
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني الحسيني الرشتي ان بعض الاخوان الصالحين الطالبين للحق واليقين من مجاوري مشهد مولانا امير المؤمنين عليه السلام التمس مني ان اكتب كلمات ذات تبيين في بيان الاجال واقسامها من المحتوم والمخروم والجمع بينها وبين قوله تعالى اذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وحقيقة الامر في ذلك وقد اجبت ملتمسه واعطيته مسئلته مع قلب مشوش وخاطر موزع وانا في هذا الوقت كما قال الشاعر :
كم بجنبي من صبابة واد كل آن حمامة نواح
واعتذر من بسط المقال وشرح دقايق الاحوال واكتفي بالاشارة اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي ولان ذلك هو الميسور ولا يسقط بالمعسور وجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل لتطابق الجواب بالسئول ( بالسؤال ظ ) ولقولهم عليهم السلام ان السؤال ذكر والجواب انثى
قال سلمه الله تعالى : المرجو من احسانكم ان تكتبوا بيان هذه المسئلة على حقيقتها على التفصيل كما وعدتم وخير الخير ما كان عاجله وهي ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز اذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقد ورت ( وردت ظ ) اخبار عن السادة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار ان الصدقة تطيل العمر وان بر الوالدين يطيل العمر وان الظلم ينقص العمر وما شاكل ذلك وهو كثير وما التوفيق وهل هذا بداء وان البداء يجوز عليه وعلى تقدير جوازه فاي قسم يجوز وهل هناك اجل مخروم ام لا ابن لنا ذلك على التفصيل سؤالا وجوابا ولا زلت مؤيدا بالتوفيق
اقول وبالله التوفيق ومنه الهداية الى سواء الطريق اعلم ان الله سبحانه وتعالى ابى الا ان يجعل فعله كاملا لكماله المطلق ولما كان الاختيار اشرف واكمل من الاضطرار وجب ان يجري فعله ومفعوله في الايجاد والانوجاد على جهة الاختيار ليكون امره وفعله على كمال ما ينبغي اظهارا للحكمة البالغة واعلانا للقدرة الكاملة فاجرى سبحانه وله الحمد والشكر سر الاختيار والشعور والارادة في جميع ذرات الكاينات واطوار الموجودات والاختيار واثاره لا يظهران الا بترتب الاسباب على مسبباتها واللوازم على ملزوماتها وجرى الاشياء بالمتممات والمكملات والشرايط والعوارض والغرايز والغرايب والتكاليف والاحكام من التكوينية والتشريعية وغيرها من الامور التي يطول بذكر تفاصيلها الكلام فجعل سبحانه وتعالى وله الحمد والشكر بلطيف حكمته وحسن صنعته تلك الاسباب واللوازم والشرايط واجراها على جهة التكليف تتميما للاختيار وتحقيقا للاختبار فخلق الخلق في العالم الاول ذراتا مبثوثة وحصصا مادية غير مصوغة بصورة خاصة صالحة لكل صورة قابلة لكل هيئة فسئلهم بلسان قدرته لما اقدرهم على الاجابة بان جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا من الاختيار والشعور والارادة وآلات القبول والمنع فسئلهم الست بربكم فاختلفوا في الاجابة على اقسام فمنهم من اقروا بظاهرهم وباطنهم على الاصالة والسابقية وهم السابقون السابقون الذين هم المقربون وهؤلاء صاغهم الله باجابتهم على احسن الصورة من الصورة الانسانية واكمل الفطرة من الفطرة الالهية خلقهم من بحر النور فجعلهم على فطرة التوحيد وكساهم حلية التفريد ومنهم من اقروا ظاهرا وباطنا على جهة التابعية دون الاصالة الاولية الذاتية فخلقهم الله سبحانه وتعالى باجابتهم على هيئة خلقة الاولين بفاضل نورهم واشراقات ظهورهم ومنهم من انكروا ظاهرا وباطنا بسوء قابليتهم وقبح اختيارهم في طويتهم فخلقهم الله سبحانه بانكارهم من ظلمة الشقاق والنفاق وخمر في طينتهم جميع المعاصي والاوزار اولئك هم رؤساء الكفر والضلال واصول الفساد والاختلال ومنهم من انكروا ظاهرا وباطنا على وجه التابعية الثانوية دون الاصالة الاولية الذاتية فخلقهم الله سبحانه وتعالى من طينة متبوعيهم وعلى هياكلهم وصورهم من الصور الخبيثة القبيحة الشيطانية بحكم التابعية من فاضل ظلمات اولئك الاشرار وهؤلاء هم الذين خلقوا للنار بسوء اختيارهم وهو قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس الآية ومنهم من توقفوا ولم يقروا ولم يجحدوا بل سكتوا ولم يعرفوا وهولاء لم يخلقوا على صورة مخصوصة وبقوا على حالتهم الاصلية من كونهم حصصا مادية ومنهم من اقروا ظاهرا وانكروا باطنا فانكارهم عتو او عناد واقرارهم استهزاء وسخرية لاظهار بواطنهم الخبيثة ولاجراء طغيانهم على كل البرية وهم النواصب من الكفار الموجودون في هذه الدنيا على الصورة الانسانية الظاهرية ومنهم من اقروا باطنا وانكروا ظاهرا مثل كلب اصحاب الكهف فانه مؤمن مسلم في الروح كافر بظاهر الجسد وخلق الله سبحانه وتعالى باطنه من صبغ الرحمة الذي هي الصورة الانسانية وظاهره من صورة الانكار وله نظائر كثيرة فهؤلاء الاقسام من المخلوقين كانوا في الخلق الاول امة واحدة غير مختلفة وباقرارهم وانكارهم واجابتهم واعراضهم اختلفوا كما قال عز من قائل كان الناس امة واحدة فاختلفوا فالاقرار والانكار هما السببان القويان العظيمان في اختلاف الاشياء وقوتها وضعفها ودوامها واضمحلالها وبقائها وفنائها واعوجاجها واستقامتها وحسنها وقبحها ولطلافتها وكثافتها وتجردها وماديتها واستعلائها وتسافلها وسعتها وضيقها واستدارتها واستقامتها وعلمها وجهلها ونورها وظلمتها وشبابها وشيبها وكسرها وجبرها وساير احوالها كلها انما حصلت باقبالها الى الله عز وجل لما كلفها وادبارها عنه تعالى لما امرها بالاقبال اليه فمن صفى اقباله الى الله وخلص عن شوب الشهوات النفسانية من النفس الامارة بالسوء فهو واقف على فوارة النور والخير والرحمة على حسب قبوله واقباله فكتب له الاجل الدائم الباقي الطويل والرزق الواسع والصورة الحسنة والتراكيب المعتدلة والشمائل المستحسنة وغرازة ( غزارة ظ ) العلم وجودة التحصيل وما اشبهها من الخيرات العظام والعطايا الجسام وكتب ذلك في اللوح المحفوظ واودعه عند الحملة ملائكة الانوار حملة كتاب الابرار في عليين لدى الملك الجبار ومن خلص انكاره وقوى ادباره وبقي يحوم حول نفسه ولم يلتفت ولا يتوجه الى ربه فهو واقف على باب الظلمة بعيد عن الخير والرحمة منكس الرأس حالّ في الرمس فكتب له الحرمان والطغيان والشقاق والنفاق والجهل والحمق والفسوق والعصيان والضيق والحرمان والفناء والاضمحلال والذلة والانكسار وسوء الخلق وقبح المنظر وفساد الضمير وسوء التقدير وكتبه في اللوح المحفوظ واودع عند حملة كتاب الفجار في سجين واما الذي يقبل مرة ويدبر اخرى كعامة الناس فيضعف في حقه تلك الاحوال من الطرفين فاذا قوي في جهة قوى ترتب المسببات على تلك الاسباب فاذا ضعف ضعف وهذه القوة والزيادة والنقصان لا تتناهى في عالم الذر الاول الى ان وصلوا الى عالم الاظلة وبقوا هناك ما شاء الله واختلفوا في الزيادة والنقصان اما بالتمسك باسباب الخير المقتضي لترتب مسبباتها عليها او بالتمسك باسباب الخذلان المقتضي لترتب آثارها عليها فتختلف اوضاعهم في ذلك العالم بالنسبة الى العالم الاول فيقع في اللوح محو واثبات وتغيير وتبديل الى ان وصلوا الى عالم الهباء وعالم الاشباح الى ان نزلوا الى هذه الدنيا بعد قطع مسافات بعيدة بحصول اختلافات شديدة لاختلاف اطوارهم في اقبالهم وادبارهم وما لحقهم في هذه الدنيا من انواع التطورات المستدعية لانحاء الاختلافات المقتضية لوقوع التغيير والتبديل في اللوح المعبر عنه بلوح المحو والاثبات ذلك تقدير العزيز العليم هذا بيان سر نوع الاختلاف في النشاءات بتطور الحالات
واما الاجال فاعلم ان الله سبحانه وتعالى لما لم يكن زمانيا ولا مكانيا كانت نسبة الماضي والحال والاستقبال عنده تعالى على حد سواء والازمنة الغير المتناهية والامكنة المتباعدة الغير المتقاربة حكم جميعها عنده تعالى سواء فهو سبحانه وتعالى لما اجرى عادته لما عرفت ان يرتب الاسباب ويجري مسبباتها عليها ويخلق الخلق ويجعل فيهم الاختيار والشعور والارادة والادراك ويعطي على حسب الميولات وما اقتضته الشهوات ولا يجبر احدا في حال من الحالات ولا يظلم شيئا فيما يستحقه من الحركات والسكنات وتلك الاسباب والعلل والاطوار والاحوال والميولات والاقتضاءات على اختلافاتها كلها حاضرة لديه غير غائبة في ملكه كان عنده سبحانه علم جميع الاشياء بجميع حدودها وعوارضها ومشخصاتها الى انقطاع اطوارها الغير المتناهية عندها والمتناهية عند باريها ومنشيها قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها الى انقطاعها وفنائها على المعاني كلها كل ذلك علم احاطة وعيان وقيومية في لوح محفوظ لا يتغير ولا يتبدل ولا يقع فيه المحو ولا الاثبات ولا النقصان ولا الزيادة فما كتب عنده في ذلك الكتاب لا يمحي ولا يثبت ولا يتغير ولا يتبدل وهو قوله تعالى حكاية عن موسى علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى والاجل الثابت للشيء المكتوب في ذلك اللوح هو المسمى بالاجل المسمى كما قال عز وجل ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده وهذا الاجل نهاية الشيء بعد جميع اطواره وادواره وتنقلاته في اوطار اكواره ولما كان الله سبحانه وتعالى اشهد محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم وملائكته المقربين وانبيائه المرسلين اطوار الخلق حين خلقهم وعلمهم مقتضيات ميولاتهم وشهواتهم الموجودة في ذلك الوقت المقتضية لاجل معين ورزق معين وسعة معينة وامثال ذلك ولما كان امدادات الامكان لا تتناهى واطواره لا تحصى وهم سلام الله عليهم لا يحيطون بجميع الامكان واطواره واحواله لان ذلك علم خاص بالله سبحانه لا يشاركه فيه احد والا لساواه في الغني والوجوب كانوا لا يعلمون الا مقتضى ميولات الخلق من آجالهم وارزاقهم ومدة اعمارهم وسعة احوالهم الا ما اقتضته كينوناتهم بحسب جريان المسببات على اسبابها في ذلك الوقت وذلك الزمان والدهر بل والسرمد وتلك المقتضيات على قسمين قسم وقع السبب على المسبب وترتب حكمه عليه وقسم لم يقع وهو على قسمين قسم ينتظر الوقوع ويحتمل الوقوع واللاوقوع وقسم لا يحتمل الوقوع اما عقلا او عادة او من جهة وعد الله سبحانه وتعالى وحكمه وامره اما الذي وقع فالاعمال التي صدرت عنه من خير وشر ونفع وضرر وترتب حكمها عليه من طول العمر وقصره وضيق الرزق وسعته واما الذي ينتظر الوقوع فكالاعمال التي لم يفعلها ويحتمل في حقه فعلها وتركها ويصلح لترتب مقتضياتها عليه واما الذي لا يقع ولا يحتمل الوقوع عقلا فمثل ان يترقى الخلق من الفقر الى الغني ومن الامكان الى الوجوب ومن الجهل الى العلم المحض وامكان ان لا يقع بعد وقوعه واما الذي لا يقع عادة ويحتمل وقوعه في مشية الله فمثل ان ينقلب الرجل من الذكورية الى الانوثية وتنزل السماء الى الارض وتصعد الارض الى السماء وامثالها واما الذي لا يحتمل وقوعه لوعد الله سبحانه وتعالى فكاسعاد الاشقياء وادخالهم الجنة من حيث انهم اشقياء والعكس كذلك فما وقع السبب على المسبب وتحقق القدر من المُدَدِ والاجال فذلك هو الاجل المقضى المشار اليه في قوله عز وجل ثم قضى اجلا فان القضاء هو الحكم بعد ترتب الاسباب على مسبباتها واللوازم على ملزوماتها والشرايط على مشروطاتها ثم ان كان مما محوه ووقوع ضده ممتنع عليه اما عقلا او عادة او وعدا من الله سبحانه كما عرفت فذلك الاجل هو المقضي المحتوم ففي المقام الاول محتوم لا يمكن تغييره وفي المقام الثاني والثالث محتوم في الحكمة وان جاز التغيير والتبديل نظرا الى المشية والقدرة وان كان مما محوه ووقوع ضده ممكن منتظر فذلك الاجل الثابت في اللوح هو المسمى بالاجل المشروط يعني انتهاء تلك المدة مشروط بعدم وقوع معارض من نور او ظلمة فان وقع الشرط يظهر حكم المشروط زيادة ونقصانا ويمحي عندهم العلم الاول ويثبت عندهم الثاني بالنسبة اليهم حيث لا احاطة لهم سلام الله عليهم بما في مكامن الغيب من وقوع تلك المشروطات ولا وقوعها حيث ان الخلق دايم السيلان والذوبان وكل يوم هو تعالى في شان ولا يحيط بجميع تلك العلوم من الغيب والشهادة الا الخارج عن حد الامكان
ان قلت ان كثيرا من فقرات الزيارات والادعية والروايات ناصة صريحة على انهم يعلمون علم ما كان وما بقي وما كان وما يكون فلا يتم ما ذكرت قلت اذا نظرت الى تلك الروايات وقابلتها مع الايات مثل قوله تعالى قل رب زدني علما وقوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وامثالهما والروايات الناهية عن القول بانهم يعلمون الغيب التي كادت ان تبلغ حد التواتر علمت ان المراد من هذا العلم هو العلم الاكواني يعني عندهم علم ما وجد في عالم الاكوان سواء برز في عالم الشهادة والوجود او بقي مخفيا في الخزائن الغيبية ولم يؤذن له بالبروز الى عالم الشهود وسيظهر فيما بعد ذلك اما مستمرا او منقطع الوجود فقد يقع شيء بعد آلاف الف سنة مثلا من سني الاخرة وهم يعلمونه الآن وقد يقع شيء بعد ساعة ولا يعلمونه كما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك الحطاب بانه يموت بعد ساعة ولا يرجع ثم تصدق ذلك الرجل فكانت تلك الصدقة علة التأخير وسببا لا نساء الاجل ولم يكن يعلمها رسول الله صلى الله عليه وآله لانها لم تكن موجودة في عالم من عوالم الاكوان الا في بحر الامكان عند الله عز وجل لا انها كانت موجودة في خزانة من الخزائن المكنونة ولم يعلم بها نبينا نبي الرحمة حاشا وكلا فان الله سبحانه اشهده علم كل موجود من غايب ومشهود بل لا يوجد شيء الا وهو مرتبة من مراتبه او شعاع من اشراقات انواره او نعكس م ظلال اثاره والى ما ذكرنا يشير قول امير المؤمنين عليه السلام لولا اية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وما يكون الى يوم القيمة وهو قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب
فقد تبين لك ان المحو والاثبات انما يقع للشيء في حكم الله سبحانه وتعالى عليه بتنقلات اطواره وتطورات اكواره وادواره الا ترى ان الانسان في حال كونها نطفة له حكم بحسب مقامها فاذ انتقلت النطفة الى العلقة مُحِيَ حكم النطفة وثبت حكم العلقة لا ان العالم جاهل بالحكم الثاني في المقام الاول بل في المقام الاول ليس له الا ذلك الحكم فلو حكم عليه بالحكم الثاني كان خطأ محظا ( محضا ظ ) وظلما صرفا فلما انتقلت الحالة الاولى الى الثانية اخفى الحكم الاول اذ لا موضوع له واظهر الحكم الثاني لتحقق موضوعه وبقاء محله وهكذا من طور العلقة الى المضغة ومن المضغة الى العظام ومن العظام الى اكتساء اللحم ومنه الى ولوج الروح ومنه الى الخروج الى هذه الدنيا ومنه الى حالة الرضاع ومنها الى الفطام ومنها الى حالة الى الصبي ومنها الى حالة البلوغ ومنها الى حالة الشباب ومنها الى حالة التمام ومنها الى حالة الوقوف ومنها الى حالة الكمال ومنها الى حالة الانحطاط ومنها الى حالة الشيب ومنها الى حالة الهرم والكبر وارذل العمر ومنها الى حالة المرض ومنها الى حالة الموت ومنها الى حالته في البرزخ باطواره من قبره ولحده الى انفكاك روحه عن جسده الى دخول روحه في الجنة او في النار واحواله في مقامات الجنة من حال اكله من كبد الحوت الى حالة اكله من كبد الثور الى شربه من ماء الكافور الى شربه من ماء السلسبيل الى دخوله في الكثيب الاحمر الى دخوله في الرفرف الاخضر الى وقوفه في ارض الزعفران الى صعوده على جبل الاعراف من ياقوتة حمراء الى غوصه في بحر الرضوان وسباحته فيه ابد الابدين الى ما شاء الله ولا شك ان لكل من هذه الحالات حكما خاصا ولها اجالا خاصة ينتقل تلك الاحكام وتلك الآجال بانتقال تلك الحالات فلا يزال يثبت اجل ويمحي اخر ويكتب حكم ويمحي اخر ويظهر امر ويخفي اخر كل ذلك بالنسبة الى الشيء الواحد والمحيط بهذه الاحوال وهذه الاحكام في هذه الاطوار كلها عنده علم جميع هذه الاحكام المختلفة المتعاورة على شيء واحد وعنده الامر الواحد الذي ينتهي اليه الشيء ولا يزول عنه ولا يتغير ولا يتبدل واما الذي له الاحاطة ببعض دون الاخر فله الاحاطة باحكام ذلك البعض خاصة فاذا طرءت عليه الاحوال الاخر المقتضية للاحكام الاخر تتجدد عنده تلك الاحكام من الاجال والارزاق وهذا هو البداء الذي يستعمل في الله عز وجل ويصح عليه تعالى اذ لا يصح ان يقال انه تعالى ما كان يعلم ثم علم وتجدد له علم فان ذلك زندقة محضة بل المراد انه تعالى يجري احكامه ومقاديره على حسب احوال الشيء فاذا اقتضى الشيء على مقتضى شانه في علم الغيب كتب له وعليه ذلك الحكم واذا اقتضى ما يضاده كتب عليه وله ذلك الضد في الوقت الآخر ويمحو الاول لا انه تعالى جاهل بالحالة الثانية المقتضية للحكم الثاني والاجل الثاني بل عنده الحكمان والاجلان والاجل الذي لم يتغير ولم يتبدل الذي هو الاجل المسمى مثلا لما وجدت النطفة جعل لها من الاجل اربعين يوما فكتب في اللوح ان الانسان في النطفة اجله اربعين يوما فلما صار في العلقة زاد الاجل وبقي الانسان وهكذا لما وصل الرحم وزار سيدنا ومولانا ابا عبد الله الحسين عليه السلام قويت بنيته واعتدلت قابليته وزاد في عمره عما كان سابقا فمحى الاجل الذي كان قبل ذلك فلما عصى بعد ذلك وزني وقطع الرحم مثلا ضعفت بنيته واضمحلت طويته فنقص عمره فمحى الاجل الذي كان مكتوبا قبل ذلك والاجلان بالسببين كان عند الله سبحانه وتعالى ولكن عند سبب القوة اجرى وابان حكمها وعند سبب الضعف اجرى وابان حكمه والجميع في الكتاب العزيز الحميد الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد نعم الملائكة والائمة عليهم السلام يعلمهم الله ما تتحمل قابلياتهم من الاحاطة باطوار الانقلابات المقتضية لانقلاب الاجال والاحكام ويخفي عنهم ما لا تتحمل قابلياتهم ويعطيهم اياه شيئا فشيئا في ليالي القدر وليالي الجمع وما ينزل عليهم في كل ساعة وآن ودقيقة من العلوم وحيث كانت الاحاطة التامة لكل عالم الامكان لا يمكن الا للخارج عن هذا الحد كان علم البدا خاصا لله تعالى اذ لا احاطة لغيره تعالى بجميع تلك الشئون والاحوال التي يجري عليها تلك الاحكام والآجال فمن هذه الجهة لا يمكن لاحد تحصيل العلم الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يزيد ولا ينقص الا لله عز وجل او من اخبره الله تعالى على سبيل الحتم والقطع فانه تعالى لا يكذب اوليائه فافهم ولذا قلنا ان لوح المحو والاثبات الواح صغار في اللوح المحفوظ وكلها حدود اللوح المحفوظ وصفاته واطواره واحواله وهذا هو حقيقة البدا فافهم فانك لنتجد هذا البيان في غير هذا الجواب والله خليفتي عليك
واما الاجل المخروم فاعلم ان العبد ربما يعمل عملا يقتضي ذلك العمل بالله سبحانه زيادة في عمره ورزقه وحياته وبقائه واكتسابه للعلوم والكمال ولكنه قد يتفق له اسباب عرضية يموت بقتل ا وبغرق او حرق او صدم او هدم او غير ذلك من الاسباب قبل استيفاء اجله المقدر له قبل ذلك وعدم عروض مانع يمحو ذلك الاجل والرزق والبقاء والحيوة فيبقى هذا في موته ما شاء الله فيحييه الله تعالى عند قيام القائم عجل الله فرجه وعليه السلام فيستوفي رزقه وحيوته واجله فيموت بعد ذلك والعلماء اختلفوا في مقدار الاجل الباقي للمخروم على اقوال نادرة بالخرص والتخمين والذي اعرفه من الروايات ثلثون شهرا والله سبحانه اعلم
واما قولكم ان ذلك ينافي قوله تعالى اذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فلا منافاة في ذلك فان الله عز وجل علق الفورية والوقوع بمجيئ الاجل وهو كذلك فاذا جاء لا يتأخر بل التأخير محال ح ولكن المحو والتأخير انما يقعان قبل المجيئ فان الرجل كان مستحقا للبقاء خمسين سنة فقبل تمام الخمسين ولو بدقيقة ولو ثانية وثالثة ورابعة بل اقل من ذلك قبل المعاينة وقبل قبض روحه عمل عملا قويت بنيته وصلحت فطرته واعتدلت قابليته فينسى في اجله ويؤخر الى اجل معلوم لانه بعدُ ماجاء فاذا جاء الاجل فلا مخلص ولا مفر فافهم واعذرني عن بسط المقال وشرح دقايق الاحوال فان في هذه الاحوال ماكتبنا لكم غاية المقدور ولكني اشرت الى جميع ما اردت من شقوق المسئلة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وفرغ من تسويدها منشيها عصر يوم الخميس في العشرين من شهر ربيع الثاني حامدا مصليا مستغفرا مسلّما في سنة ١٢٤٤