العنصرية الى ان خرج ابرهيم عليه السلم في اول الدور الثالث واتى عن الله سبحانه بما يقتضيه ذلك الدور من الاحكام الهية ( الالهية خل ) ونسخ ما كان قبله لتحقق السبب الاقوى من المقتضى ومعرفة ذلك انما هي بمعرفة نسخ ( انما هي ينسخ خل ) شريعة من مضى وقد كانت شريعته كما يقتضيه ذلك الدور الى نهايته الا ان ( ذلك الدور الا ان خل ) بعثته لم تكن عامة بل قيل كان مبعوثا على اربعين بيتا الا انه كان اماما على الناس كله وقد آمن له لوط وهو من الانبياء المرسلين ودل على هذا العموم قوله تعالى اني جاعلك للناس اماما فان هذا الكلام عام ان قلت لا عموم فيه لاطلاق الناس وهو اعم قلت ان المطلق اذا لم يكن متعلق امر يعم على التحقيق كما قالوا في البيع حلال والخمر حرام سيما في هذا المقام الذي قرينة العموم ( العموم فيه خل ) واضحة ظاهرة فان هذه الامامة ( الامة خل ) لو كانت خاصة لم يثبت له مزيد شرف لانه كان حاصلا له على من ارسل اليه اذ كل نبي لا بد ان يكون وليا بنسبة مقامه ولما اعطاه الله ( تعالى خل ) هذه العطية وشرفه بهذه الرتبة الشريفة ( بهذه الشريعة خل ) كرامة ثانية بحيث افتخر به ابرهيم وباهى شكرا لله وطلب ذلك لذريته قال تعالى لا ينال عهدي الظالمين والاخبار بهذا المعنى كثيرة تركناها للتطويل انظر الكافي تجدها ومنها ما فيه عن جابر عن ابي جعفر عليه السلم قال سمعته يقول ان الله اتخذ ابرهيم عليه السلم عبدا قبل ان يتخذه نبيا واتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا واتخذه خليلا قبل ان يتخذه اماما فلما جمع له هذه الاشياء وقبض يده وقال اني جاعلك للناس اماما فمن عظمها في عين ابرهيم قال يا رب ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين وفي حديث آخر عن زيد الشحام عن ابي عبد الله عليه السلم مثله الا انه ذكر ان بعد الآية ( الآية قال خل ) لا يكون السفيه امام التقي وامثالها من الاخبار كثيرة مضافا الى انه افضل منهم لكونه من اولي العزم وثبتت ( ثبت خل ) الامامة له عليه السلم وهو محل الحكم الناسخ قطعا فوجب على غيره من الانبياء من اول زمانه الى آخر الدورة ونهاية الاقتضاء الثاني ان يكون مطابقا لشريعته وموافقا لطريقته وتابعا لملته وان استلقى الفيض اي الوحي من الله سبحانه كما سبق ولما انتهت تلك الدورة وانقضت المدة خرج موسى على محمد وآله وعليه السلم في اول الدورة ( دورة خل ) الرابعة حاملا لجميع ما يقتضيه ( تقتضيه خل ) تلك الدورة على اختلافها وكان اماما على الكل الى آخر الدورة الرابعة وان كان مبعوثا على فرعون وبني اسرائيل خاصة وكان النبيون يحكمون بشريعته من عند الله تبارك وتعالى بالبيان المتقدم وقد اخبر الحق سبحانه عن ذلك باوضح بيان وقد قال تعالى انا انزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها النبيون انظر في صراحة قوله تعالى يحكم بها النبيون وقال تعالى ايضا يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا باحسنها الآية ولولا ثبوت ناسخية شريعة عيسى عليه السلم لكان حكم موسى عليه السلم نافذا ابدا لعموم الآية وصراحتها وعدم مخصص لها كما لا يخفى على اولي البصيرة والفطنة والانبياء كانوا يحكمون بشريعته من الله سبحانه حتى انتهت الدورة الرابعة بانتهاء اقتضاء القابلية الاولى فخرج عيسى روح الله وكلمته في اول الدورة الخامسة حاملا لما تقتضيه تلك الدورة من الاحكام الالهية والشرايع الوجودية على قياس ما تقدم حرفا بحرف اذ لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون ولا احد خالف في هذا المعنى بل ذكروا ان بين كل صاحب شريعة الى الآخر اثني عشر وصيا وذكروهم باسمائهم ولما انتهت الدورة الخامسة خرج مولينا وسيدنا ونبينا صلى الله عليه وآله فانتهت الاقتضاءات الكلية واستمرت وكمل الوجود وطابق الوجودان المتقدمان الكوني والشرعي اذ الشيء لا يتم الا بعد تغييرات ستة وكمالها في السابع فالتغيير الاول في النطفة فاذا استقرت بقيت ( وبقيت خل ) في مقامها الى مدة وجودها فكلما يرد عليها من الاحوال يتبع تلك الحالة الى عشرين يوما ثم يأخذ في التغيير شيئا فشيئا حتى يبلغ بعد الاربعين كمال رتبة التغيير بحيث انمحقت جهة النطفة بالكلية وارتفع اقتضاها فاقتضى امرا آخر وحكما ثانيا فهو العلقة فالتغيير الثاني في العلقة على قياس ما قلنا في النطفة على قياس ما قلنا في الشريعة والتغيير الثالث في المضغة كذلك والرابع في العظام كذلك والخامس في اكتساء اللحم كذلك والسادس في انشاء الخلق الآخر هو الاصل وهذه التغييرات ( التعبيرات خل ) انما كانت لاجل ظهوره وتحقق بروزه وهو الروح اي الحيوة القديمة فاذا ظهر فلا يبطل حكمه ولا يضمحل اقتضائه ابدا بل يتضاعف شيئا فشيئا ويبقى الى ما لا نهاية له فلا يتغير ولا ابطال لهذا الحكم كما في شريعة ( الشريعة خل ) محمد صلى الله عليه وآله وهو قوله تعالى خلق السموات والارض في ستة ايام فكما ان الوجود الكوني الذاتي لا يكمل الا بهذه التغييرات ( التغيرات خل ) الستة وكذلك الوجود الشرعي لا يتم في الظهور على ما يريد سبحانه وتعالى ( سبحان الله تعالى خل ) الا بهذه التغييرات ( التغيرات خل ) الستة الم تنظر الى السادس ونسبته الى الخمسة في الكون والوجود فافهم منه نسبة صاحب الشريعة السادسة الى الباقي وهذه آية ضربها الله سبحانه لك وما يعقلها الا العالمون والكلام في هذا المقام بعد على ظاهر الامر وقد ظهر لك ان شاء الله تعالى ان اولي الشرايع ستة باكمل بيان بالحكمة ودليل المجادلة بالتي هي احسن والذي يقول انهم سبعة بجعل داود احدهم فكلام لا محصل له ولا دليل عليه وانت قد عرفت انه لا يصار الى الاقتضاء الثاني الذي يصير سببا للحكم الثاني الا ببرهان قاطع وبهذا القدر كفاية لاهل الدراية ولولا الاستعجال وبلبال البال لاطلقت عنان القلم في هذا المضمار والله ولي التوفيق
قال ايده الله وسلك به مسلك الرضا : وعلى الاول فاذا كان عمل الانبياء الذين كانوا في زمان كل واحد من هؤلاء الستة وفيما بعده الى مجيء واحد آخر منهم على شريعة ذلك الواحد بأي ( فباي خل ) قسم يستفيدون احكام تلك الشريعة هل يأخذون من الالهام الالهي ( الهام الهي خل ) او من سماع صوت ملك من ( صوت من خل ) الملئكة مع رؤيتهم او بدونها او يأخذون من الواحد الذي كان صاحب الشريعة او يأخذون بعض الاحكام منه والباقي من الالهام او الملك
اقول الانبياء لهم مقامات ودرجات حسب اختلاف اجابتهم في عالم الذر قال تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء والكلام في بيان هذه الكلمات طويل ولسنا بصدده وقد يجتمع هذه الامور كلها في رسول وقد تختلف بحسب اختلاف الاشخاص فمنهم من يتلقى الوحي بالالهام خاصة ومنهم بالرؤيا ومنهم بالنظر في الواح الآفاق ( الآفاق والانفس خل ) ومنهم بالسماع على انحاء ومنهم بالرؤية ومعاينة الملك وقد يستفيدون بصاحب ( بالصاحب خل ) الشريعة ايضا في حياته او من كتابه وشريعته ومنهم من ينزل عليهم الكتاب من الله كما روي ان الكتاب المنزل من السماء مائة وثلثة عشر كتابا وكان ما انزل على ذردشت النبي المبعوث على المجوس كتابا مكتوبا على ثلثين الف جلد ثور وبالجملة طرق تلقي الوحي لهم عليهم السلم كثيرة يطول بذكرها الكلام ولا ينافي ذلك كله كونهم على شريعة واحدة من اولي الشرايع كما ذكرنا لان الوحي كان يأتيهم على مقتضي تلك الشريعة وان اختلفت بالاجمال والتفصيل والتبيين والتغيير حسب تغيير الموضوعات الجزئية كما ان العلوم والاحكام والاقوال التي ترد على آل محمد صلى الله عليه وعليهم بواسطة الملك لكنها لا تخالف شريعة النبي صلى الله عليه وآله بل هي على طبق تلك الشريعة الا ان الحكم في الاوصياء حكم المبادلة والبدلية بخلاف الانبياء اذ كلهم اغلبهم كانوا معاصرين ومؤيدين ( مؤدين خل ) ومبلغين عن الله تعالى تلك الشريعة حيث ما اقتضت المصلحة ان يكون كل اصحاب الشريعة الناسخة او الاولية يبلغون بانفسهم كما بلغ بعضهم مثل نوح ورسول الله صلى الله عليه وآله وذلك لكون ولايتهم ونبوتهم خاصة فلا تعم حسب ما اقتضت قابلياتهم في عالم الاجابة في عالم الانوار فافهم ان كنت تفهم واما محمد وآله ( اما محمد خل ) صلى الله عليه وآله فهيهات فقد انقطع دونه الكلام وفحم عنده البيان وهو صاحب الولاية الكبرى والنبوة العظمى فتعم كل شيء لان حق كل ذي حق عنده فيتصرف كما يشاء ( يشاء الله خل ) وبالجملة قد تكون الشريعة عامة والبعثة خاصة كما لآدم وثلثة من اولي العزم وقد تكون كلتاهما عامتين ( كلاهما عامتان خل ) وهو على قسمين عموم جزئي اي في زمانه كنوح وعموم كلي حقيقي كنبينا صلى الله عليه وآله الطاهرين فافهم
قال سلمه الله تعالى : واذا قلنا باخذهم جميع الاحكام من الالهام او من الملك ( او الملك خل ) فهل يكون رعايا لذلك الواحد الذي كان صاحب الشريعة وتجب عليهم اطاعته او لا وعلى الاول فاي دليل دل على كونهم رعايا له ووجوب اطاعتهم بالنسبة اليه لان المفروض انهم لا يحتاجون في استفادة الاحكام الى الاخذ من صاحب الشريعة بل اضافة الشريعة اليه والقول بان ( بانه خل ) صاحب الشريعة دونهم لايخ عن تكلف لان المفروض ان الشريعة واحدة استفاد بعضهم احكامها من الكتاب الذي ارسل اليه وبعضهم من الالهام وسماع الصوت وكل واحد منها دليل قطعي يجب ( بحسب خل ) العمل عليه مضافا الى ان ارسال الكتب ايضا لم يكن مختصا بصاحب الشريعة بل كان لكثير منهم الكتاب ايضا فاختصاص الشريعة ( الشريعة به خل ) والقول بوجوب اطاعتهم اياه بمجرد سبق كتابه او كثرة المرسل اليهم ونحو ذلك بعيد عن الصواب
اقول وقد سبق مما ذكرنا جواب ما ذكرت كله ونشير ايضا للتوضيح فنقول اما اولوا العزم عليهم السلام فلا شك انهم قطب دائرة الوحي ( الرحي خل ) وهم ائمة على كل من كان في تلك الدائرة قال سيدنا ومولينا ( مولينا وسيدنا خل ) ابو عبد الله الصادق عليه السلم على ما في الكافي سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم اولوا ( اولي خل ) العزم من الرسل وعليهم دارت الوحي نوح وابرهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم السلام وقد علمت ان النبيين كانوا يحكمون بكتاب موسى وجعل الله ابرهيم اماما على الناس جميعا وقد آمن به لوط وهو من الانبياء المرسلين وبالجملة كلهم كانوا رعايا لاولي العزم لانه حق الامام على المأموم وقد صرح الامام الصادق عليه السلم بذلك وحكم بانه امام كما في الحديث المتقدم كما كان محمد صلى الله عليه وآله اماما ( امام خل ) على اولي العزم وكلهم رعاياه وغنمه لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون بل كلهم كانوا على شريعته ولم يخرجوا عن ربقة طاعته كنت نبيا وآدم بين الماء والطين واما عموم شريعة آدم وخصوص تبليغه مع انه ليس من اولي العزم كما قال الله تعالى ( قال تعالى خل ) ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فمن جهة ان الشريعة انما هي احكام الخلق واحوالهم وصفاتهم واقتضاء كينوناتهم فلاتتغير الا اذا تغيرت الاحوال والاقتضاءات كما قال الله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وقبل ان تتغير تبقى الشريعة وتبلغها السفرة والوسايط الى المكلفين وهي شريعة واحدة والمؤدون مختلفة ولما كان آدم محلا لتلك الشريعة وموقعا لذلك النجم ومهبطا لذلك النور اختصت به وكل من يأتي بعد ذلك قبل التغيير الكلي فهو على تلك الشريعة والا يلزم ان لا يكون الحق سبحانه حكيما تعالى ربي وتقدس عن ذلك وعدم التغيير انما نعرفه من عدم النسخ والنسخ ما تحقق الا عند مجيء نوح عليه السلم وهذه التبعية لا دخل لها ( له خل ) بالافضلية والمفضولية واما اولوا ( اولي خل ) العزم فيجري فيهم هذا الحكم مع زيادة فضيلتهم عليهم وقربهم الى الله وكونهم ائمة عليهم فيجب على الانبياء الذين كانوا في زمان شريعة اولي العزم اطاعتهم لامرين احدهما كونهم اماما عليهم وثانيهما كون الشريعة شريعتهم واما في آدم فللامر ( فلامر خل ) الثاني دون الاول فان قلت غاية ما استفيد من كلامك ان الشريعة على طبق اقتضاء الاكوان واحوال الموجودات فهو مسلم لكن من اين يعلم ان هؤلاء الستة كان عندهم الشريعة الشاملة لكل الخلق حتى يكون كل من يأتي من الانبياء تابعا لشريعته وموافقا لملته وما السر في اختصاصها به دون غيره لم لا يجوز ان يكون عنده الشريعة المختصة بامته فتختص ( فتخص خل ) شريعته كما خصت بعثته وكذا سائر الانبياء كل من يكون له شريعة خاصة ولا يتبعون غيره قلت لما دلت عليه الاخبار المتكثرة والآثار المتظافرة وما عليه ( عليه من خل ) اتفاق العلماء من ان شريعة نوح نسخت شريعة آدم وشريعة ابرهيم نسخت شريعة نوح وان شريعة موسى نسخت شريعة ابرهيم وشريعة عيسى نسخت شريعة موسى وشريعة محمد ( ومحمد خل ) صلى الله عليه وآله نسخت ( نسخت شريعته خل ) شريعة عيسى ومن هنا يظهر عموم تلك الشريعة للقطع بان بعد مجيء الناسخ ما كانت شريعة معمول بها لغير هؤلاء فان ناقشت في الاخبار وخدشت بالاتفاق ( في الاتفاق خل ) اخبرك بالواقع فتدبره فاقول ان الحكم حكمان لان الاقتضاء اقتضاءان اقتضاء نوعي كلي غير متشخص واقتضاء جزئي متشخص والاول يجمع الكلي جمعا وحدانيا يندرج ( ويندرج خل ) فيه تلك الاقتضاءات انظر الى الانسان فان له اقتضاء نوعي كلي محفوظ في جميع الجزئيات وهو استقامة القامة بهذه الهيئة المخصوصة وكذا الفرس وهو الانحناء بالهيئة المخصوصة وكذا البقر وهو الانحناء مع القرنين وامثال ذلك ولافراد كل واحد من هذه الانواع اقتضاءات جزئية مخالفة بعضها مع بعض ( ببعض خل ) مع حفظ ذلك النوع فيه كطول القامة وقصرها ونبت اللحية وعدمها وكبر الوجه وصغره وامثالها في الانسان الا ان هذه الاشخاص كلها مندرجة تحت نوع واحد ويصدق عليها اسم واحد فاذا تبدلت الحقيقة النوعية يبطل ذلك الاقتضاء ويضمحل ذلك الاسم ويقتضي نوع ما بدل اليه كما اذا تبدل نوع الفرس بالبقر فيسقط اقتضاء الفرسية اصلا ويبقي اقتضاء البقرية فيجري عليها احكامها ثانيا وتتبدل الجزئيات وتختلف مع بقاء الكلي على اقتضاءه فاذا شاهدت هذه الآية بحكم المشاهدة العيانية فاعلم ان كل زمان باعتبار اهله مع ملاحظة الاوضاع الفلكية والادوار العنصرية له اقتضاءان اقتضاء نوعي كلي كما هو اقتضاء نوع زماننا هذا من قصر العمر وقصر القامة وقلة الاكل وامثالها من الامور الكلية وكما في الازمنة الكلية السابقة من طول العمر وطول القامة وكثرة الاكل وقلة البصيرة وامثالها من الامور الكلية واقتضاءات جزئية مخصوصة بكل شخص ولا شك ان الاحكام الالهية على حسب الاقتضاءات الكونية فيثبت لكل زمان شريعة كلية على حسب الاقتضاءات الكلية العامة وشريعة جزئية خاصة على حسب الاقتضاءات الجزئية المندرجة احكامها تحت الاحكام الكلية فان حصل التغير في الجزئيات مع حفظ الكلي فانما هو تفاصيل له والحكم للكلي فان حصل التغير ( التغيير خل ) في الكلي يبطل الاقتضاء رأسا فيبطل حكمه فيجب تجديد الحكم على حسب الاقتضاء وتلك الشريعة الكلية ليست متحصصة متجزئة بل انما هي في حكم شيء واحد والجزئيات مندرجة في ضمنها وتابعة لها ولما كان النسخ الكلي المنبئ عن التغير ( التغيير خل ) الكلي في الموضوعات الكلية منحصرا في خمسة علمنا ان الشرايع الكلية انما هي ستة ولما كانت الشريعة حكما الهيا ونورا ربانيا ( حكم الهي ونور رباني خل ) لا بد لها من محل خاص ومهبط مخصوص وكانت الجزئية دائرة مدارها وحائمة حولها فكانت هي القطب لرحى الجزئيات وجب ان يكون محلها اشرف المحال ومهبطها اعلى المهابط فاختص اولوا العزم الذين هم الاقطاب وعليهم دارت الرحى بذلك الله اعلم حيث يجعل رسالته واما آدم عليه السلم فهو وان لم يكن من اولي العزم لكنه لما كانت الاسباب الالهية اقتضت ابوته وتقدمه على كل البشر وكان خليفة الله في ارضه ولم يكن افضل منه في الظاهر البشرية اختص بحمل تلك الشريعة الكلية اذ لم تنفك الكلية عن الزمان ابدا وما دام وجود الاقتضاء الكلي المسبب للشريعة الكلية كلما عداها من الجزئيات انما هي من افرادها وتفاصيلها ومأخوذ منها ومتشعب عنها حتى يبطل ذلك الاقتضاء فيرجع الحكم على هذا النمط فكما كانت الشرايع الجزئية تابعة للشريعة الكلية ومتفرعة عليها كذلك الانبياء المبعوثون بتلك الجزئيات وبيان الاحكام التفصيلية لتلك الكليات اما اولوا ( اولي خل ) العزم فمن جهة الفضيلة الحقيقية الذاتية واما آدم عليه السلم فمن جهة كونه حاملا للشريعة الكلية وهنا امور كثيرة واسرار عجيبة لا يسع الوقت لبيانها ولسنا ايضا بصددها ومن هذا البيان ارتفع ( اندفعت خل ) الايرادات كلها وظهر ان الانبياء يتبع ( متبع خل ) لصاحب الشريعة مع تلقيهم ( تلقيهما خل ) الوحي من الملك وعدم المنافاة بينهما وعدم التكلف في اضافة الشريعة الاصلية الى صاحبها دونهم من التبع لان عندهم تفاصيل تلك الاصول فمن صاحب الشريعة الاصول ومنهم الفروع والفروع تابعة للاصول والشيء ينسب الى اصله لا الى فرعه بل الفرع لا تذوت له الا بالاصل ومن هذه الجهة كانوا يؤمنون لصاحب الشريعة من اولي العزم وهم كانوا اماما عليهم كما في قصة لوط ويونس وغيرهما وليس نسبة الشريعة الى صاحبها بمجرد سبق كتاب له حتى يفهم منه اختصاص الكتب بهم ليلزم ما ذكرتم ولا لكثرة المرسل اليهم بل ربما كان صاحب الشريعة اقلهم في ذلك كما قيل في ابرهيم عليه السلم انه كان مبعوثا على اربعين بيتا بل لما ذكرنا وشرحنا من الاصلية والفرعية فكان ما عليه العامة هو الصواب والله اعلم بالصواب
قال سلمه الله وابقاه : نعم اذا قال الله تعالى للانبياء اني اوجبت عليكم اطاعته وجعلتكم من رعاياه مع عدم احتياجكم اليه في اخذ الاحكام لاجل حكمة من الحكم ومصلحة من المصالح التي لا تعلمونها فلا بأس ولكن الشأن في اثبات ذلك
اقول كيف لا يحتاجون اليه وشريعتهم مأخوذة من شريعته وفرع لها بل ليست الا هي فان التفاصيل لا تخرج عن المجملات وهم المبلغون لما عنده على ما اراد الله تعالى وهو المؤسس بل شريعته هي الباب الذي يفتح منه الف باب واما الذي يتلقونه من الله سبحانه بواسطة الملك فهو ليس امرا جديدا وحكما تأسيسيا ليلزم ما ذكرتم بل انما هي تلك الشريعة ومن شعبها وافرادها اوحى الله تعالى اليهم وفي الحديث ان سلمان كان محدثا يعني يقذف الله تعالى في قلبه الالهام او يسمع من الملك وامثال ذلك ايجوز لك ان تقول ان سلمان في تلك المسئلة له حكم جديد ليس فيها تابعا للشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله ومجرد اخذ الشريعة والاستفادة المعروفة لا دخل لها في التبعية لان المدار معرفتها باي نحو كان سواء كان بالهام الله سبحانه او بالتعلم من النبي صلى الله عليه وآله بواسطة او بغيرها ولا يقال اذا كان الشخص تمكن من مقام الالهام لا يحتاج الى صاحب الشريعة هيهات بل التحمل مقام والاستفادة مقام آخر فمن عرفه الله تعالى بعض الشيء لا يكون مستقلا كاملا بل الكمال كل الكمال ونعم الكمال تحمل الكل فمن تأهل لذلك وتحمل فهو الكامل الذي عليه العمل فهكذا كان حكم الانبياء اذ ليس كل نبي يتحمل ما تحمله الآخر ( آخر خل ) وقد قال مولينا الصادق عليه السلم ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل الحديث فالمتحمل للجزئي تابع للمتحمل الكلي ( للكلي خل ) الذي ذلك الجزئي من افراده اذ لولا ذلك الكلي وذلك ( ذاك خل ) النبي المتحمل له ما وصل اليه ذلك الجزئي فافهم
قال سلمه الله تعالى : والقول بان صاحب الشريعة كان عالما بجميع احكام المكلفين بخلاف باقي الانبياء فانهم كانوا عالمين باحكام انفسهم او مع القوم الذين ارسل اليهم فيكون اعلم منهم فيجب عليهم اطاعته فلا يخفى ضعفه لانه اذا فرض ان فلانا كان عالما باحكام جماعته وهم ذكر وانثي وخنثي وامثال ذلك من المجانين والسفهاء وغير ذلك كان عالما بجميع احكام المكلفين لاشتراكهم في التكليف بل لو فرض العلم بتكليف مكلف واحد على فرض توارد صفات مختلفة واحوال متخالفة عليه يتحقق العلم بتكليف جميع المكلفين كما لا يخفى مضافا الى ان مجرد الاعلمية لا يدل على وجوب التبعية والا للزم ان يجب على كل مفضول اطاعة الفاضل والبديهة تنادي بفساده
اقول المراد بعلم صاحب الشريعة بجميع الاحكام هو ما ذكرنا من علمه بحكم الله تعالى على الاقتضاء الكلي النوعي لذلك الزمان باعتبار اهله واحوالهم واطوارهم المختلفة كما ذكرنا وهو مودع عند صاحب الشريعة وساير الانبياء مبعوثون الى جزئي من جزئيات تلك الكلية الاولية وهو احوال الطائفة المخصوصة من الامة واحوالهم فرد من ذلك النوع الكلي واين العلم بالجزئي من العلم بالكلي والقول بان العلم بالكلي منحصر في العلم بالجزئي كانحصار العلم بالانسان في العلم بزيد من حيث الخصوصية فلا يخفى ضعفه بل البديهة تنادي بفساده وليس العلم بالجزئي في العلم بالكلي الا كالقطرة في البحر المحيط او كالذرة بالنسبة الى كل العالم والكلي هو الباب الذي يفتح منه الف باب بل الف الف باب بل لا يتناهى والجزئي هو باب منها بل لا يعد العلم بالجزئي في جنب العلم بالكلي علما حقيقة بل هو عنده كرائي الشبح عن بعيد والقول بان من عرف شيئا عرف كل شيء لا دخل له فيما نحن بصدده اذ الشريعة هي حكم الفرق من حيث هو والاول هو حكم الجمع من حيث هو وبين المقامين فرق واضح واثبات تساوي العلم للاشتراك في التكليف لا يخفى ضعفه لان المراد بالتكاليف لا يخلو اما ان يكون ( تكون خل ) عامة شاملة للنوع او تكاليف خاصة فان كان الاول فلا يصح بوجه اذ الخاص لا يشترك مع العام اشتراكا ينبئ احدهما عن الآخر انباء تاما حقيقيا وهو ظاهر جدا وان كان الثاني فعلي فرض تسليم الانباء في صورة الاشتراك لا يطلع الا على الشريعة المخصوصة المبعوث عليها ولا يطلع على الاحكام الالهية الكلية ( الكلية الالهية خل ) المخزونة عنده فيكون اعلم منه وحصل المطلوب مع ان الانباء في صورة الاشتراك مم لانه انما يستلزم ذلك لو كان الاشتراك من جميع الوجوه وفي كل الاحوال ولم يدل دليل على هذا بل مقطوع بفساده حتى ان من الاصوليين والفقهاء من يمنعون الاشتراك الكلي بين المكلفين في زماننا هذا والذين في زمان المعصوم عليه السلم مع انه شريعة واحدة مع دعويهم الاجماع على الاشتراك ولذا اذا ( اذ خل ) احتج عليهم ( عليهم السلم خل ) بوجوب صلوة الجمعة في هذا الزمان بقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله الآية يجيبون بانا لسنا من المخاطبين بذلك وانما هو حكم الحاضرين المشافهين واذا قيل لهم انهم مشاركون في التكليف للاجماع فما ثبت لهم يثبت لنا يقولون ان ثبوت الاجماع على الاشتراك في هذا المقام غير معلوم والاصل عدمه وبالجملة القول بالاشتراك في كل دقيق وجليل وصغير وكبير وكلي وجزئي ظاهر الفساد سيما في الشريعتين فكيف يحكم بتساوي العلمين بمجرد العلم ببعض الاحوال وهذا ظاهر ان شاء الله تعالى لكن الذي ذكرنا هو كلام على ظاهر الحال على ما هو المعروف بين الناس واما في الحقيقة فالامر اعظم من ذلك واعلى واين علم ساير الانبياء من علم اولي العزم واي نسبة بينهما فان العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فيشاهد به الملك والملكوت ويترقى الى الجبروت وحضرة اللاهوت ولا شك انه يتبع صفاء الباطن ونزاهته وتصفيته عن الكدورات فكل من هو اصفى يكون نور ( اصفي نور خل ) العلم فيه اكثر واشد واعلى انظر الى الحجر والمرآة والبلور في اشراق نور الشمس عليها مع ان الاشراق واحد والانوار مختلفة في الشدة والضعف حتى ان في البلور ظهر اثر ذات الشمس فيه وهو الاحراق لكمال درجته في الحرارة واليبوسة فاذا ثبت ان اولي العزم سادة النبيين واشرف الانبياء والمرسلين ثبت اعلميتهم اذ لا يكونون افضل الا لصفاء طويتهم ونورية سريرتهم وخلو سرهم وفراغ قلبهم ولا شك ان الفيض الالهي موجود كنور الشمس فاذا وجد القابل تعلق به على حسبه فاذا صح ان نوريتهم اشد كان علمهم اكثر وشرف المرء وفضله على غيره لا يكون الا بالعلم فاذا صحت الافضلية صحت الاعلمية وهما متلازمان بل الاول يتبع الثاني ويترتب عليه ومانال احد مقاما ورتبة الا بالعلم وقد بسطنا القول في هذا المقام في مقدماتنا ( مقدمتنا خل ) على شرح اربعين حديثا وما فيه كفاية لاولي الدراية والاشارة في هذا المقام تكفي ان شاء الله والقول بان الافضلية قد تكون من جهة العبادة دون العلم فكلام لا محصل له فان العبادة قبولها وعدمه وصحتها وعدمها انما هو بالعلم كيف ونوم العالم افضل من عبادة العابد والتكاليف الالهية انما اشتدت وضعفت وقويت وخفت على افراد المكلفين من جهة اختلاف علومهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله مكلفا بما لم يكلفه غيره والتخفيف لاجل التوسيع تفضل من الله على عباده فافهم وبالجملة كل كمال يتبع العلم وهو مادة كل فضيلة وكمال
واما قولكم فان مجرد الاعلمية لا يدل على وجوب التبعية والا للزم اه ففيه ان الاعلمية اذا كانت ذاتية لقرب العالم من المنير وبعده عنه تجب التبعية الحقيقية الا ترى نور ( النور خل ) القريب الى السراج والبعيد عنه فانه القرى الظاهرة للسير الى ( اي خل ) القرى المباركة فوجب السير فيها ليالي واياما آمنين ويعرف هذا بالاجابة الاولية في عالم الذر فكل من اجاب اولا فهو الاقدم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله اول من اجاب فتقدم على كل مخلوق ثم من بعده ( ثم بعده خل ) ائمتنا المعصومون سلام الله عليهم فحازوا مقام التقديم الذاتي على كل مذروء ومبروء وله الفضل عليهم ثم اولوا ( اولي خل ) العزم من الرسل فتقدموا على ساير الانبياء وانما كانوا اولي العزم والثبات لانهم ثبتوا في ولاية آل محمد عليهم السلم وعرفوها وتحملوا علومهم وما ترددوا ولا شكوا في الولاية ابدا كما قال مولينا العسكري روحي فداه وعليه السلم والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء وروح القدس في الجنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة الحديث ثم ساير الانبياء ولذا قد يحصل منهم بعض التردد وعدم التحمل لعلوم آل محمد عليهم السلم كما ان ايوب شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم فاوحى الله تعالى اليه اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول خطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلم ولا تتوهم ان المراد بالشك هو المعنى المعروف بين العوام كلا وحاشا ( حشا خل ) انبياء الله هم ( وهم خل ) اجل عن ذلك بل لمعني آخر لا يناسب المقام لذكره فمن هذه الجهة كان كلمن اولوا العزم اماما على غيرهم ( كان اولي العزم اماما لغيرهم خل ) فيجب عليهم اطاعته واما آدم عليه السلم فمن جهة ان شريعتهم مأخوذة من شريعته الاصل فتجيء التبعية من حيث الشريعة لا من حيث الفضيلة الذاتية ومنه ظهر وجوب تبعية المفضول للفاضل واما ما تري من عدم وجوب المتابعة حتى حكم بعض الفقهاء بل اكثرهم بجواز تقليد المجتهد المفضول مع وجود الفاضل فضلا عن حرمة تبعية المفضول اذا بلغ رتبة الاجتهاد للفاضل فهو من جهة عدم تحقق الفاضلية الذاتية فانهم في مرتبة واحدة وقد يتفاضلون باعتبار اظهار ما استجن في سرايرهم اما بعلاج او بالفطرة وهذا المعنى مشترك بين كلهم اذ يقدر الكل على علم الآخر وانما حجبه المانع وهذا لا يستلزم وجوب التبعية من حيث هو وقد تجب لامور اخر مثل وجوب تبعية المقلد للمجتهد
قال سلمه الله تعالى : ثم ان النبي المبعوث على كافة الخلق جميعا بحيث لم يبق واحد من المكلفين الا وهو مبعوث عليه ولو كان نبيا هل يكون مختصا بنبينا صلى الله عليه وآله او كان بعض انبياء اولي العزم ايضا كذلك ويظهر من الاحاديث ان نوحا كان مرسلا على جميع الخلق ويظهر من بعض النصوص ان موسى وعيسى ايضا كانا كذلك واذا قلنا ان بعض الانبياء كان مرسلا على كافة الخلق حتى على الانبياء الذين كانوا في عصرهم فما معنى البعث والارسال بالنسبة اليهم على ما قلنا ان غير انبياء اولي العزم يستفيدون الاحكام من الصحف المنزلة او الهام او سماع صوت الملك مع رؤيته او بدونه فمثل الخضر والالياس ( الياس خل ) الذين كانا في زمان موسى وعيسى وبقيا الى الآن هل كانا نبيين او كانا عبدين صالحين فعلى الاول كما هو المشهور هل كانا تابعين لموسى وعيسى وكانا مبعوثين عليهما وانهما من رعاياهما ام لا
اقول قد سبق ان الشريعة قد تكون عامة والبعثة خاصة وقد يجتمعان فاما الذي جمع له الامران فليس الا محمد صلى الله عليه وآله ونوح عليه السلم وماكان احد نبيا في عصرهما ولا بعد نبينا صلى الله عليه وآله واما موسى وعيسى عليهما السلم فلم يبعثا على الكل كيف وقد قال تعالى انا انزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها النبيون فلو كان مبعوثا على الكل لم يوجد نبي قط في زمانه وتخصيصه بما بعد موسى خلاف الظاهر ولا يصار اليه الا بدليل قاطع مع ان الاخبار المتواترة تكذب هذا المعنى وتدل على انهما مبعوثان على بني اسرائيل خاصة وفرعون وملأه ايضا في موسى عليه السلم والحديث الدال على ما ادعيتم لم اطلع ( فلم اطلع خل ) عليه ولو كان فهو محمول بعموم الشريعة لا البعثة واما عموم شريعة نبينا صلى الله عليه وآله فمما لا يحتاج الى البيان وكفى العيان عن مؤنة البيان واغنت جلية الشأن عن اقامة الحجة والبرهان واما نوح عليه السلم فقد دلت عليه الاخبار المتكثرة وشهد بصحتها القرآن واوضح امره عموم الطوفان على جميع وجه الارض فلو لم يكن مبعوثا على الكل لما سرى الغضب على الكل من جهته واما قصة بلصيال بن جور وبناءه قبة الزمان ونجاته ومن معه من الطوفان فان صحت ( صح خل ) فانه قد افتقد فقدا كليا عن وجه الارض ولم يذكر لها اسم ولم يطلع عليها احد الا مولينا صاحب الزمان عجل الله فرجه روحنا فداه وبناءه للقبة دليل على وصول الطوفان اليها لولاها فافهم قال الله تعالى وجعلنا ذريته اي نوح هم الباقين الى ان قال ثم اغرقنا الآخرين فدلت الآية الثانية على العموم كما هو ظاهر واما الخضر عليه السلم فالظاهر انه ما كان نبيا بل كان عبدا صالحا رزقه الله العلم والمعرفة وبلغه الى مقام القرب وانما سمي خضرا فانه ( لانه خل ) في كل موضع يقعد كان يخضر ذلك الموضع واطرافه وقد قال الله تعالى اخبارا عن حاله في القرآن فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وما ذكر نبوته مع ان المقام يقتضي ذلك واما الخبر الوارد في نبوته فهو معارض بمثله واقوى منه والقرآن يشهد بعدمها ولم يحضر لي ( لم يحضرني خل ) الآن الكتاب حتى اذكر الاحاديث الواردة في هذا المقام الا انك اذا فتشتها في البحار وعوالمالعلوم واكمالالدين وجدتها ( عوالم العلوم وجدتها خل ) واما الياس فقد كان نبيا مرسلا كما قال تعالى وان الياس لمن المرسلين الا انه كان على شريعة صاحب الشريعة وتابع لها ويلقي اليه الوحي عنها وهو يبلغ ( مبلغ خل ) قومه الى ان انقرضت بعثته ورسالته وبقيت نبوته وهو الآن على شريعة نبينا صلى الله عليه وآله ويأخذ شرايع دينه من الامام صاحب الزمان عجل الله فرجه جعلنا فداه ولا ينافي ان يأتيه الهام عن الله تعالى لبعض تفاصيل الكليات بالوساطة الغيبية
قال سلمه الله تعالى : وعلى كل حال لا شك ولا ريب ان نبينا صلى الله عليه وآله بعث على كافة البشر جميعا وان كان بعضه نبيا فمثل خضر والياس وان قلنا بنبوتهما لا شك انهما من جملة رعاياه ( رعايا خل ) واتباع نبينا صلى الله عليه وآله ونبينا صلى الله عليه وآله مبعوث عليهم ايضا واذا قلنا انهما كانا يستفيدان الاحكام في زمان نبينا منه صلى الله عليه وآله ومن بعده (ص) من الائمة عليهم السلام فما معنى نبوتهما واطلاق النبي على مجرد المعصوم من الذنوب بعيد والا يلزم ان نجوز بعد نبينا انبياء متعددين لان العصمة بمعنى عدم ارتكاب الذنوب صغايرها وكبايرها امر ممكن ويجوز العقل وقوع كل شيء ممكن
اقول بل كل الانبياء والمرسلين من لدن آدم الى حنظلة وخالد كلهم كانوا تبع ورعايا لمحمد وآله عليهم السلم وكل الشرايع شريعته وانما اختلفت باختلاف الموضوعات والاخبار في هذا المعنى متواترة معنى الم تسمع قوله صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وقول امير المؤمنين عليه السلم كنت وليا وآدم بين الماء والطين ولا فرق بين اولي العزم وغيرهم بل ما بعث نبي الا وقد اخبر قومه به وبآله صلى الله عليهم وكونهم من التابعين والمتبوعين تبعة ورعايا ( تبعة رعايا خل ) لهم مع ان كلهم انبياء مرسلين فاتسعت دائرة الشبهة والجواب ان الذي استفيد من الاخبار بنظر الاعتبار ان النبي هو الذي يأتيه الوحي من الله سبحانه بالرؤيا او بالسماع باي نحو من انحاءه والرسول هو الذي يأتيه الوحي من الله سبحانه بما ذكر وبمعاينة الملك في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلم قال سئلته عليه السلم عن قول الله عز وجل وكان رسولا نبيا ما الرسول وما النبي قال عليه السلم النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك قلت الامام ما منزلته قال يسمع الصوت ولا يعاين ثم تلا هذه الآية وماارسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث ه والمراد بالامام في هذا المقام هو الوصي لا الامام المراد في قوله تعالى اني جاعلك للناس اماما فانه مقام فوق المقامات والاخبار بهذا المعنى كثيرة جدا ولا يشترط في النبي ان يكون مستقلا بالامر بل ولا ان يكون مبعوثا الى احد بل ولا ان يأتيه الوحي بالامر التأسيسي فيجوز ان ( ان يكون خل ) ما اوحى الله اليه انما هو بيان لشريعة مخصوصة مما هو مختص بذلك النبي نفسه او مع ما يتعلقه من الامة على حسب مقامه ودرجته ولا يلزم مما اذا كان الرجل نبيا ان يكون مستقلا غير تابع وليس في اخبار اهل العصمة عليهم السلم ما يومي الى ذلك بل المعروف منها خلافه كما في الحديث المتقدم ان الانبياء والمرسلين على اربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ونبي يرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث الى احد وعليه امام مثل ما كان ابرهيم على لوط عليهما السلم ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد ارسل الى طائفة قلوا او كثروا كيونس قال الله تعالى ليونس وارسلناه الى مائةالف او يزيدون قال يزيدون ثلثين الفا وعليه امام والذي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم وقد كان ابرهيم نبيا وليس بامام حتى قال الله اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين من عبد صنما ووثنا لا يكون اماما ه انظر بعين بصيرتك في هذا الحديث الشريف يظهر لك ما قلنا كيف جعل النبي المرسل مأموما وهل المأموم الا التابع وقد صرح بذلك الحق سبحانه في القرآن وقال فآمن له لوط مع ان لوطا كان من الانبياء المرسلين وهو كان مؤمنا بابرهيم وتابعا له فلا يلزم ان يكون كل نبي مستقلا ( مستقل خل ) ولا مستقل الا صاحب الشريعة ولا يلزم من تلقيهم الوحي استقلالهم اذ قد يكون بيان شريعة وتفصيل مجمل وحل معضل ولما كانت النبوة قبل نبينا صلى الله عليه وآله غير عامة من حيث البعثة لعدم عموم الانبياء اولي الشرايع غيره (ص) كان كل من يؤمن ( يؤمر ظ ) بالتأدية والتبليغ لنفسه او لغيره ولو كان بالتبعية يسمي نبيا بخلاف الذي ما امر بذلك والهمه الله العلم والمعرفة والحكم لا يسمي بذلك بل يسمى وليا كلقمان وخضر وسلمان وامثال اولئك من الكرام واما عيسى والياس وادريس ( ادريس والياس خل ) عليهم السلم الذين كانوا انبياء فبعد بعثة نبينا صلى الله عليه وآله وعليهم انقطعت رسالتهم ونبوتهم المتعدية فهم الآن تبع ورعايا لآل محمد صلى الله عليه وآله يتلقون بعض الاحكام والشرايع من صاحب الزمان عجل الله فرجه ويأتيهم الوحي والالهام وسماع الصوت فيما يتعلق بانفسهم وما يتعلق بهم من تلك الشريعة الشريفة ومن الامام عليه السلم القاء الاصول والتفريع عليهم بالالهامات والقذوف والكشوف ومع ذلك كله فلا يهتدون الا بنوره ولا يستضيئون الا بسراجه صلى الله عليه وعلى آبائه وهكذا كان حال اولي العزم بالنسبة اليهم وحال اولي العزم بالنسبة الى نبينا وائمتنا سلام الله عليهم اجمعين فاطلاق النبي عليهم ليس لمجرد ( بمجرد خل ) عصمتهم بل لكونهم انبياء مبعوثين على الرعية والآن انقرضت تلك ويتلقون الحكم من الله بالتبعية وليس في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله من كان مبعوثا على طائفة لم يبعث نبينا صلى الله عليه وآله عليهم بالتبليغ فانه قد اجتمع عنده الاجمال والتفصيل فلا يحتاج الى معين في التبليغ وفي الحديث انه صلى الله عليه وآله قد بلغ الشريعة الى كل احد مشافهة وما كانت تلك المرتبة للانبياء اولي العزم فكان يوجد في عصرهم وفيما بعدهم انبياء فاندفع الاعتراض وحصحص الحق واما وجود العصمة في غير الانبياء والاوصياء وفاطمة صلوات الله عليهم وعليها وان كان ممكنا لكنه ما وقع وما اخبرنا به وان قيل في حق بعض الاشخاص مثل سلمان والابواب ( ابواب خل ) الاربعة في غيبة ( الغيبة خل ) الصغرى رضي الله عنهم لكنه كما ترى والحمد لله وحده
قال سلمه الله تعالى : ثم ان النبي المبعوث على الجن هل هو مختص به نبينا ( بنبينا خل ) صلى الله عليه وآله او جميع انبياء اولي العزم كانوا مبعوثين على الجن ايضا وعلى الاول فلا بد ان يكون لهم نبي من الجن ولم يثبت وما ذكره بعضهم من مجيء رسول من الجن اسمه يوسف غير ثابت
اقول ان الله سبحانه خلق الجان من مارج من نار وهي نار الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل طينة الانسان كما قال مولينا الصادق عليه السلم في قول ابليس انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال عليه السلم ما معناه انه غالط لعنه الله بل النار التي خلق منها اسفل من التراب الذي خلق منه آدم لانه خلق من نار الشجرة وهي مخلوقة من فاضل طينة آدم قال عليه السلم اكرموا عماتكم النخلة وانما سميت النخلة نخلة لانها خلقت من نخالة آدم فالجن تابع للانس في الاحكام والاحوال فكلما يجري في الانس يجري في الجن بالتبعية في كل بحسبه فمن هذه الجهة لا يدخلون الجنان الاصلية اذا اطاعوا بل يدخلون الحظاير التي هي من شعاع الجنة الاصلية فاذا صحت التبعية فهم يأخذون شرايعهم واحكام دينهم من نبي الانس في كل زمان وكل ارض يأخذون عن النبي المبعوث فيها او غيرها كما اخبر الحق سبحانه عنه في القرآن قال تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم الآيات وهؤلاء جن نصيبين كما في بعض الروايات وروي انهم سبعة وفي رواية ابن مسعود ( ابن مسعود انهم خل ) سبعين الفا ولا منافات بينهما كانوا على دين موسى عليه السلم ولذا قالوا انزل من بعد موسى فظهر ان الجن في كل زمان يتبعون نبي ذلك الزمان لكونهم مكلفين ومحتاجين الى سفير مع تبعيتهم للانسان وهذا ظاهر
واما قولكم لم يثبت ان يكون نبي من الجن اه ما المراد منه ان اردتم ان يكون نبيهم ( ان نبيهم يكون خل ) من قبل الله تعالى بلا واسطة الانس فهو كذلك ومدعيه مكابر مباهت وان اردتم نفي النبوة عنهم مطلقا فلا حجة على ذلك بل الحجة على خلافه والشواهد العقلية والنقلية قائمة تدبر في ( صراحة قوله تعالى يا معشر الجن والانس الم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وفي ) الآية المتقدمة في قوله تعالى فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا الآيات فهؤلاء كانوا النذر على طوايفهم والنذير هو النبي في القرآن وقد قال تعالى وما من دابة في الارض ولا طاير يطير بجناحيه الا امم امثالكم وقال تعالى ايضا وان من امة الا خلا فيها نذير وقال ايضا وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه وانما انا بشر مثلكم فاربط هذه الآيات بعضها بعضا مع ( بعضها مع خل ) بعض ينتج لك المطلوب اذ الجن لا شك انه من دابة الارض فثبت انه من الامة فكل ( وكل خل ) امة فيها نذير اي رسول فثبت في الجن رسول والرسول لا بد ان يكون من جنس ما ارسل اليهم بدليل قوله تعالى انما انا بشر مثلكم وما ارسلنا الآية وما دل على ان الرسول على البشر لا يجوز ان يكون من جنس الملائكة فثبت ان يكون للجن رسول من جنسهم لكنه يأخذ من الانس ويبلغ قومه كما ان رسول البشر يأخذ من الملئكة
واما ما ورد من مجيء نبي من الجن ( نبي الجن خل ) اسمه يوسف فكان ( وكان خل ) قبل خلق آدم في الزمان الذي كان ابليس حاكما عليهم في الارض فلا موجب لرده بعد ما ثبت ان الجان قبل خلق آدم كانوا سكان الارض وعصوا ربهم ونزل الملائكة عليهم وقتلوهم واسروا ابليس الى السماء هل تجوز في نفسك ان الله سبحانه يجعل الخلق سدى عمياء وكيف يتصور في حقهم المعصية اذا لم تكن لهم شريعة وداع من الله سبحانه يدعوهم الى الحق والى طريق مستقيم ليكونوا بمخالفته عصاة طغاة فاذا صحت البعثة والنبوة والارسال فقد ابى الله الا ان يجعل الرسول من جنس المرسل اليهم لتتم عليهم الحجة وتكمل النعمة فلا سبيل الى رد الحديث بل يجب قبوله بعد ما كان معتضدا بالعقل القطعي والاخبار الآحاد المعتضدة بالقراين القطعية يجب عليها العمل كما حقق في الاصول فثبت ما ذكره ذلك البعض عن الحديث
قال سلمه الله : ثم ان نبينا صلى الله عليه وآله كما انه مبعوث على الانس والجن هل هو مبعوث على الملئكة ايضا بمعنى انهم لا بد ان يأخذوا جميع تكاليفهم من النبي او وصيه من بعده كما نأخذ تكاليفنا كذلك
اقول ان الملئكة في جميع احوالهم واطوارهم واعمالهم وصفاتهم وما ينبغي لهم ومعرفة معبودهم ( معبودهم وكيفية عبادتهم له خل ) وكيفية سيرهم اليه تعالى واسباب قربهم لديه وانحاء اذكارهم وتسبيحاتهم وركوعهم وسجودهم وكلما لهم وعليهم كلها محتاجون الى محمد وآله عليه وعليهم السلم وواقفون ببابهم ولائذون بجنابهم والا لاحترقوا يكفيك في هذا المقام ما في الزيارة الجامعة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وعموم هذا الكلام يشمل كل شيء فكل من يريد الله سبحانه في التوجه اليه بالعبادة له وقصده بالقرب اليه والزلفي لديه ووحده لا بد ان يتعلم طريقه من محمد وآله سلام الله عليهم هذا ظاهر المعنى فيه وقد تواترت الاخبار عنهم عليهم السلم بانا علمناهم التسبيح والتقديس والتهليل ولولانا ما عرفوا الله سبحانه والاحاديث في هذا المعنى كثيرة في عيون اخبار الرضا والبحار والكافي وامثالها من الكتب وليس الآن عندي شيء منها حتى اذكر الاخبار لكنها في الظهور مستغنية عن البيان وقصة جبرئيل الذي هو من سادة الملائكة مع مولينا امير المؤمنين عليه السلم مشهورة وانه عليه السلم علمه التوحيد ومعرفة الحق سبحانه وحديث البساط ايضا معروف من انه عليه السلم كان يأمر الملئكة وينهاهم وقال لا يخطو ملك خطوة الا باذني ومن له انس ما بالاخبار ومعرفة بواطن الآيات وظواهرها يرى الامر ظاهرا كالشمس في رابعة النهار الا ان كيفية اخذهم احكامهم وتكليفهم عن الولي عليه السلم ليس كما هو المعروف بين الناس بل بطور آخر واما الوحي الذي يأتي محمدا وآله عليهم السلم بواسطة الملئكة فانما هو منهم اليهم فان جبرئيل كان يأخذ الوحي عن اسرافيل وهو كان يأخذ عن ميكائيل وهو كان يأخذ عن روح ( الروح خل ) القدس كما في الحديث والروح هو الذي قال مولينا العسكري عليه السلم وجعلني فداه وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فافهم وبيان هذه الدقيقة الشريفة بهذه العبارة احسن واولى بل اوفق واسلم والله ولي التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
قال سلمه الله تعالى : وايضا هل نبينا صلى الله عليه وآله مبعوث على كل شيء من الشجر والحجر والمدر وغير ذلك من الاجسام اذا قلنا ان لكل شيء تكليفا على حسب حاله وهل بعثه على الملئكة وجميع الاجسام ان قلنا به من خواصه صلى الله عليه وآله او انبياء اولي العزم كانوا ايضا كذلك والمأمول من جنابكم ان تكتبوا ( يكتبوا خل ) جواب هذه المسائل مشيرا الى ادلتها ولو اجمالا من الضرورة او ( وخل ) القرآن او الاجماع او الخبر المتواتر او دليل عقل قاطع
اقول هذا آخر كلامه زيد في اكرامه اعلم ان كلما برز في عالم الوجود فهو مركب من ضدين كما قال مولينا الرضا عليه السلم لعمران الصابي ان الله ما خلق فردا قائما لذاته لما اراد من الدلالة على نفسه فخلق الشيء وخلق ضده وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ولما كان الوجود الفائض من الله سبحانه نورا محضا ( نور محض خل ) فكان عين الشعور والادراك فاذا حصل الشعور في المركب من جهتين جاء الاختيار فاذا صح الشعور والاختيار وجب التكليف لئلا يكون الشيء مهملا وسدى فوجب ان يكون كل موجود من الموجودات باي نحو كان مختارا مكلفا الا ان المراتب لما كانت مختلفة في القوة والضعف كان الاختيار ايضا كذلك والتكليف على طبق الاختيار فثبت بالدليل الالهي الذاتي الذوقي ( الالهي الذوقي خل ) الوجداني المعبر عنه بدليل الحكمة ان كل شيء مكلف مختار على حسب مراتبهم ومقتضي درجاتهم فان اردت ان تعرف حقية هذا الدليل وصحته انظر الى الكتاب والسنة فاذا وجدت له مستندا يطمئن قلبك وتسكن نفسك فخذه وكن من الشاكرين فاذا نظرت الى القرآن وجدت لهذا المعنى شواهد كثيرة بين تلويح واشارة وتصريح فنكتفي ( اشارة فنكتفي خل ) ببعض من الثالث فان الزكي المنصف يدرك بنظير واحد ما لا يدركه البليد والمتعنت المعاند بالف شاهد قال الله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا اليس العرض على السموات والارض والجبال الامانة تكليفا لهن بها لا على جهة الاجبار مع امتناعهن وابائهن اذ كل ذلك متوقف على الشعور والاختيار وصرف الكلام الى المجاز لا بد له من قرينة حالية او مقالية والثانية مفقودة وكذا الاولى لانها على اربعة اقسام قرينة عقلية اي مخالفة عقلية او مخالفة عادية او شرعية كما حققنا القول فيها فيما كتبنا في الاصول واما مجرد الجهل بالمراد وعدم المعرفة فلا يكون قرينة للصرف عن الظاهر كما فعلوا فلتبصروا امركم وقال تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فقضيهن سبع سموات وهذه الآية صريحة في المراد وقال تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله الآية هل تجوز ان تكون خشيته بدون تصور العظمة والجلالة والكبرياء وهل يكون تصور من دون الشعور والادراك وهل تتصور الخشية في حق من لم يقدر على عدمها كما لا تتصور الطاعة في حق من لم يقدر على المعصية وقال تعالى وقودها الناس والحجارة وقال تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون مع ان معبودهم ما كان الا الاحجار او الخشب او امثالهما من الجمادات فكيف يوعدها بالنار ولا فائدة في هذا التوعيد لو لم يكن واقعيا والآيات بهذا المعنى كثيرة واما الاخبار فكذلك ايضا بل صار الآن من ضروري مذهب الشيعة من ان الله سبحانه وتعالى عرض ولاية آل محمد عليهم السلم على السموات والارض والجبال والمياه والاودية والقفار والاثمار فكلما قبلها استحلى وطاب وكلما لم يقبلها استمر وخبث وما ترويه العامة من حديث البطيخة معروف مشهور واصرح من الكل دلالة واوضح شاهدا واعلى مضمونا الحديث المروي في الكتب المعتبرة المتلقاة بالقبول ما روي ان الحسين صلوات الله عليه عاد عبد الله بن شداد في مرضه فلما دخل عليه عليه السلام قام عبدالله وقال رضيت بكم ائمة وان الحمي لتهرب عنكم ثم قال عليه السلم يا كباسة فسمعوا الصوت وما راوا الشخص يقول لبيك قال عليه السلم الم يامرك امير المؤمنين عليه السلم الا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل ه وكذا الدعاء الذي علمه ( الدعاء علمه خل ) رسول الله صلى الله عليه وآله عليا امير المؤمنين عليه السلم للحمى يا ام ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تاكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ه فاذا نظرت الى هذه الاخبار وما تلونا عليك من الآيات لم يبق لك شك في صحة ما ذهبنا اليه من وجود الاختيار في كل شيء واثبات التكليف بالنسبة الى كل شيء فاذا صح هذا فقد دل الدليل القطعي من العقلي والنقلي ان محمدا صلى الله عليه وآله حجة الله على كل مكلف وكذا آله واوصياءه الاثنا عشر ( الاثني عشر خل ) سلام الله عليهم اذ لا بد لكل مكلف من داع يدعوه الى ما اراد الله منه وهو قوله تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير وقد انعقد الاجماع الضروري من المسلمين ان النبوة قد انقطعت ببعثته (ص) فبقى كل من يصلح للتكليف والتبليغ تحت هيمنة بعثته ونبوته صلى الله عليه وآله لا يقال ان العوام بل العلماء لا يعرفون بعثته على البهايم والحشرات فضلا عن النباتات والجمادات فكيف يمكن دعوى الاجماع الضروري لانا نقول ان هذا من باب الشبهة في الموضوع لا في اصل الحكم فان كل عامي من العوام يعتقد ان لا مبلغ من الله سبحانه الى احد من المكلفين حكما من احكام الله سبحانه بعد نسخ شريعة عيسى عليه السلم الا محمد صلى الله عليه وآله ولا احد يختلف في هذا المعنى بوجه من الوجوه لكن الاشكال في معرفة ان هذه الامور هل تصلح للتكليف وتعلق الحكم الالهي به ام لا قيل نعم وقيل لا والقايل بالعدم يسلك سبيل العدم والقايل بالاثبات يحكم الحكم الكلي وايضا ان لهم الولاية الكلية لوجوه كثيرة منها قوله عليه السلم في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم فاذا حصل في الكون متبوع سواهم ولو جزئيا ماذل كل شيء لهم عليهم السلم فهم المتبوعون لا متبوع سواهم وكل شيء تابع لهم وايضا انهم سلام الله عليهم محال مشية الله والسنة ارادته وهم سابق كل موجود وكلما وجد فانما وجد من نورهم كما تواردت به الاخبار وتكاثرت بل وتواترت من ان الله خلقهم قبل كل خلق وخلق الاشياء من الانبياء والانسان والسموات والارضين والجنة والنار والبحار والقفار وكلما تجنه الليل وتبرزه النهار من انوارهم وعكوسات آثارهم فاذا كانوا هم الواسطة في الاحكام الوجودية المطلقة ففي الاحكام الشرعية فبالطريق الاولى وايضا ما سبق من الاخبار والآثار ان ولايتهم عرضت على كل جماد ونبات وحيوان وانسان فكل من قبلها طاب وطهر ومن لم يقبلها خبث ونجس وان الاعراض والالوان والاسقام كلها محكومة تحت حكمهم مقهورة تحت سلطنتهم تجري عليها اوامرهم ونواهيهم فاذا كان هذا حال الاعراض وهي اخس المراتب فما ظنك بالاجسام والنباتات والحيوانات ولهذا المدعي وجوه كثيرة طوينا ذكرها لما قال مولينا الصادق عليه السلم ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله اه
واما ما سألتم عن ان هذه البعثة العامة والولاية المطلقة هل هي من خواصه صلى الله عليه وآله او اولوا ( اولي خل ) العزم مشاركون فيها معه ( معه فيها خل ) فاعلموا ان هذا من خواصه ولا احد شاركه فيها اذ ليس صاحب لواء الحمد الا رسول الله صلى الله عليه وآله وليس حامله الا علي عليه السلم وانت قد علمت ان نبوة اولي العزم ماكانت عامة من حيثية البعثة بجميع ( من حيث البعثة يجمع خل ) افراد الانسان غير نوح (ع) فضلا عن غيرهم من التبع ولا يبعد في عموم شريعتهم بالنسبة الى الكل واما نبينا واهل بيته الطاهرون سلام الله عليه وعليهم اجمعين فنبوته وولايتهم عامة لكل مبروء ومذروء لكونهم مظاهر الالهية ( الالوهية خل ) ومحل استواء الرحمن بالرحمانية المعطي كل ذي حق حقه والسايق الى كل مخلوق رزقه قال عليه السلم في الزيارة بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض وبكم ينفس الهم ويكشف الضر وقال ايضا ونوره وبرهانه عندكم وامره اليكم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما رواه ابن عباس انه لا يوجد عند احد من الخلق شيء من الحق الا بتعليمي وتعليم علي عليه السلم وهنا نختم الكلام ليكون ختامه مسك ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم