رسالة في أن الشريعة روح الوجود الكوني

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في أنّ الشريعة روح الوجود الامكاني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد التاسع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اعلم انّ الشريعة هي دواعي القابليّات واقتضاء الكينونات وهي جهات تلقّي العباد من اللّه سبحانه الامداد وما به يتقوى للبقاء والدّوام ابد الآباد امّا بنعمة متجدّدة ما لها من نفاد واما بعذاب اليم اشدّها الطّرد والابعاد اعاننا اللّه واياكم لتحصيل الزّاد ليوم المعاد اي زاد التقوى فانّها خير زاد فهي روح الوجود الكوني وباطنه وسرّه ولبّه ولذا غمضت مسالكها وخفيت معالمها وما اهتدى اليها على الواقع الا من اشهده اللّه خلق السّموات والارض ولمّا انّك مااوتيت العلم الّا قليلا ومااحطت بالواقع والمقتضيات خبرا وجب عليك ان تهتدي بالعلامات التي جعلها اللّه عزّ وجلّ لنا اذا خفى علينا المسلك وغاب عنّا المدرك ولمّا انّ الشّمس قد غيّبها السّحاب وانسدّ علينا ذلك الباب ولم ‌نتمكن من الوصول الى ذلك الجناب وجب ان نسلك سبيله ونطلب منه برهان ما يراد منّا ودليله فان شخصه وان غاب لكن بنوره ينفتح الف باب فنجعله صلوات اللّه عليه وعلى آبائه امامنا في كلّ مسئلة وكل مطلب وتأييد اللّه سبحانه ونصره فوقنا فنسلك سبيل ربّنا ذللا عسى ان يخرج اللّه سبحانه بفضله وكرمه من بطون ما استفدنا من القواعد والاصول المستنبطة من آثار آل الرّسول سلام اللّه عليهم شرابا من العلم والمعرفة فيه شفاء للنّاس السّايرين الى معبودهم بتوجههم الى ائمّتهم المنقطعين عنهم جمع اللّه تعالى شملهم بمحمّد وآله الطاهرين

فنقول ان الوجود الشّرعي لما كان طبق الوجود الكوني في كل ما لهمٰا وكان الوجود الكوني لوحا جليّا مكتوبا فيه كلّ الاحوال والاقتضاءات والاطوار والحيثيّات والاضافات والنسب والجهات والاعتبارات بل كلّ شيء دليل ومدلول عليه وسبب ومسبب وجوهر وعرض وذات وصفة واسم عين واسم معنى وقول وفعل الى غير ذلك من الاحوال الوجوديّة والمقامات الكونية فمن عرف قراءة هذا النقش واحسن معرفة هذا اللّوح فقد عرف الاشياء مشروحا مبيّنا لا يختلجه شكّ ولا ريبة ويعرف بذلك اسرار الشريعة واحكامها وكيفيّة استنباط فروعها من اصولها واستخراج مفصّلها من مجملها ويعرف بذلك اكثر الاقتضاءات فيجري عليها مقتضاها من الاعمال على حسب ما نطقت به الاخبار وهؤلاء لعمري لقد استراحوا وطابوا ولمّا لم يجد في نفسه العصمة ويجوز عليه الخطاء لا يجوز عليه الاعتماد في مثل هذه المقامات الّا بالقطع الثابت البات فان هذا مسلك غريب وطور عجيب ليس لكل عالم فيه نصيب ويجب ايضا ان يعتمد فيما يدركه ويقطع به من ذلك النقش الى كتاب اللّه تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله واخبار العترة الطاهرة عليهم سلام الله ما دامت الدنيا والآخرة فان الخلط والاشتباه هنا كثير جدّا فان الحقّ لو خلص لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فمن هنا هلك من هلك ونجى من سبقت له العناية ولا يجب ان يكون استناده الى الكتاب والسنة بشيء واضح الدلالة فيعرفها ( يعرفها خ‌ل ) كل احد اذ ليس كلما في الكتاب والسنة يعرف لانهما الصعب المستصعب لا يهتدي اليه الا الاقلون ولا يدركه ( لا يدركونه خ‌ل ) الا المؤمنون الممتحنون اذ لا يلزم الاستنباط من المفهوم الصريح بل قد يكون بغيره ( بغيرها خ‌ل ) من المراتب الاخر من الوجوه السبعة او المعاني السبعين الا ان المستنبط المستوضح يجب عليه القطع في الدلالة وهذا هو المجاهد في الله ولا يخطو ان شاء الله فان اخطأ فما عليه من سبيل لان الله تعالى يقول ما على المحسنين من سبيل

فاذا وقفت على هذا الطريق فلا تعدل الى غيره لانه دليل الحكمة وهو اعلى الادلة ومقام المعرفة والبصيرة فان لم ‌تجد اليه سبيلا فان قدرت على دليل الموعظة الحسنة وسلكت سبيل السلامة فعلت والا فارجع الى المجادلة بالتي هي احسن وهو في الاحكام الشرعية اربعة :

الاول كتاب الله فمتشابهاته ليست بحجة اجماعا الا اذا رجعت الى المحكم والنصوص التي لا يحتمل الخلاف حجة اجماعا وهو الكتاب المجمع على تأويله على ما في الحديث عن الكاظم عليه السلم والمراد به النصوص واما الظواهر فقد خالف فيها جماعة قليلة وشرذمة يسيرة لا يعبأ بهم والحق انها حجة اذ لم ‌يثبت منع خاص على حجيتها منه بخصوصه لا من الاجماع ولا من العقل الضروري والعمومات القرآنية الناهية عن العمل بالظن مطلقا فهي من الظواهر لغلبة اشتهار ما من عام الا وقد خص ووجوب اجراء اصل العدم فلا تكون ناصة فكيف صححتم العمل بها دون غيرها فان منعتم عن ذلك بقي مطلبكم بلا برهان ودليل مع كون الكتاب هو الثقل الاكبر وميزان تصحيح الاخبار المتعارضة والمكذوبة الموضوعة والمأمور باتباعه في مسائل الحلال والحرام وما فيه من الاحكام والاقتصار على النصوص يلزم عدم ذلك كله اذ ما من آية في مسئلة من المسائل النظرية قد اتفقوا فيها وليس ذلك عنادا لهم حاشا اهل الحق عن ذلك بل انما هو لتطرق الاحتمالات المساوية بل الراجحة فيها في نظرهم والشارع عليه السلم كان عالما بذلك كله وما يبتلون به الامة من الاختلافات وبالجملة لا ينبغي التأمل في حجية الظواهر الكتابية

الثاني السنة فالمتواتر منها لفظا حكمه حكم الكتاب ومعنى حكم النصوص الصريحة منه واليه اشار ما في الحديث او سنة عن النبي لا اختلاف فيها واما المحفوف بقراين القطع فكذلك واما الآحاد المفيدة للظن كأن يكون رواته كلهم اماميون ثقات او غير ذلك فقد ادعى الشيخ الاجماع في صحة العمل به وهو الذي يظهر من الاخبار ويشهد له صحيح الاعتبار واما ما كانت الروات كذوبا فساقا فلا يطرح الا بعد التبين والتثبت لانهم قالوا عليهم السلم ان لنا اوعية من العلم نملأها لتنقله الى شيعتنا فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فانها اوعية سوء لعله يكون من تلك اوعية فينظر في الحديث فان عثر على مخالف له مما هو اقوى منه من كتاب او سنة او اجماع او عقل ضروري فلا يلتفت اليه ابدا فان لم يجد له مخالفا ولا ( مخالفا او خ‌ل ) معارضا وقد ابهم في الاخبار وسكت عنه العلماء الاخيار فما تضمنه حجة على المستوضح اذا كان مكلفا ويطلب تكليفه فان الامام عليه السلم لا شك انه مطلع عليه بسره ( مطلع بسره خ‌ل ) وعلانيته وهو مستوضح وقد سكت الامام عليه السلم عنه بعدم نصب قرينة له على تكليفه وما اريد منه وبذل مجهوده في الطلب فلا يخلو اما ان اقره الامام عليه السلم على ذلك او اهمله فاما ان يكون مغريا بالباطل او لم يكمل الدين وتعالى ربي وتقدس ان يجعل حجة وخليفة في الارض وهو يغفل عن رعيته وغنمه وقد دلت الاخبار بان الارض لا تخلو عن حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا اتمه لهم فان منعت عن ذلك اسئلك لم منعته هل الحجة على الخلق في ظاهر الامر الا لاقامة الحجة وتقويم الزيغ ولم الشعث وسد الخلل عن الدين الذي تعبد الله خلقه ( الخلق خ‌ل ) به من الذين قبلوا ذلك الدين وتدينوا به فاذا كان كذلك فبعد ما غاب شخصه الشريف لمرض ابصارنا وضعفها عن مشاهدة ذلك النير الاعظم صلى الله عليه وعلى آبائه واحتجب عنا بسحاب الغيبة هل يمكنه ان يعطي من توجه اليه وانقطع اليه من الشيعة الفرقة المحقة حقه مما اراد الله منه من التكليف الخاص به على مقتضى كينونته فان قلت لا فقد انكرت امامته واخرجته عن المقام الذي هو عليه فان ( وان خ‌ل ) قلت نعم قلت فما يمنعه عن نصرة رعيته وملاحظة غنمه فان قلت لعله لمصلحة اخرى لم ‌ندركها قلت ليست المصلحة في غيبته الا حفظ نفسه الشريفة ونفوس الخلق كلهم بل العالم بحذافيره لكون غيبة الحجة عن الخلق قبيح اذ ما بعث الله الحجة الا للخلق لكن لما كان حضوره صلى الله عليه مستلزما لما هو اقبح من ذلك واشد فارتكب اقل القبيحين للضرورة وهي انما ( انما هي خ‌ل ) تتقدر بقدرها فلم ‌يبق الا ملاحظة حال رعاياه وغنمه فيوصلهم الى ما هو تكليفهم ولا يلزم ذلك المشاهدة بل يكون بنصب قرينة واظهار مخالفة والتأييد بكتاب او بالقذف في القلب وامثال ذلك من التقدير والتثبيت ليعلم كل اناس مشربهم ولينال كل احد مطلبهم فان الابصار اذا ضعفت عن ملاحظة نور الشمس بلا حجاب جعل الله عليها حجابا لينتفعون بها لا لئلا ينتفعون وكذا الامام صلوات الله عليه وعجل فرجه فانه ماغاب الا لينفعنا حيث لم يمكن ان ننتفع منه صلوات الله عليه حال الظهور لا لأن يتركنا ويجعلنا عمياء في ظلمة دهماء مع هذه الاختلافات الشديدة وشيوع الباطل فوالله لولا حفظه لما اصاب احد حقا وقد قال مولينا اميرالمؤمنين (ع) في خطبته اللهم انه لا بد لك من حجج في ارضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم الى دينك ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق اتباع اولياءك ظاهر غير مطاع او مكتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم ‌يغب عنهم قديم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون وقد قال عليه السلم في موضع آخر من هذه الخطبة فمن هذا يأرز العلم اذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه كما سمعوا ( سمعوه خ‌ل ) من العلماء ويصدقون عليهم فيه اللهم اني لأعلم ان العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده وانك لا تخلي ارضك من حجة لك على خلقك طاهر ( ظاهر خ‌ل ) ليس بمطاع او خايف مغمور كيلا تبطل حجتك ولا يضل اولياؤك بعد اذ هديتهم بل اين هم وكم هم اولئك الاقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان عند كل بدعة تكون ( يكون خ‌ل ) من بعدي يكاد بها الايمان وليا من اهل بيتي موكلا به يذب عنه ينطق بالهام من الله تعالى ويعلن الحق وينوره ويرد كيد الكايدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا اولي الابصار وتوكلوا عليه وقد قال مولينا الصادق عليه السلم ان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم وقال ايضا ما زالت الارض الا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس الى سبيل الله وقال ايضا عليه السلم ان الله لم يدع الارض بغير عالم ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل وقال الحجة المنتظر عجل الله فرجه وروحنا له الفداء في التوقيع الى الشيخ المفيد (ره) الى ان قال عليه السلم نحن وان كنا ثارين ( ثاوين خ‌ل ) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي اراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فانا نحيط علما بانبائكم ولا يعزب عنا شيء من اخباركم ومعرفتنا بالامر الذي اصابكم الى ان قال عليه السلم انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الاعداء فاتقوا الله جل جلاله الحديث وامثال ما ذكرنا كثيرة في الاخبار ويشهد بذلك العقل القاطع فان قلت لو كان الامر كما تقول لم ( فلم خ‌ل ) لم يرفع الاختلاف بين الشيعة ولا شك انه احسن ولا مانع له من ذلك قلت ان راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو ( فهو خ‌ل ) اعلم بمصالح غنمه فان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم ولو اجتمعتم على كلمة واحدة لاخذ برقابكم والاختلاف ما دامت دولة المنافقين والفاسقين احسن واسلم لكن هنا شيء ( شيء آخر خ‌ل ) لم ‌اطلع عليه وهو ان الامام عليه السلم يقدر ان يجعل لكل من المكلفين قرينة يقطعون بها على تكاليفهم من الله سبحانه ويكونون على بصيرة من امرهم واطمينان من قلوبهم مع وجود الاختلاف كما في الاجماعات المحصلة فانها تفيد القطع وان كان مخالفا للآخر مع انه ( ان الامام خ‌ل ) عليه السلم ابقاهم في مقام الظن وان كانوا قاطعين في مقام العمل الا ان في الاول يحصل لهم القطع اولا ولا يحتاجون الى امر آخر بخلاف الثاني لكنا نؤمن بما فعل ونصدق ونقول كل من عند ربنا لأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون

لكنه قد يخطر بالبال القاصر في وجه المصلحة امران : احدهما عدم اقتضاء الاسباب ذلك لان الذي يفيد القطع اما حصول الاجماع او وقوع التواتر المعنوي او القراين القطعية وهي اما موافقة الاجماع وعمل الاصحاب او الضرورة او المتواتر او العقل القاطع او توارد الامارات الكثيرة بحيث يقطع العقل بصحة الخبر وكلها قد تكون المصلحة بخلافها فان الاجماع لا يكون الا بالاتفاق وان كان له مخالفا وهذا غير ممكن في كل المسائل اذ التكليف على حسب اقتضاء المكلف فلا يجري عليه الا ما يقتضيه بكينونته في ذلك الوقت وهذا الحكم قد يتخالف وقد يتوافق قد يكون هو حكم الرجل في مدة معينة وبعد انقضاء تلك المدة يتغير حكمه فيتغير ترجيحه وما هذا شأنه لا يجوز فيه الاتفاق بل لا يمكن ( يمكن خ‌ل ) بوجه من الوجوه كما نرى في الواقع والعيان ما ادركناه بالذوق والوجدان والحمد لله الملك المنان وكذلك القول في عمل الاصحاب واتفاقهم وكذلك التواتر وحكم الضرورة اجلى واظهر بقي الكلام في العقل القاطع وهو ايضا لا يمكن في جميع المسائل اذ العقل لا يستقل في الامور الشرعية الغيبية لانها اسرار باطنية ومشاهدات سرية فلا يمكن للعقل الا ادراك بعض الجزئيات منها مما قامت به الضرورة وشهدت به البديهة كرد الوديعة والاحسان وقبح الظلم والطغيان وامثال ذلك فلا يقطع العقل في بعض المسائل فضلا عن كلها او جلها او ( وخ‌ل ) اغلبها فان قلت يلهمه الامام السر فيه فيدرك ويقطع به كما قالوا عليهم السلم نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون قلت ابى الله ان يجري الاشياء الا على اسبابها ونور الامام عليه السلم لا يفقد بل هو موجود ابد الآبدين لانه وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء والآية التي لا تعطيل لها في كل مكان كنور الشمس المنبث في العالم الا انه يحتاج الى قابل ومستنير فعلى حسبه الانارة والاضاءة كاشراقها على الجدار وعلى المرآة وعلى البلور فاذا اعطت الشمس الجدار بقدر ما في المرآة من النور لم ‌تكن حكيما لوضعها الشيء في غير موضعه وكذا حكم المرآة بالنسبة الى البلور وهكذا حكم الامام عليه السلم بالنسبة الى العلماء من الشيعة في النسبة الخاصة دون العامة والاستيهال لتعلم اسرار الشريعة انما يمكن اذا علم الاشياء كما هي وعرف اقتضاءاتها ودواعي قابلياتها وهذا مقام لا يمكن على التفصيل الا لمن سئل ذلك وطلب وقال اللهم ارني الاشياء كما هي صلى الله عليه وآله نعم قد يحصل لبعض الخواص من الشيعة بعض الكليات المجملة فهم في ذلك على يقين وبصيرة وكذلك الكلام في توارد الامارات الكثيرة فتحقق لنا ان ما هو الواقع هو الواقع ولا يمكن غير ذلك مع ان الذين كانوا في عصر الائمة عليهم السلم في الامكنة النائية ويتلقون الاحكام من المكاتبات والتوقيعات والوسايط مااظنهم كانوا قاطعين بالامر مع شيوع الكذب عليهم عليهم السلم في تلك الاوقات وكثرة المعارضات وتعارض الاصول ويكفيك في حقية ما ذكرنا الاخبار العلاجية وسؤالهم عن شدة التعارض وتحيرهم بل كانوا يكتفون اذا اخبرهم راو عادل ولم يكن له معارض وكانوا يعملون به كما يظهر من الاخبار وفي هذه الازمنة ولله الحمد والشكر قد سهل الخطب وهان الامر فان العلماء رضوان الله عليهم قد بذلوا مجهودهم في نقد الاخبار وجاسوا خلال تلك الديار وصفوها على مقدار وسعهم عن الاكدار ومنعوها عن ان تناله ايدي الاشرار وجمعوا خاصها وعامها ومطلقها ومقيدها ومحكمها ومتشابهها ونقحوها وماكانت هكذا في سابق الازمان سيما في البلدان البعيدة سيما في شدة الاغتشاش في امر التقية فظهر السر في ذلك والحمد لله رب العالمين وثانيهما الفتنة والامتحان والاختبار والتمحيص ليهلك من هلك ونجى من سبقت له من الله الحسنى فافهم

فاذا فهمت هذا الكلام علمت ان ما لم‌ نجد له مخالفا من الاخبار الصحيحة والآيات المحكمة المنصوصة واجماع الاصحاب فان ذلك تقرير منه عليه السلم وسكوت عنه وتثبيت للمستوضح وقد قال امير المؤمنين عليه السلم ما معناه ان رسول الله صلى الله عليه وآله احل حلالا وحرم حراما وسكت عن اشياء ولم يكن سكوته عنها لغفلة فاسكتوا عما سكت الله وابهموا ما ابهمه الله وتفصيل القول على الاجمال هو ان نقول ان الخبر الوارد الغير الصحيح لا يخلو عن احوال اما ان تكرر وروده في الكتب وعمل بخلافه الاصحاب فيترك والا يلزم ان يكونوا على باطل وهو لا يصح لقوله صلى الله عليه وآله لا يزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة فان تكرر في الكتب وعمل به بعض الاصحاب وتركه الآخرون فحينئذ ينظر اما انهم صرحوا بخلافه وبطلان المصير اليه ام لم يلتفتوا اليه وعلى الثاني ينظر هل يجد له معارضا اقوى من الكتاب والسنة فيتبع الاقوى ولا يتعين عليه العمل بذلك لوجود المقتضى وهو الخبر المعتضد بعمل الاصحاب وعدم وجود المعارض ولقوله عليه السلم ان لنا اوعية اه وهذا من التصفية كما ان الدم يصفى ويطهر اذا انتقل الى بطن البق وعلى الاول حصل التعارض فيطلب دليلا آخر ويلتمس حجة اخرى فان تكرر في الكتب ولم يعمل به احد من الاصحاب ولم يعملوا بخلافه ايضا بل سكتوا عنه وعما يقتضيه وهذا له صورتان الاولى ان يعمل به واحد منهم وسكت الباقي مع علمهم به واطلاعهم عليه والثانية ان لا يعمل ولا واحد بل سكتوا عنه فعلى الاول يتعين العمل عليه لانه اجماع سكوتي والامام عليه السلم احد الساكتين اذ لا تبقى بعد الغيبة وايقاع الخلاف ولا يتوقف لسعة علمه الشريف اذ ليس مأخوذا من الادلة حتى يتوقف عند تصادمها ولا يجهل لكونه حجة الله على كل الاكوار والادوار والاطوار مع اختلاف مقاماتهم ولا يغفل لعدم التفاته الى نفسه وعدم وجدان انيته حتى يشتغل بها ويغفل عما امره الله ولا يتكل على غيره لاظهار الحق لانه اولى بذلك وليس شخصه الشريف متعينا حتى يقتضي امرا آخر ولا يخل بواجب لانه اولوا الامر وهو لا يعرف الا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ( عن المنكر كما قال عليه السلام اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولوا الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر خ‌ل ) فاذا علم بباطل ولم ينهه بنصب قرينة من القراين كان لا ينهي عن المنكر ومغريا بالباطل العياذ بالله ولا يقول بالتصويب لانه قد خطا المخطي وحكم بان الحق ليس الا واحدا ( واحد خ‌ل ) فليس الا لانه عليه السلم قد اقره على ذلك فان قلت قد يكون ذلك حكما للقايل به فلا يعم غيره قلت ان المعروف من المذهب والشريعة ان يكون حكمها واحدا كما قال عليه السلم حكمي على الواحد حكمي على الجماعة فاذا خرج بعض الافراد عن هذه الكلية يجب التنصيص عليه بالخصوص واذ ليس فليس وعلى الثانية لا يبعد ايضا القول بالمصير اليه لان الفرقة المحقة لم يعلموا ( لم يعملوا خ‌ل ) بخلافه حتى يستدل بقوله صلى الله عليه وآله لا يزال طائفة من امتي اه فانهم ما كانوا على الباطل قطعا واحتمال انهم ( بانهم خ‌ل ) اطلعوا على الخبر ولم يعملوا عليه لضعفه وبطلان القول به حتى جعلوه في معرض النسيان معارض باحتمال انه يجوز ان يطلعوا عليه ولم يتوجهوا ولم يلتفتوا اليه لعدم احتياجهم اليه او لكونه من الوقايع النادرة والفقيه همه تنقيح المسائل الكلية لا الجزئيات ويؤيد ذلك انهم قد جرت عادتهم بقدح المخالف والطعن فيه لغرض من الاغراض سيما اذا كان حديثا مذكورا في الكتب فاذا لم ‌نجد له رادا من العلماء بوجه من الوجوه ولا عاملا بخلافه ونظرنا الى الكتاب والسنة فلم ‌نجد فيهما معارضا ولا منافيا ( معارض ولا منافي خ‌ل ) ولا قرينة تدل على ذلك والامام عليه السلم بين اظهرنا ومطلع علينا وعالم بما فعلنا وما كلفنا وسكت عنا فعلمنا ان السكوت ليس الا للتقرير والا لكان مهملا لرعيته او مغريا بالباطل وهو لا يجوز عليه عليه السلم مع ورود ان لنا اوعية اه وان لم يتكرر في الكتب المدونة للفقه وكان مذكورا في كتب الاعتقادات والاخبار المروية فيها ولم يطلع عليه الفقهاء لقصر نظرهم في الكتب الاربعة ولم يكن له معارض ومناف بوجه اقوى او مساو له فالظاهر الحجية لما تقدم اذ لا يخفى على المستنبط جهة المعارضة

الثالث الاجماع وهو الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم عليه السلم او تقريره وهو حجة بجميع اقسامه اما الاجماع الضروري واجماع الفرقة المحقة وهو حجة بالاتفاق ومخالف الاول كافر ومخالف الثاني غير مؤمن مخلد في النار والاجماع المركب حجة ايضا ولا خلاف في حجيته وبطلان احداث قول ثالث على ( على فرض خ‌ل ) تحقق العلم بدخول قول المعصوم عليه السلم في احدهما والاجماع المنقول بخبر الواحد بحكم الخبر الصحيح بل اقوى منه من حيث الدلالة والشبهات الواردة في هذا المقام ليس بشيء والسر في ذلك على الاجمال هو ان الله سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا على اسبابها واقتضاءاتها والشريعة يجب ان تكون على وفق تلك الاقتضاءات على نهج محبة الله سبحانه لتجري على المكلفين آثارها من الترقي الى الذروة الاعلى والمقصد الاسنى وتلك المحبة لا تتم الا بامور ثلثة الاول وجود المتعلق اذ حال ارتفاعه يقبح التعلق وهو ظ والثاني وجود المبلغ لذلك المتعلق لجهل الخلق بمصالحهم ومضارهم وهو لازم للاول غير منفك عنه كالروح للجسد والثالث انقياد المكلفين للمبلغ باجمعهم فاذا تحققت الشروط الثلثة رجعت الاشياء على مباديها واصولها وصفائها ومقاماتها العالية لانه حينئذ سؤال وطلب على مقتضى محبة الله سبحانه وليس لمحبته سبحانه غاية ولا نهاية قال تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية فاذا اختل احد من هذه الامور الثلثة يختل الامر على حسب اختلال ذلك الشرط فاذا اختل الاولان عدمت الاشياء وفنيت واذا اختل الثالث تخفى ( يخفي خ‌ل ) مقتضيات تلك الشريعة لحصول المانع ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم والمانع ليس من تتمة المقتضى الا انه يحجب ظهور الاقتضاء فهي مخفية لا تظهر الا بزوال المانع لا انها ليست موجودة ولما كان عدم الانقياد ( انقياد خ‌ل ) المانع لظهور مقتضى الشريعة ليس كليا ليكون المنع والحجب كليا كما في الكفار بل حصل بعض الانقياد ولما حصل الامتزاج والاختلاط بين المنقادين وغيرهم من المنكرين المعاندين لم يكن الحجب كليا ولا الاظهار كذلك ( الاظهار كليا خ‌ل ) فصار بعض الاحيان والاحوال يظهر الحكم الاصلي وفي بعضها مااقتضت المصلحة من جهة المانع على اقتضاءه من اظهار الحكم الظاهري فاختلفت الاحكام وتغيرت مسائل الحلال والحرام وتعطلت الحدود كشف الله هذه الغمة عن هذه الامة بمحمد وآله الطاهرين فاذا علمت الاختلاف الكلي في الشريعة كما قال عليه السلم وهو اسلم لنا ولكم ولو اتفقتم لاخذ برقابكم فافراد المسائل والاحكام على انحاء منها ما يقتضي اتفاق المنقادين على العمل به ومنها ما لا يقتضي كذلك والاول اما ان يكون كليا او له مدة ينقطع عند تمامها والثاني لا يخلو اما ان يقتضي الاختلاف ام لا والمجموع لا يخلو اما ان يكون حكما واقعيا اوليا او ثانويا ظاهريا فيجري الامام عليه السلم حافظ الشريعة على رعاياه هذه الاحكام على حسب الاقتضاءات كما قال مولينا الصادق عليه السلم والله انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم وقال ايضا عليه السلم لعبيد بن زرارة راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه فان ( ان خ‌ل ) شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم فان اراد الاتفاق جعل قوله الشريف مع المتفق عليه وينصب لك قرينة تدلك على ان هذا ( هذه خ‌ل ) الاتفاق يكشف عن قوله او عن تقريره او ينفرد لك ( ذلك خ‌ل ) قسما من الاتفاق ويقول لك ان هذا ايضا مما يدخل قولي فيه كما قال في الشهرة خذ بما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه فعلمنا ان قوله في المشهور حيث لا معارض لها والا لكان مغريا بالباطل وهو محال منه صلى الله عليه وهذا الاتفاق الكاشف عن قوله عليه السلم هو الاجماع وقد يكون اتفاقا كليا يشمل كل المنقادين والمتدينين وهو الاجماع الضروري من الدين وقد يكون اتفاقيا في المذهب للفرقة ( الفرقة خ‌ل ) المحقة وهو ضروري المذهب وهذان من الاحكام الواقعية النفس الامرية ولا خلاف في كشفهما عن قول المعصوم عليه السلم ومنكرهما كافر في الاول غير مؤمن بل هو مخلد في النار على الاصح على الثاني والا فكثير منهم اطلق القول في ذلك بالكفر وفي هذين لا يعذر الجاهل ولا يقبل قول لم يثبت عندي فان الضروري لا يحتاج الى ذلك بل علاجه السيف وقد يكون اتفاقا كليا لكن بين القولين اذا كان المذهب مستقرا على القولين ولا يحتمل القول الثالث فان هذا هو الاجماع المركب لا يجوز العدول عن القولين لانه رد على الامام عليه السلم اذ قوله الشريف منحصر فيهما لا غير وهذا اذا علم استقرار المذهب عليهما بدلالة القراين والتتبع الكامل والاستقراء الوافي وان لم يعلم بذلك بل احتمل قولا ثالثا وما قطع جزما ان قوله عليه السلم منحصر في القولين اذا حصل له دليل قطعي يرجح القولين يقول به غير مدع للاجماع وان حصل له دليل قاطع على قول ثالث يصح له القول به ولا محذور لانه حينئذ ليس ردا ( رادا خ‌ل ) لقول المعصوم عليه السلم بل هو طالب له وعامل به كما وقع لكثير من العلماء والاكابر مثل السيد المرتضى (ره) وامثاله والشهيد الثاني ولا يناسب المقام ذكر ما قالوا فاذا فتشت وجدت وهذه المخالفة ليست لمخالفتهم الاجماع وحاشاهم عن ذلك بل لما قلنا فان مجرد الاتفاق ليس اجماعا بل الذي يكشف فاذا لم يكشف وحصل له دليل اقوى فيتركه فقد رجح المرجوح وفضل المفضول وهو لا يجوز عند اهل العقول وقد يتعاكس هذا الاجماع بالنسبة الى عصرين او مكانين بعيدين فافهم وقد يكون اتفاقا مشهوريا ويكون له نادر مخالف فهذا اذا فتشنا في دليل المسئلة ولم ‌نجد لها ما يدل على ترجيح القول النادر ولا صارف عن المشهور فان قول الامام عليه السلم حينئذ مع المشهور وهو يحب الاتفاق لقوله عليه السلم خذ ما اشتهر بين اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وسماه اجماعا والاصل في الاستعمال الحقيقة انما شرطنا الفحص وعدم القرينة المخالفة لما ورد رب ( ورب خ‌ل ) مشهور ولا اصل له ويتم الكلام بملاحظة ما تقدم في السنة من عدم اهمال الامام عليه السلم واكمال الدين وهذا الاجماع لا يكون في عصر او في مكان او امكنة متقاربة ولا يبعد تحققه في مكانين متباعدين لم يطلع اهل احد المكانين على الآخر ويتعاكسان في عصرين وهو يجوز ان يكون حكم الله الظاهري او الواقعي فقاصر النظر الى احدهما قاصر النظر اذ قد يشتهر في المتقدمين ما يشتهر في المتأخرين بخلافه ولا يجوز ان يكونا واقعيين والا لما اختلفا فافهم وقد يكون اتفاقا سكوتيا وهو الذي يسمونه اجماعا سكوتيا وهو اذا قال فقيه بحكم وسكت عنه الباقون ولم يخالفه احد من العلماء اذا فتش على قدر الطاقة وهو يدل ايضا على ان الامام عليه السلم ايضا من الساكتين وليس سكوته خوفا او اثارة فتنة او تقية عن احد او اتكالا على غيره او توقفا في دليل المسئلة او غفلة وجهلا بحقيقة الامر او اهمالا للدين كما سبق فيسكت للتقرير وهو حجة كالقول

( الى هنا كان في النسختين )

المصادر
المحتوى