
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد امرني مولاي وسيدي ومن اليه في كل حق مستندي شيخي واستادي اطال الله بقاه وجعلني في كل محذور فداه وبلغه الى ما يتمناه وامد ظلاله على رؤس عباده ورعاياه بمحمد (ص) وآله الهداة ان اكتب جواب هذه المسائل التي اتى بها اليه بعض اخواننا المخلصين ايده الله تعالى بروح اليقين ولم يكن له اطال الله بقاه اقبال الجواب لتوارد الاشغال عليه من كل باب فامتثلت امره مع قلة البضاعة وكثرة الاضاعة واختلال البال واغتشاش الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وسلكت في الجواب مسلك الاختصار واكتفيت بادنى الاشارة لانه الميسور في مثل هذه الحال والله المستعان ولا حول ولا قوة الا به
قال سلمه الله تعالى : ما يقول السيد السند والملاذ المعتمد شيخ العلماء ورئيس الحكماء امد الله له بالبقاء بمحمد وآله النجباء وجعل الله آخرته خيرا له من اولاه في معنى قول ابي عبد الله عليه السلم ان الله تعالى اذا اراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده واذا اراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وسدد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ثم تلى الآية فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء فهذا ينافي قضية الاختيار
اقول اعلم ان اخبار اهل البيت عليهم السلم لا تنافي القرآن قط لانها منه والقرآن لا اختلاف فيه لقوله عز وجل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وان اشتمل القرآن على بعض المتشابهات لاستنطاق السراير واستعلام الضماير وامتياز الخبيث من الطيب لكنه سبحانه جعل محكمات وجعلها اصولا ترجع اليها عند المتشابه كما قال عز وجل هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات الآية والمتشابه لا يخالف المحكم قط والا جاء الاختلاف المنفي او الاغراء بالباطل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ثم ان الكتاب والسنة لا يخالفان ما انعقد عليه اجماع الفرقة المحقة قط لان المعصوم عليه السلم باذن الله قد اقرهم عليه وليس عند الله ولا عند رسوله ولا عند اوليائه اختلاف فاذا فهمت هذه القاعدة الكلية فرد كلما يشتبه عليك الى الاخبار ورد الاخبار عند الاشتباه الى القرآن ورد متشابهه الى محكمه بما لا يلزم خلاف الفرقة المحقة فتجد الامر واضحا ظاهرا ان شاء الله وكذلك هذا الحديث الشريف فان القرآن قد نطق ببيانه وايده العقل المستنير بنور الله واجماع الفرقة المحقة والاحاديث الاخر الكاشفة للمراد فقوله عليه السلم اذا اراد الله بعبد خيرا فهذه الارادة انما يكون بعمل العبد واختياره وسؤاله من الله عز وجل اياها بلسان اعماله كما قال الله عز وجل يهديهم ربهم بايمانهم فجعل الايمان سبب الهداية وقال ايضا يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم فجعل سبحانه النور مسببا للايمان به وبرسوله فاذا اراد الله بعبد خيرا من جهة ايمانه وقبوله لامره واذعانه له بالربوبية ولرسوله وولاة الامر بعده صلى الله عليه وآله بالطاعة والاخلاص في الموالات نكت في قلبه نكتة من نور وهذه النكتة من نور هي نور من شعاع نور العظمة وهو مبدء الانوار والخيرات الظاهرة فيه وهو التأييد الالهي والمدد الرباني وفتح مسامع قلبه لظهور ذلك النور فيه بالوان مختلفة وانحاء متفاوتة من معرفة العلوم والاسرار والاطلاع على العلوم المخزونة في الحجب الغيبية فان للقلب اربعة اركان وهي مسامعه ويظهر ذلك النور في كل ركن بلون من الالوان وطور من الاطوار يطول بذكرها الكلام والاركان هي العقل والروح والنفس والطبيعة ثم ينتشر النور اي التأييد والتسديد في كل قواه ومشاعره الظاهرية والباطنية فيكون بكله مستنيرا بنور الله ومثال ذلك الشمس اذا اشرقت على المرآة الصافية فانك تجد النور فيها ظاهرا لامعا حاكيا للشمس ولا كذلك عند اشراقها على الاجسام الغاسقة كالجدران مثلا اذ ليس لها ذلك التشعشع واللمعان كما في المرآة فدل ان المرآة انما طلبت ذلك النور من الشمس بصفائها وقابليتها وماطلبت الاجسام الغاسقة ووكل به ملكا يسدده وهذا الملك هو الملك الكلي الموكل بالقلب اسمه روح القدس من شعاع روح القدس الذي يسدد الانبياء الذي هو من شعاع الملك الاعظم روح القدس الذي يسدد نبينا وآله صلى الله عليه وآله او تقول ان ذلك الملك وجه من وجوه روح القدس الذي مع ائمتنا سلام الله عليهم ولهذا الملك جنود واعوان موكل بكل جزء من اجزاء الشخص وكل قوة من قواه ومشعر من مشاعره واذا ( اذ خل ) اراد بعبد سوء بعمله السوء واختياره الباطل وادباره واعراضه عن الله عز وجل كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم فجعل الكفر سببا للطبع الذي هو النكتة السوداء وقال تعالى وماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال ايضا واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وامثالها من الآيات كثيرة وقد اجمعت ( اجتمعت خل ) الفرقة المحقة على ان الله عز وجل لا يجبر الخلق على الطاعة والمعصية فانه ظلم وانما ( فانما خل ) يحتاج الى الظلم الضعيف نكت في قلبه نكتة سوداء وهذه النكتة هي انطباع الصور الباطلة التي في كتاب الفجار الذي في سجين وذلك الانطباع انما يحصل بالاعراض عن الله عز وجل بقلبه وعمله فيكون ح رأسه منكوسا ناكسوا رؤسهم عند ربهم ناظرا الى اسفل السافلين وفيه مبادي كل شر وطغيان فيسود قلبه باحتجابه عن نور الاقبال الى الله وسدد مسامع قلبه عن الخير كما قال عز وجل لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل ووكل به شيطانا يضله وهذا الشيطان وجه من الجهل الكلي متعلق بمركزه وهو النفس الامارة بالسوء يزين له الباطل ويسوفه عن الخير كما قال عز وجل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وكذلك على كل قوة من قواه ومشعر من مشاعره شيطان من وجوه ذلك الشيطان الموكل بالقلب الجهة السفلى منه وهي النفس الامارة ويظهر مما ذكرنا معنى الآية ومعنى قوله تعالى ضيقا حرجا ان العاصي بمعصيته وتوغله ( غلوه خل ) فيها وعدم توبته منها تحصل له فطرتان الاولى هي الفطرة الاصلية التي كل مولود يولد عليها وهي التي لا تميل الى الباطل ولا يلتفت اليه ابدا والثانية هي الفطرة الثانية المغيرة قال تعالى وليغيرن خلق الله وهذه هي التطبع ( الطبع خل ) وبها يميل الى المعصية والشر واعتقاد الباطل فبالفطرة الاولية يعرف الحق ويريه وبالثانية يعرض عنه ويتوغل في الظلمة ثم يلتفت الى سوء فعله بالفطرة الاولى فينقبض فهو لا يزال على هذه الحالة من ضيق الصدر وانقباض الخاطر الى ان تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم فيكافيهم باعمالهم وهو قوله تعالى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا وقولكم وهذا ينافي قضية الاختيار قد ( وقد خل ) علمت على ما بينا انه عين الاختيار وانما لم يصرح عليه السلم بالعمل لانه عليه السلم ما كان بصدد بيان الجبر والاختيار لان ذلك معلوم من مذهبه عليه السلم عند جميع شيعته وغيرهم وانما اراد بيان ما يترتب على اختيار الايمان والكفر و( الكفر من خل ) المثوبة والعقوبة في الدنيا فان فرح القلب وانبساطه واطمينانه يذهب كل الهموم والاحزان ولا يحس بالآلام الحسية الدنيوية لما قد تعلق قلبه به من نعيم الآخرة وسرورها ولما يعلم من ان تلك الآلام موصلة اليها فيزداد سرورا وبهجة فهو في نعيم ولذة في الدنيا والآخرة واما انقباض القلب وتكدره واضطرابه فتذهب كل المسرات لان القوى والمشاعر وساير الجوارح تابعة للقلب فاذا كان مضطربا مغشوشا لا يلتذ بشيء من الملاذ وان كان يتكلف في طلبها بالفطرة المغيرة الثانية فهو في عسر شديد في الدنيا والآخرة هذا مراده عليه السلم ولا يلزم ذكر كل الوجوه في المقام الواحد سيما اذا كان ذلك الوجه معروفا عند الكل ولعلل اخرى يطول بذكرها الكلام ومرادنا الاختصار والاقتصار بادنى الاشارة
قال سلمه الله تعالى : ما معنى قول ابي عبد الله عليه السلم ما عظم الله بمثل البدا وقولهم عليهم السلم ما عبد الله بشيء مثل البدا وما معنى البدا
اقول ان العبد ( اقول العبد خل ) اذا علم وتيقن ان الامكان فقر محض وان الشيء لا تذوت له في حال من الاحوال وان لله عز وجل فيه المشية يصرفه كيف يشاء بما يشاء في كل الحالات وان الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما ثبت وثبت ( يثبت ويثبت خل ) ما يمحو ولا يسئل عما يفعل فلا يرى لشيء شيئية اصلا ومطلقا ويرى الاشياء كلها فانية باطلة مضمحلة مقهورة تحت عظمته ومشيته فانية عند ظهور قدرته فيظهر له بذلك ان عرفه معرفة عيانية عملية لا قولية رسمية عظمة الله سبحانه بما لا يطيق مع ذلك تماسك نفسه فيكون ذليلا حقيرا خاضعا عند ظهور عظمة الله جل جلاله وهذه العظمة الماحية للاشياء كلها والمفنية لها بقضها وقضيضها في كل مقام يفرض وجودها وان كان بعد تغيرات كثيرة ماتظهر بغير ملاحظة البدا بساير الظهورات والصفات وان كانت بصفة الخالقية والقيومية الا ان تؤلا بما ذكرنا في مقام البدا ولذا قال عليه السلم ما عظم الله بشيء من البدا واما معنى الحديث الثاني فهو ان العبادة هي الاعتراف بذلة العبودية للواحد الفرد عز شأنه وهي توحيد العبادة وهي لا تتحقق الا بان يرى ما سوى معبوده باطلا زايلا فانيا في كل الاحوال والا لم يكن موحدا في العبادة وهذه المشاهدة والرؤية لا تحصل على وجه الكمال الا بالقول بالبداء كما ذكرنا وايضا يجب على العابد ان لا يتكل على عبادته وعمله اذا عمل وان لا ييئس من رحمة الله اذا عصى ونكل ( يكل خل ) فاذا اعتقد بالبدا وان الله يمحو ما يشاء ويثبت فلا يتكل على عمله اذ لعل الله ان يمحو ما كتب له بذلك العمل ولا ييئس من رحمة الله اذا عصى اذ لعل الله ان يمحو ما يقتضي عصيانه من الخذلان لانه ذو فضل عظيم قاهر على عباده معذب ( يعذب خل ) لمن يشاء بما يشاء كيف يشاء ويغفر لمن يشاء بما يشاء كيف يشاء فهو لا يزال بين خوف ورجاء واما اذا لم يقل بالبداء فيتكل على عمله ويطمئن اذا عمل وكذلك في مقابله اذا عصى فلم يحصل له الخوف والرجا اللذان هما جناحان للعابد يطير بهما الى مقام القرب فما عبد الله بشيء مثل البداء واما معنى البداء فهو اظهار حكم من الاحكام الوجودية الكونية بعد انقضاء مدة الحكم السابق لتغيير الموضوع لان الله عز وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم فالبداء نسخ تكويني وجودي كما ان النسخ بداء تشريعي فيمحى الحكم الاول الثابت للشيء باعتبار وصفه الذاتي او العرضي ويثبت الحكم الثاني له على مقتضى وصفه الحاصل له ثانيا مثلا ان الله عز وجل حكم على زيد بمقتضى اجابته في عالم الذر مقدارا من العمر والرزق مثلا خمسين سنة فاذا بقي على مقتضى تلك الاجابة فلا يمحى شيء مما كتب له الا ان يشاء الله عز وجل فانه قادر وقاهر على كل شيء لكنه قد جرت حكمته تعالى ان لا يمحوه فاذا زاد على تلك الاجابة بعمل آخر قوي كزيارة الحسين عليه السلم فانها تقوي الكينونة باذن الله عز وجل فتمحى ( فيمحى خل ) كتابه خمسين سنة ويكتب له ثمانون سنة وكذلك اذا نقصها بعمل قاطع كالزنا او قطيعة الرحم مثلا فانه تمحى ايضا كتابه خمسين ( خمسين سنة خل ) ويكتب له مثلا اربعون او ثلثون وهكذا فبالاعمال يغير الله عز وجل احكام الخلق وصفاتهم وكينوناتهم وتلك الاعمال هي قابلياتهم فحكم الله وامره واحد يختلف بالاعمال والقابليات وليس البداء بمعنى الندامة كما يزعمها ( يزعمون خل ) بعض الجهال وليس البداء في ذات الله عز وجل لان ذاته عز وجل لا تتغير ولا تتبدل ولا في علمه الذاتي لانه هو عين ذاته وهو قد سبق المعلومات ولا تغير فيه وانما البداء في آثار الصنع الظاهرة بالصفات الفعلية وهي الجهات الخاصة المتعلقة لا الجهة العامة الكلية فافهم واما الامور المحتومة التي لا بداء لها فهي على قسمين احدهما يستحيل عليه التغيير والتبديل فلا بداء وهي الامور الواقعة الثابتة فان الشيء اذا وقع لا يمكن ان لا يقع بعد ما وقع فان الكاتب ( فالكاتب خل ) مثلا اذا كتب لا يمكنه الايكتب ( ان لا يكتب خل ) وهو معلوم فلا يمكن فيه البداء وثانيهما ما علة محتوميته الحكمة ( الحكم خل ) والوعد الالهي الذي لا يخلف او لتوقف النظام الكلي عليه والا لفسد مثل اسعاد الانبياء واشقاء الاشقياء والقيمة الصغرى والكبرى وما سواهما يجري عليه ( عليهما خل ) المحو والثبات لدوام فوران فوارة القدر واختلاف جهات المقابلات لتلك الفوارة وهنا كلام لا يناسب المقام ذكره واما الاجل المحتوم والمخترم اللذان في الاخبار فالمراد بالاول هو الذي استوفى ما اقتضته شرايط وجوده واسباب حدوده وساير المتممات والمكملات من الاجل والرزق وساير الحدود المقدرة والثاني الذي لم يستوف ذلك وبقي له شيء من اجله ورزقه وساير حدوده ( الحدود خل ) المتعلقة به فقضى عليه ومات وهذا يرجع لاستيفاء ذلك الى تلك المدة فيموت في ساعته
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول المعصوم عليه السلم من عبد الاسم فقد كفر ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك
اقول اعلم ان الاسم على قسمين معنوي ولفظي لان الاسم مشتق من الوسم وهو العلامة وهي كما تكون لفظا تكون معنى ايضا وقد قال امير المؤمنين عليه السلم الاسم ما انبأ عن المسمى وقال الرضا عليه السلم وقد سئل عن الاسم انه صفة لموصوف فكلما ينبئ عن الشيء هو اسم له فكانت الاشعة اسما للسراج والشمس والآثار كلها اسماء لمؤثراتها وهي الاسم المعنوي والاسماء اللفظية اسماء للاسماء المعنوية فلفظ القائم اسم لتلك الهيئة المتصلة بفعل زيد المنتقش ( المتنقش خل ) في مكان ذلك الظهور الخاص بزيد وزمانه وجهته كما انك اذا رأيت زيدا قائما في المسجد يوم الجمعة فكلما تلتفت الى ذلك الوقت وذلك المكان ( الزمان خل ) ترى تلك الهيئة على ما هي عليه موجودة وذلك هو الشبح المنفصل فالقائم اسم لتلك الهيئة اي ذلك الشبح وهو اسم لزيد وصفة له بحيث اذا التفتت اليه انتقلت الى زيد اي ( اي الى خل ) ذاته ولكن لما كان معنى اللفظ صفة لا استقلال لها الا بموصوفها ووجها لمعرفة موصوفها وآلة لملاحظته كان لا يلتفت الى المعني المدلول عليه من اللفظ وانما يلتفت الى المعني المراد كالصورة في المرآة فانك اذا نظرتها لم تلاحظها من حيث هي هي وانما تلتفت الى المقابل من حيث هو وان كان لا تراه الا كما ظهر فيها لكن المرآة من جهة انها واسطة وآلة للملاحظة فلا يلتفت ابدا اليها الا اذا احتجب ( احتجبت خل ) عن المقابل بالنظر اليها فاذا علمت ان الاسم هو الاثر والصفة فاعلم ان السافل لا يمكنه ان يعرف العالي الا باثره وصفته اذ لا يلحقه في ذاته والا لم يكن سافلا بل كان عاليا هف مثاله التقريبي هو ان المقابل اذا كنت محجوبا عنه بل ترى شبحه الواقع في المرآة فانك تحكم عليه بما ظهر لك بشبحه فكان ذلك الشبح هو اسمه الدال عليه ولا يمكن ان تعرفه بدونه حين احتجابك عنه فيكون ذلك الشبح هو وجهه اليك واسمه لك لا له فاذا اردت ان تعرفه وتتوجه اليه فلا تتوجه الى ذلك الشبح من حيث هو شبح فانه ليس شيئا ولا تحقق له الا بغيره فقصر النظر على الوجه وقطعه عن ذي الوجه جهل بمقام الوجه وذي الوجه وهو نظر باطل لانه سراب واذا توجهت في القصد والطلب اليهما معا اي الى الصفة والموصوف معا فقد اشركت وجعلت مع الموصوف آخر حيث لاحظته في صقعه ومرتبته وهو ايضا باطل جهل بالمقامين وان نظرت الى الموصوف بدلالة الصفة ولم تنظر الى الصفة الا انها دالة وقطعت نظرك عنها بملاحظة الموصوف فيها وذلك هو المعرفة التامة للمقابل بالنسبة اليك والمثال التحقيقي في ذلك هو شعاع الشمس بالنسبة الى الشمس اذا فرضت الشعاع ذا شعور وادراك له توجه الى الشمس ونظر اليها فاجر كلما ذكرنا في هذا المثال آنفا فيهما فاذا كانت الموجودات كلها آثار صدرت عن فعل الله عز وجل فلا يمكنهم ان يتوجهوا اليه سبحانه بالعبادة او بالمعرفة او بالدعاء وطلب الحاجة ( الحاجات خل ) الا باسمائه الحسنى وصفاته العليا وهو قوله عز وجل فلله الاسماء الحسنى فادعوه بها وقال عليه السلم في الزيارة يسبح الله باسمائه جميع خلقه وتلك الاسماء حقايق وذوات لا مفاهيم والفاظ قد جعلها الله عز وجل آية لعباده ليعرفوه تعالى بها حيث كان ( كانت خل ) المعرفة الازلية للخلق ممتنعة وتلك هي الآيات التي اشار اليها في كلامه العزيز سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وهي الآيات والمقامات والعلامات التي ( المقامات التي خل ) لا تعطيل لها في كل مكان فجعلها سبحانه اسما وصفة ودليلا للخلق ليعرفوه بها على اختلاف مراتبهم فمن نظر اليها نظر استقلال او توجه اليها في العبادة فقد كفر ولم يعبد شيئا لانها ليست شيئا الا دلالة الغير وحكايته كالقائم بالنسبة الى زيد فان الصفة اذا فرضتها منفكة عن موصوفها بطلت وعدمت فلم تقع ( ولم تقع خل ) عبادته على شيء ومن نظر اليها مع المسمى الحق الظاهر بالاسم فقد اشرك لان الدليل لا يجتمع مع مدلوله في مقام واحد فاذا ظهر المسمى غاب الاسم واذا ( فاذا خل ) ظهرت الذات غيبت الصفات فملاحظتك اياها مع الذات دليل ( دليل على خل ) انك جعلتها في مقامها ورفعتها عما هي عليها وذلك شرك وكفر لان الله عز وجل لم يزل وحده وليس معه شيء فمهما لحظت معه غيره اسما كان او صفة او ذاتا لا فرق بينها الا بالعبارة فقد صح الشرك وبطل ما كانوا يعملون فاذا توجهت الى المسمى المعبود بدلالة الاسماء عليه دلالة الوجود لا دلالة الكشف فذلك هو التوحيد كما قال مولينا الصادق عليه السلم من عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد المسمى بايقاع الاسماء ( الاسم خل ) عليه فذاك ( فذلك خل ) التوحيد فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى قل هو الله احد الله الصمد
اقول اعلم ان معناه على ما تدل عليه اخبار ائمتنا عليهم السلم ان قل اي اظهر ما اوحينا اليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من القى السمع وهو شهيد وهو اسم مكني مشار الى غايب فالهاء تنبيه على ثابت والواو اشارة الى الغايب عن الحواس كما ان قولك هذا اشارة الى الشاهد عند الحواس وذلك ان الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف اشارة الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فاشر انت يا محمد صلى الله عليه وآله الى الهك الذي تدعو اليه حتى نراه وندركه فانزل الله سبحانه قل هو فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس وانه تعالى منزه عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس الله هو الاسم الاكبر الجامع لكل الصفات من القدس كالعزيز والقدوس والسبحان والعلي وامثالها والاضافة كالعالم والقادر والسميع والبصير وامثالها والخلق كالخالق والرازق والمحيي والمميت وامثالها وكل الاسماء الحسنى مندرجة تحته بل هي اسم له كما قال عز وجل قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى قال عليه السلم الله معناه المعبود الذي اله الخلق عن درك مائيته والاحاطة بكيفيته وتقول العرب اله الرجل اذا تحير في الشيء فلميحط به علما ووله اذا فزع الى شيء مما يحذره ويخافه والاله هو المستور عن حواس الخلايق احد هو الفرد المتفرد الذي لا تكثر فيه بوجه من الوجوه لا فرضا ولا وهما ولا خيالا ولا عقلا ولا حسا وهو الواحد في المراتب الاربعة واحد في الذات كما قال تعالى لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد وواحد في الصفات كقوله عز وجل ليس كمثله شيء وواحد في الافعال كقوله عز وجل قل الله خالق كل شيء وواحد في العبادة كما قال عز وجل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا والاحد مقوم للواحد بلا كيف والواحد مقوم للاعداد كلها فليس الواحد من الاعداد والاحد بالطريق الاولى لان مقوم الشيء ليس معه في رتبته واما الصمد فعن الباقر عليه السلم قال حدثني ابي زين العابدين عن ابيه الحسين بن علي عليهم السلم انه قال الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سودده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال وعن الصادق عليه السلم عن ابيه عليهما السلم ان اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلم يسئلونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار وان الله قد فسر الصمد فقال الله احد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وساير الاشياء الكثيفة التي يخرج ( تخرج خل ) من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا تنشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى ( تعالى عن خل ) ان يخرج منه شيء او يتولد منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفوا احد
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم
اقول قد انعقد اجماع الفرقة المحقة ان الدابة في قوله تعالى هو امير المؤمنين عليه السلم يخرجه الله سبحانه قبل يوم القيمة وبعد قيام القائم عليه السلم اقول بل بعد رجعة الحسين والائمة عليهم السلم فيميز بين الخبيث والطيب ويسم كل احد علامة الايمان والكفر فهناك ينسد ( منسد خل ) باب التوبة ولا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا وقد دلت عليه اخبار متكثرة كما عن الصادق عليه السلم قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله الى امير المؤمنين عليه السلم وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجليه ثم قال له قم يا دابة الارض فقال رجل من اصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله يسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم فقال لا والله ما هو الا له خاصة وهو الدابة التي ذكره الله تعالى في كتابه فقال عز وجل واذا وقع القول عليهم الآية ثم قال صلى الله عليه وآله يا علي اذا كان آخر الزمان اخرجك الله في احسن صورة ومعك ميسم تسم به اعداءك فقال رجل لابي عبد الله عليه السلم ان العامة يقولون ان هذه الدابة انما تكلمهم فقال ابو عبد الله عليه السلم كلمهم الله في نار جهنم انما هو تكلمهم ( انما تكلمهم خل ) من الكلام وعنه عليه السلم قال قال رجل بعمار ( لعمار خل ) بن ياسر يا ابااليقظان ان آية في كتاب الله قد افسدت قلبي وشككتني فقال واية آية هي قال ( آية قال خل ) قوله عز وجل واذا وقع القول عليهم الآية فاية دابة هذه قال عمار والله ما اجلس ولا آكل ولا اشرب حتى اريكها فجاء عمار مع الرجل الى امير المؤمنين عليه السلم وهو يأكل تمرا وزبدا ( زيتا خل ) فقال عليه السلم يا ابا اليقظان هلم فاقبل عمار وجلس يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل سبحان الله انك حلفت ان لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى تريني الدابة قال عمار قد اريتكها ان كنت تعقل وفي الكافي عن الباقر عليه السلم قال قال امير المؤمنين عليه السلم ولقد اعطيت الست علم المنايا وعلم البلايا والوصايا وفصل الخطاب واني لصاحب الكرات ودولة الدول واني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس وفي الاكمال عن مولينا امير المؤمنين عليه السلم في حديث بعد ان ذكر الدجال ومن يقتله قال الا ان بعد ذلك الطامة الكبرى قيل وما ذلك يا امير المؤمنين قال خروج دابة الارض من عند الصفا معها خاتم سليمن وعصى موسى عليهما السلم تضع الخاتم على كل مؤمن ينطبع فيه هذا مؤمن حقا وتضعه على وجه كل كافر فيكتب هذا كافر حقا حتى ان المؤمن لينادي الويل لك حقا يا كافر وان الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن وددت اني كنت مثلك فافوز فوزا عظيما ثم ترفع الدابة رأسها من بين الخافقين باذن الله جل جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا يرفع عمل ولا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا ثم قال عليه السلم لا تسئلوني عما يكون بعد هذا فانه عهد الى حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله الااخبر به غير عترتي وعنه عليه السلم انه سئل عن الدابة فقال عليه السلم اما والله ما لها ذنب وان لها للحية وبالجملة هذا امر معلوم لا ينبغي التشكيك فيه لكنك اعلم ان هذه الاحوال اي ظهور دابة الارض انما كان في الكرة الثانية فانه ( فان خل ) له عليه السلم كرتين ويقتل قتلتين ويخرج مرتين كما قال عليه السلم انا الذي اقتل مرتين واحيى مرتين ولي الكرة بعد الكرة ه الكرة الاولى بعد خروج سيدنا الحسين عليه السلم وقتل القائم عليه السلم واستقلال الحسين عليه السلم بالامر وهجوم الكفار عليه عليه السلم من كل جانب واحتصاره في مكة المعظمة فيخرج مولينا علي عليه السلم لنصرة ابنه فيقاتل مع اولئك الكفار الى ان يبدد شملهم ويفرق جمعهم فيبقى عليه السلم مقدار بقاء اصحاب الكهف في الكهف وهو ثلثمائة سنة وتسع سنين ثم يقتل صلوات الله عليه فيبقى ( ويبقى خل ) ما شاء الله ثم يرجع الى الدنيا فهو عليه السلم هناك دابة الارض ومعه عصى موسى وخاتم سليمن فيميز بين الخبيثين والطيبين فيظهر ابليس لعنه الله ويجمع عساكره وجنوده فيقاتل عليا عليه السلم بجنوده ويكون قتالا عظيما حتى يكون الغلب بعسكر ( لعسكر خل ) ابليس فيأتي تأويل قوله تعالى هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملئكة الآية فينزل رسول الله صلى الله عليه وآله من السماء وهو في الغمام والملئكة محتفون به صلى الله عليه وآله فيهرب ابليس لعنه الله اذ يرى تلك الحالة فيقول له اصحابه اين تهرب وقد صار لك النصر والغلب فيقول لهم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله رب العالمين فيلحقه رسول الله صلى الله عليه وآله ويطعنه في كتفه فيقتله هذا مجمل القول فيه والتفصيل يطلب فيما كتب شيخنا اطال الله بقاه في شرح الزيارة الجامعة وفي الرسالة المنفردة في الرجعة وانما سمى الله عليا عليه السلم دابة الارض لان الارض هي ارض العلم والوصاية والولاية قال تعالى ( افلا يرون خل ) انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال عليه السلم يعني بموت العلماء وقال تعالى والارض وضعها للانام قال عليه السلم اي الامام نصبه للخلق وعلي عليه السلم هو اصل العلم والوصاية والولاية فكان عليه السلم هو الداب لتلك الاراضي بالاصالة وما سواه اما بالبدلية او بالفرعية ولوجوه اخر اعرضت عن بيانها لما بي من شدة هيجان مواد الامراض والاعراض واغتشاش البال لتوجه النفس بالطبيعة لدفع الامراض والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى حكاية عن ابرهيم ولما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي الآية
اقول معنى هذه الآيات على ما ذكره مولينا الرضا عليه السلم على ما رواه الصدوق (ره) في العيون ان المأمون سأله عليه السلم فقال ( وقال خل ) له يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله اليس من قولك ان الانبياء معصومون قال عليه السلم بلى قال فاخبرني عن قول الله عز وجل فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فقال الرضا عليه السلم ان ابرهيم عليه السلم قد وقع الى ثلثة اصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي اخفي فيه فلما جن عليه الليل رأى الزهرة قال هذا ربي على الانكار والاستخبار فلما افل الكوكب قال لا احب الآفلين لان الافول من صفات المحدث لا من صفات القديم فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي على الانكار والاستخبار فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين فلما اصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر من الزهرة ومن القمر على الانكار والاستخبار لا على الاخبار والاقرار فلما افلت قال للاصناف الثلثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس يا قوم اني بريء مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين وانما اراد ابرهيم على نبينا وآله وعليه السلم بما قال ان يبين ( يتبين خل ) لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لخالقها وخالق السموات والارض وكان ما احتج ( كان احتج خل ) به على قومه ما الهمه الله وآتاه كما قال تعالى وتلك حجتنا آتيناها ابرهيم على قومه نرفع درجات من نشاء
قال سلمه الله تعالى : وقوله تعالى رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
اقول روى الصدوق (ره) في العيون عن مولينا الرضا عليه السلم في معنى هذه الآية الشريفة ان الله تعالى كان اوحى الى ابرهيم اني متخذ من عبادي خليلا ان سئلني احياء الموتى لاجبته فوقع في نفس ابرهيم عليه السلم انه ذلك الخليل فقال رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم فاخذ ابرهيم عليه السلم نسرا وبطا وطاووسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل ( على جبل خل ) من الجبال التي كانت حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين اصابعه ثم دعاهن باسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الاجزاء بعضها الى بعض حتى سوت ( استوت خل ) الابدان وجاء كل بدن حتى انضم الى رقبته ورأسه فخلى ابرهيم عليه السلم عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله احييتنا احياك الله فقال ابرهيم بل الله يحيي ويميت ه فالاستفهام للتقرير والتثبيت مثل قوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ولبيان ان السؤال المذكور لم ينشأ عن شك او اضطراب في ايمانه عليه السلم بان الله يحيي الموتى وانما كان اطمينان القلب المطلوب في الخلة كما ذكر عليه السلم والا فقلبه عليه السلم في غاية الاطمينان والانشراح لانه معصوم مسدد ومن اكابر اولي العزم
قال سلمه الله تعالى : وقوله تعالى حكاية عن آدم عليه السلم فنسي ولم نجد له عزما
اقول ان الله عز وجل نهى آدم عليه السلم عن اكل الشجرة المعينة المخصوصة كما يشهد عليه قوله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة وكان الاولى والاليق ان لا يأكل آدم عليه السلم عما هو من نوع تلك الشجرة ايضا تنزيها وتكرمة وما كان يحرم عليه ذلك لان النهي انما تعلق بالفرد المعين لا النوع المطلق ولكن الافراد الاخر من جهة نوع التشابه ( التشابه به خل ) قد تظهر فيها العلة الموجبة للاحتراز لكنها لما كانت غير تامة ما تعلق النهي التحريمي بها نعم قد تعلق النهي التنزيهي بها وللمكلف ان يفعلها لكنه ترك الاولى والارجح ولا يعد عاصيا لا شرعا ولا عرفا ولا لغة ويدل على ما ذكرنا ما روى الصدوق رحمه الله في العيون عن الرضا عليه السلم ان الله تعالى قال لهما لا تقربا هذه الشجرة واشار لهما الى شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلميقربا من تلك الشجرة وانما اكلا من غيرها الحديث فاذا كان كذلك فكان الاولى والاليق لآدم عليه السلم ان يجتنب من نوع تلك الشجرة وهذا هو العهد المأخوذ منه عليه السلم كما قال عز وجل ولقد عهدنا الى آدم من قبل في اكل الشجرة ان يتركها بخصوصها وجوبا وما كان من نوعها استحبابا فنسي اي ترك لا بمعنى النسيان كيف وان الشيطان قال مانهيكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين فدليهما بغرور فكان النسيان هنا بمعني الترك كما في قوله تعالى نسوا الله فنسيهم وقوله تعالى وكذلك اتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى ولم نجد له عزما وهو الثبات التام الذي لا يترك معه الارجح والاولى ابدا ولا ينظر الى نفسه ابدا ولا يجد لنفسه شهوة وتحققا دون ارادة الله عز وجل ولم يتشرف بهذه المرتبة الجليلة الا الخمسة محمد صلى الله عليه وآله ونوح وابرهيم وموسى وعيسى عليهم السلم واذا سمعت بعض الاخبار من ان الآية انما نزلت هكذا ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعلي ( علي وخل ) فاطمة والحسن والحسين فنسي ولم نجد له عزما والاخبار الاخر التي تدل ان آدم حسدهم عليهم السلم وتمنى مكانهم ومرتبتهم والاخبار الاخر التي تدل ان آدم اكل من شجرة الحسد وامثال ذلك فالمراد من كلها واحد وهو ما ذكرنا لك الا ان معرفته تصعب على الاذهان وبالبيان التام يفتح ( يفتق خل ) المغلق ويزول الاشكال الا اني من جهة تشدد المرض ما يمكنني البسط في المقال لكني اشير اليه بمجمل القول لمن طلب الهداية والمعرفة فاقول اعلم ان الله عز وجل خلق محمدا وآله صلى الله عليه وآله لنفسه لا لغيره كما قال عز وجل واصطنعتك لنفسي وان كان في الظاهر يخاطب به موسى لكنه في الحقيقة يريد به محمد ( محمدا خل ) صلى الله عليه وآله فهو واهل بيته المعصومون سلام الله عليهم قد خلقهم الله قبل ان يخلق الانبياء بالف دهر وكل دهر مائةالف سنة وكانوا يعبدون ( يعبدوا خل ) الله عز وجل ويقدسونه ثم خلق سبحانه الانبياء ثم خلق ساير المخلوق ( المخلوقين خل ) فامرهم بالطاعة لهم واخلاص الولاء فيهم ولما كانوا عليهم السلم لا يحبون الا ما هو الارجح والاولى فضلا عن الراجح والواجب فكان طاعتهم في الحقيقة هو فعل ( فعل كل خل ) ما يحب الله عز وجل من جميع المستحبات وهو مقتضى ولايتهم فمن قصر في شيء من طاعة الله عز وجل فمااطاعهم حق الاطاعة فكل من لم يطع احدا فقد جعل نفسه مساويا له او اعلى منه وان لم يكن بالاعتقاد لكن ( ولكن خل ) بالعمل ولذا قال تعالى ارأيت من اتخذ الهه هويه وآدم عليه السلم لما اكل من الشجرة ترك الاولى فقصر في طاعتهم فقد تمنى مرتبتهم ومقامهم بعمله لا باعتقاده اذ لو لم يتمن وكان تابعا لهم عليهم السلم مخلصا لما وقع منه هذا التقصير ( لماوقع هذا التقصير منه خل ) وعن هذا ومثله يعبرون عليهم السلم بالشك في الولاية والترديد والتوقف فيها والحسد وامثال ذلك فافهم فان هنا عجايب يقصر اللسان عن ادائها وهذه الاشارة المجملة كافية لمن طلب الحق
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى لنوح احمل فيها من كل زوجين اثنين هل خاص بنوع الحيوان ام شامل لانواع الاشجار والفواكه
اقول بل خاص بنوع الحيوان فان الفواكه والاشجار تحصل في كل حال ولا تتوقف ( لا يتوقف خل ) على اسباب كثيرة كالحيوان وانما هي تتوقف على الماء النازل من السماء الواقع على الارض واشراق الشمس عليها كما ذكره الله عز وجل ( جل في خل ) صفة تكون النبات في كلامه العزيز وانما قلنا هذا لان الله عز وجل ابى ان يجري الاشياء الا بالاسباب ( باسبابها خل ) والا فهو القادر على ما يشاء كيف يشاء وقد روى ( كما قد روى خل ) علي بن ابرهيم عن الصادق عليه السلم لما اراد الله عز وجل هلاك قوم نوح عقم ارحام النساء اربعين سنة فلا يولد لهم مولود فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امره الله ان ينادي بالسريانية ان تجمع جميع الحيوانات فلم يبق حيوان الا حضر فادخل من كل جنس من اجناس الحيوان زوجين ما خلا الفار والسنور وانهم لما شكوا سرقين الدواب والقذر ( القذرة خل ) دعى بالخنزير فمسح جبينه فعطس فسقط من انفه زوج فار فتناسل فلما كثروا شكوا اليه منها فدعى بالاسد فمسح جبينه فعطس فسقط من انفه زوج سنور وفي حديث آخر انهم شكوا القذرة فامر الله الفيل فعطس فسقط الخنزير وعن الصادق عليه السلم في حديث فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امر ( امره خل ) الله ان ينادي بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان الا حضر فادخل من كل ( فادخل كل خل ) جنس من اجناس الحيوان السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا فقال الله عز وجل احمل فيها من كل زوجين اثنين الآية وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة فلما كان في اليوم الذي اراد الله عز وجل هلاكهم كانت امرأة نوح تختبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وكان نوح عليه السلم اتخذ لكل ضرب من اجناس الحيوان ( الحيوانات خل ) موضعا في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون اليه من الغذاء فصاحت امرأته بما فار التنور فجاء نوح الى التنور فوضع عليها طينا فختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة ثم جاء الى التنور ففض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجر الارض عيونا وهو قوله عز وجل ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر ه واما سبب حمل هذه الحيوانات فلوجوه منها ان الانسان ما يتم تمام معاشه ومعاده الا بها فان في كل منها خاصية تنفع الانسان ليست في غيرها كما اشارت اليها الاخبار واما الفواكه والاشجار فهي لما كانت تفسد اذا قطعت من اصلها بخلاف الحيوان جعلت في الارض وهي حاملة لبذرها مستودعة لها يخرجها الله عز وجل منها اذا احتاج الخلق اليها واما الحيوانات فهي في تحققها محتاجة الى اسباب كثيرة لم تجر عادة الله عز وجل على اجرائها بدونها ولم تنضج بنية العالم حتى يكون جميع احواله فعلية فلذا امره الله عز وجل ان يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين لتوقف النظام عليه
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
اقول لبيانه وجوه كثيرة مستفادة من الاخبار ونحن نكتفي بوجهين منها طلبا للاختصار احدهما ما في العيون عن مولينا الرضا عليه السلم انه سئل عن هذه الآية قال عليه السلم لم يكن احد عند مشركي اهل مكة اعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله لانهم كانوا يعبدون من دون الله ثلثمائة وستين صنما فلما جاءهم بالدعوة الى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم قالوا اجعل الآلهة الها واحدا الى قوله الا اختلاق فلما فتح الله على نبيه مكة قال يا محمد انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر اي عند اهل مكة وقريش يعني ما تقدم قبل الهجرة وبعدها فانك اذا فتحت مكة بغير قتل لهم ولا استيصال ولا اخذهم بما قدموا من العداوة والقتال غفروا ما كان ( كانوا خل ) يعتقدونه ذنبا لك عندهم متقدما ومتأخرا وماكان يظهر من عداوته لهم في مقابلة عداوتهم له فلما داره ( رأوه خل ) قد تحكم وتمكن وما استقصى غفروا ما ظنوه من الذنوب وثانيهما ما روي عن الصادق عليه السلم كما رواه القمي انه سئل عليه السلم عن هذه الآية فقال ( فقال لا خل ) والله ما كان له ذنب ولاهم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له وعنه ايضا عليه السلم في هذه الآية قال والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له ان يغفر ذنوب شيعة علي عليه السلم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر ه وذلك لانهم عليهم السلم جعلوا شيعتهم منهم كما قال الحجة عليه السلم اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا الدعاء فجعلوا معصية شيعتهم معصيتهم لكمال الاتصال الذي بينهم لان مرجع العبد الى سيده ومعوله الى مولاه وكل الشيعة عبيد لمحمد وآله صلى الله عليه وآله ومحسوبون منهم فجعلوا سلام الله عليهم ذنوبهم منسوبة اليهم فاستغفروا الله عنها فغفرها الله لهم فقال ليغفر الله ما تقدم من ذنبك اي من ذنب شيعة علي عليه السلم من آدم الى زمانه عليه السلم لانهم كلهم من شيعة علي لانه عليه السلم كان وليا والآدم ( آدم خل ) بين الماء والطين وكذلك محمد صلى الله عليه وآله كان نبيا وآدم بين الماء والطين فالمؤمنون من كل امة مع انبيائهم من امة محمد وشيعة علي صلى الله عليهما وان من شيعته لابرهيم وما تأخر الى يوم القيمة وفي هذا المقام تفصيل لا يسع الوقت لذكره والمغفرة العامة لكل الشيعة ان لا يدخل احدا منهم النار الاصلية وان ادخل بعضهم النار التي في الحظاير تطهيرا لدرن ذنوبهم واستيهالا لدخول الجنة ولذا قال مولينا الصادق عليه السلم في قوله تعالى ما لنا لانري رجالا كنا نعدهم من الاشرار اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم الابصار قال عليه السلم والله لا يرون منكم مائة ولا يرون منكم خمسين ولا يرون منكم عشرة بل ولا يرون منكم واحدا ( احدا خل ) انكم في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى هو الذي في السماء اله وفي الارض اله
اقول يعني انه سبحانه القيوم الصمد في كل اوان ومكان لم تغيره الازمنة والدهور فهو هو في عز صفاته في كل زمان ومكان لم يتغير بتغير المكان ولم ينتقل ولم يختلف بزيادة ولا نقصان سبحانه وتعالى بل هو الله في السماء وهو الله في الارض وهو الله في المشرق والمغرب وهو الله في الجنوب والشمال وهو الله سبحانه في كل مكان وكل حال لم يخل منه مكان وليس في مكان ولم يغب عنه زمان ولا يشمله زمان وهو الله في السماء والارض ولا يتوجه اهل السماء والارض الا اليه سبحانه بنسبة واحدة وقد روي ان اربعة املاك التقوا احدهم من اعلى الخلق واحدهم من اسفل الخلق واحدهم من شرق الخلق واحدهم من غرب الخلق فسئل بعضهم بعضا فكلهم قال من عند الله ارسلني بكذا وكذا انتهى فهو سبحانه الذي في السماء اله اي معبود فيها وفي الارض اله اي معبود فيها يعني هو المعبود في السماء والارض وكل مكان وزمان ( زمان ومكان خل ) لا اله الا هو وهذا ظاهر ان شاء ( شاء الله خل ) تعالى
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول المعصوم عليه السلم نحن وجه الله الذي يؤتى منه ولولانا لم يعرف الله ولم يعبد الله
اقول قد ذكرنا فيما سبق ان الله سبحانه كان من غير اقتران بزمان ولا مكان ولم يكن شيء وهو الآن على ما عليه كان ثم اخترع بمشيته محمدا وآله صلى الله عليهم هياكل انوار ناطقة بحمده وقدسه والثناء عليه فتلألأت من نور ثنائهم على الله عز وجل انوار اخر فخلق الله سبحانه من تلك الانوار حقايق الانبياء عليهم السلم بسؤالهم وطلبهم وقسمها الى مائة الف واربعة وعشرين الفا وكل هؤلاء الانوار متقومة بنور محمد وآله صلى الله عليه وآله كتقوم اشعة الشمس بها فاوحى الله سبحانه الى الانبياء التكاليف والشرايع التي يعبدون الله بها بواسطة محمد وآله صلى الله عليه وآله فكان الانبياء عليهم السلم لا يتوجهون الى الله الا بهم وهو سبحانه لا يمدهم في وجودهم وفي تكليفهم ( وتكليفهم خل ) الا بمحمد وآله صلى الله عليهم فهم عليهم السلم باب الله الى الانبياء عليهم السلم وبابهم الى الله والباب والوجه واحد ثم ان الله سبحانه خلق من نور الانبياء حقايق الشيعة المؤمنين باختيارهم ذلك عن الله تعالى فاوحى اليهم الشرايع والتكاليف بواسطة الانبياء بواسطة محمد صلى الله عليه وآله فكان لا ينزل اليهم حكم من الله الا بواسطتهم الا ترى السراج فانه لا ينزل حكم من النار الى الاشعة الا بواسطته فكذلك ( فكذا خل ) محمد وآله صلى الله عليه وآله قد خلقهم الله سراجا وهاجا فاستضاء بنورهم عليهم السلم كلما كان ويكون فلولاهم لم يكن شيء فبهم تشيئت الاشياء وتذوتت الذوات وعرفت الاشياء خالقها وباريها وكيفية عبادتها لخالقها ورازقها فلا احد من الاولين والآخرين عرف الله الا بهم ولا احد عبد الله الا بدلالتهم اما الانبياء عليهم السلم فقد اخذوا عنهم معالم دينهم وبراهين توحيدهم واقروا بولايتهم واما ساير الامم فعن انبيائهم اخذوا فرجع الامر اليهم صلى الله عليهم واما الملئكة فقد دلت الروايات المتكثرة انهم قد تعلموا معرفة الله عنهم عليهم السلم وتعليم علي عليه السلم لجبرائيل من المشهورات المقبولة فهم عليهم السلم وجه الله لكل مخلوق وكلهم يتوجهون الى الله عز وجل بهم قال علي عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وفي الزيارة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وكذلك العبادة ما عرفت كيفيتها الا بهم صلى الله عليهم فلولاهم ما عرف الله ولا عبد الله
قال سلمه الله تعالى : ونور نبينا محمد صلى الله عليه وآله وعترته الاخيار عليهم السلم في كم من الاصلاب وهل كانوا في اصلاب اولي العزم ام غيرهم فعلى الاول ان موسى وعيسى لم يكن لهما اولادا
اقول قد وقع الخلاف في ذلك بعد اجماعهم على آبائه صلى الله عليه وآله الى عدنان وعنه صلى الله عليه وآله من لم يعرف آبائي الى عدنان فهو ناقص الايمان لكون آبائه صلى الله عليه وآله الى عدنان معروفين متفقا عليهم واما ما فوق عدنان الى آدم عليه السلم فاختلف اهل التواريخ فيه اختلافا شديدا وذكر المجلسي في بعض كتبه ان هذا الترتيب هو المشهور وهو محمد صلى الله عليه وآله ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن اد بن اذر بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمد بن قيدار بن اسمعيل بن ابرهيم الخليل عليه السلم بن تارخ بن ماهور بن شروغ ( تارح بن ماخور بن شروع خل ) بن ارغون بن فالغ ( فانع خل ) بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلم بن ملك بن متوشلخ ( متوشلح خل ) بن اخنوخ بن اليارد بن مهلائيل بن فينان ( قينان خل ) بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلم وكان عليه السلم في صلب نبيين من اولي العزم وهما نوح وابرهيم عليهما السلم وهما اشرف الاربعة اتفاقا واما تفضيل احدهما على الآخر فاختلفوا لكن المختار عند شيخنا اطال الله بقاه ان نوحا افضل من ابرهيم لقوله تعالى في الظاهر وان من شيعته لابرهيم فان الضمير يرجع الى نوح عليه السلام
قال سلمه الله تعالى : لم لا يجوز البقاء على تقليد المجتهد بعد موته ولم لا يجوز تقليد المجتهد وهو ميت
اقول اعلم ان صاحب الشريعة والدين هو الامام عليه السلم قد نصبه الله عز وجل علما لهداية الخلق كلهم فهو عليه السلم عنده الحكم والامر والعزايم والرخص وغيرها فان كان حاضرا ظاهرا مسموع الكلام نافذ الحكم فيلقي الى كل احد من الرعايا حكمه ويعطي كل ذي حق حقه وان كان غائبا محتجبا عن ابصار الخلايق لاقتضاء المصالح فيلقي احكامه وشرايعه الى المكلفين من وراء الحجب والوسايط فاذا اقتضت الحكمة الاختلاف يجعل تلك الحجب اي الحملة مختلفة وعلى كل حال فالحكم للامام عليه السلم وعنده وفي يده والمجتهد في زمان الغيبة حامل ذلك الحكم عنه عليه السلم يؤدي الى شيعته وغنمه عليه السلم كالمرآة التي هي حاملة لظهور المقابل حيث لا يمكن الظهور الا بها فمهما تلك المرآة موجودة فهي حاملة للظهور فيتوجه بها اليه واما اذا تكسرت ( انكسرت خل ) او ارتفعت فبطل الحمل والحكاية فلا ظهور فيها فلا يمكن ان يتوجه بها حال انكسارها الى المقابل فكذلك ( فكذا خل ) المجتهد حامل لحكم الامام عليه السلم الى الرعية في هذه الدنيا في مقام احتجاب الامام عليه السلم عن الرعية فمهما هو في هذه الدنيا فهو حامل يصح الاخذ عنه والالتفات اليه لانه حينئذ يحكي عن الامام عليه السلم فاذا مات بطلت حامليته وحكايته فلا يظهر نور الامام عليه السلم فيه فلا يصح الاخذ عنه والالتفات اليه ولذا قال عليه السلم كذلك يموت العلم بموت العلماء فافهم هذا الدليل الوجداني القطعي وتدبر فيه ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال واذا اردت الدليل من جهة المجادلة بالتي هي احسن فاعلم ان الاصل هو عدم التقليد مطلقا وقد ثبت على هذا الاصل الحلبيون حيث انكروا التقليد رأسا واوجبوا الاجتهاد عينا لكنا نقول ان غاية ما ثبت من الادلة الشرعية تقليد الحي واما تعميم التقليد حتى يشمل تقليد الميت فلا دليل عليه شرعا فنقف على حد ما قام عليه الدليل شرعا مع ان ( ان معظم خل ) الاصحاب بل جلهم على عدم الجواز ولم يكن جواز العمل بقول الميت الا شعارا لعامة المخالفين وقد نقل اجماع الشيعة على عدم الجواز وقال الشهيد في المسالك قد صرح بذلك الاصحاب في كتبهم المختصرة والمطولة وفي غيرهما باشتراط حيوة المجتهد في جواز العمل بقوله وان الميت لا يجوز العمل بقوله ولم يتحقق الى الآن خلاف ممن يعتد بقوله من اصحابنا وان كان للعامة في ذلك مشهور وقال صاحب المعالم العمل بفتاوى الموتى مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع الى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي انتهى ولو لم يكن الا كون العمل على قول الميت شعارا للعامة كان كافيا في عدم الجواز لما قد صح من ان الرشد في خلافهم مع ان الآيات والروايات الدالة على التقليد كلها مشعرة بل ظاهرة في الحي مثل قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة الآية فانه ظاهر في حيوة المنذر المبين وقوله تعالى فاسئلوا اهل الذكر فان الميت ليس من اهل الذكر وانما هو في اقليم غير اقليمنا فلا ينفع ذكره هناك لنا هنا لان حكم الاقليمين مختلف قطعا فافهم وقوله عليه السلم انظروا الى رجل منكم روى حديثنا الحديث فان الظاهر منه النظر الى الحي وبالجملة هذا مما لا اشكال فيه فلا يلتفت اذن الى قول من دخلت عليه الشبهة من كثرة تتبع اقوال المخالفين وقال بجواز تقليد الميت فانه قول بغير دليل وما ذكروا من الادلة كلها ضعيفة فلا يقاوم ما ذكرنا اذ اعظم ما عندهم امران احدهما لزوم الحرج والعسر لو لم نقل بجواز تقليد ( تقليد المجتهد خل ) الميت لان كثيرا من الازمنة والامكنة تخلو عن المجتهد فلو لم يجز لزم الحرج وثانيهما ان قول المجتهد الميت يفيد الظن فيجب العمل به لعموم ما دل على حجية الظن والجواب اما عن الاول فبالمنع منه فان الله عز وجل يأبى كرمه ان يجعل عبيده بغير علم هداية ودليل رشد الا انهم يقصرون في الطلب والاهتداء وقد قال عز وجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ولو فرضنا خلو زمان ومكان عن المجتهد الحي فلا يلزم من دفع الحرج القول بتقليد الميت لمكان الواسطة وهي الاحتياط او القول بالمشهور او التحري او غير ذلك مما بينه ائمة الهدى عليهم السلم عند الاضطرار واما عن الثاني فبالمنع من حجية الظن مطلقا فانه لا يغني من الحق شيئا الا اذا كان مستندا الى الكتاب او السنة او الاجماع او العقل المتفق عليه ولا ريب ان حجية الظن المستفاد من قول الميت تقليدا لا تستند الى شيء مما ذكرنا فلا حجية في هذا الظن والحاصل ان هذا قول حادث في اصحابنا فلا يلتفت اليه بوجه لعدم مساعدة الدليل وكذلك لا فرق بين التقليد الابتدائي او البقاء على التقليد السابق لعموم ما دل على حرمة تقليد الميت واما ما جوزه بل اوجبه بعض العلماء متمسكا بالاستصحاب بان الحكم الشرعي من الوجوب والندب وغيرهما قد تعلق بالمقلد بتقليده ولم يعلم كون الميت وافعاله ( الميت رافعا له خل ) فالاصل بقائه او ان تقليد المقلد قد صح في حال حياة المجتهد فالاصل بقائه بعد موته فباطل فان الاستصحاب انما يجري اذا كان الموضوع باقيا واما اذا تغير فلا كما نحن فيه لان المقلد في معرفته للاحكام ليس مستقلا وانما هو فرع ومستند الى غيره فاذا ذهب الاصل وتغير فالفرع بالطريق الاولى فان ما يعرف المقلد نور وقع عليه من ذلك المجتهد فاذا هلك المجتهد فلا يبقى نوره كمن وقف مقابلا للشمس فاستنار بنور الشمس فاذا غابت الشمس فلا يبقى النور على ذلك المستنير فاذا حصل التغير في الموضوع بطل حكم الاستصحاب وبالجملة دليل المجادلة بالتي هي احسن لا يوقف الانسان على اليقين والبصيرة التامة والذي يوصل الانسان الى البصيرة التامة هو دليل الحكمة وانا قد اشرت لك اليه في المقامين فتدبره فانك تجد الامر واضحا ان شاء الله ولا يمكنني الاطناب في المقال لما انا عليه من ( من علة خل ) تهجم الامراض
قال سلمه الله تعالى : وما الثمرة في قتل يزيد بن معوية يوم القيمة اذ جهنم اشد عذابا من القتل وهذا ينافي ايضا ان يوم القيمة ليس فيه موت
اقول ان هذه القيمة هي القيمة الصغرى وهي رجعة آلمحمد عليهم السلم يخرج يزيد بن معوية وجميع اصحابه وانصاره واعوانه على قتل الحسين سيد شباب اهل الجنة عليه السلم وذلك حين خرج الحسين عليه السلم والثمرة فيه طلب القصاص وتشفي صدر الشيعة والانصار الذين ( الذي خل ) قتلوا مع الحسين عليه السلم وهذا رجوع وبعث الى الدنيا ليستكمل السعداء ما اعد الله لهم من النعيم المقيم في الدنيا ويستكمل الاشقياء ما اعد الله لهم من الخسران والعذاب في الدنيا وليستولي اولياء الله على اعداء الله في الدنيا واما الآخرة فلها حكم آخر والعذاب ( لعذاب خل ) الآخرة اشد وابقى واما هذا الرجوع لاستيفاء الحقوق الدنياوية ويعذبونهم اذا رجعوا بكل العقوبات الدنياوية بايدي المؤمنين لتشفى صدورهم منهم حتى ورد انهم يقتلون لكل مؤمن سبعين الف قتلة واما القيامة التي ليس فيها موت هي يوم الفزع الاكبر ويوم يحشرهم فلا يغادر ( فلا نغادر خل ) منهم احدا فهنالك يذبح الموت على صورة كبش املح ويرجع كل شيء اصله قال تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون
قال سلمه الله تعالى : والاموات الذين لم يمحضوا الايمان ولا الكفر الاحاديث تدل على انهم لا يحاسبون في القبر فهل ارواحهم تبقى مع اجسادهم في حفرهم الى يوم القيمة ام يخرجون في الرجعة ام تروح الى جنة الدنيا ام الى النار وهل المراد بهم اهل الكباير من الشيعة ام مطلق العصاة منهم ام غيرهم
اقول اعلم ان الناس على ثلثة اقسام الاول قوم طلبوا الحق وعرفوا الحق وقبلوا الحق وعملوا الحق فثبتهم الله بالقول الثابت في الحيوة الدنيا والآخرة فهم لا يزالون مطمئني ( مطمئنين خل ) القلب باردي الفؤاد لا يضطربون في امر دينهم ولا يشكون ولا يرتابون اولئك الذين كتب الله في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه الثاني قوم اعرضوا عن الحق ومالوا عنه الى الباطل وعاندوه لما ظهر لهم وانكروه حيث تبين لهم كما قال عز وجل يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون فخذلهم الله وطبع على قلوبهم وختم على سمعهم وجعل على ابصارهم الغشاوة ( غشاوة خل ) ولهم عذاب عظيم اولئك الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون الثالث قوم غلبت عليهم الاعراض والرطوبات وتراكمت عليهم الميولات المتدافعة المتعارضة فقعدت بهم عن الادراك والمعرفة فطائفة وافقوا الاولين من غير علم وبصيرة وقالوا بقولهم وسلكوا مسلكهم بظاهر العمل والاخرى وافقوا الآخرين كذلك وقالوا بقولهم وسلكوا مسلكهم بظاهر العمل والقول او انه ما استقرت لهم طريقة كالمجانين والذين لم يسمعوا صيت الاسلام والذين ماتوا في زمن الفترة وامثالهم فالقسم الاول قد حكم الله سبحانه عليهم في ظاهرهم وباطنهم فاذا قبضت ارواحهم انفتحت لها ابواب السماوات حتى صعدت الى تحت العرش فتسجد لله تحت عرشه ثم ترجع الى حفرتها فبعد سؤال منكر ونكير بعد رومان فتان القبور تأوى الى جنة الدنيا جنة هورقليا في جهة المغرب ويبقى جسده في قبره يفتح له باب من الجنة فيأتيه هناك من روح الجنة فيتنعم الى ان يأتي اوان الرجعة فيرجع الى الدنيا من اراد الله فهؤلاء ( هؤلاء خل ) هم ماحضوا الايمان محضا واما القسم الثاني فهم في مقابلة القسم الاول في جميع ما ذكرنا فتعذب ارواحهم بعد موتهم في عيون بقر وفي بلهوت في وادي برهوت عند عين الشمس في المشرق ويفتح باب من النار في قبره يعذب فيه جسده الى رجعة آل محمد صلى الله عليه وآله فيرجع الله سبحانه الارواح الى الابدان فيخرجها للعذاب والنكال نعوذ بالله من سخط الله وهؤلاء هم اصحاب الشمال وماحضوا ( الشمال ماحضوا خل ) الكفر محضا واما القسم الثالث فهؤلاء يبقون في قبورهم ويلهي عنهم الى يوم البعث فارواحهم وابدانهم في حفرهم ( حفرتهم خل ) ولهم مراتب على حسب تنبههم في هذه الدنيا فمنهم من يخد لهم خدا من الجنة في قبورهم يأتيهم منها روح ان كان من اهل الايمان في ظاهر اعمالهم ومنهم من يخد له من النار في قبورهم فيأتيهم منها عذاب على مقدار كفره وانكاره ومنهم من لا يشعرون بشيء الى يوم القيمة وهؤلاء هم الذين لم يمحضوا الايمان ولا الكفر وهذه حالهم الى يوم القيمة كما دلت عليه الروايات كما عن الباقر عليه السلم في الكافي وتفسير علي بن ابرهيم وهؤلاء لا يرجعون في الرجعة ولا يدخلون جنة الدنيا ولا نارها ولا اختصاص لهم باهل الكباير من الشيعة لانهم قد يكون ( يكونون خل ) من العارفين وهؤلاء يعذبون اغلبهم في البرزخ كما عن الصادق عليه السلم انا نخاف عليكم في البرزخ وكذا لا اختصاص لهم بالعصاة بل كثيرا ما يتفق ان الرجل تراه في الظاهر عابدا زاهدا يتجنب المعاصي وهو من الذي لم يمحض الايمان ولا الكفر ونظايره كثيرة وكذا العكس بل القاعدة فيهم ما ذكرنا لك انه دخل في الشيء من غير بصيرة وهو يكون من الشيعة ومن غيرهم من ساير الملل والفرق من اهل الاسلام وغيرهم من ساير الكفار وهؤلاء يجدد ( يتجدد خل ) لهم التكليف في القيمة اما الى الجنة او الى النار قال ( قال الله خل ) عز وجل وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى تطاير الكتب يوم القيمة
اقول اعلم ان العبد اذا مات فادخل في قبره يأتيه ملك اسمه رومان فتان القبور فيقول له اكتب فيقول الميت اي شيء اكتب يقول اكتب اعمالك فيقول ما عندي مداد يقول ريقك ويقول ما عندي قلم يقول اصبعك ويقول العبد ما عندي قرطاس يقول قطعة من كفنك فيقول ما اذكرها يقول انا اذكرك اياها فيملي عليه وهو يكتب فلا يدع صغيرة ولا كبيرة الا احصيها ثم يطوق ذلك الكتاب في عنقه فيكون عليه ثقل جبل احد فان كان مملوا من الحسنات يستر لها ( بها خل ) وان كان مملوا من السيئات كان ذلك اول عذابه وهو قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقيه منشورا اقرء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا فاذا كان يوم القيمة تطايرت الكتب فمن كان محسنا اتاه كتابه من وجهه واخذه ( اخذ خل ) بيمينه ومن كان مسيئا اتاه كتابه وراء ظهره وضربه وخرق ظهره وخرج من صدره واخذه بشماله فيقفون صفا جميع الخلايق بين يدي كتاب الله الناطق صلوات الله عليه وهو الذي يعرض عليه الاعمال فينطق على الخلايق بما كانوا يعملون وكل ينظر في كتابه فلا يخالف حرف حرفا وهو يقول قولا واحدا وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون لانه كانت اعمال الخلايق تعرض عليه في دار الدنيا
قال سلمه الله تعالى : وهذا الدود الذي يأكل لحوم الاموات في القبر هل يحييه الله تعالى يوم القيمة ثم يعود لحما كما كان ام يضمحل ويكسيها الله غيره
اقول ان كل شيء له اعراض تعرض عليه من الامور والاوضاع الخارجية وله ذات وتأصل بها هو هو لا يمكن له تحقق بدونها ومنه الاجساد التي في القبور فان لها اجزاء ذاتية واجزاء عرضية اما الذاتية فانها تبقي في القبر ولا لاحد تسلط عليها من الجن والانس لانها فوق هاضمة اهل الدنيا واما الاعراض فهي التي يتصرف فيها فالدود الذي يأكل لحوم الاموات مايأكل من الاجزاء الذاتية التي هي الطينة الاصلية فانه قد روي عن الصادق عليه السلم بانها تبقى في القبر مستديرة لكنها لا ترى لشدة صفائها وكمال نورانيتها وانما يأكل من الاجزاء العرضية وتلك ايضا ليست جزء ذاتيا له فاذا اعيد يوم القيمة يعاد على ما هو عليه من الذاتيات الاصلية فاذا اكل الانسان او السبع او غيره جميع لحوم اهل الارض فلا ترجع الا الى التراب ويعود كل واحد منهم في ( في يوم خل ) القيمة على ما هو عليه من اللطايف الذاتية لانهم ما اكلوا من الجسد الذاتي الحقيقي وانما اكلوا من الاعراض فاذا عاد كل شيء الى اصله رجعت الاعراض الى اصولها ومباديها وكذلك الذوات والجواهر فكل شيء من جسم او جسد او روح او نفس او غير ذلك له ذاتيات لا تفارقه لانها كينونته وله اعراض تفارقه ولما كانت هذه الدنيا دار تكليف وامتحان اختلطت الاعراض مع الذاتيات والآخرة لما كانت دار التصفية ورجوع الاشياء الى مباديها واصولها ترجع الاشياء الى كينوناتها الاصلية وتصفى الاعراض والغرائب كالذهب المغشوش والذهب المصفى فجسد الانسان يحشر يوم القيمة على ما هو عليه في الذات والاصل لان الدود مثلا او السبع مااكلا من الاجزاء الذاتية وانما اكلا من العرضية والاعراض ليست داخلة في حقيقة الذات حتى لا يتم بدونها والدود والسبع ايضا يحشران على ما هما عليه في الدنيا فكلما من ذاتيات لحوم الانسان رجعت اليه لانها فوق هاضمة الدود والسبع وكلما هو من عرضياته ترجع الى التراب فافهم فاني كررت العبارة لاجل التفهيم
قال سلمه الله تعالى : وهل جنة الآخرة والنار موجودتان في الدنيا ام في الآخرة ينشئان وهل يكونان في السماء ام في الارض
اقول لا شك انهما موجودتان الآن وقد دخلهما النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج واخبر الله عز وجل بوجودهما في كتابه العزيز في غير موضع ولا ينشئان في الآخرة والا لزم وجود الاشرف بعد الاخس بل ليس في هذه الدنيا نور ورحمة وخير ولذة الا من الجنة التي في الآخرة وكذلك الشرور بالنسبة الى النار وقد روي ان هذه النار التي في ( في هذه خل ) الدنيا قد اخذت من نار جهنم اخذها جبرئيل عليه السلم وغسلها في الكوثر سبعين مرة والا لاحرقت الدنيا وما فيها وبالجملة وجودهما من ضروري المذهب لا يختلف احد من الشيعة فيه واما قولكم في الدنيا فاعلم انهما موجودتان في باطن باطن الدنيا فلو كانتا في الدنيا لما كان فرق بين الدنيا والآخرة وانما قلت باطن الباطن لان باطن الدنيا هو البرزخ وفيه جنة الدنيا ونارها وباطن البرزخ وغيبه جنة الآخرة ونارها فاذا اردت ان تعرف ذلك فاعلم انك نسخة العالم الاكبر كما قال امير المؤمنين عليه السلم :
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر
فانظر في نفسك فانك انت الذي في الدنيا فانت ( وانت خل ) الذي في البرزخ وانت الذي في الآخرة وليس الذي في البرزخ غير الذي في الدنيا وكذا الذي في الآخرة غير الذي في البرزخ والدنيا والا لبطل الثواب والعقاب فكذلك العالم الاكبر بعينه فيكون عالم البرزخ غيبا لهذه الدنيا والآخرة بجنتها ونارها غيبا وباطنا للبرزخ فنسبة جنة الدنيا ونارها الى نعيم الدنيا واليمها نسبة السبعين الى الواحد ونسبة جنة الآخرة ونارها اليها نسبة الاربعة الآلاف والتسعمائة الى الواحد واما قولكم انهما في ( قولكم في خل ) السماء او الارض فقد اشرنا الى حقيقة الجواب ونقول ايضا كيف يمكن ان يكونا في الارض او السماء من السموات السبع مع ان ادنى ما يؤتى لاحد في الجنة جنة عرضها عرض السموات والارض كما قال عز وجل وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض وفي الحديث ان المؤمن اذا ادى زكوة ماله يخلق الله سبحانه فرسا كاحسن جواد في الدنيا فيقال للمؤمن ( للمؤمن هذا الفرس خل ) اركب هذا الفرس واركض في ارض الجنة سنة فما بلغ جوادك فهو لك وانه يقطع في اقل من طرفة عين ( العين خل ) بقدر الدنيا سبع مرات تأمل في هذا الحديث بعين البصيرة وانظر كيف يمكن للدنيا ان تسع جنة الآخرة ونارها فجنة الآخرة في باطن الكرسي الذي قال عز وجل وسع كرسيه السموات والارض وسقفها عرش الرحمن كما في الحديث ونار الآخرة تحت الارض السابعة السفلي بل تحت الصخرة والثور والحوت والبحر والريح العقيم نعوذ بالله من النار
قال سلمه الله تعالى : وكيف يجوز على الله تعالى ان يعذب الجمادات وهي لا تعقل حين اتخذت اصناما اذ من شأن من يعقل ان يكون له قابلية الامتناع فهي لو فرض لها ادراك في الجملة وبحسبها فهي مجبورة على ذلك من الخلق وعلى تقدير تعذيبها فهل تعذب في جهنم ام نوع آخر من العذاب والطايع منها في الجنة يجزي ام نوع آخر من النعيم وعلى الاولين فما الفرق بين البشر وبينها وكيف صورة حسابها
اقول قد دل العقل والنقل على ان كل ذرة من ذرات الوجود باي نوع من انواعه لها شعور واختيار وقبول وامتناع كما قال عز وجل في الجماد انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها فاثبت الله عز وجل لها الامتناع وعدم القبول والاشفاق والخوف وهو سبحانه اصدق القائلين وقال عز وجل فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فاثبت عز وجل لها القبول والطاعة والمحبة فكل ذي شعور يحب ( يجب خل ) ان يكلف والا لكان خلقه عبثا ووجوده مهملا وكل مكلف يجري عليه الثواب والعقاب والحشر والنشر فظهر ان الله عز وجل يعذب الجمادات بسوء اختيارها وعدم قبولها لطاعة ربها واما الاحجار التي تؤخذ اصناما فانما تعذب لرضاءها بان تعبد من دون الله عز وجل فان الذين عبدوا من دون الله سبحانه على قسمين قسم ماكانوا راضين بذلك ويرون انفسهم عبيدا اذلاء كمولينا علي بن ابيطالب والائمة عليهم السلم وعيسي بن مريم عليهما السلم والملئكة وامثالهم وقسم رضوا بذلك وفرحوا به كفرعون وشداد والشمس والقمر وبعض الاحجار التي اتخذت اصناما وقد اشار سبحانه وتعالى الى القسمين فقال عز وجل انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون فاشار الى القسم الثاني ثم قال عز وجل ان الذين سبقت لهم من الله الحسنى اولئك عنها مبعدون فما عذبت الاحجار حين اتخذت اصناما الا لرضاءها بذلك وقد اشار الله اليه بقوله تعالى لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها بضمير العقلاء لانها لو لم تكن لها عقول لقال ماوردتها وانما قال ما وردوها للدلالة على ان لها عقولا فاذا ثبت ان لها عقول وشعور ( عقولا وشعورا خل ) فهل رضيت بان يعبدوها من دون الله ام لا فان رضت ( رضيت خل ) فهو الذي قلنا لك وان لم ترض فالله سبحانه اعز واكرم من ان يعذب من يقال فيه شيء لا يحبه بمجرد القول فيه فعلى هذا يلزم ان يعذب عيسى بن مريم والملئكة عليهم السلم حيث عبدوهم فثبت ان العذاب انما هو لرضاءها وطلبها ان تعبد من دون الله واما قولكم ليس لها قابلية الامتناع فقد صرح الحق سبحانه بان لها قابلية الامتناع بل امتنعت حين ( حيث خل ) عرضت عليها الامانة لان يقبلها ثم انها لو امكن اجبارها وليست لها قابلية الامتناع فلأي شيء لم يكن ( لا يمكن خل ) ان يبني الجدار من الماء السيال او يظهر الرطوبة من الحجر الصلد مثلا فلو امكن للخلق اجبارها فلم لا يجبرونها فيما ذكرنا بل الاشياء كلها مختارة قابلة في احوالها وشئوناتها الا ان بعضها لضعفه ما يمكنه اظهار الآثار المتضادة الا باعانة الامر الخارج والكلام فيه طويل والاشارة كافية لاهلها واما ان تعذيبها في جهنم الخ فقد قال شيخنا ومولينا اطال الله بقاه وجعلني فداه ان القصاص من الجمادات والاشجار فانه في الدنيا كما وردت به الاخبار الكثيرة مثل ان زمزم افتخرت على الفرات فاجرى الله فيها عينا من صبر ومثل قوله عليه السلم لو طغى جبل على جبل لهده الله وامثال ذلك كثيرة وانما كانت عقوبة الجمادات مثل ما ورد ان الارض السبخة والماء المالح والنبات المر كالبطيخ المر لما عرضت عليها ولاية محمد واهل بيته صلى الله عليه وآله ولم يقبل جعلت مرة ومالحة وانما جعلت عقوبتها في الدنيا لانها ليس لها اختيار كلي قوي فينتظر بها الى الآخرة ( بها الآخرة خل ) عسى ان ترجع بل اختيارها جزئي لا يكاد يرجى رجوعها وانما اخرت عقوبة الاصنام الى الآخرة وان كان اختيارها وادراكها ( ادراكها واختيارها خل ) جزئيا لاجل التبكيت لمن يعبدها من دون الله انتهى كلامه جعلني الله فداه وهو متضمن لجواب ما سئلت وصورة حسابها اعطاء ما سئلت وطلبت بلسان قابليتها حين ما عرضت عليها ولاية الائمة عليهم السلم فان بادرت بالقبول ( القبول خل ) جعلت طيبة طاهرة في الجمادات كالمعادن من الذهب والفضة والياقوت وامثالها وفي الاشجار جعلت مثمرة حلوة نضرة وان انكرت جعلت سبخة ومالحة ومرة كما مر
قال سلمه الله تعالى : وما السر في ان القمر بعد النصف من الشهر ينقص ويضعف حتى انه يرى في اول كل شهر كما يرى بعد ذلك النور العظيم والشمس تبقى على حالها واين تذهب في الليل وما يكون سبب انكسافهما
اقول ان الشمس لما كانت خلقها الله سبحانه نيرة بذاتها مضيئة بجوهرها والكواكب ما عديها كلها مستنيرة ومستضيئة ( مضيئة خل ) بها كانت حال الشمس لا تختلف في الغروب والطلوع بزيادة النور ونقصانه وتختلف احوال الكواكب الاخر في ازدياد النور ونقصانه ولما كان القمر اقرب الكواكب الينا واشد بياضا من غيره واسرعها في الحركات كان تحس زيادة النور ونقصانه فيه دون ساير الكواكب والوجه فيه ان الافلاك لما كانت مستديرة وبعضها اسرع حركة من الآخر لم يكن للكواكب المركوزة فيها ان تكون نظراتها متسقة فتختلف بالسرعة والبطؤ لا محالة والقمر له مع الشمس اجتماع وافتراق فاذا اجتمع مع الشمس في درجة واحدة لا يرى للقمر نور لانه جرم كثيف وواقع تحت الشمس فيكون الطرف الذي يقابلنا مظلما والوجه المقابل للشمس مستنيرا فاذا تحرك وتطرف استنار الطرف المقابل فكلما يبعد تظهر المقابلة للنور اكثر حتى اذا بعد عنها بنصف الفلك وهو نظر المقابلة في اصطلاح اهل النجوم يقابل الشمس بكل الوجه الذي يلينا وهو نهاية البعد عن الشمس وهي ليالي البيض وفي هذه الليالي تقع الخسوف في العادة لان الارض يمكن ان تكون حائلة بين القمر وبين الشمس فينخسف القمر بقدر الحيلولة لاحتجاب نورها عنه بقدر الحيلولة فاذا تجاوز النصف يأخذ بالقرب من الشمس فيتطرف كما ذكرنا اولا فكلما يقرب اليها يضعف وينقص حتى يقع تحت شعاع الشمس اي في درجتها بالمقابلة والمحاذاة حتى لا يبقى له نور في الوجه الذي يلينا فاذا بعد عن درجة الشمس بقدر اثني عشر درجة يقابل الشمس بطرف منه ولما كان شكل القمر مستديرا فيستنير قوسا من محيطه وهكذا كلما بعد زاد استنارة الى النصف كما ذكرنا واما الشمس فليس نورها مكتسبا من الغير حتى تختلف حالاتها بمقابلتها مع ذلك الغير كالقمر فانه مستنير من الشمس ومكتسب عنها كما قال عز وجل هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا واما قولكم اين تذهب في الليل فاعلم ان الشمس اذا غربت ترفع من سماء حتى ترفع الى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملئكة الموكلون بها ثم تقول يا رب من اين تأمرني ان اطلع من مغربي ام من مطلعي ( ام مطلعي خل ) فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف او ( او في خل ) قصره في الشتا او ما بين ذلك في الخريف والربيع فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها هكذا ورد عن اهل بيت العصمة سلام الله عليهم والحكماء يقولون ان الارض لما كانت مستديرة كثيفة والفلك ايضا مستدير فاذا قابلت الشمس جزء من الارض يحدث من الارض بانعكاس نور الشمس ظل مخروط وهو الظلمة وهو الليل فاذا كانت الشمس فوق الارض بالنسبة الينا كان نهارا لنا وليلا لما تحت الارض فاذا تحركت ومالت عن محاذاتنا كان ليلا لنا ونهارا بالنسبة الى ما يقابلنا ويحاذينا من الارض وهكذا لم يزل يوم لطائفة وليلة لآخرين والشمس على ما هي عليه وهذا القول لا ينافي ما ذكرنا من الحديث ويطول الكلام بذكر رفع المنافاة والاختصار اولي واما سبب انكسافهما فقد ورد عن السجاد عليه السلم قال من الاقوات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والارض وان الله قد قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا ومعه سبعون الف ملك وهم يديرون الفلك فاذا اداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فتنزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها فاذا كثرت ذنوب العباد واراد الله سبحانه ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيأمر الملك اولئك السبعينالف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري الفلك فيه فيطمس ضوءها ويتغير لونها فاذا اراد الله ان يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فاذا اراد الله ان يجليها ويردها الى مجراها امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس الى مجراها فيرد الملك الفلك الى مجراه فيخرج من الماء وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال السجاد عليه السلم اما انه لا يفزع لهما ويرهب بهاتين الآيتين الا من كان من شيعتنا فاذا كان كذلك فافزعوا الى الله تعالى ثم ارجعوا اليه انتهى هذا هو قول الامام عليه السلم وهو اولى بالتصديق فاحمل كلما قال عليه السلم على حقيقته ولا تتكلف فيه بصرفه الى المجاز فاقوال الحكماء ان كانت تطابق ما قال عليه السلم فصحيحة والا فلا فلا نطول الكلام بذكر ما قالوا وتطابقه بالحديث لان الحكماء تكلموا بلسان الظاهر والمجاز واهل البيت عليهم السلم تكلموا بلسان الحقيقة فافهم
قال سلمه الله تعالى : ولم كانت الشمس اشد حرارة من القمر وكيف ان الشمس في السماء الرابعة ونرى نورها وحرارتها كذلك وهي جزء من سبعين جزء من نور العرش والعرش لم نره
اقول روى علي بن ابرهيم في تفسيره عن الباقر عليه السلم قيل له لاي شيء صارت الشمس اشد حرارة من القمر فقال عليه السلم ان الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت سبعة اطباق البسها لباسا من النار ثم صارت اشد حرارة من القمر قيل والقمر فقال عليه السلم ان الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى اذا كانت به سبعة اطباق البسها لباسا من ماء ثم صار ( صارت خل ) القمر ابرد من الشمس واما العرش فهو مظهر العلة الفاعلية في الاجسام فهو من شدة صفائه ولطافته وقربه من مبدئه وكونه اعلى مراتب الاجسام كان لا يظهر نورها لاهل العناصر والكثافات الارضية والعرضية بذاته ( بذاته لها خل ) وانما يظهر بظهوراته وآثاره كالكواكب خصوصا الشمس فانها المظهر الاعظم لاهل السموات والارضين كالروح فان آثارها لا تظهر في عالم الاجسام والشهود الا بالجسد مع ان الجسد متقوم بالروح ولا نسبة لقوة نورانية الروح بظلمانية الجسد كذلك العرش فان اهل الارض من اهل العناصر لا يمكنهم ان يشاهدوا نور العرش الا من وراء الحجاب كالشمس والقمر وساير الكواكب والا فلا شيء في الجسمانيات ( للجسمانيات خل ) الا وقد سرى فيه نور العرش بل كل الجسمانيات انوارا ( انوار خل ) متلألأة من العرش وانما خفي لشدة ظهوره واستتر لعظم نوره والابصار قاصرة عن مشاهدة تلك الانوار الا اذا خرج عن طور هذا العالم الحسنى ( الحسي خل ) ودخل في الباب الملكي الصوري اذ هناك تظهر له الانوار العرشية ويشاهد استواء الرحمن عليه فافهم والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش فالشمس جزء من اربعة آلاف وتسعمائة جزء من نور العرش
قال سلمه الله تعالى : واي شيء اول ما خلقه الله واطاعه واي شيء اول ما خلقه الله وعصاه واي شيء يبقى الى آخر الدنيا
اقول اعلم ان الله سبحانه اول ما خلقه العقل نورانيا من الماء العذب الفرات فاستنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال عز وجل وعزتي وجلالي ماخلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا فيمن احب فالعقل اول ما خلقه الله كما قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق ( خلقه خل ) الله عقلي واول ما خلق الله القلم واول ما خلق الله روحي والمراد من الكل واحد باعتبار وهو اول من وقع عليه الخطاب التكليفي بالاقبال والادبار فامتثل امر الله وآمن واطاع فجعله الله نبيا وجعل له الهيمنة على كل الخلق ولذا كان عالمه عالم الجبروت واما اول ما خلقه الله وعصاه فهو الجهل الكلي الذي في مقابلة العقل الكلي خلقه الله عز وجل ثم قال ( قال له خل ) ادبر فادبر ثم قال له اقبل فلم يقبل فخالف امر الله وعصى حكم الله فلعنه الله وطرده فصار سبب طغيان كل الطغاة وعلة عصيان كل العصاة ومبدء ظلمة كل الظلمات ولا يعصي احد الا بوجه من وجوهه واما الذي يبقى الى آخر الدنيا فهو ابليس خلقه الله عز وجل قبل آدم اول الدنيا ثم كلفه بالسجود لآدم عليه السلم فامتنع وابى فلعنه الله وغضب عليه فاستنظره سبحانه الى يوم القيمة فانظره الله عز وجل الى يوم الوقت المعلوم وهو آخر الدنيا عند ظهور الجنتين المدهامتين عند مسجد الكوفة فيقتل ويموت لعنه الله ولهذا الكلام وجوه كثيرة وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى وكان ربك قديرا
اقول الظاهر ان وجه الاشكال في اتيان الفعل بصيغة الماضي لان قدرته عز وجل هي ذاته وذاته سبحانه وتعالى لا يوصف بمضي وحال واستقبال لانه عز وجل فوق الزمان والمكان بلا نهاية الجواب ان الافعال المستعملة في الله سبحانه مثل قوله عليه السلم كان الله ولم يكن معه شيء وامثال ذلك كلها منسلخة عن الزمان اذ لا تقع هذه العبارات على الذات البحت وانما هي تعبيرات للدلالة والبيان ولا يراد منها خصوصات ( خصوصيات خل ) الصيغة ولذا قال امير المؤمنين عليه السلم فان قيل كان فعلى معنى ازلية ( ازليته خل ) الوجود انتهى فلا يراد منه زمان الماضي حتى يرد الاشكال والقدرة قدرتان احديهما هي ذاته عز وجل بلا مغايرة لا فرضا ولا مفهوما وثانيهما هي القدرة الفعلية وهي المتعلقة بالمقدورات وهي التي تقبل التشكيك كما في قوله عليه السلم في دعاء سحر اللهم اني اسئلك من قدرتك باوسعها وكل قدرتك واسعة اللهم اني اسئلك بقدرتك كلها والقدرة هي الهيمنة والتسلط على كل شيء ممكن مما يحس ويجس ويتخيل ويتوهم ويتفكر ويتصور ويتعقل ويشاهد ويعرف بحيث لا يشذ عنها شيء وهو واضح ظاهر ( ظاهر واضح خل ) ان شاء الله تعالى
قد فرغ من تسويد هذه الاجوبة منشيها كاظم بن قاسم الحسيني يوم الاحد الرابع من شهر ذي القعدة الحرام مع كمال اختلال البال واغتشاش الاحوال والله المستعان في المبدء والمآل من شهور سنة ١٢٣٥