
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد - فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه كلمات ذات تبيين توضح عن صريح الحق المبين جوابا لمسئلة عويصة صعبة مستصعبة سئل عنها بعض العارفين وقد كتبتها مع كمال تبلبل البال واختلال الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وقد اتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور وهو المستعان وعليه التكلان
قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا ومولانا وعمادنا ومقتدانا سيد العارفين وزبدة الفقهاء المحققين وقطب دائرة الموحدين ومن له في كل علم رابطة يبين الشك عن اليقين ما قولكم فيمن عينه تصيب الشيء ما سبب هذه الاصابة وما علتها وما علامتها
اقول ان العلة والسبب في اصابة العين والله سبحانه هو العالم هي ان الاجزاء الصغار الردية الحادة الغالب عليها اليبوسة في الدرجة الرابعة التي تضعف معها عن التماسك مع الحرارة القوية الغريبة الغير المعتدلة قد عرضت لها سمية يستحيل الغذاء بعد الكيموس اليها ولم تزل تتصاعد ولما كانت العين اوسع الاعضاء مساما واسرعها قبولا لقوة الرطوبة فاذا صعدت تلك الاجزاء لم تجد مخرجا سوى العين فتخرج من مساماتها وتستقر في رطوباتها ( بطوناتها خل ) فاذا حصل هيجان لها بقوة التفات نفس الشخص الصاحب لتلك الاجزاء والحامل لها كَأَن يتعجب من شيء وتتوجه بالالتفات الى ظاهر البدن تتقوى تلك الاجزاء في البروز والظهور فتقع على كل ما يقابلها وتنفذ فيه وتفعل فيه فعل السموم الحادة اذا نفذت في الشيء القابل وكلما تتقوى الحرارة الغريبة كانت قوة خروج تلك الاجزاء اكثر واقوى ولذا ترى صاحب العين المصيبة اذا اراد القوة في الاصابة يجوع ثلاثة ايام لتكثر الحرارة وتقل الرطوبة وتزيد اليبوسة وتقوى تلك الاجزاء كثرة وقوة وفعلا فتصيب كما يريد كما في تفسير مجمع البيان ان الرجل منهم اي من الذين يصيبون بالعين كان اذا اراد ان يصيب صاحبه بالعين يجوع ثلثة ايام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك وذلك بان يقول للذي يريد ان يصيبه لم ار كاليوم مثله فينصرع وذلك لما ذكرنا من تسبيب اسباب هيجان تلك الابخرة الحادة المسمومة وكلما كان التعجب والتفات النفس اشد واقوى كان التاثير اشد ولذا لا تؤثر او تؤثر قليلا عند اهمال النفس وعدم التفاتها فالعين بمنزلة البلورة ولها القوة الجامعة وتلك الاجزاء الحاملة للحرارة الحادة المنبعثة عن وجه النفس الذي هو القلب اللحم الصنوبري بمنزلة حرارة الشمس فبالمقابلة يحصل الاحراق وان عظم المقابل فان قلت ان تلك الاجزاء اذا كانت لها سمية وحدة كما ذكرت فلم لا يتضرر صاحب العين بها ضرورة انفعال الاجزاء من الغرائب الحادة السمية قلت عدم الضرر لاعتياد الطبيعة بها لانها صحبتها من اول تكون المزاج كالسموم التي في الافاعي والعقارب وسائر الحيات وغيرها من الحيوانات ذوات السموم نعم اذا عرضت تلك الاجزاء بعد نضج المزاج وتحقق الاعتدال الاضافي دفعة واحدة تضر البدن وتفسده مثل الطاعون والحميات الوبائية وامثالها واما ما كان من اصل الطبيعة باستحالة الغذاء اليها فتعتاد الطبيعة بذلك فلا يضرها كما يشاهد اشخاص يتعودون بشرب السم فلا يضرهم وكذلك الحال في هذه الاجزاء ولما كانت بنية الانسان اقوى وانضج واحر واعلى كانت السموم الخارجة من عينه الطف وانفذ واقوى في الفعل وتتفاوت الاشخاص في ذلك كما هو الظاهر فان قلت فعلى ما ذكرت يحب ان لا يصيب العين الا البدن وما يتعلق به من ظواهره وخوافيه خاصة مع انها ربما تؤثر في الامور الغيبية والمعنوية كالعلم والجهل والبلادة والحمق قلت لما ان امر الله سبحانه وتعالى واحد في الغيب والشهادة ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما امرنا الا واحدة يجري في النفس من الغرائب والغرايز والصحة والفساد والسمية والترياقية كما يجري في البدن حرفا بحرف وقد قال مولانا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فما ذكرنا في البدن الجسماني يجري بعينه في النفس الغيبية لان الظاهر عنوان الباطن والمجاز قنطرة الحقيقة فافهم
واما علامتها فالظاهر ان العين المصيبة في الغالب عظيمة راكدة ليست براقة ولا مخمرة لتوارد تلك الاجزاء وتكاثفها وقد تكون براقة اذا تلطفت تلك الاجزاء وتنعمت وتكون لها لمعات ولها تاثير قوي في الاصابة
قال سلمه الله تعالى : وما حكمها وما الواجب على الصائب وما الموجب للمصاب وما تكليفهما وما دوائهما وهذه الفاظنا وعندكم معانيها وهي جمل وعندكم تفاصيلها
اقول اما حكمها فلماجد احدا من الفقهاء تعرض لهذه المسئلة نفيا واثباتا والذي يقتضيه النظر بملاحظة مظان الادلة ومواقعها انه لا يترتب عليها حكم شرعي لسكوت النبي صلى الله عليه وآله عن حكمه لما قيل له صلى الله عليه وآله ذلك وقد ذكر المفسرون ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ان بني جعفر تصيبهم العين افاسترقى لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين انتهى فلو كان لهذه الاصابة حكم شرعي لبينه النبي صلى الله عليه وآله واثبته ولم يقتصر بالرقية لعموم البلوى لشدة ابتلاء الناس بالذين يصيبون بالعين وما صح له صلى الله عليه وآله او لاحد من الائمة عليهم السلام السكوت في هذا المقام فحيث سكتوا وابهموا علمنا انه لا يترتب عليه شيء في الدنيا من الاحكام الشرعية بالنسبة الى القصاص والدية وقد تأخر حكمها الى يوم القيمة وقد قال عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر باشياء ونهى عن اشياء وسكت عن اشياء وليس سكوته عنها جهلا ولا ابهامه لها غفلة فاسكتوا عما سكت الله وابهموا ما ابهمه الله ه ولان هذه الاصابة ليست باختياره بالاختيار الظاهري ولا اعجاب الشيء اياه وتعجبه منه باختيار منه بحسب الظاهر فلايمكنه التحرز فمقتضى لطف الله سبحانه ان لا يؤاخذه بالعقوبة ويؤيده قوله عليه السلام كلما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر ومع هذا كله لم يحصل القطع الحقيقي بان الضرر المذكور من العين وهي السبب التام في هذا الامر لا غير وما ذكرنا من انه اذا اراد ان يصيب يجوع ثلثة ايام ليس لاجل اصل الاصابة بل انما هو لزيادة تأثيرها وشدة ظهورها فلا منافاة وبالجملة فاصالة عدم التكليف اقوى مستمسك في هذا المقام الا ان يثبت دليل قطعي على التكليف الخاص والقياس بلزوم الدية بقتل الخطاء قياس مع الفارق مع ان القياس من اصله ساقط في مذهبنا فالواجب على المصيب ح التحرز مهما امكن عن تهيج النفس بما يستدعي للمقابلة لتحقق الضرر
وقوله سلمه الله وما الموجب للمصاب لعله غلط في التعبير لان مراده ما الذي يجب على المصاب في الحكم التكليفي بالنسبة الى المصيب وقد بينا ذلك ان المصيب لا يلزمه شيء والمصاب ليس له ان يدعي عليه بشيء والله سبحانه يفعل في عباده ما يشاء
وقوله سلمه الله وما تكليفهما فقد سبق جوابه من انه لا تكليف عليهما لان الضرر الحاصل من العين لو فرض انها العلة التامة في ذلك انما هو شيء من غير اختيار ولا يطيق سلب ذلك منه كالحائط الواقع على احد او كالنار التي تحرق احدا او كالبلورة التي تقابل شخصا بعد اشراق الشمس عليها فتحرقه او تجرحه او تصيبه ضررا وكالشخص الواقع من علو من غير اختياره اذا ازلقه الريح الشديدة والهواء العاصف فيصيب شخصا ويقع عليه فيقتله وامثالها من الامور التي لا يمكن التحرز منها بخلاف القتل خطاء وان لم يكن قاصدا له لكنه يسعه التحرز بالتفطن والتوعي وملاحظة الاطراف والجوانب وعدم المسارعة والمبادرة الى ما يوجب الخطاء حتى لا يقع في ذلك وكذلك النائم اذا انقلب على احد فقتله كالظئر وكذلك الساهي فانه يمكنهم التحرز ابتداءا لئلا يقعوا في هذه الورطة بخلاف العيّان فانه لا يمكنه ذلك والدليل عليه انه يصيب اولاده بالعين ويتلف زرعه وسائر امواله ولو امكنه التحرز لتحرز يقينا ولم يكن سببا لهلاك اولاده وتلف امواله فالحكمة الالهية لا تقتضي ان تكون عقوبة للعيان من قصاص او دية او غير ذلك فجرى الامر فيه على مقتضى لطف الله ورحمته وكرمه بخلاف قتل الخطاء فان العقوبة فيه بالكفارة والتزام الدية لاجل عدم التحرز مع تمكنه من ذلك فافهم واغتنم وكن من الشاكرين
وقوله سلمه الله تعالى وما دواؤهما جوابه ان الدواء اما بالعقاقير والادوية فانها لا تمكن ولا تتداوى لان تلك السمية التي في العين تسبق تأثير كل دواء ولا يبقى للدواء معها اثر بالمرة فاذا لم يكن الدواء اقوى تأثيرا لا يصادم المرض البتة ولذا ترى ان الطاعون والوباء لا يؤثر فيهما الدواء غالبا لسبق تاثير السمية عن تأثير الدواء ومنعها اياه عن التأثير اللهم الا ان يكون اكسيرا حاضرا فياكل منه المصاب مقدار الكفاية حتى يبرأ والا فغيره من سائر الادوية فلا تقابل تأثيرُها تأثيرَها واما الدواء بغير العقاقير فالاسم الاعظم او حضور الامام المعصوم عليه السلام ومسه بيده الشريفة او دعائه له او التداوي والاستشفاء بالآيات القرآنية ولا سيما قوله تعالى وان يكاد الذين كفروا الى آخر السورة يكتبها بالحروف المقطعة ويحملها معه وكذلك المعوذتين يقرأهما ويحملهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام بهما كما في البحار وفيه ايضا عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس الحسن عليه السلام على فخذه اليمنى والحسين عليه السلام على فخذه اليسرى ثم يقول اعيذكما بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ثم يقول هكذا كان ابراهيم ابي يعوذ ابنيه اسمعيل واسحق وان موسى عليه السلام عوذ ابني هرون بهذه العوذة وروي ان جبرئيل رقى رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمه الرقية وهي بسم الله ارقيك من كل عين حاسد الله يشفيك وروي ان النبي صلى الله عليه وآله امر العاين ان يتوضأ وامر المعيون ان يغتسل بذلك الماء وبالجملة اسم الله سبحانه دواء وذكره شفاء كما قال عليه السلام في الدعاء يا من اسمه دواء وذكره شفاء
واما العين المصيبة فدواؤها متعذر بحسب العقاقير والادوية من جهة العادة والاسباب الظاهرية التي اجرى الله سبحانه فعله عليها وان كان الله سبحانه يفعل ما يشاء كما يشاء بالاسباب الخفية لانه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد واما الاسباب الظاهرة فمن جهة اعتياد الطبيعة ولزومها لها وصيرورتها لها كالطبيعة الثانية وحصول المزاج فلا تقتضي دفعها ( رفعها خل ) كالسمية عن العقارب والافاعي والحيات واما التداوي بمواظبة ذكر الله سبحانه وتعالى عند استحسان شيء واعجابه اياه فمؤثر جدا كما قال ابو عبد الله عليه السلام على ما رواه في البحار ان العين حق وليس تأمنها منك على نفسك ولا منك على غيرك فاذا خفت شيئا من ذلك فقل ما شاء الله لا قوة الا بالله العلي العظيم ثلاثا وعنه عليه السلام قال من اعجبه من اخيه شيء فليبارك عليه فان العين حق وعن النبي صلى الله عليه وآله قال من راى شيئا يعجبه فقال الله الصمد ما شاء الله لا قوة الا بالله لم يضر شيئا ه وبمثل ما ذكرنا وامثاله يندفع ضرر العين انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : ولم نجد احدا من العلماء تعرض لها الا نادر منهم ولم يذكر تفاصيلها
اقول قد تعرض لها جماعة من العلماء والحكماء وانا اذكر لك ما وقفت عليه من كلماتهم لتعرف انها ليست مما يشفي العليل ويروي الغليل قال الجاحظ لا ينكر ان ينفصل من العين الصائبة اجزاء لطيفة تتصل به وتؤثر فيه ويكون هذا المعنى خاصة في بعض الاعين كالخواص في بعض الاشياء وقال الرازي ان الشخص اذا استحسن شيئا فقد يحب بقائه كما يستحسن ولد نفسه وبستان نفسه وقد يكره بقائه كما اذا استحسن الحاسد بحصول شيء حسن لعدوه فان كان الاول فانه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله والخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب فح يسخن القلب والروح جدا وتحصل في الروح الباصر كيفية قوة مسخنة وان كان الثاني فانه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد وحزن عظيم بسبب حصول تلك النعمة لعدوه والحزن ايضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب فتحصل فيه سخونة شديدة فتثبت ( فثبت خل ) ان عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين بخلاف ما اذا لميستحسن فانه لا تحصل هذه السخونة وقال ابو هاشم وابو القاسم البلخي لا يمتنع ان يكون العين حقا ويكون معناه ان صاحب العين اذا شاهد الشيء واعجب به استحسانا كانت المصلحة له في تكليفه ان يغير الله ذلك الشخص او ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به فهذا التغيير غير ممتنع ثم لا يبعد ايضا انه لو ذكر ربه عند تلك الحالة وبعد عن الاعجاب وسئل ربه فعنده تتغير المصلحة والله سبحانه يبقيه ولا يفنيه ولما كانت هذه العادة مطردة لا جرم قيل للعين حق ونقل الرازي عن الحكماء انهم قالوا هذا الكلام مبني على مقدمة وهي انه ليس من شرط المؤثرات ان يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة اعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا ولا تكون القوى الجسمانية لها تعلق به والذي يدل عليه ان اللوح الذي يكون قليل العرض اذا كان موضوعا على الارض قدر الانسان على المشي عليه ولو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الانسان عن المشي عليه وما ذاك الا ان ( لان خل ) خوفه من السقوط منه يوجب سقوطه منه فعلمنا ان التاثيرات النفسانية موجودة وايضا ان الانسان اذا تصور كون فلان موذيا له حصل في قلبه غضب وسخن مزاجه فمبدء تلك السخونة ليس الا ذاك التصور النفساني ولان مبدء الحركات البدنية ليس الا التصورات النفسانية ولما ثبت ان تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد ايضا ان يكون بعض النفوس تتعدى تاثيراتها الى سائر الابدان فثبت انه لا يمتنع في العقل كون النفس مؤثرة في سائر الابدان ايضا وجواهر النفوس مختلفة بالمهية فلا يمتنع ان يكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر بشرط ان تراه وتتعجب منه فثبت ان هذا المعنى امر محتمل والتجارب من الزمن الاقدم ساعدت عليه والنصوص النبوية نطقت به فعند هذا لا يبقى في وقوعه شك واذا ثبت ان الذي اطبق عليه المتقدمون من المفسرين في تفسير هذه الآية باصابة العين كلام حق لا يمكن رده ه وقال الشريف الاجل الرضي الموسوي قدس الله روحه ان الله سبحانه يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم ( بهم خل ) في تلك الافعال التي يفعلها فغير ممتنع ان يكون تغييره نعمة زيد لمصلحة عمرو واذا كان تعالى يعلم من حال عمرو انه لو لم يسلب زيدا نعمته اقبل على الدنيا بوجهه ونأة عن الاخرة بعطفه واذا سلب نعمة زيد للعلة التي ذكرناها عوضه عنها واعطاه بدلا منها عاجلا وآجلا فيمكن ان يتأول قوله عليه السلام العين حق على هذا الوجه على انه قد روي عنه عليه السلام ما يدل على ان الشيء اذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره وصغر امره واذا كان الامر على هذا فلا ينكر تغيير حال بعض الاشياء عند نظر بعض الناظرين اليه واستحسانه له وعظمه في صدره وفخامته في عينه كما روي انه قال لما سُبِقَت ناقته الغضباء ( العضباء خل ) وكانت اذا سوبق بها لم تسبق مارفع العباد من شيء الا وضع الله منه ويجوز ان يكون ما امر به المستحسن للشيء عند رؤيته من تعويذه بالله والصلوة على رسول الله قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن فلا تغيير عند ذلك لان الرائي لذلك قد اظهر الرجوع الى الله تعالى والاعاذة به فكأنه غير راكن الى الدنيا ولا مغتر بها انتهى كلامه (ره) وباقي الاقوال التي لم نذكر من نوع ما ذكرناه وهي في البطلان بمكان فلا يحتاج الى بيان وقد سمعت من بعض نقلا عن بعض الحكماء ان السر في ذلك ان النفس الشريرة تربي البدن على مقتضاها فتفسد البدن لمكان المناسبة بين النفس والجسم فتظهر آثار فسادهما ( فسادها خ ) في العين التي هي الطف الاعضاء واصفاها واشرفها فتؤثر في الخارج وذلك هي علة الاصابة ه وهذا كما ترى ويلزم من ذلك ان تكون النفوس الخيرة تظهر منها بواسطة العين من اصلاح البدن مقابلات ما تظهر من النفوس الشريرة مع ان الوجدان ينادي بخلافه والعيان يشهد بفساده مع ان ذلك يستلزم ظهور البدن على ما عليه النفس وان الجسد لا تخالف النفس وان لا يكون هناك لطخ وخلط يقتضيان مخالفة مقتضى البدن للاعراض الغريبة مع مقتضى النفس وعلى هذا يجب ان لا يكون الكافر الا قبيح الصورة مشوه الخلقة بادي العورة منكس الرأس مقوس الظهر ولا يكون المؤمن الا حسن الصورة جميل الوجه معتدل المزاج بريء عن الاعوجاج متناسب الاعضاء كما هو شانه كالكافر في الآخرة عند رجوع كل فرع الى اصله مع ان الضرورة تشهد بخلاف ذلك في الدنيا وبالجملة ان هذا القول ساقط من اصله ولا يشبه كلام حكيم من قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا
قال سلمه الله : مع انه قد ورد عن ائمتنا عليهم السلام لو كشف عن اهل القبور لوجدتم غالب موتاكم من العين
اقول رواه المجلسي (ره) في البحار وفي معناه احاديث اخر عديدة مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله ان العين حق وانها تدخل الجمل والثور التنور وعنه صلى الله عليه وآله قال ان العين تنزل الحالق وهو ذروة الجبل من قوة اخذها وبطشها وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال لو نبش لكم عن القبور لرأيتم ان اكثر موتاكم بالعين لان العين حق الا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال العين حق فمن اعجبه من اخيه شيء فليذكر الله في ذلك فانه اذا ذكر الله لم يضره وعن النبي صلى الله عليه وآله ان العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وامثالها من الروايات كثيرة ولا ريب ان العين حق وعلة اصابتها وان ذكرها بعض العلماء والحكماء كما ذكرنا لك بعض مقالاتهم مما لا يسمن ولا يغني من جوع لكن تفاصيل احوالها من حكمها وعلامتها ودوائها وما يتعلق بها من سائر الاحوال لم يذكر في كتاب ولا في سؤال وجواب وقد ذكرنا لك تفصيل تلك الامور مع كمال اختلال الاحوال وتبلبل البال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال
وقولكم ونرى في الغالب تصيب الرعية ولا تصيب الراعي ما عرفت المراد منه فان كان مرادكم من الراعي رؤساء الدين ورؤساء الشريعة وحكام الاسلام فانهم ليسوا وان بلغوا ما بلغوا اعظم من رسول الله (ص) والحسن والحسين عليهما السلام فانهم قد اصابهم العين كما في البحار عن عبد الكريم بن محمد بن المظفر السمعاني في كتابه ان جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وآله فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له ان الحسنين عليهما السلام اصابتهما عين فقال له يا محمد العين حق فعوذهما بهذه العوذة وذكرها وقد ذكرنا لك سابقا ان ابراهيم عليه السلام عوذ ابنيه اسمعيل واسحق وموسى عليه السلام عوذ ابني هرون عليه السلام كل ذلك من العين واما رسول الله صلى الله عليه وآله فقوله تعالى وان يكاد الذين كفروا الخ اقوى شاهد على انه صلى الله عليه وآله اصيب بالعين وقول يعقوب كما حكاه الله سبحانه عنه في قوله لبنيه يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وقد ذكر المفسرون انه خاف عليهم من العين فاذا كان هؤلاء الاكابر الذين هم اجلاء الرعاة غير سالمين من اصابة العين فما ظنك بغيرهم من سائر الرعاة الجزئية فان كان المراد غير هذا فلا بد من البيان حتى يتوجه اليه الجواب الصواب والى الله سبحانه المرجع والمآب وصلى الله على محمد وآله الاطياب
*********
*****
*