
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت علي كلمات من الجناب الانجد والحبر الامجد المؤيد المسدد الاسعد الارشد الولي السيد امجد علي اعلى الله مقامه بمحمد وعلي عليهما السلم يريد جوابها وكشف نقابها بالاستعجال وانا في غاية الاشتغال وبلبال البال بمعاناة ( ومعاناة خل ) الحل والارتحال لكنه لا يسعني الا اجابته واسعاف طلبته لانه اهل للجواب فاتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور واكتفيت بالاشارة واعرضت عن تطويل العبارة اعتمادا على فهمه الشريف ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : الحمد لله الذي هدانا الى جنابكم الذي كان لمعالجة امراض الاديان طبيبا جعل الله مدادكم في كف ثقلت موازينه على دم الشهداء
اقول اعلم ان الدين عبد من عبيد الله مخلص لله مستوي الرحمن وحقيقة الانسان الذي علمه الله البيان ومقوم برج كيوان معتدل الطبايع والاركان وتساوي فيه الميزان فالحرارة فيه حد الكمال حتى كان عرشا ممدا فاعلا في كل السفليات والعلويات قال تعالى وكان عرشه على الماء قال عليه السلم ان العرش هو الدين والماء هو العلم واليبوسة فيه على اقصى المراتب حيث بقي واستقر في مقامه وما تعدى وما انتشر الى غيره وهو الاسم المكنون المستقر في ظله فلا يخرج الى غيره وبذلك صار فاعل فعل اللازم الغير المتعدي الى المفعول والرطوبة فيه تامة بحيث ظهر نوره وانتشر بحيث ملأ الاكوان والاعيان بل الامكان وتلقى من الله سبحانه جميع الفيوضات التي لا يسعها الزمان والمكان كما قال ما وسعني ارضي ولا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن والبرودة فيه بالغة حد التمام والكمال بحيث خضع وسكن فخضع بخضوعه وسكن بسكونه كل البريات وظهر ذلك الانكسار في كل الارضين والسموات وسرى في كل الجهات والمقامات وله طبيعة خامسة جامعة لكلها من غير استيلاء احدها على الآخر بل ظهر فيه سر الوحدة واستولى نورها بحيث اضمحل تمايز الطبايع بعضها عن بعض فهو بوحدته يفعل فعل النار الكاملة المطلقة بصرافتها وشدة حرارتها ويفعل فعل ساير الطبايع هكذا وهو الاعتدال الحقيقي التام الكامل الذي انكره الاطباء زاعمين عدم تحقق المزاج وعدم تعقل وجوده في المكان ولم يدروا ان مزاج الشيء من حيث نفسه غير مزاجه من حيث ربه فانه سبحانه يعادي المتؤالفات ويؤالف المتعاديات والمكان في مركز الاعتدال على سرير الوصال وهذه الطبيعة هي الطبيعة الالهية التي لا يتطرق عليها الامراض ولا تفسدها الاعراض لان المرض انما يكون هو الفساد الظاهر في الطبيعة بسبب مداخلة الغرائب والاعراض الغير الملايمة وتلك الغرائب ماتعرض الا بمناسبة الطبيعة وتلك المناسبة لم تتحقق الا لضعف التركيب وضعف التركيب انما يتحقق بعدم المزج التام وعدم المزج التام انما يكون لعدم التلايم التام وعدم التلايم انما يكون لعدم الاعتدال الحقيقي لانه اذا غلب جزء من الطبايع فيميل الى ما يناسبه من الاعراض الخارجة فتتصل به وتؤثر في المجموع فتفسد البنية واما الاعتدال فلا يناسبه الا المعتدل ولا مضرة فيه لانها اما افراط او تفريط وهو قول امير المؤمنين عليه السلم من اعتدل طباعه صفي مزاجه ومن صفى مزاجه قوى اثر النفس فيه ومن قوى اثر النفس فيه فقد تخلق بالاخلاق الملكوتية فصار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان وقال ايضا عليه السلم خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي والسبع الشداد انما انتفى عنهن الغرائب والاضداد وبقين على حال الاعتدال لظهور اعتدال الماء الذي اكتسب الاعتدال من العرش المستوي عليه الذي هو الدين فالدين اولى بان لا تتطرق عليه الامراض او تصيبه الاعراض ولكن لما كان الايجاد على وجه القابليات في الذوات والصفات ولا يتحقق ذلك الا باظهار مظاهر الدين وامثلته في هويات الكاينات وتلك المظاهر والامثال انما ظهرت في القابليات بنوع امزجتها فاذا صح المزاج ظهر الدين تاما كاملا واذا اختلف المزاج وتلون باختلاف الاغذية المتضادة الظاهرة والباطنة يظهر الدين هكذا مختلفا متلونا فيطرء عليه النسخ والاختلاف والتقية والظهور والخفاء والبطون والظهور وهو قوله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم الى ان يرفع التضاد فيرتفع الاختلاف ورفع التضاد المستلزم لصحة البنية ودفع الامراض المستلزم لعدم اختلاف الدين قد يكون كليا وقد يكون جزئيا فيظهر على حسبه فاول صحة المزاج في العالم الكلي انما هو عند ظهور القائم عليه السلم عجل الله فرجه وتمام الاعتدال انما هو اذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتل ابليس لعنه الله وهلك الجبت والطاغوت وهناك يرتفع اختلاف الدين اصلا ورأسا لاعتدال الطبايع ورفع التضاد الموجب للامراض فيصفو الامر لله الواحد القهار فهناك يظهر قوله تعالى الا لله الدين الخالص وهو قوله عز وجل ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فافهم ان شاء الله تعالى واما الجزئي فهو افراد العارفين المختفين في الارض تبعا لائمتهم الطاهرين سلم الله عليهم اجمعين قال الله عز وجل فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم وقال امير المؤمنين عليه السلم المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين نهجوا منهجهم وسلكوا مسلكهم فهجم بهم العلم على حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقا فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ونقلت بعض معنى الحديث اذ لماحفظ كله فهؤلاء الافراد والابدال هم الذين صفت طويتهم واعتدلت بنيتهم فظهروا على الدين كله بمقتضى مقامهم وسوء المزاج انما يكون في هذا المقام بغلبة الرطوبات الفضلية والتي ( الفضلية التي خل ) هي الميل الى كل ما لا يعنيه وتغلظها باليبوسة السوداوية التي هي انجماد القريحة واجتماع المواد والسدد المتولدة من الامرين المذكورين بالحرارة الغريبية دون الغريزية وهي هيجان النفس وانبعاثها للامور الدنيوية او الاخروية لا لصفاء الاخلاص فتصاعدت ابخرتها اي شعبها وفروعها الى الدماغ فاورث الصداع ووجع الرأس والشقيقة فضعفت المدارك الكلية والجزئية وقلت الرغبة الى المآكل الطيبة وهكذا ساير الاوجاع والاسقام الظاهرية والباطنية كلها قد تولدت مما ذكرنا وشرح كيفية التولد مما يطول به الكلام والعاقل يكتفي بادني اشارة والعلاج انضاج الطبيعة اولا بالعقاقير المنضجة التي لها مناسبة الى الجهتين مع الاخلاط ومع الطبيعة اما في العبد الكلي فكما فعل الاطباء الماهرون صلى الله عليهم بالله وباذنه وبامره من ادارة الليل على النهار والنهار على الليل ووقوع الكسف والخسف والغيم والصحو والظلمة والنور والحلاوة والمرارة ومرارة الثمار قبل نضجها وامثال ذلك ووقوع الاختلاف في الآراء والاهواء والعقول والميولات والالفاظ ( الالفاظ والعبارات خل ) واللغات ووقوع الشك والوهم والنجوى والسفسطة والظن والوسوسة والريبة والعلم واليقين والمعرفة وخلط بعضها مع بعض واما في العبد الاصغر اي الانسان فالمنضج له هو التفكر في فناء العالم ودثوره وابادته وخرابه وعدم استدامة حال لاحد وعدم استقلال احد في امر وكثرة التقصيرات التي وقعت منه وامثال ذلك من الاحوال ثم استفراغ الطبيعة عن تلك المواد الغليظة والاخلاط الغير الملايمة المهيجة للابخرة المستدعية لاختلال المزاج الموجبة لضعف القوي وظهور الروح التي هي الدين اما في الكلي فكما يفعل مولينا القائم عليه السلم وسيدنا الحسين عليه السلم وسيدنا على عليه السلم والسيد الاكبر رسول الله صلى الله عليه وآله من قتل الكفار والمنافقين وتطهير الارض عن كل رجس نجس لعين واما في الجزئي فبالاقبال الى الطاعات والعبادات والاجتناب عن كل المحرمات والمكروهات ( المكروهات والمحرمات خل ) والاعراض عن كل البريات وسلب الرذايل عن نفسه والدناءات ثم تقوية الطبيعة بانواع الترياقات والمقويات وتفريحها بانحاء ( بانواع خل ) المعاجين وساير المفرحات اما في الكلي فما يظهر في العالم بعد قتل ابليس من الانوار المشرقة من صبح الازل لتقوية بنية العالم وتفريح كربه وتعديل طبعه اما في الجزئي فبالتوجه التام الى الله سبحانه وتعالى وخلوص القلب له ورفع الكثرات عن وجدانه ودوام النظر في ملكوت السموات والارض ومشاهدة الاشياء بسر الوحدة ورفع الكثرات بالمرة والنظر الى الاشياء بدليل الحكمة فهناك يصح المزاج وتعتدل الطبيعة ويظهر الدين كله بجميع انحاءه ومراتبه اما في الكلي فيظهر الجنتان المدهامتان في الكوفة وما ورائها الى ما شاء الله واما في الجزئي فمختصر ( ما شاء الله فمختصر خل ) القول فيه انه يدخل تلك الجنة في هذه الدنيا قال عليه السلم موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا قبل ان تحاسبوا قال عليه السلم من مات قامت قيامته وهي القيمة الصغري فيرجع الاختلاف الى الايتلاف والحركة الى السكون والتلوين الى التمكين فيتمكن للدين قال الله عز وجل وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا فالعارف العامل لا يجد في الدين ولا في شيء مما اتى به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين اختلافا ابدا لانه عرف الله وعرف خلقه وعرف مقتضى الحق ومقتضى الخلق ومقتضى سلوك الحق مع الخلق قال عز وجل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فافهم ما القينا اليك بالاشارة
قال سلمه الله تعالى : لهذا اظهر احوال مرضى وهو الحيرة سكنه الله بكم وازاله ( ازال الله خل ) بظهور صاحبنا عليه السلم وعجل الله فرجه
اقول اعلم ان الله سبحانه خلق قلب الانسان وله اذنان اذن عليها ملك مسدد والاخرى عليها شيطان مقيض وله عينان باحديهما ناظر الى عليين وبالاخرى الى سجين وان استمر نظره الى السجين ( سجين خل ) وقطع نظره عن العليين صحبته الشياطين على حسب نظره فان كان في الارض الاولى فالشياطين الدنياوية الجسدانية يأمرونه بالخبائث والرذايل الجسدانية ويزينون له حب الشهوات من انواع المعاصي والسيئات وانحاء المحرمات كالزنا واللواط وشرب الخمر وقتل النفس وامثالها وان كان نظره الى الارض الثانية فالشياطين الذين يوحون الى اوليائهم ليجادلوا اهل الحق فيلقون اليه من الصور الباطلة والاوهام الكاذبة المشابهة بصورة الحق وهكذا كلما تسافل نظره تغلظ الظلمة لا الغلظة الجسمانية بل الغلظة الروحانية الى ان يشابههم فيكون من شياطين الانس وعلى كل جزء من اجزاء بدنه شيطان يغويه ويلعنه كما قال مولينا امير المؤمنين عليه السلم لمن سئله عن عدد شعر لحيته ان على كل شعرة شيطان ( شيطانا خل ) يلعنك ه فيبلغ به الامر الى ان يصدر منه ما يصدر عن الشياطين مما يوهم الكرامات وخوارق العادات وان كان نظره الى العليين واستمر ذلك النظر صحبته الملئكة في الدنيا والآخرة كما اخبر الله عنهم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اوليائكم في الحيوة الدنيا وفي الآخرة والاستقامة ان كانت في جميع مراتبها فهو معتدل الطبيعة على ما وصفت لك سابقا والا فعلي حسب مقامها وهو مؤيد بنور الله ومسدد بروح الله واليهم الاشارة بقوله عز وجل لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او ابنائهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون وان كان نظره الى العليين مرة والى السجين اخري فهناك محل الظن والوهم والشك والريب والوسوسة والجهل وكل هذه جهات الحيرة وانما تنشأ من تعارض النظرين وعدم الاستمرار وقد يبقى حال التميز فيتميز بين النظرين وقد يخفي فهناك الحيرة اذ تأتيه صورة وقبل الاستقرار والتمكين اتته ( يأتيه خل ) اخري فلا يدري من الالتباس ( الاشتباه خل ) والتشابه ايهما من الاعلي وايهما من الاسفل فيبقى واقفا متحيرا ولما كان الله سبحانه انما خلق الخلق مشروح العلل مبين الاسباب رفع الابهام ودفع التحير باقامة الدليل وارائة السبيل لئلا يكون للناس على الله حجة واقام ( فاقام خل ) سبحانه لكل شيء دليل حق يصل اليه طالب الحق بعد ما ذكر الامر اولا بحيث يحتمل الوجهين ولذا قال عز وجل وما ارسلنا من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الله لهادي الذين آمنوا الى صراط مستقيم والامنية هي القراءة والقاء الشيطان هو الاحتمالات الباطلة الغير المرادة المشابهة للمراد الصور المجتثة الكاذبة الصاعدة من الابخرة المتراكمة في اسفل السافلين فكل الكلمات والعبارات بل كل الموجودات لها جهة الى الحق يناسب اهل الحق وجهة الى الباطل يناسب اهله فاهل الحق يتمسكون بجهتهم واهل الباطل يتمسكون بجهتهم ومن هنا يأتي الاختلاف قال تعالى واما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ولكن الله سبحانه لئلا يغري بالباطل ولا يجعل الخلق في الشبهة ولا يدعهم في الحيرة نصب القراين المحكمة المعينة للحق والنافية للباطل وهو نسخ الله القاء الشيطان فيحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون ثم ارشد الى هذه الهداية وهدى الى هذه الدلالة وصرح بالامر واكده بالتأكيدات البالغة فقال عز وجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فجعل المجاهد في الله محسنا وقال وما على المحسنين من سبيل وقال ايضا عز وجل فلما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقال ايضا كما ذكرنا فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فسمى الله سبحانه المستوضح المسترشد مرة مجاهدا ومرة محسنا ومرة مؤمنا فقال عز وجل تثبيتا لهدايته وارشاده يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم اهل الكتاب الا يقدرون على شيء من فضل الله وان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وسمى سبحانه المحسن محبوبا حيث قال ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين ثم فسر المحبوب الذي هو ( هو المحسن الذي هو خل ) المجاهد في الحديث القدسي ما زال العبد يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ان دعاني اجبته وان سئلني اعطيته وان سكت عني ابتدأته وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو ( وانما خل ) نور من عند الله يقذفه في قلب من يحب ( يحبه خل ) فينفسح فيشاهد الغيب وينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله فجعل سبحانه وتعالى ثمرة المحبة ان يكون هو سبحانه سمعه وبصره ويده ويستجيب دعائه ويتفضل عليه قبل السؤال وفسره رسول الله صلى الله عليه وآله بالعلم اللدني وانشراح القلب الذي في الصدر وانفساح الباطن لمشاهدة الغيوب فاثبت ان المحبة التي ثمرتها ما ذكرنا من كلام الله ورسوله هي ثمرة الاحسان وفسر الاحسان بالمجاهدة في الله وفسر المجاهدة بفعل النوافل ثم ابان سبحانه عن حقيقة الايمان المستدعي للهداية الى الحق في الآراء المختلفة ويكون فعل النوافل المقتضي للمحبة من فروعه وآثاره بقوله الحق حيث خاطب امير المؤمنين عليه السلم ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك يا علي لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فجعل الايمان هو التسليم لامير المؤمنين عليه السلم وعدم الخروج عن حكمه وقوله في حكم من الاحكام المختلف فيه ( المختلفة فيها خل ) كما قال عز وجل فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله وعمم الحكم في ذلك مولينا الصادق عليه السلم حيث قال ذروة الامر وسنامه وباب الاشياء ورضي الرحمن الطاعة للامام وقال عز وجل ولو ردوه الى الله والى رسوله لعلمه الذين يستنبطونه منهم فاذا صح لاحد الاخلاص في محبة الامام عليه السلم ويعتقد انه الحامي لحوزة الاسلام وعين الله الشاهدة على الانام ووجه ( وجه الله خل ) الذي لا يخلو منه مكان فيسلم الامر اليه ويطلب الحق من الله بواسطته خاصة ويلتجأ في كل جزئي وكلي عليه لانهم قالوا عليهم السلم لنا مع كل ولي اذن سامعة ولا يقول اذا وصل اليه حديث من احاديثهم او خبر من اخبارهم ان هذا من الاخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا بل يعتقد انه حين وصل اليه الحديث امامه عليه السلم حاضر لديه وناظر اليه وعليه تسديد رعيته وعدم اهمال غنمه فان لم يرده منك يجب ان يردعك عنه بنصب قرينة عقلية او نقلية مصرحة او اشارة او ملوحة وامثال ذلك من انواع الهاماتهم وتسديداتهم وارشاداتهم هو ولا يجعلونك البتة في حيرة ولا شدة اذن لا فرق بين طريق الحق وطريق الباطل وطريق الرحمن وطريق الشيطان فمن اعتقد الذي قلنا وعمل به فهو المسلم لامير المؤمنين عليه السلم وهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان فيؤتيه الله سبحانه كفلين من رحمته ويجعل له نورا يمشي به في الناس ويهديه الله الى الحق عند الاختلاف ويحبه الله وتقذف ( يقذف خل ) في قلبه نور اليقين وفي صدره نور العلم وفي فؤاده نور المحبة فينشرح فيشاهد الغيب وينفتح فيحتمل البلاء ويكون الله سمعه وبصره ويده فلا يسمع الا الحق ولا يرى الا الحق ولا يعمل الا الحق ولا يسعي الا في الحق ويعرض عن الباطل اصلا ورأسا اترى تبقى بعد ذلك حيرة واضطراب حاشا وكلا لان الله عز وجل اجل من ان يطرق بابه فلا يفتح له او يدخل البيت من بابه فيخيبه ويحرمه كلا ما هكذا الظن به وهذا الذي ذكرنا هو مسكن المرض لا بل هو مزيل له ان شاء الله والازالة لا تتوقف على ظهور صاحبنا عليه السلم لانه عليه السلم ما غاب بل هو اظهر من الشمس في رابعة النهار ولو فرض ذلك اذا غاب عنك فانت مااغبت ( ماغبت خل ) عنه روحي فداه بل انت بمرأى منه ومسمع و( بمسمع خل ) يدبرك حيث ما يشاء الم تلتفت الى باطن قوله تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه وقال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين ام ترى انه عليه السلم غافل من رعاياه وتسديده كيف وقد قال عليه السلم انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء واحاطت بكم الاعداء وقال عز وجل وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال نعم ان الذي تحت الغيم لا يقع عليه نور الشمس مثل من كان خارجا عن الغيم وقد قلنا لكم في المسئلة الاولى ان العارفين يصح مزاجهم نعم صحة المزاج الكلي يتوقف على ظهوره عجل الله فرجه وروحنا له الفداء كما ذكرنا غير مرة وهذا هو العلاج لمرض الحيرة وهو مرض مركب من الصفراء والسوداء المحترقة فافهم ان شاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : واقول ان غرض السائل سلمه الله تعالى عن المعايب مطلقا من الاسؤلة الاربعة الاول ان يمتاز طريقتكم من الاخباري والاصولي الفريقين من فرق ثلثة وسبعين ولما كان جنابكم تابعا للمتبوع الحقيقي بواسطة قول المعصوم عليه السلم تضرب للسائل الحق والباطل اقتضاء لقوله تعالى كذلك يضرب الله الحق والباطل الى آخر الآية
اقول انما قال ذلك لانه سلمه الله تعالى رأى ما كتبنا في جواب من سئلنا عن الادلة هل هي اربعة ام لا وعن حكم ما لا نص فيه وعن سبب حصر المكلفين في زمان الغيبة في القسمين مجتهد ومقلد وعن غير ذلك من المسائل المتفرقة ولما كان الكلام على وفق المجادلة كما هو المعروف في هذا الزمان لا يخلص عن شوايب الشكوك والشبهات لان دليل المجادلة اقل الدلالات فلاتفي لبيان كل الوجوه والاشارات فتبقي الوجوه الكثيرة خارجة عن الدلالة فالواقف في هذا المقام اذ ( اذا خل ) التفت الى تلك الوجوه وخروجها عن الدليل فيعترض ويورد البحث وينفي ما ثبت بالدليل الاول وهكذا غيره بالنسبة اليه ولا يمكن الخلوص من الشبهات الا بدليل الحكمة من قوله عز وجل ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وذلك الدليل الكلي الالهي ايضا غير معروف عند عامة الناس فيتسارعون ( فيتنازعون خل ) الى الانكار جعلت الكلام في جواب تلك المسائل على الامر بين الامرين وخلطت العالمين ليعلم كل اناس مشربهم ويعرف كل احد مطلبهم وهذا هو المراد من قوله ايده الله تعالى ولما كان جنابكم تابعا الى آخر كلامه
واما جعلكم الاخباري والاصولي ( الاصولي والاخباري خل ) فريقين من الفرق الثلثة والسبعين وجعل طريقتنا ممتازة عنهما ليكون فرقة ثالثة فغير صحيح كيف وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله على الكل بالنار والهلاك والكفر الا فرقة واحدة منهم كما قال صلى الله عليه وآله اتفاقا من المسلمين ستفترق امتي على ثلثة وسبعين فرقة فرقة في الجنة والباقون كلهم في النار وكيف يمكن ان يجعل الاخباري او الاصولي من هذه الفرق المختلفة التي نجاة احديهما مستلزمة لهلاك الاخرى مع ان ربهم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة وائمتهم واحدة هم الائمة الاثني عشر عليهم السلم وكذا ساير اعمالهم وعباداتهم ولم يخالف الاخباري ولا الاصولي شيئا يخالف اجماع المسلمين ليكفروا او اجماع الفرقة الاثني عشرية ليخرجوا عن مسلكهم وبعض الاختلافات الواقعة فيهم لا يخرجهم عن وحدتهم بل كلهم فرقة ناجية واحدة من الفرقة الشيعة الاثني عشرية واختلافهم في بعض الجزئيات انما هو من جهة عيب السفينة كما قال عز وجل حكاية عن الخضر فاردت ان اعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وقال عليه السلم انا الذي خالفت بينكم وقال عليه السلم راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم وليس اختلافهم في الضروريات حتى يؤدي الى ما قلت واقرار الاصولي بالاجماع ليس كما زعمه مخالفونا من اجتماع اهل الحل والعقد والا لما ساغ لهم مخالفتهم وانما اجماعهم هو الاتفاق الموجب للقطع بدخول المعصوم عليه السلم بين المتفقين او رضاه وهذا هو الدين المبين وكذا انكار الاخباري للاجماع ليس من جهة انه كاشف عن قول المعصوم عليه السلم ويعاندون فينكرون قول المعصوم عليه السلم حاشاهم عن ذلك وانما الكلام بينهم في الموضوع وتحقق هذا الاجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلم ويقولون ( فيقولون خل ) بعد ما فرض الكشف فالعمدة والاعتبار بقول المعصوم عليه السلم لا الاجماع فاذن لا حجة الا الكتاب والسنة والاصوليون يقولون طرق السنة مختلفة منها طرق قطعية وهي ما يحصل من التواتر المعنوي والاخبار المحفوفة بقراين القطع والاجماع ومنها طرق ظنية وهي بخلاف ما ذكرنا فمآل الاجماع الى السنة لكن بشرط عدم تمايز قول المعصوم عليه السلم عن قول المجمعين والا يكون ظنيا لقولهم عليهم السلم اني لا تكلم بكلمة واريد منها احد ( احد وخل ) سبعين وجها لي لكل ( وجها لكل خل ) منها المخرج فصح ان نزاعهم ليس من جهة ردهم لقول الامام عليه السلم وانما هو في اصل التحقق وكذا نزاعهم في العمل بالظن فان الاصوليين ما يعملون ( لا يعملون خل ) بالظن من حيث هو ظن وحاشاهم عن ذلك وانما يعملون به حيث ما دل الدليل القطعي عندهم على صحة العمل بذلك فح يعملون بالقطع ولا يعملون بالظن كما دل الدليل على العمل على الشك في الصلوة والوهم في الاشياء التي دل الدليل القطع على ان الاصل فيها الطهارة فلو ظن النجاسة ويحتمل الطهارة احتمالا مرجوحا يعمل على الاحتمال المرجوح لا الراجح الا اذا قطع بالنجاسة والظن كما في شهادة العدلين وامثال ذلك وبالجملة فالنزاع والخلاف بينهم ليس في الامور الكلية حتى يورث تباين المسلكين وانما هو لبعض الجزئيات لعدم الدليل عليه لبعض ووجوده البعض الآخر ( لبعض آخر خل ) وقد اذن لهم مولينا الكاظم عليه السلم بذلك حيث قال عليه السلم ما معناه امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه وامر فيه اختلاف فما ثبت لمنتحليه ( لمنتحليه من كتاب خل ) مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق لمستوضح تلك الحجة الرد اليه والتسليم له وما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له فما ثبت لك برهانه اثبتته وما خفي لك بيانه نفيته ه وهذا الاختلاف انما ساغ لهم ليسلم رقابهم عن شر الاعادي فكلهم فرقة واحدة من الفرقة الناجية التي في الجنة الا بسوء اعمالهم وفساد ضمايرهم ( ضميرهم خل ) وعقايدهم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واما طريقتنا في استنباط الاحكام الالهية هي كما ( الالهية كما خل ) اختاره الاصوليون من الاستدلال بالادلة الاربعة من الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل والشهرة والاستصحاب واصالة البرائة وامثالها من الادلة والاحوال الا ان في كل واحد من هذه الامور لنا ادلة من الحكمة تحتار ( تختار خل ) عندها العقول وتذهل لديها النفوس فمن وصل اليها فهي الرشد والهداية ومن لم يصل اليها فهذه الطريقة التي عليها فقهائنا المجتهدون هي المعمول بها وتلك الطريقة لا تخالف ما ذكروا رحمهم الله وبذلوا مجهودهم الا ان اهل الاستنباط لهم اذواق وحركات سريعة وبطيئة ومتوسطة
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول
والسلم
قال سلمه الله تعالى : ومن المسئلة الخامسة رفع الايهام ( الابهام خل ) من طبخ الحكماء الفلسفية وانا اعرفكم من الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب ولو انكم في اشد التقية وانا كك
اقول طبخ الحكماء الفلسفية انما ينضج بعد حلين وعقدين كما قالوا :
وحلان مع عقدين لا بد منهما وحلله واعقده واحلله واعقد
ولكن هذا الطبخ في هذه المراتب الاربعة لا يبلغ حد الكمال الا في اربعة ادوار الدور الاول طبخ العناصر وهو العمل المكتوم وهنا تنعقد النطفتان ويجتمع الزوجاة اي زوج واحد مع اربع ( اربعة خل ) زوجات الى ان تحصل النطفة من مني يمني من صلب الرجل وترائب المرأة قال الله عز وجل خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب الدور الثاني دور النبات من العلقة والمضغة والعظام واكتساء اللحم وتمايز الصور باخراج المياه الخمسة الدور الثالث دور الحيوان ومقام ( مقام انا خل ) انشاناه خلقا آخر وهو اذا ظهر القمر في فلكه الجوزهر ويخرج ثلثة من القوم المفسدين من المدينة الطيبة والقوم الجبارين من الارض المقدسة الدور الرابع دور الانسان ومقام البلوغ ووقوع التكليف ومحل ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك وهو اذا طلعت الشمس حاكية لجسد امير المؤمنين عليه السلم ويخرج القوم المفسدون من المدينة الطيبة قال عز وجل وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون الذين عقروا ناقة صالح فاذا دارت هذه الادوار على الادوار الاربعة الاول فهناك تتم العوالم الستةعشر ويظهر الوفق في المربع العددي والحرفي ويخبر عن الغايب والدفاين والخزاين عند تمام بيوت الرمل واما رفع الايهام ( الابهام خل ) فهو مما لا يجوز لان الله سبحانه ابي الا ان يستر هذه ( هذا خل ) العلم الا عن المستدرجين من الدين ( الذين خل ) قال عز وجل فيهم ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب اليم او عن العارفين الكاملين المعرضين عن الدنيا الدنية وليس غرضهم الا مشاهدة جلال الحق سبحانه وعظمته في كل شيء وهذا عالم مختصر من العالم الكلي فيه كل ما في العالم مشروحا مفصلا وفيه حقيقة الصنع من احوال البدو والعود ومعرفة الصانع بصفاته وافعاله وكيفية عبادته وحقايق الوجود واسرار الحق المعبود وهو الباطن الذي اشار اليه مولينا امير المؤمنين عليه السلم لما سئل عن ذلك وانه كائن ام لا فقال عليه السلم سألتموني عن اخت النبوة وعصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها وانا اعلم ظاهرها وباطنها وانه كان وكائن الى يوم القيمة وان من شيء الا وفيه منه اصل او فرع قالوا بين لنا يا امير المؤمنين قال عليه السلم ان في الاسرب والزاج والزيبق الرجراج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الاخضر لكنوز ( لكنوزا خل ) لا يؤتي عن آخرها قالوا زدنا يا امير المؤمنين قال عليه السلم وما هو الا ماء جامد وهواء راكد وارض سائلة ونار حائلة قالوا زدنا يا امير المؤمنين قال عليه السلم اجعلوا البعض ارضا واجعلوا البعض ماء وافلحوا الارض بالماء وقد تم قالوا زدنا يا امير المؤمنين قال عليه السلم لا زيادة على هذا فان الحكماء مازادوا عليه ولولا ان النفس امارة بالسوء لبينت ذلك حتى تعلمته الصبيان في المكاتيب ه وائمتنا عليهم السلم ما ذكروا هذا العلم الا مرموزا ولو جاز البيان لما ابهموا وهم الحجج البالغة على جميع الخلق نعم ذكروا لاهله بالاشارة والرمز فمن وفق لفك الرمز وصل الى حقيقة الكنز فلا بيان له الا مرموزا مع اني ما ذكرت في جواب تلك المسئلة هناك كله على الحقيقة وما رمزت فيه بشيء فيما سئل لانه سئل عن كيفية تبييض الثفل واخراج الجسد الجديد وكلما ذكرت فيه محكم الا ان العمل صعب لما قلنا لكم
وقوله سلمه الله وتطمئن قلوبهم بذكر الله اشارة الى قصة ابرهيم على نبينا وآله وعليه السلم حيث قال رب ارني كيف تحيي الموتي اي الاجسام الكثيفة الفاسقة ( الغاسقة خل ) المدلهمة الميتة التي لا حراك لها ولا تأثير ولا صنع ولا تدبير كثيف ( تدبير كيف خل ) تعطيها القوة والنشاط والحركة فيتحيي ( فتتحيي خل ) وتحيي الاموات وتجعلها ( تجعل خل ) ذهبا صافيا وفضة بالغة قال الله تعالى اولم تؤمن تقريرا وتثبيتا لابرهيم عليه السلم ليقول بلى ولكن ليطمئن قلبي بالمشاهدة والمعرفة والعلم ورؤية ذلك التدبير قال تعالى فخذ اربعة من الطير وهي الطاووس اي النار الحائلة والديك اي الهواء الراكد والحمامة اي الماء الجامد والغراب اي الارض السائلة فصرهن اليك اي اخلطهن وضم بعضهن مع بعض بانواع التعفين والتقطير ثم الرد الى التعفين بعد التقطير وهكذا الى تمام الدور الثالث ثم اجعل على كل جبل منهن جزء والجبال عشرة وخلف كل جبل قوم من المفسدين الا العاشر اذ ليس له خلف ولا قدام يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره فلا مقام للاختفاء وتلك الجبال هي التساقي التسع والمسقي
وذلك معنى قولهم ان واحدا سيغلب تسعا من بنات البطارق
ويريد ايده الله بذكر الله هو ذكر الله وهو الاسم الاعظم في عالم الاجسام كما ان رسول الله صلى الله عليه وآله هو ذكر الله والاسم الاعظم في كل العوالم قال تعالى وانزلنا اليكم ذكرا رسولا وقال امير المؤمنين عليه السلم على ما تقدم سألتموني عن اخت النبوة فيكون هذا المولود العزيز ذكر الله في هذا العالم لان ذكر الله حسن في كل حال واليه في هذا العالم اشار امير المؤمنين عليه السلم خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها واذا فارقت الاضداد شارك بها ( الاضداد فقد شاركت به خل ) السبع الشداد ه وهذا المولود قد فارق الغرائب والاعراض حتى شارك في الصفا والنورانية الافلاك فيؤثر تأثيرها لانه ذكر الله وحامل ولاية الله المنقطع عن نفسه الى الله ولذا سميته انا عبد الله والقوم سموه عبد الواسع وعبد الكريم
قال سلمه الله تعالى : فها انا ذا اعرض عليكم مسئلتين قد استنبطتهما لتحكم لي بالصواب او الخطاء احديهما مسئلة العلم استنبطتها من دعاء العديلة ولااعرف قائله بهذا الطريق الا شيخنا المصلح للمجتهدين اطال الله بقاه
اقول قد اصبت في هذه المسئلة واجدت وفقرة الدعاء كما فهمت ايدك الله صريحة في هذا المدعا حيث يقول عليه السلم كان قويا قبل ايجاد القدرة والقوة وكان عليما قبل ايجاد العلم والعلة اذ لا شك ان هذه القدرة هي القدرة المتعلقة المرتبطة بالمقدورات وهي الاضافة والوقوع وكذا العلم المتعلق بالمعلوم وهذا هو الوقوع الواقع في كلام مولينا الصادق عليه السلم كما في الكافي قال عليه السلم لم يزل ربنا عز وجل عالما والعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور والسمع ذاته ولا مسموع فلما وجدت الموجودات وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور ولا يستريب جاهل ان الواقع ليس هو الذات البحت والا لتغيرت حالتاها وهو مستحيل فاذا بطل كون التعلق عين الذات ثبت حدوثه اذ لا واسطة بين القدم والحدوث معقولة فالعلم المتعلق بالمعلوم ليس الا ظهور المعلوم للعالم ولا يعقل له معنى الا هذا وهذا الظهور انما هو قائم بالمعلوم لا العالم فالعالم هو الذات بالاشياء في الحدوث لا في الازل والا لكانت الاشياء ازلية كالمتكلم فان المتكلم هو الشخص لكن الكلام ليس واقعا في ذات الشخص وانما هو قائم في الهواء بفعل الشخص والعلم الحقيقي هو الذات البحت جل وعلا فذاته علم وذاته عالم كالقدرة والسمع والبصر لكن علمه الذاتي لا يقتضي معلوما كما صرح عليه السلم بانه عالم ولا معلوم ولا ندرك كيف ذلك ولا نعلم بما هنالك الطريق مسدود والطلب مردود فالعلم علمان علم هو ذاته وعلم هو خلقه وهو الواح الموجودات كاللوح والقلم وامثال ذلك فكان ( وكان خل ) عز وجل عليما في ذاته قبل ايجاد العلم الحادثة ( الحادث خل ) والعلة اي القدرة قال امير المؤمنين عليه السلم علة ما صنع فعله وهو لا علة له وقولكم لااعرف قائله بهذا الطريق اه نظر بظاهر الامر واذا امعنت النظر وجدت اجماع الفرقة المحقة عليه واجماع اهل البيت عليهم السلم عليه والقرآن مشحون بذلك بين نص وظاهر وذكر كلما ( كلما كان خل ) في القرآن والاخبار مما يدل على هذا المعنى يؤدي الى التطويل ومختصر القول فيه قوله عز وجل علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى وقوله عز وجل قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقوله عز وجل الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب وقوله عز وجل ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب وقوله عز وجل فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين وقوله عز وجل ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين وقوله عليه السلم اللهم اني اسئلك من علمك بانفذه وكل علمك نافذ اللهم اني اسئلك بعلمك كلها وقوله عليه السلم على ما في الكافي وعلم الله السابق المشية وقوله عليه السلم اما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حقه وقوله عليه السلم على ما تقدم في دعاء العديلة وقوله المتقدم ايضا فلما وجدت الموجودات وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم الحديث كما مر وحديث عمران الصابي صريح بالامر وبالجملة فمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد واعرض عن الجدال والعصبية وحمية الجاهلية لا ينظر الى حديث الا ويجده شاهدا واضحا لهذا المعنى وهذا كله لا ينافي قولهم المنعقد عليه اجماعهم ان علمه سبحانه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها واما اجماع اهل الحق اي الفرقة الناجية فاعلم انهم اجمعوا واتفقوا تبعا لاتفاق ائمتهم عليهم السلم ودلالة العقول المستنيرة بنور الله على ان علم الله سبحانه هو ذاته من غير فرض مغايرة ولو اعتبارا هو ذات هو علم بعين ما هو ذات بعين ما هو علم ولا يشكون فيه ابدا والشاك فيه خارج عن الفرقة الناجية وكذا اجمعوا واجمع كل عاقل من اهل الملل والنحل ان الاضافة لا قوام لها ولا تحقق الا بالمضاف والمضاف اليه فيستحيل عقلا ووجدانا بل احساسا ان يوجد الاضافة من غير الطرفين وان الاضافة لا استقلال لها الا بالطرفين ولا يشك عاقل ان العلم بالمعلوم اضافة وارتباط ولا يشكون على ان ( لا يشكون ان خل ) العلم الذاتي هو الذات فعلى هذا يجب ان تكون ذات الله اضافة فتبطل استقلالها فبطل ان تكون الذات اضافة اجماعا والعلم المتعلق ( المتعلق بالمعلوم خل ) اضافة اجماعا من العقلاء فكان العلم المتعلق غير الذات اجماعا ولا قوام له الا بالذات اجماعا فصح ان ذات الله عالم ولا معلوم اجماعا وهذا العلم هو الذي يقبل التشكيك ليصح قوله عليه السلام من علمك بانفذه ويقبل التعدد ليصح قوله وكل علمك نافذ وفي مقام الذات لا تعدد ولا اضافة ولا تشكيك ثم انهم اجمعوا ايضا على ان العلم يجب ان يكون مطابقا للمعلوم والا لم يكن علما اذ لا يعلم السواد بالبياض والبياض بالسواد واجمعوا على ان الله سبحانه يعلم ذاته على ما هو عليه ويعلم خلقه فان ( وان خل ) كان علمه بذاته عين علمه بخلقه والعلم يجب ان يكون مطابقا للمعلوم فيكون خلقه عين ذاته وذاته عين خلقه اذ يعلم ذاته بانه واجب غني ويعلم خلقه بانه ممكن فقير فاذا قلنا ان هذا العلم هو عين العلم الآخر وجب ان يكون الغني الواجب من حيث هو كذلك عين الممكن الفقير من حيث هو كذلك وهذا كفر اجماعا فوجب ان يكون العلم بذاته عز وجل غير العلم بخلقه فهل العلم الآخر حادث او قديم فان كان الثاني فهو الكفر الصريح لتعدد القدماء وتركيب الذات وزيادة الصفات فما بقي الا القول الاول فاذا كانت المقدمات اجماعية فالنتيجة ( والنتيجة خل ) اجماعية بالطريق الاولى الا ان الناس غير ملتفتين الى هذه الدقيقة ويتوهمون انهم اذا ارادوا ان يصنعوا شيئا يتصورون صورة ذلك الشيء اولا فيعلمونه بتلك الصورة التي عندهم ويزعمون ان هذه الصورة هي ذاتهم فيقولون ان الله سبحانه كذلك نعم هذا آية صنعه لكنهم مااحسنوا مشاهدة الآية وما عرفوا ان تلك الصورة وذلك الخاطر امر حادث بهم متأخر عن ذاتهم لانهم في مقام ذاتهم لا يذكرون شيئا سوى ذواتهم وبالجملة شرح القول في هذه المسئلة موكول الى شرح شيخنا واستادنا جعلني الله فداه لرسالة الملا محسن في العلم فان ما ذكره اطال الله بقاه شاف واف للاحياء والمرضي واما الاموات فما انت بمسمع من في القبور ومع هذا نقول ان علم الله بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها ولا منافاة في المقامين وبيان وجه عدم المنافاة وشرحه يحتاج الى ذكر مقدمات طويلة ولا يسعني الآن بيانه لما في قلبي من الملل والكسل ( الكسل والملل خل )
قال ايده الله تعالى : والثانية مسئلة شرب الغليان من عمومات الوجوه اكتفيت على احدها وهي ان التتن من الاشياء المرة الحنظلية قطعا وكلها انكرت ولاية ائمتنا عليهم السلم وانا اعرض عنه من هذه الجهة ولا احكم بالحرمة مثل بعض الاخباريين ولا على الوجوب مثل بعض المجتهدين اجركم على الله
اقول اعلم ان كلما برز في الوجود مما هو تحت مقام العصمة لما عرضت عليهم ولاية ائمتنا صلى الله عليهم ظهر فيهم اقرار من جهة وانكار من جهة اخرى ولا يخلو شيء من غير المعصومين عليهم السلم عنهما الا ان حكم الاقرار والانكار مختلف بالذاتية والعرضية والظاهرية والباطنية والحقيقية والمجازية والدوام والاستمرار والزوال والانقطاع والاضمحلال اي الاستقرار والاستيداع فكل شيء بقدر اقراره لولاية اهل البيت عليهم السلم ترتبت عليه المنافع والمحاسن وبقدر انكاره ترتبت عليه المضار فان غلب مضاره على منافعه يحرمه الله سبحانه من جهة المضرة اي في تلك الجهة خاصة لا مطلقا الا ترى ان شرب السم حرام اما استعماله من دونه ما لم تترتب عليه المضرة ليس بحرام فان لم تغلب مضاره على منافعه وان كان فيه من نوع مقتضيات الانكار كمرارة الطعم او قبح الرايحة فلا تقتضي الحكمة تحريمه اذ هذه الدنيا ليست بدار الخلوص عن الشوايب واهلها كنفسها فلا يلايم طباعهم الاشياء الخالصة بل لا بد فيه من نوع شوب ليتم النضج ولذا تدور الظلمة على النور والنور على الظلمة نعم اذا صفت الدنيا باهلها فهناك تصفو الاغذية والاحوال الواردة على الاشياء فاذا كان كك فلاتدل مرارة طعم شيء على تحريمه او كراهته اذ قد يكون هذا الطعم من جهة الانكار العرضي الغَيْر الذاتي ويكون باطن ذلك الشيء طيبا طاهراً مستلزما للمنافع الكثيرة التي اقوي من مضاره التي هي مقتضيات انكاره العرضي فلا يتعادل فضلا عن الرجحان حتى يستلزم الحرمة او الكراهة الاتري ماء زمزم فيه مرارة وكذا البئار الواقعة في الكوفة وكربلا على مشرفهما آلاف السلام واغلب العقاقير التي يداون بها الاطباء كلها مرة كالقاسني ( الهندباء ) والصبر وبعض الحناظل مع انها ليست بمحرمة ولا مكروهة الا اذ استلزمت المضرة الكلية فتكون حرمتها اذن خاصة لا عامة ولما كانت تلك المضار المورثة لهدم البنية الغالبة لمقتضى الاقرار امور غيبية لا يعلمها الا الله سبحانه ومن اشهده الله خلق السموات والارض وجب على الله سبحانه البيان فحيث لم يبين علمنا ان ليس فيه تلك المضرة الغالبة وتكون ( يكون ) حال تلك العقاقير المرة كحال الشيعي العاصي ظاهرا الطيب الطاهر باطنا ولذا وردت الاخبار ان الاصل في الاشياء الحلية والطهارة الا الامور المخصوصة التي غلبت مضارها على منافعها وهو قوله عز وجل ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهُما اكبر من نفعهما وهذه قاعدة كلية اجراها سبحانه لاهلها في الاحكام الكثيرة وعلى هذا فلا ينهض ما ذكرتم للحجية اذ لو كان هذا هو سبب الاجتناب فعليكم ان تجتنبوا من مياه الآبار وتتبرؤا من مياه الكوفة وتحبوا ماء الدجلة وماء بلخ وقد دلت الاخبار على ان نهر الدجلة ونهر البلخ كافران ونهر الفرات ونهر النيل مؤمنان والكوفة روضة من رياض الجنة وكذا كربلا على مشرفهما الثناء والتحية وتحقيق المقال وشرح حقيقة الحال يحتاج الى بَسْط طويل في المقال لانه من اسرار الخليقة الا ان العاقل تكفيه الاشارة وقولكم لااحكم بالحرمة كالاخباريين فيه انه ليس كلهم يحرمون ولا اغلبهم والمحرمون شرذمة منهم قد تمسكوا باخبار عامية لا تقاوم الاجماع القائم على الاباحة ولا يصلح لتخصيص خلق لكم ما في الارض جميعا وكل شيء لكم مطلق حتى يرد فيه نهي وامثال ذلك وبالجملة فالذي اخترتم هو الصواب لكن لا للدليل الذي ذكرتم بل لاجل امُور كثيرة اخر لا يناسب المقام لقول مولينا الصادق عليه السلم لا كلما يعلم يقال ولا كلما يقال حان وقته ولا كلما حان وقته حضر اهله والسلام على تابع الهدى وخشي عواقب الردي وصلى الله على محمد وآله الطاهرين