
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
الحمد لله الذي اوضح السبيل باقامة البرهان والدليل وابطل حجج اهل الضلال والتضليل ببينة واضحة عظيمة منه وهو الرسول السيد الجليل والمولى النبيل وآله وخلفائه الذين بهم صان الموجودين عن التغيير والتبديل
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني المقيد بوثائق الآمال والاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان السيد السند والاخ المعتمد السيد احمد بن سيد حسن الحسيني قد كتب اليّ كتابا على طريقة اصحاب السلوك محصله الرد على اليهود والنصارى واثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله سيد الانبياء واثبات ولاية امير المؤمنين عليه السلام وخلافته وخلافة اولاده واوصيائه سادة الاوصياء (ع) ( الاولياء خل ) واثبات الحق وتزييف الباطل في ما اختلفت الفرقة المحقة بما ينسب ويتصل بهؤلاء الائمة الامناء عليهم سلام الله ما دامت الارض والسماء وقد اتاني كتابه في حال تبلبل البال واختلاف الاحوال وعروض الاعراض ( الامراض خل ) المانعة من استقامة الحال وابتلائي بمكايدة الاهوال والشدايد ومقاساة اهل المكائد وفي مثل هذه الحالة ما عسى ان اقول في هذا المقام الصعب من الرد والقبول فبادرت الى ذكر بعض الكلمات والاتيان بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور وها انا اذكر كلماته بالفاظها ولم اتعرض الا لشرح ما هو محل السؤال والله المستعان على كل حال
قال سلمه الله تعالى بعد البسملة : يا مولينا اسئل الله الجليل ان يجعلك هاديا الى السبيل وان يرينا الحق حقا حتى نتبعه والباطل باطلا حتى نجتنبه
اقول ان الله سبحانه يجب ان يجعل دائما في ( في الخلق خل ) علم هداية ورشاد ودليل بين العباد لان الله سبحانه بعد ان انزل الخلق من عالم الارواح الى عالم الاجسام ( الاجساد خل ) ومن عالم السعة الى عالم الضيق ومن عالم العلم الى عالم الجهل ليريهم قدرته ويبين لهم حكمته ويعرفهم ضعفهم ونقصانهم حتى يقروا بربوبيته فاتى بهم الى هذه الدار المظلمة الغاسقة المكدرة المدلهمة
ثم جعل سبحانه لهم ادلاء راشدين وعلماء مستحفظين وحفاظا معصومين حتى يبين لهم ما جهلوا ويردعهم اذا تعدوا ويظهر لهم الحق اذا عموا ولم يجعلهم في الحيرة هائمين ولا في الجهل مغمورين بل بعث لهم علماء ذاكرين فقال لهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
فلم يزل رسل الله تترى يتلو بعضهم بعضا يهدون الخلق الى الله ويدلونهم الى سبيله حتى تتم حجة الله وتكمل نعمة الله ولئلا يقولوا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى
الى ان انتهت النبوة الى محمد صلى الله عليه وآله صاحب النور الابهر والجبين الازهر وحامل الاسم الاكبر فقام فيهم هاديا مهديا وكان بالمؤمنين عطوفا رحيما ووليا حفيا فلما انتهت ايامه ولم تظهر كمال الظهور احكامه اقام نفسه مقامه ولم يزل الخلفاء والاوصياء بين اظهر الخلق لهدايتهم ودلالتهم الى ان مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه في كل مقام واعرضوا عن اولئك الاعلام عليهم من الله آلاف التحية والسلام الى ان قتل من قتل ( قتل منهم خل ) وسبي من سبي
الى ان اقتضت المصلحة لآخرهم الغيبة فغاب عن ابصار الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس من الجنة والناس فما اقتضت ( فما اقتضى للحق سبحانه خل ) حكمته ان يجعل الخلق مع ذلك في ظلمة بهماء وحيرة صماء لا يمكنهم الاهتداء الى السبيل ولا يسعهم مشاهدة الحق ان راموه بالدليل اكمالا للنعمة لهم واتماما للحجة عليهم
فجعل للغائب المنتظر والنور المستتر نوابا وابوابا هم العلماء الراشدون والامناء المهتدون قواما للدين المبين واركانا للشرع المتين وجعلهم اوعية لسره وخزنة لبعض علمه الذي تحتاج اليه رعيته وهم القرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة فقال تعالى وجعلنا بينهم ( بينهم اي بين الخلق خل ) وبين القرى التي باركنا فيها وهم الائمة قرى ظاهرة وهم اولئك الاعلام من العلماء الكرام الذين يتأدبون بآداب ائمتهم وينهجون منهجهم هجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر على غيرهم واستانسوا بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع الامام وللدين عصام وللشرع قوام والهداة للانام
فيجب على الخلق اتباعهم والتجنب عن خلافهم لانهم العدول الذين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وقد وصف الله سبحانه شأن من خالفهم واعرض عنهم بقوله الحق وقالوا ربنا باعد بين اسفارنا يعني ليس لنا حاجة الى هؤلاء الاعلام بل نصل الى الائمة عليهم السلام من دون الاقتداء بهم والاخذ عنهم
فاخبر الله سبحانه عن سوء حال هؤلاء القائلين وقبح عاقبة المعرضين الخاسرين بظلمهم انفسهم ( انفسهم وتنكبهم عن جادة الهداية الموضوعة لهم فقال سبحانه وظلموا انفسهم خل ) فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق باختلاف آرائهم واختلاف اهوائهم وعدم اهتدائهم الى الحق الواحد وجعل صدورهم ضيقة حرجة كأنما يصعد الى السماء
ولكن في هذا الزمان حصل مدعون يدعون كل يقول انا ذلك العالم المنصوب للهداية من جانب صاحب الولاية مع اختلاف آرائهم وتباين اهوائهم
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
وحيث ان الحق لا بد ان يكون ظاهرا وطريقا مهيعا وجب ان يكون لحامل الحق والناطق بالصدق ونائب الامام والحاكم عنه عليه السلام بين الانام دلالات وعلامات بها تتبين المحق من المبطل والموافق من المنافق والصديق من العدو ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة
وهذه العلامات والبينات والدلالات على قسمين اجمالية وتفصيلية فالاجمالية تقدم بيانها الان والتفصيلية نؤخرها ليكون بدو هذه الرسالة وختمها كوضعها لبيان الهادي الى الخلق والدال عليه والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها
فاقول اما العلامة الاجمالية فهي التي اشار اليها مولينا الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد ( المحل خل ) على ما قالوا في هذه المقبولة في مقام الشهرة فقال عليه السلام انظروا الى رجل منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما واذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله الحديث
وشرط الامام عليه السلام لهذا الحاكم الذي جعله الله سبحانه للخلق وجعل الراد عليه كالراد عليه سبحانه ثلاثة شروط :
الشرط الاول انه يروي حديثهم وينقطع من كل ما سواهم ويستأنس بحديثهم ويميل قلبه اليهم حتى يحصل له بمزاولة رواياتهم وممارسة احاديثهم عقلا شرعيا الهيا وتستأنس قواه ومشاعره بكلماتهم ورواياتهم لتحصل بها له الطبيعة الشرعية الالهية فان الطبيعة تأخذ بمجرد الممارسة والمجاورة كما قال الشاعر :
عاشر اخا ثقة تحظى بصحبته
فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة مما تمر به
نتنا من النتن او طيبا من الطيب
ولذا قالوا عليهم السلام علموا صبيانكم احاديثنا قبل ان تسبق اليهم المرجئة فاذا اشتغلت برواية احاديثهم والنظر في رواياتهم ومعرفة مقاماتهم ومراتبهم تطيب الطبيعة وتحسن الفطرة وتميل الى الاستقامة ويذهب عنه الاعوجاج باعتدال المزاج فتقبل ما وافقهم عليهم السلام وتنكر ما خالفهم وتستأهل استيهالا تاما لقبول الفيوضات النازلة منهم عن الله الواصلة اليها وهذا هو الشرط الاعظم
الشرط الثاني النظر في حلالهم وحرامهم الحلال ما كان متعلق الامر الالهي سواء كان الزاميا او غير الزامي ويدخل فيه المباحات التي هي عبارة عن الرخص والحرام ما تعلق به النهي سواء كان تحريميا او تنزيهيا وهذا ليس خاصا بافعال المكلفين من عباداتهم ومعاملاتهم من عقودهم وايقاعاتهم وحدودهم واحكامهم بل جميع الذرات الوجودية في جميع الموضوعات والعلوم لهم عليها امر ونهي فيحصل بذلك فيه حلال وحرام فالشخص الالهي الذي حصلت به الفطرة الشرعية ( الشرعية الالهية خل ) يجب عليه ان لا ينظر ولا يتوجه الا الى حلالهم وحرامهم وكل الاشياء من الموجودات والشرعيات لا تخرج عنهما لان الاشياء انما قبلت ولايتهم لما عرضت عليها او انكرت اياها وافقت محبتهم او خالفت فالموافق القابل هو متعلق الحلال على اختلاف الجهات والمراتب والمقامات والمخالف المنكر هو متعلق الحرام كذلك فالوجودات التكوينية كلها اما حلالهم واما ( او خل ) حرامهم فيجب على العالم القائم مقامهم عليهم السلام النظر في حلالهم وحرامهم ويقتصر عليهما ولا يلتفت الى ما لا يرجع ( ليس مرجع خل ) اليهم وينتسب اليهم من دواعي الانيات وجهات الماهيات من العلوم الرسمية التي لا تنسب الى نبي ولا ولي بل يشارك في الخوض فيها والبحث عنها كل كافر ملحد ردي والذي يشارك العامة لا يتفرد به الخاصة ولما كان لا كل من نظر وصل ولا كل من وصل عرف فشرط عليه السلام
الشرط الثالث وهو قوله عليه السلام عرف احكامنا والاحكام جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي الشامل لجميع الافراد فيكون الناظر في حلالهم وحرامهم يجب ان يعرف جميع احكامهم فان لهم سلام الله عليهم حكما في كل شيء فان لم يعرفها لا يقدر على رد الغالين وانتحال المبطلين فان اهل الباطل لهم في كل شيء طريق الى اظهار باطلهم لان كل شيء له جهة ظلمه يناسب بها اهل الباطل فلا بد ان يكون هذا الحاكم عارفا بمحال ظهور الابالسة والشياطين ولا تطرد الشياطين الا بنور الولاية الظاهرة في جهة النور من الشيء فيتوقف حفظ دينهم على معرفة جميع احكامهم عليهم السلام ولا يعرف جميع احكامهم الا بكمال الاتصال بهم عليهم السلام في العلم والعمل لان امير المؤمنين عليه السلام قال ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في محبتنا ( معرفتنا خل ) وسئل مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة والمحبة منافية في ( تنافي خل ) مخالفة المحبوب ونسيانه وانكار فضل من فضايله ومقام من مقاماته فيقول عنهم ويشير اليهم ويستدل بهم ويدل عليهم ويدعوا اليهم ويأخذ عنهم ويعتمد عليهم وينقطع اليهم ويعرف بهم ويسم بسمتهم ويسلك منهجهم ويقفو اثرهم
اليكم والا لا تشد الركائب ومنكم والا لا تنال الرغائب
وفيكم والا فالحديث مخلق وعنكم والا فالمحدث كاذب
وهذا مجمل المقال في العلامة الاجمالية فاذا وجدت هذه العلامات في الشخص فاعلم يقينا انه الهادي الى الطريق القويم والمرشد الى النهج المستقيم والقرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة والحاكم العادل عن السلطان العادل فتمسك به ولا تتخلف عنه فتكون من الهالكين فافهم هذه المقدمة النافعة وكن من الشاكرين وهذا العالم هو الذي يهدي ( يهدي الى خل ) السبيل ويرى الحق حقا والباطل باطلا ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة نسئل الله سبحانه ان يجيب دعوتك ويجعلنا من اولئك الكاملين الهداة المهديين ويخلصنا في معرفتهم بحقهم وبشأنهم صلى الله عليهم
قال سلمه الله تعالى : اخبر جنابكم بان الحقير كأني كنت نائما واستيقظت ليلا فاول وقوع نظر عين بصيرتي على نفسي وعلى تصويرها وتكوينها وتفضيل ظاهرها وباطنها واذا هناك امر عظيم لا يدركه احد من الناس
اقول قوله كأني كنت نائما يريد به الغفلة والجهل فان النائم وان كان يتنفس نفسا ينبئ عن الحيوة لكنه غافل ذاهل معطل الحواس والمشاعر له قلب لا يعقل به وله عين لا يبصر بها وله اذن لا يسمع بها غافل عن احوال نفسه غفلة تامة والى هذا المعنى يشير قوله عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا وقوله واستيقظت ليلا والمراد ( المراد به خل ) التنبيه والاستشعار بمقام نفسه وعجائب خلقه وانحاء الروابط والقرانات والصور والهيئات بمراتب الاتصالات والانفصالات والوحدات والكثرات وانحاء الاحاطات من الصورية والمعنوية وربط الماديات بالمجردات وقران العلويات بالسفليات واتصال الاسباب بالمسببات والعلل بالمعلولات وظهور المدبر المصور في هذا المصنوعات وهو استيقاظ بعد المنام وانما قال ليلا لان التنبه ( التنبيه خل ) اجمالي واجماله ما تفصل وابهامه ما تبين نعم عرف ان له صانعا ولكنه لا يعرف التوحيد ( لم يعرف توحيده خل ) واركان التوحيد ومظاهر التجريد والتفريد ووسائط الفيوضات والاسباب الموصلات والموانع القاطعات وشروط لا اله الا الله وحملتها ومظاهرها واركانها وافعالها ومظاهر افعالها واسمائها ومظاهر اسمائها وجهات حكمتها ونسبة كينونة العباد اليها وابوابها ومعاني ابوابها وابواب ابوابها وهو في الجهل مقيم في ليل بهيم وفي وادي الحيرة يهيم ولذا قال انه استيقظت ليلا ولذا
قال سلمه الله تعالى : فعلمت ان المنشأ والمحرك والمسكن لها غيرها ومع ذلك وجدتها عاجزة قاصرة محتاجة الى مدبر غيرها من جميع الوجوه وكل الجهات ومع هذا كله اراها مدبرة باحسن تدبير فعلمت ايضا علما قطعيا بان المدبر لها وذا المنن عليها هو الذي انشأها اول مرة فقلت في نفسي هذا الحكيم ما يصنع عبثا وان هذا المنعم على يستحق ان اكون معرضا نفسي لانواع خدمته ولكني ان اصبحت سئلت عنه ممن هو اعرف مني به وبخدمته ان حصل لي ذلك
اقول هذا الكلام محكم لا شك فيه ولا خفاء ومراده في هذا الاصباح ( بهذا الصباح خل ) الاخذ في التنبيه التفصيلي لمعرفة احكامه وشريعته المتوقفة لمعرفة المبلغ المتوقفة لتعيينه وتشخيصه ليكون على بصيرة منه ( فيه خل ) ليكون بابه الى مبدئه وصانعه فقصد بذلك ( بذلك معرفة خل ) النبي والولي والحامل لعلمهما الموصل الى ولايتهما وحيث انه قريب الوصول والمنال وما كان حاصلا له في الحال اتى بالشرطية معبرا عنها بان دون لو لتحقق وقوعه وترتب وصوله وان الله سبحانه لا يخيب من قصد بابه مؤملا واناخ بفنائه راجيا وقد وعد وهو سبحانه لا يخلف الميعاد بقوله تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقوله وعلى الله قصد السبيل وقوله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ومن هذه ( هذه الجهة خل ) زاد تنبها وطلع له الفجر اليقين
قال سلمه الله تعالى : فلما اصبحت تهيات للخروج هائما لعلّي اصادف من اطلبه واذا كأني بابي واقف على باب الدار فسألني ما بالك فذكرت له مقصودي واذا يتكلم معي بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع فتركته وذهبت اطلب مرادي فتبعني ابي خوفا عليّ
اقول المراد بالاب اب التربية لا اب العقل ولا اب النفس الامارة بالسوء ولا اب الجسم والجسد لان الآباء اربعة اب العقل وهو محمد وعليّ (ص) واب النفس الامارة ( الامارة بالسوء خل ) وهو ابو الدواهي وابو الشرور واب الجسم والجسد وهو آدم وحوا واب التربية وهو العادات والاخلاق والاحوال التي نشأ عليها فيجري في افعاله على عاداته واحواله ولا يلتفت الى غيرها والعادة قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة وهذه العادة ليست بثابتة ولا عليها برهان ولا دليل ومن هذه الجهة قال سلمه الله كأني بابي واقف على باب الدار فان الانسان اذا اراد السير والسلوك الى الله والتوجه الى المبدء الاعلى يصعد من الاسفل الى الاعلى فاول ما يجب عليه رفع العادات التي تربى عليها ونشأ عليها ( فيها خل ) فاب التربية والعادة واقف على باب الدار اي دار نفسه ومحل رمسه فاذا رأت العادة ان المعتاد يروم تغييرها وتركها واخذ الحقيقة يشق عليها فتسئل من ذلك ولذا قال سئلني ما بالك ولما ان العادة المربية ليست مأخوذة عن دليل وبرهان وحجة وبيان قال فاذا يتكلم معي بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع فلما اخذ في الطلب حيث انه لم يكن مستقرا ما تركه ابوه اي اب التربية فتبعه خوفا من ان يتركها وهذه التبعية توفيق من الله لانها كانت عادة حسنة مطابقة للحق وان لم تكن مع طمأنينة وثبات
قال سلمه الله تعالى : واذا كأني قد عارضني ( عارضني في الطريق خل ) رجل ظاهر الصلاح بهيي مسن فظننته من اهل المعرفة بمطلوبي وقد سئلته عن حاله واخبرني بانه حبر من احبار اليهود ومن عادته ارشاد المسترشدين الى سبيل رب العالمين فاظهرت له فرحي عند ذلك قال لي كأنك مسترشد اجبته نعم فقال توجه الى واحضر ذهنك لدي اعلم ان المنعم المفضل الذي تسئل عنه هو الله سبحانه الجامع للصفات الحسنة المنزه عن العكس وهو قادر مطلقا قاهر مطلقا خالق مطلق رازق مطلقا حي ابدا وهكذا وان نعمه لا تعد ولا تحصى يشهد بها العقل السليم وجميع الكتب السماوية واني الآن ارشدك الى طريق قريب يوصلك الى رضاه وان انت عدلت عنه الى غيره فلن تصيب حينئذ الا الضلال ثم ليكن معلومك ان لا خلاف بين الموحدين لله تعالى في انه اوعدنا وتوعدنا اوعدنا بالسلطنة غدا واي سلطنة في جنة فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ان نحن اطعناه في ما يامره وينهاه وان كان هو غير محتاج لذلك وتوعدنا بالعذاب الشديد فيا له من عذاب في نار وقودها الناس والحجارة وانها شجرتها لا تطفى بل لا زال تتأجج وتزيد ويقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد ان نحن خالفناه الى ما لا يحبه ويرضاه وان كان لا يضره ذلك فحينئذ يا مقتدانا خايفا صرت راجيا خائفا مع ما كنت عليه من الراي الذي ذكرت لكم سابقا فان كل عاقل لا يختار الا الطاعة لكونها جنة ومن اعظم السوء امتناعه وطلب الجزاء ( مناعة ولجلب الخير خل ) احسن من كل بضاعة فحينئذ علمني ذلك الحبر شريعته واوصاني واكد وصيته بان لا تجعل واسطتك بينك وبين بارئك وموجدك ومنشأك غير كليم الله موسى بن عمران وخذ حذرك من كل شيطان من الانس والجان ان يخدعوك او يغروك عما انت عليه من شريعة الحق واعلم ان شياطين الانس هم النصارى وكل من سلك شريعة غير اليهودية
اقول ما ذكره هذا الحبر من صفة الله سبحانه وانه كامل ( كامل جامع خل ) لجميع الصفات الحسنة والمنزه عن جميع النقائص كلام صحيح اتى به تمويها واستجلابا الى باطله وما يتفرع عليه من مذهبه السخيف فان اهل الباطل لا يسعهم اغواء طغام الناس الا بان يمزجوا بباطلهم حقا ويصوروه بصورة الحق وان قصدوا به الباطل ولذا قال السامري فقبضت قبضة من اثر الرسول فلولا تلك القبضة التي قبضها من تحت حافر فرس جبرئيل ( جبرئيل حيزوم خل ) فرس الحيوة ماخار العجل ولا تمكن مما اراد من اغواء بنياسرائيل ولذا لما رأى امير المؤمنين عليه السلام ( السلام حسن البصري يكتب في اثناء خطبته عليه السلام قال عليه السلام خل ) ما تكتب يا حسن قال اكتب آثارك يا امير المؤمنين ثم التفت (ع) الى الناس وقال ايها الناس ان لكل قوم سامري وهذا سامري هذه الامة حيث قال فقبضت قبضة من اثر الرسول انتهى ما نقلته من معنى الحديث فهو انما اخذ آثار امير المؤمنين عليه السلام ومزجها بباطله واغوى به ( بها خل ) خلقا كثيرا ودعى الناس الى نفسه فاتخذوه معبودا من دون الله لان الصادق عليه السلام يقول من اصغى ( استمع خل ) الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان انتهى وهو عجله الذي دعى الناس اليه بما عنده من آثار امير المؤمنين عليه السلام قد مزجها بهوى نفسه واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به ايمانكم وكذلك هذا الحبر انما ذكر هذه الكلمات الحقة لتشييد باطله وللتمويه على الضعفاء من المسلمين والا فهم لا يثبتون لله الصفات الكمالية مطلقا ولا ينزهونه من النقائص كيف لا وهم الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء وهم الذين قالوا عزير ابن الله فالذي يتخذ لله ولدا ويثبت له الفقر كيف يوصفه سبحانه بالصفات الكمالية ان قلت من اين تعلم ذلك وهو مذكور في القرآن واليهود لا يصدقون القرآن قلت هب انهم لا يصدقون القرآن انه من الله سبحانه اليس محمد صلى الله عليه وآله هو الذي اتى به اليس ذكر فيه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلو كان هذا الذي نسبه الى اليهود باطلا غير واقع لكان ذلك اعظم حجة على بطلان هذا الدين والشريعة لانه اتى بكذب صريح وهو يقول في القرآن الا لعنة الله على الكاذبين وهلااحتجوا اهل خيبر وبني قريظة عليه صلى الله عليه وآله بهذه الحجة الواضحة فاظهروا كذبه وابطلوا نبوته وما احتاجوا الى الحرب الفظيع والقتل الشنيع ونهب الاموال واسر العيال وذل الجزية والصغار وحيث انهم لم يكذبوه بل اقروا عليه ما نسبه اليهم علمنا ( علمنا ان خل ) هذا كان معتقدهم وكذا قولهم ان يد الله مغلولة وان الله قد فرغ من الامر وهو معطل عن ( في خل ) الايجاد واي نقص اعظم من هذا وامثاله من العقائد الفاسدة والآراء الكاسدة التي لهم فهم لا يصفون الله بصفة الكمال واي كمال للفقير الذي له ولد ويداه مغلولة ولكن هذا الحبر من جهة اغواء هذا السيد ذكر هذا الكلام حتى لا يستوحش ويميل قلبه اليه حتى يجذبه الى باطله ولم يعلم ان لموسى هذه الامة عصاء اذا القيها تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون وكذا وصف هذا الحبر عذاب النار وانها لا تطفى بل ( بل لا زال خل ) تتأجج وتزيد وان كان هو الصحيح في الواقع لكنه هو كاذب في هذه الدعوى لان اليهود يقولون لن تمسنا النار الا اياما معدودة فالذي يعتقد ان النار لا تصيبه الا اياما معدودة فاي خوف له منها وكيف يقول نارها لا تطفى فتبين لك بما ذكرناه ان قصد هذا الحبر وامثاله التمويه والتلبيس وشأنهم الكذب والالحاد انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير واما الدعوى التي ادعاها بان لا تجعل واسطة بينك وبين بارئك غير كليم الله موسى بن عمران فمحض دعوى ما اقام عليها برهان ولا دليل اذ لو ادعى ( ادعى عليه خل ) مدع وقال له واوصاه بانك ( اوصيك بان خل ) لا تجعل بينك وبين بارئك وموجدك واسطة غير خليل الرحمن ( الله خل ) وانه صاحب شريعة وانه مبعوث من الله الجليل فما الذي عدل به الى شريعة موسى وقال بنسخ شريعة ابرهيم (ع) واثبات شريعة موسى ان كان لمحض التشهي وهوى نفسه فلا يعتب على غيره ولا يلومه ولا يحذره من عذاب النار التي لا يعتقد بقائها ولا دوامها ان قالوا بشريعة موسى ثم لو عدلوا عنها الى شريعة محمد صلى الله عليه وآله وان قالوا ان العدول انما كان ببرهان ان موسى عليه السلام ادعى النبوة واتى بالآيات التسع والمعجزات التي عجز عنها غيره فعرفنا انه مبعوث من الله وداع الى الله وانه مصدق بالانبياء قبله وان شريعته نسخت تلك الشرايع للانبياء الماضين المرضيين نقول هذا بعينه يقال في ( في حق خل ) شريعة محمد صلى الله عليه وآله ( آله فقد خل ) ادعى صلى الله عليه وآله النبوة واتى بما لم يأت به مثله غيره من المعجزات وخوارق العادات فعرفنا انه من الله وان شريعته ناسخة للشرايع ( لشرايع خل ) من قبله فان قلت ان معجزات موسى ثبتت ووضحت دون معجزات محمد صلى الله عليه وآله ولذا لم نقل به وقلنا بموسى قلت ان معجزات موسى انما كانت في حيوته وحده ومن بعد موته لم يبق لها اثر الا محض الذكر والخبر فان انقلاب عصاه ثعبانا لم تتحقق بعد موسى وكذلك اليد البيضاء لم تظهر بعده عليه السلام وكذا ساير المعجزات التسع التي صارت سبب ظهور نبوته وتصديق دعوته واما محمد صلى الله عليه وآله فمعجزاته ظاهرة وبراهينه باهرة في حياته وبعد مماته لان من معجزاته القرآن وهو مؤلف من حروف والفاظ مبذولة معروفة عند كل احد بحيث لا يمكن اظهر ولا اشهر ولا اكثر استعمالا من الحروف والالفاظ ولا ريب ان كثرة استعمال الشيء تجيده وتحسنه وتظهر دقائقه وخفاياه ولا شيء اكثر استعمالا واكثر دورانا من اللفظ الذي يحتاج اليه كل انسان في محاوراته وابداء شئونه ومستجنات ضميره وهكذا ومع هذا كله فقد اتى صلى الله عليه وآله بقرآن وكتاب مؤلف من هذه الحروف والالفاظ تأليفا بحيث لا يمكن لاحد ان يؤلف مثله من اهل هذا النوع واللغة العربية التي هي اشرف اللغات مع وجود الفصحاء والبلغاء والخطباء مع انه صلى الله عليه وآله تحدي بهم قال (ص) فاتوا بسورة من مثله فاذا اتوا بسورة من مثله بطلت نبوته على قوله فلم يقدروا ( فلم يقدروا ولن يقدروا خل ) ان يأتوا بمثله ولا بمثل سورة منه وان كانت صغيرة بل لم يسعهم ان يتكلموا على نهج القرآن اذ لا يشبه شيئا من كلامهم المنثور ولا المنظوم وحيث عجزوا عن ذلك وما طاوعتهم انفسهم للانقياد للحق ولم يسلموا له بالنبوة ولم يقنعوا بالمعجزة فحاربوه حتى وقعت بهم الذلة ذلة الحرب والكسر والفدية والمنة والجزية ونهب الاموال وسبي العيال وكل ذلك كان يندفع بالاتيان بسورة وان كانت صغيرة مثله ولو اتى بها آت لاشتهر ولذكر ولنقل ولعارضوه بها وجادلوه بها فان لم يقبل منهم كانوا سموه ظالما بطاشا وعرف ( عرفت الناس خل ) كذبه وان قصده الغلبة وجعل الدين حجة الا تسمع الى ( الى بعض خل ) مزخرفات مسيلمة ومزخرفات سجاح الكذابة لمقابلة ( لما اراد مقابلة خل ) القرآن فاتوا بعبارات ما اقبحها واهجنها كقول مسيلمة الفيل ما الفيل وما ادريك ما الفيل له خرطوم طويل وقول سجاح الزارعات زرعا فالحاصدات حصدا فالطاحنات طحنا فالخابزات خبزا فالآكلات اكلا قال بعض الادباء كانت ينبغي لها ان تتم الآية بقولها فالخاريات خريا لانها بعد الاكل وهذه الكلمات مع سخافتها ما خفيت بل اشتهرت وجرت على الالسن والاقلام وكتبت في الكتب والطوامير والدفاتر فكيف اذا كانت سورة مثل القرآن على نظمه وترتيبه وبلاغته وفصاحته وقد كانوا احتجوا بها على رسول الله صلى الله عليه وآله ولو فرضنا والعياذ بالله انه لم ينصف ( لا ينصف خل ) ويأخذهم بالغلبة كانت صرخت العرب ونادت وصدقت بان هذا مثل القرآن والى الآن ما سمعنا خبرا ولا اثرا عن ذلك ابدا ولو فرضنا وسلمنا انه تغلب عليهم فكان افصح منهم فهل هو افصح من الله وابلغ واقدم منه على امضاء مشيته وارادته فهل ترخص نفسك ان تجوز على الله سبحانه ان يصدق كاذبا ولا يظهر كذبه والذي يطلب الحق لا يوصله اليه او ترخص نفسك ان تجوز على هؤلاء الجماعة والخلق العظيم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله كلهم باجمعهم ما كانوا طالبين للحق بل اتبعوا لمحض الرياسة الفانية الزايلة الدنيوية او طلبوا الحق من الله ولو قليلا والله سبحانه ما هداهم الى الحق ولم يبين لهم كذبه وهو الذي ينسب القرآن الى الله وينفي قدرة الجن والانس على ان يأتوا ( ياتوا بمثل قوله لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا خل ) بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ومع هذا لم يبين الله سبحانه كذبه ولم يفسد امره ولم يظهر للخلق بطلانه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ثم ان هذه المعجزة الباهرة القاهرة بقيت بعده على مر الدهور والسنين ولم يقدر احد ان يأتي بمثله في هذه المدة المتطاولة مع كثرة الاعوان والناصر وانت تعلم ان الافرنج كم بذلوا ويبذلون من الدراهم والجاه والاعتبار والقوة والشوكة في ابطال دين الاسلام وكم راموا نقضه بحيل وتدابير فلم يقدروا عليه ولو امكن لاحد ان يأتي بسورة من مثله لاستعان باولئك وصدقته باقي العرب لان الناس عبيد الدنيا واظهروا ما ارادوا من اطفاء هذا النور مع انه ما اتفق الى الآن والله سبحانه من ورائهم محيط فعلمنا انه قرآن مجيد في لوح محفوظ وانه من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فعلمنا بهذه الادلة القاهرة الباهرة انه يجب العدول عن شريعة موسى عليه السلام وان كانت حقا من عند الله الى شريعة محمد صلى الله عليه وآله وان محمدا صلى الله عليه وآله ( آله هو خل ) افضل الانبياء (ع) وخاتمهم وانه الواسطة بيننا وبين الله وان شياطين الانس هم اليهود والنصارى وكل من سلك شريعة غير الاسلام ومن يبتغ غير الاسلام دينافلن يقبل منه وهو عند الله من الخاسرين
قال سلمه الله : واذا كأني بشيخ آخر اعظم وادهى من الشيخ الاول فسئلت عنه قيل هو معلم من معلمي النصارى وقد كان امري كما كان مع الحبر سابقا ثم اوصاني بان لا تجعل بينك وبين الله واسطة غير روح الله عيسى (ع) وكل شريعة كانت قبله فهي منسوخة بشريعته والتي ظهرت بعدها فهي مفترية ثم كأنه نظر الى والى ابي نظر المنقبض فكأنه شم منا رايحة الاسلام وقال حذر كل الحذر من المسلمين واياك ان يسولوا لك او يلووك عن الشريعة المسيحية التي لا تزال الحق معها وهي معه ويكفيك شاهدا على بطلان دعويهم هو انه عندهم بالاجماع وقول محمد صلى الله عليه وآله ان الله تعالى بعث موسى وعيسى وان الذين دعوا الناس في اول الامر الى قبول شريعة عيسى كانوا من اهل الصلاح ومع ذلك توجد في القرآن اخبار عديدة مخالفة لما اتوا به موسى وتلاميذ عيسى مع اقرارهم بانهم قد كانوا من اهل الصدق ومن جملة تلك الاخبار هو ان الذي حقق وثبت عن تلاميذ عيسى باجماع منهم كلهم على انه صلب ومات وفي اليوم الثالث قام من بين الاموات وشاهده عدة من الناس واما المسلمون يزعمون بخلاف ذلك انه رفع الى السماء خفية وان الذي صلب ( ان المصلوب خل ) هو الشخص المشبه به ظنوه اليهود انه هو واما عيسى فانه لم يصلب ولم يقتل ولا سبيل لهم الى فك هذا الاعتراض الا بان يقولوا ان كتب موسى وتلاميذ عيسى (ع) لم تبق على ما كانت اولا وانها تغيرت ثم قال ان كنت منصفا فتأمل بانه لو قال احد ان القرآن قد تغير هل كان المسلمون يسلمون لذلك مع انه من غير حجة يستدل بها على حجة قوله كيف تصدق دعواهم بتغيير كتابنا مع انهم لم يمكنهم ان يستدلوا على صحة كتابهم بما يعادل دلالاتنا على صحة كتابنا من حيث انتشار عدة نسخ منذ اول الامر بجميع الآفاق لا كحال كتابهم بلسان واحد بل كتابنا بلغات مختلفة لانها محفوظة عند الفرق المختلفة
اقول وهذا الشيخ الآخر هو الشيطان المقيض الذي في الاذن اليسرى من القلب في البطن الثالث كما كان الحبر اليهودي شيطانا قد تمثل بصورته مقره البطن الثاني من الاذن اليسرى من القلب وابوه على صورة آدمي على البطن الاول غير متعمق لا في العلوم الالهية ولا في التسويلات الشيطانية وانما كان هذا الثالث نصرانيا منسوبا الى روح الله عيسى (ع) بصورة وحاشا ان يكون منسوبا اليه حقيقة لان الاذن اليسرى من القلب لها ثلاث بطون البطن الاول مقر الحرارة الغريزية المتخذة من نار السموم في مقابلة الروح الحيواني الحرارة الغريزية التي في الجانب الايمن من القلب البطن الثاني مقر النفس الامارة بالسوء مقابل النفس المطمئنة من الجانب الايمن والبطن الثالث مقر مبدء الجهل البرزخ بين الجهل المركب والجهل البسيط المقابل للروح البرزخ بين العقل والنفس فوجه الاعلى العقل ووجه الاسفل النفس ولما كان الضد ( الضد انما خل ) يسمى باسم ضده كالاعمى يسمى بصيرا والمفوضة تسمى قدرية وهذا الشيخ الآخر لما كان يمده الشيطان من هذا البطن من الجانب الايسر وهو الشيطان المقيض المستقر هناك نسب الى روح الله عيسى (ع) لان عيسى عليه السلام كان مظهر اطوار ذلك البطن كالنسبة مضادة وهذا المسؤل فعل ما فعله الحبر اليهودي من اظهار الصفة الكمالية لله سبحانه وتعالى كما يشير اليه قوله لقد كان امري معه كما كان مع الحبر سابقا وهو كاذب في دعواه لان منهم من يرى ان الله ثالث ثلاثة ويرى ان الله حقيقة واحدة قد تعينت بصورة عيسى (ع) ومريم وروح القدس ومنهم من يرى ان عيسى ابن الله ومنهم من يرى انه هو الله ( الله ومنهم من يرى ان عزير ابن الله خل ) ومع هذه العقايد الباطلة والمذاهب السخيفة التي لا يرضى بها من له ادنى مسكة وروية كيف يكون موحدا فان على الاول يلزم ان يكون الله مقترنا ومحدودا بالحدود وعلى الثاني يلزم ان لا يكون الله صمدا حتى خرج منه الولد والانشقاق انفعاله وتغيير بين حالته قبل الولد وبين حالته بعد الولد ويلزم ان ينقسم الى اجزاء لان الولد جزء من والده وامثالها من القبايح وعلى الثالث يلزم ان يكون الله الغني بالذات متصفا بصفة الفقير بالذات وبطلانه ضروري والملازمة بديهية والرابع كالثالث وبالجملة من يكون هذه اعتقاده بالله كيف يصفه بالصفات الكمالية وينزهه عن صفات النقص واي كمال في رب هو جزء مرة وكل مرة ومتغير الحالات وليس لله صفة الفقير المحتاج الذليل الاسير نعم انما ذكر هذا الشيخ المضل تمويها وتسويلا كالحبر الاول كما ذكرنا سابقا فراجع واما وصيته بان لا تجعل بينك وبين الله واسطة غير روح الله عيسى (ع) الى قوله فهي مفترية باطلة مجتثة زائلة بعين ما ذكرنا في جواب الحبر اليهودي ووجوب العدول عن شريعة موسى (ع) الى شريعة عيسى (ع) وشريعة محمد صلى الله عليه وآله بعد نسخ شريعة عيسى (ع) حرفا بحرف فراجعه تجده وافيا بالمراد تعلم بذلك ان دعواه من ان الشريعة التي ظهرت بعد عيسى (ع) فهي مفترية واما استدلاله بان عند المسلمين باجماعهم وبقول محمد صلى الله عليه وآله ان ( ان الله تعالى خل ) بعث موسى وعيسى (ع) وان الذين دعوا الناس ( الناس في اول الامر الى قبول شريعة عيسى خل ) كانوا من اهل الصلاح فنقول اما قوله ان الله بعث موسى وعيسى (ع) فلا شك فيه ولا ريب يعتريه واما الذين دعوا الناس في اول الامر الى قبول شريعة عيسى (ع) كانوا من اهل الصلاح فلا نسلم بالكلية اذ فيهم من اهل الصلاح وهم الذين دعاهم الى قبول شريعة عيسى (ع) محض دينهم ومتابعة ربهم وحذرهم من النار وشوقا الى الجنة دار القرار وهم الذين دعوا الى شريعة محمد صلى الله عليه وآله ومنهم من دعته الى الاقرار بعيسى (ع) اهواء انفسهم وشهوة انياتهم لما سمعوا من بعض الكهنة او الجان الذين يسترقون السمع ان شريعة عيسى تظهر وتتقوى فدخلوا في هذه الشريعة للطمع وحب الجاه والرياسة كما كان شأن منافقي كل ملة وكل شريعة ولا كل من اتبع شريعة اتبعها لوجه الله لقد افترقت النصارى الى اثنين وسبعين فرقة كلهم في النار الا واحدة منهم وهذا ( ذلك معلوم خل ) واضح واما قوله توجد في القرآن اخبار عديدة مخالفة لما اتى به موسى (ع) وتلاميذ عيسى مع اقرارهم بانهم قد كانوا من اهل الصدق فجوابه انه لو كان في القرآن ما يخالف اخبار موسى وتلاميذ عيسى فهلا تمسك به اليهود والنصارى لما سمعوا بالقرآن وهذه الاخبار المخالفة وانما فيه كذب مخالف للواقع وفيه في مواضع عدة اللعنة على الكاذبين وفيه ان هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهلا احتجوا به على محمد صلى الله عليه وآله وخاصموه على قوله وابطلوا بذلك نبوته وسلموا وخلصوا من العار والشنار وذل الاسر والنهب والجزية والفدية والمنة والذل والصغار اما احتجوا بذلك نصارى نجران لما اتوا الى النبي صلى الله عليه وآله للاحتجاج والمخاصمة الى ان آل امرهم الى المباهلة فلم يتمكنوا منها لما رأوا من عظمة الله الظاهرة في محمد صلى الله عليه وآله بحيث لو باهلوه لاهلك الله كل نصراني في الوجود والتجأوا الى الجزية بان يعطوا عن يد وهم صاغرون اين نخوة العربية واين شيمتهم واين الكبر الذي في صدورهم يجدون لهم الغلبة بلا تعب وزحمة ولا مشقة ثم يرتكبون هذا العار والذلة والصغار ولا يكون ذلك ابدا فلو كان لما ذكره هذا الشيخ اثر وصحة لكان اولئك اولى بالاحتجاج به لانهم قريب العهد والاسلام بعد لم يتمكن والطبايع مجبولة بان الخصم اذا وجد عنده شيء مخالف بحيث لم يتمكن به الغلبة على الخصم يتمسك به البتة فاذا لم يتمسكوا لم يتمسكوا ( به اليه خل ) ولم يحتجوا عليه علمنا ان هذا الذي قال هذا الشيخ لا اثر له عندهم ولا خبر وانما هو قول باطل وكلام مجتث زائل لا يصغى اليه ولا يعول ( لا يعول عليه خل ) فحينئذ قولهم ان عيسى (ع) صلب ومات في يوم الثالث قام من بين الاموات وشاهده عدة من الناس باطل ثم نقول وما يدريهم انه صلب ومات وان هذا الذي صلب ومات لم يكن شبه عيسى (ع) ولعل الامر كما قال محمد صلى الله عليه وآله انه القى على الخشب شبه عيسى (ع) وهو احد من الحواريين وعيسى (ع) رفع الى السماء وما دليلهم عليه واما قولهم وفي اليوم الثالث قام من بين الاموات لعله ذلك الشبه واي منافاة بين ما قالوا لو فرضنا انهم من اهل الصدق وبين ما في القرآن لان المصلوب هو شبه عيسى (ع) يقينا وهؤلاء ما فطنوا ذلك وتوهموا انه هو الا بعض الخواص المختصين بعيسى الذي اخبرهم بحقيقة الامر وهم اثنا عشر نفسا ولا نسلم انهم وافقوا القوم على ان عيسى (ع) هو المصلوب المقتول ودون اثباته خرط القتاد فظهر لك وثبت ووضح وتحقق ان ما ذكر في القرآن ليس منافيا لما شاهدوا ( شاهدوا فانهم شاهدوا خل ) الصورة والقرآن اخبر عن الواقع ولا منافاة نعم لو كان عندهم دليل على امتناع هذا عقلا جائت المخالفة وصح ما قالوا واذ ليس فليس بل القرآن شرح حقيقة الامر وذكر انه شبه لهم ومعنى ذلك ان القوم اي اليهود والنصارى تيقنوا ان عيسى هو المصلوب مع ان الواقع بخلافه فكل منهم تكلم على ما رأى واعتقد فلا مخالفة ولا منافاة وبعد هذا الكلام تجد ما ذكره هذا الشيخ تطويلا بلا طائل ولو كان فيه ( فيه طائل خل ) لاحتج به اولئك الذين اقدم منهم واخصم وجرى عليهم ما جرى عليهم من الذل والصغار ويحتاجون ويدورون لاضعف حجة يحتجون بها فكيف ما اذا وجدوا حجة قوية ودلالة صريحة على بطلان دعوي خصمهم فان قلت لعلهم لم يسمعوا ولم يحصل لهم خبر وعلم بالآيات التي تدل على ذلك قلت ان محمدا صلى الله عليه وآله وان لم يتفقوا على نبوته ولكنه اتفقوا جميع الامم المختلفة المتباينة الآراء بانه صلى الله عليه وآله حكيم ذو عقل سديد ورأي صواب وانما اظهر هذا الدين بتدبير منه ورأي وحكمة واي عاقل حكيم يظهر الكذب ثم يلعن الكاذب في كتاب اراد انتشاره ووصوله الى كل عدو وصديق ولو اردنا ( فرضنا خل ) انه لم يرد فانه لا محالة يصل اليهم فاذا وصل اليهم تبطل به نبوته فكيف يهجم العاقل على ما يفسد به امره ويقطع به حجته ويظهر عليه خصمه الا ان يكون سفيها او مجنونا والسفيه المجنون لا يمكن ان يأتي بكلام وكتاب عجز اغلب الخلق على زعم الفرق وكل الخلق على زعم اهل الاسلام والذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله من اليهود قد اطلعوا على القرآن فلو كان ما فيه مخالفا للتورية وغيرها من الكتب السماوية لانكروا وان خافوا من انكاره علانية انكروا سرا وقد كان يصل الينا انكارهم وهذا عبدالله بن سلام من افضل علماء اليهود وقد استخرج من التورية الف مسئلة وسئل عنها عن النبي صلى الله عليه وآله واجابه وقرء عليه القرآن وصدقه فلو وجد مخالفا لماقبل كساير اليهود ولو سلمنا ذلك كله نقول هل الله سبحانه وتعالى سكت عن محمد صلى الله عليه وآله لو كان كاذبا ولم يظهر كذبه وهو سبحانه هادي المضلين ومرشد المسترشدين والعالم بما في قلوب العالمين ولا يلزم من ذلك اهلاكه كما انه ما اهلك عادا الاولى ومااهلك نمرود وفرعون ابتداء لما ادعى كل منهما انا ربكم الاعلى بل اهملهم لينالوا نصيبهم من الكتاب ولكن ( لكن في خل ) مدة الاهمال بين كذبهم واظهر فسادهم وجعل علامات ودلالات تنبئ عن بطلان ما قالوا وفعلوا ولما نالوا نصيبهم من الكتاب اتاهم امر رب الارباب فاهلكم فصاروا الى التراب ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب اما قول ذلك الشيخ الضال لا سبيل لهم الى فك هذا الاعتراض الا بان يقولوا ان كتب موسى لم تبق على ما كانت اولا وانها تغيرت فان في ما ذكرنا آنفا غنية وكفاية من تغييرها والا لو كانت باقية على ما انزلها الله سبحانه لاتجه اعتراض اولئك السابقين مع ان القرآن موجود انهم حرفوا الكلم عن مواضعه ولو لم يكن لهذا الكلام اصل والتحريف باطل لانكروا عليه غاية الانكار لانه يفتري عليهم ويزري على كتبهم ويأتي بالباطل الواضح والكذب الصريح وهو يقول بعد ذلك لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويقول الا لعنة الله على الكاذبين ويكفي في التحريف عدم انكارهم مع شدة تعصبهم وتصلبهم في كفرهم وعداوة هذا النبي المكرم والسيد المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولا ريب ان الخصم لا يبقى حجة ان ظفر بها الا ويحتج بها على خصمه ولو كانت ضعيفة فما ظنك بما اذا وجد حجة واضحة وبينة ظاهرة فلو امكنهم ان يحتجوا بهذا الذي ذكره الشيخ ولو زورا وبهتانا لفعلوا لئلا يلحقهم عار الجزية وصغارها مع ما في نفوس العرب من الكبر والعلو فكيف ذلوا وعندهم ما يمنعهم عن ذلك فليس الا لاجل صحة ما في القرآن وتغيير كتبهم لو كان فيها ما يخالف ذلك وهذا ظاهر معلوم واما قوله ان كنت منصفا فتأمل بانه لو قال احد ان القرآن قد تغير هل كان المسلمون يسلمون لذلك فلا شك في ذلك ولا ريب وان المسلمين الناجين يسلمون ذلك ويقولون ( يقولون ان خل ) القرآن قد تغير ونقص وحذف وحرف لا بانه زاد فيه كلام منظوم لان ذلك محال لانه معجزة ( معجزة فلو امكن لاحد ان يأتي بمثله لم يكن معجزا فالتحريف والتغيير بزيادة كلام مرتبط له معنى صحيح السكوت لم يقع قطعا للبرهان القاطع خل ) واما التحريف والتغيير بالنقيصة او نقصان اية في محل وزيادتها في محل آخر قد وقع وفعل ذلك اهل الجور والاستيلاء من اهل الباطل من منافقي اهل الاسلام الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله لا للدين وانما هو بطمع الرياسة كما فعل بنواسرائيل منافقوهم تركوا هرون وعبدوا العجل فكيف يمكن لهم مع عبادة العجل العمل على التورية كما انزلت لان ( لان فيها خل ) ترك عبادة كل ما سوى الله وبعد ما جاء موسى (ع) وقتلهم ما خرجت محبة العجل عن قلوبهم وهم على ذلك المذهب باقون وعلى النفاق والغي مصرون وهم وامثالهم وامثال امثالهم من منافقي كل ملة وامة اذا استولوا يحرفون ويبدلون ويغيرون لعن الله المغيرين والمبدلين والمحرفين من الاولين والآخرين واما قول هذا الشيخ الضال مع انهم لا يمكنهم ان يستدلوا على صحة كتابهم بما يعادل دلالاتنا على صحة كتابنا من حيث انتشار عدة نسخ في جميع الآفاق الى ان قال بلغات مختلفة وانها محفوظة عند الفرق ففيه انا استدللنا على صحة كتابنا بانه معجزة نبينا صلى الله عليه وآله وان جميع الخلق لا سيما العرب عاجزون عن الاتيان بمثله من الاولين والآخرين من اهل زمانه وبعده الى يوم القيمة على تفاوت درجاتهم في العلم والمعرفة وتباين ترقياتهم في العلوم الحقيقية والرسمية وانه سبحانه ( سبحانه انما خل ) انزله بعلمه ولا يمكن للمخلوق ان يأتوا بمثله الا ان يكون خالق آخر وادلة التوحيد ابطلته فهو لغة واحدة ظاهرا ولكنها مشتملة على جميع اللغات والعلوم والاسرار والحقايق وفيه تفصيل كل شيء وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فلو كان باطلا لبين الله سبحانه بطلانه والهم في قلب احد ان يأتي بمثله مع ان النبي صلى الله عليه وآله تحدى به العرب وان لم يكن حقا يلزم ان يكون الله مغريا بالباطل ومصدقا للكاذب ويكون للخلق حجة عليه وقد لبس الامر على خلقه ولم يهدهم واضح طريقه فان الرجل يدعي عليه وينسب اليه ويفتري عليه كلاما عجز معاصروه واهل اللسان في حال حيوته وبعد مماته الى حدود المأتين وسبعة وخمسين بعد الالف من الهجرة المشرفة على مهاجرها آلاف الثناء والتحية والى الآن لم يحصل احد يقض ( ينقص خل ) هذا الباطل ويحقق الحق وجماعة من الخلق معتقدون حقيته لاجل عجزهم عن الاتيان بمثله ولم يأت ( لم يات احد خل ) بمثله مع حصول التحدي والله سبحانه لم يبين لهم الحق فاي رب هاد يكون مثل هذا الرب فلو جاز ذلك وان الشخص منتظر بعد الف وثلثمأة سنة تقريبا وجود معارض ويحتمل ان يأتي احد يأتي بمثل القرآن لبطلت النبوات ولم تثبت لنبي نبوته لقيام هذا الاحتمال الباطل والتوهم الزائل ولا اظن ان عاقلا يلتزم بهذا المذهب السخيف واما قوله ان كتابهم بلغات مختلفة وانها محفوظة عند الفرق فان كان مرادهم بالكتاب هذا المغير فلربما يصح وان كان الكتاب الاصلي وهو الانجيل الذي نزل على نبي الله عيسى (ع) فدون اثباته خرط القتاد
قال سلمه الله تعالى حكاية عن ذلك الشيخ النصراني : واما ما يدعيه المسلمون من ان في الفصل الرابع عشر من انجيل يوحنا الذي فيه يوعد بارسال فارقليط قد كان مسطورا ما وصف به نبيهم وان النصارى محوه وبدلوه ثم قال ويا ليت شعري هذا التغيير هل وقع بعد ظهور نبيهم او قبل ظهوره فان كانوا يزعمون انه وقع بعد ظهوره فهذا غير ممكن لانه قد وجدت اذ ذاك عدة نسخ في جميع آفاق الارض باللغات المتغايرة كأنها توافق بعضها بعضا في ذلك الفصل لاختلاف بينها فيه وان كان بزعمهم انه وقع قبل ظهوره فحينئذ ما الذي كان يدعو المغيرين الى ذلك اذ لم يمكنهم بسابق علمهم ان يعرفوا ما كان محمد صلى الله عليه وآله مزمعا ان يأتي به ثم انه يا مولانا اخذ في ذكر المعجزات التي جاء بها عيسى عليه السلام من ابرائه الاكمه والابرص وانهاضه المقعدين واحيائه الاموات ثم قال واما محمد صلى الله عليه وآله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف ولكن نقلت عنه معجزات ايضا ولكنها اي معجزات وانما كانت مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية او مما لم تكن عليه شهود او من المحال يستضعفه العقل مثل ما حكى عن انشقاق القمر وهي كلها على حال لا يعتمد عليها واتبعت الشريعة لانها قد سهل السيف طريقها قدامها حتى ان علمائهم يستدلون على صحة شريعتهم بكثرة الغلبات والقتال الذي هو من شأن الملوك لاخذ بعضهم بعضا ولو كان في ذلك دليل لماكان لهم ايضا لانهم لم يكن الغلب لهم دائما بل انهزموا مرارا في البر والبحر والبر
اقول قول الشيخ النصراني واما ما يدعيه المسلمون الى قوله وان النصارى محوه وبدلوه فلا ريب ان دعويهم صحيحة وانه الى الآن باق في التورية والانجيل وان لم يذكروه في الانجيل المترجم خوفا من ان يراه المسلمون ويحتجون به عليهم ولم يعلموا ان المسلمين ما لهم حاجة الى ذلك في اثبات مدعاهم من نبوة نبيهم فان القرآن الذي انزل عليه اقوى حجة وابلغ بينة وهي معجزة مستمرة باستمرار نبوته صلى الله عليه وآله الى نفخ الصور وهذا التغيير الذي جعل له شقوقا ( شقوق خل ) ورتب عليه زخاريف من الكلام فقوله انه وقع بعد رفع عيسى على نبينا وعليه السلام الى السماء واختلافهم على شمعون الصفا وتفرقهم فرقا فبلغوا اثنتين وسبعين فرقة كلهم في النار الا فرقة واحدة وهم الذين اتبعوا شمعون الصفا ( بطرس ) وصي عيسى عليه السلام ولو كان لي مجال وللقلب اقبال ذكرت لك تلك الفرق ومذاهبها واختلافاتها ولكنه لا حاجة بنا الى ذلك الا لمحض الاطلاع وبيان انا مطلعون على مذاهبهم وفرقهم والعقايد السخيفة التي يعتقدونها وينسبونها الى الله تعالى والى نبي الله عيسى (ع) والى روح القدس مما يأبى العقل السليم اعتقاده والديانة به والا فامرنا اوضح من الشمس وابين من الامس وقوله وان كان زعمهم انه وقع قبل ظهوره الى قوله ان يعرفوا ما كان محمد صلى الله عليه وآله مزمعا ان يأتي به تسويل وتلبيس وتمويه فان عيسى على نبينا وآله وعليه السلام قد اخبرهم بنبي آخر الزمان كما نطق به القرآن وعدم تصديقهم للقرآن لا يضرنا لان بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وآله بعده قد ذكر في القرآن بمرأى من النصارى وبمسمع منهم فلو كان هذا الاخبار عن عيسى عليه السلام للزمهم الانكار على النبي صلى الله عليه وآله والتكذيب له ومطالبته موضع ذكره في الانجيل وتريهم ما طلبوه بل سلموا له وماصدقوه وابتلوا ببلوى الصغار وتحمل العار والشنار اما تريهم كيف انكروا على النبي المختار صلى الله عليه وآله في لفظ كبار والاستهزاء في القرآن زعما منهم بانهما ليسا بلفظين عربيين حتى ان النبي صلى الله عليه وآله دعي بشيخ منهم طاعن في السن وامره بالقعود ثم بالقيام ثم بالقعود ثم بالقيام فقال الشيخ اتستهزء بي ( اتستهزئني خل ) وانا شيخ كبار ثم التفت اليهم النبي صلى الله عليه وآله ( آله وقال اسمعوا فاذا انكروا عليه صلى الله عليه وآله خل ) في مثل هذه الاشياء الزهيدة فكيف يسكتون عن الاكاذيب الصريحة والافتراءات الواضحة عليهم لو كان ما في القرآن خلاف الواقع عندهم فسكوتهم دليل عدم تمكنهم من الدفع بالحجة الواضحة ولو سلمنا ان عيسى ما اخبر فقد وجدوا في الانجيل من صفات النبي المكرم والمرسل المعظم صلى الله عليه وآله وسلم وصفاته واحواله وعزموا على عدم متابعته خوفا من خروج الرياسة عنهم ولو ابقوها في الانجيل لكانت حجة عليهم فلم يجدوا بدا عن محوها وتغييرها كما فعل منافقوا امة محمد صلى الله عليه وآله وايضا فان الكهنة والاجنة والشياطين الذين يسترقون السمع في تلك الايام كثيرة كانوا يخبرون اوليائهم بظهور محمد صلى الله عليه وآله واولئك الكفرة ما كانوا عازمين على متابعته والانقياد له فمحوا كتابهم وغيروها ليتمكنوا من ذلك عند ظهوره صلى الله عليه وآله اماسمعت اليهود قد عزموا على قتله صلى الله عليه وآله وهو طفل صغير وما مكنهم الله تعالى منه مع انه صلى الله عليه وآله في صغره ما ادعى النبوة وما ادعاها الا بعد اربعين سنة ومع ذلك تريهم حاولوا قتله (ص) وهو في بطن امه الى ان اظهر نبوته صلى الله عليه وآله وبين رسالته ودعى الناس اليها فالذي اوجب اليهود ودعاهم الى محاولة قتله في صغره هو الذي دعى النصارى الى تغيير كتابهم وتحريفه وهو ( هذا خل ) الذي ذكرنا في النتيجة والخلاصة للتغيير والا فله اسباب ومقتضيات يطول بذكرها الكلام فليطلب في ما ذكره القوم في مطولات مباحث النبوة ونحن قصدنا الاشارة بمختصر العبارة ودحض الباطل وقلع الفساد واما قولكم سلمكم الله ثم انه يا مولانا اخذ في ذكر المعجزات التي جاء بها عيسى عليه السلام الى آخر فهو كما ذكره فان روح الله عيسى من اولي العزم من الانبياء المرسلين وله شأن عند الله عظيم وقدر جليل وهو اشرف الانبياء بعد الاربعة من اولي العزم وهو المثل للقائم من آل محمد صلى الله عليهم وهو حي موجود مرتفع الى السماء الرابعة متمكن في البيت المعمور منتظر لظهور مولينا الحجة روحي له الفداء وعليه وعلى آبائه السلام وهو من حملة العرش ومن بعد ظهورات افعاله ابرائه الاكمة والابرص وانهاضه للمقعدين واحيائه للاموات ومقامه اجل واعظم من ذلك وفوق ما تقوله النصارى وفوق ما نقول اما النصارى فماعرفوه حق معرفته ووصفوه بغير صفته ووسموه بغير سمته فمرة وصفوه بانه الله واخرى بانه ابن الله واخرى بانه احد تعين الله وامثالها من المزخرفات الا الذين اتبعوا شمعون الصفا ووصفوه بانه عبد الله ورسوله وروحه الذي القاه الله الى مريم وان مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وهو عليه السلام في الفخر والشرف فوق ما نقول ويقوله القائلون من الرعية ولا ريب في ذلك ولا شبهة فيه ولكن عيسى (ع) لا يستنكف ان تنسخ نبوته وتثبت نبوة محمد صلى الله عليه وآله ويكون احد من رعاياه (ص) لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله وقول الشيخ النصراني واما محمد صلى الله عليه وآله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف ولكن نقلت عنه معجزات ايضا ولكنها اي معجزات وانما كانت اما مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية او مما لم تكن عليه الشهود او من المحال الذي يستبشعه العقل مثل ما حكى من انشقاق القمر وهي كلها على حال لا يعتمد عليها كلام باطل ومجتث زائل اما قوله واما محمد صلى الله عليه وآله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف فاي معجزة اظهر وابقى ( ابهر خل ) من القرآن الذي لو اجتمعت عليه الجن والانس لم يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا واي معجزة كانت لعيسى عليه السلام تساوي لهذه المعجزة فضلا ( فضلا من خل ) ان تكون اقوى منها فان ابراء الاكمه والابرص ربما تتطرق الشبهة فيه انه يمكن للاطباء الماهرين فعله كاحياء الموتى لانه قد اتفق لبعض الاطباء احياء ميت جديد وان كان ما اتى به عيسى (ع) معجزة هي احياء الاموات البالية ( الميت البالي خل ) لكن ما تدفع الشبهات بالكلية الا بمعونة قرائن اخر بخلاف القرآن فانه حروف والفاظ يستعملها كل احد من العرب وهي كثيرة الدوران وهي ( شيء خل ) يجري على اللسان مادته الهواء وتقطيع الحروف وضم بعضها ببعض ( الى بعض خل ) وهذا اسهل ما يكون لكل احد ومع ذلك كله اتى رسول الله صلى الله عليه وآله بتأليف وتركيب اعجز الكل عن الاتيان بمثله وتحدى بهم وقال لهم فاتوا بسورة من مثله فتبطل بعد ذلك نبوته وتنقطع حجته ومع ذلك ما امكن لاحد ان ياتي بسورة من مثله ولا ان يجري كلامه على هذا المسلك اذ لا يشبه القرآن شيئا من كلام المخلوقين لا منثورهم ولا منظومهم ولا خطبهم ولا غيرها مما يستعملونها لانه خلق مثل الانسان فمن قدر ان يخلق خلقا مثل الانسان يقدر ان يأتي بسورة من مثل القرآن فان لم يفعلوا ولن يفعلوا ولا مكنهم الله من ذلك علمنا علما يقينيا وقطعنا قطعا حقيقيا ان القرآن معجزة انحطت دونها المعاجز وكلت عن اتيان مثله الطبايع والغرائز وهي باقية مستمرة الى يوم القيمة واي معجزة من معاجز الانبياء استمرت وبقيت ببقاء نبوته ولم يحصل ذلك لاحد من الانبياء سوى نبينا صلى الله عليه وآله ومع ذلك انكار كونه معجزة ينشأ اما من كمال عدم الانصاف والدخول في الجور والاعتساف او لكمال قلة الادراك والفهم وضعف المعرفة والجهل بمواقع الاشياء وكلاهما موجودان في طائفة الكفار من اليهود والنصارى وسائر الفرق لان رؤسائهم معاندون ولا ينصفون لا لامر الله يعقلون ولا من اولياءه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر واما جهالهم فضعفاء مستضعفون صم بكم عمي فهم لا يبصرون ويقولون اذا دخلوا نار جهنم وهم فيها كالحون ربنا ( ربنا انا خل ) اطعنا ساداتنا وكبرائنا فاضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا فيا لها من حسرة لا تنقضي ولهبة لا تنطفي نسئل الله العصمة وحسن الخاتمة واما انه صلى الله عليه وآله قام بالسيف فليس ينكر ولا ببدع من الرسل بل هكذا كانت سيرة الانبياء اما اذا ما اغنت قومهم المعجزات ولم يذعنوا للآيات البينات كانوا يحكمون السيف فيهم والا لم تقم حجة ولا تعلو للحق كلمة ولا تظهر عن الله تعالى بينة لان الناس اهل الدنيا لا يردعهم الخوف من الله ولا الايمان بيوم الآخرة واذا استولى اهل الباطل كمال الاستيلاء ما ظهر الحق وما بلغ الى الخلق لانهم يمنعون ظهوره ولذا تقاتلهم الانبياء عليهم السلام بالسيف حتى تضعف شوكتهم وتصل كلمة الحق الى الاقصى والادنى ويتنبهون للحق فهنالك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولذا ترى نبينا صلى الله عليه وآله اذا تمكن من طائفة ما يلجئهم الى الايمان والاسلام فيقبل منهم الفدية ويمن عليهم منة ويأخذ منهم الجزية ومقاتلتهم لاجل كسر شوكة باطلهم والتمكن من اظهار الحق واعلاء كلمة الله ولذا حارب موسى العمالقة ومحاربة موسى (ع) مع العمالقة وبعده وصيه يوشع بن نون معلوم مشهور ولا تنكره النصارى موجودة في كتب التواريخ والسير ولا ريب في ذلك ومن تلك المحاربة والمقاتلة وقعودهم عن الحرب وقعوا في التيه وبقوا فيه اربعين سنة فهل هذا قدح في نبوة موسى (ع) بن عمران نعم انما يكون قدحا اذ لم يأت النبي بالمعجزة ولم يأت بخارق العادة ولم يتبين له دعاء مستجاب ولم تظهر عناية الله معه في كل باب وهذه كلها منتف في النبي (ص) لظهور المعجزة والاتيان بخرق العادة فلو انكرت ساير معجزاته مايسعك انكار القرآن فانه اجلى معجز وان لم تصدقني ( لم تصدقني فات بمثله وخل ) بسورة من مثله واستعن بكل ما تريد من الانس والجان والسحرة والكهنة واهل الجفر والجامعة وكل شيء يرجي فيه حصول المطلوب فان اتيت بمثله تبطل بذلك نبوة هذا النبي وان امكن المصير لهذه الاحتمالات لم تثبت لنبي نبوة ولا لرسول شريعة فعلى الدين السلام وهذا شيء معلوم ان كان مكابرة للضروري ومصادمة للبديهي فان عابوا على نبينا صلى الله عليه وآله القيام بالسيف فان كان من جهة ان النبوة لا تقتضي ذلك فقد علمت ان ذلك مقتضي النبوة بعد اظهار المعجزة والا لبطلت جميع الحدود والتعزيرات وذلك في البطلان بمكان وان كان من جهة ان عيسى عليه السلام مافعله فقد فعله نبي الله موسى (ع) ولو كان كل ما لم يفعله عيسى (ع) حجة على ساير الانبياء وجب ان تبطل نبوة جميع الانبياء لان عيسى (ع) ماتزوج ايضا وساير الانبياء من آدم الى الخاتم كلهم تزوجوا وعيسى (ع) لم يكن له اولاد وساير الانبياء لهم اولاد وهكذا ساير الاحوال فان النبوة ليس مناطها فعل نبي خاص فعلا خاصا او عدم فعله فعلا خاصا لاختلاف اقتضاءات الانبياء ومصالح الرعية وامثال ذلك بل المناط في النبوة ما تحقق به من ادعاها وخرق العادة المقرون بالتحدي واما القتل والنهب والاسر والقصاص واقامة الحدود للمعاصي المعلومة والتعزيرات وكل ذلك من اقتضاءات النبوة وفروعها فلا تقوم الا بها وقد يكون بعض الانبياء مكلفين بحسب مصالح رعيتهم بالاتيان بكلها كما فعل ابرهيم وموسى ونبينا صلى الله عليه وآله وعليهم وقد تكون المصلحة للتعرض لبعضها والاعراض عن البعض كما فعله عيسى ويحيى عليهما السلام وهذا شيء معلوم واضح واما قوله ان معجزات نبينا صلى الله عليه وآله مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية ما ادري اي معجزة ارادها فان كان يريد به القرآن فاي حيلة تقوم بها القوة البشرية على الاتيان بها فهلا احتالوا بتلك الحيلة واتوا بمثله وخلصوا عن الذل والصغار والعار والشنار واعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون وان كان يريد به انتفاء ظله اذا وقف في الشمس او تسبيح الحصى بيده او حنين الجذع اليابس عند فراقه او تأثير وطي رجله الشريفة في الحجر وعدم تأثيره في الرمل والتراب والوحل او لارتفاعه على كل من وقف معه كائنا ما كان على حسب نظر ذلك الواقف حتى ان الطير لا يمر على رأسه الشريف او بانباع الماء في البئر بعد ما كانت يابسة وغزارة مائه بتفلة تفلها صلى الله عليه وآله فيها وانشقاق الايوان ليلة ولادته صلى الله عليه وآله وخمود النار في فارس وغور بحيرة ساوة وغيرها مما يضيق بذكرها الاحصاء ولا يمكن لاحد الاستقصاء فاي حيلة في هذه الاشياء تقوم بها القوة البشرية دون ما اتى به موسى وعيسى (ع) من المعجزات التي لا تقوم بها الحيلة البشرية فما لكم كيف تحكمون والى كم بالحق تعاندون ومن الحق تعرضون كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة وقوله او من المحال الذي يستبشعه العقل مثل ما حكي عن انشقاق القمر اي محال في انشقاق القمر فان كان من جهة ان الخرق والالتيام لا يجوز فقد برهنا في كثير من مباحثاتنا ( مباحثاتنا على خل ) انهما في الفلك يجوز وعلى فرض عدم جوازه لا يلزم من انشقاق القمر الخرق والالتيام فان الكوكب قوة متألفة عارضة على جسم الفلك فتميز تلك القوة عن الجسم لا يوجب خرقا ولا التياما فقد برهنا على هذه المسئلة في كثير من كتبنا ورسائلنا ومباحثاتنا فليرجع اليها من يريدها لاني مع ما انا عليه من كثرة الاشتغال وتبلبل البال ومعاناة السفر بالحل والارتحال لا يسعني اكثر مما اتيت به من المقال ولكن فيه ما يشفي العليل ويروي الغليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وان كان من جهة ان النصارى واليهود ما اثبتوا في كتبهم ودفاترهم وان كان هذا لا يدل على محاليته فنقول انا قد بينا انهم محوا ما كان ثابتا ( ثابتا على نبوة نبينا لك سابقا انهم محوا ما كان ثابتا خل ) في الكتب السماوية مما يدل على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وخلافة آله عليهم السلام كيف يثبتون معجزاته وآياته وبيناته لان المنكر المعاند لا يذكر ما يدل على ما يغلب به خصمه عليه واما المصدقون لنبوته فقد اثبتوه وذكروه واوضحوه وهذه كتب التواريخ فانظر فيها حتى ترى الامر عيانا وهو في القرآن ايضا مذكور فلو لم يكن واقعا لماذا ما انكروا عليه لا والله لو وسعهم لانكروا ولكنه في الظهور بحيث لا يمكن لهم الانكار واما قوله واتبعت الشريعة لانها قد سهل السيف طريقها اي ضرر في ذلك اذا كانت المعجزات ما اغنتهم والآيات ما كفتهم ولا بد من اعلاء كلمة الحق فلا يفيدهم الا السيف ولا شك ان السيف سهل سبيلها وميز الخبيث من الطيب نعم السيف من غير المعجزة ومن غير الدعوة والتحدي بالمعجزة ( بالمعجزة بالنسبة الى النبي خل ) قبيح وهو خلاف ما نحن فيه واما قوله حتى ان علماءهم يستدلون على صحة شريعتهم بكثرة الغلبات والقتال الى آخره فكلام باطل لان علماء الحق لا يستدلون بهذا الدليل الباطل وحاشاهم عن ذلك ( تلك خل ) ثم حاشاهم وربما كان ذلك من بعض علماء الباطل من فرق الاسلام والا فالحق لا يستدل عليه بالغلبة الا بغلبة الحجة والبرهان والدليل والبيان كما قال الحق سبحانه في القرآن لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا الحمد لله رب العالمين
تنبيه اعلم ان الشخص اذا ادعى النبوة بانه مبعوث من الله لا يخلو اما ان يصف ربه بالصفات الكمالية وينزهه من الصفات النقيصة الامكانية ويثبت له سبحانه محاسن الافعال وينزهه عن قبايح الاعمال ثم هو من سلسلة شريفة معروفة كريم الاخلاق وطيب الاعراق يأتمر بما يأمر وينتهي عما ينهي عامل بشريعته عابد لربه زاهد عما عداه طالب رضاه راغب الى مولاه او ليس كذلك بل يصف ربه بصفات الامكان ولا ينزهه عن العيوب والنقصان بل يثبت له الجهل والكم والكيف والحدود والقرانات والاوضاع والاتصال والانفصال والحركة والسكون وساير صفات الامكان وهو ايضا لا يأتمر بما يأمر ولا ينتهي عما ينهى فان كان الثاني فيجب تكذيبه ولو اتى من خوارق العادات ما لا يحصي عدده الا الله ويجب الحكم بانها سحر وشعبدة ومخاريق وحيل وتمويهات من استعمال علم السيميا والليميا والريميا والهيميا لان ادعائه دليل بطلانه ووصفه للرب دليل كذبه ثم عدم انتهائه وعدم عمله بما في شريعته دليل على عدم الوثوق به فهذا لا شك انه كذاب خبيث لا يجوز الالتفات اليه ولا التعويل عليه ولا الالتفات الى كلامه و( ولا خل ) الاعتماد على شيء من مرامه ولا يلزم ان يكون جامعا لجميع الصفات التي ذكرنا في الوجه الثاني بل اذا كان فيه خصلة واحدة تكفي في وجوب التجنيب ( التجنب خل ) عنه والاعراض عنه وعدم الالتفات اليه لان دعواه فيها دلالة مستقلة على ابطاله فان كان من القسم الاول فلا يكفي وجود تلك الصفات الحقة والسمات الحسنة في تصديق دعوى نبوته ورسالته بل لا بد مع ذلك من اختباره وامتحانه باقتراح معجزة والاتيان بخرق عادة ليعلم انه من عند الله وان الله سبحانه هو الذي بعثه اذ ليس في اخلاقه وآدابه وتوصيفه لله شيء ينافي ثبوته فوجب الاختبار بالآيات البينات والدلالات الظاهرات ومطالبته خرق العادات وان عظم وجل لانه لا يأتي به من نفسه بل انما هو بقوة يعطيها اياه ربه بل هو الفاعل سبحانه ولا يعجزه شيء من الامكان وان عظم وجل وصعب فاذا اقترحوا منه خرق عادة والاتيان بمعجزة ياتي به بلا حيلة ولا علاج ولا تفكر ولا تدبر ولا استمهال بل اتى به حين ما ارادوا منه واقترحوا عليه ثم قارنه بالتحدي فلا شك ولا ريب ان ذلك من عند الله وان من اتى به هو نبي الله لان الله سبحانه لا يصدق كاذبا ولا يغري بالباطل لانه اذا لم يكن من عند الله ولم يكن هناك شيء يدل على بطلانه فكان ( فكان الله خل ) سبحانه مغريا بالباطل وجاعلا خلقه مهملا وموقعا لهم في الحيرة وذلك لا يجوز على الله سبحانه وان قلنا ان احتمال السحر يكفي في الردع قلنا ما المميز اذن لان هذا الاحتمال يجري على كل حال فيلزم ان يكون الله سبحانه قد جعل خلقه في الحيرة والضلالة فاذا ادعى النبوة واتى بخارق العادة وقارنه بالتحدي ولم يكن لاحد معارضته فيجب ان يقطع ويحكم بان خارق العادة هو نبي الله يقينا بلا شك ولا شبهة وان الذي اتى به من خرق العادة ليس بسحر ولا خيانة خذ هذه القاعدة الكلية وكن لله شاكرا والى الحق سالكا اذا كنت له طالبا فقد ذكرت لك في هذا المختصر اسهل الطرق واجلاها واوضحها في اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله فلو انصفت والقيت السمع والبصر وانت شهيد لا تحتاج بعد ذلك الى شيء ابدا في هذا المقام فافهم ما القينا اليك والله خليفتي عليك
قال سلمه الله تعالى : فيا ضياء ابصارنا لما رأى والدي مني الاصغاء الى ذلك الحبر والاستماع من ذلك المعلم صاح عليّ باعلا صوته كأنك جننت يا ولدي اتترك الاسلام والمسلمين وتركن الى هؤلاء الكفرة الملاعين قلت له يا ابتاه ارشدني ارشدك الله تعالى فاخذ بيدي وجاء الى جماعة من علماء المسلمين فكأني قد لقيتهم مجتمعين في المكان متظاهري الابدان متفرقين في القلوب والاذهان وكأني قد سئلت كلا منهم عن غيره واذا كل منهم يذكر بطلان الجميع بصحة ما هو عليه فبعضهم من اوصاني ان لا تجعل واسطة الا محمدا (ص) وصحبه وبعضهم من قال لا تجعل الا محمدا وآله (ع) فوقفت عند ذلك ثم اخذت بالترجيح بين الطرفين ثم كأني سئلتهم اجمع هل يرضى ربي تقليد احدكم كائنا ما كان في الاصول والفروع مطلقا ام لا اجابوني لا يرضيه ذلك لان الحق واحد وقد اختلفنا فيه وكل منا يدعي بل يجب عليك وعلى امثالك الفحص عن الفرقة الناجية منا لتلزمها على بصيرة ويقين فهناك يقبل منك ما تفعل وتقول وانت عند بارئك ان شاء الله مقبول
اقول المراد بالوالد والد التربية والعادة لانه لا يزائله وما ارتفع عنه لانه لا يرتفع الا عند التثبت والاطمينان وحيث لم يحصل له ذلك صاح به ليرجعه الى عادته الاولية والى ما نشأ فيه وتربى من الملة الاسلامية والفرقة المحقة الاثني عشرية ومن هذه الجهة صاح به ليردعه عن تلك الفرق ولما كان هو اب التربية استرشد منه لما استرشده فاتى به وارشده الى الملة الاسلامية وحيث ان الملة يحفظها علماؤها وتبينها حملتها اتى به الى علماء الاسلام ولما كان امة محمد صلى الله عليه وآله افترقت بثلثة وسبعين فرقة فرقة واحدة منهم ناجية والباقي كلهم في النار والى النار فعلى ذلك يكون ظاهرهم مجتمعة يجمعهم الاسلام وعقايدهم مختلفة كل يذهب الى جهة غير جهة الاخرى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يوقنون وان الموقن لا يختلف ولا يتعدى عن الحق ثم لما دخل عليهم وسئلهم كل منهم دعاه الى ما عنده لان ما قصدهم بهذا الاختلاف رضى الله سبحانه وانما قصدهم الغلبة والاكثار كما قال عز وجل الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر فماتت عقولهم وارواحهم وقبروا في مقابر طبائعهم واشباحهم واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون فمن هذه الجهة طلبا للكثرة الصورية والغلبة الظاهرية دعي كل منهم الى نفسه واراد ان يدخله في طريقته ولكن غلبهم السيد لما هو عليه من تسديد الله وتوفيقه لانه طلب الحق غير معاند فالهمه الله ووفقه بان قال لهم هل يرضى ربي عني تقليدي من غير تحقق وبصيرة وفكرة وروية فماوسعهم ان يجيبوه بنعم فان التقليد في اصول الدين لا يجوز اجماعا من المسلمين الا من بعض الشاذ الذي لا يعبأ بقوله ولا يلتفت الى خلافه ولا يحتاج الى ( الى ذكر خل ) برهان ولا شرح حجة وبيان لان الوقت اضيق من ذلك والمسئلة اظهر من ان يحتاج الى دليل فهي الحمد لله واضحة السبيل فاذا وجب الاجتهاد والاستيضاح والاستبصار وبذل المجهود لطلب ما يتوجه به الى الحق المعبود الجمهم بلجام وخرسهم عن الكلام وتمكن من الفحص واتى سلمه الله تعالى لطلب البحث ونحن نبين له ان شاء الله الى ما هو الحق من هذه الفرق وارشده الى الفرقة الناجية فلا يبالي بعد ذلك عن خروج من خرج ومروق من مرق
فاقول والله المستعان وعليه التكلان انه بعد ما ثبت لك بالبينة والبرهان ان محمدا صلى الله عليه وآله هو النبي الحق المبعوث على الجن والانس وغيرهما من ساير الاكوان وان من اعظم معجزاته القرآن وانه حق من الله الملك الديان والله سبحانه ذكر في كتابه الكريم ان محمدا صلى الله عليه وآله نذير مبعوث على جميع العالمين ثم نقول ان امته تفرقت وحملة شريعته اختلفت كما كان داب الانبياء عليهم السلام عند ارتحالهم من الدنيا واختلاف اممهم على اوصيائهم وتفرقهم فان اليهود افترقت احدى وسبعين فرقة فرقة منها ناجية وهي التي اتبعت وصيه يوشع بن نون والنصارى افترقت اثنتين وسبعين فرقة فرقة منها ناجية وهي التي اتبعت وصيه وخليفته شمعون الصفا وامة محمد صلى الله عليه وآله ايضا تفرقت واختلفت وافترقت ثلاثة وسبعين فرقة فرقة منها ناجية والباقون في النار ولما قال الله سبحانه خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله وما كنت بدعا من الرسل وكل نبي صاحب شريعة له وصي فيجب ان يكون له وصي وقد قال ايضا خطابا له صلى الله عليه وآله ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك وقال ايضا شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابرهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وبالجملة فالمستفاد من الآيات ان محمدا صلى الله عليه وآله كان على طريقة الرسل من قبله وان كانت شريعته ناسخة لشرايعهم ولكن الكليات التي هي مناط النبوة والشريعة التي جرى على كل نبي ورسول كان يراعيها والا كان بدعا من الرسل والانبياء والرسل واولوا الشرايع نصبوا لهم اوصياء حين وفاتهم وانتقالهم من الدنيا فيجب ان يكون محمد صلى الله عليه وآله له وصي ينصبه بنص منه الذي هو نص ( نص من الله خل ) لان الله سبحانه قال في حقه وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى فعلمنا انه اذا نص على احد بالوصية لا يكون ذلك الا بنص من الله سبحانه والا قد نطق عن الهوى احيانا ولم يكن كل كلامه وحيا يوحي ولقد نفاه الله سبحانه وحصر كل كلامه بالوحي ثم كيف يمكن ان يدع رسول الله صلى الله عليه وآله امته مهملين بلا وصي مع ما وصفه الله سبحانه بقوله تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وهل يكون من الرأفة والرحمة ان يدع الخلق في حيرة شديدة يكلهم الى اختيارهم حتى يختاروا الرئيس على انفسهم من غير نص من الله ولا تعيين من رسول الله صلى الله عليه وآله والله سبحانه يقول وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من امرهم حتى يعلموا بارائهم ويتبعوا اهوائهم ليختلفوا في الدين وليذهبوا الى الشك والظن والتخمين مع تمكنه من هدايتهم وجمعهم على الحق والهدى وينصب دليلا واضحا وعلما لايحا ( نصب دليل واضح وعلم لايح خل ) ولا ريب ان هذا ليس شأن الرؤوف العطوف بالمؤمنين ولا شأن من هو على خلق عظيم بل ولا شأن من هو منسوب الى الله رب العالمين لان الله تعالى يقول ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا تبين ان ما عند الله ليس فيه اختلاف فالذي جعل في الخلق اختلافا حيث وكلهم الى آرائهم وميولات انفسهم ليس من الله فحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك لان الله سبحانه قرنه بنفسه وجعل طاعته طاعته ومعصيته معصيته ثم وصفه بما لم يصف به احد من الفضيلة وقال انك لعلى خلق عظيم وصاحب الخلق العظيم لا يكل الخلق في الدين على شهوة انفسهم وميل ارادتهم لان اتفاق الكل على شيء واحد لو لم يكن راجعا الى قاهر واحد يقهرهم على شيء واحد محال وهل رأيت في كل الدهر اتفاق الجميع على واحد واما ضروريات الدين فذلك ما قهره عليهم الرسول الامين واما ما ينسبون الى رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع امتي على ضلال فان كان المراد منها جميع الامة بحيث لا يشذ منهم احد بحال من الاحوال فذلك ما اتفق في ما نحن فيه وان كان ما يصدق عليه الامة ولو بعض منهم كيف يجتمع هذا القول منه صلى الله عليه وآله مع قوله المتفق على صدوره منه وهو قوله صلى الله عليه وآله ستفرق امتي على ثلاثة وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار وبالجملة فاهمال النبي (ص) رعاياه وعدم نصب وصي وولي يقوم مقامه ويظهر شريعته واحكامه ليس فعل هو منسوب الى الله الحكيم ويجل عن ذلك نبينا صلى الله عليه وآله الذي هو على خلق عظيم فوجب ان ينصب وصيا يقوم مقامه ويظهر احكامه وينشر اعلامه ويأخذ عنه جميع الشرايع والاحكام ويتربى لديه في جميع الليالي والايام وكل الشهور والاعوام فاذا ثبت انه يجب على النبي (ص) نصب الوصي يجب انه ان ننظر في انه من هو ومن يكون له قابلية هذا الامر العظيم والخطب الجسيم فنقول انه ما ادعى لاحد من الامة ان يكون منصوبا ( منصوصا خل ) بالوصية غير امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه السلام واما القائلون بانه الخليفة الرابع ما ادعوا في ساير الخلفاء انهم منصوصون بالخصوص عن النبي صلى الله عليه وآله بل يثبتون خلافة الاول بالاجماع وخلافة الثاني بنص الاول ( الاول عليه خل ) عند موته وخلافة الثالث بالشورى التي اسسها الثاني وما ادري الاجماع الذي مستندهم في خلافة الاول ما مستنده وما دليله فان كان زعمهم ان النبي صلى الله عليه وآله قال لا تجتمع امتي على خطأ فعلى فرض صحة هذا القول يجب ان يكون اجماع جميع الامة بحيث لا يشذ منهم شاذ ولا نادر متى وقع هذا الاجماع للاول لان عند موت النبي (ص) ما حضرت السقيفة الا اناس معدودون ولو فرضنا اتفاق جميع اهل المدينة فاين اهل مكة والمسلمون الذين بين الحرمين واهل الطائف واهل اليمن وساير المسلمين المنتشرين في الاقطار ومتى تحقق هذا الاجماع من جميع الامة وهذا لا شك فيه ولا ريب يعتريه واما اتفاقهم في ما بعد ذلك فممنوع وعلى مدعيه البيان وكذلك اتفاق ما عدا الحاضرين في السقيفة بل اتفاق كل من في السقيفة فان انكار سعد بن عبادة معروف لا ينكر معلوم لا يستر واما اتفاق بعض الامة فيناقضه قول النبي صلى الله عليه وآله فستفترق امتي الى قوله (ص) فرقة ناجية والباقون في النار وذلك معلوم كالشمس في رابعة النهار وان زعموا ان اكثر الامة اجمعوا على الاول فان الله تعالى ذم الكثرة ومدح القلة وقال تعالى بل اكثرهم لا يعقلون واكثرهم لا يفقهون ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس ولكن اكثر الناس لا يشكرون وامثالها من الآيات التي فيها ذم الكثرة فعلى هذا فاي اعتبار في كثرة البايعين للاول بلا دليل ولا برهان وحجة وبيان والكثرة مذمومة بنص القرآن وان زعموا ان بيعة خلافة الاول استنبطوها من امر النبي صلى الله عليه وآله بالصلوة خلفه نقول لو صحت هذه الرواية وسلمتها الامة لا يدل على خلافته لما عندهم من جواز الصلوة خلف كل بار وفاجر فلو ان النبي صلى الله عليه وآله امر بالصلوة خلف ابي بكر (لع) على ما يزعمون فقد صلى بزعمهم خلف عبد الرحمن بن عوف فهلا اتخذوه خليفة دون الاول وقلدوه امر الامة وبالجملة فلا حجة لهم في اثبات خلافة الاول ولا برهان فخلافته انما كانت بلا هدى ولا علم ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل الناس بغير علم واذا بطل الاساس الاول فاي اثر يترتب على نصه على الثاني ان ( اذ خل ) لم يثبت امره من الله ولا من رسوله حتى ينصوا فيه على غيره بين ما يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد مماته فكان خلافة الثاني بناء على غير اساس محكم وهو منهدم البنيان مضمحل الاركان فاذا لم يثبت خلافته بعد اثبات خلافة الناس عليه فالشورى التي اسسها فجعلها في ستة اي اعتبار لها واي اعتماد عليها فانها بناء على غير اساس وانما دعاهم الى ذلك وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس واما مولينا امير المؤمنين عليه السلام فقد ذكرنا انه ما ادعى في حق احد النص الخاص من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سواه لانا قد بينا سابقا انه تجب الوصية على النبي صلى الله عليه وآله ويجب ان يوصي الى شخص خاص ولم يدع الا في حق هذا الشخص الرباني والنور الشعشعاني والبشر الثاني بل نقول الوصية اليه متعينة ولا يجوز النص على غيره مع وجوده لان الله سبحانه وتعالى جعله نفس النبي صلى الله عليه وآله ولا يعقل شيء اقرب الى شيء من نفسه وحيث ان الاتحاد من جميع الجهات متعذر لان محمدا صلى الله عليه وآله وعليا اثنان وجب ان يكون الاتحاد في عين ( غير خل ) الاثنينية من جميع الكمالات وجميع الصفات وجميع الافعال وجميع الاضافات ومعالي الدرجات الا ما استثنى من خصايصه صلى الله عليه وآله فاذا كان عليّ امير المؤمنين عليه السلام نفس النبي (ص) واقرب الخلق اليه في جميع الكمالات والصفات الحسنة فانى يعدل ( يعدل به خل ) عن نفسه واقرب الخلق اليه واشبههم به واولاهم عليه واطوعهم الى الانقياد اليه واعلمهم بالاحكام واقضاهم في الحلال والحرام كل ذلك باتفاق من الفريقين فلو عدل عنه الى غيره واوصى الى غيره كان مخالفا للحكمة ومرجحا للمرجوح ومقدما للمفضول وذلك محال على الحكيم الذي هو على خلق عظيم وايضا نقول رسول الله صلى الله عليه وآله واخاه والاخوة تنبئ عن المساواة كما هو صريح آية انفسنا فالعدول عن المساوي الى غيره من ما هو دون مرتبته في مقام النيابة والوصاية مخالفة للحكمة وهو محال على الحكيم الذي هو على خلق عظيم وايضا قد نص الله تعالى على طهارته عن الذنوب وعصمته من ساير العيوب بل طهره عن كل رجس ودنس وخبث في ظاهره وباطنه وسره وعلانيته لقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ولا شك ان امير المؤمنين عليه السلام داخل في هذه الآية بالاجماع وسوق الآية لان قبلها كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وآله وكان الخطاب بالضمير المؤنث ثم عدل عنهن وقال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا والمخاطب فيه الذكور وهم امير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وفاطمة عليها السلام دخلت فيهم تغليبا اجماعا وبالجملة قد اتفق المسلمون على ان هؤلاء الاربعة هم اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والطهارة عامة غير مختصة تشمل ظاهرهم وباطنهم فهم المطهرون من درن الذنوب مطلقا صغيرها وكبيرها ومن النجاسات الظاهرة في اجسامهم واجسادهم فالعدول عن هذا الطيب الطاهر بالوصية الى غيره مخالفة للحكمة وهو محال على رسول الله صلى الله عليه وآله المبعوث بالرافة والرحمة وايضا فان امير المؤمنين عليه السلام قد جمع من محامد الصفات وخوارق العادات والتصرف في الكائنات والتدبير في الموجودات واستسلام الاشياء له من الذوات والصفات وما اشتبهت فيه الاوهام وتوهمت الاحلام وادعوا في حقه الالوهية وغلوا وقالوا انه هو الله ومنهم من قال ان الله فوض اليه الامر ( الامور خل ) والتدابير ومنهم من قال ان الله ( انه خل ) سبحانه وتعالى جعله واسطة للفيوضات كلها وانه باب الله الى الخلق في جميع الافاضات في التكوينيات والتشريعيات وباب الخلق الى الله في الطلبات والمسئلات وهو الواقف على الطتنجين والسر في العالمين والنور الزاهر في المغربين والمشرقين ولم يحصل هذه العقايد فيه الا لما ظهر منه عليه السلام من الكرامات وخوارق العادات وانفعال الاشياء له ما لم يحصل لغيره ولقد قال ابن ابي الحديد في حقه عليه السلام :
تقيلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك انك مربوب
فالعدول عنه (ع) مع هذه الكمالات وعجائب الامور والحالات مخالفة للحكمة وهي ( هو خل ) محال على الحكيم الذي هو على خلق عظيم وهل يساوي ( يساوي او يرجح خل ) من يشك في ايمانه وكفره وعدالته وفسقه على من يشك في ربوبيته وعبوديته لا والله لا يخفي ذلك على من له ادنى روية ومعرفة فكيف من عنده علم غيوب الاشياء وحقايقها ومن عنده علم الكتاب وفصل الخطاب لا يكون ذلك ابدا ولا يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله اما سمعت الله سبحانه وتعالى بعد ان نص على ان امير المؤمنين عليه السلام نفس الرسول في آية انفسنا قال سبحانه ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ولم يقل عنه مع انه اخصر وانما المراد نفسه التي هو امير المؤمنين عليه السلام فالاعراض عن امير المؤمنين عليه السلام هو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله هو المشاقة معه وهو قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا والمؤمنون هم القليلون الذين اشار اليهم بقوله تعالى وما امن معه الا قليل وقليل من عبادي الشكور وقليل ما هم فشربوا منه الا قليل والاكثرون هم الكافرون فان الله تعالى يقول واكثرهم الكافرون واكثرهم لا يشكرون واكثرهم لا يفقهون واكثرهم لا يعقلون فثبت بالبرهان الواضح انه يجب على رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يدع الخلق مهملين بل ينصب لهم وصيا حقيقيا بالرياسة عالما بالسياسة جامعا لجميع الكمالات آتيا بخوارق العادات ويجري فيهم جريان نفسه (ص) في جميع البريات ولا يجعلهم مهملي الناصية ليميلوا الى ما عندهم من الشهوات ويوقع الاختلافات ويستحق غضب بارئ السموات وانه يجب عليه صلى الله عليه وآله ان لا ينصب وصيا الا امير المؤمنين عليه السلام لانه (ع) نفسه فلا يكون شيء اقرب الى شيء من نفسه وانه مطهر من الذنوب معصوم من العيوب محفوظ بعناية علام الغيوب قد تولى الله عصمته وطهارته واذهب عنه الرجس وطهره تطهيرا فلا يجوز ان يوصل اليه غيره اذ لا يصل احد اليه في كمال من الكمالات ولا في شيء من محاسن الصفات ومعالي الدرجات فلو اختار عليه غيره لم يكن بالمؤمنين رؤفا رحيما وقد وصفه الله كذلك وحاشا ان يخلف وصف الله ويتخلف وعد الله فثبت ان امير المؤمنين عليه السلام هو الوصي والخليفة والمنصوص من الله بالخصوص وحديث غديرخم يدل عليه اكبر دلالة ويشهد اعظم شهادة وذلك معلوم لمن راعى الانصاف وجانب الاعتساف ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فمما ذكرنا ثبت خلافة امير المؤمنين (ع) ووصايته بلا فصل وبطل خلافة من تقدمه اذ لم يقم عليها برهان ولا دليل بل البرهان على خلافه واضح السبيل واذا ثبت ذلك نقول انه لما اقتضت الحكمة الالهية على ارتحال امير المؤمنين عليه السلام عن هذه الدنيا وانتقاله الى الدار الآخرة وعدم استمرارها ( الآخرة واستمرار ظهوره في الدنيا باستمرارها خل ) لمصالح خفية لم نعرف اكثرها والذي نعرفها لا يسع المقام ذكره ومن جملتها عدم توهم الناس فيه الغلو لانه مع قلة مكثه في الدنيا وظهور كثرة المعاجز وخوارق العادات غلت الناس فيه وتوهموا فيه الالوهية فما ظنك لو طال مكثه في الدنيا واستمر باستمرارها فكانت الشبهة اعظم فيكون سبب الضلالة بعد ما كان علة الهداية ( العلة للهداية خل ) فوجب ارتحاله عن هذه الدنيا لئلا تعم على الناس البلوى واذا ارتحل وجب ان يكون له وصي يقوم مقامه ووجب ان تتعدد الاوصياء فاذا وجب تعدد الاوصياء لا بد ان يظهروا باشرف الاعداد واكملها واعلاها واسناها لان الاوصياء وجب ان يكونوا اشرف الخلق وافضلهم في ذواتهم بان يكونوا مبدء الوجود والصادر الاول والمخلوق الاول وان لا يسبقهم ممكن من الممكنات وحادث من الحوادث وفي صفاتهم بان يكونوا اعلم الخلق واقدر الخلق وارادتهم في الموجودات انفذ من ارادة كل شيء وان يكونوا معصومين مطهرين طيبين وطاهرين وان يكون عددهم اشرف الاعداد واتمها واكملها والعدد على ثلاثة اقسام عدد تام وعدد زائد وعدد ناقص اما العدد الناقص فلا يجوز ان يظهروا به لمكان النقصان ولا يصح النقص في ما ينسب الى الله سبحانه الا محض الامكان واما العدد التام فهو في كل مرتبة من مراتب الاعداد لانه هو الذي كسوره الصحاح يساويه وهذا العدد يحصل في ( في كل خل ) مرتبة من مراتب الاعداد الا ان اشرفها واكملها رتبة الآحاد لانها المبدء والعلة لسائر المراتب ووجب ان يكون العدد ( العدد التام خل ) الذي هو في غاية الشرف العدد الحاصل في رتبة الآحاد ولا تكون ذلك الا الستة ولما كانت الستة كمالها بالتثنية لحصول مقام الجامعية كما برهن في محله في علم الاعداد والاوفاق على حسب ما عند اهل الاسرار والسالكين في عالم الانوار فاذا تثنت الستة تكون اثنا عشر وهو العدد الزايد يعني اول عدد زائد ظهر في الاعداد لان كسوره الصحاح زائد على اصله فاثنا عشر هو في نفسه عدد زائد وفيه كمال الزيادة لبيان ان حامل هذا العدد لطيفة زائدة على ذاته ومع ذلك هو مثنى العدد التام وفيه كمالان احدهما كونه مثنى العدد التام والثاني كونه العدد الزائد فوجب ان يكون عدد الاوصياء اي اوصياء محمد صلى الله عليه وآله على عدد الاثني عشر وهو حروف لا اله الا الله وان يكون تظهر فيهم الستة حتى يتبين انها تثنت ليكون قد اجتمعت الكمالات كلها فيه ولم يدع في جميع الموجودات اجتماع الكمالات الامكانية كلها في العدد الاثني عشر الا في الائمة الاثني عشر الذين هم اولاد الرسول الله صلى الله عليه وآله ونفسه الشريفة وهم اقرب الخلق اليه وادناهم اليه واولهم امير المؤمنين عليه السلام وآخرهم القائم المنتظر عجل الله فرجه وروحي فدائه وعليه وعلى آبائه السلام فان هؤلاء سلام الله عليهم اثنا عشر ظهرت فيهم الستة فاسماؤهم الشريفة الغير المكررة ستة وهي محمد وعليّ والحسن والحسين وجعفر وموسى (ع) وهذه الستة تكررت الى ان صارت اثنا عشر فيجب ان يكونوا هم الاوصياء اذ قد اجتمعت فيهم الكمالات ومحاسن الصفات ومعالي الدرجات في الظاهر والباطن في ذواتهم وصفاتهم واعدادهم ما لم يظهر في غيرهم الا ترى ان الفرق المتبائنة من فرق الاسلام مع تباين عقايدهم ومذاهبهم ممن يقول بامامتهم ومن لا يقول كلهم متفقة على جلالة شأنهم ونبالة مكانهم وانهم هم المعنيون ( من المعنيين خل ) من قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والقربى مؤنث الاقرب وليس اقرب من الاولاد والنفس شيئا وقد علمت ان اعدائهم هم السلاطين والحكام ( سلاطين وحكام خل ) يريدون اظهار نقصهم حتى يكون لهم حجة في قتلهم واذيتهم والناس اهل الدنيا عبيد الدراهم والدينار وهمهم طلب الجاه والرياسة من اولئك الاشرار ولذا اعرضوا عنهم وتولوا مادعاهم الى هذا الاعراض الا قرب السلطان وحب الجاه والرياسة ولا شيء يتقربون به الى السلطان باعظم واكبر من اظهار النقص فيهم ومخالفتهم سلام الله عليهم ولو بالافتراء والكذب وانت تعلم جرأة الناس على الكذب والافتراء والى الآن بحمد الله وفضله ماقدروا وماتمكنوا من اثبات النقص فيهم ولو كذبا وافتراء وما ذلك لتورع الناس بل لان ظهور كمالهم سلام الله عليهم وتجنبهم من النقايص وتنزههم عن رذائل الاخلاق وخبث الاعراق كان بحيث اشهر من الشمس في رابعة النهار ولا يمكن لاحد فيه الانكار بحيث لو تكلم واحد بشيء من تلك النقايص زورا وكذبا وافتراء كذبته جميع الامة من الاخيار والاشرار وذلك دليل قاطع وبرهان ساطع على علو مقامهم في الكمال والجمال بحيث لم يقدر اعداؤهم النواصب الذين قتلوهم ونهبوهم واسروهم على اظهار نقص من النقايص بل هم سلام الله عليهم هم الاجلاء الاطهار عند جميع الخلق ( الخلايق خل ) وان كانوا يكرهونهم لقلة المناسبة وعدم المشاكلة لان الجنس الى جنسه يميل والشيء الى اشباهه اميل وهم الطيبون الطاهرون والخلق عصاة عاصون واكثرهم ضالون مضلون فما ظنك مع ذلك ان يبايعوهم او يسلموا لهم سلام الله عليهم حاشاه لا يكون ذلك بل لا يحبهم الا كل طيب الولادة مقرون بالسعادة فاذا كان الامر كذلك فيجب ان يكون هؤلاء الطيبون الطاهرون المعصومون بنص القرآن هم اوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله الاطهار وخلفائه الاخيار سلام الله عليهم ما دام الليل والنهار وقد غاب آخرهم وقائمهم واستتر عن عواملهم لان الجور قد غلب والظلم قد استولى والاصلاب والارحام ما صفت عن النطف الخبيثة والطيبة ففي اصلاب طاهرة نطف خبيثة وفي اصلاب خبيثة نطف طيبة وهو قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وقبل التصفية اذا ظهر بين الناس فاهل الباطل من جهة عدم المناسبة يرومون قتله فان قتلهم عن آخرهم انقطع الفيض عن تلك النطف الطيبة التي في تلك الاصلاب الخبيثة وفيه لزوم الالجاء ايضا وان قتل الذين ليس في اصلابهم تلك النطف الطاهرة ويبقى الذين هي في اصلابهم فهم يقتلونه كامر مولينا وسيدنا الحسين عليه السلام فاذا قتل عليه السلام ولم يكن من يقوم مقامه للزوم انحصار الاوصياء (ع) في اثني عشر تسيخ الارض باهلها وتنهدم اركان السماوات قبل اوانه واذا دار الامر بين فساد العالم وخرابه قبل مجيء اوانه وبين غيبته عليه السلام وانتفاع الناس به كانتفاعهم من الشمس اذا جلله السحاب ولا ريب ان الغيبة لحفظ الرعية اولى عن الظهور وفسادها وهم سلام الله عليهم انما اتوا للاصلاح دون الافساد فلذا غاب الامام الثاني عشر نسئل الله تعجيل ظهوره وان يجعلنا من المستنيرين بنوره وينور قلوبنا بهدايته ويجنبنا معصيته وخلاف طاعته انه رؤف بالعباد في المبدء والمعاد فبهذا البيان التام ثبت ووضح وظهر ان الذين دعوك الى محمد وآله صلوات الله وسلامه وتحياته عليه وآله الطيبين هم المصيبون والذين دعاك الى صحبه هم المخطئون فكن مع الآل وامتثل امر الرسول المفضال الحق مع عليّ وعليّ مع الحق يدور معه حيثما دار وقوله صلى الله عليه وآله اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض والاولاد هم اهل البيت يقينا وقوله صلى الله عليه وآله يا ابن عباس خالف من خالف عليّا يا ابن عباس وال من والى عليّا وبالجملة النبي صلى الله عليه وآله هو اولى بالمؤمنين من انفسهم ونفسه هو اولى بالمؤمنين من انفسهم واولاده الذين هم جزؤه بنص القرآن ومن سنخه وعلى هيئته وشاكلته اولى بالمؤمنين من انفسهم ودع الاجانب وخذ الاهل والاقارب اذا لم يخالفوا سنته ولم يتبعوا غير ملته فاولئك هم الاطهار الابرار والخلفاء الاخيار والاوصياء المرضيون الاطهار سلام الله عليهم ما دام الليل والنهار وهذا مختصر المقال في حقية النبي والآل عليهم سلام الله الملك المتعال فالزم هذه الطريقة طريقة الانيقة فانها يوصلك الى الحقيقة ان اردت الفحص والبصيرة
اذا شئت ان تختر لنفسك مذهبا ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك واحمد والمروي عن كعبالاحبار
ووال اناسا نقلهم وحديثه مروي جدنا عن جبرئيل عن الباري
قال سلمه الله تعالى : فاخذت بالترجيح واذا وقع نظري على شيخ من اهل الصحب صوفي ذو هيبة ووقار وزهد وذكر وافكار ويدعي دعاوي عجيبة غريبة اقلقني عن وسادي ومنعني لذيذ رقادي لاني تارة انظر الى حاله واقواله وافعاله وتارة اتأمل في ابتداء مذهبه بمحشره وامامه
اقول قوله سلمه الله قد وقع نظري على شيخ من اهل الصحب صوفي هو كما قال فان التصوف انما كان منشأه واصله منهم وشرط ان يكون شخص منهم ومن مذهبهم كان نص عليه اهل هذا الفن كما في النفحات وامثاله من الكتب الموضوعة لاهل هذا الشأن ولكنك اعلم اولا ان الصوفي من هو فان الناس قد اشتبه عليهم الامر والتبس يرمون بالتصوف من هو بمعزل عنه بمراحل وينزهون عن التصوف من هو اهله ومحله وها انا اخبرك الآن بالصوفي المردود الملعون الذي هو المنافق الخبيث المطعون وهو كل من يتكلم بالباطن بما يخالف ظاهر الشريعة ويزعم ان الظاهر سلم للباطن فاذا وصل الى الباطن انتفى حكم الظاهر وهذا وان لم يتفوه به كلهم وانما يصرح به جماعة منهم الملقبون بالواصلية ولكن لسان حال الجميع عند مخالفة الظاهر مع الباطن والباطن مع الظاهر ينادي بذلك وقد قال بعض العلماء الفحول من اهل المعقول في مسئلة خلود الكفار في النار انه لم يقم دليل عقلي لا يحتمل الخلاف على خلود الكفار في النار فان جميع الآيات والروايات الدالة على الخلود يحتمل المكث الطويل واما الدليل العقلي فلم يقم على الخلود الدائم بل يطابق القدر المتيقن من الدليل النقلي من المكث الطويل ولم يبق في المقام الا اجماع ( اجماع اهل خل ) الظاهر على خلود الكفار في العذاب وهو لا يقاوم ولا يعارض كشف اهل الباطن انظر كيف صرح بان الظاهر يخالف الباطن مع انه ليس من الواصلية بحيث يترك الاعمال الظاهرة الشرعية بزعمه الوصول الى الحقيقة وبالجملة الصوفي كل متكلم بباطن من بواطن الشريعة مخالف لظاهر من ظواهرها ولا شك ان هذا باطل مردود لا سيما اذا اقترن بذلك المذهب السخيف والاعتقاد الباطل الفاسد الزائل والاصل في ذلك ان النبي صلى الله عليه وآله لما ظهر نوره واشرق ظهوره خفيت جميع الظلمات ( الكمالات خل ) واستترت وهؤلاء الصوفية قد كانوا في زمان الجاهلية وقبله لكنهم مغمورون ومستضعفون لعدم رغبة اهل الجاهلية في ما عندهم لاشتغالهم بالملاذ الجسمانية وعدم التفاتهم الى الحقايق الروحانية سواء كانت عليينية او سجينية ومن هذه الجهة كان ضوؤهم مخمود وقولهم مردود وبعد ظهور النبي صلى الله عليه وآله اخفى نوره ظلمتهم فكانوا هائمين مخمودين الى ان انتهت الدولة الى بني العباس وهم لما خطؤا رأي بني امية في ما فعلوا بالذرية الطاهرة من قتل ونهب واسر وميل قلوب الناس عنهم وكراهتهم اياهم لاجل افعالهم الردية وسوء سلوكهم بالذرية العلوية ولذا انقرضت دولتهم وانكسرت شوكتهم ومالت قلوب ( قلوب الناس خل ) عنهم فارادوا تدبيرا آخر وحيلة اخرى في استيصال آل محمد صلوات الله عليهم واطفاء نورهم واخماد ذكرهم ولما وجدوا ان الناس محتاجون اليهم في العلوم الظاهرية والباطنية والاحكام التكليفية والعلوم السرية الحقيقية فما دام احتياج الناس اليهم في هذه العلوم يمكن صرف وجوه الناس عنهم (ع) ثم فكروا وقدروا فقتلوا كيف قدروا ثم نظروا وابصروا وادبروا واستكبروا فقال ان هذا الامر لا يتم الا بان نأتي باناس في مقابلتهم في المقامين اي في مقام الظاهر والباطن فاذا حصل للناس الصورة الظاهرية مع الرياسة والجاه يقنعون للصورة ( بهذه الصورة خل ) ولا يطلبون الحقايق والامور الواقعية فبنوا رأيهم على ذلك فجعلوا في مقابلة الامور الظاهرية من العلوم التكليفية الشرعية ( الشرعية المجتهدين خل ) والعقايد الاصولية المتكلمين من الاشاعرة والمعتزلة والمجتهدين القائلين بالراي والاستحسان والظن والتخمين الى ان كثروا ولما رأوا في كثرتهم ان الآراء الفاسدة والاحكام المستندة الى الاستحسانات والقياسات الباطلة بلغت حد الشيوع وفحشت الى ان عاب على هذا الدين ساير الملل فاجتمعت آرائهم اي السلاطين والحكام ان يحصروها في الاربعة كل ذلك لشهوة انفسهم لا في كثرتهم دانوا الله بها ولا في تقليلهم طلبوا وجه الله والتقرب الى الله بل كانوا يدورون مدار هوى انفسهم اينما دارت فلما اسسوا هذا البنيان واحكموا امر هذا الطغيان منعوا الناس في العلوم الظاهرية الرسمية الى آل محمد سلام الله عليهم وامروهم بالرجوع الى هؤلاء المجتهدين حتى ان ( ان من خل ) يريد ان يذهب الى احد ( احد من خل ) اهل البيت في مسئلة من مسائل الدينية ( دينه خل ) كان يخاطر على نفسه وماله وعرضه وغير ذلك حتى تركهم اكثر الناس واعرضوا عنهم سلام الله عليهم اكتفاء باولئك المجتهدين والمتكلمين وهم جل مقصودهم وكل مطلوبهم مخالفة الائمة الطاهرين (ع) ولقد روي عن ابي حنيفة انه قال لو علمت ان جعفر بن محمد عليهما السلام يفتح عينيه في السجود ( بالسجود خل ) او يغضهما لكنت اقول بخلافه فدأبهم الخلاف وديدنهم النفاق الى ان صار الرشد عندنا في خلافهم واما في العلوم الباطنية والاسرار الغيبية فقد امروا الناس بالرجوع الى الصوفية ورقوهم واعلوا ذكرهم وبذلوا لهم الجاه وجعلهم مطاعين فهم اظهروا بواطنهم الخبيثة وموهوا على الناس بالرياضات الباطلة والمجاهدات الغير المشروعة وتسخير الارواح والافعال التي تكون سببا لاتصال الشياطين وساير الابالسة ليخبروهم عن بعض المغيبات ويظهروا شبه بعض خوارق العادات فسحروا اعين الناس باستعمال العلوم الاربعة ( الاربعة التي خل ) هي السيميا والهيميا والريميا والليميا واظهروا الخدع والخيلاء واظهروا للناس الزهد والورع وترك الدنيا والاعراض عنها كل ذلك رياء وسمعة ليقبلوا ( ليقلبوا خل ) وجوه الناس اليهم ويعرضوا عن الحق واهله تقربا الى سلاطين الجور وحكام الباطل وهؤلاء ضررهم على الدين وعلى الاسلام والايمان اعظم من ضرر هؤلاء الحكام الخلفاء والمجتهدين من اهل الاستحسانات والآراء لان عيوبهم ظاهرة يعرفها كل احد وعيوب هؤلاء مخفية باطنية مايعرفها الا نادرة الزمان واوحدي العصر وهؤلاء كما ذكر جنابك ان لهم هيبة ووقارا وزهدا وذكرا وافكارا ولكنه كل ذلك صورية لا حقيقية ريائية لا الهية هيبتهم عند طغام الناس وزهدهم مصيدة للخناس الذي يوسوس في صدور الناس وذكرهم لتسخير الشياطين وفكرهم لتحصيل الطرق التي يغرون بها جماعة من المؤمنين ودعاؤهم كذب وغرور واخبارهم افتراء وزور وهم الافاك الاثيم الذين هم مناخ ركاب الشياطين واليهم الاشارة بقوله تعالى قل هل انبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك اثيم يلقون السمع واكثرهم كاذبون وهؤلاء يمزجون الصدق بالكذب ويخلطون الحق بالباطل لاظهار باطلهم والتمويه على بعض الضعفاء من اهل الحق فرجعت الناس اليهم وهم كانوا يتتبعون كل مقام لائمتنا فيه كلام يقولون بخلافهم كما انهم لما سمعوا ان امير المؤمنين عليه السلام ( السلام قال خل ) لو شئت لاوقرت سبعين جملا من تفسير باء بسم الله الرحمن الرحيم قال واحد منهم لو شئت لاوقرت سبعين جملا من الف الحمد لله رب العالمين ومن هذه الجهة ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ذمهم والانكار عليهم حتى قال عليه السلام من ذكرت الصوفية عنده ولم ينكر عليهم بقلبه ولسانه كان كمن اعان يزيد بن معاوية على قتل الحسين عليه السلام وقال في رواية اخرى الا فمن مال اليهم واول كلماتهم فانا منهم برآء قيل وان كان المائل من محبيكم فنظر عليه السلام شبه المغضب وقال من قال بحقوقنا لم يذهب الى عقوقنا وهؤلاء اشر خلق الله واخبث عباد الله لا يغرنك زهدهم ولا ورعهم ولا ذكرهم ولا فكرهم فانهم اعداء الدين وخلفاء الشياطين وخصماء رب العالمين كيف يرجى فيهم الخير وهو يأتم بامام قائده الهوى وسائقه الدنيا وعاقبته خسارة الآخرة والاولى
قال سلمه الله تعالى : ثم تفكرت في اهل الآل الذين هم قد كان ابي منهم واذا بينهم القيل والقال وتغيير الاحوال والحاصل يا مولينا
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
غير اذا ذهبت مني الفرصة تبين من بكى ممن تباكا واني لخائف من اتيان حين اذا فاتبين والعياذ بالله متباكيا لا باكيا فاندم ولا تنفعني الندامة اذا ندمت ولا يفيد قول رب ارجعوني لعلّي اعمل صالحا في ما تركت فيا مولينا لقد صرت في حيرة عظيمة ووقفت كوقوف البهيمة تارة انظر الى الحبر اليهودي المذكور سابقا وتارة الى النصراني وتارة الى الصوفي واخرى الى اهل الآل باجمعهم مرة والى فرقهم اخرى ثم الى ابي وآبائه لانهم قد كانوا من واحدة مما ذكرت آخره وربما يحصل لي بعض الميل اليهم ولكني اسمع قوله تعالى ان تقولوا انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم الآية اقف عند ذلك حتى اني بهت وفترت عن العمل لانه لم يبق له اذ ذاك محل لان العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق لا يزيده كثرة السير الا بعدا ومن يكون هذه حاله ما يكون تكليفه الى ان قال والتمس ايضا من جنابكم ان تثبت ما انتم عليه وتنفي جميع ما عداه وان يكون النفي والاثبات بادلة عقلية يقبلها كل عاقل منصف ونقلية مأخوذة من الكتاب والسنة ليكون تذكرة لاولي الالباب مفيدا لجملة الاخوان والاصحاب وجزاك الله تعالى الف خير
فديتك عجل فالقلوب مريضة وليس لها الاك يا خير منيتي
اقول الاختلاف الذي بين اهل الآل وما عندهم من القيل والقال وما رأيت فيهم من تغيير الاحوال فعلي قسمين قسم مما يتعلق بالفروع والاعمال وقسم يتعلق بالعقايد والاصول وما يتفرع على المبدء والمآل اما القسم الاول فالامر فيه هين لان الاختلاف ما دامت شريعة التقية ثابتة لازم والقول الواحد مع اختلاف الموضوعات ما يمكن والاختلاف ما دام مزج النطفتين شريعة اسسها الله واحكم بنيانها الائمة الهداة سلام الله عليهم ولذا قالوا عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم وقال عليه السلام خطابا لابن زرارة راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه ( غنمه هو خل ) اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم وقال (ع) ايضا انا لا ندخلكم الا في ما يصلحكم وبالجملة فالاختلاف في فروع الدين وما يتعلق باعمال الجوارح قبل اندكاك سد ذو القرنين الاول للحفظ من يأجوج وماجوج الامة ثابت حكم ثانوي من الله سبحانه وتعالى لحفظ هذه الفرقة واصلاح شأنهم ودفع المرض والخلل الساري فيهم من مزج تلك النطف ومن اختلاط المنافق والموافق والمنافي والمطابق كمعالجة الطبيب للمريض بادوية مختلفة اذا اختلف المرض وقد شرحنا هذه المسئلة شرحا كافيا وافيا في غاية التهذيب لمن اراد الاستبصار من كل فقيه في رسالتنا الموضوعة لتسديد الامام عليه السلام واختلاف الاحكام مع ذلك التأييد التام فمن اراد ان يحصل له منتهى المطلوب فلينظر الى ذلك التحرير فان فيه كفاية وارشاد للمسترشدين عند الاختلاف وهذا النوع من الاختلاف ( الاختلاف اي الاختلاف خل ) في الفروع لا يوجب القيل والقال ولا تغيير الاحوال ولا سوء المقال ولا الخصومة والجدال وانما فتوي كل واحد من المختلفين على حسب دليل انساق اليه وبرهان اتفق لديه ولذا ترى اصحابنا المجتهدين وفقهائنا المرضيين مع اختلاف آرائهم وتشتت فتاويهم كل واحد منهم يمجد الآخر ويأمر بتقليده من غير نكير ولا خصومة ولا جدال ولا قطع ولا استيصال بل في ما بينهم كمال الرأفة والعطوفة وهذا معلوم ظاهر واما الداء العضال ومحنة الرجال في اختلافهم في القسم الثاني اي الاختلاف في الاصول والعقايد فان كثيرا من اصحابنا ادعوا الاجماع على ان المخطي في العقائد غير معذور وان الحق واحد لا يصلح ان يكون بين مختلفين بالاثبات والنفي وانما جاز الاختلاف وصح في الفروع لخفاء ادلته وعسر الاطلاع على براهينه بخلاف الاصول وما يجب على الناس كافة بالدليل والبرهان والبصيرة والايقان فانه سبحانه اجل من ان يكلف عامة العباد ( الناس خل ) على جهة البصيرة واليقين ثم يخفي طريق الوصول اليه عليهم ويصعب ادلته عليهم وذلك عليه سبحانه محال فوجب تسهيل الدليل لا يضاح السبيل فاذن فالاختلاف لا يسوغ في ما يريد الله الايتلاف وهو مع وضوح الدليل تقصير في طلب الدليل والمقصر ليس بمعذور ( بمعذور بخلاف المقصر فانه معذور خل ) وهذا القول في الاصل الاول وان كان صحيحا لكنه على العمل عليه مطلقا يوجب مفاسد كثيرة واخراج فحول من العلماء الذين بهم اقيم الدين القويم وشيدت اركان هذا الدين عن هذا الدين ومن هذه الجهة تحيروا وتشوشوا واضطربوا وانكر بعضهم بعضا وصدق بعضهم بعضا وصدق بعض المنكر وانكر بعض المصدق وموه بعض على آخر وبان تمويه الآخر وصدق آخر المموه واشبه على بعض اصل الموضوع وانكر بعض بزعمه ان هذا الانكار غير قادح وزعم آخر ان هذا الانكار قادح وتشوشت آرائهم واختلفت اهوائهم وكثر بينهم القيل والقال الى ان آل الى تغيير الاحوال وسوء المقال ووقيعة بعضهم ببعض في كل حال وسكوت بعض الموجب للقدح والوقيعة في المآل وبالجملة جرت فيهم سنة من كان قبلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكوه ( لسلكتموه خل ) فان استطعت معي صبرا سانبئك ( سانبئك به خل ) خبرا ولا ينبئك مثل خبير وها انا اشرح لك اصل هذا الاختلاف وسره والاختلاف الحق والباطل منهما وان كان يطول به زمام الكلام ولكن منفعته عامة ثابتة ممر الدهور والاعوام ( الاعوام ولكن خل ) بشرط ان تعيرني فهمك وتحضرني ذهنك وترفع عن نفسك الاستبعاد والتقليد وموافقة الآباء والاجداد بلا دليل سديد وانظر الى ما نبين لك من الكتاب والسنة ومقتضي المذهب والملة حتى ترفع عنك الشبهات وتظهر لديك الدقايق المخفيات
فنقول والله الموفق للصواب اعلم انه سبحانه وتعالى قال وما امرنا الا واحدة قال وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير فحكم الله سبحانه وتعالى واجراء ( اجراء فعله وخل ) امره في التكوين والتشريع واحد وقال الله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة الا ترى انه لما اراد خلق الانسان اولا خلق نطفة ثم قواها فجعلها علقة ثم قوي العلقة فجعلها مضغة ثم قواها فجعلها عظاما ثم قوي العظام لاكتسائها اللحم فلما تمت هذه الخلقة ( الخلقة قواها خل ) بتقوية عالية فاولج فيها الروح ثم قواها الى ان تحركت وصارت جنينا ثم قوي الجنين الى ان اخرجه الى هذه ( هذه الدنيا خل ) فكان في بطن الام يشرب دم الحيض من سرة امه فلما خرج من البطن ودخل في هذه الدنيا تقوي من تلك ( هذه خل ) الحالة الى ان يشرب اللبن المرئي من ثدي امه فكان رضيعا ثم تقوي بحيث لا يهنيه اللبن ولا يغذيه ولا يكتفي به وبقي يأكل من ساير الاغذية بعد ان تترجم له امه او غيرها من ساير المربين والمربيات بمضغها في فمها فاذا سحقها الفم ونعمت باختلاط اجزاء الريق في الفم صلح غذاء للولد فكان فطيما ثم ترقي في النشو والنما وقوة المزاج الى ان كان صبيا فكان مراهقا فكان بالغا في خمسةعشر سنة فكان تاما في ثلاثين وهو حد وقوف النما في الطول فكان كاملا في اربعين سنة فهو حد تمام كمال في القوة والنشاط والادراك والفهم فانظر الآن وقايس ( قايس الحال خل ) ابتداء كونه نطفة الى هذا المبلغ من تدرج الاحوال الجارية عليه فان في حال كونه نطفة او علقة لو كان له ادراك وتجري عليه احكام فاذا تنقلت من حالة العلقة الى حالة المضغة هل تجري في حالة المضغة عليها احكام النطفة والعلقة فتثبتها عليها احكام النطفة والعلقة فتثبتها عليها لانها كانت ثابتة قبل او نقول ان تلك الاحكام ثابتة في مقام العلقة وهي تكليفها واذا تغيرت الى مقام المضغة انقطعت عنه تلك الاحكام وجائته احكام اخر يجب على المضغة الديانة بها والاذعان لها والاعراض عما كان ثابتا في مقام العلقة وان كانت هي عن الله لكنها في مقامها وكذلك ما يجري على الجنين في حالته من شرب دم الحيض عن السرة فهي حالة حقيقية لا يقوم مزاجه الا به واما ( اما عند خل ) خروجه الى الدنيا فلا يجري عليه حكم الجنين فلو انه جرى عليه حكم الجنين لفسد مزاجه واعتل فلا يقال ان الرضيع يجب عليه ان يشرب لبن الحيض لانه لو كان يشربه حال كونه جنينا بحكم الاستصحاب وكذلك لا تزق له امه بعد الفطام لا يقال انه كان يشرب اللبن فيجب ان يثبت له تلك الحالة وبالجملة فكل حالة ثابتة في محالها ففي حالة الضعف يجري عليها احكامها وفي حالة القوة يجري عليها احكامها والكل حكم الله سبحانه وان كان الحكم الثاني اقوى من الحكم الاول لقوة الموضوع ولو كان الاولى في المقام الثاني لم تكن الاولى بل كانت الثانية فكلما يجري في الحالة الاولى من العلوم والاطوار والاحكام كلها عن الله سبحانه وحاملها محمود محبوب لله تعالى له مقام عنده وما يجري في الحالة الثانية من العلوم والاطوار والاحكام ايضا من عند الله سبحانه يجب على الواقف في هذا المقام الالتزام به وترك ما كانت عنده سابقا في الحالة الاولى الا ترى انه في مقام المراهقة وما قبلها لا يجب عليها شيء من الاحكام التكليفية والآداب الالهية بحال من الاحوال وبعد البلوغ الى الخمسة عشر وجب ( وجبت خل ) عليها الاحكام والتكاليف والتزم بالحلال والحرام فلا يسعه ان يقول انا كلنا في وقت المراهقة ما علينا شيء من التكليف ( التكاليف خل ) وهل كنا معاشر الخلق كلنا على الباطل فنقف على حالتنا الاولى ولا نلتزم بشيء من احكام هذه الحالة والا يلزم ان يكون الذين ماتوا على تلك الحالة على ضلال وفساد بل الكل من عند الله والعدول عن حالة الى اخرى والتزام ( التزام حكم خل ) الثانية وترك ( ترك حكم خل ) الاولى ايضا من الله تعالى وبالجملة فالموجودات تصل الى مراتبها من الكمال في القوس الصعودي بالتدريج لان الله سبحانه وتعالى جعل العالم عالم الاسباب وجعل للاسباب اقتضاءات فاقتضاء كل سبب يجري على مقتضاه حين وجوده فاذا ارتفع السبب ارتفع مقتضاه المسبب لا انه كان باطلا ولم يكن حقا الا ترى ان الماء قبل بلوغه كرا له اقتضاء بالشرع وحكم الله ( الله فيه خل ) وانه ينجس بملاقاة النجاسة فاذا بلغ كرا لم ينجسه شيء الا اذا تغير احد اوصافه من الطعم والريح واللون فهل يمكن ان يقال ان الحكم الاول على الماء في نجاسته باق بعد بلوغه كرا او ان يكون الحكم الاول باطلا وهذا شيء معلوم فالله سبحانه وتعالى حيث انه جعل العالم عالم الاسباب وجعل الاشياء متدرجة الحصول متدرجة القوة متدرجة في العلم لابانة وجه الحكمة وتعريفا للاشياء ظهور القدرة كما قال تعالى ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم وان كان الله سبحانه قادرا على فعل ما يشاء كما يشاء بما يشاء فكل حالة في كل مقام تقتضي حكما من الاحكام وجريان امر من الامور التي لم تكن حاصلة عند عدم تلك الحالة فالحالتان من الله سبحانه واقتضاءاتهما من الله والانتقال من الحالة الاولى الى ( الى الحالة خل ) الثانية من الله والانتقال من مقتضيات الاولى الى مقتضيات الثانية من الله قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا فذو الحالة الثانية يحرم عليه اجراء حكم الحالة الاولى وذو الحالة الاولى يحرم عليه اجراء حكم الحالة الثانية والكل عند الله محبوب وعملهم مرغوب وان كانت الثانية اشرف واقوى وهذا لا يقدح في الاولى لان الثانية لن تصح ان تكون في مقام الاولى والا لم تكن هي الاولى فافهم هذا الكلام المكرر المردد بالفهم المسدد فاني انما كررته ورددته للتفهيم فاذا عرفت ذلك فاعلم ان هذا الحكم الذي جرى في التكوين بعينه هو الذي جرى في التشريع حرفا بحرف فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما بعث الى الخلق في اول البعثة دعاهم الى قول لا اله الا الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وان كل ما جاء به صلى الله عليه وآله حق لا شك فيه ولا ريب يعتريه واكتفى منهم بهذا الاجمال ولم يطلب منهم اكثر من ذلك فلما قوي الاسلام في الجملة وظهر الحلال والحرام اوجب عليهم بعض الواجبات اللازمة وحرم عليهم بعض المحرمات ولكن ماتوعد فيها توعيدا وماشدد عليها بالقول الاكيد فمن ارتكب شيئا من تلك المحرمات لم يقم عليه حدا ولا تعزيرا وانت اذا تتبعت في القرآن وجدت ان الآيات التي نزلت في مكة من الواجبات والمحرمات ليس فيها من التوعيد والتشديد مثل الآيات التي نزلت في المدينة الا الشرك بالله الذي بقوة ادلته قد ظهر امره ورسخ في القلوب ذكره واستحق مرتكبه الوعيد والتهديد بخلاف ساير المحرمات انظر الآن الى الآيات التي نزلت في مكة مثل قوله ( كقوله خل ) تعالى ولا تجعل مع الله الها آخر فتقعد مذموما مخذولا وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا الى ان قال تعالى ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤلا الآيات واذا تأملتها وجدتها ( وجدت انها خل ) محض بيان الاحكام وانها هي الحرام وان عاقبتها ليست محمودة وانظر الآن الى الآيات التي نزلت في مدينة في هذه الاحكام قال في الزنا ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا وقال تعالى في قتل النفس ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له جهنم وسائت مصيرا وقال تعالى في اكل مال اليتيم الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا انظر ما فيها من التهديد والتأكيد ولم يكن في الآيات التي نزلت في مكة في هذه الاحكام شيء من التهديد والتشديد والتوعيد وبالجملة فاصحاب العصر الاول مع النبي صلى الله عليه وآله ما كان فرضهم الا الاعتقادات الاجمالية وما كانوا مكلفين بالبحث عن دقايق علم الله وقدرته ومعاني اسمائه وصفاته واذا حصل لهم الاعتقاد بان الله موجود وانه كامل اكتفى منهم ذلك ولا يسئل منهم ازيد من هذا الاجمال وما كانوا يعرفون الولاية وما كانوا مكلفين بها على التفصيل الا على وجه الاجمال بان كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق من عند الله سبحانه ثم لما قوي الاسلام وتشعشع نوره ورسخ في قلوب الخواص والعوام استأهلوا لقبول الولاية كلفهم الله سبحانه وتعالى ( تعالى بها خل ) ولعن تاركها وكفره ودعا عليه بقوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله واهلك عدوه فقبل هذا الاظهار التام كان كفاهم الايمان الاجمالي وما كانوا مكلفين بهذا التفصيل والولاية لها مراتب ومقامات يفصل في كل وقت اذا تأهل اهل ذلك الوقت للتفصيل الا ترى ان عباس بن عبد المطلب كان يتكلم بكلمات يستفاد منها الازراء والاهانة بحق امير المؤمنين والزهراء والحسنين عليهم السلام ولم يقدح ذلك في اسلامه ولا في ايمانه لعدم ظهور فضائلهم ومقاماتهم وتفصيل مراتبهم مثل ما ظهر في هذا الزمان فلو برزت منه تلك الكلمات في هذه الاوقات لو فرض بقائه فيها لكفرناهم بها وجعلناها قادحة في ايمانه وفي اسلامه وكذا لو قال القميون في هذه الاوقات ما قالوا في تلك الايام التي ما ظهرت تفاصيل مراتب الائمة عليهم السلام فيها لصدقنا كلام السيد المرتضى في الصدوق وبالجملة كل زمان له اهل ولهم حكم يجري عليهم دون الزمان السابق في جزئيات التكاليف لا في كلياتها الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقاتل الناس ويحاربهم حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا قالوها كف عنهم القتال واما امير المؤمنين عليه السلام فلم يكتف منهم هذا المقدار بل قاتلهم وحاربهم حتى يقولوا على ولي الله وان قالوا لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وحجوا بيت الله فما كانوا عليه في زمان محمد رسول الله صلى الله عليه وآله هو الحق من عند الله وما فعل امير المؤمنين عليه السلام هو الحق ايضا من عند الله وهكذا ما اختلفت الاصحاب باعتبار كل زمان من الازمنة المتباعدة هو الحق من عند الله وذلك هو تكليفهم من الله سبحانه لان الله سبحانه قد يرضى منهم بالاجمال وقد لا يرضى الا بالتفصيل فنحن عذرنا المفيد (ره) مع ما عليه من جلالة الشأن ونبالة المكان في ما انكر الرجعة ولا نعذره لو كان انكره في هذا الوقت ( الزمان خل ) الذي نشرت فضائل آل محمد سلام الله عليهم وتكثرت احاديثهم وظهرت وبالجملة فعلماء كل وقت في كل عصر من الاعصار المتباعدة او المتقاربة عند ظهور الامر وخفائه لهم حكم خاص يجري عليهم حكم زمانهم وان كان في الزمان الآخر يكون الحكم بخلاف ذلك فاختلاف علماء الاصحاب اذا كان من هذا القبيل لا يضر ايضا كنص القميين من قال ان القميين مقصرون في حق الائمة فهو غال ومن قال ان النبي صلى الله عليه وآله والامام (ع) لا يسهو فهو غال والغالي عندهم كافر فقد قال في الفقيه ان الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله ولا ريب ان هذا الزمان من علمائهم وعوامهم كلهم ينكرون سهو النبي والائمة عليهم السلام بل الاسهاء ايضا ونحن نصدق الصدوق (ره) بالنسبة الى مقامه وزمانه وكثرة غلبة الجور وقلة المؤمنين وقلة نشر الاحاديث والالتفات الى دقائقها وحقايقها ونكذبه ولا نجوز العمل بقوله ونفسد اعتقاد من يعتقده في هذا الزمان كما جاز اكل اللبن للرضيع وحرم على الكبير كما بينا سابقا فافهم فاذا عرفت هذا فاعلم ان الايمان لا يقوم الا باربعة اركان الركن الاول الاقرار بالتوحيد وهو قول لا اله الا الله مصدقا مسلما والركن الثاني الاقرار بالنبوة وهو قول محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والركن الثالث الاقرار بالولاية وهو قول ان عليّا ولي الله والائمة من ولده اولياء الله (ع) والركن الرابع الشيعة وهو المشار اليهم في احاديث الائمة واخبارهم باوالي من والوا واعادي من عادوا واجانب من جانبوا وما ورد في معنى النواصب انهم ينصبون العداوة لشيعتنا وهذه ابواب اربعة لا يصلح آخرها الا باولها ولا اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا فلا يتم التوحيد الا بالنبوة فلو اقر بالتوحيد والتفريد بجميع مراتبه ولم يقر بالنبوة مع ان التوحيد اشرف من النبوة بل ليس بينهما من نسبة فلا يقبل توحيده ولا يغنيه عن نار جهنم وهو من الخاسرين ومن اقر بالنبوة ولم يقر بالولاية فلم ينفعه ايمانه شيئا ولا اقراره ابدا وهو من اصحاب السعير ومقامه في النار اسفل من مقام منكر النبوة مع ان النبوة اشرف من الولاية وكذلك من اقر بالتوحيد والنبوة والولاية ولم يقر بالشيعة فلا ينفعه ايمانه بالتوحيد والنبوة والولاية ويكون اخسر مقاما وهو في اسفل درك من الجحيم كما كان منكر الولاية ومنكر التوحيد والنبوة كذلك
احقاق حق وازهاق باطل اعلم ان الله سبحانه لا يقبل الا العمل الخالص والاعتقاد الصافي المطهر من الريب والغش لا الاعتقاد باللسان المخالف للجنان فاذا ادعى مدع وجعل نفسه من اهل الحق يجب على الله سبحانه ان يبين باطنه ويظهر ما استجن في ضميره ويبين المحق من المبطل والمصلح من المفسد وهو قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون اي اجترحوا السيئات في بواطنهم وضمايرهم واضمروا النفاق في سرائرهم ان يسبقوا الله سبحانه ويعدوا انفسهم من المؤمنين وهم من الكافرين والمنافقين في الباطن والحقيقة وقال ايضا ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب وقال تعالى تلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقال تعالى ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم الى ان قال تعالى ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم فعرفت من هذه الآيات البينات ان الله سبحانه بمقتضى حكمته البالغة ومشيته الطاهرة لا يدع الناس على ظواهر اقرارهم بل يسبب اسبابا لاخراج بواطنهم واسرارهم وقد قال الله تعالى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم وقال تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وماجعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وامثالها من الآيات كثيرة يجدها المتتبع الماهر المتدبر في القرآن المتذكر آياته وم ايتذكر الا اولوا الالباب فاذا وجب الاختبار والامتحان ليتبين الكاذب من الصادق والمتباكي من الباكي فاعلم ان الله سبحانه وتعالى ابتلى واختبر الذين قالوا لا اله الا الله واظهروا كلمة التوحيد بتكليفهم بنبوة محمد صلى الله عليه وآله والقول بان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فمن اقر به مؤمنا مصدقا مخلصا فهو من اهل الاخلاص بالتوحيد ومن لم يؤمن به مع ظهور ادلة نبوته وآيات رسالته فهو من المشركين الغير المصدقين بالتوحيد لان المخلص لا يخالف من اخلص له الطاعة والمخالف المنكر للطاعة ليس بمخلص ( مخلصا خل ) له فخرج بهذا الابتلاء والاختبار خلق كثير كاليهود والنصارى والمجوس والصائبة وساير فرق الكفر والذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله فايمانهم على انحاء واطوار فقسم منهم آمن به صلى الله عليه وآله لما سمع من الكهنة والشياطين الذين يسترقون السمع ان شريعة محمد صلى الله عليه وآله تستولي على الشرايع وتغلب الملوك وتقهرها وتذعن له الاساطين والسلاطين فآمن به صلى الله عليه وآله للعلم بان مخالفته لا تثمر بل تضر وقسم منهم آمن بمحمد صلى الله عليه وآله لانه كان في قومه من الارذال والاذناب فآمن به وسبق في ايمانه لينال عزا وشرفا في دولته ومناعة ورياسة في عزته وقسم منهم آمن لطمع الدنيا ونيل الغني وطلب الراحة والشوكة لانه كان في اهله فقيرا حقيرا ذليلا ومنهم من آمن خوفا ووجلا من سيف امير المؤمنين عليه السلام منكس الرايات مبيد الفرسان ومخمد ضوء اهل الكفر والطغيان وهذا سيف لا يحمله انسان ولا ذو حاسة من الانس والجان وقسم منهم آمن مخلصا مؤمنا مصدقا مسلما خاضعا لله خاشعا مذعنا منقادا لامره مستسلما لحكمه ناظرا الى ربه متوجها الى بابه منتظرا لخطابه وهؤلاء الاقسام المذكورون كلهم ظاهرهم الاسلام وباطنهم ما ترى من النفاق والطغيان والله سبحانه وتعالى كما عرفت من الآيات المتقدمة حكم على نفسه اخراج الاضغان واظهار ما في القلوب من الحقد والشنآن ولا يذرهم على ما هم عليه في صورة الايمان فاخرج الله سبحانه ضغائنهم واظهر بواطنهم بامير المؤمنين عليه السلام وباولاده الطاهرين سلام الله عليهم وامير المؤمنين عليه السلام بان لا يسل سيفه ويطالب بحقه ويظهر بالخشوع والخضوع لا بالقهر والسلطنة فبعد موت النبي صلى الله عليه وآله طالب امير المؤمنين عليه السلام بحقه ولم يسل سيفه فلما علموا انه عليه السلام لا يسل سيفه ولا يحاربهم اظهروا بواطنهم واخرجوا ضغاينهم وقهروه بسلطانهم ولم يراعوا وصية رسول الله فيه عليه السلام وفي ابنائه عليهم السلام ففعلوا ما تمكنوا وآذوه ما قدروا فاظهر الله به عليه السلام كيد الظالمين وجور المنافقين وحسد الحاسدين فعلم ان هؤلاء المنافقين ما كانوا مؤمنين بالنبي الامين صلى الله عليه وآله وعلم ايضا ان المؤمنين هم القليلون والمخالفون هم الكثيرون فان الذي اتبع امير المؤمنين عليه السلام وبقي معه ولم يتخلف ولم يضطرب ولم يشك ولم يرتب هم اربعة سلمان وابو ذر والمقداد وعمار وهم الذين خاطبهم الله سبحانه بقوله تعالى فاذا اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فاووا الى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من امركم مرفقا والكهف هو امير المؤمنين عليه السلام لانه الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وهؤلاء الاربعة هم اصحاب الكهف الذين هربوا من الذي يدعو الناس الى عبادة نفسه وهم الذين قال سبحانه فيهم وهدوا الى الطيب من القول وهدوا الى صراط الحميد والقوم يومئذ الحاضرون يوم غديرخم سبعون الفا او يزيدون والذين بلغتهم الدعوة اكثر واكثر وهؤلاء الاكثرون ما خلص منهم في الاقرار بالنبوة الا هؤلاء الاربعة يوم رحلة النبي صلى الله عليه وآله فتبين ان ايمانهم بالنبي صلى الله عليه وآله كان صوريا لا حقيقيا فما كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وآله فما كانوا مؤمنين بالله فهم الكافرون ( الكفار خل ) الملحقون باولئك الانجاس الاشرار الحاملون لعظيم الاوزار المستحقون لدخول النار فصفى الموحد المؤمن في ذلك اليوم اربعة وهم القليلون واليهم الاشارة بقوله ( في قوله خل ) تعالى وما امن معه الا قليل وقليل من عبادي الشكور والمخالفون هم الاكثرون واكثرهم الكافرون فتبين امر المؤمنين ( فتبين المؤمنون خل ) بمحمد صلى الله عليه وآله بامير المؤمنين عليه السلام فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون وكان امير المؤمنين عليه السلام هو الباب المبتلى به الناس ثم ان المؤمنين بامير المؤمنين عليه السلام بعد ما كثروا وتناسلوا وتوالدوا ما تركهم الله سبحانه على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب فابتلاهم بالاقرار بالائمة الاثني عشر فخرج ( فخرجت خل ) الكيسانية من تبعية امير المؤمنين عليه السلام وكونهم من شيعته حيث انهم اكتفوا بالحسن والحسين (ع) وبعد ذلك ذهبوا الى امامة محمد بن الحنفية وكذلك الزيدية خرجوا من كونهم شيعة لانهم كالكيسانية الا انهم عدلوا الى زيد بن عليّ بن الحسين وخرجت الناووسية لانهم حصروا الائمة الى الصادق عليه السلام ووقفوا عليه وقالوا انه هو القائم المنتظر وخرجت الاسمعيلية حيث انهم جعلوا بعد الصادق (ع) اسمعيل ابنه هو القائم المنتظر وخرجت الفطحية وهم كالاسماعيلية حيث ( الا خل ) انهم عدلوا الى عبد الله الافطح وخرجت الواقفية لانهم حصروا الائمة الى موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام وبالجملة فان الله سبحانه ابتلى امة محمد صلى الله عليه وآله وافتتنهم واختبرهم بالائمة الاثني عشر وجعل انكار احدهم كانكار كلهم فهؤلاء الفرق المنكرون لكلهم او واحد منهم خرجوا عن كونهم من امة محمد صلى الله عليه وآله لانهم خرجوا عن كونهم شيعة امير المؤمنين عليه السلام فاخرج الله سبحانه اضغانهم وابان بواطنهم واظهر سرائرهم وابان خروجهم عن امة محمد صلى الله عليه وآله ومروقهم عن الدين فالمنكر لهم او المنكر لاحدهم كافر بمحمد صلى الله عليه وآله وهو كافر بالله فالمنكرون هم الكافرون وهم ما عدا الائمة الاثني عشرية الفرقة المحقة والحكم باسلامهم وطهارتهم انما هو من شريعة التقية والعسر والحرج فصفى المؤمنون الخالصون في الشيعة الاثني عشرية كما كان قد صفى اولا بالمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وآله وثانيا بالمؤمنين بامير المؤمنين عليه السلام وثالثا بالائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين واحدا بعد واحد وبكل ابتلاء واختبار خرج خلق كثير فصفت ارباب الملل من المقرين بنبوة الانبياء عن القائلين بكلمة التوحيد وصفت امة محمد صلى الله عليه وآله عن القائلين بنبوة الانبياء وهم القليلون بالنسبة اليهم كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء وصفت الشيعة القائلون بخلافة امير المؤمنين عليه السلام بلا فصل عن امة محمد صلى الله عليه وآله وهم القليلون بالنسبة اليهم وصفت الشيعة الاثنا عشرية عن الفرق القائلين بامامة امير المؤمنين عليه السلام بلا فصل وهم القليلون فكانت الفرقة المحقة الاثني عشرية صفوة من صفوة من صفوة من الصفوة واما هؤلاء الاثنا عشرية فقد جرى المزج واللطخ والخلط فيهم اذ لا كل من اقر باللسان يعلم منه ان يكون ذلك معتقده في الجنان ولا كل من اقر بالجنان يعلم منه ان يكون مستقر الايمان فان الايمان المستقر والمستودع في كل شيء محتمل والاقرار بالاخلاص والنفاق في كل فرد ممكن وكون النطفة الخبيثة في الاصلاب الطاهرة في كل مؤمن متوقع قد يولد المؤمن خبيثا لكنه حيث ( حيث تربى خل ) ونشأ في هذه الفرقة يظهر دين ابويه ويبطن ما جبلت عليه سريرته من النفاق او انه يظهر الايمان وهو في قلبه شاك مرتاب فالموجب الداعي للاختبار في كل مقام من المقامات الثلاثة اي التوحيد والنبوة ونبوة محمد صلى الله عليه وآله والولاية وولاية امير المؤمنين عليه السلام واولاده هو بعينه موجود في هذه الفرقة التي هي الصفوة الصفوة فلولا التمييز والتبيين لما امتاز الغث من السمين ولماتبين الحق الصريح المبين لان الاعتناء بهذه الفرقة المحقة اكثر والعناية بهم اعظم لانهم ( لانهم صفوة خل ) الوجود بهم يرزق الله العباد وبهم يدفع عن البلاد وبهم يكشف الضر وبهم يدفع الهم فلولاهم ما خلق الله الجنان ولولاهم ما خلق الحور الحسان ولولاهم ما نزلت قطرة ولولاهم ما نبتت حبة ولولاهم ما اثمرت شجرة ولولاهم ما اورقت ورقة ولولاهم ما قرت عين ولولاهم ما زال مين وهم اهل الجنة لا سواهم وهم الذين لا يدخلون النار لا غيرهم وهم المصطفون وهم المخلصون وهم التائبون وهم العابدون وهم الراكعون وهم الساجدون وهم المصلون وهم المزكون وهم الآمرون بالمعروف وهم الناهون عن المنكر وهم الحافظون لحدود الله وهم المتقون الذين لا يقبل الا عملهم ولا يزكي الا افعالهم اذا كان هذه صفتهم وهذه احوالهم فكيف يرضى الله تعالى بان يخلطهم غيرهم ويتصف بالصورة الظاهرية بصفتهم وفي الباطن هم بريئون ( البريئون خل ) منه وهو بريء منهم فلا بد من الاختبار حتى يمتاز الاخيار عن الاشرار بل الابتلاء والامتحان الذي ذكره الله في القرآن لاجل تميز هؤلاء الاعيان لانهم المقصود بالايجاد في التكوين والاحداث فوجب اختبارهم ليخرج فجارهم ويصفو اخيارهم ولما كان في جميع مراتب الابتلاء انما كان الابتلاء بالنواب لا غير فان الله سبحانه وتعالى ابتلى اهل التوحيد بالنبي القائم مقامه النائب منابه لان النبوة خلافة الله والقيام مقام الله في ايصال الاحكام الى خلق الله ومن اطاع هذا النائب والقائم مقامه كتب في زمرة الموحدين ومن خالفه واعرض عنه ولم يقر بالقائم مقامه هو من الخاسرين المشركين ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله ابتلى امته واهل اجابته لتمييز خبيثهم من طيبهم بالنائب بعده والقائم مقامه وخليفته في امته فهو مولينا وسيدنا امير المؤمنين عليه السلام لانه القائم مقام النبي صلى الله عليه وآله والحامل لاحكامه صلى الله عليه وآله ثم ان امير المؤمنين عليه السلام ابتلى واختبر شيعته القائلين بانه الخليفة بلا فصل للنبي الصادق الامين صلى الله عليه وآله بنوابه والقائمين مقامه والاوصياء من بعده لاخراج الاشرار والكفار من ساير فرق الشيعة ما عدا الاثني عشرية ولما تم عدد الائمة بالامام الثاني عشر عجل الله فرجه وجعل روحي فداه وعليه وعلى آبائه السلام تمايز الشيعة الاثني عشرية من غيرهم من فرق الشيعة فوجب عليه عليه السلام الاختبار والابتلاء كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام اشارة الى هذه ( هذه الفرقة خل ) لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يصير اسفلكم اعلاكم واعلاكم اسفلكم وليسبقن سباقون كانوا قد قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا انتهى فاذا وجب الابتلاء والافتتان لهذه الفرقة وجب ان يكون ذلك بالنواب والابواب جريا على سنة الله واتباعا لما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله واقتداء بما سنه امير المؤمنين عليه السلام وكان لا يمكن ذلك الابتلاء بحضوره عليه السلام كما لم يمكن بحضور اسلافه من قبله ولما كان في وفاته عليه السلام وارتحاله خراب الدنيا وهلاكها قبل اوانه لانه عليه السلام آخر الائمة وتمام الصفوة ولم يمكن الابتلاء والاختبار في الحضور لان الذي آمن به لا يسعه مخالفته وهو حاضر كما ان القوم الذي خالفوا امير المؤمنين عليه السلام وانكروا حقه وغصبوه ماخالفوه في حياة النبي صلى الله عليه وآله يوم غديرخم لما امرهم بالتبعية ( بالبيعة خل ) له والتسليم عليه بامرة المؤمنين فمن هذه الجهة لا يمكن الابتلاء والفتنة حال الظهور والحضور ولما كان الامام عليه السلام وجه الله المتخلق باخلاق الله اجرى سنة الله سبحانه فغاب مع وجوده وعين له ابوابا ففي اول غيبته عين عليه السلام ابوابا مخصوصين واناسا معلومين قد ورد التوقيع لهم بالخصوص وندب الى متابعتهم وحذر مخالفتهم وذكر ان طاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته ثم اوصاهم بان يرجعوا اليهم وكلما يرجعوا الى الامام عليه السلام من الحقوق والانفال يدفع اليهم وكانوا اولئك الاربعة نوابا عنه عليه السلام في وقت اول الغيبة متناوبين متبادلين لا مجتمعين وهم عثمان بن سعيد العمري ومحمد بن عثمان وحسين بن روح وعليّ بن محمد السيمري وهؤلاء الاربعة بقوا في هؤلاء الفرقة واقاموا فيها مقام حمد وشكر وهلك فيهم خلق كثير منهم الذين ادعوا انهم ابوابا له عليه السلام وهم كاذبون فمنهم ابو محمد المعروف بالشريعي وهو اول من ادعى مقاما لم يجعله الله له ( فيه خل ) ولم يكن له اهلا وادعى انه باب صاحب الزمان وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام نسب اليهم ما لا يليق بهم وما هم منه برآء فلعنته الشيعة وتبرئت منه وخرج توقيع الامام عليه السلام بلعنه والبرائة منه ثم ظهر منه القول بالكفر والالحاد ومنهم محمد بن نصير النميري انكر وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان وانكر ان يكون بابا له عليه السلام وادعى لنفسه انه الباب ففضحه الله تعالى واخرج باطنه بما ظهر منه من الالحاد والجهل ولعنه ابو جعفر ( لعن ابي جعفر خل ) محمد بن عثمان له وتبرأ منه ( تبرئه منه واحتجابه عنه خل ) وقد ادعى بعده ذلك الامر الشريعي ثم ظهر بعد ذلك منه اقوال شنيعة وعقايد قبيحة قد كانت مستجنة في فؤاده وصار وجود الباب محمد بن عثمان سببا لاظهاره وكان يدعي انه رسول نبي وان محمد بن عليّ الهادي هو الرب وكان يقول بالتناسخ ويقول بالاباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم ببعض ( بعضا خل ) في ادبارهم ويزعم ان ذلك من التواضع والاخبات والتذلل في المفعول به وانه من الفاعل احدى الشهوات والطيبات وان الله عز وجل لم يحرم شيئا من ذلك ومنهم احمد بن هلال الكرخي انكر ايضا وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان فلعنته الشيعة وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد ابي القاسم بن روح بلعنه والبرائة منه ومنهم ابو طاهر محمد بن عليّ بن بلال انكر وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان نور الله وجهه وامسك الاموال التي كانت عنده وامتنع من تسليمها الى ابي جعفر محمد بن عثمان وادعى انه هو الوكيل حتى تبرئت الشيعة منه ولعنوه وخرج التوقيع بلعنه والبرائة منه عن صاحب الزمان (ع) ومنهم الحسين بن منصور الحلاج ادعى انه الباب بلا واسطة عن صاحب الزمان وصار الى قم وكتب الى بعض اهاليها انه رسول الامام ووكيله فلما وقعت المكاتبة في يده خرقها ومزقها ولعنته الشيعة وتبرئت منه وخرج التوقيع من صاحب الزمان بلعنه والبرائة منه وقصته مشهورة وحكايته معروفة ومنهم ابن ابي العزاقر محمد بن عليّ الشلمغاني ادعى انه الباب وانكر وكالة ابي القاسم حسين بن روح فلعنته الشيعة وتبرئت منه وخرج التوقيع بلعنه والبرائة منه وقد كان اظهر القبايح واصر على الشنايع ابتدع ابتداعات ( ابدع بدعا خل ) واخترع اختراعات الى ان قتلوه لا رحمه الله وهؤلاء بانكارهم الباب اي احد الابواب الذي قد جعله الامام عليه السلام قائما مقامه ونائبا منابه بانكارهم له او لهم خرجوا عن مذهب الشيعة واستحقوا من الله ومن الامام عليه السلام اللعنة وتبرء المؤمنون ( المؤمنون والصالحون خل ) والعلماء الراشدون والصلحاء الصديقون منهم وقد اخرجوهم من الفرقة الاثني عشرية والحقوهم بغيرهم من ساير الملل المخالفة والنحل المبطلة وكل واحد من هؤلاء الملاعين لهم اتباع كثيرون قد ظهرت بواطنهم الخبيثة بدعوى ضلالة هؤلاء الفجرة واخرج الله سبحانه بهؤلاء الابواب الاربعة ضغاين صدور اولئك الخلق الكثير وهم اصحاب الحلاج واصحاب الشلمغاني واصحاب ابي طاهر محمد بن عليّ بن بلال واصحاب احمد بن هلال الكرخي واصحاب النميري واصحاب الشريعي فقد اخرج ( اخرجهم خل ) الله سبحانه باختبارهم وابتلائهم لهؤلاء الابواب الاربعة عن الفرقة الاثني عشرية وابانهم عنها واخرجهم منها فلولا هذا الاختبار والامتحان ما خرجت اولئك الكفرة الفجرة فلما انكروا نيابة هؤلاء النواب ووكالة هؤلاء الوكلاء الاطياب فقد انكروا صاحب الزمان بحيث انه عليه السلام معصوم مطهر لا ينقل الا عن آبائه فقد انكروا آبائه الائمة الاحد عشر عليهم السلام وحيث انهم معصومون مطهرون طيبون لا ينقلون الا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقد انكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وحيث ان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي لقد انكروا الله فانكار الباب انكار الامام عليه السلام وانكار الامام عليه السلام انكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانكار النبي انكار الله تعالى وانكار الله سبحانه كفر والمنكر للباب لكونه بابا كان خارج عن مذهب الاسلام ومخلد في نار جهنم على الدوام ولكن المعاملة الدنياوية ما دامت الدولة للظالمين والسلطنة للفاسقين تختلف احكامها باختلاف موضوعاتها ومقتضياتها والا فحكم الآخرة لا يختلف ابدا وهذا المنكر للباب في جهنم مع الكفار مخلدا سرمدا فتبين لك ان بهذا الاختبار والامتحان خرجت جماعة كثيرة ممن في قلوبهم الشقاق والنفاق وما كانوا قبل ذلك ظاهرا منهم هذا الشقاق والنفاق وقد ظهر بهذا الاختبار وكانوا قبل ذلك من الفرقة ( الفرقة المحقة خل ) الاثني عشرية بلا تميز منهم ولا فرق بينهم وبينهم فلما ظهر جور المنافقين وتبين ضغن الفاسقين اراد الامام عليه السلام زيادة التمحيص والاختبار لاخراج جماعة اخرى من اولئك الفجار لان انحاء اختبارهم مختلفة واطوارهم متشتتة فلا بد ان يختبرهم حتى لا يبقى الا الصافي المحض الذي لا يشوبه التغيير وقد روي في العوالم عن ابن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال كونوا كالنحل في الطير ليس شيء من الطير الا وهو يستضعفها ولو علمت الطير ما في اجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك خالطوا الناس بالسنتكم وابدانكم وزايلوهم بقلوبكم واعمالكم فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتى يسمي بعضكم بعضا كذابين حتى لا يبقى منكم او قال من شيعتي الا كالكحل في العين والملح في الطعام وساضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه ثم ادخله بيته وتركه فيه ما شاء الله ثم عاد اليه فاذا هو قد اصابه السوس فاخرجه ونقاه وطيبه واعاده ولم يزل كذلك حتى لا يبقى منكم الا عصابة لا تضرها الفتنة شيئا انتهى وفيه عن غيبة الطوسي بالاسناد عن رجل عن ابي جعفر عليه السلام انه قال لتمحصن يا معشر الشيعة شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله كتمحيص الكحل في العين لان صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب فيصبح احدكم وهو يرى انه على شريعة من امرنا فيمسى وقد خرج ( خرج منها خل ) ويمسى وهو على شريعة من امرنا فيصبح وقد خرج منها انتهى وفيه عن غيبة الطوسي باسناده عن فراة بن احنف قال قال امير المؤمنين عليه السلام وذكر القائم عليه السلام وقال ليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد حاجة انتهى وفيه عن غيبة النعماني بالاسناد عن مالك بن حمزة قال قال امير المؤمنين عليه السلام يا مالك بن حمزة كيف انت اذا اختلفت الشيعة هكذا وشبك اصابعه وادخل بعضها في بعض فقلت يا امير المؤمنين ما عند ذلك قال عليه السلام الخير كله عند ذلك يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا ويقدم سبعين رجلا يكذبون على الله و( وعلى خل ) رسوله ويقتلهم ثم يجمعهم الله على امر واحد انتهى وبالجملة فالتمحيص والاختبار والامتحان والافتتان لا بد منه حتى يتميز الخبيث من الطيب ويجعل الله الخبيث بعضه على بعض فيركمه ويجعله في جهنم جميعا وقد اختبر الشيعة بنصب الابواب الاربعة فخرج اولئك الكفرة الفجرة بعدم متابعة اولئك الابواب وعدم الاذعان والتصديق لهم في كل باب فكفروا ووسموا بسمة الكفر وخرجوا عن ان يكونوا من الفرقة المحقة بعد ان كانوا منها فتدرج عليه السلام وعجل الله فرجه كما تدرج آبائه فان رسول الله صلى الله عليه وآله اختبر الامة بامير المؤمنين عليه السلام وهو حاضر موجود بين اظهرهم يرونه ويسئلون عنه ثم امير المؤمنين عليه السلام اختبر شيعته القائلين بامامته بنوابه من بعده الائمة المعصومين فلما بعدت المدة وحصل النضج في الطبيعة وزادت المدارك وقويت المشاعر وكمل ادراك السرائر وقويت الضماير فلا يكفي الاختبار بظهور الامام عليه السلام لقوة ادراكهم فاختبرهم بغيبة الامام الثاني عشر (ع) ثم انه عليه السلام عين نوابا معلومين وابوابا مسمين متشخصين فهلك فيهم خلق كثير لعدم متابعتهم وانتهاج منهاجهم ( اتباعهم وانتهاج مناهجهم خل ) فصعب عليه السلام الامر في الاختبار ( الاختبار وغيب اشخاصهم خل ) وعين نوابا بالصفة والرسم لا بالشخص والاسم وغيب اشخاصهم لمزيد الاختبار وظهور الاعتبار فابهم النواب باعيانهم واشخاصهم وعينهم بصفاتهم واخلاقهم وآدابهم ومسالكهم ومناهجهم واوطارهم في اطوارهم واكوارهم وادوارهم وامر عليه السلام الرابع من الابواب وآخر اركان ذلك الجناب الا يعين احدا ولا يوصي الى احد لتشمل الفتنة وتعم المحنة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ويحصل التميز التام والابتلاء العام فمن هذه الجهة لما ادرك عليّ بن محمد السيمري آخر الابواب الوفاة وسئلوه عن القائم مقامه فقال رضوان الله عليه لله امر هو بالغه وهو الذي اشرنا اليه من ارادة كمال الاختبار فجعل له نوابا موصوفين بالصفات وقد اشار اليها على جهة الاجمال مولينا الحجة المفضال بقوله واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ثم ان هذا النائب الذي هو الحجة على قسمين قسم عام وقسم خاص والى القسمين اشار عليه السلام في حديثين واشار الى النائب الخاص الذي هو العام في حديث ابي خديجة بقوله وانظروا الى رجل منكم عرف شيئا من قضايانا فارضوا به حكما الخ وهذا النائب كل من حمل حقا او نوعا من الخير والحق فلا يلزم ان يكون جامعا ولا يلزم ان يكون مؤمنا الا ان يكون نائبا في المسايل الفقهية والاحكام الشرعية الفرعية والا فلا يوصل احد الى احد خيرا او حقا الا بهم وبنيابتهم وان لم يستشعر النائب انه نائب ولم يدرك الباب انه باب لان الخير كله منهم واليهم وفي الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه وفيها اشهد ان الحق معكم وفيكم ومنكم واليكم ولذا قال ( قال رسول الله خل ) (ص) يا ابن عباس لن تجد بيد احد حقا الا بتعليمي وتعليم على (ع) وفي الكافي قال ما مضمونه ان الخير من فروعهم والشر من فروع عدوهم (لع) وكل من يعلم احد حقا ويقول صدقا ويرشد الى خير ويهدي الى صراط مستقيم يكون لسانا لامير المؤمنين عليه السلام ورسول الله الصادق الامين صلوات الله عليه وآله والائمة عليهم السلام نائبا عنهم ( عنهم وبابا خل ) وحجابا لهم (ع) لان من الامور والهدايات ما يجرونها بيد من يحبون ومنها بيد من لا يحبون ما دامت الدولة للظالمين والشوكة للفاسقين والصولة للكافرين وذلك احفظ لهم ولرعيتهم الا ترون انه رفع عمود الاسلام وذكر اسم محمد صلى الله عليه وآله بين اظهر الانام ودخلت الكفار في الاسلام الصوري بسيف عمر بن الخطاب وغيره من خلفاء الجور وانت تعلم ( تعلم انه خل ) لا يجري خير ولا حق الا بهم ومنهم كلهم حينئذ ابواب وحجب والى هذا المعنى اشار بقوله عليه السلام ان لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة وشرح هذا الكلام يطول والمقام لا يقتضي ذكر ازيد من ذلك فالنائب الخاص كل صاحب صنعة الذي فيه اشتهرت وظهرت فرؤساء اهل اللغة نواب لهم في ايصالها الى الناس ورؤساء اهل النحو وعلماؤهم نواب لهم في ايصاله الى الخلق وكذلك اهل كل صنعة صحيحة نواب ( نائب خل ) له عليه السلام في ايصال تلك الصنعة ومن هذا القبيل الرجوع الى اهل الخبرة الا ان هؤلاء النواب منهم من يشترط عدالتهم في وساطتهم وذلك لاجل الموصل اليهم لا لاجل الايصال ومنهم من لا يشترط عدالتهم ووثاقتهم كساير اهل الحرف والامر في هذا القسم هين ولا يقع به الاختبار الا على وجه بعيد واما القسم الثاني فهو النائب العام الذي هو الخاص وهذا هو الاصل ومثال الامام عليه السلام وظاهره في الرعية اخلاقه تشابه اخلاقه وعلومه مأخوذة من علومه عليه السلام والى هذا القسم اشار مولينا الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة قال (ع) انظروا الى رجل منكم روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله وهذا القسم من النائب هو الذي يقع فيه الاختبار والامتحان وحكم هؤلاء كحكم المخصوصين المنصوصين من الابواب الاربعة فانكار هؤلاء مثل انكار اولئك والاختبار في هذا القسم يقع في مقامين احدهما في التميز بين النائب وغيره فانه كما كان في الغيبة الصغرى نواب ممدوحون واخرى مدعون مذمومون كذلك الحكم في هؤلاء النواب فان اهل الدعوى كثيرون والواصلون الى الحق قليلون
خليلي قطاع الفيافي الى الحمى كثير واما الواصلون قليل فالاخبار الاول في التمييز بينهم بعلامات وصفات تشخص الحق من الباطل والماء من السراب والمقام الثاني في الاختبار متابعة هؤلاء النواب وعدم الاختلاف فيهم وعدم الانكار لهم حتى لا يخرج من هذه الفرقة المحقة بمخالفته اياهم ولا يدخل في زمرة الكفار بمخالفته لهم ونحن نذكر اولا بعض العلامات المأخوذة عن سادات البريات عليهم السلام لبيان نوابهم الممدوحين لرفع شبهة الجاهل وقطع حجة المعاند ونقول ( فنقول خل ) اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الى القرية المباركة وتلك العلامات على وجهين احدهما ما يتعلق بعلمهم وثانيهما ما يتعلق بعملهم اما الاول فاعلم انهم اذا نظروا في مسئلة من المسائل لا ينظرون اليها ( فيها خل ) حتى ترتفع ثلث خصال وتجتمع خمسة خصال ( خصال اما خل ) الاولى فاولها ان يتمحض قصدهم ونيتهم في معرفة تلك المسئلة من العلم لله سبحانه ليتوصل ( ليتوصل بها خل ) الى طاعته ورضاه من عمل او قول او ظهور قدرة وعظمة يوجب كمال الخوف او نعمة واحسان يوجب الرجاء والطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه ويفقده عن نفسه لينقطع الى ربه وامثال ذلك من الاحوال الراجعة الى الحق سبحانه ولا يطلبها ليعاند بها العلماء ويماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك ويشتهر به وامثال ذلك من انواع العصبية والجدال والمراء كما ترى في اغلب احوال الناس وثانيها ان لا يكون حين النظر مأنوسا بطايفة من اهل وغير ويميل قلبه اليهم والى ما يقولون فان حبك للشيء يعمي ويصم وقد يكونون على باطل وخطأ فيقع في ما وقعوا فيه بل يكون انسه بالله وميله في ما عند الله ورغبته في ما اختاره الله سبحانه من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وثالثها ان لا يكون عنده قاعدة قد اخذها عن غير اهل بيت العلم على النمط الذي نذكره ان شاء الله تعالى فان من عنده قاعدة لا يأمن ان يركن اليها ويصرف العلم اليها وقد تكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء والغلط كما ترى الا ان اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة ويتركونها لمخالفتها لقاعدتهم وقد تكون القاعدة باطلة واما الثانية من الخصال الوجودية فاولها ان يكون باقيا على الفطرة الاصلية الاولية غير مغير لها بمتابعة الشيطان فلم تسبقه الشكوك والشبهات وعلامته ان يكون دائم ( دائم النظر خل ) والتفكر في خلق السموات والارض وخلق نفسه واحواله وعظيم التحير حين ما ينظر اليها وعلامة ذلك صفاء طويته وذكاء سريرته وعلامته ان لا يشغله علم عن الآخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلا للآخر فلا يقال ( فلا يقال فيه خل ) انه كامل في علم دون العلم الآخر بل العلوم كلها عنده على حد سواء لان الباقي على الفطرة يرى آية الوحدة في كل شيء فعين بصيرته مفتوحة يرى الاجسام على اختلاف الوانها واحوالها وكذا عين القلب اذا كانت مفتوحة واما الذي يقتصر على شيء فلا يعرف الآخر فهو كالاعمى الذي يعلمونه بعض الاشياء فلا يعلم الا الذي علم وقولي كل العلوم عنده على حد سواء مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم لا كلها حاضرة عنده بل اذا طلب كلما اراد منها وجد بمشاهدة تلك النقطة فيها ويستدل بكلها على كلها وثانيها ان يجد لها دليلا من كتاب الله سبحانه من الآيات المحكمات التي هن ام الكتاب بحيث لا يمكن انكارها ولا اعتذارها للمنصف واما المعاند فلا تقطعه الف حجة ويتشبث في الاستدلال بالمتشابهات وهي التي لم تظهر دلالتها والمراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعينة للمراد منها وان كانت هي على الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات وثالثها ان يجد لها دليلا من احاديث اهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا في الكتاب ويتجنب عن الاحاديث التي لم يقبلها الاصحاب الا اذا كانت راجعة اليها وان لا يكون لها معارض ( معارض اقوى خل ) بل لا يجد معارضا اصلا اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له واما تغير المغيرين والمبدلين وسهو الساهين والناسين في الرواية وامثالها فجعلوا عليهم السلام في ارشاداتهم قرائن وادلة تنفيها وتثبت الامر الواقعي المراد ولولا ذلك لما استقام قولهم عليهم السلام ان لنا اوعية نملأها علما ننقلها اليكم فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فنكبوها فانها اوعية سوء هذا معنى الحديث فلولا القرائن النافية لما تتأتى التصفية فان الخلق جهال لا يعلمون شيئا الا ما علموهم اياه كما قال (ص) ( ما معناه خل ) يا ابن عباس لن تجد بيد ( لا تجد في يد خل ) احد حقا الا بتعليمي وتعليم عليّ عليه السلام والكلام في هذا المقام طويل والاشارة كافية لمن اهتدى الى سواء السبيل ولم يتعود بالقال والقيل فمجمل القول انه لا يتمسك برواية على خلاف القانون الذي جرت به العادة بين الفرقة المحقة في التمسك بها فان هذه الطايفة لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة ورابعها ان يدل عليها العقل المستنير بنور الله والمستوقد بضياء ائمة الهدى عليهم السلام ومعناه انه تربى ونشأ في شدة الاعتناء والنظر في اخبارهم مع الاعتقاد الجازم بانهم عليهم السلام لا يهملون رعاياهم وغنمهم وعالما بانه حين ما ينظر ويلاحظ الاخبار هو بين يدي امامه وسيده يتعلم منه عليه السلام كما قالوا نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وساير الناس غثاء وهو عليه السلام لا تمنع غيبته عن مشاهدة رؤيته ( رعيته خل ) واصلاح احوالهم وطرد الشيطان والباطل عنهم كما قالوا في تأويل قوله تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه الى قوله فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وهذا هو العقل المستنير فيجب ان يكون له دليل عقلي عليها اي على المسئلة زايدا عما دل عليه الكتاب والسنة ليكون على بصيرة ومعرفة وخامسها ان يجد لها دليلا عيانيا شهوديا في العالم فانه كتاب الاكبر كتبه الله سبحانه بيده وبناه بحكمته ورباه بقدرته وحفظه بصنعه وجعله من اعظم آياته وحث الناس بقرائته حيث يقول قل انظروا ماذا في السموات والارض ويقول ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ثم انه ( ان الله خل ) سبحانه بين كيفية الاستدلال بتلك الآيات فقال وان كل لما جميع لدينا محضرون فهذا هو المدعى ثم جعل لهذا آية ودليلا ليعرف الخلق حقيقة ( كيفية خل ) هذا الحشر والعود بعد موت الخلق واضمحلالهم فقال سبحانه وآية لهم الارض الميتة احييناها واخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب الآية ثم شرح هذه الآية في سورة ق حيث قال سبحانه ونزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج والقرآن مشحون ببيان هذه الاحوال وبالجملة ماخلق الله سبحانه شيئا وما كلف العباد بامر الا وقد بينه باكمل التبيان والبيان الكامل انما يتم بالبيانين الحالي والمقالي فالبيان الحالي هو العالم والمقالي هو الكتاب والسنة وكل منهما شرح وبيان للآخر ومطابق له وفي صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلا يخالف السنة الكتاب ابدا ولا العكس ولا العالم الامرين فاذا تطابقت هذه الادلة الاربعة مع عدم المخالفة للفرقة المحقة التي لازال الحق فيهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق والعادل عن الحق لا ينجو ومع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجة ومع رفع تلك الخصال وجب ان يكون حقا والا لكان الحق سبحانه مغريا بالباطل ومخلفا للوعد تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا اما الوعد فقد قال تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين والمجاهدة في الله ما يتحقق على اكمل المراتب الا كما ذكرنا لانه هو الطريق المؤدي الى الحق قطعا ولا تصح ان تكون المجاهدة بالادبار والاعراض عن الحق تعالى كما في مقابلات ما ذكرنا فيجب على الله سبحانه الهداية ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله واما الاغراء بالباطل فلا يمكن فرض وقوعه بالنسبة الى الله سبحانه مع انه ( ان الله خل ) تعالى نص بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثم شرح الايمان واوضح حقيقته في ما يتعلق بالعلم او مع العمل بقوله الحق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والمخاطب في الظاهر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الباطن هو امير المؤمنين عليه السلام والاخلاص في حكم امير المؤمنين (ع) هو الذي ذكرنا لك من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بين الله سبحانه اصابة المؤمنين في ما صاروا اليه من معتقداتهم واعمالهم وعدم خطائهم في ما ينسبون الى الله عز وجل بقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقال مولينا الباقر عليه السلام نحن القرى التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا فنص الله سبحانه وتعالى باتباع الشيعة المؤمنين الذين هداهم الله للحق مع اختلاف الناس في الاداء ونص ايضا على انهم لا يخطون اذ حكم للسائرين فيهم الآخذين عنهم بالامن ولا يكون الا الامن من الخطاء فاثبت صحة المجاهدة في الله لترتب الآثار عليهم وهي الهداية وقد قلنا ان المجاهدة في العلم لا تكون الا كما ذكرنا وكلما سواه طريق الهلاك والوبار وسبيل الخسران الى النار ثم ان كل شيء لما كان له ثلاث جهات جهة الى الحق وجهة الى نفسه من حيث انه اثر لغيره وجهة الى غيره من حيث ارتباطه لترتب نظام معيشته في دنياه وآخرته عليه ولكل مقام واحكام واقتضاءات تجري على ذلك المقام ولكل مرتبة دليل خاص بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة وللثانية دليل الموعظة الحسنة وللاولى دليل الحكمة وفي كل مقام يجب تحقق تلك الخصال كلها من الوجودية والعدمية فيكون للعارف من المؤمنين الممتحنين والشيعة المخلصين اربعة وعشرين دليلا وميزانا في معرفة كل شيء وفي كل واحد ربما يتطرق فيه الخطاء واما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لما ذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلها في شيء من الاشياء وان تمكن عنه في اغلبها واكثرها فذلك لا يوثق به واما اذا كان في كل شيء بحيث لا يشذ عنه شيء اتى بالمذكورات فهو المؤمن الممتحن الذي امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام ووجب على الخلق اتباعه والاقتداء به في ما يجهلون من امور دينهم ودنياهم وآخرتهم وعقباهم وهو القليل من المؤمنين وهو اعز من الكبريت الاحمر وهؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لا يتحمله الا الصديقون والابرار فاذا سمعت منهم شيئا فلا تقابله بالانكار وسلم الامر له تسلم بشرط تحقق الامر الثاني فيهم كما سنذكره ان شاء الله تعالى فاذا رأيت فيهم ما يخالف ذلك تبرأ منهم فانهم اعداء الدين وخصماء النبيين وخلفاء الشياطين وهذا الذي ذكرنا هو علامة الحق في العلم واما العلامة الثانية وهي العمل وهو ان يكون جميع اعماله واقواله مطابقة لما عليه الشريعة الحقة الغراء النبوية العامة للمخلوقين كلها فلا ينكر شيئا منها بادعاء ان الباطن غير الظاهر وان هذه الاعمال لاهل الظاهر واما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب ولطافة السر لا هذه الاعمال المشتركة فيها العوام وساير الخلق فان ذلك من صفات الفسقة اهل الجور حيث تثاقلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه امير المؤمنين عليه السلام بعض صفاته لهمام وانا اذكر الحديث بطوله انشاء الله لما فيه من المنافع الجليلة واظهار اهل الحق وامتيازه من اهل الباطل روى الكليني باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال قام رجل يقال له همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا الى امير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب فقال يا امير المؤمنين (ع) صف لنا المؤمن كأننا ننظر اليه فقال عليه السلام ( السلام يا همام خل ) المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه اوسع شيء صدرا واذل شيء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة والثناء ويشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الادعاء لا متأفك ولا متهتك ان ضحك لم يخرق وان غضب لم ينزق ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد ومكادحته احلى من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف ولا متانف جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن الله عز وجل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه ولا يخوض في ما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكر الطمع قلبه ولا يصرف اللعب حكمه ولا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش ولا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختال ولا بغدار ولا يقتفي اثرا ولا يحيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرا كثير البلوى قليل الشكوى ان رأى خيرا ذكره وان عاين شرا ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف الا ويصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالناس الظن ويتهم على العيب نفسه يحب في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه وكل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه غريب وحيد حزين يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق مؤازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفى باهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس ولا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يجهل وان جهل عليه لا يبخل وان بخل عليه صبر فاستحيى وقنع فاستغنى حياؤه يعلو على شهوته ووده يعلو حسده وعفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب ولا يلبس الا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في السر والعلانية لا يهجر اخاه ولا يغتابه ولا يمكر به ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما اصابه ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر تريه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا امله قليلا زلله متوقعا لاجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا امره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما امره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسئل ليفهم ويتجر ليغنم لا ينصت للخير ليفجر به ولا يتكلم ليتجبر به على من سويه نفسه عنه في عناء ( تعب خل ) والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة دنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال امير المؤمنين عليه السلام اما والله لقد كنت اخافها عليه وهكذا تصنع الموعظة الحسنة باهلها انتهى ( وقال عليه السلام هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين فقال عليه السلام ان لكل اجلا لن يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك الشيطان انتهى الحديث الشريف صلى الله على قائله خل ) وهذه الاوصاف هي علامات لايمان المؤمن العارف بالله عز وجل وبهذه الاوصاف والاعمال تصفو قابليته وتزكو سريرته ويشرق على قلبه نور اليقين وعلى فؤاده نور المحبة وعلى صدره نور العلم وكلما ازداد حبا ويقينا وعلما ازداد عملا وتوجها واقبالا فازداد استنارة واستضائة فتحصل له قابلية ان يكون بابا للامام عليه السلام ونائبا عنه على الخاص والعام ومرجعا في كلي امورهم وجزئيها وامينا لدفع حقوقه اليه وهو المشار و( المنار خل ) مطلع الانوار والقرية الظاهرة للسير الى القرى المباركة وهو الباب الاعظم والسبيل الاقوم والنور المعظم طاعته واجبة على كل مسلم ومخالفته محرمة على كل مؤمن وهو نائب العام الذي اشار اليه مولينا الصادق عليه السلام انظروا الى رجل منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله وقوله عليه السلام عرف احكامنا جمع مضاف ( الجمع المضاف خل ) يفيد العموم الاستغراقي فيكون المراد معرفة جميع احكامهم ولا ريب ان لهم سلام الله عليهم لكل شيء حكم لان الوجود كله انما بني على الحق وفي مقابلته باطل وعند المزج في هذه الدنيا حصل الخلط بينهما فلهم عليهم السلام بيان لكل شيء من حق وباطل وهو قوله عليه السلام ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة فاذا عرف جميع الاحكام ونظر في الحلال والحرام راويا حديثهم مقتفيا اثرهم مقبلا اليهم قاصرا نظره فيهم معرضا عن كل ما سواهم متجنبا عن كل شيء لا ينسب اليهم مفوضا اموره اليهم معتمدا في كل احواله ( الاحوال خل ) عليهم سائلا من الله التوفيق بهم فهو النائب والباب والشيعة والحجاب وهو المرجع للرعية وهو الحاكم في البرية فاذا حكم بحكم فهو منهم فمن رد عليه فقد رد عليهم ومن رد عليهم فقد رد على الله وهو على حد الشرك بالله وهذا في كل شيء من العلم الظاهري والباطني لانه لما استنارت قابليته تحملت الظهورات المثال الملقى في هويته وتلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته وخبثت اعماله فاذا تكلم مثل هذا الشخص بشيء من الاسرار يصدق ولا ينكر عليه لانه لا يقول بشيء ( شيئا خل ) يخالف ما عليه عامة المسلمين الموحدين ولا يلزم ان يدركوا وجه المطابقة كما ان مولينا وسيدنا القائم عجل الله فرجه يخبر اصحابه بكلمة فيتفرقون عنه عليه السلام سوى الوزير واحد عشر نقيبا فاذا تفرقوا وجالوا الارض ولم يجدوا ملجأ غيره يأتونه مسلمين قابلين لعلمهم بانه عليه السلام معصوم لا يخطأ فكذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلقون باخلاقهم ويتأدبون بآدابهم ولا يخالفونهم باقوالهم واعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم واعمالهم في مقام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وهذا التصديق والاذعان لا يكون الا بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم يظهر منهم ما هو صريح مخالفة عقول الخلق ولا يظهرون الحكمة لغير اهلها كيف وان ذايع ( اذاعة خل ) سرهم عليهم السلام من افسق الفسوق وافجر الفجور وهؤلاء الابواب الانجاب لا يتجاهرون الى مثل ذلك وبالجملة فهؤلاء الابواب الاربعة حكمهم حكم الابواب المخصوصين المنصوصين في كل باب ومخالفتهم مخالفة اولئك تخرج المخالف عن حد الايمان وتدخله في حد الكفر والنفاق ويكون حال المخالفين لهم في الغيبة ( بالغيبة خل ) الكبري كحال المخالفين لهم بالغيبة ( في الغيبة خل ) الصغرى فيكون حالهم حال الشلمغانية والحلاجية والنميرية والشريعية والكرخية وامثالهم من الكفرة اللئام والفجرة الخارجين عن دين الاسلام لمخالفة اولئك الاعلام وهذا الاختبار لم يزل قائما وهذا الامتحان لم يزل دائما كما ( حتى خل ) يكون الامر كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الحديث المتقدم عن ابننباتة انه يفنيهم الاختبار والامتحان حتى لا يبقى من الشيعة الا كالملح في الطعام او كالكحل في العين فهم الذين لا يضرهم الفتنة ولا تؤثر فيهم وقوع المحنة في مخالفة هذه الابواب وبالاعراض عنهم بسوء القول فيهم فهم يخرجون من هذا الدين افواجا افواجا ثم لا يعودون ابدا وهذا هو الطريق الواضح والمنهج اللائح والمتجر الرابح نسئل الله الاعانة وحسن الخاتمة والتسديد والتأييد حتى لا نسلك مسلك اهل الغواية واياه نسئل الهداية ومنه نطلب الفوز بالبداية والنهاية
تذكرة - وساوضح لك المقال بكلمة واحدة لوضوح الاستدلال فنقول ان باب كل شيء لا يذكر فيه الا ذلك الشيء والا لم يكن بابا ولما كان النبي صلى الله عليه وآله باب الله ووجه الله وجناب الله صار لا يذكر الا الله ولا يعقل الا الله ولا يذكر عنده الا الله فالله سبحانه نصب عينيه قائما قاعدا راكعا ساجدا راكبا ماشيا ذاهبا آئبا في كل الاحوال وجميع الحالات والصفات فلا تجد عنده الا ذكر الله فبذلك عرفنا انه باب الله وحجاب الله لان الباب طريق وسبيل الى المقصود فلا يقصد ولا يطلب الا المقصود واما الامام عليه السلام فحيث كان باب النبي صلى الله عليه وآله فلا يذكر عنده الا النبي صلى الله عليه وآله المذكر لله بجميع احواله واطواره وحركاته ذاكر للنبي صلى الله عليه وآله مقبل اليه متوجه اليه ناظر اليه متكلم عنه وبالجملة كل من حضره ورآه علم انه نائب وباب للنبي صلى الله عليه وآله مستقل بنفسه وكذلك الامام عليه السلام بعد الامام والولي بعد الولي فكل لاحق مغمور في ( في ذكر خل ) سابقه والسابق عليه فلا تجد عنده الا ذكره ولا ترى الا وصفه فعلمنا بذلك انه بابه وجنابه وكذلك باب الامام يجب ان لا يذكر عنده الا فضل الامام (ع) ولا ينشر الا مناقبه ولا يبين الا احكامه ينسب اليه نفسه ويتوجه اليه بسريرته وعلانيته فلا يذكر سويه ولا يطلب غيره ولا يقصد سويه مغمور في طاعته متجنب عن معصيته نافذ فيه حكمه ماض امره وبالجملة اذا اتيته لم تجد عنده الا وصف الامام (ع) ونعته ( نعته وفضله ومناقبه وشرح مقاماته خل ) وفضايله وما جعله الله سبحانه له من علو المراتب وسمو الدرجات والمناقب وذكر ما استتر من فضايله وبيان ما خفى من مناقبه وبالجملة لا تجد عنده غير ذكر امامه ويكون حاله مع امامه عليه السلام كما قال الشاعر :
اليكم والا لا تشد الركائب ومنكم والا لا تنال الرغائب
وفيكم والا فالحديث مخلق وعنكم والا فالمحدث كاذب
فاذا وجدته كما ذكرناه ورأيته كما وصفناه من ان الامام عليه السلام اظهر عنده من نفسه له فاعلم يقينا انه هو الباب لذلك الجناب وانه المرجع لاولي الافئدة واولي الالباب واما اذا رأيته لا يذكر عنده الامام عليه السلام الا احيانا او لغرض يرجع الى نفسه فاذا ذكر عنده شيء من فضايله عليه السلام اما ينكر عليه او ينهي عن الخوض فيها والتوغل في البحث عنها او يقول التشاغل في ذلك ليس بتكليفكم ولستم مكلفين بذلك وبالجملة يحيد عن ذكر اهل البيت حيدا ويميل عنهم ميلا فاذا وجد شيئا يدل على انحطاط في مقامهم او تسافل في مراتبهم ( مرتبتهم خل ) من آية او حديث يجعله اصلا محكما ويجعل ما يدل على علو مقامهم ومراتبهم ( مرتبتهم خل ) متشابها مأولا فاذا رأيته هكذا فاعلم انه ليس بنائب بل هو عن طريق الحق حاجب وحاله حال اولئك المذمومين من النواب المذكورين على ما وصفنا لك سابقا وقد ذكرت حقيقة الحال ولا يسعني التصريح والافصاح بازيد واكثر مما ( مما ذكرنا وخل ) فصلنا وبينا فان بقي شيء فلا يبعد عن درك الفطن اللبيب اللوذعي الالمعي اذ لا كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله ولو كان قبل هذا الوقت ما تكلمت بهذا الكلام وما افصحت عن ذي المرام ولكن لكل اجل كتاب فتبين لك مما ذكرنا وبينا معرفة احوال الفرقة المحقة فانهم يختلفون وانهم يختبرون وانهم يفتتنون وانهم يتمخضون مخض السقا حتى لا يبقى الا القليل الذي اشار اليه سبحانه بقوله وقليل من عبادي الشكور وما امن معه الا قليل وهم الذين لا تضرهم الفتنة ولا تغيرهم المحنة وهم كالجبل لا تحركه ( لا تحركهم خل ) العواصف ولا تزيله ( لا يزيلهم خل ) القواصف وهم الشيعة المخلصون والامناء المحتجبون ( الممتحنون خل ) والابواب الممدوحون فاستمسك في وقت الحيرة بمن عنده تلك العلامات المذكورة ان اردت النائب العام والا ففي المسائل التكليفية الفرعية فالى الذي اجتمعت عنده شرايط الاجتهاد وقواعد الاستنباط من معرفة العلوم المذكورة في كتب الاصول ( الاصول وحصول الملكة الالهية والقوة القدسية للتمكن من رد الفروع على الاصول خل ) بشرط ان لا يكون معرضا عن اهل البيت عليهم السلام بمعنى انه يسلم بجميع ما يرد عليه من فضائلهم ومقامهم ومراتبهم الا ما لا يناسب مقام الامكان كالقدم والاستقلال والاعتزال وكون الامام (ع) افضل من النبي (ص) او يساويه ويكون عادلا ثقة ورعا زاهدا عابدا وقورا ذكورا شكورا فاذا وجدت شخصا عالما بهذه الصفة قلده بالاحكام الفرعية خاصة وقوله حجة فيما ( ليس بحجة في غير ما خل ) يتعلق بالفقه والذي يرجع اليه واما في ما سوى ذلك فلا حجية في قوله ولا اعتماد على فتويه فابن على ما ذكرنا لك ( امرك خل ) واخرج من الحيرة وكن لله من الشاكرين ولنعمائه من الذاكرين والحمد لله رب العالمين
تنبيه - فاذ قد علمت بوجوب الاختبار والمحنة فاعلم انه لا يكون الا بالاتيان ببعض المتشابهات التي بيانها ودليلها ظاهر في الكتاب والسنة ومذهب الفرقة المحقة ولكنها في بادي النظر فيها بعض الغموض كقوله تعالى عليها تسعة عشر وقوله تعالى يد الله فوق ايديهم عفا الله عنك لم اذنت لهم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وامثالها فبالاتيان بالمتشابه ( بالمتشابهة خل ) به يحصل الاختبار ويمتاز الفجار من الاخيار وهو قوله تعالى واما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فالباب للامام عليه السلام في الغيبة الصغرى اختباره للناس وافتتانه لهم بما ( انما خل ) يكون بذكر المناقب والفضائل التي مرتفعة في الجملة عن معرفة العوام ويدل عليها صحيح المذهب والقرآن واحاديث امناء الله الملك الديان فمن قبل وسلم وقال ان امامي اعلي وافضل فهو المسلم والمؤمن ( المؤمن المسلم خل ) الممتحن ومن ابى واستكبر وشك وارتاب ولم يرض بنشرها بحجة انها من الاسرار التي لا يجوز اذاعتها فذلك منكر خارج لان الاسرار للخوف من الاغيار ولعدم نيل الادراك فعلى هذا يلزم ان الله سبحانه قد افشي السر في قوله تعالى يد الله فوق ايديهم وامثالها ( امثاله خل ) والنبي والائمة عليهم السلام قد افشوا السر في الادعية والزيارات وهذا لا يقول ( لا يتفوه خل ) به مؤمن عاقل فاذا كان كلما لا يفهمه ( لا تفهمه خل ) العوام سر الله انسد ( ينسد خل ) باب العلم وباب التعلم والتعليم واستزادة العلم والمعرفة وبتصنيف الكتب وذكر المسائل الغامضة وذلك في البطلان بمكان فتبين لك ان هذا القول وامثاله ليس الا التمويه والتلبيس ورفع الاختبار وخرج بذلك وكان من الاغيار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار
قال سلمه الله تعالى : والتمس ايضا من جنابكم ان تثبت ما انتم عليه وتنفي جميع ما عداه وان يكون النفي والاثبات بادلة عقلية يقبلها كل عاقل منصف ونقلية مأخوذة من الكتاب والسنة ولو سويته كتابا ليكون تذكرة لاولي الالباب مفيدا بجملة الاخوان في الايمان والاصحاب جزاك الله كل الف خير وان تعذرت لعدم الفرصة لذلك فما لا يدرك كله لا يترك كله ولا يسقط الميسور بالمعسور
فديتك عجل فالقلوب مريضة وليس لها الاك يا خير منيتي
والحقير ان شاء الله تعالى من المؤمنين ولكني ذكرت هذا كما قال الله تعالى لابرهيم اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ الآية وعن موسى اذ قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل الآية فجازني كذلك واحسن كما احسن الله اليك الى آخر كلامه زيد في اعظامه واكرامه
اقول اما الذي نحن عليه فهو الذي عليه جميع الشيعة الموحدين من الاثني عشرية من المؤمنين الممتحنين
اما في التوحيد فنقول ان الله سبحانه واحد في ذاته يعني ليس له شريك في القدم ولا في الوجوب ولا في الوجود وتوحيده الذاتي عين ذاته سبحانه وهو تعالى واحد في الصفات بمعنى ان لا شريك له في صفة من صفاته في علمه وفي قدرته وفي حياته وفي سمعه وفي بصره وساير صفاته الذاتية وصفاته تعالى عين ذاته بلا فرق بحال من الاحوال فعلمه ذاته وقدرته ذاته وسمعه وبصره ذاته وحياته ذاته بلا فرق لا في المعنى ولا في المفهوم ولا في المصداق وهو ( هو احدي الذات خل ) احدى المعنى لا كثرة في ذاته ولا في صفاته يعلم بما يسمع به ويسمع بما يبصر به ويبصر بما يقدر عليه من غير اختلاف جهة وجهة وكيف وكيف وحيث وحيث ونعتقد ان الله سبحانه عالم بكل شيء من الكليات والجزئيات والذاتيات والعرضيات والمجردات والماديات والعلويات والسفليات وكل شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وعلمه قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق لا يتغير علمه ولا يتجدد ولا يتبدل ولا يختلف والعلم الحادث يراد به مخلوقاته مثل اللوح ( اللوح المحفوظ خل ) والقلم والامام والقرآن فاذا قلت ان الامام عليه السلام ( السلام عيبة خل ) علم الله فهل يراد به عيبة ذات الله وقد عنون في الكافي بابا في ان لله علمين علم علمه لاوليائه ورسله وعلم استأثر به في علم الغيب عنده فهذا الذي علمه اوليائه من علمه فهل هو ذاته او غيره فالاول محال بضرورة الاسلام فوجب ان يكون غيره وكلما هو غير الله فهو حادث مخلوق وهذا هو العلم الحادث وليس معناه انه لم يعلم ( لا يعلم خل ) ثم علم ولكنه تعالى سمى خلقا من مخلوقاته علما له ونعتقد ان الصفة على قسمين صفة ذاتية وصفة فعلية فالاولى هي ذاته وهي التي تثبت له سبحانه ولا تثبت له ضدا ( لا يثبت له ضدها خل ) كما تقول ان الله تعالى عالم ولا تقول انه جاهل وتقول انه بصير ولا تقول انه اعمى وتقول انه سميع ولا يصح ان تقول انه اصم وتقول انه حي ولا تقول انه ميت واما الصفة الفعلية فهي التي تثبت وتنفى ويوصف الله بها وبضدها كما تقول ( تقول اراد خل ) شاء وكره احيي وامات اعطى ومنع انجى واهلك تفضل وانتقم خلق ولم يخلق ورزق ولم يرزق وامثالها من الصفات التي تثبت وتنفي فلو كانت هي الذاتية لزم التغيير والانعدام لان الصفة الذاتية عين ذاته تعالى فيثبتونها ( فبثبوتها خل ) ثبوت الذات وبانتفائها انتفائها فلا يكون المثبت المنفي الموجود المعدوم واجبا قديما ونعتقد انه سبحانه واحد في افعاله بمعنى انه لا شريك له فيها ولا يشاركه في فعله احد ( احد ولا يوازره احد ولا يعينه احد ولا يحتاج خل ) في احداث خلق من مخلوقاته ولا مدخلية لاحد في احداث مصنوعاته بل هو سبحانه المتفرد في الخلق والرزق والحيوة والموت والمنع والعطاء وهو الفاعل وحده لا بمشاركة ولا بموازرة ولا التفويض الى خلق من مخلوقاته فالذي يعتقد ان محمدا وعليا والائمة (ع) باجمعهم او كل واحد منهم عليهم السلام خالقون او ( ام خل ) رازقون يحيون او يميتون بالاستقلال او بالشركة او بالتفويض كتفويض الموكل امره الى وكيله في اجراء ذلك الفعل او كالمولي عبده في فعل من الافعال فان ذلك عندنا كافر كفر الجاهلية الاولى وكذلك لو قال بمدخلية الملائكة او النجوم او الكواكب في احداث شيء من الاشياء وموجود من الموجودات ولكن الله سبحانه جعل العالم عالم الاسباب وابى ان يجري فعله الا بالاسباب جعل الله سبحانه الاشياء بعضها سببا لبعض كما جعل المطر من اسباب الزرع والطعام والشراب من اسباب حفظ البدن والرحم من اسباب تربية الجنين والاب والام من اسباب تخلق الولد وتكونه في هذه الدنيا وهكذا جميع الاشياء بروابطها وعللها ومعلولاتها وقد جعل ( جعل الله سبحانه خل ) محمدا وآله سلام الله عليهم اجمعين هو السبب الاعظم في وجود هذا العالم كالملائكة المدبرات والمقسمات والحافظات والمعقبات وغيرهم ونعتقد انه تعالى واحد في عبادته وانه المعبود وحده لا يجوز لاحد ان يقصد غيره تعالى في العبادة فمن فعله ان كان عن اعتقاد فذلك كفر كعبادة ( كعبدة خل ) الاصنام الذين عبدوها لتقربها الى الله زلفى او عن غير اعتقاد فان ذلك فسق مبطل للعمل كاهل الرياء الذين يوقعون العبادة لاجل ملاحظة الغير وكذلك لو توجه بالعبادة الى احد من الائمة عليهم السلام فلا تصح عبادته ولا تقبل بحال من الاحوال وطور من الاطوار ومن اعتقد ان الضماير القرآنية الراجعة الى الله سبحانه ترجع الى امير المؤمنين عليه السلام او الى احد ( احد من خل ) الائمة عليهم السلام فذلك ضال مضل كافر مفتر فمن يزعم ان الضمير في قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين يراد به امير المؤمنين عليه السلام وهكذا غيره من ساير الخطابات الالهية التي في القرآن وفي غيره لو ارجعها الى احد من المخلوقين لا سيما امير المؤمنين عليه السلام كل ذلك زخرف من القول وزور وكذلك كل من يقول ان المراد من سورة التوحيد ( التوحيد قل هو الله احد خل ) الخ هو امير المؤمنين عليه السلام فهو كافر بالله العظيم و ( وكذا من يقول ان امير المؤمنين هو الذي لم يلد ولم يولد خل ) كذا ساير ما كان من هذا القبيل فكل ذلك ( فكذلك خل ) زور وافتراء وكذب وتلبيس
واما في النبوة فنعتقد ان الانبياء كلهم مبعوثون من قبل الله طيبون طاهرون معصومون لا تصدر منهم الذنوب ولا تحصل منهم العيوب هم المعصومون الذين تولى عصمتهم وطهارتهم علام الغيوب وان الخمسة منهم اولوا العزم وهم نوح وابرهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ستة منهم اولوا الشرايع وهم هذه الخمسة باضافة آدم عليه السلام وان الشرايع الخمس منسوخات ما سوى الشريعة السادسة ( السادسة ونعتقد ان الشريعة السادسة خل ) حاملها محمد (ص) وانها ناسخة لجميع الشرايع غير منسوخة ابدا وان تلك الشرايع كلها مقدمات لظهور شريعته صلى الله عليه وآله كما ان المراتب الخمس التي هي النطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم مقدمات لظهور الجسم الاعتدالي الذي هو حامل الروح ( للروح خل ) وانه (ص) سيد الاولين و ( وسيد خل ) الآخرين وانه خير خلق الله اجمعين وانه صلى الله عليه وآله اول مخلوق خلقه الله تعالى واول حادث صنعه الله واول موجود اوجده الله لم يسبقه في الوجود سابق ولا يلحقه في الفضل لاحق لا يطمع في ادراك نوره طامع وانه صلى الله عليه وآله قد خلقه الله قبل الخلق وقبل الكون والمكان وقبل الزمان وقبل الابتداع وقبل الاختراع اقامه ظلا ونورا في حجاب القدرة ثم غمسه في الابحر الاثني عشر والبثه في كل بحر مدة معينة ثم بعد تمام السباحة في الابحر الاثني عشر غمسه في عشرين بحرا والبثه في كل بحر ما شاء الله ثم ( ثم بعد اتمامه السباحة في الابحر العشرين خل ) اقطر منه مأة الف واربعة وعشرين الف قطرة فخلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء فتنفست ارواح الانبياء فخلق من تنفسها ارواح الاوصياء ونعتقد انه صلى الله عليه وآله اتى بالمعجزات ( بالمعجزات البينات وخوارق العادات ما تصدق به نبوته وتظهر به شريعته فمنها القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو اكبر المعجزات خل ) وابين الآيات وهي الباقية بعد محمد صلى الله عليه وآله ما دامت نبوته التي لا تنقطع ابدا ولا تبطل سرمدا منها شق القمر ومنها قلب العصا ثعبانا ومنها المعراج فقد عرج بجسمه الشريف بل ببشريته ونعله ( ببشريته بل بكثافة بشريته وبثيابه ونعليه خل ) الى ان صعد الى السماوات والكرسي والعرش وخرق الحجب والسرادقات فالذي يعتقد انه صلى الله عليه وآله عرج بروحه او بجسم مثالي ( مثالي او بجسم خل ) آخر غير الذي في الدنيا فقد كذب وافترى وضل وغوى وكان من الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
واما في الامامة فنعتقد ان كل نبي لما كملت ايامه ونفدت حيوته عين له وصيا قائما مقامه من الله سبحانه وتعالى يقوم بامره في رعيته ويحكم بعدله في امته ونعتقد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد اوصى الى امير المؤمنين عليه السلام ونصبه خليفة لنفسه على امته يوم غديرخم وامر الناس ان يسلموا عليه بامرة المؤمنين ونعتقد ان الله تعالى جعل الامامة كلمة باقية في عقب امير المؤمنين عليه السلام ولا تزال الدنيا الا وفيها امام في دولة محمد صلى الله عليه وآله من ذرية امير المؤمنين عليه السلام فتدوم الدنيا بدوامهم وتضمحل وتفسد اذا انتقلوا عنها فهي بهم باقية وعنهم مستمدة وهم حاملوا عطاء الله الذي قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ونعتقد انهم ورسول الله صلى الله عليه وآله من نور واحد وطينة واحدة ورتبة واحدة الا ان لرسول الله صلى الله عليه وآله الفضل السابق كفضل القلب على الاعضاء والجوارح ثم في الفضل امير المؤمنين عليه السلام فضل الصدر على باقي الجوارح ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلام ثم القائم عليه السلام ثم الائمة الثمانية عليهم السلام ثم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام اما فضل رسول الله (ص) فذلك معلوم بالضرورة من الدين واما فضل امير المؤمنين (ع) والحسنين عليهم السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما واما فضل القائم عجل الله فرجه من قول النبي صلى الله عليه وآله تاسعهم قائمهم افضلهم واما فاطمة عليها السلام بعدهم بمقام الذكورة والانوثة في كل رتبة بحسبها وفاطمة عليها السلام افضل من جميع الانبياء والرسل وجميع الخلق سوى الائمة الاثني عشر (ع) ولكنها منهم انها ( انها كلا والقمر والليل اذا ادبر والصبح اذا اسفر انها خل ) لاحدى الكبر نذيرا للبشر ونعتقد ان الائمة عليهم السلام مبعوثون على كل المكلفين ممن يصح ان يقع عليه التكليف كائنا ما كان وبالغا ما بلغ وانهم حجج الله على الخلق وان الله تعالى لم يفوض اليهم امر خلقه بل هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وكل من ادعى فيهم غلو بمعنى ان يدعي فيهم الاستقلال او الشركة مع الله او تفويض الامور اليهم باعتزال الله او يعتقد انهم افضل من رسول الله (ص) او يساويه ( يساوون خل ) في جميع المزايا والاحوال فذلك هو الغلو والارتفاع الذي معتقده كفر ( كافر خل ) بالله ونعتقد ان من نزلهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وانكر فضلهم وجعل احدا من المخلوقين اولى منهم من فضيلة وكرامة او ساوى غيرهم بهم فذلك ملعون منافق خارج عن مذهب الحق وليس له طريق الى الصدق ونعتقد ان الحسين بن امير المؤمنين عليه السلام قد قتل مظلوما سعيدا شهيدا لحكم ومصالح وامور استحكمت قواعدها من عالم الذر الاول على ما فصلت وشرحت في رسالتي اسرار الشهادة ومن ادعى انه لم يقتل ولكن شبه للناس فذلك كافر ملعون ( ملعون رجس خل ) نجس لا يكلمه الله يوم القيمة ولا يزكيه وله عذاب عظيم لانه مكذب لله ولرسول الله صلى الله عليه وآله ولامير المؤمنين ولساير الائمة عليهم السلام
واما في المعاد فنعتقد ان الله سبحانه يحشر الاجساد والارواح ويجعل الارواح في الاجساد الدنيوية الموجودة في الدنيا المرئية المحسوسة ( المحسوسة المرئية خل ) الملموسة فيبعثها في القيمة ويجري عليها الثواب والعقاب ومن اعتقد ان هذا البدن الدنياوي الموجود في الدنيا لم يبعث يوم القيمة فذلك كافر ملعون مردود بل المحشور يوم القيمة فهو هذا البدن الدنياوي لكنه على صور مختلفة من حسن وقبح وغير ذلك فيقفون في القيمة تحت منبر الوسيلة وعلى الصراط وعند الميزان وساير المواقف حتى يؤل امرهم اما الى النعيم او الى الجحيم نستجير بالله منها ومن عذابها ونكالها
ونعتقد في العلماء المجتهدين اصحابنا الماضين المرضيين من اهل الغيبة الصغرى الى الغيبة الكبرى من مبدئها الى منتهى زماننا هذا كالمفيد وعلم الهدى والشيخ الطوسي وابن طاوس والمحقق والعلامة وابن البراج والشهيدين وساير علمائنا الفقهاء هم اساطين الدين والحكام على المؤمنين وان طاعتهم واجبة على مقلديهم ولا يعذرون بعدم التقليد ويجب على الجاهل ان يسئل عن العالم ويأخذ دينه عنه ويعتمد في علمه عليه والا كان عمله باطلا وسعيه غير مشكور
وان علمنا في استنباط في كيفية استنباط الاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية ما عليه اصحابنا المجتهدون على النهج المقرر في الكتب الاصولية فهذا الذي ذكرنا لك هو الذي نحن عليه وهذه الطريقة كل من انكرها خارج عن الدين مكذب لما اتى به سيد المرسلين عليه وعلى آله صلوات المصلين ابد الآبدين ودهر الداهرين
**
واما قولك ادام الله تسديدك : ان تثبت ما انتم عليه وتنفي جميع ما عداه فجوابه ان الذي نحن عليه فهو الذي ذكرناه واثباته معلوم بالضرورة من الدين وانكار شيء من هذه المذكورات اما انكار للضروري او للوازمه واما نفي جميع ما عدا ما نحن عليه**
فاعلم ان ما عدا ما نحن عليه ( فيه خل ) من الامور التي ذكرناها من العقايد لا شك انه كفر اذ ما بعد الحق الا الضلال فان الذي يخالفنا فان كان يرى بطلان ما ذكرناه من العقايد فلا ريب ان ذلك كافر بالله ومكذب بهذا الدين ( الدين في اغلب الاحوال خل ) وان كان مصدق بهذه العقايد فاي مخالفة له معنا واي نزاع بيننا فان كانوا يقولون انك كاذب في هذه الدعوى فقلبك يخالف لسانك نقول لهم ( لهم هذا تكذيب لقول الله خل ) ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا ثم ان هؤلاء يزعمون انهم رأوا منا ومن شيخنا اعلى الله مقامه عبارات تنافي هذه العقايد المذكورة وقد ثبت عندهم بضرورة الاسلام ان العبارات اذا ما صدقها الناقل فظاهر مدلولها لا ينافي بل انما قصد منها معنى حسبما يعرفه اهل الفن والعلم من المعاني الحقة يجب تصديقه ولا يجوز تكذيبه لان مراد المتكلم انما يعرف من بيانه والكلام وسيلة لمن لا يحضر فاذا حضر وبين المراد وجب تصديقه ولا يجوز تكذيبه والقول بان هذا ليس مرادك او اني اعلم بمرادك منك فمن اسخف الاقوال واشنع الافعال بل خروج عن ضرورة السلام وتكذيب بما جاء به النبي (ع) وهؤلاء لا يخلو اما انهم ينكرون ( منكرون خل ) ان الظاهر لا يعارض النص وان النص في كل كلام دليل ( بيان خل ) المتكلم مراده وان الكاتب اذا كتب ثم فسر كيف ما يشاء مما يتناوله اللفظ وانكر ارادة ذلك المعنى فانه يقبل منه او انه لا يقال للمتكلم انا اعلم بمرادك منك لاسيما اذا كان الكلام جاريا على اصطلاحات لا يعرف الناظر تلك الاصطلاحات ولا تلك الجهات فان كانوا ينكرون هذه الامور فعلى الاسلام السلام لا يخضر للاسلام عود ولا يقوم للايمان عمود ولا ريب ان انكار ضرورة الاسلام كفر ولا ريب ان منكر ما ذكرناه كفر فان لم ينكروها لكنهم لم يجروها في امرنا فلا ريب ان ذلك فسق كالذي يرى وجوب الصلوة ثم لا يصليها فيا لله من عجب ( العجب خل ) من اناس دعتهم الشهوات النفسانية والمكائد الابليسية الى ان اوقع نفسه في احد المحظورين ولا ثالث في البين وشيع الفاحشة بتوهمها في الذين آمنوا والله سبحانه يقول ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة وقد قال الله سبحانه الذين يرمون المؤمنات المحصنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولا ريب ان المؤمن اكرم على الله من المؤمنة والرمي بالكفر والغلو والتصوف اعظم من الرمي بالزنا فانظر ماذا ترى وقد شرحت هذه المسئلة وفصلتها وبينتها واوضحت خافيها واجبت عن جميع ما يمكنهم التشبث به باكمل تفصيل واوضح بيان في رسالتنا المسماة بدليل المتحيرين في جواب المسئلة التي اتتنا من بندر ابي شهر فان فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل فاطلبها وانظر اليها بعين الانصاف وتجنب عن عادة الجور والاعتساف وتمسك بها واعمل على مدلولها فانها والله هو الحق الذي لا يشوبه شيء من الباطل ان اردت الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قد فرغ من املائها منشيها في الخامس عشر من شهر ربيع الاول من السنة الثامنة والخمسين بعد الماتين والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف صلوة وسلام وتحية حامدا مصليا مستغفرا شاكرا ( ربيع المولود سنة ثمانية وخمسين بعد المأتين والالف في جزيرة من هور الهندية يسمى بالحصوة قريب مسجد الكوفة حامدا مصليا مسلما مستغفرا راجيا والحمد لله رب العالمين خل )