رسالة كشف الحق (دفاع الشبهات عن الشيخ احمد، المعراج، المعاد...)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة كشف الحق

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثامن

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان مسئلة المعراج الجسماني لنبينا صلى الله عليه وآله مما لا ينكرها الا الملحدون ولا يجحدها الا المعاندون وهي من اركان الدين المعروف بين المسلمين ومنكرها كافر على اليقين ومخلد في النار ابد الآبدين

وممن اصر على وقوع العروج الجسماني الجسداني حتى بثيابه (ص) ونعله صلى الله عليه وآله ورد على المنكرين وابطل شبه المخالفين واوضح وكشف عن حقيقة الواقع وشرح واجاب عن جميع الشبهات وزيف ادلة اصحاب الجهالات واثبت عروج الجسدي الجسمي في جميع الحالات مولانا واستادنا وسنادنا ومعتمدنا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه واسكنه بحبوحة جنانه واوصله الى اعلى درجات رضوانه حيث بين واوضح وذكر فافصح وفصل وشرح في غير موضع من رسائله وكتبه واجوبته للمسائل وسائر مباحثاته بحيث كل من سمع منه وحضر لديه صار وقوع هذا المعراج عنده من اجلى البديهيات وابين البينات

[ تصريحات الشيخ أحمد الاحسائي بالعروج الجسماني ]

فمما ذكره اعلى الله مقامه ما في شرح الزيارة الجامعة عند قوله عليه السلام مستجير بكم الى ان قال (ره) : ولهذا صعد النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج بجسمه الشريف مع ما فيه من البشرية الكثيفة وبثيابه التي عليه ولم يمنعه ذلك عن اختراق السموات والحجب حجب الانوار لقلة ما فيه من الكثافة الا ترى انه صلى الله عليه وآله كان يقف في الشمس ولم يكن له ظل مع ان ثيابه عليه لاضمحلالها في عظيم نوريته وكذلك حكم اهل بيته الثلاثة‌ عشر المعصومين عليهم السلام

ومثال ذلك انك لو وضعت مثقالا من التراب في مثقال من الماء او اقل او اكثر بقليل كان الماء كدرا لكدورة كثافة التراب ولو وضعت مثقال التراب المذكور في البحر المحيط لم يظهر للمثقال التراب اثر بل يكون وضعه وعدمه بالنسبة الى البحر المحيط سواء نعم لو نظرت الى المثقال التراب في قدره من البحر المحيط قبل المزج والاستهلاك ادركته كذلك الخ

انظر الآن ايها المنصف المتدين في صراحة هذا القول في ان عروجه عليه السلام انما كان بجسمه بل بجسده بل بكثافة بشريته بل بثيابه التي هي اكثف من بشرية الجسد وهل يكون تصريح في المقام اعظم واكثر من ذلك ثم قارن ما ذكره بالدليل القطعي والمثال الحسي

وذكر ايضا اعلى الله رتبته ورفع في عليين منزلته في جواب بعض المسائل قال قدس الله نفسه الزكية ان رسول الله (ص) عرج بجسده الشريف وعليه ثيابه الى الحجب حتى كان من ربه قاب قوسين او ادنى وساق الكلام الى ان قال رحمه الله : وجسمه الشريف الطف من كل ما ذكرنا حتى يقف في الشمس ولا يظهر له ظل وعليه جميع ثيابه وصعد الى ما وراء الحجب وعليه ثيابه فانه ما صعد عاريا كما وقف في الشمس وليس بعار ولا تمنع كثافة ثيابه نوريته اذا وقف في الشمس ولا لطافته اذا خرق الحجب لقلة كثافة ثيابه اذا نسبتها الى لطافة جسمه ونوريته انتهى

وهذه الكلمات الشريفة ايضا صريحة الدلالة واضحة المقالة في المدعى وذكر ايضا طيب الله نفسه وعطر رمسه في بعض الاجوبة قال : واما ان الجسم يدرك المجردات بغير توسط شيء والمجردات يدرك الجسمانيات بغير توسط شيء فالوجه ان الجسم في الجنة صاف عن جميع الاكدار والاعراض كمثل جسد النبي والائمة عليه وعليهم السلام في هذه الدنيا فانه صعد به الى قاب قوسين او ادنى وقاب قوسين هو رتبة العقل الكلي ومقام او ادنى فوق العقل الكلي فاذا تجاوز بجسمه مرتبة العقل الكلي فبالطريق الاولى يدرك المعاني وساق الكلام الى ان قال : وبرهان ذلك مذكور في علم الصناعة يطلع عليه من يعرفه انتهى كلامه اعلى الله مقامه

وهذا اصرح من غيره فانه بالغ في العروج الجسدي حتى قال انه صلى الله عليه وآله تجاوز عن رتبة العقل الكلي بالجسد البشري ومثل هذه الكلمات في كتبه ورسائله واجوبته للمسائل اكثر من ان يحصى واعلى من ان يستقصى تركناها خوفا للاطالة وان العاقل تكفيه الاشارة والجاهل المعاند لا يكتفي بالف عبارة وهل يتوهم عاقل بعد ملاحظة هذه الكلمات مع هذه التصريحات الشديدة والمبالغات الاكيدة نسبة الانكار اليه عطر الله تربته للمعراج الجسماني والجسداني حاشا وكلا الا ان ينكر حسه ويعاند نفسه فالاعراض عنه اولى والسكوت عن جوابه اليق

[ تساؤلات حول العروج الجسماني ]

ولكن لما كانت مسئلة المعراج الجسماني وان كانت واقعة متحققة لا يستريبه احد ولا يشك في تحققه مؤمن موحد الا ان تصويرها وتحقيقها والغور في معانيها ومبانيها وكشف السر عن حقايق اسرارها مع اختلاف العلماء في الخرق والالتيام واتفاق الحكماء على نفيهما واستلزام العروج الجسماني ذلك وما ورد ان الصلوة وساير العبادات انما شرعت ليلة المعراج مع ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي قبل المعراج ويعبد الله وان المعراج كان بعد بعثته صلى الله عليه وآله بسنتين او بسبع على الاختلاف وما ورد ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأى الانبياء كل نبي في سماء من السموات مع ما ثبت بضرورة المذهب ان الانبياء بل كل مؤمن في الجنة وان جنة الدنيا وراء جبل قاف في مدينة جابلقاء وجابلساء او في وادي السلام وان الجنة فوق السموات السبع في الكرسي كما روي ان الجنان سقفها عرش الرحمن وما ورد انه صلى الله عليه وآله صلى بالانبياء في البيت المقدس واي صلوة كانت هذه ويشعر بعض الروايات انها صلوة الظهر مع انه صلى الله عليه وآله صعد في الليل ورجع في الليل فاين موضع صلوة الظهر

وروي ايضا انه صلى الله عليه وآله لما وصل الى العرش اتاه النداء من العلي الاعلى يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وروي ان جبرئيل عليه السلام خاطبه وقال يا محمد لقد وطأت موطئا ما وطأه قبلك احد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل قف فان ربك يصلي قال صلى الله عليه وآله وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملئكة والروح مع ما ورد ان جبرئيل تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله قبل الوقوف وقبل تشرفه بكلام الله الملك العلام ومناجاة الرب معه عليه الصلوة والسلام وان الاذان والاقامة انما شرعا في السماء الرابعة في تلك الليلة مع انه صلى الله عليه وآله قبل المعراج كان يصلي ويؤذن ويقيم قطعا

وأنّ هذا الصعود هل كان في الزمان او في الدهر والزمان والدهر اي شيء وما حقيقتهما وسرعة هذه الحركات وقطع تلك الحقايق والذوات ما علتها وما سببها وان كان الله سبحانه يفعل ما يشاء كما يشاء بما يشاء كيف يشاء لكنه سبحانه ما يفعل الا لحكمة ولا يجري فعله الا بسبب كما نطق بذلك فصيح لسان الوحي ابى الله ان يجري الاشياء الا باسبابها ه‍

والحاصل هذه المسئلة تحقيقها وتنقيحها قد تصعب على العلماء الفحول من اهل المعقول والمنقول ممن له قدم راسخ في العلم فجرت عادة العلماء الماهرين والفضلاء الكاملين بالبحث عن حقيقها والسؤال عن ماهيتها والتوفيق بين الاختلافات الواقعة فيها والتحقيق عن هدم القواعد الكثيرة فيها لصعوبة مسلكها ودقة مأخذها

[ ملجأ السائلين ]

ولما كان مولانا واستادنا هو المنهل لعطاش الهائمين في فلوات امثال هذه المشكلات والعلم لارشاد السايرين المتحيرين في تيه اشباه هذه المعضلات والكوكب الدري لاضائة قلوب اهل الشبهات والشهاب الثاقب لرجم شياطين الشكوك والخيالات توجهت الى نحو جنابه ركائب السؤلات واناخت بفناء عزه مطايا الطلبات اذ لم تجد سواه بعد ساداته ملاذا ولم تعثر على غيره بعد مواليه في هذه الازمان لجميع المسائل معاذا فبقيت العلماء الاعلام ذوو مهارة في فنون وعلوم عظام يسئلونه عن مسائل صعب مستصعبة تكل دونها الافهام وتقصر عن ادراكها الاحلام وكان يجيب رحمه الله كل احد على قدره واضعا كل شيء في موضعه ويتكلم مع كل احد بلسانه ولغته جريا على عادة ساداته ومواليه كما قالوا عليهم السلام انا لا نخاطب الناس الا على ما يعرفون وقالوا ايضا عليهم السلام ما معناه لو زدتم في السؤال حرفا واحدا لزدنا في الجواب حرفا واحدا

[ المصطلحات العلمانية ]

ولما كانت اصطلاحات العلماء في فنون العلوم مختلفة لا تشبه الاخرى وهي المعروفة عند اهل الاصول بالعرف الخاص وكل صاحب فن وعلم انما سؤاله على مقتضى اصطلاحه ولغته وقد يخالف اللغة وقد لا يخالف الا انه ليس مشهورا في اللغة او انها مشهورة في اللغة لكن معنى منها اشتهر عند العوام والبواقي بقيت مشتهرة عند طايفة مخصوصة كالجسد فانه في اللغة يستعمل لمعان كثيرة كما ذكره الجوهري في الصحاح والفيروزآبادي في القاموس وغيرهما مثل صاحب مجمع البحرين وغيره من ان الجسد يطلق على الدم اليابس وعلى الزعفران وعلى الصورة والهيئة وعلى البدن المعروف للانسان وعلى الملئكة والجن وعلى الفلزات السبعة وغيرها مما هو مذكور في كتب اللغة وليس المشهور منها عند العوام الا بدن الانسان بصورته ومادته

وبالجملة : اختلاف العرف والاصطلاح وجهات المعاني اللغوية في المشتركات والمنقولات والمجازات وغيرها مما لا يستريبه من له ادنى مسكة في العلم وادنى فطنة في الفقه وكما ان الاصطلاحات مختلفة واللغات متفاوتة تختص طايفة ببعضها دون الاخرى كذلك المعاني والمطالب تختلف بالدقة والغموض والظهور والخفاء وليست العلوم كلها على نهج واحد ضرورة ان بعض المطالب والمعاني يعرفه كل عامي وكثير منها يقصر عنها الفطن الذكي الالمعي اللوذعي وكذلك الاشخاص السائلون مختلفون في شدة الذكاء والدقة وعدمها ووسط الامر بينهما مع اختلاف الاصطلاحات فاذا تكثرت جهات الاختلافات كما سمعت وهؤلاء على اختلاف مراتبهم وتفاوت مقاماتهم وتباين اصطلاحاتهم ولغاتهم سئلوا مولانا واستادنا في فنون شتى من غوامض العلوم وخفايا المكتوم

[ لكل مقام مقال ]

ولما وجب على المجيب ان ينظر الى السائل ومقامه واصطلاحه ودقة نظره وصفاء فكره وهو اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه قد كان محيطا بجميع الاصطلاحات ودقايق العلوم المخفيات وانواع الاشارات والتلويحات في طي العبارات واداء الكلام بلحن المقال وشهادة الحال وبالعيان والمثال وبالنظر والاستدلال وبالاختصار في مقام وفي الآخر شرح حقيقة الحال وذلك ببركة انقطاعه وانقياده لمحمد وآله المفضال عليهم سلام الله بالغدو والآصال

ولما كان الامر كذلك اختلفت كلماته وعباراته وبياناته بالنسبة الى مسئلة واحدة مراعاة لمقام السائل وحاله فاجمل في مقام وفصل في مقام واشار بخفي الاشارة في مقام واتى بصريح العبارة في مقام واجرى على اصطلاح طايفة في مقام وعلى اصطلاح آخرين في تلك المسئلة في مقام كما هو طريقة ساداته ومواليه سلام الله عليهم ولذا ترى اختلاف كلماتهم سلام الله عليهم وحاشاهم عن الاختلافات

ولذا ترى الامام عليه السلام اجاب في مرسلة ابن ابي‌ عمير في الكر بانه الف ومأتا رطل واجاب محمد بن مسلم الطحان بانه ستمأة رطل والمقصود في الجميع واحد الا ان ابن ‌عمير لما كان عراقيا يحمل جوابه عليه السلام على اصطلاح اهل العراق في الرطل ومحمد بن مسلم لما كان من اهل الطايف اجابه على اصطلاحه ولما كان الرطل المكي رطلي العراقي فيكون المقصود واحدا والجاهل بالامر اذا نظر الى الحديثين يرى بينهما اختلافا وتناقضا وليس كذلك وكذلك الشيعة المخلصون والمؤمنون الممتحنون يقتفون آثار ائمتهم سلام الله عليهم ويتأدبون بآدابهم وينهجون منهجهم حتى هجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر على غيرهم واستأنسوا بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقا

فلذا اختلفت عبارات شيخنا واستادنا جريا على طريقة ساداته عليهم السلام على حسب اقتضاء المقام والمعنى في الكل واحد لا اختلاف فيه ابدا بوجه

[ ميزان اقوال الشيخ أحمد الاحسائي ]

ولما علم اعلى الله شأنه جهل الناس وعدم سعة دايرتهم وعدم اقتدارهم للجمع والتوفيق وملاحظة العلوم من النقطة التي قال امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون جعل لهم ميزانا وهو ان كل مذهب واعتقاد وقول وفعل يخالف ما عليه الفرقة المحقة فهو باطل عاطل فاسد وزور يجب الاعراض عنه وكل ما هو يوافق ما هو المعروف بين الفرقة المحقة فهو الحق الذي لا محيص عنه فوجب الاخذ له والديانة به لان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة ه‍ وليسوا اولئك الا الشيعة بالادلة القاطعة من العقل والنقل

فاذا خالف قول ما عليه الفرقة الناجية باجمعهم يلزم اما ان لا يكونوا على الحق او يكون ذلك القول باطلا والاول باطل للنص النبوي والاجماع فثبت الثاني فاذا وجدتم شيئا من كلامي على حسب ما هو المتفاهم عند الفرقة المحقة فاجعلوه اصلا محكما وما لم تعرفوا على وجه المطابقة فاعلموا انه ان صح انه من كلامي لم يخالف ما عليه الفرقة قط ولا يختلف كلماتي ابدا فاجعلوه من المتشابهات وردوا علمه الى

ونص بذلك في اغلب رسائله حتى في يزد امر واحدا ان يصعد المنبر ويعلم الناس بما ذكر ويقول عني اني بريء من كل قول ومذهب يخالف ما عليه الفرقة الناجية وكلماتي تبعا لكلمات ساداتي عليهم السلام مختلفة الالفاظ متفقة المراد الا انهم سلام الله عليهم ربما يقولون بالتقية واما شيخنا فلا موجب له للتقية فليس الا اختلاف مقام السائل كما ذكرنا وهذه هي الديانة التي يجب ان يكون المؤمن عليها

[ كشف السر الخفي في المعراج ]

ومن هذه الجهة قد سئله العالم النحرير المتتبع للعلوم والمطلع على الاصطلاحات والرسوم جناب الشيخ احمد بن الشيخ صالح بن طوق القطيفي سئل : مولانا عن حقيقة السر المخفي في المعراج وكيفية صعوده على فرض عدم بطلان الخرق والالتيام او لا يمكن اثبات العروج الجسمي الا بالقول ببطلان الخرق والالتيام ودقيق الامر في ذلك وكيفية رؤيته صلى الله عليه وآله الانبياء عليهم السلام في كل سماء وسر اختصاص تلك السماء بذلك النبي دون غيره ومعنى صلوته الظهر ووقوعه في الليل ومعنى صلوة الرب وغير ذلك من الاحوال اراد منه (ره) كل ذلك بلسان اهل الحقيقة والعلماء الماهرين لا على حسب متفاهم العوام فانه لا يسمن ولا يغني من جوع فاجاب قدس الله نفسه الزكية وحشرني الله معه لانه مع ساداته العترة العلية عليهم سلام من رب البرية وقد اجاد في ما افاد وقد تكلم بمكنون العلم ومخزون السر لمن يفهم الكلام :

قال ان حقيقة المعراج هو العروج على ظاهره ولا جهل فيه وانما الجهل في معرفة جسد النبي صلى الله عليه وآله وفي معرفة الافاعيل الالهية وفي معرفة الخرق والالتيام، فنقول :

[ معرفة جسد النبي (ص) ]

اعلم ان الله سبحانه خلق قلوب المؤمنين من فاضل طينة جسم محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام والفاضل اذا اطلق في الاخبار وفي عبارات العارفين بالاسرار يراد به الشعاع وهو واحد من سبعين مثلا جسم النبي صلى الله عليه وآله قرص الشمس وقلوب شيعتهم خلقوا من الشعاع الواقع على الارض من قرص الشمس فاذا عرفت هذا عرفت انه يصعد بجسمه ولا يكون خرق ولا التيام

بقي شيء هو انا نقول الجسم وهو كذلك ولكنه ليس الصورة البشرية التي تحس وهي متجسدة وحكمها حكم ساير الاجسام الجمادية والصعود بها يلزم منه الخرق والالتيام

ونجيب بان الصورة البشرية عند ارادة صعوده يجوز فيها احتمالان هما في الواقع سواء وفي الظاهر الاول ابعد عن العقول والاخر اقرب

فالاول ان الصاعد كلما صعد القى منه عند كل رتبة منها مثلا فاذا اراد تجاوز الهواء القى ما فيه من الهواء فيها واذا اراد تجاوز كرة النار القى ما فيه منها فيها واذا رجع اخذ ما له من كرة النار فاذا وصل الهواء اخذ ما له من الهواء لا يقال على هذا يلزم ان هذا قول بعروج الروح خاصة لانه اذا القى ما فيه عند كل رتبة لم يصل الا الروح لانا نقول انا لو قلنا بذلك فالمراد اعراض ذلك لان ذوات ذلك لو القاها بطلت بنيته وبنيته باقية لا تنفك وانما مرادنا الجسم بالنسبة الى عالم الكون والا فهو على ما هو عليه من التجسد والتخطيط

والثاني ان الصورة البشرية التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته فان الملك مثل جبرائيل اذا رجع في صورة البشر كصورة دحية بن خليفة الكلبي يخرج بقدر دحية مع انه يملأ ما بين الارض والسماء ولو شاء مر في ثقب الابرة واصغر لان الاجسام اللطيفة النورانية تكون بحكم الارواح ولا تزاحم فيها ولا تضايق ولهذا يبلغ المعصوم عليه السلام من مشرق الدنيا الى مغربها في اقل من طرفة عين ولا يستغربه السامع وهذا هو ذلك بعينه فافهم

[ معرفة الافاعيل الالهية ]

واما معرفة الافاعيل الالهية فلانه انما توهم من توهم ان العالم على وضع واحد لو اختل اختل النظام فاذا خرق حصل حال مروره فرجة بانحباس الاجزاء المختلفة فاذا وقف وقف جميع الفلك على انه لا فرجة فيها ولا يمكن تخلل اجزائه ولا تلززها فاين تذهب تلك الاجزاء المفروضة ومع هذا كله فيلزم فساد النظام والالتيام انما يكون بانبساط الاجزاء الى الفرجة ولا يكون ذلك الا مع التخلل والترقق ولا يمكن فيه ذلك وامثال ذلك وهذا جار على حسب افاعيل العباد واما الافاعيل الالهية على تقدير تسليم امتناع الخرق والالتيام فنقول على ظاهر العبارة

ان الاجزاء التي بقدر جسمه الشريف حال عروجه فنيت في بقاء جسمه كما فنيت الحبال والعصى في جسم عصى موسى وكان جسمه الشريف قائما مقامها في امداد العالم السفلي من احكام الحيوة في سماء الدنيا والفكر في الثانية والخيال في الثالثة والوجود في الرابعة والوهم في الخامسة والعلم في السادسة والعقل في السابعة والصور في الثامنة والتسخير والتقدير في التاسعة بحيث لا تفقد قوة منها لان جسده هو علة في هذه الاسباب فهو اقوى منها قطعا وكلما تعدى شيئا رجع ما فتر منه بحيث لا يحصل خرق ولا التيام ويكون سيره في ذلك كله موازيا للخطوط الخارجة عن مركز العالم الى المحيط بها في كل ذلك فيدور معها على التوالي ولو قلنا انه يسير على خط مستقيم جاز وكان ما اعترضه من الاجزاء التي يكون اصطفافها بالنسبة الى خط مسيره مستقيم صوريا يكون مستهلكا في بقائه وعائدا بعد تجاوزه كما مر على حد واحد

ولما كان جسده الشريف علة لوجود جميع الاجساد وجسمه علة لجميع الاجسام كان محيطا بجميعها فلا يكون منها جزء الا وهو محيط به فكان صلى الله عليه وآله في عروجه محيطا بجميع الاجسام والارواح والنفوس والعقول لان عقله علة للعقول وروحه علة الارواح ونفسه علة النفوس احاطة المنير بالاشعة فمر في عروجه بكل شيء ورأى كل شيء كلا في رتبته لان من غلب عليه الوهم رآه في السماء الخامسة ومن غلب عليه العلم رآه في السماء السادسة ومن غلب عليه العقل رآه في السماء السابعة

[ معنى صلاة الظهر ]

ومعنى صلوته بالملئكة صلوة الظهر وهو انما عرج بالليل لان عروجه على سمت بدو الوجود والشمس قائمة على قمة الرأس في التاسع ‌عشر من برج الحمل والسرطان طالع الدنيا فاول ما تحرك الفلك وجب فرض الظهر فهو اول فريضة وهو اول صلوة صليها

فان قلت كيف تكون هذه اول صلوة صليها وهو انما عرج الى السماء بعد النبوة بسنتين

قلت هذا في الزمان والتي صليها ليلة المعراج في الدهر وذلك قبل خلق الاجسام بالفي عام وليلة المعراج عرج صلى الله عليه وآله في الزمان بجسده وفي الدهر بجسمه وفي السرمد بروحه بعروج واحد وصلى بالملئكة في الدهر واسبغ الوضوء من صاد وهو بحر تحت العرش وعروجه انما كان في الليل بجسده واما في جسمه الشريف فهو في النهار قبل الزوال بقليل قدر الفي عام

واعلم ان هذا الجواب مما لا يمكن بيانه لكل احد ومن يجوز البيان له لا يكفي له ما ذكر بل لا بد من المشافهة لان الفرق بين الزمان والدهر مما انسد بابه عن فحول العلماء وان عبروا عنه بعبارة مأثورة عن الوحي ولكن اكثرهم لا يعلمون انتهى

[ تعقيب وايضاح ]

هذا آخر ما اردنا نقله عن كلامه زاد الله في اكرامه وبسط عليه من عوايد جوده وانعامه وهذه الكلمات الشريفة مشتملة على دقائق العلوم الغامضة وخفايا المسائل الدقيقة المعضلة المختلفة المتراكمة بل كل عبارة اشارة الى حقيقة لطيفة علم من العلوم التي قل من عثر عليها الماهرون الكاملون فيها فما ظنك بالمتوسطين فضلا عن القاصرين فضلا عن الذين ما طرقتها اسماعهم ولاوعتها افهامهم وقلوبهم بل ربما ما سمعوا اسمائها ولم يروا منارها واعلامها

وجميع هذه العبارات اجمالات خالية من التفصيل واشارات الى علوم ومعارف خفية عارية عن التصريح بكثير ولا قليل صونا لها عن اصحاب القال والقيل وحفظا لها عن التغيير والتبديل وامتثالا للنص الوارد في صريح التنزيل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واقتداء لكلام النبي النبيل الجليل لا تمنعوا الحكمة من اهلها فتظلموهم لكون السائل اهلا لدقائق خفايا التأويل ومع هذا كله قال في آخر الكلام ان هذا الجواب مما لا يمكن بيانه لكل احد والذي يجوز له البيان لا يكفي ما ذكر بل لا بد من المشافهة وهذا الكلام منه عبرة لمن اعتبر وتبصرة لمن تذكر واستبصر

[ العلوم اللازمة للاطاحة بعبارات الشيخ أحمد الاحسائي ]

ثم ان هذه العبارات لا يحيط بها ولا يعرفها كما ينبغي الا ان يكون عالما محيطا بدقايق علوم شتى :

منها علم الصناعة لتوليد المولود الفلسفي الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف وقد سماه امير المؤمنين عليه السلام باخت النبوة وعصمة المروة الماء الجامد والهواء الراكد والارض السائلة والنار الحائلة صاحب الاوصاف المتناقضة المضادة ويعرفه من جهة العلم التحقيقي عن بصيرة ويقين وربط كل شيء بكل شيء واستخراج ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره كما قال امير المؤمنين عليه السلام الناس يعلمون ظاهرها وانا اعلم ظاهرها وباطنها وقد قالوا عليهم السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون

لا معرفة العمل المحض فانه لا يسمن ولا يغني من جوع في المعارف الالهية والاسرار الربانية وهو قول استادنا اعلى الله مقامه في ما نقلنا عنه سابقا في العروج الجسماني وانه صلى الله عليه وآله بجسمه صعد الى مقام قاب قوسين او ادنى قال ان برهان ما ذكرنا مذكور في علم الصناعة يطلع عليه من يعرفه وهو اعظم ما له مدخلية في هذا الباب

ومنها علم الهندسة لمعرفة الاشكال والنسب وضبط الحدود والمقادير ومعرفة الاجسام التعليمية والاجساد التعليمية ونسبها وقراناتها واوضاعها وكيفياتها وكمياتها وجهاتها ومراتبها وساير حدودها وهيئاتها والصور والاشكال الحاصلة من تلك القرانات والاضافات معرفة انها كلها هيئات صورية لا جواهر مادية كما قال عليه السلام على ما رواه ثقة الاسلام في الكافي في تفسير الشبح انه ظل النور وان الاشباح ابدان نورانية لا ارواح لها

وجهل الناس بهذا العلم اوقعهم في كثير من الهلكات وظنوا بمن ساحة عزه منزهة عما توهموه من الظنون والخيالات يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه

ومنها علم الهيئة للافلاك ومعرفة نسبها واوضاعها ومقادير حركتها والاصطلاحات التي يستعملون اهل العلم الا ترى كيف ذكره طيب الله مضجعه ويكون سيره في ذلك كله موازيا للخطوط الخارجة عن مركز العالم الى المحيط بها في كل ذلك فيدور معها على التوالي الخ وكذلك معرفة القطب والمحور والقطر والوتر والمركز والدايرة والقوس ونسبة كل واحد منها الى الآخر وضبط تفاوت تلك النسب ومقاديرها والفضل بين النسب وهو قول مولينا الصادق عليه السلام على ما رواه ثقة الاسلام في روضة الكافي عن عبد الرحمن بن سباية عنه عليه السلام الى ان قال عليه السلام افتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة قلت لا والله قال افتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة قلت لا قال افتدري كم بين الشمس والسنبلة من دقيقة قلت لا والله ما سمعته من احد من المنجمين قط قال عليه السلام افتدري كم بين السكينة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا والله ما سمعته من منجم قط قال عليه السلام ما بين كل واحد منها الى صاحبه ستين او تسعين دقيقة ثم قال عليه السلام يا عبد الرحمن هذا حساب اذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف عدد القصبة التي في وسط الاجمة وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما امامها حتى لا يخفي عليه من قصب الاجمة شيء واحد ه‍

وهذا هو ضبط النسب الفلكية على ما فصلت لك مما ذكرت من الحديث الشريف وتلك القصبة هي قصبة الياقوت المتممة باربعة‌ عشر عقدا والاجمة اجمة اللاهوت وما امامها رتبة الوجود المطلق وما خلفها رتبة الوجود المقيد وما خلفها الظلال المعكوسة والظلمات المدلهمة ظلمات بعضها فوق بعض في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب

فاذا عرف العالم هذه الدقائق عرف بعد ذلك نسبة جسد النبي المختار واهل بيته الاطهار عليه وعليهم سلام الله بالعشي والابكار مع الفلك الدوار وبذلك يظهر له حل العبارة بلطيف الاشارة فافهم

ومنها معرفة علم النجوم وكينونة الكواكب الثوابت والسيارات وما لها ومنها واليها وعنها وفيها ولديها وكيفية تركيبها وضبط مقادير امزجتها والوانها ونظراتها وقراناتها وآثارها وان كينونتها بنيت واخذت من اللطافة ومن الكثافة فان كانت من الاولى فما بالها تدرك بالابصار دون الهواء والنار مع انها فوقهما والطفرة في الوجود باطلة على ما برهن في العلم الطبيعي وان كانت من الثانية فيلزم ما اجمعوا على بطلانه من الطفرة ومعرفة حقيقة الامر في ذلك

وبذلك يظهر حكم لطافة جسد النبي صلى الله عليه وآله مع ان الابصار تدركه والحواس تحسه ولا يمنعه ذلك من ان يكون الطف واصفى من الافلاك والسموات وكذلك معرفة نسب الكواكب وخواصها الا تراه ذكر اعلى الله مقامه ان السماء الدنيا سماء الحيوة والثانية سماء الفكر والثالثة سماء الخيال والرابعة سماء الوجود الثاني والخامسة سماء الوهم والسادسة سماء العلم والسابعة سماء العقل والثامنة سماء الصور والتقدير والتاسعة سماء التسخير وهذه الخواص والنسب ايضا ماسمعها المنجمون فضلا عن ان يعرفوها الا ان المطلع على الاصطلاح يمكن له تفهيم الكلام اذا لم يعاند ولو بالوجوه المختلفة

الا تراه اعلى الله شأنه ورفع في الخلد مكانته ومكانه ذكر ان سيره صلى الله عليه وآله كان في بدو الوجود والشمس قائمة على قمة الرأس في التاسع ‌عشر من برج الحمل وكان طالع الدنيا السرطان وهذا لفظ الحديث الوارد عن مولينا الرضا عليه السلام لما سئله ذو الرياستين عن تقدم الليل على النهار فاجاب عليه السلام كما سمعت وقد صعب هذا الحديث الشريف على المنجمين لانه على خلاف قواعدهم المقررة والى الآن مارأيت احدا حل مغلاقه على نهج البصيرة واني للمنجم معرفة الاسرار المطوية في طي اشارات اهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم

فاذا عجز اهل العلم واهل الاصطلاح والماهر في الفن عن معرفة هذه الدقايق فغيرهم ولعمري اعجز واعجز واعجز

ومنها علم الطبيعي لمعرفة الاجسام الطبيعية وكيفية تركيبها واصولها وفروعها وذاتيتها وعرضيتها والفرق بينها وبين الاجسام التعليمية والاجساد التعليمية وان الجسم المحسوس المرئي ما هو وفي اصل خلقته اي شيء وهل هو مركب من الهيولي والصورة او من الاجزاء التي لا تتجزي او من الاجزاء الصغار الصلبة كما ذهب اليه ذيمقراطيس الحكيم او هو الصورة الجوهرية او غير ذلك

وكيف يختلف الجسم باللطافة والكثافة الذاتيتين وما معناهما وحقيقتهما وما الفرق بينهما وبين العرضيتين وما الفرق بين آثارهما ومقتضياتهما واحوالهما وهل جسم النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام كان لطيفا في هذه الدنيا او كثيفا وعلى التقديرين ذاتيا كان ام عرضيا وهذه الابحاث كلها مبرهنة في العلم الطبيعي وما وقع في العبارة الشريفة اشارة الى تلك المباحث الدقيقة والمطالب الخفية

ومنها علم الالهي بالمعنى الاعم على مصطلحهم ليعرف حقيقة العقل والنفس والروح وآثارها ومقتضياتها واصل انبعاثها وتكونها وتذوتها ويحقق قاعدة الامكان الاشرف وبطلان الطفرة وايجاد السلسلة الطولية والعرضية والفرق بينهما ومعنى الصعود والنزول والعروج والهبوط مع قوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون الا تراه قال وجسمه صلى الله عليه وآله علة الاجسام وروحه علة الارواح ونفسه علة النفوس وعقله علة العقول

ويعرف حقيقة العلة والمعلول وان العلة على كم معنى تطلق وكم وجه منها يراد ومعرفة شرايطها ومتمماتها ومكملاتها واقسامها ونسبتها مع المعلول ويعرف معنى التقدم والتأخر والقبلية والبعدية واقسامها ومعانيها ويعرف الدهر والزمان والسرمد والنسبة بين هذه الثلثة واحكامها ولوازمها ومقتضياتها وتقدم بعضها على بعض وتأخر بعضها عن بعض الاتراه اعلى الله مقامه قال عرج بجسده في الزمان في الليل وبجسمه في الدهر وذلك قبل الزوال بقليل مقدار الفي عام

ومعرفة العام والسنين في عالم الغيب مع انه ليس هناك طلوع ولا غروب ولا ليل ولا نهار ولا ساعات ولا دقائق فكيف كان خلق الارواح قبل الاجسام بالفي عام او باربعة آلاف عام على اختلاف الروايات وما معنى ان قلوب المؤمنين خلقوا من شعاع جسم محمد صلى الله عليه وآله وما معنى الشعاع وما معنى المنير وما معنى الخلقة وما معنى الانخلاق وفي كل مقام من هذه المقامات للعلماء الاعلام بحث طويل وهذه المباحث هي اصعب ما يرد على العلماء الفحول من اهل المعقول الذين قصروا نظرهم الى المنقول ويريدون وزن هذا بذلك ووزن ذلك بهذا واما الذين قصروا نظرهم الى المعقول وما لاحظوا الوزن وان كانوا في تعب شديد في تحقيق هذه المطالب وتبيين هذه المقاصد الا ان امرهم اسهل وخطبهم اهون

وكان لمولانا الاستاد اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه مباحث شريفة مستخرجة من دقايق كلمات اهل بيت العصمة والطهارة في هذا الشأن ما عثر عليها اهل الشأن من اهل الشأن وربما لا يعرفونها اذا القيت عليهم فما ظنك بالجهال من اهل الشنآن واولي البغضاء والعدوان

ومنها علم الالهي بالمعنى الاخص على مصطلحهم وعلى مصطلحنا المأخوذ عن ائمتنا الاعلام عليهم سلام الله الكامل التام هو علم المعاني والبيان لقوله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان وقال مولانا الباقر عليه السلام لجابر عليك بالبيان والمعاني فقال جابر وما البيان والمعاني قال اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه الحديث

ليعرف التوحيد في مراتبه الاربعة المشهورة بين العلماء واما ما عندنا فمراتبه خمسة‌ آلاف ومأتان وثمانون مرتبة كما ذكرناها في رسالة منفردة

وفي توحيد الصفات يعرف الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية ويعرف معنى الصفات الفعلية وانها هل هي حادثة كما هو عند الشيعة ام قديمة وما معنى حدوثها وتوصيف القديم بها وان الفاعل والخالق والرازق والمحيي والمميت من الصفات الذاتية او الفعلية وهل فرق بين العلة والفاعل ام لا وعلى فرض كون الفاعل من الصفات الفعلية كما صرح به العلامة المجلسي في كتابه الفارسي الموضوع للعوام المسمي بحق‌ اليقين وعدم الفرق بين العلة والفاعل والخالق ما موصوف هذه الصفات ان كان الموصوف هو الفعل كما هو مقتضى ما اجمعوا عليه من صفات الافعال والصفات الفعلية من نسبتها الى الفعل دون الذات

فان كان الامر كذلك فكيف يوصف الله سبحانه بها فيقال الله الخالق الرازق ولا يقال الفعل الخالق الرازق كما هو مقتضى نسبة كل صفة الى موصوفها وان كان الموصوف هو الذات البحت فما معنى القول بانها هي صفات الافعال فكيف يصح القول بحدوثها لاستلزام ذلك ان يكون القديم سبحانه محلا للحوادث وبصحة سلب تلك الصفات واثباتها يلزم التغير ضرورة مغايرة حالتي النفي والاثبات والوجود والعدم

وهل هذه الصفات الفعلية جواهر ام اعراض بعد فرض حدوثها فان كانت اعراضا فاين الجواهر التي تتقوم به فان كان هو الذات يلزم ان يكون سبحانه محلا للحوادث وان كان هو الفعل وهو ايضا جوهر ام عرض وعلى الثاني كما هو المشهور المحقق عندهم باي شيء يقوم الفعل فيقولون انه امر اعتباري فيكون الصفات الفعلية على هذا المذهب السخيف كلها اعتباريات ولا يرضى به جاهل فضلا عن فاضل

فاذا كان الفعل جوهرا فهو حادث او قديم والثاني باطل بالضرورة والاول خلق قبل الصفات الفعلية ام بعد الصفات الفعلية فان كان الثاني بطل كونه موصوفا ضرورة تقدم الموصوف على الصفة وتأخرها عنه وان كان الاول فكان الفعل اول المخلوقات والحوادث ثم بعده الصفات الفعلية ثاني المخلوقات والحوادث فعلى هذا فكيف تنسب هذه الصفات الى الله القديم جل شأنه وكيف التوفيق بين هذا وبين ما تواترت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار من ان اول الحوادث والكاينات النور المحمدي صلى الله عليه وآله ولم يسبقه شيء من المخلوقات والذوات والصفات وقد انعقد على ذلك اجماع المسلمين من المخالف والمؤالف بل وضرورة الاسلام ان محمدا صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله وما معنى ما ورد في الزيارة المشهورة لامير المؤمنين عليه السلام السلام على اسم الله الرضي ونوره المضيء والزيارة متواترة لا شك فيها ولا ريب يعتريها

وتنقيح هذه المطالب وتبيين هذه المقاصد انما هو في ذلك العلم الغريب العجيب ومن هناك يظهر معنى قوله اعلى الله مقامه جسمه علة الاجسام وروحه علة الارواح الخ وحاشا ان يكون خالق سوى الله سبحانه هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون

وبالجملة حقيقة المطلب وشرح الامر والمقصد يجري على اصطلاحات اهل ذلك العلم ولا يعرف هذه المسئلة الا بعد الاطلاع بدقايقه وحقايقه واسراره ولطايفه ولا يكفي معرفة بعض المسائل الظاهرية ايضا

ومنها علم التوليد والضم والاستنتاج والتفريق والانفصال الذي هو وجه عظيم من علم الطب ولم يشتهر عندهم ولم يعثروا عليه الا طائفة قليلة من اهل البصيرة والمعرفة النورانية وبه تعرف حقيقة السمن والهزل والكبر والصغر والتكبير والتصغير والنمو والذبول وتولد الآثار من النسب والاضافات وان هذه الامور هل هي بزيادة اجزاء في الشيء ونقصانها منها او باعتبار الهيئات ( الهيئة خ‌ل ) والعوارض لا الاجزاء وانما بتصادم الطبايع وغلبة بعضها على بعض وانبساط الاجزاء والتزازها وضم بعضها ببعض وهل يجب حينئذ تداخل اجزاء اخر تخلخل في الاجزاء الاصلية عند الانبساط وهي المسماة بالاجزاء الفضلية ام لا وكيف يتصور القاء شيء عن شيء واخذه عنه وهل علة الايجاد والكثافة نفس الاعراض والاضافات والهيئات ام لا بل مع ذلك اجزاء خارجية

وهل الذوبان والانجماد مما يغير الشيء عن حقيقته ام لا بل هو هو والاحكام الجارية عليه وهل هما لا يحصلان الا بتغير الصورة النوعية والشخصية المتعارفة بحيث يفرق العرف بين الحالتين فرقا بينا ام خفيا ام لا يفرقون بل التفاوت انما هو امر خفي حتى لا تبتنى عليه الاحكام العرفية ولا الاطلاقات اللغوية والاوامر والنواهي الشرعية

وهذه مباحث شريفة ومطالب منيفة دقيقة تنقيحها وبيانها وشرحها وذكر ادلتها مفصلة في ذلك العلم فمن عرف هذا العلم يظهر له معنى قول مولانا واستادنا المرحوم اسبغ الله عليه نواله وحشره مع محمد وآله صلى الله عليه وعليهم اجمعين انه صلى الله عليه وآله القى ما فيه من الهواء وما فيه من النار فيها واذا رجع اخذ كل ما القى في كل رتبة

ويعرف ان هذا الالقاء والاخذ ليس على ما يعرفون وعلى ما يظنون لان الكلام جرى على اصطلاح العلماء العارفين الماهرين الكاملين ويظهر له معنى قوله (ره) في التمثيل لجبرائيل اذا ظهر بصورة دحية بن خليفة الكلبي وانه يملأ ما بين السماء والارض وانه يمر من ثقب الابرة بل اصغر ولا ينقص منه شيء ولا يزيد وانما تتبدل اعراضه وصوره وهيئاته لا غير ذلك

ومنها علم الاحكام النفس الامرية وهذا علم لم يعثر عليه العلماء ولم يطلع عليه الحكماء نعم قد استخرجه مولينا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه من اشارات كلام الله المجيد وتلويحات الروايات وهذه الاحكام غير الاحكام الواقعية وغير الاحكام الذهنية وانما هي احكام ثابتة في الورقة السفلى من اللوح المحفوظ في مقام لوح المحو والاثبات ولهذا العلم مسائل كثيرة وفروع غير عديدة اشرنا الى جملة منها في شرحنا على الخطبة الطتنجية فلانعيدها هنا ويظهر من ذلك ( منها خ‌ل ) تبدل الصور واختلاف الهيئات من حين كونه نطفة وخلعها ولبس صورة العلقة وخلعها ولبس صورة المضغة وخلعها ولبس صورة البشرية حالة الجنين وخلعها ولبس الصورة الدنياوية وهكذا من الفطام والصبا والمراهقة والبلوغ والتمام والكمال والشيخوخة والهرم والضعف والموت والرمم والبعث وهكذا الى ان ينتهي الامر ويرفع الموانع التي هي سبب تأسيس حكم العرضي فاختلاف الاحكام انما هو بالهيئات المختلفة وذلك بالاقتضاءات الخارجية والداخلية فكل شيء في كل حال وانما يلقي شيئا ويأخذ شيئا وهو قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد وليس الملقى داخلا في حقيقة الشيء ولا المأخوذ الا ما كان من باب الواقعي لا النفس الامري وبذلك يظهر معنى قوله اعلى الله مقامه القى ما فيه من الهواء في رتبة والقى ما فيه من النار فيها ويظهر معنى لطافة جسد النبي صلى الله عليه وآله وجسد الائمة عليهم السلام وكون تلك الاجساد الطيبة ( الشريفة خ‌ل ) في اعلى مراتب الاعتدال والاستقامة وانها في هذه الدنيا اصفى واعدل من اجسام اهل الجنة فيها مع ما يعتريهم من انواع الاعراض والآلام والموت والقتل وامثال ذلك وهذه المباحث لا تعرف الا بالفرق بين الاحكام النفس الامرية والاحكام الواقعية وتحقيقها انما يعرف في ذلك العلم الشريف والبحث اللطيف واغلب الناس كما سمعت ما سمعوا هذا العلم ومباحثه فضلا عن ادراك دقائقه وحقايقه ومفتاح هذه العبارة انما هو في هذا العلم

ومنها علم التطبيق والتوفيق بين العوالم والاناسي الثلثة الانسان الكبير والوسيط والصغير واغلب العلماء لم يعثروا على دقائق هذا العلم وحقايقه والذي عثر على بعض مقدماته ما استوفى الكلام في تنقيحه وتهذيبه واصله ما في كلام امير المؤمنين عليه السلام :

وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر

وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر

وقال ايضا (ع) الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ الحديث رواه الديلمي في الدرر والغرر فقلت بعض معناه وقال الله عز وجل ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال ايضا وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وقال ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وغيرها من الآيات والروايات المؤيدة بالبراهين القطعية والمعتضدة بالادلة العقلية كما هو معلوم عند اولي الفطنة الزكية والبصيرة القوية وفي هذا العلم يظهر كيفية انطباق العالم بما فيه من المجردات والماديات والعلويات والسفليات والافلاك والعناصر والمواليد والحركات والكاينات والجواهر القارة وغير القارة والاعراض والصور والهيئات واللوازم والمتممات والمكملات والشرايط وتمكين القابليات وظهور المقبولات والعرش والكرسي والسموات والبحار والاشجار والبراري والفلوات والانبياء والرسل والشرور والخيرات والفروع والاصول والانوار والظلمات ( الظلمات وما استجن في غيب الكاينات خ‌ل ) وما استسر من دقايق الخفيات والزمانيات والدهريات والسرمديات واحكام الحركات والاوضاع والاستدارات ( واوضاع الاستدارات خ‌ل ) وعجائب ما استودع في الامكان من غرائب النسمات وما خلق في الامكان والعين خالق البريات كل ذلك وجميع التفاصيل والاحوال مع كل ذلك يعرف انطباقها مع الحقيقة الانسانية في الوسيط والصغير وبذلك يظهر اجساد الدنيوية والزمانية والعنصرية والهورقلوية والبرزخية والاخروية وان هذه الاجساد ليس كما توهمه الناس بل هي اعراض كل عالم جعلها ( كل ما جعله خ‌ل ) الله سبحانه وتعالى في الانسان لتتميم الجامعية واظهار الكاملية ويظهر لك بالتوضيح معنى الالقاء والاخذ كما ذكره اعلى الله مقامه بما لا ينافي ظاهر ما عليه عامة الناس بقدر الشعرة ولهذا العلم مسائل كثيرة وفروع غير عديدة يعثر عليها العارف المتتبع ( المتبع خ‌ل ) ويغفل عنها الجاهل المتكاسل ولمولانا اعلى الله رتبته ورفع في فسيح الجنان منزلته في هذا العلم استخراجات ( استخراج خ‌ل ) كنوز اسرار لم يعثر عليها دقايق الافهام واستنباطات حقايق علوم انوار تعجز عنها العقول والاحلام وهذه العبارات الشريفة لا يفتح مغلاقها الا بذلك المفتاح التام ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار والافهام

ومنها علم الموازين اي ميزان المطالب بالمشاعر وميزان المشاعر بالادلة وميزان الادلة بالميزان القويم والقسطاس المستقيم ومن جهة الجهل بهذه الموازين ظهر الخلل العظيم في الافهام والادراكات اذ ما كل مطلب ( طلب خ‌ل ) يدرك بكل مشعر ولا كل مشعر يدرك كل مطلب

الا ترى انك بالبصر لا تدرك الاصوات وبالسمع لا تدرك الالوان وباللمس لا تدرك الطعوم وبالذوق لا تدرك الروايح وكذلك الحواس الباطنية فان المتخيلات لا تدرك بالقوة الفكرية والبرزخيات لا تدرك بالقوة المتخيلة والمتوهمات لا تدرك بالقوة المتصرفة والمتصرفات لا تدرك بالقوة العاقلة وكذلك مطالب ومقاصد لا تدرك بهذه القوى الدماغية وانما هو بالنفس الناطقة القدسية وكذلك مطالب ايضا لا تدرك بها فانها تدرك بالقلب واركانه وكل ركن مخصوص بادراك مطالب لا يشمل الركن الآخر

واركان القلب اربعة الركن الايمن الاعلى وهو ينبوع النور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار والركن الايمن الاسفل وهو ينبوع النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والركن الايسر الاعلى وفيه ينبوع النور الاخضر التي منه اخضرت الخضرة والركن الايسر الاسفل الذي فيه ينبوع النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة وكل واحد من هذه الاركان مخزن علوم ومطالب لا تدرك ولا تعرف بالركن الآخر ولا ينال احد شيئا منها الا في كل منها فمن طلبها في غير موضعها لم يعثر عليها كمن طلب ادراك الاصوات بالبصر وادراك الالوان بالسمع وهكذا ساير المشاعر

وهنا ايضا مطالب ومقاصد اخر لا يدركها القلب باركانها وانما يدركها الفؤاد بمراتبه ومقاماته منها ما يدركه في مقام الكلمة التامة والرحمة العامة والكلمة العليا الذي اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها

ومنها ما يدركه في مرتبة الحروف العاليات والصور المكنونات والمخزونات والسحاب المزجي المثار من شجرة البحر بانحاء التطورات وهو المعنى من قوله تعالى خلقكم اطوارا

ومنها ما تدركه في مقام الالف اللينية واللطيفة الحقيقية والسريرة الالهية والنفس اللاهوتية ومنها ما تدركه في مقام النقطة البسيطة من السر المعمي والرمز المفخم ( المتمم خ‌ل ) معدن علوم الهية ومخزن اسرار ربوبية وينبوع متممات وصفات الحقيقية المجردة عن الحد والكيفية المنزهة عن الرسم والكمية لا تنالها البصائر والعقول ولا يصل اليها اهل المعقول والمنقول

وقد وقعت الاشارة بصريح العبارة الى هذه المراتب بقول مولينا الصادق عليه صلوات الملك الخالق على ما رواه في مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة الذي اعتمد عليه جماعة من العلماء الاعلام وطايفة من الفقهاء الكرام منهم السيد الاجل السيد بن طاوس (ره) كان من شدة الاعتناء به والوثوق عليه يجعله حرزا ويشده في عضده قال عليه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف واذا خاف هرب ومن هرب نجي واذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل فاذا تمكن من رؤية الفضل رجا ومن ( اذا خ‌ل ) رجا طلب ومن طلب وجد واذا انجلى نور ( ضياء خ‌ل ) المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة واستأنس في ظلال المحبوب وآثر محبوبه على من سواه نقلت بعض الحديث بالمعنى

والحاصل ان الفرق بين المشاعر والقوى المدركة من اصعب ما يرد على العلماء الفحول بل لا تقف عند ادراكها وضبط حدودها واوضاعها العقول وكان لمولانا واستادنا في هذه المباحث نتايج افكار دقيقة وقواعد رموز رشيقة لا يهتدي اليها الكاملون الماهرون في هذه الفنون فما ظنك بغيرهم ممن لم ‌يتتبعوا في اطوار هذه الدقايق ولم ‌يستضئ ابصار قلوبهم بانوار هذه الحقايق اذ لم يسمعوها ولم يعوها فهم عنها غافلون

وجل مطالبه في مباحثه ورسائله مبنية على الفرق بين هذه المشاعر واختصاص كل مشعر بمطلب خاص لا يصلح الاخر له كما ان البصر لا يصلح لادراك الاصوات والسمع لا يصلح لادراك الالوان وكذلك باقي المشاعر وصريح قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها خصوصا مسئلة المعراج فانها لا تنال ولا تدرك الا بالفؤاد فمن طلبها بغيره لم ‌ينل المقصود ولم ‌يحصل المراد وساير المشاعر عنها بعيدة بمسافة عديدة

ولا يخفى على كل ذي لب سليم وعقل مستقيم ان مشاعر الانسان بمراتبها ليست كلها صحيحة معتدلة تامة التأثير والادراك بل منها ما هي سقيمة عليلة ضعيفة الادراك ومنها ما هي محجوبة بحجب تمنعها عن الشعور ومنها ما هي عارية عن النور كما نشاهد في الحواس الظاهرة فان من الناس من هو فاقد البصر ومنهم من هو فاقد السمع وهكذا قياس ساير المشاعر الظاهرة اذ لا يلزم ان يكون كل واحدة صحيحة في كل شخص وكذا الحواس الباطنة كما اشار اليه مولانا الرضا (ع) في حديث عمران الصابي قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا

ومن هذه الجهة شرط مولينا اعلى الله مقامه في فهم كلامه الفرق بين ادراك القلب والفؤاد كما قال في جواب بعض المسائل في العلم ما لفظه الشريف : اوصيك ايها الناظر ( الناظر في كلامي خ‌ل ) ان لا تقف على الالفاظ والعبارات فان كنت تعرف الفرق بين القلب والفؤاد والفرق بين نظريهما واستعملت في كلامي نظر الفؤاد فزت ببلوغ المراد والا فاقطع الخطاب ولا تطلب السرّي من السراب فان كنت عطشانا لهذا المورد فقد ضرب دونه الف حجاب والله سبحانه الموفق للصواب ه‍

فاذا كان الامر كذلك فقبل الفرق بين نظر القلب والفؤاد والتميز بين مدركاتهما واستعمال نظر الفؤاد كيف يرجى بلوغ المراد في فهم كلام من كلامه مقصور على نظر الفؤاد وهذا لا يعلم قط ولا يعرف الا بتنقيح مسائل علم الحواس وتحقيقها على جهة البصيرة والايقان على ما هو المعروف عند الحكماء الراشدين والمؤمنين الممتحنين المستخرجين لاولي الاسرار والعلوم من اصداف احاديث الائمة الطاهرين عليهم سلام الله اجمعين

ولقد كتبنا في ذلك رسالة منفردة وذكرنا فيها بعض مسائل هذا العلم باوضح بيان واكمل تبيين ان في ذلك لآيات للمتوسمين

واما ميزان المشاعر والمدارك ( المدارك والمشاعر خ‌ل ) فهو الادلة وهي ثلثة كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن والمعروف بين العلماء في علم المنطق وغيره ضبط آخر الادلة وادناها وهو دليل المجادلة بالتي هي احسن وتحقيقه وشرائطه وآدابه ولمن يعرف سياق الكلام ليس هو الدليل المقصود من الله الملك العلام بدليل تغير سوق العبارة لمن يفهم الاشارة في مقام التلويح بصريح العبارة والدليل الاصلي المقصود لذاته هو الاولان المندرجان في سوق واحد والمنتظمان بنظم غير متعدد

اولهما اعلاهما وابهاهما واسناهما واشرفهما والطفهما وهو دليل الحكمة الموصل الى سر حقيقة المعرفة في جميع الموجودات التكوينية والتشريعية والمعنوية والصورية والتكوينية والتدوينية والحقيقية والمجازية على نهج اليقين بما لا يختلجه الشك والتخمين وبها تدرك الاشياء كما هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم ارني الاشياء كما هي وقال جل من قائل اثباتا لعظيم منزلته واظهارا لجليل خطره ومرتبته ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وهو الدليل اللمي والسر الغيبي وهو لافادة الاسرار كما قال (ع) سر لا يفيده الا سر وهو لاخص الخواص البالغين مقام الاختصاص وعليه تنبئ المعارف الالهية والحقائق اللاهوتية

وثانيها دليل الموعظة الحسنة وهو دليل اولي الالباب واصحاب اليقين ومخلصي شيعة مولانا امير المؤمنين عليه السلام من اهل التحقيق والتمكين الذين تكلموا عن الحقيقة بلسان المجاز وعبروا عن المجاز بصرف الحقيقة

وهذان الدليلان اللذان هما الاصل والعمدة لفهم المطالب ما تعرض لهما المشهور بل تصدي العلماء العارفون والفقهاء الربانيون لتحقيقهما وذكر شرايطهما ومستنداتهما ومتمماتهما ومكملاتهما ولوازمهما ومقتضياتهما الى ان صدر علما مستقلا ذا مسائل عجيبة ومطالب غريبة لا تدركه العقول والبصائر من اهل الرسوم والظاهر واغلب مطالب مولانا واستادنا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه مبنية ( مبتنية خ‌ل ) على دليل الحكمة واصل مأخذه ومنشائه وشرايط تحققه واللوازم المترتبة عليه والنتايج المتحصلة منه

ونظروا الى كلام مولينا ووجدوا انه لا ينطبق على القاعدة المقررة في المنطق قالوا انه قول بلا دليل ولكنهم اخطأوا الصواب ونطقوا بغير علم ولا هدى ولا كتاب ولم يعلموا ( لا يعلمون خ‌ل ) ان الدليل هو الذي عنده والسبيل الحق هو الذي سلكه وان الائمة عليهم السلام ماتمدحوا الا بذلك ولا اثني عليهم الا بما هنالك الا ترى تخاطبهم في الزيارات وفي ساير المخاطبات ودعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ولا تقول بالمجادلة بالتي هي احسن ولو كان فيها كمالا لامتدحوا بها ولاثنوا عليهم بها

ولا يقال انهما داخلان في المنطق فدليل الحكمة هو البرهان المنطقي والموعظة الحسنة هي الخطابة ودليل المجادلة هي الجدال على ما هو المعروف عندهم كما قال ملا صدرا لانا نقول هذا باطل قطعا لان مولينا الصادق (ع) صرح بان البرهان من الجدال بالتي هي احسن على ما رواه الطبرسي في الاحتجاج والمجلسي في البحار ولدلائل اخر من البراهين العقلية التي ذكرناها في محلها

ولسنا نقول دليل المجادلة باطل وانما نقول انه ادنى المقامات ودليل الحكمة اعلى منه فالمتمكن منه لا يعتني بدليل المجادلة لانه عدول عن الكمال ولا يرضى به اصحاب الكمال ولانه لا يوصل الى حقيقة المراد فلا يلتفت اليها البالغون مرتبة الفؤاد وعن ( من خ‌ل ) هذه الجهة اجرى مولانا نمط استدلاله واستنباطه على دليل الحكمة والموعظة الحسنة فمن لم يعرفهما ولم يعرف كيفية الاستدلال بهما فلا يعقل منه فهم كلام من يستدل بهما ومفاهيم كلماته مستنبطة عنهما وهل هذا الا طمع الاستماع بالبصر والرؤية بالسمع والذوق بالمنخرين وما هذا يفعل انسان

واما ميزان الادلة فهو مذكور في محله ومشروح عند اهله ويتكفل ببيانها آيتان من القرءان وهما قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وشرح هذه الآية وبيانها وجواب ما عسى ان يرد عليها وتوضيح مجملها وتبيين معضلها في الآية الاخرى وهي قوله تعالى اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وشرح هذه المسئلة وبيانها موكول في ذلك العلم على ما عند اصحاب الحقيقة وقد ذكرت في شرح الخطبة الطتنجية شطرا وافيا منه وعلى من يفهم الكلام السلام

ومنها علم الكتاب التكويني وهو علم عجيب غريب علم الانبياء والمرسلين والملئكة المقربين والاولياء والصديقين والخواص من المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث والكيف والكم وعرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤل اليه امورهم وهم القليلون اقل من الكبريت الاحمر كما اشار اليهم الآيات والروايات وهذا الكتاب قد جمع الله فيه جميع العلوم والمعارف وجميع المقاصد والمطالب وجميع ما يريد من خلقه كلها ببيان حالي وشرح تكويني وجودي بضرب الامثال وبيان الاحوال وتفصيل الاجمال بحيث لا يخفى لمن نظر فيه وعرف كيفية قرائته جواب ولا سؤال ولم يطلع عليه الا الاقلون وغفل عنه الاكثرون ولكن اكثر الناس لا يعلمون والله سبحانه نص عليه في كتابه الحميد بقوله عز من قائل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال عز وجل وكذلك نري ابرهيم ملكوت السموات والارض ليكون من الموقنين ( الموقنين وقال ايضا قل انظروا ماذا في السموات والارض خ‌ل ) وامثالها من الآيات الكثيرة وفي هذا العلم يتبين حقيقة ( العلم الشريف تبيين لحقيقة خ‌ل ) معنى قوله اعلى الله مقامه انه صلى الله عليه وآله عرج بجسده في الليل في الزمان وبجسمه في الدهر قبل خلق السموات والارض بالفي عام او باربعة آلاف عام وبروحه في السرمد اضعاف مقدار بقاء العرش على الماء قبل خلق السموات والارض وقد حدد قليلا منه امير المؤمنين عليه السلام للسائل لما سئله عن ذلك فقال (ع) لو صب خردل حتى ملأ الفضاء وسد ما بين الارض والسماء وانت لو عمرت وكلفت مع ضعفك ان تنقل حبة حبة من المشرق الى المغرب حتى ينفد لكان ذلك اقل ( باقل خ‌ل ) من جزء من مأة الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش على الماء قبل خلق السموات والارض واستغفر الله من التحديد بالقليل ه‍ كل ذلك بعروج واحد وهذا من المعضلات التي لا يفتح مغلاقها الا بهذا العلم الشريف وهناك يتبين حقيقة المدة وانها اي شيء واختلاف المدد لماذا وما منشأ هذا الاختلاف واي نسبة بين هذه المدد وكيف يكون عروج جسده في الليل بعد البعثة بسنتين وعروج جسمه في النهار قبل خلق السموات والارض بعروج واحد وما معنى هذا الاتحاد مع هذا الاختلاف وكذلك ( هكذا خ‌ل ) ساير مباحث المعراج وان جسمه صلى الله عليه وآله الطف من العرش من محدبه بسبعين الف مرة مع انه يرى بالابصار دون العرش ويحس بالحواس ويدرك بلمس اللامس وتجري عليه التغييرات ( التغيرات خ‌ل ) وتعتور عليه الحالات مع انه هو الثابت القار البات ولا يوصف العرش ولا الكرسي ولا السموات بتلك الصفات والسمات ما الوجه في ذلك وما حقيقة الامر فيما هنالك هذه المباحث كلها مشروحة في هذا العلم الانور والنور الازهر الذي اظهره للناس سادات المحشر واصحاب الحوض الكوثر عليهم الصلوة والسلام من الله الخالق الاكبر وجعلوا هذا العلم مكتوما عند اهله مخزونا في محله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واني للاجانب ادراكه وللاباعد فهمه الا ان مولينا اعلى الله مقامه قد كشف سره وفتح مقفله واذن للطالبين بالدخول امتثالا لقوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها فمن عرف غنم وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

ومنها علم الكون الشرعي والشرع الوجودي وهما متلازمان متساوقان متحاويان لا ينفك احدهما عن صاحبه وهو علم ذو عجايب وغرايب ومقاصد ومطالب لم يسمعه الاكثرون ولم يعثر على حقيقته الا الاقلون وقد بسط مولينا وشرح في بعض رسائله وبين فافصح في اغلب مباحثاته بعض مسائل هذا العلم وبعد الاحاطة بحقيقتها يظهر معنى قوله اعلى الله مقامه انه صلى بالملئكة في النهار واسبغ وضوئه من بحر الصاد وتمضمض واستنشق من ماء الاتحاد وصلى صلوة الظهر في مقام او ادنى حين كون الشمس قائمة على قمة الرأس والظل منعدما والكواكب محترقة والبروج متطابقة متواصلة يظهر من الكل خاصية الكل وهنالك صلى صلوة الظهر وهو اول صلوة صليها واول فريضة اداها قبل المصلين وقبل المؤدين بقبلة ( بقبلية خ‌ل ) غير محدودة ومعنى صلوة الرب وقوله جل شأنه في صلوته انا رب الملئكة والروح وما معنى الصلوة وكيف كانت هذه الصلوة وما وجه اختصاصها دون غيرها وهكذا امثالها من المسائل المعضلة التي تكل دونها الابصار وتحير دون البلوغ الى ادنى مراتبها الافكار وهي كلها مشروحة مفصلة مبينة متحققة ( محققة خ‌ل ) في هذا العلم الشريف والنور المنيف ولا يمكن الاطلاع عليها الا بعد الاحاطة بحقائق هذا العلم ودقائقه وشروطه ومتمماته وكلياته وجزئياته ومقتضياته واسبابه

ومنها علم المناظر والمرايا ومعرفة هذا العلم على ما هو عند اهل العلم عليهم السلام لا على ما هو المعروف المشهور عندهم من خيالات اليونانيين واوهام المتفلسفين بل على ما هو الحق عند اهل الحق من معرفة المرآة والصورة والانطباع والمقابلة وكيفية تحقق الصورة وحقيقة المرآة وان المرآة هي الصورة او الزجاجة وحقيقة النسبة بينهما وان الصورة هي الشبح المتصل او الشبح المنفصل او المنفصل من المنفصل من المتصل وما النسبة بين هذه الاشباح واين تحققها وما السبب في وجودها وما العلة في اختلافاتها وكيف ينطبع الصورة في المرآة من الشاخص المقابل بلا اتصال ولا انفصال ولا ممازجة ولا مفارقة ولا مداخلة ولا مباينة وانه انطباع فهواني بلا كيف ولا حد وكيف يستدل منها الى المقابل هل بملاحظتها وملاحظة الشاخص فيكون لحاظان في آن واحد ويأباه قوله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه اذا كان الادراك بالتفاتة واحدة من غير لحاظ تعدد النظر ام يلتفت الى المقابل من غير التفاته الى الصورة ويأباه امتناع التوجه الى المدلول من غير ملاحظة ( توجه خ‌ل ) او يلتفت الى المقابل حين التفاته الى الصورة مع التفاته اليها من غير التفاته اليها بل قبل التفاته اليها كما هو الحق وهو سر ملاحظة السافل العالي من غير السافل بل بالعالي وكيف يعقل هذا الامر الدقيق وكيف يعرف هذا المعنى الرشيق وكذلك القول في الابصار هل هو بخروج الشعاع او بالانطباع كالصورة في المرآة او بالانعكاس او بغير ذلك من الاقوال الاربعة المشهورة وما كيفية الادراك والابصار وما معنى قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها كيف يدرك البصر نفسه او السمع نفسه مع ما ورد من الانكار الصريح في هذا المعنى في كلام مولانا الرضا (ع) في حديث عمران الصابي فكيف التوفيق بين الروايتين وما حقيقة الامر في البين وما نسبة الالفاظ الى المعاني هل هي نسبة المتباينين كما هو المشهور عند علماء الاصول او نسبة الاجساد الى الارواح كما هو عند علماء الحقايق والاسرار ويدل عليه صريح قول امير المؤمنين عليه السلام المعنى في اللفظ كالروح في الجسد وهل المراد بالروح والجسد الروح الحيوانية المأخوذة من صفو ارواح الافلاك كما في كلام مولينا امير المؤمنين عليه السلام او الروح الناطقة القدسية التي اصلها العقل منه وعت واليه دلت واشارت وشابهته ( شابهت خ‌ل ) اذا كملت او الروح الامري والسر الغيبي المعنى في قوله عز وجل قل الروح من امر ربي وقوله عز وجل ونفخت فيه من روحي وعلى القول الاخير كما هو الحق المنصور المؤيد بالادلة القطعية المذكورة في محلها فتكون نسبة الالفاظ الى المعاني نسبة المرايا الى الصورة والاشباح المنفصل وادراك المعنى من اللفظ كادراك المقابل للشاخص من الصورة التي في المرآة فتكون الشروط المعتبرة فيه هي الشروط المعتبرة فيها الكلام الكلام الجواب الجواب الاحتمالات الاحتمالات الاختلافات الاختلافات ولذا قال مولينا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه في وصيته لمن يروم معرفة كلامه ايها الناظر في كلامي ان قدرت ان تعرف المعنى من اللفظ بغير اللفظ فانظر في كلامي والا فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح وهذه العبارة شرط لمعرفة كلامه وحقيقة هذا الشرط لا تعرف ولا تدرك الا بعد الاحاطة بعلم المناظر والمرايا ( المرايا والمناظر خ‌ل ) وتحقيق المطالب التي اوردنا شطرا منها وهذه لا تعرف الا بعد العثور على حقايق ذلك العلم او ( وخ‌ل ) دقائقه مما يستفاد من دليل الحكمة لا ما كتبه الهندسيون واليونانيون في هذا ( بهذا خ‌ل ) الشأن لانه ( فانه خ‌ل ) لا يسمن ولا يغني من جوع فمن لم يعرف هذه الدقائق كما ذكرناه ولم يطلع على هذه الحقائق كما سطرناه فاياه ثم اياه ان يروم معرفة كلامه اعلى الله مقامه وان يحوم حول عباراته وكلماته فانها بحر تضل فيه السابحون ولجة تغرق دونه الجاهلون رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره

ومنها علم التأويل والباطن وتأويل التأويل وباطن الباطن وتأويل الباطن وباطن التأويل وظاهر الظاهر حتى ترتقي المراتب الى السبعة او الى السبعين وهذا علم قد سد دونه الابواب وضرب دونه الف حجاب لانه من مكنونات علم الائمة الاطياب عليهم سلام الله في المبدء والمآب ولما انهم سلام الله عليهم قالوا نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وقال الله عز وجل خطابا لهم بالاصالة ولغيرهم بالتبع ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وقال ايضا ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا كانوا عليهم السلام يعلمون المنقطعين من شيعتهم المتادبين ( المؤدبين خ‌ل ) بآدابهم والناهجين منهجهم فعلموهم من الاسرار ما يقصر عن ادراكه افهام اولي الابصار والانظار وحجبوها عن الاغيار على تفاوت مراتبهم ودرجاتهم ومقاماتهم فكان العلماء من الشيعة المخلصين اصحاب الحكمة واولي الافئدة يتوارثون هذا العلم خلفا عن سلف ويحمونه عن التضييع والتلف ويكتمونه عن الاغيار ويبعدونه عن تناول الاشرار ولما كان مولينا ممن ورد ذلك المورد وشرب من ذلك المشرب وادرك العل والنهل كان يجري كلماته لاهل الاشارات واصحاب اللطايف والتلويحات ذلك المجري لئلا يكون مخالفا لما امر الله من سلوك سبيل الحق واعطاء كل ذي حق حقه وعدم منع الحكمة لاهلها فصار يتكلم لهم بذلك اللسان ويظهر لهم ذلك الشأن ويرشدهم الى سبيل الله بذلك التبيان ويعلمهم حقيقة البيان في قوله الملك المنان الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان ويفهمه من كان من سنخ الانسان فاذا ما معنى التأويل والباطن وما معنى ( معنى الباطن خ‌ل ) وباطن الباطن وما معنى الظاهر وظاهر الظاهر والتأويل وباطن التأويل وما الفرق بين هذه المراتب وما النسبة بينها من النسب الاربع ( الاربعة خ‌ل ) وما ( لما خ‌ل ) اختلفت وتعددت ولم تكثرت وانبسطت مع انه يقول امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون وهل هذا تكثير او بسط وتكسير ولم كانت سبعة وارتقت الى سبعين وما النسبة بين هذه المراتب هل هي نسبة العلية والمعلولية والاثرية والمؤثرية والشعاعية والمنيرية على المعنى الخاص بالوجه العام او القشر واللب والتساوق والتضايف او التساوي والتحاذي وما النسبة بين مدلولاتها ودوالها مما ذكرنا وما النسبة بين اطلاقاتها ومفهوماتها من الحقيقة والمجاز والنقل والاشتراك والتواطئ والتشكيك او الحقيقة بعد الحقيقة او الحقيقة بعد المجاز او غير ذلك من الاطلاقات والامور التي لم يسمعها الاكثرون وكتمها الاقلون وبينها المستسرون وحفظها الغيبيون اولئك كما قال الشاعر :

لله تحت قباب الارض طائفة اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

وكلام مولينا واستادنا اعلى الله مقامه ورفع في فسيح الجنان منزلته اغلبه يجري هذا المجري لانه العارف باسرار التأويل والعالم باحكام التنزيل ببركة انقطاعه الى ساداته ومواليه اهل بيت التكبير والتهليل والتحريم والتحليل خصوصا مسئلة المعراج وما ذكره طيب الله نفسه وعطر رمسه في هذه العبارات في بيان الجسد والجسم والكثافة واللطافة والنورانية والافاعيل الالهية وصعود الجسم بثيابه والجسد بلباسه ونعله من غير لزوم خرق ولا التيام وتلقيه الوحي من جبرائيل مع ان عليا هو المعلم لجبرائيل بالاخبار المتكاثرة والروايات المستفيضة بل المتواترة مع ان علم عليّ (ع) موجة من بحره وقطرة من سحاب هاطله ورؤيته الانبياء في السموات مع انهم في الجنان متكئون على الارائك في الغرفات ومعنى صلوة الظهر ووضوئه من بحر صاد ووقوفه على باب المراد وبلوغه الى مقام الحب والوداد وكل هذه امور يعرف بيانه ويشيد اركانه بعد معرفة هذا العلم الشريف والنور المنيف واني للقاصرين وادراكه واني للمنقطعين والوصول الى ساحة معرفته واين الثريا من يد المتناول

ومنها علم الاصول ومعرفة ان ( ان في خ‌ل ) كلام العرب حقايق ومجازات وكناية واستعارات ومحكمات ومتشابهات وعمومات واطلاقات وتفاصيل ومجملات وبيانات ومعضلات وواضحات ومبهمات وامثال واشارات ودلائل وعبارات وساير تصاريف انحاء الكلمات من فحوي الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب ودليل التنبيه والاشارة وقصد بصريح العبارة والقول من قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة وان في الكلام ( ذلك خ‌ل ) نصا وظاهرا وان الالفاظ من حيث انفسها لا تفيد الا الظن وان استفادة معنى من كلام لا يكون الا بنفي عشرة اشياء كلها تفيد الظن كاصل عدم التخصيص وعدم التقدير وعدم الاضمار وعدم الاشتراك وعدم النقل وعدم التجوز وعدم الاجمال وامثالها مما هو مذكور في الكتب الاصولية المطولة وان الظاهر لا يعارض النص وان اعظم ما يستفاد به النص تنصيص المتكلم بمراده وتفسيره لما في قلبه وخاطره وان الكلام يحمل على مراده الذي يدعيه لا على ما يظهر من ظاهر اللغة بعد فتح ابواب التجوزات والمحكمات والمتشابهات الا ان يكون خارجا عن ( من خ‌ل ) قانون اللغة ومباينا لطريقة اهل العرف واللسان من وجوه العربية وقد قال (ع) على ما رواه المفيد في الاختصاص اني لاتكلم بكلمة واريد منها احد وسبعون وجها لي لكل منها المخرج فاذا صحت هذه الاحتمالات فيعرض كلام القائل في الاصول والعقايد على ما صح له من المذهب الا ان يكون القائل يصرح بخلافه و( او خ‌ل ) ان يكون في كلامه قرائن قطعية يفيد القطع لمن لم يكن مسبوقا بالشبهة بمراده او ان يكون كلامه كله على نهج واحد يحصل القطع بالمراد واما اذا كان الكلام يجري على اوضاع عديدة واحوال مختلفة متشتتة مرة ينفي شيئا واخرى يثبته ومرة يجمل امرا واخرى ( مرة خ‌ل ) يشرحه ومرة يبهم حكما واخرى يفصله ومرة يتكلم بلسان واصطلاح واخرى بآخر ففي هذه الصورة لمن عرف ان القائل داخل في مذهب او دين فلينسب ( فينسب خ‌ل ) الى ذلك المذهب والدين ويجعل من كلماته كلما يوافق او يطابق معتقدات اهل المذهب اصلا محكما فيؤل ما سوى ذلك اي ( الى خ‌ل ) ما لم يظهر فيه وجه المطابقة والموافقة الى ذلك الاصل المحكم وان لم يظهر من كلامه وجه الموافقة اصلا ولا هو صريح في المخالفة بحيث يحصل القطع بالخلاف بمعونة القراين الخارجة والداخلة والحالية والمقالية وعرف انتساب القائل الى مذهب معلوم فلينسب ( فينسب خ‌ل ) الى مذهبه ويجعل تلك ( تلك الكلمات من خ‌ل ) المتشابهات فان قدر تاويلها ( تأويله خ‌ل ) الى مذهبه ومعتقده الذي عرف بالانتساب اليه فهو المطلوب والا فليرد علمه الى قائله فان قائله اولى به لقوله (ع) في المتفق عليه ادرؤا الحدود بالشبهات ولا يتسارع الى الانكار والرد ليشمله قوله عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وقوله عز وجل واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم وقوله (ع) ان علمتم فقولوا والا فها وقوله تعالى ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا وامثال ذلك من الآيات والروايات واما اذا لم يعرف مذهب القائل ولم يعلم انتسابه الى مذهب ودين وكلماته غير صريحة في الامر ولا تفيد القطع في الحكم فيجب التثبت والتوقف لقوله عليه السلام الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وبالجملة هذه الاحكام مشروحة ومفصلة في علم الاصول ومبرهن عليها فيه ( فيه عليها خ‌ل ) فاذا عرفت هذه الاحكام وامثالها واتقنتها عرفت نوع معرفة عبارات مولينا فاجعل ما تلونا عليك في اول المسئلة من تصريحه بالعروج الجسماني والجسداني مع البشرية الظاهرة مع الثياب واللباس اصلا محكما ورد علم ما قرأنا عليك بعد ذلك من دقيق العبارة بلطيف ( ولطيف خ‌ل ) الاشارة الى ذلك المحكم المتقن الاصل الاصيل تجده صحوا بلا غبار وصفوا بلا اكدار وانسا بلا اغيار ان في ذلك لذكرى ( لعبرة خ‌ل ) لاولي الابصار

[ الاحاطة بالكل تكشف عن البعض ]

وهذه العلوم المذكورة هي التي لا بد منها ولا محيص عنها في معرفة عباراته المذكورة فاذا عرفتها واتقنتها واحكمت ما فيها من الدقائق والاشارات والحقايق والتلويحات ربما تحظى ببعض مطالبه ولطايف اشاراته المودعة في طي عباراته لا جميع ما يريد منها كما يريد بما يريد فان ذلك صعب المنال عزيز الوصال لا يهتدي اليها الا من انار الله قلبه وكشف عن بصيرته وسره وعرفه الحيث والكيف والكم واحاط بعلم الكيفوفة وسر القيومة واستنار بنور الكينونة وخرج عن ( من خ‌ل ) عالم البينونة وذلك اوحدي العصر وواحد الدهر

[ شرح الشرح للزيارة الجامعة ]

وانما في قديم الايام بعد ان قرأت عليه اعلى الله مقامه في علوم متعددة وسمعت منه عجائب وغرايب من احكام متشتتة خطر بخاطري الفاتر وجاء ببالي القاصر وفكري الباتر ان اشرح الشرح الزيارة الجامعة وابين عجائب مطلبه ( مطالبه خ‌ل ) وغرايب مقاصده واكشف حجابه وارفع عن وجه المقصود نقابه فابتدأت لشرحه وكتبت ( فكتبت خ‌ل ) نحوا من خمسة ‌عشر كراسا على حجم الربع ووصلت الى فقرة من فقرات اول الشرح فكتبت عليها نحو سبعة كراريس في شرحها وبيانها واستخراج المعاني المبتكرة منها

وبعد ذلك تفطنت باني ادور حول المطلب ومادخلت بابه وماوصلت الى حقيقة سره ولبه ( لبه كما اراد خ‌ل ) بل مابلغت الى شيء مما اراد كما اراد فتنبهت على خطائي في ارتكاب هذا الامر العظيم والخطب الجسيم فعلمت اني لست من السفن التي يسار بها في هذا البحر المتعاظم والطمطام المتلاطم ولا من غواص هذه اللجة فكتبت تحت ذلك الكلام بما لفظه :

ولله در الشارح حيث جمع في هذا الكلام الوجيز ( الموجز خ‌ل ) المختصر جميع ما في الوجود واسراره وكلما يجب للموجودات في الشريعة والطريقة والحقيقة وما يستحب في هذه الثلثة وما يكره ويحرم فيها والعجب انه في كل من كلماته جميع ما كان في الكل بل في البعض ما كان في الكل بل في كل جزء من اجزاء كلامه ما كان في الكل وان لاحظت الكل في البعض فالبعض اجمال وبيان وان لاحظت الكل في الكل فالكل كلام تام بحيث ليس بينهما ارتباط ولا التيام وان لاحظت الاول مع الآخر يتم المقصود وان لاحظت المتوسطين في الاول يظهر لك كل موجود وان لاحظتهما في الثاني ينكشف لك كل مقصود وان لاحظتهما بالافتراق يدل على الاجتماع وان نظرت اليهما بالاجتماع يدل على الافتراق

ولعمري ان هذا الكلام مطابق للكتاب التدويني المطابق للكتاب التكويني الذي اجتمع في جزئه كلما كان في الكل المصحح لقول الشاعر :

كل شيء فيه معنى كل شيء فتفطن واصرف الذهن الي

كثرة لا تتناهى عددا قد طوتها وحدة الواحد طي

ثم قلت ولا عجب فان المرء مخبوء تحت لسانه والكلام على مقدار عقل المتكلم وسعة معرفته واحاطة دايرته وهو اعلى الله مقامه ومتعنا بفيوضاته ورفع اعلامه قد شرب من شراب المعرفة وتجرع من كأسات المحبة كأسا فسكر فلا يرى الصحو ابدا ورأى من سكره صحوا فلا يرى السكر ابدا كما قال اعلى الله مقامه في قصيدته اللامية في مدح الائمة عليهم السلام يشير الى ما شرب من ريق مولينا الحسن عليه السلام ومن ريق رسول الله صلى الله عليه وآله في الرؤيا الصادقة والمنامات الصحيحة التي جزء من سبعين جزء من النبوة كما روي عنهم عليهم السلام في الخبر المشهور فاشار الى هذا بقوله :

فمذ سكرت باللما اسمعني ورق الحمى ونحلها ينتحل

القصيدة اني هذه الكلمات من مقامه واين هذه العبارات من محله ومرتبته لا والله مقامه اعلى من ذلك ومرتبته اشرف من ما هنالك لا يتكلم الا على ما يمكننا معرفته وادراكه ويكتم ما عنده من الاسرار خازنا في قلبه الشريف تلك الانوار قائلا تابعا مقتديا لما قاله سيد الساجدين عليه وعلى آبائه وابنائه صلوات المصلين

اني لاكتم من علمي جواهره كيلا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا ابو حسن الى الحسين ووصى قبله الحسنا

ورب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما يأتونه حسنا

الى هنا كتبت وقطعت الكلام وتركت الشرح وعثرت على قصوري وعلمت قلة باعي عن تناول تلك المطالب الجليلة والمقاصد الشريفة

فانظر الآن ايها المنصف المتدين العاقل اذا كان حالي مع قرائتي عليه وسماعي منه وما يزعمه الناس في حقي باني ممن فهم كلامه ووصل الى بعض مرامه في بعض مقامه كما هو ايضا رحمه الله يظهر هذا المعنى بالنسبة الى بعض المطالب فما ظنك بالذين لم يعرفوا من كلامه شيئا ولم يفهموا من مطالبه حرفا واحدا وبالذي ما سمع منه شيئا وما حضر عنده يوما واحدا كيف يفهم كلامه ويروم مرامه ويصل الى مقامه حتى يتصدي للجرح والتعديل والتمييز والتصحيح وتكثير القال والقيل ( التكثير للقال والقيل خ‌ل ) ان هذا الا خروج عن الانصاف ودخول في الجور والاعتساف

[ الاختلافات الاصطلاحية عند العلماء ]

لان العلماء لهم لغات واصطلاحات يجرون كلامهم عليها ويبنون مطالبهم عليها وقد اشتهر عند العلماء بل عند كل الناس من العوام والخواص ( الخواص والعوام خ‌ل ) ان لا مشاحة في الاصطلاح وان لكل احد ان يصطلح ما شاء كما يشاء بعد فتح ابواب المجازات والمنقولات والمرتجلات وان اختلفوا في اسماء الله سبحانه وتعالى هل هي توقيفية ام لا الاكثرون على الاول كما هو الحق المنصور بالادلة القطعية من العقلية والنقلية فلا يجوز الاصطلاح هنا وذهب شاذ الى الجواز ايضا وعم ( عمم خ‌ل ) الحكم في صحة الاصطلاح في الجميع ومال اليه السيد السند في مفاتيح الاصول

فاذا كيف يمكن حمل كلام القائل العالم الفاضل النحرير الكامل على ما يظهر من ظاهر اللغة المشتهرة عند العوام مع تصريحه بعد ( بعدم ظ ) ارادة ذلك المعنى المعروف عندهم مع تنصيصه بلسانه دون كتابه بخلاف ما يفهمون ويعرفون مع ان مولينا اعلى الله مقامه وحشرني الله معه لم يخرج في اصطلاحاته من منطوقات احاديث اهل العصمة ومفهوماته عن ظواهر اللغة الا ان الناس لقلة تتبعهم في الاخبار وفي الوجوه العربية واطوار اللغة والتغور في معنى الاحاديث وما يستنبط منها لم يطلعوا على تلك الاصطلاحات وتلك اللغات في الذوات والصفات وبقوله تعرضون بان تلك الكلمات مخالفة للاعتقادات المعلومة ( المعلومات خ‌ل ) من الائمة السادات عليهم السلام من رب البريات وكان اختلافهم في ذلك اختلاف العربي والتركي والفارسي والرومي فيما يعبر عنه بالعنب وقصتهم مشهورة فرجعت الاختلافات الى اللغات والاصطلاحات والمعنى واحد في جميع الحالات نعم يظهر الفرق بجمود البعض على ظواهر العبارات وتسري الآخرين الى لطايف الاشارات والتلويحات

[ لماذا اختار الشيخ هذه الاصطلاحات ؟ ]

ولعل قائلا يقول لو كان الامر كما ذكرت فلماذا اتى بعبارات غير مأنوسة واصطلاحات غير معروفة وفي هذه تمويه الناس والتلبيس على العوام والخواص وايقاع الاختلاف في البين وذلك غير محمود في الشريعة وغير مرغوب على الحقيقة فان الناظر في هذه الكلمات بين مصدق ومكذب وعارف ومتوقف فالعارفون تقول انهم قليلون والمتوقفون سالمون والمكذبون يشنعون والمصدقون يعتقدون خلاف الواقع فيكون وزرهم عليه فلم‌تنشأ هذه الاختلافات الا من امثال هذه العبارات فلو فرض ان قائلها خال عن العيب ولا شك انها مورثة للريب ففي ذلك اهانة للدين المبين وهدم لشريعة خاتم النبيين على الصادع بها آلاف التحية والثنا من الحق المبين

والجواب عن ذلك من وجوه :

[ الوجه الاول : وجوب رد المتشابه الى الاصول المحكمة ]

ان هذا انما يرد لو لم يكن شايعا بين الناس ان في الكلام محكما ومتشابها وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا وظاهرا وباطنا وتعمية وتصريحا وتلويحا وتمييزا وايهاما واجمالا وتفصيلا وكناية ومجازا واستعارة وتشبيها ومثالا واصلا واشارة وتلويحا ولحنا ودليلا وان العلوم متشتتة والمطالب مختلفة والاصطلاحات متفاوتة والدقائق كثيرة وشاع بينهم وذاع حتى خرق الاسماع وملأ الاصقاع ان لا مشاحة في الاصطلاح

وعلى هذا فالعارف والمتوقف هم السالمون والمكذبون والمصدقون عن غير بصيرة هم الهالكون اذ الاولون يشملهم قوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله بعد اقامة الدليل وايضاح السبيل من ان الكلام ليس مجراه واحدا وان البيان لا ينحصر في طور غير متعددة فلا يسعه التكذيب والتشنيع الا بعد الاحاطة والاطلاع على مراد المتكلم وحصول القطع بمراده وذلك اما بتنصيصه او بحصول القرائن القطعية

وقد اتفق علماء الاصول على ان الظواهر لا حجة فيها مع التمكن من النص لان الاول يفيد الظن والثاني يفيد القطع وحرمة العمل بالظن مع التمكن من القطع من اجلي البديهيات واوضح الواضحات مع ان في الاكتفاء بالظواهر عند عدم التمكن من النص في امثال هذه المقامات نظر ظاهر اذ لم يقم عليه اجماع ولا دليل قاطع فليقتصر على حد الضرورة في الاحكام الشرعية الفرعية مع ان في كلام مولينا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه ليس ما يدل في ظاهره على ما ينافي ما عليه الفرقة المحقة بل ما يذكر كلاما غير معروف عند العوام الا ويذكر بعده بيانا لذلك الكلام بحيث يرفع الظلام وتدفع شبهة الانام

الا ان من نظر الى الكلام ولم ينظر الى قرائنه وبياناته يكون كمن قال ان الله تبارك وتعالى حرم الصلوة ونهى عنها بقوله تعالى ولا تقربوا الصلوة والنهي دليل الحرمة فتكون الصلوة محرمة ولم ينظروا الى ما بعد الآية من القرينة المعينة في قوله تعالى وانتم سكارى وهكذا حال المكذبين الناظرين في كلام شيخنا واستادنا فانهم نظروا الى بعض الكلام ولم ينظروا اليه على التمام ليروا بدرا لامعا ونورا ساطعا بل اخذوا البعض وحذفوا الآخر لاظهار بواطنهم والله سبحانه وتعالى اعلم بهم وبسرائرهم يعاملهم حسبما يفترون ويجزيهم على ما يصفون سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم

الا ترى انه اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه ذكر في هذه العبارات المنقولة في مسئلة المعراج بعد ما ذكر انه صلى الله عليه وآله عند كل مرتبة منها اي من العناصر مثلا اي نسبا وهيئات مع انه ما يدل على شيء مما توهموا استدرك سؤالا ايضاحا للامر وتبيينا للحكم بقوله رحمه الله : لا يقال على هذا انه قول بعروج الروح خاصة وساق الكلام في تتميم السؤال وتبيين الجواب الى ان قال : والا فهو على ما هو عليه من التجسد والتخطيط الخ

وهل يكون تصريح اعظم من هذا في عروج الجسمي الجسدي في القالب البشري وهل يبقى مع ذلك اشتباه او ظاهر يدل على عروج الروح من غير جسد او جسم نوري غير الجسد المعروف في عالم البشرية فاين الاشتباه اذا واين الظاهر حينئذ ولكن الامر كما قال الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما ان عين السخط تبدي المساويا

فظهر لك مما بينا ان المكذبين لا حجة لهم في اظهار التكذيب بل حجتهم داحضة عند ربهم واما المصدقون عن غير بصيرة فليسوا بمعذورين ايضا لان الدين الذي ليس بمحكم بحيث يزول مع كل كلام ليس بدين وانما هو تقليد محض وللمتدين لا بد من اخذ اصول محكمة وقواعد متقنة مصححة معروفة على مذهب الفرقة المحقة واجماع الطايفة ( الطايفة الناجية ويجب عليه كلما يرد عليه بذلك الاصل المحكم ويأخذ ما يوافقه خ‌ل ) ويترك ما خالفه

وان كان من كلام من يعتقد حقيته فيجعله ( فجعله خ‌ل ) من المتشابهات ويرد علمه اليه وينسب القصور الى نفسه لا ان يعتقد بكل كلام ويأخذ بظاهر كل بيان وان كان بظاهره ينافي الملة البيضاء والشريعة الغراء فلا عذر له اذا ضل وغوى بعد وضوح هذه القاعدة المقررة وشيوع هذه الطريقة المحققة واما العالم النحرير والكامل الخبير فهو كما قال الشاعر :

عليّ نحت القوافي من مواقعها وما عليّ اذا لم يفهم البقر

[ والوجه الثاني : سيرا على نهج أهل العصمة (ع) ]

قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وقد قال مولينا الرضا عليه السلام ان في كلامنا ككلام الله محكما ومتشابها وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا الحديث نقلت بعضه بالمعنى فاذا كان التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله مما سنه الله وقرره ( فرضه خ‌ل ) فالمؤمن المخلص هو ان يتأسى به في جميع افعاله واحواله من الامور الغير المختصة به صلى الله عليه وآله فيجري كلامه كما اجراه صلى الله عليه وآله فالاعتراض مشترك الورود والجواب الجواب

والقول بان ايراد المتشابهات مختص بالله تعالى والنبي والائمة عليهم السلام فكلام يشبه الهذيان اذ لم يدل عليه دليل لا من نص مقطوع ( مقطوع به خ‌ل ) ولا من ظاهر مظنون فيه ولا من ضعيف مشكوك فيه ولا من عقل قاطع ولا اجماع واقع بل المعروف خلافه من طريقتهم والمعلوم عكسه من مذهبهم عليهم السلام ولذا اشتهر عنهم عليهم السلام ادرؤا الحدود بالشبهات كذب سمعك وبصرك مع من تجد اليه سبيلا واحمل فعل اخيك المؤمن على سبعين محملا صحيحا

وما وقع الاجماع على ان لا اعتبار بالقرطاس وان لا يحكم بالكفر بمحض الكتابة وان كانت صريحة في الكفر لعله اراد معنى غير ما هو معلوم من ظاهر اللغة وما رواه علمائنا رضوان الله عليهم في مصنفاتهم في الامامة كالديلمي في الارشاد وغيره في غيره من ان اعرابيا اتى الى عمر بن الخطاب وقال انا اكره الحق واحب الفتنة واشهد بما لا ارى ولا اعلم واعلم ما لا يعلمه الله وعندي ما ليس عند الله وانا ربكم فغضب عمر وحكم بكفره وامر بضرب عنقه وكان امير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال (ع) مه يا عمر فان الاعرابي ما قال الا حقا ولكنكم ما فهمتم كلامه اما قوله اني اكره الحق فان الموت هو حق وهو يكرهه واما قوله اني احب الفتنة هي الاولاد والاموال ( فان الفتنة هي المال والاولاد خ‌ل ) لقوله تعالى انما اموالكم واولادكم فتنة وهو يحب المال والولد واما قوله اني اعلم ما لا يعلمه الله وهو يتصور ( يعلم خ‌ل ) لله شريكا في الفرض والاعتبار والله سبحانه يقول ام تنبؤنه بما لا يعلم في السموات والارض ام بظاهر من القول واما قوله عندي ما ليس عند الله فعنده الظلم وليس عند الله ظلم واما قوله وانا ربكم والكم مفرد الاكمام لا ضمير المخاطب نقلت الحديث بالمعنى

والعاقل المنصف اذا شاهد هذا الحديث المقبول المتفق على صحته لا يبقى له لهذا القول الشنيع والرأي الفظيع فالقول بان عصمة الامام قرينة واضحة لعدم المخالفة لمذهب الفرقة المحقة ووجوب تأويل كلامه (ع) وصرفه الى المعروف من المذهب والتوقف عند الجهل بكيفية التأويل بخلاف الغير المعصوم فانه لا دليل على التأويل فيجب الحمل على ما يظهر كلام فاسد وتوهم كاسد فان حديث الاعرابي يبطله ويفسده وكذلك الروايات المتقدمة والادلة القطعية من العقلية والنقلية الدالة على النهي عن القول بما لا يعلم فان القائل اذا علم انتسابه الى مذهب ودين فاخراجه عنه والحكم عليه بخلافه بالالفاظ القابلة للاحتمالات الكثيرة المتعددة والظواهر المفيدة للظن والتخمين جرئة على الله ورسوله وائمة الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين

ولا شك ان كل منتسب الى كل مذهب ودين يعرف بالانتساب الى ذلك المذهب وتلك الطريقة وذلك معلوم واضح لمن له عينان وله قلب او القى السمع وهو شهيد

وما ورد من النهي عن تأويل كلام الصوفية على ما رواه الاردبيلي في حديقة الشيعة الا فمن مال اليهم واول كلماتهم فانا منهم برآء قيل وان كان المائل من محبيكم فنظر (ع) اليه شبه المغضب وقال من قال بحقوقنا لم يذهب الى عقوقنا فنحن نقول بموجبه ونتبرء الى الله ممن يأول كلمات الصوفية الملحدين فانهم الكفرة اعداء الدين ولكن ذلك بعد اثبات تصوفهم لا بمحض الاحتمال والظن والتخمين فان ذلك لا يثبت به الدين ولم يقم به الشرع المبين كيف والله عز وجل يقول في كتابه الحكيم ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولا شك ان الرمي بالكفر اشنع واقبح من الرمي بالزنا والرمي بالتصوف اقبح من الرمي بالكفر لانه جامع لجميع مراتب الكفر وطبقاتهم ودرجاتهم والمؤمن اكرم عند الله من المؤمنة والعالم العارف المسمى في روايات اهل البيت عليهم السلام بالمؤمن الممتحن اكرم عند الله من العالم فانظر ماذا ترى من التفاوت الفاحش فان الله سبحانه لعن الرامي للمحصنة قبل ان تقوم البينة المقررة في الشريعة فكيف من يرمي المؤمن ( المؤمن العالم خ‌ل ) العارف بالكفر والتصوف والغلو قبل ان تقوم عليه البينة الشرعية وهل يكون العثور على بعض الالفاظ المتشابهة والكلمات المحتملة للاحتمالات المتساوية على فرض تحققها ووقوعها يكون بنية الستم تقولون اذا قام ( جاء خ‌ل ) الاحتمال بطل الاستدلال وفي هذه المقامات تكفي الاحتمالات البعيدة الضعيفة فكيف بالمتساوية بل الراجحة اما كفاكم بهذه الآية المباركة الشريفة رادعا وزاجرا

وذكري الكلمات المتشابهات فرض وتقدير وتغليظ للامر والا ففي كلام مولينا واستادنا وسنادنا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه ليس فيه ما يوهم التشبيه والاشتباه او يكون ظاهرا فيما ينافي ما عليه الفرقة المحقة حاشا وكلا بل ماصدر منه كلام الا وقارنه ببيان فصيح وذكر صريح يكشف معضله ويفتح مقفله لمن يفهم ويعرف ويحكم وينصف ولكن الامر كما قال الشاعر :

اذا لم تكن للمرء عين صحيحة فلا غرو ان يرتاب والصبح مسفر

فقبل ثبوت الامر ووضوح المخالفة كيف يدخل في قوله الا فمن اول كلماتهم ثبت العرش ثم انقش وهل بعد تصريح القائل بان مرادي من هذا الكلام هذا المعنى الصحيح لا الذي توهمت فهل بقى ( يبقى خ‌ل ) للتأويل مجال اليس هو النص في المطلوب وهل سمع من احد من الجهال فضلا عن العلماء ان الظاهر يعارض النص او يكون الظاهر حجة بعد تحقق النص اليس النص بالنسبة الى كل كلام تنصيص القائل بمراده وتصريحه بما في باله

وما اشبه هذه المعارضة بقول ذلك الحشوي الصوفي لما حضر عند مولينا الصادق (ع) وذكر انه ممن يروي الحديث من العلماء وقال له الصادق (ع) اذكر لنا عما سمعته ورويته فقال اخبرني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام انه قال ان الله سبحانه تجلى لموسى بصورة شاب امرد وذكر روايات اخر من هذا القبيل ونسبها كلها الى الصادق (ع) ثم قال له الامام (ع) هل تعرف جعفر بن محمد قال لا قال (ع) لو عرفته وقال لك ان هذا القول ليس قولي وانا بريء من هذه العقايد هل تقبل منه ام لا قال لااقبل منه لان الذي اخبرني اوثق منه ذكرت مختصر الحديث بالمعنى اذ لم احفظ لفظه وهو مذكور بطوله في كتاب العوالم والبحار

وما نحن فيه بعينه ذلك قال تعالى لتركبن طبقا عن طبق وقال تعالى سنة الله التي قد خلت من قبل ولن ‌تجد لسنة الله تبديلا فافهم الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام

[ الوجه الثالث : حذوًا بالعلماء الاعلام ]

ان ما ذكرتم ليس قدحا في الشيخ اعلى الله منزلته ورفع في فسيح الجنان مرتبته وحده بل هو قدح في عامة علماء الشيعة واساطين الشريعة اذ لم يسلم منهم احد غالبا الا وذكر ما في ظاهره المنافاة والمخالفة لظاهر الشريعة

[ الشيخ الصدوق ]

مثل ما ذكره الصدوق (ره) في اثبات السهو على النبي والائمة عليهم السلام كما قال في الفقيه ما لفظه وكان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يقول اول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله ولو جاز رد الاخبار الواردة في هذا المعنى لجاز ان يرد جميع الاخبار وفي ردها ابطال الدين والشريعة وانا احتسب الاجر في تصنيف كتاب منفرد في اثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه ان شاء الله

وقال ايضا فيه قال مصنف هذا الكتاب ان الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي الى آخر كلامه

وانت خبير بان عصمة الانبياء عن السهو والنسيان من ضروريات مذهب الشيعة مع ان الصدوق انكره ولعن من ينكر السهو فلو حملت هذا الكلام على ظاهره لزم شمول اللعنة على جميع الشيعة وعلمائهم ويلزم منه خروجه عن المذهب مع انه لم يطعن عليه احد بذلك ولم ينسبه احد الى الخروج عن المذهب ولا الى الاهانة بالدين حيث لعن اساطين العلماء من الشيعة المخلصين المنكرين لسهو النبي والائمة عليهم السلام فيجب ان يحمل سهوه على الاسهاء والنسيان على الانساء واللعن على من يقول بعدم سهوهم مستقلين وكيف ينسب مثل الصدوق الى الخروج عن الدين مع عظم شأنه ونبالة مكانه وشهد له الامام القائم عجل الله فرجه بالخير والسعادة

[ السيد المرتضى ]

ومثل ما ذكره السيد المرتضى في رسالة له مختصرة بان الله ليس الها للجوهر الفرد والاعراض وهذا كما ترى صريح في انكاره لضرورة الدين فان الله سبحانه اله كل شيء وخالق كل شيء ووارث كل شيء ولم ينسبه احد من العلماء الى هذا بل حكموا عليه بالوثاقة في اعلى مراتبها فظهر انهم لم يحملوا كلامه على ظاهره بل وجهوا له توجيها وجيها وذكروا له محملا صحيحا مطابقا لمذهب اهل البيت عليهم السلام وما عليه فرقة المحقة ولو حملت العبارة على ظاهرها لم يكن شيء اصرح منها في الدلالة على الكفر والزندقة

وهي بالضرورة اصرح بالدلالة على المخالفة من عبارات شيخنا واستادنا اعلى الله درجته ورفع في العليين منزلته ولست ادري ما بالهم يأولون هنالك ولا يأولون هنا

[ العلامة المجلسي ]

ومثل ما ذكره العلامة المجلسي (ره) في رسالته الفارسية المسماة بصراط النجاة وذكر فيها المقدورات ثم قال كلاما حاصله ان المقدورات ثلثة منها ما هو مقدور لله وليس مقدورا للخلق ومنها ما هو مقدور لله وللخلق ومنها ما هو مقدور للخلق وليس مقدورا لله وهذا كما ترى بظاهره يدل على ان الخلق اقدر من الله وهذا مخالف لضرورة الاسلام وهل يجوز لعاقل نسبة هذا الامر الشنيع والفظيع الى مثل هذا العالم الرباني والفاضل الصمداني الناشر للاخبار والغواص في بحار الانوار

ولهذا لم ينسبه احد الى هذا القول وما هذا الا صرفوا كلامه من ظاهره واولوه بما يطابق الحق فلو لم يكن التأويل والحمل ووقوع المتشابه شيئا معلوما عندهم لماصدر منهم امثال هذه الكلمات

[ المقدس الاردبيلي ]

ومثل ما ذكره المقدس الاردبيلي قدس سره في حاشيته على الحضرمي من جواز التركيب العقلي على الله مع ان كون التركيب مطلقا علامة الحدوث مما اجمع عليه المسلمون بل المليون بل كافة العقلاء فوجب حمل كلامه على معنى صحيح اذ لم يجعله احد من العلماء قادحا في وثاقته فضلا عن عدالته فضلا عن ايمانه فضلا عن اسلامه ولو لم يجز الحمل والتأويل لكان هذا القول صريحا في الكفر والزندقة وجلالة شأن القائل تأبى عن ذلك

[ المحقق الخوانساري ]

ومثل ما ذكره المحقق الخونساري آقا جمال في حاشيته على حاشية القديم والتجريد من جواز انتزاع الازمنة الغير المتناهية والمدد اللانهاية لها من ذات الله عز وجل وان ذات الله بذاته منشأ لهذه الانتزاعات وهكذا كما ترى بظاهره يستلزم الانفعال ( الانفصال خ‌ل ) والاقتران وقد اجمع العقلاء ( العلماء خ‌ل ) كافة من المسلمين وغيرهم على ان اكوان الاربعة التي هي الاقتران والاجتماع والحركة والسكون من علامة ( علامات خ‌ل ) الحدوث مع انه لم يطعن في هذا المحقق احد بالكفر والخروج عن الدين احد من العلماء وليس هذا الا بحمل كلامه وتأويله وصرفه عن ظاهره كما هو الطريقة المقررة للعلماء خلفا عن سلف

[ الملا محسن الكاشاني ]

وما ذكره الملا محسن الكاشي صاحب الوافي والصافي وله كلمات قبيحة بظاهرها يخالف الشريعة والملة وانا اذكر لك شطرا مما احفظ من عباراته بالفاظه منها ما ذكره في الكلمات المكنونة ان الوجود ان اخذ بشرط شيء فهو الوجود المقيد وان اخذ بشرط لا شيء فهو الوجود العام البديهي وان اخذ بلا شرط فهو الوجود المطلق وهو الذي يطلق على الله دون الاولين وهذا الوجود في نفسه ليس بمتكثر ولا متعدد ولا مختلف بل تلزمه هذه المراتب بحسب مراتبه ومقاماته المنبهة عليها بقوله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش فيصير كليا وجزئيا وجنسا وفصلا من غير حصول تكثر في ذاته

انظر الآن في هذا الكلام وتصريحه بالقول بوحدة الوجود الذي اجمع المسلمون على بطلانه وتكفير القائل بها وذكر اصطلاحه في الوجود المطلق اذا اطلق بالمعنى المذكور ولا اريكم تحكمون بكفره مع ان عبارات مولينا واستادنا اعلى الله مقامه لا تبلغ معشار ما في هذا الكلام من التصريح بالمخالفة لضرورة الايمان والاسلام منها ما ذكره في كلماته ايضا بما لفظه : ذات الاسم الباطن بعينه هو ذات الاسم الظاهر والفاعل بعينه هو القابل والاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة والفعل والقبول له يدان وهو الفاعل باحدى يديه والقابل بالاخرى والذات واحدة والكثرة نقوش فصح انه ما اوجد شيئا الا نفسه وليس الا ظهوره

منها ما ذكره فيها في بيان القدر وسره وسر سره وساق الكلام الى ان قال : وسر سر القدر ان هذه الاعيان ليست امورا خارجة عن ذات الحق سبحانه بل هي ذاتيات وانيات للحق وذاتيات الحق لا تقبل الجعل والتغيير والتبديل والزيادة والنقصان

منها ما ذكره فيها ايضا : دريا چون نفس زند بخارش گويند چون متراكم شود ابرش خوانند ( ميگويند خ‌ل ) چون فرو ريزد بارانش نام نهند چون جمع شود سيلش گويند وچون بدريا پيوندد

البحر بحر على ما كان في القدمان الحوادث امواج وانهار

لا تحجبنك اشكال تشكلها عمن تشكل فيها وهي استار

منها ما ذكر فيها : مجنون بحسب ظاهر هر چند طالب جمال ليلي بود وليكن ليلي آينه‌اي بيش نبود ليلي ديد وخود را دوست داشت ( ميداشت خ‌ل )

حسن از حق است وعشق از حقنامي بر ما ز عشق ‌بازيي است

منها ما ذكره فيها :

جمال يار كه پيوسته بي‌قرار خوداست

چه در خفا وچه در جلوه بر قرار خود است

هم اوست عاشق ومعشوق وطالب ومطلوب

براه خويش نشسته در انتظار خود است

منها ما ذكره فيها :

گاه خورشيدي وگه دريا شوى

گاه كوه قاف گه عنقا شوى

از تو اي بي نقاش با چندين صور

هم مشبه هم منزه خير وشر

وامثال هذه الكلمات فيها كثيرة اكثر من ان تحصى لو اردنا استقصائها لطال بنا الكلام

منها ما ذكره في الوافي في باب المشية والارادة ان مشيته ( المشية خ‌ل ) احدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم انت واحوالك

وله من امثال هذه الكلمات ما لا يحصى ولا يستقصى ذكرنا نوعا منها تنبيها للغافلين وارشادا للمسترشدين وايقاظا للراقدين ممن يصدق او يكذب او يتوقف فافهم

[ الملا مهدي النراقي ]

منها ما ذكره العالم الحكيم الملا مهدي النراقي في كتابه المسمى بمشكلات العلوم في ذيل موثقة عمار الساباطي في المعاد وساق الكلام الى انه ذكر ان الجسم يشتمل على الاجزاء الاصلية والاجزاء الفضلية وان الواجب في المعاد عود الاولى لا الثانوي ( الثاني خ‌ل ) وساق الكلام الى ان قال : ولو قلنا بعدم عود الاجزاء اصلا اصلية كانت او فضلية وعود الطينة التي خلق الجسم منها كما في الحديث سواء فسرت الطينة بالنفس الناطقة ام ( او خ‌ل ) غيرها كفى في القول بالعود الجسمي هذا معنى مختصر كلامه اذ لم احفظ بلفظه

وهذا كما ترى المخالفة ( لمخالفته خ‌ل ) لكافة المسلمين بل وغيرهم من المليين القائلين بالمعاد الجسماني ولولا حمل كلامه على المعنى الصحيح وصرفه الى وجه وجيه كان ينسب هذا العالم الكامل الى الخروج من الملة والدين مع انه لم ينسبه احد الى هذا ولم يطعن عليه بهذا مع انه من اساطين العلماء وزبدة الفقهاء والحكماء

[ الملا الحسين النجفي ]

منها ما ذكره الشيخ العالم الورع الشيخ حسين النجفي قدس سره في بعض قصائده في مدح مولينا امير المؤمنين عليه السلام احفظ بيتا منها وهو قوله :

هو صنع الاله والخلق طرا صنع من كاد ان يكون الها

وقال ايضا :

اذا كان ايجاد العوالم عنهم فلا تلم الغالي وان ضل في الدعوى

وهذا كما ترى صريح في انه (ع) واهل بيته هم العلل الفاعلية في ايجاد الاشياء وخلق العوالم وانتم تقولون ان هذا خلاف ضرورة المسلمين مع ان هذا الشيخ العظيم الشأن قد اتفقت السن العامة والخاصة على توثيقه وجلالة شأنه ونبالة مكانه وما هذا الا لانهم لم يحملوا كلامه على ظاهره بل حملوه على معنى صحيح ووجهوه بتوجيه وجيه يوافق ( يوافق على خ‌ل ) ما عليه الفرقة المحقة وغيرهم من العلماء الكاملين والحكماء الراسخين

ولو اردنا ذكر بعض ما لهم من الكلمات المتشابهة ( المتشابهات من اختصار خ‌ل ) والعبارات المغلقة المجملة لطال بنا الكلام واخرجنا عما نحن فيه من اختصار المقام وفي ما ذكرنا كفاية لاولي الدراية اذ يدرك الذكي بنظر واحد ما لا يدركه البليد بالف شاهد

فلو كان ذكر الكلمات المتشابهة قدحا في المتكلم قبل الالتفات الى المعروف من مذهبه وما يذكره من القرائن الموضحة لمطلبه لوجب الحكم بكفر هؤلاء الاكابر الاجلاء ( الاجلاء الكرام خ‌ل ) من اساطين العلماء الحاملين للمذهب والدين والحافظين لآثار سيد المرسلين عليه وآله صلوات المصلين ابد الآبدين والحكم بكفرهم كفر بالله رب العالمين مع ان عبارات مولينا واستادنا اعلى الله مرتبته ورفع في فسيح الجنان منزلته لا تبلغ معشار معشار ما في عبائر هؤلاء الاجلاء والاكابر العظماء فالقدح فيه قدح فيهم وقدح في ائمتهم عليهم السلام والقدح فيهم قدح في الله فاختر لنفسك ما تحب ( تحلو خ‌ل ) فان ما ذكرنا تمام الكلام وعلى من يفهمه السلام

[ إشكالات ورودود ]

ولعل بعض القاصرين الغير المتأملين في حقيقة الامر يقول لو كان الامر كما ذكرت من وجوب حمل الكلام بما يوافق المذهب والدين فلماذا طعن الشيخ اعلى الله مقامه على جماعة من الموحدين مثل الملا محسن الكاشي والملا صدر الدين الشيرازي وغيرهما من العلماء والحكماء بل ربما حكم بكفرهم وذكر قبايح كلماتهم وفساد عقايدهم وهلا راعى هذه القاعدة المقررة فيهم وحمل كلامهم على وجه وجيه ومحمل صحيح

ثم ان العلماء لم يزل رأيهم وديدنهم ( ديدنهم ورأيهم خ‌ل ) في مقام التوثيق والجرح والتعديل على ظواهر العبارات والكلمات والالفاظ فانها سفراء المعاني كما هو الظاهر من تتبع كتب الرجال ولولا ذلك لم يعرف علماء الخاصة من العامة واهل الاسلام من اهل الكفر فان ( لان خ‌ل ) التأويل والتوجيه يجري في كل كلام حتى في قول فرعون انا ربكم الاعلى اذ يجوز ان يقال انا عبد ربكم الاعلى وحذف المضاف شايع وذايع وهذا القول في البطلان بما لا يحتاج الى البيان فاذن فالمدار على مدلولات الالفاظ والكلمات وما يظهر للناظر المتتبع

[ لماذا خطّأ الشيخ الملا محسن والملا صدرا ]

والجواب : اما على القول بان الشيخ اعلى الله مقامه وانار برهانه طعن في الملا محسن وحكم عليه بالكفر فافتراء محض وبهتان صرف لان كلامه يحتمل المعاني والتوجيهات الكثيرة الصحيحة اذ ليس المعتمد هو كلامه بل الناقلين عنه الذين قرؤا عليه من زمانه الى هذا الزمان بعضهم عن بعض نقلوا عنه ذلك وكلماته صريحة غير قابلة للتأويل لانه بين مراده وقال ان الوجود المطلق حيث ما يطلق لا نريد به الا الذات الحق سبحانه وتعالى كما نقلنا عنه سابقا ولا اتى بكلام ينافيه ولا يضاده وساير كلماته متطابقة مع هذا الكلام

فاذن : يحصل القطع بملاحظة كلامه وتصريحاته وعدم اتيانه بالقراين او بالكلمات المنافية او البيان الصريح ونقل النقلة والحفظة عنه المعتمد عليهم والموثوق بكلامهم فان كلماتهم ومطالبهم تتوارث من سلف الى خلف من تلميذ الى تلميذ ان تبقى حقا كانت ام باطلة

الا ترى علم المنطق فانه من وضع ارسطاطاليس وبقي الى الآن متوارثا وهكذا مطالب العلماء الذين بعد عهدهم عنا فانها تصل الينا على ما هي عليه بالوسايط الاحياء الموجودين المعينين لفهم مراداتهم من تلك المطالب والكلمات وذلك واضح ظاهر ومن لم يجد فليسئل الله ان يصلح وجدانه

فاذا رأينا الناقلين الآخذين عنهم الموثوق بكلامهم ينقلون عنه مثلا في مسئلة الوجود كذا وكذا وعباراته كلها متطابقة على ذلك المعنى ولم يأت بقرينة منافية ولا بعبارة موضحة بل صرح بمراده في مواضع من كلماته ولا شك ولا ريب انه حينئذ يحصل القطع بالمراد ويصح حينئذ الاستناد

وما نقل شيخنا واستادنا اعلى الله مقامه عن الملا محسن والملا صدرا وامثالهما كله من هذا القبيل فان عباراتهم وكلماتهم كلها صريحة غير قابلة للتوجيه الا الاحتمالات العقلية البعيدة التي نقطع بعدم ارادتها والا لاشاروا اليها في موضع من كلماتهم وعباراتهم فاذا لم يحصل ذلك للمتتبع التام والمتفحص بالفحص البالغ في تلك الكلمات حصل الجزم بالمراد

وهذا الملا محسن قد صرح في غير موضع من كتبه ورسائله مثل كتاب عين اليقين والكلمات المكنونة وغيرهما ان العذاب ينقطع عن الكفار في النار وليسوا بمخلدين في العذاب وان كانوا مخلدين في النار فانهم يتنعمون فيها كما يتنعم الجعل في النجاسات والقاذورات كما قال في عين اليقين ان الالم عقليا كان ام حسيا لا بد ان يزول او يؤل الى النعيم فان القبر لا يدوم وقال نحوا من هذا الكلام بزيادة شرح وايضاح في الكلمات المكنونة ولم يأت له بشيء ينافيه ويعارضه وهكذا قوله في وحدة الوجود وان الله سبحانه بحر والخلق امواجه كما تلونا عليك قبل هذا وهكذا في غيرها من المسائل واذا اردت ان تطلع على حقيقة الامر في ذلك فانظر طويلا وتأمل كثيرا في شرح مولينا واستادنا على المشاعر والعرشية

[ هل حكم الشيخ بكفر الملا محسن والملا صدرا ؟ ]

ومع هذا كله لم يحكم بكفرهما واستغفر لهما وان حكم بالخطاء وقد نص اعلى الله مقامه على ما ذكرنا في اجوبة المسائل الدامغانية حيث قال السائل : وهل يكون هذا الاعتقاد سببا لدخول النيران ام لا قال اعلى الله مقامه : اقول المستفاد من اخبار اهل البيت عليهم السلام ومن كلام العلماء انه يكون سببا لدخول النار والخلود فيها لاجماعهم على كفر القائل بوحدة الوجود ولا شك انهم لا يعنون غير هذا القول فانه قطعا قول ( قول بوحدة الوجود بل خ‌ل ) بوحدة الموجود واما عندي فلا شك ( شك في خ‌ل ) انهم اخطأوا طريق الحق واتبعوا سبيل الباطل واما تكفيرهم فذلك شيء عند الله وانا لا اعلم حكمهم عند الله سبحانه وذلك لامور

الاول : ما روي عن الباقر (ع) ما معناه لو ان رجلا سمع الحديث يروي عنا ولم يعقله عقله وانكره وكان من شأنه الرد الينا فان ذلك لا يكفر انتهى

وانا اعلم بان كثيرا من القائلين بهذا اناس لهم ايمان وديانة وصلاح واعتقاد عظيم في اهل البيت عليهم السلام لو علموا بان هذا القول مناف لمذهب ائمتهم عليهم السلام وانه مذهب اعدائهم لتركوا وانكروه ولكن شبه لهم فلاجل هذا سكت عنهم

الثاني : العلماء من الفقهاء وقع منهم امور عظيمة في المعتقدات نقطع بمخالفتها لمذهب الائمة عليهم السلام ولم يحكم احد من العلماء بكفرهم مثل قول السيد المرتضى في رسالته بان الله تعالى ليس الها للعرض ولا للجوهر الفرد لان الاله هو المنعم وهذان لا يحتاجان الى المنعم والمدد فلا يكون الها لهما نقلته بالمعنى ومن ذلك ما وجدته في رسالة للشيخ الطوسي (ره) ما معناه انه قال ان الله سبحانه ليس في مكان والا لمازج القاذورات

ومن ذلك : اختلاف العلماء في قدم المشية وحدوثها حتى قال الاكثرون بقدمها حتى انه روى الصدوق في التوحيد عن الرضا (ع) انه قال ( قال ان خ‌ل ) المشية والارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لم يزل شائيا مريدا فليس بموحد

وقد ذكر الشهيد (ره) في الذكرى بعد ان ذكر انه لا يجوز ان يقتدي الرجل بمن يخالفه في شيء من الواجب مبطل للصلوة بالاخلال به كما لو كان المأموم يرى وجوب السورة والامام يرى الاستحباب اما لو كان الخلاف في المسائل الاصولية التي يدق مأخذها كالقول بقدم المشية وحدوثها فان ذلك لا يضر بالائتمام وهو شهادة منه بالتسامح في ما يدق مأخذه مع انه لم ينقل في ذلك اختلافا

ومن ذلك وقوع كثير من الاختلافات الشنيعة في الاصول والفروع في زمان الائمة عليهم السلام بما يطول نقله وربما انكروا بعضه مثل ما قيل للامام عليه السلام في ما ذهب اليه هشام ابن الحكم بان لله جسما وهشام بن سالم بان لله صورة وانكر ذلك وتعوذ منه ولم يحكم بكفرهما وامثال ذلك كثير فلهذا وقفت عن القول بالتكفير وجاهرت بالتخطئة لعله يتذكر او يخشى انتهى كلامه رفع في الخلد اعلامه

فظهر لك ان ما نسبوا اليه (ره) من تكفير الملا محسن والملا صدرا افتراء محض وبهتان صرف كما سمعت كلامه بالبرهان فليس وراء عبادان قرية

[ لماذا لا يجري في كلامه ما جرى في كلامهم ؟ ]

فان قلت انه يجري في كلام مولينا الشيخ قدس سره ما اجريته في كلام ( كلمات خ‌ل ) اولئك من حصول القطع بالكلمات الصريحة الواضحة المنافية للحق وعدم الاتيان بشيء ينافي كلامه

قلت أولا : ان ذلك قياس مع الفارق بل لا نسبة بين كلام مولينا واستادنا وكلام اولئك الاشخاص فاذا ذكرنا لك ان مطالب اولئك وصلت الينا بنقل النقلة من سماعهم وقرائتهم من جهة التوارث لا بمحض العبارة والكتابة وحدها وهنا التلامذة الموثوق بهم في النقل عن مولينا باجمعهم يصرحون بخلاف ما تقوله الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس وهؤلاء المعترضون لا سمعوا منه كلاما ولا عرفوا منه مراما فاذن اي اعتناء بنقلهم واي التفات بتصريحهم وقد واجهت بعض اشباه الناس وذكر ان الشيخ يقول بعدم اعادة الجسد العنصري وذلك كفر مخالف لضرورة الاسلام

فقلت له يا هذا اتدري ان الجسد في اللغة على كم معنى من المعاني يطلق وعلى كم وجه ينصرف وعلى كم اصطلاح يستعمل وما تلك المعاني والاصطلاحات فبهت ولم يحر جوابا

ثم قلت اليس يقبح بالرجل ان ينسب الكفر والزندقة الى كلام لا يعرف وجوهه وتصاريفه ولا يعرف معانيه اللغوية من المشهورة والغير المشهورة فلعل بعض تلك المعاني يوافق الحق ويطابق المذهب وهل يجب على العالم ان لا يتكلم الا ( الا على خ‌ل ) حسب متفاهم ( متفاهم العرف وخ‌ل ) العوام اذن للعوام ان يخطأوا العلماء في ما لم يفهموا ويرمونهم بالكذب والزور والى الله المشتكى

وثانيا : ما صدر منه اعلى الله مقامه كلاما بعيدا عن فهم العوام الا وقد قرنه ببيان صريح من تصريحات عباراته واشاراته حتى لا يتوهموا خلاف الحق

[ المراد بالجسد العنصري ]

الا ترى في مسئلة المعاد لما ذكر الجسمين والجسدين وحكم بان الجسد العنصري لا يعود ذكر المراد من الجسد العنصري الغير المعاد قال : ومعنى كلامي ومرادي هو ان الانسان له جسدان وجسمان الجسد الاول مركب من العناصر الاربعة المحسوسة وهو الآن في هذه الدنيا عبارة عن الكثافة العارضة وفي الحقيقة هو الجسد الصوري ومثاله اذا كان عندك خاتم من فضة فان صورته هي استدارة حلقته ( الاستدارة الحلقية خ‌ل ) وتركيب موضع الفص المركب منه مثلا فاذا كسرته واذبته وجعلته سبيكة او سحلته بالمبرد وجعلته سحالة ثم بعد ذلك صغت ( صنعت خ‌ل ) تلك الفضة اعني السبيكة او السحالة خاتما على هيئة الاولى فان الصورة الاولى التي هي الجسد الصوري لا تعود ولكن صغته على صورة كالاولى فهذا الخاتم في الحقيقة هو ذلك الخاتم الاول بعينه من حيث مادته وهو غيره من جهة صورته

ونعني بالجسد العنصري الذي هو الكثافة البشرية هو هذه الصورة التي هي الجسم الصوري لان اعتقادنا الذي ندين الله به ونعتقد ان من لم يقل به ليس بمسلم هو ان هذا الجسد الذي هو الآن موجود محسوس بعينه هو الذي يعاد يوم القيمة وهو الذي يدخل الجنة او النار وهو الخالد الذي خلق للبقاء وهو الذي نزل الى هذه الدنيا من الف‌ الف عالم حتى وصل الى التراب

الى ان قال (ره) : فهذا الجسد المحسوس هو بعينه المعاد وهو بعينه متعلق الثواب والعقاب ( العذاب خ‌ل ) لا يشك في ذلك الا من يشك في اسلامه لان هذا من اصول الاسلام الى ان قال (ره) : مثل الماء هو لطيف فاذا جمد لبس صورة الثلجية فاذا ذاب عاد الى اصله من غير ان يختلف الا بمحض الصورة المعبر عنها بالجسد العنصري فاذا جمد ذلك الماء مرة ثانية لم يعد اليه الجمود الاول وليس جمودا ثانيا مع انه بعينه هو ذلك الماء لم يتغير مع انه قد تغير وهذا هو مرادنا بذهاب الجسد الاول الذي لا يعود فالموجود في الدنيا بعينه وهو المرئي بالبصر هو جسد الآخرة بعينه

الى ان قال (ره) : ثم يصفى في الارض بمعنى ان الارض يأكل جميع ما فيه من الغرائب والاعراض والكثافات المعبر عنها بالجسد العنصري ويخرج يوم القيمة هذا الجسد بعينه اعني الموجود في الدنيا بعينه هو الذي يخرج يوم القيمة بعد ان يصفى ومعنى قولنا بعد ان يصفى هو ان يذهب عنه الجسد العنصري ومعنى قولنا هو ان يذهب عنه الجسد العنصري يعني يذهب الكثافات الغريبة وهي الصورة الاولى لانه اذا صيغ ثانيا لا تعود الصورة الاولى فافهمه

فهذا مرادي وابرء الى الله تعالى من غير ذلك وهذا هو مذهب ائمة الهدى عليهم السلام ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون الى ان قال اعلى الله مقامه : فالجسد الاول من العناصر المحسوسة ونريد ( نريد به خ‌ل ) هذه الصورة والتركيب في الدنيا لانه اذا مات وكان ترابا ذهبت هذه الصورة فاذا اعيد على هذه الصورة بعينها ليست هي الاول مثل ما مثلنا لك بالخاتم ومثل ما مثل الامام (ع) باللبنة وهذه الصورة الاولى هي الجسد الاول الذي لا يعود وهو مخلوق ( المخلوق خ‌ل ) من العناصر المحسوسة وهو الكثافة وقال ايضا (ره) : ولا نعني بالبشرية وبالعنصرية وبالكثافة وبالاعراض وغيرها الا هذه الصورة العارضة له في هذا المقام اعني دار التكليف انتهى كلامه

وقد ملأ كتبه ومصنفاته واجوبته للمسائل من هذا النوع من البيان للجسد الاول الذي لا يعود وهل يبقى مع هذه التصريحات الاكيدة والتأكيدات البليغة في بيان مراده من الجسد من انه هو الصورة والهيئة الدنيوية لمسلم مؤمن يخاف الله ويراقب دار الآخرة شك وشبهة في انه القائل بان هذا الجسم المرئي المحسوس بالابصار والمدرك بالامساك ( بالامساس خ‌ل ) يحشر يوم القيمة وانما سمى الصورة جسدا كما هو احد معانيه في اللغة على ما ذكره في مجمع البحرين والقاموس من ان الجسد هو الهيئة وقوله تعالى جسدا اي ذا هيئة وهو الجسم التعليمي والجسد التعليمي المشتهر بين العلماء كاشتهار الشمس في رابعة النهار وهو البدن النوري كما في الحديث في معنى الاشباح النورانية

وهل مسلم موحد يقول ان الصورة الدنياوية والهيئات المعوجة العنصرية يعود ( تعود خ‌ل ) يوم القيمة فيعود لقمن الحكيم عبدا اسودا على صورة غير مستحسنة ويعود ابوبصير ليث المرادي البختري الذي هو من الاوتاد الاربعة والاركان الاربعة والسفن الجارية في البحر القمقام يوم القيمة وهو اعمى او يعود الكفار الذين في هذه الدنيا على الصورة الحسنة والشمائل المستحسنة يوم القيمة حسن الصورة جميل الشكل وفي هذا القول تكذيب الشريعة ( للشريعة خ‌ل ) وتكذيب لله سبحانه وتعالى على الحقيقة ومخالفة لعامة المسلمين والله سبحانه يقول ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا من قبل فنسيتها وكذلك اليوم تنسى فكيف يحشرهم الله اعمى وقد كانوا على غير تلك الصورة في الدنيا

ولست ادري اي صورة دنياوية ( دنياوية يوم القيمة خ‌ل ) تحشر صورة صباه او صورة ( صورته في حال خ‌ل ) بلوغه او صورة شبابه او صورة شيخوخته او صورة هرمه او صورة صحته او صورة مرضه في اي صورة تفرض تبقي صور دنياوية لم تحشر فثبت ان تلك الصورة لم تعد وان كانت هي الصورة التي يموت عليها فيلزم ان يحشر الخلايق يوم القيمة مرضى على ضعف شديد لا يقدرون على النهوض خصوصا اذا كان المرض دماغيا او من جهة الاسهال فمن المثاب والمعاقب والضرورة قاضية ببطلان هذا الكلام السخيف فان كان هذه الصورة لا تعود فقد اقررت بان من الصورة ( الصور خ‌ل ) الدنيوية لا تعود

والحاصل هؤلاء المعترضون قد اغمضوا اعينهم وارادوا امرا يأبى الله ذلك والا فليس في الكلام غبار فان استشكلوا في قوله اعلى الله مقامه ان الجسد العنصرية لا تعود فتلحق النار بمركزها والهواء والماء والتراب كذلك فمراده حشرني الله معه هي الصور وهي الكيفيات العارضة المسماة في عرف الاطباء بالحرارة الغريبة والرطوبة الغريبة وعنده اعلى الله مقامه جميع الكيفيات تنقسم الى غريزية وغريبية ( غريبة وغريزية خ‌ل ) فبالغريزية يقوم الشيء والبدن وبالغريبية يفسد ويمرض فيأتي الطبيب فيسكن تلك الكيفية الزايدة من الحرارة والرطوبة وغيرهما فتلحق باصلها فتعدل البنية فكما ان تلك الكيفيات في الدنيا تأتي عند المرض وتذهب عند الصحة ولما كان دار الآخرة لهي الحيوان ليس فيها مرض ولا موت تذهب تلك الكيفيات الغريبة عند الموت فلا تعود يوم القيمة كما لا تعود في الدنيا في من لم يتمرض

فمن قال بهذه المقالة اي محذور يخافه واي كفر يخشاه ولكن الامر كما قال عز وجل فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور واين هذا من عبائر القوم مثل الملا محسن والملا صدرا في ما اورد عليهم من الاعتراض واين لهم البيان الموضح لمرامهم والقرينة الصارفة المنبئة لمرادهم فان كان ذلك فاذكروها كما ذكرت لكم هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقد كتبت في هذه المسئلة رسالة مستقلة ودفعت عنه اعلى الله مقامه اوهام الناقصين وشبه السوفسطائيين ومن اراد التفصيل فليرجع اليها لتعرف ان ما ذكره (ره) في المعاد هو ما اتفق عليه المسلمون والراد عليه راد على النص المبين وتابع غير سبيل المؤمنين ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا

[ الائمة هم العلة الفاعلية ]

وفي مسئلة العلل الاربع ( الاربعة خ‌ل ) ذكر ان الائمة عليهم السلام هم العلل الاربع ( الاربعة خ‌ل ) في العالم ثم فصل وقال انها فاعلية كما في قوله (ع) نحن صنايع ربنا والخلق بعد ( بعد صنايعنا او خ‌ل ) صنايع لنا كما في قوله تعالى واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وكما قال تعالى للعقل الكلي الذي هو عقلهم ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل انتهى

وهذا وان كان ليس فيه صراحة ولا ظهور في مخالفة ما عليه الامة شرح ذلك وبين واوضح ( اوضح ذلك خ‌ل ) واعلن في شرح الجامعة عند قوله (ع) وآثاركم في الآثار على ان المراد من الفاعل والخالق والعلة واشباهها من العبارات ليس ما تتوهمه عامة الناس من الفاعلية الحقيقية وانما هي مجازية كما قال ما لفظه الشريف : اوصيك وصية ناصح ان لا تستغرب هذه الاشياء وتنكرها فانا لا نريد بذلك انهم عليهم السلام فاعلون وخالقون ورازقون بل الله هو الخالق والرازق والفاعل لما يشاء وحده عز وجل لم‌ نجعل له شريكا في شيء الا انا نقول انه سبحانه لا يفعل شيئا بذاته لتكرمه وتنزهه ( لتنزهه وتكرمه خ‌ل ) عن المباشرة وانما يفعل ما يشاء بفعله وبمفعوله من غير تشريك بل هو الفاعل وحده واما فعله للشيء فهو انه اذا اراد شيئا كان ما اراد كما اراد من غير حركة ولا ميل ولا انبعاث ولا تفكر ولا روية وليس معه شيء يفعل به ما يفعل زايدا على فعله لما فعل اذ ليس شيء غير الذات المقدسة وفعله ومفعوله فلا شيء يصح ( يصح عليه خ‌ل ) اطلاق الشيئية الا ذاته ثم فعله شيء بشيئية ذاته اي ان فعله انما هو شيء بذاته تعالى ومفعوله انما هو شيء بفعله

واما مفعوله فهو تعالى يفعل بما يشاء من مفعولاته ما شاء من صنعه مثلا اذا اراد ان ينبت الحبة خلق لها الارض بفعله او بشيء من مفعوله وخلق الماء كذلك وخلق زيدا مثلا يزرعها وخلق لزيد جميع ما يتوقف عليه عمله من القوى والعلوم وتسليطه على البذر والماء والارض فاذا القى البذر في الارض وسقاه كما علمه الله والهمه انبت الله سبحانه هذه الاشياء التي هي مفعولاته ما شاء من صنعه فقال تعالى افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون والله سبحانه هو الزارع وحده من غير تشريك مع غيره

وكذلك ما خلق في الارحام كما روي انه تعالى خلق ملكين خلاقين يقتحمان الى البطن من فم امه فهما يقدرانه بما امرهما الله وكذلك ميكائيل جعله الله موكلا بالارزاق وهو تعالى وحده هو الرزاق ذو القوة المتين وكذلك ملك الموت جعله موكلا على قبض الارواح قال تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم مع انه قال تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها واذا قلنا هو الفاعل سبحانه نريد انه يفعل بفعله لا بذاته لان كل فاعل لا يفعل الا بفعله ومرادنا بفعله الذي يفعل به ما شاء هو فعله ومفعوله فان مفعوله يفعل به كما يفعل بفعله لا فرق بينهما الا بشيئين

احدهما ان فعله احدثه بنفسه ومفعوله احدثه بفعله

وثانيهما ان فعله يفعل به كل ما سواه فهو عام وكلي وغير متناه في تعلقاته ومفعوله خاص جزئي متناه في تعلقاته بالنسبة الى الفعل لا مطلقا فانه ايضا غير متناه بالنسبة الى نفسه وله اول في الامكان فان اوله الفعل الذي به كان وهذا المقام من غامض الاسرار والسر الاقدار فان اتى له ذكر في ما بعد فتحت بابه الذي فتح قلبي

ومرادنا ان هذه الاشياء من الفاعلين والمفعولات والافعال كلها قائمة في وجوداتها وفي كل ما يصدر عنه بفعله تعالى قيام صدور كقيام الكلام بالنسبة الى نفس المتكلم وشفتيه واضراسه ولهاته وحلقه وحركته فيها مع قيامه بالنسبة الى الهواء

فلو صح عنهم عليهم السلام انهم قالوا انا نفعل شيئا من ذلك فليس فيه اشكال كما سمعت قوله تعالى في حق عيسى (ع) واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني ولا يلزم منه غلو ولا جبر ولا تفويض ولا شيء ينافي الحق بوجه ما لانه اذا ورد شيئا من ذلك فمرادنا منه ما ذكرنا اولا وهو كمال العبودية والادلة من الكتاب والسنة جارية على ذلك متواردة فيه وانما نتوقف على صحة ورود ذلك عنهم انتهى كلامه رفع الله اعلامه

انظر الآن ايها العاقل اللبيب المنصف في صراحة هذا الكلام وتوضيحه لمعنى انهم عليهم السلام علل فقوله : اذا اورد شيئا من ذلك فمرادنا ما ذكرناه من كونهم اسبابا وابوابا جعلها الله سبحانه لخلقه في ايصال الفيض اليهم كما جعل الشمس سببا لاضائة الارض والنار سببا لطبخ اغذيتهم والهواء لنضج طبايعهم والملئكة لايصال التدابير الخاصة اليهم كما روي في تفسير قوله تعالى والمدبرات امرا

وهل لعاقل ان ينسب هذه الاشياء والمسببات الى هذه الاسباب ويعزل الله عن حكمه وسلطانه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وهل لعاقل ان ينكر مدخلية هذه الاسباب في هذه المسببات ويذهب الى ما تقوله الاشاعرة او مطلقا او لعاقل ان يقول ان الله تعالى يفعل بذاته ويباشر الاشياء بنفسه حتى المولى المجلسي (ره) جعل الفعل بالمباشرة مما يمتنع على الله تعالى ومما لا يقدر سبحانه عليه او لعاقل ان يقول ان الله تعالى يفعل بغير الاسباب وهو سبحانه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب

فلو قال قائل بان الله سبحانه جعل محمدا وآله ( وآل ‌محمد خ‌ل ) السبب الاعظم لوجود هذا العالم كما جعل الملئكة للتدبيرات الخاصة ( الجزئية خ‌ل ) كعزرائيل جعله ( جعله الله خ‌ل ) سبحانه سببا للوفاة والله سبحانه هو المتوفي والمميت وجعل ميكائيل سببا لارزاق العباد والله سبحانه هو الرزاق ذو القوة المتين وجعل الملكين الخلاقين في رحم المرأة سببا لخلق الولد ونشوه والله سبحانه هو الخالق وحده وقد قال تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم ثم يميتكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ومع ذلك قد نسب سبحانه الفعل الى الاسباب ايضا مجازا كما في قوله تعالى قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملئكة طيبين وقوله تعالى الذين تتوفيهم الملئكة ظالمي انفسهم وقوله تعالى واذ تخلق من الطين كهيئة الطير الآية

وقوله تعالى انه لقول رسول كريم اي القرآن مع انه قول الله تعالى وكلامه وابان سبحانه عن حقيقة الامر بقوله الحق فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون انظر الى قوله تعالى يكتبون الكتاب بايديهم فنسب الفعل اليهم وجعل اليد آلة وسببا لاظهار الكتابة وجعل الكاتب حقيقة هو الشخص كما هو المعلوم ثم اراد سبحانه ان يبين ان الفعل قد ينسب الى السبب القريب المقارن فقال سبحانه فويل لهم مما كتبت ايديهم فنسب الكتابة الى اليد بعد ما نسبها اولا الى الشخص وهي نسبة مجازية لا حقيقية كما ان نسبة الاولى حقيقية لا مجازية

فلو قال قائل ان محمدا وآله عليهم السلام من اعظم الاسباب والشرايط لايجاد العالم واهله في خلقهم ورزقهم وحياتهم ومماتهم كما ان الملئكة كذلك في التدبيرات الجزئيات على القطع واليقين فاي ضرر يخافه واي محذور يخشاه واي غلو وكفر يلزمه واي ضرورة ينكرها فان كان ما يحصل بالملئكة تفويضا باطلا فكيف يجوز على الله ان يحكم بالباطل وينسب الفعل اليهم ويجعلهم من اسباب الايجاد والخلق والرزق وكيف جاز هذا التفويض وصح في بعض ولا يصح في بعض آخر ان هو الا مجازفة وسفسطة او مكابرة معاندة او قلة معرفة بحق محمد وآله صلوات الله عليهم

انظر الى هذا التصريح الواضح والبيان اللايح في تفسير العلة الفاعلية بما لا ينافي مذهب الفرقة الناجية مقدار شعرة دفعا لما عسى ان يتوهم من كلامه رفع الله اعلامه ولعل متوهما يتوهم ان هذه السببية لآل ‌محمد عليهم السلام في العالم البشري بعد تولدهم من آبائهم وامهاتهم الظاهرية فمن توهم هذا التوهم على جهة الكلية فقد خبط خبط عشواء وانما هذه السببية والمدخلية لانوارهم وحقايقهم واسرارهم التي خلقها الله تعالى قبل الكون والمكان وقبل الاكوان والاعيان فكانوا انوارا قبل خلق الخلق يسبحونه ويقدسونه ويمجدونه وينزهونه الى ان خلق الله الخلق من اشعة انوارهم وتلألؤ حقايقهم واسرارهم كما دلت عليه الاخبار المتواترة واتفقت عليه العقول المتكاثرة واجتمعت عليه الآراء المختلفة من العامة والخاصة وكل من اقر بمحمد صلى الله عليه وآله خير البرية فافهم

اجمعوا على ان محمدا صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله من كافة الموجودات قبل آدم وحواء وقبل العرش والكرسي وقبل اللوح والقلم وقبل الكان والمكان وقد اتفقت الفرقة المحقة على ان عليّا عليه السلام نفس الرسول صلى الله عليه وآله وتكثرت الاخبار من طرق المخالفين ايضا بذلك ( على ذلك خ‌ل ) واتفقوا ايضا على ان الائمة الاحد عشر والصديقة الطاهرة عليها وعليهم السلام مع النبي صلى الله عليه وآله من طينته واحدة وحقيقة غير متعددة فما يجري له صلى الله عليه وآله يجري لهم عليهم السلام وما يختص به (ص) يختص بهم (ع) الا ما استثنى به من الخصائص لامور خارجة عن ذاتياتهم يطول بذكرها الكلام فاذن هؤلاء الاربعة ‌عشر سلام الله عليهم قد وقع الاجماع على انهم (ع) قبل الخلق

فاذن انوارهم خلقت قبل آبائهم وامهاتهم وقبل وجود الملئكة وهذه السببية والمدخلية التي عبرنا عنها بالعلة الفاعلية انما كانت في ذلك ( هذا خ‌ل ) العالم لا في عالم البشري الجسمي على جهة الكلية على الحقيقة الاولية وان كانت على حقيقة الثانوية في الوجودات التشريعية

وبالجملة ولقد افردنا لهذه المسئلة رسالة منفردة وذكرنا فيها ما يشفي العليل ويبرد الغليل ويدفع الاوهام الفاسدة والآراء الكاسدة والشبهات السوفسطائية التي لاهل القلوب القاسية ودفعنا عن عبارات مولينا واستادنا اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه اوهامهم ونكسنا بقوة البيانات الواضحة والبراهين اللايحة راياتهم واعلامهم ومن اراد حق الاطلاع فليطلبها ومرادنا في هذا المقام ذكر القرينة الواضحة والبيانات الصريحة لكلام مولينا واستادنا من كلامه حتى لا تورث الشبهة ولا تحصل الريبة

ومع هذا كله ماسكت الشيطان عنهم وتمكن مما اراد منهم كما اخبر الله سبحانه في كتابه العزيز وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم والامنية هي القرائة كما في قول الشاعر :

تمنى كتاب الله في كل ليلة تمني داود الزبور على الرسل

وفي قرائة اهل البيت عليهم السلام وما ارسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث بفتح الدال وقد قالوا عليهم السلام انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يكون محدثا فقيل له ايكون المؤمن محدثا قال يكون مفهما والمحدث المفهم فبعد ملاحظة هذه الروايات ووضع كل شيء في موضعه يظهر لك تأويل الآية الشريفة بجميع وجوهها فتبصر وتدبر واين هذه العبارات مع هذه القراين الموضحة من عبائر القوم مثل الملا محسن واضرابه حيث بينوا كلامهم وفسروه واوضحوه ولم يأتوا بشيء ينافيه ويضاده وانت قد سمعت من عبارات مولينا واستادنا قدس سره فانه ما اتى بكلام غريب بعيد من ( عن خ‌ل ) افهام عامة الناس الا وذكر له بيانا واضحا كما ذكرنا فان كان لهم بيانا مثل هذا فليأتوا قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين الا ان القوم المعترضين عليه (ره) قد راموا امرا فعز الوصول

[ معنى العلم الحادث ]

وفي مسئلة العلم لما ذكر ان العلم علمان علم حادث وعلم قديم والعلم القديم هو ذات الله سبحانه والعلم الحادث الواح المخلوقات من اللوح والقلم الى غير ذلك من كلماته اعلى الله مقامه وهذه الكلمات وامثالها وان لم يكن فيها صراحة ولا ظهور بان الله سبحانه لا يعلم الاشياء قبل حدوثها ومع هذا قد بين مراده وكشف النقاب عن وجه مرامه ليبين الحق ويوضح الصدق ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وقال في اجوبة مسائل سائل سئله هل معنى العلم الحادث انه تعالى يعلم الاشياء بعد وجودها بمعنى انه تعالى يوجد لنفسه علما بها ثم يوجدها

قال اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه :

اقول معنى العلم الحادث انه يثبت عنده في ملكه ضبط الاشياء وحفظ صفاتها ومقاديرها وهيئاتها وآجالها وارزاقها وما اشبه ذلك مع وجودها لا بعد وجودها بمعنى انه يوجد في ملكه العلم بها وضبط حدودها حين يوجدها لا انه يوجد لنفسه علما بها لانه عالم بها قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها فكيف يوجد لنفسه علما بها واي حالة بذلك لانه لم يفقد من جميع حدودها واحوالها من ملكه شيئا قبل ان يوجدها وقبل ان تكون شيئا مذكورا

ومثال ذلك انك يكون بينك وبين زيد حساب في بعض المعاملة فتكتبه في الدفتر وان كنت انت غير ناس للحساب ولكن لاحتمال ان ينسى زيد او يتناسى توصلا الى انكارك او ليهتم بالوفاء اذا علم انك ضابطه عليه بحيث لو صدر منه ما يوهم الانكار او الاستفهام قلت له انا عندي علم الحساب الذي بيننا في الدفتر فيكون اردع له عن الانكار من قولك انا اعلم بالحساب فانه يشكك في الكلام الثاني دون الكلام الاول ولهذا لما قال فرعون فما بال القرون الاولى قال له موسى (ع) علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وهذا هو السر والنكتة في التقييد بقوله في كتاب فافهم

ومعنى قولنا ان لله علما حادثا انه حين خلقها خلق لوازمها وملزوماتها وكلما يترتب على حدوثها فما كان فيها شرطا خلقه تعالى مع خلقه لها لان الشرط من لوازم المشروط ولا يكون اللازم قبل الملزوم لانه في الحقيقة صفة للملزوم ولا تكون الصفة قبل الملزوم ولا بعده لانها شرط والمشروط ( الملزوم خ‌ل ) متوقف على شرطه فلا بد ان يكون معه كالكسر والانكسار وهو سبحانه عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فلا يكون محتاجا في علمه بها الى ان يخلق له علما بها والا لكان قبل ان يخلق ذلك العلم جاهلا بها وهذا اعتقاد الجاهل به تعالى لانه لم يفقد شيئا منها من ( في خ‌ل ) ملكه فعلمه في الازل بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان بها في الامكان ولانه لا يستقبل ولا ينتظر لان المستقبل والمنتظر فاقد في الماضي والحال وتعالى العظيم المتعال عن تغير الاحوال فعلمه بكل شيء من خلقه ذاته البسيطة المجردة فلو فقد من علمه ذرة نقصت ذاته لكن المعلومات ليست في الازل لان الازل هو الله سبحانه ولا يكون في ذاته شيء وانما المعلومات في اماكن حدودها من الحدوث واوقات وجودها من الامكان وهو بكل شيء محيط

فيا ايها المسلم صحح اسلامك باتباعي واياك وان تحترق بنار الكفر من مخالفتي فاني لم انطق بهوى نفسي وانما انطق بهدى من الله باتباعي لائمة الهدى سلام الله عليهم

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فيأخذه عنا

فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا

فمنه الينا ما تلونا عليكم ومنا اليكم ما وهبناكم عنا

وساق الكلام الى ان قال اعلى الله مقامه ورفع في الخلد اعلامه

والحاصل : علم الازلي سبق كل شيء واحاط بكل شيء في رتبة كونه حين كونه ومع كونه وبعد كونه قبل كل شيء اي في ازل الآزال من غير انتقال ولا زوال ولا تحول حال وهو تعالى كما هو والاشياء كما هي اي كل شيء منها في رتبة تحققه من الامكان كما قال صلى الله عليه وآله في خطبة يوم الغدير قال صلى الله عليه وآله واحاط بكل شيء علما وهو في مكانه ه‍ الى ان قال اعلى الله مقامه : ومن قال ان علمه لم يكن سابقا بها قبل كونها فهو كافر بل علمه بها قبل ايجادها ووجودها كعلمه بها بعد ايجادها ووجودها الى ان قال : واما اذا اردت بالعلم الحادث فالمراد منه كما ذكرنا سابقا انه حدود خلقه فانه اذا خلق زيدا مثلا خلق رزقه ومدة عمره وفنائه وبقائه وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وانفس الملئكة وسمى هذه الكتابة علما فاذا سمعت من يقول علم الله الحادث فالمراد به ( منه خ‌ل ) القلم واللوح المحفوظ ونفوس الملئكة الموكلين بالخلق في مراتب الوجود الاربع الخلق والرزق والحيوة والموت

واذا سمعت منا نقول انه العلم الاشراقي نريد انه صادر عن فعل الله ومشيته قائم بفعل الله قيام صدور لانه اثره وقائم بشعاع المفعول الاول قيام تحقق فهذا الفعل هو المشية وهذا المفعول الاول هو نور محمد صلى الله عليه وآله والفعل والمفعول الاول يطلق عليهما امر الله الى ان قال (ره) : فالفعل من نور محمد صلى الله عليه وآله اعلى العلوم الحادثة خلقهما الله تعالى فسماهما علما باعتبار ومعلوما باعتبار فمعنى العلم الاشراقي باعتبار تقوم المعلومات بامره كما قلنا فافهم وتدبر ولا تشتبه عليك العبارات فان مراداتنا في هذه كما سمعت انتهى كلامه اعلى الله في الخلد مقامه ورفع الله في الدارين اعلامه

انظر الآن ايها العاقل المنصف المتدين هل بقي لاحد مع هذا الكلام التام الواضح الدلالة مجال القول بانه اعلى الله مقامه ينكر علم الله بالاشياء قبل وجودها او ان يكون له تعالى حالتان او صدر المخلوقات عنه تعالى عن جهل ( بالجهل خ‌ل ) تعالى ربي وتقدس عن كل ما يقولون علوا كبيرا

فاذا قال القائل مرادي من هذا القول هذا المعنى واللفظ يتحمل ( يحتمل خ‌ل ) ذلك المعنى ولو بعيدا ايجوز في المذهب وفي الشريعة ان يكذب ويقال له ليس هذا مرادك لان كلامك يحتمل غير هذا مع ان ما نقله المعترض من كلامه اعلى الله مقامه صريح في ما ذكرنا ونقلنا عنه وانه قال هناك : والعلم الحادث فعله ومن جملة مخلوقاته وسميناه علما لله تعالى تبعا لائمتنا عليهم السلام واقتداء بكتاب الله حيث قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فهل بهذا الكلام يكفر قائله ويقال انه يثبت الجهل لله مع هذه التصريحات الاكيدة والتأكيدات البليغة على ان علمه تعالى بالاشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها مع البيان الواضح الذي نقلناه عنه اعلى الله مقامه

ولو فتح هذا الباب بالمصير الى الاحتمالات البعيدة وصرف الكلام الى الخيالات الفاسدة والاوهام الكاسدة مع تصريح المتكلم بخلافها وتوضيحه المراد منها فلا يبقى حينئذ لعالم كلام ويجب تكفير جميع علماء اهل الاسلام يا ناعي الاسلام قم فانعه

نعوذ بالله عن زلل الاقدام وزيغ الافهام واضطراب الاوهام ونسئل الله العافية وحسن الخاتمة

[ المعراج الجسماني ]

وكذلك القول في المعراج وما ذكر مولينا فيه من الكلام الواضح الحق الصريح الذي لا مرية فيه ولا شك يعتريه ونقلناه عنه في اول هذه الرسالة ما هو صريح في انه صلى الله عليه وآله عرج بجسده بالكثافة البشرية وبثيابه التي هي اكثف من جسده صعد الى العرش والى مقام قاب قوسين او ادنى كما فصلنا وبينا وشرحنا واوضحنا سابقا فليرجع اليه من اراد الاطلاع على حقيقة الامر

فاذا كان كذلك وهذا دأبه وديدنه اعلى الله مقامه ورفع اعلامه في ذكر المطالب وتبيينها وتنقيحها وذكر القراين المبينة لها والموضحة لمعانيها والكاشفة عن حقايقها ومبانيها وما عسى ان يتوهمه المتوهم لاجل معضلات اسرارها فكيف يقاس عباراته واشاراته بعبارات اولئك الاشخاص الذين ليس في كلامهم الدال على مخالفة ظاهر ما عليه الفرقة المحقة قرينة موضحة وبيان مثبت لمرادهم الا ما ارادوا من ظواهر كلامهم

وحينئذ فالظاهر يكون بحكم النص ويجب العمل عليه ولكن من جهة ما تقدم واحتمال انهم ( انهم ربما خ‌ل ) ارادوا غير هذا المعنى المعروف عندهم والمتكرر على السنتهم وكتبهم سكت عنهم واستغفر لهم كما في شرحه اعلى الله مقامه لرسالة العلم للملا محسن وانما يقول قال عفى الله عنه وقال العالم المتقن الملا محسن وامثال هذه العبارات وذلك كله تورعه وتقويه وعدم جرأته في تكفير مسلم انعقدت نطفته في الاسلام وربا ونشأ في الاسلام واعتقد معتقد اهل الاسلام ولما كانت كلماته ظاهرة فيه جاهر بالتخطئة فلو اتى من تبين كلامه على نحو معتقد اهل البيت عليهم السلام مما هو المعروف في مذهبهم من كلماته وبياناته وتصريحاته لكان يقبل منه ذلك اذ لم يكن الاعتراض لاجل المعاداة والعياذ بالله الا انه اعلى الله مقامه لم يجد من تبين كلامه وكلام اضرابه من كلامهم وبيانهم وانما يأولون بعض التأويلات الباردة والتوجيهات الفاسدة ( الكاسدة خ‌ل ) من التوجيه الذي لا يرضى به صاحبه ولو اردنا ذكر تلك ( هذه خ‌ل ) الوجوه ( الوجوه والتأويلات خ‌ل ) والتعليلات لطال بذلك ( بنا خ‌ل ) الكلام ولاخرجنا عما نحن في المقام ولسنا ايضا بصدد الخلاف والنزاع مع الناس ونحن ولعمري في شغل من ذلك

[ النهج الصحيح عند العلماء الاعلام ]

بل نقول ان القائل اذا قال قولا وسكت عنه ومضى على منواله ولم يأت بشيء ينفيه ويبين مراده منه ( عنه خ‌ل ) غير ما يعرفه الناس من ذلك القول والكلام فذلك القول والكلام هو الذي يجب ان تبني عليه الاحكام من النفي والاثبات ان لم تكن قرينة بخلافه من الحالية او المقالية او غيرهما من انحاء القراين واما اذا لم يكن كذلك بل يذكر كلاما ويبين مراده بقرينة صريحة وبيان واضح ولا يلزم ان يكون تلك القرينة في ذلك الموضع من كلامه بل يكفيه اثباتها وبيانها بحيث يعرف ذلك منه اما بتنصيص مقالي او بيان لساني او باخبار المخبرين الآخذين عنه او بالكتابة والاتيان بصريح العبارة او بغير ذلك كما فعله مولينا الاستاد اعلى الله مقامه

فحينئذ فهو الحكم الذي يجب الحكم عليه على ما يقتضيه كلامه ويؤديه بيانه وان اتى بشيئين مختلفين ولم يمكن الجمع بينهما بما يعلم منه ولم يظهر مذهبه في الخارج فيجب التوقف والسكوت عنه لان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وان اختلفت كلماته الا انه المعروف الانتساب الى مذهب ودين فيجب الحكم به على ما هو المعروف من مذهبه والمعلوم من دينه وملته لقوله تعالى ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا

وعلى ما ذكرنا من هذا التفصيل استقر مذهب علماء الاسلام وعلى ذلك جرت طريقتهم وآدابهم فلا يحكمون على احد بالكفر الا اذا تطابقت اقواله وكلماته وعباراته في ما تظهر للناس وتجري على وتيرة واحدة واذا اختلفت فيطلبون المرجحات ولذا يختلفون في شخص واحد بالجرح والتعديل والاسلام والكفر ولذا ترى ان عبدالحميد ابن ابي الحديد لما ظهر منه بعض الكلمات في بعض قصائده ورسائله حكم عليه جماعة بالتشيع حتى ان علمائنا من يقول حشرني الله معه مع كونه من المعروفين ( معروفا خ‌ل ) بالانتساب الى مذهب التسنن وتقويته لمذهبه ودفع الاعتراضات الواردة عليه مما لا ينكر بتتبع شرحه على نهج البلاغة واما ما ذكر في مدح امير المؤمنين عليه السلام فقد بان عذره من المعلوم من مذهبه لانه معتزلي يجوز تقديم المفضول على الفاضل ولا شك ان امير المؤمنين عليه السلام عنده افضل الصحابة ولكن الحكمة اقتضت تقديم فلان وفلان عليه وان كانوا مرجوحين ويشهد لما ذكرنا قوله في القصيدة العينية:

ورأيت دين الاعتزال وانني اهوى لاجلك كل من يتشيع

والحاصل ان العلماء اذا رأوا كلاما حقا من متكلم يجعلونه اصلا ويحملون غيره عليه حتى اجروا في ابن ابي‌ الحديد واشباهه فما ظنك باكابر الشيعة واساطين الشريعة وهكذا دأب علماء الرجال وكذا الاختلاف في احوال محمد بن سنان وكلماته واطواره واختلاف النقل عنه والروايات فيه اختلفت كلمات علماء الرجال فيه حتى انك ربما تجد عالما واحدا يناقض نفسه فيه في كتاب واحد فضلا عن كتابين فضلا عن العلماء هذا المفيد اعلى الله مقامه في الاختصاص على ما نقل عنه في العوالم عد من خواص مولينا الرضا (ع) محمد بن سنان ومع ذلك قد طعن فيه ورماه بالضعف وهكذا وقد فصل القول فيه سيدنا السيد محمدمهدي الطباطبائي اعلى الله مقامه وربما يكون رجل واحد قد ضعفه المشهور ويتبين لبعضهم من كلامه وآدابه واحواله ما يدل على حسن حاله فيوثقه كما في عثمان بن عيسى الرواسي فان المشهور الصحيح انه ضعيف واقفي ولكن مولينا الاقا محمدباقر البهبهاني في تعليقته قد وثقه وبعضهم جعلوه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وربما تختلف احواله بحيث يتوقف فيه العلماء ويسكتون عنه ولم يتعرضوا له بجرح وتعديل كما يظهر لمن تتبع كتب الرجال

فظهر لك ان العلماء رضوان الله عليهم لا يكتفون بمجرد العبارة كيفما كانت بل ينظرون الى القراين والمرجحات والاحوال والاطوار ثم يحكمون على مقتضى ما يظهر لهم بعد التتبع التام والفحص البالغ العام لا انهم اذا رأوا عبارة فرضناها ظاهرة في الكفر او صريحة ثم يرون بعد ذلك عبارة ثانية موضحة ومبينة لمراده من العبارة الاولى صريحة في التوحيد والاسلام بانه ما اراد منها الا هذا المدلول من هذه العبارة الثانية لا انه اراد من الاولى معناها ثم عدل عنها في الثانية فانه عدول عن الارتداد وينبئ على الخلاف في المسئلة واما في الصورة الاولى فلا شك انهم لا يعرضون عن الثانية ويحكمون على مقتضى العبارة الاولى لا والله ماصنع ذلك الى الآن عالم من العلماء من جميع الملل فضلا عن المسلمين فضلا عن الفئة الناجية والفرقة المحقة رضوان الله عليهم الا من ابدع في الدين ولم يعرف طريقة الفقهاء والمجتهدين ولا ما هو المعروف عند عامة المسلمين

وأنا قد تلوت عليك من كلمات مولينا وعباراته مما يوهم المخالفة وما يكشف عنها بصريح الكشف والبيان وحينئذ فالاعتراض عليه من جهة تلك العبارات بعد البيان والتوضيح خروج عن جادة اهل الاسلام وعن طريقة المسلمين واتباع لغير سبيل المؤمنين والله سبحانه وتعالى يقول ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا

ومولينا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه لم يزل على منهاج بصيرة في الدين والتقوى وجار على ما جرت عليه العلماء وسالك سبيل اصحاب العصمة ائمة الهدي عليهم السلام ما دامت الارض والسماء ولكن القوم كما اخبر الله تعالى عنهم بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم الم‌يسمعوا قوله تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا وقوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم وقوله تعالى ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا وقوله تعالى الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة وقوله تعالى الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة وامثالها بل لقد سمعوها ووعوها ولكن الدنيا قد احولت في اعينهم وراقهم زبرجها آه آه فوالله قال امير المؤمنين عليه السلام لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذه الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز انتهى

واني كتبت هذه الكلمات تنبيها لمن يتنبه وتبصرة لمن يتبصر وتذكرة لمن يتذكر واتماما للحجة على المكابر

[ معتقدات المدرسة ]

ثم اني اجمل القول في ما هو معتقدي عن هذه المسائل المأخوذة من شيخي واستادي وادين الله بهذا الاعتقاد واشهد بالله انه اعتقاد مولينا وشيخنا ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون

فاقول ان الذي يجب اعتقاده على المسلمين في معرفة اصول الدين هو ان الله سبحانه هو الواحد المتوحد الفرد المتفرد بقيوميته وايجاده وخلقه ليس له شريك ولا وزير ولا هو سبحانه باحد يستشير ولا يعينه احد ولا يوازره عدد فهو المستقل المتفرد بالخالقية والفاعلية والرازقية خلق السموات بلا عمد وسطح الارضين على وجه ماء جمد وتدل على ذلك ضرورة اهل الاسلام والآيات المحكمة كقوله تعالى الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون وقوله تعالى اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وامثالها من الآيات الكثيرة والاخبار المتواترة المستفيضة عن البيان

فمن اعتقد بخلاف ذلك فهو خارج عن دين الاسلام ومكذب بما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ومن قال ان عليّا (ع) او احد الائمة (ع) خالقوا السموات والارضين فلا حظ له في الاسلام ولا هو في عداد المسلمين ومن قال انهم (ع) خالقون باذن الله وامره كالشريك المتصرف في الملك باذن الشريك الآخر او كالوكيل الفاعل باذن الموكل وامره او كالعبد الفاعل باذن المولى والسيد فمن قال بهذه المقالة ودان بهذا الاعتقاد فهو كافر باليقين وخارج عن ذمة ( مذهب خ‌ل ) المسلمين واني ابرء الى الله تعالى منه وممن يقول بقوله فلا اشك في كفرهم فانهم ملعونون على لسان داود وعيسى بن مريم وهو قول الصادق (ع) من قال نحن خالقون بامر الله فقد كفر

لان الاذن والامر على الاول ينافي توحيد الله ويثبت الشريك له تعالى وعلى الثاني والثالث يستلزم اعتزال الحق عن الخلق ويستلزم التعطيل وضرورة الدين قضت على فساد كل ذلك على اليقين والادلة القطعية من العقلية والنقلية دالة على بطلانه وكفر القائل به وانه شر اليهود والنصارى لان الغلاة صغروا عظمة الله

وكل من يدعي ان لاحد استقلالا وتذوتا بدون الله سبحانه فهو كافر ايضا فمن جعلهم عليهم السلام العلة الفاعلية بالمعاني التي ذكرت لك كما هي الظاهرة المعروفة بين الخلق فاني ابرء الى الله تعالى منه وادين بكفره

واما اطلاق هذه العبارات وارادة انحاء التجوزات ووضع الاصطلاحات وقصد معنى صحيح يطابق ظاهر الشرع الانور المعروف بين هذه الفرقة الناجية كما قال عز وجل واذ تخلق من الطين الآية وقال عز وجل تبارك الله احسن الخالقين وقد قال تعالى وتخلقون افكا وكذلك ما في الروايات كما تلونا عليك سابقا فقد وقع فلا بد ان تحمل امثال هذه الاطلاقات على المعنى الصحيح الذي يطابق ظاهر الشرع لان صدور هذه العبارات من الشارع قطعي كما سمعت من القرآن وعدم ارادته ما هو المعروف المتبادر من المعاني التي ذكرت قطعي ايضا فوجب الحمل على التجوز وانحاء الوجوه والاعتبارات

وكذلك يجب على المسلمين اعتقاد ان الله سبحانه عالم بذاته والعلم عين ذاته وانه تعالى يعلم الاشياء كليها وجزئيها وعلويها وسفليها وجميع ذرات الكاينات بكمال التفصيل قبل وجودها وبعد وجودها ومع وجودها بلا تغير ومن انكر ذلك فهو كافر ونبرء الى الله تعالى منه برائة الله ورسوله والائمة الطاهرين

وكذلك يجب عليهم الاعتقاد بان رسول الله صلى الله عليه وآله عرج بجسمه بل بجسده بل بكثافة بشريته المؤلفة من العناصر الاربعة ومعه صلى الله عليه وآله ثيابه وصعد بما ذكرنا السموات حتى وصل الى العرش وبلغ الى مقام قاب قوسين او ادنى ومن لم يعتقد ذلك نبرء الى الله تعالى منه

وكذلك يجب عليهم الاعتقاد بان الخلق بعد الموت في الحشر يعادون بابدانهم واجسادهم الدنياوية العنصرية بحيث لو وزنتها في الدنيا والآخرة لم يتفاوت قدر حبة خردل ونبرء الى الله تعالى ممن قال بغير هذا او اعتقد بغير هذا فكل من انكر المعاد الجسماني فهو كافر ملعون لعن الله قائله وعذبه بانواع العذاب

ثم اني اعتقد واجزم واقول بلسان حالي ومقالي وجناني واركاني وسري وعلانيتي ان ظاهر ما عليه الفرقة المحقة هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وكل مذهب او اعتقاد او قول او فعل يخالف ما عليه الفرقة المحقة فذلك باطل عاطل فاسد كاسد ابرء الى الله والى رسوله والى الائمة الطاهرين سلام الله عليهم من ذلك القول

وجميع كلماتنا واقوالنا في جميع مصنفاتنا ومباحثاتنا واجوبتنا للمسائل لا يخرج مما عليه الفرقة المحقة فاذا وجدتم كلاما متشابها او ما في ظاهره المنافاة فردوه الى المحكمات وادرؤا الحدود بالشبهات ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا ولا تكونوا كما قال عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والسلام على من اتبع الهدى وخشى عواقب الردى

واعلم اني قد اعذرت وانذرت وبينت وفصلت واوضحت ولم اترك لذي مقال مقالا ولا لذي حجة خصاما وجدالا وبينت ان مولينا واستادنا ماخالف المعروف بين الفرقة المحقة فضلا عن المعروف بين المسلمين قدر شعرة وذرة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والمرجع الى الله والملتقى عند الحساب والحكم لله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قد فرغ من نسخها منشيها عصر يوم الخميس الحادي ‌عشر من شهر ذي‌ قعدة الحرام في سنة المأتين واثنين واربعين بعد الالف من الهجرة النبوية على مهاجرها الف سلام وتحية

*********

*****

*

المصادر
المحتوى