رسالة في إثبات المناسبة بين الألفاظ والمعاني

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في إثبات المناسبة بين الالفاظ والمعاني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد التاسع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم اجمعين الى يوم الدين وابد الآبدين

اما بعد فيقول العبد الجاني الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض اجلاء الاصحاب بلغه الله اقصي مقاصده في المبدء والمآب قد كتب فيما كتب في الاصول في المبادي اللغوية بعض الكلمات ردا على القول بالمناسبة الذاتية بين الالفاظ والمعاني احببت ان اورد عليها بعض الكلمات ليظهر الحق الصافي القراح ويتبين الرشد والصواب فجعلت كلامه سلمه الله متنا وكلامي كالشرح له وعلى الله قصد السبيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال سلمه الله تعالى : المقام الثاني - ان دلالة الالفاظ هل هي بالوضع وما في حكمه من القرينة ام لا اعلم ان العلماء اختلفوا في هذه المسئلة على قولين الاول انها بالوضع او القرينة وهو المشهور الذي عليه الجمهور الثاني انها بالذات بمعنى ان بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية بسببها نشأت دلالة اللفظ على المعنى وهو المحكي عن عباد بن سليمان الصيمري وعلماء التكسير ومن اهل الجفر وبعض المعتزلة وغيرهم تمسكا باستحالة ترجيح بعض الالفاظ في التخصيص بمعناه من غير مرجح

اقول بيان منشأ هذا الاختلاف وعلته يحتاج الى تنبيه وتفصيل في الجملة ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل احد مطلبهم اما الاول فاعلم ان الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق خلقهم على ما هم عليه من مقتضي كينوناتهم كما قال سبحانه بل اتيناهم بذكرهم وقال ايضا ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى فلذا اختلفت مراتبها في الشدة والضعف والعلو والسفل والتقدم والتأخر والتجرد والمادية وغيرها فما استقلت في اظهار ما يمكن في حقها واستنطاق حقيقتها وذاتها بما اقتضت وما يراد منها مما يمكن فيها لاستكمالها بالبلوغ الى غاياتها المقررة لها واحتاجت في ذلك الى امور خارجية تتقوى بها لاظهار ما استجن في ذاتها من المقامات الامكانية وتلك الامور هي المسماة عندنا بمتممات القابلية ومكملاتها كالشرايط واللوازم والاسباب والعلل الناقصة من المادية والصورية وغيرهما والمعدات والصفات والاوضاع والاضافات والقرانات وامثالها ولا يستريب عاقل ان بين الذوات ومتمماتها من الامور المذكورة لا بد من نسبة وارتباط يصحح اختصاص هذا بذاك دون غيره والا لكان كل شيء شرطا لكل شيء ولازما لكل شيء وسببا لكل شيء ودالا على كل شيء ومقترنا بكل شيء وهو في البطلان بمكان ولا يشك فيه انسان وذلك الارتباط والنسبة على قسمين احدهما ما يستقل في ادراكها ومعرفتها والحكم بمقتضاها العقل في نفسه او في مقام العادة من غير توقف الى شيء آخر وثانيهما ما لا يستقل العقل في من لم يشهده الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم ولم يتخذهم اعضادا لخلقه من ساير المخلوقين في ادراكها ومواقع تحققها ومواضع وجودها ليتأتى له الحكم بل يحتاج الى توقيف الغير ولا ثالث للحصر العقلي فالاول يسمى بالاحكام العقلية والثاني يسمى بالاحكام التوقيفية وهي على قسمين قسم يتعلق بتوقيف الشارع والآخر بتوقيف الواضع وهو في الالفاظ وفي غيرها وتتمة الكلام يأتي الثاني اعلم انه قد اتفقت كلمة العقلاء على ان بين الدال والمدلول لا بد من مناسبة ومرابطة يخص بها كل دال على مدلوله والوجه فيه بديهي والامر هنا ضروري والدلالة على اقسام دلالة عقلية ودلالة عادية ودلالة شرعية ودلالة وضعية فالاول على انحاء منها دلالة المتلازمين احدهما على الآخر كطلوع الشمس ووجود النهار ومنها دلالة اللزوم كالاربعة والزوجية ومنها دلالة المشروط على الشرط ومنها دلالة المؤثر على الاثر كالسراج على الاشعة او كتعفن الاخلاط على وجود الحمى ومنها دلالة الخاص على العام كدلالة الانسان على الحيوان ومنها دلالة العام على صلوح الخصوصيات على التفصيل ووجودها على الاجمال ومنها دلالة التضاد كدلالة الوجود على العدم المضاف ( المضاف الى خ‌ل ) المخلوق والنور على الظلمة لا السواد على البياض ولا العكس ومنها دلالة الظاهر على الباطن كدلالة الاجسام على الارواح ومنها دلالة السافل على العالي كدلالة الاجساد على الاجسام والاجسام على الاشباح والاشباح على الارواح والارواح على الانوار والانوار على الاسرار والاسرار على الحجب وليس هذا من قبيل دلالة الاثر على المؤثر الا بتأويل ومنها دلالة احد المتضايفين على الآخر ومنها دلالة احد المتحاويين على الآخر كالزمان على الجسم ومنها دلالة المقدمات على النتايج من القطعيات والظنيات والشعريات ومنها دلالة الكل على الجزء ومنها دلالة الصفة على الموصوف ومنها دلالة البرزخ على الطرفين كالروح على العقل والنفس والمثال على النفس والجسم والنخلة على الحيوان والنبات والمرجان على النبات والمعدن وامثال ذلك وغيرها من الدوال التي يستقل العقل في ادراك جهة الدلالة من غير توقيف وهذه المناسبات وامثالها على انحاء منها ما هي جلية ظاهرة معلومة في بادي النظر كاشراق الشمس واحراق النار وتبريد الماء وامثالها ومنها ما هي دقيقة خفية جدا بحيث لم يطلع عليها الا اوحدي ( اوحد خ‌ل ) الزمان بعد التأمل التام كما يدركه اهل الافئدة بدليل الحكمة ولنعرض عن بيانها والاقسام الاخر متوسطات منها ما يقرب الى الاول ومنها ما يقرب الى الثاني والظهور والخفاء على حسب مراتبه القريبة والبعيدة والقسم الثاني ما يدركه العقل في مقام العادة وهو يتنوع على الانواع المذكورة والغير المذكورة الا انها في مقام العادة والقسم الثالث هو ما ذكر في الشريعة من الانواع المذكورة حسب بيان الشارع والقسم الرابع على قسمين وضعية غير لفظية ووضعية لفظية فاذا عرفت هذا فاعلم انه لا خلاف لاحد من العقلاء كما ذكرنا في وجوب النسبة الذاتية والمرابطة الحقيقية بين هذه الدوال في الدلالة العقلية والعادية باقسامها ( في وجوب النسبة في الدلالة العقلية والعادية بين هذه الدوال الذاتية والمرابطة الحقيقية باقسامها خ‌ل ) ومدلولاتها وانما اختلفوا في الدلالة التوقيفية من الشرعية والوضعية لتوقيفيتها في ان المرابطة المصححة لاختصاص بعضها ببعض هل هي نفس جعل الموقف كالشارع في الاحكام الشرعية والواضع في الاحكام الوضعية بحيث لولاه لكانت بين هذه الامور وما يخصها ويختص لها ( بها خ‌ل ) منافرة تامة ومباينة كلية بحيث لا تصادق بينهما الا بالاتفاق ويمكن التخصيص باضدادها ونقايضها من الوجه الذي عينه للضد الآخر ام لا بل المناسبة والمرابطة انما كانت موجودة ثابتة وواقعة في الايجاد الالهي الاولي او الثانوي ولما كانت معرفتها دقيقة المأخذ وخفية المسلك لكونها من العوالم الغيبية لا يهتدي الى الكل بجميع جهاته الا من اشهده الله خلق السموات والارض او الى بعضها واقلها الا من نور بصيرته وكشف الغطاء عن سريرته واراه الاشياء كما هي على مقتضى مقامه ومرتبته وكانت دواعي الخلق متوفرة الى تلك الامور بحيث لا تمكن معيشتهم دونها فتبطل بذلك ثمرة ايجادهم وتكوينهم ابان الحق سبحانه اياها للمخلوقين المحتاجين بواسطة اناس اقوياء فالشارع والواضع انما هما بمنزلة المبين والمنبه والكاشف عما هو في الواقع بعد التركيب والحكم الذي هو رتبة القضاء لحكم الامضاء وهو البيان مشروح العلل مبين الاسباب بحيث لو تنبه العقل بذلك السر لعرفه ويحكم بان هذا لا بد ان يختص بذاك بحيث لو اختص بغيره لنقصت حكمة الواضع او الشارع فعلى هذا يكون الواضع منبها كالشارع لا جاعلا مخترعا ويكون الوضع عبارة عن التنبيه كما اذا قلت لك ان السقمونيا مسهل للصفراء وزنجبيل لدفع البلغم وامثال ذلك فالحاجة الى الواضع والشارع للتبيين فلو وصل الشخص الى ما وصل اليه الشارع والواضع لمااحتاج اليهما كما اذا وقف على طبايع العقاقير فانه لا يحتاج الى الطبيب اصلا في معرفتها فلا مدخلية للوضع على هذا القول في الحقيقة وليست الدلالة من جهته بل للتعليم والتنبيه او ان الالفاظ لما كانت ذا جهات كثيرة فتناسب بكل جهة معنى من المعاني فلا تدل على واحد بعينه بل على المجموع كالمشترك على الظاهر والتقريب فاحتيج الى الواضع للتعيين بجهة من الجهات لقوة المناسبة على حسب المذاق وملائمة الطبايع كما يأتي انش‍ فيوضع ويعين لاجل تلك المناسبة فذهبت الاشاعرة الى الاول اي بعدم المناسبة الواقعية في كل الامور التوقيفية وجعل كلها امورا جعلية حيث لم يطلعوا على مأخذها ولم يعثروا على وجهها وعلتها وعمموا الحكم حتى في الاحكام الشرعية وان الاشياء في الواقع لا اقتضاءات لها وان الواجب يجوز بجعل الشارع ان يكون حراما والعكس وكك الالفاظ ومعانيها والكتابات والعقود والخطوط وامثالها وذهبت علماء علم الحروف من اهل الجفر والتكسير واهل الاوفاق والاعداد قاطبة وبعض المعتزلة وعباد بن سليمان الصيمري والسيد الداماد على ما حكي عنهم الى الثاني اي الى اثبات المناسبات الذاتية والمرابطات الحقيقية في كل الامور التوقيفية الا انهم بين قايل بعدم الفرق بينها وبين الامور العقلية والعادية الا في الظهور والخفاء وتلك لظهورها استقل العقل وتلك لخفائها احتاج الى منبه ومبين او مقرب كما اذا كان الشيء بعيدا لم يدركه الطرف لا يعلمه الشخص بالعياني فاذا اخبره الآخر او يقرب له ذلك البعيد فيدرك كالاول والمخبر ليس جاعلا مخترعا وهكذا فيما نحن فيه حرفا بحرف فالشارع والواضع عندهم كالمخبر وبين قائل بالفرق في التعيين للمناسبة واستحالة الوضع بدونها وذهبت طائفة كثيرة من الاصوليين من الامامية واكثر المعتزلة الى التفصيل فوافقوا اهل المناسبة في الاحكام الشرعية وحكموا بان الحسن والقبح عقليان ووافقوا الاشاعرة في الاحكام الوضعية فانكروا المناسبة اصلا ورأسا الا على سبيل الاتفاق فزعموا انهم النمط الاوسط وخير الامور اوسطها ولكنهم قوم يفرقون

فقوله سلمه الله ان العلماء اختلفوا الخ بالاجمال صحيح لكن قوله في بيان القول الثاني بمعنى ان بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية بسببها نشأت دلالة اللفظ على المعنى على اطلاقه ليس بصحيح اذ الامر ليس منحصرا في الامرين والقول بالمناسبة ليس منحصرا فيما ذكر وليس فيما نقل عن اهل المناسبة صراحة على هذا الذي ذكر بل قد يظهر من الدليل الذي نقل عنهم خلاف ذلك وان كان الى الاجمال اقرب فان كلامهم يحتمل ان يكون معناه ان بين الالفاظ والمعاني مناسبة ذاتية تنشأ منها الدلالة كما ذكر لكنه بعد محتاج الى الواضع للتبيين والكشف وهذا كلام باطل لا يتصور لان الالفاظ ماخلقت في اصل فطرتها على هذه الهيئات المخصوصة بالضرورة وانما خلقت حروفا وهي الثمانية والعشرون او التسعة والعشرون او الثلثة والثلثون وهي مواد لكل اللغات على اختلافاتها وكثراتها وتباينها وكلها مصوغة منها فلا يصح ان تكون بذاتها مناسبة لبعض المعاني بحيث تنشأ منها الدلالة عليها دون غيرها ولا احد ممن شم رائحة من العلم يدعي ذلك بل ولا المجنون نعم الدلالة انما تحصل بعد التأليف والتخصيص للمعنى المناسب وهو قول مولينا الرضا عليه السلم على ما رواه في التوحيد والعيون ما معناه ان الحروف ليس لها معاني غير انفسها فاذا اردت ذلك تؤلفه لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك فاذا وجب المؤلف فالمؤلف على زعم اهل المناسبة يؤلف الحروف المتناسبة ( المناسبة خ‌ل ) لذلك المعنى بمادته بالمناسبة النوعية وبصورته بالشخصية فيؤلف ويعين ذلك اللفظ لذلك المعنى فحصلت الدلالة بتأليف المؤلف بالمناسبة تلك الالفاظ للدلالة على تلك المعاني فقبل التأليف لم تكن الدلالة والمؤلف هو الواضع اما هو الله سبحانه على ما هو الحق او غيره ومثال ذلك في الاحساس السرير مثلا فانه قبل التأليف لم يكن سريرا بوجه من الوجوه وانما كانت خشبة مادة مناسبة بالذات للسرير نوعا فاذا اردت ذلك اخذت من المادة المناسبة للسرير من الخشب او الحديد او الذهب او الفضة وامثالها لا مما لا يناسبه كالماء والدهن والعسل والنار والهواء مثلا فتصور تلك المادة وتؤلفها على هيئة السرير فوجد السرير ودل عليه بذاته ولم يتحقق هذه الدلالة الا بمادته المناسبة وبصورته بتأليف النجار لا من دون التأليف فبعد التأليف ما يتناول الصنم او الباب وكذلك لفظة زيد فانها قبل التأليف ما كان شيئا الا مادة حرف تصلح لكل اسم كالخشبة مثلا وتلك الحروف ليست لها معاني الا انفسها فما كانت تدل على معنى زيد فاذا اراد الواضع ان يعين لذلك المعنى لفظا اخذ مادة من الحروف المناسبة والفها على هيئة ما يريد فكانت تدل على زيد فاذن ما تصلح لمعنى آخر الا اذا صيغ صيغة اخرى اما بكسرها وتأليفها مرة ثانية او جعلها مادة ثانية لتأليف آخر وبالجملة هذه الالفاظ قبل التأليف ليست شيئا فضلا عن ان تكون دالة وتحققها ودلالتها انما هو بعد التأليف وذلك المؤلف هو الواضع والتأليف هو الوضع فاذن كيف ينفك اللفظ بما هو لفظ عن الوضع والواضع هل يجوز عاقل ذلك فكيف ينسب هذا القول الى اهل الجفر قاطبة الذين هم اخذوا علمهم ذلك عن الانبياء الى ان ينتهوا ( انتهوا خ‌ل ) الى مولينا على عليه السلم وجعفر الصادق عليه السلم اجماعا منهم وكذا السيد الداماد رحمه الله الذي يشق الشعر بغامض علومه نصفين كيف يتكلم بالذي لا يرضى به الجاهل فضلا عن الفاضل فضلا عن الحكيم العارف واذا اردت ذلك انظر كتب اهل الجفر وعلماء التكسير كيف يصرحون بالذي قلت مع انه من البديهيات التي لا يشك فيه احد فثبت ان ما نسبوا الى اهل المناسبة فرية بلا مرية بالضرورة فصح ان مراد اهل المناسبة هو الاحتمال الثاني وهو ان الحروف خلقها الله سبحانه مادة صالحة لجميع الالفاظ واللغات كالتراب الذي خلقه الله سبحانه وجعله مادة لكل الانسان والحيوان والنبات والجماد فاذا اراد الواضع تعيين لفظ لمعنى اخذ مادة من الحروف مناسبة لمادة ذلك المعنى ويصورها بالصورة المناسبة من التقديم والتأخير والتوسيط واخذ الحروف المجهورة او المهموسة او القلقلة او الاطباق او المستعلية او المستفلية او الحروف الحارة او الباردة او اليابسة او الرطبة او الفلكية او العنصرية وغيرها مما هو معلوم عندهم فيقولون الدلالة ارشاد اللفظ بمادته وصورته على المعنى بتأليف الواضع وتعيينه له كما ان الله سبحانه خلق الارواح ثم خلق الاجسام مناسبا لها فيناسب كل جسد روحه المتعلق به بجعل الله سبحانه وقد قال امير المؤمنين عليه السلم المعنى في اللفظ كالروح في الجسد وكل من ترك العادات واعرض عن التقليد يرى الامر واضحا كالشمس في رابعة النهار

وقوله سلمه الله تعالى وعلماء التكسير من اهل الجفر لعله تسامح في المقام فان علم التكسير ليس هو علم الجفر بل الجفر في بعض الاحوال قسم منه وهو كتاب على صلوات الله عليه باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله على جلد بقرة اسمها الجفر حين اتى بها جبرئيل عليه السلم من الجنة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله مع علي عليهما السلم على جبل فاران فذبحها علي عليه السلم وسلخ جلدها ( وسلخها خ‌ل ) وجعلها ثمانية وعشرين جزوا وكل جزو ثمانية وعشرون ورقة وكل ورقة صفحتان يمنى ويسرى وكل صفحة ثمانية وعشرون سطرا وكل سطر ثمانية وعشرون بيتا وكل بيت فيه اربعة حروف هكذا اااا وفي البيت الثاني اااب وهكذا وعلم التكسير غير هذا فقوله من اهل الجفر ان كان بيانا فليس بصحيح وان كان قيدا فكذلك اذ كل علماء التكسير بجميع فنونهم يقولون بالمناسبة الذاتية

وقوله تمسكا الخ لا تتوهم ان ادلتهم منحصرة في هذا الذي ذكر بل لهم ادلة كثيرة قاطعة من العقل والنقل وما ذكر جزء منها وهو تام ( تمام خ‌ل ) التقريب كما يأتي ان شاء الله

قال سلمه الله تعالى : والحق هو الاول فان الدلالة لو لم يكن بالوضع لكانت بالذات لعدم القول بالواسطة وذلك باطل لاستلزامه فهم الكل كل اللغات ولا اقل من الغلبة لعدم تخلف ما بالذات والا لزم وجود العلة بدون المعلول واللازم باطل لعدم الدلالة عند عدم الوضع او عدم العلم به لا بالعقل ولا بغيره كما يشهد عليه الوجدان

اقول الحق هو الثاني قوله فان الدلالة لو لم يكن بالوضع لكانت بالذات الظاهر انه يريد يستدل عليه من جهة الاجماع المركب والا فليس هذا بدليل عقلي وتقريره ان الدلالة لو لم يكن بالوضع لكانت بالذات وان احتمل ان يكون بالوضع للمناسبة معا فالدليل هو الهيئة التأليفية من المادة المناسبة لمادة المعنى والصورة المناسبة الشخصية فماتمحضت الذاتية ولا الوضعية بل امر بين الامرين وعليه الاستقامة في النشأتين لكن هذا الاحتمال لا ينقض الدليل للاجماع المركب فان النافي يقول بالوضع فحسب والمثبت بالذات فحسب فيكون هذا الاحتمال خرقا للاجماع ( خرق الاجماع خ‌ل ) المركب وهو باطل بالضرورة ولذا قال سلمه الله تعالى لعدم القول بالواسطة ففرع عليه مقتضاه كما ذكر ولا يمكن ان يجعل دليلا عقليا لقيام الاحتمال في الشق الثالث فيبطل به الاستدلال ولكنك قد علمت ان القول الذي ادعاه على النهج المذكور لم يقل به احد من القائلين بالمناسبة فضلا عن الخلاف فبطل التالي اللازم من جهة الاجماع وايضا عدم جواز احداث القول الثالث في الاجماع المركب انما يكون اذا حصل القطع الواقعي الثابت اوليا كان ام ثانويا بدخول قول الحجة عليه السلم في احد الطرفين فيكون حينئذ طرحا لقول الحجة عليه السلم واما اذا لم يحصل القطع فلا وان لم يجد مخالفا ( مخالفا وخ‌ل ) يكفيه الاحتمال حينئذ فيجوز له احداث القول الثالث كما وقع لكثير من فقهائنا رضوان الله عليهم كالسيد المرتضى (ره) في مسئلة ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء وقد صرح بانه لم يجد لاصحابنا نصا في ذلك وقد فرق بينهما الشافعي ثم احتمله فقواه الى ان صار قولا له وامثلة ذلك كثيرة فاذا كان كذلك فلاتعم حجية هذا الاجماع بالنسبة الى القاطع فلا يمكنه الاحتجاج به على الغير كالاجماع المحصل الخاص والامر هكذا فيما نحن فيه اذ لو سلمنا وقلنا هذا الذي ذكر هو مراد اهل المناسبة لكنا لا نسلم له القطع بدخول الحجة في احدهما بل ولا نظن واحتمل القول الثالث وعندي اماراته والقراين الدالة على صحته وليس هذا كالاجماع الضروري لئلا يسعني العذر وتحقيق الامر فيه في الاصول فاذن لا يتم تقريب الدليل اذ لو قيل لو لم يكن بالوضع لكانت بالذات نقول لا نسلم قد يكون بالامرين على التفصيل الذي ذكرنا وقولك للاجماع ليس حجة على مع ( حجة مع خ‌ل ) ما علمت ان هذا القول مما لم يقل به احد ثم لو كان هذا التالي مما يعترف به الخصم اي اهل المناسبة فلا احتياج الى هذه الشرطية اذ ليس دأب العلماء عند الاحتجاج على الخصم اثبات معترفات الخصم فانه طول لا طائل تحته وزائد لا نفع فيه فان لم يكن مما يعترف به الخصم فهو باطل اذ ليست الملازمة عقلية ولا عادية ولا شرعية ولا لغوية مع ان الصور الحاصلة بين المناسبة والوضع تزيد على اربعة وستين صورة وهذه صورة واحدة منها فكيف تصح الملازمة المدعاة فظهر لك بطلان الشرطية الاولى فلا يتفرع عليها ما ذكره سلمه الله ولئن سلمنا الاولى فنقول ان الملازمة الثانية باطلة غير تامة لان اللازم لا يلزم ان يكون بينا مطلقا بل قد يكون غير بين فاللازم الغير البين لا يستلزم ادراك الكل اللزوم اولا عند تعقل الملزوم بل قد تكون جهة الملازمة خفية لا يدركها الاكثر ابدا ولا يلزم من عدم الادراك عدم اللزوم فان مناط ادراك اللازم والملزوم ادراك الملازمة فعدم ادراكها لا يستلزم عدم وجودها وقد قال الشاعر ونعم ما قال :

عليّ نحت القوافي من مواقعها وما عليّ اذا لم يفهم البقر

الم ‌تسمع قول مولينا امير المؤمنين عليه السلم ما معناه علمني رسول الله صلى الله عليه وآله الف حرف من العلم ينفتح من كل حرف الف باب ومن كل باب الف باب ومنه آية في كتاب الله تعالى يقرؤنها ولا يعرفونها وهو قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ولا شك ان المناسبة والملازمة بين هذه الآية وتلك المعاني موجودة متحققة لكن الناس لا يدركونها فلما دل عليها الدليل القطعي قلنا بها وان لم‌ نعلم وجه المناسبة وايضا على هذا يجب ان ينسد باب علم الطب ويبطل تدوين خواص العقاقير والادوية اذ لا شك ان بين تلك الخواص والآثار وتلك الادوية مناسبة ذاتية ومرابطة حقيقية مع ان اغلب الناس بل كلهم يجهلون جميع الخواص والآثار المترتبة ( المرتبة خ‌ل ) عليها سوى من اشهده الله خلق السموات والارض وانما عرفوا الناس بعض تلك الآثار لقوام نظام معاشهم وبنيتهم عليها فبينوا لهم ما احتاجوا اليه واخفوا عنهم ما لم يحتاجوا اليه ولعل الالفاظ من هذا القبيل كل ذلك لاسرار الهية ومناسبات حقيقية يدق مأخذها ويصعب مسلكها ولا يترتب نظام الخلق في معاشهم وتحققهم الى معرفة ذلك فاخفوا عنهم ارادة لليسر ولجريان عادة الحق سبحانه على ( عن خ‌ل ) الكف عما لا يحتاج اليه الخلق كما في حديث حدوث الاسماء الى ان قال عليه السلم فجعله اربعة اجزاء معا ليس احد منها قبل الآخر فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق اليها وحجب واحدا منها وهو المكنون المخزون فلعل عدم فهم الكل والغالب لدقة المناسبة وخفائها لا لعدمها وعدم الفهم مسبب عن الامرين ولا دليل على الحصر لو لم ‌ندع الدليل على حصر الامر الآخر وبطلان هذا الذي ادعى ولو وجدت اقبالا فيما بعد لبينت لك الامر واضحا ظاهرا ان شاء الله فيكون قولك الكرم مثلا اسم لهذه الصفة كقولك العسل مع الاملة لدفع البواسير وفي المقامين تجهل المناسبة والعلة فكيف تنكر بعضا وتقر الآخر مع اشتراكهما فيما ادعيت والقول بان خواص العقاقير يعرفها الطبيب بخلاف المناسبات اللفظية باطل لما قلنا من ان الطبيب لا يعرف كل الخواص وانما هو قليل من كثير لحفظ النوع ولا يترتب هذا المعنى على معرفة المناسبات اللفظية مع انا نقول ان خواص المؤمنين الممتحنين يعرفون ذلك بتعليم الله سبحانه ولعمري ان هذا الكلام من جنابه لعجب

واعجب منه قوله ولا اقل من الغلبة لعدم تخلف ما بالذات فان هذه العلة ان كانت تامة والقاعدة كلية فكيف جوز التخلف في غير الاغلب فاذا جاز التخلف وبطلت كلية القاعدة فاي اختصاص له بالاغلب حتى يكون اقل ما يتخلف اذ على تقدير التخلف لا فرق بين البعض والكل والقليل والكثير والاقل والاكثر بل والعدم المطلق مع انا نقول ان القاعدة كلية والتخلف محال والدلالة ثابتة الا ان الادراك عليل والمدرك قليل فاذا كان الرجل اعمى لا يدرك نور الشمس لا يقال ان النور قد تخلف عنها حاشا وكلا وكذا المناسبة فانها حقيقة ثابتة والدلالة على مدلولها متحققة الا ان القوة ضعيفة وبصر القلب غير منيرة فيحتاج الى البيان كما تقول للاعمى قد طلعت الشمس

قوله سلمه الله لعدم تخلف ما بالذات والا لزم وجود العلة بدون المعلول جوابه ( جوابه انه خ‌ل ) ان اراد بالعلة العلة التامة البالغة مقام الامضاء فتحققها في المقام ممنوع وان اريد بها العلة المقتضية بالذات فاستلزامها عدم تخلف ظهور المعلول اي المقتضي ممنوع لان شرط ظهور المعلول المقتضي اسم المفعول عدم المانع وان لم‌نقل انه من تتمة المقتضي والمانع في المقام موجود كما قلنا ثم ان دليله والا اه اخص من المدعي وتمام الدليل ان يكون مساويا للمدعي ووجه الاخصية ان الذاتية كما تتحقق من جهة العلة الظاهرة في ذات المعلول كذلك تتحقق من جهة ذات الشيء وصفاته الذاتية الحقيقية ولتحقيق هذا البحث مقام آخر والامر فيه سهل وان كان هذا النوع من الاستدلال خارجا عن دأب العلماء الراسخين والمؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث والكيف والكم وعرفوا المفصول والموصول وما يؤل اليه الامور وجواب باقي كلامه ظاهر مما قلنا

وقوله سلمه الله كما يشهد عليه الوجدان فيه ان الوجدان ان كان حجة فدليل اهل المناسبة هو الوجدان لكنه على غير الوجه الذي عناه من الوجدان واما عدم الدلالة فلتعدد جهات الشيء وتكثر وجوه المناسبة فيحتاج الى التعين كالمشترك بالنسبة الى جميع معانيه حرفا بحرف فافهم

قال سلمه الله تعالى : فان قلت لعل المخالف يدعي ان العلم بالمناسبة شرط في الدلالة كما ان العلم بالوضع شرط فيها على القول الآخر فلعل التخلف لعدم الشعور بالمناسبة قلت لو كان بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية لزم الشعور بعد ملاحظتهما وملاحظة النسبة بينهما والانفهام ولا اقل من حصول العلم بالمعنى عند تعقل المناسبة مع انه ليس كذلك كما لا يخفى مضافا الى ما سيأتي من وجوه اخر لبطلان هذا القول وتوهم اختفاء الذاتي كما في حسن الاشياء وقبحها فاسد لعدم وجود المانع هناك بخلاف ثمة وكون الادراك بالدليل وثمة بنفسه

اقول هذا اعتراض حسن وكلام جيد ويظهر تقريره وتحريره ( تحريره وتقريره خ‌ل ) مما سبق الا انا نشير اليه اتماما للحجة وايضاحا للمحجة فنقول ان مراد المخالف ان النسبة هي التي تورث الارتباط بين الشيئين اما بالملازمة او بالتلازم او بالشرطية او بالاثرية او بالتضايف او بغيرها فمهما اطلعت على جهة النسبة اطلعت على الامرين وحكمت عليهما بما ظهر لك منها من اقسامها ولكن لا يلزم ان تكون النسبة ظاهرة ليتأتي لكل احد الحكم على المنتسبين على ما هو عليه اذ من النسبة ما هي مخفية جدا لا تدرك الا بالتعليم الخاص والبيان الجزئي المخصوص كالنسبة بين الايجاد والاختيار وان كل موجود يلزمه الاختيار وان الايجاد يقتضي بالذات ( الايجاد بالذات يقتضي خ‌ل ) الامر بين الامرين ولا يتحقق الايجاد الا به ولذا قال مولينا الصادق عليه السلم لا جبر ولا قدر بل منزلة بينهما اوسع من السماء والارض لا يعلمها الا العالم او من علمه اياه العالم وقال مولينا امير المؤمنين عليه السلم ان القدر سر من سر الله وحرز من حرز الله مختوم بخاتم الله موضوع عن العباد علمه الى آخر كلامه عليه السلم من هذا القبيل على ما رواه في التوحيد ولا شك ان القدر ليس الا نسبة فعل الخالق ( نسبة الخالق خ‌ل ) الى المخلوقين في تقدير ذواتهم واعيانهم واحوالهم وافعالهم ومعتقداتهم وغير ذلك وهذه النسبة ليست امرا جعليا بل هي موجودة ويدل الايجاد على القدر دلالة ذاتية هو مقتضى الايجاد مع ان في ادراك هذه النسبة في حديث امير المؤمنين عليه السلم قد تفرد بالله وحده كما قال لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه ونازعه في سلطانه وباء بغضب من الله ومأويه جهنم وبئس المصير وفي حديث مولينا الصادق عليه السلم قد تفرد به الامام عليه السلم ولا منافاة بينهما لقوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول مع ان كل شيء خلقناه بقدر وان لا جبر ولا قدر قد خرق الاسماع وملأ الاصقاع وصار ذلك من المذهب الضروري للشيعة والمخالف ليس منهم مع انهم سلام الله عليهم صرحوا بان معرفتها خاصة بهم او من علموه اياها وهذا الوضوء له مناسبة ذاتية للصلوة بسببها كانت شرطا كما هو مذهب القائلين بالحسن والقبح مع انكم تقولون ان الوضوء شرط للصلوة فعند تعقل الوضوء وتعقل الصلوة والنسبة بينهما ما تظهر لكم النسبة الذاتية التي من اجلها كان شرطا لها ولا تصح الصلوة بدونه فدل العقل والنقل والوجدان والاحساس ان وجود النسبة اعم من ادراكها وربما تقر بها تقليدا ولا تعرفها وحينئذ فلا يلزم عند تعقل المتناسبين في الواقع تقليدا الشعور بالمناسبة الواقعية التحقيقية ( الحقيقية خ‌ل ) وعلى مدعي ذلك البيان هذا تقرر كلام المخالف بزعمه فعلى هذا يكون جوابه عين المصادرة بالمطلوب لا شوبه لان المانع في مقام الاحتمال والمنع يمنع لزوم الشعور بالمناسبة ويسئل الدليل على ذلك فيجب ان يقام له الدليل على المدعي لا ان يجعل المدعى نفس الدليل فيقال قلت لو كان بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية لزم الشعور بعد ملاحظتها وملاحظة النسبة مع ان المانع ينفي هذا الذي ذكر مضافا الى التهافت العجيب الذي في هذا الكلام من حيث العبارة والسياق فان قوله سلمه الله لزم الشعور يجب ان يكون متعلق الشعور اي المضاف اليه الذي اقيم الالف واللام مقامه هو المناسبة كما هي المدعاة في الاعتراض فعلى هذا فما المراد بقوله ملاحظة النسبة فان كانت هي النسبة الاولية فيكون معنى كلامه لزم الشعور بالنسبة عند ملاحظتهما وملاحظة نفسها فيكون الدليل حينئذ عين المدلول وبطل انكاره وثبت مراد الخصم فان النسبة المدعاة هي الذاتية مع انه في صدد بيان عدمها وبيان انها لو كانت لدلت هذه الملاحظات عليها مع انه يقر بوجودها وان كانت هذه النسبة غيرها وليست جزء منها ولا اخص منها اي ليست جنسها ولا فصلها ولا من العوارض اللازمة لها فكيف يستدل بها على النسبة المدعاة وما التفت اطال الله بقاه ان هذه النسبة الحاصلة لنا بين اللفظ والمعنى هي النسبة التقليدية كالنسبة التي تحصل لك عند ملاحظة قول الشارع صلى الله عليه وآله الوضوء شرط للصلوة وليست هذه هي التحقيقية التي تنبئ عن العلة وعن سر هذا التعيين ووجهه وهي في زاوية الخفاء حتى يكشف الغطاء فاذا انكشف وصار بصرك اليوم حديدا عرفت النسبة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون

قوله سلمه الله تعالى مضافا الى ما سيأتي من وجوه اخر لبطلان هذا القول وقد علمت بطلان الوجه الذي ذكر باكمل بيان واوضح تبيان ان اعاذنا ( تبيان اعاذنا خ‌ل ) الله واياكم من شر الشيطان ولا حول ولا قوة الا بالله

وقوله سلمه الله تعالى وتوهم اختفاء الذاتي الخ هذا جواب عما اوتي به تقوية للمنع المتقدم كأنه قيل ما يمنع ان تكون الالفاظ بالنسبة الى مناسباتها الذاتية كالاشياء بالنسبة الى حسنها وقبحها وتحكم فيها بالمناسبة الذاتية مع انك ما تعلم منها الا قليلا من كثير فاجاب سلمه الله تعالى بان هذا قياس مع الفارق فان المانع في الحسن والقبح موجود وهو انه يجب ان تدرك الشيء بذاته وحقيقته فتعرف انه حسن او قبيح ومعرفة الشيء بذاته على ما هو عليه امر صعب بعيد المنال لا يمكن لاحد الا لآحاد الناس حتى قيل انه محال وعليه حملوا قوله عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربه وقالوا انه تعليق على المحال ولغموضها وخفائها طلب رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فقال اللهم ارني الاشياء كما هي وهذا هو المانع عن ادراك الحسن والقبح لانهما متفرعان على معرفة الشيء لذاته بنفسه بخلاف المعاني فانها لا تعرف بذاتها وانما هي بالدليل وهو الالفاظ فالنسبة بينهما يجب ان تكون ظاهرة لكمال التعدد والمغايرة والظهور والوضوح بخلاف حسن الاشياء وقبحها هذا الذي فهمت من كلامه فان اخطأت مراده فلا اخطأ ان شاء الله تعالى بحوله ( بحول الله خ‌ل ) وقوته الواقع فاني المجاهد في الله على وجهه وطريقه والله سبحانه وعد ولا يخلف الميعاد وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر فنقول اعلم ان الشيء اما ان يكون مصلحا بوجوده ومفسدا بعدمه فيجب اخذه او يكون مصلحا بوجوده ولا يكون مفسدا بعدمه فالاولى والاليق فعله واخذه او يكون مفسدا بذاته ووجوده ومصلحا بعدمه فيجب الاجتناب عنه او يكون مفسدا في الجملة بوجوده ولا يكون مصلحا بعدمه فالاولى والاليق تركه ولا يخلو شيء عن احد هذه الاربعة او قل الامرين اصلاح وافساد فالاول حسن والثاني قبيح والحسن ينقسم الى ما قلنا كالقبيح هذا هو المقتضي اسم المفعول للاشياء كلها قد تحققته كلية فاذا نظرت الى الاشياء فان وجدتها من القسم الاول تقول انه حسن وواجب وان وجدتها من القسم الثاني تقول انه حسن ومندوب وان وجدتها من القسم الثالث تقول انه قبيح وحرام وان وجدتها من القسم الرابع تقول انه قبيح ومكروه فحصلت المقتضى اولا كليا فاذا وجدت المقتضى حكمت على مقتضاه هذا بالنسبة الى الاشياء وحسنها وقبحها واما بالنسبة الى الالفاظ والمعاني فالامر اعظم واعظم لانك يجب ان تدرك اولا حقايق مواد الالفاظ وطبايعها وصفاتها وخواصها واحكامها وما يقابلها وما يضادها وما يوافقها وما يخالفها وما يناسبها وما يباينها واحكام القرانات الحاصلة لبعضها مع بعض وتحضر عندك جميع الصور والهيئات الغير المتناهية ومقتضياتها وعوارضها واحكامها وسعيدها ونحيسها ( سعدها ونحسها خ‌ل ) ومجردها وماديها وعلويها وسفليها وقويها وضعيفها فاذا استحضرت هذا المجموع وغيرها ثم تلتفت الى المعاني فتنظر كنظرك عند معرفة حسن الاشياء وقبحها ثم تلاحظ المجموع في محشر واحد فتنسب كل صورة لفظ بمادتها الى المعنى المناسب لها بمادتها وصورتها فانت في معرفة حسن الاشياء وقبحها تحتاج الى ملاحظة جهة واحدة وفي الالفاظ والمعاني تحتاج الى ملاحظة كل تلك الامور في الجهتين بل عند الاقتران ايضا فاعتبروا يا اولي الابصار وانصفوا ايهما ابعد غورا واشد دقة واعظم خطرا هل معرفة حسن الاشياء وقبحها او النسبة الذاتية بين الالفاظ والمعاني فان كلما تحتاج في معرفة الحسن والقبح من الامور التي استعظموها وعجزوا عنها وبعث الانبياء والرسل لعجزهم عن ادراك ذلك مستقلا تحتاج اليها في معرفة الالفاظ والمعاني ضعف ذلك مرتين بل ثلث مرات مع ان معرفة حقايق الاشياء الخارجية الذاتية ومعرفة طبايعها وخواصها لكون اكثرها قريبا الى الحس والوجدان اسهل بكثير عن ( من خ‌ل ) معرفة الالفاظ وطبايعها وخواصها واحوالها وعوارضها ولبعد غورها انكرها طائفة وتوقف آخرون ولا يمكن الاحاطة بتلك النسب والاضافات على ما هي عليه الا الله ( لله خ‌ل ) سبحانه ولمن ارتضى من رسول بل ربما يكون المانع للمعرفة وللاظهار في حسن الاشياء وقبحها اقل بالنسبة الى المانع لمعرفة المناسبات الوضعية فان الشريعة لما وجبت عليها الاقبال والحضور ولا شك اذا عرفها النفس يحصل لها اطمينان وسكون اشد مما اذا لم يعرفها وقلدت فيها ولذا ابان الحق سبحانه عن عللها واسبابها على جهة الكلية على السنة الحكماء والاطباء والطبيعيين بخلاف الالفاظ اذ لا يتفرع شيء من معاشهم وقوام دينهم ودنياهم على معرفة ذلك نعم ربما يوجد بعض الطرق والسبل الى معرفتها في كلام اهل العصمة والطهارة عليهم سلام الله لخواص شيعتهم من المؤمنين الممتحنين الذين اشار اليهم امير المؤمنين عليه السلم بقوله المتبعون لقادة الدين الائمة المهتدين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون منهجهم يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم ما استوعره غيرهم الخ وقولي يوجد يعني يظهر والا فما من شيء الا وفيه كتاب او سنة فظهر لك ان معرفة المناسبة الذاتية اللفظية ابعد غورا من معرفة الحسن والقبح فاذا عجز الخلق عن معرفة حسن الاشياء وقبحها فعجزهم عن معرفة ذلك اولى واحرى واليق وقد بينا في بعض رسائلنا سر الوضع ومبدء الالفاظ واللغات ونشوها واختلافها ولم لم يبعث نبي لبيانها كالشرايع فلا نطول الكلام بذكرها هنا ولا فائدة فيها ايضا في هذا المقام فافهم ما القي عليك من السر الحق والكبريت الاحمر

قال سلمه الله تعالى : وايضا لزم عدم اختلاف اللغات وايضا ذاتية الدلالة منافية للدلالة على الضدين في بعض الالفاظ كالقرء للحيض والطهر والجون للابيض والاسود لعدم تصور اقتضاء ذات الشيء امرين متناقضين ( متنافيين خ‌ل ) مضافا الى بداهة ان الاعلام ونحوها لم تكن قبل حدوث الوضع دالة على ما يفهم منها بعده

اقول قوله سلمه الله وايضا يلزم ( لزم خ‌ل ) عدم اختلاف اللغات جوابه اعلم ان الله سبحانه قد استوى برحمانيته على العرش فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وقد قال سبحانه وتعالى وما امرنا الا واحدة ثم شرح هذا المعنى في الآية الاخرى وقال ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فخلق سبحانه وتعالى اولا بلطيف صنعه مادة الالفاظ وحقيقتها واصلها وهي هذه الحروف الثمانية والعشرون وهي تناسب كل لغة لكل طائفة كالتراب الذي خلقه سبحانه مادة صالحة لكل جماد ونبات وحيوان وانسان ثم صور تلك المادة على الهيئات والاوضاع والهياكل التي توافق مقتضى كينونات كل طائفة وكل قبيلة بالنوع كاللغة العربية والعجمية والتركية والهندية والعبرانية وامثالها ثم صور ذلك النوع على هيئات الاشخاص الجزئية كالتراب الذي جعل منه الانسان ومنه الحيوان اي البهايم وجعل من الانسان زيدا وعمروا وبكرا ومن البهايم فرسا وبقرا وغنما وغير ذلك وفي كل ذلك مناسبة ذاتية نوعية وشخصية في الصورة ذلك حكم الله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقد قال سبحانه وتعالى ومن آياته خلق السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم فصح لك ان اختلاف اللغات من جهة الصور والهيئات مع اتحاد المادة وتلك الهيئات تناسب صور الكينونات من المعاني من الذوات والصفات وتناسب الكل مناسبة ذاتية فلا ينافي المناسبة الذاتية اختلاف اللغات لتعدد الجهات وكثرة الاعتبارات فقيل ثمانية وقيل هشت وقيل ارط ذلك تقدير العزيز العليم

واما الجواب عن شبهة النقل فسيأتي

وقوله سلمه الله وايضا ذاتية الدلالة منافية للدلالة على الضدين اه جوابه ان الله سبحانه اقتضت حكمته الكاملة وقدرته الشاملة ورحمته الواسعة ان يجمع بين المتضادين ليدل ان ( ليدل على انه خ‌ل ) لا ضد له ( فجمع بين المتضادين ليدل على ان لا ضد له ) فجمع بين النور والظلمة والخير والشر والحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة في الانسان الظاهر فيه المراتب متميزة الدرجات الا ترى المتولدات فانها جامعة بين الكيفيات المتضادة بحيث يظهر فعل كل منها فيها فيناسب الشيء بذاته للمتضادات بجهات عديدة الا ترى الهواء فانه يناسب النار بحرارته والماء برطوبته وكلاهما عين ذاته فهو شيء واحد يناسب الضدين الماء والنار بذاته وكذا الماء شيء واحد يناسب الضدين الهواء والارض وهكذا جرى صنع الله سبحانه في كل شيء صنع الله الذي اتقن كل شيء وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وكذلك حكم الالفاظ بالنسبة الى جهاتها المتحققة فيها المتخالفة بعضها مع بعض والمتضادة اظهارا لقدرته الكاملة وابرازا لرحمته الواسعة فجمع بين المتضادات والمتعاديات وفرق بين المتوالفات والمتدانيات فاذا صح ذلك فالواضع عند وضعه لهذا المعنى مثلا لاحظ اللفظ باعتبار مناسبة ( مناسبته خ‌ل ) بجهة من الجهات وعند وضعه لضده لاحظ باعتبار مناسبته ( مناسبة خ‌ل ) بالجهة الاخرى ولا منافاة في ذلك بل فهذا هو الحكمة البالغة ولولا ذلك لم تظهر الحكمة واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم نعم ما اوردوا انما يصدق لو لم تكن للالفاظ جهات كثيرة وهو في محل المنع اذ المركب لا يتركب الا من ضدين وهو وسم ( رسم خ‌ل ) المخلوقات قال تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون والبسيط ليس الا الله سبحانه ( سبحانه والا خ‌ل ) فكل ممكن زوج تركيبي وكل ذلك مركب من الضدين فيناسب كل شيء الاضداد بالمناسبة الذاتية للعقل والنقل والوجدان والاحساس فافهم ان كنت تفهم

وقوله سلمه الله تعالى لعدم تصور اقتضاء ذات الشيء امرين متناقضين ( متنافيين خ‌ل ) غريب جدا الا تقول ان العدد اما زوج واما فرد اترى ( زوج او فرد اترى ان خ‌ل ) اطلاق العدد عليهما بالاشتراك اللفظي ولا يقول به عاقل والاشتراك المعنوي ( المعنوي يقتضي خ‌ل ) وجود ذلك المعنى في الفردين او الافراد فيكون جنسا لذلك او نوعا والجنس والنوع لو لم يكونا ( لم يكن خ‌ل ) مناسبين للافراد يمتنع اتصافهما بها ففي حقيقة الجنس ذكر للفصل وذاتي له وان كان عرضيا بالنسبة الى الوجود العيني وكذلك الحيوان يتحصص في الانسان والفرس والبقر والكلب والحمار وغيرها وهو شيء واحد في المجموع بزعمكم كيف جمع الاضداد وتقول ان الجسم ابيض واسود كيف اقتضى الجسم السواد والبياض لذاته وهما ضدان نعم هذا الاقتضاء ليس اقتضاء اوليا بل فيه الذكر المحض والوجود الخارجي بمتممات القابلية من الشرايط والاسباب فالجسم يناسب السواد والبياض فاذا اجتمعت شرايط السواد اسود في الكون الخارجي واذا اجتمعت شرايط البياض ابيض كذلك وكذلك الالفاظ فان هنا موادا ( مواد خ‌ل ) صالحة مقتضية لكل صورة من الاضداد والمتناقضات فاذا اراد الواضع معنى من المعاني اخذ من تلك المادة والفها على الهيئة المطابقة لكل صورة اراد فالقرء هو شيء واحد يناسب الضدين بجهتين وكذلك الجون للسواد والبياض ولبيان وجه المناسبة مقام آخر فان ما ذكرنا هنا كلها الزاميات وان اشتملت على تحقيقات شريفة وقوله المتناقضين ان اراد به ما هو المعروف عند العقلاء فهما موجودان وان اراد به ما يدعونه بدعواهم ويخالفونه في اعمالهم فهو باطل محال ليس في محال القول حجة ولا في المسئلة عنه جواب وقد شرحنا هذا المعنى في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا فافهم ان كنت تفهم

وقوله سلمه الله تعالى مضافا الى بداهة ان الاعلام ونحوها الخ جوابه ان الاعلام قبل العلمية مواد ثانوية وهي الهيولي الثانية في عرف الحكماء وهي كالخشبة بالنسبة الى العناصر الاربعة وهي مادة لها والخشبة مادة للسرير والصنم والصندوق والباب والعمود والضريح وامثال ذلك فاولا تحصل الخشبة مثلا ثم تؤلف تلك الخشبة من حيث هي وتصنع منها السرير والصنم باضافة الصورة وهي في الاعلام الهيئة الاستعمالية والقراين الشخصية فقبل تلك الهيئات هي مادة صالحة للكل ولم تدل على معين الا باضافة الصورة فاذا قلت زيد لم يتعين لك تقول من زيد اقول لك ابن عمرو فاذا تعين اكتفيت والا تسئل اقول لك الكوفي فان لم يتعين اقول من اهل الكناسة وهكذا اضيف لك الصور والحدود والهيئات حتى تتعين والدلالة من المادة والهيئة الشخصية الاستعمالية فالمناسبة فيها نوعية وشخصية في الاستعمال ولذا ترى اهل الجفر اذ ( اذا خ‌ل ) ارادوا السؤال يأخذون اسم السائل والمسئول عنه والسؤال وطالع المسئلة واوتارها ( اوتادها خ‌ل ) وغير ذلك كل ذلك للتعيين حتى يتشخص فيأتي الجواب مطابقا للسؤال فلولا المناسبة من اين يأتي هذا الجواب هل مباين الشيء يصف ذلك الشيء ويأتي تتمة القول ان شاء الله تعالى ففي الاعلام مناسبات نوعية ومن جهتها لا تتشخص ولا تتعين لكنها تذكر عندها بالصلوح فاذا قلت لك زيد تحضر عندك كلما يسمى بزيد من حيث الصلوح كما انك عند تعقل المداد تعقل الصورة ( الصور خ‌ل ) الحرفية من حيث الصلوح والتعين ( الصلوح واما التعيين خ‌ل ) والتخصيص فانما هو باضافة الصورة الشخصية وتلك في الاعلام هي الهيئة الاستعمالية فدلت على المعاني بمناسبة المادة والصورة الشخصية كالسرير والصنم فدعوى البداهة غريبة نعم هذا شأن الذي يستعجل وقد قال عليه السلم ان هذا الدين متين فاوغلوه برفق فان المسرع لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع ولولا خوف الاطالة لاطلقت عنان القلم في ميدان بيان هذه الاحوال على اكمل بسط الا ان ما ذكرنا كفاية لمن طلب الهداية

قال سلمه الله تعالى : واستحالة الترجيح بلا مرجح بمعنى اختيار احد المتساويين من كل جهة لا بمعنى جعل احدهما راجحا ممنوعة لعدم دليل عليها من العقل والنقل ولو سلمت فنقول يكفي الارادة المستندة الى ارادة الله بايقاعها على وجه الاختيار في الاختيار فلا حاجة الى المناسبة ولو سلمت فهي انما تقتضي مرجحا ما من المناسبة يصح الاستناد اليه كالمناسبة المرعية في الاعلام لا المناسبة الذاتية فتكون الدلالة بالوضع بمعنى انه سبب لها فبعد العلم به تحصل الدلالة من غير توقف على ارادة المتكلم كما يشهد عليه الرجوع الى العرف لان العلم باحد المضاعفين ( المتضايفين خ‌ل ) يستلزم العلم بالآخر

اقول الى هنا انتهت الوجوه التي اتی بها لبطلان هذا القول والآن شرع في ابطال ما تمسك به اصحاب المناسبة لكنه لما كانت الوجوه التي ذكرها كلها هي التي ذكرها الاصوليون في الكتب الاصولية ونقلها سلمه الله تعالى الى هذا الكتاب وبقي لهم وجه آخر ماذكره سلمه الله اما لانه ما عثر عليه او لانه ما رآه دليلا كيف وهو اقوى من الادلة التي ذكرها بكثير وان كان كلها يسقى بماء واحد وجب علينا ان نذكر ذلك الدليل ايضا ونبطله لئلا يكون لمحتج حجة ويخلص الامر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

فنقول انهم قالوا لو كانت المناسبة ذاتية لامتنع جعل اللفظ بواسطة القرينة بحيث يدل على المعنى المجازي دون الحقيقي لان ما بالذات لا يزول بالغير والتالي باطل قطعا لوقوع ذلك وشيوعه فكذا المقدم والملازمة ظاهرة جوابه ان الاشياء والمعاني لها جهات كثيرة وحيثيات واعتبارات حقيقية ونفس الامرية وكذا الالفاظ لها جهات عديدة وحيثيات كثيرة وتختلف جهات المناسبة بينها وبين المعاني ففي بعضها اقوي وفي بعضها اضعف وفي بعضها اكثر وفي بعضها اقل باعتبار الاعتبارات واللفظ ( فاللفظ خ‌ل ) يناسب المعنى الحقيقي من جهتين من جهة المعنى الموجود فيه والصفة الحالة فيه ومن جهة المحل ولما كان اللفظ يناسبه بتلك الجهتين عين الواضع العارف بجهات المناسبة ذلك اللفظ لذلك المعنى لاستحقاقه به دون غيره لرجحانه والا يلزم اما عدم الوضع او ترجيح المرجوح وكلاهما باطلان فلذا وجب على واضع اللغة ان يعين الالفاظ لمعانيها الحقيقية على سبيل الشخصية وان كان بالنوع لعلمه بالمناسبة التامة بينهما ولما اراد ان يوسع علينا الامر في الافادة والاستفادة والفصاحة والبلاغة اذن لنا ورخصنا ان نستعمل تلك الالفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية الاولية الاصلية باعتبار المناسبة الحقيقية بينهما فيما يناسب تلك المعاني فاذا وجدنا المناسبة بين معنى والمعنى الحقيقي فانما هي اضعف مما هو في المعنى الحقيقي لكون المعنى الحقيقي يعتبر منه ( فيه خ‌ل ) الامران المعنى والمحل فاللفظ الموضوع له انما يناسبه من تلك الجهتين فاذا وجدنا المناسبة للمعنى بجهة فانما هو يناسب اللفظ ايضا لان مناسب المناسب للشيء مناسب لذلك الشيء ولما كانت المناسبة بين اللفظ ومعناه الحقيقي اكثر واشد واقوى لكونها بجهتين من مناسبته بالمعنى المناسب للمعنى الحقيقي لكونها فيه بجهة واحدة اقتضى ان يكون الاستعمال في الثاني ثانيا والا لكان ترجيحا للمرجوح فكان استعماله فيما يناسب المعنى الاول مجازا وان كان المناسبة ( بالمناسبة خ‌ل ) لانها تدركه الخلق بما اصل لهم الواضع من القانون الكلي بحيث لا تكون الدلالة عبثا وهباء خاليا من المناسبة والمرابطة التي هي اقتضاء حكمة الحكيم ذلك تقدير العزيز العليم ولما كان الخلق جاهلين باسرار الوضع وادراك حقايق المناسبات ليدركونها بشدة المناسبة وقوتها وكثرتها وضعفها وقلتها ويفرقوا بين الاستعمال الاول والثاني بذلك اوجب عليهم الواضع ان يجعلوا لهم علامة لئلا يشتبه الامر وذلك لنقصانهم وعجزهم وقصورهم ولو لم يكونوا كذلك لساغ لهم الاستعمال من غير نصب قرينة فان نفس المناسبة هي القرينة الحقيقة ( الحقيقية خ‌ل ) الكاملة التامة ولما لم يمكنهم تلك احتاجوا اليها ولكن لا تغفل عن الوجه الآخر في هذا المقام فانه اوفق فافهم

واما قولكم ما بالذات لا يزول بالغير فليس بمحله في هذا المقام لانا ما ادعينا زوال المناسبة الذاتية بالقرينة هل ( بل خ‌ل ) المناسبة موجودة في كلا الاستعمالين وان كانت مختلفة في الشدة والضعف المقتضيان للحقيقة والمجاز لتعدد جهات اللفظ واعتباراته وكذا المعنى واما القرينة انما احتجنا اليها لما ذكرنا من احد الامرين للفرق بين الاستعمالين لعجز المستعمل والسامع وقصورهما عن ادراك المناسبة بدونها فلو تمكنا من ذلك لاستغنينا عن القرينة فافهم

وقوله سلمه الله تعالى واستحالة الترجيح الى قوله : ممنوعة قال بعض السادة الاجلاء تغمده الله برحمته في شرحه على الوافية بما لفظه : على القول بان الواضع هو الله تعالى فالارادة وان صلحت للترجيح لرجوعها الى العلم بالاصلح في حقه تعالى كما حقق في محله الا ان الاصلحية التي هي مناط تعلق الارادة انما تكون مع الاختلاف واما مع التساوي كما هو المفروض فالاصلحية غير معقولة اصلا وبدون الرجوع الى العلم بالاصلح لا يصلح الارادة للترجيح الا على القول بجواز الترجيح من غير مرجح كما ذهب ( ذهبت خ‌ل ) اليه الاشاعرة وحينئذ كان الجواب منع بطلان التالي لا منع الملازمة كما توهمه المجيب واما على اصول الامامية والمعتزلة من امتناع الترجيح بلا مرجح فلا يستقيم الجواب اصلا فان المراد من المرجح ما عدا الارادة او المرجح لها واما الارادة فهي بنفسها لا يستقل بالترجيح عندهم وعلى القول بان الواضع هو البشر لا يصح القول بان المرجح هو الخطور بالبال مطلقا اذ كثيرا ما يخطر الالفاظ الكثيرة ببال الانسان ومع ذلك فلا يعين الا لفظا مخصوصا ثم قال (ره) : والصواب ان يقال ان استحالة الترجيح بلا مرجح انما يقتضي استدعاء الوضع مرجحا يصلح للتعليل به مطلقا ولا يلزم من ذلك تحقق المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى لجواز ان يكون المرجح امرا آخر كالمناسبة للرعية ( المرعية خ‌ل ) في وضع الاعلام والمناسبة الحاصلة في صفات الحروف وهيئاتها الحسية على ما ذكر ائمة الاشتقاق والتصريف ولو سلم فوجود المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى ما يقتضي دلالة اللفظ على المعنى كما هو المطلوب اذ ليس كل امر ثابت في الشيء ظاهرا فيه ولا كل مناسب له دالا عليه انتهى كلامه اعلى الله مقامه اقول وقوله سلمه الله تعالى استحالة الترجيح الخ ان اراد به بطلان الملازمة على خلاف الظاهر فجواب السيد واف شاف بنسبة ( بالنسبة الى خ‌ل ) مقامه في هذا المقام وان اراد به بطلان التالي فمع انه خلاف اصول الامامية والتفصيل الذي ذكره لا ينفعه نقول انه قد اتفقت كلمة العقلاء باجمعهم بان الامكان لا يترجح من نحو ذاته بل يحتاج الى مرجح وليس ذلك الا من جهة تساوي طرفي الامكان في الوجود والعدم وهذا لا اشكال فيه وعليه بنوا استدلالاتهم في التوحيد وغيره وذلك المرجح لما كان ليس لحيثية ذاته والا لكان المرجح صفة ذاتية له لا فعلية مع انه لا شك ان المرجح كالفاعل والخالق لصحة السلب صفة فعلية لا ذاتية والصفة الفعلية مؤخرة فح اقول هل المرجح يرجح بالترجيح ام بغيره فان كان بغيره لم يكن مرجحا لان الترجيح مأخوذ في ذاته لمكان المشتق والا لكان كذبا فصح ان تقول للصادق انه كاذب وبالعكس فاذا صح الترجيح فهل هو لاقتضاء المترجح اياه ام بغير اقتضاه فان كان الاول ثبت المطلوب فلم ‌يكن الترجيح من غير مرجح وترجح وان كان الثاني فلم‌ يكن مرجحا لان نسبة الفاعل الى جميع مفعولاته متساوية فتعلق فعله بهذا دون هذا والعكس في حيز الامكان فلا يتعلق الا بمرجح وترجيح والفاعل ليس امره الا واحدة ولم يكن على هذا التقدير حكيما بل كان عابثا لان الحكمة هي وضع الشيء في موضعه والموضع لو لم يكن له خصوصية لم يكن موضعا وجعله موضعا ابتداء من غير خصوصية يوجب الاول ولكان للمخلوق حجة على الخالق ولم يصدق قوله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته اذ لقائل ان يقول من قبل الكفار لو جعلت ذلك ايضا محلا لصلح فلذا ادعوا حيث قالوا لن ‌نؤمن حتى نؤتي مثل ما اوتي رسل الله ولا تقل ان الخصوصية قديمة فانا نتبرء الى الله تعالى من القول بقدم الاعيان وقدم شيء سوى الله سبحانه فكيف يمكن الترجيح من غير مرجح

واما قولكم ان الارادة هي المرجحة فنقول ما تعنون بالارادة هل هي كما يقوله ( يقول خ‌ل ) المتكلمون من العلم بالاصلح وهذا مع انه فاسد من اصله يقتضي المرجح غيرها لان الاصلحية لا تكون الا من قبل الشيء او كما يقوله اهل العصمة والطهارة سلام الله عليهم وانعقد اجماعهم على ذلك من ان الارادة انما هي الفعل والاحداث قال مولينا الرضا على ما رواه الكليني في الكافي والصدوق في التوحيد والعيون في الفرق بين ارادة المخلوق وارادة الخالق قال ان ارادة المخلوق هي الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما ارادة الله فاحداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون من غير لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له وقال ايضا عليه السلم على ما في التوحيد ان المشية والارادة والاختراع معناها واحد واسماؤها ثلثة فاذا كانت الارادة هي الفعل اتجوز ان يكون فعل الحكيم عبثا وهباء او فعل العاقل او فعل الجاهل او المجنون فان المجنون لا يفعل الا لترجيح عنده وان كان ذلك باطلا عندك والله سبحانه وتعالى يقول افحسبتم انما خلقناكم عبثا وبالجملة لا تكون الحكمة عامة ولا يكون حكيم ( الحكيم خ‌ل ) على الاطلاق الا اذا كان جميع افعاله على مقتضى الحكمة والمصلحة وهذه الحكمة لو كانت راجعة الى ذاته العياذ بالله فيجب ان يكون ( لا يكون خ‌ل ) بين الاشياء تقدم وتأخر وجوهرية وعرضية وتوالد وتناسل وحركات وسعي وكلفة ( كلفة وطلب خ‌ل ) ومشقة وامثالها مما نراها عيانا ومشاهدة لان ذات الله سبحانه موجودة والحكمة لا تنتسب الا الى الذات فما وجه التخلف لم كان ابونا آدم بعد هذا الخلق الكثير وبعد الجان والملئكة ولم كان نبينا صلى الله عليه وآله بعد الانبياء مع انه موجود قبلهم وهو اصلهم وذاتهم وشمسهم لولا الحكمة الراجعة الى المخلوق باقتضاء اكوانهم واعيانهم وحيثياتهم وبالجملة فالقول بان فعل الله سبحانه يتعلق بالاشياء من غير حكمة ومصلحة ويكون ذلك عبثا قول زور وتوهم كاسد وتخيل فاسد ولا تتوهم ( لا تتخيل خ‌ل ) ان الحكمة هي العلة الغائية بل هي ومواقع ظهوراتها الخاصة فيسئل حينئذ لم خلق النبات نباتا والجماد جمادا والمعدن معدنا ولم يخلق الكل انسانا ذوات شعور وادراك وكمال ولم يجعل الانسان غنيا غير محوج الى هذه المراتب فلو كانت الارادة هي المرجحة لكان للخلق على ربهم حجة عظيمة تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا والعجب منهم حيث يقولون في مقام النقض ان الله سبحانه خص بعض الحوادث في زمان ومكان دون الآخر لمحض الارادة وهذا هو قول الاشاعرة فانهم لا ينكرون ارادة الله بل ينسبون الاشياء كلها ( ينسبون كل الاشياء خ‌ل ) الى ارادته سبحانه من غير مرجح وبهذا ينفتح باب شرعية الحسن والقبح اذا كانت ارادة الله هي المرجحة ترجح هذا وتجعله حسنا من غير خصوصية وتجعل الآخر قبيحا كذلك كيف تنكر هذا وتقول ذلك مع ان المأخذ واحد وهل تظن ان الاشاعرة القائلين بهذا القول السخيف انما قالوا به من جهة انهم فهموا الامر كذلك ورجحوا ذلك بعقولهم ( بقولهم خ‌ل ) لا والله ما كان ذلك وانما ابتدع هذه الآراء الفاسدة علي بن اسمعيل ابن ابي ‌بشر ( ابي ‌بشير خ‌ل ) الاشعري القاضي بالبصرة عنادا لآل ‌محمد سلام الله عليهم حيث وجدهم مطبقين على بطلان قدم المشية وبطلان الترجيح من غير مرجح وبطلان قدم الكلام وبطلان الجبر وامثال هذه الامور وهو كان قاضيا من قبل الحكام ووجد ميل سلاطين الجور الى اطفاء انوار ( نور خ‌ل ) آل محمد سلام الله عليهم واخماد ذكرهم وتفريق جمعهم وتشتيت شملهم غرته الدنيا وباع آخرته بالثمن الاوكس الادنى صعد المنبر وقال : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فاني اعرفه بنفسي انا علي بن اسمعيل ابن ابي ‌بشر ( ابي ‌بشير خ‌ل ) الاشعري كنت سابقا اقول بحدوث الكلام وحدوث المشية وان الله لا يفعل الا لغرض ( لا يفعل لغرض خ‌ل ) وان الشر ليس من الله والآن تبرأت الى الله من هذا القول واقول ان كلام الله قديم ومشيته قديمة وان الله لا يفعل لغرض وان الخير والشر من الله وان الترجيح من غير مرجح صحيح وغيرها ثم نزل عن المنبر وصنف خمسين كتابا في هذا الباب ولا تظن ان الذين تبعوه تبعوه عن بصيرة ومعرفة او انهم جهلوا الامر واشتبه عليهم لا والله ماكان ذلك انما كان بقوة السلطان والسيف اشتهر كتبه وكل من يخالفه يكون ( كان خ‌ل ) مبغوضا عند السلطان فاطاعوه وقبلوا منه كما اطاعوا الخلفاء والآن لا تظن ان علماء العامة جاهلون بالامر لا والله بل اخذتهم العصبية وحمية الجاهلية وخوفا لفضاحة الاولين وتخريب امرهم في الآخرين الا ان كتبهم ومصنفاتهم لما اشتهرت وانتشرت واختفت آثار آل محمد سلام الله عليهم عند الذي يزعم ذلك والا فهي اظهر شيء عند الذين تعلقوا بهم فالتجاء علمائنا في علومهم ومعارفهم الى النظر الى كتب المخالفين ومصنفاتهم وزبرهم وارادوا ان يأخذوا الحق منهم وان تأولوا ذلك بحديث الحكمة ضالة المؤمن حيث ما وجدها طلبها فدخلت عليهم الشبهة ورسخ فيهم الخلط واللطخ فقالوا وجوزوا الترجيح بلا مرجح مثلا وقدم المشية وامثالهما وقد انعقد اجماع ائمتنا عليهم السلم على خلاف ذلك ونعم ما قال دعبل الخزاعي رحمه الله :

ولو قلدوا الموصى اليه امورهم لزمت بمأمون عن العثرات

ثم العجب من التفصيل الذي فصل اطال الله بقاه وقال ان الترجيح بلا مرجح له معنيان احدهما ان يختار احد المتساويين من كل جهة وثانيهما جعل احدهما راجحا والآخر مرجوحا من غير امر زايد على ذاتهما والثاني باطل قطعا لاجماع الامامية على بطلان الترجيح بلا مرجح وهو ينصرف الى هذا الوجه لا الوجه الاول اذ لم يثبت دليل على امتناعه ولست ادري ثبت دليل على صحته او هي كفساده من غير دليل وهل عدم الدليل دليل على العدم او حكمه مسكوت عنه وعلى كل التقادير هذا تفصيل غريب وتحقيق عجيب كأنه فهم سلمه الله تعالى معنى الترجيح من غير مرجح او معه جعله راجحا بمعنى اي حسنا ممدوحا ( راجحا اي ممدوحا حسنا خ‌ل ) فمعنى الترجيح بلا مرجح هو ان يجعله حسنا ممدوحا محمودا من غير رجحانه في نفسه وهو باطل لما ثبت من عقلية الحسن والقبح واما اختيار احد المتساويين من كل جهة فلا وما التفت سلمه الله الى ان الامرين واحد والفرق تحكم لان هذا الذي يختار احد المتساويين لملائمة بينه وبين المختار من استكمال او اكمال و( او خ‌ل ) وصول و( او خ‌ل ) ايصال و( او خ‌ل ) بلاغ او تبليغ فيكون المختار احسن بالنسبة اليه واولى واليق بالنسبة الى غيره ولا اقل من اكتسائه حلية الوجود وبقاء الآخر في ظلمة عدم الامكان واي حسن احسن من الوجود بالنسبة الى العدم لان قبل الاختيار كان اختيار احدهما دون الآخر في حيز الامكان متساوي الوجود والعدم فلما اختار احدهما ونسبه الى نفسه مستكملا او مكملا صار ذلك ارجح واولى واقدم لانتسابه اليه بخلاف الآخر فانه بقي في عالم الليس الا ان الراجح والمرجوح على انحاء كثيرة في القوة والضعف والكثرة والقلة والعموم والخصوص وتختلف الراجحية والمرجوحية بحسب الاصقاع والازمان والاشخاص وغير ذلك فاذن صار في القسمين واحدا فمن ينكر هذا فليسئل الله ان يصلح وجدانه مع ان الذي اشتهر عندهم وصار معركة للآراء ليس الا اختيار احد المتساويين من كل جهة ومعنى اختيار احد المتساويين هو جعل احدهما راجحا والآخر مرجوحا فاذا تساوت النسبة بين الصلوة والزنا فجعل احدهما مقوما والآخر مفنيا او احدهما مقوما والآخر مسكوتا عنه كالرغيفين مثلا كما يزعمون فجعل احدهما مقوما للبدن وسادا للجوع ومقويا للحرارة الغريزية من دون الآخر لا شك في قبحه وانه لا يصدر من الحكيم ومآل الامرين الى الواحد فان قلت فعلى هذا يلزم ان الله سبحانه لما خلق الكفار في جميع مراتبهم ان يجعلهم راجحين ممدوحين قلت ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الكافر كافرا تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا بل خلق اعيانهم اولا ولا شك ( لا شك ان خ‌ل ) ذلك حسن وجميل ثم خلق الكفر فيهم بطلبهم اياه بانكارهم وهذا واجب وحسن وراجح وتركه قبيح فتبعيدك القاذورات عن مجلسك حسن وادخالها فيه قبيح والله لم يفعل ( لا يفعل خ‌ل ) الا الحسن الجميل فلو ان الكافر حين انكر وكفر حكم عليه بالايمان لكان فاعلا للقبيح ( للقبح خ‌ل ) تعالى ربي عن ذلك وليس هذا المقام محل تحقيق هذه المسئلة ومجمل الكلام ان اختيار احد المتساويين لا يكون الا بان يجعل احدهما ارجح من الآخر وهذا لا شك فيه ولا ريب يعتريه

وقوله سلمه الله لعدم دليل عليها من العقل والنقل باطل لقيام الدليل عليها من العقل والنقل اما العقل فقد سبق وازيدك اتماما للحجة واكمالا للنعمة واقول انه لا ريب ان نسبة الفاعل الى جميع مفعولاته على السوي اي قدرته عليها وعلمه بها على حد واحد ليس على بعضها اقدر منه بالنسبة الى الآخر فلو تفاوتت لم يكن لها فاعلا مستقلا بل هناك جزء علة هف فاذا صح ذلك فلو كان الفاعل في ايجاد مفعولاته في عالم الكون والوجود والشهود وان اجتمعت كلها عنده في عالم الامكان والصلوح لم ينتظر مرجحا لوجودها من الشرايط والاسباب واللوازم والمعدات من المتممات والمكملات لوجب ان يوجد كلها دفعة واحدة لوجود المقتضى وهو القدرة والعلم وارادة الايجاد ورفع الموانع من فقد الشرايط والاسباب والمعدات وغيرها وهذه القاعدة اي وجوب الايجاد عند وجود المقتضى ورفع الموانع من الامور المسلمة التي لا يشك فيها احد من العقلاء والا يلزم الظلم وترجيح المرجوح وان لا يكون حكيما وان يكون ظالما بخيلا والبديهة تشهد ان الفاعل لم توجد مفعولاته كلها دفعة بل توجد متدرجة عند اتمام قابلياتها من شرايطها واسباب تكوينها من العلل المادية والصورية وغيرها فثبت ان الفاعل ينتظر مرجحات وجود المفعولات لا لنقص فيه بل لنقص في المفعولات ومنشأ تحقق المرجحات واختلاف المفعولات وتفاوت الاستعدادات وتحقق القابليات لا يمكن بيانها لانها من اسرار القدر نعم بالمواجهة ربما يتيسر شيء من ذلك والله الموفق فان قلت ما ذكرت يدل على الاثبات ولا يدل على الاستحالة كما هو المفروض قلت بلى يدل على ذلك لان تخلف المقتضي عن المقتضى ممتنع من غير المانع ولا شك ان المفعول من مقتضيات فعل الفاعل فاذ لم يكن مانع لم يتخلف ولو ان الارادة هي المرجحة لم يتخلف شيء عن الكون والوجود والضرورة تشهد بخلافه واما النقل ففي الكتاب والسنة كثير لا يحصى ومنه قوله تعالى الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ومنه قوله تعالى الذي احسن كل شيء خلقه وقوله تعالى بل اتيناهم بذكرهم وقوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم يهديهم ربهم بايمانهم وقوله تعالى كان الناس امة واحدة فاختلفوا وقوله تعالى ويؤت كل ذي فضل فضله وقوله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وقوله تعالى اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها وهذه وامثالها كلها واضح الدلالة على ان الله سبحانه لا يفعل الا بالاسباب والمرجحات الخارجة عن الارادة الم‌تسمع قوله تعالى ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوء يجز به الم ‌تتأمل في قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون والضمير الفاعل في فيكون لا يرجع الا الى المكون لا الى الفاعل فيكون المفعول هو فاعل فعل الفاعل فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم ‌يكن فهم فتأخذه عنا

وما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا

وقد قال الله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وما امرنا الا واحدة فاذا ثبت امر في شيء يثبت في الكل والتغيير لاختلاف ( التغيير في خ‌ل ) الموضوعات فافهم واما السنة فكثيرة منها قوله عليه السلم ابى الله ان يجري الاشياء الا بالاسباب ولا شك انها غير الارادة وقوله عليه السلم في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ما معناه استوى فليس شيء اقرب اليه من شيء فاعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه وقوله عليه السلم ما معناه ليس بين الله وبين خلقه قرابة ونسبة وانما تتفاضلون بالاعمال انتهى وهذا يعم الحكم التشريعي والتكويني والا لتحققت النسبة والقرابة هناك وهو خلاف المفروض وامثالها من الاحاديث كثيرة وانا الآن ليس لي قلب اتفتش الاخبار واذكرها الا انك اذا فتشت وجدت فلو ان الترجيح من غير مرجح واختيار احد المتساويين صحيح جايز ولا يجوز شيء على الله الا وقد وجب اذ ليس هنا امكان وفقر لما صح ملاحظة الاسباب الخارجة عن الارادة ولما صح قوله عليه السلم حكاية عن الله اني جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم وامثالها وكأني بكم تقولون ان هذه اخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا وانا اقل ما اقول لكم اولا انك اذا تتبعت الاخبار وجدت هذا المعنى متواترا معنويا يلزمكم العمل عليه وثانيا ان الاخبار اذا طابقت الاعتبار وشهد لها كلام الله القادر ( الخالق خ‌ل ) الجبار وجب العمل عليها في الاعلان والاسرار نعم ربما يبقى لكم الكلام في دلالة هذه الآيات والروايات على المدعى فوالله لولا خوف الاطالة وتبلبل البال واغتشاش الاحوال بتواتر الاعراض وتوارد الامراض لبينت ذلك واوردت جميع الشبهات التي لكم في مقام التدقيقات اللفظية واريتكم اينا اضعف ناصرا واقل عددا اعلم انهم قد يتمسكون في دعوى اختيار احد المتساويين من كل جهة والترجيح بلا مرجح بطريقي الهارب ورغيفي الجايع وقدحي العطشان وجوابه انه في الاغلب يوجد المرجح للمختار في الاختيار من انواع الميولات وانحاء الاقتضاءات الوضعية سيما في هذه الامثلة ولو فرض اعدامه في نظره في عالم الشهادة فاين انت من عالم الغيب من المرجحات الكونية والمناسبات الوجودية ولو لم يشعر لنقصانه في العلم من جهة احتجابه بغواشي حجب الطبيعة والاعمال ونسيانه ما مضى عليه من الاحوال اتمه له جابر الكسير ومعطي الفقير ليتم له ما اختاره وهو اختياره قال الله سبحانه له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله وقال ( وهو قوله خ‌ل ) عليه السلم لو كشف لكم الغطايا ( الغطاء خ‌ل ) لما اخترتم الا الواقع وقال النبي صلى الله عليه وآله اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله فافهم

قوله سلمه الله تعالى ولو سلمت فنقول يكفي الارادة المستندة الى قوله : فلا حاجة الى المناسبة اول ما فيه انه فهم ان اهل المناسبة يقولون ان الواضع هو البشر خاصة لانه الظاهر من قوله يكفي الارادة المستندة الى ارادة الله اذ لا يجوز ان يكون الارادة المستندة عين الارادة المستندة اليها ليكون المنسوب عين المنسوب اليه فحيث جعل المنسوب اليه هو ارادة الله سبحانه فيكون المنسوب هو ارادة العبد مع ان اهل المناسبة لا يحصرون الواضع في الخلق بل ما اظن ان احدا من القائلين بالمناسبة نسب الوضع الى البشر فلا معنى لهذا الشق في مقام الالزام الا ان يقال هذا الكلام على فرض ادعائهم ذلك وهو كما ترى ونوجه كلامه سلمه الله بان اهل المناسبة يريدون باستحالة الترجيح بلا مرجح نفي الوضع بان الدلالة لو كانت بالوضع وحده للزم الترجيح بلا مرجح عند التعيين والتخصيص وبطلان التالي يستلزم بطلان المقدم فاذن يتوجه ما قال سلمه الله لكنك لو فتحت عينك لعلمت بان كلامهم اعم مما الزموا عليهم وادعوا فيهم فان بطلان التالي يستلزم بطلان المقدم خاصة لا مطلقا والمأخوذ في المقدم الوضع وحده وهو يبطل ببطلان التالي لكن بطلان الوضع وحده لا يستلزم عدم الوضع مطلقا لعله يكون من الامرين اذ يبقى حينئذ احتمالان بل ما ذكرنا سابقا من الصور الكثيرة التي تزيد على الستين فكيف يجعلون ( تجعلون خ‌ل ) لازم كلامهم هذا الشق دون الآخر لعلهم ارادوا ذلك وقد قلنا لك انهم ما ارادوا غيره

فان قلت ان العلماء هكذا نقلوا عنهم وهم ثقات وشهادتهم حجة قلت لم ‌نجد احدا ممن قال بالمناسبة قال ذلك ولا في كلماتهم ما يشير اليه والناقلون لا يستندون في نقلهم الى السماع عنهم وانما يستندون الى اجتهادهم من دليلهم واستعجالا بالامر ولذا نقول ان الحق ان التوثيق والتضعيف والجرح والتعديل في الرجال كلها من باب الظنون الاجتهادية ليست من الشهادة ولا من الرواية مع ان بين المقامين فرق ( فرقا خ‌ل ) فان وجدتم استنادهم اليهم معنعنا هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين فظهر لك ان ما ذكره سلمه الله انما يتم اذا انكروا الوضع اصلا او نسبوا الوضع الى البشر وكلاهما في محل المنع فلم‌ يتم التقريب

وقوله الارادة المستندة الى ارادة الله سبحانه انما يشير الى قوله تعالى وما تشاؤن الا ان يشاء الله ( وقوله تعالى خ‌ل ) وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقوله تعالى خطابا لداود انت تريد وانا اريد ثم لا يكون الا ما اريد الحديث وقوله عليه السلم لا يكون شيء في الارض و( ولا في خ‌ل ) السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة منها فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك وهذا كلام صحيح لا اشكال فيه لكن قوله يكفي لا يخفى انه ما يكفي اذ لا شك ان العابث والسفيه وامثالهما ليسا مستقلين او انما هما بالله سبحانه وارادتهما منسوبة الى ارادة الله سبحانه اذ لا يمكنك ان تمنع ذلك ومايمكنك تمنع بطلانهما ولا شيء يقع في الارض ولا في السماء من الخير والشر والحق والباطل الا بمشية الله سبحانه وارادته وعلى هذا يجب ان يقبل كل شيء ولا ينكر المنكر لان المنكر والمعاند والمبطل والعاصي والمخطي وغيرهم في ارادتهم منسوبون الى الله سبحانه ايكفي هذا الاستناد في صحة افعالهم واعمالهم حاشا وكلا وهذا بعينه قول الصوفية المباحية وما يضاهيهم من القائلين بوحدة الوجود وقد قال ابن‌ عربي مميت‌ الدين عندنا ومحيي ‌الدين عند غيرنا في فتوحاته التي هي الحتوفات عندنا ان كل شيء حق ويؤل الى الحق ولا ينبغي ان يكره ( ينكره خ‌ل ) شيء وكل شيء على الحق وعلى صراط مستقيم واستدل بقوله تعالى وما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم قال فاذا كان ناصية كل شيء بيد الله والله على الصراط المستقيم فيكون كل شيء على الصراط المستقيم وقوله سلمه الله اشبه الاشياء بقوله بل هو عين قوله نعوذ بالله من طغيان الاقلام وزلل الاقدام ولئن اغمضنا عن كل ما ذكرنا وسلمنا ما قال نقول ان مراده بالارادة المستندة هو ان ارادة العبد تابعة لارادة الله لا بحيث يلزم الجبر فحينئذ هل ارادة الله تعلقت بالوضع من غير ترجيح بل من باب اختيار احد المتساويين من كل جهة من دون مرجح غير ارادته ام لا بل من جهة الترجيح الخارجي الذي هو المناسبة فان قلت بالاول نقول قد سبق ما دل على بطلانه من العقل والنقل مع ان هذا هو قولك الاول فلا معنى لهذا الكلام ولا يحتاج ايضا الى هذا الاستناد ان انت لم تنف الاختيار فلو نسبت الى العبد ايضا لادى هذا المؤدي وان قلت بالثاني بطل قولك فلا حاجة الى المناسبة لان الترجيح للتعيين غير الارادة لا يكون غيرها فماذا تقولون واين تذهبون

قوله سلمه الله ولو سلمت فهي انما تقتضي مرجحا ما من المناسبة يصح الاستناد اليه اقول وليت شعري ماذا يريدون من المناسبة الذاتية واظنهم يتوهمون فيما اذا قالوا ان الواضع هو الله ان الله سبحانه وتعالى خلق اولا الالفاظ وصورها بهذه الصور هكذا اتفاقا ثم وضع كل لفظ لمعنى من غير نسبة وارتباط واذا قالوا بالمناسبة الذاتية يعنون ان هذه الالفاظ التي صورها الله سبحانه والفها اتفق ان من الهيئة الاجتماعية حصلت نسبة ورابطة تقتضي معنى مخصوصا لا تقتضي غيرها ابدا ويعرفها كل من يراها واذا قالوا ان الواضع هو البشر يعنون ان الله سبحانه صور هذه الالفاظ من غير ملاحظة معنى من المعاني او ان البشر صور لفظا ثم جعله لمعنى آخر فلو لم‌نحمل كلامهم على هذا لم يتصور لكلامهم معنى محصل وكل اعتراضاتهم وتدقيقاتهم على اهل المناسبة كلها تتوجه على الذي ذكرت ولو لم يقولوا هذا بلسان مقالهم فان لسان حالهم تشهد بذلك وتنادي بما هنالك وانت قد عرفت ما ( مما خ‌ل ) حققنا لك سابقا ان هذه كلها اقوال باطلة وظنون فاسدة والله سبحانه اجل من ان يجعل شيئا ولا يقصده ويكون ذلك منه على سبيل الاتفاق ولعمري ان ذلك ( هذا خ‌ل ) مذهب ذيمقراطيس الذي يقول ان العالم كان بالاتفاق وحكم البعض هو حكم الكل لا يتفاوت بين من يقول باتفاقية الكل او البعض لان حكم الله على الكل على طور واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقد اقمنا على ما قلنا براهين سديدة مستنبطة من العترة الطاهرة في ساير ما كتبنا فكيف يقال ان الله سبحانه وتعالى خلق الالفاظ على صور شتى وهيئات مختلفة واوضاع متفاوتة كل ذلك من غير حكمة وقصد مصلحة فيجعل بعضها مفردة كهمزة الاستفهام وبعضها مركبة ثلاثية ورباعية وخماسية مجردة ومزيد ( مزيدا خ‌ل ) فيه مشتقة وجامدة منصرفة وغير منصرفة معتلة وصحيحة مهموزة ومدغمة ومضاعفة افعالا واسماء وحروفا يكثر في بعضها من الحروف المجهورة او المهموسة والشديدة او الرخوة والمستعلية او المستفلية والمطبقة او المفتحة والحارة او الباردة واليابسة او الرطبة والنورانية او الظلمانية والفلكية او العنصرية والشمسية او القمرية والمتواخية او المتعاوية ( المتعادية خ‌ل ) ويقللها في البعض الاخر اتجوز ان يكون كل ذلك على سبيل الاتفاق ولا يقصد من ذلك شيئا ( شيء خ‌ل ) مع ان العقل يقطع ببطلانه الطبيعة تنبو وتشمئز عند استماعه هذا كله نقص في حكمة الحكيم او نفي لقدرته او نقصان في علمه وانتم لا ترضون نسبة هذا الى بعضكم فيما تعرفون وتعلمون انكم لتقولون قولا عظيما فظهر لك ان ما نسب المصنف الى اهل المناسبة تبعا لغيره وما فهموه من دليلهم ليس مرادهم وانما هم يقولون كما قلنا مرارا ان الاصل في الاشياء هو الذوات والمعاني ولما ان المعاني حقايق عينية وذوات غيبية احتيجت لاظهارها وابرازها وترتب الآثار والاحكام عليها الى مظاهر ومرايا فخلق الله سبحانه هذه الالفاظ مرايا لتلك المعاني كما خلق الاجسام مرايا للارواح والعقول فالف لكل معنى لفظا يناسب ( يناسبه خ‌ل ) ذلك المعنى بصفاته من الجهر والهمس والحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والتقديم والتأخير على ترتيب محكم ونظام متقن بتمام الصيغة ( الصنعة خ‌ل ) وبديع الفطرة فاذا اطلع عليها العارف يقطع بان هذا فعل حكيم عالم كريم لكن وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون ويضرب الله الامثال للناس ومايعقلها الا العالمون قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ومن الآيات العظيمة خلق اللغات على طور غريب ونظم عجيب وحكايتها للمعاني وتوصيفها لها على اكمل وجه واعظم حال الم‌تعلم ان اهل التكسير كيف يداوون الامراض المزمنة الغريبة العجيبة بحروفهم واسمائهم ويتصرفون فيها ويسقونها اياهم فيداوونهم بها ولكنهم اذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم

فقوله سلمه الله تعالى مرجحا ما من المناسبة هذه هي المناسبة الذاتية وليست هذه الذات مقابلة للصفات بل يريدون بالمناسبة الذاتية مقابل الوضعية لا مقابل الصفاتية بل المناسبة لا تقع الا في الصفات واما في الذوات فلا الا ان تكون حكاية لعاليها وهو غير ما نحن بصدده فالمناسب في الصفات من المناسبة الذاتية كما قالوا في الفصم والقصم والاعلام ايضا منها الا انها اقلها دلالة لانها نوعية فتقوي المناسبة عند الشخصية والمقارنات الفلكية فتكون المناسبة الذاتية هي المرجحة

قوله سلمه الله تعالى فتكون الدلالة بالوضع بمعنى انه سبب لها وقد سبق لك من الكلام ما يبطل به هذه ( هذا خ‌ل ) المرام من ان الدلالة انما هي ارشاد اللفظ بمناسبة مادته وصورته بمادة المعنى وصورته على ما الفه الواضع وقرره فانت من جهة جهلك بالمناسبة تلتفت الى مطلق الوضع والتعيين تقليدا كما ورد ان اللبان ومواظبة اكله يزيد في الحفظ ويقوي البنية فاذا راوا اللبان يقولون انه يزيد في الحفظ ولكنهم لم يدروا لم كان كذلك او ( وخ‌ل ) انه من جهة حرارته ويبوسته يقطع البلغم فيورث الحفظ وكذلك يقال لك ان اللفظ الفلاني اسم للمعنى الفلاني لكنك لا تدري لم كان ذلك كذلك فانت حينئذ مقلد لا محقق واما المحقق فيكفيه مجرد الاستعمال فانه يحكم على ان هذا الاستعمال حقيقي او مجازي مشترك لفظي او معنوي منقول او مرتجل ولا يحتاجون الى البيان من الواضع في كل واحد واحد على حسب مراتبهم وبلوغهم في العلم

ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول

فظهر بما ( مما خ‌ل ) ذكرنا بطلان باقي كلامه

قال سلمه الله تعالى : فان قلت لعل مراد اهل المناسبة انها سبب للوضع بمعنى ان الواضع لا يهمل في وضعه رعاية المناسبة بين اللفظ والمعنى كوضع الفصم بالفاء التي هي من حروف الرخوة للكسر بسهولة ووضع القصم بالقاف التي هي من حروف الشدة للكسر بالشدة قلت هذا مع انه خلاف الظاهر وخلاف الواقع في بعض الالفاظ سيما ما وضع للضدين لعدم تصور المناسبة بهما معا ويقتضي ان يكون النزاع بلا ثمرة فان الوضع حينئذ سبب للدلالة لا المناسبة وان كان الوضع للمناسبة مما نهاه ( نفاه خ‌ل ) بعض القائلين بالمناسبة صريحا

اقول ما ذكره سلمه الله تعالى من الاحتمال هو قول السكاكي في المفتاح قال على ما حكي عنه ان ما ذكره اهل المناسبة تنبيه على ما عليه ائمة ( ائمة علمي خ‌ل ) الاشتقاق والتصريف من ان للحروف في انفسها خواص لها تختلف كالجهر والهمس والشدة والرخاوة المتوسط بينهما وغير ذلك وتلك الخواص يقتضي ان يكون العالم بحالها اذا اخل في تعيين شيء مركب منهما ( منها خ‌ل ) لمعنى لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة كالفصم بالفاء الذي حرف رخو ( رخوة خ‌ل ) لكسر الشيء من غير ان يبين والقصم بالقاف الذي هو الشديد لكسر الشيء حتى يبين وان لهيئات تركيب الحروف ايضا خواص كالفعلان والفعلي بالتحريك كالنزوان والحيدي لما في مسماهما من الحركة وكذا باب فعل بضم العين مثل شرف وكرم للافعال الطبيعية اللازمة وقس على هذا اقول هذا الذي ذكره السكاكي ان اراد في كل الالفاظ من الجامدة والمشتقة في كل لغة ويخص المناسبة بالذي ذكر من التناسب في بعض الصفات والهيئات او يخص بالمشتقات في اللغة العربية فغلط فاحش وخبط واضح وهو يريد الحمل والجمع فاقول انه صلح بدون رضي الخصمين لان اهل المناسبة لا يخصون لفظا دون لفظ او مناسبة دون اخرى بل يعممون الحكم في كل لفظ في كل لغة باي نوع من انواع المناسبات التي اشرنا الى بعضها فيما سبق وان اراد جميع المناسبات في كل الالفاظ واتى بما ذكر على سبيل المثال وهو حق وان اراد ان يتخذ له مذهبا فباطل لما مر وسيأتي ان شاء الله واما اهل الوضع فلا يعتبرون المناسبة لا ان يعتبروا عدمها فان اتفقت المناسبة فهو من باب الاتفاق ولا حكم للقضية الاتفاقية والحاصل ان مراد اهل المناسبة هو الذي ذكرنا مرارا من اعتبار المناسبة حال الوضع وانها هي العلة المرجحة والغاية الخاصة والشرط التام والسبب القوي فالمناسبة هي من متممات قابلية الدلالة مع ملاحظة الواضع المؤلف وانحاء المناسبات كثيرة لا ( ولا خ‌ل ) حصر لها

قوله سلمه الله قلت مع انه خلاف الظاهر ان اراد ما احتمله السكاكي من حكم الاختصاص فكذلك بل هو خلاف الواقع لانهم يعممون الحكم ان ( وان خ‌ل ) اراد ان اهل المناسبة ينكرون الوضع مع المناسبة اصلا ورأسا فباطل بل ما يريدون غيره

وقوله خلاف الواقع في بعض الالفاظ سيما ما وضع للضدين اعادة لما قاله اولا وقد ظهر لك مشروحا مفصلا ان قوله خلاف الواقع خلاف الواقع بل الواقع ان الشيء الواحد يناسب الضدين كما انك تناسب الاضداد تناسب النار بالمرة الصفراء تناسب الماء بالرية مادة البلغم تناسب الهواء بالدم تناسب الارض بالطحال تناسب الملك بالعقل تناسب الشيطان بالنفس الامارة تناسب الرحمة بالطاعة وتناسب الغضب بالمعصية وهكذا الى ما لا نهاية له من الاضداد والله سبحانه انما خلق العالم مجمعا للاضداد ليعلم ان لا ضد له

وقوله سلمه الله ويقتضي ان يكون النزاع بلا ثمرة فان الوضع حينئذ سبب للدلالة باطل لان الوضع مع المناسبة سبب لها لا الوضع وحده والثمرة في هذا النزاع كثيرة منها وضع الاسم لذات الحق سبحانه وتعالى فان القايل بالمناسبة يمنعه وان كان الواضع هو الله تعالى والنافي لها يثبته وان نفاه فانما هو من جهة اخرى لكنه ما وجدنا من النافين من نفي وضع الاسم لذات الحق سبحانه وتعالى بل اتفقوا على ان لفظ الجلالة اسم للذات تعالى ربي وتقدس ولا تتوهم ان النافي للاسم يريد بلفظ الجلالة غير الذات بل ما يريد منه الا الذات لكن لا من حيث انها مدلولة لللفظ وانما هو مثل ما اذا قلت لك يا قائم ويا قاعد ما اريد الا ذاتك مع ان مدلول اللفظ غيرها وتحقيق الكلام في غير هذا المقام ويظهر في هذا المقام ثمرات كثيرة شريفة وقد ظهرت ( ظهر خ‌ل ) لي بعون الله تعالى حال الكتابة فاطويها واصونها قال ونعم ما قال :

اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان

فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني

ومنها وضع الاسم للممتنعات كشريك الباري والاعدام الصرفة واللاشيء البحت البات والليس الساذج فان القائل بالمناسبة يمنعه لعدم تحققها بين الالفاظ الموجودة المتأصلة مع الاعدام الصرفة وتناسب التضاد لا يتحقق لان الضدين امران وجوديان فحيث لا مناسبة لا اسم وهذه الاسماء للجهات الامكانية والتجويزات الوهمية والتحليلات الافكية قال تعالى وتخلقون افكا مثل تسميتك الرجل الموجود بالمعدوم وقد قال مولينا الصادق عليه السلم كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم ولتحقيق الكلام مقام آخر واما النافي للمناسبة فلا يلتفت الى هذه الامور ويثبت الاسم للكل لعدم اشتراط المناسبة ولو منعه وانما هو لامر آخر من كون المدلول المعنى يجب ان يكون موجودا ومنها ان اللفظ اذا استعمل في معنيين يقدر اهل المناسبة على الحكم بان هذا الاستعمال حقيقي والآخر مجازي او نقلي او اشتراك لفظي او معنوي وذلك بقوة المناسبة وضعفها وتعدد الاصقاع ووحدتها وهذا الحكم لا يتأتى له الا اذا قطع كالشمس في رابعة النهار ولا يقطع الا اذا كان فهمه في ذلك مستندا الى الكتاب والسنة وكأني بك تستهزئ وتقول ان هذا شيء لم يتفوه به احد من العلماء واني اقول لك :

وهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء

وقد قال تعالى وفيه تفصيل كل شيء وقال عليه السلم وان من شيء الا وفيه كتاب او سنة وقالوا عليهم السلم نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وقال امير المؤمنين عليه السلم المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين يهجم بهم العلم عن ( على خ‌ل ) حقيقة الايمان فيستلينون من اخبارهم ما استوعر على غيرهم اجمع بين هذه الاخبار لينتج لك المراد واني تتبعت العلماء ورأيت لسان حالهم ناطقا بما اقول ويأبى عن ذلك لسان مقالهم ولو كان لي اقبال لشرحت لك حقيقة الحال وقد يحصل ذلك بالمشافهة فان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير واما النافون فلا يتأتى لهم ذلك فان هذه المناسبات عندهم غير مرعية ومنها وهو اعظمها اعتبار اللطايف والخصايص والحقايق والاسرار المطوية في الالفاظ القرآنية والاسماء الحسني واسماء الائمة عليهم السلم واسماء اعدائهم المدلول عليها بالالفاظ من تقديم وتأخير وتوسيط وترقيق وتفخيم وجهر وهمس وشدة ورخوة وحروف نارية وهوائية وترابية ومائية وتكثيرها في بعض الكلمات وتقليلها وتعديلها والاتيان بالحروف النورانية والظلمانية والسعيدة والنحيسة والمتواخية والمتناكرة والمتوالفة والمتعادية واليومية والليلية وحروف المنازل والبروج والافلاك والحروف الجبروتي والملكوتي ( الملكوتي والملكي خ‌ل ) ومن العدد ومن الشكل ومن الهيئة ومن الصورة ومن الصفة وغيرها من الامور المقررة عند اهلها التي وصلت اليهم من الانبياء عن الله سبحانه بواسطة الوحي واجمعوا على ذلك ويستخرجون منها مطالب كثيرة واسرارا عجيبة من الامور المرموزة والمطوية كما استخرجوا الائمة سلام الله عليهم من قوله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين واستخرجوهم سلام الله عليهم من آية التطهير واستخرجوا اسم محمد وعلي من لفظ الجلالة واستخرجوا الايمان من اسم علي والاسلام من اسم محمد صلى الله عليهما وآلهما واستخرجوا اسم علي عليه السلم من اليمين فعرفوا معنى اصحاب اليمين وكذلك في الاعداء واستجماع الكمالين اي الكمال الشعوري والظهوري للطاء في فاطمة عليها السلم وقد دلت اخبار ائمتنا سلام الله عليهم على هذا المعنى في مواضع لا يحصى كما في التوحيد عن الباقر عليه السلم في تفسير قل هو الله احد قال عليه السلم ما معناه الهاء اشارة الى تثبيت الثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الحواس ولمس الناس وفي الصمد قال عليه السلم ان الالف واللام المدغمان اشارة الى وجوده وغيبوبته ( غيبته خ‌ل ) وعن الصادق عليه السلم في قوله تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا قال عليه السلم العين علمه بالله والباء بونه من الخلق والدال دنوه من الخالق بلا كيف ولا اشارة وكما قال عليه السلم في تفسير البسملة الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله وفي رواية مجد الله وقال في الله الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا واللام الزام خلقه ولايتنا والهاء هوان لمن خالف ولايتنا وحديث ابي‌ لبيد المخزومي من المشهورات وقال مولينا الحسن العسكري عليه السلم في كلام له وجد بخطه الشريف قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة والولاية الى ان قال عليه السلم وشيعتنا الفئة الناجية وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران لتمام الم وطه والطواسين وقال الحجة المنتظر عجل الله فرجه في كهيعص ان الكاف اشارة الى كربلا وان الهاء اشارة الى هلاك العترة الطاهرة والياء اشارة الى يزيد لعنه الله والعين اشارة الى العطش والصاد اشارة الى صبرهم والاخبار في هذا المعنى لا تحصي ولاحصاء بعضها مقام آخر وبالجملة اهل المناسبة لا يزالون غواصون ( غواصين خ‌ل ) في بحر العلوم والحقايق وقد ظهر لهم ما قال امامهم صلى الله عليه ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع وفسروا عليهم السلم الذكوان بانه ذكاء المؤمن او بانه طري ابدا لا تفنى عجائبه ولا تبيد غرائبه ولا يستقصى ما فيه وانت ايها السامع لا تكذب بما لم تحط به علما وتدبر في قوله تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا وفي قوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم ولا تكن كما قال تعالى واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم واما النافون فبمعزل عن هذه العلوم ولا يلتفتون اليها ابدا كأنهم يزعمون ان الله سبحانه وتعالى او الائمة الهداة لما تكلموا بتلك الكلمات مااستشعروا بهذه اللطايف وغيرهم وجدوها من كلماتهم من باب الاتفاق كما يقولون في دليل الاشارة ويمثلون ذلك باقل مدة الحمل من قوله تعالى كما قالوا سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم

وقوله سلمه الله تعالى مما نفاه بعض القائلين بالمناسبة صريحا ولست ادري من هذا القائل ونحن لم‌ نجد اشارة ولا تلويحا من كلماتهم ( بكلماتهم خ‌ل ) يشعر بنفي الوضع فضلا عن التصريح واما اهل الجفر فدائما يسئلون عن اسم السائل ولا يعلمونها ودائما يتكلمون في اصول الالفاظ وهي الحروف الثمانية والعشرون ويقولون ان مدار كل الالفاظ واللغات عليها وهل يمكن ان يتألف ويتصور لفظ من غير مؤلف ومصور وهل المؤلف والمصور الا الواضع ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وليس تتبعه ونظره في كلمات اهل المناسبة اكثر من تتبعنا ونظرنا ان كان الامر كما تقولون هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين عصمنا الله واياكم من الزلل بمحمد وآله الطاهرين

قال سلمه الله تعالى : قال بعض افاضل العصر الاصح ما ذهب اليه اهل المناسبة تمسكا بان كثيرا من المعاني تظهر فيها المناسبة كالخضخضة والطنطنة وكالغليان والنزوان وغير ذلك فتجد ( فنجد خ‌ل ) فيها صورة تشابه حركة مسماها بحيث لو سمعها من لم يكن عالما بالوضع وقيل له في مسمى الخضخضة ما اسم هذه اخضخضة ام مرجلة مثلا لقال الاولى ان تسمى خضخضة ولا يناسب ان تسمى مرجلة وهذا شيء يعرف بالطبع والعقل وليس لذلك دليل الا ما تدركه الفطنة من المناسبة

اقول يريد بهذا البعض شيخنا ومولانا وثقتنا ومعتمدنا ومحيي نفوسنا ومنور قلوبنا عماد الاسلام والمسلمين المبطل لقوانين الاشراقيين المضيع لتمويهات الرواقيين المزيف لاوهام المشائين المخرب لمخترعات الصوفيين الناطق بالحق والصواب في الفروع واصول الدين لانه المتمسك في كل الاحوال والعلوم بحبل الله المتين والآخذ اصوله وفروعه من مشكوة انوار الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين وهو المحسن ولا سبيل على المحسنين الشيخ الورع الصالح الزكي التقي النقي خاتم المجتهدين وقدوة المؤمنين الممتحنين مولانا ومقتدانا الشيخ احمد ابن المقدس المرحوم الشيخ زين ‌الدين الاحسائي اطال الله بقاه وجعلني في كل مكروه ومحذور فداه وبلغه الى ما يتمناه واخذه هواه الى رضاه وجزاه عنا خير الجزاء ورفع درجاته في مقام القرب والزلفى كما نور قلوبنا بمصباح الهداية والتقى فانه اطال الله بقاه قد قال بالمناسبة الذاتية لكنه على ما فصلت لك يعني ان الواضع لما اراد ان يوضع لفظا بمعنى الف له من الحروف ما يناسب ذلك المعنى على هيئة مادته وصورته بحيث اذا اطلع عليها السامع يقطع بان هذا اللفظ لا يصلح الا لهذا المعنى كما ان السرير بعد ما صنع وصيغ لا يتناول الصنم والصندوق فكل من يراه يعلم انه سرير ولكن قبل التأليف يصلح لهذا ولهذا الا ان انحاء المناسبات كما ذكرت لك مرارا مختلفة في الظهور والخفاء وشدتها وضعفها وقلة الظهور وكثرته ( كثرتها خ‌ل ) ففي بعض الكلمات ظاهرة واضحة بحيث اذا عرضت على كل عاقل منصف متأمل يدرك وجه المناسبة وذلك مثل خضخضة ( الخضخضة خ‌ل ) الموضوعة لمدلولها في الحديث لعن الله المخضخض وهو المستمنى باليد او مطلق تحريك الماء على الوجه المخصوص ولم يحضرني الآن الخصوصية لكن الطبع السليم والفهم المستقيم يعرف ان المناسب لهذا المدلول هو الخضخضة لا الطنطنة ولا المرجلة اذ في ذات اللفظ مناسبة تعرفها الفطنة والعقل مع تلك الحركة المخصوصة ليست مع الطنطنة نعم فيها مناسبة مع النقمة ( النغمة خ‌ل ) والتغني وبالجملة مراده اطال الله بقاه اثبات وجود المناسبة وبيان ان بعد تأليف اللفظ وصوغه على تلك الهيئة الخاصة في بعض الالفاظ التي ظهرت المناسبة فيها يمكن للسامع ادراكها وادراك مدلولها وان لم يعلم الوضع فان الفطنة بالفطرة تعرف ذلك مثال ذلك اذا كانت مرايا متعددة كلها تصلح لحكاية ظهور صورتك بالصلوح النوعي فقبل المقابلة لم تتعين مرآة خاصة وكلها في الصلوح والامكان سواء فلما قابلت احدي تلك المرايا وخصصتها بالهيئة الشخصية التي هي المقابلة ظهرت صورتك فيها فلا تحكي تلك الصورة الا اياك فكل من نظر اليها عرفك وان لم يرك ولم يخبره مخبر بمقابلتك اياها وكذلك الالفاظ قبل ان تتعين وتتشخص وتتألف كانت موادا ( مواد خ‌ل ) صالحة لكل المعاني فلما اراد الواضع معنى هيأ له صورة خاصة مناسبة لذلك المعنى المخصوص فاذا تألف اللفظ بالمناسبة فلا شك انه لا تدل الا على ذلك المعنى بالمناسبة وان لم يعلم الوضع الا انها لما كانت خفية في اكثر الالفاظ واغلبها قيل للناس ان اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني مثل ما يقول الحكيم ان الحرارة واليبوسة تقتضي لون الحمرة فحين تعقل هذا المعنى مايلتفت الا الى قول الحكيم وما يلتفت الى حقيقة المناسبة التي صارت علة فحينئذ لا يقال انما صارت الحمرة من الحرارة واليبوسة او من اجتماع البياض والصفرة بقول الحكيم واما في ان النار تحرق والماء تبرد فلا يحتاجون الى قول الحكيم وكذلك بعض الالفاظ تظهر فيها المناسبة بحيث يعرفها الفطن الزكي كما يعرف تبريد الماء وتسخين الشمس وان لم يعلمه الحكيم وكذلك هناك يعرفها وان لم يعلمه الواضع وفي بعضها لم تظهر مثل ما ذكرنا فيحتاج الى الاعلام فلا يقال حينئذ ان اشراق ( احراق خ‌ل ) الشمس واحراق النار وتبريد الماء لذاتها من غير جعل جاعل وتأليف مؤلف فكذلك في الالفاظ اذ دلت بالمناسبة لا يقال انها استغنت عن الواضع بل ما صارت كذلك الا بالواضع فافهم فاني قد كشفت لك القناع ونزلت المعقول منزلة المحسوس فاذا عرفت هذا القدر من الكلام ظهر لك فساد غرضه من اتيان هذا الكلام نقلا عن ذلك العالي المقام لبيان انه اطال الله بقاه ينكر الوضع صريحا حاشا وكلا وانما هو يقر بالوضع صريحا وقد صنف في مسئلة الواضع رسالة ونقل فيها الاقوال وادلتها ورجح القول بان الواضع هو الله سبحانه واستدل عليه وصحح كل الاستدلالات التي استدلوا بها لهذا المطلب من الآيات والعقل وابطل جميع الشكوك والشبهات الواردة عليها وقد صرح في هذه المسئلة في عدة مواضع بالواضع وان الواضع يؤلف الفاظا مناسبة الى غير ذلك وهذه العبارة المنقولة ليست صريحة في نفي الوضع لو لم‌ ندع الظهور في اثباته بقوله الاولي ان تسمي خضخضة بل الالفاظ المؤلفة المركبة على هيئات واوضاع وصور اقوى شاهد على الواضع المؤلف المصور فكيف يمكن ان يقال مع هذا كله انه ينفي الوضع صريحا لا ينبغي للعالم ان يكون له عجلة فيحكم وينسب بادنى شبهة فلو كان هذا حالهم في تنقيح كلام الاحياء مع كونه حيا وشيوع تصانيفه واجوبة مسائله وكتبه ووجود تلاميذه العالمين بمراده وتمكنه منه ومنهم في تحصيل مراده على القطع واليقين هكذا فكيف في تحقيق حال الاموات وتهذيب الرجال مع البعد العظيم والوسايط الكثيرة وتنقيح الاخبار وتهذيبها على وجه الاستبصار ليكون كافيا لارشاد قواعد شرايع الاسلام ووافيا لذكرى مدارك نهاية الاحكام مع الاختلافات ( الاختلاف خ‌ل ) العظيمة والمعارضات الشديدة التي يدعونها والله المعين والموفق ولولا خفت الاطالة وما في قلبي من الملل والكسل لبينت لك دأب العلماء وكيفية الاجتهاد والقواعد التي يجب على المجتهد ان يراعيها ليعد من الذين جاهدوا فينا والله الهادي توغلوا في الامور وتأملوا مر الدهور ولا تستعجلوا في الجرح والتعديل ولا تستبدوا بالراي فان كل ذلك موانع اصابة الحق والسلام على تابع الهدى وخشى عواقب الردى

قال سلمه الله تعالى : اقول فيه اولا مما يكذبه الوجدان سيما بالنسبة الى غير اهل هذا اللسان فانه لو قال له عند تحريك الماء ونحوه هذا كذا او ( وخ‌ل ) كذا يقول ما ادري بالبديهة

اقول ان اراد بوجدانه خاصة فهو اعلم وان اراد بوجدان عامة الخلق الخالين عن الشكوك والشبهات والاوهام والعبارات وانحاء التقليدات فممنوع بل الذي هو المعروف وطابق عليه العقل والنقل والوجدان والاحساس ميل الشيء الى ما يناسبه ويوالفه ولا شك ان الشيء الى المناسب اميل منه الى المخالف المباين وهو قريب من الاوليات وانا اسئلك هل تجد مناسبة وموافقة بين تحريك الماء على الوجه المخصوص وبين الخضخضة لا تجد بينه وبين المرجلة وبين الباب مثلا ام لا يتفاوت عندك الحال وكذا بين الغاغ وصوت الغراب والدق ومعناه والشيب وصوت شفتي الناقة حال الشرب فان قلت لم يتفاوت عندي الحال فليس لنا معك كلام لادائه الى السفسطة مع ان هذه الالفاظ ليست بادون من الفصم والقصم الذي اقررت بالمناسبة بينهما فان كان فيهما في حرفين وهنا ( فهنا خ‌ل ) في كل الحروف وكذلك الغليان والفوران والنزوان والجولان وامثالها للحركة الصعودية ولا ينبغي التشكيك في المناسبة بينها وبين مدلولاتها ولا احد انكرها الا انهم اجابوا عن ذلك بانها مجرد الاتفاق وبالجملة فاذا صحت المناسبة وتحققت ولا ( فلا خ‌ل ) شك في ان الطبيعة تميل الى المناسب للمناسبة فاذا وجدت الطبيعة الساذجة والجبلة الصافية شيئا يناسب الآخر فتحكم له به مطلقا ان وجدت المناسبة تامة والا فبالنسبة الى المباين وهذا هو مقتضي الفطرة الالهية والاستقامة الحقيقية وعدم الحكم لعدم وجدان المناسبة لا لوجود المناسبة وعدم اقتضاء الفطرة والعقل المستقيم يحكم ( الحكم خ‌ل ) الى المناسب ويميل ( الميل خ‌ل ) اليه وهذا واضح ان شاء الله تعالى فظهر لك ان الوجدان انما يشهد على حكم المناسب للمناسب فقوله يكذبه الوجدان ان اراد المناسبة بين الخضخضة ومدلولها وكذا باقي الالفاظ ومدلولاتها فيكذبه الوجدان وان اراد حكم العقل المناسب للمناسب فكذلك يكذبه الوجدان ووجداني الذي ادعيت مستند ( مستندا خ‌ل ) الى العقل والنقل والحس والبداهة بخلاف ما ذكره ( ذكر خ‌ل )

وقوله سلمه الله سيما بالنسبة الى غير اهل هذا اللسان اه جوابه انه لا يتفاوت الحال وكونه من اهل اللسان لا مدخلية له بل ربما يبعد الفهم لالتفاته الى جهة الانس ومراد الشيخ اطال الله بقاه هو الباقي على الفطرة المستقيمة الغير المعوجة فان الفطرة اذا غيرت ربما في حال الغفلة تدرك ( يدرك خ‌ل ) الحق بالاستقامة فاذا التفت الى جهة المخالفة تنكره ( ينكره خ‌ل ) وامثلته كثيرة لا نطول الكلام بذكرها فاذا كان الشخص خالي الذهن عن شبهة المناسبة والوضع والميل الى جهة تقليدا يدرك الذي ذكر بالبديهة والعجب من قوله يقول ما ادري بالبديهة فان ذلك ابطال لحكم العقل والفطرة المستقيمة ودعوى البديهة غريبة مع انه بالف نظر لا يمكنه اثبات هذا المدعا الا عند الذين غيرت فطرتهم عن الاستقامة الاصلية ورسخت الشبهة في اذهانهم والله المعين وهو حسبي ونعم الوكيل

قال سلمه الله تعالى : وثانيا ان الدلالة لا بد ان تكون من اللفظ فيجب ان يفهم من لفظ خضخضة ( الخضخضة خ‌ل ) تحريك الماء ( الماء مثلا خ‌ل ) لا العكس

اقول ان مولانا جناب الشيخ اطال الله بقاه وامد ظلاله على رؤس رعاياه يريد من هذا الكلام تأصيل اصل يكون بابا ينفتح منه الف باب وهو ان الالفاظ لما كانت اصولها موادا ( مواد خ‌ل ) صالحة وهي الحروف الثمانية والعشرون وليست في هذه الحروف دلالة على شيء مخصوص معين فاذا اراد معنى يؤلف له حروفا على وضع مخصوص وترتيب معين فيدل بالمناسبة ولما كانت هذه الدلالة ذاتية واذا اراد غير الواضع ان يعينها يجب عليه استحضار جميع الصور والهيئات او اغلبها واكثرها والاول بالنسبة الى غير الامام عليه السلم والثاني بالنسبة الى عامة الخلق متعذر والثاني بالنسبة الى بعض الاوحديين متعسر فعلى الواضع ان يبين ذلك اللفظ احضارا له في فهم السامع وذهنه واعانة له على ادراك المطلوب فاذا سمع ذلك اللفظ ووجد كمال التناسب بينه وبين المعنى المدلول استراح واستقام وسكن فاذا اراد الواضع ان يظهر حكمته وان فعله على امر متقن محكم يقول اخضخضة مثلا اولى بان يكون دالا على هذا المدلول ام غيرها مثل الشيب يقول السامع لا بل الخضخضة اولي واليق وذلك مثل قوله تعالى قل ءالله خير اما يشركون وقوله تعالى افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون وليس ان الحكم انما حصل بقوله تعالى الآن بل هذا الحكم كان ثابتا لكنهم ماكانوا ملتفتين اليه فنبههم على ذلك وكذلك الالفاظ تدل على معانيها بالذات بعد ما وضع الواضع فالدلالة انما هي بمناسبة مادته وصورته بمادة المعنى وصورته ولكن الخلق لما كانوا غافلين اعلمهم الله سبحانه بالامر كما اعلمك بالشرايع مثلا فهم الخلق وادراكهم لم يبلغ ان يعملوا عملا جامعا لمقتضى العبودية والربوبية فاتى لهم الشارع بالصلوة فقال لهم هل الصلوة جامعة لمقتضى العبودية ام الزنا واللواط مثلا يقولون لا بل الصلوة لما يجدون من المناسبة بينها وبين العبودية المحضة فالدلالة التي لنا من الالفاظ كلها تقليدية اعلامية وهي لا تحصل الا بعد الاعلام والتنبيه والبيان كما قالوا الصلوة واجبة وصوم اول ( اول شهر خ‌ل ) شوال محرم وآخر رمضان واجب مصلح ( مصلح كذلك خ‌ل ) والعلم اسم لتلك الصفة والممكن لذات الخلق وانت لم تعرف الامرين الا بالاعلام والدلالة التحقيقية ( الحقيقية خ‌ل ) هي التي تعرفها من حقيقة الشيء واقتضاء كينوناته وهذه لا يتيسر الا لآحاد الناس في بعض الالفاظ فافهم قال شيخنا اطال الله بقاه في تحقيق معنى الدلالة قال والحق ان الدلالة صفة اللفظ لا صفة السامع ولا صفة اللافظ كما قد يتوهم وذلك لان الواضع الحكيم وضع الاسماء علامات على المسميات وكمال العلامة ( العلامات خ‌ل ) ان تكون على هيئة تدل على ما وضعت له وحيث كان كل شيء زوجا تركيبيا وجب ان يكون لذلك الاسم هذا الحكم والمراد ان كل شيء له مادة وصورة وهذا وسم ( رسم خ‌ل ) جميع المخلوقات وكل اسم فله مادة مخصوصة بينهما ( بينها خ‌ل ) وبين ما يراد له مناسبة نوعية وله صورة مخصوصة بينها وبين ما يراد له مناسبة شخصية فاذا اراد وضع لفظ بازاء معنى اخذ له من الحروف ما يناسبه وجعلها مادة لاسم ذلك المعنى وركب تلك الحروف على هيئة من التركيب في الحركات والسكنات والتقديم والتأخير تناسب ذلك المعنى كذلك وتلك الهيئة هي صورة ذلك الاسم فوضعه ( فوضع خ‌ل ) بازاء ذلك المعنى فكان الاسم بتلك المادة المخصوصة والهيئة المخصوصة دالا للسامع العالم بالوضع على مسماه كما انك اذا اومأت بان يأتي اليك ( اذا اومأت اليك بان تأتي خ‌ل ) اومأت اليه بهيئة الاقبال بان تقبض اصابعك في الجملة مشيرا له بها اليك فيفهم بالمادة وهي حركة اليد والصورة وهي الاشارة له بيدك كالجاذب له ارادة الاقبال ولو انك اردت انصرافه اومأت اليه بيدك بهيئة الدفع فيفهم بالحركة والهيئة ارادة الانصراف لان هذه الهيئة في المادة المخصوصة تدل المشار اليه على ما يراد منه فكذلك الاسم بالمادة والهيئة المخصوصتين يدل السامع على معناه فحقيقة الدلالة ارشاد اللفظ بمناسبة مادته وصورته لفهم المخاطب الى المعنى الموضوع له كما مثلنا في الاشارة فان قلت لو كان كذلك لم يجهل احد شيئا من المعاني والواقع خلافه قلت انما احتيج للعلم بالوضع لشدة خفاء المناسبة لانها مناسبات حرفية من عالم الغيب كما حقق في محله فان قلت اذا كانت مناسبات حرفية من عالم الغيب فما الفائدة في ملاحظتها واعتبارها اذا لم يطلع عليها جميع المخاطبين قلت الفائدة شيئان احدهما اقتضاء حكمة الحكيم ان لا يخصص شيئا بشيء بغير مناسبة تقتضي التخصيص مع قدرته وثانيهما ان ذلك اسكن لقلب المخاطب لو تنبه في بعض الاحوال لبعض المناسبات انتهى كلامه رفع الله اعلامه انظر بعين بصرك وبصيرتك كيف صرح بالوضع والواضع وان الجاهل بالامر لا يدركه الا بعد العلم بالوضع فظهر لك مما ذكرنا وذكر سلمه الله جواب اعتراضه وايراده والله الموفق للصواب

قال سلمه الله تعالى : وثالثا ان ذلك لا يتم بالنسبة الى الضدين كما لا يخفى ورابعا ان ذلك لا يتم بالنسبة الى الاعلام كما لا يخفى

اقول قد تكرر في هذا الشرح ما يكون جوابا لهذا القول مع ان مولانا جناب الشيخ اطال الله بقاه ما ادعى ذلك الظهور في كل لفظ ولا ادعى لكل احد حتى يرد ذلك وهو اطال الله بقاه قد صرح في الكلام الذي نقلنا عنه ان ذلك مناسبات حرفية من عالم الغيب يصعب مسلكها ويدق مأخذها ولا يدركها كل احد والضدان تظهر المناسبة بينهما حال التعلق بكل واحد والا فاللفظ مطلقا يدل على الجهة الجامعة بالمناسبة الذاتية فاذا اضيفت اليها الهيئة الشخصية دلت كالحيوان المتساوي النسبة بين الذئب والغنم مثلا او الانسان والكلب على زعمكم فلا يتمايز الا حال التعين والتشخص فقوله اطال الله بقاه في المناسبة تام في الضدين على التفصيل الذي ذكرنا واما بالنسبة الى ظهورها لكل احد فماادعاه ذلك فافهم وتنبه

واما الاعلام فقد قلنا مرارا انها مواد ثانوية مبهمة غير متميزة فتدل بذاتها نوعا على ما يصح الصدق عليه فيتميز بالهيئة الاستعمالية الا ان المناسبة هنا دقيقة ادراكها اماسمعت ان اهل التكسير في باب التكسير الصغير في باب طب الابدان يداوون الانسان بحروف اسمه واجمعوا على صحته وجربوا ولا يخطى العمل اذا اتوا به على وجهه قالوا اذا جاؤا اليك بمريض قد طالت علته واعيى الاطباء فتنظر اليه وتسئله عن وجعه فان كان وجعه في رأسه فلا يكون دواءه الا في الحروف النارية التي اولها الالف وآخرها الذال فمثال ذلك اذا قيل لك ان هذا الانسان رأسه يوجعه وفيه ضربان شديد وله مدة طويلة فتقول اسمه زيد وتكسره ثم تسئله ان كان في الصدغين فتأخذ حروف الرأس وتكسرها وتأخذ حروف الصدغين وتقول سكن الوجع ثم تأخذ الحروف وتمزجها ثم تجمعها بالرقم وتزنه بالميزان ثم تكتب الحرف على طبع الوزن وتصرفه وصفة ذلك تكتب اولا ز ي د س ك ن وج ع ر ا س ه م ن ا ل ص د غ ي ن ثم تمزج هذه الحروف ويأتي الغالب طبع الماء ويكتب المربع ويسقي ويحمل في رأسه فيطيب من ساعته انما كتبت هذا التفصيل لئلاتغتر وتقول اهل المناسبة يقولون بالدلالة الذاتية ويكتفون بها عن الوضع وهو يقول يسئل عن اسمه ثم كتبوا اسمه واسم الوجع واسم الرأس واسم الصدغين فالفوا هذه الاسماء بحروفها فاثرت في الشخص فلو لم تكن في الاعلام مناسبة مع المسمى كيف يؤثر الاسم في المسمى واللفظ في المعنى ولا يمكنك انكار هذه التأثيرات لوقوع الاجماع عليه وهؤلاء ليسوا باقل من اهل النحو والصرف واللغة الذين تعتبرون اجماعهم وتجعلونه كاشفا وليس اهل اللغة عندهم الا كالشعرة الواحدة في البقرة والسيد السند تغمده الله برحمته في شرح الوافية ذكر ان التأثيرات الحرفية وخواصها وآثارها لا يمكن انكارها وهو شيء معلوم ضروري ان شاء الله تعالى فثبت المناسبات في الاعلام باستلزام التأثير فيها التأثير في المعنى الا انها خفية جدا استخراج مناسباتها شأن علماء الحروف بانواع البسط والتكسير وهناك يظهر تقدير الحكيم العليم الخبير لا اله الا الله ( الا هو خ‌ل ) وحده لا شريك له

قال سلمه الله تعالى : وخامسا ان غاية ما ذكر حصول المناسبة واما كونها سببا للوضع فلا ولو سلم فكونها سببا للدلالة مم مضافا الى ان المدعي دلالة جميع الالفاظ بالمناسبة فلا يناسبه التصدير بالكثير فليتأمل

اقول بعد ما سلم حصول المناسبة فلا مجال للمنع الا ان يختار مذهب الاشاعرة ويقول بالترجيح من غير مرجح كما ادعى وحينئذ فالكلام كما سبق مشروحا فحيث بطل الترجيح من غير مرجح فيكون المرجح هو المناسبة وهي على انحاء كثيرة وما ذكره الشيخ اطال الله بقاه نوع منها وقد يكون في اللفظ اكثر انواعها وقد يكون نوعا منها ولا ريب ان المناسبة المذكورة مما رعاها الواضع حال الوضع لكمال المطابقة والموافقة بينهما لكنا لا نحصر الامر فيها بل قد يكون مع امور اخر وظهر لنا هذه للبيان وهذه كعلل الشرايع على فرض انها اسباب كما هو المختار اذ قد يذكر جزء العلة من غير الاشارة الى انه جزء كما قالوا عليهم السلم في علة العدة انها لاستبراء الرحم وليس هذه علة تامة لمكان التخلف فيكون العلة مركبة من امرين من استبراء الرحم ومن احترام الزوج لانه قائم على الزوجة وكذلك الاسباب الظاهرة في الالفاظ من المناسبات قد تكون جزء سبب وقد تكون هي العلة التامة ونحن لما لم ‌نحصل ( نحن لم‌ نحصل خ‌ل ) الدلالة من المناسبة لجهلنا وقصورنا وانما ندركها ونحصلها من الاعلام والتنبيه كالاحكام الشرعية فلا يجب ان يظهر لنا كل الاسباب والعلل والمناسبات الموجبة للوضع فنكتفي بما ظهر لادراك العلوم والمعارف والاسرار ونعرف بذلك ان الواضع حكيم فنعبده ولا نشرك به شيئا والشيخ اطال الله بقاه ما حصر الامر في المناسبة الظاهرة وهذا الايراد عليه عجيب بعد ما توهم من كلامه انكار الوضع فكيف يورد عليه انها لا تصير سببا للوضع وهو ما يقول بالوضع على زعمه فافهم

قوله ولو سلم فكونها سببا للدلالة مم باطل لانه ان اراد بالدلالة الاولية فلا شك انها مسببة عن المناسبة لما قلنا من ان الواضع انما الف تلك الصورة على هيئة ذلك المعنى بمادته وصورته فذلك المعنى هو نتيجة من الاب الذي هو المادة والام الذي هو الصورة ولا يمكن التخلف وهذه المناسبات المذكورة من تلك يقينا لما ذكرنا من شدة الموافقة والملائمة والمطابقة واما هي عين المناسبة التي هي العلة في الدلالة والوضع فماادعاه احد وان اراد بالدلالة التي ( التي هي خ‌ل ) عندنا فانما هي اعلامية تنبيهية ما نلتفت في هذه الا الى بيان المبين الواضع كما اذا قال لك الشارع صل وجوبا فانك حين تعقل وجوب الصلوة لا تلتفت الا الى قول الشارع لا الى المناسبة التي صارت علة لوجوب الصلوة اليومية واستحباب غيرها مثلا

قوله مضافا الى الخ جوابه من وجوه كثيرة ليس لي الآن قلب فارغ لكثرة الهموم والاعراض حتى آتى بجميعها فاكتفي ببعضها فنقول لما دل الدليل العقلي والنقلي والوجداني على ان حكم الله سبحانه في الخلق على طور واحد ليس في حكمه ولا في خلقه ولا امره اختلاف كما قال عز وجل لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال تعالى وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقوله تعالى وما امرنا الا واحدة الى غير ذلك من الآيات والروايات فاذا وجدنا حكما الهيا في شيء من الاشياء وعلمنا ان ذلك ليس لخصوصية المواد فتعمم ذلك الحكم في الكل فلما وجدنا في كثير من المعاني والالفاظ مناسبة ذاتية وعلمنا ان الواضع هو الله سبحانه فعلمنا ان هذا بناء الامر في كل الالفاظ لان حكم الله لا يختلف لقوله تعالى وما امرنا الا واحدة ثم لما وجدنا المناسبة في كثير من الالفاظ والمعاني ووجدنا وقطعنا ان الوضع بالمناسبة كما فعل احسن من الاتفاقيات وفي الاول يظهر حكمة الحكيم وفي الثاني تنقص وتبطل ( تبطل وتنقص خ‌ل ) والله سبحانه هو الحكيم على الاطلاق فوجب تعميم الحكم في كل الالفاظ لان الله سبحانه افتخر باللغات وخلقها ووضعها ولا يكون ذلك الا لاظهار حكمة عظيمة وامر متقن محكم يدل على عظمة الخالق واحكام صنعه واتقان امره واظهار حكمته وقدرته واما اذا قلنا بالعدم فيسلك بنا سبيل العدم ويورث الظلم فيحدث به الظلم فما اكثر ما يعتري النافين من الندم والله يقول الحق وهو يهدي الى سواء السبيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

ثم ذكر كلام مولينا الشيخ اطال الله بقاه بطوله ابقيناه على حاله وما تعرضنا لشرحه لانه اطال الله بقاه وجعلني في كل محذور فداه اجل من ان يتكلم على كلامه او يتصدى لشرحه وبيانه امثالي من القاصرين وقد عجز عنه العلماء الفحول من اهل المعقول والمنقول واقروا بعجزهم وقصورهم وهو كك ولقد انصفوا لانه كلام ليس مما يعرفه الناس ولا ذكر في كتاب ولا جرى في خطاب نعم في تلويحات كلمات الائمة سلام الله عليهم اشارة الى ذلك بل صراحة لكنها من احاديثهم الصعبة المستصعبة التي لا يعرفها الا الاقسام الثلثة الذين شربوا من حوض ولايتهم ورووا وماالتجأوا الى النظر في كتاب احد سويهم فهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر على غيرهم وصاروا كما قال عليه السلم على ما في معاني الاخبار انتم افقه الناس ما عرفتم معنى كلامنا وان الكلمة منا لتنصرف على سبعين وجها وقال عليه السلم انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن وقال ايضا عليه السلم انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يكون محدثا والمحدث المفهم وقال ايضا عليه السلم ان شيعتنا لا يسئلون اعداءنا وان ماتوا جوعا والسئوال في العلم ايضا منه فافهم وبالجملة فالافهام قاصرة عن فهم مقاصده ومراداته الا بعد السماع منه او ممن اخذ عنه ولذا سكت العلماء

وبالجملة قال بعد نقل كلام طويل عن الشيخ في اثبات المناسبات في الالفاظ الدالة على النقيضين والاستدلال على وجود المناسبة وابطال شبهات النافين قال سلمه الله تعالى : اقول لا يخفى ما في ذلك الذي ذكر بعد ملاحظة ما ذكرنا مع ان المناسبة بين اللفظ والجهة الجامعة بين الضدين كما افاده في بعض كلماته غير نافعة في الدلالة على الخصوصين المتضادتين بل اللازم منها دلالته على تلك الجهة الجامعة وليس كك وان المناسبة الحاصلة بعد التخصيص في نحو زيد مسبب من الوضع لا سبب بل لو نظر بعين البصيرة يعلم ان ما ذكره مرجعه الى الوضع لمناسبة

اقول كيف لا يخفى مع انه ماظهر من ذلك شيء لا والذي نفسي بيده كلامه اصفى من الشهد الصافي والزلال الفايض الوافي لا يناسب المزاج السقيم فان اراد ان يعرف يبين الذي ادعاه ويذكر الذي يرد عليه حتى يتبين الامر قال المتنبي شعرا :

وهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء

قوله مع ان المناسبة بين اللفظ والمعنى الخ قد تكرر الكلام في ذلك ومولينا جناب الشيخ اثبت بما ذكر الجهة الجامعة وان مادة اللفظ كالقرء مثلا يناسبها واذا ارادوا المخصص يضيفون الى القرء الهيئة الاستعمالية فيتشخص بالاستعمال في الدلالة فالقرء مادة ثانوية كالخشبة للسرير والصنم اذا اضيف اليه الهيئة الاستعمالية فالقرء مع تلك الهيئة يناسب الضد المخصوص ويدل عليه بمادته وصورته ومع الهيئة الاخرى يناسب الضد المخصوص الآخر بمادته وصورته والقرء والجون وعسعس ووراء وامثالها ماتدل الا على الجهة الجامعة فافهم لئلا يشتبه الامر عليك

قوله سلمه الله تعالى وان المناسبة الحاصلة الخ هذا اقصى ما تمسك به السيد السند رحمه الله تعالى في شرح الوافية وقد ذكرنا مرارا كثيرة ما يدل على بطلانه من ان الذي يعرفه الشخص ليس من جهة المناسبة الذاتية بل من جهة التقليد لجهله بالامر كما اذا قال لك الطبيب ان القرنفل يقطع البلغم فانت حين تعقل هذا المعنى لا يلتفت الا الى قول الطبيب ولا تلتفت الى جهة المناسبة كما قلت لك وكك الالفاظ وهذه الدلالة دلالة ثانوية تقليدية وليس الكلام في هذا وليس هو محل النزاع فان القائل بالمناسبة يقول بالوضع وخفاء المناسبة بل الكلام في الدلالة الاولية والوضع الاولي وهذا لا شك انها مسببة عن المناسبة بالوضع وليس الوضع هو السبب بل السبب المناسبة والوضع انما جرى على طبقها والمراد بالوضع هو التأليف والتركيب بعد ما كانت الحروف موادا صالحة للكل في كل اللغات فالفها المؤلف على تأليف وتركيب وهيئة تدل على المعنى وان لم تعلم الوضع لكن ادراك هذا المعنى خاص لمن اشهده الله خلق السموات والارض واتخذه اعضادا لخلقه ولا يدعيه على الاطلاق سواهم الا كاذب وما نسب الى السيد الداماد فهو كذب محض وزور صرف

قوله ان ما ذكر مرجعه الخ هو صحيح لكن على التفصيل الذي ذكرت مجملا مفصلا فراجع

قال سلمه الله تعالى : فليس هذا الا كالاكل من القفا فلا تكن مقلدا عميانا عن الضياء

اقول هذا الكلام ليس له عندنا جواب ونحن لا نقابله بالذي قال

فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل اناء بالذي فيه ينضح

والعجب منه سلمه الله تعالى كيف يعظ غيره ولا يتعظ وما وجدنا في كلامه تحقيقا ابدا وكلما ذكر في هذه الكلمات كله قد اخذ مما ذكره الاصوليون من العامة والخاصة وهم قد اخذ بعضهم عن بعض عيون يفرغ بعضها في بعض وليس عنده شيء جديد وتحقيق لطيف مع انه لو اخذه عن التحقيق لم يحصل هذا التدافع الكثير في كلامه سلمه الله تعالى وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وكتب منشيها ابن محمد قاسم محمد كاظم الحسيني الرشتي يوم السبت التاسع والعشرون من شهر شوال المكرم في سنة ١٢٣٤ عن الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى