
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي اني قد وقفت على كلمات لبعض الاصحاب وفقه الله في كل باب وهداه سبيل السداد والصواب كتبها على بعض عبارات شيخنا ومولانا واستادنا فخر العلماء المحققين وخاتم المجتهدين عماد الاسلام والمسلمين شيخنا الشيخ احمد بن زين الدين اعزه الله وابقاه وجعلني في كل مكروه فداه في مسئلة المعاد وعود الارواح الى الاجساد ورأيته قد تكلم على خلاف مراده وتنطق عن غير اعتقاده من جهة عدم الانس باصطلاحاته وعدم التتبع التام في مطاوي كلماته فان له مطالب واصطلاحات خاصة لا يهتدي اليها الا بالسماع منه سلمه الله تعالى كما هو شأن اهل كل فن بالنسبة الى فنه وعلمه فان اهل الهندسة مثلا لهم اصطلاح خاص لو ان البالغ في النحو الكامل فيه اراد ان يعرف كلماتهم ويفك رموزهم واشاراتهم بمجرد قراءة النحو وعدم السماع منهم لم يتمكن من ذلك بالضرورة فكيف اذا اراد الجرح والتعديل والتخطئة والتصويب فاحببت ان اشرح تلك الكلمات واميز غثها من سمينها مع كمال اختلال البال واضطراب الاحوال وحدوث الواردات والنائبات المانعة عن استقامة الحال واحببت ان اطلع عليها قبل هذه الاوقات لأعطي حقها من التحقيق وارشد المتحير الى سواء الطريق وفي التسويف خفت عروض العوايق والموانع فبادرت مختصرا في المقال ومقتصرا على الاجمال ومشيرا الى نوع الاستدلال وبالله المستعان وعليه التكلان في المبدء والمآل
اعلم ان الذي تحقق بالضرورة من الدين وثبت من مذهب سيد المرسلين عليه وآله صلوات الله ابد الآبدين هو القول بالمعاد الجسماني والروحاني يعني عود الارواح الى الاجساد بعد موتها وهلاكها وفنائها فمن انكر هذه الجملة فقد كابر الضروري وزاحم البديهي وانكر ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله فخرج عن الاسلام الا ان المسلمين مختلفون في تحقيق الروح والبدن والجسم اختلافا كثيرا لا يكاد ينضبط وقد ذكر العلامة المجلسي (ره) في البحار من الاقوال في الروح ازيد من عشرين قولا وذكر عن بعضهم انه قال في الروح اربعون قولا ه وربما يزيد عن ذلك واحد الاقوال قول الفلاسفة ان الروح مجردة لا جسم ولا جسمانية ولم يتفردوا بهذا القول بل قد قال به جمع من المسلمين من العامة كجمع من قدماء المعتزلة والغزالي وراغب الاصفهاني ومن الخاصة شيخنا المفيد (ره) على ما ذكر المجلسي وقال وان قال بعضهم انه في آخر عمره رجع عن هذا الاعتقاد ونقل عن البهائي (ره) وجمع من المتأخرين انهم ذكروا ان في الاخبار ما يستفاد منه ذلك ه
اقول القائلون بذلك جمع كثير وجم غفير من علماء الخاصة والعامة وقد ذكر المجلسي ما ( من خ ) ذكر من باب المثال لا استقصاء الاقوال وباقي الاقوال كلها تدور على جسمية الروح وعرضيته وما يجري مجراهما وليس الآن قصدنا استقصاء الاقوال وتحقيق الحق منها بل مجرد ذكر خلاف اهل الاسلام
فاذا عرفت ذلك علمت ان كل صاحب قول يحمل عود الروح الى الجسد على ما يذهب اليه ويختاره والآخر بخلافه فلا يقدح هذا الاختلاف في اسلامه ولا في ايمانه لأنه قال بما اتفق عليه المسلمون من عود الروح الى الجسد واما حقيقة الروح وانها اي شيء وكيف يعود فلم يقم عليها اجماع ولا نص من كتاب مجمع على تأويله ولا سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها ولا دليل عقل طابقت عليه العقول حتى اذا خالفها يخرج عن الدين فلم يبق له الا ما يؤدي اليه نظره ويوصل اليه فكره اذا اخذ من الجهة التي قرر الله تعالى له اياها وهو قول مولينا الكاظم عليه السلام في مكاتبته للرشيد على ما رواه المفيد في الاختصاص والصفار في بصاير الدرجات امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه وامر فيه اختلاف فما ثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق لمستوضح تلك الحجة الرد اليه والتسليم له وما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الأمة وعامها الشك فيه والانكار له فما ظهر لك برهانه اصطفيته وما خفي عليك بيانه نفيته هذا معنى الحديث فظهر لك ان المختلفين في الروح مع اتفاق الكل بعودها بعد موتها الى الجسد باقون على اسلامهم وايمانهم ان لم يخرجوا عنهما بوجه آخر
والجسم ايضا قد اختلف العلماء فيه وفي حقيقته فمنهم من يرى انه مركب من الهيولي والصورة وهو مذهب اكثر الحكماء وبعض المتكلمين ومنهم من انكر الهيولي وقال ان الجسم هو الصورة الجسمية خاصة الموجودة حال الاتصال والانفصال وهما عرضان طاريان على تلك الصورة ونسب العلامة المجلسي (ره) هذا القول الى المحقق الطوسي (ره) وبعض الحكماء وقال ان هذا القول متين قوي جدا ومنهم من انكر الجميع وقال ان الجسم مؤلف من اجزاء لا يتجزى وهو قول عامة المتكلمين من العامة والخاصة ومنهم من قال ان الجسم مركب من اجزاء صغار صلبة وهو قول ذيمقراطيس الحكيم وغير ذلك من الاقوال في هذا المقام فاذا تحقق الخلاف والاختلاف بين المسلمين القائلين بالمعاد الجسماني في الجسم وانه اي شيء فاذا حمله كل على مذهبه ومعتقده فلا يحكم بكفره ولا بضلالته ولا بفسقه بعين ما ذكرنا في الروح وهذه المسئلة اجماعية لا خلاف فيها فان مناط الكفر انكار ما علم من الدين ضرورة واما الذي فيه اختلاف ما بلغ حد الضرورة فانكاره اذا ادي اليه الدليل المعتبر هو الايمان الخالص
ثم لا شك ولا ريب ان الاجسام تعتريها اعراض خارجية واوساخ غريبة لا دخل لها في ذاتيتها وليست مناطا لشيء من حقيقتها واجزائها وصفاتها الذاتية والفعلية وانما هي اشياء اعترته لقرانات بعض الكثافات فوجودها كعدمها بل عدمها احسن من وجودها وذلك مثل الاوساخ التي تعتري البدن وتفسده فتحتاج الى الحمام والدلك لازالتها فهل يجوز لأحد من العقلاء يتفوه ويقول ان من انكر عود هذه الاوساخ والاعراض والغرايب هو المنكر للمعاد الجسماني وهل يُتصور ان يقال للرجل الذي تزال عنه اوساخ كثيرة واخلاط فاسدة ان هذا ليس بذلك الرجل وان جسمه ليس ذلك الجسم فتسقط عنه جميع الحقوق المتعلقة بالجسم الاول من الحد والقصاص والدين والدية وامثال ذلك مثلا اليد اذا توسخت بقاذورة هل ينبغي ان لا تغسل اليد عنها والا لتغيرت عن حقيقتها او يجب عليك ان تَغْسلها لتبعد عنها ما ينافي ذاتها وحقيقتها والا لتغيرت عن حقيقتها فاذا مات قبل الغسل وجب ان يبعثه الله معها اعتبر بحال الجنين حين تولده وخروجه الى هذه الدنيا لا شك انه مختلط بكثافات من الرحم ودم الحيض مغطى بالمشيمة ولا شك انها اعراض وغرائب فهل تصفى عنه تلك الكثافات وتُغسل ام يُبقى على حالته الاولية الكثيفة فبعد ما صفي هل لعاقل ان يقول ان الجنين تغير عما هو عليه وليس هذا بالذي كان في بطن الأم والله سبحانه يقول والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وهذا انشاء الله تعالى واضح فاذن فابدان المكلفين في هذه الدنيا تتوسخ باوساخ مثل توسخ الجنين وتوسخ اليد وامثالهما فيكون لها شيئان شيء ذاتي حقيقي جوهري لا يزول ولا يتغير بل يرجع على ما هو عليه وشيء وسخ عرض كثافة وهو الغطاء في قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فسُمي بالاصطلاح البدن الحقيقي الاصلي بالجسد الثاني والفلكي والهورقليوي لكمال الثبات والاصالة والوسخي العرضي بالجسد الاول العنصري تشبيها بالعناصر التي هي عالم الكون والفساد لا ان الجسم والبدن يخلو من عناصر هذا العالم الذاتية نعم العرضية مثل اوساخ اليد الظاهرية فيجب ذلك والا ما انكشف الغطاء واذا اردت الكلام بالمجادلة بالتي هي احسن فنقول ان الاجماع من المسلمين قد انعقد على عود الاجسام الدنياوية اما انها تعود بجميع عوارضها الخارجة عن ذاتها كالعمى والعرج والمرض وامثالها فلا نسلم شمول الاجماع عليها ولا نص من الكتاب والسنة على ذلك وانما هما على خلافه كما سيظهر لك وكذلك العلماء قائلون بخلافه والعقل يدل على خلافه كما سيأتي انشاء الله في محله بل ربما يقال ان الاجماع المذكور ايضا يدل على خلافه لأن الاجماع قائم على عود بدن كل شخص لا عوده مع غيره فان الاوساخ غير البدن الذي للشخص وكذلك الكثافات والعرضيات فلا يجعل الحكيم ما ليس للشيء له والا لم يكن حكيما فان نسبة هذه الاعراض والكثافات الى الانسان مثل الحجر الموضوع بجنب الانسان فاذا اريد رد كل شيء الى اصله يجعل الحجر في محله والانسان في محله فمراد شيخنا اطال الله بقاه من الجسد العنصري هذه الاوساخ او الصورة الدنياوية التي تجذب هذه الاوساخ فلا بد من كسرها وصوغها على هيئة وصورة محكمة مثلها لكنها بحيث لا تجذب الاوساخ ولا تعرضه الغطاء كما نوضح لك فيما بعد انشاء الله تعالى فاذا اصطلح احد هكذا اي اجماع خالفه واي ضرورة انكرها هل عود الاوساخ والاعراض والغرايب مثل العمى والعرج والجذام وساير الدماميل الحاصلة من الاخلاط الفاسدة او البلادة والحماقة وقلة الفهم والادراك الحاصلة من هيجان البلغم والرطوبات الغريبة الفضلية او الاعوجاج وعدم استقامة السليقة والجربزة والتهور الحاصلة من هيجان خلط الصفراء وامثال ذلك هل انكار عود هذه الاخلاط الفاسدة واشباهها مما يورث انهدام البنية وتحلل الاعضاء وتخلل الآلات المورثة للموت والفناء مع حفظ البنية الجسمانية والمادة العنصرية الجوهرية هو انكار الضرورة واي ضرورة قامت على هذا بل العلماء من اهل الاسلام رضوان الله على الصالحين منهم قد صرحوا بعدم عود تلك الاعراض والغرايب وما رأيت ولا وقفت على قائل من العلماء الذين عليهم العمل قال بعودها ولا ممن لم يعتمد عليه الا ما اسمع من بعض الجهال اشباه الناس فان الاحاديث المستفيضة المتواردة بل المتواترة ناصة على ذلك كما سنتلو عليك انشاء الله شطرا منها ان وجدت للنفس اقبالا الى ذلك
فاذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان جناب الماتن سلمه الله وابقاه وسدده بهداه وتقواه قد نقل عن جناب شيخنا جعلني الله فداه كلمات كثيرة كلها تدور على هذا المعنى الذي ذكرت لك وهو مراده منها لأني اخذت منه مشافهة وسمعت منه معاينة ان افتريته فعلَي اجرامي وانا بريء مما تجرمون ونحن لا نطول الكلام بذكر تلك الكلمات الشريفة المباركة لأن المقصود اداء المعنى لا غير لا حل العبارات وذكر وجوه المناسبات وكان اطال الله بقاه قد ذكر في آخر الكلام ان الجسد العنصري على المعنى الذي ذكرتُ لك اعراض وغرايب يجب ان يصفى الجسم عنها وانت قد عرفت انه يجبُ ذلك والا لم يكن فرق بين الدنيا والآخرة
قال جناب الآخوند سلمه الله تعالى : اقول الظاهر ان ما ذكره من الاعراض والكثافات فينبغي ان يصفي عنه الاعتقادات
اقول هذا الكلام ليس له عندنا جواب فان الطعن والتشنيع ليس من دأبنا ولا من عادتنا
فلولا الشعر للعلماء يزري لكنت اليوم اشعر من لبيد
قال سلمه الله تعالى : اما اولا فلأن اعتقاد اهل الاسلام المأخوذ من الشارع ونوابه عليهم السلام ان اجزاء الجسم من عناصر هذا العالم سيما الارض ولو بواسطة كما في بني آدم فانهم خلقوا من ماء حاصل من الاجزاء الارضية كيف وقد قال الله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى وقال تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وقال تعالى ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم وقال تعالى اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون وقال تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين وقال تعالى اني خالق بشرا من طين وعن النبي صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين الى غير ذلك من الآيات والاخبار الدالة على ان اجزاء جسد الانسان من هذا العالم
اقول قوله فلأن اعتقاد اهل الاسلام الى قوله من عناصر هذا العالم ان اراد بالمشار اليه بهذا العالم عالم الاجسام مطلقا فمسلم ولا محيص عنه فان الجسم لا يخلق من الروح اي من عناصرها فقد دل عليه العقل والنقل والاجماع وجميع الادلة الشرعية وجناب الشيخ جعلني الله فداه لا ينكر هذا المعنى كيف وهو الذي اسس القول بأن كل شيء له حد معلوم ومقام معين لا يتعداه لقوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون فلا يكون الجماد نباتا ولا النبات حيوانا ولا الحيوان انسانا خلافا للصوفية القائلين بذلك اذن فلا يكون الجسم روحا ولا العكس فاجزاء الجسم جسم واجزاء الروح روح واجزاء العقل عقل وهكذا وان اراد بالمشار اليه عالم الكون والفساد وهي العناصر التي تحت فلك القمر والله سبحانه خلق الخلق منها فان اريد ان الله سبحانه لما خلق الانسان في احسن تقويم وفضله على السموات والارض والجبال وسخرها له وجعله جامعا مملكا فخلق جسمه من اصفى الاجسام والطفها واشرفها لأنه اكمل في ابلاغ الحجة واكمال النعمة فان الخلق من الادنى مع التمكن من الاعلى فيما هو شرفه وكرمه وجعله بحيث يبلغ في السعادة اعلى الدرجات واسناها وفي الشقاوة اسفل الدركات وادناها لا يصح في الحكمة ولما كان اشرف الاجسام والطفها جسم الافلاك وكان الانسان اشرف من الافلاك فوجب ان يكون جسمه الطف واصفى من جسم الافلاك ولما كان خلقة الانسان انما كان في وسط العالم كالقلب بالنسبة الى البدن كانت العناصر المخلوقة منه نازلة من الافلاك بواسطة اشعة الكواكب والشمس والقمر تلقتها الملائكة والقتها الى العناصر فالعناصر التي في هذا الكون والفساد ظاهرها محل اعراض وغرائب وبها يتحقق الفساد وباطنها صفوة الافلاك وبها الدوام والثبات فان صعب عليك تصوير هذه العبارات نقول ان الله سبحانه ركب هذه العناصر وعدلها ونفي عنها الغرائب حتى صارت شبيهة بالاجسام الفلكية حتى تعلق بها الروح الحيوانية الحساسة الفلكية كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الروح الحيوانية ان اصلها الافلاك ومادتها من لطائف الاغذية فتلك اللطائف اذا تألفت واجتمعت بتدبير الله تعالى وتقديره حتى شابهت لطافة الافلاك وناسب اجسامها فتتعلق بها روحها فان الروح لا تتعلق الا بمحل مناسب مثاله انك اذا قابلت النار خشبة رطبة ولا توصلها بها فالنار بالمقابلة والاحراق لا تزال تلطفها وتجففها وتكلسها الى ان تحيلها الى الدخانية فتتعلق به النار وتشتعل الخشبة من غير ان تنقص النار وتخرج عن مكانها فالافلاك بمنزلة النار والعناصر كالخشبة فطبق المثال بالممثل تجد الامر واضحا فاذا قلنا ان الانسان المكلف مخلوق من عناصر الافلاك او اعلى منها نريد به هذا التدبير في هذه العناصر لا العناصر من غير التدبير وهذا هو العرك والتخمير المذكور في الاحاديث ونسبنا هذه العناصر الى تلك العناصر لأن هذه من سنخ ذيك قد احاطت عليها بعض الكثافات التي هي الغشاوات التي يجب كشفها وازالتها فان اراد هذا المعنى فأهل الاسلام اما ضعفاؤهم وعوامهم فلا يعرفون هذه الاشياء ولا هم بصددها ولا هم مكلفون بها ففهمهم وعدم فهمهم لا يعتبر بشيء لأنهم يرون الاشياء مخلوقة مرزوقة مدبرة ولا يدرون على اي نحو واي طور واي كيفية هو فالاستشهاد بفهمهم في دقايق الاشياء وخفاياها من اغرب الامور واما العارفون الكاملون المتعاطون لهذه الدقايق على وجه البصيرة والمعرفة فما ذكرنا عندهم من اوضح الامور انظر الى كتب اهل الطبيعة الموضوعة لصفة توليد المولود الفلسفي الذي قال فيه امير المؤمنين عليه السلام انه اخت النبوة وعصمة المروة وقد اُخِذَ علمه عن الانبياء عليهم السلام خصوصا ادريس النبي على محمد وآله وعليه السلام تجد ما ذكرت لك مشروحا في تلك الكتب ولا يحضرني الآن منها شيء لأبين لك ما قالوا واما اهل النحو والصرف واللغة والمنطق والكلام فليسوا ممن عندهم اسرار الطبايع وخواصها ومبدءها ومنشأها ومرجعها ومعادها فكلامهم لا يعول عليه في امثال هذه المقامات وما هذا الا كجعل الحائك حَكَما لدقايق صنعة الصياغة والصايغ لدقايق العلوم الفقهية والاسرار النقلية واما الآيات المستشهد بها فما فيها الا ذكر ان الانسان خلق من تراب ومن طين والتراب اعم من ان يكون هو التراب الصافي من سنخ الافلاك وان يكون من الكثافات والعوارض وليس فيها نفي لما ذكره الشيخ جعلني الله فداه من عناصر هورقليا التي هي اصفى من الافلاك اي من تربة هي في الصفاء واللطافة مثلُها ومن سنخها ويطلق عليها التراب حقيقة لأنه هذه التراب " اي اذا اخذ التراب مع باقي العناصر وتدبر الى ان شابهت الافلاك في الدنيا فتعلق بها روحها " اذا بلغ في غاية الصفا واللطافة فيظهر باطنه الذي هو سر ذلك العالم ففي الآيات الشريفة اجمال يسقط به الاستدلال ولكن لما كان المراد بالتراب المذكور فيها ما ذكرنا وبينا ولم يكن يبلغ اليه فهم عامة الناس ولا خاصتهم فمن اجل ذلك بين اهل العصمة عليهم السلام المراد من التراب فيها وانه ليس كما تزعمه العوام فقالوا عليهم السلام كما في الكافي بالاسناد عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله عز وجل لما اراد ان يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل عليه السلام في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة من السماء السابعة الى السماء الدنيا واخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة اخرى من الارض السابعة العليا الى الارض السابعة القصوى فامر الله كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة الاخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الارض ذروا ومن السموات ذروا الحديث انظر في صراحة هذا الحديث الشريف في المطلوب وان المراد بالتراب ليس خاصاً بالارض المعروفة وان اخذ من الارض المعروفة فجاء هذا الحديث مبينا لاجمالات الآيات والاخبار الواردة في هذا الباب فان اهل البيت عليهم السلام هم الذين يفسرون القرآن ويوضحون مجملاته ومتشابهاته ومحكماته ويؤيد هذا الحديث ما روي ان جسد الانبياء والاوصياء والشهداء والمؤمنين والسلطان العادل لا يبقى في القبر بعد موتهم ازيد من ثلثة ايام او اربعين يوما مع ما تواترت به الاخبار من اهل التواريخ واهل العصمة عليهم السلام ان نوحا اخرج عظام آدم من مكة ودفنها في النجف الاشرف وبينهما من السنين ما يقرب من الالفين او يزيد وما ارتفع الى السماء وكذلك موسى عليه السلام اخرج عظام يوسف الصديق عليه السلام من شاطي النيل ودفنها في البيت المقدس وامثال ذلك من قصة ذلك اليهودي وغيرها اجمع بين هذه الاخبار تجد الامر كما نقول واضحا كالشمس في رابعة النهار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وانا يعلم الله اني لم اتمكن في مثل هذه الاوقات لتصادم الاعراض والامراض من بسط المقال وشرح حقيقة الحال على ما في البال الا ان ما ذكرت اشارة الى نوع الاستدلال وكفاية لمن اعرض عن الجدال والقيل والقال فظهر لك ان ما ذكره سلمه الله ما دل الا على ان اعتقاد اهل الاسلام المأخوذ من الشارع ونوابه عليهم السلام ان اجزاء جَسَد المكلف مأخوذ من عالم الاجسام فحسب ونحن نقول بموجبه واما خصوصية جسم دون جسم فمادل دليله على شيء لا اجماعه المدعى ولا الآيات ولا الروايات واما هورقليا فله فيه اصطلاحان مرة يطلقه ويريد به عالم المثال وهو عالم البرزخ الذي تأوى اليه الارواح بعد الموت ومرة يطلقه ويريد به صفو عالم الاجسام الثابت الباقي الغير المتغير تغير ساير الاعراض والاوساخ فاذا قال انه فوق عالم محدد الجهات يريد بالفوقية في الرتبة لا المكان كما قالت العلماء ان الصورة التي في المرآة هي من عالم المثال وهي فوق محدب محدد الجهات وفلك الاطلس مع انها كما ترى في هذا العالم وكذلك قبور الائمة عليهم السلام فوق العرش مع انها هنا وعلى هذا فاحمل كلما تسمعه من هذا القبيل ولا تسارعوا الى الرد والانكار فان ذلك غير محمود من اهل الحال ادرؤا الحدود بالشبهات
قال سلمه الله تعالى بل لم يتصور احد كون عالم آخر محل العناصر حتى يتصور التنزل والانتقال بل لو نقل لقيل ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين على خلاف كلمات الكافرين
اقول قال الله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والنكرة في سياق النفي تفيد العموم والله سبحانه افرد الشيء وجمع الخزائن للدلالة على ان كل شيء شيء على الانفراد له خزاين عديدة هو فيها مخزون ثم اراد سبحانه ان يبين ان تلك الخزائن مترتبة بالعلو والسفل فقال وما ننزله الا بقدر معلوم والنزول لا يكون الا من الاعلى الى الاسفل والا فلا يتصور النزول اذا كانت في مرتبة واحدة فاذن وجب ان يكون كلما نجد في العالم الاسفل نعلم يقينا بأنه قد تنزل من الخزاين العلوية الى ان وصل هنا وقد قال مولينا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يكون الا بما هيهنا رواه في العيون في حديث عمران الصابي (ره) ولا شك في وجوب المطابقة بين عالم الغيب والشهادة حتى يكون الثاني دليلا ووصفا للاول واما دلالة المخلوق على الخالق فانما هي في الصفات الفعلية واما الذاتية فانهم عاجزون عن ذلك نعم يدل الخلق على ان الخالق موجود يعني ليس بمعدوم كما قال امير المؤمنين عليه السلام فان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم ه لا ان صفاته ترجع الى السلوب سبحانه وتعالى عما يقولون بل لأن الخلق يقصر عن الادراك الا هذا المقدار وليس هنا موضع تحقيق هذه المسئلة وبالجملة فالاستدلال اذا لم تكن فيه مناسبة ومشابهة لم يصح ولذا اوجبوا تكرر الاوسط في الادلة والأقيسة والبراهين مع انه ليس استدلالا بالمقال وانما هو استدلال بالحال وقال مولينا الرضا عليه السلام على ما في العيون والبحار وغيرهما في حكاية ضيافة سلمن لأبي ذر واتيانه له بقرصتي خبز يابس وتقلب ابي ذر لهما قال سلمن ما لي اراك تقلبهما يا ابا ذر اتدري من اين اتياك والله لقد عمل فيهما الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات والارض حتى القاهما الى السموات وعمل فيهما السموات حتى القتهما على الملئكة وعمل فيهما الملئكة حتى القتهما الى السحاب وعمل فيهما السحاب حتى القاهما الى المطر الحديث نقلته بالمعنى وهذا صريح في ان الاشياء السفلية تنتقل من عالم الى عالم حتى تصل الينا في هذا العالم الا ان العوالم تختلف في اللطافة والكثافة والبساطة الاضافية والتركيب واما فيما تشتمل وتتضمن فالكل واحد ولذا قال عليه السلام ان كل ما في الفيل في البق وزيادة وهذا حكم عام في كل شيء فان الله تعالى يقول ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور واما خصوص العناصر فالمراد بالنار الحرارة واليبوسة او الحار اليابس والهواء الحرارة والرطوبة او الحار الرطب والماء البرودة والرطوبة او البارد الرطب والتراب البرودة واليبوسة او البارد اليابس واهل العلم صرحوا ان علة الكون بالله تعالى الحرارة وعلة المكون البرودة وقالوا ان اول ما خلق الله الحرارة من حركة الفعل وخلق البرودة من سكون المكون المفعول فنكحت الحرارة البرودة فتولدت منهما الرطوبة ونكحت البرودة الحرارة وتولدت منهما اليبوسة وفرعوا عليها تفريعات وقد اجمعوا على ذلك اهل الجفر والحروف واهل العلم المكتوم وهي الصناعة الفلسفية والاطباء ايضا تبعوهم في ذلك وذكروها في كتبهم كما رأيت في كتاب السنبري (ظ) وهو من اعاظم الاطباء وقوله مقبول عندهم وادويته اغلبها صحيحة ولقد جربناها كثيرا
وقوله سلمه الله تعالى بل لم يتصور احد كون عالم آخر محل العناصر مع تصريح هؤلاء بأن كل عالم خلقه الله تعالى ما خلقه الا بهذه الطبايع والعناصر الا ان في كل عالم بحسبه فعناصر عالم العقول عقلية وعناصر عالم الارواح روحية وعناصر عالم الاجسام جسمية غريب جدا وليس المرجع في ذلك الى قول النحاة والصرفيين واللغويين واهل الاصول والفقهاء فان لهم فنا آخر مايبحثون عن هذه الاشياء والامور فاذا لم يتصوروا شيئا لا يتعلق به بحثهم لا يدل على بطلانه تنبه والاحاديث المروية في هذا المعنى كثيرة جدا منها ما رواه المفضل في حديث طويل عن ابي عبد الله عليه السلام الى ان قال عليه السلام كنا نسبحه ونقدسه ونمجده في ستة اكوان وكل كون منها ما شاء الله من المدا قال المفضل يا سيدي فمتى هذه الاكوان قال يا مفضل اما الكون الاول فنوراني لا غير واما الكون الثاني فجوهري لا غير واما الكون الثالث فهوائي لا غير واما الكون الرابع فمائي لا غير واما الكون الخامس فناري لا غير واما الكون السادس فأظلة وذر لا سماء مبنية ولا ارض مدحية الحديث فقد اثبت عليه السلام هذه العناصر قبل خلق السموات والارض والعناصر المعروفة تحت فلك القمر ومنها ما في الكافي عن محمد بن عطية قال جاء رجل الى ابي جعفر عليه السلام من اهل الشام من علمائهم فسئله عن مسائل واجابه عليه السلام الى ان قال ولكن الله كان اذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الاشياء منه وهو الماء الذي خلق الاشياء منه وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشقت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء ان يثور فخلق من ذلك الزبد ارضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشقت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله ان يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله تعالى والسماء بناها رفع سمكها فسويها واغطش ليلها واخرج ضحيها الحديث اقول هذه العناصر هي التي تكون منها الجسم الاصلي وهي المعبر عنها بعناصر هورقليا في الاصطلاح الثاني ومنها تكونت السموات والكواكب وهذه الارض التي فيها صدع هي تلك الارض النقية البيضاء تكثفت كما تكثف الحجر الاسود بلمس ارباب المعاصي والسيئات وقد كان في اول ما نزل من السماء درة بيضاء صافية متلألأة فعند القيمة يطهر الحجر عما ليس منه وكذلك الارض تطهر عما ليس منها وهو قوله تعالى يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ولا شك انها ليست ارضا جديدة بل هي الارض الدنياوية ولذا تشهد على اهل الطاعة والمعصية بهما والا لكانت شهادتها شهادة زور والله سبحانه هو العدل الحكيم وهذه العناصر ايضا هي تلك كالحجر الاسود حرفا بحرف وفي حديث ابن سلام عن النبي صلى الله عليه وآله في صفة الارضين الى ان قال ابن سلام وما تحته قال (ص) الارض قال وما اسمها قال فسيحة قال فصف لي هذه الارض قال صلى الله عليه وآله هي ارض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك وضوءها كالقمر ونباتها كالزعفران ويحشر عليه المتقون يوم القيمة قال صدقت يا محمد (ص) فاخبرني اين تكون هذه الارض التي نحن عليها اليوم قال صلى الله عليه وآله تبدل هذه الارض غيرها اقول وهذا الغير كما في قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب فان الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام صرح في جواب ابن ابي العوجاء لما قال فما ذنب الغير قال عليه السلام هي هي وهي غيرها كاللبنة تكسرها وتَصُوغُها الحديث كما يأتي وكذلك الارض المبدلة هي هذه الارض وهي غيرها ومنها روايات اول ما خلق الله ففي بعضها اول ما خلق الله الماء وفي بعضها اول ما خلق الله الهواء وفي بعضها على ما قيل اول ما خلق الله النار وغير ذلك وكل ذلك قبل خلق هذا العالم الجسماني الدنياوي ومنها ما في الكافي عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام ان الله خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار وهو نجم الانبياء والاوصياء وهو نجم امير المؤمنين عليه السلام يأمر بالخروج عن الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن واكل الجشب وماخلق الله نجما اقرب الى الله تعالى منه ه ولا شك ان هذا الماء هو عنصر الكواكب والكواكب اشرف من الافلاك كما برهنا عليه في رسالتنا في الهيئة بالعقل والنقل ومنها ما في تفسير القمي عن الباقر عليه السلام قيل له لا ي شيء صارت الشمس اشد حرارة من القمر فقال عليه السلام ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباسا من النار ثم صارت اشد حرارة من القمر قيل والقمر فقال ان الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت به سبعة اطباق البسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر ابرد من الشمس ه والاخبار بهذا المعنى لا تكاد تحصى بل لو تتبعت الاخبار ونظرت اليها بعين الاعتبار وجدت انهم عليهم السلام ما يحصرون العناصر في هذه التي تحت فلك القمر بل عندهم عليهم السلام ما يوجد موجود الا بالعناصر انظر في احاديث عالم الذر واحاديث الطينة في خلق الارواح وتكليف النفوس فانهم سلام الله عليهم صرحوا بأن تلك الارواح خلقوا من ماء وتراب ونار وغيرها ولا شك ان وجود العناصر في غير هذا العالم على حسبه ممكن مقدور بل انسب في النظام واولى بمدارك الافهام ولا تأباه العقول وقد دلت الاخبار على وجودها وحملها على تأويلات بعيدة من غير داع من نص مقطوع به على العدم او كتاب او اجماع خروج عن الانصاف ودخول في الجور والاعتساف كيف وقد اتفقت كلمات العلماء الاعلام على ان كل شيء مسبع اي مثلث الكيان ومربع الكيفية ولذا كانت السبعة هو العدد الكامل لاشتمالها على اكمل الاطوار ففرعوا عليها علة مسبعية السموات والارضين وكون المعصومين اربعة عشر وغير ذلك من الامور وقد كتبت في ساير الرسائل واجوبة المسائل براهين قطعية على ان عند تعلق فعل الفاعل بالمفعول تتحقق الطبايع الاربع في اي مفعول كان عقلانيا او روحانيا او نفسانيا او طبيعيا او ماديا او مقداريا شبحيا ولا يسعني الآن ذكرها هنا لأن مرادنا من هذه الكلمات دفع الايراد ورفع الاستبعاد لا تحقيق الحقايق الالهية بحقيقة المراد لما اجد في قلوب الناس من التحاسد والتضاد فقد دل الكتاب والسنة واطباق اهل الفن على ان الاشياء في جميع العوالم لا توجد الا بعناصر اربعة وهذه المعروفة تنزل تلك العناصر والعقل ايضا لا يمنع ذلك لو لم نقل يحققه ويثبته ويتقنه مع انه كذلك فلا تكذب بما لم تحط به علما ولا تكن كما قال تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم
ومن اغرب الامور قوله بل لم يتصور احد كون عالم آخر الخ ليته نفي التصور عن نفسه وعن الذين انظارهم مقصورة في النحو والصرف واللغة وساير العلوم الادبية والاحاديث المتعلقة بالمسائل الفقهية وكتب المتكلمين الناظرين الى مفاهيم الالفاظ المقتصرين عليها
وقوله سلمه الله تعالى ولو نقل لقيل ماسمعنا بهذا في آبائنا الاولين اقول بعد ما دل عليه الكتاب والسنة وكلمات اهل العلم والعقل ولا اقل من عدم ابائه وانكاره لا مجال لهذا القول فان الآباء انما يطاعون اذا لم يخالفوا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وعند المخالفة يجب ترك قولهم وقبول الحق قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم او ابنائهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه الآية وقولي في العقل ولا اقل من عدم ابائه ليس ترديدا مني في دلالة العقل وايم الله ان العقل قاطع بذلك الا اني وان اشرت اليه مجملا هنا ولكني لما لم افصل ما احببت ان انص حتى يقولوا ان هذا دعوى بلا دليل والا فدليله مذكور في رسائلي سيما في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة الخاصة بالعقل
قال سلمه الله تعالى واما ثانيا فلأن قوله ان مرادي من الجسد الذي لا يعود هو الصورة الاولى كما في الخاتم واللبنة مع قوله ان علة الموت والزوال انما هي ممازجة تلك الاعراض والكثافات ونحو ذلك يوهم التدليس والطفرة بل بينهما تباين لأن الصورة الثانية التي هي مثل الصورة الاولى غير مقتضية للفناء والزوال بلا اشكال فلا بد على هذا القول الاخير من كون الكثافات المقتضية للزوال اجزاء مادية لاحقة للعنصر اللطيف كما هو ظاهر قوله بل من عناصر باقية جوهرية نورية وهو من عناصر هورقليا
اقول اما اطلاق الجسد على الصورة فمعروف ومعلوم في الاخبار واطلاقات العلماء كما روي عنهم عليهم السلام في تفسير الاشباح انها ابدان نورانية وما اشتهر عندهم من القول بالجسم التعليمي مع انه محض الصورة العرضية اللاحقة للجسم الطبيعي والصورة على قسمين صورة تألفت على هيئة وترتيب معتدلة محكمة متقنة لا تتخللها الاعراض والغرايب وصورة صالحة لذلك فالثانية لا تصلح للبقاء والدوام لعدم الترتب التام الاعتدالي بين حدودها واوضاعها والاولى لا تصلح للفناء بحسب الاسباب وان كان الله يفعل ما يشاء للاعتدال التام المانع عن خلط الاعراض ومزج الغرائب المورثة للفناء والدثور وان كانت الصورتان متماثلتين متشابهتين ولما كانت الدنيا دار تكليف ومحنة واختبار وامتحان ودار سفر وزوال ما اقتضت الحكمة الالهية ان يصور المكلفين فيها على الصورة المؤلفة من حدود متناسبة اعتدالية لعدم الفائدة ولعدم حصول الاختبار والامتحان الذين هما العلتان في التكليف ليميز الخبيث من الطيب لأن الصورة الاولى لا تقتضي الا الجهة الواحدة من النور او الظلمة في غالب مقتضاها كأهل الجنة لا تقتضي هياكلهم الا زيادة النور والخير والثواب بعكس اهل النار وفي الجنة والنار ويوم القيمة ما يتصور المعصية لقوة تلك الصور المقتضية لمعاينة الاشياء كما هي لا لأن تلك الامور الموجودة لا توجد الا يوم القيمة او الجنة والنار بل هي موجودة الآن بضرورة المذهب ولكن العيون مغطى عليها فعند اعتدال الصورة ينكشف الغطاء الذي هو الصورة الدنياوية فاذا كانت الصورة الاولى في الدنيا لا تمكن معها المخالفة وذلك يستلزم الالجاء في التكليف فخلق الله سبحانه الخلق على الصورة الثانية الصالحة للخلط والمزج بغرايب وامور خارجة ولذا ترى المؤمن يعصي والكافر المنكر يطيع ويفعل الخير في بعض الاحوال وذلك لأن الصورتين الطيبة والخبيثة اللازمتين للاقرار والانكار ليستا بحيث لا يشوب احديهما بالاخرى بل يحصل الخلط بينهما بشيء من مقتضيات كل منهما فيكون ذاتي احديهما عرضي الاخرى فان الطاعة عند الكافر من سنخ اقتضاء صورة الايمان وهي عند الكافر عرضية والمعصية عند المؤمن بالعكس وقد دلت عليه الآيات الكثيرة على ما ذكر مولينا الباقر عليه السلام نحوا من ثلثين آية وكذلك الروايات ولسنا الآن بصدد بيان تحقيق هذا وبالجملة فالصورة صورتان صورة متناسبة حدودها واوضاعها وقراناتها ونِسَبُها وانضمام بعض حدودها ببعض وصورة ليست كذلك وان تشابهتا في الهيئة مثل خط الكلمة الواحدة التي يكتبهما كاتبان احدهما يكتبها بخط ردي مثلا والثاني يكتبها بخط حسن جيد لها صورة حسنة طيبة يزيد ثمنها مع انه يقال لها كلمة واحدة لها معنى واحد ومصداق واحد وان تفاوتت في الحسن وعدمه ولا يلزم من كون الكلمة مكتوبةً بخط ردي ان يكون الكاتب ردي الخط بل ربما يكون عن كاتب واحد الا ان المصلحة اقتضت كتبها كذلك اما لفساد في القرطاس او في المداد او لمن يكتبها له او غير ذلك من الامور التي تقتضي تغيير الخط بحسب الاوقات والامكنة والحدود والاوضاع وكذلك نسبة الخلق في الدنيا والآخرة ولا شك ان اهل الآخرة وان كانت هيئاتهم وصورهم مثل الدنيا واهلها ولكن اي نسبة بينهما في الجَوْدة وحسن التركيب وتناسب الحدود فلو ظهرت صورة احد من اهل الجنة لأهل الدنيا لماتوا كلهم من شدة حسنها وجمالها وان كان يقال كلاهما على الصورة الانسانية وهذا التفاوت انما هو من نفس الصورة لا من جهة المادة فاذن لك ان تقول ان الصورة الدنياوية هي ليست ذاتية للمكلف والا لما فنيت وما اضمحلت وما انكسرت وهي علة الموت والفناء لكونها صيغت على غير الاحكام لاقتضاء مصلحة في النظام فهي الاعراض والكثافات والغِشاوات التي يجب كشفها وازالتها واتيان تلك الصورة المحكمة المتقنة التي هي مثلها وعلى هيئتها وهو قوله تعالى اوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم والمراد بالمثل هو المثل في الهيئة لا المادة فانها تعود لا محالة اجماعا من المسلمين كاللبنة اذا كسرتها وصغتها وهذا مراد الشيخ جعلني الله فداه في كون الجسد الفاني هو الصورة وعرفت ان هذه الصورة هي علة الموت لعدم صوغها على كمال ما ينبغي لكونها من المعدات والاسباب لكمال حصول ما ينبغي كصورة النطفة والعلقة والمضغة بالنسبة الى الصورة الدنياوية فان المادة في المني والنطفة والعلقة والمضغة باقية وان فنيت الصورة وتغيرت لكونها لم تكن اصلية وكذلك حكم الصورة الدنياوية لأن الدنيا لما كانت فانية جعلت الصور المقترنة بالمواد غير ثابتة ولا تامة ولا كاملة وان كانت في صورة التمام والكمال فهي اذن اعراض لأنها ليست بذاتية والا لما تغيرت وما فنيت ضرورة ان ذاتي الشيء لا يتخلف وهي كثافة لأنها حاجبة ومانعة عن مشاهدة الاشياء كما هي في الاغلب ولذا قال عليه السلام كلما في الدنيا سماعها اعظم من عيانها وكلما في الآخرة عيانها اعظم من سماعها ولأنها محل الامراض والاعراض والاخلاط الفاسدة المورثة لانهدام البنية وغير ذلك من الامور في الجميع فعلى هذا لا منافاة بين قول شيخنا اطال الله بقاه من ان الجَسَدَ الذي لا يعود هو الصورة الدنياوية وبين قوله ادام الله حراسته ان علة الموت والزوال انما هي ممازجة تلك الاعراض لأن المراد بالاعراض هي الصورة وهي تمتزج مع المادة الجسمية الحقيقية وتقترن بها فيوجد الله المكلفين في هذه الدنيا واذا قلنا ان الشيء مركب من المادة والصورة فلا محيص عن القول بالامتزاج لأن اجزاء المركب اذا ما امتزج بعضها ببعض بحيث يصير بينهما اتحاد لم ينتج منها الامر الآخر الواحد وقبل الامتزاج لم يتحقق التركيب والمراد من المزج نسبة كل واحد منها الى الآخر نسبة يحصل منها الأمر الواحد الآخر ولا شك ان الصورة والمادة بينهما هذه النسبة حتى يتولد منهما الشيء الواحد المركب منهما وهذا هو المراد بالامتزاج فاذن علة الفناء هذه الصورة الدنياوية التي هي الاعراض والكثافات وقد امتزجت بالمادة وحصل منهما المكلف الدنياوي فتبطل هذه الصورة الغير المحكمة ويعود الجسم على احسن صورة واحكم صيغة واتقن بنية وان كانت تلك الصورة مثل الصورة الدنياوية لكنها اشرف واحسن منها في الطرفين في الحسن والقبح اما طرقت اسماعكم احاديث هيئات اهل الجنة والنار
وقوله سلمه الله تعالى يوهم التدليس والطفرة ما ادري ما اقول في جوابه الا اني اقول رحمك الله
وقوله لأن الصورة الثانية التي هي مثل الصورة الاولى غير مقتضية للفناء والزوال بلا اشكال اقول الصورة الثانية كذلك اما مماثلة الاولى للثانية فوجب ان تحمل المماثلة على العرفية اجماعا من المسلمين القائلين بالجنة والنار فان هيئات اهل الجنة وصورهم وشمايلهم وجَوْدة تركيبهم وحسنهم وجمالهم لا يقاس بالدنيا وهيئاتها والوانها وصورها واوضاعها وهذا معلوم بالضرورة من الدين وثابت من قول سيد المرسلين عليه وآله سلام الله ابد الآبدين اما سمعت قول النبي صلى الله عليه وآله ان الهرم والشايب لا يدخل الجنة والاعمى والاعرج لا يدخلان الجنة اتظن ان ابا بصير ليث المرادي البختري الذي هو ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه واقروا له بالفقه وهو من الاربعة ومن الاوتاد ومن السفن الجارية في اللجج الغامرة وهو كان اعمى اذا ادخله الله الجنة يدخله اعمى ولقمن الحكيم كان عبدا اسود ولا شك انه من اهل الجنة فاذا ادخل الجنة يدخلها وهو اسود اذن اين عموم افضلية الحسنين عليهما السلام من قول النبي صلى الله عليه وآله الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة فيتجه حينئذ قول العامة ان ابا بكر وعمر سيدا كهول اهل الجنة وفي دعاء النصف من شعبان رب لا تغير جسمي ولا تبدل اسمي ولا تشوه خلقي بالنار وغير ذلك من الادعية والاخبار المتواترة الحاصل وقوع التفاوت وحصوله بين الصورة الدنيوية والاخروية مما انعقدت عليه ضرورة اهل الاسلام بل جميع المليين القائلين بالمعاد فاذن وجب ان تحمل المماثلة بالعرفية فاذا كان كذلك فلا يقتضي عدم زوال الصورة الثانية الاخروية التي هي مثل الصورة الدنياوية عدم زوال الصورة الدنيوية لما ذكرنا لك ان هذه صيغت على خلاف الاحكام والاتقان لاقتضاء النظام مثل ان الكاتب يكتب قام زيد بخط ردي ثم يمحيه ويجمع مداده ويكتبه مرة اخرى على احسن الخطوط واجودها واشرفها ولا شك ان الثانية مثل الاولى بل هي الاولى لاتحاد المادة والصورة الا ان هذه الصورة وهيئة الكتابة احسن واعلى من الصورة الاولى فصحت المماثلة واتحد الحكم وصح الكمال والشرف وهذا هو المعروف من الدين والثابت من مذهب خاتم النبيين عليه وآله صلوات الله ابد الآبدين ومنكره منكر الضروري
وقوله فلا بد على هذا القول الاخير من كون الكثافات اجزاء مادية لاحقة للعنصر اللطيف اقول بل لا بد على هذا القول الاخير كون الكثافات اعراض الصور وعدم اعتدال الهيئات على المعنى الذي ذكرت لك وهذه الاعراض تعرض تلك العناصر الباقية الجوهرية وهي من عناصر هورقليا فعند الموت تبطل هذه الصورة وتصفى هذه الاعراض وتعود المادة الجسمانية على الهيئة التي في الدنيا بحيث اذا رأيتها تقول هي التي كانت في الدنيا لا غير مثل المريض الذي اذا طاب وحسنت صورته واعتدلت هيئة تركيبه مثلا فان الصحيح هو المريض بلا اشكال انما كررت العبارة ورددتها حتى لا يشتبه المراد كما اشتبه مراد شيخنا جعلني الله فداه ولو قلنا ايضا ان المراد من الاعراض اجزاء مادية فلا تنافي ايضا لأن الجسد مرة يطلق على الصورة خاصة ومرة يطلق على الاجزاء الخارجية التي ليست منه كالاخلاط الفاسدة المورثة للعمى والعرج والمرض والسقم وساير الكثافات التي يجب ازالتها بضرورة الاسلام ويأتي تمام الكلام انشاء الله
قال سلمه الله تعالى : وذلك يقتضي كون المعاد بأخذ اللطيف وطرح الكثيف كما يشهد عليه مثاله بالذهب المخلوط بالحديد لا بالتلطيف كما في تلطيف النحاس بالاكسير وذلك خلاف ظاهر قوله تعالى قل يحييها الذي انشأها اول مرة لرجوع الضمير الى العظام الرميم وعلى هذا المذهب لا بد من تقدير مضاف بأن يقدر قل يحيي لطيفها ونحو ذلك من الآيات والاخبار بل ذلك خلاف اعتقاد المؤمنين ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
اقول قوله وذلك يقتضي كون المعاد بأخذ اللطيف وطرح الكثيف غلط منه بل ما ذكره وما هو معتقده ومراده اطال الله بقاه يقتضي ان المعاد اخذ الشيء وطرح ما سواه اذ كل ما ليس له مدخلية في قوام الجسمية الحقيقية في بدن المكلف خارج مستعار عنده يجب استرداده منه وايصاله الى الاصل والاخلاط الفاسدة في المكلف المستلزمة لتشويه الصورة وضعف البنية وظهور العمي والعرج والشعر والاوساخ ليست من ذاتيات الجسم ولا من عرضياته فازالتها عنه واجبة على اليقين لأنها ليست منه فلو جعلها الله سبحانه معه لم يكن حكيما واما في هذه الدنيا فأعطاها اياه لمكان التكليف والامر والنهي والاختبار والامتحان وللزوال والفناء كما رواه المجلسي (ره) في بعض كتبه الظاهر حياتالقلوب ان آدم عليه السلام لما نزل الى الارض وتاب الله عليه وبعد ايام قعد يوما من نومه فرأى قد طلعت لحيته واخذ الشعر وجهه فحزن آدم عليه السلام لذلك حزنا شديدا لأنه ظن ان ذلك ايضا لذنب اقترفه ولخطيئة ارتكبها وبقي يستغفر ويناجي ربه الى ان اتاه النداء من الله سبحانه بأن اللحية ليست من جهة ذنب اقترفته وانما هي زينة وهيبة ووقار في الدنيا لك وللذكور من ذريتك ه فظهر لك ان هذه وامثالها اعراض لهذه الدنيا لم تتعلق بها حقيقة جسم الشخص المكلف المثاب المعاقب ثم انا نقول ان الخلق يعادون في الآخرة كهيئاتهم واحوالهم في الدنيا بحيث لا يحصل لهم تغيير ابدا ام يحصل لهم تغيير وتبديل واختلاف فان قلت بالاول كابرت الضرورة وزاحمت البديهة وخالفت ما عليه الملة الاسلامية والسنة النبوية والاخبار المتواترة المعصومية ويلزم بأن لا يكون فرق بين الدنيا والآخرة ويعود الاعمى يوم القيمة اعمى وان كان مؤمنا متقنا طيبا ويعود الابرص والاجذم والمريض كذلك ويعود ويدخل الجنة كذلك وكذلك الكافر الصحيح المزاج تام الخلقة يعود كذلك واذا كان الكافر له حسن صورة وجمال وطراوة تعود كذلك وهذا خلاف عدل الله ووضع الآخرة ودار الثواب والعقاب والله سبحانه ذكر في كتابه ان الكافر يحشره اعمى قال تعالى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى والاحاديث في تشويه خلقة الكافر يوم القيمة على انواع شتى لا تكاد تحصى وكذلك الادعية والاوراد والاجماع حاصل على ذلك وكذلك حسن صورة المؤمن وذهاب الاوساخ منه وتطهيره ولا شك ان الاخلاط الفاسدة تفني حتى يعود الاعمى بصيرا والاجذم صحيحا والاعرج سليما وقد اجمع الاطباء بل وكل العقلاء على ان المرض والعلة والسقم واعوجاج الخلقة والصورة وساير العوارض لا تكون الا لخلط فاسد لا تستقيم البنية ولا تصح الا بدفع ذلك الخلط ولذا تريهم يعالجون في دفعها بانواع الاستفراغات والتحليلات والروادع وغير ذلك من الامور وهذا لا ريب ولا شك فيه وهل تجد عاقلا اذا قيل له ان هذه الاخلاط الفاسدة والكثافات العارضة تفني ولا تعود وانما يعود الجسم الاصلي الخاص بالشخص لا الكثافات المانعة من البقاء والدوام يقول ان هذا القائل لا يقول بعود الجسم على ما هو عليه وانما يقول بأخذ اللطيف وطرح الكثيف وان اراد الكثيف بمعنى العارض الخارجي من باب الاوساخ كما في سواد حجر الاسود واللطيف هو الاصل الحقيقي فهو الحق الذي قامت عليه الادلة والضرورة واما اذا اراد بالكثيف ما هو جزء الشخص فان المكلف مركب في ذاته من اجزاء مختلفة باللطافة والكثافة فان القلب والرأس الطف الاجزاء في البدن لغلبة النارية والرجلين اكثفها لغلبة الترابية والصدر والبطن متوسطان فالصدر الطف من البطن لغلبة الهوائية فلا يقول بذلك احد من المسلمين ولا من المليين ليكون الشيء ناقصا في معاده بعدم اعادة اجزائه الاصلية وكذلك اذا اراد بالكثيف واللطيف ان يكون الله سبحانه يجعل الشخص الطف مما خلقه عليه في الجعل الحقيقي وهذا باطل ايضا لقوله تعالى كما بدءكم تعودون ولا يصح ان يكون في اول ما تعلق به الفعل لحدوثه كثيفا ثم تلطف حتى يلزم الطفرة ليكون ما هو اقرب الى الله والى فعله اكثف مما هو ابعد منه وقد برهن على بطلان الطفرة في محله لا كما يقوله الحكماء بل كما عليه ائمة الهدي سلام الله عليهم وليس الآن موضع ذكره وبيانه فثبت لك ان ما ذكره ونسبه الى شيخنا اطال الله بقاه وهم منه وكأنه اشتبه عليه من جهة مثاله كما يشهد عليه قوله كما يشهد عليه مثاله بالذهب المخلوط بالحديد ولم يلتفت الى ما هو المعروف المشهور الذي خرق الاسماع وملأ الاصقاع من ان المثال مقرب من وجه ومبعد من كل الوجوه وليس مراده جعلني الله فدائه ان المكلف حقيقته هي مجموع الذهب المخلوط اي الذهب بخلطه حتى اذا فني احد الاجزاء فني المجموع فلم يكن الشيء ذلك لانتفاء المركب بانتفاء احد اجزائه كما فهمه من مثاله بل المراد منه ان المكلف وحقيقته هو الذهب الخالص ولكنه في سيره ونزوله الى هذه الدنيا دار الغربة والمحنة توسخ واختلط بالاعراض الا ان هذا الوسخ على قسمين قسم يجري في كل اعماقه واجزائه فيفسدها وذلك كالذهب المغشوش بالحديد فلا يتصفى حتى يذاب الذهب او يبرد بالمبرد وقسم ما سرى الوسخ ولا جرى في كل اعماقه وانما هو على ظاهره وقشره فلا يحتاج الى الكسر بل يكفيه الغسل والمسح كالذهب المغبر بالغبار وكالحجر الاسود فانه درة صافية توسخ ظاهره لا باطنه فالاول مثال الغير المعصومين عليهم السلام في الاغلب فان الاعراض من جهة مناسبة كثافة معصيتهم قد سرت وجرت في كل اجزاء الجسم فوجب كسر ابدانهم وذوبها ليكون في التراب كالذهب المبرد في دكان الصايغ فاذا اراد الله حشر الخلايق اخرجها من التراب كما يخرج الصايغ الذهب من التراب او النحاس فأصل الشخص هو الذهب والحديد خارج عارض لا جزئه لا جزئي ولا صفة ذاتية له فهو حينئذ اخذ الشيء وطرح غيره وفي كلام مولينا الصادق عليه السلام اشعار الى ذلك حيث قال كما في الاحتجاج وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فاذا كان حين البعث مطرت الارض فتربو الارض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء والزبد من اللبن اذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينقل باذن الله تعالى الى حيث الروح فتعود الصور باذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا الحديث واما ابدان المعصومين عليهم السلام فمن جهة صفاء طويتهم وكينونتهم ما توسخت بواطنهم وانما عرضت ظواهرهم اعراض ليناسبوا بها الخلق في المآكل والمشارب والآلام والاسقام والامراض والقتل وكذلك في الصورة فان صورتهم الاصلية في الحسن والبهاء والنور والضياء بحيث لا طاقة للابصار النظر اليها والقلوب التحمل لها اذن لتصدعت وتقطعت وهلكت كما روي عن سيد الساجدين عليه السلام بأنا لو ظهرنا للخلق بالصورة التي خلقنا الله عليها ما رآنا احد الا وقد مات فلبسوا البشرية العرضية التي هي الاعراض من سنخ اعراض الرعية فاذا شاؤا خلعوها كما شاؤا بما شاؤا عند الموت او غيرها وذلك في القبر بعد ثلثة ايام او اربعين يوما على اختلاف الروايات على اختلاف المقامات
قوله لا بالتلطيف كما في تلطيف النحاس بالاكسير يدل على انه قائل بالتلطيف كما يلطف الاكسير النحاس وهذا يصح على ما نختاره لا على ما يختارون كما يعرفون فانا نقول ان النحاس اصله الذهب بل جميع الفلزات فانها تكونت من اصلين صحيحين وهما الكبريت والزيبق لكنها قد عاقتها عوائق عن الذهبية مثل غلبة البرودة واليبوسة في الالماس وغلبة الحرارة ورداءة جوهر الكبريت في الحديد وامثال ذلك لم تبلغ رتبة الذهبية فصارت اجناسا مختلفة وقد روي ان الحديد او النحاس اجذم والقلع ابرص فالاكسير يدفع تلك الاخلاط ويُذْهب تلك الاعراض ويجعله ذهبا كما هو الاصل وهذا هو الذي نقول فالاقرار بالتلطيف وانكار اخذ اللطيف وطرح الكثيف غريب جدا لأن التلطيف هو اخذ اللطيف وطرح الكثيف الا ان يراد من هذه العبارة المعنيان المتقدمان اللذان قد قلنا انهما باطلان واما اذا جعلت الحديد او النحاس حقايق مختلفة متعددة فاذا القيت الاكسير عليها فجعلتها ذهبا او فضة او اكسيرا ولو جعلت المعاد هكذا فانه كفر فان حقيقة الحديد عندهم غير حقيقة الفضة او الذهب او الاكسير فيكون المعاد غير الذي في الدنيا وهذا هو المعروف عندهم فقد كر بما قد فر منه
قوله وذلك خلاف ظاهر قوله تعالى قل يحييها الذي انشأها اول مرة اقول هو ظاهر قوله تعالى لأن الضمير يعود الى العظام الرميم لا الغرايب والاعراض التي لا يدخل معها في مفهومها كما اذا قلت رأيت زيدا لا تريد زيدا واوساخه وثيابه فان العظام واللحوم ترجع مصفاة مطهرة عن كل ما سواها من الدرن والاوساخ كما اذا تنجست يدك وغسلتها ولا يحتاج الى تقدير مضاف كما اذا قلت قطعت يد السارق اذا كانت قذرة هل تحتاج ان تقول ان هنا مضافا مقدرا اي قطع لطيف يد السارق ان هو الا جزاف في المقال اعاذنا الله واياكم من الاوهام والضلال
قوله بل ذلك خلاف اعتقاد المؤمنين اقول ان كان المشار اليه بذلك هو ابقاء الاجزاء الاصلية الحقيقية الجسمية ونفي الاجزاء الفضلية وحشر المكلف بالاجزاء الاصلية دون الفضلية العرضية التي هي بمنزلة الاوساخ والغرائب فذلك اعتقاد المؤمنين بل المسلمين وقد صرح العلماء بذلك ولم يحضرني الآن كتبهم لأنقل لك الا اني اذكر ما حضرني من الكتب في اقوالهم وقد ذكر المجلسي (ره) في كتابه الفارسي الذي رسمه للعوام المسمي بحق اليقين في بحث المعاد في شرح قوله تعالى قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم قال ما لفظه :
و بعضی از منكران معاد شبهه ذكر كردهاند اگر چه آخرش باز باستبعاد برمیگردد وآن بر دو وجه است
وساق الكلام الى ان قال رحمه الله :
و از این بعیدتر آنكه اگر آدمی آدمی دیگر را بخورد واجزای مأكول جزؤ بدن آكل بشود اگر در حشر برگردانند اگر آن اجزاء در بدن آكل داخل بشود بدن مأكول از چه چیز خلق خواهد شد واگر در بدن مأكول داخل شود آكل از چه چیز خلق خواهد شد پس حق تعالى برای ابطال این شبهه فرموده است وهو بكل خلق علیم ووجهش این است كه در آكل اجزای اصلیه هست كه از منی بهم رسیده واجزای فضلیه هست كه از غذا بهم میرسد ودر مأكول نیز هر دو قسم هست پس اگر انسانی انسانی را بخورد اجزای اصلیه مأكول اجزای فضلی آكل خواهد شد واجزای اصلی آكل آنهاست كه پیش از خوردن انسان جزو بدن او بوده است وحق تعالى بهمه چیز عالم است میداند كه اجزای اصلی وفضلی هر یك كدام است پس جمع میكند اجزای اصلی آكل را وروح در آن میدمد وجمع میكند اجزای اصلی مأكول را ونفخ روح در آن میكند انتهى
انظر كيف صرح بأن الاجزاء الاصلية للشيء تبقد والفضلية لا تعود معه سواء تفند بالمرة او تعود بأصلها ومقصودنا كل ما مع الشيء في الدنيا تعود الاصلية له في الآخرة لا الفرعية وهو بعينه (ظ) قول المجلسي (ره) فان كان هو ايضا خرج عن اعتقاد المؤمنين على زعمكم فلا بأس اذا صار لنا شريك فان البلية اذا عمت طابت وقال (ره) ايضا في الكتاب المذكور ما لفظه :
دویم آنكه در بدن اجزای اصلیه هست كه باقیست از اول عمر تا آخر عمر واجزای فضلیه میباشد كه زیاده وكم ومتغیر ومتبدل میشود وانسان كه مشار الیه بأنا وبمن آن اجزای اصلیه است ومدار حشر وثواب وعقاب بر آنست وبعضی از متكلمین امامیه باین قول قائل شدهاند وبر این قول بعضی اخبار دلالت میكند نه باین معنى كه روح آنست بلكه آنچه از بدن انسان در حال حیوة ودر قبر باقی میماند ودر قیامت میشود آن اجزاست انتهی كلامه رفع فی الخلد اعلامه
وقال ايضا في الموضع الآخر من ذلك الكتاب ما لفظه :
كه در اعاده اشخاص كه در شرع وارد شده است همین بس است كه از آن ماده بعینها یا از آن اجزاء بعینها مخلوق شود خصوصا وقتی كه شبیه باشد بآن شخص در صفات وعوارض بحیثیتی كه اگر او را ببینی بگوئی كه او فلان است زیرا كه مدرك لذات وآلام روح است اگر چه بتوسط آلات باشد ولهذا میگویند آدمی را از وقتیكه روح درو دمیده میشود تا هنگام پیری كه همان شخص است هر چند متبدل شود وصورت وهیئت واجزای او بتحلیل رود وبدل آنها بیاید كه اگر بسیاری از اعضای او را قطع كنند باز میگویند كه شرعا وعرفا همان شخص است واگر حدی یا قصاصی در جوانی از او صادر شود در پیری از او استیفاء میكنند واگر غلامی گناهی كرده است وآقا در پیری دست بر او بیابد واو را تأدیب كند نمیگویند بر او ستم كرده است واینها باعتبار بقای اجزای اصلیه است یا باعتبار اینست كه كار با روح است وهمینكه شخص بحسب عرف همان شخص است عقل تجویز تعذیب او میكند وظلم نمیشمارد وهمچنین بعد از موت زیرا كه روح بنا بر مشهور بعینه باقی است ونصوص دلالت نمیكند مگر بر آنكه شخص برمیگردد بنحوی كه حكم كنند بحسب عرف بر آنكه آن شخص است همچنانكه حكم كنند بر یك آب هر گاه در دو ظرف بریزند كه همان آب است كه در یك ظرف بود بحسب شرع وعرف هر چند قائل بهیولی باشند واطلاقات شرعی وعرفی ولغوی مبتنی بر امثال این دقایق حكمی وفلسفی نیست والا بایست بر قول بهیولی حكم كنند بطهارت آب نجسی كه یك قطره از آن بردارند ودر بعضی از آیات واخبار اشعاری بر این هست چنانچه حق تعالى میفرماید اولیس الذی خلق السموات والارض بقادر على ان یخلق مثلهم یعنی آیا نیست آن كسی كه آسمانها وزمین را خلق كرده قادر بر آنكه خلق كند مثل ایشان را وباز فرموده است از عذاب اهل جهنم كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غیرها لیذوقوا العذاب یعنی هر چند بریان شود پوستهای ایشان بدل میكنیم از برای ایشان پوستهای غیر آن از برای آنكه بچشند عذاب را ودر احادیث عامه وخاصه وارد شده است كه محشور میشوند متكبران مانند موران وعامه نقل كردهاند كه دندان كافر مانند كوه احد خواهد بود واهل بهشت بی موی بدن وسرمه كشیده وساده خواهند بود واز احادیث خاصه در احتجاج شیخ ابوطالب طبرسی ودر مجالس شیخ طوسی علیهما الرحمة روایت كردهاند كه ابن ابیالعوجای ملحد از حضرت صادق علیه السلام سؤال كرد از آیه بدلناهم جلودا غیرها وگفت گناه غیر چیست كه آنرا عذاب میكنند حضرت فرمود وای بر تو این همان پوست است وهم غیر آن است ابن ابیالعوجاء گفت مَثَل آنرا از امور دنیا بیان فرما فرمود مثل آن آنست كه خشتی را بشكنند وگل كنند وبار دیگر در همان قالب بریزند میتوان گفت همانست ومیتوان گفت كه غیر آن است گفت بلی خدا متمتع گرداند مردم را بوجود تو انتهی كلامه اعلى الله مقامه
انظر الى كلامه رحمه الله كيف شيد هذا القول وسدده وقال ان الاجزاء الفضلية لا تعود وانما العود هو الاجزاء الاصلية خاصة وان كان كلامه (ره) ليس بمنقه في هذا الباب لكن المقصود اعترافه بعود الاجزاء الاصلية دون الفضلية العارضية ولا اظنك تقول في المجلسي (ره) انه خالف المؤمنين فتفرع عليه تمام الآية وما اظنك تدعي انك اوسع احاطة واكثر تتبعا واعظم خبرا بالدين والمذهب حتى خفد عليه ما هو ضروري الدين او قريب منه المورث للريب باليقين
و جناب عالم محقق كامل خواجه نصیر الدین طوسی علیه الرحمة در تجرید العقاید در بحث معاد فرموده ولا یجب اعادة فواضل المكلف ومولانا اشرف بن عبدالحسیب الحسینی ذكر فی شرح هذه الفقرة الى ان قال وجماعتی از محققین گفتهاند كه مكلف اجزاء اصلیه است در بدن كه راه زیاده ونقصان در آن نیست ونقصان در اجزای مضاف بآن است الى ان قال میگوئیم كه واجب در معاد اعاده اجزاء اصلیه است نه هیكل متبدل در اكثر اوقات یا نفس مجرده است با اجزای اصلیه وشك نیست كه عود اجزای اصلیه بدون اعاده نفس وجهی ندارد ولیكن علامه چنین كه مذكور شد مردد میان اجزای اصلیه ونفس مجرد فرمود كه چون در تجرد نفس بعضی خلاف نمودهاند در این صورت نفوس داخل اجزای اصلیه خواهد بود اما اجسام متصله باین اجزاء پس اعاده آن بعینها لازم نیست وغرض مصنف ازین كلام جواب از اعتراض فلاسفه است بر معاد جسمانی وساق الكلام فی ذكر اعتراضهم الى ان قال وتقریر جواب در هر دو واحد است وآن این است كه از برای هر مكلفی اجزای اصلیه هست كه ممكن نیست كه جزء غیر او تواند شد واگر كسی آن را غذا نماید جدا از اجزاء اصلی او میگردد ودر وقت عود اجزای اصلیه از برای هر كس كه اجزای اصلیه او اولا بوده همان خواهد بود واین اجزاء باقی است از اول عمر تا آخر عمر انتهی
وذكر القوشجي في شرحها الى ان قال : وقوله ولا تجب اعادة فواضل المكلف اشارة الى جواب شبهة يقررها وساق الكلام الى ان قال : وتقريب الجواب ان المعاد انما هو للاجزاء الاصلية وهي الباقية من اول العمر الى آخره لا جميع الاجزاء على الاطلاق وهذا الجزء فضل في الانسان الآكل فلا يجب اعادته فيه وهذا معنى قول المصنف ولا يجب اعادة فواضل المكلف ثم ان كان من الاجزاء الاصلية للمأكول اعيد فيه والا فلا انتهد
وذكر السيد السند الاواه السيد عبد الله في مصابيح الانوار في بيان موثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الميت هل يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم الا طينته التي خلق منها فانها لا تبلى بل تبقد مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة وساق الكلام في تفسيرها ولا نطول الكلام بذكره الى ان قال وهذا يؤيد ما ذكره المتكلمون من ان تشخص الانسان انما هو بالاجزاء الاصلية ولا مدخل لساير الاجزاء والعوارض فيه ثم ذكر الخلاف في ان المعاد هل هو باعادة المعدوم او بجمع الاجزاء بعد تفرقها وذكر ادلة القول الاول وضعفها ثم ذكر ادلة القول الثاني من الآيات والروايات الى ان قال ثم ان قلنا بعدم امتناع اعادة المعدوم لعدم قيام دليل على امتناعه فالامر واضح وان قلنا بامتناعه فيمكن ان يقال يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادة بعينها او من تلك الاجزاء بعينها لا سيما اذا كان شبيها بذلك الشخص في الصفات والعوارض بحيث لو رأيته لقلت انه فلان اذ مدار اللذات والآلام على الروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه ولا تدل النصوص الا على اعادة ذلك الشخص بمعنى انه يحكم عليه عرفا بكونه هو كما يحكم على الماء الواحد اذا فرغ في انائين انه هو الذي كان في واحد عرفا وشرعا والاطلاقات اللغوية والشرعية والعرفية لا تبتني على الدقايق الحكمية والفلسفية والآيات والاخبار تشير الى ذلك كقوله تعالى على ان يخلق مثلهم وقوله تعالى بدلناهم جلودا غيرها وما ورد من كون اهل الجنة جُرداً مرداً وكون ضرس الكافر مثل جبل احد وانه يحشر المتكبرون كأمثال الذر ولا يقال انه يلزم من ذلك كون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة وارتكب المعصية لأنا نقول العبرة في ذلك بالادراك وانما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه وكذا الاجزاء الاصلية من البدن ولذا يقال للشخص من الصبا الى الشيخوخة انه هو بعينه وان تبدلت الصور والهيئات بل كثير من الاعضاء والآلات ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب انها عقوبة لغير الجاني انتهى
وقد ذكر بعض العلماء تحت هذه الكلمات هذا كلام متين وجوهر ثمين حقيق بأن يكتب على جبهة الحور العين اقول وهذا الكلام هو معنى ما ذكرته نقلا عن العلامة المجلسي (ره) وذكر الرازي ايضا في المحصل وشارحه في المفصل نحوا من هذا الكلام الحاصل ما وقفنا ولا اطلعنا على احد تكلم في المعاد وذكر شبهة الآكل والمأكول الا قال وصرح بعود الاجزاء الاصلية وعدم عود الاجزاء الفضلية سواء قالوا باعادة المعدوم او بجمع الاجزاء بعد تفرقها
فان علماء الاسلام قد اختلفوا فيه على اقوال ثلثة :
والكل بأجمعهم قد اتفقوا على عود الاجزاء الاصلية لا الفضلية ثم انهم ذكروا ذلك من غير توقف وذكر شبهة ونقل قول لأحد بخلافه او ذكر اعتراض او قول بتوهم ان هذا ليس من المعاد الثابت بالشرع مع شدة تبحرهم وتتبعهم وفحصهم واطلاعهم على المذاهب والاقوال حتى ذكروا بعض الاوهام السخيفة وتصدوا لجوابها واهملوا ذكر مخالف لهذا القول فظهر منه ان ذلك من ضروريات مذهب اهل الاسلام ومما لا يخالفون عليه ولا تدفع شبهة الآكل والمأكول الا بهذا القول وهي اعظم ما تمسكوا به نفاة الحشر الجسماني مع تواتر الاخبار والآثار وتكثر الآيات في اهل الجنة والنار وانهم يحشرون على صور مختلفة واحوال متشتتة وتصفية بالغة بلا مرض ولا هرم ولا سقم ولا غل ولا غش ولا غطاء ولا حجاب ولا قساوة ولا فساد ولا سواد ولا غير ذلك مما كان في الدنيا ومع هذا فالقول بأن عود الاجزاء الاصلية وذهاب الاوساخ والفضلات مخالف لاعتقاد المؤمنين ينبئ عن كمال قلة الاطلاع والتتبع والتفحص او انه يخرج من ذكرنا من العلماء من المجلسي (ره) والمحقق الطوسي والعلامة والسيد اشرف وغيرهم من المؤمنين فاذن انقطع الجواب اذ حيث ان الشيخ جعلني الله فداه عبر عن الاجزاء الاصلية بالجسد الثاني والاجزاء الفضلية بالجسد الاول وعبر عن بقاء الاول وفناء الثاني بالتصفية او انه اطلق الجسد ايضا على محض الصورة او انه قال ان الجسد العنصري يذهب والجسد الهورقليوي يبقى خرج عن معتقد المؤمنين حيث عبر بهذه العبارات لا بعبارات القوم مع ان التصفية ايضا من عبارات القوم مع انهم اجمعوا على ان لا مشاحة في الاصطلاح ويجوز لكل احد ان يصطلح لنفسه ما شاء كما شاء الا في الاسماء الحسنى فانهم قد اختلفوا ايضا فيها ورأيت في بعض كتب الاصول من الامامية القول بجواز الاصطلاح فيها لضعف ادلة العدم وانما اصطلح على ما اصطلح لوجوه دقيقة ومناسبات خفية لا يهتدي اليها الا المؤمنون الممتحنون ولسنا الآن بصدد بيانها وتحقيقها فان كان اعتراضه على الاصطلاح فقد عرفت ما اتفقت عليه كلمتهم بأن لا مشاحة فيه خصوصا فيما لا يتعلق بالله تعالى وصفاته واسمائه ليوهم النقص وان كان على مراده فقد عرفت ان مراده ما اتفق عليه علمائنا رضوان الله عليهم وغيرهم من علماء الاسلام وانكاره سلمه الله تعالى لما ذكره مولانا ادام الله حراسته خلاف لاعتقاد المؤمنين فنوله ما تولي ونقول قال الله تعالى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية
قال سلمه الله تعالى : واما ثالثا فلأن قوله بقاء الغريب يقتضي الزوال وعدم البقاء في الجنة منقوض ببقاء عيسى وخضر والياس وصاحب الزمان وامثالهم وكأنه غفل عن قدرة الله سبحانه وجعلها اقل من الاكسير الموجب لانقلاب الصفر ذهبا قابلا للبقاء من غير طرح واعدام تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
اقول اما نقضه فليس في محله لأنه لو ادعى احد وثبت بقاء عيسى وغيره ممن ذكرهم عليهم السلام الى الابد ويوم القيمة لكان له وجه ولكنه لا ادعى ذلك في حقهم احد من الخلق فاذن فالذي يقول ان الغريب والوسخ يقتضي العدم والفناء يقول ان موتهم عليهم السلام في وقت موتهم لعلة تلك الاوساخ الا ان الدوام وعدمه يختلف بحسب قلة الخلط والغرائب وكثرتها وعدم المانع ووجوده فان بعض الناس اصل الاوساخ والغرايب فيهم ضعيفة جداً كالمعصومين عليهم السلام فحينئذ يقتضي ان يدوموا ويبقوا في هذه الدنيا اكثر وازيد من غيرهم لوجود المقتضي للدوام الا ان في بعض المواد والمواضع يحصل مانع للبقاء على مقتضي الفطرة والبنية فيميتهم الله تعالى لأجل تلك المصلحة والحكمة ثم يحييهم في الرجعة ليستوفوا حظهم ولينالوا نصيبهم من الكتاب كما في محمد واهل بيته الطاهرين صلى الله عليه وعليهم اجمعين والانبياء والمرسلين وكذلك المؤمنون الممتحنون بتبعيتهم قد قلت اعراضهم وغرائبهم وبعض الناس فيهم الغرائب والاوساخ كثيرة فمقتضى الزوال والعدم موجود الا ان المانع ليس بمفقود مثل ابليس لعنه الله فان الله تعالى انظره حيث دعاه جزاء لعبادته الدنياوية لأنه تعالى لا يضيع عمل عامل اما في الدنيا او الآخرة ولمصالح وحكم اخرى فصار اجتماع تلك الامور مقوية لبنيتهم وحافظة لرتبتهم وفطرتهم الى ان يرتفع المانع وينال نصيبه من الكتاب ويجيئه الوقت المعلوم فيقتضي المقتضى اقتضاءه باذن الله سبحانه واما الكفار الذين يرجعون في الرجعة فتتصفى طينتهم عن الغرائب بعد الموت تحت التراب فترجع وتستحق للبقاء ولكن الاجزاء الاصلية لما لم تعتزل عن الفضلة بالكلية ويوجد عندهم الغريب ايضا يموتون بين النفختين وهذا الحكم في الجميع لعدم خلوص الاعراض والغرائب خلوصا تاما واما صاحب الزمان عجل الله فرجه وروحي فدائه وعليه السلام وكذلك عيسى وغيره عليهم السلام لما كانت الموانع فيهم مرتفعة كما لم ترتفع في آبائه عليهم السلام وساير الانبياء بقوا على اصل مقتضى طينتهم حتى يأتي حكم تلك الاعراض فيقبضهم الله تعالى وهذا اجمال القول في المجادلة بالتي هي احسن واما تفصيل المقال فوجب السكوت عنه لما اجد في قلوب الناس من وسواس الخناس وبالجملة لو سلم ان الاعراض والغرائب علة الموت فنقضه ليس في محله لأن كل نفس ذائقة الموت لا احد يسلم منه وذلك لذلك الخلط واللطخ ولا يسعه عدم التسليم لما ذكرنا سابقا وللزوم العبث والدعوى في هذا سهلة لأن عروض العوارض للمكلف مقطوع به وزوالها عنه في المعاد كذلك فالموت على اي وجه اردت ان تحمل فاحمل ومرادنا ابطال النقض لا استخراج الكنز
وقوله وكأنه غفل عن قدرة الله سبحانه ما ادري ما اراد بمتعلق القدرة هل اماتة الله سبحانه الخلق لا للتصفية عن الغرائب والاوساخ ويميتهم لا لأجلها او اعادة الله سبحانه الخلق بالغرائب والاوساخ وابقائهم واحيائهم مدى الدهر وطول العصر وعلى كل حال شيخنا جعلني الله فداه ما غفل عن قدرة الله سبحانه ولكنه نظر الى ما خفى على المعترض وهو المعروف الشائع الذائع بين اهل الخبرة والبصيرة بل عند الناس كلهم من اجراء الله سبحانه فعله على الاسباب وانحاء الاقتضاءات والله سبحانه نبه على ذلك بقوله الحق ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم الم ينظر الى خلق الله سبحانه الولد بالوالدين مع انه قادر ان يخلقه بدونهما الم ينظر الى الحنطة والروز والشعير وساير الحبوب اوجدها الله بالزارع والارض والماء والسقى وحرارة الشمس واشعة الكواكب مع انه قادر على ايجادها بدونها الم ينظر الى الشرايع والاديان اوصلها الله الى الخلق بواسطة الانبياء مع انه قادر على ايصالها اليهم بلا واسطتهم وهكذا لا تنظر الى شيء من الاشياء الا وتجد الله سبحانه قد اجراه بالاسباب ولكنه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب وشرح هذه الكلمة له محل آخر فنحن لا ننكر قدرة الله سبحانه وهو اطال الله بقاه ماغفل ولا يغفل عنها لكن الاسباب مما لا بد منها ( منه خل ) لاختلاف آثار قدرة الله سبحانه بناء على ان العبث والترجيح من غير مرجح محال عليه تعالى فهنا مقامان احدهما هل الاعدام والافناء والاماتة بمحض قدرة الله سبحانه لا غير وقد عرفت بطلان هذا المقال بالضرورة وثانيهما انحصار علة الموت في الاعراض والغرايب لا سبب آخر وكلامه ينبئ عن الاول حيث ذكر محض قدرة الله سبحانه لا غير واما الثاني فلأن في الموت لا بد من تفكيك الاجزاء وتفريقها سواء قلنا باعدامها على القول باعادة المعدوم او محض التفريق والتفكيك كما هو مذهب جمع كثير من المحققين وقد توقف العلامة المجلسي (ره) فيهما وقال انه اسلم وبالجملة فالتفكيك في اول الامر لا بد منه وقد قال امير المؤمنين عليه السلام في الحديث المشهور في النفس والروح الى ان قال وسبب فراقها اي النفس الحيوانية تخلل الآلات الجسمانية وفي النفس النباتية وسبب فراقها اختلاف المتولدات وقد ذكر الصدوق في اكثر كتبه سيما العلل ان المرض والموت يطرءان بعلة هيجان احدى الاخلاط وغلبة احدى الطبايع لا انها هي المؤثرات كما تقوله الدهرية واهل الطبيعة بل ان الله سبحانه جعل هذه الاعراض والاختلالات سببا لموته ومرضه وعن الصادق عليه السلام كما في البحار ما معناه ان علة الموت الاخلاط الاربعة فاذا كان يوم القيمة نزعن هذه الاخلاط فيذبح الموت ه والادلة العقلية تساعد ما ذكرنا
فقوله سلمه الله وكأنه غفل عن قدرة الله سبحانه جوابه ان قدرة الله سبحانه انما تتعلق به بتلك الاسباب كما تتعلق بقطع اليد عند وضع السيف والسكين عليها وبوجود الحيوان في الدنيا بالمآكل والمشارب هل رأيت احدا اذا قال ان زيدا يعيش اذا اكل او شرب والا مات جوعا في الاغلب يقال له ان هذا منكر لقدرة الله سبحانه او غافل عنها اليس الله سبحانه جعل تلك المآكل والمشارب سببا لحيوته وسقمه وموته في اغلب الحالات الا اذا كان هناك سببا اقوى او مانع اشد فرجع الامر ايضا الى الاسباب وهذا واضح انشاء الله تعالى عند من له قلب او القى السمع وهو شهيد
وقوله وجعلها اقل من الاكسير الخ اقول لو عرف الاكسير وصوغه وكم فيه من انواع التعفينات والتقطيرات والتحليلات وذهاب الاوساخ والاعراض والغرايب بل الجسد الاول والثاني والجسد الجديد والتصفية والتطهير انما استفيد من ذلك العلم فلو عرفه لم يشك في حقية ما قال والاكسير اذا بلغ في التصفية حد الكمال بقي يصفي غيره ويدفع الامراض والاعراض عنه باصلاح الخلط الفاسد وكسر المعاند فاذا القى على الصفر يطهره ويزيل اوساخه ولا يطرح من اصل ذاته شيئا لما ذكرنا من ان الاوساخ لا ربط لها بحقيقة الذات فاذا قلت نحن مكلفون بالظاهر فلا نرى يخرج شيء من الصفر مثلا اذا القى عليه الاكسير قلنا انت ما رأيت الاكسير ولا رأيت القاء الاكسير على الفلزات والا فلا شك عند الالقاء بعد الذوبان تخرج منها ابخرة وادخنة محسوسة في اغلب الاوقات الا اذا كان من باب عقد الزيبق او غيره فانه يتصفى بالتدريج شيئا فشيئا وبالجملة فالمرجع والمعول في ذلك الى اهل الفن واهل العلم
وقوله الاكسير الموجب لانقلاب الصفر ذهبا ان اراد بالانقلاب التصفية والتطهير كما ورد في الاخبار ان الحديد او النحاس اجذم صح القول بالمعاد الجسماني والا لو جعل النحاس حقيقة والذهب حقيقة اخرى ثم انقلب هذا الى ذلك فليس هذا هو المعاد المجمع على اثباته من الشرع كما اذا انقلب زيد على عمرو فان زيدا ماعاد ولا عمرو ايضا وهذا هو المعروف عندهم لا ما ذكرنا ولذا قيل ان ابنسينا انكر الاكسير فرارا عن انقلاب الحقيقة المجمع على بطلانه قوله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا اقول وانا اقول تعالى الله عما يقولون وعما ينسبون اليه تعالى من خلاف الحكمة علوا كبيرا لولا اجتماع القدرة مع الحكمة وهي جعل الاسباب ماتعلقت ولذا ترى الله سبحانه قادر على ان يظلم لكنه لا يظلم ابدا وقادر على ان يجبر الخلق على الطاعة لكنه لا يفعل وقادر ان يجعل الخلق كلهم اناسي حسان الصور وذوي الشمايل اللطيفة والادراكات الحسنة العالية لكنه لا يفعل لا كلما يقدر عليه سبحانه يفعله الا اذا اقترنت القدرة بالحكمة فهنالك وجب سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وصلى الله على محمد وآله كثيرا
قال سلمه الله تعالى : وبالجملة فلو لم نقل بأن ما ذكره خارج عن اعتقاد المسلمين فلا اقل من كونه مما فيه ريب باليقين فيتوجه قوله عليه السلام دع ما يريبك الى ما لا يريبك فميل ارباب العقول اليه غير معقول لأن الميل الى ما فيه الارتياب لشيء عجاب
اقول ما ذكره شيخنا اطال الله بقائه وجعلني فدائه هو الذي ذهب اليه علماء المسلمين من الخاصة والعامة كما نقلت لك قول المجلسي (ره) والمحقق الطوسي والسيد اشرف شارح التجريد والسيد عبد الله (ره) والقوشجي والرازي وشارح المحصل صاحب المفصل وغيرهم من العلماء بل على هذا انعقدت آراؤهم واتفقت كلماتهم واجمعوا على ذلك في جواب شبهة الآكل والمأكول وقد صرحوا هناك ان المعاد هو الاجزاء الاصلية لا الفضلية وان كل احد لا يخلو منهما ودلت عليه الاحاديث المتواترة في وصف اهل المحشر واهل الجنة والنار بل عليه استقرت الملة الاسلامية والمعترض ايضا اقر على ان التصفية تحصل كتصفية الاكسير للنحاس والحديد الا انه على ما قال فيه كمال الاشكال واي مخالفة وقعت واي شبهة حصلت حتى يقال على سبيل التفضل والمسامحة بأنا لو لم نقل الخ واذا كان يحصل الريب في المتفق عليه ووجب التوقف والاهمال ففي اي شيء اذن لا يحصل الريب فاذا جعلنا القاعدة ان كلما لا يفهم وجب الكف عنه لأنه محل الريب ينسد اذن باب التعليم والتعلم اذ لا شك بأن الجاهل في كل فن وكل علم قبل ان يتقنه ويحفظه ويتعلم من اهله اذا نظر اليه يرتاب لأنه لا يدري على اي معنى يحمل مراد القائل واي شيء اراد والله سبحانه يقول فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وقال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وقال تعالى واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم اما تجوزون ان هنا علما لا تعلمونه والله تعالى يقول وفوق كل ذي علم عليم وقال تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا اما كفاكم حكاية خضر مع موسى عليهما السلام ويقول عليه السلام ادرؤا الحدود بالشبهات ويقول عليه السلام كذب سمعك وبصرك مع من تجد اليه سبيلا فأنت مع هذا يجب عليك ان تبالغ وتبذل جَهْدك في تحقيق مراده بالسماع والسؤال عنه ما استطعت فان القائل اعلم بمراده والمشافهة تطرد العصافير وترفع الاحتمالات وقد اجمع العلماء على ان بمحض كتابة الكفر لا يكفر الكاتب حتى يقولها بلسانه او علم ذلك من اعتقاده على خلاف الا مع التفوه والله سبحانه يقول ولا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمنا فاذا بالغت في الفحص والتتبع وتفحصت مظان اصابة مراد القائل اما من نفسه او من تلامذته الموثوق بهم في الرواية عنه وثبت لك مخالفته لاجماع المسلمين او بقيت لك شبهة فهنالك اذا اردت ان تحكم بالريب او بالكفر فشأنك والا فاياك ثم اياك لا تورط نفسك المهالك ولا تذهبن بك المذاهب انظر الى قوله تعالى الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية وقوله تعالى ان الذين يرمون المحصنات الغافلات الآية والقول بلا فحص يدخل في ذلك ثم اني اخبرك واقول بما اقوله واملي على الملكين في القبر وعلى رومان فتان القبور وعند الصراط والميزان للحساب بأن شيخنا جعلني الله فدائه جَعل ميزان الحق والباطل في الباطن والظاهر مطابقة الاعتقاد مع ما ثبت وتحقق من مذهب الفرقة الناجية المحقة لأن ما اتفقت عليه كلمة اهل هذا المذهب حق لا شك فيه ولا ريب يعتريه لأن امامهم قد اقرهم على ذلك وحاشا ان يغشهم ويجعلهم على خلاف الحق وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة فاذن كل قول ومذهب واعتقاد ينافيه المذهب الظاهر المعروف بين الشيعة فهو باطل البتة لقول الصادق عليه السلام ان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم ايمانهم شيئا وان قوما آمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ايمان ظاهر الا بباطن ه وبالجملة فالمعيار والميزان عنده ظاهر الشرع فلا يخالف كلامه ظاهر ما عليه الفرقة الناجية ابدا فانت اذا اطلعت على كلامه فان عرفت المطابقة والموافقة لظاهر الشرع فهو المطلوب والا فذره في سنبله ورده الى اهله واسئل المطلع على معتقده بسره فانه يبين لك الحق الصراح هذا هو المدعي يقول الشاعر :
كل من يدعي بما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان
واعلم ان الكتاب والكلام مبنيان على اصطلاحات واستعمالات ويحتمل احتمالات كثيرة فالذي ليس بمطلع على سياق الكلام وانحاء الاصطلاحات فلا ينبغي له الخوض فيه والجرح والتعديل ولذا يتفق الخلط والاشتباه كما اتفق في هذه المسئلة ولااظن فيك انك كابرت او عرفت الحق وانكرت حاشا وكلا ان تكون كذلك لكن عدم الانس باللسان وعدم التتبع التام في اطوار الكلام يوصل الى هذا المقام وهذا ليس بنقص اذ ربما نظرت وتأملت فصرت احسن الناظرين كما انه ليس بنقص العالم ان لم يعرف الصياغة والنجارة والكلام في هذا المقام كثير لكني اقتصرت على هذا المقدار اذ يدرك الذكي بنظر واحد ما لا يدركه البليد بألف شاهد وكلمة واحدة تكفي للمنصف والمعاند لا تكفيه جميع الكتب والالواح ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين
الى هنا انتهى الكلام المتعلق بمسئلة المعاد
ثم انه سلمه الله تعالى نظر الى كتابة شيخنا ومولانا في مسئلة العلم في رسالة حيوة النفس وظن انه اطال الله بقاه انما تكلم على خلاف الواقع ومنشأ الظن قد ذكرنا لك سابقا وآنفا من قلة التدبر والتأمل والتتبع في كلماته وعدم الانس باصطلاحاته وبياناته فان الله سبحانه قال لكم في رسول الله اسوة حسنة فكما ان في كلام رسول الله واهل بيته صلى الله عليه وآله تبعا لكلام الله محكما ومتشابها وظاهرا وباطنا وظاهرا ومأولا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا وحقيقة ومجازا ونقلا وارتجالا ومضمرا ومصرحا وتقديما وتأخيرا ومجملا ومبينا ومفهوما ومنطوقا ودليل الاشارة ودليل الاقتضاء ودليل التنبيه وفَحْوى الخطاب ولحن الخطاب وخطاب اياك اعني واسمعي يا جارة وانحاء الكنايات والاستعارات والتشبيهات والامثال وغيرها من الامور فليست احاديثهم لذلك مشرعة لكل خائض ومنهلا لكل وارد بل لا بد ان يكون لها اهلٌ يعرف مواقع الخطاب ولحن المقال كما قالوا عليهم السلام انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن ه رواه الصدوق (ره) في معاني الاخبار فكذلك علماء الشيعة رضوان الله عليهم تأسيا بائمتهم عليهم السلام يوجد في كلماتهم هذه الاشياء والامور ولذا قالوا خذ العلم من افواه الرجال ولو كان محض الكتاب يكفي لكان كل من عنده كتب كثيرة هو اعلم الخلق وليس كذلك وهذا معروف وكذلك ما يقول ويكتب شيخنا اطال الله بقاه اغلبها بل جلها بل كلها من دليل الحكمة ودليل الموعظة الحسنة والناس معتادون بدليل المجادلة بالتي هي احسن فيتغير اللسان فيختفي المراد لأجل ذلك وان كان المراد في الكل واحدا كنزاع العربي والتركي والفارسي والرومي في المعبر عنه بالعنب وتغيير اللسان في هذه العلوم ليس لأجل تفنن العبارة بل لامور خفية واسرار دقيقة لسنا الآن بصدد بيانها
وبالجملة فهو سلمه الله تعالى نقل كلام شيخنا في العلم عن حيوة النفس من ان العلم علمان علم قديم وهو ذاته وعلم حادث وهو الواح المخلوقات كالقلم واللوح وانفس الخلايق ثم فصل العلمين بما لمنتعرض لذكره لأن المقصود بيان المقصود والمراد ودفع الايراد لا تحقيق حقيقة المسئلة كما ينبغي واستنكف من القول بالعلم الحادث واعترض بما سنذكره عنه انشاء الله وها انا اشير اولا الى اصل الداعي لهذا القول اي العلم الحادث ثم نتعرض لجواب ما ذكر انشاء الله تعالى
اعلم انه قد انعقد اجماع المسلمين بأنه تعالى عالم لا يجهل ولا يتغير له حال ولا يوصف بنقصان ولا زوال وكل من يقول انه تعالى لم يعلم ثم علم فصارت له حالتان او اعتراه جهل ثم علم فانه خارج عن ربقة الاسلام ومنكر لشريعة سيد الانام عليه وآله افضل الصلوة والسلام كيف يتصور رب جاهل او رب لا يدري ما يصنع بعد اذن هو انقص من خلقه فان المنجم والكاهن والرمال والجفار ربما يخبرون عن الوقايع الآتية الحادثة ولا يدري بذلك رب العالمين خالق السموات والارضين وبالجملة علم الله سبحانه من ضروريات الاسلام ومنكره كافر وقد ثبت بضرورة مذهب الشيعة ان علمه تعالى هو عين ذاته سبحانه بلا فرض المغايرة بوجه من الوجوه فالعلم والعالم والذات على معنى واحد بلا مغايرة فاذا كان العلم هو الذات البحت تبارك وتعالى كما ان ذاته تعالى مجهولة الكنه فمن ادعى معرفة كنه الذات وكيفيتها فهو كافر على اليقين لأنه خالف اجماع المسلمين وكذلك من ادعى معرفة العلم الذي هو الذات بأنه اي شيء هل هو حصولي او حضوري او اضافة او غير ذلك لأن ذات الله سبحانه منزهة عن كل ذلك لكون هذه الاشياء من صفات المخلوقين فلا يجوز وصف الذات بها على اليقين فنحن نقطع ونعلم ونجزم ان الله سبحانه عالم بالاشياء والحوادث قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها على حالة واحدة لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء واما انه تعالى كيف علمها واحاط بها فلانُدرك ذلك بل كل الخلق عاجزون عن ادراكه لأن ذات الله تعالى لا يدرك ولا يكيف حتى يقال كيف العلم الذاتي بالاشياء اذ لا يصح ان يقال عنده صور المعلومات كما عندنا قبل ان نفعل ولا ان يقال ان حقايق الاشياء وماهياتها مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة فيعلمها بما عنده من تلك الحقايق ولا ان الاشياء لازمة للذات فالعلم باللازم يستدعي العلم بالملزوم ( فالعلم بالملزوم يستدعي العلم باللازم خل ) وامثالها من الكلمات الباطلة التي قد دلت الضرورة والادلة القطعية من العقلية والنقلية على خلافها فما بقى الا الاعتراف بالجهل والعجز عن ادراك كيفية العلم الذاتي كما قال النبي صلى الله عليه وآله ما عرفناك حق معرفتك وفي دعاء علي بن الحسين عليهما السلام ولم تجعل للخلق طريقا الى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك وقد ثبت ان العلم الذاتي هو ذاته فالكلام فيه هو الكلام في الذات فوجب الكف عنه اذا بلغ الكلام الى الله فأمسكوا فان الى ربكم المنتهى وهذا هو المعلوم والمعروف في الشريعة وعند كافة الخلق الا على القول بوحدة الوجود وبالاتحاد والحلول واما على ما اتفقت عليه كلمة الاسلام فلا يجوز التكلم في العلم الذاتي كما لا يجوز في ذات الله سبحانه ثم انا لما تتبعنا الآيات وتفحصنا في الروايات عن سادة البريات عليهم من الله اشرف التحيات وافضل التسليمات وجدنا انه اطلق العلم على ما ليس ذاته تعالى كما في دعاء السحر لشهر رمضان اللهم اني اسئلك من علمك بانفذه وكل علمك نافذ ولا يصح ان يجعل هذا العلم الذي يقال بالتشكيك هو ذاته تعالى اذ ليس يختلف ذاته بالنافذية والانفذية لتكون له حالتان مع الكل الذي هو للعموم الاستغراقي الشامل للافراد ولا يصح ان يحمل على المعلوم بالضرورة ولا يصح ان يقال هو العلم الذاتي باعتبار المتعلق فان ذات الله سبحانه لا تتعدد ولا تتغير بكل اعتبار وكذلك الحديث الذي رواه جابر عن الباقر عليه السلام الى ان قال عليه السلام ونحن حكمه ونحن حقه ونحن امره ونحن عينه ونحن علمه الحديث ولا يصح ان يقال يراد بالعلم المعلوم اذ لا تثبت بذلك فضيلة لهم عليهم السلام لأن كل احد معلوم له تعالى وعلى اي حال اطلق العلم على غيره تعالى وكذا ما في الزيارة اصطفاكم لعلمه ولا يصح ان يكون العلم هو الذات لأنهم عليهم السلام ما نالوها وكذا ما روي فيهم انهم عليهم السلام عيبة علمه وخزان علمه لضرورة انهم ماحملوا الذات قطعا ولا شك ان تلك الاشياء التي قد سميت بالعلم ليس هي ذاته تعالى وكذا مثل حديث ان لله علمين علم علمه ملئكته وعلم استأثره في علم الغيب عنده وفي البحار عن بصائر الدرجات بالاسناد عن ابي جعفر عليه السلام ان لله علما عاما وعلما خاصا فأما الخاص فهو الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل واما علم العام الذي اطلعت عليه الملئكة المقربون والانبياء المرسلون فقد وقع ذلك كله الينا الحديث وفيه عنه بالاسناد عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان لله تعالى علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء وعلم علمه ملئكته وانبيائه ورسله ونحن نعلمه وفيه بالاسناد عن ابي عبد الله عليه السلام الى ان قال عليه السلام ان لله علمين علم عنده لم يطلع عليه احدا من خلقه وعلم نبذه الى ملئكته ورسله فما نبذه الى ملئكته ورسله فقد انتهى الينا وفيه عنه عن ابي جعفر عليه السلام قال ان لله علما لا يعلمه غيره وعلما قد اعلمه ملئكته وانبيائه ورسله فنحن نعلمه ثم اشار بيده الى صدره وفيه عنه ايضا ان لله علما لا يعلمه الا هو وعلما يعلمه الملئكة الحديث وفيه عنه بالاسناد عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان لله علما لا يعلمه الا هو وعلم يعلمه ملئكته وانبيائه ورسله فما علمه ملئكته ورسله فنحن نعلمه وفيه عنه ايضا بالاسناد عن ابي عبد الله عليه السلام ان لله علمين علم لا يعلمه الا هو وعلم علمه ملئكته ورسله فما علمه ملئكته ورسله فنحن نعلمه وفيه عنه ايضا عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان لله علمين علم علمه ملئكته ورسله وعلم عنده لا يعلمه الا هو فما كانت الملئكة والرسل تعلمه فنحن نعلمه او ما شاء الله من ذلك ثم ذكر المجلسي (ره) اقول قد مضى بعض الاخبار من هذا الباب وباب علم الله تعالى وباب البدا وسيأتي في ابواب علومهم عليهم السلام وفي الكافي ايضا احاديث كثيرة لهذا المعنى بل بهذه الالفاظ وقوله تعالى ان الله يعلم ما في السموات والارض ان ذلك في كتاب وقوله تعالى ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب وقوله وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين وقوله تعالى ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وامثالها من الآيات والروايات كثيرة ولا شك ان مدلولات العلم في هذه الاخبار والآيات ليست هي الذات سبحانه وتعالى وكلما سوى الذات القديمة حادثة لأدلة التوحيد فلفظ العلم يطلق على ذات الله سبحانه وعلى غيره تعالى فالذي يطلق على ذات الله سبحانه هو القديم والذي يطلق على غيره هو الحادث لا ان ذات الله سبحانه لا يعلم هذا الحادث الا حين ايجاده فيعلمه حين اوجده ليوجده من غير علم سابق تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وان اردت زيادة البصيرة فيما قلنا لك فنحن ننقل الآن من كلام شيخنا اطال الله بقائه ما هو صريح فيما ذكرنا وناص على ان مراده هو هذا وجميع كلماته وعباراته ترد وترجع الى هذا وان كان جناب المعترض سلمه الله تعالى اذا رأى شيئا من كلامه جعلني الله فدائه يطابق الحق المعروف من مذهب الاسلام يحمله على التدليس والطفرة ولست ادري ما الموجب لذلك هلايجعل كلامه هذا الواضح الصريح هو الاصل ويجعل ما يجد غيره مما بظاهره ينافي هذا الصريح الواضح مإولا اليه سواء عرف وجه التأويل ام لم يعرف كما هو القاعدة في رد المحكمات الى المتشابهات ونحن نذكر الحق ونقول الصدق لرفع المعاذير
فاقول قال شيخنا اطال الله بقاءه في جواب سائل سئله عن العلم وقال :
قد سمعنا من مشايخنا وقرأنا في اكثر كتب المحققين ان علم الله سبحانه بالكائنات كان قبل وجودها فلا حادث الا وقد سبق علمه الازلي به ولا ينكر هذا المعنى احد من اهل الاسلام
قال ادام الله حراسته في جوابه : اقول هذا المعنى لا ينكره احد من اهل الملل من زمان آدم عليه السلام الى انقضاء زمان التكليف الا من ابتدع في الاسلام ومثل هذا لا يعد من المسلمين نعم يكون المراد بهذا العلم العلم الازلي الذي هو ذات الله واما العلوم الحادثة كالقلم واللوح والعرش والكرسي وانفس الملئكة والخلق فان الكلام فيها مختلف ويأتي الاشارة الى ذلك
قال السائل ولكن على قولكم كل في زمانه ومكانه وهيئته فالمعلوم الذي يتعلق به العلم الحادث اي شيء هو غير الذي سبق علمه الازلي به او عينه
قال ادام الله حراسته في الجواب : اقول اعلم ان المعلوم الذي يتعلق به العلم الحادث هو المعلوم الحادث فيه ثلثة اقوال لعلماء الاسلام ثم ذكر الاقوال وقال والحاصل ان العلم الحادث يتعلق بالمعلوم الحادث والعلم الحادث هو كاللوح المحفوظ قال تعالى فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى فقوله تعالى علمها عند ربي في كتاب مثل قولك الحساب الذي بيننا علمه عندي في الدفتر وهذا ظاهر والحاصل ان العلم الحادث لا يتعلق الا بالمعلوم الحادث واما العلم القديم الذي هو ذات الله يحيط بكل شيء الحادث والقديم ولكن من غير تعلق لأنه ذات الله وذات الله لا تتعلق بشيء ولا كيف لذلك فهو قبل كل شيء بلا قبل وبعد كل شيء بلا بعد ومع كل شيء بلا مع لأن العلم القديم هو الله والله سبحانه لا يوصف بقبل ولا بعد ولا مع لأن القبل والبعد والمع صفات الخلق ويصح ان تقول علمه بكل شيء قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء ولا يعرف حقيقة ذلك الا هو تعالى فعلمه الحادث لا بد ان يكون واقعا على المعلوم ومطابقا له ومقترنا به واما علمه القديم فهو محيط بكل شيء من غير وقوع ولا مطابقة ولا اقتران ولا كيف لذلك ولا يعلم ذلك الا هو عز وجل وهو عالم بها حين كانت قبل ان تكون وقبل كل شيء لأنه لا يفقد في الازل شيئا من معلوماته في اماكنها الحادثة قبل ان يحدثها لأنه لا ينتظر ولا يستقبل بل هو في ازله كل شيء معلوم عنده في اماكنها من ملكه وهذا عنده قبل ان تكون فافهم هذه العبارات المرددة المكررة
قال السائل : وايضا فنقول هل معنى الحادث انه تعالى يعلم الاشياء بعد وجودها بمعنى انه تعالى يوجد لنفسه علما بها ثم يوجدها
قال ادام الله حراسته : اقول معنى العلم الحادث انه يثبت عنده في ملكه ضبط الاشياء وحفظ صفاتها ومقاديرها وهيئاتها وآجالها وارزاقها وما اشبه ذلك مع وجودها لا بعد وجودها بمعنى انه يوجد في ملكه العلم بها وضبط حدودها حين يوجدها لا انه يوجد لنفسه علما بها لأنه عالم بها قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها فكيف يوجد لنفسه علما بها واي حاجة له بذلك اذ لم يفقد من جميع حدودها واحوالها من ملكه شيئا قبل ان يوجدها وقبل ان تكون شيئا مذكورا ومثال ذلك انك يكون بينك وبين زيد حسابٌ في بعض المعاملة فتكتبه في الدفتر وان كنت انت غير ناسٍ للحساب ولكن لاحتمال ان ينسى زيد او يتناسى توصلا الى انكارك او ليهتم بالوفاء اذا علم انك ضابطه عليه بحيث لو صدر منه ما يوهم الانكار او الاستفهام قلت له انا عندي علم الحساب الذي بيننا في الدفتر فيكون اردع له عن الانكار من قولك انا اعلم بالحساب فانه يشكك في الكلام الثاني دون الكلام الاول ولهذا لما قال فرعون فما بال القرون الاولى قال له موسى علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وهذا هو السر والنكتة في التقييد بقوله في كتاب فافهم ومعنى قولنا ان لله علما حادثا انه حين خلقها خلق لوازمها وملزوماتها وكل ما تترتب على حدوثها فما كان منها شرطا خلقه تعالى مع خلقه لها لأن الشرط من لوازم المشروط ولا يكون اللازم قبل الملزوم لأنه في الحقيقة صفة للملزوم ولا تكون الصفة قبل الملزوم ولا بعده لأنها شرط والمشروط متوقف على شرطه فلا بد ان يكون معه كالكسر والانكسار وهو سبحانه عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فلا يكون محتاجا في علمه بها الى ان يخلق له علما بها والا لكان قبل ان يخلق ذلك العلم جاهلا بها وهذا اعتقاد الجاهل به تعالى لأنه لم يفقد شيئا منها من ملكه فعلمه في الازل بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان بها في الامكان ولأنه لا يستقبل ولا ينتظر لأن المستقبل والمنتظر فاقد في الماضي والحال وتعالى العظيم المتعال عن تغير الاحوال فعلمه بكل شيء من خلقه ذاته البسيطة المجردة فلو فقد من علمه ذرة نقصت ذاته تعالى لكن المعلومات ليست في الازل لأن الازل هو الله سبحانه ولا يكون في ذاته شيء وانما المعلومات في اماكن حدودها من الحدوث واوقات وجودها من الامكان وهو بكل شيء محيط فيا مسلم صحح اسلامك باتباعي واياك وان تحترق بنار الكفر من مخالفتي فاني ما انطق بهوى نفسي وانما انطق بهدى من الله باتباعي لائمة الهدى عليهم السلام
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا وان لم يكن له فهم فيأخذه عنا
فما ثَم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال فيه كما كنا
فمِنه الينا ما تلونا عليكم ومنا اليكم ما وهبناكم عنا
وساق الكلام الى ان قال اطال الله بقاه : والحاصل العلم الازلي سبق كل شيء واحاط بكل شيء في رتبة كونه حين كونه مع كونه وبعد كونه قبل كل شيء اي في ازل الآزال من غير انتقال ولا زوال ولا تحول حال وهو تعالى كما هو والاشياء كما هي اي كل شيء منها في رتبة تحققه من الامكان كما قال صلى الله عليه وآله في خطبة يوم الغدير قال واحاط بكل شيء علما وهو في مكانه ه الى ان قال اطال الله بقاه ومن قال ان علمه بها لم يكن سابقا بها قبل كونها فهو كافر بل علمه بها قبل ايجادها ووجودها كعلمه بها بعد ايجادها ووجودها الى ان قال واما اذا اردت بالعلم الحادث فالمراد منه كما ذكرنا سابقا انه حدود خلقه فانه اذا خلق زيدا مثلا خلق رزقه ومدة عمره وفنائه وبقائه وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وانفس الملئكة وسمى هذه الكتابة علماً له فاذا سمعت من يقول علم الله الحادث فالمراد به القلم واللوح المحفوظ ونفوس الملئكة الموكلين بالخلق في مراتب الوجود الاربع الخلق والرزق والموت والحيوة واذا سمعت منا نقول انه العلم الاشراقي نريد انه صادر عن فعل الله ومشيته قائم بفعل الله قيام صدور لأنه اثره وقائم بشعاع المفعول الاول قيام تحقق فهذا الفعل هو المشية وهذا المفعول الاول هو نور محمد صلى الله عليه وآله والفعل والمفعول يطلق عليهما امر الله الى ان قال فالفعل والنور المحمدي صلى الله عليه وآله اعلى العلوم الحادثة خلقهما الله وسماهما علماً باعتبار ومعلوماً باعتبار فمعني العلم الاشراقي باعتبار تقوم المعلومات بأمره كما قلنا فافهم وتدبر ولا تشتبه عليك العبارات فان مراداتنا هي هذه كما سمعت انتهى كلامه اطال الله بقائه وجعلني في كل مكروه فدائه
انظر هل بقي لأحد مع هذا الكلام التام الواضح الدلالة مجال القول بأنه اطال الله بقائه ينكر علم الله بالاشياء قبل وجودها او ان يكون له تعالى حالتان او صدر المخلوقات عنه تعالى عن جهل تعالى ربي وتقدس عن كلما يقولون علوا كبيرا فاذا قال القائل مرادي من هذا القول هذا المعنى واللفظ يحتمل ذلك المعنى ولو بعيدا ايجوز في المذهب ان يكذب ويقال له ليس هذا مرادك لأن كلامك يحتمل غير هذا مع ان ما نقله المعترض من كلامه ادام الله حراسته صريح فيما ذكرنا ونقلنا عنه لأنه قال هناك والعلم الحادث هو فعله ومن جملة مخلوقاته وسميناه علماً لله تعالى تبعاً لائمتنا عليهم السلام واقتداء بكتاب الله تعالى حيث قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ه والحاصل ان العلم الحادث هو الحوادث وكينوناتها وذواتها وصفاتها واطوارها وحدودها واحوالها واوضاعها باعتبار حضورها وظهورها عند الفعل والمفعول المطلق الاول وانفس الملئكة والعلماء وغيرهم فان العلم عند المحققين كما صرحوا هو ظهور المعلوم للعالم وهذا الظهور الخاص قائم بالمعلوم لا بالعالم ولذا قبل وجود المعلوم صورة كان ام ذاتا لم يكن العلم في الامكان والحدوث عند الممكن الحادث لا القديم فانه بخلاف صفة الممكنات كما قال الرضا عليه السلام كلما في المخلوق يمتنع في خالقه وقد تواردت الاخبار عنهم عليهم السلام انه لا يجري عليه ما هو اجراه فاذا كان العلم هو ظهور المعلوم للعالم وقلنا ان الظهور قائم بالمعلوم فالشيء له جهتان واعتباران من جهة ظهوره للعالم علم ومن جهة كونه ظاهرا معلوم ولا بد من الاقتران بين الجهتين والمطابقة والوقوع وتعدد الاحكام في الشيء الواحد باعتبار تعدد جهاته مما لا ريب فيه ولا شك ولا ريب ان قبل وجود المعلوم اما بنفسه كما في زيد الخارجي او بصورته وشبحه كما في شبح زيد عند غيبته لا يتحقق العلم الذي هو الظهور فهذا الظهور انما يكون ويوجد مع المعلوم مساوقا للعين او للشبح فانك قبل ان تتصور شيئا لم تكن تعلمها كما ان الشيء اذا لم يوجد عندك لم يكن يظهر لك بالحضور والوجود وهذا ظاهر ولما كان بين الحضور والحاضر والظهور والظاهر والحصول والحاصل تساوق وتضايف قلنا ان العلم الحادث يوجد ويحدث بحدوث المعلوم وانما نسبنا هذا العلم الى الله تعالى حيث ان الله سبحانه اوجد الاشياء وحدودها واظهرها لخواصه وحملة علومه كما يقال ان علم الجفر وعلم الحروف وعلم صنعة المكتوم علم الانبياء يعني انهم عليهم السلام اظهروها وبينوها للناس وكذلك الله سبحانه وتعالى اظهر تلك الحقايق والحدود للاوضاع للانبياء والملئكة عليهم السلام فبمقدار ما اظهر لهم علموا حين ما اظهر لهم وما اخفى عنهم ما علموا كما قالت الملئكة لا علم لنا الا ما علمتنا وقال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وتقدم ما في الحديث ان لله علمين علم علمه الملئكة وهذا العلم الذي علمه ملئكته هو ما في الواح المحو والاثبات من حدود اوضاع الخلق ونسبه الى نفسه وسماه علمه كما قال الكعبة بيتي ونفخت فيه من روحي وليست هذه الروح من ذات الله ولا هو سبحانه يحويه شيء حتى يحتاج الى البيت فكذلك هذا العلم هو خلق من خلق الله سبحانه اظهره للانبياء والملئكة والصديقين وجعله في اللوح المحفوظ وفرقه في لوح المحو والاثبات واجمله في القلم فنسبه الى نفسه وسماه علمه والله سبحانه عالم بجميع احوالها واوضاعها وحقايقها وذواتها وكينوناتها ومقتضياتها وصفاتها وكلياتها وجزئياتها وعلوياتها وسفلياتها ومجرداتها ومادياتها وفلكياتها وعنصرياتها وجميع ما لها ومنها وبها ولها وعليها وفيها وعنها ولديها قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها بلا تغير حال ولا مضي ولا استقبال لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء فمن انكر شيئا من هذا فقد خالف ضرورة الاسلام وانكر ما ثبت عن سيد الانام وجاء بما احالته العقول والاحلام فهو كافر مشرك خارج عن الذمة هذا اعتقاد الشيخ جعلني الله ( فداه ظ ) واعتقادي بذلك ندين فمن نسب غير ذلك الينا فهو كاذب مفتر علينا نبرء الى الله من هذا الاعتقاد ببراءة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وقد بينا معنى ما نعتقده ونقول والله شاهد على ما اقول وهو حسبي ونعم الوكيل فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم انه سلمه الله بعد ما نقل عن الشيخ اطال الله بقاه في العلم وانه قسمان حادث وقديم
قال سلمه الله : اقول هذا ايضا غفلة عن اقسام العلم لأن العلم قد يكون حصوليا يحصل بحصول صورة المعلوم في العالم وقد يكون حضوريا حاصلا بحضور المعلوم بنفسه عند العالم مع المغايرة بينهما او بدونها بمعنى عدم الغيبوبة وقد يكون حضوريا حاصلا بحضور علة المعلوم عند العالم مع المغايرة كما في العلم بالنار الحاضرة بالنسبة الى الحرارة التي لم تحس فانه اذا علم كنه النار يعلم حرارتها وغيرها من لوازمها ومعلولاتها او بدون المغايرة كما اذا علمنا نفسنا بكنهها علما موجبا للعلم بمقتضياتها بمعنى عدم الغيبوبة
اقول العلم هو ظهور المعلوم للعالم وهو ينقسم بالقسمة الاولية بالتقسيم اللفظي الغير الحقيقي الى العلم القديم والعلم الحادث اما العلم القديم فهو ذات الله تعالى فهناك انقطع الكلام وخاب المرام وفحم البيان فلا يجوز لأحد ممن اقر بالاسلام الخوض والتأمل والتكلم فيه لأنه لا يزداد صاحبه الا بعدا وضلالا كما تواترت به الاخبار وشهدت بذلك العلماء الاخيار وانعقد على ذلك اجماعهم في جميع الاعصار والامصار واما العلم الحادث اي العلم الذي في المخلوق وللمخلوق فلعلماء الاسلام فيه ثلثة اقوال احدها ان العلم عين المعلوم مثل الصورة الذهنية التي هي علمك بالشيء ولا شك انت تعلمها فان علمتها بنفسها فهو المطلوب وان علمتها بغيرها فننقل الكلام في الغير ان علمته بنفسه ثبت المطلوب وان علمته بغيره ننقل الكلام اليه فيدور او يتسلسل فثبت ان تلك الصورة هي علمك بها فاتحد العلم والمعلوم وثانيها ان العلم غير المعلوم وثالثها ان العلم بعضه عين المعلوم كالصور الذهنية في العلم بها وبعضه غير المعلوم كالصور الذهنية في العلم بالخارج بها ولا شك ان المعلوم هو الخارج والعلم هو الصورة وكل واحد غير الآخر ونحن الآن لسنا بصدد تحقيق القول في هذه المسئلة وعلى اي تقادير ينقسم عندهم الى الحصولي والحضوري فالحصولي عندهم حصول صورة الشيء وشبحه في الذهن والحضوري هو حضور المعلوم بنفسه فعلى القول بأن العلم عين المعلوم ففي العلم الحصولي يكون المعلوم نفس الصورة لا الامر الخارجي وفي العلم الحضوري يكون المعلوم هو العين الخارجي لا الصورة ولك ان تقول في الحصولي على زعمهم انه حضور الصورة وفي الحضوري انه حصول العين اذ لا نص من الله ولا من رسوله على اصطلاحهم ذلك فاذن فالتعميم اولى لأهل الخصوص كاولوية التخصيص لأهل العموم
فاذا عرفت ما ذكرنا لك عرفت ان ما ذكره اطال الله بقاه هو حصر لاقسام العلم كلها لأن كل الاقسام انما تشعبت من العلم الحادث لا العلم القديم فانه هو ذات الله سبحانه لا تعدد فيه ولا قسمة هناك وانما القسمة في العلم الحادث فجميع الاقسام لا تخلو منه لو فرضت صحة هذه الاقسام مع انه في محل المنع ولم يتعلق غرضنا بالبحث عن هذه الاشياء
قوله بحصول صورة المعلوم فيه ان تلك الصورة هي المعلومة خاصة لا العين الخارجي لأنك اذا رأيت زيدا في السوق ثم غبت عنه فكلما تلتفت اليه فانما عندك تلك الصورة ولا تعلم سواها لأن زيدا ربما يخرج ويمرض ويموت ويتبدل عليه الاحوال فلو ان المعلوم هو العين الخارجي لكان عندك علمه بكل احواله لضرورة التطابق والتوافق بين العلم والمعلوم ولما علمنا انه ليس عندنا الا العلم بتلك الصورة والصفة خاصة علمنا انه ليس معلومنا حينئذ سواها فلا يقال صورة المعلوم لأن المعلوم هو الذي تعلق به العلم فعند التعلق وجبت المطابقة فزيد الخارجي ماتعلق علمك بذاته بعد غيبته وانما تعلق علمك بصورته فاذن فالمعلوم هو تلك الصورة والكلام عليه في هذا المقام كثير لكن الاغماض عنه اولى وقوله مع المغايرة بينهما او بدونها فيه ان بين العلم والمعلوم من حيث هما لا بد فيهما من المغايرة لتغاير مفهوميهما الا ان الذي يقول بالعينية يقول ان الشيء الواحد جامع الحكمين وهما صفتان للشيء الواحد بالاعتبارين فاذن لا فرق بين علم الشيء بنفسه او علمه بغيره فان الشيء من جهة كونه علما غير جهة كونه معلوما وغير جهة كونه عالما فمعنى الاتحاد اجتماع المراتب في الشيء الواحد باعتبار الجهات هذا في المخلوق واما القديم فيجب تنزيهه عن كل ذلك لأن الطريق اليه مسدود والطلب مردود وكذلك الحكم في العلم (ظ) بالغير لأن الشخص هو العالم لكن مبدء الاشتقاق قائم بالمعلوم كما هو الحق في المسئلة عند الامامية ان في صدق المشتق لا يشترط قيام المبدء بالمشتق مثل الضارب فانه قد اشتق من الضرب الثابت الحال القائم في الشخص مثلا وكالمتكلم فانه قد اشتق من الكلام القائم بالهواء الحال فيه خلافا للاشاعرة فاذن صح ان تقول ان زيدا عالم بالشيء الفلاني والعلم قائم بذلك الشيء حال فيه ولا نكر فيه بوجه
وقوله وقد يكون حضوريا حاصلا بحضور علة المعلوم الخ فيه ان هذا انما يتجه اذا كانت المعلولات كلها حاضرة موجودة واما قبل وجود المعلول فلا حضور الا بالاستلزام والصلوح لا بالوجود فيكون عند العالم حينئذ صور المعلولات لا اعيانها فلا يكون علمه حضوريا وانما هو حصولي على الاصطلاح الذي ذكر
وقوله كما في العلم بالنار الخ فيه ان هذا الاستلزام لكون النار عندهم فاعلا موجبا او ان الحرارة لازمة لها من حيث العين واما في الحقيقة فليست الحرارة لازمة لمهية النار بحيث لا يتعقل النار بدونها بل اللوازم من حيث هي في مرتبة ذات الملزوم منتفية فالعلم بذاته من حيث هي لا يستلزم شيئا الا ان تلاحظه من حيث الملازمة وهذه هي الرتبة الثانية للذات فان الملحوظ هنا الذات من حيث اللزوم وفي الاولي الذات البحت فالنظر الاول نظر وحدة واتحاد والنظر الثاني نظر كثرة واختلاف وقد اشار الى نوع ما ذكرنا بعض شراح التجريد وقال ما لفظه : تعلق العلم بالعلة اما بمهيتها من حيث هي لا باعتبار امر آخر فهو لا يستلزم تعلق العلم بالمعلول اصلا اللهم الا ان يكون المعلول لازما بينا لمهية العلة بمعنى انه يلزم من تصور مهية العلة تصور مهية المعلول انتهى اقول هذا ايضا اذا نُظر الى العلة من حيث اللزوم والا فلا لأن النظر الى صرف الشيء لا يستدعي النظر الى غيره الا بالارتباط والربط للوجه الاسفل في الشيء كما شرحنا في ساير رسايلنا واجوبتنا للمسائل
قال سلمه الله تعالى : وعلم الواجب بالنسبة الى الممكن قبل الايجاد من هذا القبيل فيكفي وجود ذات العلة في حصول العلم بالمعلول واطلاق العلة عليه تعالى صحيح اما الناقصة فلنقص المعلول لا العلة واما التامة فبملاحظة المشية والارادة
اقول مراده ان علم الواجب بالنسبة الى الممكن قبل الايجاد من قبيل علم العلة بمعلولاتها قبل ايجادها وعلم النفس بمقتضياتها واحوالها وآثارها اقول هل المعلول مذكور في رتبة ذات العلة او في رتبة ملكها او ليس بمذكور لا في الذات ولا في الفعل والملك فان كان الاخير فلا علم فانه ذكر الشيء الثابت الجازم فحيث لا ذكر لا علم وان كان الاول فهل هذا الذكر شيء ام لا فان كان الثاني فلا علم لأن العدم المحض لا يصلح للعلمية وان كان الاول فهل هو قديم او حادث فان كان الاول فهل هو ذكر واحد او متعدد فان كان واحدا فهو العلم بالشيء الواحد وعلى هذا القول يلزم ان لا يعلم الله سبحانه قبل ايجاد الاشياء الا شيئا واحدا او يعلم الكلي ولا يعلم الجزئيات المفصلة وهذا لا يقول به مسلم فان قيل ان الذكر واحد والمتعلقات مختلفة فيتعلق ذلك الواحد بالامور المختلفة قلنا هل المتعلقات موجودة ام لا فان كان الاول لزم قدم الاشياء كلها ولا يقول به مسلم وان كان الثاني لم يصح التعلق ضرورة ان التعلق يستدعي الطرفين والقول بوجود التعلق مع عدم المتعلق لم يتفوه به عاقل فضلا عن فاضل كامل فعلي هذا فقبل التعلق ليس الا ذكر واحد لشيء مجمل فيعود ما اجمع المسلمون على بطلانه كما مر وان كان الذكر متعددا مختلفا فتتعدد القدماء وقد ابطلها التوحيد مطلقا وان كان الذكر حادثا مع انه يلزم ان يكون الحق سبحانه محلا للحوادث ننقل الكلام في ذلك الحادث وفي تعلق العلم به قبل وجوده لما تحقق عندهم وعند العقلاء باجمعهم ان كل حادث مسبوق بالعدم ولا تتوهم من كلامي ان هذا ابطال ونفي لعلم الله تعالى بالحوادث قبل ايجادها لأنا قد ذكرنا سابقا انه تعالى يعلم الاشياء صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها قبل الحوادث وبعدها ومعها بلا تغير حال ولا تدرك كيفية تلك الاحاطة ولا يعلم ذلك العلم والادراك لا سبيل لأحد الى ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن لأنه كلام في ذات الله وهو حرام اجماعا من المسلمين ولكن الكلام في ابطال قول جناب الماتن المعترض سلمه الله تعالى حيث كيف علم الله الازلي بالاشياء ومثل له وزعم انه مثل علم العلة بذاتها قبل وجود المعلول والله تعالى يقول فلا تضربوا لله الامثال والله يعلم وانتم لا تعلمون وقد اجمع اهل البيت عليهم السلام بأن كلما في المخلوق يمتنع في خالقه ولا يوصف الله سبحانه بشيء من صفات المخلوقين والحاصل ان العلة لها لحاظان احدهما ملاحظة الذات البحت الصرف مطلقا بلا ملاحظة جهة من الجهات وحيث من الحيثيات واعتبار من الاعتبارات فالذات بهذه الملاحظة والنظر لا توصف بصفة العلية ولا بصفة الفاعلية ولا الخالقية لضرورة ان الخالق والفاعل ليسا من الصفات الذاتية كما صرح بذلك جماعة من اكابر العلماء والمحدثين كالكليني والصدوق في اكثر كتبه والعلامة المجلسي في اكثر كتبه حتى في الكتب الفارسية التي رسمها للعوام في ذكر الاعتقادات ليعتقدوها والثانية ملاحظة الصنع والايجاد والفعل والاحداث اي الذات من حيث ظهورها بالصنع والاحداث يصير لها اسم الفاعل والعلة ففي النظر الاول والملاحظة الاولى لا ذكر للاشياء فيها ابدا لما ذكرنا آنفا والا لتكثرت فكيف يذكر معها المعلولات الغير المتناهية حتى يلزم من علمها علمها وفي النظر الثاني فان كان الحكم على الذات يلزم تغييرها لأنه حدث فيها ما لم يكن عندها لأن حكم الفاعلية والخالقية عند الفعل والخلق واما قبلهما فليس الا العلم والقدرة على الايجاد بلا كيف ولذا قال عليه السلام له معنى الخالقية اذ لا مخلوق ومعناها العلم والقدرة نعم ربما تطلق على الذات مجردة عن الوصفية والتعلق الخاص فمؤداها حينئذ مؤدي الذات كما بينا في اجوبتنا ومباحثاتنا ويلزم من هذا مع هذا كله ان لا يكون سبحانه وتعالى عالما في الرتبة الاولى بالاشياء وهو خلاف معتقد اهل الاسلام اذ لم يفقد الله سبحانه العلم بحالٍ من الاحوال وهذا الذي ذكر بعينه هو القول باستجنان الماهيات والاعيان في الذات الاقدس وان الاعيان الثابتة قديمة لم يتعلق بها الجعل ويريدون منها هذا الذكر كذكر المعلول في العلة قبل المعلول وقد اجمع اهل البيت عليهم السلام وقاطبة اهل الشرائع على بطلان هذا القول وانه يستلزم مفاسد قبيحة كما اشرنا الى بعضها وقد قال بعضهم ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات ومندرجة فيها اندراج اللوازم في ملزوماتها
وقوله فيكفي وجود ذات العلة في حصول العلم بالمعلول كيف يكفي هل وجود ذات العلة بعينه هو العلم بالمعلول او ان العلم بالعلة يستدعي بالالتزام العلم بالمعلول فان كان الاول ووجبت المطابقة بين العلم والمعلوم باتفاق العقلاء اجمع يلزم ان يكون ذات العلة متكثرة بتكثر المعلولات الغير المتناهية لأجل التطابق فاذا كان ذات العلة علماً للمعلول لم يكن علما لنفسه لامتناع تعدد الجهات في ذات الله بكل اعتبار اذ لا يصح ان يكون العلم بالبياض بعينه هو العلم بالسواد الا بتغير الجهات وان كان الثاني كما هو الظاهر من كلامه فنقول ان العلم بالعلة لا يصح ان يكون عين العلم بالمعلول لما ذكرنا وللدلالة الالتزامية المتحققة بالدلالة على الخارج اللازم فقبل الايجاد اذن عندكم علمان علم هو الملزوم وهو العلم بالعلة وعلم هو اللازم وهو العلم بالمعلول فهل العلمان وجوديان ام عدميان ام احدهما وجودي والثاني عدمي فان كان الثاني فلا علم اذ العدم ليس بشيء حتى يكون علما والاضافيات وجوديات وان كان الثالث بطلت الملازمة لأنها مستدعية لوجود الطرفين فان كان العلم بالعلة عدميا فالعلم بالمعلول بالطريق الاولى فانتفي العلم رأساً وان كان العلم بالمعلول عدميا فلاتكون العلة عالمة بالمعلول قبل كونه هذا خلف وان كان الاول اي العلمان وجوديان قبل خلق الخلق هل هما قديمان ام حادثان ام احدهما قديم والآخر حادث او لا قديم ولا حادث فانحصرت الاقسام فان كان الاول تعددت القدماء وادلة التوحيد تبطلها والمسلم لا يقول بها وان كان الثاني فقبل حدوثهما ماكانت الذات عالمة بها ثم ننقل الكلام في حدوثهما ابعلم ام بغير علم حتى يتسلسل او يدور وان كان الثالث فلا يصح ان يكون العلم بالعلة حادثة لكونه ذاتها فيستدعي حدوث ذاتها وهو محال وان كان العلم بالمعلول حادثا بقي العلة لا علم لها بالمعلول قبل وجوده وهو كر بما قد فر منه وان كان الرابع فهو بعينه قول الصوفية الملاحدة الذين يقولون بالوجود المنبسط وانه لا موجود ولا معدوم ولا حادث ولا قديم ولا شيء ولا لاشيء وامثالها من الخرافات وهذا القول مع انه يشبه الهذيان فلااظن جناب الماتن قائلا به حتى نذكر ابطاله ولا يحتاج ايضا الى ذكر الدليل فانه في البطلان بمكان فأين تذهبون اذا بطلت الاقسام كلها وبالجملة هذا القول باطل جدا ينافي مذاهب اهل التوحيد وقواعدهم واذا اردت السلامة فقل كما نقول فان قولنا والله هو قول ائمتنا عليهم السلام لا يخالف قولهم ابدا بأن الله سبحانه بذاته عالم بالاشياء قبل كونها وبعد كونها ومع كونها بلا تغير حال ولا تحول ولا انتقال ولا مضي ولا استقبال ولا يشغله علم شيء عن علم شيء ولا خلق شيء عن خلق شيء ولا يعرف كيف ذلك اذ لا كيف لذات الله تعالى ولا تتكلف هذه التكلفات ولا تقلد الحكماء والفلاسفة الذين اعرضوا عن باب الهدى وما التفتوا الى اقوال آل محمد المصطفى عليه وعليهم سلام الله ابدا ابدا وهذا الذي ذكر هو قول الحكماء والفلاسفة وان كان لهذا القول معنى صحيح اشار اليه اهل البيت عليهم السلام لكن لا على ما عرف المتكلمون والماتن مااراده بل ماتنبه له فلا نتعرض لبيانه لأن مرادنا ابطال الباطل بالحق وتحقيق الحق بدليل المجادلة بالتي هي احسن لا ذكر خفايا الاشارات وبيان دقايق الحكم في تلويحات العبارات فان لذكرها مقاما آخر
قوله سلمه الله تعالى واطلاق العلة عليه تعالى صحيح الخ اقول من تتبع احاديث اهل البيت عليهم السلام وقواعدهم ودينهم وعرف مذهبهم علم انهم عليهم السلام ما اطلقوا على الله تعالى العلة بل ربما يظهر من كلماتهم عليهم السلام نفيها عنه تعالى كما في الخطبة اليتيمية التي تشهد جودة بيانها واشتمالها على تنزيه الله سبحانه وتوحيده ونفي صفات الخلايق عنه بما لا يمكن لأحد من غير المعصومين عليهم السلام بصحة ورودها عن امير المؤمنين عليه السلام كما هي المنسوبة اليه الى ان قال عليه السلام علة ما صنع فعله او صنعه وهو لا علة له وفي دعاء عديلة ايضا ما يؤيد ذلك كما في قوله وكان عليما قبل ايجاد العلم والعلة ولم يعهد منهم عليهم السلام اطلاق هذا اللفظ عليه تعالى فيما وصل الينا الا ما يشير الى المنع نعم الحكماء قد اطلقوا عليه تعالى هذا اللفظ فأنت اذن اتبع من اردت ثم اذا اطلقت عليه تعالى العلة فهل الاطلاق حقيقة ام مجاز فان كان الثاني مع انه لا يصح اصلا لأدلة قطعية قد ذكرت في محلها نقول ان المجاز لا يكون الا لعلاقة ومناسبة بين المعنيين فان كانت العلة حقيقة في المخلوق وتطلق على ذات الله سبحانه للعلاقة كانت ذات الله مناسبة ومشابهة لذوات المخلوقين وقد اجمع المسلمون على ان الله سبحانه لا شبه له ولا مثل له ولا نظير له مع ان مجرد المناسبة مستلزمة للتركيب فان المتناسبين كل واحد منهما له ذات ونسبة وارتباط الى الآخر او قل جهة مغايرة وجهة موافقة وهذا هو التركيب فان قلت هذه الجهات اعتبارية لا تؤثر في الخارج نقول ان حكم الاطلاق في الخارج لا الذهن فانك لا تسمي الله الموجود في الذهن تعالى الله علة او تسمي الخارجي وتفرض المناسبة في الذهن نقول هل المناسبة الموجودة في الذهن كذب او صدق فان كان الاول بطلت المجازية لأنها تحققت بدون المناسبة وان كان الثاني فهي متحققة في الخارج لأن الصدق مطابقة ما في الذهن الذي يقع به الاخبار مع الخارج وذلك واضح لمن له عينان وان كان الاطلاق حقيقة فعلى مقتضي قواعدهم يكون هذا الاطلاق بالتشكيك ويحتمل بعيدا التواطي وذلك من باب الوضع العام والموضوع له العام مثل واجب الوجود فانه منحصر في الفرد وهذا افراده موجودة كما قالوا في الوجود وانه مشترك معنوي بين الواجب والممكن والكلام على الجميع واحد وقد ابطلنا هذا القول الفاسد الباطل بما لا مزيد عليه في كتابنا اللوامع الحسينية وغيرها من اجوبة المسائل خصوصا في اجوبة المسائل البهبهانية فان الاشتراك المعنوي انما يصح ان يكون معنى واحد في افراد قد تشخصت من ذلك المعنى كالانسان في افراده مثلا وكل فرد مركب وهذا لا يختلفون فيه لكنهم يقولون ان الاشتراك في المفهوم لا في المصداق ونحن بينا ان المفهوم هو المتحصل في الذهن فان كان مخالفا للخارج عند الحكم عليه كان كذبا مثلا اذا نسبت القيام الى زيد في الخارج فان لم يكن في الخارج كذلك فهو كذب وان نسبته اليه في الذهن ولم يكن في الخارج لم يكن كذبا فاذا قلت العلة او الوجود يطلقان على الله من حيث الوجود الذهني فلا كلام لأن الله تعالى لا يحويه ذهن ولا فكر وان كانت الذات الحقيقية المتأصلة في الوجود جاء ما قلنا وبطل ما كانوا يعملون وليس هذا الموضع موضع استقصاء هذه المسائل وذكر ما يرد من النقض والابرام لكنها في محلها مشروحة مفصلة ومرادنا هنا نوع الاشارة فقط
واما كون الاطلاق حقيقة في الله ومجازا في الغير فلا يصح ايضا لمكان العلاقة الموجبة للتركيب وعلى تقدير الحقيقة على التقادير المذكورة والاشتراك اللفظي فهذا اسم لله فالقول منه مبني على ان اسماء الله توقيفية كما عليه اكثر الامامية والحق المنصور بالادلة القطعية من العقلية والنقلية فكيف يجوز ان تسمي الله سبحانه بما لم يسم به نفسه بل ورد من اهل البيت عليهم السلام نفي هذا الاسم عن ذات الله سبحانه مما سمعت وما لم تسمع
هذا الذي ذكرنا هو من جهة اللفظ اما من جهة المعنى فالكلام فيه طويل الا اني اختصر المقال بكلمة واحدة اعتمادا على دقة فهم ذلك الجناب اذا تنبه فنقول ان العلة لا شك انها بمعنى الفاعل اجماعا والفاعل والخالق من الصفات الفعلية للنصوص المتكاثرة وتصريح العلماء رضوان الله عليهم ولصحة السلب عنه تعالى والاثبات تقول خلق ولم يخلق وفعل ولم يفعل ولا تقول علم ولم يعلم وقدر ولم يقدر لأن الصفة الذاتية هي الذات بلا فرض مغايرة فسلبها سلب الذات واثباتها اثباتها فما تراه من الصفات تسلب وتثبت فهي غير الذات ولا يجوز ان تكون طارية على الذات والا لتغيرت بالنفي والاثبات فوجب ان تكون من صفات الافعال تثبت بثبوت الفعل وتنفي بنفيه في خصوص الموارد ولذا قالوا عليهم السلام انها اسماء الافعال وصفات الافعال فاذا كان كذلك فالخالق لا شك انه من الصفات التي تثبت وتمحي كالفاعل فوجب ان لا يكونا من الصفات الذاتية فالذات من حيث هي لا توصف بهما نعم هما من صفات الله من جهة الفعل فاذن لا يصح ان تطلق العلة التي بمعنى الفاعل على الذات قال المجلسي (ره) في حقاليقين : ومجمل سخن درين باب آن است كه آنچه از صفات كماليه الهي است حادث نتواند بود وازو منفك نتواند شد مانند علم وقدرت الى ان قال آنچه از صفات ذات نيست وصفت فعل است حادث ميتواند بود مانند خالق ورازق ومحيي ومميت زيرا كه حق تعالى در ازل رازق نبود والا بايد كه عالم قديم باشد وخلق الهي هميشه باشد واين صفت كمال حق تعالى نيست كه از عدم آن نقص لازم آيد بلكه آنچه صفت كمال است قادر بودن بر ايجاد است الى آخر ما قال انظر كيف صرح ان الخالق من الصفات الحادثة الفعلية فالعلة بهذا المعنى كما هو المعروف اذا اطلقتها على الذات كانت الذات حادثة ومحلا للحوادث وهو كما ترى وان كان معنى آخر على الاصطلاح الخاص به فصحته وفساده على حسب ذلك المعنى مع توقيفية الاسماء فافهم والكلام على باقي كلماته سلمه الله تعالى كثير تركناه خوفا للتطويل
قال سلمه الله تعالى : وعلى ما ذكره يلزم ايجاد المصنوع جهلا ووقوع العلم بعد ذلك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
اقول قد تقدم منا ما يكون جوابا لهذا القول وكيف ينسب هذا القول الى من يقول ان الله سبحانه عالم بالاشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها وانه ليست له حالتان فاذا قال انه عالم بالاشياء قبل وجودها هل يتصور الاحتمال في حقه انه يزعم ما نسبه اليه سبحانك سبحانك سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا ومحض القول بأن لله علما حادثا هل يوجب ذلك لاسيما بعد تفسيره ان المراد به اللوح والقلم ونفوس الملائكة وحقايق الخلايق وكلها حادثة وهذا العلم خلقه الله سبحانه لغيره ونسبه الى نفسه تعظيما وتشريفا كما قال ليعلم الله من ينصره اي ليعلم رسول الله (ص) فان الله تعالى علمه عليه سابق ولا يجوز التجدد فيه ولكنه لما اختار نبيه صلى الله عليه وآله فجعل فعله فعله وقوله قوله وامره امره ونهيه نهيه ومحبته محبته وبغضه بغضه وبيعته بيعته كما قال تعالى ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله وقال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن احبكم فقد احب الله ومن ابغضكم فقد ابغض الله ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وغير ذلك من الآيات والروايات ولما كان هذا العلم ملك الله وخلقه وهو اعطاه غيره وغيره ملكه وخلقه متمحض في طاعته نسبه الى نفسه فقيل علم الله علمه ملائكته ورسوله ولما كانت الملائكة والرسل ليس فيهم جهة المخالفة فجعل علمهم علمه وقولهم قوله وفعلهم فعله وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته والاخبار بهذا المعنى عن الائمة الاطهار كثيرة خصوصا في تفسير قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم كما عن الصادق عليه السلام وبالجملة هذا القول بهذا التفسير اي دلالة له على ان الله لا يعلم الاشياء قبل وجودها وانما يعلمها بعد وجودها تعالى الله عن ذلك وعما ينسبون اليه من الافتراء والكذب فان الله تعالى يقول من آذى وليا لي فقد بارزني بالمحاربة نقلت بالمعنى وقد غفل سلمه الله تعالى عما يرد على ما ذكره من القول باستجنان الاعيان الثابتة او جهله تعالى في مرتبة او تغير في ذات الله او تعدد واختلاف جهة وتركيب وغير ذلك من الامور العظام والتي لا تتحمل كما اشرنا الى شيء منها فراجع تفهم
قال سلمه الله : ومضافا الى ان القول بأن العلم نفس المعلوم ينافي قوله انه حادث بحدوثه وان شرطه ان يكون مطابقا للمعلوم ومقترنا به وواقعا عليه لعدم تصور مطابقة الشيء لنفسه واقترانه بها ووقوعه عليها فهذا ايضا يوهم التدليس والطفرة
اقول اما القول بأن العلم نفس المعلوم فهو يؤيد ويشيد القول بأن العلم الحادث حادث بحدوث المعلوم بل هو العلة لذلك لأن المعلوم اذا كان حادثا والعلم عينه فبالضرورة يكون العلم حادثا فلا تنافى بين الكلامين بل كمال التوافق نعم اذا قيل ان العلم غير المعلوم ربما لا يستلزم حدوث احدهما حدوث الآخر او تساوقهما في الوجود وقد قلنا مكررا ان العلم الذي هو نفس المعلوم هو في الممكن المخلوق واما القديم سبحانه فعلمه ذاته ومعلوماته الممكنات في مراتبها واماكنها واوقاتها فكيف يسوغ القول بأن العلم الازلي القديم عين المعلوم الحادث الممكن ولا يقول به مسلم موحد الا من ابتدع في الدين مثل بعض الصوفية القائلين بوحدة الوجود وان الاشياء كلها هي حدود ذات الله وان الاعيان الثابتة قديمة وهي عين ذاته تعالى والقول بهذا كفر على اليقين فالقول بأن العلم عين المعلوم هو في الحوادث والمخلوقات واما القديم الحق سبحانه فلا يدري كيفية علمه وكيفية احاطته بالاشياء سواه تعالى فلاتنعته بتمثيل ولا تشبهه بنظير اذا بلغ الكلام الى الله فامسكوا
وقوله لعدم تصور مطابقة الشيء لنفسه واقترانه بها ووقوعه عليها جوابه انه قد سبق منا ان بينهما اي بين المعلوم والعلم تغاير بالجهات وتلك الجهات حالة في الشيء الواحد فان كون الشيء علما ومعلوما وعالما صفات له والصفة تغاير الذات لكن الذات الواحدة قد تكون محلا لصفات كثيرة متغايرة متخالفة الاحكام فمن حيث المغايرة بين العلم والمعلوم يشترط بينهما المقارنة والوقوع والمطابقة ومن جهة كونهما في شيء واحد وموضوع واحد قلنا ان العلم هو نفس المعلوم يعني ان الشيء من حيث ظهوره للعالم علم ومن حيث كونه ظاهرا له معلوم ولأن العلم هو ظهور المعلوم للعالم وهو يشمل حصوله له وحضوره عنده وانكشافه لديه وهذا الظهور قائم بالمعلوم كما سبق وليس كما يزعمون العلم هو الصورة الحاصلة في النفس والمعلوم هو العين الخارجي حتى يكون كل واحد له موضوع ومحل آخر وقد تقرر عند اهل العلم ان الجهات والاضافات والصفات اذا كانت في محل واحد متعدد الجهات فيحكمون عليها بالوحدة والاتحاد وان كانت في محال متعددة يحكمون عليها بالكثرة والاختلاف فاذا حكمنا على العلم والمعلوم بأنهما متغايران بالاعتبار صح القول بالمطابقة والاقتران والوقوع لأن التغاير الاعتباري الاضافي كاف في امثال هذه المقامات وقد صرح العلماء بذلك عند قولهم في العلم انه اضافة واعترضوا على القول بالاضافة في علم الشيء بنفسه واجابوا بمثل ما ذكرنا وهو مذكور في اكثر الكتب الكلامية لاسيما التجريد وشروحه والمحصل وشرحه وغيرهما
واما قوله فهذا ايضا يوهم التدليس فليس له عندنا جواب والله ولي الحساب واليه المرجع والمآب
قال سلمه الله تعالى : فالعاقل ان عجز عما ذكرنا لا بد ان يعتقد انه عالم بالاشياء قبلها وان لم يعلم كيفية علمها لا ان يقول بمقالته فان ذلك لو لم يكن بين الفساد بعيدا عن الصواب فلا اقل من كونه محل الارتياب
اقول العاقل هو الذي يتبع ائمة الهدي عليهم السلام لكون قولهم قول الله وحكمهم حكم الله ويدع اقوال غيرهم عليهم السلام لأن الحق منحصر فيهم وماذا بعد الحق الا الضلال وائمتنا عليهم السلام ماعلم وما عرف منهم عليهم السلام ان ذهبوا وقالوا ان علم الله بالاشياء مثل علم العلة بمعلولاتها قبل وجود معلولاتها بمعنى الالتزام او العينية او الحضور بل ما عهد منهم تكييف علم الله الذاتي وشرحه وبيانه انه بأي نحو بل المعروف عندهم والمعلوم من مذهبهم ان العلم عين ذاته تعالى وذاته تعالى لا يدرك ولا يكيف وثبوت هذا المعنى منهم عليهم السلام ضروري وان الله تعالى عالم بالاشياء قبل وجودها وبعد وجودها ومع وجودها وانه تعالى لا ينتظر ولا يستقبل وانه لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا ولا تعلم كيفية هذه الاحاطة احد سواه هذا هو المعروف من مذهبهم ومذهب خواص شيعتهم الذين مااختلطوا بالحكماء والفلاسفة والصوفية فالعاقل يجب عليه اعتقاد هذا لا ان علم الله الذاتي له كيفية كما ان قوله ان عجز عما ذكرنا وان لم يعلم كيفيته يشهد انه عرف علم الله الذاتي وعلم كيفية التعلق فان كان العلم علم الحادث فهو لا يقول به وان كان القديم فهو تعالى كيف يكيف ويقترن وكيف يحيط به الادراك سبحانه سبحانه عما يقولون علوا كبيرا
قوله لا ان يقول بمقالته الخ قد عرفت ان مقالته جعلني الله فداه هو الحق الذي نطق بتصديقه الكتاب المستطاب والسنة المعصومية عن الائمة الاطياب عليهم سلام الله في المبدء والمآب واتفقت عليه عقول اولي الالباب فماذا بعد الحق الا الضلال فأنى تصرفون وباقي تشنيعاته فالاعراض عنه اولى والله حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير غفر الله لنا ولكم ولجميع المؤمنين ولقد كتبت هذه العجالة مع كمال توزع البال واختلال الاحوال وعدم الكتب والاسباب عسى الله ان ينفع بها المؤمنين وينبههم الى الحق القويم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين
قد فرغ من تسويدها منشيها يوم الخميس سلخ شهر رمضان المبارك في سنة ١٢٤٠ حامدا مصليا مستغفرا