
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
سؤال - كيف قولكم في الادلة الاربعة الاصولية التي عليها مدار استنباط الاحكام الشرعية الفرعية من الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل التي قد امرنا بالرجوع اليها واستنباط الاحكام منها من امناء رب العالمين صلوات الله عليهم اجمعين وكيف طريقة استنباط الاحكام منها بالقواعد المعلومة المقررة عند الاصوليين المتداولة المشهورة بين الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين كالعلامة والمحققين والشهيدين والشيخين رضوان الله عليهم الى يوم الدين ومتاخري المتاخرين كالعلامة المجلسي والشيخ البهائي ( البها خل ) العاملي والآقا باقر البهبهاني والسيد مهدي الطباطبائي والميرزا ابو القاسم القمي وغيرهم من العلماء الاعلام الاصوليين والفقهاء الكرام العالمين العاملين اعلى الله درجاتهم في اعلى عليين هل هي الطريقة الحقة المكلف بها في زمن الغيبة المامور بها في اوان الحيرة فمن بذل جهده واستفرغ وسعه فيها وسلك مسلكها فاصاب واستحق الثواب وان اخطأ واصاب ومن تخلف عنها وسلك طريقة ورآها فقد هوى في مهوى اهوائها وما بلغ الصواب ولا الثواب ام عندكم طريقة اخرى في استنباط الاحكام الشرعية الفرعية غير هذه الطريقة السوية المستقيمة المتعارفة المتداولة بين العلماء العاملين والفقهاء الكاملين من الفرقة الحقة المحقة الامامية وهذه هي الطريقة الحقة المنقذة من الاقتحام في الهلكات المنجية من الورطات المهلكات الموصلة الى الدرجات العاليات الواصلة الى مراتب العلماء الممدوحين في الآيات والاخبار المتواترات وتلك الطريقة المتداولة مرجوحة متروكة مذمومة عندكم كما اشتهر بين اصحاب المقالات فالمامول من جنابكم ان تبينوا لي ما هو الحق عندكم من الطريقة الاولى والاخرى ليرتفع عن قلبي تشكيك المشككين واتبع الهدى وقد خاب من افترى وعليه وزر الكذبات والافتراء ونكال الآخرة والاولى
الجواب - ومن الله تعالى الهام الصواب اقول وانا العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه المسألة قد اختلفت فيها آراء العلماء وتشتت فيها اقوال الفقهاء وتفاوتت في البلوغ اليها احلام العقلاء ولو اردنا بيان الاختلافات الواقعة وتعدد المذاهب ( المذهب خل ) والاقوال لطال بنا المقال ولا يسعنا الآن ذلك لاختلال البال واغتشاش الاحوال وتراكم الاعراض المانعة من استقامة الحال وقد اشبعنا الكلام في ذلك في كثير من الكتب والرسائل واجوبة المسائل ونذكر في هذا المقام ما هو صريح الاعتقاد مجردا عن البيان والاستدلال
فاقول واثقا بالله الملك المتعال ان الذي اعطاني النظر بعد ان اعطيته حقه واتيت البيت من بابه مستعينا بالله ومتوجها الى جنابه ان الطريقة المثلي من تلك الطرائق ( الطريق خل ) والحقيقة الوسطى من هذه الحقايق ما عليه محققوا علمائنا الاصوليين ومدققوا فقهائنا المجتهدين من المتقدمين والمتاخرين ومتاخري المتاخرين ممن سميتهم و( ومن خل ) لم تسمهم من اكابر العلماء الاجلاء وافاضل الفقهاء النبلاء من هذه الفرقة المحقة قدس الله ارواحهم القدسية وطيب الله انفاسهم الزكية ( الزكية انفاسهم خل ) من دوران استنباط الاحكام الالهية الفقهية على هذه الادلة الاربعة اي الكتاب والسنة واجماع الفرقة المحقة والعقل المستنير المتخلص عن الشك والشبهة وحصول القطع المنزه عن وصمة الظن والريبة وما يؤل الى هذه الاربعة من التفريعات الحقيقية ( الحقيقة خل )
اما الكتاب فالحجة منه المحكمات دون المتشابهات الا بعد البيان ونصب القرائن وتوضيح الحال من الائمة السادات سلام الله عليهم والمحكمات اعم من النصوص والظواهر
واما السنة فالحجة منها المتواترات والآحاد الصحاح والمحفوفة بالقرائن القطعية او الظنية وما ليس له معارض اصلا وما له معارض فان كان اقوى يطرح الاضعف وان تساويا تطلب المرجحات الموجودة المفصلة في كتب علمائنا الاصوليين الماخوذة عن ائمتنا المعصومين سلام الله عليهم اجمعين وعند فقد المرجحات التخيير مع التحري على الاصح بعد ( الاصح واما خل ) الارجاء ان امكن
واما الاجماع الكاشف عن قول المعصوم (ع) فالحجة منه سبعة اقسام الضروريان والاجماع المركب والاجماع المحقق العام والمحصل الخاص والمنقول بشرط العلم بالمنقول عنه والسكوتي على الاصح بشرط عدم المخالف وعدم المعارض
واما دليل العقل فهو حجة عند الاتفاق واذا اختلفت العقول فالمناط القطع الثابت الجازم المطابق للواقع وان كان ثانويا وما يؤل الي هذه الاربعة من الشهرة فانها حجة عند فقد المعارض الاقوى والاستصحاب واصالة البرائة واصالة الاباحة وما يتعلق باحكام اللغات والدلالات من المنطوق والمفهوم ودلالة الاقتضاء والتنبيه والاشارة وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ومباحث الاشتقاقات واحكام الدلالات وكيفية تصاريفها في مجرى اللغات ومعرفة العرف الخاص والعرف العام وتمييز ( تميز خل ) عرف الشرع عن غيره وتقديمه على غيره والا فالعرف العام والا فاللغة ان لم تختلف والا فالتماس البيان من اهل المعاني والبيان عليهم سلام الله الملك المنان وامثال ما ذكرنا مما هو مفصل في كتب علمائنا رضوان الله عليهم فانه هو الحق الذي يجب الرجوع اليه عند حرمان ملاقاة الامام عليه السلام ومشاهدته وادراك فيض حضوره وقد استمرت على ذلك طريقة جميع اهل الملل والاديان بل طريقة جميع اهل العقول والافهام عند العمل وان اختلفوا في القول ولذا قال العلامة الماهر الآقا باقر البهبهاني قدس الله نفسه ان الاخباريين مجتهدون من حيث لا يشعرون
فبالجملة ( وبالجملة خل ) فهذه الطريقة هي الطريقة التي عليها عملي واعتقادي واخذتها من مشايخي لا سيما شيخي وسندي ومعتمدي خاتم المجتهدين الشيخ احمد بن زين الدين اعلى الله مقامه فاني اخذت منه رحمه الله في هذا العلم وغيره من العلوم حظا وافرا ونصيبا متكاثرا وما عهدته في استنباط الاحكام الفقهية الا ما عليه فقهائنا المجتهدون وعلمائنا الاصوليون ( الاصوليين خل ) وكان شديد الطعن على مخالفي هذه الطريقة كما ذكره في عدة من الرسائل واجوبة المسائل مثل اجوبة مسائل الشيخ حسين بن عصفور البحراني مما سئله ابوه في الرؤيا ورسالة مستقلة في الاجماع ورسالة في المبادي اللغوية وشرحه على تبصرة العلامة وغيرها من الكتب والرسائل التي يطول بذكرها الكلام فمن نسب غير ذلك اليه فقد كذب وافترى وضل وغوى واتى بما يكرهه الله ورسوله وائمة الهدى عليهم سلام الله ما دامت الارض والسماء ووزره ( فوزره خل ) عليه يوم الجزاء
والحاصل ان هذه الطريقة التي سلكها ( ملكها خل ) مشايخنا كالشيخين والفاضلين والشهيدين وامثالهم ممن حذى حذوهم ونهج منهجهم هي الطريقة المرضية التي يحبها الله ورسوله وامنائه صلى الله عليهم وامروا بالسلوك فيها وهي المجاهدة في الله التي تعقبها الهداية في قوله تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فالذي ينكر حجية الكتاب ان اراد به متشابهاته فحسن وصواب وان اراد به مطلقا فترده روايات عرض الاحاديث على القرآن وتصحيحها وجرحها وتعديلها به فلو توقف معرفته عليها لدار ولو لم يعرف القرآن بالكلية لم تثبت كونه معجزة والحديث المتفق عليه بين الفريقين اني مخلف فيكم الثقلين اوضح شاهد على ذلك والظواهر القرآنية عند فقد القرائن الصارفة تقوم مقام النصوص والا كان اغراء بالباطل ونقصا في الحكمة فتقوم حينئذ مقام النصوص فالفرق اذن تحكم بارد وقول فاسد وتغيير ( تغير خل ) القرآن بالنقصان لا ينافي الحجية فان الموجود قرآن قطعا وكلام الله وكل ما هو كلام لله ( الله خل ) حجة والذي ينكر حجية اخبار الآحاد فان كان مراده المتشابهات و ( او خل ) الضعاف كالموثقات والمراسيل والمضمرات والمجهولات وامثالها مما يورث الضعف في الرواية عند فقد القرائن والشواهد والمرجحات فحسن والا فترده روايات الامر بحفظ الكتب وروايات العمل عليها وروايات الامر بالكتابة وروايات امر الاصحاب ببث الاخبار ونشر الآثار وهذه الجملة قد بلغت حد التواتر وان كان كل جزء من الآحاد فلا ايراد وقوله تعالى ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا وسيرة اهل العقول والاجماعات المحققة المنقولة ولعمري ان انكار مثل هذا مصادمة للضروري ومزاحمة للبديهي والقول بلزوم حصول القطع من هذه الاخبار ان ارادوا به القطع الاولى الواقعي فممنوع بشهادة الاختلاف وجواز العمل باقوال المختلفين وقولهم عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم وقولهم عليهم السلام راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم وان شاء جمع بينها لتسلم والواقع واحد والاختلاف تعدد وبينهما تناقض لاستلزام ثبوت كل واحد منهما رفع الآخر وان ارادوا به الواقعي الثانوي المعبر عنه في عرف الفقهاء والمجتهدين بالحكم الظاهري فالقطع حاصل والا لما صح له العمل بذلك وذلك بضم مقدمة بديهية الانتاج هذا ما ادى اليه ظني الخ وبذل جهد المجتهد المستوضح واستفراغ وسعه ومجهوده وفقد القرائن المعارضة والشواهد النافية يقوم مقام العلم بل هو العلم حقيقة لاستلزام عدمه الاغراء بالجهل والباطل تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا وهو سبحانه يقول وهو اصدق القائلين وعلى الله قصد السبيل ولا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه وتفصيل القول في هذا المقام يطلب في سائر مصنفاتنا لا سيما جواب مسائل الملا مهدي في بيان الادلة الاربعة فان ما فيها غنية للطالب المسترشد والذي ينكر الاجماع فان كان مراده حصوله مطلقا فهو انكار للوجدان فان عدم حصوله له لا يستلزم عدم حصوله لغيره الا بدليل قاطع يدل على الاستحالة وذلك ممنوع البتة ودون اثباته خرط القتاد وان اراد مطلق الاجماع وان لم يكن كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام فهو حسن ولا تدعيه الشيعة الفرقة المحقة وان اراد بعد الكشف عن قول المعصوم عليه السلام فهذا رد على المعصوم عليه السلام والراد عليه الراد على الله وهو على حد الشرك بالله ولا اظن يقول به احد من الشيعة واما الاجماع المنقول فان كان منقولا عن المحقق العام فلا ريب في حجيته وان سبيله سبيل الخبر الواحد تشمله آية النبأ وان كان منقولا عن غيره فلا حجية فيه فان حجية الاصل المنقول عنه ليست عامة لغير المحصل ففي الفرع بالطريق الاولى اذ ليس فهم احد من الفقهاء حجة على الآخر ولذا ساغ رده والانكار عليه ولا يسعنا الآن تفصيل هذا الاجمال والاشارة كافية لذلك المولى المفضال واما الذي ينكر الشهرة فيرده قوله عليه السلام خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه وادلة اخرى اما ( واما خل ) الاستصحاب واصالة الاباحة واصالة البرائة فالروايات به متظافرة متكاثرة كالآيات كما هي مفصلة في كتب الاصحاب
وبالجملة ما عليه علمائنا المجتهدون هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب يعتريه وعليه عملي واعتمادي في الاحكام الفقهية الشرعية وليست عندنا طريقة اخرى تنافيها وتعاندها نعم للعلماء طرق واستنباطات تتفاضل درجاتهم بها بسرعة السير وعدمها كما ترى اختلاف العلماء في النحو والصرف وتفاوت درجاتهم فيها كما هو معلوم ظاهر واليه يشير قوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم فمن نسب الينا غير هذه الطريقة السوية التي اشرنا الى مجملها التي عليها كافة علمائنا الاصوليين فقد اتى باطلا وقال زورا وبهتانا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين والله خليفتي عليك وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
*قد املى هذه الكلمات العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي حامدا مصليا مسلما مستغفرا