
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
**
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه ومظهر لطفه محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم وظالميهم ومبغضيهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم اجمعين
اما بعد فيقول العبد الجاني والأسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المولى الامجد والاعظم الانجد قدوة الاماثل والاكابر مجمع المعالي والمفاخر اسوة العلماء الاطياب وزبدة الفضلاء ( فضلاء خل ) الاصحاب مولينا الحاج عبد الوهاب القزويني بلغه الله آماله في كل باب وجعل قلبه متعلقا بالرفيق الاعلى في المبدء والمآب لان البدء هو العود كالعكس عند اولي الالباب بمحمد وآله الذين بهم البدء واليهم الاياب صلى الله عليهم ما لسؤال جواب قد امرني ان املي كلمات اظهر بها سر الحقيقة في وقعة الطفوف وحقيقة الامر فيها على ما عند اصحاب الحقايق والكشوف وقد جاء امره العالي حين ابتلائي بانحاء الامراض وانواع الهموم والاعراض واختلال الاحوال وتبلبل البال وفي مثل هذه الحالة لا يمكن البيان على ما يحب الخاطر لذلك الجناب المرجع لاولي الالباب فاردت تسويفه الى ان يطيب الحال ويزول ( يتسق خل ) الاختلال ولكنني خفت من عروض المانع فبادرت بالامتثال واكتفيت بالاشارة بدون البسط في المقال اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي واتيت بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اعلم ان الله سبحانه عز وجل لما وجب ان يكمل صنعه ويتقن امره ويحسن خلقه والخلق والصنع بان يكون مختارا ذا شعور وادراك احسن واولى من ان يكون مضطرا بلا فهم وادراك واجراء هذا الاختيار بالاعطاء على حسب الميولات والاقتضاءات في العالمين عالم التكوين والتشريع اولى من اجرائه في التشريع فحسب ولا يليق به تعالى لقدرته التامة وغنائه المطلق وعلمه العام البالغ ان يعدل من الاحسن والاولى الى غيره وحيث كانت الانبياء عليهم السلام مؤاخذين بتركهم الاولى مأمورين بفعله فسبحان ربنا الكريم الأعلى واذا كان الامر كذلك فخلق الله سبحانه بحر الامكان وجعل فيه ذكر الاشياء مما يمكن ان يكون متعلق الجعل ( متعلقا لجعل خل ) الالهي والفيض السرمدي فكل ممكن امكن فيه وهو قوله عليه السلام جف القلم بما هو كاين على احد المعنيين ( المعاني خل ) وذلك هو العلم الحادث وحجاب الواحدية وامكان الراجح وبحر القدر الذي في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وهو الاسم المكنون المخزون الذي استأثره الله في علم الغيب عنده لم يطلع عليه احد ومنه امر نبيه بالاستفادة والاستزادة ( ومنه الامر بالاستزادة خل ) حين قال عز وجل قل رب زدني علما ثم جعل الله سبحانه اهل ذلك العالم اي عالم الذكر والامكان لا عالم الوجود والاعيان بحيث اذا سئلوا اجابوا فسألهم لما سألوه ان يسألهم الست بربكم وذلك ليوجدهم ويكونهم فمن سبق بالاجابة استأهل السابقية في الوجود والظهور من عالم الامكان الى عالم الاكوان فاول من سبق بالاجابة التكوينية قصبة الياقوت النابتة في اجمة اللاهوت المشتملة على اربعة عشر عقدا على حسب مراتبهم فاول السابقين هو محمد صلى الله عليه وآله وكان بذلك عرشا لذلك العالم ثم السابق بالاجابة عليّ عليه السلام وكان بذلك كرسي ذلك العالم الظاهر بمنطقته على اثني عشر برجا ثم السابق في الاجابة الحسن عليه السلام وكان بذلك شمس ذلك العالم ثم الحسين عليه السلام وكان بذلك قمر ذلك العالم ثم القائم عجل الله فرجه وكان بذلك مريخ ذلك العالم ثم ساير الائمة الثمانية عليهم السلام فكانوا بذلك ساير افلاكه مع فلك البروج وفلك المنازل وفلك الرأس وفلك الذنب ثم الطاهرة الصديقة عليها السلام فكانت بذلك ارض ذلك العالم
ثم لما سبقوا في الوجود واحاطت الانوار الالهية على غيبهم وشهودهم واشرقت على كل ذراتهم تلألأ نورهم وتشعشع ظهورهم واقترن ذلك النور بالحدود والماهيات فخلق منه مأة الف واربعة وعشرون الف نبي عليهم السلام وهم لما بعدوا عن المبدء ولو بواسطة ظهرت الظلمة فيهم بحيث قد يتركون الاولى بخلاف الاولين السابقين المقربين فلا يتركون الاولى لتلاشي ظلمتهم واحتراقها بنار الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ( شرقية خل ) ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور
وفي الرتبة الثالثة لما بعد النور وظهر الغيور اقتضت ظهور المعاصي والسيئات واعلان القبايح والخطيئات واراد الله سبحانه اكمال نعمته واتمام حجته واظهار كمال سلطنته ورأفته في رعيته وخليقته لئلا يكون لاحد على الله حجة ولا يكون لاهل المعاصي عذر فخلق سبحانه من نور طينة الانبياء وحقيقتهم عليهم السلام ماء طعمه احلى من العسل ولونه ابيض من العاج ورايحته اطيب من الكافور والمسك ولمسه الين من الزبد وجعله تحت العرش وهو ماء المزن وبحر الصاد والنون على احد المعاني ثم خلق سبحانه من ثفل ذلك الماء وزبده ارضا طيبة طاهرة نقية عن الاوساخ والاعراض بيضاء كالفضة الصافية بل اشد بياضا منها ونباتها الزعفران وثمرها المسك وحصاها اللؤلؤ والمرجان والياقوت والالماس ثم انه سبحانه اجرى ذلك الماء على تلك الارض بيمين كلمته ونور مشيته فعركهما وصلصلهما حتى صارا شيئا واحدا وماء معينا فراتا سايغا شرابه لان الارض كانت مقدار ربع الماء ثم خلق سبحانه شجرة تسمى شجرة المزن وجعل ذلك الماء يقطر على تلك الشجرة قطرات وهو قوله عز وجل افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون ثم خلق سبحانه من ظل نور الانبياء وعكسه ظلمة غاسقة مدلهمة وفجر منها عينا آنية لونها اسود من القار وطعمها امر من الحنظل ورايحتها انتن من الجيفة وحرارتها اشد من النار ولمسها اقطع من الالماس وجعلها في سجين ( السجين خل ) اسفل السافلين ثم خلق سبحانه من ثفل ذلك الماء المالح الاجاج ارضا خبيثة نجسة منتنة سوداء مظلمة فصعد من حرارة تلك العين بخار الى الارض التي فوقها وذلك البخار النجس والدخان المنتن ببرودة تلك الارض استحالا ماء فاجرى الله سبحانه بشمال كلمته ونفاذ ارادته ذلك الماء على تلك الارض فعركهما ومرجهما ( مزجهما خل ) حتى صارا شيئا واحدا ثم خلق سبحانه شجرة تسمى شجرة الزقوم طعام الاثيم كالمهل يغلى في البطون كغلي الحميم وطلعها كأنه رؤس الشياطين ثم اجرى ذلك الماء على تلك الشجرة فصعدت منها الابخرة ونزلت من شجرة المزن ( من المزن خل ) قطرات الى ان التقيا في ارض المحشر ارض عالم الذر في عالم الظلال فهو ملتقى البحرين ومجمع العالمين ومحل اجتماع الضدين فمزج الله سبحانه بينهما هناك حتى صارا شيئا واحدا بكلمته ونفاذ قدرته ثم اخرج منهما النسمات وخلق بهما الارضين والسموات وهو قوله تعالى كان الناس امة واحدة
ثم اقام الخلق في باطن المسجد الحرام عند الركن العراقي من البيت ركن حجر الاسود فسألهم ليجري حكمه عليهم ويميز بين الطيب والخبيث والحق والباطل فنطق بلسان نفسه بل بلسان ( نفسه بلسان خل ) انفسهم الست بربكم ومحمد (ص) نبيكم وعليّ عليه السلام والائمة الاحد عشر من ولده والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهم وعليها السلام ائمتكم واوليائكم ولما كان الاربعة عشر عليهم السلام هم السابقين في كل مقام وكل خير ولهم ظهور في كل مرتبة وكل طور لان العالي له ظهور مع السافل في جميع مقاماته سبقوا في الاجابة ولبوا للنداء طبقا لمقامهم الأعلى ووفقا لرتبتهم العليا لانهم اصل كل خير ونور كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه وكانت الاجابة على كل ذرات كينوناتهم في ظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم واعضائهم وجوارحهم انظر الى كلام مولينا الحسين عليه السلام في يوم عرفة في قوله عليه السلام فانا اشهدك يا الهي بحقيقة ايماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي وباطن مكنون ضميري وعلايق مجاري نور بصري واسارير صفحة جبيني وخرق مسارب نفسي وخذاريف مآرن عرنيني ومسارب صماخ سمعي وما ضمت واطبقت عليه شفتاي وحركات لفظ لساني ومغرز حنك فمي وفكي ومنابت اضراسي وبلوغ حبائل بارع عنقي ومساغ مطعمي ومشربي وحمالة ام رأسي وجمل حمائل حبل وتيني وما اشتمل عليه تامور صدري ونياط حجاب قلبي وافلاذ حواشي كبدي وما حوته شراسيف اضلاعي وحقاق مفاصلي واطراف اناملي وقبض عواملي ولحمي ودمي وشعري وبشري وعصبي وقصبي وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي وما انتسج على ذلك ايام رضاعي وما اقلت الارض مني ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي وحركات ركوعي وسجودي الدعاء وكان هكذا ايمانهم وتصديقهم بالله عز وجل كلهم سلام الله عليهم وان اختلفت مراتبهم في التقدم والتأخر ولما كان التصديق بكلهم ظهر النور الالهي في كل ذرات كونهم ووجودهم فتلألأت انوارهم وتشعشعت اشراقات اسرارهم وسرت بكل اطوار التوحيد في كل مقامات التفريد والتمجيد حتى ملأت الوجود واحاطت بالغيب والشهود وهو قوله عليه السلام في دعاء شهر رجب ( دعاء رجب خل ) فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وكلمة التوحيد ايضا اثني عشر حرفا للاشارة الى تلك الهياكل النورية صلى الله عليهم فخلق سبحانه بذلك النور النهار وقت الزوال لكمال انبساط النور ووقوف الشمس على دايرة نصف النهار وتساوي نسبته الى جهتي الشرق والغرب ولذا سمي ذلك الوقت ظهرا لكمال ظهور الشمس بنورها وغاية بروزها بشعاعها في ذلك الوقت
ثم لما رأى الخلق الواقفون في ذلك المشهد ما انعم الله سبحانه عليهم وآتيهم الله من فضله بسبقهم في الاجابة في التكوين والتشريع والذات والصفات وكل الجهات بكل الذرات اضمرت طائفة منهم عداوتهم وبغضهم حسدا وغيظا وتكبرا من ان يكونوا عليهم السلام هم الرئيس الحاكم عليهم كما قال الله عز وجل ام يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله وقال مولينا الباقر عليه السلام نحن والله الناس المحسودون فلما وقع التكليف عليهم هناك ولوا مستكبرين واعرضوا مدبرين وانكروا ( انكروا لله خل ) الحق المبين لئلا يكونوا من تبعة ورعايا اولئك المقربين سلام الله عليهم اجمعين ولما كانت العداوة والبغضاء والشحناء قد سرت في كل ذرات كينوناتهم وكان الانكار والعناد وعدم الانقياد بكل جهاتهم تراكمت عليهم الظلمة بكل الجهات واشتملت عليهم في كل الذرات لان خطيئتهم قد احاطت بهم في ( احاطت في خل ) كل المقامات وهو قوله تعالى بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وتشعبت ظلمتهم وخبثت ( خبث خل ) كينونتهم حتى استولت على ارض المحشر اي عالم الذر كلها فغربت شمس تلك الانوار الطيبات وحالت بينها وبين الخلق سحائب مكفهرات وارض الانيات والشهوات فصارت بذلك مبدء الظلمات فخلق الله سبحانه بها الليل وقد غشى النهار ان في ذلك لآيات لاولي الابصار وقد اخبر الله سبحانه عن تراكم ظلمة اولئك الاشرار في كلامه حيث قال بعد ذكر مثل نوره الذي هو محمد صلى الله عليه وآله وآله الاطهار عليهم السلام او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض وقد روي عنهم عليهم السلام ان الظلمات في البحر اللجي هو الاول لانه النفاق كما يشهد عليه عدد اسمه ومبدء الشقاق وهو قوله عز وجل ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين الآية وهو اول المنكرين واول الحاسدين المعاندين لله رب العالمين وقد جاءت كنيته ابوالدواهي من الله الحق المبين كما اخبرت به الائمة الميامين سلام الله عليهم اجمعين وهو نقطة دايرة الجهل وقطب فلك الضلال يغشاه موج وهو ( موج هو خل ) الثاني وهو المنكر كما يشهد عليه عدد اسمه وهو المنافق وهو وزيره وصاحب تفصيله وناشر اعلام ضلالته وباسط بساط غوايته وكرسي تفاصيل الجهل والضلال وهو هامان الباني لصرح التكبر الصاعد عليه الاول بغاية التبختر ورمي سهم عناده الذي هو يزيد الملعون الابتر الى جانب الحق الاكبر فامر الله سبحانه حوتا وهو الحسين بن عليّ روحي لهما الفداء وعليهما السلام ( هو الحسين عليه السلام خل ) فقابل ذلك السهم فطلع دمه ونزل السهم مخلوطا بالدم ليحق الحق ويبطل الباطل كما اخبر الله سبحانه عنه وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلّي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبا فالصرح هو سرير الولاية المغصوبة فافهم من فوقه موج وهو ( موج هو خل ) الثالث من فوقه سحاب وهو ( سحاب هو خل ) الرابع اي معوية انما شبهه وعبر عنه بالسحاب لسر يطول به الكتاب ولكنه لا يخفى بالنوع على اولي الالباب ظلمات بعضها فوق بعض وهم بنوعباس فوق بني امية او بالعكس او فتن بني امية
فلما استولت الظلمات واحاطت بالنسمات وكان في ذلك تضييع الكاينات وخراب البريات وخفاء تلك الانوار المضيئات والذوات المقدسات اراد الله سبحانه اظهار تلك الانوار باذهاب الظلمات واخراج الخلق عن ( من خل ) الشكوك والشبهات ولا يمكن اذهاب تلك الظلمات الا باذهاب تلك الاصول الخبيثات ولما ان الله سبحانه جعل للباطل دولة كما جعل للحق دولة اتماما لحجته عليهم وقطعا لمعاذيرهم حتى لا يقولوا لو جعلت لنا دولة ومكنة لكنا اطعناك وحتى يخرج اضغان المنافقين الذين اظهروا الايمان والاسلام وابطنوا النفاق والكفر فلولا ان يكون لهم دولة ما خرجت تلك الضغون ولبقيت مكنونة الى ان يموتوا فيوم القيمة لا يصح ان يدخلهم الله الجنة لفساد عقايدهم وخبث سرايرهم وضمايرهم ولا ان يدخلهم الله النار لايمان ظاهرهم ( للايمان في ظاهرهم خل ) وعدم اظهار ما يحتج الله ( الله به خل ) عليهم ومراد الحق سبحانه من بعث الانبياء والرسل انما هو ليتميز الخبيث من الطيب في الظاهر والصورة والا فالله سبحانه هو المطلع على ضماير خلقه وسرايرهم الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فوجب ان يجعل للباطل دولة مقدمة لتكون ( ليكون خل ) فانية زايلة مجتثة ( مجتثة فلما وجب ذلك خل ) ولما ان الله سبحانه ما اصطفى لدينه وما اختار لاعلاء كلمته غير اولئك الاربعة عشر عليهم السلام لوجوه طويلة ذكرتها في ما كتبت في اثبات النبوة الخاصة المطلقة المحمدية صلى الله عليه وآله بالدليل القطعي العقلي وجب ان لا يظهروا في الدنيا مستولين ظاهرين بالسلطنة والحكم ليكون اعدائهم حصايد سيوفهم ومخالفوهم ( مخالفيهم خل ) لا يمكنهم اظهار ضغاين صدورهم ووجب ان يكون فيهم عليهم السلام من يتصدى لاظهار الحق واعلاء كلمة التوحيد على جهة المظلومية والمقهورية وتحمل الاذيات والمشقات فنادى منادي الحق سبحانه في ذلك العالم ان يا آل محمد صلى الله عليهم من فيكم من يتصدى لاذهاب هذه الظلمات واظهار تلك الانوار واعلان كلمة الله سبحانه في الارضين والسموات ولا يكون ذلك من جهة القهر والاستيلاء والغلبة بل يكون على جهة المظلومية والمقهورية وتحمل الاذى بحيث يكون امرا لا ينسى ابد الابد ودهر السرمد فلبى داعي الحق عز وجل سيدنا ومولينا ابو عبد الله الحسين بن عليّ بن ابيطالب صلوات الله عليهما وقال يا رب انا الذي احب الخضوع والخشوع لك ولاعلاء كلمتك وافدي نفسي ومالي وعيالي واولادي واصحابي وكلما املك في سبيل هدايتك لترضى عني :
ما لي سوى روحي وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف
ولم تكن المصلحة ان يتقدم لذلك جده وابوه واخوه الطاهرون سلام الله عليهم اجمعين لما سنذكره ان شاء الله
فلما خضع الحسين عليه السلام ظهر ( ظهور خل ) خضوعه وخشوعه وانكساره في كل العالم فكان كل خضوع من فاضل خضوعه وكل خشوع بتبعية خشوعه بل كل خضوع له عليه السلام فاحب الله سبحانه حيث بلغ غاية مرتبة العبودية وتوجه اليه تعالى بكل حقيقة في الظاهر والباطن والحقيقة والمجاز والذاتيات والعرضيات فاكرمه الله سبحانه وحباه واجتباه وفضله على غيره بالامور النسبية فصار اشرف الخلق جدا ووالدا واما واخا وولدا ولم يحظ بذلك الاجتماع احد من المخلوقين سواه روحي فداه وعليه السلام ثم لما كان هو المظهر لدين الحق وهو القول الفصل الفاصل بين الحق والباطل وجب ان يكون الائمة عليهم السلام الذين هم حدود الولاية التفصيلية من صلبه ومن نسله ومن ذريته لتتم له الامور المعنوية الالهية التي كل منها كاف ومستقل في الشرافة له عليه السلام ولذا خصه الله سبحانه بما خص به نفسه المقدسة في الاماكن المنسوبة اليه تعالى وفي المكان المنسوب اليه ولذا خير المسافر في القصر والاتمام في حايره المقدس تشريفا وتعظيما كما خير فيهما في المساجد الثلاثة وليس هذا الحكم للنبي (ص) وساير الائمة عليهم السلام ثم نسب ارض كربلا اليه عليه السلام وليس في الوجود ارض اشرف منها وقد قال مولينا الصادق عليه السلام ان الله سبحانه خلق ارض كربلا قبل خلق الخلق ( قبل الخلق خل ) باربعة وعشرين الف عام وان الكعبة افتخرت على ارض كربلا فاوحى الله اليها ( اليه خل ) ان اسكني لولا ارض كربلا لما خلقتك الى ان قال عز وجل كوني خاضعة ذليلة لارض كربلا ونسب اليه ماء الفرات الذي افتخر زمزم عليه فاجرى فيه عينا من الصبر عقوبة له ويجري ميزابان من الجنة في الفرات وليس هذا الماء من مياه الدنيا ثم استحبت ( استحب خل ) السجدة على ارض كربلا كرامة للحسين عليه السلام واخذ ( اخذه خل ) السبحة من تلك التربة المقدسة المطهرة وجعلها مع الميت وليس هذا لاحد من المخلوقين ولا لارض من الارضين ( الاراضي خل ) ثم جعل فيها الشفاء مع انه تعالى جعل الطين كله حراما الا التربة الحسينية (ع) فان اكلها شفاء من كل داء وحملها امان من كل خوف لانها ذكر الله واسمه يا من اسمه دواء وذكره شفاء ولم ينل بهذه ( بهذا خل ) الفضايل غيره عليه السلام وهنا اسرار عجيبة غريبة يضيق صدري باظهارها ولا يضيق بكتمانها ثم انه تعالى جعل جميع الايام التي ظهر فيه سر من اسرار ( الاسرار خل ) الربوبية و( او خل ) ليلة كذلك منسوبة اليه عليه السلام لا غيره ( غير خل ) من الائمة ولذا استحب فيها زيارته عليه السلام كليالي القدر وليلة النصف من شعبان واول ليلة من شهر رمضان وآخره وليالي العيد وليلة عرفة ويومها وايام العيد ويوم اول رجب وغيرها من الايام زايدا عن الايام المنسوبة اليه عليه السلام كيوم عاشورا ويوم اربعين وغيرها ( يوم الاربعين وغيرهما خل ) وفي هذه الاوقات كلها يزار الحسين عليه السلام لبيان انها منه واليه والحاصل انه تعالى خصه بنفسه لتحمل هذه المصيبة العظمى والداهية الكبرى وجعل له ما جعل لنفسه وحتم على نفسه اجابة الدعاء عند اللواذ به عليه السلام البتة وهو ما ( وما خل ) ورد من ان الاجابة تحت قبته وهي قبة الخضوع والخشوع والتذلل والانكسار لله سبحانه فان اصله وينبوعه الحسين عليه السلام فلا يستجاب دعاء ابدا في شرق الارض وغربها الا تحت قبته الشريفة المقدسة وان كان عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وساير الائمة عليهم السلام لان الخضوع التام الظاهر في الكاينات انما كان به (ع) خاصة ولذا كان عليه السلام صاحب الشفاعة الكبرى يوم القيمة وقد سمعت حديثا ان الامة المرحومة يوم القيمة الف صف ( صف وخل ) تسعمأة وتسعة وتسعون صفا منهم يدخلون الجنة بشفاعة الحسين عليه السلام وصف واحد يدخلون الجنة بشفاعة سائر الائمة عليهم السلام لان شرط دخول الجنة العبودية المستلزمة للخضوع والخشوع وولاية اهل البيت عليهم السلام فاذا نقصوا ( انقصوا خل ) شيئا من احكام العبودية واطوارها واحوالها البالغ الى الحد ( حد خل ) المذكور في الحديث كان الحسين عليه السلام متمما لها بفاضل خضوعه الظاهر المحيط بالكاينات كلها واما في الولاية فيشتركون سلام الله عليهم فيها فافهم
فلما اكرمه الله سبحانه بهذه الكرامات وما لم نذكرها اراد ان يظهر امره عليه السلام للخلق ويوصيهم في حقه ويؤكد عليهم فرض طاعته وامتثال امره ونهيه ولزوم مودته ومحبته ثانيا لئلا يقولوا انا كنا عن هذا غافلين ويتم الحجة على الاشقياء المعاندين ويكمل النعمة على الاحباء المؤمنين فنقل سبحانه الخلق من ارض مكة التي هي ام القرى الى ارض كربلا التي هي ابو القرى وكل سافل في الصعود مقدم على العالي وان كان في النزول مؤخرا عنه ( عليه خل ) فنادى ( فنادى منادي خل ) الحق سبحانه فيهم وخاطبهم يا معشر الخلايق هذا الحسين بن عليّ عليهما السلام هو حبيبي ووليي وخيرتي وصفوتي ووديعتي فيكم احبوه واعزوه ولا تخالفوه فلا تنكروا عليه ولا تكدروا خاطره ولا تنظروا اليه والى كل من انتسب اليه بنظر السوء فاول من لبي لهذا النداء وصدق المنادي هو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ابوه عليّ بن ابيطالب (ع) ثم اخوه ثم الائمة عليهم السلام ثم امه الطاهرة سلام الله عليها وكذلك الانبياء والاوصياء وخلص عباد الله وساير الحيوانات المطيعة المحللة والنبات ( النباتات خل ) الطيب والمعادن وساير الجمادات والاجنة والملائكة وساير الخلق من الذين آمنوا في النداء الاول بالائمة ( بائمة خل ) كلهم عليهم السلام فازدادوا له حبا وشعفا ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله ان للحسين في قلوب المؤمنين محبة مكتومة وهي التي حصلت بالنداء الثاني ولذا ترى قلوب المؤمنين تحن الى ارض كربلا ومجاورة سيد الشهداء روحي له الفداء ازيد واكثر من ساير الاماكن المشرفة المقدسة والمراقد المطهرة وان كان الكل نورا واحدا الا ان هناك زيادة اختصاص وزيادة اعتناء لما ذكرنا واشرنا وهذا لا يدل على ان الحسين عليه السلام افضل من النبي (ص) والولي واخيه الطاهرين عليهم السلام فلما لبوا لهذا النداء اكرمهم الله تعالى وشرفهم وحباهم وفضلهم وزاد في نورهم وبهائهم واجزل نواله وعطاءه عليهم ( عليه خل ) كرامة للسيد المظلوم روحي له الفداء
ثم لما رأى المنافقون الذين اشرت اليهم سابقا ما اعطى الله سبحانه المؤمنين كرامة للحسين (ع) ازدادوا غيظا وحسدا وبغضا وعداوة وقالوا يا ربنا ان كنت تجبرنا على طاعة الحسين عليه السلام ومحبته وتضطرنا الى كف السوء عنه فلك الامر ولا نقدر على شيء وان جعلت الامر الينا واختيارنا فنخالفك في كل ما تأمر في الحسين عليه السلام فناديهم الله تعالى اني لا الجأ ولا اضطر احدا الى الايمان فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الا انكم لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ولا تجدون حقا عند الحسين عليه السلام فيستحق ( حتى يستحق خل ) القتل قالوا يا ربنا ما نرضى بان يكون حاكما اميرا علينا فان اطاعنا ودخل في طاعتنا وبيعتنا ولا ادعي الرياسة علينا ان شئنا كففنا عنه وان شئنا قتلناه غيلة والا قتلناه علانية وكل من يعينه وان سلبت عنا القدرة فلا نقدر على شيء فلما قالوا هذا القول وسموا اسم القتل انهدت ( ارتعدت خل ) اركان العرش وتزلزل الكرسي وظهر الفتور والضعف في كل اركان الوجود وضجت الملئكة بالبكاء والنحيب وانزعج الرسول وبكي قلبه المهول وغشى على الصديقة الطاهرة وهو قوله تعالى لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا فظهر الضعف والخلل في كل الوجود ففسد بذلك العالم ونقصت الاعمار وفسدت الثمار ودخل الهم والغم في القلوب وضاقت به الصدور وجرت الدموع وفسدت العيون وتغير طعم المياه وتكدرت الرياح وغلت الاسعار وخسر التجار وبكت السموات والارضون فظهر الخلل في عالم كن فيكون لكون الخلق كلهم قد امروا بمحبة الحسين عليه السلام وكل من اطاع الله سبحانه احبه والمحب لا يقدر ان يسمع ما اسمعه ( اسمعهم خل ) اولئك الاخباث عليهم الف آلاف لعنة ولما ان الاول والثاني انما اجترءا ( اجترؤا خل ) هذه الجرئة العظيمة باعانة بني امية لعنهم الله تعالى ( تعالى وخل ) انزل في حقهم والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا وهو يزيد بني امية لعنه الله الذي تصدى لهذا الامر العظيم الذي احرق به قلوب الخلايق واستوجب بذلك غضب الخالق قال عز وجل ولقد صرفنا في هذا القرآن وهو الحسين عليه السلام لانه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وما يزيدهم لعنه الله الا نفورا عن الحق وعن طاعة الحسين عليه السلام لما امره الله بذلك
ثم لما قال اولئك المنافقون هذا القول واضطربت بذلك اركان العالم وضجت الملئكة يسئلون الله سبحانه دفع هذه البلية عنه عليه السلام ولما كان امر الدين ما كان يستقيم الا بعدم الالجاء فلا بد لاهل الباطل من دولة وهم لا يرضون لعنهم الله الا قتل الحسين عليه السلام خاطب الله سبحانه حسينا عليه السلام بانك هل ترضى بالقتل والسبي وهتك حرمتك ( حرمك خل ) وذريتك وهل تصبر على هذه الداهية العظمى والرزية الكبرى والا دفعنا عنك ذلك وارحناك من ( عن خل ) شدة هذه البلية ولا ينقص من ( عن خل ) مقامك عندنا شيء قال الحسين عليه السلام يا رب رضاك اوثر على رضاي والقتل في محبتك احب الى من البقاء في الدنيا فداك نفسي ومالي وعيالي ( عيالي ومالي خل ) واولادي ارضي بكل ما يرد على اذ كان ذلك في طاعتك ومحبتك والخضوع والاحتقار بين يديك ظاهرا وباطنا حقيقة ومجازا اولي واحب عندي من غيره راحتي في طاعتك وافدي ( فداء خل ) نفسي في سبيل محبتك ثم ان الله اوحي اليه ان هذا الامر لا يتم الا برضاء جدك ووالدك وامك واخيك والابرار من ولدك ثم ان الله عز وجل امر القلم الاول ان يكتب في اللوح عهدا بهذا المضمون كما اخبر الحق سبحانه عنه في كتابه ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ثم ابان الله سبحانه عن عدد هؤلاء المؤمنين الذين فدوا انفسهم ابتغاء مرضات وباعوا الله ( لله خل ) انفسهم واموالهم من غير ثمن والله سبحانه وعدهم ( عوضهم خل ) الجنة تفضلا لا لانهم ارادوها وباعوا انفسهم بها وقال عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم وهو الواحد لان عدد حروفها تسعة عشر وهو عدد حروف واحد وذلك الواحد هو الحسين عليه السلام لانه ( لان خل ) اسم الله الرحمن الرحيم وهو المتفرد في الرتبة عن كل ما عداه من اصحابه فلا يجمعهم معه رتبة واحدة ولا يذكرون في صقعه ولذا افرده سبحانه وابان عن كونه واحدا لا ثاني معه وانه اسم الله الدال عليه تعالى بشهادته وانه الذي اظهر آثار الربوبية ونشر اعلام الهداية وقد ذكره عليه السلام بعد الحمد فاتحة الكتاب لان ذلك في بيان البيعة الاولى والنداء الاول والخطاب الاول والائمة كلهم مجتمعون في حكم تلك السورة ( والخطاب الاول يجتمع في حكم تلك السورة كل الائمة عليهم السلام خل )
واما الثانية فانها ( واما السورة الثانية خل ) شرح وبيان وتفصيل للنداء الثاني والخطاب الثاني في ارض كربلا يوم الجمعة يوم عاشورا ولذا كانت سورة البقرة التي ذبحت لاحياء الميت ( الميت والبقرة خل ) وخلقت من زعفران الجنة وهي حاملة احد اركان العرش فافهم فكم من امور طويتها خوفا من فرعون وملأه ( ملائهم خل ) الم ذلك الكتاب والحروف المقطعة اشارة الى عدد اصحاب الحسين المستشهدين بين يديه في يوم عاشورا فانهم التائبون عن ولاية الاول والثاني بالذكر والعمل والحال ( الخيال خل ) العابدون لله تعالى بولاية الائمة عليهم السلام والشهادة بين يدي الحسين عليه السلام روحي له الفداء الحامدون لله تعالى حيث جعلهم الله تعالى انصاره وممن هدي الخلق وانقذهم عن النار وعن الهلاك بشهادتهم وقتلهم وجعل لهم الجنة وحرم عليهم النار وامتحن قلوبهم للايمان و هم الذين يقولون الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاء السائحون الصائمون الذين كفوا انفسهم عن كل ما يخالف محبة الله او انهم ساحوا مع الحسين عليه السلام من مكة الى الكوفة الراكعون الساجدون المواظبون على الصلوات الخمس بحدود ولاية آل محمد عليهم السلام فركعوا حيث تركوا الاوطان وبعدوا عن الاهالي والبلدان وسجدوا حيث فدوا انفسهم ووقعوا ميتا على الارض جزاهم الله عن الاسلام واهله خيرا الآمرون بالمعروف المعروف هو الحسين عليه السلام وهو المعروف عند الله وعند رسوله وعند اوليائه عليهم السلام بالخير والسيادة والبركة بالشهادة والناهون عن المنكر اي عن ولاية الثاني لتطابق عدد اسمه مع المنكر والحافظون لحدود الله وحدود الله هم الائمة الاثني عشر عليهم السلام بشهادة لفظ الحد عليه لانهم حدود التوحيد واركان العرش المجيد وحفظوا بكل المعاني بشهادة الحسين عليه السلام ولا يسعني الآن ذكر تفصيل المعاني الا ان ذلك العالي الجناب يعرف الاشارة غير مقتصر على العبارة
واشار سبحانه الى عددهم بقوله الحق الم فالالف واحد واللام ثلثون والميم اربعون وذلك واحد وسبعون فيكون معه عليه السلام اثنين وسبعين وهو عدد الاسماء العظام التي ( عدد الاسم الاعظم الذي خل ) عند الائمة عليهم السلام وكل واحد من هؤلاء الاكابر يحكون اسما من تلك الاسماء والحسين عليه السلام هو اعظم الاسماء العظام ولذا عبر عنه بالبسملة وقد قال الرضا عليه السلام ان البسملة اقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضه فافهم ذلك الكتاب لا ريب فيه وهو كتاب العهد الذي كتبه قلم الاختراع على لوح الابتداع فانه لا ريب فيه ولا شك يعتريه نازل من عند الله تعالى مكتوب بقضائه وقدره هدى للمتقين لولاية الاول والثاني لانه ( لان خل ) بتلك الشهادة نشرت ( تشرف خل ) اعلام الهداية كما ذكرنا فراجع ونذكر ان شاء الله تعالى فترقب وانما خص المتقين لانه ما يزيد الذين كفروا الا طغيانا كبيرا وهو قوله عز وجل وليزيدن كثيرا منهم اي الذين كفروا ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا الذين يؤمنون بالغيب وهو غيبة القائم المهدي عجل الله فرجه ويترقبون ظهوره عليه السلام لاخذ ثار الحسين عليه السلام كما قال عز وجل ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا ووليه ابنه الطاهر صاحب الزمان عليه السلام والنهي بمعنى النفي يعني لا يسرف في القتل وان قتل اهل الارض كلهم اذ لا يساوي ذلك شعرة من الحسين عليه السلام روحي فداه ويقيمون الصلوة في حال الغيبة يتمسكون بولاية اهل البيت عليهم السلام لان الصلوة ولايتهم كما ان الزكوة برائة اعدائهم كما دلت عليه الاخبار وشهد له صحيح الاعتبار ومما رزقناهم ينفقون اي مما علمناهم من فضايل آل محمد صلى الله عليهم ولزوم وقوع المصايب عليهم وبيعهم انفسهم لله عز وجل ليربطوا بذلك على قلوب ضعفاء الشيعة ويكفلوا به ايتام آل محمد صلى الله عليهم لئلا يتسلطوا عليهم اعداؤهم في زمان الغيبة ووقت الهدنة والذين يؤمنون بما انزل اليك في على واولاده ووقوع محنة كربلا وشهادة سيدالشهداء عليه السلام بانها نازلة واردة ولا بد من ذلك لحفظ الشيعة وضبط رقاب الرعية ونضج العالم وخضوعه عند الله ليبلغ بذلك اقصى الغايات واسنى النهايات وما انزل من قبلك على الانبياء من كيفية شهادة الحسين عليه السلام ووقوعها لا محالة وبالآخرة هم يوقنون وهي رجعة الحسين عليه السلام واستيلاؤه على الارض ورجوعه مع اصحابه في اثني عشر الف صديق يسكن دارا في كربلا المشرفة فيها سرير من ياقوتة حمراء وعلى السرير قبة من ياقوتة حمراء كذلك وحولها تسعون الف قبة من زمردة ( زمرد خل ) خضراء يأتي ( يأتون خل ) اليه فيها زواره فيزورونه فيها والله سبحانه يخاطبهم ويقول لهم سلوا عني حوائجكم في الدنيا والآخرة فانها مقضية اللهم اني اشهدك اني مؤمن بالرجعة له عليه السلام فارني ذلك اليوم ووفقني لزيارته في تلك الدار انك على كل شيء قدير وتطول دولته عليه السلام وتدوم سلطنته الى خمسينالف عام او خمسة واربعين الف على اختلاف الروايات اولئك على هدي من ربهم واولئك هم المفلحون ومعناه ظاهر
فلما كتب الكتاب ( الكتابة خل ) بالمضمون الذي ذكرنا امر الله سبحانه روح القدس ان يأتي بذلك الكتاب والعهد الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليجد كيف رأيه ورضاه في ذلك فلما اتى به الى النبي صلى الله عليه وآله ونظر الى ذلك المضمون تغير لونه وظهرت آثار الحزن في وجهه وبكي بكاء شديدا فقال روحي له الفداء رضيت بما رضي الله لنا واصبر على هذه المصيبة العظمى التي هدت ركني وكسرت ظهري لان فيها هداية العامة واثبات نبوتي المطلقة على الخاصة والعامة فرضي بذلك وختم الكتاب بخاتمه الشريف باكيا عيناه ( عينيه خل ) وجاريا دموعه ( دمعه خل ) على خديه لانه مصيبة الحبيب وليست بسهلة على الحبيب وانما اظهر آثار الجزع والحزن والبكاء لما وجد في ذلك من محبة الله سبحانه والا لما كان يظهر ذلك اذ لا يشاؤن الا ما يشاء الله وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وليبلى المؤمنين ببلاء حسن فافهم ثم اتى بكتاب العهد الى ابيه الطاهر امير المؤمنين عليه السلام فلما نظر الى مضمونه اشتد وجده وبكاؤه وكثر غمه وعناءه وتغير وجهه وضاق صدره واهتم قلبه وكان يقول ما لي ولآل ابي سفيان ما لي ولآل حرب حزب الشيطان فلما رأى ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد ختم الكتاب بخاتمه ختمه امير المؤمنين عليه السلام راضيا بما رضي الله وكارها عما يصنع بقرة عينه ابي عبد الله ثم اتى بالكتاب الى امه الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام فلما رأت عليها السلام ان حتم القتل على ابنه المظلوم بكت بكاء شديدا الى ان غشي عليها فلما افاقت علت صوتها بالبكاء والنحيب ونادت وا ولداه وا حسيناه وا قرة عيناه لكنها ( ولكنها خل ) لما وجدت عليها السلام في ذلك القتل راحة الامة وانتظام العالم واظهار الدين الحق رضيت وختمت ذلك الكتاب باكية حزينة كئيبة وهو قوله عز وجل ووصينا الانسان بوالديه احسانا الانسان هو رسول الله صلى الله عليه وآله والوالدان ( والداه خل ) الحسن والحسين عليهما السلام كما في تفسير القمي (ره) ثم عطف سبحانه القول على الحسين عليه السلام وحده وقال حملته امه كرها ووضعته كرها كما ذكرنا لما اخبرت عليها السلام بشهادته وحمله وفصاله ثلاثون شهرا لان حمله عليه السلام كان ستة اشهر وفصاله في عامين ولم يكن هكذا الا عيسى بن مريم ويحيى عليهما السلام لانهما ( لانهما كانا خل ) من المنتسبين الى الحسين عليه السلام ثم اتى بالكتاب الى مولينا الحسن عليه السلام فلما نظر الى مضمونه طال حزنه وبكاؤه واشتد وجده ( غمه خل ) وعناؤه لكنه لا يمكنه الا ان يرضى بما رضي الله ورسوله وامير المؤمنين عليه السلام وامه ( وليه خل ) فختم ذلك الكتاب بحزن طويل وقلب عليل ثم اتى بالكتاب الى سيدنا الحسين عليه السلام فقال لما نظر اليه حبا وكرامة وسرعة الى طاعة الله ورسوله وانقاذ خليقته من الهلاك واعلان كلمته فختمه عليه السلام بخاتمه الشريف فقبضه الملك روح القدس بامر الله عز وجل وخزنه في الخزائن الغيبية وهي الخزانة الاولى ( الغيبية الاولى خل ) العليا مما قال الله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فلقب الله حينئذ حسينا عليه السلام بسيدالشهداء وكناه بابي عبد الله اما اللقب فلم يحظ مثله احد مع ان الائمة عليهم السلام كلهم قد استشهدوا وما لقب احد بذلك سواه مع ان جده واباه واخاه خير منه لانه عليه السلام هو الاصل في ذلك وما تمنى هذه الرتبة اولا وبالذات سواه وما قبل الخضوع التام غيره وكل شهيد انما هو تابع له في الشهادة وهو اصل له فيها وكل شهيد ما استشهد الا في كربلا في يوم عاشورا من اول الوجود الى آخره وما نال احدا هم وغم من ( في خل ) كل الموجودات الا في يوم عاشورا وبيان هذه الكلمة يحتاج الى بسط في المقال ( المقام خل ) وانا في غاية ( غاية من خل ) المرض واختلال البال فان رزق الله الملاقاة عىي ان يفتح الله لبيانه بابا فالحسين عليه السلام ابو الشهداء كلهم ممن دخل تحت دائرة الامكان والاكوان
فعلى هذا يظهر لك سر الكنية بابي عبد الله ( ابو عبد الله خل ) فان العبودية هي حقيقة الخضوع والذل والانكسار للمعبود الحق عز وجل بكل المعاني ( المعاني كلها خل ) وقد عرفت ان اصل الخضوع وحقيقة هذه الحقيقة هو الحسين عليه السلام فكل خاضع تابع له في الخضوع والخشوع والعالم اي ما سوى الله عبد واحد لله تعالى فهو عليه السلام اب لهذا ( لهذه خل ) العبد واصل في قبوله العبودية او ان العبد ( العبودية وان عبد خل ) اسم حقيقي للنبي صلى الله عليه وآله ولذا قدمه ( تقدمه خل ) في كل نعوته بمعنى ان الله سبحانه انما وضع لفظ العبد اولا وبالذات له صلى الله عليه وآله ويصدق على باقي الائمة صلوات الله عليهم من باب التشكيك وعلى باقي الخلق من باب الحقيقة بعد الحقيقة لا الاشتراك اللفظي ولا المعنوي ولا الحقيقة والمجاز ولا النقل ولا الارتجال ( ارتجال خل ) وليس الوضع ايضا من باب الوضع العام والموضوع له العام ولا من باب الوضع ( وضع خل ) الخاص والموضوع له الخاص ( خاص خل ) ولا من باب الوضع العام والموضوع له الخاص وانما هو من ( من باب خل ) القسم الرابع اي الوضع الخاص والموضوع له العام الذي ذهب الاصوليون وغيرهم الى بطلانه نعم مقام وقوفهم رتبة النفس وفهم هذا المعنى نصيب اولي الافئدة وبين المقامين تفاوت فاحش وقد ذكرت سابقا في تفسير ( سابقا تفسير خل ) ووصينا الانسان بوالديه احسانا ان الانسان هو رسول الله صلى الله عليه وآله والوالدان ( والدان خل ) الحسن والحسين عليهما السلام فالحسين عليه السلام ابو عبد الله وما كني بهذه الكنية احد من المخلوقين الا تبعا للحسين عليه السلام وظهر سر ذلك في المقام الثاني في مولينا الصادق عليه السلام فكني بذلك فافهم التلويح بالتصريح بالنظر الصحيح ثم ان اسماعيل بن ابرهيم عليهما السلام تمنى هذه الرتبة السامية ولما لم يكن من اهلها و ما احب الله رد مأموله قبل منه ذلك وقال وفديناه بذبح عظيم وكذلك عبدالله بن ( كذلك ابن خل ) عبدالمطلب اب النبي صلى الله عليه وآله ولذا قال انا ابن الذبيحين وانما كان هذا الطلب لظهور النور ( نور خل ) الحسيني روحي له الفداء في صلبهما فلما كان اصل كل خضوع وخشوع ومشقة وبلاء وحزن وعناء وجب ان لا يذكر عند احد الا اشتد وجده وبكاؤه وعظم حزنه وعناؤه وهو قوله عليه السلام ما ذكرت عند مؤمن ومؤمنة الا ( عند مؤمن الا خل ) وقد بكي واغتم لمصابي
ثم ان الخلق في العالم الأعلى ( العالي خل ) لما انهدت بنيتهم ( بنيهم خل ) وضعفت كينونتهم من هذه المصيبة العظمى والرزية الكبرى فلما نزلوا الى هذه الدنيا ماظهروا على كمال الاستقامة ولذا لما نزل آدم الى الارض انشد ابياتا اولها :
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الارض مغبر قبيح
فكلما وقع على وجه الارض من الاعوجاج وخلاف الاستقامة والكدورة والخسران وخلاف المراد وعدم الصفا كل ذلك لاجل البكاء على الحسين المظلوم عليه السلام وفي القوس النزولي لما فقدت الاشياء الشعور والادراك كان في ( الادراك في خل ) القوس الصعودي كلما تذكرت تجددت عليها المصايب والاحزان فلا تستقيم ( فلا يستقيم خل ) فالثمار اذا نضجت اخبرتها الملئكة بوقعة كربلا فتفسد وتيبس بعد ذلك فلو كان الاخبار قبل النضج ما يمكن لاحد ان يتناول ثمرة ولا ينتفع بشجرة وكذلك الرياح اذا اخبرت وتذكرت تغيرت واضطربت احمرت او اصفرت او اسودت فالاحمرار ( فالحمراء خل ) لشدة غيظها وغضبها لما فعل بقرة عين الرسول صلى الله عليه وآله ولعنها على يزيد والاصفرار ( الصفراء خل ) لشدة الالتهاب والاشتعال من هذه النايرة والسواد هو لباسها لهذه المصيبة العظمى وكذلك ( فكذلك خل ) البحار اذا تذكرت هذه الواقعة الهائلة تموجت واضطربت وتغطمطت وتلاطمت فلو كانت ( كان خل ) هذه الاخبار والتذكار مستمرا دائما لفسدت الاشياء وماتت الحيوانات بالرياح وتغرقت ( لغرقت خل ) السفن والمراكب في البحر ولما امكن لاحد المسافرة في البحر والقلم لما جرى على اللوح ووصل الى وقعة الحسين عليه السلام ارتعد واضطرب وجرى بلعن يزيد اربع مرات من غير ان يأذنه الله تعالى بالاذن الخاص واللوح قطعة من زمردة خضراء سبعمأةالف ذراع في مثلها لما وصل اليه الخبر ارتعد وتغير لونه حتى اسود والحجر الاسود مثاله ودليله والعرش لما سمع الخبر مرة ثانية ارتعدت قوائمه واضطربت حتى كادت ان تنهدم ( تهدم خل ) فسكنه الله سبحانه باخذ ثاره في الرجعة ( سبحانه ببشارة الرجعة خل ) وظهور الدولة والكرسي كذلك بنجومها وكواكبها وافلاكها وكذلك ساير السماوات السبع والارضين السبع قبل آدم ابينا ( ابينا آدم خل ) وهو قوله عليه السلام في دعاء يوم مولود الحسين عليه السلام بكت عليه ( بكته خل ) السماء ومن عليها ( فيها خل ) والارض ومن عليها ولما يطأ لابتيها الدعاء
وآدم عليه السلام لما نزل الى الارض فلم ير حوا صار يطوف الارض في طلبها فمر بكربلا فاغتم وضاق صدره من غير السبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتى سال الدم عن رجليه ( في رجله خل ) فرفع رأسه الى السماء وقال الهي هل حدث عني ذنب ( حدث ذنب خل ) آخر فعاقبتني به فاني طفت جميع الارض فما اصابني سوء مثل ما اصابني ( فما اصابني ما اصابني خل ) في هذه الارض فاوحى الله اليه يا آدم ماحدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الارض ولدك الحسين عليه السلام ظلما فسال دمك موافقا لدم الحسين عليه السلام فقال آدم يا رب ايكون الحسين نبيا قال لا ولكنه سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال ومن القاتل له قال تعالى قاتله يزيد لعين اهل السماوات والارض فقال آدم اي شيء اصنع يا جبرئيل فقال العنه يا آدم فلعنه اربع مرات ومشي اربع خطوات الى جبل عرفات فوجد حوا هناك
ونوح عليه السلام لما نجر السفينة اتى له جبرئيل من السماء بمأة الف واربعة وعشرين الف ( وعشرين خل ) مسمار ليحكم بها السفينة واتى له بخمسة اخر قال اجعل احدها على صدر المركب والآخر على ظهره والثالث على مؤخره والرابع على جهة ( جهته خل ) اليمنى والخامس على اليسرى فلما ضرب المسامير ووصل الى الخامس فلما ضرب الخامس انكسرت ( الى الخامس انكسرت خل ) الخشبة وظهرت منها ضجة ورنة وانة انكسر لها قلب نوح عليه السلام فتعجب من ذلك وسئل جبرئيل عنه فقال يا نوح ان هذه المسامير باسم الخمسة من اهل الكساء والمسمار الخامس باسم الحسين عليه السلام يصيبه ( تصيبه خل ) مصيبة تصغر عندها الرزايا والمصايب فذكر وقعة كربلا فبكى نوح وجبرئيل عليهما السلام بكاء شديدا وحزنا طويلا ولعنا يزيد وساير من قتله ولما ركب في السفينة وطافت به جميع الدنيا فلما مرت السفينة بكربلا اخذته الى الارض وخاف نوح من الغرق فدعا ربه قال الهي طفت جميع الدنيا فما اصابني فزع مثل ما اصابني في هذه الارض فنزل اليه جبرئيل قال له يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين عليه السلام سبط محمد صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء وابن خاتم الاوصياء قال ومن القاتل له يا جبرئيل قال قاتله يزيد لعين اهل السموات السبع والارضين السبع فلعنه نوح عليه السلام اربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه
وابرهيم عليه السلام لما مر بارض ( عليه السلام مر في ارض خل ) كربلا وهو راكب فرسا فعثر الفرس وسقط ابرهيم عليه السلام وشج رأسه وسال دمه فاخذ في الاستغفار وقال يا رب اي شيء حدث مني فنزل جبرئيل عليه السلام وقال يا ابرهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يقتل سبط خاتم الانبياء وابن خاتم الاوصياء فسال دمك موافقة لدمه قال يا جبرئيل ومن يكون قاتله قال قاتله يزيد لعين اهل السموات والارضين والقلم جري على اللوح بلعنه بغير اذن ربه فاوحى الله الى القلم انك استحققت الثناء بهذا اللعن فرفع ابرهيم يده ولعن يزيد لعنا كثيرا ( كبيرا خل ) وامن فرسه بلسان فصيح فقال ابرهيم عليه السلام لفرسه اي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي قال يا ابراهيم انا افتخر بركوبك على فلما عثرت وسقطت عن ( من خل ) ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى وكان ابرهيم عليه السلام كثير البكاء والنوح على الحسين عليه السلام كما اخبر الله سبحانه عنه في كتابه فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم والنجوم هم آل محمد صلى الله عليهم قد ظهروا في كرسي الولاية فنظر فيهم لانه من شيعتهم وعبيدهم ( عبدهم خل ) ومرجع العبد الى سيده فلما اطلع على وقعة الحسين عليه السلام فقال اني سقيم القلب لشدة الالم والحزن وبقي على هذا السقم والالم والحزن الى ان قبضه الله اليه او النجوم هي هذه الكواكب الظاهرة فلما نظر اليها وعرف اقتضاءاتها وتأثيراتها وفهم منها وقعة الطفوف فقال ما قال وللآية وجوه كثيرة اخر تركت ذكرها وبيانها لتهجم الامراض والاعراض
واسماعيل عليه السلام كانت له اغنام ( كان له اغناما خل ) وهي ترعى بشاطئ ( بشط خل ) الفرات فاخبره الراعي انها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما فسئل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل وقال يا اسماعيل اسئل غنمك فانها تجيبك عن سبب امتناعها من شرب الماء فقال لها لم لا تشربين من هذا الماء فقالت ( فقال خل ) بلسان فصيح قد بلغنا ان ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقتل ( ولدك الحسين عليه السلام يقتل خل ) هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسأل عن قاتله فقالت يقتله يزيد لعين اهل السماوات والارضين والخلايق اجمعين فقال اسمعيل عليه السلام اللهم العن قاتل الحسين عليه السلام
وموسى (ع) كان ذات يوم سايرا ومعه يوشع بن نون فلما جاء الى ارض كربلا انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل ( انقطع ودخل خل ) الحسك في رجليه وسال دمه فقال الهي شيء حدث مني فاوحى الله اليه ان الحسين عليه السلام يقتل هنا ويسفك دمه فسال دمك موافقة لدمه فقال رب ومن يكون الحسين فقيل هو سبط محمد المصطفي وابن عليّ المرتضى عليهما وآلهما السلام فقال ومن يكون قاتله فقيل هو لعين السمك في البحار والوحوش في القفار والطيور في الهواء فرفع موسى يديه ولعن ( فلعن خل ) يزيد ودعي عليه وامن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه
وروى كعبالاحبار اليهودي وقال ان في كتابنا ان رجلا من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتل ولا يجف عرق دواب اصحابه حتى يدخلون الجنة فيعانقون الحور العين فمر بنا الحسن عليه السلام فقلنا هو هذا قال لا فمر بنا الحسين عليه السلام فقلنا هو هذا قال نعم
وسليمان عليه السلام كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء فمر ذات يوم وهو ساير في كربلا فدارت الريح بساطه ثلث دورات حتى خافوا السقوط فسكنت الريح ونزل البساط في ارض كربلا فقال سليمان يا ريح لم سكنت فقالت ان هنا يقتل الحسين عليه السلام فقال ومن يكون الحسين قال ( قالت خل ) هو سبط احمد المختار ( سبط المختار خل ) وابن عليّ الكرار قال ومن قاتله قالت يقتله يزيد لعين اهل السماوات والارض ( الارضين خل ) فرفع سليمان يده ولعن يزيد وامن على دعائه الانس والجن فهبت الريح وسار البساط
وزكريا عليه السلام سئل ربه ان يعلمه اسماء الخمسة فاهبط عليه جبرائيل عليه السلام فعلمه اياها ثم ان زكريا عليه السلام اذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سرى عنه همه وانجلى كربه واذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال ذات يوم الهي ما بالي اذا ذكرت اربعا منهم تسليت باسمائهم من همومي واذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي فانبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال كهيعص فالكاف اسم كربلا والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء يزيد عليه اللعنة وهو ظالم الحسين عليه السلام والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلثة ايام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه واقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه الهي اتفجع خير جميع خلقك بولده الهي اتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه الهي اتلبس عليا وفاطمة عليهما السلام ثياب هذه المصيبة الهي اتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما وكان يقول الهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فاذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حبيبك بولده فرزقه الله تعالى يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة اشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك
وعيسى عليه السلام كان سايحا ( سياحا خل ) في البراري ومعه الحواريون فمر بارض كربلا فرأي اسدا كاشرا ( كاسرا خل ) قد اخذ الطريق فتقدم عيسى عليه السلام الى الاسد وقال له ولم جلست في هذا الطريق ولا تدعنا نمر فيه فقال ( نمر فقال خل ) الاسد بلسان فصيح اني لم ادع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام فقال عيسى عليه السلام ومن يكون الحسين عليه السلام قال ( فقال خل ) هو سبط محمد المصطفي النبي الامي وابن عليّ الولي صلى الله عليهم قال ومن القاتل له قال قاتله لعين الوحوش والذئاب والسباع اجمع خصوصا في يوم عاشورا فرفع عيسى عليه السلام يده ولعن يزيد ودعى عليه وامن الحواريون على دعائه فتنحى الاسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم وروي عن مشايخ لبني سليم قالوا غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنايسهم فوجدنا فيها مكتوبا هذا البيت :
ايرجوا معشر قتلوا حسينا ( ايرجو امة قتلت حسينا خل ) شفاعة جده يوم الحساب
قال فسئلناهم كم هذا في كنيستكم قالوا ( فقالوا خل ) قبل ان يبعث نبيكم بثلثمأة عام
وكان النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت ام سلمة رضي الله عنها فقال لها لا يدخل على احد فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل فما ملكت منعه ( فما ملكت معه شيئا خل ) حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله فدخلت ام سلمة على اثره فاذا الحسين عليه السلام على صدره واذا النبي (ص) يبكي وفي يده شيء يقلبه فقال النبي صلى الله عليه وآله يا ام سلمة ان هذا جبرئيل يخبرني ان هذا مقتول وهذه التربة التي يقتل فيها فضعيها ( فضعيه خل ) عندك فاذا صارت دما فقد قتل حبيبي فقالت ام سلمة يا رسول الله (ص) سل الله ان يدفع ذلك عنه قال قد فعلت فاوحى الله تعالى الى ان له درجة لا ينالها احد من المخلوقين وان له شيعة فيشفعون وان المهدي عليه السلام من ولده فطوبى لمن كان من اولياء الحسين عليه السلام وشيعته وشيعة ابيه والله هم الفائزون وفي اليوم الذي قبض فيه النبي (ص) دعي الحسين عليه السلام وضمه في صدره وبكى بكاء كثيرا شديدا وكان يقول ما لي وليزيد يا بني ان لي مقاما مع قاتلك عند الله
وان امير المؤمنين عليه السلام مر في خروجه الى الصفين بنينوي وهو شاطئ ( شط خل ) الفرات فقال باعلى صوته يا ابن عباس اتعرف هذا الموضع قلت ( قال خل ) له ما اعرفه يا امير المؤمنين فقال عليه السلام لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي قال فبكى بكاء طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا وهو يقول آه آه واها واها اوه اوه ما لي ولآل ابي سفيان ما لي ولآل حرب حزب الشيطان واولياء الكفر والطغيان صبرا يا ابا عبد الله ( صبرا ابا عبد الله خل ) فقد لقى ابوك منهم مثل الذي تلقى منهم ثم دعى بماء ( دعاء خل ) فتوضأ وضوء الصلوة فصلى ما شاء الله ثم ذكر نحو كلامه الاول فنعس عند انقضاء صلوته وكلامه ساعة ( بساعة خل ) ثم انتبه فقال يا ابن عباس فقلت ها انا ذا فقال عليه السلام الا احدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي فقلت نامت عيناك ورأيت خيرا يا امير المؤمنين فقال عليه السلام رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم اعلام بيض قد تقلدوا بسيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطوا حول هذه الارض خطة ثم رأيت كأن هذه النخيل ( النخلة خل ) قد ضربت باغصانها الارض وصارت تضطرب بدم عبيط وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ( بضعتي خل ) ومخي قد غرق فيه يستغيث فلا يغاث وكأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون صبرا آل الرسول فانكم تقتلون على ايدي شرار الناس وهذه الجنة يا ابا عبد الله اليك مشتاقة ثم يعزونني ويقولون لي يا ابا الحسن ابشر فقد اقر الله به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين
وان الحسن بن عليّ عليهما السلام دخل يوما اليه الحسين عليه السلام فنظر اليه فبكى فقال يا اخي كأني أراك مسموما قال الحسن عليه السلام يا اخي اما انا فاسقى سما فاموت به واما انت يا اخي فلا يوم كيومك يهجم عليك ثلثون الفا يدعون انهم من امة جدنا ثم ساق الحديث وذكر ( الى ذكر خل ) وقعة كربلا وبكى بكاء شديدا
روى سالم بن ابيحفصة قال قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام يا ابا عبد الله ان قبلنا اناس سفهاء يزعمون اني اقتلك فقال له الحسين عليه السلام والله انهم ليسوا بسفهاء ولكنهم علماء حلماء اما انه يقر عيني انك لا تأكل بر العراق بعدي الا قليلا ه قال وخرجنا من مكة مع الحسين عليه السلام فما نزلنا منزلا ولا ارتحلنا منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقال يوما من الايام ان من هوان الدنيا على الله عز وجل ان رأس يحييى بن زكريا اهدى الى بغي من بغايا بني اسرائيل ه
وهكذا كان الامر في جميع الانبياء والمرسلين والملئكة المقربين واهل الارض اجمعين لم يزالوا في البكاء والحزن والملال حتى وقعت هذه الداهية العظمى والرزية الكبرى
ولما كان يوم عاشورا وبقي الحسين عليه السلام وحيدا فريدا بلا ناصر ولا معين في ارض كربلا بعد ان قتل انصاره واعوانه وبنو اخيه وبنو عمه وبنو ابيه واولاده ولم يبق احد سوى العليل زين العابدين عليه السلام انما صار عليلا ( مريضا خل ) ليسقط عنه الجهاد وانما وجب سقوط الجهاد حفظا للعالم ان ينهدم ويبيد فما كان يجوز له الجهاد ليقتل فالحسين عليه السلام لما رأى وحدته وقتل جميع انصاره ودع عياله واطفاله الصغار وخرج الى الميدان وبقي واقفا متحيرا متكيا على رمحه مرة ينظر الى اخوته واولاده وبني اخيه وبني عمه صرعى مقتولين مجدلين ومرة ينظر الى غربته ووحدته وانفراده ومرة ينظر الى النساء وغربتهن ووحدتهن وعطشهن وصيرورتهن اسارى ومرة ينظر الى شماتة الاعداء وتصميمهم لقتل قرة عين العالم ثم نادى عليه السلام بصوت عال حزين اما من ناصر ينصرنا اما من مغيث يغيثنا هل من موحد يخاف الله فينا اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص) فلما نادى عليه السلام هذا النداء تزلزلت اركان العرش وقوائمه وبكت السموات وضجت الملائكة واضطربت الارض فقالوا باجمعهم يا ربنا هذا حبيبك وقرة عين حبيبك فأذن لنا لنصره وهو صلوات الله عليه وروحي له الفداء في هذه الحالة اذ وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة فلما فتحها رأى انها هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا فلما نظر عليه السلام الى ظهر تلك الصحيفة فاذا هو مكتوب فيه بخط واضح جلى يا حسين نحن ما حتمنا عليك الموت وما انزلنا عليك الشهادة فلك الخيار ولا ينقص حظك عندنا فان شئت ان نصرف عنك هذه البلية فاعلم انا قد جعلنا السماوات والارضين والملئكة والجن كلهم في حكمك فأمر فيهم بما تريد من اهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم الله فاذن بالملئكة قد ملؤا ما بين ( ملؤا بين خل ) بين السماء والارض وبايديهم حراب ( حربة خل ) من النار ينتظرون حكم الحسين عليه السلام وامره في ما يأمرهم به من اعدام هؤلاء الفسقة فلما عرف عليه السلام مضمون الكتاب وما في تلك الصحيفة رفعها الى السماء ورمى بها اليها فقال يا رب وددت ان اقتل واحيى سبعين مرة و( او خل ) سبعينالف مرة في طاعتك ومحبتك واني قد سئمت الحيوة بعد قتل الاحبة سيما اذا كان في قتلي نصرة دينك واحياء امرك وحفظ ناموس شرعك ثم اخذ عليه السلام رمحه ولم يأذن للملئكة بشيء وباشر الحرب بنفسه الشريفة وحمل على اولئك الكفار وطحن جنود الفجار واقتحم قسطل الغبار مجالدا بذي الفقار كأنه على المختار فلما رأوه ثابت الجاش غير خايف ولا خاش نصبوا له غوائل مكرهم وقاتلوه بكيدهم وشرهم وامر اللعين ابن سعد جنوده فمنعوه من الماء وروده ( وورده خل ) وناجزوه القتال وعاجلوه النضال ورشقوه بالسهام والنبال وبسطوا اليه اكف الاصطلام ولم يرعوا له ذماما ولاراقبوا فيه اثاما في قتلهم اوليائه وهو مقدم في الهبوات ومحتمل للاذيات قد عجبت من صبره ملئكة السموات واحدقوا به من كل الجهات واثخنوه بالجراح وحالوا بينه وبين الرواح ولم يبق له ناصر وهو محتسب صابر يذب عن نسوته واولاده حتى نكبوه عن جواده فهوى الى الارض جريحا صريعا ( طريحا خل ) تطؤه الخيول بحوافرها وتعلوه الطغاة ببواترها قد رشح للموت جبينه واختلفت بالانقباض والانبساط شماله ويمينه يدير طرفا خفيا الى رحله وبنيه وقد شغل بنفسه عن ولده واهاليه واسرع فرسه شاردا الى خيامه قاصدا محمحما باكيا فلما رأين النساء جواده مخزيا ونظرن الى سرجه عليه ملويا برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات والى مصرعه مبادرات والشمر لعنه الله جالس على صدره مولغ سيفه في نحره ذابح له بمهنده قد سكنت حواسه وخفيت انفاسه ورفع على القناة رأسه وسبي اهله كالعبيد وصفدوا في الحديد فوق اقطاب المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات يساقون في البراري والفلوات ايديهم مغلولة الى الاعناق يطاف بهم في الاسواق فالويل ثم الويل للعصاة والفساق لقد قتلوا بقتله الاسلام وعطلوا الصلوة والصيام ونقضوا السنن والاحكام وهدموا قواعد الايمان وحرفوا آيات القرآن وهملجوا في البغي والعدوان فقام ناعيه عند قبر جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنعاه اليه بالدمع الهطول قايلا يا رسول الله (ص) قتل سبطك وفتاك واستبيح اهلك وحماك وسبيت بعدك ذراريك ووقع المحذور بعترتك وذريتك فانزعج الرسول صلى الله عليه وآله وبكى قلبه المحول وعزاه به الملئكة المقربون والانبياء والمرسلون ( الانبياء المرسلون خل ) وفجعت به امه الزهراء واختلفت جنود الملئكة المقربين تعزي اباه امير المؤمنين عليه السلام واقيمت له الماتم في عليين ولطمت عليه الحور العين وبكت السماء وسكانها والجبال وخزانها والهضاب واقطارها والبحار وحيتانها ومكة وبنيانها والجنان وولدانها والبيت والمقام والمشعر الحرام والحل والاحرام وكل شيء دخل في الوجود واقر بالمعبود وقد قال مولينا الصادق في زيارته له عليه السلام اشهد ان دمك سكن في الخلد واقشعرت له اظلة العرش وبكى له جميع الخلايق وبكت له السموات السبع والارضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يري وما لا يرى الزيارة
وقال شيخنا ومولانا واستادنا اطال الله بقاه وجعلني فداه في مرثية له عليه السلام في هذا الباب الى ان قال سلمه الله تعالى :
ما في الوجود معجم لم يكن الا اعترته حيرة في استوا
كل انكسار وخضوع به وكل صوت فهو نوح الهوا
اما ترى النخلة في قبة ذات انفطار وانفراج فشى
ما سعفة فيها انتهت اخبرت الا لها حزن امامي شوى
اما ترى الاثل واهدابه عند الرياح ذا حنين علا
اما سمعت النحل ذا رنة في طيرانه شديد البكا
والسيف يفري نحره باكيا والرمح ينعي قائما وانثنى
تبكيه جرد جاريات على جثمانه وان تدق القرا
والله ما رأيت شيئا بدا في الكون الا ذا بكاء علا
الى ان قال اطال الله بقاه والحاصل يبكي على الحسين عليه السلام كل شيء ( والحاصل كل شيء يبكي على الحسين عليه السلام خل ) تبكيه الرياح بهفيفها والنار بتلهبها ( بلهبها خل ) والماء بجريانه وامواجه وجموده والشمس والقمر و النجوم بتغيراتها من حمرة وصفرة وكسوف وخسوف والجبال بارتفاعها وانحدارها والجدران بتفطرها وانهدامها والنبات بتغيره واصفراره ويبسه والآفاق بتكدرها واغبرارها وحمرتها وصفرتها آه ثم آه ثم آه ما ادري ما اقول وتبكيه التجارة بخسارتها وبوارها والعيون بتكدرها والمعادن بفسادها والاسعار بغلائها والاشجار بموتها وقلة ثمرها وسقوط ورقها ويبس اغصانها واصفرار ورقها اما سمعت بكاء الاواني حين تنكسر من الچيني والخزف ومن المعادن تبكي بانكسارها وبصوتها ( بصوته خل ) حين الكسر اماسمعت بكاء الاسفار بعدم امنية القفار اما سمعت هدير الاطيار في الاوكار وهفيف الرياح وامواج البحار وبكاء الاطفال الصغار اما سمعت الليل يبكيه بظلمته والنهار بالاسفار اما رأيت تفتت الاحجار وغور الآبار وقلة الامطار وغلاء الاسعار وفساد الافكار واختلاف الانظار وقصر الاعمار آه ثم آه ثم آه اجمل لك الامر بما اجمله العزيز الجبار في كتابه قال في هذا الشأن مصرحا بالبيان لمن لقلبه عينان وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فقال عليه السلام في بيان ان المراد من الآية ما ذكرنا في الزيارة الجامعة الصغيرة المذكورة في آخر المصباح للشيخ رحمه الله قال عليه السلام يسبح الله باسمائه جميع خلقه يعني ان كل شيء يسبح الله بالبكاء على سيد الشهداء عليه افضل الصلوة والسلام والثناء وبذكر مصابه الجليل ونشر فضائله وممادحه انتهى كلامه طول الله عمره
وانما تأثرت الاشياء وتألمت وبكت واضطربت وظهر الفساد والخلل في العالم العلوي والسفلي لاجل هذه المصيبة العظمى والرزية الكبرى لوجوه كثيرة منها ما ذكرنا سابقا فراجع
ومنها ما ذكر شيخنا ومولينا كما نقلنا عنه آنفا ومنها ما ثبت ان الامام عليه السلام قطب العالم الاكبر وقلبه فاذا تكدر القلب وتألم وتوجع توجع كل الاعضاء والجوارح مما تحله الحيوة والقوة وكلما كانت الحيوة والقوة فيه اشد واكثر ( فيه اكثر خل ) كان تألمه اكثر وكلما كانت فيه اقل كان تألمه اقل والذي لا تحله الحيوة لا يتألم بوجه ولما كانت الحيوة في العالم الاكبر انما هي بقوة العلم بالله عز وجل ومعرفته كما قال سبحانه أومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كان كل من علمه وطاعته وخضوعه لله اكثر كان حيوته اكثر فكان تألمه وتوجعه للحسين عليه السلام واحتراق قلبه ( قلبه له خل ) اكثر وكلما كان مقامه في العمل والعلم اقل كانت حيوته اقل فكان تألمه وتوجعه اقل ولذا كانت ( كان خل ) ما أثرت هذه المصيبة في احد من المخلوقين كما أثرت في محمد وعليّ وفاطمة واولادهم الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين وكان النبي صلى الله عليه وآله اشد حزنا واكثر توجعا عليه من غيره ثم الانبياء عليهم السلام ثم العارفون المخلصون المنقطعون ثم الملئكة المقربون ثم الجن ثم ساير المخلوقات فمن لم يرق قلبه له عليه السلام فليعلم انه ميت بعيد عن رحمة الله عز وجل نعوذ بالله وتصديق ذلك ما قال مولينا الصادق عليه السلام في الزيارة السلام عليك يا ابا عبد الله انا لله وانا اليه راجعون ما اعظم مصيبتك عند جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وما اعظم مصيبتك عند من عرف الله عز وجل واجل مصيبتك عند الملأ الأعلى وعند انبياء الله وعند رسول ( رسل خل ) الله وقال ايضا عليه السلام السلام عليك يا خيرة الله وابن خيرته ولك فاضت عبرتي وعليك كان اسفي ونحيبي ( نحيبتي خل ) وصراخي وزفرتي وشهيقي وحق لي ان ابكيك وقد بكتك السموات والارضون والجبال والبحار فما عذري ان لم ابكك وقد بكاك حبيب ربي وبكتك الائمة صلوات الله عليهم وبكاك من دون سدرة المنتهى الى الثرى جزعا عليك الزيارة فثبت لك ان الجزع والبكاء ( ان البكاء خل ) على الحسين عليه السلام دليل معرفة الله تعالى والوصول الى قربه فبكاؤه اذا اعظم العبادات والطاعات والقربات ودليل الايمان ولذا قال عليه السلام انا قتيل العبرة ماذكرت عند مؤمن الا وقد بكى واغتم لمصابي ولما ثبت ان كل من دخل في الوجود مؤمنا ( مؤمن خل ) تكوينيا كان ام تشريعيا او كلاهما او التكويني فقط فكل ( فكل احد خل ) بقدر ايمانه يجب ان يبكي عليه عليه السلام ويتوجع ويتألم لمصابه بالذات وسر الحقيقة والفطرة والطوية وما ورد ان اهل الشام لم يبكوا على الحسين عليه السلام فانما هو بالفطرة الثانية المعوجة المغيرة الميتة واما بالفطرة الاولى حين الذهول عن الثانية فقد بكوا وضجوا كيف لا ويزيد لعنه الله قد بكى بكاء كثيرا وخولى الاصبحي لعنه الله كان يسلب زينب عليها السلام ويبكى وهكذا امثالهما من المعاندين لعنهم الله
ومنها لاجل المحبة والمودة ( المروة خل ) حين امر الله سبحانه الخلق بمودة ذي القربى الذين هم الائمة عليهم السلام خصوصا الحسين سلام الله عليه وقد مر سابقا ما يدل على ذلك قال عز وجل قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى والمخاطب هو كل امة محمد صلى الله عليه وآله عاما على ما برهنا عليه من عموم الخطاب وقد ثبت بالادلة العقلية والنقلية ان الخلق كلهم امة محمد صلى الله عليه وآله كما قال (ص) كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فالانبياء كلهم من امته صلى الله عليه وآله وكذلك الحيوانات والنباتات والجمادات والمعادن كما قال عز وجل وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم وبين ان الجمادات دابة لمن يعقل ويفهم بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وانها كلها ذات شعور وادراك لقوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان وقال عز وجل ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين الآية وامثالها من الآيات الدالة على شعور الجمادات وانها مكلفة وانها دابة متحركة وقال تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير وقال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا فظهر بتلويح الادلة ان الخلق ممن دخل دائرة الاكوان كلهم من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكلهم على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم مكلفون مأمورون بطاعة الائمة عليهم السلام لاجل مودتهم ومحبتهم والحب هو الامر المعنوي والسر الغيبي الذي ينزل من عالم الامر الى جهة ( حبة خل ) القلب فيملأ قلبه من ذكر المحبوب فيمنعه عن الالتفات والتوجه الى غير المحبوب ثم منه ينزل الى الصدر فيشغله عن التوجه والتصور بغير ( لغير خل ) صفة المحبوب او صورته او جهته ثم منه ينزل الى الاعضاء والجوارح فيمنعها عن الخدمة لغير المحبوب ولذا كان لفظ الحب والود من حيث العدد عشرة لبيان سرايته في المراتب العشرة التي خلق الشيء فيها فاذا كان المحب بكله وبجميع حواسه وقواه ومشاعره واعضائه وجوارحه متوجها الى المحبوب فيمتنع عن كل ما سوي المحبوب وطالبا بكل ذلك رضاه وكماله وسروره وفرحه فاذا نال المحبوب مكروه او وصل اليه سوء يكاد يتصدع قلب المحب ( المحبوب خل ) ويكاد يقتل نفسه ويحب ان يفدي نفسه دونه فكيف اذا وجد المحب محبوبه مقتولا جديلا طريحا لا يسعه نصرته فانظر حينئذ كيف تجد حال المحب في شدة وجده وبكائه ونحيبه وقتل نفسه اماسمعت ما اشتهر من فرهاد لما سمع موت شيرين كذبا وافتراء وكذا غيره من امثاله وقصتهم مشهورة معروفة فاذا اوجب الله على كافة الخلق من الانبياء والمرسلين والملئكة الكروبيين والمقربين والملأ الأعلى اجمعين والجن والطير والوحش والانسان وساير الآدميين والسموات والعناصر والارضين محبة آل محمد الطيبين عليهم سلام الله ابد الآبدين والحسين عليه السلام خاصة على التعيين والحب كما عرفت بعض حاله فكيف يملك الخلق نفسهم ( نفسه خل ) اذا سمعوا او شاهدوا ما يصيب محبوبهم من المحنة التي ما ابتلي بها احد من الخلق من الاولين والآخرين ولولا حفظ ( حفظه خل ) الله سبحانه لنفاذ حكمته لبطلت حركات الافلاك ولاضطربت الارض وفسدت الاملاك ولخرب العالم بالكلية لعظم هذه الرزية فاذا ما خرب فقد فسدت وبكت السموات دما وكذا الارض والجبال والحجار كما روي ان يوم عاشورا ما رفعت حجرة على وجه الارض الا وقد رأى تحتها دما عبيطا والشمس كأنها قطعة دم وهكذا من الامور التي خرقت الاسماع وملأت الاصقاع وبقي الجن والانس والطير والوحوش ( الوحش خل ) في الحزن والبكاء وزيادة البكاء حيثما فدوا انفسهم دونه عليه السلام
فان قلت كيف كلف الله سبحانه الخلق بمحبة آل محمد صلى الله عليهم مع ان المحبة ليست من افعال الجوارح التي يقع عليها التكليف والامر والنهي لانها من الوجدانيات ولذا قال عز وجل ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء اي في المحبة قلت محبة السافل من حيث هو منشأها ان يجد كمالا في المحبوب يكون فاقدا له وطالبا له وبذلك يكون منجذبا اليه ومتوجها بكله اليه قاطعا نظره حال الالتفات الى تلك الجهة عن تلك الجهة على تفصيل لا يسعني الآن بيانه فاذا توجه السافل من حيث هو بكله الى العالي شمل عناية العالي بكلها حسب احاطة السافل اياه فاحبه به كما ان السافل احب العالي به وشرح حقيقة الحال يطلب في شرح الخطبة فتكليف الله سبحانه الخلق محبة آل محمد صلى الله عليه وآله دليل على ان الله سبحانه جعل عندهم جميع الكمالات الحسنة مما يمكن ان يميل اليه كل فرد ( اليه فرد خل ) من افراد الخلق على اختلاف ميولاتهم وترجيحاتهم بحيث اذا نظر الى مقامهم كل احد بكل طور يجد ما ينجذب به اليهم صلى الله عليهم لانهم معدن الكمالات وينبوع الخيرات فلا يتوجه اليه احد على الوجه المقرر الا ويحبهم روحي فداءهم فان المقتضي اذا وجد وارتفع المانع وجب الحكم فلذا اوجب ( وجب خل ) المحبة لهم عليهم السلام لكل مذروء ومبروء لاسيما الحسين عليه السلام كما سمعت فانهدت حينئذ برزيته العظيمة بنية محبيهم لشدة المصيبة فبكوا وضجوا واقرحت قلوبهم انا لله وانا اليه راجعون يا ساداتي يا آل رسول الله انا لا نملك الا ان نطوف حول مشاهدكم ونعزى فيها ارواحكم بهذه المصيبة النازلة بفنائكم الحالة بساحتكم التي اثبتت ( اورثت خل ) في قلوب شيعتكم القروح و( واورثت خل ) اكبادهم الجروح وكل الخلق في التكوين والطيب من كل جنس في التشريع شيعتهم ومحبيهم لقد اصيبوا مصيبة ما اعظمها ورزية ما اجلها جدير ( جديرا خل ) ان يبكوا دما و( وقد خل ) قال الحجة عليه السلام في زيارة يوم عاشورا خطابا لجده سيد الشهداء عليهما سلام الله ما دامت الارض والسماء فلئن اخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم اكن لمن حاربك محاربا ولمن نصب لك العداوة مناصبا فلاندبنك صباحا ومساء ولابكين عليك بدل الدموع دما حسرة عليك وتلهفا لما دهاك الزيارة
ومنها لاجل تشييد الدين واظهار شريعة سيد المرسلين عليه وآله سلام الله ابد الآبدين وبيانه بالعبارة الظاهرة هو ان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله على فترة من الرسل وطول هجعة من الامم وخفاء الحجة فلما اظهر صلى الله عليه وآله الاسلام بقي نحوا من احدي عشر سنة في مكة ولم يطع له امر ولم تصغ اليه اذن ولم يظهر امره ولم ينتشر خبره وفي ذلك عدم وصول التكليف وعدم اعلاء ( واعلاء خل ) كلمة الحق وهو مستحيل فامره الله سبحانه بمقتضى الاسباب بالمجادلة والجهاد والمقاتلة مما لا يلزم منه الالجاء والجبر ففعل صلوات الله عليه وآله حتى صار يأخذ منهم الجزية ويقبل منهم الفدية واذا شفع لهم احد يقبل شفاعته هذا كله لئلا يلجاهم الى القبول حتى يقبلوا الايمان مكرهين اذ لا اكراه في الدين وما اراد صلى الله عليه وآله بسل سيفه واقدامه على الجهاد الا انتشار خبره واشتهار الاثر في اطراف الارض واقطار العالم ولما كان سل السيف فيه توهم الالجاء وكان الاغلب انما آمنوا لظهور السلطنة وطمع الرياسة لا لمحبة الله سبحانه امر صلى الله عليه وآله وصيه امير المؤمنين عليه السلام بعدم سل السيف مع ( وخل ) اظهار حقه وادعاء الخلافة لنفسه حتى تستنطق الطبايع بما اسرت والضماير بما استجنت والسراير بما انطوت فعمل عليّ عليه السلام بما امره الرسول صلى الله عليه وآله فظهر ما اراد الله سبحانه من اخراج ضغاين الصدور وامتياز الخبيث من الطيب فلما كاد الدين ان يذهب والاسلام ان يفني والنور المحمدي صلى الله عليه وآله ان ينمحق والظلمة الاولية ان تستولي قام بالسيف ونهض بالامر لاعلاء تلك الكلمة فحسب كما قال عليه السلام في الخطبة الشقشقية لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز ولما كان في جهاده عليه السلام توهم ما كان في جهاد النبي صلى الله عليه وآله امر وصيه مولانا الحسن عليه السلام بما امر به النبي صلى الله عليه وآله اياه من السكوت والقعود عن الحرب حتى تظهر الضغاين ويتبين المنافق من المؤمن واليه الاشارة بقوله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم عن القتال وهو الحسن بن عليّ عليهما السلام قد امره الله بالكف عن القتال وفي زمانه عليه السلام ظهرت الفتن الملبسة والظلمة المدلهمة وخفي الحق بالمرة وعبد الشيطان جهرة وشاعت المنكرات وعظمت البليات ودخل في القلوب الشكوك ( التشكيك خل ) والشبهات واحاطت ظلمة الجهل والباطل بالعالم وآن للدين ( وكاد الدين خل ) ان يندرس وللحق ان ينهدم ولذا كانت صلوة العشاء الآخرة منسوبة الى الحسن عليه السلام وكان في خفاء الحجة خراب العالم وابطال النظام امر الحسين عليه السلام بالجهاد وعدم مبايعة اهل العناد ولما كان الامر كما ذكرنا من وجوب ايصال المكلف به وعدم الجائهم الى القبول وجب ان لا يقاتلهم عليه السلام بقوته وقدرته والا لافناهم او ( وخل ) الجأهم الى القبول وهو خلاف سر الحكمة فما بقي الا ان يقتل روحي فداه ولما كان ظهور سلطنة النبي صلى الله عليه وآله واعلاء امره انما هو بقتله عليه السلام اذ لم يتهيأ لساير الائمة عليهم السلام ما قد تهيأ له من ظاهر الاسباب وكان الخلق في مبدء القوس الصعودي في مقام الانجماد لم يكن يتبين لهم من عظم قتله عليه السلام ليتنبهوا ويتعظموا الامر كما لم يتنبهوا بقتل ( لقتل خل ) الوصي امير المؤمنين والحسن عليهما السلام مع انهما اعظم من الحسين عليه السلام وجب في مقام تربية العالم ان يجري عليه روحي فداه جميع الانواع من المكاره والهموم والمصايب والمحن والبلايا التي يرق لها القلوب فان الناس لاختلاف ميولاتهم واهوائهم لا يجتمعون على شيء واحد لا في الفرح ولا في الحزن فوجب ان يجري عليه عليه السلام من الآلام والمحن بحيث يرق له القلوب بجميع ميولاتها المختلفة وشهواتها المتشتتة حتى لا يبقى لاحد العذر في البكاء والنحيب والرقة عليه عليه السلام من القتل والنهب والعطش وسبي النساء وسلب الرؤس وشماتة الاعداء والغربة والاسر وامثالها من الامور التي كل واحد منها مستقل في اهلاك النفس من شدة الوجد والتألم فكل احد وكل شيء لا بد ان يرق له ويبكي عليه لان القلب وان كان قاسيا لا بد ان يرق ويتأثر بجهة من الجهات ولم يبق جهة من الجهات مما يرق له القلب الا وقد جرى عليه عليه السلام فصار ذلك امرا ( فصار تلك امر خل ) لا ينسى وجرحا لا يداوي مع ما ظهر من بكاء الشمس والنجوم والافلاك بالكسوف وجريان الدم منها وظهور الحمرة في الافق ونبع الدم تحت كل حجرة ومدرة وامثال ذلك من الامور العظام فتنبه الناس عن الغفلة واستبصروا واعتقدوا حقيتهم فتبين النور في ذلك الليل الديجور وطلع الفجر ولذا كان سورة الفجر سورة الحسين عليه السلام قال تعالى ان قرآن الفجر كان مشهودا فرقت له قلوب الخلايق وجعل الناس والجن يقيمون عزاءه في كل مجلس في كل سنة بل في كل شهر بل في كل اسبوع بل في كل يوم واذا مروا على غريب ذكروه او مروا على شهيد او على مظلوم او على مريض او على عطشان او على فريد او على مبتلى ذكروه ولا يخلو العالم من شيء من ذلك في كل وقت وهو قوله عليه السلام على ما روته سكينة انها سمعت منه يردد هذه الابيات:
شيعتي ما ان شربتم ماء عذب فاذكروني او مررتم بغريب او شهيد فاندبوني
وانا السبط الذي من غير جرم قتلوني وبجرد الخيل بعد القتل عمدا سحقوني
ليتكم في يوم عاشورا جميعا تنظروني كيف استسقي لطفلي ثم هم لم يرحموني
فاقام الخلق عزاءه في كل البلدان ( في البلدان خل ) واطراف الارض في كل الاوقات فصار انتشر الخبر شيئا فشيئا وازدادت الشهرة في كل وقت وساعة الى ان آل الامر الى ( الى ان خل ) الكفار والفجار والاشرار والابرار في نواحي الهند والسند والروم يقيمون له العزاء والماتم وهو عليه السلام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وما قتلوه الا لانه ادعي حقه وانه احق بالامر والخلافة والوراثة من غيره فيبلغ الخبر الى من لم يسمع النبي والاسلام وهكذا يشتهر الى يوم القيمة ويتم الحجة على كل احد ويصل التكليف الى الخلق باجمعهم بذلك فلم يبق في الدنيا مكان لم يطلعوا على هذه المصيبة الهايلة فظهر الاسلام وعلت كلمة التوحيد ووصل التكليف الى كل احد ولم يلزم الجاء احد الى الايمان وبقي المنافق الظالم على كفره وغيه ونفاقه ووصل صيت الاسلام الى كل احد وبلغ المؤمن المصدق بشدة ظهور اعلام الهداية الظاهرة من قتله عليه السلام الى اعلى مقامات الايمان
فوجب لذلك رفع الصوت بالبكاء والنحيب وجهر القول في مرثيته والشهيق عند ذكر مصيبته وبليته فعليّ مثل الحسين عليه السلام روحي فداه فليبك الباكون واياه فليندب النادبون ولمثله فلتذرف الدموع من العيون ويضج الضاجون ويعج العاجون ولعنة الله على قاتليه وظالميه وخاذليه ابد الآبدين ودهر الداهرين لعن الله يزيد بن معاوية لعن الله يزيد بن معاوية لعن الله يزيد بن معاوية لعن الله يزيد بن معاوية صلى الله عليك يا ابا عبد الله صلى الله عليك يا ابا عبد الله صلى الله عليك يا ابا عبد الله صلى الله عليك يا ابا عبد الله انا الى الله ممن قاتلك بريء انا الى الله ممن قاتلك بريء انا الى الله ممن قاتلك بريء انا الى الله ممن قاتلك بريء
هذا ما سمح به خاطري الفاتر في هذا المقام مع تكثر الامراض وتوفر الاعراض واختلال البال بمعاناة الحل والارتحال ولو كان لي قلب ومجال لارخيت عنان القلم في هذا الميدان ولاريتك من عجايب الاسرار وغرايب الانوار مما لا يكاد ( لا تكاد خل ) يحتمله الجنان وبهذا القدر كفاية لاهل الدراية وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين
قد فرغ من تسويد هذه العجالة منشيها ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر جماديالاولي سنة ١٢٣٦ حامدا مصليا مسلما مستغفرا ( مقابله شد ونسخه ٦٤ خ متن ونسخه ٢١٩٧ م بدل قرار گرفت )*