
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
(كان السائل قد سأل الشيخ أعلى الله مقامه ست سؤالات قد أجاب الشيخ (ا ع) عن أربعة منها بنفسه ونسختها الأصلية موجودة وأما بقيتها أي السؤالان الأخيران قج أجاب عنهما السيد بمحضر الشيخ وبأمره أعلى الله مقامهما وهي هذه والأسئلة كلها مطبوعة في جوامع الكلم وذكر تفصيلها في الفهرست تحت رقم 124 من كتب الشيخ (ا ع) وأما الأربعة المتقدمة قد طبعت ثانية في مجموة الرسائل 30)
قال : ما المراد بالكاف المستديرة على نفسها وما المراد بالعمق الاكبر
اقول اعلم ان المراد بالكاف المستديرة على نفسها هي المشية والاختراع وانما عبر عنها بالكاف لكونها مقام الواحدية التي قد تممت بالاحد والواحد اول ظهور الاحد والاحد مقام الوحدة المطلقة والبساطة الصرفة ومقام الربوبية اذ لا مربوب ولا ذكر للكثرة فيه بوجه من الوجوه والواحد اول ظهوراته واول ما نشأ منه وهو مقام الاسماء والصفات والاضافات والتعلقات وهو مقام الربوبية اذ مربوب اما صلوحا وذكرا او تعينا وكونا كالواحد قبل العدد فانه يصلح ان يكون نصف الاثنين وثلث الثلثة وربع الاربعة وخمس الخمسة وهكذا الى ما لا نهاية له ومع العدد تكون هذه الصفات كلها وجودية عينية وهذا مرادنا بالذكر والعين والبسملة اشارة الى مقام الواحدية في الوجه الاعلى لان حروفها تسعة عشر وهو استنطاق الواحد وانما استنطق له اللفظ المشتمل على هذا العدد للاشارة الى قيوميته للعوالم كلها من المبادي والمتولدات كالافلاك التسعة والعناصر الاربعة والمواليد الثلثة والانسان والجن والملك وهذه تسعة عشر وهذه هي متعلقات الواحدية ومظاهرها ومهابط ظهور اثارها والا فهي بسيطة ليس فيها كثرة ابدا بوجه من الوجوه والبسملة هي الظهور الكلي الجامع للمراتب كلها ولذا كانت تسعة عشر ولما قلنا انفا ان الواحد لا قوام له الا بالاحد ولا تحقق له الا به لانه الصفة ولا تقوم الا بظهور الموصوف فيها والا لم تكن صفة فيجب ملاحظة الاحد في الواحد ليكون متمما له فاذا اضفت الاحد الى الواحد الذي هو تسعة عشر بالاستنطاق العددي يكون المجموع عشرين واستنطاقه الكاف ولما كان بالواحد المتقوم بالاحد والظاهر فيه الاحد ظهرت القيومية وقد دل العقل والنقل ان القيومية صفة فعلية ومبدء الافعال المشية الكلية الاولية التي هي ادم الاول فناسب ان يعبر عنها بالكاف التي هي جامعة لمراتب القيومية المطلقة من ظهور الاحد في الواحد على جهة الاطلاق ولما كانت المشية انما خلقت بنفسها فخالقية الحق لنفسها ( لنفسها وخل ) انما كانت بنفسها كما قال مولينا الصادق عليه السلم خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها واية ذلك السراج فان النار انما امدته واوجدته بنفسه لا بسراج اخر ثم الاشعة به فالاشعة انما تستدير بالسراج في استمداد النور لانه منه والسراج يستدير بنفسه على نفسه في استمداد النور فان النور ليس في النار بالبديهة وانما يحصل لا من شيء حين التعلق فنورية السراج انما هي احدثتها النار بنفسها ثم احدثت نورية الاشعة بها والنار جعلت السراج خزانة لجميع ما يحتاج اليه السراج وما تحتاج اليه الاشعة فافهم ومعنى الاستدارة الحركة ( للحركة خل ) بكل الجهات فان كانت من المعلول في استمداده ( استمداده وخل ) من علته وافتقاره اليها كانت الاستدارة على خلاف التوالي وان كانت من العلة في الافاضة والامداد لمعلولها بكل جهاته كانت الاستدارة على التوالي وانما كان الاول على خلاف التوالي لانه سير وحركة من الاسفل الى الاعلى وهو خلاف مقتضي الطبيعة بخلاف الثاني فانه سير من الاعلى الى الاسفل فاذا فهمت هذا وفهمت ان المشية لما خلقت بنفسها كانت لها جهتان جهة امداد وهي نفسها في التعبير وجهة استمداد وهي هي في التعبير فهي حين كونها ممدة تستدير عليها من حيث كونها مستمدة فتكون الاستدارة حينئذ على التوالي ومن حيث كونها مستمدة تستدير عليها نفسها من حيث كونها ممدة فتكون حينئذ على خلاف التوالي وهذان الاعتباران فيها في تزييل الفؤاد والا فهي شيء واحد ليس في الامكان ابسط منها ولذا ترى شيخنا اطال الله بقاه كثيرا ما يعبر عن المشية بالكاف المستديرة على نفسها وانها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي بالمعنى الذي ذكرنا ثم اعلم ان هنا وجه اخر دقيق وهو انه قد يعبر بالكاف المستديرة على نفسها ويراد بها كاف كن قبل لحوق النون وطريانها عليها وقبل تحقق النسبة الارتباطية بل حال صرف الجهة الاولى في الشيء التي هي هيكل التوحيد فان المشية لها جهتان جهة دلالة وحكاية وجهة ولاية وقيومية وبالجهتين تظهر الالوهية الكلية المستقهرة لكل الاسماء والصفات فالجهة الاولى يعبر عنها بالكاف لان الاحد الذي ظهر في الواحد بدون ملاحظة الواحد فتلك الجهة صفة التوحيد وهيكل التنزيه والتفريد لكنها ما تصل الى الذات البحت جل شأنها فتطلب الذات بما تجلي لها بها في مرتبتها وذلك التجلي هو عين مرتبتها لا مرتبة الذات البحت فهي حينئذ تستدير على نفسها ( نفسها وكلما خل ) تطلب الغير في نفسها وكلما تطلب مقاما اعلى تقع في مقامها كما قال الشاعر
قد ضلت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت على الاسماء حتى لقد ( لها خل ) فوضت الدنيا مع الاخرة
ولما كانت تلك الجهة هي جهة التوحيد والجهة ( جهة خل ) الثانية جهة التعلق والارتباطات الاسمائية والصفاتية في مقام التعلق ولما كان الفيض الى الاشياء كلها يصل بالمشية فتختص الجهة العليا بظهورات التوحيد لمقامها وغيرها من المفعولات والمعلولات ولما كان الخلق يجمعها رتبتان احديهما الوجود المطلق وهو عالم الامر وثانيهما الوجود المقيد وهو عالم الخلق والوجود المطلق هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والوجود المقيد دلالة تلك الكلمة او الماء النازل من سحابها وفي كلا المقامين ظهور التوحيد على حسب ذلك المقام فيكون ذلك الظهور المطلق في خمسة اطوار ولا سادس فالهاء من الحروف اشارة الى تلك المراتب ولذا اختير لها اسم ظاهره عين باطنه اي صورة ظاهره عين صورة باطنه كما هو صفة التوحيد كما عن النبي صلى الله عليه وآله التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره وقد وقعت الاشارة الى التفصيل الذي ذكرنا في الكتاب الكريم في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص فالبسملة كما ذكرنا هي تمام مقام الواحدية وعند فنائها في الاحد اي ظهوره فيها تظهر الكاف وهي المستديرة على نفسها ولكن لا يقال في هذا المقام انها تدور على نفسها ( نفسها على خل ) خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي كما في المقام الاول لان الجهات والاعتبارات والاضافات والتعلقات كلها منتفية هناك فمعنى استدارتها حينئذ انتفاء الجهات وعينية الاولية والاخرية والقبلية والبعدية والخفاء والظهور ولذا اردف سبحانه الهاء بالكاف لانها تمام ظهورات التوحيد وسر هياكل التفريد وهي اول ما نشأ من الكاف التي هي الجهة العليا من كن ولما كان التعلقات انما هي في الرتبة الثانية اردف سبحانه الياء بالهاء ولما كان التعلق ظهورا وصفاتيا لا قوام له الا بالوجه الاعلى في اللحاظ الثاني فاذا لاحظت الهاء في الياء في مقام الارتباط استنطق منها النون وهو تمام كلمة كن فبين سبحانه اثر كل جهة من تلك الكلمة ذيل ذكر مؤثره ليعلم ان لها في مقام البساطة حكما وفي مقام التركيب حكما اخر ولذا اردف سبحانه العين بالياء فان العين هي تمام عدد الكلمة ثم بين سبحانه الصاد الذي هو البحر تحت العرش وهو الماء الذي به كل شيء حي وهو مادة الموجودات كلها على جهة الاطلاق سواء كان بذاته او بشعاعه وظهوره واثره وهذا هو الماء الذي استوى عليه العرش الذي هو كلمة كن كما قال عز وجل وكان عرشه على الماء وهو اثر تمام الكلمة من حيث الارتباط وبه تتم الاشياء وتقوم الموجودات كما قال عز وجل ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره والامر هو هذا الماء الذي هو الصاد في عرف اهل البيت عليهم السلم اعلم ان الاستدارة انما تكون على القطب وهو انما يكون نقطة وجود الشيء واصل ذاته ومنه استمداده وهو وجه الشيء الى مبدئه وباب استفاضته واستمداده منه وباب افاضة المبدأ وامداده له فدوران الاشياء كلها على ذلك وتطلق عليه المادة والهيولي الاولي ايضا ولما كانت الاشياء لها مادة خلقت منها واصل نشأت عنه وذلك الاصل من اثر المشية يقال ان الاشياء كرة مجوفة تدور على المشية اي باثرها الا ان الاثر اضمحلت فيه جهة نفسه فليس الا حكاية غيره واما المشية فانها اول مخترع باول اختراع فليس لها مادة غيرها حتىتدور عليها وتكون قطبا لها كما في غيرها وانما هي شيء واحد احدثها الله سبحانه بنفسها اي لا بمادة غيرها فهي مادة نفسها وصورتها فهي كرة مصمتة نفسها قطبها ولا محور لها فهي الكاف المستديرة على نفسها انما كررت البيان لاجل التوضيح والتفهيم فافهم
واما العمق الاكبر فالمراد به الامكان الراجح وان اطلق على الجائز فانما هو بالاضافة والنسبة وانما سمي عمقا لعدم انتهائه في كل شيء فهو المحيط الواسع الجامع لكل ما يصلح ان تتعلق به قدرة الله عز وجل وانما سمي اكبر ( وانما اكبر خل ) لان الاعماق كلها مطوية فيه فل ايعادله في السعة والاحاطة شيء والمراد بالامكان الراجح ذكر الاشياء في رتبة المشية ونسميه محل المشية الامكانية وهو العلم الذي كانت الاشياء فيه مذكورة ولم يكن مكونة كما في الحديث عن الصادق عليه السلم في قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال عليه السلم كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا و قال ايضا عليه السلم كما في الكافي وعلم الله السابق المشية وهذا الذكر مثل ذكر الاعداد كلها الى ما لا نهاية له في الواحد قبل ظهورها وكل شيء في الامكان كلي صالح لكل شيء وتلك الصلاحية والذكر هو الامكان وانما سمي راجحا لمرجوحية جريان العدم عليه لوجود المقتضي ورفع المانع والله سبحانه انما يفعل بالاسباب فكلما يقتضي شرطا وسببا ولازما وملزوما ومادة وصورة فيوجده سبحانه عند تحقق شرايطها ويعدمه عند عدمها واما الامكان اي محض الذكر فلا يقتضي الا المشية التي هي الوجه الاعلى منه والمشية هي الظهور الاول الذي لا يحتاج في تحققه الى شيء سوى الله سبحانه وهو سبحانه لم يختلف حاله فليس هناك مانع للبقاء فيكون مستمر الوجود وانما قلنا راجحا وما قلنا واجبا كما قالوا لان الله سبحانه قاهر قادر من ورائها محيط لا يستحيل عليه شيء اذا شاء ان يعدم الامكان فعل لكن ذلك مرجوح لما ذكرنا فيكون وجوده راجحا واما الامكان الجائز فهو المركبات مما تحت المشية من العقل الكلي الى الثرى لانها كلها متوقفة على الشرائط والاسباب والمتممات والمكملات فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها وهما بالنسبة اليه على حد واحد ولذا توجد تارة وتعدم اخرى وهذا ظاهر
قال سلمه الله تعالى : وان تبين لي السلسلتين الطولية والعرضية
اقول اعلم ان السلسلة الطولية هي مراتب الموجودات في العلية والمعلولية ومعنى ذلك ان السافل شعاع العالي كالشعاع للسراج وتنحصر هذه المراتب في ثمانية : الاولى الحقيقة المحمدية وهي شجرة الخلد وعليّ عليه السلم اصلها وفاطمة فرعها والائمة اغصانها الثانية حجاب الكروبيين وهم قوم من شيعة آل محمد عليهم السلم من الخلق الاول جعلهم الله تعالى خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ولما سأل موسى ربه ما سأل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا وعدد هؤلاء الملائكة مائة الف واربعة وعشرون الفا لان كل ملك مربي نبي من الانبياء الثالثة الانسان اي الرعايا وهؤلاء انما خلقوا من شعاع الانبياء عليهم السلم وهم باب فيضهم وامدادهم من الله عز وجل الرابعة الملئكة غير العالين والكروبيين وهم انما خلقوا من شعاع نور الانسان وهم حملة التدابير المتعلقة بالانسان وغيرهم بعد ان نزلت من الخزائن العليا الى الحقيقة الانسانية فنزلت في اطوارها وشئوناتها بتلك الملئكة ولذا قال صلى الله عليه وآله ان رجلا من شيعة على افضل من جبرئيل وهو سلمن ودلت الاخبار ان الشيعة قد سبقت الملئكة في التقديس والتسبيح والتهليل كما سبقوا عليهم السلم شيعتهم الخامسة الجان المخلوقين ( المخلوقون خل ) من نار الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل طينة الانسان كما عن الصادق عليه السلم السادسة البهائم وحشرات الارض من الحيوانات والسابعة النباتات كانواع الاشجار البرية والبحرية والبرازخ والثامنة الجمادات من العناصر والمعادن وسائر المركبات وهذه المراتب انما يقال لها الطولية لوقوع كل واحد منها تحت رتبة الاخرى بحيث لا ذكر لها عند من هو اعلى منها كالشعاع بالنسبة الى السراج فلا يلحق السافل العالي وان صعد وترقى الى ما لا نهاية له لان له مقام معلوم لا يتعداه ولا يتجاوز عنه ولذا ورد في الزيارة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع ولذا حرم على الرعية تمني مرتبة الانبياء وعلى الانبياء تمني مرتبة الائمة عليهم السلم ولذا لما خطر على قلب ادم ابينا عليه السلم ذلك عوتب واخرج من الجنة حتىتاب مع ان الخطور كان خطورا عمليا ( كذا في خ ) والا لعصى وفعل المحرم وليست هذه الحرمة وهذا النهي الا من جهة ان كل واحد شعاع واثر للاخر فلا يمكن اللحوق الى مرتبة المؤثر والا لجاز لاحد تمني رتبة الالوهية وادعاء معرفة الذات المقدسة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فافهم راشدا موفقا
واما السلسلة العرضية فهي ما تجمع الكثيرين حقيقة واحدة ظاهرة في الاطوار والتعينات فاذا نظرت الى الحقيقة ترى شيئا واحدا واذا نظرت الى الاطوار والتعينات والافراد ترى امورا كثيرة وظهور تلك الحقيقة في تلك الافراد على السواء وانما تختلف الافراد في القوة والضعف والرقة والغلظة بالقابليات فيصح للكثيف تمني رتبة الشريف وللضعيف تمني رتبة القوي لا بمعنى الحسد بل يستحب ( يحتسب خل ) له ذلك وتلك المراتب المتقدمة لا بالنظر الى الاعلى والاسفل كالانبياء فان لهم حقيقة واحدة قد ظهرت في مائة الف واربعة وعشرين الف هيكل مختلف وكالانسان فانه حقيقة واحدة قد ظهرت في الافراد الغير المتناهية بدوا وعودا وكذلك الحيوانات والنباتات و الجمادات وهذه الافراد تترقى وتصعد وتزيد نموا وقوة وصفاء وجدة وشبابا لكنها في مقامها لا يتعداه فتستدير بالعرض والوضع كرة صحيحة الاستدارة ولا انقطاع لهذا السير وهي في مرتبتها ومقامها كما اخبر الحق سبحانه عنهم بقوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم ولكنها تتزايد شرفا الى ما لا نهاية له كما قال عز وجل في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية انظر الى الجماد فانه تصفو اما بالمعالجة او بالفطرة الى ان تبلغ رتبة الاكسيرية ثم اذا زاد سقيا يزداد عملا وتأثيرا الى ان يطرح المثقال في الف الف وهكذا الى ما لا نهاية له لكنه جماد لاتبلغ مقام النبات ابدا فحركته في العرض ولو كان في الطول لوصل الى النبات وهو الى الحيوان وما ترى في الانسان انه كان نطفة ثم اخذ في النمو بالروح النباتية الى انتهاء حد النباتية ثم صار حيوانا ثم صار انسانا وذلك ليس من الحركة في الطول وانما هو ظهور المراتب الكامنة و( او خل ) المشرقة على تلك القابلية فلو فصلت الانسان بالفؤاد رأيت كل مرتبة منها في مقامها لم يتعداها نعم ظهرت كل مرتبة اذا تم نضج البنية كالجدار الذي يظهر نور الشمس عليه وليس الجدار والشمس او النور من حقيقة واحدة ولا ان الجدار صار نورا فاذا فصلتهما يعود كل منهما الى اصله ولذا اذا غربت الشمس لم تجد نورا على وجه الارض وكذلك الروح الحيوانية اذا ( فاذا خل ) فارقت لم تجد حركة ولا اقتضاء ولا طلبا لا فرق بين الجسد الملقى بعد مفارقة الروح وبين الحجر وهذا لا اشكال فيه فالموجودات في رتبهم في السلسلة العرضية يسيرون الى ما لا نهاية له من مبدأ تكونهم الى ان ظهروا في الدنيا الى ان يرتحلوا الى الاخرة الى ما شاء الله من ابد الابدين ودهر الداهرين واذا اردت ان تعرف كليات المراتب في السلسلة العرضية في كل شيء من الاشياء فاعلم ان الشيء لما بدا من فعل الله سبحانه لا يكمل ولا يتم الا بعد اكمال القوسين الصعودي والنزولي اما النزولي فلصيرورته جامعا مملكا واما الصعودي فلاظهار تلك المراتب وبلوغه الى غاياتها المقررة له فلولا النزول لم يتم الصعود ولولا الصعود لم يكمل الشيء فاول المبدأ هو الوجود ويعبر عنه بالفؤاد فلما خلقه الله سبحانه تعين وتركب فحصل من اول تركبه وتعينه العقل الكلي في العالم الكلي والجزئي في العالم الجزئي ثم استنطقه الله سبحانه فقال له ادبر فادبر فاول ما ادبر مقبلا على الخلق ( الخلق ثم خل ) الى مقام الارواح ثم الى مقام النفوس عالم الذر تمام الخلق الاول من عالم الغيب ظهور الشيء الغيبي مشروح العلل مبين الاسباب ثم الى مقام الطبيعة الكسر بعد الصوغ الاجمال بعد التفصيل المزج بعد الامتياز ثم الى مقام المادة وتمام الكسر وجوهر الهباء وظهور الحصص والذر من غير الامتياز ثم الى مقام المثال والصورة والشبح والظل بدن نوراني لا روح له ثم الى مقام الجسم المركب من المادة والصورة ثم الى مقام العرش الفلك الاطلس المحيط بالعالم الجسماني كله فلك الافلاك ثم الى مقام الكرسي الظاهر بالكواكب ثم الى فلك البروج الاثنيعشر ثم الى فلك المنازل الثمانية والعشرين ثم الى فلك الشمس ثم الى زحل و القمر ثم منها الى المشتري وعطارد ثم منها الى المريخ والزهرة ثم الى كرة النار ثم الى كرة الهواء ثم الى كرة الماء ثم الى كرة الارض الى هنا تمت مراتب الادبار ثم امر الله سبحانه بالاقبال فقال له اقبل فاقبل فاخذ في الصعود فاول ما صعد الى مقام الجماد مبدأه البخار والدخان والسحاب والمطر والتيام الاجزاء الاربعة من العناصر على وزن معلوم مقدر والمزج التام ليكون المجموع شيئا واحدا ويتحقق الجماد في اول المزج ( المزج ثم خل ) الى مقام المعدن وهو مقام النضج بعد المزج اي النضج الاول ثم الى مقام النبات ثم الى مقام الحيوان ثم الى مقام الجن ثم الى مقام الملئكة ثم الى الانسان وفي هذا المقام تظهر المراتب ( مراتب خل ) المتقدمة النازلة كلها ويظهر العقل المتنزل المقبل المدبر ثم في الكلي الى مقام القطب الغوث الجامع الكلي ومقام ظهور النفس الملكوتية الالهية ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن لم يعرفها ضل وغوى وهذا المقام هو تمام بلوغ البدو الى العود والاول بالاخر والاخر بالاول وهو مقام قاب قوسين ثم منه يصعد الى مقام اعلى وهو تلك اللطيفة الالهية وهو مقام اللانهاية وليس لها مقام اعلى منه لانها نهاية ذكره ومبدأ ذاته فلا يتعداها ابدا وانما يسير في هذه الرتبة بلا نهاية ولا غاية لها وهي في كل مقام يطلب اعلى من مرتبتها فلا تصل اليها وتدور على نفسها سائرة الى اعلى منها وهي في مرتبتها ومقامها فالحق سبحانه دائم التجلي عليها في مقامها بنفسها فلا يلحق الى اعلى منها وهذا السير لا انقطاع لها وانما كررت العبارة لاجل التفهيم وقد ذكرت لك السلسلتين باوضح بيان فتفهم راشدا وليس لي الان قلب لأشرح مراتب تينك السلسلتين على كمال التفصيل وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية
واما الحقيقة فاعلم ان لها في اخبار اهل البيت عليهم السلم اطلاقات :
الاول حقيقة الشيء من ربه التي لها كينونة وتأصله ولها تعبيرات في اخبارهم عليهم السلم منها الروح كما قال تعالى لادم على ما في الكافي روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وهذا الروح روح مخلوقة وجه الله سبحانه في خلقه ومنها الحقيقة كما في حديث كميل في سؤاله لامير المؤمنين عليه السلم ما الحقيقة فقال عليه السلم ما لك والحقيقة قال كميل اولست بصاحب سرك قال عليه السلم بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني قال اومثلك يخيب سائلا قال عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة الحديث ومنها النور كما في قوله عليه السلم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال عليه السلم في تفسيره يعني من النور الذي خلق منه ومنها الاب كما في رواية مولينا الصادق عليه السلم ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة وقد تطلق عليه الوجود والمادة والوجه والفؤاد والعلم والمحبة والتجلي والظهور والامر المفعولي والسر واللب والمثال كما قال عليه السلم صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وقال الصادق عليه السلم اذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب فاثر محبوبه على ما سواه وباشر اوامره ونواهيه وهنا اطلاقات اخر وقد نطلق عليها المفعول المطلق والاثر والمصدر والخطاب الشفاهي والنقش الفهواني والنفس الرحماني وعالم المعاني واللب الانساني ونور الانوار وحقيقة الحقايق الى غير ذلك من الاطلاقات والمراد بهذه الحقيقة هو اثر فعل الله سبحانه واول ما تعلق به المشية الكونية بالاصالة مطلقا او بالنسبة الى مراتبه النازلة ونسبته الى فعل الله سبحانه نسبة المصدر الى الفعل فان الضرب هو الاثر الحاصل من ضرب فاشتق منه الضارب والمضروب لانك اذا لاحظت فيه ظهور المبدء يكون مثالا حاكيا عنه كالصورة الحاكية للمقابل في المرءاة فمن هذه الحقيقة تشتق منه اسم الفاعل فهو في هذه الحالة مثال وصورة لا ذكر لشيء غير المبدء فيه وهو اذن صفة واسم ولا نعني بالاسم والصفة غير هذا كما قال عليه السلم ان الاسم ما انبأ عن المسمى وقال الرضا عليه السلم الاسم صفة لموصوف واشار عليه السلم الى هذا الذي ذكرنا بقوله كشف سبحات الجلال من غير اشارة ويريد عليه السلم بذلك محو اعتبار غير المبدء ليتمحض في الوصفية والاسمية فبهذا الاعتبار نسبه سبحانه الى نفسه وسماه روحه فهو اذن منتف الجهات والحيثيات لان الكثرة من لوازم الاثنينية وهي انما يتحقق بتغاير الصفة فاذا لم يكن الغير لم تكن الاثنينية فتنتفي بذلك كل جهة وحيثية واذ لا جهة ولا حيث فلا كيفية فلا حد ولا وضع فلم يبق الا حرف المثال الدال على الحق ولله المثل الاعلى وليس كمثله شيء وهذا هو الوجه الاعلى من الاثر فاتقنه تجد ما لا تحيط به العبارة والوجه الثاني مقام كونه اثرا ومفعولا مطلقا فهو حينئذ مادة للشيء ومدلول خطاب كن قبل تحقق لفظ يكون اي المصدر قبل الوقوع المتحقق به المفعول به وهو مس النار للدهن في السراج والكسر قبل الانكسار في اللحاظ في رتبة الذات وهو في الوجه الاول صفة التوحيد وفي الوجه الثاني معاني الاسماء والصفات ومظاهر التجليات وذكر الحيثيات لظهور بدائع فاطر الارضين والسموات وهذان الوجهان تطلق عليهما الحقيقة من ربه فاذا وجدت في كلمات مولانا واستادنا اطال الله بقاءه وجعلني فداه الحقيقة من ربه فاحمله على احد المعنيين المذكورين والمائز قرينة المقام ولكن الاغلب هو الوجه الاول الاعلى
الثاني حقيقة الشيء من نفسه ويطلق عليها في اخبار اهل البيت عليهم السلم الام والحجاب والمجتث والظلمة والعدم والباطل والجهل والمثل السوء والسجين او قبضة من سجين والماء المالح الاجاج والعمل والامل والقابلية وارض الجرز وامثالها من التعبيرات والمراد بها جهة الانية وحدود الصورة ومقام الانفعال والانوجاد فان الله سبحانه لما اوجد الخلق انوجد فالوجود في اوجد هو الحقيقة الاولى والانوجاد الحقيقة الثانية فلولا الثانية لم يظهر الاول بل لم يوجد ولولا الاولى لم تكن الثانية فهما متساوقان في الوجود كل واحدة شرط تحقق الاخرى وقيام احديهما بالاخرى قيام تحقق ولما كانت الاولى وجه الله سبحانه وجهته كانت الانوار تنسب اليها ولما كانت الثانية جهة النفس وهي خلاف جهة الرب كانت الظلمات تنسب اليها فلهما حركتان ذاتيتان وحركتان عرضيتان فعند ذاتية كل تكون عرضية الاخرى فلاتجتمع الذاتيتان للزوم التناقض في حال واحد فان احديهما تطلب الحق بالذات والاخرى الباطل بالذات فان مال الشخص الى الحق فتكون الحركة ذاتية للاولى وتتبعه الثانية بالعرض وكذلك بالعكس ولاتجتمع العرضيتان ايضا لعدم المانع للمجموع والحاصل ان الثانية هي الصورة والاولى هي المادة والصورة هي المشخصات الستة التي هي الزمان والمكان والجهة والرتبة والكم والكيف وهي الماهية والقابلية وكل واحد منها اجزاء لها وحدود ومتممات للقابلية والاولى نور واحد يتقدر بهذه الحدود فافهم ان شاء الله تعالى
الثالث الشيء المركب منهما وهو الولد المتولد من الحقيقة الاولى التي هي الاب والثانية التي هي الام واول المركبات هي النفس الناطقة المعبر عنها بانا ثم العقل ثم الروح ثم النفس الى اخر المراتب المتقدمة في بيان السلسلة العرضية فراجع