
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت سؤالات غامضة ومسائل مشكلة معضلة للمولي الاولى الجليل والسيد السند النبيل ذي الاخلاق الطيبة الرضية والمكارم السنية المرضية العالم العامل والفاضل الكامل جناب السيد حسن رضا بن سيد قاسم عليّ الاعرجي ( الاعرجي الحسيني خل ) وفقه الله لمراضيه وجعل مستقبل حاله خيرا من ماضيه واراد من الفقير الحقير المعترف بالقصور والتقصير جوابها ورفع حجابها وكشف نقابها على الحقيقة والواقع بما لا تناله ايدي الشكوك والاوهام ولا تدنو اليه مناقشات سفلة الاحلام وانا مع قلة البضاعة وعدم الاستطاعة وقصور الباع وقلة الاطلاع قد اتت المسائل ( مسائل خل ) في وقت قد تراكمت افواج الهموم وتلاطمت امواج الغموم واضطربت الخواطر على العموم مع زيادة تراكم الامراض وتصادم الاعراض وتشويش البال وتوفر الاختلال فاني للقلب والخاطر اقبال الى المقال فضلا عن كشف الحال وشرح حقيقة الاحوال وبيان دقايق الاسرار وذكر غوامض المعاني ودقايق الحقايق بكشف الحجب والاستار وقد احببت ان تأتيني في غير هذا الوقت لاؤدي بعض حقها من البيان واكشف نقاب الخفاء عن وجوه المعاني بمزيد التوضيح والتبيان ولكني في سعة مع من اخاطب فانه بدقيق فهمه وثاقب ذهنه تكفيه الاشارة ويستخرج غوامض الاسرار والمعاني في طي التلويحات ومعاريض اللغات فاكتفي بالاشارة وآتي بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور وجعلت سؤاله بالفاظه الشريفة متنا كما هو عادتي في اجوبة المسائل وجوابي كالشرح له ليطابق كل جواب بسؤاله ( لسؤاله خل ) ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل احد مطلبهم والله المستعان وعليه التكلان
قال سلمه الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لرب البرية والصلوة على رسوله محمد خير البرية وعلى عترته الطيبة الطاهرة الزكية المرضية اما بعد فيقول العبد الواثق بالله الغني حسن رضا بن قاسمعلي الاعرجي الحسيني الترمدي الهندي غفر الله لهما وتجاوز عنهما قد روى السيد الجليل والعالم النبيل السيد ابن طاووس اعلى الله مقامه ورفع في الجنان اعلامه في رسالة سماها بجمال الاسابيع عقيب صلوة جعفر الطيار رضوان الله عليه دعاء عظيم الشان كثير المعاني والبيان المشتمل على فقرات لطيفة وكلمات شريفة ما اوله يا من لا يخفى عليه اللغات وفي خلال عباراته هذه الفقرات : واسئلك باسمك الذي شققته من عظمتك واسئلك بعظمتك التي شققتها من كبريائك واسئلك بكبريائك التي شققتها من كينونتك واسئلك بكينونتك التي شققتها من جودك واسئلك بجودك الذي شققته من عزك واسئلك بعزك الذي شققته من كرمك واسئلك بكرمك الذي شققته من رحمتك واسئلك برحمتك التي شققتها من رافتك واسئلك برافتك التي شققتها من حلمك واسئلك بحلمك الذي شققته من لطفك واسئلك بلطفك الذي شققته من قدرتك الخ
اقول هذا الدعاء من مشهورات ادعية صلوة جعفر رضي الله عنه وقد روته علماؤنا الاعلام في عدة من كتبهم ومصنفاتهم مثل الشيخ الطوسي والسيد بن طاووس والكفعمي ( الكفعمي والكليني خل ) والمجلسي وصاحب كتاب منتخب الاذكار وغيرهم من علمائنا فهو بمحل من القبول عند علمائنا الفحول ولا راد له احد من اهل المعقول والمنقول ولا معارض له في شيء من الفروع ولا من الاصول فهو اذن لا شك فيه انه من آل الله وآل الرسول ( رسول الله خل ) صلى الله عليهم الا اني لم اعثر فيما اعلم على من تصدى لبيانه وتعرض لشرحه وتبيانه لصعوبة معانيه المشكلة وغموض خفايا اسراره المعضلة وقد ادرجوا سلام الله عليهم في هذا الدعاء لا سيما ( لا سيما في خل ) هذه الفقرات من المعاني والاسرار ما لا تدركه العقول والانظار ولا ( ولا تعيه خل ) الاسماع ولا تراه الابصار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وقد اعرض علماؤنا الابرار عن شرحه وبيانه وتوضيحه وتبيانه لعدم تحمل الناس وتمكن الوسواس الخناس في صدورهم لاجل التمويه والالتباس او لفقد المشاعر والحواس التي عليها يبنى هذا الاساس فان لكل مطلب يختص به مشعر خاص لا يدرك به غيره من ساير الحواس كالمسموعات فانها لا تدرك بالابصار والمبصرات فانها لا تدرك بالاسماع والناس مختلفون في فقد ( فقدان خل ) هذه المشاعر ووجدانه كالاعمى والاصم والسميع والبصير والمشاعر الباطنية على طبق المشاعر الظاهرية حرفا بحرف وقد قال مولينا الرضا عليه السلام على ما في عيون الاخبار ( العيون خل ) في حديث عمران الصابي قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا او انهم ما اعطوا العبارة للبيان ( للبيان وان كانت المعاني عندهم باوضح التبيان خل ) فان هذه العلوم المندرجة ( المندرسة خل ) في ضمن هذه الفقرات من احكام الاشتقاقات على هذه الانحاء والاطوار والترتيب ( الترتب خل ) مما تعرف وتعلم بدليل الحكمة كما في قوله عز وجل ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن واني لكافة الناس والوصول الى سبيل هذا الدليل اذا ( اذ خل ) ما طلبوا به الغاية وما وصلوا به الى النهاية ( النهاية وخل ) هو دليل المجادلة بالتي هي احسن وهو لا يوصل الا الى الظواهر والرسوم التي هي مأوى اهل العموم ولا ينكشف به دقايق حقايق العلوم التي ( التي هي خل ) لاهل الخصوص على العموم وهؤلاء لعمري قليلون وفي جلابيب الخفاء مستترون محتجبون ( مستورون محجوبون خل ) وقد قال الشاعر :
لله تحت قباب العرش ( الارض خل ) طائفة اخفاهم عن عيون الناس اجلالا
قال سلمه الله تعالى : ولما كانت المعاني المقصودة من هذه الكلمات الطيبة من المطالب الغامضة والمقاصد الصعبة التي لم ينكشف عن وجوهها لثام الحجاب ولم يرفع عن عرايسها المستورة النقاب ولم يفض بكرها الا الراسخون في العلم واولوا الالباب من الائمة النجباء النقباء الامناء الاطياب او العارفون بكلامهم والآنسون بمذاقهم ومرامهم من العرفاء العلماء الذين هم ورثة الانبياء بلا شك ولا ارتياب
اقول اعلم ان لكلامهم عليهم السلام من الادعية والخطب وساير الاحاديث ثلثة وجوه من المعاني :
الوجه الاول : يختص بهم عليهم السلام وهم المتفردون في فهمه وادراكه دون غيرهم كما قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتّى الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان الحديث وهذا لهم خاصة دون ساير الخلق وهم ( هو خل ) على ثلاثة اقسام :
قسم هو خاص بهم ليس لاحد فيه نصيب لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن وذلك لامتناع الوصول اليه واستحالة الدنو منه لان الكلام على مقتضي عقل المتكلم وقد دلت الادلة القطعية ( القطعية على خل ) ان عقلهم عليهم السلام هو عقل الكل الاول ( هو العقل الكلي الاولى خل ) الذي خلقه الله سبحانه قبل الخلق وقبل الكون والمكان والزمان فاستنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي وجلالي ماخلقت خلقا احب الى منك ولا اكملتك الا في من احب وقد ثبت بالدليل القطعي من العقلي والنقلي ان عقول الخلق ومداركهم ومشاعرهم انما خلقت من شعاع نور العقل الاول كما قال بعض العلماء شعرا :
ستعرف ان العقل والنقل واحد وذلك معلوم بحكم الضرورة
ببرهان ان العقل نور نبينا وذلك كلي باصل الحقيقة
وان عقول الانبياء وحزبهم واشياعهم من شمسه كالاشعة
وقد اقمنا على ذلك براهين قطعية والسنة والدلالة العقلية ( براهين قطعية من الكتاب والسنة والادلة العقلية خل ) في الرسالة الموضوعة في بيان العلل ( العلل الاربع خل ) فمن اراد الوقوف على حقيقة الامر فليطلب ثمة فاذا كانت مشاعر الخلق من اشعة العقل الكلي وهو عقلهم عليهم السلام استحال للشعاع ان ينال ما يناله حقيقة المنير والا كان الشعاع منيرا هذا خلف فللمنير مقام ليس للشعاع فيه نصيب وان بلغ في الترقي ما بلغ ( ما بلغ فانه انما يترقي في شعاع خل ) وهو وجه واحد للمنير فطلبه ما عند المنير طلب للمحال ( عند المنير محال خل ) ووقوع في الزوال والاضمحلال ( زوال واضمحلال خل ) فثبت انه ( ان خل ) لكلامهم (ع) معنى يختصون به عليهم السلام ليس لاحد فيه ( فيها خل ) نصيب
وقسم آخر يعلمون من يشاؤن بان يرقوه بعناية خاصة لا تشمل غيره وليست لكل احد طلبها ولذا قالوا عليهم السلام في جواب من قال فمن يحتمله قال عليه السلام من شئنا وهؤلاء الذين شملتهم عناية خاصة بتعليم خاص لولا ذلك لم يدركوه ولم يعلموه
وقسم ثالث جعلوه عليهم السلام حظ القلوب الصافية والحواس المجتمعة والمشاعر الغير المضطربة فلولاها لم يكن ادراك تلك المعاني وتلك الاسرار والحقايق وان بلغوا في علو المرتبة وسمو المقام لما ( ما خل ) بلغوا فان لاجتماع القلب وسكون الخاطر ( الحواس خل ) شان لا يضاهيه شان ومقام لا يدانيه مقام والاشارة الى المقامات ( مقامات خل ) الثلثة في قول مولانا الصادق عليه السلام ما معناه ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتّى الملك المقرب والنبي المرسل او ( وخل ) المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام نحن وفي رواية من شئنا وفي رواية او مدينة حصينة وهي القلب المجتمع فجاءت الرواية المذكورة شارحة للمقامات المزبورة والعقل ايضا شاهد على هذه المقامات المسطورة
الوجه الثاني : يختص باناس مخصوصين من المؤمنين الممتحنين والانبياء والمرسلين ( الانبياء المرسلين خل ) والملائكة المقربين كما نطقت به اخبار كثيرة وروايات عديدة قد عقد الكليني ثقة الاسلام (ره) بابا في هذا المعنى وذكر عدة روايات بمضمونه وفي هذا المقام اربع مقامات :
الاول لاكابر الانبياء المرسلين من اولي العزم في مقاماتهم ومراتبهم ولهم فيها مراتب عديدة كمعرفتهم في مقام الاسرار وفي مقام الانوار وفي مقام الارواح وفي مقام الاشباح وفي مقام الاظلة ( الامثلة خل ) والذر وغيرها من المقامات والمراتب التي اغلبها لم نذكر خوفا للتطويل وصونا من اصحاب القال والقيل
الثاني لاواسطهم من غير اولي العزم من الساكنين في البيت المعمور والسقف المرفوع وهم الخواص الذين ادركوا الحقايق من كلماتهم عليهم السلام بترك المجازات واثبتوا المجازات لفقد الحقايق وهم المعنيون في الباطن في قوله عز وجل واوحى ربك الى النحل وهم منتحلوا العلوم والاسرار والمعارف ان اتخذي من الجبال اي من احكام الولاية الظاهرة في عليّ امير المؤمنين عليه السلام وهو الجبل المحيط بالعالم والجبل الذي هو وتد الارض في قوله تعالى والجبال اوتادا وهو جمع في صورة الافراد ومفرد في حقيقة الجمع ويشهد عليه آية الولاية في قوله تعالى الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون اتى بصورة الجمع واراد ( والمراد خل ) المفرد وقوله تعالى اولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في تفسير النبي صلى الله عليه وآله اما النبيون فانا واما الصديقون فاخي عليّ بن ابي طالب الحديث بيوتا اي قواعد كلية وقوانين الهية تجتمع عندنا ( عندها خل ) وتستخرج منها احكام الجزئيات واطوار العلوم في انحاء الخصوصيات ومن الشجر وهي احكام النبوة المطلقة الظاهرة في رسول الله صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله انا الشجرة ( الشجرة وهو المعنى من قوله تعالى خل ) يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ومما يعرشون وهم الحقايق المتحصلة من اتصال خاتم النبوة بخاتم الولاية ومبدؤهم اللؤلؤ والمرجان في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فباي آلاء ربكما تكذبان وبالجملة قد امتثل ( اشتمل خل ) هؤلاء الاكابر قوله عز وجل فوقفوا بالباب ولاذوا بذلك الجناب ( بالجناب خل ) وعلموا ان العلوم كلها بقضها وقضيضها انما تحصلت وتأصلت وتحققت وتشيأت ( نشأت خل ) من مزج هذين البحرين واختلاط ذين الطتنجين وقد قال امير المؤمنين عليه السلام انا الواقف على الطتنجين وشرح هذا المقام طويل ولا يسعنا ( لا يسعني خل ) الآن اكثر من هذا والاشارة كافية لاهلها ولاهل هذه المرتبة مقامات عديدة ومراتب كثيرة حسب وقوفهم عند مشعر من المشاعر الغيبية والشهودية
الثالث لاخص الخواص وهم الخصيصون من المؤمنين الممتحنين وهم نالوا ما رشح من الانبياء عليهم السلام في المقام الثاني بل الثالث على ذواتهم وحقايقهم فذواتهم رشحة من تلك الرشحات فاين هم حينئذ من الاصل الثابت البات ( النابت خل ) واين الثريا من يد المتناول وقد اقيمت البراهين القطعية على ان الانبياء خلقت من شعاعهم الرعية واين الشعاع من المنير فما عند الرعية وان بلغت في الترقي ما بلغت شعاع ورشح من الانبياء كيف ما كانوا من اولي العزم وغيرهم والمرسلين وغيرهم وما سمعت في الاحاديث من مساوات المؤمنين الممتحنين مع الانبياء والمرسلين في ادراك العلوم والمعارف والاسرار فليس ذلك من جهة تساويهم معهم في الرتبة او ( وخل ) في مقدار المعرفة بل انما هي لاجل متابعتهم وحكايتهم لمثالهم ومحاذاتهم لعزة جلالهم لا بمعنى لحوقهم في مرتبتهم كما تسمع من اهل النجوم من جعل السيارات في البروج مع ان فلك البروج هو المكوكب فاذا حاذي كوكبا ( كوكب خل ) كالقمر مثلا الذي هو اسفل الكواكب برج الحمل الذي في فلك البروج قالوا ان القمر في برج الحمل ولا شك ان القمر ماصعد من مكانه الا ان الحكم جري عليه من باب المحاذات لا الحقيقة الواقعية وهذا معنى ما ورد ان من عمل العمل الفلاني كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في درجته او مع امير المؤمنين عليه السلام في درجته اذ لا يراد به الدرجة الحقيقية كيف وقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يطمع في ادراكه طامع والله سبحانه وتعالى يقول وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون فافهم فقد اطلعتك على باب من العلم ينفتح منها الف باب والله ملهم الصواب ( اعلم بالصواب خل )
الرابع للخواص من المؤمنين الممتحنين وهم الذين عرفوا باطن القرآن وسره ولم يعثروا على باطن باطنه وسر سره وكذلك في احاديثهم عليهم السلام فقد عرفوا بطي الاشارات وضمن التلويحات ومعاريض اللغات ما لا يسعه ( ما يصفه خل ) وصف واصف وحكم الملائكة في المراتب والتفاوت حكم المؤمنين الممتحنين مع الانبياء والمرسلين لان الشيعة المخلصين اصلهم ومنشأهم ومنتهاهم وقد قالوا عليهم السلام في عدة روايات في بيان الخلق الاول فسبحنا ( فسبحنا فسبحت شيعتنا خل ) فسبحت الملائكة وقدسنا وقدست شيعتنا وقدست الملائكة وكبرنا وكبرت شيعتنا فكبرت الملائكة الحديث فاذا عرفت ذلك عرفت ما في قولكم من اتصال ( الاتصال خل ) العارفين بكلامهم من العرفاء العلماء بالائمة النقباء النجباء من الاجمال فان الاتصال وان حصل الا انه صوري كاتصال الحاصل بين الشعاع والشمس واما في الحقيقة فلا نسبة ولا ارتباط فان الذي عندهم عليهم السلام لا يصل الى غيرهم وهم البئر المعطلة والقصر المشيد وقد قال الشاعر ونعم ما قال وقد اجاد في المقال :
بئر معطلة وقصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى والبئر علمهم الذي لا ينزف
الوجه الثالث - يختص بعامة ( لعامة خل ) الناس من المكلفين كما قالوا عليهم السلام نحن لانخاطب الناس الا بما يعرفون وهؤلاء ( هؤلاء هم خل ) العوام من اهل المجادلة بالتي هي احسن ولهم مقامات كثيرة ومراتب عديدة حسب وقوفهم في مقام مشعر من المشاعر وهي لا تحصى ولا تتناهى يتفاوتون في الفهم والادراك والسعة والاحاطة القشرية الا ان كلياتها عشرون مقاما اعلاها الواقف مقام النفس المجردة واسفلها مقام التراب وبينهما متوسطات فما يلي الاشرف اشرف وما يلي الاخس اخس واما المقامات فنعدها بالاجمال لاداء التفصيل الى التطويل وعدم مساعدة الوقت مع الزمان القليل وهي النفس والطبيعة والمادة والمثال وجسم الكل والعرش والكرسي وفلك البروج وفلك المنازل وفلك زحل وفلك المشتري وفلك المريخ وفلك الشمس وفلك الزهرة وفلك عطارد وفلك القمر وكرة النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب وانما ذكرنا هذه الكلمات تفصيلا لاجمال كلامكم ولانها كالمقدمة لما سنذكره انشاء الله تعالى في الاجوبة والله ولي التوفيق
قال سلمه الله تعالى : وقد كانت تختلج بخاطري الفاتر شكوك وشبهات في معاني هذه الكلمات التامات الزاكيات فاردت ان اعرضها على من يكون بيانه الشافي يشفي العليل وتبيانه الوافي يروي الغليل فماوجدت اليق بهذه المسئلة واحرى بحل عقد تلك المعضلة الا السيد السند السديد الجليل والعالم العامل الكامل النبيل العارف الماهر العريف والفاضل المتبحر الغطريف البحر الزاخر والسحاب الماطر فخر العلماء وشرف العرفاء هو الذي باعه في العلوم طويل وله في كشف دقايق الاحاديث الصعبة وفي حل عقد اسرار الاخبار المعضلة شان جليل اعني المولى الاولى الاجل الاكمل الافخم ذا المحامد والمناقب والمفاخر والمكارم مولينا العلام الفهام السيد كاظم متعنا الله وجميع المستفيدين بكثرة افاداته واجرى في اودية قلوبنا ينابيع افاضاته فالمامول من جنابه الكريم ان يكشف لي من شواهد المعاني نقابها ويرفع عن وجوه الدقايق والحقايق استارها وحجابها لنهتدي بها هدي المهتدين ونكون على ذلك من الشاكرين
اقول هو سلمه الله تعالى ظن السراب ماء والصدا صوتا واللاشئ شيئا ولكن الله سبحانه وتعالى عند ظن كل امرئ من ظن بحجر خيرا القي الله الخير ( الخير به خل ) اليه رب لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون وما اردتم من كشف النقاب عن شواهد المعاني ورفع الحجاب عن وجوه دقايق حقايق المباني فاعلم انه قد قال مولانا الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حان وقته ولا كل ما حان وقته حضر اهله وقد سئل امير المؤمنين عليه السلام عن مسئلة فاجاب عنها ثم سئل ثانيا فاجاب عنها ثم سئل ثالثة ( ثم سئل عنها ثالثا خل ) فقال عليه السلام ما كل ما يعلم العالم يقدر ان يفيده ( يفسره خل ) فان من العلوم ما تحتمل ومنها ما لا تحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل وقد قال مولينا سيد الساجدين عليه السلام في الابيات المنسوبة اليه :
اني لاكتم من علمي جواهره كيلا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابو حسن الى الحسين ووصى قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو ابوح به لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون اقبح ما ياتونه حسنا
فاذا تأملت في هذه الروايات وما قدمنا من الكلمات يظهر لك انه لا يمكن التصريح في كل مطلب والتوضيح في كل مقصد خصوصا علم هذا الدعاء الشريف الذي هو من غامض العلوم والاسرار ومنطو على حقايق الحكم والانوار وهي لا تعرف ولا تنال الا بدليل الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا واقلها دليل الموعظة الحسنة ولا تعرف بالمجادلة بالتي هي احسن التي هي المشتهرة الآن بين الناس من العوام والخواص والا لكان علم هذا الدعاء وامثاله من الادعية الغامضة والخطب الصعبة المستصعبة عند الناس من اوضح الواضحات وابين البينات لانه جار على مذاقهم وسار على طريقتهم ومنوالهم مع ان الامر ليس كذلك وانت تعلم ببديهتك ان الدعوي نتيجة للدليل والنتيجة تابعة للمقدمات فتكون على وفقها وطبقها فلا يمكن ان تكون الدعوى باطنية ( باطنيا خل ) والمقدمات ظاهرية او بالعكس كما لا يمكن في العادة ان يكون الوالدان انسانين والنتيجة التي هي الولد حمارا او كلبا وهذا ظاهر معلوم انشاء الله تعالى فاذن لا يكون الدليل والبيان الا على طبق الدعوي والنتيجة فان كانت الدعوي ظاهرية فالدليل ظاهري وان كانت باطنية سرية فالدليل كذلك وهو معنى قوله عليه السلام وسر لا يفيده الا سر وسر مقنع بالسر هذا مع ما ترى في هذا الزمان من ان الجور قد مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعي الغي اتباعه فكثر مجيبوه وعظم ملبوه فمدار الكفر والايمان على علمهم وجهلهم والحق والباطل على خيالهم وفهمهم المعروف ما عرفوا ( عرفوه خل ) والمنكر ما انكروه فاذا وجدوا شيئا يخالف فهمهم تلقوه ( يلقوه خل ) بالانكار ورموا صاحبه بالكفر والالحاد كانهم لم يسمعوا قوله تعالى ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا وقوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تاويله وقوله تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم بلى ( بل خل ) قد سمعوها ووعوها ولكن قد احلولت الدنيا في اعينهم وراقهم زبرجها والى الله المشتكى فحينئذ فما عسى ان نقول فلا يسع الكلام الا بالتلويح والاشارة صونا عن الاغيار وحفظا عن صفوة شوب الاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وقد قال مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره فليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا والله ولي التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله : لما كانت تلك الشبهات ناشئة من مقدمات عديدة مسلمة عند القوم وقواعد مقررة مضبوطة بلا شك ولا ريب ولا لوم ونذكر اولا تلك المقدمات بلا تعرض للحجة والدليل معرضا عن ذكر ادلتها خوفا من التطويل وها انا اشرع في المقدمات وهي ستة الاولى ان صفاته تعالى شأنه عين ذاته المقدسة والثانية ان المشتق والاشتقاق هو القطع والانقطاع اقتطاع الفرع من الاصل الثالثة ان المشتق غير المشتق منه الرابعة ان المشتق منه اصل للمشتق والمشتق فرعه الخامسة ان المشتق منه مقدم على المشتق السادسة ان المشتق من الشيء المشتق من الشيء الآخر هو المشتق من الشيء الآخر وهكذا الى سبعة وسايط بل الى الف واسطة
اقول هذه المقدمات كلها صحيحة مسلمة لا شك فيها ولا ارتياب فالمنكر المتوقف في احدي هذه المقدمات مكابر لعقله ومعارض لوجدانه ولكن هنا مقدمة اخرى سابعة لا بد ان تضم بهذه المقدمات ليظهر الحق الثابت البات وتزول الشكوك والشبهات ويرتفع الاشكال والاشتباهات وهي ان الصفة على قسمين ذاتية وفعلية والذاتية هي عين الذات والفعلية حادثة بحدوث الفعل عند التعلق بالمفعولات مثلا اذا قلت زيد ناطق والناطق ( فالناطق خل ) صفة ذاتية لزيد عين ذاته او جزء ذاته لا يمكن تحققه بدونها فتدور مع زيد وجودا وعدما واذا قلت زيد قائم فالقائم صفة لزيد فعلية ( فعلية وخل ) متحققة عند تعلق فعله بالقيام فقبل هذا التعلق لم يكن لهذه الصفة وجود ولا ذكر ولا رسم مع ان موصوف هذه الصفة هو زيد كما ان موصوف صفة ناطق هو زيد الا ان الفرق بينهما ان زيدا في الصفة ( صفة خل ) الذاتية بذاته وكنه هويته موصوف تلك الصفة بخلاف الصفة الفعلية فانه فيها موصوف باعتبار ظهوره بالفعل لا بالذات بل في الحقيقة والواقع موصوف تلك الصفة هو الفعل المتقوم بالذات لا حقيقة الذات البحت ولذا قالوا انها صفات الفعل لا صفات الذات ولكن لما كان الفعل مضمحلا عند ظهور الذات نسبت الصفة الى الذات لاجل اضمحلال موصوفها وغيبته عند ظهور الذات كاضمحلال نور السراج عند ظهور نور الشمس فنسبة صفات الفعل الى الذات لاجل اضمحلال موصوفها لا لان الذات هي الموصوفة لتلك الصفات ليجري عليها النفي والاثبات او يعتريها تغير الحالات وتختلف بحسب النسب والاضافات وذلك معلوم بضرورة مذهب الشيعة فان صفاته تعالى منها ما يثبت وينفي ومنها ما ليس كذلك كما تقول شاء ولم يشأ واراد ولم يرد وخلق ولم يخلق واحيي وامات وشاء وكره وغفر وعذب وانعم وعاقب فلو كانت هذه الصفات عين ذاته تعالى والصفة الذاتية هي ذاته بلا مغايرة يلزم عند اثباتها اثبات الذات وعند نفيها نفيها وهذا في البطلان بمكان فوجب ان تكون هذه الصفات للافعال وتوصيف ( يوصف خل ) الذات بها لاجل اضمحلال موصوفها عند ظهور الذات ولذا قالوا ان الذات غيبت الصفات ولا شك ولا ريب ان الصفات الفعلية حادثة بحدوث الفعل عند التعلق ( تعلق خل ) بالمفعول فاذا كانت حادثة تجري عليها صفات الحوادث من الشق والاشتقاق و( مع خل ) القطع والاقتطاع والوصل والانفصال والرتق والفتق وامثال ذلك الا ان جريانها في الصفات الفعلية الحادثة اشرف وابسط واقرب الى الوحدة والبساطة من جريانها في غيرها من المفعولات ضرورة ان المفعول اثر للفعل وتطرق الكثرة والاختلاف في المفعول الاثر ( للاثر خل ) اكثر منه في الفعل المؤثر اذ لا يجري عليه ما هو اجراه فافهم واتقن هذه المقدمة فانها باب من ابواب العلوم المكنونة ثم ان هنا مقدمة اخرى ثامنة وهي متممة لتلك المقدمات ومزيلة للشكوك والشبهات وهي ان اللفظ قد يطلق ويراد به الذات او صفة من الصفات الذاتية وقد يطلق ويراد به الفعل او صفة من الصفات الفعلية اما من باب الحقيقة بعد الحقيقة ان قلنا ان الذات يصح ان يوضع بازائها اسم او لفظ او من باب التعبير كما في ( التعبير في خل ) الاول كما في قوله عليه السلام واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وذاته حقاقه وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه ومن باب الحقيقة في الثاني او من باب الحقيقة في الاول سواء كان للذات البحت كما هو مختار قوم او للذات الظاهرة كما هو عند اهل البيت عليهم السلام ومن باب المجاز في الثاني كما هو المعروف المشهور عندهم وعلى اي حال هذا الاطلاق على هذا النمط شايع ذايع في القرآن وفي كلمات اهل البيت عليهم السلام واطلاقات العلماء الاعلام مثلا لفظ العلم يطلق ويراد به ذات الله سبحانه وتعالى ويعد من الصفات الذاتية التي هي عين ذاته بلا فرض المغايرة وقد يطلق ويراد به الفعل والمشية وقد يطلق ويراد به الحقيقة المحمدية وقد يطلق ويراد به ما في اللوح المحفوظ وقد يطلق ويراد به ما في الالواح الجزئية لوح المحو والاثبات اما الاول فكما في قوله عليه السلام على ما رواه ثقة الاسلام في الكافي وعلم الله السابق المشية واما الثاني فكما في قوله عليه السلام في حديث جابر الى ان قال عليه السلام واما المعاني فنحن معانيه ونحن علمه ونحن حكمه ( كلمته خل ) ونحن حقه الحديث واما الثالث فكما في قوله تعالى المتعلم ان الله يعلم ما في السموات والارض ان ذلك في كتاب وقوله تعالى قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وقوله تعالى فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب الآية والكتاب اما هو اللوح المحفوظ او القرآن والاول هو الاشهر في الروايات وعند المفسرين واما الرابع فكما في قوله عليه السلام ان لله علمين علم علمه ملائكته وعلم استاثره في علم الغيب عنده وقد عقد الكليني والمجلسي رحمهما الله في الكافي والبحار بابا لبيان هذين العلمين واوردا اخبارا عديدة في ذلك وقوله عليه السلام في دعاء السحر اللهم اني اسئلك من علمك بانفذه وكل علمك نافذ ولا ريب ولا شك ان ذات الله لا تقبل التشكيك والمعلوم لا يوصف بالنفوذ بالبديهة وقوله تعالى فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين وقوله تعالى ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب وامثالها بالآيات ( من الآيات خل ) والروايات في انحاء الاطلاقات ولا شك ان المراد من هذه الاطلاقات كلها حادث لا يجري على القديم مع ان العلم من الصفات الذاتية بالضرورة عند جميع اهل الاسلام فيكون لهذا اللفظ اطلاقان اطلاق يراد به القديم والآخر يراد به الحادث ففي الاول هو من الصفات الذاتية وفي الثاني هو من الصفات الفعلية حادث تجري عليه صفات الحادثات وهكذا القول في القدرة فانها مرة تطلق وتراد ( يراد خل ) بها الذات فتكون حينئذ من الصفات الذاتية ومرة تطلق وتراد بها القدرة الظاهرة في المخلوقات المقترنة بها تكون حينئذ من الصفات الفعلية ( الفعلية وهو ظاهر معلوم ان شاء الله خل ) كما في قوله عليه السلام في دعاء السحر اللهم اني اسئلك بقدرتك التي استطلت بها على كل شيء وكل قدرتك مستطيلة وكل سور موجبة كلية يقتضي تعدد الافراد والقول بتعدد الذات باعتبار الفعل زندقة محضة فلم يبق الا القول بان هذه القدرة هي القدرة الظاهرة في المقدورات الواقعة عليها المقترنة بها فتكون من الصفات الفعلية وهو ظاهر معلوم انشاء الله تعالى وهكذا القول في العظمة والجلال والكبرياء والقدس والبهاء وامثالها من معاني الصفات ومبادي المشتقات فانها كلها يطلق على الوجهين وقد شرح دعاء السحر هذا المعنى الذي ذكرناه باكمل شرح واوضح تبيين فراجع فيه وتأمل تجد ما نقوله ظاهرا واضحا فافهم موفقا راشدا واشرب عذبا صافيا
قال سلمه الله تعالى : فاذا تمهدت هذه المقدمات فنقول الاول : ما المراد من هذه الكلمات الشريفة وما ظاهرها وما باطنها وهل المراد من الاسم المشتق من العظمة هو الاسم المبارك العظيم والمشتق من الكبرياء بواسطة العظمة هو الاسم الشريف الكبير وهكذا الى الآخر ام غير تلك الاسماء
اقول اما الكلام في الاشتقاق وبيان خصوص معاني هذه الصفات وانحاء اطلاقاتها وجريان احكامها في مجاري مواردها ومصادرها فسيجيء في محلها المسئول عنها مستوفي واما بيان هذه الكلمات والمعاني المودعة في هذه الفقرات
فاعلم اولا ان ذات الله سبحانه وتعالى كما علم من ضرورة الاسلام وبداهة الفرقة المحقة لا يشتق من شيء ولا يشتق منه شيء ولا فيها تقدم ولا تاخر ولا تكثر ولا نسبة ولا ارتباط ولا اعتبار ولا جهة ولا كيف ولا حيث ولا مفهوم ولا مصداق ولا انتزاع ولا تعدد بوجه من الوجوه لا في الفرض ولا في الاعتبار ولا في الواقع والحقيقة ولا في الاحكام ( احكام خل ) النفس الامرية بل هو واحد احدي الذات والصفات بكل الجهات والاعتبارات وان الصفات الذاتية هي عين ذاته البسيطة الاحدية بلا فرض المغايرة لا مفهوما ولا مدلولا ولا مصداقا ولا اعتبارا فانقطع الكلام في ذاته تعالى وكذا في صفاته الذاتية فان الكلام فيها بعينه هو الكلام في الذات لعدم فرض المغايرة ولا تجري عليها الاشتقاق ( ولا يجري عليها الاشتقاقات خل ) والتفريع والتقديم والتاخير كما عرفت في المقدمة السابعة وانما الاشتقاق والتقديم والتاخير في الصفات الفعلية التي هي من اشرف الحوادث واعلاها واقدمها واسناها وقد عرفت ايضا في المقدمة الثامنة ان الالفاظ التي تطلق وتراد بها الصفات الذاتية قد تطلق وتراد بها الصفات الفعلية على ما فصلنا ( فصل خل ) لك آنفا فاذن فالمراد من العظمة والكبرياء والجود والعز والقدرة وامثالها المذكورة في هذه الفقرات من الصفات الفعلية لا الذاتية فاذن يصح فيها هذه التفريعات وتجري عليها هذه الاشتقاقات وان كانت هذه الالفاظ تطلق وتراد ( تراد بها خل ) عين الذات البحت تعالى وتقدس ولا منافاة بين الاطلاقين كما مر
وثانيا ان تعدد الصفات الفعلية انما يتحقق بتعدد ظهور الفعل بتعلقه بالمتعلقات الخاصة والمفعولات المشخصة مثلا اذا تعلق فعلك بالقيام اشتق لك وظهر الاسم القائم واذا تعلق بالقعود ظهر الاسم القاعد واذا تعلق بالكلام ظهر الاسم المتكلم وهكذا تتعدد اسماؤك ويتكثر ( تتكثر خ ) بتعدد متعلقات افعالك وتعدد مجاري صنعك وآثارك والفعل واحد وتعدده بتعلقه على حد ما قال الشاعر :
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
فهذه الاسماء كلها مشتقة من الفعل ومتفرعة عليه ولذا كان الفعل اصلا في الاشتقاق وهو العامل في الاسماء كلها مطلقا مشتقة كانت او جامدة على ما هو الحق في المسئلة فظهر لك من هذا البيان ان صفات الله سبحانه وتعالى الفعلية انما تتعدد وتختلف وتتكثر بتعدد الآثار واختلاف المصنوعات فله بعدد كل اثر اسم واشتق ( اثر اسم مشتق خل ) من فعله المتعلق به فلا نهاية لاسمائه ( للاسماء خل ) اذ لا نهاية لآثاره الا ان الاسماء تختلف بالعظام وغيرها كما شرحنا وفصلنا في مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وفعله تعالى واحد على كل حال كما قال عز من قائل وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وقال ( وكما قال خل ) تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت
وثالثا انه تعالى وان كان قادرا ان يوجد الاشياء من الاسباب والمسببات والعلل والمعلولات والمتممات والمكملات وسائر اطوار الكاينات واوطار الموجودات الممكنات دفعة واحدة بلا تقديم ولا تاخير ولا قبلية ولا بعدية ولكنه سبحانه اقتضت مصلحته وسبقت كلمته ونفذت مشيته ان يجعل للاسماء ( للاشياء خل ) عللا واسبابا وشرايط ولوازم يجريها على حسب اسبابها وشرايطها ولوازمها وصارت الاشياء بتدبير الله سبحانه بعضها يتفرع على بعض وبعضها يتقدم على الآخر وتكون للاشياء اسباب ووسايط كثيرة هي اصل بالنسبة الى ما بعدها وفرع بالنسبة الى ما قبلها كما في الزيارة لامير المؤمنين عليه السلام السلام على الاصل القديم والفرع الكريم الزيارة ولما كانت هذه الاسباب والوسايط كلها حادثة لا بد من تعلق فعل المحدث به فيكون المتعلقات الفعلية ايضا بعضها متفرعا على بعض ومشتقا عن الآخر كما ترى اشتقاق الفعل المضارع عن الفعل الماضي واشتقاق ساير الافعال عنه على ما ياتي تفصيله ان شاء الله تعالى
ورابعا بعد تحقق الوسايط في الايجاد والتقدم والتاخر والعلية والمعلولية لا شك ولا ريب ان ما قرب الى المبدء كان ابسط واشرف واقرب الى الوحدة مما بعد عنه وهكذا تترامي سلسلة الشرافة والخساسة والوحدة والكثرة والاجمال والتفصيل بترامي سلسلة القرب والبعد الى ما لا نهاية له في اطوار الموجودات تختلف الاشياء بالوحدة والبساطة والكثرة والاختلاف واحكام الوسايط تعرف من الطرفين فتفطن
وخامسا ان القدرة والعظمة والكبرياء والرحمة واللطف والكرم والعزة الذاتية هو عين ذاته سبحانه بلا فرض المغايرة واما الفعلية فهي تظهر في تعلقات الفعل بالمفعولات مثلا اذا اعطي سبحانه وتعالى من غير استحقاق ظهر جوده واذا قهر الموجودات وافناهم استولي عليهم ظهرت عزته وهيمنته واذا اخذ بنواصي الخلق واعطي كل ذي حق حقه ظهرت قدرته وقيوميته واذا اشرق بنوره الوجودي آفاق ظلمات الامكان ظهر بهاؤه وسناؤه ونوره وبرهانه وهكذا ساير الظهورات انما هي في اطوار هذه التعلقات وهي كلها حادثة واردة على حادث والقديم سبحانه وتعالى منزه عن الحوادث وعن صفاتها واحوالها سبحان ربك رب العزة عما يصفون
فاذا تمهد ( تمهدت خل ) هذه المقدمات وعرفت هذه المقامات فاعلم ان الاشتقاق المقصود في هذه الفقرات هو اقتطاع فرع عن ( من خل ) اصل يكون جامعا لظهوره وحاملا لنوره وهذا الاقتطاع هو التفريع والاستخراج المتداول في كلامهم كما سياتي انشاء الله تعالى بيانه ويظهر دليله وبرهانه وهذه الفقرات المباركة تشتمل على اثنيعشر فصلا ومعنى من معاني الصفات الفعلية الالهية التي عليها مدار الوجودات ( الموجودات خل ) الخلقية والحوادث الامكانية وجميع الامكان والاكوان والاعيان وكل ما حوته الزمان والمكان انما تحققت وتاصلت بهذه الصفات ومشتقات هذه المبادي فلها عند الله سبحانه شان من الشان ومقام يربو عن التعداد والتبيان وخواصها وتاثيراتها يقصر عن تذكارها اللسان بل يضيق عن تحملها الجنان اذ يشتق منها الاسماء العظام التي تدور عليها الاجابة في اطوار المعاني والبيان فلنعرض عن ذكر خواصها وبيان تاثيراتها وافعالها لانها خارجة عما نحن بصدده من البيان واحد هذه الصفات المندرجة في هذه الفقرات مبدء لاشتقاق الجميع وما اشتق من شيء عما سواه ولا يقال انه جامد ( انه جامد اذ لا يعقل في الحدوث الجمود الا اذا ادبر عن ربه والتهي بنفسه وهو جامد خل ) عن الاشتقاق وناس اصله وهائم في اودية نفسه ولذا كان معمولا لكل عامل ومنفعلا عن كل فاعل ومتاثرا بكل تاثير وقابلا لانحاء التبديل والتغيير فكيف يعقل هذا فيما هو الاصل لجميع الاشتقاقات والمبدء لكافة الظهورات والمنشأ لعامة الآيات واليد لداحي المدحوات وباري المسموكات وهو ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وهذا الاصل المشتق منه هو ( هو الاول خل ) الذي وقع في هذه الكلمات في الآخر لبيان انه هو الاول والآخر وهو الباطن والظاهر وهو المعبر عنه في هذه الفقرات الشريفة بالقدرة وهي القدرة التي استطال الله بها على كل شيء وواحد الآخر ( آخر خل ) من الصفات المذكورة في هذه الفقرات الشريفة مشتق منتهي ليس مبدء الاشتقاق ولا محلا للتفريع والاستنباط في عالم الظهور ومقام البروز وان كانت مادة الفيض لا تنقطع وسلسلة الافاضة لا تتناهي كما قال عز من قائل لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد وهذا هو الآخر الواقع في هذا الدعاء في الاول وهو المعبر عنه بالاسم الذي اشتق من العظمة وعشرة في الوسط كل واحد ( واحدة خل ) منها مبدء بالنسبة الى ما تحتها ومشتق بالنسبة الى ما فوقها وهي الاصول التي عليها تدور الفصول وتوضيح هذا المقال وتفصيل هذا الاجمال هو ان المراد بالقدرة في هذا المقام هو ظهوره سبحانه بفعله بايجاده بنفسه كما ان الصفات الاضافية والاسماء الرابطية كلها راجعة الى القدرة كذلك الحوادث وكينونات الخلايق وذوات الموجودات وصفاتها واحوالها في اطوارها واكوارها وادوارها واوطارها بجميع انحائها ترجع الى الفعل وتتقوم به وتتفرع عليه وتشتق منه بنحو من انحاء الاشتقاقات فبالفعل ظهرت قدرة الفاعل وبالقدرة ظهرت الاسماء والصفات الاضافية كلها فلك ان تقول ان الفعل الاول هو قدرة الله التي استطال بها على كل شيء ولك ايضا ان تقول ان الفعل محل للقدرة والقدرة حالة فيه حلول الظاهر في المظهر وهذه القدرة ليست هي عين ذات الله سبحانه فانها لا تحل في شيء ولا يحلها شيء وانما هي ظهور لتلك القدرة الذاتية وآية لها جعلها الله سبحانه وتعالى مبدء واصلا لتكوين الكاينات وايجاد الممكنات وهو سبحانه وتعالى بكل شيء محيط وعلى كل شيء قدير وهذه القدرة مبدء لاشتقاق جميع المشتقات وهي لا تشتق من شيء سواها لان المشتق فرع للمشتق منه وليس وراها شيء لتشتق ( تشتق خل ) منه لانه آدم الاول واما الذات سبحانه وتعالى وان كانت هذه القدرة التي هي الفعل مضمحلة دون جلال عظمتها ومستقهرة تحت هيمنة قيوميتها ومتقومة ( مقومة خل ) بها ومنفعلة عنها ولكنه سبحانه ليس بينه وبين خلقه فصل ولا وصل ولا نسبة ولا اقتران ولا كيف فاني يعقل هناك الاشتقاق اذ عدم ذكر الاشياء عنده بالفراق والتلاق فاذن فالقدرة مبدأ ومشتق عن نفسه بنفسه على حد قول الصادق عليه السلام خلق الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها وتفصيل هذا الاجمال لا يسعه المجال لانه داء ( الداء خل ) العضال ومزال اقدام الرجال وقد استوفينا شرحه في اجوبة المسائل الرشيدية وانما قلنا باشتقاقها لعدم تعلق الجمود في الحادث الا على النحو الذي ذكرناه سابقا وذلك النحو لا يجري في هذا المقام فافهم وتفطن ثم لما خلق الله الفعل الذي ظهرت به القدرة خلق سبحانه به المحبة في اصل الايجاد ( المحبة فهي اصل للايجاد خل ) والانوجاد كما قال في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالمحبة مقدمة على الخلق وعلة للايجاد ولما كانت هي اقرب الاشياء الى المبدء كان ابسطها واشرفها واعلاها وادقها واغمضها واخفيها ولذا كانت سرا سارية في الموجودات ومعنى منطو عليه الذوات والصفات وهي في باطن الحقايق الكاينات فقد قلت في هذا المعنى شعرا :
الحب سر سري في كل موجودو شمس افق بدت من مطلع الجود
ولما كانت هذه المحبة في الغاية من الدقة واللطافة لكمال قربها الى الوحدة الحقيقية وانتسابها الى الله سبحانه رب البرية عبر عنها باللطف فقيل لطف الله وقد ورد ان الله سبحانه وتعالى انما سمي لطيفا لخلقه الاشياء الدقيقة الخفية اللطيفة ولا دقة اعظم من هذا المقال ولا خفاء اشد من ذي المرام وانما هو ( هي خل ) مقام السر المقنع بالسر والسر المجلل بالسر والسر المستسر بالسر وسر لا يفيده الا سر فهو اذن لطفه سبحانه المشتق من القدرة التي هي الفعل فان ايجاده انما هو بالفعل او اللطف بمعنى الميل والالتفات كما يقال فلان لطيف بنا اي رؤف بنا ومائل الينا وملتفت الينا بعين العناية وهذا المعنى في هذا المقام اظهر واوفق فاللطف ادق من الرافة والرافة ادق من الرحمة وقد صرح بالثاني اهل اللغة ويلوح من كلامهم الاول لمن نظر في كلامهم بصافي الفطرة فظهر ووضح لك ان اللطف مشتق من القدرة الا ان هذا الاشتقاق اشتقاق النور من المنير والاشعة من الشمس كما سنوضح لك انشاء الله تعالى في ذكر تعدد انواع الاشتقاقات ثم ان الله سبحانه وتعالى بالمحبة خلق ما خلق ولكنه سبحانه وتعالى احب ان تجري الاشياء على مقتضى محبته الذي هو الاتصاف باشرف الصفات والتحلي باعلى الحلى ( والتجلي باعلى التجلي خل ) والكمالات وهو اختيار الوحدة والجلوس على سرير المحبة وشرب كاسات الانس والمودة ونزع جلابيب الاختلاف والكثرة الا ان الخلق حسب ما جعل الله سبحانه في جبلاتهم الاختيار اختاروا الكثرة واكتفوا ( ما اكتفوا خل ) بالنظر الى عالم الوحدة فاستبدلوا الذي هو ادنى بالذي هو خير فخالفوا ربهم في اصل فطرتهم وتكوينهم فاستوجبوا بذلك غضب ربهم وسخط باريهم ومنشيهم واستحقوا الاعدام والافناء ولكنه سبحانه وتعالى بلطفه صفح عنهم وستر ولم يغضب فحلم عليهم واقرهم على مراداتهم ولم يطردهم عن ( من خل ) باب رحمته ولم يسقطهم عن ( من خل ) عين عنايته فهذا اول مقام ظهر فيه حلم الله سبحانه وتعالى فكل حلم دون هذا الحلم وكل صفح فرع هذا الصفح وكان سبحانه حليما ( عليما خل ) بمن عصاه وهذا الحلم ( الحلم انما خل ) اشتق من اللطف وتفرع عليه اذ بالمحبة خلق ما خلق وبالمحبة حلم عليهم وصفح عنهم واعطاهم مناهم فهذا اول الخلق الاول وهو مظهر حلمه سبحانه فان الصفات الفعلية اركانها ومظاهرها الاطوار الامكانية الخلقية ثم لما حلم عليه رأف بهم والرأفة هي ادق من الرحمة فاحب اعطاءهم وبلوغهم مناهم فوجد في هذا المقام الرافة وهي مشتقة من الحلم اذ لولا حلمه ما رأف ومامال الى اللطف ( العطف خل ) كما انه لولا لطفه ماحلم فالرافة مشتقة من الحلم المشتق من اللطف المشتق من القدرة ثم انه سبحانه وتعالى لما مال الى العناية رافة بهم اعطاهم ما سئلوا فاجابهم ما دعوا فسئلهم لما سئلوه ان يسئلهم فقال لهم الست بربكم فاختلفت الكينونات في الاجابة فمن قائل بلى في الظاهر والباطن ومن قائل نعم في الظاهر والباطن ومن قائل بلى في الظاهر دون الباطن ومن قائل نعم كذلك فاعطى سبحانه وتعالى كلا منهم على حسب اجابتهم واعطاهم نصيبهم مما كسبت ايديهم فقال عز من قائل كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا وهذا هو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء وعم كل مخلوق فاعطى الاخيار باسمه الرحيم والاشرار باسمه الرحمن وهذه الرحمة انما ظهرت وبرزت في هذه الرتبة التي هي بعد مقام الرافة فتكون حينئذ مشتقة عنها ومتفرعة عليها ثم لما تحققت الرحمة الواسعة وظهر في الكينونات والنسمات وتعددت الآثار واشتقت منها الاسماء والصفات الكمالية كالمعطي والمنعم والرحمن والرحيم والخالق والرازق والمحيي والمميت والمنشئ والمصور والعفو والغفور وامثالها من الصفات الكمالية والسمات الجلالية والجمالية التي ظهرت عند التعلقات الفعلية بالمفعولات الخاصة في مقام الرحمة الواسعة فظهرت جوامع الصفات الكمالية التي هي عبارة عن الكرم وقد صرح اهل اللغة بان الكريم هو الجامع لجوامع الخير ومحاسن الاخلاق والعرب لا تقول كريم الا لمن جمع الصفات الكمالية العديدة ولا شك ان ظهور الصفات المتعددة على التفصيل الذي هو مفهوم الكرم انما يتحقق بعد تحقق الرحمة الواسعة فيكون الكرم بهذا المعنى مشتقا من الرحمة ومتفرعا عليها لا محالة والكرم بمعنى النفيس كما ورد ان للامام كرايم الاموال اي نفايسها فذلك لازم لهذا المعنى فان من جمع جوامع الخير ومحاسن الاخلاق ومكارم الصفات يكون نفيسا عزيزا البتة فان النفاسة والشرافة مشتقة ومتفرعة على الكرم بمعناه الحقيقي الذي هو جمع محاسن الكمالات ولذا جعل عليه السلام العز في هذا الدعاء مشتقا من الكرم او نقول لما ظهرت الصفات الكمالية واختص كل صفة واسم بمتعلقها تدبره على حسب المصالح وتمده من باب الرحمة او الخذلان صارت النسمات وكينونات الكائنات مستقهرة عند تلك الاسماء والصفات ( والصفات وخل ) منزجرة ومنقادة لها في جميع الحالات والاسماء بحذافيرها مستقهرة ومضمحلة عند الافعال والافعال الخاصة مستقهرة ومضمحلة عند الفعل الكلي الواحد الذي عليه تدور جميع تلك الافعال كما دار الرحى على قطبها في كل الاحوال والفعل عند الذات لم يذكر لكمال اضمحلاله وزواله لانه عندها بمثابة الحركة الكونية التي اذا نسبتها الى الذات والحقيقة تكون كالعدم واللاشئ فاذن خضعت له الرقاب وخشعت له الاصوات ووجلت له القلوب وذهلت له الافئدة فظهرت في هذا المقام له سبحانه العزة المطلقة والتمنع التام والسلطنة الواسعة الشاملة والقيومية الغالبة لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فهذه العزة والسلطنة وان كانت موجودة لم تزل الا ان ظهورها في مقام التفصيل لا يكون الا بعد ظهور الصفات التي لها الربوبية والهيمنة على كافة المتعلقات فصارت العزة مشتقة من الكرم المشتق من الرحمة المشتقة من الرافة الخ وانما عبر عليه السلام بالعز دون العزة مع التاء لبيان كمال التفرد والتمحض في الوحدة والاستقلال فان كثرة المباني دليل على كثرة المعاني الا لمقتضيات اخر واذ ليست فليست والاشارة بالعين الى قوله تعالى كن فان استنطاق هذه الكلمة هو العين وبالزاء الى قوله تعالى فيكون فان المفعولات الالهية كاملة غير ناقصة دائرة على السبعة فالعز اشارة الى قوله تعالى كن فيكون الذي هو تمام عالم الخلق وعالم الامر فان الحادث يدور عليهما فالمالك لهاتين الكلمتين مالك للكل وهو قوله تعالى وما من دابة الا هو آخذ بناصيتها فاذن اين المملوك والمخلوق بالمالك واين التراب ورب الارباب فله سبحانه العزة والمنعة والهيمنة والقيومية وحده لا شريك له تعالى عما يقولون ( يقول الظالمون خل ) علوا كبيرا ثم لما تعزز وتمنع وغلب وقهر واستولي وملك ولم يبق ( وملك لم يبق خل ) للاشياء تحقق وتذوت وتشيأ وملك وقدرة في حال من الاحوال الا بعطائه وفيض فضله ونواله فله الملك وله الحكم وله الحمد لحال العطاء والمنع فهناك ( فهنا خل ) ظهر جوده وعلا مجده وقد سئل عليه السلام عن الجود قال عليه السلام ما معناه الجواد من المخلوق من ادى ما افترض الله عليه والبخيل من لم يؤد ما افترض الله عليه واما الخالق فهو الجواد ( جواد خل ) ان اعطى وان منع فانه اذا اعطى يعطي ما ليس له وان منع منع ما ليس له ه لان الخلق كلهم ملكه لا يستحقون شيئا ولكنه سبحانه بجوده اهلهم واعطاهم واذا منعهم شيئا فبجوده ايضا لانه لو اعطاهم ما منعهم لحكمة ومصلحة كان يفسدهم فاصلاحهم في منعهم فكان جميع ما يعاملهم الله سبحانه وتعالى في كل الحالات جودا محضا وفضلا صرفا كما قال عليه السلام في الصحيفة كل مننك ابتداء وكل عطاياك تفضل فلولا العزة المطلقة والسلطنة القاهرة ( الظاهرة خل ) ماظهر هذا الجود لعدم ثبوت المملوكية المطلقة فصار الجود مشتقا من العز كما قال عليه السلام في هذا الدعاء الشريف ثم لما تحقق الجود والعزة والكرم والرحمة ظهرت الكمالات وتشعبت الصفات وتكثرت الاسماء على كمال التفصيل وتمام الظهور والبروز والوضوح ظهرت كينونة الله اي كونه تعالى على ما هو عليه في عز صفاته ونعوت جلاله وجماله فان هذا الظهور التام لا يكون الا بعد ظهور ( ظهور جميع خل ) اطوار الحادثات لان كل حادث منشأ لاشتقاق اسم من الاسماء الكمالية والسمات الجلالية والجمالية فاذا تفصلت ( تفضلت خل ) في الظهور باطوارها واكوارها وادوارها تفصلت ( تفضل خل ) الاسماء وظهرت ودلت على عزة مسماها وقدسه فالكينونة وان كانت متفرعة على جميع ما سبقها الا ان الجود لما كان جزءا خيرا ( اخيرا خ ) للعلة التامة نسب الاشتقاق اليه كما نسب الوالد الى الوالد ( نسب الولد الى الوالدين خل ) وان كان له اسباب وعلل ومتممات غيرها ( غيرهما خ ) فافهم ثم لما تحققت الكينونة بتمام الخلق الاول والثاني وخضعت الاشياء وخشعت له سبحانه وتعالى وتذللت وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما وهذا الظهور بالهيمنة المستقهرة لكافة الحوادث مطلقا له مقامان مقام في الغيب ومقام في الشهادة ولا ريب ان الظهور في الغيب اصل بالنسبة الى الظهور في الشهادة اشتقت الكبرياء التي هي عبارة عن الهيمنة الظاهرة في عالم الغيب في هذا المقام وان كانت تطلق في الهيمنة الظاهرة في عالم الشهادة ايضا كما في قوله عليه السلام عريض الكبرياء فان العرض من صفة الاجسام فمدار الفرق في تفسيرها اذ قد ورد لها تفسيران احدهما ان الله اكبر من كل شيء هذا الظهور ( للظهور خل ) في عالم الشهادة وثانيهما نفي هذا المعنى والقول بانه اكبر من ان يوصف اذ ليس ثمة شيء فيكون الله اكبر منه وهذا للظهور في عالم الغيب وبالجملة يراد بالكبرياء في هذا المقام هو المعنى الثاني فتكون مشتقة من الكينونة اشتقاق المفصل من ( عن خل ) المجمل واشتقاق القلب من ( عن خل ) الفؤاد ثم لما كان الظهور بالهيمنة في عالم الشهادة يقال له العظمة وعالم الشهادة مشتق من عالم الغيب ومتفرع ( يتفرع خل ) عليه اشتقت العظمة من الكبرياء اشتقاق الشهادة من الغيب والاجساد من الارواح ثم لما تم ظهور الكينونة بالكبرياء والعظمة وتفصل اليهما اشتق من الكل على الجهة الجامعية الاسم الاكبر رفيع الدرجات اذ هو جامع لجميع الكمالات وزيادة ظهور الارتفاع والعلو بترادف الامدادات والترقيات وتحقق النشئات رفع الدرجات والمقامات وهو المراد من الاسم الذي اشتق من العظمة وانما نسبه الى العظمة لما ذكرنا في الكينونة من انها جزء اخير للعلة التامة وهو قوله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده وقال عز وجل في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وشرح هذا المقال ( المقام خل ) طويل والقلب بتوارد الآلام والاسقام عان عليل واللسان عن البيان كليل والله سبحانه وتعالى خير هاد وخير دليل فظهر لك ان الاسم الاكبر رفيع الدرجات هو المشتق من العظمة المشتقة من الكبرياء المشتقة من الكينونة المشتقة من الجود المشتق من العز المشتق من الكرم المشتق من الرحمة المشتقة من الحلم المشتق من اللطف المشتق من القدرة وهذه احدعشر كلها مشتقة من الواحد وبه تمام الاثنيعشر وبالجميع ظهرت كلمة التوحيد وحقيقة التفريد باركانها وشرايطها وحدودها وهو لا اله الا الله هذا هو المراد من هذه الكلمات الشريفة في الظاهر وله وجوه اخر تركتها خوفا للتطويل وصونا عن ( من خل ) اصحاب القال والقيل وما ذكرته ايضا يحتاج الى بسط وبيان وتوضيح وتبيان الا ان الاشارة كافية لجنابه
واما باطنها فمراده سلمه الله تعالى اعم من التاويل والباطن وشرحهما خارج عن وضع هذا المختصر الا اني اشير اشارة اجمالية عبرة لمن اعتبر وتبصرة لمن تذكر فاقول اما تأويلها فاعلم انا قد ذكرنا لك فيما تقدم ان الظهورات الفعلية اركانها الاطوار الخلقية فكل حادث من الحوادث حامل ظهور من ظهوراته سبحانه يدل عليه تعالى بذلك الظهور فيكون بهذا المعنى اسما من اسمائه ( اسماء الله خل ) تعالى وتقدس لان الاسم ما انبأ عن المسمى كما روي عن امير المؤمنين عليه السلام وقال عز وجل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتّى يتبين لهم انه الحق ولما تتبعنا الظهورات الالهية وجدناها تدور على اثني عشر وعليها يدور الامكان والاكوان الاول الظهور المطلق مجردا عن ( من خل ) جميع الحدود والقيود والسبحات والاضافات وهو المعبر عنه في الحديث بالاسم الذي ليس بالحروف مصوت و( مصوت ولا خل ) باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد ولا بالتشبيه موصوف ولا باللون مصبوغ بريء عن ( من خل ) الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهذا هو الظهور المطلق ومنه اشتقت جميع الظهورات وهو لم يشتق من شيء سوى نفسه وهو المعبر عنه بالقدرة في هذا الدعاء الشريف لتحقق المرجعية وان اليه الرجعي والمنتهى فافهم الثاني الظهور بالتوحيد الذي يظهر بعد كشف سبحات الجلال من غير اشارة ولا ريب ان هذا الظهور مشتق من الاول اشتقاق الاحد من الاسم الله ( وخل ) اشتقاق الراس من القلب وهو المعبر عنه باللطف ( المعبر عنه في هذا الدعاء باللطيف خل ) لانه سر مقنع بالسر ومجلل به الثالث الظهور بالاسماء والصفات وهو مشتق من الثاني لان الاسماء والصفات للواحد ولذا كان توحيد الصفات متفرعا عن ( من خل ) توحيد الذات وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالحلم والوجه ظهور الكثرات الدال على تحقق الانيات والماهيات وان كانت ضعيفة ولذا صارت مظهرا للحلم الرابع الظهور بالفعل المطلق وهو المعبر عنه بالرافة لان احداث الفعل هو المحبة لاحداث المفعول ولذا جعلوا من اسماء الفعل عالم فاحببت ان اعرف الخامس الظهور بالفعل من حيث ذكر الاشياء والحوادث فيه وتحقق الامكان والاعيان الثابتة وظهور الفيض الاقدس وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالرحمة وهي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء لذكر الاشياء فيه على ما هو عليه من خير وشر ونور وظلمة وسعادة وشقاوة وامثالها السادس الظهور بالفعل من حيث توجهه الى المتعلق الخاص وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالكرم ولا شك انه ( ولا شك انه مشتق من السادس اشتقاق الخاص من العام والمقيد من المطلق وانما سمي بالكرم لكونه خل ) مبدء العطاء والاحسان والامتنان ومنه يظهر جوامع الخير ومحاسن الصفات كما فصلنا سابقا السابع الظهور بالفعل من حيث ( حيث توجه خل ) تعلقه ووقوعه على المفعول الخاص ولا شك انه مشتق من السادس ومتفرع عليه وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالعز وهو التمنع والاستيلاء والقهر والغلبة ولا شك ان هذا حال الفعل بالنسبة الى المفعول المنفعل عنه والمنزجر له الثامن الظهور بالفعل بعد التعلق والوقوع على المفعول الخاص وتملك المفعول له واستمداده منه بقابلية فقره وفاقته وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالجود لانه مقام العطاء من غير استحقاق كما تقدم التاسع الظهور بالفعل في حقيقة الاثر ( الظهور في الفعل في حقيقة الامر للاثر خل ) وهي الربوبية الظاهرة في العبودية كما قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية ولا شك ان الربوبية صفة فعلية للرب احدثها بفعله للمفعول ليعرفه بها ويدل عليه بها وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالكينونة لان كونه تعالى على ما هو عليه في عز قدسه وصفاته على حسب ما يظهر للممكن انما ظهر في هذا المقام ولذا قال تعالى خطابا لآدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف ( بخلاف خل ) كينونتي الحديث وهي الكينونة الظاهرة في المخلوقين لا الكينونة التي هي الذات البحت فانها لا تنالها الاوهام ولا تدركها العقول والاحلام ولا ريب ان هذه الكينونة مشتقة من الكرم الذي هو الفعل الواقع على المفعول الممد له اشتقاق النور من المنير والاثر من المؤثر وليس هذا الاشتقاق من نحو مراتب المتقدمة عليها فان اشتقاقاتها ( اشتقاقها خل ) اشتقاق المفصل من المجمل والمقيد من المطلق والخاص من العام فافهم العاشر الظهور بالفعل ( ظهور الفعل خل ) في عالم الجبروت وباب اللاهوت ومقام القدس ومأوى الانس وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالكبرياء لان هذا المقام كما ذكره الحسين عليه السلام أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك متى غبت حتّى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل اليك الدعاء وهذا الكبرياء على التفسير الثاني اي الظهور في عالم الغيب بمعنى ان الله اكبر من ان يوصف الحادي عشر الظهور بالفعل في عالم الملكوت وموضع الرحموت وباب الجبروت وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالعظمة وهي الهيمنة الظاهرة في عالم الشهادة لظهور الاشياء ( الاشياء وتميزها خل ) وتشخصها باحوالها واطوارها واكوارها وادوارها ومراتبها ولوازمها وشرايطها وساير متمماتها ومكملاتها على اكمل تفصيل ( التفصيل خل ) واوضح ظهور وهي بهذه المراتب المفصلة مستقهرة ومضمحلة عند ظهور جلال نور العظمة الثاني عشر الظهور بالفعل في عالم الملك وهو المعبر عنه في هذا الدعاء بالاسم المشتق من العظمة وهذا مقام الاسم المشتق اذ ليس هو مبدء الاشتقاق اذ ليس تحته مقام وتفصيل القول في هذه الكلمات يؤدي الى التطويل ويورث الشبهة لاصحاب القال والقيل فاكتفينا بهذا المقدار تذكرة لاولي الابصار وهذا ما يتعلق بتاويل هذه الكلمات الشريفة على جهة الاجمال والاشارة
واما باطنها فلانحب ان نطيل فيه الكلام لانه من مزال الاقدام ونكتفي بالاشارة ونقتصر على اقل العبارة فنقول قد علمنا ( قد علمت منا خل ) سابقا ان هذه الاشتقاقات انما وقعت في الصفات والاسماء الفعلية وقد ذكرنا انها حادثة قائمة بالمفعولات قيام تحقق وعضد وقائمة بالفعل قيام صدور ولا ريب ان اللايق لهذا ( بهذا خل ) الظهور والحامل لهذا النور يجب ان يكون اشرف الحوادث واقدم الموجودات وقد دلت الادلة العقلية والنقلية على ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله اشرف المخلوقات واقدم الحادثات ما سبقهم في الوجود حادث ولا تقدم عليهم مخلوق وقد شهدت بذلك ضرورة الاسلام بالنسبة الى رسول الله صلى الله عليه وآله والفرقة المحقة بالنسبة الى جميع الائمة ( الى الجميع خل ) عليهم السلام فاذا كانت الاسماء الفعلية حادثة فلا تخلو اما ان يكونوا اياها او هي متقدمة عليهم او متاخرة عنهم والشقان الاخيران باطلان اذ لم يتقدم عليهم حادث ولا يصح تاخير الاسم والصفة عن ( من خل ) المفعول المخلوق لان الله سبحانه تعالى خلقهم باسمائه واودع فيهم اشباح صفاته فلم يبق الا القول بان محمدا وآله صلى الله عليه وعليهم هم تلك الاسماء وهم مظاهر تلك الصفات فهم مظهر القدرة وهم مظهر الحلم وهم مظهر الكرم ومظهر الرافة والرحمة وامثالها من الصفات والاسماء ولما انهم سلام الله عليهم في عالم الظهور ظهر كل واحد منهم بصفة خاصة وجهة معينة واختص بلقب خاص وان كان ما يجري للواحد يجري للجميع اختص كل منهم بمظهرية صفة خاصة واشتق كل منهم عن الآخر كما قال عز من قائل ذرية بعضها من بعض ولما كانت الشجرة الالهية تنقسم الى قسمين شجرة النبوة وشجرة الولاية وكانت الاشتقاقات والاختلافات والتفريعات وتفاصيل الآيات البينات في شجرة الولاية خصها بالذكر في هذا الدعاء وهذه احد عشر بعضها من بعض والجميع اشتق من الثاني عشر وهو الاصل القديم والفرع الكريم ويعرف من هذه الاشتقاقات مقاماتهم ومراتبهم على التفصيل فالاسم المشتق من العظمة اشارة الى مولانا ( مولانا وسيدنا خل ) القائم المنتظر عجل الله فرجه عليه وعلى آبائه السلام والعظمة المشتقة من الكبرياء اشارة الى سيدنا الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام والكبرياء المشتقة من الكينونة اشارة الى مولانا عليّ بن محمد الهادي عليهما السلام والكينونة المشتقة من الجود اشارة الى مولانا ( مولانا وسيدنا خل ) محمد بن عليّ الجواد التقي عليهما السلام والجود المشتق من العز اشارة الى مولانا عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام والعز المشتق من الكرم اشارة الى مولينا موسى بن جعفر عليهما السلام والكرم المشتق من الرحمة اشارة الى مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام والرحمة المشتقة من الرافة اشارة الى مولينا محمد بن عليّ الباقر عليهما السلام والرافة المشتقة من الحلم اشارة الى مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام والحلم المشتق من اللطف اشارة الى مولانا الحسين بن عليّ عليهما السلام واللطف المشتق من القدرة اشارة الى مولانا الحسن بن عليّ عليهما السلام والقدرة التي هي مبدء الاشتقاق اشارة الى مولينا وسيدنا امير المؤمنين ( امير المؤمنين عليّ بن ابيطالب خل ) عليه السلام وهو الاصل القديم الذي تفرع عنه هذه الغصون المباركة بعضها عن بعض ووجه اختصاص كل واحد منهم بصفة خاصة مما ذكرنا ( ذكر خل ) قد ظهر بعض منه في هذه الدنيا ويظهر بعض آخر في الرجعة ويظهر بعض في القيمة ويظهر بعض في الجنة ويظهر بعض في الكثيب الاحمر ويظهر بعض في الرفرف الاخضر ويظهر بعض في ارض الزعفران ويظهر بعض في الاعراف ويظهر بعض في الرضوان ومن هذه الجهة لم نجسر في ايراد بعض تلك الاسرار في وجه اختصاص كل واحد منهم عليهم السلام بصفة خاصة في عالم الانوار لئلا تسارع العقول الضعيفة الى الانكار وقد قال مولانا الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها قال عليه السلام نحن ( نحن والله خل ) الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وفي الزيارة لامير المؤمنين عليه السلام السلام على اسم الله الرضى ووجهه المضيء وجنبه العلي ( وجهه المرضي وجنبه الاعلى خل ) الزيارة وقال امير المؤمنين عليه السلام الاسم ما انبأ عن المسمى ولا ريب انهم سلام الله عليهم هم المنبئون عن الله تعالى والدالون عليه والهادون اليه صلى الله عليهم وعلى اولهم وعلى آخرهم وعلى ظاهرهم وعلى باطنهم وعلى شاهدهم وعلى غايبهم وعلى ارواحهم وعلى اجسادهم ورحمة الله وبركاته ولولا خوفي من فرعون وملائهم لاطلقت عنان القلم ( العنان خل ) في هذا الميدان واظهرت ( ولاظهرت خل ) ما لا تسعه العبارة ولا يدرك بالاشارة ولكني اقطع الكلام فللحيطان آذان وتعيها اذن واعية وقد قال الشاعر ونعم ما قال :
اخاف عليك من غيري ومني ومنك ومن زمانك والمكان
فلو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيمة ما كفاني
فافهم راشدا واشرب صافيا وقد ظهر لك ان الاسم المشتق من العظمة ليس هو الاسم العظيم وان كان يحتمل عند التجرد عن القراين الا ان السياق لا يحتمله واما الكبرياء المشتق من العظمة فليس هو الاسم الكبير قطعا كما احتمل جنابك بل المراد ما ذكرناه وفصلناه والله ولي التوفيق
قال سلمه الله تعالى : الثاني - ما المراد من الاشتقاق المأخوذ في مطاوي هذه الكلمات هل هو الاشتقاق اللفظي او المفهومي او المصداقي فان كان المراد به الاشتقاق اللفظي اعني اشتقاق احد هذه الالفاظ من الآخر كما هو من المصطلحات الصرفية والنحوية كاشتقاق لفظ العظمة من لفظ الكبرياء واشتقاق لفظها من لفظ الكينونة فلا يصح على قاعدتهم لاختلاف المشتق والمشتق منه وتباينهما مادة وصورة كما هو الظاهر وان كان المراد به الاشتقاق المفهومي اعني اشتقاق مفهوم احد هذه الالفاظ من مفهوم الآخر فلا يمكن ايضا لوجهين اما اولا فلان هذه المفاهيم امور اعتبارية انتزاعية انتزعناها من آثار ذاته المقدسة تعالى شانه بحيث اذا نظرنا في الآفاق والانفس وصنايعها وبدايعها وعجايبها وغرايبها ووجدنا ذاته المقدسة الكاملة منشأ لآثار العظمة انتزعنا عنها معنى العظمة في عالم التعبير والبيان وقلنا انه عظيم واذا وجدناها منشأ لآثار الكبرياء او الكينونة او الجود او العز او غيرها من الصفات الذاتية والفعلية انتزعنا عنها عند التعبير معنى الكبرياء والكينونة والجود والعز وقلنا انه كبير كائن جواد عزيز وهكذا والا فلا صفة هنا ولا موصوف فان الصفة غير الموصوف كما هو المعروف عند اهل العرفان وماثور عن امام الانس والجان عليه سلام الله الملك المنان والاعتباريات والانتزاعيات مما لا يقبل القطع والاقتطاع ولا الشق والاشتقاق وليس هنا الاصل ولا الفرع ولا التقدم ولا التاخر ولا القبلية ولا البعدية واما ثانيا فلان بين مفاهيم هذه الصفات ومدلولاتها تغاير بين واختلاف ظاهر فان مدلول الكبرياء غير مدلول الجود ومفهوم العظمة غير مفهوم الحلم ومنطوق الرأفة غير منطوق العز فكيف يقتطع ( ينقطع خل ) هذا من ذلك فكيف ( من ذاك وكيف خل ) يكون احدها اصلا والآخر فرعا ومع ( فرعا مع خل ) هذا الاختلاف الكلي والتغاير الواقعي والاشتقاق انما يتحقق اذا تحقق وتحصل بين المشتق والمشتق منه اتحاد من وجه واختلاف من وجه واذ ليس فليس وان كان المقصود منه الاشتقاق المصداقي بمعنى ان مصداق احد هذه الصفات مشتق من مصداق الآخر فبطلانه اظهر من الشمس وابين من الامس فان مصداق هذه الصفات انما هي ذاته المقدسة البسيطة المحضة التي تقدست ساحة جلالها عن قبول القطع والشق والاصلية والفرعية والقبلية والبعدية والتقدم والتاخر وغيرها من لوازم الاشتقاق فلا ادري ( ولاادري خل ) ان الاشتقاق باي معنى اراد عليه السلام بين هذه الكلمات بينوا ايدكم الله بالتاييدات الالهامية والفيوضات الالهية
اقول بعد الاغماض عما يرد على هذه العبارات من المناقشات اللفظية والمعنوية ان هذا الاشتقاق ليس باشتقاق لفظي ولا مفهومي على ما يعرفون من معنى المفهوم والمصداق وانما هذا الاشتقاق اشتقاق حقيقي وولادة ( دلالة خل ) ذاتية كاشتقاق الولد عن الوالد فان القدرة والعظمة والجود والكرم ليست امورا اعتبارية انتزاعية وانما هي ذوات متأصلة حقيقية كيف وان بالفعل خلق الله سبحانه ما خلق والمخلوقات آثار لفعله كيف يعقل ان يكون الاثر اصلا وذاتا والمؤثر مفهوميا ( مفهوما خل ) انتزاعيا اعتباريا ويكون الاثر اقوى من المؤثر وما هو اقرب الى المبدء الحق اضعف مما هو ابعد منه ولا شك ان الاسماء مشتقة من المصادر وهي اصل لها ( اصلها خل ) فلا يخلو اما ان يكون الاصل والفرع كلاهما اعتباريين او احدهما فان كان الاول فلا يصح لدلالة الادلة القطعية على ان عالم الاسماء والصفات مقدم على عالم الخلق وشهادة الادعية والزيارات على ان الله سبحانه بالاسماء خلق ما خلق فكيف يعقل ان يكون المقدم اعتباريا والمؤخر ذاتيا او ( وخل ) ان يكون العلة مفهوما انتزاعيا والمعلول ذاتيا حقيقيا وهذا لا يقول به عاقل فضلا من ( عن خل ) فاضل وان كان الثاني فان كان المشتق اعتباريا والمبدء ذاتيا فمع انه لا يقول به احد باطل فاسد لما ذكرناه آنفا وان كان العكس ( بالعكس خل ) كما يزعمون من ان المصادر امور اعتبارية فبطلانه اوضح من ان يذكر لان المشتق فرع للمشتق منه ( المشتق منه خل ) ولا ريب ان الفرع اضعف تاصلا وتحققا من الاصل فكيف يعقل ان يكون الفرع حقيقيا والاصل اعتباريا والقول بان المشتق يعتبر فيه الذات دون المبدء باطل والا لكان الذات مبدء للاشتقاق دون المصدر مع انهم صرحوا من غير خلاف بينهم ( منهم خل ) ان الاسم الفاعل مشتق من المصدر او من الفعل المشتق من المصدر او من المصدر المشتق من الفعل او من الفعل من دون توسط المصدر وقالوا ايضا ان المشتق فرع للمبدء وقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان اللفظ على طبق المعنى والاسم على وفق المسمى وعالم الالفاظ مطابق لعالم المعاني واحكام المعاني موافقة لاحكام المباني بلا خلاف بينهما فاذن ما يجري لحكم ( من حكم خل ) الاصالة والفرعية في الالفاظ يجري بعينه في المعاني فكما ان لفظ المشتق فرع للفظ المبدء كذلك معناه لمعناه وقد اوضحنا هذا المعنى في رسالة منفردة موضوعة لاثبات المناسبة بين اللفظ والمعنى ثم نقول قد ورد ان رسول الله صلى الله عليه وآله في المعراج عند وصوله الى مقام قاب قوسين او ادنى راى مقدار سم الابرة من نور العظمة وان موسى قد تجلى له ( له نور خل ) ربه بنور العظمة فاضافة النور الى العظمة هل هي بيانية ام لامية فان كان الثاني فتكون العظمة اصلا لنور التجلي وهو لما ظهر دك الجبل وخر موسى صعقا ومات بنو اسرائيل وظهر ( اظهر خل ) الزلزلة في الارض فما تقول هل هذا امر اعتباري او حقيقة ذاتية فاختر لنفسك ما يحلو فاذا كان هذا شان الفرع في التاصل والتذوت والتحقق فما ظنك بالاصل اي العظمة نفسها وان ( فان خل ) كان الاول فكذلك ايضا فان العظمة حينئذ هي نور التجلي فكيف يعقل ان يغشى على رسول الله صلى الله عليه وآله لامر اعتباري او لمفهوم انتزاعي ( الامر الاعتباري او المفهوم الانتزاعي خل ) والقول بان ذات الله تجلت بذاتها هو قول الصوفية الملحدين ولا ريب انه زندقة محضة وكفر صرف وقد روي انه قيل للصادق عليه السلام انت متكبر قال عليه السلام لست بمتكبر ولكنه ظهرت كبرياء الله في فتوهمت اني متكبر هذا معنى الحديث اذ لم احفظ لفظه وهل يقول عاقل ( وهل عاقل يقول خل ) انه ظهر في الصادق عليه السلام امر اعتباري ومفهوم انتزاعي من ذات الله تبارك وتعالى وفي دعاء السحر اللهم اني اسئلك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي اللهم اني اسئلك من جلالك باجله وكل جلالك جليل اللهم اني اسئلك من عظمتك باعظمها وكل عظمتك عظيمة اللهم اني اسئلك من رحمتك باوسعها وكل رحمتك واسعة الى آخر الدعاء كلها من هذا القبيل وهل يقول عاقل ان الامام عليه السلام يقسم الله سبحانه وتعالى بامر اعتباري عدمي ومفهوم انتزاعي عرضي والتكلف ببعض التوجيهات الباردة والمحامل الفاسدة غلط فاسد وقول كاسد ليس هذا مقام استقصاء الكلام فيه فاذن ظهر لك ان هذه الاشتقاقات كلها اشتقاقات ذاتية حقيقية مثل الولادة الظاهرية بعضها مشتق من الآخر كاشتقاق الضوء من الضوء وبعضها مشتق من الآخر كاشتقاق الشعاع من المنير وبعضها مشتق من الآخر كاشتقاق الكل من الجزء وبعضها مشتق من الآخر كاشتقاق المقيد من المطلق وهكذا سائر انحاء الاشتقاقات والتفريعات واستخراج النتايج من المقدمات وكلها ذوات مستخرجة من ذوات وحقايق منفصلة من حقايق لا انتزاعيات ولا اعتباريات فالقدرة نور الهي متشعشع متلألؤ قد سطع من افق الواحدية واشرق من عالم الاحدية والواحدية والرحمانية وغيرها من ساير المراتب ثم سطع منه نور آخر متشعشع متلألؤ كما يسطع النور في المرآة من نور الشمس وهذا النور هو المسمى باللطف ( باللطيف خل ) وبالجلال والجمال وغيرها من الاسماء ثم سطع منه نور آخر ظاهره بياض وباطنه حمرة وصفته صفرة وهيئته خضرة وهكذا كما سنوضح لك انشاء الله تعالى ان اقتضى المقام أماسمعت قول امير المؤمنين عليه السلام انا من محمد (ص) كالضوء من الضوء وقوله عليه السلام ايضا ان الله سبحانه وتعالى خلق العرش من اربعة انوار نور احمر منه احمرت الحمرة ونور اخضر منه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة ونور ابيض منه ( منه ابيض خل ) البياض ومنه ضوء النهار فافهم واما ما ذكرت ان هذه الصفات عين ذاته المقدسة فمعاذ الله ان يكون الامر كذلك فانه سبحانه وتعالى لا يشتق من شيء ولا يشتق منه شيء بل هو الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد واما وجه المناسبة بين المشتق والمشتق منه في هذه الكلمات المباركة فعلى نحو ما شرحناه وفصلناه عند تفسيرها وبيانها فراجعه تفهم فلا حاجة الى الاعادة لضيق المجال وتبلبل البال
قال سلمه الله تعالى : الثالث : تقييد العظمة باشتقاقها من الكبرياء وتقييدها باشتقاقها من الكينونة وتقييدها باشتقاقها من الجود وهكذا الى آخر التقييدات هل هي بيانات ( بيانية خل ) واقعية بمعنى انها ليست في الواقع عظمة متحصلة الا ما اشتقت من الكبرياء وليست الكبرياء متحصلة في نفس الامر الا مشتقة من الكينونة وهكذا ام هي قيود اخراجية تخرج بها الاقسام الاخر من العظمة والكبرياء والكينونة بمعنى ان العظمة مثلا تنقسم الى قسمين منها ما اشتقت من الكبرياء وبه سئل المعصوم عليه السلام اجابة دعائه ومنها ما هي غير مشتقة منها وهكذا سائر الصفات في المقيدات بالاشتقاق من الاخرى
اقول قد ذكرنا لك ان هذه المراتب حقايق ذاتية انجعلت بفعله تعالى على هذا الترتيب ( الترتب خل ) وهذا النظم واشتقاق كل واحدة من الاخرى اذ لا يصح ان تكون القدرة المرادة في هذا الدعاء مشتقة من شيء او يكون المعبر عنه باللطف مشتقا من غير المعبر عنه بالقدرة والمعبر عنه بالحلم مشتقا من غير المعبر عنه باللطف وهكذا الى آخر الصفات فانها مراتب خلقها الله سبحانه وتعالى بفعله ونسبها الى نفسه تشريفا لها واجلالا لمقامها كما نسب الكعبة الى نفسه فقال بيتي مع تنزهه سبحانه وتعالى عن المكان وعن ان يحويه شيء والروح المنفوخ في آدم نسبه الى نفسه فقال ونفخت فيه من روحي وكذلك جبرائيل المبعوث الى مريم البتول لولادة عيسى سماه روحا ونسبه الى نفسه وقال فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ولا شك ان شيئا من ذات الله سبحانه وتعالى مانفخ في آدم ولا عيسى ولاحضر مريم وانما هو خلق من مخلوقاته شرفه وعظمه ونسبه الى نفسه تشريفا وتكريما وكذلك القول في القدرة واللطف والحلم والرافة والرحمة فانها حقايق مخلوقة خلقها الله سبحانه وتعالى بفعله واوجدها بفيض فضله ونسبها الى نفسه تشريفا وتكريما وهذه المراتب انما خلق بعضها من بعض وتكون بعضها من بعض الآخر ( بعضها من الآخر خل ) فليس لكل واحدة منها وجود الا في مقام اشتقاقها من عاليها وتفرعها عنه فتكون حينئذ هذه القيود بيانية ( بيانية وخل ) توضيحية بحسب المعنى لا قيود اخراجية فان الله عز وجل يقول عن لسان المخلوق وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون وكل شيء لا يتجاوز رتبته ولا يتعدى حقيقته انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها واما في مقام الاطلاق اللفظي فيطلق هذه الالفاظ لهذه المعاني بعضها على بعض اخر قد يكون اعلى وقد يكون اسفل كما يطلق العظمة على ما تطلق عليه القدرة ويطلق الكبرياء على ما يطلق عليه العظمة وهكذا القول في ساير الاطلاقات كما سياتي انشاء الله تعالى فهذه القيود من حيث الاطلاق اللفظي وشمول الاطلاق لاغلب المعاني تصح ان تكون اخراجية لتمييز ( لتميز خل ) الاطلاق لا التمييز ( التميز خل ) على الاطلاق فافهم
قال سلمه الله تعالى : الرابع - ما العظمة والكبرياء والكينونة والجود والعز والكرم والرحمة والرافة والحلم واللطف والقدرة واي شيء مفاهيمها ورسومها وحدودها وما الفرق بين مفاهيمها ومناطيقها لاسيما بين العظمة والكبرياء والجود والكرم والرحمة والرافة واللطف لغة واصطلاحا بين اهل الشرع وارباب الاسماء
اقول اما العظمة قال القيومي في مصباحالمنير العظمة الكبرياء عظم الشيء عظما وزان عنب وعظامة ايضا بالفتح فهو عظيم وقال في مجمعالبحرين والعظمة الكبرياء والتعظيم التبجيل وعظمته تعظيما وقرته توقيرا وفخمته وقال فيه والعظيم الذي قد جاوز قدرته وجل عن حدود العقول حتّى لا يتصور الاحاطة بكنهه وقال فيه والعظيم راجع الى كمال الذات والصفات والجليل من اسمائه تعالى راجع الى كمال الصفات واما الكبرياء فقد ذكر في المصباح الكبرياء العظمة وفي مجمعالبحرين ( قال خل ) الكبرياء الملك وسمي الملك كبرياء ( الكبرياء خل ) لانه اكبر ما يطلب من امر الدنيا وفيه الكبير راجع الى كمال الذات واما الكينونة فقد ذكر في المجمع ان الكينونة الحدث والكائنة الحادثة وكونه احدثه ومنه في وصف الصانع تعالى كان بلا كينونة اي نسبة الى زمان انتهى واما الجود فقد ذكر في المصباح جاد الرجل يجود من باب قال جودا بالضم تكرم وهو جواد والجمع اجواد وجاد بالمال بذله وجاد بنفسه سمح بها عند الموت وقال في المجمع والجواد من اسمائه ( اسماء الله خل ) تعالى وفي الحديث سأل رجل الحسن عليه السلام وهو في الطواف فقال له اخبرني عن الجواد فقال عليه السلام ان لكلامك وجهين فان كنت تسئل عن المخلوق فان الجواد الذي يؤدي ما افترض ( افترض الله خل ) عليه والبخيل الذي يبخل ( بخل خل ) بما افترض عليه وان كنت تسئل عن الخالق وهو ( فهو خل ) الجواد ان اعطى وهو الجواد ان منع لانه ان اعطى عبدا اعطاه ما ليس له وان منع منع ما ليس له ومنه الدعاء انت الجواد الذي لا يبخل ه اما العز فقد ذكر في المصباح عز الرجل عزا بالكسر وعزازة بالفتح قوي وعز يعز من باب تعب لغة فهو عزيز وجمعه اعزة والاسم العزة وتعزز تقوي وعز الشيء يعز من باب ضرب لم يقدر عليه وفي مجمعالبحرين ( المجمع خل ) عز يعز عزا اذا غلبه قوله تعالى فعززنا بثالث اي قوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث والاسم العزة وهي القوة والغلبة ومنه عزني في الخطاب اي صار اعز مني الى ان قال والعزيز من اسمائه تعالى وهو الذي لا يعادله شيء او الغالب الذي لا يغلب وجمع العزيز عزاز مثل كريم وكرام وقوم اعزة واعزاء وعازة اي غالب ومنه الحديث فعاز احدهما صاحبه اي غلبه ومن اسمائه تعالى المعز وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده ويعز على ان اراك بحالة سيئة اي يشتد ويشق على وعز على ان تفعل كذا من باب ( باب ضرب خل ) كناية عن الانفة عنه والعز بالكسر خلاف الذل وعز الشيء عزا وعزازة اذا قل ولا يكاد يوجد فهو عزيز واما الكرم قال في المصباح كرم الشيء كرامة نفس وعز وهو كريم والجمع كرام وكرماء والانثي كريمة والجمع كريمات وكرائم وكرايم الاموال نفايسها وخيارها الى ان قال ويطلق الكرم على الصفح وكرمته تكريما والاسم التكرمة ولا تجلس على تكرمته قيل هي الوسادة وهذا التفسير مثل في كل ما يعد لرب المنزل خاصة ( خاصة وخل ) تكرمة دون باقي اهله وقال في المجمع في قوله تعالى انه لقرآن كريم اي حسن مرضي في جنسه ( حسنه خل ) وقيل كثير النفع لاشتماله على اصول العلوم المهمة ( الملهمة خل ) في المعاش والمعاد والكرم صفة لكل ما يرضي ويحمد ومنه وجه كريم اي مرضي في حسنه وبهائه وكتاب كريم اي مرضي في معانيه الى ان قال والكريم هو الجامع لانواع الخير والشرف والفضل ووصف عليه السلام يوسف به بانه اجتمع له شرف النبوة والعلم والعدل ورياسة الدنيا والكرم ايثار الغير بالخير والكرم لا تستعمله العرب الا في المحاسن الكثيرة ولا يقال كريم حتّى يظهر منه ذلك والكرم نقيض اللؤم اما الرحمة فقال في المجمع ( في المجمع في خل ) قوله تعالى الرحمن الرحيم هما اسمان مشتقان من الرحمة وهي في بني آدم عند العرب رقة القلب ثم عطفه وفي الله تعالى عطفه وبره ورزقه واحسانه والرحمن هو ذو الرحمة ولا يوصف به غير الله بخلاف الرحيم الذي هو عظيم الرحمة واما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه : وانت غيث الوري لا زلت رحمانا فمن بغيهم وكفرهم فلا يعبؤ به ( بهم خل ) وفي المصباح رحمنا الله امالنا رحمته ( المصباح رحمه الله انالنا رحمة خل ) التي وسعت كل شيء ورحمته ( رحمت خل ) زيدا رحما بالضم ورحمة ومرحمة اذا رفقت وحننت ( حسنت خل ) والفاعل راحم وفي المبالغة رحيم وجمعه رحماء وفي الحديث انما يرحم الله من عباده واما الرافة ففي المجمع قوله تعالى الرؤف الرحيم الرؤف شديد الرحمة والرافة ادق ( ارق خل ) من الرحمة ولا تكاد تقع في الكراهة والرحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة والرؤف من اسمائه تعالى وهو الرحيم بعباده العطوف عليهم بالطافه وفي الدعاء رؤف بالمؤمنين اي رحيم بهم ومنه الوالد الرؤف واما الحلم ففي المجمع في قوله تعالى انك لانت الحليم الرشيد الحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة والحلم العقل وضبط النفس عن هيجان الغضب والجمع احلام وحلوم ومنه قوله تعالى ام تامرهم احلامهم بهذا وتفسيره بالعقل ليس على الحقيقة لكن فسروه بذلك لكونه ( بكونه خل ) مقتضى العقل والحليم من اسمائه تعالى وهو الذي لا يستفزه الغضب وحلم يحلم حلما بضمتين واسكان الثاني للتخفيف اذا صفح وستر فهو حليم وذوي الاحلام والنهي ذوي الانائة والعقول اما اللطف ففي المجمع ( اما اللطيف ففي المجمع في خل ) قوله تعالى اللطيف الخبير اللطيف من اسمائه تعالى وهو الرفيق بعباده الذي يوصل اليهم ما ينفقون ( ينفعون خل ) به في الدارين ويهيأ لهم ما يتسببون به الى المصالح من حيث لا يعلمون ومن حيث لا يحتسبون ولطف الله بنا من باب طلب رفق بنا وجاء في الحديث الله لطيف لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة واخفى منها وموضع النشو منها والعقل والشهوة ونقلها الطعام والشراب الى اولادها في المفاوز والاودية والقفار فعلمنا ان خالقها لطيف بلا كيفية واما الكيفية للمخلوق المكيف ولطف الشيء يلطف لطافة من باب قرب صغر حجمه وهو ضد الضخامة واللطف في العمل الرفق به واللطف في عرف المتكلمين ما يقرب من الطاعة ويبعد عن المعاصي ولا حظ له في التمكين ولا يبلغ الالجاء لمنافاته للتكليف كالجذب من الزنا الى مجلس العلم اما القدرة ففي المجمع وقدرت على الشيء من باب ضرب قويت عليه وتمكنت منه والاسم القدرة والفاعل قدير وقادر والشيء مقدور عليه الى ان قال والقادر من اسمائه تعالى وهو وان ظهر معناه لكن يحتمل ان يكون بمعنى القدر قال تعالى فقدرنا فنعم القادرون ومن اسمائه تعالى المقتدر وهو مفتعل من القدرة والاقتدار ابلغ واعم والقادر والمقتدر اذا وصف الله بهما فالمراد نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد ومحال ان يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى وان اطلق عليه اقول ( اقول هذا خل ) الذي تلونا عليك شطر من كلام اهل اللغة ولهم من نحو هذه الكلمات كلمات اخر لا تسمن ولا تغني من جوع تركنا ذكرها وهذا الذي ذكرناه انما ذكرناه امتثالا لامرك السامي ومرادهم من هذه المعاني ما يعم الله وغيره على جهة العموم الاطلاقي او الافرادي الاستغراقي الا ان الصدق عندهم من باب التشكيك ويبطل هذا القول مذهب الشيعة من انه كما يجب ان يوحد الله سبحانه من الشريك معه تعالى في ذاته كذلك يجب ان يوحد الله سبحانه وتعالى في صفاته وعبادته وقد اتفق الموحدون من الفرقة المحقة ان مراتب التوحيد ثلثة توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد العبادة وزاد جماعة من المحققين مرتبة اخرى ( اخرى رابعة خل ) وهي توحيد الافعال فاذا اشترك معه سبحانه وتعالى في جهة صفة من الصفات الا ان له تعالى الفضل عليه من جهة التقدم الذاتي والشرف الحقيقي لتحقق التشكيك لم يكن واحدا في الصفات كما اذا كان في الذات كذلك لم يكن واحدا في الذات هذا في الصفة الذاتية واما الفعلية كذلك ( فكذلك خل ) ايضا لان الفعل علة المفعول والاثر منقطع عند المؤثر فلو اتفقا في جهة جامعة لم يكن احدهما اثرا والآخر مؤثرا لاتفاق ذاتيهما في حقيقة رتبة واحدة ولذا قال مولينا امير المؤمنين عليه السلام لم يكن بينه وبينها فصل ولا له عليها فضل فيستوي الصانع والمصنوع والمشيء والمشاء الحديث وبالجملة لا مجال لي في تفصيل المقال في هذه الاحوال وكشف حقيقة الحال ( الاحوال خل ) لازالة الاشكال فالاعراض عنه اولى وكتمانه في الصدور احري واما مفاهيمها ورسومها اللغوية فكما سمعت من كلمات اهل اللغة
واما حدودها فهي مبنية على معرفة حقايق هذه المعاني ( المعاني وذواتها خل ) وكينوناتها واحوالها واطوارها واني لاهل اللغة الظاهرة العامة والوصول الى هذه الدقايق فانهم انما اخذوا ( اخذوا ما اخذوا خل ) وعرفوا ما عرفوا من كلمات العرب العرباء اهل البوادي وخطبهم واشعارهم وموارد استعمالهم ( استعمالاتهم خل ) واين هم من معرفة حقايق الاشياء ليعرفوا حدود معاني الالفاظ بحقايقها وذاتياتها نعم علمهم الله سبحانه وتعالى لقوله عز وجل علم الانسان ما لم يعلم بعض وجوه اللغة العربية وهو جزء من سبعين جزء لتوقف معاشهم ومعادهم عليه وجعل ما سوى ذلك من الوجوه وحقايق اللغات ودقايق المعاني والذوات مستودعة في قلوب احبائه واصفيائه وامنائه وهو قول مولانا الصادق عليه السلام اني لاتكلم بكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج وقد ترشح من تلك القلوب الطيبة والصدور المنيرة الى قلوب المتادبين بآدابهم الناهجين منهجهم الذي ( الذين خ ) هجم بهم العلم على حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم ما استوعر على غيرهم ويانسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقا فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل وسيحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ولو اردنا ان نشرح شيئا من تلك الحدود على ما دلنا عليه دليل الحكمة لقالت طائفة انه مجنون وقالت اخرى انه مبتدع ملعون لانه اتى بما لم يقله اللغويون فان الله تعالى يقول وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ولم يعرفوا ان القوم ليسوا منحصرين بالعوام والجهال ولا باصحاب القيل والقال بل يعمهم واولئك الكبار ( الكبار وخل ) الابدال ولهم لسان على حسب جريهم في الدليل والاستدلال ولكن هذا هو الداء العضال فالسكوت عنه اولي في هذا الزمان الذي يعرف المقال بالرجال ولا يعرف الرجال بالمقال عكس ما قال امير المؤمنين على المفضال على اخيه وعليه وزوجته وبنيه سلام الله بالغدو والآصال
واما الفرق بين مفاهيمها ومناطيقها فالظاهر انه سهو من قلم جنابه فان الفرق بين المفهوم والمنطوق هو الفرق بين الدلالة الالتزامية والدلالة التضمنية والمطابقية فان المنطوق هو المعنى الذي يفهم في محل النطق وهو ينقسم الى مطابقة وتضمن والمفهوم هو الذي يفهم لا في محل النطق وهو ينقسم الى فحوي الخطاب ولحن الخطاب ودلالة التنبيه ودلالة الاقتضاء ( الاقتضاء ودلالة الاشارة خل ) ودلالة الخطاب وامثالها مما هو مرسوم في محله الا انهم اذا اطلقوا المفهوم يريدون به مفهوم المخالفة وهي المفاهيم العشرة المشهورة المتكررة على السنة اهل الاصول ( الوصول خل ) وهذه الاحوال لا دخل لها كثيرا في هذا السؤال لان هذه الصفات ان كانت ذاتية فلا معنى لثبوت التضمن والالتزام فان الاول يستلزم التركيب والثاني يستلزم النسبة المستلزمة للتركيب اذ لولا النسبة لجاز ان يلزم كل شيء كل شيء هذا خلف بل ولا المطابقة فانها تستلزم الاقتران الدال على الحدث الممتنع عن الازل وان كانت فعلية فلوازمها لا تتناهي ودلالتها ( دلالاتها خل ) تخرج عن حد الاحصاء فلا تسعها الدفاتر اذ جميع العلوم والاحوال والاحكام والافعال والاقوال والحركات والسكنات كلها من لوازم هذه الصفات اذ بها تدور رحي الكائنات وعنها تشتق الموجودات و( في خل ) كل علم شعبة من شعبها بجهة من الجهات فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء على دوحات سدرة المنتهى الكائنة في حظيرة القدس التي هي مأوى اهل الوداد والانس وانما المراد سؤال الفرق بين مفاهيمها ومصاديقها كما اشتهر بين القوم من الفرق بين مفاهيم صفات الله ومصاديقها ويقولون ان مفاهيم الصفات فيها تعدد واما المصاديق فلا تعدد فيها ومرادهم بالمفهوم ما ينتزعه الذهن وينتقش فيه ومرادهم بالمصداق ما يصدق عليه ذلك المفهوم في الخارج مثلا قالوا ان زيدا قائم مفهومان متغايران فان مفهوم زيد غير مفهوم القائم واما المصداق فمتحد في الخارج اذ لا تغاير بين زيد والقائم في الخارج كتغاير مفهوميهما في الذهن وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والعظمة والكبرياء والجلال والجمال وغيرها من صفات ( صفات الكمال خل ) كلها متحدة في المصداق فان مصداقها ذات الله وهو واحد ومفهومها المعاني المتعددة ولما كان المفهوم امرا اعتباريا في الذهن فتعدده وتغايره لا يقدح في وحدة الذات وبساطتها ويرد عليهم ان ما في الذهن الذي سموه مفهوما هل يطابق ما في الخارج ام يخالف فان كان الثاني يلزم ان يصلح ان يكون كل شيء مفهوما لكل شيء ويصدق كلما في الذهن على كلما في الخارج فمن التزم بهذا فقد صادم الضروري وزاحم البديهي وانكر الوجدان والعيان اذ لا يصح ان ينتزع البرودة من النار ولا الحرارة من الماء بالضرورة وان ( فان خل ) كان الاول فتعدد المفهوم يستلزم تعدد المصداق اذ لم تتحقق المطابقة بدون هذه الملازمة مثلا اذا انتقش في الذهن مفهوم القائم ثم انتقش فيه مفهوم زيد مجردا عن الصفة فلا يخلو ان الذهن انتزع من الخارج من حيث انه زيد مفهوم القائم ومن حيث انه قائم مفهوم زيد فلا يصح ابدا لبطلان التعدد حينئذ او نظر الى زيد من حيث اتصافه بالقيام فانتزع منه مفهوم القائم ثم نظر الى زيد ملغي اعتبار ( ما في اعتباره خل ) نظره عن اقترانه بالصفة فانتزع مفهوم زيد فلا شك ان هنا جهتان في الخارج هما منشأ انتزاع المفهومين المتعددين وان اقترنت الجهتان في الخارج بحيث لا يمكن انفكاكهما فان اقتران الشيئين لا يستلزم وحدتهما مثلا اذا كان جسم اسود مربع خشن وضخم ( ضخيم خل ) ثقيل فالذهن يلتفت الى جهة سواده في الخارج فينتزع عنه مفهوم السواد ثم ينظر اليه من جهة الجسمية مع قطع النظر عن ساير الصفات فينتزع عنه مفهوم الجسم ثم ينظر اليه من جهة التربيع مجردا عن غيره فينتزع ( فينزع خل ) عنه مفهومه وهكذا في غيره من الصفات الموجودة في الجسم فينتزع عنه بتلك الجهات المتحققة ( المحققة خل ) مفهومات كثيرة يقال في الحسن ( الحس خ ) الظاهري ان هذه المفهومات العديدة لمصداق واحد وهذا النظر هو نظر العوام فاذا تاملت في الامر وجدت ان مصاديق هذه المفاهيم ايضا مختلفة فان ( في ان خل ) السواد والتربيع والجسمية والثقل كلها امور خارجية موجودة في الخارج بحسب الواقع والحقيقة الا ان الحسن ( الحس خ ) لضيق عالمه لا يتميز ( لا تميز خل ) بينها بخلاف النفس فانها تميز ( تميزها خل ) وتفرقها وتجعل كل شيء في مكانه فيظن الجاهل بالامر ان المفاهيم المتعددة لمصداق واحد فلو كان كذلك لماذا لا تنزع النفس التثليث في الجسم المربع والعكس ولا الجسمية في الروح وهكذا وقولهم ان منشأ الانتزاع موجود معناه ما ذكرناه من ان النفس تلتفت الى تلك الجهة فتنتقش صورتها في مرآة ادراكها كما في المرآة والمقابل حرفا بحرف واما ان منشأ الانتزاع امر آخر والذي في الذهن امر آخر غير مطابقين ولا موافقين فكلام سوفسطائي لا ينبغي الاصغاء اليه ولا الركون عليه وهو معنى كونه منشأ الانتزاع لان الانتزاع الذاتي لا يعقل فان الخارج لا يدخل في الذهن بالضرورة وانما الذي يدخل فيه وينتزع عن الخارج صورته المقابلة في الذهن لا غير ذلك ولذا اشتهر عندهم ان العلم هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل فافهم فقد ( فقد اشبعنا خل ) الكلام في هذه المسئلة في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وبينا ان المفهوم صفة للمصداق ومطابق له من حيث انه كذلك فان كان التعدد في المفهوم ففي المصداق ايضا كذلك لانه صفته ودليله وان كان الاتحاد في المفهوم ففي المصداق ايضا كذلك لما ذكرناه واما صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية فلا تعدد فيها لا مفهوما ولا مصداقا ولا اعتبارا ولا فرضا وهذا التعدد انما هو باعتبار الظهورات الفعلية واثبات الكمال للذات على حد ما قال مولينا الباقر عليه السلام وان ( انما خل ) النملة لتزعم ان لله زبانتين ( زبانيتين خل ) لما رأتهما كمالا لما اتصفت بهما وكذلك نحن لما راينا العلم كمالا والقدرة وكذا السمع والبصر ورأينا اضدادها نقصا اثبتنا له اشرف الضدين واحسن النقيضين ولا نعني عند الاثبات بهذه الصفات المعاني المعروفة عندنا والمعلومة لدينا مثلا اذا قلنا ان الله عالم في ذاته وان العلم هو عين ذاته تعالى بلا فرض المغايرة فلا يصح ان نقول انه بمعنى الانكشاف او حضور المعلوم عند العالم او الصورة الحاصلة للشيء عند العقل او حصول الصورة في الذهن او انتقاش الذهن بالصورة او صفة توجب لمحلها تمييز ( تميز خل ) لا يحتمل النقيض وامثالها من المعاني اذ لو كان الامر كذلك لزم ادراك الذات المجمع على بطلانه لان العلم هو الذات وادراكه ادراكها وقد انعقدت ضرورة الاسلام على ان ذات الله سبحانه وتعالى لا تدرك ( لا تدرك ولا تعلم خل ) ولا يحاط بها علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما وكذلك القول في القدرة الذاتية والسمع والبصر الذاتيين فكيف يعقل ان يكون لكل منها مفهوم غير الآخر ولا نعني بالادراك الا انتزاع المفهوم فكيف يعقل انتزاع المفهوم عن شيء لا يعرف ولا يعلم كيف هو في سر ( كيف وهو سر خل ) ولا علانية وهذه الالفاظ اذا اطلقتها على الذات البحت كلها بمعنى واحد بلا اختلاف ولا تعدد ولا مغايرة بوجه من الوجوه وذلك المعنى ايضا مجهول الكنه والكيفية فمن رام معرفته فقد كفر كفر الجاهلية لانه اتى بما عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وآله خير البرية نعم هذه الالفاظ اذا نظرت الى مدلولاتها اللغوية ترى لها مفاهيم متعددة باعتبار الظهورات والآثار الفعلية واما باعتبار الذات وهي احدية الذات واحدية المعنى واحدية الحقيقة فافهم ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله وايانا الصراط ( صراطه خل ) المستقيم فان هذا هو التوحيد الذي عليه الائمة المصطفون والعلماء الراسخون سلام الله عليهم ما دامت السموات والارضون
واما مفاهيم هذه الصفات المذكورة في هذه الفقرات فالذي استنبطناه من ائمتنا السادات عليهم السلام من رب البريات نذكر شرذمة منها بالتلويح والاشارة في طي العبارة فنقول اما العظمة فهي عبارة عن ظهور الله سبحانه وتعالى بالهيمنة والقيومية في عالم الشهادة والكبرياء هو الظهور بالهيمنة والاستيلاء في عالم الغيب والكينونة هي الظهور بجوامع الصفات العامة والخاصة والمطلقة والمقيدة في المقامات التفصيلية والمظاهر الالهية الشخصية وحضرة الاسماء والصفات ومجمع الكمالات والشئونات مما يليق به ( له خل ) او ينزه عنه من صفات الممكنات وهي مظهر اسم الله الاعظم ومقام الجامعية الكبرى والقرآن العظيم والكتاب المسطور في رق منشور والجود هو الظهور بالعطاء من غير استحقاق ولا لاجل شيء وعوض ولو طلب الثناء والمدح والتعظيم والاكرام وهو مظهر اسم الجواد ومحل ظهور اسمه الوهاب الذي يظهر بهما يد الله الباسطة بالاعطاء والانفاق وهناك محل ظهور الاربعة عشر قصبة الياقوت النابتة في اجمة اللاهوت حجاب العزة والجبروت مالكة ازمة الملك والملكوت والعز هو الظهور بالهيمنة والقيومية والسلطنة والاستيلاء والقهر والغلبة وزوال الاشياء واضمحلالها وهلاكها ودثورها وبوارها وهو مظهر اسم يفني الحقيقة والرسم وينادي لمن الملك اليوم لله الواحد القهار العزيز الجبار وهو نداء دائم وصوت متصل قائم يظهر تمام الظهور لاهل الغيور عند نفخ الصور وتبقي آثاره بحقيقة اطواره مدة اربعةمأة ( اربعمأة خل ) سنة هي مدة ما بين النفختين والواسطة بين النشأتين والا فعند اهل الوصال والكمال يجري هذا المقال لم يزل ولا يزال ولهم في كل آن اندكاك واضمحلال واحداث وايجاد بقوله تعالى كن فيكون بواسع المقال فهو ( وهو خل ) قوله عز وجل افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فافهم والكرم ( والكرامة خل ) هو الظهور بمبادي الصفات الكمالية في المجالي التفصيلية و( وهو خل ) ظهور اوايل الكمالات الجلالية والجمالية وهو الجامع لمجامع محاسن الصفات والرحمة هي ( هو خل ) الظهور بالعطاء واجابة المضطرين على السواء وهي قسمان رحمة العدل ورحمة الفضل فالاولى هو ان يعطي كل ذي حق حقه ويسوق الى كل مخلوق رزقه وبها ادخل اهل النار في النار وحكم بالشقاوة في الاشرار وانزل العذاب على الكفار واحدث النقمة للفجار واوجد الامراض والاعراض وفساد الطبايع وغلاء الاسعار واظهر خبث الضماير والسراير وفساد الاشجار والثمار وغيرها من المسافرات ( المنافرات خل ) والكدورات الجارية في العالم بجميع الاكوار والادوار وتسمي هذه الرحمة رحمة العدل وبها استوي الرحمن على العرش وسلطه على الفرش واخرج آدم من الجنة وقتل قابيل هابيل للحسد والحمية والثانية رحمة الفضل وهي ان يعطي من غير استحقاق مع ما عليه من قابلية الاعطاء والانفاق وهو قوله تعالى ويعطي كل ذي فضل فضله وبها ادخل الله اهل الجنة الجنة واوصلهم المقامات العلية وعلاهم الدرجات السنية وجعلهم خير البرية وبها احدث الطيبات وانحاء الملايمات والمناسبات وتلايم الطبايع والذوات واحدث كل خير ونور ورشد في اطوار الكاينات وهي رحمة الرحيم والفضل العظيم والمن الجسيم والايادي الجزيلة والعطايا الجميلة وحاملها النور القديم الذي هو في ام الكتاب لدى الله لعليّ حكيم والحامل والمحمول وساير اللواحق مقهورة تحت جلال عز الله مضمحلة دون سطوع نور حكم الله والله من ورائهم محيط والرافة هي الظهور برحمة الفضل التي مضي شرحها آنفا ولذا قالوا ان الرافة ادق ( ارق خل ) من الرحمة اذ معها لا يكاد يقع في المكروه ولو للمصلحة بخلاف الرحمة والحلم هو الظهور بالصفح والستر والمسامحة عند عظايم الجرم وكباير الفواحش وبه ابقى الله سبحانه العالم واجرى حكم نظام بني آدم في جميع العوالم وجميع الآدميين الالفالف وهو قوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الآية واللطف هو الظهور بالمحبة الاولية التي بها اوجد ما اوجد وخلق ما خلق واعطى ما اعطى واودعها في مستجنات سراير بواطن الاشياء فبها تناسبت وتلايمت وتؤالفت واجتمعت والكلام هنا طويل والمجال لنشر غرايب المعاني قليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والقدرة هي الظهور بالالوهية وهي وان كانت في عالم الظهور في حجاب الواحدية الا انها في الحقيقة جامعة لاطوار جهات الاحدية والواحدية والرحمانية والملكية وهو محل الاسم الاعظم الاعظم الاعظم ومقام الذكر ( الذكر الاجل خل ) الاعلى الاعلى الاعلى وليس دونها مقام وانقطع عندها الكلام فعلى من يفهم الكلام السلام وهذا الذي سمعت شطر من مفاهيمها الحقيقية الشرعية
واما مصاديقها فالعظمة للظاهر في عالم الملكوت والكبرياء للظاهر في عالم الجبروت والكينونة الظاهرة ( للظاهر خل ) في عالم الفؤاد وباب المراد وهو عالم اللاهوت والجود للظاهر في محل الكلمة الالهية والعز للظاهر في محل الحروف العاليات والكرم للظاهر في محل الالف الغير المعطوفة النفس الرحماني الاولى والرحمة للظاهر بمحل النقطة الحقيقية التي عليها يدور كلام الله في قوله تعالى كن فيكون والرافة للظاهر في ( في محل خل ) مقام السحاب المتراكم والحلم للظاهر في مقام السحاب المزجي السر المستسر واللطف للظاهر في الرياح المثار من شجر البحر بحر الامكان وبحر الكرم والامتنان وبحر الجود والاحسان فافهم ايها الانسان والقدرة للظاهر في النقطة الاولية الازلية والابدية والسر المستسر بالسر والسر المقنع بالسر وهذه المذكورات هي المصاديق لتلك المناطيق فافهم ايها الصديق بالفهم الدقيق والفكر العميق فقد اوردتك منهلا رويا ماورده غيرك من اهل التحقيق فاشرب عذبا صافيا هناك الله تعالى ولهذا الكلام وجوه ومعان واطوار اخر تركتها خوفا من الاشرار وحفظا للاسرار عن تناول الفجار وامتثالا لقول العزيز الجبار ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم منها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا نعم بالمشافهة تطرد ( ترفع خل ) العصافير بقطع الشجر لا بالتنفير
واما الفرق بين العظمة والكبرياء والجود والكرم الخ فاعلم ان هذه الالفاظ قد يطلق بعضها على بعض عند الافتراق ولذا ترى اهل اللغة قد فسروا العظمة بالكبرياء والكبرياء بالعظمة واما اذا اجتمعت فقيل عظمة وكبرياء او جود وكرم او لطف ورافة ورحمة فيفرق بينها والفرق كما ذكرناه وفصلناه الا ان العظمة والكبرياء تختلف اطلاقاتهما في المقامات عند الفرق ففي مقام تجعل الكبرياء اعلى من العظمة كما في ( كما في هذه الدعاء وفي مقام تجعل العظمة اعلى من الكبرياء كما في خل ) ادعية كثيرة وروايات متظافرة وقد ذكرت لك سابقا ان المدار في تفسير الكبرياء وقد ورد في مقامين الا ان تحصيل ( تحصل خل ) المعنى الحقيقي لكل منهما مشكل جدا لتشابه الاستعمالين وتكافؤ الاطلاقين فقد وصف الله سبحانه وتعالى في كتابه ( كتابه العزيز خل ) العلي مرة بالعظيم ومرة بالكبرياء ( بالكبير خل ) فقال وهو العلي العظيم وان الله هو العلي الكبير وان كان ترجيح الكبرياء في المعنى الحقيقي بكونها اسفل من العظمة لا يخلو من قرب والله سبحانه هو العالم
واما ما سئلت ايدك الله تعالى عن وجه الفرق بين معاني هذه الصفات عند اهل الشرع وارباب الاسماء ( الاسماع خل ) واهل اللغة فاعلم ان ما ذكره اهل اللغة في معانيها قد ذكرنا لك ( قد ذكر لك سابقا خل ) شطرا منه واما اهل الشرع فقد ذكرت لك ولعمري ما عرفته من كلماتهم في لحن خطاباتهم فانها ليست مبتذلة مشتهرة تعرفها العامة بل انما هي مكنونة مستترة تطلع عليها الافئدة واما ارباب الاسماء الآخذين عن ( من خل ) اهل البيت عليهم السلام والمنقطعين اليهم والمتمسكين بعروة محبتهم وولايتهم فهم لا يخالفون ما ذكرناه وبيناه واما عامة اهل الحروف والاوفاق والاعداد والجفر وغيرهم فلم يحضرني الآن كتبهم ومصنفاتهم حتّى ابين لك ما قالوا واشرح لك ما ذكروا ولااظن انهم تعرضوا لبيان معاني هذه الصفات على التفصيل الا انه ربما يفهم ذلك في طي عباراتهم ولحن خطاباتهم ولتعرفنهم في لحن القول والله ولي التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : الخامس : لما كانت العظمة والكبرياء والقدرة وغيرها من الصفات عين ذاته تعالى وتقدس فلا يخلو اما ان يمكن التفرقة بينهما او لا فان امكنت فالتفرقة بينها هي عين التفرقة بين ذات الله تعالى شانه وعظم سلطانه وما هو عينها وهو باطل قطعا كما دلت عليه الحجج القاطعة والبراهين الساطعة وان لم يكن فالمقدمة المسلمة ان المشتق غير المشتق منه مهملة لا معنى لها وتقييد كل واحدة من هذه الصفات بالاشتقاق لا يظهر لها فايدة اصلا
السادس : لو كان الاشتقاق والشق هو اقتطاع الفرع عن الاصل كما هو مصرح في غير واحدة من عباراتكم في الرسايل واجوبة المسائل وكانت تلك الصفات هي عين الذات المقدسة كما هو مقتضى المقدمة الاولى فلا معنى لاشتقاق احدها عن الاخرى وكيف فانه لو كان كذلك يلزم ان يكون الذات المقدسة الواحدة البسيطة منشأ للقطع والاقتطاع وايضا حينئذ تكون الذات المقدسة هي الاصل والفرع اللذين هما عينها وهذا باطل بالضرورة وبتقرير آخر لو كان الامر كذلك فالقاطع والمقتطع ( المنقطع خل ) حينئذ انما هي الذات المقدسة بمقتضي الخطاب والمقدمة المسلمة فيلزم ان يكون الذات الالهية هي فاعلة ومنفعلة بنفسها لنفسها وهذا خلف فكيف يصح اشتقاق العظمة عن الكبرياء والكبرياء عن الكينونة والكينونة عن الجود وهكذا الى آخرها
اقول قد علم جواب هذين الاعتراضين مما سبق في المقدمة السابعة والثامنة اللتين ذكرناهما وضممناهما بالمقدمات الستة التي ذكرها جنابك من ان هذا الاشتقاق والاقتطاع ليس في الصفات الذاتية حتّى يلزم ( يرد خل ) ما ذكرتم من وجوه القبايح والمفاسد وانما هو في الصفات الفعلية وهذه الصفات المذكورة في هذه الفقرات قد بينا انها من الصفات الفعلية وقد ثبت انها حادثة والحادث يجري عليه الافتراق والاشتقاق والاجتماع والاقتران والنسبة والارتباط وغيرها من صفات الحادثات فلا اشكال حينئذ بوجه من الوجوه وهذا ظاهر معلوم انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : السابع : اذا كان الاسم مشتقا عن العظمة والعظمة عن الكبرياء والكبرياء عن الكينونة والكينونة عن الجود والجود عن العز والعز عن الكرم والكرم عن الرحمة والرحمة عن الرافة والرافة عن الحلم والحلم عن اللطف واللطف عن القدرة فكان الاسم الواحد المشتق فرعا مقتطعا عن اصول متعددة متكثرة هي العظمة والكبرياء والكينونة والجود والعز والكرم والرحمة والرافة والحلم واللطف والقدرة على ما تقتضيه المقدمة السادسة ولا معنى لتكثر الاصول مع تفرد الفروع
اقول انما يلزم ( يستلزم خل ) ما ذكرتم اذا كان الفرع مقتطعا عن اصول متكثرة بلا وساطة وترتيب كما اذا كان ولد واحد تعاورت عليه آباء كثيرة بلا توسط بعضها عن بعض كما الزمنا الذين قالوا ان المصدر اصل في الاشتقاق وان الفعل فرع مشتق من المصدر كما هو مذهب البصريين وقالوا في كتب ان له ثلثة مصادر كتبا وكتابة وكتابا قلنا ان الفعل اذا كان مشتقا من المصدر كيف يعقل اعتبار اصول متعددة على فرع واحد الا ان يقولوا ان هذه المصادر بعضها مشتق عن بعض والفعل مشتق عن المشتق ( الفعل خل ) الاخير وهو غير ظاهر من كلامهم كما يظهر من تتبع كلمات اهل اللغة والتزام صحة ذلك في عالم الالفاظ دون المعاني يبطله اثبات المناسبة بين الالفاظ والمعاني وان المباني على طبق المعاني حرفا بحرف كما اوضحناه في رسالة منفردة موضوعة لهذا البحث الشريف وبالجملة فالاعتراض على اي حال ساقط في هذا النوع من الاشتقاق فان الاسم مثلا ليس مشتقا من العظمة والكبرياء وساير الصفات على الاجتماع دون الترتيب بل انما هو مشتق عن الكبرياء بواسطة العظمة ومشتق عن الكينونة بواسطة الكبرياء وهكذا الى آخر الصفات كما تقول ان صاحب الزمان عجل الله فرجه وفرجنا به وعليه وعلى آبائه السلام في الظاهر متولد ومشتق عن مولانا الحسن العسكري عليه السلام وهو مشتق عن عليّ الهادي عليه السلام وهو مشتق عن محمد الجواد عليه السلام وهو مشتق عن عليّ الرضا عليه السلام وهو مشتق عن موسى الكاظم عليه السلام وهو مشتق عن جعفر الصادق عليه السلام وهو مشتق عن محمد الباقر عليه السلام وهو مشتق عن عليّ السجاد عليه السلام وهو مشتق عن الحسين الشهيد عليه السلام وهو مشتق عن فاطمة وامير المؤمنين عليهما السلام وهما مشتقان ( هو مشتق خل ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله فالكل عن رسول الله صلى الله عليه وآله بالوسايط وهذا غير ضائر ولا يستنكره ( لا يستكبره خل ) العقل والنقل والعرف واللغة الا ترى اهل الصرف قالوا ان الفعل الماضي مشتق من المصدر والفعل المضارع من الفعل الماضي وفعل الامر من الفعل المضارع وهذا واضح ظاهر انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : الثامن : لا شك ان بعض هذه الصفات كالعزة والعظمة والكبرياء ذاتية مقدمة اليق بالاصالة والتقدم وبعضها فعلية متأخرة احرى بالتاخر والفرعية ولما كانت العظمة والكبرياء والكينونة مشتقة من الكرم والرافة والرحمة لا بد ان تكون متاخرة عنها للمقدمة الخامسة فيلزم تقدم الفعل على الذات للزوم تقدم صفة احد الشيئين على صفة الآخر تقدم احدهما على الآخر اذا كان صفة الآخر عين ذاته فتقدم صفة الفعل على صفة الذات يلزم تقدم الفعل على الذات هذا خلف وايضا يلزم ان يكون الصفات الفعلية اصلا مقدما والصفات ( الصفة خل ) الذاتية فرعا متاخرا للمقدمة الرابعة وكيف يصح ذلك مع ان الذات هو الاصل المتقدم والفعل هو الفرع المتأخر وهكذا صفاتهما فان النسبة بين الموصوفين هي النسبة بين الصفتين وايضا لا ريب ان الصفات الفعلية مورد الايجاب ( للايجاب خل ) والسلب بخلاف الصفات الذاتية فلا يكون ما هو مورد السلب اصلا لما لا يرد عليه السلب اصلا لخساسة السلب وما هو مورده عما هو الموجود ومورد ( عما هو الموجود وهو خل ) الموجود فقط
التاسع : لو اشتقت الصفات الذاتية عن الفعلية لجرى عليه النفي والسلب للزوم سريان ما هو من لوازم الاصل في الفرع وطريان السلب في الصفات الذاتية هو عين طريانه في الذات المقدسة وهذا باطل بالضرورة
العاشر : لو اشتقت احدى الصفات الذاتية كالعظمة والكبرياء والعزة ( العز خل ) ولو بوسايط عن الصفات الذاتية الاخرى ( الاخر خل ) كالقدرة مثلا لزم ان يكون بعض الصفات الذاتية غير الصفة الذاتية الاخرى على المقدمة الثالثة والا لبطلت المقدمة ولا فائدة في الاشتقاق ولا في تعدادها على حدة وعلى هذا يلزم ان يكون الذات المقدسة غير ذاتها وهذا ( وهي خل ) صريح البطلان
الحادي عشر : يلزم ايضا في صورة اشتقاق بعض الذاتية عن بعضها ان تكون الصفة الذاتية ( الصفة الذاتية غير الذات المقدسة وعينها بناء على الاولى والثانية وهذا خلف خل )
الثاني عشر : لو اشتقت الصفات الذاتية كالعظمة والعزة عن الفعلية كالجود والكرم لزم اشتقاق الذات المقدسة تعالى شانه عن الصفات الفعلية لكون الذاتية عين الذات وكلما اشتق عن شيء لاشتق ما هو عينها عنه وهذا خلف
الثالث عشر : يلزم عند الاشتقاق تقدم الشيء على نفسه اعني تقدم ذاته المقدسة على ذاته وهذا باطل وبيانه اذا اشتق بعض الصفات الذاتية عن بعض ( بعضها خل ) لكان المشتق منه مقدما على المشتق ولا شك ان الصفات الذاتية كلها هي عينها فاذا تقدم بعض الذاتية على بعضها بالاشتقاق لتقدم ما هو عينها على ما هو عينها وهذا هو تقدم الشيء على نفسه كما لا يخفى
اقول هذه الابحاث والاعتراضات كلها انما ترد على فرض ان هذه الصفات المشتق بعضها عن بعض هي الصفات الذاتية او ان بعضها ذاتية وبعضها فعلية واما على ما بيناه واوضحناه من انها كلها صفات فعلية والذات عن ذلك كله بمعزل فالاعتراض ساقط عن اصله فراجع ما ذكرناه ولا يحتاج ( ذكرناه وتفهم ولا تحتاج خل ) الى تطويل المقال في هذا المجال والله المستعان في كل الاحوال
قال سلمه الله تعالى : الرابع عشر : ما الاشتقاق وكيف ولم ومتى وانى
اقول لنا في هذه المسئلة تحقيقات شريفة ونكتة لطيفة دقيقة انيقة قد خفي الا على الاقلين ولم يحظ ( لم يحط خل ) بها الا شرذمة من المؤمنين الممتحنين ولعمري ان بها ينكشف اسرار التوحيد والنبوات والولايات وكيفية تكوين كينونات الخلق اجمعين ولا يسعنا الآن تفصيل القول فيها لضيق المجال وتبلبل البال وتصادم الامراض ( الاعراض خل ) المانعة عن استقامة الحال ولكن لما كان لكل سؤال جواب فلا بد من الاشارة اليها ولو بمختصر المقال فنقول ان هذا السؤال يشتمل على خمسة مطالب الاول ( الاول في خل ) بيان حقيقة الاشتقاق والثاني في بيان كيفيته والثالث في علة وجوده وتحققه والرابع في بيان وقت وجوده والخامس في تحقيق مكان تحققه وبروزه وظهوره
اما الاول فاعلم ان الاشتقاق عبارة عن اقتطاع فرع عن اصل يكون ذلك الاصل المشتق منه ظاهرا في الفرع المشتق اما بسنخ مادته او بقشره وشانه او بظهوره والقاء شبحه ومثاله واشعته ونوره وهو على قسمين لفظي ومعنوي واللفظي على قسمين بل ثلثة اقسام الاول ما يكون المشتق منه ظاهرا في المشتق بمادته وهو الافعال الستة المشتقة من الفعل الماضي المشتق عن الفعل المطلق مجردا عن جميع الحدود والقيود المشتق عن نفسه بنفسه على حد ما قال مولانا الصادق عليه السلام خلق ( خلق الله خل ) الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فتكون الافعال المشتقة سبعة الماضي والمضارع والامر والنهي والجحد والنفي والاستفهام والفعل المشتق منه هو بنفسه ظاهر في هذه الموارد السبعة ظهور النار في السرج المتعددة كما قال امير المؤمنين عليه السلام انا من محمد (ص) كالضوء من الضوء والنار في السراجين واحد كالولد وولد الولد فافهم فانه دقيق والثاني ما يكون المشتق منه ظاهرا في المشتق بقشره وشانه وهو اسم الفاعل والمفعول وصيغ المبالغة المشتقة من المصدر فان المصدر اصل ظاهر في هذه الفروع بقشره وشانه فان مادة اسم المفعول ليست هي عين المصدر بمادته الحقيقية ولا من شعاعه وانما هو قشره وشانه وانجماد ( انجماده خل ) في طور تنزله كاشتقاق القشر من اللب فان القشر لا يلحق اللب البتة كذلك اسم المفعول لا يلحق المصدر وكذلك القول في اسم الفاعل فانه وان كان فيه ظهور الذات الا ان هذا الظهور نور من المصدر منشعب عنه انشعاب الوجه والدماغ عن القلب كما حققناه في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا لاسيما في شرح الخطبة الطتنجية الثالث المصدر المشتق من الفعل على ما هو الحق عند اهل الحق فان الفعل ظاهر في المصدر بشعاعه ونوره لا بذاته ومادته لان المصدر اول اثر تعلق به فعل المؤثر ولذا كان هو المفعول المطلق ولا يعقل ان يكون المفعول والفعل من سنخ واحد وحقيقة واحدة لان المفعول اثر الفعل ومتعلقه ولا يمكن ان يكون الاثر عين المؤثر والا لم يكن اثرا هذا خلف ولذا يقع معمولا للفعل ومتأثرا منه ولا يصح ان يكون عاملا فيه ولا ريب ان العامل اصل للمعمول وان الاثر شعاع للمؤثر فاشتقاق المصدر عن الفعل اشتقاق الشعاع عن المنير واشتقاق الصورة في المرآة عن المقابل ولذا يقع تاكيدا له فان التاكيد ظهور المؤكد كما ان الصورة في المرآة ظهور المقابل وان كانت ( المقابل كانت خل ) على هيكله وصورته ولا فرق بينها وبينه في التعريف والتعرف والمعرفة الا انه اثره وشبحه وصفته والدليل عليه فان قولك اضرب ضربا في قوة قولك اضرب اضرب فالثاني شعاع للاول ( الاول خل ) وهو الامر المفعولي عندنا كما قال الله عز وجل وكان امر الله مفعولا والاول هو الاصل المنير وهو الامر الفعلي وحكم الالفاظ على طبق حكم المعاني بلا فرق ولا اختلاف وقد اعرضنا عن ذكر ادلة ما ذكرناه وبراهينه من العقل والنقل لضيق المجال وضعف الحال وتبلبل البال فلا تقابل ما ذكرناه بالانكار لكونه مخالفا لما ذكره اهل النحو واهل الصرف بل ما ذكرناه هو الموافق لائمة اهل الحق ( لائمة الحق خل ) عليهم السلام والمعنوي ايضا ينقسم الى هذه الاقسام فالاول مثل ظهور الفعل في اطوار المشية والارادة والقدر والقضاء والامضاء والاذن والاجل والكتاب وهذه كليات اشتقت من الفعل الكلي وتحت كل منها وجوه مشتقة منها اشتقاقها من الفعل وتسمي تلك الوجوه رؤسا وهي بعدد المخلوقات في كل سلسلة من السلاسل العرضية وظهور الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله في الاطوار الاربعة عشر وان كان بتوسط بعضها عن بعض كما قال تعالى ذرية بعضها من بعض وفي الزيارة الجامعة واشهد ان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض وظهور الاجناس في انواعها والانواع في اصنافها والاصناف في اشخاصها فالاشخاص مشتقة عن الاصناف والاصناف عن الانواع والانواع عن الاجناس وكذلك ظهور الوالد في الاولاد وهكذا اشباحها وامثالها في اطوار الايجاد والانوجاد والثاني ظهور الفعل في المفعولات والمشية في المشاءات والاضواء في الانوار والذوات في الاشباح وظهور الاشخاص في الآثار ( آثارها خل ) من قيامها وقعودها واكلها وشربها ونومها ويقظتها وساير اطوارها مما لها وعنها واليها ولديها وفي احاطتها وهذه كلها مشتقة منها اشتقاق الشعاع من المنير والثالث ظهور المفعول المطلق مبدء الوجود المقيد في اطوار الوجودات المقيدة مثل ظهور الفؤاد في العقل والعقل في النفس والنفس في الطبيعة والطبيعة في المادة والمادة في المثال والمثال في جسم الكل وهو في العرش وهو في الكرسي وهو في فلك الشمس والشمس في فلك الزحل ( في زحل خل ) والقمر وهي ايضا في المشتري وعطارد وهي ايضا في المريخ والزهرة والعلويات في النار وهي في الهواء والهواء في الماء والماء في التراب وهذه الاربعة الامهات بقبولها ( لقبولها خل ) عن العلويات الآباء في الجماد وفي النبات وفي الحيوان والانسان واشتقاق هذه الاربعة قسم رابع من انحاء الاشتقاق وهو اشتقاق اللب من القشر من قوله صلى الله عليه وآله حسين مني وانا من حسين ولما كان هذا الاشتقاق صوريا لا حقيقيا لم نعده قسما مستقلا وانما هو داخل تحت الاقسام المذكورة وما عدا هذه الاربعة كل سافل مشتق من عاليه اشتقاق القشر من اللب فافهم راشدا واشرب صافيا
اما الثاني فاعلم ان كيفية الاشتقاق اللفظي على انحاء لانها تكون بزيادة الحركة او بزيادة الحرف او بنقصان الحركة او بنقصان الحرف او بزيادتهما او بنقصانهما او بالتركيب فترتقي انحاء الاشتقاقات في كيفية تركيبها الى خمسة عشر قسما وهي مذكورة في كتب علماء الاصول فليرجع اليها واما في الاشتقاق المعنوي فالاشتقاق اما بانجعال اثر عن مؤثر او بزيادة حد وقيد على محدود مطلق وهو وان كان يجري في النقصان الا انه ايضا نحو من الزيادة فان بشرط لا ( شرط لا خل ) المشتق من اللابشرط وان كان قيدا عدميا له حكم النقصان الا انه امر وجودي له حكم الزيادة ولذا صار قيدا وحدا منشأ لحقيقة وذات وكان هذا مرادهم في قولهم بالنقصان في الاشتقاق اللفظي وهو مرجعه الى الزيادة نعم اذا قايسنا بشرط لا مع بشرط شيء صح ما ذكروا ( ذكروه خل ) في الصورة الظاهرية ودون هذا الكلام ( الكلام كلام خل ) لا يسع لا يراده المقام وعلى من يفهم الكلام السلام وهذا اشارة الى نوع الكيفية ولو اردنا شرح حقيقة الحال لاقتضى شرح حقيقة ( حقايق خل ) الحال وذوات الموجودات واني للقلب ذلك الاقبال والله الموفق في كل حال
واما الثالث فاعلم ان علة الاشتقاق اثبات حكمة الله سبحانه وتعالى واظهار قيوميته وسلطنته وقهاريته وان ما من الله سبحانه وتعالى واحد لكمال الوحدة ( لكمال الوحدة وخساسة الكثرة وبطلان الطفرة فالكثرة فروع اشتقت وتفرعت من الاصل الواحد والمبدء المنسوب الى الحق الاحد فالوحدة دلت على كمال التفرد والاستقلال خل ) والكثرة المشتقة عنه دلت على الاسماء والصفات وان مرجعها الى حقيقة الذات البحت البات فلو كانت الكثرة من غير الاشتقاق لدلت على البينونة والافتراق فقد قال امير المؤمنين عليه السلام ما معناه ليس بينه وبين خلقه بينونة العزلة فالاشتقاق يثبت الوحدة ويبطل الكثرة وياتي بالاضمحلال ويذهب الاستقلال ومنه يظهر قوله عز وجل كل شيء هالك الا وجهه وهو سر سار في الموجودات كلها فما من موجود الا وهو مشتق عن الآخر فلا جامد في الوجود وما ذكره الناس من احكام الجوامد انما هو لجمودهم على ظاهر الحال ولم يعلموا ان هذا الجمود عرضي نشأ من قوله عز وجل افرايت من اتخذ الهه هويه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه فاين الجمود في عالم الكون والوجود ولا سيّما في الحوادث والمخلوقات وهذا الذي ذكرناه بعض من وجوه علل الاشتقاق وهنا علل اخرى هي الحقيقة الواقعية تركنا ذكرها خوفا من اشباه الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس فافهم
واما الرابع فاعلم ان هذا السؤال ساقط عن اصله فان متى سؤال عن الزمان والاشتقاق قد سبق الزمان والمكان اما سمعتهم يقولون ان الاصل في الاشتقاق هو الفعل كما هو الحق في المسئلة والفعل قد سبق كل شيء من الحوادث والموجودات ( الوجودات خل ) لان كل حادث مسبوق بالفعل فاذن اين الزمان في مقام الاشتقاق فلو كان لا بد ان يقال له وقت يقال ( يقال ان خل ) وقته السرمد الذي لا بداية له ولا نهاية له ولو اثبت احد له مبدء لقال ان مبدءه حجاب الواحدية تحت حضرة الاحدية وليس ورائه مقام ودونه انقطع الكلام وهكذا القول بعينه في القسم الخامس
تمت الرسالة في سنة ١٢٥٦