رسالة في الأدلة الأصولية الأربعة

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في الادلة الاصولية الاربعة

في جواب الميرزا شفيع المازندراني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد التاسع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وهو حسبي ونعم الوكيل

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين

اما بعد فاعلم هداك اللّه انّك اذا اردت ان تعرف شيئا بالمعرفة التامة الحقيقية لا تنظر فيه الى الاقوال المختلفة والآراء المتباينة فان تباين الاقوال دليل عدم ظهور حقيقة الحال لا يقال قد يكون ذلك لتباين جهات الشيء الواحد الراجعة الى الواحد في المآل لانا نقول نعم لكن بشرط عدم تكذيب هذا ذاك في الاستدلال وعدم تخطئته في المقال وان كان يرجع الى النزاع اللفظي في اغلب الاحوال لكنهم لا يشعرون بالحال لتوغلهم في القيل والقال والبحث والجدال والاصل في ذلك وقوفهم في مقام المجادلة بالّتي هي احسن الّذي هو مقام ظهور الكثرات والاختلافات ووجود العوارض والمشخّصات فلا يمكن للواقف في هذا المقام ان يرى الشيء الواحد في المشخّصات الكثيرة كما هو حال الواقف في مقام القلب الّذي هو مقام المعاني المجردة عن الصّور الشخصيّة الصالحة لها والمتقيّدة بها واختلاف اقوال هؤلاء يؤدي الى الامر الواحد الغير المختلف لانهم ينظرون الى جهات الشيء ويحكمون عليه بها ثم الى الجهة الاخرى المباينة والمضادة فيحكمون عليه بها وفي الحقيقة ليس الا الواحد فيرى الجاهل بالامر ويظن الاختلاف والتعارض الموجب للطرح عند الوقوف على الامرين او الامور ومن هنا اختلفت اقوال العترة الطاهرة عليهم سلام اللّه ما دامت الدنيا والآخرة وقالوا نحن اخلفنا بين الشيعة الواقفين في مقام المجادلة فانه اسلم لانهم ما يعرفون الحقيقة لو خوطبوا بها ولا يقدرون على الجهة الواحدة فينكرون والا فاهل الحقيقة من اهل دليل الحكمة والموعظة الحسنة لا يرون الاختلاف ابدا وهو قول مولينا امير المؤمنين عليه السلم العلم نقطة كثرها الجاهلون وقال تعالى في امر القرآن لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فانت اذا حاولت ادراك شيء فان كان مما يتعلق بالامور العقلية فطريقها ما ذكرنا مرارا عديدة وان كان مما يتعلق بالامور النقلية فان كان في معرفة كلام الله وكلام المعصومين عليهم السلم فانظر فيه بعين بصيرتك معرضا عن الالتفات الى القاعدة المأخوذة عن غيرهم عليهم السلم وعما تأنس به نفسك وعن العناد والتعصب والجحود وتفهم بعقلك المستنير بنور الله وعما يقتضيه حكم الكون والوجود بما عرفته من احاديث آل الرسول عليهم السلم بالعيان والشهود فترى كلاما واحدا غير مختلف اذ ما من كلام صدر عنهم عليهم السلم الا وفيه قرينة دالة على المقصود من النفي والاثبات ان قلت ان ذلك يلزم الدور قلت لا يلزم ذلك لان الاخبار يفسر ( يصير خ‌ل ) بعضها بعضا ويشرح بعضها الآخر الا ان ادراك ذلك يحتاج الى لطف قريحة وحسن سريرة يعرف معاريض الكلام ويعرف لحن القول كما قالوا عليهم السلم انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتّى يلحن له وهو يعرف ( له ويعرف خ‌ل ) اللحن وقوله عليه السلم انتم افقه الناس ما عرفتم معنى كلامنا وقوله عليه السلم ما معناه انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتّى يكون محدثا والمحدث المفهم انتهى فاذا كنت ( كان خ‌ل ) بهذه المثابة فاسلك سبيل ربك ذللا يخرج من بطن اشاراتك وعباراتك شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس وهدي ورحمة لقوم يؤمنون والا فاياك والسلوك في الطريق المظلم من غير مصباح آل الرسول صلى الله عليهم والخوض في تلك اللجة الغامرة من غير سفينة تنجيك وسباحة ( سياحة خ‌ل ) تغنيك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وان علمتم فقولوا والا فها

فاذا عرفت ما ذكرنا ووعيت ما القينا عليك فاعلم انا نذكر في هذا الكتاب المستطاب ابواب الفقه بعون الله الملك الوهاب ونستخرج الاحكام التكليفية الالهية الشرعية عن الادلة الالهية الشرعية على ما نطق به الكتاب واحاديث اهل فصل الخطاب وكلما يرجع اليهما من الاصول والقواعد ونعرض عن كل شيء لا يستند اليهما ولا ينطبق عليهما ونعمل بظواهر الكتاب والسنة وان لم يفد القطع الجازم المطابق للواقع الاولي وان يفد القطع الثانوي المطابق لنفس الامر فان الله سبحانه يقول ان بعض الظن اثم فالبعض الآخر ليس باثم والا لكان التقييد لغوا مع انه سبحانه في مقام الارشاد وهداية العباد على جهة العموم والاحتمال المرجوح لا يعارضه فان جاز العمل بالبعض الآخر فهو المطلوب والا لكان اثما لا يقال ان ذلك هو الدور المستحيل لانه اثبات ظن بظن آخر لانا نقول انه مقترن بالادلة القطعية من دليل الحكمة والموعظة الحسنة والاجماع من كل العقلاء من ارباب الملل والنحل اذ لم ير ولم يسمع من احد من امة محمد صلى الله عليه وآله ومن غيرهم انهم تركوا واعرضوا عما جاء به الانبياء بعد زمانهم مع انه قد جرت بذلك عادة الانبياء والرسل والاوصياء والخلفاء والرواة والمحدثين والعلماء والفقهاء في تبليغ الاحكام وايصال جزئيات الشرايع الى اطراف البلاد فضلا عن القرى والباد ( البواد خ‌ل ) مضافا الى ارسال المكاتبات وابلاغ الصحف والآيات بل يستحيل عادة نشر الشرايع كلياتها في الاوايل وجزئياتها في التوالي الا بذلك ولا ينبغي ان يشك فيه عاقل ومارأينا الى الآن ان ( ان احدا خ‌ل ) حصل له الظن الراجح بالحق من كلام المعصوم عليه السلم وكلام الله تعالى ويكون خلافه مرجوحا عنده ولا تسكن نفسه لديه ولم يكن لظنه معارض اقوى ولا مساو ومع ذلك يترك العمل بذلك الخبر او الآية ويعمل بخلافه ودعوى العلم العادي قول باللسان من غير تصديق في الجنان ( بالجنان خ‌ل ) واقوالهم وعباراتهم واعمالهم تكذبهم ( يكذبهم خ‌ل ) وقد حقق هذا في محله والمراد هنا الاشارة الى ذلك والمنكر للخبر الواحد ينكر الخبر الذي لا يكون له قراين الصحة ابدا حتّى ان الشيخ ادعى الاجماع على العمل بالخبر الصحيح الذي يكون رواته ثقات عدول وهو كما ترى فاذن تبطل كل ظن ما قام الدليل القاطع على صحة العمل به ولا يكون مستندا الى الكتاب والسنة لان احكام الله توقيفية لا مدخل للعقول ( للعقل خ‌ل ) الضعيفة فيها وما هذا شأنه تكون ادلتها ايضا توقيفية فان الدليل ينتج منه المطلوب وهو تابع له فاذا استقل العقل في الدليل يستقل في المطلوب ايضا للتلازم الحقيقي واستحالة الانفكاك فثبتت ( فتثبت خ‌ل ) توقيفية الادلة والقول بعدم الفرق بين ظن وظن ( ظن ظن خ‌ل ) غلط وان قطعنا النظر عن الاجماع الذي لا يرده الا المكابر فان ظنك والمنسوب ( ظنك المنسوب خ‌ل ) الى الشارع متصل به ومستند اليه وان كان على جهة الظن فهو اذن الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء فانت اذن محسن وما على المحسنين من سبيل اذا اخطأوا والا فالمحسن حاله ( حال خ‌ل ) الاصابة له الحسنى وزيادة قال الله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة واما الظن الثاني ( اما الثاني خ‌ل ) الغير المستند منقطع منسوب الى نفسك فهو اذن الشجرة الخبيثة المجتثة التي ما لها من قرار ومنع عموم الاجماع واختصاصه بالكتاب والاخبار المتواترة غلط ايضا كحصر حجية الاخبار بما في الكتب الاربعة لما ذكرنا آنفا فان المتواتر ليس الا القليل الذي لا يفي بعشر من احكام الدين بل لا تثبت به مسئلة واحدة بجميع جهاتها كما لا يخفى على المتتبع المتصفح ( المتفحص خ‌ل ) فليس المعمول ( المعول خ‌ل ) الا على غيره من الآحاد بالضرورة ودعوى تواتر ما في الكتب الاربعة ضرورية ( ضرورة خ‌ل ) البطلان وكذا حصر الحجية بما فيها اذ كثيرا ما يستدلون بما ليس فيها ولا نريهم ( لا تريهم خ‌ل ) يتوقفون في العمل بما يحصل به الظن ولم يكن في الكتب الاربعة ما يعارضه او اقوى منه وهذا ظاهر معلوم ان شاء الله تعالى

واما الاجماع الضروري بقسميه فلا اشكال في حجيته وكذا الاجماع المركب ان علم حصر قول المعصوم عليه السلم في احدهما ولم يكن هناك ترجيح في التعيين والا فان كان الترجيح ظنيا فيرجع اليه غير مدع للاجماع وان كان قطعيا فليس بمركب بل هو بسيط محصل وان لم يحصل له القطع بالحصر وحصل له دليل اقوى يصير اليه وان كان قولا ثالثا كما وقع في كثير من كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم واما الاجماع المحصل الخاص او العام فلا شك في حجيته لقطعه بدخول قول المعصوم عليه السلم وان خالفه مخالف وان كان يدعي الاجماع فان راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه فان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم وتفصيل القول في ذلك في رسالة الاستاد ادام الله ظلاله على رؤس العباد واما الاجماع المنقول بالخبر المتواتر فلا شك في حجيته واما المنقول بالخبر الواحد فان لم يعارضه ما هو اقوى منه فهو حجة ايضا ( ايضا وخ‌ل ) لكونه بمنزلة الخبر الصحيح ان كان الناقل ثقة عدلا والفرق بينه وبين الخبر تحكم ومكابرة الا ان المستوضح ينبغي له التأمل التام في تحقيق هذا الاجماع واما الاجماع السكوتي فهو حجة ايضا وهو ان يفتي الفقيه بحكم وسكت عنه الباقون ولم يتكلموا فيه بنفي ولا باثبات ( اثبات خ‌ل ) بوجه من الوجوه فيما يعلم ويستفرغ وسعه في الطلب ولم يعثر على القايل به او النافي له لانه ان سكت عنه الفقهاء فهل سكت عنه الامام عليه السلم الذي بين ظهرانيكم ام لا فان لم يسكت عنه وهو يريد خلافه يجب نصب القرينة على الخلاف والا فاما ان يريده او يكون مغريا بالباطل او ان الدين لم يكمل والاول هو المطلوب والثاني خلاف ما بعث الامام عليه السلم لاجله والثالث خلاف قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي فان سكت عنه الامام عليه السلم ايضا فما الوجه في ذلك اذ السكوت عن شيء لا يخلو اما ان يكون للجهل به او للغفلة عنه او للخوف والتقية عن المخالف او للاتكال على الغير للبيان وهو لم يبين وكل ذلك لا يصح على الامام لانه عالم لا يجهل وذاكر لا ينسى ومتوجه لا يغفل والقول باصالة الجهل في الامام عليه السلم دليل اصالة الجهل وعدم رفعه وجريان حكم الاستصحاب في القايل واما الخوف والتقية فلا معنى له بعد الغيبة وايقاع الاختلاف كما حقق في محله واما الاتكال على الغير فلا يصح ايضا لانه حجة الله على الخلق فلا يتكل في اجراء الاحكام الالهية على الغير وكذا القول في ساير الاحتمالات البعيدة والحاصل ان القطع حاصل بان الامام يقدر ان يوقف المستوضح المستنبط على رشده وصوابه وتكليفه وتكليف تابعيه والمانع من قبله عليه السلم مرتفع واما من جهة القصور فهو عليه السلم اجل من ذلك واما من قبل المكلفين فبعد ايقاع الاختلاف واجراء الحكمين الواقعي ان امكن والظاهري ان لم يمكن حسب حال المكلفين انقطع الكلام فلا فله عليه السلم لكل ولي اذن سامعة وهو الناظر والشاهد على الخلق والمطلع على الضماير وبما في السراير ومقتضيات الاحوال وموجبات الاعمال ( الاحوال خ‌ل ) فالكل بين يديه يتصرف فيه ( بينه خ‌ل ) كما امر الله تعالى فالمقر المجتهد المستوضح يعطيه حقه من حكم الاجابة والاقرار بالايصال الى ما هو الصواب الاولي او الثانوي والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والمنكر المنافق المعرض يعطيه حقه من حكم الانكار والاعراض بالايصال الى اسفل درك من الجحيم كل ميسر لما خلق له وكلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وماكان عطاء ربك محظورا لانه عليه السلم وجه الله في الخلق وظاهره وعينه واذنه ولسانه وباب فيضه فلا يغفل عن رعاياه وغنمه وقد دلت عليه الروايات الكثيرة المقبولة وقد ذكرناها في محله فاذا سكت الامام عليه السلم بعدم نصب قرينة صارفة من رواية او دليل عقل قاطع او اجماع او احتمال مساو وامثال ذلك فقد اقر المستوضح على ذلك قطعا والقول بان العمومات الناهية عن القول لغير ( بغير خ‌ل ) العلم يدفع هذا القول مدفوع بان تلك العمومات لو بقيت على عمومها لامكن ( لا يمكن خ‌ل ) القول به لكنا نقطع بانها تخصص فانقلب العلم ظنا فاذن لا يجوز التمسك بها الا بالقطع وهو لا يحصل الا بعد الفحص الشديد عن المخصص وهو قد يكون قولا او فعلا وقد يكون تقريرا وانكار التقرير في هذه الازمنة غير ما ثبت بالنقل جهل بمقام الامامة ونسبته عليه السلم الى الرعية وتفصيل القول يطلب في ساير رسائلنا

واما الشهرة فهي على ثلثة اوجه وجه هي اجماع وحجة والآخر مرجحة والآخر لا اصل له اما الاول فهو ما اذا اشتهر الحكم بين العلماء الفقهاء البالغين رتبة الاجتهاد ولم ‌تكن قرينة تنافيها وتصرف عنها من كتاب او سنة او اجماع او دليل عقل قاطع او امثال ذلك فانها حينئذ حجة على المستوضح لا يعبأ بالمخالف الشاذ النادر فان الامام عليه السلم لما قال خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه ويصدق على هذا ( هذه خ‌ل ) الحكم انه المشتهر بين الاصحاب فاذا لم يرد المشهور من المستنبط ولم ينصب قرينة تصرف عنه كان مغريا بالباطل او لم‌ يكمل الدين وكلاهما محالان على الله سبحانه فيجب ان يكون المراد هو المشهور وقوله عليه السلم معهم ان قلت ان قولك لا يتم الا بعد تمام عموم الاخذ بالمشهور المستفاد من الحديث وهو ممنوع لان السائل انما سئل عن خصوص الرواية فيحمل على ما اذا اشتهرت الرواية قلت الاصل في الكلام ان يجري على الحقيقة الا اذا امتنع ذلك من القراين الحالية والمقالية وتكون القرينة قوية صالحة للتعارض والمنع والصرف فان المانع خلاف الاصل والاصل جريان الحكم على المقتضي فاذا قوى حكم المانع يخفى اثر المقتضي واما هذا المقام فالظاهر ان القرينة لا تصلح للصرف لاتيانه عليه السلم بما المفيدة للعموم سيما بعد تسمية هذا المشهور اجماعا وتعليله بذلك لضرورة ان الاجماع المتداول في كلمات اهل البيت عليهم السلم لا يعتبر ( لا يعبر خ‌ل ) فيه خصوص الرواية فاذا قالوا اجمعت الامة على كذا وهو حجة حق لا يريدون ( لا يريد خ‌ل ) به اتفاقهم في الرواية قطعا كما يظهر للمتتبع المتصفح في الاخبار وحينئذ قرينة المقام لو سلم ان السؤال عن خصوص الرواية مع انه في معرض المنع معارض بان السائل قد يسئل عن امر خاص يجيبونه بما يشمل المسئول وغيره من الافراد بذكر امر كلي وبه جرت عادتهم عليهم السلم لعلمهم بما يحتاجون اليه وما اضطروا اليه من عدم التمكن عن السؤال عنهم عليهم السلم دائما فان قلت ان الاصل في الجواب مطابقته للسؤال قلت نعم اذا كملت ( اكملت خ‌ل ) شرايط السؤال والسائل ولم ‌يكن المجيب اعلى واعلم ولم ‌يكن السائل جاهلا عما ( بما خ‌ل ) يقتضي مقامه ورتبته في سؤاله واما اذا لم‌ يكن كما وصفنا كحال الرعية بالنسبة الى الامام عليه السلم سيما بالنسبة الى مقام عدم التمكن لاظهار الحق في كل وقت واوان وشدة التقية ولذا قالوا عليهم السلم عليكم ان تسئلوا وليس علينا ان نجيب وقولهم عليهم السلم انا لا ندخلكم الا في ما يصلحكم فاذن فالعبرة بعموم المورد وخصوصه ومقتضى ما قالوا عليهم السلم فاذن ثبت ما قلنا وادعينا من العموم مع انا نقول ان مجرد شهرة الرواية لا تكون مرجحة قطعا بل قد تكون مضعفة اذا لم ‌تكن مقرونة بعمل الاصحاب فيجب طرحها او تأويلها اذ عمل الراوي بخلاف روايته دليل ضعفها فاذا كانت الشهرة منتسبة الى طائفة من الفقهاء الذين عرفوا احكام الله وكانوا بذلك الواسطة بين الائمة عليهم السلم وبين شيعتهم وحجة الله على الخلق من قبلهم والنافين تحريف الغالين وانتحال المبطلين الذين شأنهم الاعراض عن الرأي والقياس والاستحسان وما لم يستند الى الكتاب والسنة نحكم ( يحكم خ‌ل ) بان مقامهم اعلي من ان يفتوا من غير دليل ومستند شرعي الهي سيما اذا اتفق اكثرهم بذلك بحيث كان المخالف الشاذ النادر مع ان شأنهم وديدنهم عدم التقليد وعدم تبعية احدهم الآخر ولذا كثر فيهم الاختلاف وانقطع بينهم الايتلاف واكثر ما يطعنون بعضهم على بعض مخالفة السنة و( او خ‌ل ) الكتاب او الاعتماد على خبر ضعيف او غيرها ومع ذلك كله اذا اتفقوا ( كله اتفقوا خ‌ل ) في حكم ولم يظهر للمستوضح خلافه فلا شك ولا ريب ان ما قالوا مستند الى دليل شرعي وان خفي علينا ذلك وفي الحقيقة ترجع الشهرة الى الشهرة في الرواية والقول بان كلهم اخطأوا خروج عن الانصاف مع ان كلهم مستأهلون لذلك وناظرون الى الدليل فكيف يخفى على المستوضح الحجة ويضيق عليه المنهج فان خفي على احد لم يخف على الاغلب الاكثر مع ان الامام عليه السلم بين ظهرانيهم نعم لا يبعد ان يخطأوا حكم الله الواقعي الالهي وهو ليس بمناط اذ قد تقتضي المصلحة مراعاة الحكم الظاهري حفظا لرقاب الشيعة وليس تكليفنا الآن ذلك الحكم الواحد الواقعي الغير المتعدد وهذا المقام وان كان يقتضي البسط في الكلام الا ان هذه المقدمة المختصرة لا تقتضي ازيد من هذا فاذن الشهرة اذا لم يكن لها معارض بوجه من الوجوه هي اجماع وقد سماه ( سماها خ‌ل ) الامام عليه السلم بذلك والاصل فيه الحقيقة ولا شك في حجيتها لا لمجرد ( بمجرد خ‌ل ) الشهرة بل لاهمال الامام عليه السلم وتصريح الامر بالاخذ به وتعليله بانها المجمع عليه وهذا لا اشكال فيه ان شاء الله اما الوجه الثاني فيما اذا كانت رواية قد عمل بها اكثر الاصحاب ومنعها الآخرون متمسكين بروايات اخر وادلة اخرى فاذا لم يظهر للمستنبط ما يقوي الآخرين من الادلة وقراين الصحة من جهات اخر تكون حينئذ الشهرة مرجحة لتلك الرواية وهذا انما يكون بنظر الفقيه عند ملاحظة الدليل واما الوجه الثالث فهو الشهرة التي لا اصل لها اذا قام الدليل على خلافها وتظهر للفقيه قرينة من الحكم الالهي تنافيها فاذن لا بد له من متابعة الدليل وسلوك السبيل وذلك لاقتضاء وصف المكلفين ذلك اذ الشهرة قد تنعكس في عصرين او في مكانين متباعدين لجواز ان يكون ذلك الزمان يقتضي العمل بالحكم الواقعي الخارجي والزمان الآخر يقتضي العكس والعمل بالحكم الظاهري ويكون في الفرقة المحقة من يعمل بذلك الحكم الاول ويكون مستترا متروكا كامامه عليه السلم لئلا يخرج الحق عن الفرقة المحقة لقوله صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتّى تقوم الساعة فاذن لا يجب العمل بالمشهور اذا ( واذا خ‌ل ) دل الدليل على خلاف ما ذهب اليه المشهور فالقول بان مخالفة الاصحاب مشكل والقول من غير دليل اشكل صحيح في الفقرة الثانية واما الاولى فاذا لم يظهر لك دليل ينافيها وقرينة تصرف عنها لا تجوز ( لا يجوز خ‌ل ) لك المخالفة فانك حينئذ تخالف الاجماع وترد قول المعصوم عليه السلم وماذا بعد الحق الا الضلال فاذن ليس هذا قول من غير دليل بل هذا ( هذا هو خ‌ل ) ادل دليل على المطلوب واذا ظهر لك دليل ينافيها منسوب الى كتاب الله وسنة رسوله والائمة عليهم السلم وجب لك ان تخالفه ( تخالف خ‌ل ) ولا اشكال فيها ولا يلزم من ذلك بطلانهم لتعدد وصف المكلفين وتعدد الحكم الظاهري ونشأ ذلك من اقتضاء الصورة الشيطانية الممتزجة مع الصورة الانسانية فافهم ذلك ان شاء الله تعالى

واما العقل فانه على قسمين احدهما ضروري وهو ان تحكم العقول الكثيرة السليمة من غير سبقها بشبهة ( لشبهة خ‌ل ) وتقليد وتعصب وعناد بفطرتها من غير نظر الى شيء ( شيء او خ‌ل ) غيرها من العادات والاوضاع والاضافات والاقترانات والامور الخارجية فاذا اتفقت بذلك فلا شك في حقيقته ( حقيته خ‌ل ) وهو الذي قال عليه السلم او قياس تعرف العقول عدله وحكم ذلك مثل الابصار فاذا اتفق جماعة كثيرة صحيحوا البصر على لون فالمخالف مكابر يجب تكذيبه والظاهر مثال الباطن وآيته قال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا ويعرف ذلك مما اذا عرضت عليهم المقدمات من غير نظر والتفات الى النتيجة تقبلها او تنكرها فان كثيرا من الناس ينكرون المقدمات وان علموا انها حقة لما يلزم عليهم من اثبات النتيجة وفي الضروريات لا يسع الاختلاف الا لمكابرة وجحود ولذا نحكم بتعذيب الكفار وتخليدهم في النار وقتلهم وحرقهم وسبي اموالهم وذراريهم بالشرايط المقررة لانهم انكروا ما لا يسع العقول انكاره وشرح ما ذكرنا وذكر الامثلة يطول به الكلام والحاصل ان ما حكم به العقل الضروري يجب الاعتقاد والعمل بمضمونه كما دل عليه النقل واما الثاني فهو العقل النظري وهذا الذي يسع فيه الاختلاف والاضطراب والسر في ذلك ما برهن في الحكمة الالهية ان الانسان له جهتان جهة يمين وشمال فالجهة اليمنى مستقر العقل ومهبط الملئكة والانوار والجهة اليسرى مستقر النفس الامارة بالسوء ولا شك ان الحق والباطل متماثلان اي متشابهان من جهة الصورة كالماء والبول الصافي وظلك وغيرها والانسان اذا كان معصوما او يكون اغلب نظره الى الجهة اليمنى يأخذ عن النور ويستند اليه ويكون النظر الى الجهة الثانية مضمحلا نادرا فالاول يعتمد على قوله قطعا لان قوله ناش عن صرف عقله الناظر بنور ربه والثاني ايضا يعتمد اليه ( يعقد عليه خ‌ل ) وان لم يكن كالاول في الوثوق والاعتماد واما الذي اغلب نظره الى الجهة اليسرى او لم ‌يستقر نظره الى الجهة اليسرى فما يدريه الذي اتاه من الوارد من الجهة اليمنى او الجهة اليسرى ولا يعتبر ( لا يعسر خ‌ل ) قطعك بالامر فان مخالفك ايضا يقطع كما تقطع ودعوي التخلية متشاركة وفوق كل ذي علم عليم مسلمة فمن ( عليم فمن خ‌ل ) اين تقطع بحقية ( بحقيقة خ‌ل ) ما تقول وبطلان ما يقول مخالفك الا اذا كان قولك المتحصل من عقلك راجعا الى قبول ( قول خ‌ل ) العامة او الاجماع او الكتاب والسنة المحكمة فاذن يقال انك نظرت الى الجهة اليمنى دون اليسرى ويكون هذا التطبيق كاشفا عما في الواقع فصح ان العقل الذي يسع فيه الاختلاف لا يجوز الاعتماد عليه والاستناد اليه بل يجب ان يتطابق مع النقل المعلوم الحجية واذ ( ان خ‌ل ) ليس فليس فعلى ما ذكرنا اندفع الدور المورود في هذا المقام فان العقل الضروري لا يحتاج الى مستند للبداهة وعدم توقفها على النظر فيه يثبت النقل وبالنقل يثبت الخصوصات ( الخصوصيات خ‌ل ) من النظريات وبالاثنين يقطع بالشيء ومن هذه الجهة بطل القياس والرأي والاستحسان لعدم استنادها الى الشرع فما اعظم جرئة من معتمد ( جرأته من يعتمد خ‌ل ) على عقله الناقص وادراكه القاصر ويحكم ان كل ظن حجة وان لم يستند الى الشارع عليه السلم مع الاختلافات الكثيرة لان ما سوى العلم ليس بمحل القرار والاستقرار ولما كان الظن اقوي المراتب اليه فاذا حصل له معين ومقو خارجي يلحقه بالعلم واذ ليس فليس وذلك المعين يجب ان يكون قطعي الحجية لا استحسان ( لاستحسان خ‌ل ) آخر وظن مثله وقد علمت ان الدليل العقلي اذا جاز فيه الاختلاف وصح له لم ‌يعتمد عليه الا بدليل شرعي فهل الذي يزعمون من حجية مطلق الظن ان كان مستندا الى دليل الهي وقول معصومي وحكم شرعي نبوي فليست عاملا بالظن مطلقا فلم ‌تنطبق ( فلم ‌تطبق خ‌ل ) دعواك مدعاك وان لم يكن مستندا اليه فبمعزل عن القبول ويطرح في زاوية الخمول لو فرضنا بان الدليل تام في جميع مقدماته مع انه غير مسلم فان قصارى ما قيل ان الخلق مكلفون بالاجماع ( باجماع خ‌ل ) وليس ما عندهم من الادلة تكفي بالاحكام الشرعية على جهة القطع فحيث ثبت تكليفنا والتكليف بما لا يطاق محال وجب ان نعمل بالذي يحصل من الظنون فيكون الظن من حيث هو عند انسداد باب العلم معمولا به وهو المطلوب والجواب ان القول بان الخلق مكلفون ما المراد منه هل هذه التكاليف توقيفية ام لا فان اختير الثاني تم التقريب لكنه رفع الدين وهدم ما اتي به سيد المرسلين عليه وآله صلوة المصلين ابد الآبدين والاول هل هي موقوفة بتوقيف الله تعالى ام لا والثاني باطل بالضرورة وعلى الاول هل طريق العلم بها والدليل عليها موكول الى الخلق ام لا بل يكون الدليل والطريق ايضا توقيفيان والاول يورث عدم التوقيف لما مر من ان النتيجة لازمة للدليل فلاتنفك عنه بوجه من الوجوه فاذن اين التوقيفية وعلى الثاني فلا معنى لاختيار طريق لم يكن راجعا الى الموقف وفي الحقيقة في هذا القول مع القول بان الاحكام توقيفية لا سبيل للعقل القاصر اليها تدافع ظاهر وتناقض باهر فاذا كان كذلك فيقبح على الحكيم التكليف بما لم‌ يجعل له طريقا اليه ولو فرضنا الاحتياج الى الظن في تحصيل الاحكام الالهية لا ريب انا لانحتاج الى كل ظن بل تكفي ( يكفي خ‌ل ) الظنون الحاصلة المنسوبة الى العترة الطاهرة الذي ( التي خ‌ل ) انعقد الاجماع على اعتبارها ولانحتاج الى غيرها من الظنون المجتثة الباطلة لان الظن لا يغني من الحق شيئا فاذا كان العمل بالظن من باب الضرورة وخلاف الاصل فالضرورات انما تتقدر بقدرها فنكتفي بما يحصل ( نحصل خ‌ل ) لنا التكليف ان قلت ان تلك الظنون المخصوصة لا يفي بجملة ما كلفنا به قلت ان القائل بعموم المظنة شرذمة قليلون والا فالعلماء جلهم بل مجمعون على عدم اعتبار الظن المطلق وانما عملهم مقتصر على الظنون المخصوصة فلم ‌يتعطلوا في تكليفاتهم ولم‌ يضطروا ولم ‌يخرجوا عن دينهم وهم في كمال الاطمينان في ديانتهم ومعرفتهم فكيف يحصل ( لا يحصل خ‌ل ) التكليف اللابد منه وهم قد حصلوا وافتوا مقلديهم الا ان تقول انهم ماحصلوا وانما قالوا من غير دليل فتحكم بفسقهم فاذن ليس لك عندنا جواب ان قلت ان هذا وارد عليكم حيث تردون على الاخباريين القائلين بحرمة العمل بالظن ووجوب تحصيل العلم والقطع الواقعي وتقولون بانا ( بان خ‌ل ) لو اقتصرنا على الادلة القطعية لزم الخروج عن الدين مع ان اولئك دونوا كل ابواب الفقه ولم‌ يخرجوا عن الدين حسب دعواهم قلت ان هذا القول منهم قول باللسان دون تصديق في القلب فانهم في اغلب استدلالاتهم في الاحكام يلجأون الى الاخبار الآحاد ويضطربون في دلالتها ويختلفون فيها ولا يمكنهم الا الاخذ بالراجح وترك المرجوح وقد سموا هذا الظن علما كما صرح به صاحب الحدايق وان لم ‌نقل ان النزاع لفظي والمراد بالقطع ان كان هو العقلي فلا يجوز معه الاحتمال اصلا وهذا مستحيل في النقليات من حيث هي سيما في امور لا سبيل للعقل اليها ولا بد في معرفتها من الالفاظ وفهم المعاني منها وكم في الالفاظ من الاضطرابات وان كان القطع عاديا كالمتواترات فلا يحصل ايضا اذ ليست الاخبار كلها متواترة وكيف يسلمون عن الاخبار المتعارضة والموضوعة والواردة مورد التقية والتي نقل بالمعنى والتي حذفوا بعضها وذكروا البعض الآخر وامثال ذلك من الاختلال وشيوع استعمال المجاز والاشتراك والتخصيص والاضمار والحذف وغيرها من الاحوال اللفظية وقد شرحنا هذا المقال في اجوبة بعض المسائل فلا نعيد وبالجملة لا يحصل لهم الا الظن وبه تطمئن نفوسهم ويقولون ان العلم هو ما تطمئن ( يطمئن خ‌ل ) به النفس وقد حكموا بقطعية صدور الاخبار في الكتب الاربعة واعتمدوا بشهادتهم في صحة رواياتهم مع ان احدهم يكذب الآخر في رواياته ومرادهم من التصحيح ليس الا ما صح عندهم بحسب جهدهم واجتهادهم من القراين والامور الخارجية وهذا ليس ما نريد من صحة الخبر ( الاخبار خ‌ل ) فاذا اردت ذلك انظر كتبهم لترى كيف يرد الصدوق الكليني والشيخ الصدوق وبالجملة ليس هذا مقام استقصاء هذا الكلام ان قلت ان هذا قول من يزعم ان الحجة هو الظن المطلق ويدعي ان المنكرين يعملون به من حيث لا يشعرون كما قلتم في الاخباريين لان اغلب استدلالاتهم بالشهرة والاجماع المنقول بالخبر الواحد والاستصحاب وامثال ذلك مما لم يقم اجماع على اعتباره وليس هو الظن المخصوص قلت ان كل ذلك يرجع الى الظن المخصوص لان مرادنا بالظن المخصوص ما يرجع الى الكتاب والسنة ولو بوسايط ويحصل الظن بالمراد لا ما لا يرجع ولا ما لا يحصل الظن ولا نقول بالتعبد بالخبر الصحيح وغيره وان لم ‌يحصل لنا الظن بالمراد ويكون عندنا ما يعارضه واقوى منه فان هذا لا يجوز نعم لو بقيت الاخبار بصرافتها قطعية الصدور مأمونة عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين غير متعارضة بالعموم والخصوص والمحكم والمتشابه وغير الوارد مورد التقية امكن هذا القول ومع هذه كله لا يمكن العمل بكل خبر ان ( فان خ‌ل ) اقتصر على الاخبار الصحيحة فما تصغون ( تصنعون خ‌ل ) في قوله عليه السلم ان لنا اوعية من العلم نملأها علما لتنقلها الى شيعتنا فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فانها اوعية سوء فنكبوها ولا شك ان هذا هو الخبر الضعيف واما توثيق الفطحية والواقفية فلنا ( قلنا خ‌ل ) فيه كلام يأتي بيانه ان شاء الله وان عمم الحكم فيلزم فساد الدين وان خصص بما لم ‌يكن له معارض مثله او اقوى منه فهذا هو الظن بل لا يبعد ان ندعي فيه العلم اذا علم تقرير المعصوم عليه السلم وبالجملة لا يراد منا الا ما ادركته عقولنا واشعرت به افهامنا على الوجه الصحيح المعتبر قال الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتّى يبين لهم ما يتقون وقد دل الدليل القطعي الكاشف عن قول الحجة عليه السلم ان البيان اعم من العلم والظن فلا يعتمد على غيرهما اللهم الا ان يقال انه قد دل الدليل القطعي المنتسب الى اهل العصمة عليهم السلم انه يصح العمل بكل خبر وما ينسب اليهم وان لم يعلم ذلك ولو ظنا ودونه خرط القتاد والاخبار والآيات والادلة العقلية المستندة اليهما مصرحة ببطلان التعبد بالخبر من حيث هو والظن عند عدم العلم يجب اعتباره في الدلالة وفي الورود جميعا لا يكفي احدهما واما الشهرة فانما جعلناها حجة في موارد مخصوصة لاستنادها الى اهل الشرع عليهم السلم كما مر وكذا الاجماع المنقول فانه خبر حقيقة فيرجع اليه بل اقوى من الخبر لصريح الدلالة بخلاف ما اذا كان خبر ( خبرا خ‌ل ) من غير جهة الاجماع فانه يحتمل الوجوه السبعين ولا كذلك ما ثبت بالاجماع فان دلالته صريحة فان كان منقولا بالخبر الواحد يكون الورود ظنيا لكنه اقوى من الاخبار الاخر لقلة الواسطة فيه وكثرتها فيها اذ من البين ان قلة الوسايط مما له دخل تام في رجحان الخبر لو لم‌ تكن القراين واما الاستصحاب في الموضوع فلا شك في حجيته اجماعا حتّى من الاخباريين واما في الحكم فانه ايضا حجة ومنسوب الى الاخبار وهي في هذا المعنى كثيرة لا يخفى على المتتبع الا ان يدل دليل على عدم الاستمرار في بعض المواد كما وردت به بعض الاخبار وهو اقرب الى ارادة اليسر وعدم العسر وعموم الانتفاع والبصيرة فان الجزئيات لا تنضبط الا بعسر شديد بل يتعذر في اكثر الموارد ولو دار الامر مدار الشك والوهم لضاق على الخلق المنهج اذ ما من امر من احوالهم يخلو من الامرين واليقين اقل ما قسم الله بين العباد فافهم ففي ما تعم به البلوى وما تجب معرفته عينا على كل ذكر وانثى يجب القاء الكليات ( الكلمات خ‌ل ) ليسهل عليهم تناوله ( تناوله تكليف خ‌ل ) فاذا خرج بعض الجزئيات عن الحكم الكلي بامور خارجية وعوارض زائدة ذاتية يبينها الشارع عليه السلم وينصب ( فينصب خ‌ل ) قرينة على اخراجها وقد ذكرنا هذا البحث بما ينبغي كما ينبغي في بعض ما كتبنا وليس المقام لبسط الكلام

واما استصحاب ففي ( نفي خ‌ل ) الشرع الذي يسمونه باصالة البرائة فلا شك ايضا في حجيته لدلالة الاخبار الكثيرة والآيات المحكمة والعقول القويمة المستقيمة وقد قال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتّى يبين لهم ما يتقون وقال عليه السلم الناس في سعة ما لم يعلموا وما حجب الله علمه عن الخلق فهو موضوع عنهم كل شيء لك مطلق حتّى يرد فيه امر او نهي وامثال ذلك من الاخبار ودلالة صحيح الاعتبار الذي لا عليه غبار فان التكليف امر الهي يجري على قوابل المكلفين فحيث لا مقبول لا قبول فلا تكليف فاذ لا تكليف فالعبد في سعة من ذلك فله التصرف في ما يشاء كما يشاء حينئذ والا لكان مكلفا كما هو شأن الممنوع هف وقد قال تعالى خلق لكم ما في الارض جميعا فاذا فقد النص بجميع انحائه من الاطلاق والتقييد والعموم والخصوص والتلويح والتصريح فقد التكليف كما هو المشهور المنصور فيجري فيه اصالة البرائة واذا تعارضت الادلة ولا محيص بوجه من جهة الترجيح الا الاحتياط يجب لانه قد اتاك التكليف وقطعت به وحصل لك الترجيح اما الاول فلورود النص وعدم ما ينفيه اصلا والمعارض لم يكن نافيا والا لم يكن معارضا ومااحتجت الى الترجيح بل كان اقوى فيجب المصير اليه واما الثاني فلان الامام عليه السلم حاضر ومطلع على ذلك بل هو ملقي الدليل فلو لم يرده منك لنصب لك صارفا نافيا لانه عليه السلم لم يهمل رعيته وقد قال عليه السلم في الدعاء بعد العصر يوم الجمعة في الصلوة على محمد صلى الله عليه وآله قد اكملت به الدين واتممت به النعيم الى ان قال عليه السلم ونهجت به لخلقك صراطك المستقيم وبينت به العلامات والنجوم الذي به يهتدون ولم‌ تدعهم بعده في عمياء يهيمون ولا في شبهة يتيهون ولم ‌تكلهم الى النظر لانفسهم في دينهم بآرائهم ولا التحير منهم باهوائهم فينشعبون في مدلهمات البدع ويتحيرون في مسطبقات ( مطبقات خ‌ل ) الظلم وتتفرق بهم السبل ( تنغرق بهم السبيل خ‌ل ) في ما يعلمون ( الدعاء خ‌ل ) وتصديق ذلك ما في توقيع الحجة عجل الله فرجه الى الشيخ المفيد على ما في الاحتجاج فاذا نظرت ولم ‌تجد نافيا وصارفا عن احد الدليلين فانت مطلوب بعدم تركهما قطعا واما الثالث فلتحصيل البراءة اليقينية مع ما ورد في الاخبار خذ بالحايطة في دينك وعند تعارض الخبرين خذ ما يوافق الاحتياط وامثال ذلك فقد طابق العقل والنقل بوجوب الاحتياط في مثل هذا المقام فان لم يكن الاحتياط او كلاهما موافقان له او مخالفان ولم يتيسر الترجيح فان ضاق عليك الوقت للعمل فانت مخير بايهما اخذت من باب التسليم وسعك لانه غاية مجهودك وليس في الدين من حرج والا فعليك بالتوقف فارجه حتّى تلق امامك او ( اما خ‌ل ) بملاقاة ظاهرة او ببينة ( بينة خ‌ل ) واضحة كما قال عليه السلم وما لم‌ تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوه الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت ( الثبت خ‌ل ) والوقوف وانتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا انتهى فاذن فالاحكام ثلثة اما بين رشده فيتبع واما بين غيه فيجتنب وهما انما يتحققان اما بكتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله او قرائن اخر من الامارات والادلة الشرعية التي تورث الرجحان وان لم ‌توصل الى حد الايقان ومنها عدم النص ( النظر خ‌ل ) في الاباحة وعدم وجدان المنافي والمخالف للخبر وان كان ضعيفا بحسب الاصطلاح لادائه الى التقرير وامثال ذلك مما يجده المستوضح بتأييد الحجة عليه السلم

والظاهر ان عدم الدليل دليل على العدم لا مطلقا بل للفاقد لان البيان لا يكون الا بالبرهان وهو لا يخلو عن احد الادلة الثلثة من دليل الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن بقوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة اه ( بالحكمة والموعظة الحسنة خ‌ل ) فاذا انتفى الدليل انتفى المدلول او شبهات بين ذلك وهذه انما تكون عند تعارض الادلة والاحوال ولا يجد ترجيحا بحال لا ما اذا لم يصل اليه دليل اذ الشبهة ليس لها اليه سبيل لعموم قوله تعالى خلق لكم ما في الارض جميعا وقوله عليه السلم ما حجب الله علمه عن الخلق فهو موضوع عنهم وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتّى يبين لهم ما يتقون معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده ولا يجوز العمل بالعام الا بعد الفحص البالغ عن المخصص فاذ لم يجد فلا يجوز له الافتراء على الله تعالى بالتوقف او الاحتياط والتضييق في الملة السهلة السمحاء

فظهر لك مما اشرنا اليك بالاجمال ان هذه الادلة التي يستعملونها كالشهرة بشروطها والاجماع المنقول كذلك والاستصحاب واصالة البرائة ليس من الظنون المطلقة بل انما هي مستندة الى الاصل الثابت وهو الاخبار المقطوع الحجية والمتعين العمل ( للعمل خ‌ل ) بمضمونها فان قلت ان ما قررت من الاصل يقتضي ان يكون الظن من حيث هو اذا لم يكن له معارض من الكتاب والسنة يجب العمل به كما قلت في الشهرة وهذا هو بعينه قول من يدعي حجية الظن مطلقا اذ لا يقول به ولو كان له معارض لانه حينئذ راد لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ولا يقول به الا اذا انتفى المعارض وحينئذ يكون تقريرا لان الامام عليه السلم حاضر ومطلع ولم ‌ينصب قرينة على نفيه قلت ان ذلك قياس مع الفارق فانا نقول اذا سلكت سبيلا جعله الامام عليه السلم طريقا موصلا الى الحكم الشرعي يلزم عليه عليه السلم ان يسدده واما اذ ( اذا خ‌ل ) لم‌ يسلك ذلك السبيل فهو مدبر معرض ( معرض مدبر خ‌ل ) يجري عليه حكم الادبار من عدم اصابة الحق لا الاصابة وقد قلنا ان الظن الغير المستند ليس طريقا جعله الشارع عليه السلم ولا دليلا عليه وانما هو مختار اصحاب الرأي والقياس والاستحسان وليس الظن المطلق الا استحسانا عقليا ورأيا اختراعيا وقد اجمعت الفرقة المحقة على بطلان ذلك وانه ليس من طريقة اهل البيت عليهم السلم وان لم يكن مجرد الاستحسان العقلي بل يكون مستندا الى صاحب الشرع عليه السلم فليس اذن مطلقا فتبين مما ذكرنا ان العقل في الامور الخلافية لو لم ‌يكن له مستند لا يصح التعويل عليه ....

( الى هنا كان في النسخ )

المصادر
المحتوى