
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اعلم انك كلفت وقبلت ونوديت فاجبت فهل تدري ماذا قلت عند القبول والاجابة هل قلت نعم او قلت بلى فان هذين القولين اي الاجابتين مختلفان حسب اختلاف الكينونات في الاقتضاءات وانحاء الاجابات وقد تكون اجابة نعم بلى لا من حيث كونها نعم وذلك اذ اختلت الشروط وانهدم بنيان الاستقامة للقصور الكلي لا الجزئي فان الجزئي يستلزم اجابة نعم وعند تراكم الغيوم الحاجة لانبثاث نور شمس الظهور المتشعشع من افق المحبة والسرور على اراضي القابليات ومرايا الاستعدادات وتلك الغيوم انما تأصلت وتحصلت وحجبت وتكونت من اشراق شمس العناية على ارض الجرز فتصاعدت به الابخرة الرطوبات الفضلية الزايدة المستجنة في بعض تلك الاراضي وهي جهات الانيات وشؤن الماهيات الزائدة على قدر الامساك الممتزجة بهواء الهوى ودعوى اني انا الله فاستعانت تلك الجهات الزائدة العارضية باشراق شمس العناية الالهية للتراكم والتثاقل الى ان صارت سحابا عقيما المثار من الريح العقيم فحجبت الشمس بها عن الاضاءة الكاملة والانارة الحقيقية للسائلين الواقفين ببابها لا بل حجبت الاراضي المستعدة عن الاستمداد منها والاستضاءة عنها والاستقرار دونها واخراج النبات الحسنة والازهار الطيبة والاثمار الجنية بنظرها الا مما ظهر من تحت تلك الغيوم وهو نور مشوب بالظلمة فلم يحصل النضج الكامل الا بارتفاع ذلك الغيم ففي مثل هذه الاحوال تكون اجابة نعم بلى لكنه لا من حيث كونه نعم لكن لما كانت الشمس من حيث الجرم اكبر واوسع من الارض كلها فضلا عما تتكون منها الابخرة وتنعقد منها السحاب لم يكن هذا الحجب كليا والمنع مطردا واقعيا بل تحصل لكثير من الاراضي المقابلة بها والاستنارة عنها والنظر اليها فان لم تمنعها اليبوسة الكلية التي هي طبع الموت وعدم القبول والانفعال الا بعسر شديد وفقدان الرطوبة العملية والعلمية التي هي طبع الحيوة في الكبد والقبول والانفعال بسهولة فتحترق بالمقابلة ولم تكن مالحة سبخة فلا تنتفع بالمواجهة تخرج منها ثمرات مختلف الوانها فيها شفاء للناس ولما كانت الرطوبة الفضلية ليست ذاتية مستقلة ثابتة بل هي عرضية تفني سريعا وتنجلي الشمس وينبسط النور ثم تجتمع تلك الرطوبات وتتصاعد وتتراكم وتحجب ثانيا وهكذا فانت يا اخي في مثل هذه الحالة فانظر في اي ارض وقعت والى اي شيء استندت واعلم قطعا انه سبحانه من جهة انه تعالى ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها ما جعل قوام هذه العالم السفلية الا بالشمس ومااختلفت احوالها الا باختلافها في مقابلة نور الشمس مع الحجاب او بدونه مصفاة من الكدورات العارضة او معها فعلى مقدار قبولها من نور الشمس تأصلت وتحققت وجرت عليها الاحكام واستمرت على الدوام فاذا عرفت هذا فاعلم ان الامام عليه السلم هو الشمس المضيئة في الانام وفي كل العوالم وبه احى الله البلاد واقام العباد في مقاميهم التكويني والتدويني على سبيل الرشاد ولولاه لساخت الارض باهلها ونوره هو ما حمله الله سبحانه مما فيه صلاح الكون وبقاءه وسبب دوامه واستمراره كما حمل الشمس ما به قوام الاجساد العنصرية وبقائها وهو نورها ولما ان الالجاء والاضطرار مما يقبحه اهل الاعتبار وجب ان يكون نور الامام عليه السلم هي التكاليف الشرعية التي بها صلاح الدارين ونظام احوال النشأتين وتيسير الكل لما خلق واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فاختلفت مراتب الموجودات حسب اختلافهم لقبول التكليف في الكيف والكم والجهة وحسب مقابلتهم لنور الشمس الحقيقي الواقعي مستجمعي الشرايط او احتجابهم عنه بحجب الغيوم او الاحتجاب في البعض والانجلاء في الآخر او في اغلبية الانجلاء او الاحتجاب والاختفاء ولكل مقام من هذه المقامات احكام ويضيق الصدر بذكرها كما لا يضيق بكتمانها وها انا اشير الى بعض تلك الاحوال والاعمال مما يجوز بيانه ولا يخفى برهانه فنقول اما القسم الاول فلسنا في هذا المقام بصدد بيانه لطول بحثه ودقة مأخذه وصعوبة مسلكه مع انا قد اشرنا اليها في هذا المقام باحسن وجه مما يمكن الاشارة اليه واما الاقسام الثلثة الاخر فيختلف احوالهم باختلاف الاصقاع والادلة فمن ارتحل عن بلد تكثر فيها الغيوم والامطار وتتراكم السحب والرعد والبرق والظلمات الى بلد آخر فقد استراح من تلك الاهوال المنكرة والمسالك الوعرة والظلمات المهلكة الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فاولئك عسى ان يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا وتلك البلدة من جهة بطلان الطفرة ليست صاحية خالية عن الغيوم بل هذا المقام الثاني الذي ينجلي وقتا ويتراكم في آخر واغلبية التراكم والانجلاء انما هو بمقدار البعد عن البلدة الاولى والقرب اليها فاذ لم يقف لكثرة التعب ولا يمنعه تعب السفر عن التغرب يصل الى بلد وسيع وفضاء فسيح بلدة صاحية وعن الغيوم والرعود خالية عارية فيرى نور الشمس ظاهرا وعن الشك والريب عاريا ويرى الشيء كما هو فيستضيء بنور الشمس ويجلس مجلس الانس ففي المقام الثالث مقام القطع والكشف والشهود والعلم بحقيقة طاعة المعبود ومعرفة حقيقة الركوع والسجود والمقام الثاني على اختلاف مراتبه مقام القطع الثانوي والعلم النفس الامري دون الواقعي والمقام الاول مقام الظن والتخمين وفقدان العلم واليقين والقطع الظاهري وبالحكم الظاهري انظر يا قرة عيني الى تفاوت المقامات وتباين الدرجات ولا ترض باسفل الدرجات فتقول لست مكلفا بازيد من ذلك نعم ان كنت لم تستشعر لذلك وكنت غافلا عما هنالك او لم تجد الدليل ولم تهتد السبيل والا فانت مطلوب بذلك مسئول عما هو لك لقبح العمل بالاسفل مع التمكن من الاعلى واكل الميتة الجيفة مع التمكن من البر الخالص وقد دل عليه القرآن لمن له عينان في قوله تعالى ان الذين توفيهم الملئكة ظالمي انفسهم حيث بقوا في مقام الجهل والظن مع تمكنهم من العلم وتنبههم لذلك قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض حجبتنا الغيوم وادركنا الظلام فلم يبصرنا قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا الآية حيث ان الظلمة قد احاطت بهم فضيعوا الطريق ولم يجدوا الدليل ولم يهتدوا الى السبيل فوقفوا حياري وبقوا في قيد الظن والجهل اسارى فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم لقصورهم لا لتقصيرهم واسناد القصور ونفي التقصير مسامحة في العبارة والدليل عليه قوله تعالى وكان الله عفوا غفورا فان العفو والمغفرة لايكونان الا مع التقصير ثم اشار الحق سبحانه الى المنافع المترتبة على الخروج من تلك الوادي بقوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة من العلوم والانوار ومشاهدة الاشياء كما هي والاستبصار في امر دينه ومقابلته لنور الشمس مصفي عن الكدورات ومنزها عن الدناءات ومعرفته اقتضاء الكينونات وتباين الاقتضاءات ثم لما كان المقام لغير المعصوم ولا يأمن من الخطا وان قل وندر اشار الحق سبحانه الى حكمهم وحالهم في المعرفة عند الخطا بقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت الذي هو عدم العصمة والحكم بما خالف الواقع وعدم مقابلته للنور الذي طبعه طبع الحيوة كما قال تعالى فاحييناه وجعلنا له نورا ففاقد النور على طبيعة الموت فقد وقع اجره على الله لانه تعالى بفعله وفضله وكرمه جابر الكسير ومتمم النقصان لانه محسن وما على المحسنين من سبيل اذا اخطأوا والدليل على ان المراد من الموت الخطا قوله تعالى وكان الله غفورا رحيما وامثال هذه الآيات في القرآن كثيرة ولكن ابناء هذا الزمان لما لم يجدوا الا الحجاب ولم يسكنوا الا التراب ولم يشاهدوا الا النقاب اذا سمعوا شيئا من تلك الناحية وكلاما من وراء الحجاب تلقوه بالانكار فحرموا عن مزاوجة تلك الابكار لكنهم لو تأملوا بصافي النظر وخالص الفكر والبصر لرأوا الامر عيانا فان لم يتأملوا فليحفظوا وصيتي بان لا ينكروا اشد انكار ولا يخرجوا عن حد الاعتبار الا ما خالف ما لا يحتمل الشك والانكار كما قال مولينا الكاظم عليه السلم على ما رواه في الخصال امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه وامر فيه خلاف فما ثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق على المستوضح تلك الحجة ردها ووجب عليه قبولها وما لم يثبت لمنتحليه حجة من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له الحديث وهذا لعمري اصل اصيل لا يتعد له الا جاهل او معاند فاذا رأيت شيئا يخالف فهمك وعقلك لا تسارع اليه بالانكار فان فهمك ليس مدار الحق والباطل لانك ما اوتيت من العلم الا قليلا فانظر ان كان يخالف الاجماع الضروري بين المسلمين فاحكم بكفره وان كان ضروري المذهب فاحكم بارتداده عن الحق وضلالته بعد ما تبين له الرشد وخلوده في النار ما دامت السموات والارض وكذا ان كان احداث قول ثالث في الاجماع المركب وانت تعلم انه يعلم ان قول المعصوم عليه السلم غير خارج عن احد القولين ومنحصر فيهما لا اذا ما لم يعلم وان كنت تعلم لان علمك ليس بحجة للغير واما اذا خالف الاجماع المحصل او المنقول او امثال ذلك فليس عليك ان ترده الا ان يكون لك دليل قاطع على بطلانه فليكن انكارك حينئذ جزئيا لا كليا لكن الاشكال كل الاشكال في معرفة مخالفة الاجماع وموافقته اذ كثيرا ما يقع الخطا في معرفة ذلك وكم قيل ان الفلاني مخالف للاجماع مع انه في عين الوفاق والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب
فاذ قد حفظت وصيتي هذه فاصغ الى الكلام قاصدا لفهم المرام وحافظا لسوق المقام واعلم ان كل خلق لا بد له من انخلاق والا لما خلق حين خلق وكل انخلاق لا بد له من الاعتبار في الوفاق والا لما انخلق حين انخلق فاذا قطعت نظرك عن اعتبار الانخلاق سقط التكليف وبطل التعبير ولم يكن الشيء شيئا اذ بدون التشيؤ لم يظهر الشيء اي لم يتعلق به الجعل فلم يوجد وقولنا لم يظهر تسامح واحتراز عما عسى ان يتوهم علية الانخلاق للخلق وهو باطل او تساوقهما في الوجود وهو كذلك واثبات للترتب واظهار للانخلاق بالقشرية فثبت ان المخلوق متقوم بالمقبول والقبول وجبرية المقبول مناقضة (ظ) والفصل بين الجبر والاختيار مكابرة واضحة فثبت الاختيار في القبول فتكون عطية المعطي تكليفية فيكون الايجاد على جهة التكليف فالمكلف به هو المادة والقبول هو الصورة والمجموع هو المكلف بفتح اللام والموجد بكسر الجيم هو المكلف والفعل هو التكليف والتمكين هو الدليل ووجه المبدء هو السبيل وهو ما خاطب الحق سبحانه في الخطاب الثاني الكاشف عن الخطاب الاول ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فدعى داعي الحق سبحانه الكينونات تحت حجاب اللاهوت والاحدية بالحكمة فاسرعت في الاجابة واضمحلت وذابت دون جلال جمال البهاء ونطقت بانك انت الله ودعاها تحت حجاب الواحدية والالوهية بالموعظة الحسنة فاجابت وسكنت وتيقنت فقامت بالعبادة وسلكت طريق الزهادة وانقطعت الى معبودها واشتغلت بركوعها وسجودها ودعاها تحت حجاب الرحمانية بالمجادلة بالتي هي احسن فاجابت لكنها تكاسلت وقعدت عن العبادة واضطجعت ونامت وحجبتها الكثرة عن ملاحظة الوحدة والجزئيات عن مشاهدة الكليات فتراكمت الصور وتعارضت واختلفت وتناقضت وتواردت فصارت مبدء الوسوسة والريبة والشك والظن والعلم في مقام الجزئي تتعاور فيها الظنون وتتراكم عندها الاوهام وضل دونها الافهام مقام كثير الاخطار وعظيم الاوزار واعلى مقاماتها العلم وآخر مراتبها الريب والجهل البسيط والمركب فاذا انتهت مراتب تكاليف الكينونات والذوات جرت الاحكام وتوجهت التكاليف بعين توجهها وجريانها في الصفات فانها نتايج الذوات واقتضاءات الكينونات ولما كانت الصفة تتبع الموصوف والفرع على مقتضى الاصل كان التكليف الثاني الذي هو التكليف الوصفي والشرعي الثانوي المنبئ عن الشرعي الاولى على حكم الذات والاصل في كل مقام من المقامات الثلثة فيكون العمل الظاهري الوصفي في كل مقام بحسبها بحسب ذلك المقام ففي الاول على جهة العيان والمشاهدة وفي الثاني على جهة اليقين والبصيرة وفي الثالث على جهة العلم والا فالذي يقوم مقامه من الظن وامثاله ان ثبت وبالجملة في كل عالم تكليفان كوني ووصفي وهما متطابقان ينبئ احدهما عن صاحبه وصاحبه يشهد له ولما كان القبول على قسمين متناقضين احدهما الاجابة وهي تستدعي الهيكل التوحيد والصورة الانسانية وثانيهما الانكار وهو يستدعي هيكل الكفر والصورة الشيطانية ومبدء كلتا الصورتين مستجنة في الشيء المكلف ويترتب على كل مقتضاه ومعنى ذلك ان الفاعل المبدء بالنسبة الى ما يصدر عنه في اعلا مقام واشرف واسنى مكان فلا يقاس علوه وسموه بالنسبة الى المفعول بوجه من الوجوه فاذا اوجد الشيء لا من شيء نقشت له صورتان صورة في عليين وصورة في سجين وذلك ان الشيء له جهتان جهة من مبدئه وجهة من نفسه المتقومة بالاولى فالجهة الاولى من حيث هي هي منزهة عن الصور وعن كل كثرة وجمعية لانها وجه المبدء وهو لا يحكي غيره فاذا هو مثاله وآيته ودليله وهو هو له في غير ما هو غيره وهو فاعل فعل اللازم فليست لتلك الجهة صفة ولا عبارة ولا اشارة ولا تحديد ولا تمييز والجهة الثانية لها مقامان احدهما مقام ملاحظتها بالاولى وجعلها آلة للتوصل الى الذروة العليا وثانيهما مقام ملاحظتها من حيث نفسها محتجبا بها عن الاولى الاعلى يسجدون للشمس من دون الله فالاول يقتضي حدا وصورة ومشخصات كالثاني الا ان الصورتين مختلفتان بل متضادتان لان الاول مقام كيف ادعوك وانا انا وكيف لا ادعوك وانت انت اذ ملاحظة نفسه من حيث ربه يقتضي الفقر المطلق في سره وعلانيته وغيبه وشهادته وحركاته وسكناته ولحظاته وبدواته وخطواته وخطراته وكلما له وبه وعنه ومنه وفيه ومعه وعنده وعليه من الشئون وهذا الفقر المطلق هو العبودية المحضة وهو الذي افتخر به رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله صلى الله عليه وآله الفقر فخرى وبه افتخر وحصر فخره فيه ولذا صارت العبودية اعلى مناقبه واشرف فضايله اذ كل فضيلة من اثرها وهذه العبودية حقيقة جامعة حاوية لكل طاعة وعبادة وخضوع وخشوع الا ان لها اربعة اركان تتم بها وثلث مقومات فيتم بها البيت الحرام ويختص بالله سبحانه ويكون مطافا لجميع المكلفين عليه اسبوعا لذلك السر من انه انما يتم بسبعة وهو السبع المثاني فان الصلوة كانت في اول ما شرعت مثنى مثنى والحج لا يتم الا بعمرة مفردة كانت او متمتعا بها وفاتحة الكتاب تثني في كل صلوة والاسبوع ثنيت بيوم وليلة وكل ذلك للسر الذي اشرنا اليه تفهمه ان شاء الله تعالى
فاول الاركان الاقبال الى مبدئه وموجده والاعراض عن كلما عداه والا لما خلصت عبوديته والثاني القيام بخدماته ناسيا نفسه وشاغلا عنها بربه فاقدا وجدانه والا لماتمحض فقره والثالث ملاحظة اضمحلال كل شيء دون جلال عظمته وقهاريته والرابع ملاحظة اضمحلال نفسه ونسيانها وفنائه في بقاء ربه واعدام وجوده ونوره عند سطوع شروق شمس ازليته فاذا تجاوز عن هذه المرتبة تمحضت الجهة الاولى
فاما المقومات الثلثة الواجبة فاولها دوام الذكر وثانيها الاقرار له بالوحدانية وبالمبين للتوحيد والحافظ له والتابع فيه وثالثها التسليم انكم لنتؤمنوا حتّى تعرفوا ولنتعرفوا حتّى تصدقوا ولنتصدقوا حتّى تسلموا ابواب اربعة لا يصلح اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا وخسروا خسرانا مبينا وهذا المجموع هو حدود تلك الصورة ومشخصاتها وهذا هو هيكل التوحيد على احد المعنيين وهذه الحدود المعنوية لما تشخصت وتصورت بالصورة الظاهرية كانت على الصورة الانسانية فانها على تلك الحدود والاقتضاءات من حيث البنية والفعل اما الفعل فان لها عزما وارادة وحركة نفسانية التي بها كل افعالها وحركاتها في مقامات احوالها وهي مثال العبودية ولها توجها والتفاتا وميلا الى الشيء بحيث حال التوجه الى شيء لا يلتفت الى الآخر ابدا ابدا وهو مثال الركن الاول ولها قياما ووقوفا وهو مثال الركن الثاني ولها تعود بانحاء مختلفة كل منها اشارة الى حقيقة من الحقايق من بعضها حكم الركن الثالث ولها استراحة ونوما في الليل وهو مثال الركن الرابع ولها كلاما ونطقا وهو مثال المقوم الاول ولها انزجارا وانبعاثا وهو مثال المقوم الثاني ولها سكونا واطمينانا وهو مثال المقوم الثالث واما البنية ففيها هذه المراتب على انحاء مختلفة يطول بذكرها الكلام وتطابق الانسان بالعالم الكبير امر قد فرغ منه وقد شرحنا في اجوبتنا لبعض المسائل ذلك ولعمري ان سر هذه السبعة سرى في كل الوجود في كل مقام من الغيبة والشهود وهو قول مولينا امير المؤمنين عليه السلم ان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه وهي الشاهد على كل غايب والحجة على كل جاحد وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الصراط المستقيم وهي الصراط الممدود بين الجنة والنار وهذه هي صورة الصلوة في الاعمال التشريعية المشتملة على الروح والجسد روحها النية وجسدها الاركان الاربعة التي هي بمنزلة الرأس والصدر واليدين والرجلين ولذا كانت الصلوة عمود الدين ان قبلت قبلت ما سواها وان ردت ردت ما سواها لكونها اصلا لكل عمل وطاعة وهذا هو شرح الصورة الاولى التي هي هيكل التوحيد واما الثانية فان الجهة الثانية التي هي من نفسه لما انقطعت عن الاولى تشخصت وتحددت بما يقابل الاولى لانها جهة مخالفها ومضادتها فيكون هيكل الشرك والنفاق فكما كان الاصل في تلك الصورة العبودية يكون الاصل في هذه الصورة الاستغناء والاستقلال المدعي والمجتث فاركانها الكفر والشرك المتحصلان عن الاعراض في مقابلة الاقبال ومخالفة امر الله سبحانه في مقابلة القيام بخدماته والاستكبار في مقابلة الخضوع والجحود في مقابلة المعرفة السرية والمحبة والنسيان في مقابلة دوام الذكر والانكار في مقابلة الاقرار والشهادة والاعراض في مقابلة التسليم وهذه الحدود المعنوية لما تشخصت وتصورت بالصورة الظاهرية كانت على صور شتى من صور البهايم وحشرات الارض من عدم الاستقامة واختلافها انما هي من جهة اختلاف البطلان وتشعبها واختلاف الهوى الا ان الكل مشتركة في الهوى الى اسفل السافلين والنظر اليه ناكسوا رؤسهم عند ربهم وهذا هو السر في جمع الظلمات وافراد النور وجمع الشمائل وافراد اليمين قال تعالى رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل اكثرهم لا يعقلون ولما كانت الصورة الاولية هي الصورة الوفاقية وليست فيها شائبة الغنى والاستقلال فلحقت بالحق سبحانه واسندها الى نفسه كرامة لها وتشريفا ان الله خلق آدم على صورته على احد الوجوه فكانت في اعلا عليين والصورة الشيطانية لما كانت في مقابلها كانت في اسفل السافلين فتلك الصورة الاولية لما قطعت عن نفسها ونظرت الى ربها وما رات لنفسها تذوتا ولا تحققا ولا تأصلا بل نظر اليها بعين الفقر المطلق الذي لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ولا شك ان الاشياء كلها واقفة بباب الفيض ومقابلة لفوارة النور ومستمدة منها آنا فآنا والا لفنيت واضمحلت وبطلت وعادت لم تكن شيئا ولا ريب ايضا ان القابلية التي هي الصورة كلما طهرت ونظفت وصفت وتجوهرت وتلألأت وتصيقلت كان انعكاس النور عليه اكثر وافاضة الخيرات عليها اشد لحسن قابليتها واستعدادها وصفاء طويتها وكثرة استمدادها ولا شك ايضا ان الصفاء المعتبر في الاستفاضة ليس الا الاقبال والتوجه الى الله سبحانه والاعراض عن الشوايب الكدرة النفسانية فكلما كان هذا المعنى في الشيء اكثر كان نظر الحق اليه اكثر لانه يسبق الغير في النظر والالتفات فاذا لم يكن في الشيء شائبة السوى ولم يعرف الا الله ولم يطلب سوى مراد الله ولم يكن له حاجة الا الله بحيث نسى الغير بالمرة فهو اكثر من الكل نورا واشدهم صفاء وضياء واعلاهم منزلة ومقاما واسناهم درجة ومكانا فيكون محط نظر الله اول مرة ووعاء ذكره وعيبة امره ونهيه وتابوت حكمته وباب معرفته وترجمان وحيه ولسان ارادته لبطلان حكم الطفرة ووجوب العلل والمعلول في السلسلة الطولية وهو قوله تعالى الله اعلم حيث يجعل رسالته وقوله تعالى في مقام التعليل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون فثبت بالبرهان القاطع ان المتحلي بتلك الصورة والسالك على تلك الطريقة معدن كل خير ومنبع كل احسان لان الخير معدنه من امر الله سبحانه القيم للاشياء وهي اول ما تقابله وتستمد منه فاذا سبقت الغير لا يستمد الغير الا منها لانها في كل آن سابقة وواقفة على باب الفيض والمدد ويستحيل ان يتلقي الفيض من امر الله الا بواسطتها فتكون تلك الحقيقة المقدسة قائمة مقام الله بامره في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحيط به خواطر الافكار فيكون هو الولي وهو الحامل لولاية الحق سبحانه هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا فعلمت ان هيكل التوحيد هو هيكل الولاية وصورتها ومعدن كل خير وصواب وحقيقتها فكل الخيرات من رشحات انوار الولي وكل الطاعات من نفحات آثاره واما الصورة الشيطانية فلما كانت تقابلها كانت مبدء كل الشرور والمعاصي والخبائث والرذايل فاستقرت في اسفل السافلين كما استقرت الاولى في اعلى عليين فتشعشعت عنها الانوار وانفصلت عنها الاشعة والآثار فنزلت وفتنت تلك الصورة الخبيثة وتدخنت من الحرارة الغضبية الكلبية المتعلقة بفحم باطنها المتحصل من الخبث المأخوذ من الشجرة الخبيثة المجتثة شجرة زقوم طلعها كأنه رؤس الشياطين وتبخرت من رطوبات الحمق والبلادة المستجنة في تلك السريرة النجسة واشرقت عليها نار الغضب فصورت الابخرة والادخنة ونزلت تلك الاشعة والانوار فاختلط بعضها ببعض على الاختلاف ظهرت في البعض الظلمة وفي الآخر النور وفحصلت في ما سوى الاصلين الاصيلين صورتان احديهما في عليين وهو كتاب الابرار والثانية في السجين وهو كتاب الفجار فبنى للكل بيتين بيت في الجنة وبيت في النار وجعل لهم منبهان ملك مسدد من شعاع الصورة الاولية الالهية وشيطان مقيض من ظلمة تلك الصورة الخبيثة وكانت تلك الصور الطيبة التي اقامها الله سبحانه مقامه في ساير عالمه في الاداء تتنزل من عالم الى عالم في الصور الطيبة والاشباح المطهرة والحقايق الطاهرة لتكميل الناقضين وارشاد المسترشدين ولترجمة الوحي للخلق اجمعين الى ان نزلت الى عالم الاجسام وتشرف بها الزمان والمكان فكانت تتقلب في الصور كيف شاء الله الى ان ظهرت في عالم الظهور والبروز ولهداية الخلق اجمعين وتبليغهم الى اقصى مدارج اليقين بنيتهم بالتشريع في التكوين ليستوفوا نصيبهم من رب العالمين وكذلك تلك الطينة الخبيثة النجسة تتصاعد بالبخار لتقوية الاشرار ومساعدة الفجار ولحمل الاوزار ودعوة اصحابهم الى النار الى ان برزت في عالم الظهور والبروز فظهرت الصورتان والتقى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج فقابل تمام الكفر مع تمام الايمان ولما كان في القوس الصعودي تنعكس القضية فيتقدم الاسفل على الاعلى والظلمة على النور والكثيف على اللطيف والخبيث على الشريف والنجس على الطاهر بعكس النزول كتقدم الكيلوس على الكيموس والكيموس على الدم والدم على النطفة والنطفة على العلقة والعلقة على المضغة وهي على العظام وهي على اكتساء اللحم وهو على النفس وهي على الروح وهي على العقل وهو على الفؤاد والنور وهكذا ولما كان الامر كذلك كان الغلبة للكفار ولينالوا نصيبهم من الكتاب ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب اليم ولما كان ظاهر الوجود انما يتم ويكمل بدوران الكواكب السبعة في البروج الاثني عشر والمنازل الاربعة عشر النورانية علمنا ان باطن الوجود يجب ان يكون كذلك لما اثبتنا بالبراهين القطعية ان الباطن طبق الظاهر والظاهر وفقه وتنزله واحدهما ينبئ عن الآخر مع ما عندنا من الاعتبارات العقلية على هذا الترتيب المخصوص وان الوجود لا يستقيم الا بهذا وقد علمت ان ولي الامر ومظاهر امر الله ونهيه الذي هو الغوث والرحمة والقطب ومحل نظره سبحانه يجب ان يكون في كل عالم حسب ذلك العالم لئلا تسيخ الارض باهلها كالشمس بالنسبة الى الارض واهلها ولكن من جهة غلبة سلطان الجور واقتضاء الكون ذلك ظهر كل من تلك الاقطاب الاثني عشر التي عليها مدار القضاء والقدر لكن بالظهور يظهر قطبيتهم على الكل ومبدئيتهم على الجل والقل او ان يقروا لهم بذلك ليستوجبوا به جزيل العطاء وجميل الحباء كما ظهرت لهم في الكينونات في الاكوار والادوار الاولية فانكرهم بعض في الاكوار والادوار الثانية وهم الاكثر واقر لهم بعض وهم الاقل وقليل من عبادي الشكور وجهلهم بعض والعارفون المقرون ايضا على اقسام مختلفة فاذا صفيتهم تجد المقرين على الاخلاص بينهم كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء كما ان المقرين بالنسبة الى المنكرين كذلك في هذه الدورة وهذه الاقاليم وان كان لهم سلام الله عليهم اشياع واتباع في العوالم والاقاليم الاخر فظهروا للكل بقدر قابليتهم واعطوهم مقدار استعدادهم فانظر مقدار استنارة الحجر والمدر بالنسبة الى الزجاجة والبلور من الشمس مع ان للشمس ليس الا اشراق واحد وهو قولهم عليهم السلم انا نجيب بقدر ما نسئل فان زاد السائل في السؤال قدر حرف زدنا في الجواب كذلك وان نقص نقصنا فبقوا الناس عن الاستفاضة عنهم معزولين وعن باب فيوضاتهم عليهم السلم مطرودين وان كان كلما لهم وعليهم من الذوات والصفات فانما هو بهم وعنهم واليهم سلام الله عليهم الى هذا الزمان الذي زاد الطغيان وكثر العصيان وقوى الشيطان وتم العدد الزايد الذي هو مثني عدد التام عليهم سلام الله الشامل العام وهمت رؤساء الجور والضلالة ان يعاملوا بالآخر معاملتهم بالاوائل عليهم السلم لحكم المقابلة وتقدم الظلمة وظهور الصورة الشيطانية وكان في ذلك ارتفاعه عليه السلم عن بشريته وعوده الى نوريته ورجوعه الى صقعه وعالمه صلى الله عليه وآله وهو يستلزم فساد الكون الجسماني وخراب العالم الرسمي وان تسيخ الارض باهلها مع ان كثيرا من اهل الارض ما نالوا نصيبهم من الكتاب ومانضجت اكثر الطبايع ومااستقامت فلم تتم الحجة عليهم وكان ممن تنضج في الدنيا فلا يرد الى العقبا وماظهرت النطف الطيبة المقرة في عالم الذر المستجنة في الاصلاب الطاهرة والنجسة والكدرة وكان من ذلك توهم عدم اتمام الحجة على الكافرين واكمال النعمة على المؤمنين وخلاف ما اجرى الحق سبحانه عادته من الامهال وعدم التعجيل فانما يعجل من يخاف الفوت ومحبته للمراجعة للتذكير والتذكر وامثال ذلك من الاحوال والحكم والمصالح التي جهلنا اكثرها فلم تكن المصلحة في خراب العالم وكذلك الجهاد والمقاتلة معهم مع ان اكثر الناس ممن غرته الدنيا وباع آخرته بالثمن الاوكس الادنى فلا يطيقون متابعته ولا يصبرون على دولته لحكم البينونة وغلبة الهياكل الشيطانية فان قاتلهم حتّى قتلهم عن آخرهم تعود بعض المحذورات المتقدمة مع ان التصفية الكاملة والتنقية البالغة ما حصلت فكيف يجوز ان يقتلهم عن آخرهم فان فعل كمولينا الحسين عليه السلم وجعلني الله فداه يكون كمولينا وجعلني الله فداه كان يجري عليه ما جرى عليه عليهما السلم وتعود المفسدة المتقدمة ولم تعد في مقدمة سيدي الحسين عليه السلم لمكان من هو مثله وبدله والمستقل في تقويم الكون وحده والا لانعدم ولا اقل من حصول تغيير كلي واما في مقدمة سيدنا وامامنا وقطب رحي وجوداتنا عجل الله فرجه فلم يكن له عليه السلم بدل ولم يقم بمقامه احد لانه خير آية اوتيت به بعد نسخ آية وانسائها قال الله سبحانه ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها كالقائم عليه السلم الذي اتى بعد سيدنا الحسن بن عليّ العسكري عليهم السلم وكان خيرا منه او مثلها وهو باقي الائمة اللاحق بعد السابق سلام الله عليهم اجمعين فلما كان ابقاء الكون وايصال الخلق الى اكمل غاياتهم واشرف نهاياتهم مما هو المقصود الاصلي في اصل الا يجاد والتكوين وكان في اعدامه وخرابه خلاف المقصود وان الله سبحانه يجري الاشياء على اسبابها ولم تكن اراضي قابليات الخلق مستأهلة ومستعدة لاستمرار اشراق نور الشمس الالهية عليها من غير حجاب فغابت الشمس وظهر الليل والليل اذا يغشى وانعكست بنورها على الكواكب الاجسام الكثيفة الصيقلية فسكنت الارض وتبردت ولولا غروب الشمس لفسد الكون الثانوي في هذه الاقاليم ولولا طلوعها ظاهرة نيرة لفسد ايضا فهي المدبرة للكون الثاني بطلوعها وغروبها واظهار نورها من وراء الحجاب ولذا ترى الليل قد تقدم على النهار مع ان النهار خلق قبله فان طالع الكون يوم خلق كان هو السرطان والكواكب كانت في اشرافها فتكون الشمس في نصف النهار وقت صلوة الظهر فاذا قويت بنية المركبات الارضية والسماوية المدبرة بنظر الشمس وصفت عن الغرايب والكدورات وخلصت عن الاعراض والكثافات وخلت عن القوم الجبارين وتروحت وعادت كما خلقت تذهب ظلمة الليل ويستمر نور النهار وانكشفت الحجب فهنالك يعود كل شيء الى اصله ويظهر كل احد في مرتبته ويعرف كل ذي حق حقه واحاطت كل صورة من الهيكلين على اشعتها فيكون اما نور دائم او ظل قائم فلا انقطاع لاحدهما ولا نفاد وكلما ازداد احدهما يزداد الآخر الى ما لا نهاية له فافهم السر الحق والكبريت الاحمر ولا تقل ان هذا قول بلا دليل فان كل ذلك بدليل الحكمة وهو اقوى الادلة واشرفها ولا تكذب بما لم تحط به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما فاذا فهمت حقيقة السر في غيبة امامك الذي هو الشمس المطلق والنور الحق وعلمت وجه عدم استيهال اراضي الاستعدادات ومهابط الفيوضات لتقابل الدائمي الابدي من كونها مشوبة بالادخنة والبخارات المنتنة الكثيفة النجسة المتصاعدة من بحر سجين واسفل السافلين وانها قبل ان تطهر لم تقبل استمرار اشراق نور الشمس عليها فوجب الغروب فاظهار النور في القمر بامر مستقر لمناسبته مع الليل في الطبيعة وقد يداوي المرض بالمناسب فلهذه الجهة ترى اهل العلم المكتوم اذا اخرجوا الانوار السبعة من الارض بقيت الارض كثيفة منتنة يطهرونها بارسال الابيض الغربي الذي هو مثال يوشع بن نون الذي هو مثال القمر الظاهر على الجوزهر فاذ قد علمت هذا القدر من الكلام وفهمت فاعلم ان كلمة الله الحسنى وآيته الكبرى ومحبته العليا التي بها تحققت وتأصلت الاشياء وحقيقة استندت الاكوان والاعيان والامكان كلها اليها واستفادت التأصيل منها لانها هي التي انزجر لها العمق الاكبر الا ان انحاء الانزجار مختلفة باختلاف اعيان الممكنات فمنها ذات ومنها صفات ومنها توصيفات اي كونها موصوفة بذلك ولا شك ان الطفرة في الوجود باطلة وان بين الاثر ومؤثره من حيث انه مؤثرة لا بد من مناسبة تصحح صدور ذلك الاثر منه دون غيره فيكون طرق الاستفادة ومبادي الافادة مختلفة لكن المبادي كلها مستندة اليها فالذوات استفادت التذوت من ذاتها والصفات من صفاتها والتوصيفات من آثارها وقد قلنا لك سابقا ان الاستفادة كلها على جهة التكليف من الذوات والصفات ولما كان التكليف هو المادة والقبول هو الصورة في كل عالم ومقام بحسبه وان التكليف من الله سبحانه والقبول من العبد وان المكلف هو تلك الكلمة بالله سبحانه والكلمة لا تتعدى الى الغير بنفسها بل انما هي بدلالتها والدلالة من حيث هي لا تظهر ولا تتحقق ولا تتقوم الا في محل وهو قلب المخاطب او السامع فالكلمة الاولية التي هي احببت ان اعرف وهي الظهور الاول من الظاهر الاول بالظهور الاول على حكم الاتحاد في الحقيقة وهي كلمة كن المشروح في كهيعص فان الكاف من كن يقتضي الهاء اذ الفعل لها نسبة ولحاظ الى الفاعل ولحاظ الى المفعول فبالاول ظهرت الهاء وبالثاني ظهرت الياء وبالمجموع ظهرت العين التي هي عبارة اخرى لكلمة كن او هي شرح النسبة بين الفعل في اللحاظ الثاني مع مفعوله والصاد اشارة الى ربع الدورة الفلكية الوجودية اشارة بالكسر الى المخرج وبالجملة ان الكلمة لا بد لها من محل تستقر دلالتها فيه وينطبق عليها وقد ثبت بالادلة القطعية ان ذلك المحل هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهو المؤمن الذي آمن بالله في الازل الثاني قبل كل خلق فاصطفيه واجتبيه فوسع قلبه الشريف شروق الانوار الالوهية والاحدية والواحدية والرحمانية فكان هو العرش مستوى الرحمن في آخر المقامات وهو قوله تعالى ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو الذي استخلصه في القدم على ساير الامم على علم منه انفرد بالتشاكل والتماثل عن ابناء جنسه اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار ولما كان الاثر على مثال المؤثر وهيكله صارت تلك الدلالة كلمة تامة على اربعة اجزاء معا ليس واحد منها قبل الآخر انما كانت اربعة اجزاء لان الكلمة لا تكون الا هكذا من مراتبها الاربعة التي بها تتم من كونها نقطة الى ان صارت الفا حتّى تقطعت بالحروف المناسبة فاجتمعت وتمت ولان الكلمة انما تتحقق في مقام تمام الشيء والشيء لا يتم الا اذا كملت علله الاربع واركانه الاربعة القوة الجاذبة المستمدة للفيض والجاذبة له المسبحة لله باسمه القابض المتحصلة من العلة الفاعلية والقوة الهاضمة المحللة له والمهيئة له بالتمكين من الفاعل والتمكن من نفسه بالفاعل للقبول وهي عبارة عن تعفين النطفتين في الكبد وفي بطن الفرس وحمام مارية والمسبحة لله باسمه الباعث او الرحمن او الحي المتحصلة من العلة المادية والقوة الدافعة ما لا يليق له ولا يناسبه مما لا يستأهل ان يكون غذاء له في الحقيقة بان يكون جزء ماهيته المسبحة لله باسمه المحيي او المبين المتحصلة من العلة الصورية والقوة الماسكة لما يناسبه ويصلح له ويتقوى به من الامدادات الالهية الخاصة به الصالحة له المسبحة لله باسمه الحافظ المتحصلة من العلة الغائية وهنا مراتب اخر لا نطول الكلام بذكرها وبالجملة ان الكلمة لا تتم الا باربعة فلذا كانت تلك الكلمة الالهية الكلية المتحصلة من الدلالة الاولية الحاملة للكلمة الاولية ذو اجزاء ومراتب اربعة وكل مرتبة حرف منها وان كانت كلمة في مقام استقلالها لتطابق دورة الوجود وسريان وحدة المعبود في كل مخفي ومشهود وتلك الكلمات هي التي بني عليه الاسلام في التكوين والتشريع وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولما ان الشيء لما تم له ثلث مراتب وملاحظات ونظرات نظر الى عاليه وان كان نفسه ونظر الى سافله الى ما لا نهاية له ونظر الى مقامه المتوسط ومرتبته وكل مرتبة تامة فيتكرر تلك الكلمات او تلك الاربعة ثلث مرات فتكون اثني عشر فلك ان تقول ان الكلمات الاثني عشر او ان الكلمة الواحدة لها اثني عشر مقام كالشجرة واصلها وفرعها ولقاحها واغصانها واوراقها وهكذا فصارت تلك الكلمات الاولية محال الكلمة الكلية والرحمة الواسعة والمحبة الحقيقية اثني عشر كلمة وهي تلك الكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وهي التي تلقي آدم بها ربه وهي التي ابتلى بها ابرهيم ربه وهي التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله ولما كانت الكلمة الثانية التشريعية وهي الصلوة طبق تلك الكلمة الالهية الاولية التكوينية وصورة لها اشتملت على هذه الكلمات الاربعة على التكرار المذكور وفي اليومية سبع مرات للاشارة بان الاثني عشر هي السبع المثاني والقرآن العظيم ولما ان التوحيد في المخلوق انما هو بتوصيف الحق سبحانه وذلك لا يكون الا بفعله وهو لا يظهر الا بذلك المحل فبه ظهر التوحيد وانتشر وهو قوله عليه السلم فبهم ملأت سمائك وارضك حتّى ظهر ان لا اله الا انت كان حروف لا اله الا الله بعدد تلك الكلمات التي هي اجزاء التوحيد واركانه السلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات ولما ان المبادي الفرعية يحكي عن الاصلية كانت البروج اثني عشر والشهور اثني عشر والساعات اثني عشر واثني عشر والابحر اثني عشر وامثال ذلك وبالجملة تلك الكلمات الطيبة صارت فوارة النور من بحر القدر ولسان الوحي وترجمانه فكلما من الله سبحانه يظهر في الوجود من ذلك الباب المكرم ولا يظهر ما من العبد من حدود قابلياتهم بل لا يتحقق الا بذلك ايضا ولما ان الاشياء كما قلت لك في جميع احوالها واطوارها واوطارها من الكينونات والصفات مستندة الى ذلك الباب وواقفة عليه ولائذة بفنائه فافيض منه على الكل بجميع مراتبه بما يناسبها وقد اعطى الحق سبحانه بذلك الباب الذي هو العرش كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فافاض على الذوات بنور تلك الكينونة وشعاعها الذي يحكي عن ذات الكينونة في حكم الوجهية والبابية فاينما تولوا فثم وجه الله وعلى الصفات والآثار والاعمال باثر تلك الكينونة ولما ان ما من الحق كما ذكرت لك على جهة التكليف والبيان لا الالجاء والاضطرار وان التكليف هو شيء واحد يختلف باختلاف المقامات والحيثيات والجهات والقيودات ولكن كل ذلك على حدود التوحيد كان التكليف منحصرا في القول بالست بربكم ومحمد صلى الله عليه وآله نبيكم وعلى والطيبون من ولده الاحد عشر وفاطمة عليها وعليهم السلم ائمتكم وسادتكم ومواليكم وهذا القول في المقام الاول في الذكر الاول فان شئت قلت مقام المحبة في احببت ان اعرف الظاهرة في الرتبة الثانية الشارحة للاولى مقام محبوبية الحق سبحانه للخلق ومحبوبيتهم له من حيث انهم عارفيه وهذه الحيثية لبيان الواقع وتنبيه الجاهل والا فليست الحقيقة هناك الا المعرفة فالتكليف في هذا المقام ليس الا تجلي وظهور تلألأ وبروز ويوصل الفيض في هذه المرتبة اليه بكل الجهات وليست هناك جهة وجهة وحيث وحيث فالتكليف التكويني هناك ليس الا محض الظهور والتجلي والتشريعي هناك على العبارة الظاهرة اسماع الوحي بكل جهة وجانب لا يفرق بين صوب وصوب وهذا هو المقام الذي قد تحير فيه ايوب شك وبكي وهذا هو الانبعاث عند المنطق اي حال التكليف في الذكر الاول شك وبكى قال هذا امر عظيم وخطب جسيم لما عرف ان ذلك التجلي والوحي من مخلوق الى مخلوق فاوحى الله تعالى اليه يا ايوب اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين وانت تقول هذا امر عظيم وخطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب الى بالطاعة لامير المؤمنين عليه السلم قال عليه السلم ثم ادركته السعادة بي واما موسى النبي على نبينا وآله وعليه السلم فلم يتوقف ولم يتحير ولم يشك لما سمع ذلك التكليف من الشجرة العلوية قال ابن ابي الحديد :
يا ايها النار التي شبت السنا منها لموسى والظلام المجلل
وقد يظهر لبعض آل الله سماع هذا التكليف في بعض مقامات التشريع بحيث ترتفع عنه الجهات الا انه في مقامه لا يصل الى حد تكليف الانبياء في هذا المقام وذلك القول الذي هو التكليف في المقام الثاني اي مقام الذكر عالم الجبروت وعالم العقول في التكوين ايجاده على هيكل التوحيد مادته النور وصورته الاستقامة وصفته الرضا والتسليم ومعناه الانحناء والخضوع والركوع ان قبل ذلك والا فعلى هيئة الانكار وهيكل الشرك في مقابلات ما وصفت لك واما في التشريع فالهامه بواسطة ميكائيل العلوم المخزونة في ابواب البيت الاول من الركن الاول من العرش من معرفة الله سبحانه بالبراهين القطعية والاسرار الالهية الباطنية ودوام المراقبة والذكر وكثرة الصلوة على محمد وآل محمد وامثال ذلك من الامور الكلية والاحكام الواقعية الحقيقية والتكليف في العالم الثالث عالم النفوس في التكوين عرض الصورة الانسانية التي هي حدود التوحيد وصورة الايمان والتقوى عليه وصوغه عليها ان قبل والا فعلى هيئة الكلاب والخنازير والقردة وغيرها مما تقتضي قابلية انكاره وفي التشريع بمعرفة الهامه بالواردات والخطرات بواسطة الملئكة الثلثة في فلك عطارد الذين هم سيمون وزيتون وشمعون معرفة الله سبحانه بالادلة القطعية والقياسات اليقينية والمقدمات الحقيقية والاستدلال بالان وبالمجادلة بالتي هي احسن وبالقيام بخدمة المعبود جل جلاله وترك الحسد والبغض والعداوة والتصورات الباطلة وما لا يعينه من الامور الرذيلة ولم يكن لللفظ والكلام مدخلية في هذه التكاليف لا تكوينيها ولا تشريعيها وكل ذلك ظهور ذلك التكليف الاول الذي هو الست بربكم اه وانما اختلفت جهات التعبير عنه باختلاف المقامات والحالات فلما بلغ الخلق الى عالم الاجسام صار تكليفهم في التكوين عرض الصورة الانسانية على الكل على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان حين صوغه عليها حين قبوله لها انه كان ظلوما جهولا حيث لم يطابق في اكثرهم ظاهره بباطنه وقوله مع فعله وعلانيته مع سره وكذا اختلاف كل نوع من انواع الاجسام في افراده واشخاصه وكل ذلك من جهة قبولهم للتكليف المناسب لهم وانكارهم لذلك وفي التشريع ظهرت الالفاظ والعبارات والاشارات والتلويحات ودليل الخطاب وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل التنبيه ودليل الاشارة والمنطوق من الصريح وغيره والمفهوم وامثال ذلك وانما اختلفت لان التكليف يقتضي ذلك ولو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فامتزجا فيهلك من يهلك وينجو من سبقت له من الله الحسنى وهذا هو استنطاق طبايع المكلفين واستظهار سرايرهم واستعلام بواطنهم مع ان التكليف من حيث هو كذلك كلفة ومشقة يحتاج الى القبول ولا يكون ذلك الا بالطلب والسعي فهناك تزيد المراتب وتكثر المطالب اذ ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الاوفى وان الى ربك المنتهى وقد علمت ان المكلف هو تلك الكلمة العليا والتكليف هو ذلك القول ولما وقع في عالم الاجسام تعبر بهذه العبارة الظاهرة من قول فاعلم اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وامثال ذلك فابان المكلف عن التكاليف الخاصة بالجسم من الاعمال التي لا يشترط فيها النية المصطلح عند الفقهاء بباب المعاملات بالعبارة اللفظية والاشارة اللغوية فناسب كل تكليف مقامه وكل توصيف وتبيين مرتبته وقد نشأ الكل عن اصل واحد وعاد اليه ولكن لما كان هذا حال العوالم الثلثة منفردة واما اذا اجتمعت واقترنت واتصلت فلا شك ان للمجموع حكما وتأثيرا ليس في كل واحد واحد فلوحظ المجموع وجعل له تكليف من الله يتعبد به وذلك هو تكليف الكينونة وهو الاعمال المشروطة بالنية واعظمها الصلوة واعلاها واشرفها واقويها ولما كان الانسان هو الجامع المملك الكلي الحاوي لكل المراتب اختصت التكاليف كلها به وغيره على حسب ما فيه من المراتب الظاهرة والخفية وقد علمت ان ما من الله تعالى الواصل الينا بواسطة الداعي صلى الله عليه وآله شيء واحد وانما يختلف ظهوراته حسب القابليات في المراتب المختلفة بالصور المتفاوتة وتلك الصور وذلك الاختلاف المقتضي لاختلاف الصور والهيئات لدقة مأخذه وصعوبة مسلكه لا يعلمه الا من اشهده الله خلق السموات والارض واريه اقتضاء القابليات وجعله شاهدا على خلقه ودليلا على هداية سبله وقد قلنا ايضا ان حكم التكليف التشريعي حكم التكليف التكويني حرفا بحرف وقد قال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بانفسهم ولما كان الكون في القوس الصعودي يترقى من الاسفل الى الاعلى ومن الكثيف الى اللطيف كما دريت سابقا وكل مرتبة يظهر في الكون الجسمي لا بد له من تكليف وجهة توجه الى الله سبحانه وذلك لا بد له من مبلغ ومؤد عن الله سبحانه وقد علمت ان المبلغ الحقيقي والمؤدي الواقعي هو تلك الكلمات الطيبة الطاهرة في الهياكل البشرية وان المخلوقات بقضها وقضيضها مستفيدة منهم ومستندة اليهم لكن كما وصفت لك من ان كل شيء انما يستند اليهم حسب رتبته في مقام ظهورهم له فيها بما يناسبها وكان مبدء الكون في اول ظهوره الثانوي في القوس الصعودي هو القشر والظاهر قبل النضج الكامل المقتضي لظهور الاصل والحقيقة الغائبة في هذه القشور بالقوة بعد ان كانت بالفعل فلم يظهروا عليهم السلم بانفسهم بل انما ظهروا بامثالهم واشباحهم واشعتهم التي هم الانبياء والمرسلون على محمد وآله عليهم سلام الله ابد الآبدين لان الانبياء قد وجدوا من عرقهم ومن رشحات فاضل ظلهم في النزول في السلسلة الطولية فلا بد من ظهورهم في هذا القوس قبلهم سلام الله عليهم والا لاختل الترتيب وفسد النظام ولما ان الانبياء ليس كل واحد منهم علة مستقلة في تقويم الكون ذاته وصفاته بل المجموع من حيث المجموع علة لمجموع الطبقة الثانية التي هي مقام الرعية مااستقل كل واحد واحد منهم في تبليغ الكون احكامهم التكويني والتشريعي ولما ان كل جزء من الفلك والكوكب الثابت المركوز فيه له مناسبة ووضع ومحاذاة في الموضع المخصوص من الاجرام السفلية يخص ذلك الكوكب بالتأثير فيها والتدبير لها جزئيا لا كليا ولذا اثبتنا لكل كوكب من الكواكب الثابتة في فلك البروج فلك التدوير لا الحامل فان حركته ليست كلية تشمل العالم كله فليس له فلك الحامل المحيط بالعالم وانما هو مظهر النفس الجزئية فيكفيه فلك التدوير اختص كل نبي بما يناسبه من الرعية المقبلين عليه في العالم الاول والآخذين منه ولما كان الحكم الكوني الاولى لاتمام الصورة والبنية والخلقة الظاهرة مع الحكم الثانوي من نضج تلك البنية وتمامها واعتدالها وقوامها باطنا بالاسباب التشريعية الالهية متطابقان وكانت تلك البنية والخلقة الظاهرة ماتمت ونضجت واعتدلت الا اذا طرات عليها ستة حالات كما ان الكون في اصل الخلقة في عالم النزول في قوس ادبر فادبر ما تم الا بستة مراتب مرتبة من العقل والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم وفي الصعودي من النطفة والعلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم وانشاء الخلق الآخر وهو الاصل والاحوال المتقدمة كلها مقدمات ومعدات لاظهاره فاذا ظهر اللاحق بطل حكم السابق ونسخ بخلاف ما اذا ظهر السادس فانه يبقى ويستمر ابد الآبدين ودهر الداهرين الى ما لا نهاية له لا يبطل حكمه وكلما طالت عليه المدة وزادت تزيد قوة ونموا وشبابا وجدة في الدنيا والآخرة في الجنة او في النار ولما كان الامر كذلك كانت الشرايع ستة خمسة منها منسوخة والسادسة باقية دائمة مستمرة ببقاء الكون وتمام الامر في هذه المسئلة قد شرحناه في بعض اجوبتنا للمسائل التي اتانا من ارض الغري ( النجف ) على مشرفها آلاف التحية والثنا من الرب العلى ولما نسخت تلك الشرايع ونضجت الطبايع وقويت البنية ظهر الاصل الدائم وهو الشريعة المخصوصة بظهور نبينا صلى الله عليه وآله وان كانت الشرايع كلها له فكانت هي الروح في الشرايع وهي المستمرة الدائمة الباقية مر الدهور والاعوام والازمان لان امته صلى الله عليه وآله خير امة اخرجت للناس فاظهر صلى الله عليه وآله شريعته واوضح حجته لكن لما كان لما ذكرنا من تعاكس حكم القوس الصعودي ولان الطبايع بعد تمام الخلقة وولوج الروح وظهور احكامها لم تنضج نضجا قويا تاما بحيث يترتب عليها مقتضى الروح الحيوانية بل هي بعد ضعيفة لم تتحمل الامور العظيمة التي تقتضيها النفس من ارتكابها من المشي والاكل والشجاعة والنكاح وامثال ذلك فلا تطيق البنية حمل تلك الاحكام فيرفق معها ويغذيها بالاغذية اللطيفة الرقيقة التي يناسبها كالدم حال كونه جنينا في بطن الام يشربه من صرة الام من الدم الصافي الذي لا كثافة فيه حتّى يحتاج الى التصفية مرة اخرى فتجتمع لديه الفضلات فاذا خرج يشرب اللبن وهو ذلك الدم يبيض في ثدي الام فيحرم عليه التغذي بالدم بعد ما ظهر في هذه الدنيا ويضره ايضا فاذا بلغ سنتين يمنع من شرب اللبن لان البنية قد قويت فلا يمسكها اللبن الرقيق وعلى هذا القياس كلما قويت البنية تقوي الغذاء ويمنع عن السابق او يكثر كما هو المشهور فتختلف عليه الاحوال من الجني الى الرضاع الى الفطم الى الصبي الى المراهقة الى البلوغ وفي كل هذه الحالات تختلف عليه احوال الاغذية والاطعمة والاشربة واللباس والكلام والادراك وسلوك الناس ومعاشرتهم معه فاذا بلغ حد البلوغ والرشد يكون اول مقام الحكم عليه فلا يستقر الا على ثلثين سنة او اربعين فاذا فهمت هذه الآية التي ضربها الله لك مثالا لشريعة محمد صلى الله عليه وآله فطب نفسا وقر عينا حيث بصرك الله بامور دينه وعرفك ما غمض على الخلق وعلمت ان هذا الاختلاف والاغتشاش مما يجب وسيعود كل الاختلاف الى الايتلاف وان نصب الوصي واجب من قبل الله وان النسخ لازم في زمان النبي صلى الله عليه وآله وبعده اذ التكاليف اسباب للترقي واغذية للتقوي والنمو والرشد وانه من قبل الله سبحانه فلا يقبل ولا يعمل عليه الا من جهة الفؤاد النور والعقل المسدد وهيكل التوحيد فاذا كان الرجل قد تربى في الكفر والشرك واستولت عليه الصورة الانسانية فلا يطيق التوجه الى الله سبحانه وحمل تكاليفه كما ينبغي فينكر ولا يقبل ابدا فيموت في ساعته مثل الرضيع اذا غذيته بغذاء الرجل الشاب القوي فيعالجه الحكيم الطبيب الحاذق باكمل علاج الى ان تتقوى البنية وتذلل النفس الامارة الصعبة المستصعبة فتحمل ما حملتها وتطيق على حملها وكذا كان عادة رسول الله صلى الله عليه وآله مع امته اذ كلفهم في اول الامر ما لا يصعب عليهم ولا تشمئز نفوسهم منه وربما يكون ذلك صلاحهم الى مدة معينة فاذا انقضت المدة انقضى الحكم ويأتي لهم بحكم آخر يوافق كينوناتهم فاذا انقضت مدته ينسخ وهكذا ولذا قد كثر النسخ في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وقد يكون كثيرا من الاحكام انقضاء مدتها بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله فيوصي الى وصيه عليهما السلم ان يغير حكمه اذ انقضت تلك المدة فما ينسخ الوصي انما هو بامر النبي امرا خاصا لا كما توهمه كثير من الناس كل ذلك اتماما لقابلياتهم وتمكينا لقبول ما يكلفهم بابي رسول الله وامي لقد عاملهم معاملة الطبيب الرفيق والوالد الشفيق وقد قال تعالى في حقه وهو كما قال وقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فان حارب رسول الله صلى الله عليه وآله الكفار اعانة للقلوب المايلة الى الحق واسماعا لصيت التكليف على المكلفين وتبليغا الى كافة الخلق اجمعين واحكاما لبنيان هذا الدين المتين واتماما لقابلية من يأتي بعد ذلك من الاعوام والسنين واعلاء لكلمة الحق على العالمين وافشاء لذكر الله الحق المبين ومن دون محاربته صلى الله عليه وآله لم يتيسر ذلك ولخمد ذكره ونسي امره وبطلت الغاية في بعثته لكنه قد امر وصيه بعدم المحاربة وسل السيف والجهاد بل امره بتأكيد الحجة واهداء المحجة من غير سيف ولا حرب حفظا للشريعة وصونا لها عن الجور وعدم النصفة واستنطاقا لما استجن في الطبيعة واحترازا عن خمود ذكر الله وذكر رسوله وابقاء للامة ومحافظة للشيعة ليشتهر الامر في اعقاب تصل القشور الى اللباب فوجبت التقية واوجبها عليّ عليه السلم على الرعية وجرت في ذريته الطاهرة عليهم سلام الله ما دامت الدنيا والآخرة ومن التقية ايقاع الاختلاف بين الرعية لئلا يتميز الغث من السمين ويسلم الدين واهله من المؤمنين ومن ذلك ايراد الكلام على العموم والخصوص والاطلاق والتقييد والمحكم والمتشابه والظاهر والمأول والنص والمجمل والتلويح والاشارة والمكاتبة والكلام على الجهات والحيثيات والاعتبارات وجعل هذه الكلمات بين ايديهم ثم سوقهم الى ما يريدون منهم من التكليف وتيسيرهم لما يصلح لهم من ذلك الدين الشريف نظرا الى اقتضاء كينوناتهم وسئولات استعداداتهم وقابلياتهم ولم يغفلوا سلام الله عليهم عن احوال المكلفين دقيقة ولا جليلة وكل ذلك اصلاحا لبنيتهم مثل ما يفعل الاب مع ولده من اول تولده الى ان يبلغ عشرين سنة الى زماننا هذا الذي كثر فيه الاختلاف وانقطع الايتلاف وغاب مولينا وامامنا حجة الله على الخلق اجمعين عليه سلام الله ما دامت السموات والارضين وعجل الله فرجه وسهل مخرجه قد عظم الخلاف وانعدم الوفاق وبقوا في حيرة عجيبة وظلمة وشديدة يسيرون في الوادي المظلمة المهولة المخوفة ووقفوا حيارى وفي قيد الجهل وعدم البصيرة اسارى ومادروا ان الى من استنادهم والى من مردهم ومعادهم وممن يأخذون تكليفهم والى من يلجأون في دينهم حيث كانوا في العالم الثالث مقام المجادلة بالتي هي احسن فلا يعرفون الا ما ادركته حواسهم الصورية في ظاهرهم او باطنهم ولا يدركون الا الجزئيات التي لا يمكنهم التعدي عنها وان كانوا يزعمون انا ندرك الكلي ونرد عليه الجزئيات لكن التبسوا في التباس شديد وليس استنادهم في ذلك الكلي الا الى الغير ثم مع ذلك لا يمكنهم اجراء حكمه في كل افراده وجزئياته او الى الجزئيات التي نبهوهم عليها وعرفوهم اياها وهل هذا الا الجزئي وامثلة ما ذكرنا كثيرة لا نطول الكلام بذكرها الا ترى انهم اتفقوا على وجود الامام عليه السلم ولا يشكون فيه وان الامام لو لم يكن لساخت الارض باهلها ومع ذلك تحيروا في امر تكليفهم واختلفوا وخصصوا هذه الكلية لما لم يعرفوا ولا لوم عليهم ذلك مبلغهم من العلم وشأن الواقف في مقام البحث والمجادلة فانهم يرون امورا كثيرة لا ارتباط لبعضها مع بعض فان توافقت حصروا بعضها ولم يحفظوا اكثرها وان تخالفت اخذ كل ما عرف وطرح الآخر لحكم المضادة المتوهمة وغيره عكس الامر لذلك وسر هذا الاختلاف على العموم ما ذكرنا لك من وقوفهم في مقام يقتضي ذلك واما في ما نحن فيه فلانهم لما اتفقوا على مقتضي الفطرة لاستدعائها ذلك ظاهرا بينا بمساعدة سابق التقدير وولي التدبير حيث جمعهم عليه لئلا تنهدم بنيتهم ولم يفعل في جميع الامور لمحبة الاختلاف راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه فان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم وبالجملة عرفوا بالفطرة بمقتضى العبودية المستجنة التي هي اصل هيكل التوحيد انهم ليسوا بمهملين ولا معطلين بل اراد مخترع اكوانهم ومبتدع اعيانهم فيهم ارادة وعلموا جهلهم بتلك الارادة بسبب قصورهم ونقصانهم وان الله قد جعل لهم اقوياء كملين يعلمونها بتعليم الله سبحانه ويعلمونها اياهم فلما غاب المعلم عليه السلم انسد علينا العلم مما كنا نستفيد منه ونأخذ عنه من الامر الواحد الغير المتعدد المقرون بارادته عليه السلم وان تعدد وحينئذ اما ان يرتفع التكليف او يجب علينا الطلب والسعي لتحصيل المكلف به مع بقاء التكليف ولا يمكن الخدش في التكليف والقول بارتفاعه للاجماع المستند الى الفطرة الصحيحة فوجب الامر الثاني الى هنا اتفقت كلمتهم واقتضت ادلتهم بتيسير سايقهم وزايدهم من حيث لا يشعرون وليس في ما نعرف ونجد من ينكر التكليف ويجعل نفسه مهملا سدي فيفسد ما يصلحه ويصلح ما يفسده ولا اظن ذلك بعاقل فلما عرفوا للطلب وتوجهوا نحو المطلب واستشعروا جميعا بان المطلوب معلوم الا ان لكل مطلوب بعيد عنا بالمسافة الظاهرية او الباطنية طريقا وسبيلا ودليلا اما الدليل فلئلا نضل السبيل واما السبيل فلوجوب قطعه للتوصل لكونه واسطة وحجابا فراموا معرفتهما وتعيينهما ولما نظروا الى ما يصلح ان يكون سبيلا وجدوا كتاب الله واخبار آل الله ولا يشكون ان ما يعرف منهما على جهة القطع هو السبيل قطعا بدلالة العقل الصريح لكنهم استشكلوا في ذلك فلما نظروا في الاخبار وجدوها على انحاء مختلفة واقسام غير مؤتلفة فمنها ما هو المتواترات فاتفقوا على ان هذا مما يفيد القطع بالمقصود لكنهم لما نظروا الى المتواترات وجدوها على قسمين احدهما ما تواتر ورود معناه عن المعصوم عليه السلم وان اختلفت الالفاظ والتعبيرات وهذا القسم قد اجمعوا على اعتباره وحجيته وثانيهما ما تواتر ورود لفظه وقد اجمعوا على ان ذلك لا يفيد المقصود لان افادة المقصود من الخبر يشترط فيها امران الاول صحة وروده عن الامام عليه السلم والثاني صراحة دلالته ونصيتها وعدم تطرق الاحتمال فيها ففي المتواترات اللفظي قد تحقق الشرط الاول فان قارنه الشرط الثاني فهو معتبر اتفاقا واجماعا ومنها الآحاد وهي ما لم تتواتر فاختل فيها الشرطان جميعا فان انضمت معها قراين حالية او مقالية تفيد القطع بالمراد فهي معتبرة وحجة اتفاقا فكان اتفاقهم الى هذا المقام ولم يختلف فيه احد من عقلاهم واما ما بعد ذلك الى ان يصلوا الى المقصود فقد اختلفوا اختلافا شديدا والوجه في ذلك اختلاف جهات الشيء وحيثياته فبكل حيثية يمكن ان يكون مبدء حكم من الاحكام واعتقاد من الاعتقادات ومذهب من المذاهب لمن لا يحيط بالشيء ولا يكون اعلى من تلك الحيثيات والجهات وذلك لان المكلف به بعد القطع بحصول التكليف يحتمل ان يكون باقيا على ما هو الاصل من اعتبار العلم والقطع به قطعا اوليا نفس امري ويحتمل ايضا ان يكون ابتدائيا واقعيا ويحتمل ان يكون من جهة الاختلال الواقع في المقام من غيبة الامام الذي هو الشرط الثاني لتكليف الانام لا يعتبر فيه ما يعتبر في حضوره عليه السلم من القطع الثابت التام والا لم يكن فرق في المقام فيكتفي بالظن عند العجز عن العلم وهكذا الشك عند العجز عن الظن ولا سبيل اليه للوهم والعلم المعتبر يحتمل ان يكون عاديا ايضا والسبيل يحتمل ان يكون كلما يحصل به العلم او الظن بالمطلوب وان لم يرد فيه خبر ولم يسند الى اهل الذكر فيه حكم لمطلوبيته اطمينان النفس وسكون القلب الا ما حصل القطع بعدم اعتباره وحجيته ويحتمل ان يكون السبيل اربعة الكتاب والسنة لما هو المعلوم والاجماع لحصول القطع بالمطلوب من الاتفاق قطعا والعقل لكونه هو النبي باطنا وهو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ويدور في هذين المقامين القطع لا الظن ويحتمل ان يكون السبيل نفس الاخبار المنسوبة الى الامام من غير نظر الى حصول القطع او الظن بالمراد بل يكفي عدم العلم ببطلانه وكذبه ويحتمل ان يكون منحصرا في الاخبار وحدها واما الكتاب فلا لكونه يحتاج الى المبين فما استفيد منه ان وافق ما قال المبين عليه السلم فهو والا فذروه في سنبله وردوه الى اهله اهل العلم الذين يستنبطونه منهم وامثال ذلك من الاحتمالات بحسب الجهات المعتبرة في المطلوب والسبيل والدليل فلما قامت الاحتمالات نظر اهل المجادلة الى الجهات ولم ينظروا الى الشيء من جهة الذات البحت البات فتمسكوا في الترجيح بالاحتمال الآخر ورجحوه على الآخر فقال قائل منهم ان المعتبر ليس الا العلم لقوله عليه السلم المتفق عليه لا تكليف الا بعد البيان والبيان ينافي الظن مع الآيات الناهية عن العمل بالظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا وان الظن في نفسه قبيح فلا يصار اليه لان العمل بالظن يستلزم اجتماع النقيضين في حال الاختلاف ان قيل باصابة كلا الظنين والا يستلزم اتباع الهوى والباطل ان قيل بتخطئة احدهما وايضا يلزم الاختلاف في الدين الواحد الحق فان الظن لا يقف على حد فلا يزال في الاضطراب والتجدد ولا يثبت الا بالعلم وايضا ان عمل بالظن يستلزم الافتراء بالله سبحانه لانه يقول ما ليس له به علم بل يجوز خلافه والله سبحانه يقول فلا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا قل ءالله اذن لكم ام على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب وبالجملة قد شاهد العقل وطابقه النقل بان الظن لا يغني من الحق شيئا فبنوا امرهم في تحصيل الاحكام الشرعية المكلف بها على جهة القطع واليقين واعرضوا عن الظن والتخمين ويظهر من كلام بعض الاعلام انهم يريدون القطع الابتدائي الواقعي لكن المشهور منهم القطع النفس الامري وكلامهم مضطرب في الثاني ايضا هل هو قطعي ام عادي وهؤلاء هي الطائفة الموسومة بالاخبارية ويلقبون انفسهم بالمحدثين لانهم قصروا نظرهم في متون الاخبار والآثار وماتأملوا دقيقا في ما يظهر منها لاولي الابصار من القواعد الكلية واللطائف الحسنة في استنباط الاحكام التكليفية فانكروا حجية العقل والاجماع وكذا الكتاب المجيد زعما منهم بانه ليس لنا بل هو علم غيرنا نحتاج الى الترجمة ولانعرف منه شيئا ولم نجد فيه نصا حتّى قالوا ان قل هو الله احد ليس نصا في المراد واما الاجماع فلم تدل الاخبار على حجيته واما العقل فلا سبيل له الى المدارك الشرعية فحصروا السبيل الى متن الاخبار وادعوا العلم القطعي في معرفة الحكم الشرعي اقول وقد خبطوا في كل ما ذهبوا اليه خبط عشواء وذلك لانهم في مقام المجادلة ومحل البحث والمناظرة وترتيب المقدمات وملاحظة الاعتبارات كما هو شأن اهل هذا الشأن والعلم والظن في هذا المقام لهما اسباب يتفرعان عليها فان الصورة الحاصلة في الذهن لا يخلو اما ان تكون لها صورة معارض تتعقبها ام لا والاول لا يخلو اما ان يميل الى المعارض ولو قليلا يسيرا جزئيا لا يعبؤ به ام لا بل يجده باطلا عاطلا شيطانيا والثاني هو الوسوسة والاول فان كان الميل الى المعارض جزئيا غير مستمر كوجوده بل يأتي في بعض الاحوال كالبرق الخاطف ويذهب وهذا هو الريبة فان استقر المعارض فان كان مرجوحا فهو الوهم وان كان متساويا فهو الشك وان كان راجحا فهو الظن فان انعدمت الصورة المعارضة مطلقا بحيث لا ذكر لها فهناك العلم فخذ الذي ذكرنا لك صافيا وليس بعد هذا الكلام كلام ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال فعرفت من هذا الكلام ان لا واسطة بين العلم والظن ولا منزلة بينهما ولا يكون العلم الا بارتسام الصورة من غير ذكر معارض اصلا والمعارض على اقسام لان العلم على اقسام وهذه الاقسام من تعدد الاصقاع لا العلو والسفل والعلة والمعلول بل لتعدد البيوت التي هي خزانة العلوم الصدرية والمراد بها جهات وجوديات الصور في كل صقع ومقام ليس العلم الا ما ذكرنا والوجه في هذا التعدد هو ان العلم لا يخلو اما ان يكون حصوله بالنسبة الى الشيء من حيث هو هو ومن حيث وقوعه في المدرك من غير ملاحظة امر آخر معه ام لا بل باعتبار ملاحظة وقوعه مع الآخر فان كان الاول فهو الذي يسميه الناس بالعلم العقلي اي الذهني لا الخارجي كما هو احد اطلاقاته وليس هو ما تحقق عندنا وعند المحققين من اهل العلم من كونه خارجا عن عالم الصورة واما نسبته الى الذهن فقط اشعارا بانه قد لوحظ من حيث هو هو ففي هذا المقام يجب نفي المعارض على جهة العموم والاطلاق فلو احتمل احتمالا بعيدا في هذا المقام يختل العلم لان المعارض قد وجد في بيته وتحقق في صقعه الا ان تكون وسوسة في الصدر من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس فان ذلك لا يضره وان كان الثاني فلا يخلو اما ان يكون مستندا الى العادة او الى النقل فان كان الاول فهو العلم العادي فالصورة الحاصلة في هذا المقام تحت الحاصلة في المقام الاول واخص منه فكان اعم فلا يضره لو وجد معارض في الصقع الاول لانه غير بيته فلا ينهدم الا اذا هجم المعارض على بيته وصقعه وينتسب المعارض المخالف ايضا الى العادة كالاصل فان كان الثاني فالمراد من العلم المتحصل من النقل هو الاشراق بما في ضمير الغير وباطنه وذلك الاشراق يتصور على وجهين الاول اشراق النفس على الباطن والضمير والاستعلام مما فيه وهذا لا يكون الا للكملين الواصلين اما الى اعلى عليين او الى اسفل السافلين على طور آخر وهذا العلم لا يسمى نقليا بل يسمى حضوريا وشهوديا ويتعذر ذلك لامثالنا من الناقصين الواقفين في مقام المجادلة والثاني قرع الالفاظ المسموعة من المتكلم المناسبة لمعانيها المستجنة في الباطن الدالة عليها بتلك المناسبة على طبل الاذن واخذ الحس المشترك صورتها المقدارية المدلول عليها بتلك الصورة الجسمية على طبقها ووفقها وايصالها الى النفس وادراكها لها وانتقاشها فيها ثم لما كان ما يظهر من اللفظ من المعنى ليس هو عين ما في ضمير المتكلم ولا حقيقته بل انما هو ظهور من ظهوراته الباطنية قد ظهرت بقدح زناد القرع والضغط والقلع على حجر الهواء المنجمد في فضاء الفم فالمعنى هو شرر ذلك التصادم كالثمرة للشجرة وهو قول مولينا الرضا عليه السلم ان الحروف لم تكن لها معاني غير انفسها فاذا الفتها تؤلفها لمعنى حادث لم يكن قبل ذلك فيكون المعنى هو ظهور باطن الشخص واشراقه في قابلية الالفاظ فهي بمنزلة المرايا المتعددة والمعنى الثابت في ضمير الشخص بمنزلة المقابل والمدلول عليه بالالفاظ بمنزلة المقابلة والمواجهة المتحصل منهما الظهور المنبسط على حقايق الالفاظ والمرايا المتشخص بتشخص تلك المرآة فان كانت المرايا مختلفة متفقة في الصفا والاستقامة تحكي الشاخص المقابل كما هو مع الاختلاف والتعدد ومع الاختلاف الكثير لا تدل الا على شيء واحد فلا يضر في وحدة المحكي وان كثر الحاكي وان كانت مختلفة ومتفاوتة في الصفا والكدورة والاستقامة والاعوجاج تختلف الحكايات فالمطلع على الشاخص لم ير الا الواحد وكذا المطلع على المرايا في مشهد واحد والا فاذا تعاقبت الاشخاص ولم يروا الشاخص ورأى كل واحد مرآة وحكاية فهناك يختلف الامر عندهم وما كنا منهم ان شاء الله تعالى فاذا عرفت هذا المثال الذي ضربه الله لك دليلا لمعرفة خلقه عرفت حكم الالفاظ وعلمت ان المعنى يختلف باختلاف الالفاظ ولو جزئيا يسيرا ويكون اختلافا ما الا ان يكون عالما به من غير جهة اللفظ ولما كان الشيء لا يتم مترتبا عليه الاثر بل اقول لا يوجد الا بالمادة والصورة فاذا تحققتا يظهر الشيء مشروح العلل مبين الاسباب كانت الالفاظ ايضا لا تتم الا بالمادة والصورة والمادة على قسمين بسيطة ومركبة كالخشب المركب من العناصر الاربعة المركب كل منهما من المادة والصورة الجسميتين مثلا والصورة ايضا كذلك بسيطة كالكرة والدائرة وان لم توجد الصورة الا مركبة من المشخصات الستة والحدود السبعة والاركان الثمانية ومركبة وهي ظاهرة ولا شك ان لكل جزء من اجزاء المادة دخلا في تقويم المركب بحيث اذا اختل ذلك الجزء بطل المركب وكذا الصورة الا ان الشيء لما كان في بعض الاحوال مشتملا على مكملات زائدة لازمة يشتبه الامر في الفرق واجراء الاحكام عند الاختلال ولما كانت الاشياء صدرت عن فعل الله سبحانه على نظم محكم وامر متقن وشريعة قويمة وسنة سنية دالة على حكمة الصانع وعلمه وحيطة سلطنته وجبروته وقهاريته بحيث لولاها لفسدت الاشياء ولم يتم النظام وان كان هو سبحانه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب كانت الالفاظ ايضا مادتها وصورتها على ترتيب حسن ووضع محكم متقن ونسبة ارتباطية اذ اختل ذلك الترتيب اختل المعنى فاذا تغير تكون مرآة لمعنى آخر فلا يفيد المعنى المراد ولما كان كل حق وصواب ونور وخير انما هو من آثار هياكل التوحيد واشعة انوارهم فلولاهم لم يوجد حق بل لم يتحقق باطل وجب ان يكون ذلك الترتيب اللفظي على تلك الاوضاع منسوبا اليهم متحققا منهم ولما كانت الاشياء انما اجريت على اسبابها جريا لعادة الحق سبحانه وجب ان يكون لايصال تلك الاوضاع اللفظية الالهية سبب يتوسط بيننا وبين مبادينا لتمكين الاستفادة وتمكن قبول الافادة ولما كان حسن النظام يقتضي حسن التأليف وحسن التأليف يقتضي حسن الارتباط بين الاشياء وحسن الارتباط الكامل يقتضي ان يكون كل شيء دخيلا في وجود كل شيء اما ان يكون من جهة التكميل او التتميم من الشرط واللزوم والصفة والدلالة والاقتران والنسبة وامثال ذلك كانت الاشياء بعضها سببا لشيء ومسببا لآخر ودليلا لشيء ومدلولا لآخر وحجة على شيء ومحتجا على آخر وشرطا لشيء ومشروطا بآخر وكتابا لشيء ومكتوبا في آخر وهكذا في جميع اطوار الوجود وهو قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله فاقام الاشياء باظلتها بهذا المعنى وادام الملك في الملك فلمتر شيئا الا وهو دليل لشيء وسبب لشيء ومقتض لشيء وذكر لشيء وهكذا ولما كانت الاستفادة والتلقي يجب ان يكون على حسب المقام والمرتبة كانت الافادة والافاضة اللفظية لفظية ولما كانت الالفاظ اعراضا لا تتذوت الا بالموضوعات يجب ان يكون مستندة الى لافظ ومتكلم في الالقاء والاداء ولما كان النظام لا يستقيم بدون اللفظ على جهة العموم في كل الاحوال من اول التولد الى ان يموت وبدونه لا يعيش مااقتضت المصلحة وحكم التدبير ان يجعل للالفاظ نبيا ويرسله الى الخلق ليعلمه الالفاظ ولما كانت الاعراض صفات الموضوعات والصفة من مقتضيات الموصوف ومسئولات قابلياته ولا يمكن ذلك الا بكمال الارتباط بين الصفة والموصوف ولما عرفت ما قلنا لك ان ما من الله سبحانه واحد لا اختلاف وما هو لله الذي هو هيكل التوحيد الذي هو الصورة الانسانية لا يقتضي الا الواحد اذ ليست له ارادة سوى ارادة الله فلا يشتهي الا الواحد وليكن هيكل النفاق الذي هو الصورة الشيطانية لما ظهرت بنتنها وخبثها ودخانها وبخارها الكدر المظلم في الوجود وتمكن في اكثر الموجودات واستقر فيها على الاصالة الذاتية مما يناسبها كذلك واصاب بعضها لطخ وبعضها خلط واستشم البعض منها رائحة وهي لا تستدعي الا الكثرات والاختلافات ودواعي الانيات وتجدد الشهوات على الاصول المجتثات اختلفت الاشياء لاختلاط تلك الطينة النجسة في الاقتضاءات وتفاوتت في الشهوات ومنها الالفاظ فان مقتضي هيكل التوحيد ليس الا اللفظ العربي ولذا كان لسان كل اهل الجنة بخلاف اهل النار لكنها لما قلنا اختلفت فاقتضت اختلاف الالفاظ بالفارسية والهندية والرومية والتركية والسريانية واليونانية وامثال ذلك فاعطي الحق سبحانه بولي الامر الحامل للواء الحمد كل قابلية ما اقتضت وكل طائفة ما استدعت وطلبت من الالفاظ بالهام او بخلق علم ضروري او من قبل ابينا آدم على نبينا وآله وعليه السلم على ما نفصله في ما بعد ان شاء الله تعالى فكل طائفة اختصت بلغة من اللغات هي الحجة على غيرها فيها ويجب تحصيل تلك اللغة ان وجب منها ومعرفة الفاظ تلك اللغة وترتيبها ومناسبة مادتها وصورتها واقتضاءات القرانات التي بينها والاوضاع التي هي عليها ولما كانت المعاني كثيرة غير متناهية والانسان ابدا يحتاج الى التعبير وليست المعاني المحتاج اليها محدودة معينة ولم يمكنه حصر تلك المعاني فضلا عن حصر الالفاظ الدالة عليها فلو اقتصر على الالفاظ الحقيقية الخاصة بكل معنى لضاق عليهم المنهج ولاضطربوا في تعبيراتهم واخراج ما في ضمايرهم وايضا لو اقتصر على خصوصيات الالفاظ الموضوعة الاولية لانعدمت اللطايف والمحسنات اللفظية ولم يكن اختصار شيء والغاؤه وتعميته وتجنيثه وامثال ذلك وايضا لو كان كذلك لمااظهرت الطبايع بما استجنت والسراير بما اضمرت والضماير بما استرت وهو السر الحقيقي الواقعي في هذا الشأن ولما كان الامر كذلك جعل للانسان اصولا وقواعد كلية في الالفاظ يتصرف في جزئياتها وهو الاوضاع النوعية فرخصوهم ان يستعملوا كل لفظ بما يناسبه وان ينقلوا كل لفظ الى ما يناسبه وان يستعيروا كل لفظ لما يناسبه وان يستعملوا كل لفظ في كل معنى على جهة النقل وان لم يعلموا جهات المناسبة وقد علمهم بها تعليما عاما من حيث لا يشعرون وجعلوا المعاني الكثيرة مشتركة في لفظ واحد والالفاظ الكثيرة في معنى واحد وامثالها من الاحوال اللفظية وانت تعلم ان كل معنى يناسب كل معنى وكل لفظ يصلح للنقل والاشتراك والمجاز والاضمار على خلاف الوضع الاولى وانت لم تحط خبرا بكل الاستعمالات ومراد المتكلم بتلك الدلالات وان كنت من اهل اللغة واللسان فان القراين المجازية اكثرها حالية والمقالية قد تكون خفية سيما بالنسبة الى كلمات من بعد عهده وطالت مدة مقالته وان لم تكن من اهل اللسان يجب عليك ان تتعلم تلك اللغة وكيفية تركيبها من المادة كما هو في علم الصرف في اللغة العربية فان المادة ليست بسيطة بل هي مركبة ايضا من مادة وصورة ومن الصورة كما في علم النحو فيها وفي اصل الدلالة كما في علم اللغة سيما اذا لم تلاق اهل اللسان وتلتجأ في علم ذلك بكتب النقلة والحفظة التي شاع خطاهم وفسقهم وفساد عقيدتهم ووقوع الاختلافات الكثيرة التي بينهم في اصل الدلالة وفي الصرف والنحو فان استفادة النقلة تلك اللغات اغلبها من الاشعار ومن موارد الاستعمالات بحسب الاستقراء وامثال ذلك ولا شك ان تحصيل العلم القطعي والعادي باصل المعنى بهذه الامور قليل جدا فلو حصل فاغلبها بالامور الظنية ويجب عليك ان تجري في معرفة معنى اصولا كثيرة كلها ظنية من اصالة عدم النقل وعدم المجاز وعدم الاشتراك وعدم الاضمار وامثال ذلك الا ان يكون قراين قطعية تدل على ذلك المعنى ولااظنها تحصل في كل الالفاظ المستعملة في معانيها ولا في اكثرها فالمتحصل من النقل ان كان حال مشافهة المتكلم وعلم قطعا ان المتكلم مراده افهامه والتبيين له وتفهيمه مراده وكان عالما قادرا على حسن التعبير ليكشف عما في الضمير ذلك علم قطعي لا معارض له في صقعه ومقامه وان لم يرد المتكلم افهامه اولم يعلم ذلك منه او يكون المخاطب من الحملة الى من هو افقه منه او يكون ناقصا عن التعبير وحسن التأدية او يكون المخاطب المشافه ناقصا عن فهم المراد لا يمكن له القطع بالمفاد فان ظن ببعض القراين والقواعد شيئا فهو والا فيبقى في زاوية الاجمال فان القواعد كليات قد يكون بعض الجزئيات له مخرج منها بحسب النقل واللغة فجاء المعارض وذهب القطع وان لم يكن حال المشافهة وكان غايبا عن المتكلم فلا يخلو الكلام عن احوال لان الكلام هو المركب من الكلمتين او الاكثر بالاسناد والكلمة هي اللفظ الموضوع لمعني مفرد واللفظ هو الحروف المصوغة من الهواء بتقطيعه بالقرع والقلع والضغط وتأليفها على هيئة مخصوصة تناسب ذلك المعنى المقصود ابرازه والا لكان لغوا وايضا ان الوحدة هي المطلوبة في كل حال والكثرة خلاف الاصل والحقيقة سيما في الالفاظ التي مدارها على الافادة والاستفادة ووجودها تبعي ولذا كان الاختصار والتقليل ما لم يكن مخلا بالمعني هو المطلوب فلم كانت الهيئة والصورة داخلة في حقيقة الالفاظ ومقومة لافادة المعنى ولم لم يوضع ولم يجعل لكل معنى حرف واحد ليكون سهل التناول والتفاهم وسهل المؤنة في الحفظ والضبط وامثال ذلك من المنافع فان تكلفت في الجواب وقلت لان المعاني كثيرة والالفاظ اي الحروف ثمانية وعشرون وهي لا توأدي والاشتراك اذا كثر وجاوز الحد يخل في الفهم ويجب تكثير القراين فيستلزم التطويل وهو عين ما فررنا منه قلت اماكان الله سبحانه قادرا ان يجعل لكل معنى حرفا واحدا متغايرا بعدد المعاني كالهيئات المركبة المتباينة الغير الداخلة تحت امر جامع فلم رجح هذا على ذلك مع اشتراكهما في الافادة والتأدية وترجيح ذلك بالاختصار والوحدة المطلوبة فلئن سلمنا ذلك والتزمنا الهيئة من غير دليل قلت لم اختلفت الهيئات وكثرت الاعتبارات والجهات في الكم واما الكيف فربما تتكلف فيه وتقول ذلك من جهة التمايز والفصول واما الكم فلم اختلف مع ان نسبة المعاني الى كل الالفاظ بزعمكم سواء فلم اقتصر في بعض المعاني بحرف واحد كهمزة الاستفهام وكاف التشبيه وباء التعدية وواو القسم وامثالها وفي بعضها بحرفين كان الشرطية واذ الزمانية الظرفية ومن الابتدائية وقد التحقيقية وامثالها وفي بعضها بثلثة احرف وهي ظاهرة وفي بعضها باربعة احرف جوهرية كباب دحرج وامثاله في الافعال والاسماء منها كثيرة او عرضية كباب اكرم في الافعال وامثاله وكذا في الاسماء وفي بعضها بخمسة احرف وهي في الاسماء والافعال في العرضية كثيرة وفي بعضها بستة احرف وهي في عرضية الافعال كثيرة ولم كانت تلك الالفاظ جوهرية والباقي عرضية ولم لم تتساوت واختلفت مع ان نسبتها الى كل المعاني سواء والاختصار هو المطلوب فان قلت ان هذه الاختلافات والكثرات ترجع الى خصوصيات المعاني ونسبتها الى الالفاظ فاقتضى كل معنى ما يناسبه من اللفظ فهو الحق المطلوب والا فان كانت منسوبة الى اللافظين ولا شك ان خصوصيات الافراد لا دخل له في المراد اذ لا يكون الاختلاف المنسوب الى النوع الا نوعيا ولا يمكن ان يكون شخصيا لعدم الاحاطة في الجزئيات وهي تختلف في التأدية كاللين والغلظ والرخاوة والشدة وامثال ذلك كما نشاهدها واما خصوصيات المعاني فلا ولئن سلمنا يجب ان يجعل لكل معنى الفاظا مترادفة من الثلاثية والرباعية والخماسية واقل واكثر في كل لغة والواقع بخلافه فان قلت ان ذلك الاختلاف باعتبار اختلاف طبايع كل طائفة في تأدية ذلك المعنى فاذا اراد طايفة الاستفهام مثلا يجب السرعة في الجواب واظهار الحال والا لضاق صدره فاقتصر في اللفظ باخصر لفظ وامر كالهمزة مثلا وفي وقت آخر يجب التأني والتطويل فجعل لفظ اطول من ذلك وهكذا قلت ان هذا ايضا وان كان من المناسبة لكنها ليست بمعتبرة كثيرا الا اذا توافقت المناسبة المعنوية مع اقتضاء المقام اذ قد يختلف في مقامات كثيرة مثل لام التأكيد مع ان اللافظ يحب التطويل للتثبيت والتقرير وكذا حروف الشرط والموصول وامثالهما فلئن فتحت هذا الباب فلا شك ان المحبوب والمبغوض لكل طائفة ولكل احد ولا شك ايضا ان اللافظ مع محبوبه يحب التطويل ومع مبغوضه بالعكس وكذا لكل احد حالة عجلة وسرعة وحالة اطمينان وسكون فاذن يجب ان يكون لكل معنى في كل لغة لفظان بل ثلثة لدوران احوال اللافظين عليها لفظ في غاية الاختصار كالحرف الواحد وفي غاية التطويل كالسداسي والسباعي والحد الاوسط في الحد الاوسط والواقع بخلافه ومدعي ذلك مكابر ودعوى الاختفاء باطلة لمسيس الحاجة ووجود المقتضى ورفع المانع فلا معنى للخفاء والاختفاء وسيأتيك ان شاء الله سر حقيقة هذه الاقوال باوضح المقال فان قلت ان هذه الاختلافات منسوبة الى فعل الله سبحانه وارادته قلت ان هذا باطل اذ ما من الله ليس الا واحدة والكثرة انما هي بالعرض والعرضي يعلل وقد قال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بانفسهم فثبت ما قلنا ان هذه الهيئات الحرفية واللفظية لا تكون الا لمناسبة المعاني وهذا الذي ذكرت لك كله على جهة المجادلة بالتي هي احسن واما دليل الحكمة فاعلم ان كل ذات له اثر فاذا تنزلت تلك الذات الى مقام ادنى تنزل اثره الى ما يناسب اثر ذلك المقام ولا شك ان الذات لا تتنزل الا في مقام يناسبه ومعنى المناسب ان يكون على طبعها وهيئتها وخاصيتها فان اختل شرط واحد من هذه الامور اختل النزول والظهور اذ لو كان في الطبيعة مخالفا للذات ومبايناتها لم يحك عنها ولم يدل عليها ولم يستند اليها فبطل حكم النزول هف لان النزول لا يخلو اما ان يكون بالصفة وايضا ان نظرك في الشيء لا يخلو عن وجهين احدهما مشاهدة ذلك من حيث هو وجريان احواله عليه وثانيهما مشاهدة غيره فيه ولا تشاهده الا اذا ظهر ذلك فيه اما بتقييده بعد ما كان مطلقا وبانجماده بعد ما كان ذائبا او بالقاء مثاله فيه ويجب في الكل المناسبة وفي بعضه العينية اذ النار لا يتقيد بالماء والماء لا ينجمد ويكون نارا ولا يشك فيه عاقل واما ما ترى في عبارات اهل الصناعة الفلسفية انه قد انقلب النار ماء فليس على ظاهرها فانهم يريدون حكم الاغلبية والنسبة في الشدة والضعف وتحصيل النطفتين لا الحكم الحقيقي فانه مستحيل الا اذ انقلبت النار بواسطة الهواء ماء والعكس وهو خلاف ما نحن بصدده لبطلان حكم الحكاية والمشاهدة هناك اذ المظهر لو خالف الظاهر لم يكن مظهرا هف وقد اعطاك الامام عليه السلم اصلا كليا فقال ان المعنى في اللفظ كالروح في الجسد ولا ريب ان الاجساد تنزل الارواح بحسب اطوارها المختلفة ومقاماتها المتباينة وكذلك الالفاظ بالنسبة الى المعاني مع ان الاجساد قد تلحظ من حيث هي ويغفل عن الارواح بخلاف الالفاظ فانها لا تلحظ ولا تقصد الا مظاهر للمعاني واستفادتها ولا اظنكم تنكرون المناسبة بين الروح والجسد فما بالكم تنكرونها بين افعالها وآثارها فان المعاني هي آثار النفس بالله سبحانه المنتزعة عن الحقايق الكونية والامكانية ولا تنكر ذلك والالفاظ مظاهرها في العوالم الجسمانية والجسدانية كما ان الاجساد والاجسام مظاهر الارواح والاشباح وموارد افعالها في عوالمها افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض مع ان حكم الله في الصفات منجوه في الذوات بلا فرق اذ الصفة لو لم تكن على هيئة الموصوف لم تكن صفة ولا الموصوف موصوفا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا مع ما بين الالفاظ والمعاني من الاقتران الدال على الاتصال الدال على المناسبة والمشابهة بين المتصلين اذ اقتران المتباينين مما يستحيله العقل وان كان الله سبحانه قادرا على ذلك وما ترى من اتصال النور والظلمة فانها لجهة جامعة وهي النور من حيث نفسه المتصل بالنور المحض بواسطة النور المذكور فيه الظلمة وقد تكون وسائط خفية لا تدركه عقولنا ولا تبلغه افهامنا نشرح ذلك في ما يأتي ان شاء الله تعالى وبالجملة فاذا عرفت المناسبة بين اللفظ والمعنى بالدليلين اجمالا وان كنا نفصله في ما بعد ان شاء الله بالادلة الثلثة والموازين الاربعة فاستمع لما يتلى عليك من الكلام واعلم ان في الالفاظ والحروف نظران احدهما الى البسايط الثمانية والعشرين المعروفة وثانيهما الى المركبات واما البسايط فلما كان العالم مترتبا على ثمانية وعشرين جزء قد حصل منها كلما ترى من الموجودات الغيبية والشهودية الغير المتناهية وهذه المراتب على ثلثة مراتب متطابقة احدها مراتب فاعلية الحق سبحانه الظاهرة بالاسماء الثمانية والعشرين وثانيها مراتب المفعولات الثمانية والعشرين المتقومة بتلك الاسماء في مراتبها المصورة بالصورة الانسانية المحدودة بحدود التوحيد وهيكله او قل ان المجموع هي اجزاء ذلك الهيكل وحدوده وثانيها مراتب العكوس والظلال والاضداد الثمانية والعشرين المتقومة بالاسماء السوءي الخبيثة النجسة في مراتبها المصورة بالصورة الشيطانية المحدودة بحدود الكفر والشرك والنفاق ولما كانت الحروف صفات تلك المراتب جرت فيها تلك المراتب الثلثة فالحروف العاليات ما كانت بازاء الاسماء المنتسبة اليها والحروف السافلات الناكشات ما كانت بازاء المراتب السافلة المعكوسة والمتوسطات بهذا التقسيم وان كانت عاليات ايضا ما كانت بازاء مراتب المفعولات المقصودة بالذات في الايجاد ففي كل حرف تلحظ هذه الملاحظات الثلثة ولذا ترى علماء الجفر يستخرجون من كل حرف اسم الملك الموكل به الذي هو مظهر التقدير والتدبير واسم الشيطان الخادم لذلك الملك على جهة التسخير وترتب عليه آثار عجيبة غريبة من بسط وقبض وحيوة وموت وخير وشر وامثال ذلك كما هو المعروف عندهم ولما كانت جهة الفعل المتعلق بالمرتبة المعينة الخاصة حسب تلك المرتبة مختلفة وان كانت في رتبة واحدة فيشار بحرف واحد الى تلك الاسماء المختلفة حسب تعدد ظهور وجه الفاعل فيها ولذا تريهم يقولون ان الالف القائم بازاء اسم الله البديع والباء بازاء اسم الله الباعث والالف بازاء العقل والباء بازاء النفس والالف المعكوس بازاء الاسم السوء المرتاب والباء المعكوسة بازاء الاسم السوء المتوهم وقد ورد ان الالف آلاء الله والباء بهجة الله اي الظاهر بالآلاء والنعمة والظاهر بالبهجة واختلف ظاهرا لكن المآل واحد وامثال ذلك مما يظهر من تلويحات الاخبار وتعريضاتها كثير لانطول الكلام بذكره والغاية التنبيه والاستشعار ويحصل بذلك فقد ظهر لك ان كل حرف يصح ان يشار بها الى الفاعل والمفعول الطيب والخبيث والفاعل باسمائه المختلفة المتعددة المتفاوتة في المفهوم والمصداق والمفعول بجهاته المتعددة المتباينة المتضادة في كل مرتبة ولا تستغرب وقد وقع ما ذكرت لك في اخبار اهل البيت عليهم السلم وفي القرآن هذا مجمل حال بسايط الحروف والالفاظ واما المركبات فتختلف احوالها واطوارها وتدور معها ظهورات المعاني فتختلف باختلافها فان تركيب الالفاظ ليس مزجيا صوريا وان كان معنويا بل منها ترتيب ووضع واضافة واقتران كالانسان المركب من الرأس والصدر واليدين والرجلين وغيرها وكل جزء يشار به الى حكم من الاحكام والى اصل من الاصول وحال من الاحوال وكذلك في الترتيب من تقديم حرف وتأخير آخر وتوسيط آخر وكذلك في تثليث الاجزاء وتربيعها وتخميسها وتسديسها وتسبيعها وكذلك في عدم الاتيان بالحروف والاجزاء المخصوصة دون غيرها من الحروف بملاحظة البسط الكبير وكذلك في عدم الاتيان بالمرادف على الظاهر وكذلك في تكثير الحروف النارية مثلا في كلمة والهوائية او المائية او الترابية في الاخرى وبالعكس وكذلك التكثير والتقليل والتوسيط في الحروف النورانية والظلمانية والجبروتية والملكوتية والملكية والمهملة والمعجمة والمجوفة والصمدانية والليلية والنهارية وامثال ذلك من الاحوال فان كل هيئة تناسب حكما من الاحكام وكل حرف تشير وتدل الى حقيقة من الحقايق والجامع للمجموع يدل على المجموع وقد تذكر الكلمة ويراد بها ما يدل على الترتيب خاصة وقد تذكر ويراد بها ما يدل عليه الطبايع خاصة وقد تذكر ويراد بها ما يدل عليه الصفات من الجهر والهمس والقلقلة والاطباق والاستعلاء والاستفلاء وامثال ذلك وقد يراد بها المجموع كما قد وقعت في الخطابات الالهية والاحاديث المعصومية عليهم السلم ولذا كان القرآن فيه تفصيل كل شيء والجامع لكل رطب ويابس فان ما يدل عليه المجموع المركب يدل على احواله وصفاته وآثاره ومباديه وعلله واسبابه وشرايطه كالاجزاء والحروف بصفاتها وترتيباتها وامثالهما مما ذكرنا لك وقد بينا شطرا منها في اكثر مباحثاتنا واشرنا الى بعضها في اللوامع الحسينية عليه السلم في البسملة وكهيعص وحمعسق وامثالها وذكرها يؤدي الى التطويل ولا فائدة وكذلك التأدية والتعبير يدل على حكم من الاحكام الذي لا يدل عليه غيرها وكذلك التعبير من التصريح والتغيير والتقدير والاضمار والحذف والتقديم والتأخير والمفهوم وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل التنبيه والاشارة وامثالها كل ذلك يدل على احوال وامور لا يدل عليها غيره ويستعمل كل ذلك اللافظ المتكلم على حسب مقامه ومرتبته اي يريد والا فكلها موجودة في كل لفظ مركب او عبارة مجتمعة من كلمات ثم ان كل لفظ لا يدل على معنى في كل لغة الا ان يكون جاريا على مقتضى قواعد تلك اللغة وقوانينها ظاهرا وباطنا ظاهرا وان كان كل هيئة تدل على شيء الا ان ذلك لا يدركه الا الله او من اطلعه على غيبه ممن ارتضى من الرسل هذا حكم اللفظ على حسب الحقيقة والواقع فاذا اتاك لفظ من الالفاظ او عبارة من العبارات تحتمل كل هذه الوجوه لكنك انظر الى اللافظ المتكلم فان كان من
( الى هنا في النسخة )