رسالة في جواب الآغا سيد علي البهبهاني - ۲ (الكاف المستديرة، العمق الاكبر، الذر الاول والثاني، السلسل

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الآغا سيد علي البهبهاني - 2

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب السيد السند والمولى المعتمد الولي العلي السيد علي بن السيد الامجد السيد محمد البهبهاني اعلى الله مقامه وبلغه اعلى مرامه قد اتى بهذه المسائل التي ضلت دونها الافكار وتحيرت في حل دقايقها الانظار واراد جوابها بالاستعجال وانا مشغول البال بمعاناة الحل والارتحال ولكن لمقامه عندي ما امكنني رد مسئوله فاتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور وربما اكتفي بالاشارة اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي اذ البسط في هذه المسائل يؤدي الى التطويل والله الهادي الى احسن السبيل

قال سلمه الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم - سيدنا اسئل من جنابك وكريم بابك ان تبين لي انه ما المراد بالكاف المستديرة على نفسها وما المراد بالعمق الاكبر

اقول اعلم ان المراد بالكاف المستديرة على نفسها هي المشية والاختراع وانما عبر عنها بالكاف لكونها مقام الواحدية التي قد تممت بالاحد والواحد اول ظهور الاحد والاحد مقام الوحدة المطلقة والبساطة الصرفة ومقام الربوبية اذ لا مربوب ولا ذكر للكثرة فيه بوجه من الوجوه والواحد اول ظهوراته واول ما نشأ منه وهو مقام الاسماء والصفات و الاضافات والتعلقات وهو مقام الربوبية اذ مربوب اما صلوحا وذكرا او تعينا وكونا كالواحد قبل العدد فانه يصلح ان يكون نصف الاثنين وثلث الثلثة وربع الاربعة وخمس الخمسة وهكذا الى ما لا نهاية له ومع العدد تكون هذه الصفات كلها وجودية عينية وهذا مرادنا بالذكر والعين والبسملة اشارة الى مقام الواحدية في الوجه الاعلى لان حروفها تسعة ‌عشر وهو استنطاق الواحد وانما استنطق له اللفظ المشتمل على هذا العدد للاشارة الى قيوميته للعوالم كلها من المبادي والمتولدات كالافلاك التسعة والعناصر الاربعة والمواليد الثلثة والانسان والجن والملك وهذه تسعة‌ عشر وهذه هي متعلقات الواحدية ومظاهرها ومهابط ظهور آثارها والا فهي بسيطة ليست فيها كثرة ابدا بوجه من الوجوه والبسملة هي الظهور الكلي الجامع للمراتب كلها ولذا كانت تسعة ‌عشر ولما قلنا آنفا ان الواحد لا قوام له الا بالاحد ولا تحقق له الا به لانه الصفة ولا تقوم الا بظهور الموصوف فيها والا لم ‌تكن صفة فيجب ملاحظة احد ( الاحد خ‌ل ) في الواحد ليكون ( فيكون خ‌ل ) متمما له فاذا اضفت الاحد الى الواحد الذي هو تسعة‌ عشر بالاستنطاق العددي يكون المجموع عشرين واستنطاقه الكاف ولما كان الواحد المقوم ( بالواحد المتقوم خ‌ل ) بالاحد والظاهر فيه الاحد ظهرت القيومية وقد دل العقل والنقل ان القيومية صفة فعلية ومبدء الافعال المشية الكلية الاولية التي هي آدم الاول فناسب ان يعبر عنها بالكاف التي هي جامعة لمراتب القيومية المطلقة من ظهور الاحد في الواحد على جهة الاطلاق ولما كانت المشية انما خلقت بنفسها فخالقية الحق لنفسها انما كانت بنفسها كما قال مولينا الصادق عليه السلم خلق الله الاشياء بالمشية و( وخلق خ‌ل ) المشية بنفسها وآية ذلك السراج فان النار انما امدته واوجدته بنفسه لا بسراج آخر ثم اوجدت الاشعة به فالاشعة انما تستدير بالسراج في استمداد النور لانه منه والسراج يستدير بنفسه على نفسه في استمداد النور فان النور ليس في النار بالبديهة وانما يحصل لا من شيء حين التعلق فنورية السراج انما ( انما هي خ‌ل ) احدثتها النار بنفسها ثم احدثت نورية الاشعة بها والنار جعلت السراج خزانة لجميع ما يحتاج اليه السراج وما تحتاج اليه الاشعة فافهم ومعنى الاستدارة الحركة بكل الجهات فان كانت من المعلول في استمداده من علته ( ومن عليته خ‌ل ) وافتقاره اليها كانت الاستدارة على خلاف التوالي وان كانت من العلة في الافاضة والامداد لمعلولها بكل جهاته كانت الاستدارة على التوالي وانما كان الاول على خلاف التوالي لانه سير وحركة من الاسفل الى الاعلي وهو خلاف مقتضى الطبيعة بخلاف الثاني فانه سير من الاعلى الى الاسفل فاذا فهمت هذا وفهمت ان المشية لما خلقت بنفسها كانت لها جهتان جهة امداد وهي نفسها في التعبير وجهة استمداد وهي هي في التعبير فهي حين كونها ممدة تستدير عليها من حيث كونها مستمدة فتكون الاستدارة حينئذ على التوالي ومن حيث كونها مستمدة تستدير عليها من حيث كونها ممدة فتكون حينئذ على خلاف التوالي وهذان الاعتباران فيها في تزييل الفؤاد والا فهي شيء واحد ليس في الامكان ابسط منها ولذا ترى شيخنا اطال الله بقاه كثيرا ما يعبر عن المشية بالكاف المستديرة على نفسها وانها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي بالمعنى الذي ذكرنا ثم اعلم ان هنا وجها آخر دقيقا وهو انه قد يعبر بالكاف المستديرة على نفسها ويراد بها كاف كن قبل لحوق النون وطريانها عليها وقبل تحقق النسبة الارتباطية بل حال صرف الجهة الاولى في الشيء التي هي هياكل ( هيكل خ‌ل ) التوحيد فان المشية لها جهتان جهة دلالة وحكاية وجهة ولاية وقيومية وبالجهتين ظهر ( تظهر خ‌ل ) الالوهية الكلية المستقهرة لكل الاسماء والصفات فبالجهة الاولى يعبر عنها بالكاف لانها الاحد الذي ظهر في الواحد بدون ملاحظة الواحد فتلك الجهة صفة التوحيد وهيكل التنزيه والتفريد لكنها ما تصل الى الذات البحت جل شأنها فتطلب الذات بما تجلى لها بها في مرتبتها وذلك التجلي هو عين مرتبتها لا مرتبة الذات البحت فهي حينئذ تستدير على نفسها تطلب الغير في نفسها وكلما تطلب مقاما اعلى تقع في مقامها كما قال الشاعر :

قد ضلت النقطة في الدائرة ولم تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة

سمت على الاسماء حتى لها ( لقد خ‌ل )فوضت الدنيا مع الآخرة

ولما كانت تلك الجهة هي جهة التوحيد والجهة الثانية جهة التعلق والارتباطات الاسمائية والصفاتية في مقام التعلق ولما كان الفيض الى الاشياء كلها يصل بالمشية فتختص الجهة العليا بظهورات التوحيد لمقامها وغيرها من المفعولات والمعلولات ولما كان الخلق يجمعها رتبتان ( بجميعها رتبتين خ‌ل ) احديهما الوجود المطلق وهو عالم الامر وثانيهما الوجود المقيد وهو عالم الخلق والوجود المطلق هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر والوجود المقيد دلالة تلك الكلمة او الماء النازل من سحابها وفي كلا المقامين ظهور التوحيد على حسب ذلك المقام فيكون ذلك الظهور المطلق في خمسة اطوار ولا سادس فالهاء في الحروف اشارة الى تلك المراتب ولذا اختير لها اسم ظاهره عين باطنه اي صورة ظاهره عين صورة باطنه كما هو ( هي خ‌ل ) صفة التوحيد كما عن النبي صلى الله عليه وآله التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه في ظاهره وقد وقعت الاشارة الى التفصيل الذي ذكرنا في الكتاب الكريم في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص فالبسملة كما ذكرنا هي تمام مقام الواحدية وعند فنائها في الاحد اي ظهوره فيها تظهر الكاف وهي المستديرة على نفسها ولكن لايقال في هذا المقام انها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي كما في المقام الاول لان الجهات والاعتبارات والاضافات والتعلقات كلها منتفية هناك فمعنى استدارتها حينئذ انتفاء الجهات وعينية ( غيبية خ‌ل ) الاولية والآخرية والقبلية والبعدية والخفاء والظهور ولذا اردف سبحانه الهاء بالكاف لانها تمام ظهورات التوحيد وسر هياكل التفريد وهي ( هو خ‌ل ) اول ما نشأ من الكاف التي هي الجهة العليا من كن ولما كان التعلقات انما هي في الرتبة الثانية اردف سبحانه الياء بالهاء ولما كان التعلق ظهورا وصفانيا لا قوام له الا بالوجه الاعلى في اللحاظ الثاني فاذا لاحظت الهاء في الياء في مقام الارتباط استنطق منها النون وهو تمام كلمة كن فبين الله سبحانه اثر كل جهة من تلك الكلمة ذيل ذكر مؤثره ليعلم ان لها في مقام البساطة حكما وفي مقام التركيب حكما آخر ولذا اردف سبحانه العين بالياء فان العين هي تمام عدد الكلمة ثم بين سبحانه الصاد الذي هو البحر تحت العرش وهو الماء الذي به كل شيء ( كل شئ به خ‌ل ) حي وهو مادة الموجودات كلها على جهة الاطلاق سواء كان بذاته او بشعاعه وظهوره واثره وهذا هو الماء الذي استوى عليه العرش الذي هو كلمة كن كما قال عز وجل وكان عرشه على الماء وهو اثر تمام الكلمة من حيث الارتباط وبه تتم الاشياء وتقوم الموجودات كما قال عز وجل ومن آياته ان تقوم السماء والارض بامره والامر هو هذا الماء الذي هو الصاد في عرف اهل البيت عليهم السلم اعلم ان الاستدارة انما تكون على القطب وهو انما يكون نقطة وجود الشيء واصل ذاته ومنه استمداده وهو وجه الشيء الى مبدئه وباب استفاضته واستمداده منه وباب افاضة المبدء وامداده له فدوران الاشياء كلها على ذلك ونطلق ( تطلق خ‌ل ) عليه المادة والهيولي الاولى ايضا ولما كانت الاشياء لها مادة خلقت منها واصل نشأت عنه وذلك الاصل من اثر المشية يقال ان الاشياء كرة مجوفة تدور على المشية اي باثرها الا ان الاثر اضمحلت فيه جهة نفسه فليس الا حكاية غيره واما المشية فانها اول مخترع باول اختراع فليست ( فليس خ‌ل ) لها مادة غيرها حتى تدور عليها ويكون قطبا لها كما في غيرها وانما هي شيء واحد احدثها الله سبحانه بنفسها اي لا بمادة غيرها فهي مادة نفسها و صورتها فهي كرة مصمتة نفسها قطبها ولا محور لها فهي الكاف المستديرة على نفسها انما كررت البيان لاجل التوضيح والتفهيم فافهم واما العمق الاكبر فالمراد به الامكان الراجح وان اطلق على الجائز فانما هو بالاضافة والنسبة وانما سمي عمقا لعدم انتهائه في كل شيء فهو المحيط الواسع الجامع لكل ما يصلح ان تتعلق ( يتعلق خ‌ل ) به قدرة الله عز وجل وانما كان اكبر ( الاكبر خ‌ل ) لان الاعماق كلها مطوية فيه فلايعادله في السعة والاحاطة شيء والمراد بالامكان الراجح ذكر الاشياء في رتبة المشية ونسميه محل المشية الامكانية وهو العلم الذي كانت الاشياء فيه مذكورة ولم يكن مكونة كما في الحديث عن الصادق عليه السلم في قوله تعالى هل اتي على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا قال عليه السلم كان مذكورا في العلم ولم يكن مكونا وقال ايضا عليه السلم كما في الكافي وعلم الله السابق المشية وهذا الذكر مثل ذكر الاعداد كلها الى ما لا نهاية له في الواحد قبل ظهورها وكل شيء في الامكان كلي صالح لكل شيء وتلك الصلاحية والذكر هو الامكان وانما سمي راجحا لمرجوحية جريان العدم عليه لوجود المقتضى ورفع المانع والله سبحانه انما يفعل بالاسباب فكلما يقتضي شرطا وسببا ولازما وملزوما ومادة وصورة فيوجده سبحانه عند تحقق شرايطها ويعدمه عند عدمها واما الامكان اي محض الذكر فلا يقتضي الا المشية التي هي الوجه الاعلى منه والمشية هي الظهور الاول الذي لا يحتاج في تحققه الى شيء سوى الله سبحانه وهو سبحانه لم‌ يختلف حاله فليس هناك مانع للبقاء فيكون مستمر الوجود وانما قلنا راجحا وما قلنا واجبا كما قالوا لان الله سبحانه قاهر قادر من ورائها محيط لا يستحيل عليه شيء اذا شاء ان يعدم الامكان فعل لكن ذلك مرجوح لما ذكرنا فيكون وجوده راجحا واما الامكان الجائز فهو المركبات مما تحت المشية من العقل الكلي الى الثرى لانها كلها متوقفة على الشرايط والاسباب والمتممات والمكملات فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها وهما بالنسبة اليه على حد واحد ولذا توجد تارة وتعدم اخرى وهذا ظاهر

قال سلمه الله تعالى : وما المراد بقصبة الياقوت وما المراد بالابحر الاثني ‌عشر وما المراد بالحجب وما المراد بالذر الاول والثاني

اقول ان القصبة يراد بها الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله لانها حقيقة واحدة ظاهرة في اربعة ‌عشر عقدا تتفاوت العقود في الغلظة والرقة فالعقد الاول هو محمد صلى الله عليه وآله وهو العقد الاعظم الاشرف ( الاشرف الاعظم خ‌ل ) الاكبر والعقد الثاني هو علي امير المؤمنين ( علي بن ابي‌طالب خ‌ل ) عليه السلم والعقد الثالث هو الحسن بن علي عليهما السلم والعقد الرابع هو الحسين بن علي عليهما السلم والعقد الخامس هو القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وروحي فداءه وعليه السلم والعقد السادس يشتمل على ثمانية عقود وهم الائمة الثمانية عليهم السلم والعقد السابع هي فاطمة صلوات الله عليها فتلك القصبة من حيث الجمع سبعة ومن حيث التفصيل اربعة‌ عشر لاظهار السبع المثاني والقرآن العظيم كما قال تعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والسبعة اذا ثنيت تكون اربعة‌ عشر وانما رتبنا العقود كما ذكرنا لما دلت عليه الادلة النقلية للاجماع بان النبي صلى الله عليه وآله افضل الخلق كلهم كما قال صلى الله عليه وآله انا سيد ولد آدم ولا فخر وكذلك علي امير المؤمنين عليه السلم افضل الخلق بعده صلى الله عليه وآله لقوله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما ثم القائم عليه السلم افضل الثمانية لقوله صلى الله عليه وآله تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم واما تفاوت مراتب الثمانية فلم‌ يظهر لنا شيء من الاخبار ما يدل عليه واما الصديقة الطاهرة صلى الله عليها فهي بعدهم لعدم تساوي مرتبة الرجل والمرأة في مرتبة واحدة وان كانت هي عليها السلم اشرف الانبياء والمرسلين والملئكة المقربين وساير الخلق اجمعين واما نسبة تلك القصبة الى الياقوت فلصفائه ولونه الحمرة وطبيعته اما الاول فظاهر لكونهم عليهم السلم في ظاهر البشرية صفوة الصفوة واما الثاني والثالث فلظهور الفاعلية فيهم عليهم السلم المستدعية للحرارة واليبوسة اما الحرارة فانها تحدث بالحركة ولا شك انهم عليهم السلم يد الله وبهم يأخذ الله ويعطي وبهم يفيض على افراد الكائنات وهم القطب بظهورهم لكل الذرات ومحل المشية التي بها قوام كل الموجودات واما اليبوسة فلانهم الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره وهم البئر المعطلة والقصر المشيد قال الشاعر واجاد :

بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل‌ محمد (ص) مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا ينزف

فهم عليهم السلم قد وقفوا مقاما لم يبلغ احد من المخلوقين ولا يطمع في ادراكه طامع واما الحمرة فمن جهة اقتضاء الحرارة واليبوسة اياها على ما هو التحقيق عندنا من ان الحرارة واليبوسة تقتضي الحمرة او من جهة بياض العقل الكلي فيهم مع ظهور صفرة الروح الكلي وهما يقتضيان الحمرة كالزنجفر الحاصل من اختلاط الزيبق والكبريت او لظهور الطبيعة الكلية فيهم عليهم السلم وبها تكون تربية الاشياء وهي النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة واما الابحر الاثني ‌عشر فقد بسطنا القول فيه في شرح الخطبة الطتنجية والاشارة المجملة هي ان المراد بها الائمة الاثني ‌عشر لانها هي الابحر التي قد سبح فيها النور النبوي صلى الله عليه وآله في الخلق الاول ومعنى سباحته صلى الله عليه وآله في هذه الابحر ظهورها منه بالتوليد كالضوء من الضوء واقترانه بها وارتباطه معها وظهور ولايته فيها عليه وعليهم السلم وانما سموا بحرا لذوبان كل واحد منهم عليهم السلم في عظمة الله عز وجل بحيث انقطع انجماد جبلتهم ( جبليتهم خ‌ل ) بما لا يرتبط بالحق سبحانه وسريان نورهم وسيلانه في كل الاشياء بحيث كانت الموجودات كلها امواج بحر ظهورهم واشراقات اشعة نورهم عليهم السلم وكذلك الخلق يطلق عليهم البحر في حال الذوبان والانتشار والانبساط كما ورد في الاخبار بحر النور وبحر الظلمة وبحر الهواء وبحر الماء وامثال ذلك ويراد ايضا بالابحر الاثني ‌عشر الحواس الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة والعقل والنفس و السابح فيها هو القلب المركب من الانوار الاربعة او الفؤاد من حيث ذكر الاشياء فيه ومعنى سباحته فيها ظهوره في هذه المقامات على طورها وكل مقام منها بحر ذائب واسع جامع لامواج الشئون والروابط الحاصلة في كل مقام من المقامات المذكورة فبحر العقل مثلا يتموج بالمعاني من غير صورة وبحر النفس بالصورة من غير المعني وهكذا غيرهما على قياسهما واما الحجب فهم الائمة عليهم السلم كما في الزيارة الرجبية والصلوة على محمد المنتجب وعلى آله واوصيائه الحجب وانما سموا عليهم السلم حجابا لكونهم عليهم السلم بابا وواسطة لله سبحانه الى خلقه وللخلق للتوجه والاقبال الى صانعهم ومربيهم وبارئهم فالله سبحانه احتجب بهم عليهم السلم عن خلقه كما قال الصادق عليه السلم وهو المحتجب ونحن حجبه فبهم عرف الله وبهم عبد الله ولولاهم ما عرف الله ولاعبد الله وقال عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فلا يصل احد الى الله سبحانه الا بهم قال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والكلم الطيب هو الدين والايمان اي الاعمال الظاهرة والباطنة والعمل الصالح هو ولاية علي عليه السلم وهي التي ترفع الاعمال الى الله سبحانه وتوصلها الى درجة القبول واما في رواية الكافي ان الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر فالحجاب في هذه الرواية يراد بها ( به خ‌ل ) الكروبيون وهم الذين قد تجلى الله سبحانه برجل منهم لموسى فدك الجبل وخر موسى صعقا وهؤلاء قوم من شيعة آل ‌محمد عليهم السلم كما رواه الصفار في بصاير الدرجات عن الصادق عليه السلم ورواه في الصافي ايضا ونور الستر ايضا حجاب الا انه اغمض واعلى مقاما واقرب الى المحتجب بالقرب المعنوي والقاعدة في معرفة الحجاب ان كل واسطة موصلة للسافل الى اعلاه ولفيض العالي الى السافل فهو حجاب وكل الاحاديث الدالة على الحجب فالمراد بها ما ذكرنا ولذا قال عليه السلم ان لله سبعين ‌الف حجاب لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه انتهى والحجاب هو الواسطة بين ظهور الفعل ومراتب المفعولات فاذا انتفت الواسطة يحترق السافل عند ظهور العالي فالواسطة هو الحجاب المترجم للسافل انوار العالي واسراره وآثاره على ما يقتضي مقام السافل الا ان الحجب تختلف في الشدة والضعف والرقة والغلظة والنورانية والظلمانية فاعلى الحجب واشرفها واقربها وارقها هو محمد واهل بيته عليهم السلم وهم الحجاب الاكبر او الحجب الكبرى وكلما سواهم تحت رتبتهم فيطلق عليهم الحجاب على حسب مقامهم من الوساطة وعلى هذا تسهل عليك معرفة العدد في الروايات من حجاب واحد او اثنين او ثلثة او اربعة وهكذا الى سبعين‌ الف الى ما لا نهاية له من مراتب المخلوقات وكذلك الصفات من حجاب الياقوت اذا كان عالم الطبيعة بالنسبة الى الاجسام وحجاب الزبرجد او الزمرد اذا كان عالم النفوس وحجاب العقيق او الذهب اذا كان عالم الارواح وحجاب اللؤلؤ والدرة البيضاء اذا كان عالم العقول وهكذا بملاحظة الطبايع او قرانات الالوان المتحصلة من الطبايع بعضها مع بعض وتفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يطول به الكلام والاشارة كافية لاولي الافهام وقد يطلق الحجاب في الاخبار ويراد به الحاجب المانع من الظهور وهي دواعي الشهوات ولوازم الانيات كما في الدعاء وانت لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال وفي نسخة الآمال دونك فالانية والماهية هي الحجاب الاكبر وهي التي تمنع ظهور نور التوحيد والتفريد ونور الطاعة والعمل والعبادة فلا يظهر التوحيد الا بمحوها في الوجدان ويختلف هذا الحجاب ايضا في الغلظة والرقة فالذي راض نفسه بالطاعات والعبادات ومخالفة الهوى والشهوات فحجابه رقيق الى ان يصل في الرقة فيكون مشابها للحجاب الاعلى حجاب النور كما قال الشاعر :

رق الزجاج ورقت الخمر فتشاكلا وتشابه الامر

فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر

والى هذا المعنى يشير ما روي عن الصادق عليه السلم كما في الكافي في حديث المعراج الى ان قال عليه السلم وكان بينهما حجاب يتلألأ بخفق ولا اعلمه الا وقد قال انه زبرجد ويريد بهذا الحجاب حجاب الانية وهي وان كانت ظلمة لحفظ النور لكنها مستنيرة ومستشرقة من نور القدس والتنزيه وحرارة النار من الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية كلستها ولطفتها الى ان اشرقت الى الانعدام والاضمحلال وهو معنى قوله عليه السلم يتلألأ بخفق ولما كانت مستشرقة من اشراق النور الالهي العقلي او الوجودي استنارت فاختلط النور بها فكان زبرجديا لظهور النور الاصفر الحاصل من حرارة النار الفاعلة المرتبطة بالقوابل وذلك المقام مقام قاب قوسين واما مقام او ادنى فهناك اندك الحجاب وانخرق وفي المقام الاول قال الله تعالى فان تابوا واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فاخوانكم في الدين ومواليكم وهذه الامور هي المراد بالحجب في اخبار اهل العصمة عليهم الصلوة والسلام ثم اعلم ان هذه الاطلاقات ليست على جهة المجاز كما يتوهمه الناس لان المجاز لا يصح ان يكون قبل الحقيقة كما هو المختار عندنا فان المجاز طريق الى الحقيقة فلا يتحقق بدونها ولئن سلمنا فلا يتصور قبل الوضع اجماعا واذا فرضنا كما هو الحق ان الواضع هو الله سبحانه وان الاسم هو صفة المسمى كما عن الرضا عليه السلم ان الاسم صفة لموصوف فلا يتصور تأخر الصفة عن موصوفها وتساويها مع صفة الصفة فان اهل البيت عليهم السلم هم الذوات والخلق كلهم صفات واشعة لهم عليهم السلم فيكون الاسم لهم اولا عليهم السلم ثم لما بعدهم من المراتب الاقرب فالاقرب لظهور تلك الصفة المستدعية للاسم في السافل ففي الحقيقة يكون الثاني مجازا للاول في الذات وفي الاسم لكنه اذا لوحظت تلك الرتبة السافلة فيكون الاسم للثاني من قبيل الحقيقة بعد الحقيقة فعلى هذا فافهم جميع الالفاظ التي تطلق على المراتب المرتبة ( المترتبة خ‌ل ) العالية والسافلة كالظاهر والباطن وباطن الباطن وهكذا فلا يكون من باب الاشتراك ولا من باب الحقيقة والمجاز ولا من باب الاشارة والتلويح كما قالوا وليس لي الآن اقبال شرح هذه المسئلة على كمال ما ينبغي الا ان فيما ذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد واما الذر فقد بسطنا القول فيه على كمال ما ينبغي في شرحنا على الخطبة الطتنجية فمن اراد الاطلاع على حقيقة الامر فليرجع اليه فان ما فيه غنية للطالب السالك سبيل الحق المبين ولكنا نشير الى مجمل ذلك الامر فنقول ان عالم الذر عالم الخلق قبل التكليف حال تهيأه واستعداده واستيهاله لوقوع التكليف عليه ولذا قال الصادق عليه السلم لما سئل عن الذر كيف يسئل قال عليه السلم جعل فيهم ( فيه خ‌ل ) ما اذا سئلوا اجابوا انتهى وذلك تمكين القابلية لقبول التكليف من تخلية السرب والادراك والشعور والتمييز والاختيار وارائة طريق الحق وطريق الباطل وبيان مقتضيات كل من الطرفين ( الطريقين خ‌ل ) واسبابهما وشرايطهما ومقتضياتهما وموانعهما فالخلق كلهم متساوون ( مساوون خ‌ل ) في هذا الصلوح والاستعداد ومتفاوتون في الحصص غير ممتازين بالصورة الشخصية المعينة وصالحون لكل من الصور الطيبة والخبيثة كما قال عز وجل كان الناس امة واحدة وذلك في حال كونهم حصصا غير ممتازة ثم كلفهم الله عز وجل بلسان نبيه فقال لهم الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم والائمة من ولده اوليائكم فاختلف الخلق بقبولهم وانكارهم وتوقفهم واصالتهم وتبعيتهم فجرت الصور والهياكل فيهم على مقتضى قبولهم وانكارهم فمن اجاب قلبا ولسانا خلقهم الله سبحانه على الصورة الانسانية وهي طينة عليين وهيكل التوحيد وحد لا اله الا الله ومحمد صلى الله عليه وآله رسول الله وعلي ولي الله ومن انكر قلبا ولسانا خلقهم الله سبحانه بمقتضى عملهم على الصورة الشيطانية اي الصور البهيمية وهي طينة سجين ومن انكر لسانا واقر قلبا خلق الله سبحانه ظواهرهم من الصورة الشيطانية وبواطنهم بعكسها مثل كلب اصحاب الكهف ومن انكر قلبا واقر لسانا خلق سبحانه ظواهرهم على الصورة الانسانية وبواطنهم على الصورة الشيطانية كالمنافقين وهؤلاء اشدهم واشرهم واخبثهم ومن انكر ظاهرا وتوقف باطنا خلق سبحانه ظاهرهم من طينة الاجابة على الصورة الانسانية ولم يخلق باطنهم وكذا بالعكس والاصل والفرع على طور واحد في المقامين وهو قوله تعالى كان الناس امة واحدة فاختلفوا وانما سمي ذلك العالم ذرا لكونه مقام الاجمال والابهام وصلوح التميز ( التمييز خ‌ل ) كالذرات المبثوثة فانها حصص غير ممتازة قابلة كل واحدة منها لكلما يفاض على الآخر من الصور وكذلك اهل ذلك العالم قبل وقوع التكليف الشخصي عليهم كالخشبة الصالحة للسرير والصنم والصندوق والباب والضريح وامثال ذلك وكالمداد الصالح لاسم الشقي والسعيد ( السعيد والشقي خ‌ل ) وامثالها وهذا حقيقة الذر واما تعدد عالم الذر فمن جهة تعدد المراتب والعوالم فان الله سبحانه اقام الخلق في عوالم متعددة وكلفهم في كل عالم من العوالم لما دل عليه الدليل العقلي والنقلي ان الوجود انما قام بالتكليف ولا يحس ( لا يحسن خ‌ل ) الايجاد بدونه فكل مرتبة يقع التكليف فيها كان قبل التكليف ذرا ولما كان كليات العوالم ثلثة عالم الجبروت وهو عالم العقول وعالم الملكوت وهو عالم النفوس وعالم الملك وهو عالم الاجسام وفي كل عالم وقع التكليف فيه فيكون كل عالم ذرا فالذر الاول عالم العقول والذر الثاني عالم النفوس والذر الثالث عالم الاجسام ولما كان التكليف في عالم النفوس مقام التشخص والتعين والظهور مشروح العلل مبين الاسباب قد يختص الذر الاول في بعض الاصطلاحات بعالم النفوس والثاني بعالم الاجسام واذا اعتبرنا عالم الذر في عالم الغيب كان الذر الاول عالم العقول والذر الثاني عالم الارواح وهو البرزخ بين العقول والنفوس يسمى بالرقايق والذر الثالث عالم النفوس وهكذا الاعتبارات ( اعتبارات خ‌ل ) الاخر وقد بينت لك نوع المسئلة تتمكن بذلك عن معرفة ساير الاطلاقات والاعتبارات والله الموفق للصواب والهادي الى سبيل الرشاد

المصادر
المحتوى