رسالة في جواب الآغا سيد علي البهبهاني - ۱ (البينونة)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الآغا سيد علي البهبهاني - 1

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الجاني الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المولى الامجد والحبر الانجد السيد السند والركن المعتمد المؤيد بلطف الله العلي السيد علي بن السيد المُكرم اعلى الله مقامه قد اتى بمسائل عويصة جليلة قد طالت فيها افكار الحكماء وتحيرت في معرفتها احلام العلماء قد طلب من الفقير بيانها وكشف نقابها وانا في ضيق المجال وبلبال البال وهو ايضا سلمه الله تعالى يريدها بالاستعجال وقد احببت ان تأتيني هذه المسائل قبل هذا الوقت لأبينها بعون الله حق البيان واظهر بعض ما ظهر لي من حقايقها ودقايقها بالبينة والبرهان ولكني الآن آت ( آتي ) بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسُور والى الله ترجع الامور وقد جعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له ليطابق الجواب بالسئوال والله الموفق في المَبْدء والمآل

قال سلمه الله تعالى : قال امير المؤمنين عليه السلم توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة سيدنا اسئلك من كريم بابك ان تبين لي انه ما المراد بالبينونة الصفتية وبينونة العزلة وما الفرق بَيْنهما بيانا واضحاً شافياً موافقا للحق القويم رافعاً لشبهة المشبهين

اقول اعلم ان الاشياء لا تخلو اما ان تكون في رتبة واحدة او في رتبتين و لا ثالث لهما ومرادي بالرتبتين ان تكون احديهما علة فاعلية والاخرى معلولة ولا قوام للثانية الا بالاولى ولا ذكر لها في الاولى بوجه ابداً كالآثار والافعال الصادرة عن الشخص مثلا من قيام وقعود وحركة وسكون وامثالها مما لا يستغنى عنه لا في المادة ولا في الصورة بخلاف البيت الذي يبنيه البناء والمكتوب الذي يكتبه الكاتب فانهما مستغنيان عن البنا والكاتب بمادتيهما نعم الهيئات والحركات الموجبة لهما متقومة بهما في الحالين فيوجدان عند وجودهما ويعدمان عند عدمهما واما الذي في البيت والكتابة هو الشبح المنفَصل عن الشخص المتقوم بالطين والمداد في الظهور فما داما موجودين فذلك الشبح شهُودي فاذا ارتفعا وانعدما يرجع ذلك الشبح الى الغيب فيكون غيبياً الا ترى بعد خراب البيت ومحو المداد انك ترى صورة ما احدثه البنا والكاتب بخيالك موجودة في غيب ذلك المكان اذا التفتت اليه وجدته فافهم فالمرتبتان هما الحقيقتان الوجوديتان اللتان اذا نظرت الى الاولى من حيث هي هي رأيت الثانية فيها باطلة معدومة بل ممتنعة لا ذكر لها فيها بوجه ابدا فلا يلتفت في مرتبتها الى الثانية ولا يحكم فيها عليها بوجه لا بنفي ولا اثبات واذا نظرت الى الثانية من حيث هي هي وجدتها صفة الاولى دالة عليها مظهرة لها بل لا حقيقة لها الا ذكر الاولى والدلالة عليها الا ترى انك اذا نظرت الى زيد من حيث هو هو تنسى كل افعاله وحركاته وسكناته ولا تشعر اليها ابدا اذا استغرقت في الالتفات اليه واما اذا نظرت الى قيامه فانك تجده فيه فان القيام مايمكن ان يعقل الا بالقائم واذا جردته عنه في الاعتبار لم يكن قياما بل هو ذات مستقلة وكذلك الحركة اذا جردتها عن المتحرك لم تكن حركة هف فالحركة لا تتحقق في الفرض والاعتبار والواقع والخارج ونفس الامر الا بالمتحرك وكذلك ( كذا خ‌ل ) القيام الا بالقائم والقائم والمتحرك صفتان لا تقومان الا بالموصوف الذي هو ذات زيد مثلا فاذا جردت الصفة عن موصوفها بطلت او لم تكن صفة هف وهذا ظاهر واضح ان شاء الله تعالى ومرادي بالمرتبة ان تكون حقيقة واحدة وجودية قد تعينت بالتعينات المختلفة والتشخصات المتضادة كالخشبة الواحدة المعينة ( المتعينة خ‌ل ) في السرير والباب والضريح والعمود والصنم والصندوق وامثالها وكالانسان المتعين في زيد وعمرو وبكر وغيرهم وفي الصورة الظاهرية في المؤمن والكافر والشقي والسعيد وامثالهما ( امثالها خ‌ل ) فهذه الافراد وان كانت متخالفة متباينة متفاوتة متضادة لكنها تجمعها حقيقة واحدة وجودية فكلها اذن في رتبة واحدة ليست بينها ( بينهما خ‌ل ) علية ولا معلولية ولا ترتيب في التقدم والتأخر الوجودي الا الظاهري حسب اجتماع الشرايط والاسباب المقتضية للتعين والتشخص ولذا ترى الاب قد يكون مؤخرا في الايجاد والوجود عن الابن ويكون في مقام الظهور التعييني مقدما وهذا ايضا ظاهر واضح ان شاء الله تعالى وليس هنا شق ثالث اي يكون شيئان متغايران وجوديان لا يكون احدهما علة للآخر او ( وخ‌ل ) لا يكون كلاهما معلولين لعلة اخرى فان جعلتهما قديمين كانا ايضا في رتبة واحدة في القدم مع ان ذلك خلاف ما نحن بصدده فانه باطل بضرورة الاسلام فضلا عن شهادة العقل فاذا انحصر الامر في المتباينين بالذي ذكرنا فاعلم ان المراد ببينونة العزلة هو القسم الثاني لاعتزال كل حصة بما تعينت عن الاخرى في الجهة والمكان والزمان ( الزمان والمكان خ‌ل ) والكم والكيف والوضع والاضافة وساير الاحوال فكان كل فرد في جهة غير جهة الآخر ومكان غير مكان الآخر فكان احدهما معزولا عن الآخر في مراتب وجوداتهما المتعينة وكذلك ( كذلك ذلك خ‌ل ) الامر الواحد الساري في هذه الافراد بينه وبين تلك الخصوصيات المعينة في الفرد الخاص بينونة عزلة لان تكثر الافراد انما يكون بالعوارض المشخصة وهي امر خارج عن حقيقة ذات المعروض وان كان داخلا في حقيقة الفرد على ما نختاره فان هيئة السرير المعينة للخشب في هذا الحد الخاص امر خارج عن الحقيقة الخشبية وكذلك العوارض المشخصة للانسان في الحدود المشخصة وكذلك العوارض المشخصة للحيوان الجنس لها ولذا قالوا ( قال خ‌ل ) ان نسبة الفصل الى الجنس نسبة الخاصة الى العرض العام والدليل على ذلك انك اذا التفت الى ذلك الامر الواحد من حيث هو هو تنسي الافراد كلها ولم تذكره بوجه ابدا الا تري انك اذا التفت الى الخشبة من حيث هي هي لا تذكر الصنم ولا السرير ولا الباب ولا غيرها وكذلك اذا التفت الى الانسان تنسى زيدا وعمروا وغيرهما من الافراد ويكفيك اعتراف الكل بان الافراد انما تحصل بالاعراض الخارجة عن المعروض واعترافهم بان العرض لا يدخل مع المعروض في حقيقة واحدة لان العرض هو الخارج فلا يذكر احد الشيئين في رتبة الغير بالبديهة نعم هما اقترنا فاقتضى الاقتران حكما آخر فصح انهما معلولان لعلة اخرى فظهر ان بين الحقيقة الواحدة والتعينات بينونة عزلة لاعتزال كل عن الآخر اذا نظرت الى كل واحد منهما في رتبة ذاته وكون كل منهما في جهة غير جهة الآخر فكل منهما معزول بتلك الجهة عن الآخر وكذلك بين المتعينات بعضها مع بعض كما ذكرنا آنفا وبعبارة اخرى بين الكلي وافراده وبين الافراد بعضها مع بعض بينونة عزلة وانما عبرت بالعبارة الاولة لغاية عندي تظهر لمن عرف حدود كلامي فظهر ان البينونة الصفتية انحصرت في القسم الاول وهو ان يكون احدهما علة والاخرى معلولا واحدهما مؤثرا والاخرى اثرا ولا شك ( يشك خ‌ل ) ان الاثر غير المؤثر لكنه صفة المؤثر دال عليه لا بدلالة الكشف كما ترى الكتابة فانها دالة على الكاتب والكلام على المتكلم والقيام على القائم والحركة على المتحرك والقدرة على القادر والاثر على المؤثر فلا يمكن ان يفرض للاثر وجود في حال من الاحوال ومرتبة من المراتب ومقاما ( مقام خ‌ل ) من المقامات ولا تكون في ذلك المقام الدلالة على المؤثر الا اذا لم تلاحظ الاثرية فلا يكون المؤثر معزولا عن الاثر ولا الاثر معزولا عن المؤثر ابدا بل لا تجد للاثر رتبة الا وترى المؤثر ظاهرا فيها لان الاثر في كل احواله صفة دالة على المؤثر مع انه خارج عن حقيقة المؤثر ومعدوم بل ممتنع فيها وانما احدثه لا من شيء فنفس الاحداث دليل على المحدث وليست الصفة الا الامر الدال على الموصوف الغير المتحقق والغير المتقوم الا بالموصوف التي لا وجود لها الا به بل ليست الا محض حكايته وظهوره و هذا هو المراد بالبينونتين فاذا عرفت هذا فقول امير المؤمنين روحي فداه وعليه السلام توحيده تمييزه فاعلم ان الله سبحانه في الازل لا بمعنى الظرفية بل الازل نفسه لا بمعنى المغايرة بل هو الازل لا باعتبار مغايرة المفهوم للحمل بل هو هو سبحانه وتعالى وحده لا شريك له انقطعت عنه الغايات وتفسخت دونه النهايات وامتنعت عليه الكثرات والخلق في رتبة الامكان والامكان فقر محض والقدم غناء محض فلا يجتمعان في رتبة فلا يمكن للممكن ان يصعد الى الازل فيعرف ما هو عليه والا لم يكن ممكنا ولا الازل ينزل الى الامكان والا لم يكن ازلا ولا ارتباط بينهما ولا نسبة والا لكان كل ( كل واحد خ‌ل ) منهما مركبا من الجهة المشتركة التي بها تتحقق النسبة فانها ليست الا وجود امر واحد في شيئين مختلفين فكلما هو كذلك مركب عن الجهتين جهة المخالفة وجهة المشاركة والموافقة ولا يعقل ان يكون ( تكون خ‌ل ) النسبة هي عين الذات بدون الجهة الاخرى فتكون الذات هي الجهة المشاركة وهي لا يكون الا بين الشيئين وقد فرضت النسبة هي عين الذات التي هي جهة المشاركة فاين الطرف الآخر وكيف يعقل ان تكون ( يكون خ‌ل ) الذات امرا اضافيا ارتباطيا سبحانه وتعالى عما يصفون ولا اتصال لانه الاقتران الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ولا انفصال لان الفاصلة ان كانت قديمة مع انها لا تعقل يلزم تعدد القدماء وان كان حادثا فهل فصل بينه وبين القديم سبحانه ام لا فيعود ما ذكرنا ولا موافقة لانها المشابهة في صفة ولا تصح كما ذكرنا في النسبة ولا مخالفة لانها اعتزال فلا يصح الاحداث ولا غير ذلك من الاحوال الخلقية بل اجمل الكلام الامام الهمام الصادق عليه السلم في هذا المقام فقال عليه السلم على ما رواه في الكافي والتوحيد وغيرهما ان الله تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه فكلما يصدق عليه اسم شيء ماخلا الله فهو مخلوق وقال مولينا الرضا عليه السلم على ما في التوحيد والعيون والبحار كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه وقال ايضا عليه السلم فيه ما معناه كلما امتنع في المخلوق يجب في خالقه وكلما يجب في الخالق يمتنع ( ممتنع خ‌ل ) في المخلوق والى هذا المعنى ناظر قول امير المؤمنين عليه السلم توحيده تمييزه ( تنزيهه ظ ) يعني ان منتهى التوحيد للخلق وغاية معرفتهم في ذلك ان ينزهوا الحق سبحانه عن كل صفات المخلوقين المربوبين كما قال سبحانه وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وما عامة شاملة لكل وصف وصفة فان الممكن مخلوق لا يعرف الا مخلوقا كما قال عليه السلم انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فلا يمكنهم اذن اثبات صفة وبيان حقيقة للذات الاقدس جل شأنه وانما حظهم من ذلك تنزيهه عن كل ما سواه واحوالهم واطوارهم واوطارهم في اكوارهم وادوارهم فيثبتون ذاتا منزهة عن كل صفات الممكنات في كل الحالات واليه اشار امير المؤمنين عليه السلم على ما رواه في العوالم في الخطبة اليتيمية الى ان قال عليه السلم ان قلت هو هو فالهاء والواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله وهجم له الفحص الى العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس والطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته ولما بين عليه السلم ان التوحيد ليس الا التمييز والتفريق بينه وبين خلقه بتنزيهه عن جميع الصفات الخلقية والشئونات والاحوال الامكانية اراد عليه السلم ان يبين ان ذلك التنزيه والتمييز والتفريق ليس بالبينونة على وجه الاعتزال كما اذا نزهت زيدا عن صفات عمرو او نزهت الانسان من حيث هو انسان عن صفات الحدود والعوارض والافراد والبحر من صفات الامواج او الشاخص من صفات العكوس والاظلال وامثالها مما يلزم منه الاعتزال والجهة والتحديد والتقييد بذلك النفي والتمييز او استقلال الممكنات حيث كانوا في جهة غير جهة الحق القديم سبحانه وتعالى وانما هو بينونة صفة يعني ان الممكنات والموجودات وان كانت مغايرة ومبائنة ليست في صقع الازل ورتبة الذات لم تزل لكنها صفات وآثار تدل بذواتها وحقيقتها على الله سبحانه دلالة الالتزام فلا تنظر في مخلوق الا وترى آثار الربوبية فيها ظاهرة وانوار القدرة عليها ساطعة تدل على اسمائه وصفاته وافعاله وانه تعالى لا يدرك ولا يوصف كالقيام الدال على القائم والقعود الدال على القاعد والحركة الدالة على المتحرك وهو معنى ما قال الامام الصادق عليه السلم :

وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد

فلا يرى شيء الا ويرى الله بعده او معه او قبله على اختلاف المراتب فلا سبيل الى الله عز وجل الا بآثار صنعه وظهورات خلقه ولذا قال سيدالشهداء عليه السلم في دعاء عرفة الهي امرتني بالرجوع الى الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار وهداية الاستبصار حتى ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك على كل شيء قدير مثلا اذا كان احد في مكان مظلم وانت لم تدريه فتكلم فعلمت ان هنا احد متكلم ( احدا متكلما خ‌ل ) فتوجهت من الاثر الى المؤثر مع قطع النظر عن خصوصية الاثر فكان ذلك الاثر ( الاثر معنى خ‌ل ) صفة المؤثر فالاثار معاني صفات المؤثر وركنها كالقيام فانه ركن للقائم ومعنى له كذا القاعد والآكل والشارب اركانها ومعانيها القعود والاكل والشرب هذا هو المراد من قول امير المؤمنين عليه السلم وحد التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ثم اعلم ان هذه التنزيه في قوله عليه السلم توحيده تنزيهه ليس بالاشارة بمعنى انه يرى او يحتمل ان يكون الله قد اتصف بصفات المخلوقين فينزهه عن ذلك فان النفي فرع الاثبات والتنزيه لا يقع الا في من يصح فيه التشبيه ولو بالفرض والاعتبار وهذا لا يصح على الله عز وجل فلا يتصور معه شريك ولا يعقل معه غيره بل المراد من هذا التنزيه هو الذي قال عليه السلم في حديث كميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة اي يتوجه الى الله سبحانه لا بمشعر العلم ولا بمشعر العقل بل بمشعر الذات والحقيقة المعبر عنه عندنا بالفؤاد وهو الذي لا كيف له ولا كم ( كم له خ‌ل ) ولا وضع ولا اضافة وكل الكثرات هناك باطلة وكل الاضافات هناك مضمحلة ليست فيه الا جهة الوحدة المحضة الخالصة عن شوب كل الكثرات ولا ذكر لشيء من الاشياء فيه بوجه من الوجوه وهو نور الله الذي ينظر المؤمن به وهو النور الذي خلق منه فاذا نظر بتلك العين فقد نزه الله سبحانه وتم له التنزيه والا فهو في مقام التشبيه ولا يخلص منه وهو المقام الذي تنقطع عنده الاشارات واضمحلت لديه السبحات والشئونات وتفسخت دونه الصفات وهو مقام كشف السبحات من غير اشارة والدنو الى ربه بلا كيف ولا اشارة والنظر بتلك العين هي حقيقة التوحيد والمعرفة والعارف الحقيقي لا يروم الا ذلك وهذا هو المراد من قوله عليه السلم في الحديث المتقدم فمن رام غير هذا المعنى او عدل عنه فهو باطل نعم له باطن وسر وباطن باطن لا يخالف هذا الظاهر بوجه ابدا ومحكمات الكتاب والسنة تشهد بصدق ما ذكرنا وكذا العقل واجماع المسلمين على ذلك ومثل هذه الاخبار المتشابهة لا يجوز ان يؤخذ معانيها بالراي والاستحسان او من العقول الضعيفة المغيرة او من الصوفية الملاحدة او من الحكماء الفلاسفة فانهم ليسوا باهل بيت العلم وانما الاخبار المتشابهة يؤخذ تفسيرها من المحكمات من الكتاب والسنة وضرورة العقل وما اجمعت عليه الفرقة المحقة فانهم لم يزالوا على الحق واتفاقهم واجماعهم كاشف عن قول المعصوم عليه السلم وهو عليه السلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى اياكم ثم اياكم والاغترار باقوال بعض المموهين ونقلهم لاخبار المعصومين واستنادهم عليها وقد اخبر الله عز وجل عن هذه الحقيقة بقوله وما ارسلنا من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته والتمني بمعنى القراءة والقاء الشيطان هو الاحتمال الباطل المخالف للمقصود في كلامه عليه السلم وكلام الله فان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم فان اطعتموهم انكم لمشركون ونسخ الله ذلك الحكم الملقى من الشيطان عبارة عن نصب قرينة واضحة موضحة للمراد من تسديده وهدايته وارشاداته من عموم او خصوص او اطلاق او اجماع او غير ذلك من الامور التي لا تخفى على العالم العارف بالامر فاذا كان كذلك فليطلب ما يشتبه من اخبار اهل البيت عليهم السلم من محكمات كتاب الله ومحكمات اخبارهم عليهم السلم وما انعقد عليه اجماع الفرقة المحقة فان بيانه يأتيه مشروحا مفصلا كما بينت لك هذا الخبر من اخبارهم ومحكم كتاب الله من قوله عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقوله تعالى ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقوله تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون فبين سبحانه وتعالى ان في كل شيء دلالة واضحة على الحق سبحانه واسمائه وصفاته فلا يصح ان تكون البينونة بينونة عزلة فان احد المتباينين لا يدل على الآخر كما هو المعلوم بخلاف بينونة الصفة فان المباين ( الباين خ‌ل ) هنا صفة والصفة لا شك انها غير الموصوف ولكن لا حقيقة لها الا حكاية الموصوف ودلالتها وقد قال مولينا الرضا عليه السلم ان الاسم صفة الموصوف وقد قال امير المؤمنين عليه السلم ان الاسم ما دل على المسمى فكل اسم صفة لقول الرضا عليه السلم وكل الخلق اسم لله سبحانه لقول امير المؤمنين عليه السلم لان الخلق اعظم ادلة عليه سبحانه بل مايعرف ( ماعرف خ‌ل ) سبحانه الا فيه وبه كما قال في خطاب القدس كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فجعل الخلق والايجاد علة المعرفة فكيف لا تكون البينونة بينونة الصفة فافهم راشدا موفقا واعلم ان الصوفية تمسكوا بهذا الحديث وامثاله على بعض معتقداتهم الفاسدة الباطلة ولو كان لي مجال وعدم استعجال لبينت لك بعض كلماتهم واشرت الى تفصيل الجواب ولكنا اقتصرنا بما ذكرنا فان من عرفه يظهر له الجواب الصواب عن كل شبهة وايراد واعتراض والله الموفق للصواب واليه المرجع في المبدء والمآب ولا حول ولا قوة الا بالله

قال ايده الله تعالى : وقال احدهم عليهم السلم الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد والتمس من جنابكم ان تبين لي هذا الحديث بيانا وافيا شافيا يكون منطبقا على طريق الحق المبين

اقول اعلم ان الصوفية حيث لم يهتدوا الى طريقة ائمة الهدى عليهم السلم لان اظهار التصوف انما كان لاطفاء نور اهل البيت عليهم السلم وقد قال عبدالكريم الجيلاني ان شرط التصوف ان يكون على مذهب السنة والجماعة وهم صرحوا بان شرط التسنن ان يكون في قلبه شيء من بغض علي بن ابي ‌طالب عليه السلم حتى لا يغلو بما يسمع من الفضايل فانظر ماذا ترى فحيث اعرضوا ذهبت بهم الريح يمينا وشمالا فلم يهتدوا الى الحق سبيلا فخبطوا خبط عشواء وبقوا وقوفا حياري وقالوا في مسئلة التنزيه ان التنزيه من غير التشبيه تقييد وتحديد ومنه يلزم التعطيل فاذا قلت الله مثلا ليس بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا غيرها من الصفات الخلقية فقد حددته بنفي تلك الصفات ومنه يلزم التركيب لان ( لانه خ‌ل ) جهة نفسه غير جهة ليس بجسم مثلا والتشبيه من غير التنزيه ايضا يكون مشبها مجسما فالجمع بينهما هو التوحيد الخالص كما قال امامهم وقدوتهم مميت ‌الدين ابن عربي

فان قلت بالتشبيه كنت مجسما وان قلت بالتنزيه كنت محددا

وان قلت بالامرين كنت موحدا وكنت اماما في المعارف سيدا

وقد قال الى هذا القول طائفة من الشيعة كما ذكر الملا محسن في كلماته المكنونة وعقد عنوانا في الجمع بين التشبيه والتنزيه ولا شك ان هذا القول باطل لا ينطبق على مذهب اهل البيت عليهم السلم فان التنزيه الصرف لم يزل ديدنهم وطريقتهم عليهم السلم كما قالوا عليهم السلم كما تقدم الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه وكذا غيرهما من الاخبار نعم ان الذي ينظر الى الحق سبحانه والى توحيده واسمائه وصفاته ( صفاته واسمائه خ‌ل ) بنظر العقل يلزمه ما قالوا لان العقل محدود بالحد المعنوي فلا يرى الا المحدود كذلك فعند العقل ذكر للاشياء على جهة الاجمال والبساطة فهناك يتمشى التنزية على النهج الذي قرروا وليس هذا التنزيه هو مراد اهل البيت عليهم السلم بل بينوا عليهم السلم حقيقة التنزيه المقصود بقولهم كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني انك توجه الى الله سبحانه بعين الفؤاد بمعنى انك لا تلتفت الى شيء سواه ولا تنظر الى احد غيره لتدعوك الحاجة الى نفي ذلك الغير عنه تعالى كما قال تعالى ولا يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون وليس ثمة شيء وجودي ولا عدمي حتى يكون الله محدودا بذلك ولذا قال الامام عليه السلم للرجل حين قال الله اكبر ما معناه قال الله اكبر من كل شيء فقال ( قال خ‌ل ) عليه السلم وهل ثمة شيء ليكون الله اكبر منه فقال الرجل فما اقول قال عليه السلم قل الله اكبر من ان يوصف هذا معنى الحديث رواه في التوحيد فالتنزيه انما يكون بغير اشارة لا انه يلتفت الى شيء لا يليق ثم ينزه الله منه مثلا اذا رأيت زيدا وخطر ببالك السرقة مثلا واحتملتها لزيد ثم نظرت الى مقامه وجلالة قدره فنزهتها منه واما اذا نظرت الى زيد ولم تخطر ببالك السرقة ولا انه ممن يحتمل في حقه تلك بل انما نظرت الى زيد ناسيا عن كل شئونات اطواره وعن كل ما سواه فقد نزهت زيدا اقوى واعظم من التنزيه الاول حيث انك في اول الامر تصورت معه غيره ثم نزهته منه وفي ثاني الامر ماالتفت الى غير زيد ابدا وهو التنزيه البالغ ويلزم في الاول التحديد بخلاف الثاني فان الحد والمحدود يجب ان يكون مغايرا فاذا لم يكن هناك غير فاين التحديد وهذا التنزيه الثاني هو الذي يراد ( المراد خ‌ل ) في حق الله لا الاول كما زعموا فوقعوا فيما وقعوا ولذا قال عليه السلم كنهه تفريق بينه وبين خلقه يعني انك اذا توجهت الى توحيده انس كلما سواه ليكون عند ذكره تعالى فناء غيره ولكن الناس لما كانوا ما يعرفون من التفريق المعنى الذي ذكرنا حيث لم يصلوا اليه وانما يعرفون منه امرين متغايرين اعتزل احدهما عن الآخر قال عليه السلم وغيوره تحديد لما سواه يعني المغايرة وكونه غير خلقه انما هو تحديد للخلق اذ ليس ثمة غير حتى يجعل ( تجعل خ‌ل ) غيريته تعالى حدا له تعالى عن ذلك علوا كبيرا بل المغايرة والمخالفة والموافقة في مقام الخلق حيث عندهم جهتي ( جهتا خ‌ل ) الاشتراك والاختلاف واما هناك عماء محض ليس لاحد فيه ذكر ولا لشيء فيه اسم ورسم حتى تثبته بنفي غيره ويكون محدودا بذلك الحد وانما كررت العبارة لتفهم المراد فاذا فهمته تبطل بذلك اصلهم ان بسيط الحقيقة كل الاشياء

واما الحديث المسئول عنه فهذا لم‌ نجده في كتاب من كتب اصحابنا رضوان الله عليهم مسندا ولا مقطوعا مرسلا وانما هو شيء سمعناه لا من مشايخنا الذين نعتمد عليه ( عليهم خ‌ل ) وانما هو من ساير الناس وعلى فرض صحته وكونه حديثا مرويا عن المعصوم عليه السلم فليس فيه ما يدل على مطلوبهم من الجمع بين التشبيه والتنزيه وانما المراد منه ما ورد عن مولينا الصادق عليه السلم على ما رواه في الكافي في حديث هشام من عبد الاسم والمسمى فقد اشرك ومن عبد الاسم دون المسمى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد المسمى بايقاع الاسم عليه فذاك التوحيد انتهى فمن جمع في العبادة والتوجه بين الاسم والمسمى فهو زنديق كافر مشرك حيث جعل مع الله الها آخر ومن توجه الى المسمى اي الذات بدون واسطة الاسم ولم يجعل للاسم مدخل في التوجه فذاك تعطيل اما للفيض فان الفيض لم يظهر ولم يبرز الا بالاسماء فالقيام مثلا ماظهر الا باسم القائم وكذا القعود ما ظهر ووجد الا باسم القاعد فمن انكر الاسم ولم يتوجه به الى المسمى فقد انكر فيض المسمى وعطله عن الافاضة او المراد بالتعطيل التعطيل عن الصفات الكمالية فان الصفات هي الاسماء وهي المظاهر الفعلية فمن انكرها فقد انكر الصفات الكمالية وعطل الذات المقدسة عنها وذلك كفر فمن جمع بينهما اي توجه الى الذات بواسطة الاسماء فذاك موحد حيث اتى البيت من بابه وتوجه الى الحق بجنابه والاسم هو الدليل والآية الالهية التي اراها الله الخلق في الآفاق وفي انفسهم وتظهر تلك الآية عند كشف السبحات وازالة الانيات وهي التي ظهرت للصوفية وقالوا انه هو الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ووجه آخر لبيان هذا الحديث اعلم انه قد دل العقل والنقل ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله هم الشمس المضيئة التي قد استضاء بنورهم كل الموجودات فكل الخلق من الانبياء وما تحتهم من الخلق كلهم من فضل ( فاضل خ‌ل ) انوارهم و عكوسات ظهوراتهم قد تجلى الله بهم للخلق فهم في كل مرتبة من مراتبهم حاكون لظهور من ظهوراتهم ومعلنون للمدح والثنا عليهم فاذا ظهر لهم شيء من انوارهم عليهم السلم يوم الذي استخلصهم الله في القدم على ساير الامم وذلك النور فوق ذكرهم فلا يدركون مقاما اعظم منه ولا يعقلون رتبة اعلى منه فيظنون انه هو نور الله جل جلاله فقالت الصوفية انه هو الله ولم يعرفوا الامام ونسبته اليه عليه السلم وقالت الغلاة والمفوضة انه نورهم عليهم السلم وهم الله كما اعتقدوا في حق علي عليه السلم والائمة عليهم السلم وقال الآخرون هو نور الله عز وجل وآية من آياته فلا يعتقدون وساطة الائمة عليهم السلم في كينوناتهم وذواتهم ثم ان الله سبحانه خطأ الكل وقال عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الى ان قال تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فاثبت سبحانه لهم الفعل والعبودية وقد فصل الامر مولينا القائم عجل الله فرجه وعليه السلم في دعاء رجب وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الى ان قال عليه السلم فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت فاثبت عليه السلم بقوله لا فرق بينك وبينها مقام الجمع ثم بين ان ذلك في عين الفرق لقوله عليه السلم الا انهم عبادك وخلقك فمن قال بالفرق وحده فقد الزم التعطيل اذن لم يعرف الله فان الله سبحانه لا يعرف الا بهم كما قالوا عليهم السلم لولانا ماعرف الله ولولانا ماعبد الله وقالوا من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم وقال امير المؤمنين عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا وقوله عليه السلم فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت وامثالها من الاخبار لا تتناهى فمن فرق بين الله وبينهم فقد عطل الله في فيضه وابداعه ومعرفته واظهار صفات كماله ونعوت جلاله وجماله ومن قال بالجمع فقال لا فرق بينك وبينها فحسب ونظر اليهم نظر الاستقلال في الاحداث والافاضة كالغلاة والمفوضة فهو زنديق مشرك وهو قوله تعالى ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم ومن قال بالجمع بين الامرين كما فعل عليه السلم في الدعاء بقوله لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك والى هذه الاشارة بقوله ( بقول خ‌ل ) الصادق عليه السلم لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن فقد جمع عليه السلم بين الجمع والفرق واحترز عن الجمع وحده وهو نحن هو وهو نحن والفرق وحده وهو قوله هو هو ونحن نحن فلذا كانت طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وحكمهم حكم الله وامرهم امر الله وقولهم قول الله ومشيتهم مشية الله ومحبتهم محبة الله ووجه آخر هو ان هذا الحديث اشارة الى سر الامر بين الامرين ونفي الجبر والتفويض وقد اشار اليه الحق سبحانه بقوله وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فمن قال بالجمع اي نسبة جميع الافعال الى الله تعالى بدون مدخلية العبد بوجه من الوجوه فذلك زندقة لانه يورث الظلم وفعل القبيح اذا اجبر الله الخلق على الطاعة والمعصية ثم مدحهم وذمهم وعاقبهم عليه او انه فعل الفعل ونسبه الى غيره ( الغير خ‌ل ) كما قال تعالى فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون ولا شك ان القول به زندقة وكفر ومن قال بالفرق بان يجعل الحق معزولا في حكمه والخلق مفوضا في فعله فذلك تعطيل حيث عطل الله في حكمه واخرجه عن سلطانه والجمع بينهما بان يجعل العبد فاعلا والله حافظا لفعله وعمله فذاك التوحيد فانه لا يتم الا بسلب النقايص عنه سبحانه وشواهد الذي ذكرنا من المعاني لهذا الحديث من الكتاب والسنة والعقل قد وصلت الى رتبة البداهة بحيث لا تخفي من له ادني تأمل ففي مثل هذه الاخبار لا يجوز التفوه فيها الا بهداية من ارشاداتهم صلى الله عليهم والذي ذكرنا هو المنطبق على الحق المبين والحمد لله وحده

قال ايده الله تعالى : وان تبين ايضا ان الوجود هل هو امر انتزاعي اعتباري او انه موجود خارجي متأصل افدنا رحمك الله في الدنيا والآخرة

اقول الانتزاع هو عبارة عن انتقاش صورة الشيء المقابل في مرآة من المرايا فان كانت المرآة جسمانية فتكون الصورة المنتقشة مقدارية وان كانت المرآة خيالية نفسية فتكون الصورة خيالية غيبية مجردة وهذه الصورة انما يقال لها منتزعة لانها انتزعت عن المقابل لا بذاته بل بشبحه ( بشخصه خ‌ل ) وتلك الصورة هي الشبح المقابل ( للمقابل خ‌ل ) الذي هو ذي الصورة فذلك الشبح ليس الا حكاية المقابل الخارجي ليس له تحقق بدونه وهذا هو المعروف من الانتزاع في المدلول اللغوي المطابق لما في الواقع لان الانتزاع هو فعل المنتزع بكسر الزاء فهنا اربعة امور الانتزاع والمنتزع بالكسر والمنتزع وهو الصورة المنطبعة والمنتزع منه وهو المقابل الخارجي فلا يتحقق الامر الانتزاعي الا بهذه الاربعة اما المنتزع والمنتزع فظاهر واما المنتزع منه فلولاه لزم صحة انتزاع كل شيء من كل شيء وهو من البطلان بمكان لضرورة عدم صحة انتزاع الحرارة من البرودة ولا العكس مع ان الانتزاع لا يكون متعقلا بدون المنتزع منه وهذا معلوم ان شاء الله تعالى فالامر ( والامر خ‌ل ) الانتزاعي هو صورة في الذهن او في المرآة الجسمانية مطابقة لما هو في الواقع على حسب قابلية المرآة من الصفاء والكدورة والاعوجاج والاستقامة وعلى اي حال هي حكاية ومرآة للامر الخارجي لا استقلال لها ولا تذوت وليست الا محض الحكاية واما الاعتبار فهو ما يفهمه الذهن بقواه ويعتبره فان كان مطابقا للواقع اي الخارج فهو حق وصدق والا فهو كذب وباطل لست اقول ان الصدق والكذب معناهما ما ذكرنا وانما اقول الصدق والكذب للامور الاعتبارية على النهج الذي قلنا فاذا فهمت هذا فاعلم ان الذي يقول ان الوجود امر اعتباري انتزاعي نقول له هل لهذا الاعتبار مصداق خارجي يكون موجودا في ظرف من الظروف وعالم من العوالم ليكون ما اعتبره وادركه مرآة لظهور الامر الخارجي للشخص والا فذاك موجود سواء اعتبر ام لم يعتبر ام لا بل ليس له وجود اصلا وانما هو محض الاعتبار الخالص فلولاه لم يكن له ذكر فان اختار الاول نقول له فاذن يكون الوجود موجودا في الخارج والذي في الذهن دليل عليه وآية له كالصورة في المرآة وان اختار الثاني نقول فاذن قولك زيد موجود في الخارج قضية كاذبة لان المشتق لا يصدق الا بوجود المبدء في موضع الاشتقاق وانت تزعم ان الوجود لا تحقق له الا محض الاعتبار الذهني فتكون هذه القضية كاذبة كما انك اذا قلت زيد سلطان في الخارج ولم تكن السلطنة موجودة في الخارج فيه كانت قضية كاذبة مع ان الامر ليس كذلك وتلك القضية صادقة قطعا اجماعا من العقلاء ثم انا نقول ان نقيض كل شيء رفعه فنقيض الوجود العدم ولا يصح رفع النقيضين فاذا لم يكن الوجود موجودا خارجيا يجب ان يكون العدم في الخارج والعدم ليس شيئا حتى يحكم ( تحكم خ‌ل ) عليه بشيء فاذن يجب ان لا يكون شيئا في الخارج والبديهة تشهد بخلافه اللهم الا ان يراد بالوجود معنى آخر غير الذي يقابل العدم وبالجملة على اصولنا لا يجوز ان يقال ان الوجود ليس في الخارج وانما هو امر انتزاعي ذهني فان عندنا ان كلما في الذهن شبح وظل للخارج فلا يمكن ان يتصور شيئا الا وهو موجود في خارج ذهنه في احدي الخزائن التي للشيء كما قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه فافرد الشيء وجمع الخزائن للاشارة الى ان الشيء الواحد له خزاين كثيرة علوية بدليل قوله تعالى وماننزله الا بقدر معلوم وقد قال مولينا الرضا عليه السلم كما في العلل لم يتصور احد شيئا الا وقد خلقه الله قبل ذلك حتى لا يقال لم لم يخلق ذلك وشرح هذه المسئلة يخرجنا عما نحن فيه فلا يصح ان يقال ان الوجود امر انتزاعي محض ولعمري ان قولهم انتزاعي يبطل حجتهم كما ذكرنا وقولهم ان الوجود لو كان موجودا في الخارج لكان موجودا بالوجود فننقل الكلام الى ذلك الوجود فيلزم التسلسل فهو ( وهو خ‌ل ) باطل لان الوجود موجود بنفسه يعني ان الله سبحانه اوجده بنفسه واوجد الاشياء به وهذا هو حكم الاختراع لانه هو الخلق لا من شيء فاقامه بنفسه وامسكه بظله ثم انهم ان ارادوا بالوجود هو المعني المصدري المعبر عنه بالفارسية بهست الذي هو ضد العدم المعبر عنه بالفارسية بنيست فلا شك انه وان كان موجودا في الخارج لكنه ليس ذاتا وانما هو صفة متأخرة ولذا يحمل على الاشياء والمحمول لا يكون ذاتا وانما هو صفة لترتب المحمول على الموضوع فيجب تقدم الموضوع على المحمول قطعا فان قلت ان المحمول هو الموجود لا الوجود فيقال زيد موجود ولا يقال انه وجود قلت الاشتقاق لذكر الذات والمراد اثبات المبدء للذات لا غيرها فاذا قلت زيد مضروب ما تريد به الا اثبات الضرب الذي هو المبدء له ووقوعه عليه ولما كانت الصفة تحكي مثال الموصوف بل هي عين المثال والمصدر لا يصلح لذلك لانه اثر والاثر من حيث هو اثر لا يكون مثالا وانما هو حامل له فاحتيج الى الاشتقاق لصحة الربط والا ففي الحقيقة ليس المقصود من الحمل الا اثبات المبدء للشيء فيجب تأخره عن الموضوع اذن لا فرق فيما قلنا بين المبدء والمشتق من وجوب تقدم الذات الظاهرة بالموضوع فافهم الاشارة ولا تقتصر على العبارة وان قلت انك ذكرت فيما تقدم ان رفع النقيضين ممتنع وقلت الآن ان الوجود المعبر عنه في الفارسية بهست ضد العدم المعبر عنه في الفارسية بنيست وذكرت ان هذا الوجود صفة فقد اثبت العدم في رتبة الذات ووقعت بما قد فررت منه قلت ان العدم جزء لماهية الوجود لان الله سبحانه خلق لكل شيء ضدا ثم خلق الخلق من الضدين كما قال الرضا عليه السلم ان الله لم يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه فخلق الشيء وجعل له ضدا وهو قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون انتهى لان الممكن لا يتحقق الا اذا كان ذاته يحتمل الشيء وعدمه فهما جزءان للممكن في رتبة الامكان فاذا تمت الشرايط واقتضت الوجود تظهر تلك الجهة وان اقتضت خلافه الذي هو العدم تظهر الجهة الاخرى والضدان ساريان في كل مراتب الامكان فهما معا في كل رتبة ( مرتبة خ‌ل ) بحسبها ولا يتعدان ( لا يتعديان خ‌ل ) عنها الى رتبة غيرها ولما كانت الممكنات تختلف مراتبهما ( مراتبها خ‌ل ) في السلسلتين من الطولية والعرضية والذاتية والصفتية وفي الطولية لا تتعدى رتبة نفسها في كل مقتضياتها وكل احوالها عندها ومنقطعة فوقها كان الضدان في كل مرتبة يتعاوران فيها وينقطعان عند التي فوقها انظر الى السراج فانه اذا اشرق احدث نورا بالمقابلة وظلا بالمخالفة والظل ضد للنور لا يمكن بارتفاعهما في رتبة النور فيستحيل ان يكون السراج موجودا مع مقابلة ( مقابل خ‌ل ) الجسم الكثيف ولم يكن هناك ظل ولا نور واما في مرتبة السراج الذي هو فوق مرتبة النور والظل فكلاهما منقطعان لديه منتهيان عنده فلا يوصف السراج بالنور ولا بالظل بل لا ذكر لهما عنده نعم هو ايضا مركب من ضدين وهما يتعاوران في مقامه لا يمكن وجود احدهما بدون الآخر فعلى ما ذكرنا ظهر لك حق الجواب بان العدم والوجود الصفتين ( الصفتيتين ظ ) ينقطعان في مرتبة الذوات وان كانا يتعاقبان في مرتبة الصفات فهما دائمان في رتبة وفانيان عن ( في خ‌ل ) الاخرى والوجه فيما ذكرنا من صفتية الوجود المفهومي الانتزاعي ان التصور والتخيل في رتبة الخيال والنفس والصدر والصور المنتزعة كلها انما هي فيها وهي اي الملكوت الاوسط خارج لها وهي مقام الحمل وجريان الاوصاف واما مقام الذات من حيث هي هي فليس هناك مقام مفهوم وانتزاع وصورة وحد وانما هو صرف الشيء مع قطع النظر عن كل الجهات والاعتبارات ( الاعتبار خ‌ل ) والحيثيات فالعدم والوجود كلاهما منقطعان عنده نعم عدمه وان لم يتصور لكنه خروجه عن الاكوان الى الامكان و ( ولكن خ‌ل ) مقام الذات ينقطع عندها الحمل والتوصيف والتعريف كما مر آنفا ولا تقل ان هذا كلام لم يقل به العلماء فاني اقول كما قال المتنبي :

وهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء

وهذا هو الكلام في الوجود على المفهوم اللغوي واما الاصطلاحي فاعلم ان الوجود عندنا يطلق على ثلثة اشياء في احدها بالتسمية والتعبير وفي الآخرين بالحقيقة بعد الحقيقة في مقام الظهور واجراء الاحكام الاول الوجود الحق ويعبر به عن الله سبحانه وهو الذات البحت ومجهول النعت وعين الكافور وذات بلا اعتبار وذات ساذج والكنز المخفي واللاتعين وشمس الازل والمجهول المطلق واطلاق لفظ الوجود عليه لمجرد التعبير والتفهيم لا لانه موضوع له فان الوضع يستلزم الاقتران الممتنع من الازل الممتنع من الحدوث وانما هو تعبير لمجرد التعبير كما قال مولينا الرضا عليه السلم واسمائه تعبير وصفاته تفهيم وذاته حقاقه وكنهه تفريق بينه وبين خلقه الحديث الثاني الوجود المطلق وهو الفعل والمشية والامكان الراجح والوجود الراجح وهو اول مظهر باول ظهور وهو التعين الاول وآدم الاول وحواءه ارض الامكان الراجح ومقام الاعيان الثابتة في العلم الامكاني ورتبة الواحدية وبدو ظهور الاحدية وسبب اطلاقه انه ليس فيه شرط سوى ذاته فليست ذاته في تحققها مقيدة بشيء غيرها فلذا رجح وجودها لانه محض افتقار ( الافتقار خ‌ل ) الى الحق القديم الدائم سبحانه وهذا الافتقار هو باب الاستغناء والله سبحانه اعز واجل من ان يفني من لاذ ببابه وعاذ بجنابه وانقطع عن كل شيء سواه وما استدعى ولا اقتضى غيره فيأبى كرم الكريم ان يميته ويفنيه مع انه عبث وهو اكرم من ذلك الثالث الوجود المقيد وهو اثر الوجود المطلق ونسبته اليه كنسبة الضرب المصدر الى ضرب الفعل وهو انما سمي مقيدا لصلوحه ( لصلاحه خ‌ل ) للتقيد ( للتقييد خ‌ل ) بالمهية والعوارض المشخصة ليكون باعتبار تلك الماهية المقترنة مبدء حقيقة من الحقايق الكونية المتمايزة المترتبة وهو الماء الذي به كل شيء حي والارض هي القابلية اي الماهية وهي الصورة اي الحدود الستة المشخصة من الكم والكيف والجهة والرتبة والمكان والوقت و بها اختلفت الاشياء وتكثرت من ذلك الامر الواحد كالمتولدات من الحيوان والنبات والجمادات المتحصلة على اختلافاتها من الماء الواحد النازل من السماء الواقع على الارض واليه الاشارة في التأويل في قوله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء واخرجنا به من كل الثمرات فالسحاب هو المشية اي الوجود المطلق والبلد الميت هي الارض اي الماهية والصورة النوعية و( او خ‌ل ) الشخصية والماء هو الماء الذي به كل شيء حي وهو الوجود امر الله الذي قام به كل شيء قيام ركن وتحقق وهو مادة المواد وهيولي الهيوليات ( الهيولات خ‌ل ) واسطقس الاسطقسات منه بدءت الاشياء واليه تعود والثمرات هي الحقايق المتحصلة من اقتران الوجود بالماهية فاول الثمرة واولاها واشرفها واقدمها العقل الكلي وهو اول الوجودات المقيدة كما قال صلى الله عليه وآله اول ما خلق الله عقلي وقال مولينا الحسن العسكري عليه السلم روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فروح القدس هو العقل وهو القلم وهو الملك الذي يؤدي الى اللوح كما يظهر من بواطن اخبار اهل البيت عليهم السلم وظواهرها والباكورة هي اول الثمرة والصاقورة هي قحف الرأس ويراد به هنا العرش لما ورد ان الجنان سقفها عرش الرحمن والجنان في هذا المقام ليس الا الوجود المقيد والعرش هي المشية اي الوجود المطلق والعقل اول من ذاق ثمرة الوجود من شجرة الخلد كما روي ان القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد وبالجملة فالوجود يطلق عندنا على هذه الثلثة وليس هذا الاطلاق على الاشتراك المعنوي ولا اللفظي ولا الحقيقة و( ولا خ‌ل ) المجاز وانما هو الحقيقة بعد الحقيقة في الاخيرين اي الوجود المطلق والوجود المقيد اما الوجود الحق فليس له وضع حتى يجري عليه احكام اللفظ وهذا التعبير لاجل التفهيم كما ان بعض الحيوانات يعلمونها بعض الالفاظ او يعودونها ببعض الالفاظ فاذا قيل تلك الالفاظ وسمعتها تعمل على حسب ذلك ولا شك ان تلك الالفاظ ماوضعت لما اريد من تلك الحيوانات ولااراد الشخص استعمالها فيها وانما اراد بها محض التعبير لتفهيم تلك الحيوانات ما يراد منها وهو قوله تعالى كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء وقد نطلق الوجود على المادة مطلقا في كل مقام بحسبه ففي العقول نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة الجوهرية والمثالية والجسمية وفي الارواح نور مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية والصورة النفسية وفي النفوس كذلك ولكنه ليس مجردا عن الصورة الجوهرية وفي الطبيعة نور احمر بسيط ذائب مجرد عن متممات قوابل الاجسام وعن المواد العنصرية وفي جوهر الهباء اي المواد المجردة عن الصور ( الصورة خ‌ل ) المثالية نور منعقد قابل للصور ومهيئ لها اذا تمت الشرايط وفي المثال ابدان نورانية لا ارواح لها اي ليس لها مواد جوهرية ولا جسمانية وفي الاجسام انوار منعقدة لزمتها صورها وفي الزمان والمكان مدد مقدرة وفراغات محدودة وفي العناصر طبايع متزاوجة وفي المعادن اصول من لطايف العناصر متألفة وفي النباتات لطايف اغذية نامية وفي الحيوانات شعلات فلكية وفي الصفات هيئات ذاتية وحركات فعلية وصور ظلية وامثال ذلك من المواد المتحصلة للاشياء بالقرانات والروابط ونطلق على كل ذلك الوجود فالماهية يراد بها حينئذ الصورة والشيء انما هو المركب منهما فالوجود هو الاب وهو المادة والمهية هي الام وهي الصورة وهذا الاصطلاح مستفاد من كلام مولينا الصادق عليه السلم حيث قال ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة انتهي فالنور هو المادة لان مدخول من في مقام الاحداث والايجاد هو المادة كما تقول صغت الخاتم من الفضة وصنعت السرير من الخشبة وصنعت الزنجفر من الكبريت والزيبق وامثال ذلك وكذلك الصبغ هو الصورة فجعل عليه السلم النور هو الاب والرحمة التي هي الصورة هي الام وقد نطلق الوجود ونريد به وجه الشيء الى ربه والمهية وجه الشيء الى نفسه فاذا نظرت الى الشيء من حيث انه مخلوق واثر لله سبحانه ويدل على اسمائه وصفاته وتوحيده فهو الوجود واذا نظرت اليه من حيث نفسه واقتضاءاتها وهو ( فهو خ‌ل ) الماهية فبالوجه الاول نور وخير وبالوجه الثاني ظلمة وشر واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وقد سئل الصادق عليه السلم عن تفسيره فقال عليه السلم اي من النور الذي خلق منه انتهى وهو الوجود ولا يقال ان الاطلاقين واحد لانا نقول في الاطلاق الثاني ربما لا نلاحظ الاطلاق الاول وبهذا الاطلاق نقول ان الوجود مبدء كل خير وصواب والماهية مبدء كل ظلمة وباطل فيكون المراد من المائين المأخوذين من العليين والسجين اي الماء العذب الفرات السائغ شرابه والماء المالح الاجاج الذي تركبت الاشياء كلها منهما هو الوجود والمهية التي قد ركب كل ممكن منهما كما قيل كل ممكن زوج تركيبي واذا غلب احد الجزئين الآخر بحيث لم يحصل منه اثر يسمى ذلك المركب باسم ذلك الجزء كما تقول في النار المحسوسة انها نار مع ان احد اجزائها النار لانها مركبة من العناصر الاربعة ولكن لما غلب ذلك الجزء سمي المركب به وهذا هو المراد من الاخبار الدالة على ان الله سبحانه خلق طينة الانبياء من عليين ( العليين خ‌ل ) وطينة الاشقياء من السجين فان في اهل العليين الغالب عليهم انوار الوجود اضمحلت طينة السجين التي هي الماهية ولم يحصل منها اثر ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل نفس شيطان قيل حتى لك يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله نعم ولكنه اسلم وفي رواية اعانني الله عليه وكذلك العكس الغالب عليهم ( عليه خ‌ل ) ظلمة الماهية فافهم واتقن وبما ذكرنا يظهر لك الجواب عما سئلت وعما تحتاج اليه في مسئلة الوجود والله الموفق للصواب

المصادر
المحتوى