رسالة في جواب الآخوند الملا عبدالوهاب اللاهيجاني

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الآخوند الملا عبد الوهاب اللاهيجاني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله اجمعين الطيبين الطاهرين ولعن الله اعدائهم الى يوم الدين

اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان المولى الاجل زبدة الاطياب الآخوند الملا عبد الوهاب اللاهيجاني اللنكرودي قد اتى بمسئلتين واراد جوابهما على الاستعجال وانا في غاية تبلبل البال واختلال الاحوال ولم‌ يسعني الا اجابته اذ الزمت على نفسي رعايته فكتبت له ما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور وقد جعلت كلامه متنا وجوابي كالشرح كما هو عادتي في اجوبة المسائل

قال ايده الله تعالى بعد البسملة : الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد وآله الطاهرين المعصومين اما بعد سيدنا ومولينا ( ملاذنا خ‌ل ) وهادينا ومحيي انفسنا ومنقذنا من الهلكة والشبهات والجهل والغفلات اريد من جنابكم وكريم بابكم جواب مسئلتين قد صعبتا عليّ وان تشرحهما لي شرحا كافيا وتبينهما بيانا وافيا وتوردني موردا صافيا لااظمأ بعده وتفتح لي بابا ينفتح منه الف باب وترفع بذلك غل صدري وضيق قلبي ولا اظن ان مثلك تخيب سائلا وتطرد عن بابك بالخيبة والخسران آملا لكون رجائي فيك كاملا

المسئلة الاولى - انا اذا راجعنا الى انفسنا في وجداننا وجدناها تميل الى العمل والتقوى وتشتاق الى مجاورة العلماء والاتقياء والى الاعراض عن الدنيا وتحب مداومة الخيرات والطاعات والمواظبة على الاعمال الصالحات بحيث نستغرق فيها في كل الاوقات وعلمنا ان كل ما نتمناه ( تمنيناه خ‌ل ) مما ذكرنا محبوب لله تعالى وموافق لرضاه والله سبحانه يعين على كل خير ويوصل الى رضاه من يهواه ويستعين به وانه على كل شيء قدير فلم لا يوصلنا الى المراد مما نتمناه في مستجنات الفؤاد وتقع منا المعاصي والسيئات ولسنا نرضى به وتغلب علينا الشهوات

اقول اعلم ان الناس على ثلثة اصناف صنف يحبون الخير ويعملون به وصنف لا يحبون الخير ولا يعملون به وان ظهر منهم بعض اعمال الخير فانما هو لغرض من الاغراض الدنيوية ولا يقصدون به التقرب الى الله سبحانه الذي بالانتساب اليه تتحقق الخيرات ولذا لا يستحقون ثوابا وما يستحقون به بعض المثوبات الفانية الزايلة فانما هو لتمكن حكم اللطخ فيهم من المؤمنين فيستنيرون به بالتبع قبل نزع ذلك اللباس والخروج من ( عن خ‌ل ) ذلك الجلباب فعمل الخير حينئذ من احب الخير والصنف الثالث يحبون الخير ويطلبونه ويتمنونه ولا يعملون به اما الصنف الاول والثاني فليس الكلام فيهما لان السؤال لم يقع عنهما وانما الكلام في الصنف الثالث لان السؤال انما وقع عنه فنقول ان الوجه والسر في محبة الخير وبغض الشر وعدم العمل بمقتضاهما احد امور ثلثة :

الاول ان تلك المحبة والعداوة لم تخرجا ولم تنشئا عن بصيرة ومعرفة تامة واطلاع كامل على وقوع ذلك المحبوب وترتب اثره عليه وكذلك المبغوض وترتب اثره عليه وهذه المحبة انما نشأت عن السماع من الناس والآباء والامهات وما يرى من ان العامل بتلك الاعمال محبوب و مرضي عند الناس ويسمع منهم انه مرضي عند الله كذلك ولم يرسخ في ذهنه معرفة الله ولا معرفة رسوله واوليائه معرفة تامة كاملة بحيث يكون الغايب عنده كالشاهد والمخفي كالظاهر الا ترى ان الرجل عرف وقطع ان النار تحرق وان الماء تروي فلا يجعل نفسه في النار ولا اصبعه فيها ابدا ابدا واذا عطش ولا مانع له شرب من الماء البارد قطعا فلو انه عرف ان المعصية تؤثر فيه كما تؤثر النار بل اعظم واعظم لمااجترء على الاقدام عليها كما لم يجترء على الاقدام على النار وكذلك اذا عرف ان الطاعات تروي باطنه وتشفي غليل صدره اعظم من الماء لاقدم عليها وفعلها كما يقدم على شرب الماء البارد ويبذل مجهوده في طلبه وتحصيله فان قلت ان هذا الاقدام ليس للجهل وانما هو اعتمادا على قدرة الله المعفو عنه في المعصية والتروية ( لترويته خ‌ل ) بغير تلك الطاعات بل بفضله قلت كذلك الامر في النار والماء فان الله عز وجل قادر ان يمنع النار من احراقه كما منعها من احراق ابرهيم عليه السلم ويجعل له سببا في التروي عن عطشه بغير الماء فلم لا يعتمد على معرفته هنا ويعتمد عليها هناك وما ذلك الا لما قلنا من الجهل هناك والعلم هنا وان الله اجرى سبحانه عادته ان يجري فعله على حسب الاسباب وجعل الطاعات اسبابا للكمال وجعل المعاصي اسبابا للنقصان والهلاك وما ربك بظلام للعبيد وكيف عرف الله وعظمه من لم يجسر على فعل المعاصي والفواحش عند صبي مميز عاقل وان لم يدرك الحلم فكيف يبارز بها عند العظيم الجبار القهار الناظر في احواله واقواله هلاينزله منزلة الصبي المميز فلو انه عرفه وعرف قهاريته وانه ناظر عليه لحجزه ذلك عن ارتكاب تلك المعصية كما يحجز حضور غيره تعالى من اضعف عبيده عنها وكذلك الحكم فيما لو عرف رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة الطاهرين انهم الشهداء على الخلق وانهم اعين الله الناظرة وهكذا وعلى هذا فقس باقي الاحكام مما لم‌نذكرها فان الاشارة الى كلها يطول بها الكلام فثبت ان محبته للطاعات وبغضه للسيئات لم تنشأ عن معرفة وبصيرة لحقايق ( بحقايق خ‌ل ) الطاعات والمعاصي وعظمة من يطاع ويعصي وهذه المحبة ليست قوية بحيث تهيج ( يهيج خ‌ل ) الآلات والعضلات للتوجه الى جهة المحبوب وانما هي هوس وامنية تأتي وتذهب واليهم الاشارة في قوله تعالى ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوء يجز به وعدم المعرفة ينشأ عن امرين احدهما عدم نضج البنية لضعف الكينونة وغلبة البلغم المعنوي والظاهري بحيث لا يؤثر فيها حرارة اشراق شمس المعرفة في فلك القدرة ولو زيدت الحرارة لاحترقت الكينونة فعلاجه باعانة الله تعالى وحسن تدبيره وتقديره ان تبقى البنية على حالها وتشرق عليها شمس اسم الله القابض اولا بحرارة لينة خفيفة كحرارة جناح الطاير وثانيا بتشديدها كحرارة شمس الشتاء وثالثا بتشديدها كحرارة شمس الصيف ورابعا بتشديدها الى ان تصل ( يصل خ‌ل ) الى حرارة نار السبك فهنالك تنضج البنية وتصبر على النار التي هي فعل الطاعات وترك المعاصي والسيئات وهذا اذا كانت تلك المحبة الضعيفة دائمة والتوجه والتمني والاقبال ابديا فاذا انقطع الاقبال ازدادت الرطوبة وكثر البلغم وعاد الى ما كان اولا فعون الله تعالى حينئذ ان يبقيه على تلك الحالة والا لاعدمه وضيعه وبذلك ظلمه وجبره وما ربك بظلام للعبيد وثانيهما اغتشاش حواسه واضطراب قلبه فلا يسكن ولا يستقر فيه نور المعرفة انظر الى المرآة المتحركة الغير القارة هل يستقر ( تستقر خ‌ل ) فيها شيء من صفة المقابل وعلاجه بعون الله ان يجمع قلبه ويتوجه الى ربه فيفيض الحق سبحانه في قلبه نور المعرفة حتى يتهيج الاعضاء والعضلات وتتقوى الى طاعة الله سبحانه وعبادته واجتناب معاصيه وسيئاته فلو انه تعالى اجبره على سكون القلب وعلى فعل الطاعات لما استحق ثوابا وهو خلاف ما يتمنى العبد من ربه وذلك ظاهر

الثاني ضعف بنية القلب وتسلط الامراض المعنوية على العبد بحيث يعجز عن اظهار متمناه ومأموله ومحبوبه فان الباطن على طبق الظاهر والظاهر على مثال الباطن وقد قال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فكما ان بنية الجسد تمرض وتفسد وتصح لاجل الاغذية والادوية الجسمانية والجسدانية كذلك بنية الروح تمرض وتفسد وتصح لاجل الاغذية والادوية الروحانية وهي الاعمال الصالحة والطالحة والخطورات والاعتقادات الحقة والباطلة وامثالها من الاحوال والاقوال والحركات والسكنات فكما ان بنية الجسد اذا مرضت وضعفت لم يقدر على النهوض الى ما هو صلاحه وخيره في اكتساب معيشته وان كان يقطع على ان نفعه في النهوض البتة وكذلك اذا عاقبه عدو لا يقدر من ضعفه ان يهرب عنه فيؤذيه فيتأذى ولا يقدر دفعه مع معرفته بعدوه وان علاجه الهرب والمقابلة والمقاتلة لكن المرض اعجزه واقعده عن ذلك وكذلك الانسان اذا عمل المعصية واشتغل بالملاهي والالتفات الى السوي يتمكن ( تتمكن خ‌ل ) منه الشيطان فتفسد بنيته وتضمحل طبيعته وبقي كسلانا عن فعل الطاعات وترك المعاصي ولا يقدر لضعفه عن النهوض في الطاعة فاذا اطاع ايضا طاعة لا يلتذ منها ولا يستأنس بها كالمريض الذي لا يتهنأ بطعام ولا يلتذ بشراب الا ترى انه اذا عصى معصية كيف يتأثر ويتألم كالمريض الذي قصدته عقرب ولا يقدر على النهوض الى الفرار فتصل اليه وتلذعه ( تلدغه خ‌ل ) ثم بعد ذلك يصيح ويبكي فاذا رأيت الرجل يتألم ويتأثر عن فعل المعصية فاعلم انه بعد حي واذا لم يتأثر فاعلم انه ميت كالميت الظاهري الذي لا يتألم بلدغ الحية والعقرب ظاهرا وهؤلاء علاجهم الحمية واستعمال الادوية المنضجة اولا ثم المسهلة ثم المقوية على ما فصلنا في اجوبة مسائل جناب السيد الامجد عليّ ( امجد عليّ خ‌ل ) الطبيب الهندي فمن اراد الاطلاع الكامل البالغ فليراجع هناك والله سبحانه يعينه الى الوصول الى المطلوب بالحمية واستعمال تلك الادوية كما يعين المرض الظاهري بها للوصول الى الصحة الظاهرية التي هي الخير فلو فعل بغير ذلك خالف ما اقتضته المشية ( مشيته خ‌ل ) الحتمية وفيه فساد الكون والخلق وحينئذ لم يحسن الايجاد فافهم

الثالث عدم الالتفات كما ينبغي مع تحقق المعرفة وحصول الصحة فان الدنيا الآن قبل ان يظهر مولينا وسيدنا القائم المنتظر عجل الله فرجه في فصل الشتاء وتكثر الثلوج والامطار المعنوية التي هي عبارة عن الميولات الباطلة الى السوي ( السوءي خ‌ل ) والى ما لا يحب الله سبحانه فاذا كثرت الامطار وتزاحمت برودة الاغيار لا بد من الالتجاء الى النار والى اللباس ( اللباس الكثيرة خ‌ل ) الدافية والجلوس في الحجرة المنسدة الابواب والمسامات لكي لا تتضرر من تلك البرودات فالنار هي محبة الله سبحانه وذكره والتوجه اليه واللباس هي لباس التقوى وغلظها تأكيدها وتثبيتها بذكر المواعظ وتذكر الغفلات والحجرة هي بيت ولاية آل ‌محمد صلى الله عليهم وهي اول بيت وضع للناس هدى ورحمة للعالمين فيه آيات بينات مقام ابرهيم ومن دخله كان آمنا فما دام هو ملاحظ تلك الامور التي ذكرناها فهو مشتاق الى الخيرات وعامل بالاعمال الصالحات ومناج لله تعالى بسر حقيقته في الخلوات فمهما غفل عن شيء منها ضربته برودة كيد الشيطان ان‌ يدعون من دونه الا اناثا وان‌يدعون الا شيطانا مريدا فحينئذ علاجه الالتفات الى ما ذكرنا فلو لم يلتفت وادبر وجبره الله سبحانه على الالتفات لما استحق شيئا من الثواب بل ربما يستحق انواع العذاب والعقاب وهؤلاء الاصناف الثلثة ممن اراد الله بهم الخير فيصلح شأنهم بما يريد من اختلاف الحالات لانه الطبيب الحبيب الشفيق المداوي لتلك النسمات والكينونات فانظر في نفسك انك من اي هذه الثلثة فعالج نفسك بما ذكرنا فان الله عز وجل يعينك في كل الحالات ومحبتك للطاعة وعدم توفيقك لها من تلك المعالجات وسؤالك من الله توجهك الى جنابه بالعمل كما ان سؤال المريض للطبيب المعالجة عمله بقول طبيبه و استعماله ادويته واحتمائه عن كلما يضره وينهاه الطبيب والى التفصيل الذي ذكرنا وقع التصريح في كلام الامام مولينا ابي ‌الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلم عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال الله عز وجل يا بني آدم كلكم ضال الا من هديت وكلكم عائل الا من اغنيت وكلكم هالك الا من انجيت فاسئلوني اكفكم واهدكم سبيل رشدكم وان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر ولو اغنيته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلحه الا الغنا ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلحه الا الصحة ولو امرضته لافسده ذلك وان من عبادي من لا يصلحه الا المرض ولو صححت ( اصححت خ‌ل ) جسمه لافسده ذلك وان من عبادي لمن يجتهد في عبادتي وقيام الليل فالقى عليه النعاس نظرا مني اليه فيرقد حتى يصبح ويقوم حين يقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ولو خليت بينه وبين ما يريد لدخله العجب بعمله ثم كان هلاكه في عجبه فلا يتكلن العاملون باعمالهم وان حسنت ولا ييئس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم وان كثرت ولكن ( لكن خ‌ل ) برحمتي فليبغوا ولفضلي فليرجوا والى حسن نظري فليطمئنوا وذلك اني ادبر عبادي بما يصلحهم وانا بهم لطيف خبير

قال سلمه الله ( ايده الله خ‌ل ) تعالى : المسئلة الثانية - ان الله سبحانه امرنا بالدعاء في حوائجنا ومطالبنا كما قال تعالى ادعوني استجب لكم وكم دعونا ولم يستجب ولو في مظان الاجابة واوقاتها وايضا قال عليه السلم ما معناه ان الله تعالى خلق الصحة والداء وجعل لكل داء دواء والتداوي اما بالعقاقير على ما هو المعروف عند الاطباء واما بالادعية المطلقة او المختصة المأثورة عنهم عليهم السلم كما ورد في التربة الحسينية على مشرفها وجده وابيه وامه واخيه وابنائه الطاهرين آلاف الثناء والتحية انها شفاء لكل داء وان الدعاء تحت قبته الشريفة يستجاب وان العسل شفاء لكل داء وامثالها في الاخبار كثيرة جدا اما التداوي بالادوية والعقاقير فيحصل اذا احسنوا التدبير واما بالادعية فكثيرا ما يتخلف ولا يحصل بها المطلوب عموما وخصوصا ارجو منك بعون الله تعالى ان تبين لي حقايق هذه الامور ومعانيها وظواهرها وتأويلاتها وكيف السبيل الى تأثير الاذكار والادعية والاوراد واسرارها ودقايقها وشرايطها ولو بالرمز

اقول ان الله سبحانه امر بالدعاء وضمن الاجابة وهو سبحانه لا يخلف ضمانه ولا وعده ومن اصدق من الله قيلا الا ان الداعي له لسانان لسان الحال والكينونة ولسان المقال فلسان الحال ما سئلته الكينونة بلسان الاستعداد والقابليات ولسان المقال ما يقوله باللسان الظاهري حسب ما يختلجه من الحالات فان وافق لسان المقال لسان الحال فقد وصلت الطلبة الى الباب بسر الكينونة لبطلان الطفرة فان الفيض من المبدء الحق سبحانه يصل الى الخلق بطور استحقاقهم من جهة الاشرف فالاشرف وكذلك يقرع انامل السؤال باب الرحمة بواسطة الاعلى فاذا كانت السلسلة كلها متصلة فتفتح الباب ويجري الفيض حسب القوابل من ذلك الجناب وان لم يكن متصلة بل بعض الطبقات تخالف البعض الآخر ولما كان الاتصال للطبقة العليا يأتيها المدد على حسبها بخلاف الطبقة السفلى فتكون تابعة للعليا فالاستجابة حينئذ للعليا لا لغيرها والا لزمت الطفرة ولزم ان يستجاب دعاء وتتحقق الخليقة بدون توسط الصفوة اهل بيت العصمة والطهارة والضرورة قضت ببطلانهما فضلا عن تواتر الاخبار والآثار واجماع العلماء ( علماء خ‌ل ) الاخيار فاذا كان كذلك فاذا طابق اللسانان جاءت الاستجابة ( الاستجابة في الآن خ‌ل ) وان خالفا ( خالفها خ‌ل ) فالاستجابة للاعلى والاسفل تابع مثاله المريض اذا كان مرضه من غلبة الصفراء وهيجان المواد الحارة فهو حينئذ اذا اشتهى الحموضات والمبردات والمرطبات فالطبيب المداوي يجيبه بما يقول لتوافق اللسانين ورفع الخلاف عن البين وان اشتهى العسل والتمر وساير الحلويات فحينئذ خالف اللسانان فان بنيته وكينونته تقتضي وتطلب ضد ما يطلب لسان المقال فيخيب اذن لسان المقال ويستجاب لسان الحال وقد لا يتوافقان ابدا فلا يستجاب كذلك وقد يتوافقان في حين بعد زمان المسئلة ولو بطويل فيستجاب الثاني لموافقة الاول في ذلك الوقت وقد لا يتوافقان في الدنيا ويتوافقان في العقبى فيستجاب هناك فافهم لقد فتحت لك بابا من العلم ينفتح منه الف باب وتجمع به بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب ان في ذلك لذكري لاولي الالباب

وقد سئل مولينا الصادق عليه السلم وقيل له روحي فداه ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا قال عليه السلم لانكم تدعون من لا تعرفون فاول الشرايط المعرفة وكمال الاعتماد وعدم اضطراب القلب في كل باب قال تعالى واذا سئلك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ولا شك ان الله سبحانه واحد فاذا توجهت اليه يجب ان تتوجه الى الواحد ولا يتمحض لك هذا التوجه والاقبال الا اذا نسيت كل شيء سواك ( سواه خ ) حتى نفسك وحاجتك فحينئذ عملت بمقتضى قوله تعالى ادعوني فاذا توجهت اليه للدعاء وانت ذاكر نفسك وحاجتك فما توجهت اليه وانما توجهت الى ثالث ثلثة وهو ليس برب سبحانه وتعالى عما يقولون فانت حينئذ تدعو غيره وتطمع ان الله يستجيب لك وذلك لا يكون ابدا لان الله عز وجل امر ان تدعوه وهو واحد وان تؤمن به بالوحدانية وان لا قادر على قضاء حاجتك سواه وان عظمت وجلت فانها عند الله ليست عظيمة ولا جليلة ولا يخطر ببالك انه يخيبك لوثوق الظن به تعالى بل في تلك الحالة التي اشرت اليها لا يبقى مجال لذكر الغير حتى يظن او يحتمل خلاف المراد لانه ذاهل عن نفسه فعن المراد وغيره بالطريق الاولى

ومن الشرايط الصلوة على محمد وآل ‌محمد صلى الله عليه وعليهم ظاهرا وباطنا والباطن ملاحظة الاسماء الاربعة الله الرحمن البديع الباعث بان تتوجه الى الواحد بهذه الاسماء الاربعة ماحيا نظرك عنها وعن جهة مغايرتها فافهم

ومنها الخضوع والخشوع والاستكانة في حال الفرق ولا تكون ممن اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون وذلتك واقرارك بانه لا اله الا هو عملك بكلما جاء به محمد صلى الله عليه وآله مع الاخلاص التام بحيث تكون نفسك بيدك ان شئت محوتها وان شئت اثبتها ( اثبتتها خ‌ل )

فمن وفق لتحصيل هذه الشرايط فيستجاب دعاؤه في ساعته ولا يتأخر لانه الذي وافق لسان حاله لسان كينونته واما التأخير في بعض الحالات مثل دعاء بعض الانبياء عليهم السلم كموسى وهرون وغيرهما وغيرهم من خواص الشيعة من المؤمنين الممتحنين فذلك على حسب حال الداعي ومختاره فان كان اراد من الله عز وجل وطلب حتما فانه تعالى لا يخيبه ويجعل الاسباب مقتضية لوقوع المطلوب المسئول فانه تعالى سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب والا فعلى مقتضى الحكمة العامة ربما يتأخر ولا بد من وقوعه وقد قال بعض العارفين اشارة الى المقام الاول انا نترك ما نريد لما يريد فهو يترك ما يريد لما نريد انتهى وقد صدق رحمه الله

واما التداوي بالادوية والعقاقير فذلك لسر ما اودع الله سبحانه فيها من المنفعة الخاصة حسب اقرارها بولاية امير المؤمنين عليه السلم واعراضها عن ولاية المعاندين المشركين ولما كان اقرارها ليس عاما في جميع مراتبها ومقاماتها بل فيها لطخ من شوب الانكار اما بالعرض او بالذات سرت فيها من تلك الجهة المضرة الخاصة بها فصارت تضر لشيء وتنفع لآخر وتضر وحدها وتنفع اذا ركب معها غيرها وهكذا من انحاء التراكيب فيحتاج الى طبيب ماهر يعرف المرض ويلاحظ العشرة الخصال في المريض ويعرف مقدار ما في تلك العقاقير من المنفعة والمضرة وذلك يحتاج الى بصيرة تامة ثم يداوي فتبرئ الاسقام ان وافقت مشية الله سبحانه ولم يكن في اللوح المحفوظ على مقتضى الباطن التشريعي العملي ما يوجب الظهور في العالم الجسمي الدنياوي لها معارض اقوى فيتقوى المرض حينئذ ولا تمنعه تلك العقاقير باذن اللطيف الخبير فافهم

واما التربة الشريفة الحسينية على مشرفها وجده وابيه وامه واخيه وابنائه آلاف الثناء والتحية فهي ( فهو خ‌ل ) طيبة طاهرة منزهة ومصفاة عن جميع الكدورات والكثافات التي تضر حين اندكت تلك الارض بنور من كان اندكاك جبل طور سيناء بنور جزء من سبعين الف جزء من مثقال الذر من نوره روحي فداه فلما تجلى عليها نور البهاء والعظمة والكبرياء الظاهرة من اشراق جسد الحسين عليه السلم ذهب ( اذهب خ‌ل ) عنها جميع الاوساخ والغرايب وبقيت كالاكسير الصافي المسقى بالسقيات الغير المتناهية بل الاكسير مثلها في النورانية وقوة الحرارة فصارت كلها شفاء ودواء لا يتصور فيها جهة الدائية ابدا ابدا الا ان هذا التأثير بحيث لم يتخلف ابدا ابدا لمن عرف الحسين عليه السلم بالنورانية وعلم قطعا بانها شفاءه فلا يحتاج الى غيرها مع الشرايط المقررة لحفظ مس شياطين الانس والجن والا فقد يتخلف وقد لا يتخلف اذا كان اكله لتلك التربة المقدسة مقترنة بفتح باب من ابواب السموات ( من الابواب السموية خ‌ل ) والالطاف الالهية فانها تعين على دفع ( رفع خ‌ل ) الموانع فيقع التأثير والا فلا

وكذلك القول في العسل فانه قبل ولاية امير المؤمنين واولاده الطاهرين ( الطيبين خ‌ل ) عليهم السلم ظاهرا وباطنا وسرا وعلانية حتى سرى فيه سر المحبة فكان بذلك شفاء من كل آفة وعاهة على جهة الاطلاق لا كما ذهب اليه الصدوق رحمه الله من انه شفاء للامراض الباردة كالافليج والقولنج واللقوة وامثالها الا ان التأثير كما ذكرنا من انه انما يقع اذا تداوى به القلب الخالص المخلص في ولاية اهل البيت عليهم السلم وغيره كما ( عليهم السلام كما خ‌ل ) ذكرنا في التربة الشريفة

واما الادعية المأثورة فانها اسم الله وذكره ولا شك انها شفاء من كل داء وهو قوله عليه السلم في الدعاء يا من اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غني الا ان الدعاء كما ذكرنا لا بد له من التوجه والاقبال والطلب من الله ذي الجلال والطلب من الله كما ذكرنا سابقا لا بد من التوجه الى الواحد الحقيقي والاعراض عن كلما عداه فاذا صدر الدعاء كذلك من العبد فقد بلغ محله ولا بد ان يستجاب كما قلنا والا فقد يستجاب اذا قارن فتح الابواب الغيبية او صعود دعاء مستجاب لعبد مؤمن صالح وامثال ذلك واذا خلا عن ذلك فلا يستجاب لعدم تحقق الدعوة وهو قوله روحي فداءه وعليه السلم لانكم تدعون من لا تعرفون الخ ( انتهى خ‌ل )

واعلم يا اخي ان الآمال ( يا اخي اعلم ان الاعمال خ‌ل ) لا تنجح الا بالاقبال والاقبال لا يحصل الا باجتماع القلب وهو لا يحصل الا بترك الهموم فلا تهتم لشيء فاتك واسئل الله ان يبلغك باحسن مما فاتك فانه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم وهذه اشارة الى كلما تريد وتطلب على التفصيل بالاشارة والله الهادي الموفق الى سواء الطريق وكتب هذه الكلمات منشيها يوم الثلثا خامس‌ عشر من شهر ( خامس ‌عشر شهر خ‌ل ) ذي حجة الحرام في سنة ١٢٣٧ حامدا مصليا مستغفرا

المصادر
المحتوى