
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان السيد السند والولي المعتمد اللوذعي الالمعي المنزه عن كل شين جناب السيد حسين بن قد بعث الى مسائل انحطت دون اغلبها الاحلام والافكار وعجزت عن حل اكثرها عقول اولي الانظار وقد اتت في حال كمال اشتغال البال واختلال الاحوال وعروض الاعراض المانعة عن استقامة الحال وقد احببت ان تأتيني في غير هذا الوقت لاؤدي بعض حقها من التحقيق وارشد المتحير الى سواء الطريق بانحاء جهات التدقيق ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور واشير الى بعض ما هو المقدور مقتصرا على اقل ما يحصل به المطلوب والى الله ترجع الامور وجعلت كلامه سلمه الله تعالى متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل لتطابق كل جواب بسؤاله
قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا في الحديث المروي في القمي عن الصادق في قوله تعالى وانه هو اغنى واقنى قال اغني كل انسان بمعيشته وارضاه بكسب يده مع انا نرى ذي الصنعة الرذيلة كالقصابة وغيرها لا يرضى بها تحت غيرها من العالية فما معنى ارضاه بكسب يده
اقول اعلم ان الله سبحانه لا يعطي احدا الا ما هو مقتضى مسئلته وطلبته والا لكان بخيلا او ظالما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والملازمة ظاهرة فلا تقع العطية الا على حسب مقترح المعطي عدلا او فضلا الا ان السؤال على قسمين احدهما سؤال بلسان المقال وثانيهما سؤال بلسان الحال والاستعداد والقوابل فاذا تطابق اللسانان في المسئلة وقع الجواب وجرت العطية في الحال بلا تراخى وعند التخالف يجب اجابة اللسان الحالي لان اجابة المقالي عند المخالفة يلزم فساد الكينونة والطبيعة وهو خلاف ما جرت عليه حكمة الايجاد مثال المطابقة كالمريض الغالب عليه المرة الصفراء اذا طلب المبردات فالطبيب يجيبه لا محالة لحفظ الكينونة ويعطيه ما يصلحها من انحاء التبريد ومثال المخالفة كالمريض المذكور اذا طلب المسخنات وانحاء الحلويات مثل العسل وغيره فان لسان الحال لا يطلبها لانها تفسدها والطبيب الماهر الحكيم يجيب لسان الحال دون المقال وان كرهه الداعي بلسان المقال بالشهوة الكاذبة فانه بعد ان صلح مزاجه واعتدل بخلاف مشتهاه يرضى ويسكن ويطمئن فاذا عرفت ما ذكرنا اتضح لك الجواب عن كل مسئلة من هذا الباب فان الله سبحانه ما اعطى احدا شيئا الا وارضاه بذلك بحسب الحقيقة والكينونة وان كان بحسب الشهوات الظاهرية المقالية يكرهه وهذا الرضا والسخط لا اعتبار بهما واليهما الاشارة بقوله تعالى عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وقال عز وجل مصرحا بما ذكرنا ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السموات والارض وما بينهما بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون فالذكر هو ما طلبوا وسئلوا بلسان الكينونة والاهواء هي مشتهيات النفس بالعوارض الخارجية الظاهرة بلسان المقال وقوله تعالى ادعوني استجب لكم اشارة الى ما ذكرنا مع تخلف اغلب الادعية من الاجابة والله سبحانه لا يخلف الميعاد فافهم واغتنم
قال سلمه الله تعالى : وما تقول في حديث كا عن الصادق عليه السلام اورده الكاشي في الصافي في تفسير قوله تعالى فلولا ان كنتم غير مدينين ترجعونها ان كنتم صادقين قال انها اذا بلغت الحلقوم ارى منزله من الجنة فيقول ردوني الى الدنيا حتى اخبر اهلي بما ارى فيقال ليس الى ذلك من سبيل
اقول معناه على ظاهره لا خفاء فيه فان كان الاشكال من جهة طلبه الرد الى الدنيا الذي هو طلب الادنى الاسفل مع وجود الاعلى والتمكن منه وهو ليس شأن اهل الجنة الكاملين فالجواب ان ذلك ليس لاجل نفسه حتى يلزم ما ذكر وانما هو من جهة اظهار ما كان خافيا وابداء ما كان كامنا من آثار اسرار الولاية التي اخفتها الحكمة الالهية لئلا يلزم الاجبار والالجاء والانقياد لا لمحض الاخلاص عن قوله تعالى وان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فاراد المؤمن عند مشاهدة تلك الآثار وظهور تلك الانوار ان يرجع الى الدنيا ويظهر الامر ليجذب ما كان من سنخه وليتمم الناقص ببيان ما وجد من رسمه واسمه حتى يحصل اخوانا قد نزع الغل من صدورهم ليكونوا على سرر متقابلين وذلك اعظم ملاذ الجنة واعلاها لانها من ثمرات المحبة التي لها خلق الله الخلق وهي الاصل في الوجود والسر في الشاهد والمشهود فاراد الرجوع لهذه الغاية وهي اشرف الغايات واقصى الدرجات فمنع حيث كانت شريعة الاختفاء والاحتجاب بعد ثابتة والحكمة ما اقتضت في محوها وازالتها فلا بد من عدم الرجوع ولذا ترى ان الحكمة اذا اقتضت محو آثار الخفاء رجعوا الى الدنيا لاظهار مخفيات الاسرار وابداء مكنونات الانوار ففي ذلك عبرة لاولي الابصار واما كون الآية في سياق الذم فلا ينافي هذا التفسير لان القرآن على وجوه واحوال وتفاسير وهذا التفسير نسميه في الاصطلاح تفسير التأويل لعدم ملاحظة سوق الآية وترتيبها وشرح هذا الكلام يطول به الكلام والاشارة كافية والتفصيل في هذه الاحوال يطلب في رسالتنا الموضوعة لبيان انحاء التفاسير من الباطن والتأويل والظاهر وظاهر الظاهر وغيرها من الوجوه السبعة او السبعين وغيرها
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد في حديث القمي ان كل شيء حامله الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد فاي رتبة الهوى وهذا الحديث لا يحضرني بما قبل والهوى لا يحد اي شيء نقلته بالظن نعم السؤال عن رتبة الهواء وانه لا يحد ما معنى انه لا يحد
اقول الهواء في اصطلاح اهل البيت عليهم السلام في محاوراتهم وعباراتهم يطلق ويراد به كل امر موجود ثابت غايب عن الادراك الظاهرة او الباطنة او الجميع كما قال عليه السلام ان قيل الهواء صفته فالهواء من صنعه وقال عليه السلام ان الروح متعلق بالريح والريح متعلق بالهواء وقال عليه السلام في جواب من سئله اين كان الله قبل خلق السموات والارض قال عليه السلام كان في عماء تحته هواء وفوقه هواء فالمراد بالماء في هذا الحديث الشريف ومن الآية الشريفة ومن الماء كل شيء حي هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله التي بوجودها ثبتت الاشياء وبتحققها قامت الموجودات ولذا ترى ان الارض اذا خلت من حجة الله ساخت باهلها كالبدن اذا خلا من القلب فالماء هو نور الانوار وحقيقة الاسرار وسر الموجودات وايس الايسيات واسطقس الاسطقسات والمراد بالهواء الذي لا يحد هو الاسم المخلوق الذي خلقه الله بلا كيف واشارة كما اشار اليه الصادق عليه السلام على ما رواه الكليني في الكافي ان الله خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ بريء من الامكنة والحدود مبرء عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور ووجه آخر ان المراد بالهواء هو المشية التي خلق الله الاشياء بها كما قال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها والمشية هي فعل الله سبحانه وارادته وامره وكلمته وقد قال مولانا الرضا عليه السلام ارادته احداثه لا غير لانه لا يروي ولا يهم ولا يفكر وانما يقول للشيء كن فيكون بلا لفظ ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له والوجه في ذلك ان الحدود والاوضاع والكيفيات كلها مخلوقة لله سبحانه بالمشية فهي موجودة قبلها فلو كانت الحدود موجودة لكان ايجادها تحصيلا للحاصل ولا يجوز ذلك وانما هو محال ووجه آخر ان الماء هو النور الابيض الذي منه البياض ومنه ضوء النهار لما علم بالبرهان ان كل بارد رطب الذي هو طبع الماء لونه البياض وهو الركن الايمن الاعلى من العرش وباقي الاركان والانوار متوقفة بهذا الركن وهو عامل لها والاشياء كلها قائمة بهذه الاركان لان مجموعها العرش الذي استوى الرحمان برحمانيته عليه واعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه والاسماء قائمة بالعرش وهو متقوم بهذه الاركان وهي متقومة بالماء الذي هو النور الابيض وهذه المرتبة متقومة بالهواء وهو المادة التي اصل وسارية في كل هذه الاركان وجميع الحدود منتهية الى الاركان فالمادة من حيث هي هي منزهة عن جميع الحدود والقرانات والنسب والاضافات والاحوال لانها هي موصوف الصفات وموضوع تلك الجهات ومحل النسب والاضافات فهي في نفسها لا حد لها قضاءا لوجوب المغايرة بين النسبة والمنسوب والمنسوب اليه فالشيء من حيث هو هو ليس الا هو ولذا قالت الحكماء ان اجتماع النقيضين وارتفاعهما في المرتبة جائز والمراد بالمرتبة نفس الشيء لا من حيث هو فان الهوية ايضا صفة تستدعي موصوفا فالحقيقة المعراة المنزهة عن جميع الحدود والقيود والحيثيات هي الهواء المذكور في الحديث والتعبير لنفس وجوده وغيبته كما اشار اليه لفظه فان الهاء اشارة الى تثبيت الثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الحواس ولمس الناس ولما كانت هذه الحقيقة من حيث هي لها صحة الصلوح للتقيد والتحديد اضيفت الى الهاء والواو الالف اللينية لا المتحركة لبيان نفس التعلق والارتباط اي صلوحها لهما وقوام الحروف كلها بالالف المذكورة كما ان قوام الاشياء ذات الحدود والقيود بتلك الحقيقة المعبر عنها بالهواء فافهم فان شرح هذه المراتب والمقامات يقتضي بسطا في الكلام وليس لي الآن ذلك الاقبال
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في اهل البرزخ من المؤمنين هل لهم تناكح وتزاوج في الجنة البرزخية اذا دخلوها اما تنعمهم بمأكل وغيره فنعم ورد ولكن هل ورد التناكح كما في جنة الآخرة ومن يناكحونه في البرزخ ابناء الدنيا ام غيرهم
اقول اما التناكح والتزاوج في الجنة البرزخية فقد نص عليه القرآن بعد عموم قوله تعالى وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين ولا ريب ان التناكح مما ترغب اليه النفوس القدسية والقلوب السليمة وليس كساير الاعمال القبيحة الدنياوية التي تأباه النفوس العالية وتخصيص الآية الشريفة بجنة الآخرة لا دليل عليه كما هو المعلوم في القواعد اللفظية واما خصوص ما يدل عليه من القرآن فقوله تعالى ومن دونهما جنتان فباي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فباي آلاء ربكما تكذبان الى ان قال تعالى فيهن خيرات حسان فباي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان وهذه الجنة دون الجنتين اللتين اشار اليهما الله سبحانه بقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان الآيات ودونهما هي جنة الدنيا والدليل عليه ما ورد في الاخبار المتكثرة ان الجنتين المدهامتين تظهران في آخر الرجعات فتكونان هما من جنان الدنيا وهي جنة البرزخ ثم وصف الله سبحانه وبين ان فيهن اي جنان الدنيا خيرات حسان ثم فسرهن سبحانه بقوله حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فبين ان اهل جنة الدنيا التي هي جنة البرزخ ينكحون الحور في القصور وذلك ظاهر ولا منافاة في ذلك بوجه من الوجوه واما بنات الدنيا فالظاهر ان نكاحهن موقوف الى الآخرة لعدم التصفية الكاملة من عوارض الخلط واللطخ الحاصل بينهن وبين الرجال في الاحوال العرضية فان لنا في قوله تعالى الطيبات للطيبين الآيات كلاما شريفا في النسب الذاتية والعرضية بين الرجال والنساء ولا يسع المقام شرح ذلك وتفصيله والجواب من السؤال حاصل مما ذكرنا
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا على ما نقل لي بعض العلماء الفضلاء في ان فائدة مصافحة الانصار يوم كربلا للحسين عليه السلام انه اذا بايعه وبرز لا يلتقي في وجهه من عسكر ابن زياد (لع) الا من ليس في صلبه مؤمن حتى يقتله فاين ورد هذا في اي كتاب عنهم عليهم السلام
اقول اما خصوص رواية بهذا المعنى فلماقف عليها ولكن معناها صحيح مقطوع به لا شك فيه ولا ريب فان النطف الطيبة لما سرت في الاصلاب الخبيثة حين نزولها اي الطيبة من عليين والنطف الخبيثة المتصاعدة من سجين ووقوعها على البقول والثمار وجريان حكم الله سبحانه بان لا يقطع الفيض من اهله ومستحقه فوجب ان لا يقتل الذين في اصلابهم تلك النطف الطيبة من الكفار والمنافقين اما بمشاهدة لها اما بانفسهم مثل الائمة عليهم السلام او بتبين واعانة وزيادة نور في خواص شيعتهم او بحاجز بينه وبينهم من مدافعة الملائكة الحافظين من قوله عز وجل له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله وهكذا كان الحكم في محاربة الانبياء والاوصياء والحجج عليهم السلام فان العساكر مايعرفون ولا يستطيعون النظر الى الاصلاب فتحول الملائكة الحفظة بينهم وبين الكفار الذين في اصلابهم تلك النطف الطاهرة حتى لا ينقطع الفيض عنهم ولا تكون لهم على الله حجة واما اصحاب سيدنا الحسين روحي له الفداء فحيث فاقوا وسبقوا الكل بثباتهم وقوة نورانيتهم فكشف مولانا الحسين عليه السلام الغطاء عن بصايرهم وابصارهم حتى نظروا الى الاصلاب لانقاذ اولئك الاطياب كما انه عليه السلام اراهم اماكنهم ومنازلهم في الجنة ومقاماتهم ودرجاتهم وهذا ايضا من تلك المكاشفات التي من الله عليهم بنصرتهم لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله يا ليتني كنت معهم فافوز فوزا عظيما فما ذكرتم ايدكم الله تعالى ليس خاصا باصحاب الحسين عليه السلام ولا خصوصية لمبايعته ومصافحته روحي له الفداء وان الله سبحانه يجب عليه حفظ تلك النطف الطاهرة وهو قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون والخصوصية لعلها فيما ذكرنا فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما النكتة في قوله تعالى لما اسرى بنبيه صلى الله عليه وآله سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى والاقصى كما في بعض الاخبار انه البيتالمعمور مع انه تجاوز جميع مراتب الخلق فما النكتة في هذه الغاية وما النكتة في الاسراء ليلا لا نهارا
اقول اما التعبير بالمسجد الاقصى فقد قال مولانا الباقر او الصادق عليهما السلام كما في الصافي انه اقصى ما صعد اليه رسول الله صلى الله عليه وآله لا البيتالمعمور وان اطلق على البيتالمعمور مرة وعلى بيتالمقدس اخرى فان له اطلاقات والمراد به في هذه الآية الشريفة اقصى المراتب والمقامات التي صعد اليها صلى الله عليه وآله وهو اعلى مقامات العرش الاعظم الاعلى الاقصى وانما اطلق عليه المسجد لانه محل الخضوع والخشوع اذ المراتب كلما علت وقربت من المبدء الاعلى كان اعظم في الخضوع والانقياد والتسليم والفناء والتمحض لذكر الله تعالى ولذا كني الله سبحانه في القرآن عن الائمة عليهم السلام بالمساجد وقلوب المؤمنين مساجد ومواضع لذكر الله سبحانه فذلك الموضع الذي هو اعلى المواضع واشرف المقامات في القرب اولي بان تسمي مسجدا فكان هو المسجد الاقصى حقيقة والبيتالمعمور وبيت المقدس يسميان الاقصى من باب الحقيقة بعد الحقيقة فعبر الله سبحانه عن منتهى سير النبي صلى الله عليه وآله ثم عبر بانه الاقصى لبيان انه لا يقع عليه اسم ولا رسم ولا اشارة ولا يقال فيه الا انه اقصى المراتب والمقامات واما كون الاسراء في الليل فلان الصعود انما يكون من العالم الاسفل الادني الى العالم الاعلى الاقصى والعالم الاسفل عالم الكثرة وهي لونها السواد ومحلها ومظهرها في عالم الشهود الليل كما ان مظهر النور ومحله وموقعه في عالم الشهادة النهار فحيث وجبت المطابقة بين العالمين لرفع الاختلاف في البين وجب الصعود الى العوالم العلوية في الليل والوصول الى مقامات القرب والوصال في النهار ولذا ورد انه صلى الله عليه وآله لما وصل الى اعلى العرش ناداه الله سبحانه بلسانه يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر وانما خص صلوة الظهر لبيان الوصل والاتصال بمقامات القدس في وقت استواء النور ووقوفه على اعلى مراتب العوالم الامكانية حتى تساوت نسبته الى جميع الذرات وان اختلفت نسب الموجودات بالنسبة اليه فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى كلام النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير : واحاط بكل شيء علما وهو في مكانه ما المراد بالمكان
اقول لا ريب ان الله سبحانه منزه عن المكان والكاينات وكل شيء في عالم الامكان سبحان ربك رب العزة عما يصفون وانما المراد بالمكان الرتبة فمراده صلى الله عليه وآله ان العلم في الامكان وان كان عين المعلوم او مقارنا ومطابقا به ولا يمكن الا بهما وليس كذلك علم القديم سبحانه وتعالى اذ لا يشبه خلقه وانما هو سبحانه محيط بكل شيء وهو سبحانه في ازليته ورتبة قدمه وابديته بلا اتصال ولا اقتران فان المقترن في رتبة قرينه وهو سبحانه متعال عن ذلك وانما احاط بكل شيء علما وهو رتبة ذاته بلا تغير ولا انتقال ولا حركة ولا زوال علم الاشياء كلها في اماكن وجودها ومراتب شهودها ومحال تحققها وهو سبحانه على ما هو عليه في عز قدمه وسلطانه وهذا ظاهر انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : وقول عليّ عليه السلام لما ضرب وكان في مرضه قال يوما : افرشوا لي في صحن داري لعلّي انظر في ملكوت السموات وهل يغيب عنه الملكوت الا في صحن الدار فما معناه
اقول اعلم ان العالم كله كتاب علم مشتمل على اوراق اودع الله سبحانه فيه علومه وغيوبه واسرار صفاته واسمائه وجلاله وجماله واحكام ملكه وملكوته وهو قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ومن اعظم تلك الاوراق المشتملة على جلايل العلوم وغوامضها واسرارها وحقايقها هو السموات لشرفها وعلوها وصفائها ولطافتها ونورانيتها مع ان الله سبحانه جعلها مهبطا للفيوضات ومركزا للخيرات وينبوعا لانحاء الافاضات ومسكنا لملائكة الرحمة والملائكة الحاملون لمواد العلوم والرسوم والحقايق والصفات وحيث كان قلب الامام عليه السلام عيبة لعلم الله ووعاء لسره وحافظا لغيبه فجميع تلك الاحوال منكشفة لديه وحاضرة عنده ولما وجبت المطابقة بين مشاهدة ملكوت السموات الباطنية ومشاهدة ملكوت السموات الشهودية والاولى ظاهرة لقلبه اراد اظهار الثاني وانكشافه لحواسه حتى يطابق الباطن بالظاهر والسر بالعلانية ليرتفع الاختلاف في جميع الوجوه كما كان يقرء عليه السلام القرآن على المصحف وان كان يعلمه بظهر الغيب فقال عليه السلام افرشوا لي في صحن داري لعلّي انظر في ملكوت السموات وينظر الى تلك العلوم المسطرات ويلقى الملائكة بانحاء الافاضات وليتزودوا من لقائه عليه السلام فانهم لا يرونه بعد الانتقال الى العالم الآخر وليس لهم الانتقال عن محالهم ومراكزهم لقوله تعالى حكاية عنهم وما منا الا له مقام معلوم وهذا كله لا يحصل في بطن الدار وان لم تكن غائبة عنه فان مطابقة العلم للمشاهدة اقوى واعظم له ولغيره على انا نقول ان مادة العلم لا تنقطع عنهم وتتجدد عليهم آنا فآنا في تلك الالواح الحقيقية فلا بد من ملاحظتها ومشاهدتها ومشاهدة الآيات والعلامات الحاصلة بقران الكواكب وتحقق النظرات الدالات على فقد الامام عليه وعلى ابنائه اكمل التحيات وافضل التسليمات كما روي عنه عليه السلام انه في ليلة تسعةعشر كان يكثر الخروج الى صحن الدار والنظر الى اطراف السماء ويقول هذه الليلة التي وعدت فيها وذلك لمشاهدة العلامات والآيات الدالة على ذلك والامر وان كان معلوما عنده عليه السلام لكنه اراد مشاهدة عللها ومبانيها واسبابها وهذا لا يتفق الا تحت السماء فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول عليّ عليه السلام لما مر على جدار مائل فاسرع في المشي فقيل اتفر من قضاء الله قال عليه السلام افر من قضاء الله الى قدره
اقول اعلم ان القدر على ما قال مولانا وسيدنا الرضا عليه السلام هو الهندسة ووضع الحدود وترتب احكام قرانات الاشياء ونسبها في نفسها وبعضها ببعض مما هو مستودع في امكانها من مقتضيات الاجابة والانكار في عالم الذر الاول او الثاني او الثالث والمراد بالذر الاول عالم العقول والثاني عالم النفوس والثالث عالم الاجسام فالقدر تفاصيل احكام تلك الاقتضاءات وصلوح الشيء لترتبها عليها بعد وجود اسبابها وعللها ومباديها والقضاء وقوع المقتضى على المقتضي واقتران العلة بالمعلول والسبب بالمسبب وهو المعبر عنه بالتركيب في قوله تعالى في اي صورة ما شاء ركبك فاذا وقع القضاء وتم فلا بداء في تحقق الشيء وان حصل البداء في محوه واثباته ففي التقدير يكون محو او اثبات دون القضا مثلا في مثالنا لما خلق الله سبحانه جسم الانسان قدر فيه النعومة واللين وقدر فيه سرعة الانفعال اذا وقع عليه شيء حاد او ثقيل وقدر في الجسم الثقيل مثل الجدار المائل عدم التماسك فاذا وقع الجدار الثقيل على البدن اللطيف الناعم ينفعل يقينا فبعد الوقوع يتم القضا لتمام وقوع العلة على معلولها والمقتضى على مقتضاها وقدر ايضا سبحانه انه اذا اسرع وهرب عن الجدار المائل ينجو من هذا التأثر والتألم وقد هرب عليه السلام من قضاء الله سبحانه وهو وقوع الجدار الموجب للانفعال الى قدره تعالى وهو ما قدر سبحانه بان في الاسراع وعدم وقوع الحائط نجاة من الاذية المتوقعة فهرب من امر الله الى امر الله ومن حكمه الى حكمه ومن قضائه الى قدره والقضاء والقدر لهما اطلاقات كثيرة ويترتب على كل اطلاق احكام كثيرة اقتصرنا منها على موضع للحاجة فليطلب الزيادة في ساير رسائلنا
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا فيما ورد عنهم عليهم السلام ان الميت يعاين الحجج الاربعة عشر عليهم السلام مع كون الزهراء امرأة فكيف يعاينها الرجل الاجنبي وما معنى معاينتها
اقول ان الله سبحانه خلق الخلق باسرهم من شعاع انوار آلمحمد عليهم السلام مثل شعاع الشمس من الشمس فلهم الهيمنة العليا والسلطنة الكبرى عليهم فاذا اردت ان تنسبهم الى الخلق في المثال الظاهري بالصورة الظاهرية تقول انهم للخلق آباء فرجالهم آباء لهم وامرأتهم ام حيث ان الاولاد خلقوا مما حملته نطفة آبائهم وامهاتهم فما ظنك بمن خلقوا في ذواتهم وحقايقهم من شعاع شعاع انوارهم وعكوسات آثارهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وعليّ ابوا هذه الامة او تقول انهم عليهم السلام السادة والموالي وساير الخلق عبيد ارقاء كما في زيارة الحسين عليه السلام عبدك وابن عبدك المقر بالرق والتارك للخلاف عليكم الزيارة واما هذه الدنيا فحيث كانت الشهوة البهيمية غالبة والنفس الامارة متسلطة فلا يقف الخلق الاشخاص الدنياويون على حدودهم ولا يقنعون بما تقتضيه كينوناتهم فيتمنون ما ليس لهم ويعرضون عما هم عليه من مقتضى اعمالهم وافعالهم فاوجب الله سبحانه عليهم الاجتناب الا عن المحارم التي لهم ارتباط ذاتي في اطوار كينوناتهم الدنياوية التي تمنع النفس في الغالب عن الميل اليهم بما لم يجعل الله لها فاذا خرجوا من الدنيا قنع كل احد بما له ولم يتعد حده فلا حجاب لعدم ميل الشيء الى ما ليس له في ذاته او صفاته او افعاله فعند الموت ومعاينة الملك تظهر احكام الفطرة الاولية فلا بأس حينئذ ان يعاينوا مولاتنا الزهراء عليها السلام كما اذا عاين الرجل امه وهي روحي لها الفداء اعظم مدخلية في وجوده من امه بالنسبة اليه كما هو المعلوم لمن تتبع احاديثهم خصوصا احاديث خلق انوارهم وكذلك الائمة عليهم السلام اذا حضروا ونظروا الى النساء ممن يحضرون عنده من المؤمنات الممتحنات فانهم ينظرون اليهن كما اذا نظر المولى الى امته ولا بأس بذلك واما هذه الدنيا فلمحل الريبة المتوهمة في حقهم عليهم السلام منعوا عن النظر وساير التصرفات حتى يرتدع الجاهل بذلك عن التخيل والتوهم في حقهم سلام الله عليهم بما ينافي مرتبتهم ومقام قدسهم كما منع النبي صلى الله عليه وآله عن انشاد الشعر واما بعد هذه الدنيا فقد تمايزت النقطتان نقطة الظلمة والنور ومالت كل واحدة منهما الى مركزهما فلا يقع الاشتباه لكشف الغطاء عن ابصارهم وبصايرهم كما قال عز وجل لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فلا بأس اذا نظرت الزهراء اليهم ونظروا اليها كما في نساء اهل الجنة ورجالهم الا ترى كيف استثني الله غير اولي الاربة من الرجال فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد كما في الفقيه عنهم عليهم السلام ان آخر طعم يجده الانسان عند موته طعم العنب ما معناه
اقول الظاهر ان الانسان في هذه الرواية يراد به المؤمن بل الانسان حقيقة هو المؤمن والكافر ليس بانسان ولا يحشر على الصورة الانسانية وليس في النار من هو على الصورة الانسانية لانها هيكل التوحيد والكافر صورته عرضية لا حقيقية تنزع عند حلول الموت وقد قال تعالى اولئك كالانعام بل هم اضل والمشبه في القرآن والاحاديث عين المشبه به كما برهنا عليه في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل وقد صرح مولانا الباقر عليه السلام بذلك في قوله الناس كلهم بهائم الا المؤمن والمؤمن قليل والمؤمن قليل ومعنى وجدانه لطعم العنب هو السكر والذهول في حالة الطرب الذي يحصل للمؤمن عند الموت عند حضور النبي والائمة عليهم السلام ويظهر له ملك الموت على صورة حسنة جميلة جدا بحيث ينجذب اليها انجذاب الحديد الى المقناطيس والعاشق الى معشوقه والمحب الى محبوبه فلا يحس بسكرة الموت الا على نحوها اي السكرة التي ليس معها نصب ولا تعب وقد حصلت من شجر الولاية التي نهي آدم عن تناولها وانما خص العنب لقوة الحرارة والرطوبة اللطيفتين فيه اللتين بهما قوة الروح وانتعاش الحرارة الغريزية المعنوية القلبية بالروح والريحان ولك ان تجعل وجدانه لطعم العنب عاما لكل ميت فانه حين موته وانتقال روحه لا يحس بشيء بل هو ذاهل عن كل شيء كما انك حالة النوم حين دخولك في النوم لا تحس شيئا ابدا فقد وجدت طعم العنب وهو السكر ولعله لهذا سمي حالة الاحتضار سكرات الموت والعنب اسرع الاشياء استحالة الى الخمر والطفها واصفاها وانفعها ولذا ورد التعبير عنها به دون غيره ويحصل منه كالتمر والشعير والعسل وغيرها فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد ان القوم اذا كانوا جلوسا وسكتوا كلهم فتلك لحظة ملك الموت اياهم ما معناه
اقول اعلم ان الموت ضد الحيوة وكل منهما له آثار فمعظم آثار الحيوة الحركة بل هي الحركة فان غيرها يرجع اليها واثر الموت السكون فان كانت الحركة بجميع اطوار الشيء واكوار الانسان وادواره في باطنه وظاهره وداخله من قلبه وصدره وشراسيفه واضلاعه وشرائينه وظاهره من حواسه سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وساير اعضائه فهي دالة على قوة الحيوة وظهور الروح الحيواني وسريانه في جميع مراتبه ورفع الموانع الحاجبة عن نفوذه والا اي وان لم تكن ظاهرة كذلك فهي دالة على ضعف الحيوة وفتور الروح اما بالذات او بالعوارض فعلى مقدار ضعفها تظهر آثار الموت فيه وذلك قد يكون بانعدام الحرارة الغريزية التي هي مركب للروح الحيواني فاذا انعدمت فارقت فسكنت الجوارح والاعضاء الداخلة والخارجة بالمرة فلا تعود وهو المسمى بالموت عند الناس وقد يكون بتوجه الروح الى القلب واجتماعه فيه واعراضه عن ظاهر البدن باسباب وامور يطول بذكرها الكلام وقد ذكرناها في تفسير آيةالكرسي فاذا اعرض الروح عن ظاهر البدن سكن ظاهر البدن عن الحركة وان كان الباطن متحركا وذلك هو النوم الذي هو اخو الموت ففي ظاهره اثر الموت وباطنه اثر الحيوة وقد يكون بالاعراض عن الكلام الذي هو العمدة في آثار الحركات الظاهرية من جهة الحواس التي هي اشرف الاعضاء فاذا اعرض عن هذه الجهة سكن وسكت وذلك ايضا اثر من آثار الموت لكنه ليس بثابت دائم وحيث كان الموت بجميع المعاني انما هو بنظر ملك الموت وهذا ايضا وجه من وجوهه الخفية سماه الامام بلحظة من لحظات ملك الموت فان الملك الموت انما ينظر الى الشيء اذا وجدت اسبابه وقد قلنا لك ان السكون من تلك الآثار والاسباب فيلحظه ملك الموت ما دام في تلك الحالة فاذا تكلم وحصل له شغل وحركة انصرف ملك الموت بلحظه لعدم المقتضى ومن هذه الجهة لا يأتي الملك لقبض الروح الا اذا وجد المقتضى لذلك وهو انعدام الحرارة الغريزية فافهم وقد اشرت الى نوع العلم باب ينفتح منه الف باب ما اسعدك لو وفقت لفهمه
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما قال تعالى وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن ان المراد بها شجرة الزيتون ما وجه تخصيص طور سيناء مع انها تنبت في كل الارضين غير الطور فكيف قال تعالى تخرج من طور سيناء
اقول هذه الشجرة النابتة في طور سيناء ان اردنا بالطور هو الجبل المعروف هو سر الشجرة الزيتونة التي لا شرقية وغربية كما في الآية الشريفة توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ودهن الزيتون اصفى الادهان والطفها لا سيما اذا كانت الشجرة نابتة على سواء الجبل تقع عليها الشمس في المشرق والمغرب وهذه الشجرة تحمل النار بل النار تحملها الا ترى كيف اشار الله سبحانه الى هذه الدقيقة بقوله يوقد من شجرة مباركة زيتونة الخ فالدهن منها والنار ايضا منها كما في قوله تعالى هو الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا ولذا ظهرت آثار النار عليها وتجلى الله سبحانه لموسى على محمد وآله وعليه السلام بالنار عليها وتكلم باني انا الله لا اله الا انا واعبدني منها فالنار سر المشية ودهن الزيتون الحقيقة المحمدية صلى الله عليها وتعلق النار بالدهن هو السراج الوهاج في قوله تعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فاضاء به الاكوان والاعيان وظهر به مستجنات غيب الامكان لمتممات الامكنة والازمان فظهر توحيد الله سبحانه في السر والاعلان وهو قوله عليه السلام في دعاء رجب فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت والشجرة الزيتونة الحاملة لهذا السر ما تنبت في غير جبل الطور وبذلك الزيتون اقسم الله سبحانه بقوله والتين والزيتون واما الزيتون في غيره فليس بحامل لذلك السر ولذا لم يقع عليه التجلي وانما هو مكدر بعوارض الاغيار المستوجبة لانحاء الاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وروى القمي ان شجرة الزيتون مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين صلوات الله عليه فالطور الجبل وسيناء الشجرة وفي التهذيب عن الباقر عليه السلام في وصية امير المؤمنين عليه السلام اخرجوني الى الظهر فاذا تصوبت اقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني فهو اول طور سيناء وعن الصادق عليه السلام وقد ذكري الغري قال وهي قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسي تكليما وقدس الله عليه عيسي تقديسا واتخذ عليه ابراهيم خليلا واتخذ محمدا صلى الله عليه وآله حبيبا وجعله الله للنبيين مسكنا ورواه ايضا في البحار في كتاب المزار فاذا تأملت في هذه الاخبار عرفت صحة ما اشرنا اليه في هذه الكلمات وانه تعالى يريد به الزيتون الخاص لا العام وهو لا ينبت في غير الجبل وفيه اشارة الى حقيقة اخرى اشار اليها صاحب الشذور بقوله :
لنا شجر في طور سيناء راسخ وفوق ذراها الشم منها شمارخ
الى آخر الابيات وهي التي تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وشرح هذا الكلام يطول وليس لي الآن اقبال الى ذلك وفيما ذكرناه كفاية
قال سلمه الله تعالى : وما فائدة تكليف من انكر في الذر الايمان مع انه انكر ومن انكر هناك ينكر هنا وكما ورد عنهم عليهم السلام ان من انكر في الذر ينكر هنا مع ان سيدنا على ما رأيت في بعض اجوبته انه في هذه الدار لو انكر قد يقر هنا ولو اقر هناك قد ينكر هنا مع ما ورد ان من انكر هناك ينكر هنا وبالعكس فما الجواب
اقول اما الفائدة في التكليف مع الانكار في عالم الذر فهي بعينها الفائدة في ارسال الرسل وانزال الكتب مع ان الله سبحانه عالم بالمؤمن والكافر قبل ان يخلقهم والفائدة ظهور الامر للمكلف الكافر ولغيره حتى لا يقولوا انا لو كلفنا وامرنا بالايمان لكنا نؤمن ونصدق ونعمل على مقتضى الربوبية وحتى تظهر الحكمة والسر للمؤمن ايضا اذا ادخل الله ذلك الكافر نار جهنم وللكافر اذا ادخل المؤمن الجنة ولا يتوهم في حقه تعالى الترجيح من غير مرجح والتخصص من غير مخصص اذا جهلوا الامر وخفي عليهم السر وكذلك الكفار المنكرين في ذلك العالم انما كلفهم هنا لاستنطاق سرائرهم الخبيثة واستعلام بواطنهم القبيحة لان ذلك العالم من عالم الارواح والتكليف هناك روحاني وفي هذا العالم جسماني ولتطابق العالمين وتوافق النشأتين فان امر الله سبحانه وحكمه واحد في جميع المراتب في الارواح والاجساد والاجسام واما ما ذكرنا من التخلف احيانا وان المنكر هناك قد يقر هنا وبالعكس فليس على ما تعرفه العامة ولا منافاة بينه وبين ما ورد في الخبر من التوافق فان المنكرين والمقرين على اختلاف مراتبهما يجمعهما مقامان احدهما مقام الايمان والانكار على وجه البصيرة فالمؤمنون آمنوا على جهة المعرفة وصدقوا بعد وضوح الحق والكفار انكروا كذلك اي بعد ظهور الامر ووضوح الحق فهؤلاء لا يرجعون هنا عما استقرت عليه عقايدهم واستمرت به سرائرهم وهو قوله تعالى فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل اي في عالم الذر وثانيهما مقام الجهل وعدم البصيرة وغلبة التقليد وهؤلاء اذا آمنوا او انكروا هناك فحيث كان ايمانهم وانكارهم لا عن معرفة بل عن تقليد وجهالة فلربما رجعوا اذا تبين لهم الامر ووضح لهم السر ايمانا او كفرا فما ورد في الاخبار من تطابق العالمين يحمل على صورة العلم والبصيرة وما ذكرناه محمول على صورة الجهل وقلة المعرفة فلا منافاة ح والمسئلة في الصورتين مقطوع بها فان الاثر انما يجري على الثابت لا على المتزلزل الغير القار المضطرب فاذا آمن هنا بعد البصيرة فهو قد آمن هناك قبل هذه الدنيا بالفي عام او باربعةآلاف عام على اختلاف الانظار في اختلاف المراتب لان الانسان لا يؤمن بالحواس الا وقد سبقه القلب به وسبقه روحاني والحواس الظاهرة جسمانية ولا ريب ان الارواح قبل الاجساد بهذه المدة بل لا نهاية لسبقها وخصوص هذا العدد لاجل الكثرة وملاحظة المرتبتين اذ المراتب التي بين عالم الاجسام والارواح فباعتبار عالمان وهو عالم الاجسام وعالم المثال ثم عالم الارواح وباعتبار اربعة وهي الاجسام والامثال الاشباح والمواد والطبايع والنفوس وهي مبدء عالم الارواح وحيث كان عالم الارواح في المرتبة الرابعة صح التعبير عنه بالالف لان الالف في المرتبة الرابعة من الاعداد فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما الوجه في اختلاف الرؤيا والمنامات بين حصول مؤداها هنا فانه قد يرى الانسان زبادا وهو دم كما ورد فيمن رأى نزول ملك على قبر الاول والثاني ولطخ قبريهما بزباد وترك قبر النبي صلى الله عليه وآله فاخبر الرجل الصادق عليه السلام ان قتل قتيلا والزباد دم المقتول لطخ به قبريهما لان كل دم يسفك فوزره عليهما فما وجه الاختلاف بين النوم واليقظة وغير هذا من الرؤيات كلها
اقول قد شرحنا احوال النوم والرؤيا واختلاف التعبير واختلافها باختلافه في شرحنا على آية الكرسي عند قوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم بما لا مزيد عليه ونشير هنا الى نوع المسئلة اشارة ما لتحظى بالمطلوب انشاء الله تعالى اعلم ان الرؤيا تختلف بحسب حال الرائي في صفائه وكدورته واجتماع حواسه وعدمه وامتلائه من الاغذية والرطوبات وعدمه وخلوه منها وبحسب اوضاع العالم واختلاله واستقراره ونظرات الكواكب فقد يرى شيئا في الرؤيا يراه بعينه في اليقظة وقد يرى شيئا فيها يقع تعبيره وتأويله في اليقظة وقد يرى شيئا هو ليس بشيء في اليقظة مثلا اذا رأي انه يشرب حليبا قد يتفق انه يشرب الحليب وقد يتفق انه ينال علما وقد يتفق انه ليس بشيء فاذا كان عند نومه ناظرا الى الملاء الاعلى غير ممتلي بطعام ولا ماء ولا غيرهما من الرطوبات الفضلية والعرضية وحواسه مجتمعة غير متفرقة واوضاع العالم متسقة غير مختلة بكثرة الابخرة الكائنة في الجو والنظرات الحاصلة للكواكب الموجبة للاختلال في العالم فح اذا نظر الروح الى عالمها بعد حصول الكلال والملال بمعالجة الاغذية وجذبها وهضمها وامساكها ودفع الاعراض والفضولات منها واجتماعه في القلب ينظر الى الاشياء كما هي لسعة دائرته فيكون رأى كما رأى وهو الذي اشار اليها في الحديث ان الرؤيا جزء من سبعين جزء من النبوة ه وهي الرؤيا الصادقة الخالصة من الموانع المذكورة فكلما يرى في الطيف يقع في اليقظة كما رأى لانه ذاك بعينه فقد طوى الزمان ورأى ذاك هناك لان الرؤيا من عالم المثال وهو اوسع دائرة من عالم الزمان والاجسام اذا نظر حالة الارتباط بالاجسام واذا كان الناظر في الطيف ناظرا في الوجه الاعلى من عالم المثال فان له جهتين جهة مرتبطة بالارواح والاخرى مرتبطة بالاجسام فان نظر الى الجهة المرتبطة بالاجسام يرى ما يقع بعينه وان نظر الى الجهة العليا الاولى يقع بتأويله كما اذا رأى يخوض في الماء الصافي فانه يخوض في العلم فان الماء في العالم الاول اذا نزل يظهر بصورة العلم كما ان الماء هنا اذا ترقي يظهر بصورة العلم وقد ورد ان طعام اهل الجنة اسفله طعام واعلاه علم فافهم واذا كان الرائي عند نومه على اضداد ما ذكرنا في نفسه بان كان ممتليا تتصاعد الابخرة ففي تصاعده تتشكل باشكال وتتصور بصور فيتخيل الرائي انه ناظر الى حقايق وهي اشكال وصور لا اصل لها كذلك اذا حدث اختلال في اوضاع الجو بكثرة الابخرة وزيادة الرطوبات والادخنة الموجبة لحصول اشكال وصور خيالية لا اصل لها وتختلف رؤيا هؤلاء على اختلاف امزجتهم واستعداداتهم فاهل الدم يرون ما يناسبه في اللون وفي الطبع والاقتضاء واهل الصفراء والسوداء والبلغم كذلك واطوار هؤلاء لا تحصى كثرة يطول الكلام بذكرها وذكر علاماتها وهيئاتها الا اني اشرت الى نوعها فتبصر وهؤلاء اذا رأو شيئا في الطيف لا اصل له ولا حقيقة الا ان المعبر اذا عبرها على وجه انتقشت صورة ذلك الوجه في النفس وارتسمت هيئتها فيها فان كانت مستمرة مستقرة ولا تأتها صورة مناقضة تقابل فوارة الفيض فتحيى تلك الصورة التي عنده وتظهر آثارها وهو معنى قولهم عليهم السلام تفاءلوا بالخير تجدوه ومنعوا من التطير لان النفس اذا ارتسمت فيها الصورة استمدت بها فجذبت على مقتضاها فان الهيئات والصور قوابل وجواذب للمدد من المبدء الاعلى كالبلور الجاذب لنور الشمس الجامع له حتى يظهر منه الاحراق ولذا ترى الحكماء والاطباء ذكروا ان من تصور حالة الجماع صورة مخصوصة واستمر بها يأتي الولد على تلك الصورة وهذا معنى قولهم ان الرؤيا على ما عبرت فافهم فقد كشفت لك القناع عن حقيقة المراد فالزباد الذي رآه في الطيف ذلك الرجل فقد ظهر بتأويله لا بعينه لما بين الزباد والدم من المناسبة بل الزباد اصله هو الدم فلما خرج تصور على هذه الصورة لمجاورة المحل وهواء البلد كذلك المعاصي اصلها ومبدءهما منهما وعنهما ولكنها تظهر في كل محل بصفة ذلك المحل وتنسب اليه فظهر الزباد شارحا للمواد ومبينا لقصد الفؤاد وخصوصية الشرح لرطوبته وسيلانه ودسومته السارية كافعال اولئك في جميع افعال العباد فافهم راشدا
قال سلمه الله تعالى : وما الجواب عن تكليف الجهاد وقد قال تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ولو بحصول مشقة على النفس فكيف بالقتل وتلف المهجة فاي مشقة اعظم من تلف النفس
اقول الجهاد وان كان فيه مشقة وصعوبة الا ان مشقة ترك الجهاد اعظم واعظم لان في تركه غلبة للكفار واستيلاء للفجار على الابرار فعند ذلك لا يؤمن المسلم المؤمن على نفسه وعلى عرضه وعلى ماله وكلها في معرض الزوال والاضمحلال فاذا اتقي منهم واظهر دينهم يضمحل الدين شيئا فشيئا الى ان لا يبقى له اثر وفي ذلك خلاف حكمة الحكيم فان الله سبحانه حكم ان يظهر كلمته ويعلي دعوته ويبين للناس طريق الهدي من طريق الضلال والا لم تتم حجته ولم يظهر دينه والاظهار اما بمحض القول من غير سل السيف واما به فان كان الاول فلا يصدق الداعي الا القليل واهل الجور من اهل الباطل كانوا يستولون عليه فلم يتمكن من اظهار نفسه فضلا عن اظهار دعوته ولذا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وآله بقي مدة مديدة في مكة واظهر الدعوة ما امن معه الا قليل وكانوا خائفين من مشركي قريش حتى بقوا مدة في شعب ابيطالب محصورين لا يعاملونهم ولا يبايعونهم ولا يعاشرونهم ولولا ابوطالب وحمايته وهيبته في اعين الكفار لقتلوهم عن آخرهم ومع هذا كله ماتمكنوا من اظهار امرهم واعلان كلمتهم وكانوا في ذل ومحنة شديدة حتى كانوا يستهونون الموت الى ان توفي ابو طالب عليه السلام وخديجة عليها السلام فامر الله نبيه بالهجرة لعدم الناصر فلما هاجر انزل الله عليه صلى الله عليه وآله اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله فلما فرض الله الجهاد لدفع المذلة والمظلومية صارت للاسلام عزة وللدين قوة وشوكة وصار الناس يدخلون في دين الله افواجا وهل يقاس الحالة التي بعد الجهاد بالحالة التي قبل الجهاد حتى كان الجهاد راحة للنفس بلحاظ ما تترتب على تركه من الذلة والهوان واتلاف النفس والعرض والمال وبالجهاد تعالت كلمة الحق وانتشرت آثار الصدق وظهر امر الله وهم كارهون هذا مع ما يجد المؤمن الشجاع عند منازلة الاقران واصطكاك الاسنة عند اشتداد الضرب والطعان ليعلي به كلمة الله وليذب عن دين الله وليحفظ ولي الله وليمانع عن حوزة الاسلام وليحامي حرم المسلمين عن تسلط الكفرة اللئام من اللذة والفرح ما لا يكاد يصفه واصف الا ترى انك اذا هاج عليك الدم الفاسد تستعمل الحجامة والفصد مع ما فيهما من المشقة الا انك ترتكبهما لتوقع ما هو اعظم من ذلك فاذا تأملت ما يترتب على ترك الجهاد لعلمت ان الجهاد ح يسر لا عسر راحة لا زحمة فرح لا ترح نسئل الله الجهاد بين يدي السيد والسناد والشهادة في طاعته ومتابعته لنفوز بالسعادة يوم المعاد مع ان التكليف في نفسه كلفة ومشقة على نفس الغير البصير ولذا سمي تكليفا وهذه الكلفة في جنب ما اعد الله سبحانه بحسب المقتضيات والاسباب الظاهرة والباطنة بازائها عين الراحة والسرور ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وقرة عيني في الصلوة ارحنا يا بلال وقال عليّ بن الحسين عليهما السلام واعوذ بك من كل راحة بغير ذكرك ومن كل لذة بغير انسك وهذه التكاليف بعضها بالنسبة الى بعض ايسر فاختار الله سبحانه للمكلفين ايسرها بالاضافة الى انواع التكاليف لا عدم التكليف رأسا كيف وان التكليف مشقة ورحمة ولا يقوم مقام الجهاد سواه حتى يكون ذلك ايسر ليختاره الله سبحانه فتعين ذلك فافهم الاشارة ولا تقصر على العبارة
قال سلمه الله تعالى : وما الجواب عن النص الدال في قطع يد السارق ان راحة الكف لا تقطع لانها له سبحانه يسجد له عليها وما كان لله لا يقطع مع ان في قطع الرجل قطع الاصبع الابهام التي يسجد عليها فكيف هنا تقطع وهناك لا تقطع وعلله عليه السلام انها لله فلا تقطع
اقول اعلم ان ما وضع للسجود والعبادة لله سبحانه وتعالى فلا يقطع ولا يغير لان ذات الانسان انما تترقى بتلك العبادات والاعمال الى اعلى الدرجات وتنال اعلى المقامات والمعصية ما لم تبلغ حدا يكون عدم العاصي في الدنيا ارجح من وجوده يراعي بقاء الاعضاء والاسباب التي بها تحصل العبادة على الوجه الاكمل لحصول الغرض والغاية في ايجاد المكلف من العبادة والطاعة والمعصية العرضية لا تمنع قطع الفيض الاصلي الحقيقي بقطع جواذبه واسبابه فما كان معدا للعبادة من الاعضاء والجوارح يكون مقتضيا للبقاء وعدم تطرق الخلل عليه ولكنه قد يعتري المقتضى مانع اقوى فيمنع المقتضى عن اظهار مقتضاه ويكون الحكم للمانع ح كما في المقام فان اقامة الحدود الالهية والتأديبات الربانية لحفظ المكلفين عن المجاهرة في العصيان والمكابرة بالطغيان الموجبتين لاعراض المبادي العالية عنهم الموجب بهلاكهم الابدي وفنائهم السرمدي المسبب للخلود في النار ذات الوقود اولى واعظم من مراعات الاجزاء والاعضاء التي بها تحصل الاعمال الجسمانية وحيث ان السارق تكون العمدة في سرقته شيئين احدهما يداه واعظمهما اليمني وبهما يقبض ما يقبض وثانيهما رجلاه وبهما يسعى الى الوجه المقصود وحيث كانت مدخلية اليد اعظم وادخل تقطع اولا اليد وحيث ان اليد مشتملة على الاصابع والكف وموضع العبادة في السجود واصلها فيه الكف وفي السرقة كانت مدخلية الاصابع في القبض اكثر فوجب قطع الاصابع ماعدا الابهام لئلا يتمكن من قبض مال الحرام بالسرقة فكان بقطع الاصابع مندوحة عن قطع الكف فوجب قطعها وابقاءه لوجود المقتضى ورفع المانع وابقاء الاصل على ما هو عليه من قوله تعالى وان المساجد لله واما اذا تكررت منه السرقة بعد قطع اليد الموجب لقطع الرجل لانه اعظم الاسباب في السرقة بعد اليد فقطع الرجل لا يخلو اما ان يكون من العقب او من الاصابع فان كان الاول كان في ذلك تعطيل الشخص اذا تاب عن حمله عظيمة من العبادات والطاعات والقربات التي تحصل بالسعي والمشي وفي ذلك مشقة عظيمة وفوت جلايل القربات والطاعات فوجب قطع الاصابع وفي قطع ماعدا الابهام لم تحصل فائدة معتد بها لان اصل المشي بالابهام وقوته فهنا وان كان المقتضى لعدم القطع وهو كونه محلا للسجود وان المساجد لله موجودا الا ان المانع الذي هو اقامة الحدود على الوجه المطلوب ومراعاة ما هو اقل ضررا واكثر فائدة وهو قطع الابهام دون الاعقاب موجود فيمنع ذلك المقتضى فدليله عليه السلام بالآية الشريفة من جهة الاصل المقتضى حيث لا مانع وهو الدليل الذي يقولون خرج ما خرج بالدليل ومرادهم بالدليل هو المانع الذي يمنع المقتضى عن اظهار مقتضاه كما شرحنا لك وان لم يكن رفع المانع من تتمة المقتضي كما توهم وذلك كما قلنا ان الحق ان الرافع في الفعل المضارع هو حرف المضارعة لا تجرده عن الناصب والجازم نعم هي مقتضية للرفع فاذا وجد مانع اقوى يمنعه عن اقتضاه ويأتي حكم النصب والجزم بدخول حرف الناصب والجازم فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما توجيه المراتب الوجود السبع المشية الخ في مثل الصلوة والصوم وغيرهما من الاعمال مع انه لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة اشياء
اقول قد قال مولانا الكاظم عليه السلام على ما في الكافي والتوحيد وغيرهما لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب فمن زعم انه يقدر على نقص واحدة منها فقد كفر وفي رواية اخرى فقد اشرك والنكرة في سياق النفي تدل على العموم والشيء اعم من ان يكون ذاتا او صفة او لفظا او معنا او جوهرا او عرضا او غيبا او شهادة وغيرها من ساير الاكوار والاطوار والادوار والاوطار وذلك لان كل شيء لا يقوم ولا يتحقق الا بمادة وصورة نوعية وصورة شخصية وحدود مشخصة معينة وقران تلك الحدود بتلك المواد والذوات والحقايق وتحقق الحقيقة الوحدانية ثم ظهور الآثار من الشيء التام والكون العام وكل هذه المراتب حيث كانت مخلوقة ولا يكون مخلوق الا بتعلق فعل الخالق عليه فالفعل المتعلق بالمادة هو المشية والمتعلق بالصورة النوعية هي الارادة والمتعلق بالحدود والمشخصات هو القدر ومن تفاصيل حدوده الاذن والاجل والكتاب والمتعلق بالتركيب وتمام الحقيقة هو القضا والمتعلق بظهور الشيء التام بآثاره وحدوده واشعته وانواره على الوجه الاعم هو الامضاء ولكن تعلق هذه المراتب انما يكون بامر بين الامرين وعلى جهة الاختيار كما فصلنا في ساير رسايلنا واجوبتنا ومباحثاتنا ولا يسعني الآن تفصيل تلك الاحوال وليست ايضا بموضع السؤال وحيث كانت الاشياء المتميزة المركبة من الجواهر والاعراض والاشعة والانوار لا تخلو عن هذه المراتب المذكورة وكذلك حكم الصلوة والزكوة وساير الاعمال لان لها مادة وصورة وروابط فلا بد من تعلق هذه الافعال الالهية بالشيء لتمام تكوينه بسر الامر بين الامرين فمادة الفعل من الله تعالى اولا وبالذات لانه لولاها لماكان شيء اصلا ولا يقدر على ايجاد المواد سواه تعالى وهو قوله عليه السلام وكل صانع شيء فمن شيء صنع الا الله سبحانه وتعالى والصورة من حيث هي في نفسها ايضا مخلوقة لله تعالى خلقها واودعها في باطن الكرسي كتاب الابرار وفي باطن الصخرة في سجين كتاب الفجار وقران المادة بالصورة بفعل العبد وطلبه من الله سبحانه والتركيب والتمام ايضا بفعل منه تعالى بمقترح العبد وسؤاله منه تعالى واظهار الآثار من ذلك الشيء ايضا بفعل منه تعالى بحسب قابلية العبد والمكلف فالفعل منسوب الى العبد لان القران المذكور بين الصورة والمادة انما هو بطلبه وسؤاله وهو العمدة في النسبة والا فنسبة الله سبحانه وتعالى الى جميع من سواه على حد سواء فان كان القران على محبة الله سبحانه فيزيد الرضا على السبعة المذكورة فيكون الخير وفعله انما يكون بثمانية بالسبعة المذكورة والرضا والمحبة وان لم يكن على محبة الله سبحانه بل على خلاف محبته فلا يكون الا بسبعة ولك ايضا ان تقول ثمانية بزيادة السخط والكراهة والغضب فيلحق الاول بمركزه وهو دار المحبة والثاني بمركزه وهو دار الغضب والسخط والاول هو المعبر عنه بالجنة والثاني بالنار نعوذ بالله منها
قال سلمه الله تعالى : وما الفراسخ الواردة في الشمس عن عليّ عليه السلام انها ستون فرسخا في ستين فرسخا والقمر اربعون فرسخا في اربعين فرسخا ما هذه الفراسخ مع ان علماء الهيئة يقولون ان الشمس اكبر من الارض مائة مرة وربع وثمن
اقول اعلم ان مقدار جرم الشمس قد اختلفوا فيه فقال بعضهم كما ذكر جنابك وقال آخر ثلثمائة مقدار جرم الارض وهو مذهب اهل الهندسة من اليونانيين وقال آخرون انها اكبر من الارض الف مرة وقال آخرون الف الف مرة كما هو مذهب علماء فرنج ولكل وجه وجيه يطول الكلام بذكره والمراد من الحديث الشريف بالفرسخ هو المرتبة لا خصوص العدد كما هو مراد اهل الهندسة فان فلك الشمس على ثلث مراتب خارج المركز والمتممان الحاوي والمحوي وكل واحد من هذه الافلاك الثلثة له تدبير في ظاهر العالم الجسماني بظاهريته وفي باطن العالم بباطنيته فكانت ستة ولما كانت الشمس هي الاصل في تدبير السفليات لان بها المواد بالحرارة الغريزية كان لها ارتفاع بمرتبة فاذا رقيت الستة مرتبة واحدة كانت ستين والفرسخ حدود المسافة في كل شيء بحسبه وقد اشار الامام عليه السلام بكونها ستين الى اصالتها وان لها تصرفا في الغيب والشهادة ولها مزية على غيرها من ساير الكواكب والقمر حيث كان له اربعة افلاك وهو التدوير والحامل والمائل والممثل وحيث كان اعلى من السفليات بمرتبة رقيت الاربعة الى الاربعين والشمس لها مزية ترقيها الى الغيب دون القمر فكان القمر اربعين والشمس ستين وهذه الجهات هي الحدود المعبرة في الشرع يعبرون عنها بالفرسخ مرة وباليوم اخرى وبالشهر اخرى وبالسنة اخرى ويرقون العدد وينزلونه على حسب جهات الشيء باقتضاء المقام الا ترى ما ورد ان المسافة بين سماء الى اخرى خمسمائة عام يريدون ان الاصل في الفلك هو الخارج المركز وبينهما المتممان من الفلك الاعلى والمتممان من الاسفل وملاحظة نفس الفلك الخارج المركز بالنسبة والملاحظة وهي خمسة افلاك من الفلك الى الفلك الآخر وعبر عن كل فلك بمائة عام لان السنين حدود الشيء من حيث الزمان كما ان الفراسخ حدوده من حيث المكان ويعبر عن الشيء الواحد بالجهات المتعددة بالاعتبارات المختلفة بالاسماء المختلفة ولا منافاة في الواقع وان اختلف في التعبير وما ذكر اهل الهندسة هو الحدود المحسوسة وادلتهم قطعية بديهية لا تحتمل الخلاف فوجب التأويل في الاخبار وهو على نحو ما اشرنا اليه وانما عبر عنها بمائة عام لملاحظة ارتفاعها عن المراتب السفلية بثلث مراتب احدها الجو وثانيها ظاهرية الفلك وثالثها غيبها الذي له تصرف في غيب هذا العالم ذلك تقدير العزيز العليم وحيث كانت الشمس في جملة هذه الاعداد لوحظ رتبة الغيب وحيث انفردت لوحظت فيها دون ما سواها
قال سلمه الله تعالى : وما توجيه معنى ما ورد ان من خاف الله اخاف الله منه كل شيء مع انا نري ان كل مؤمن يخاف من كل شيء خصوصا مثل زماننا ونرى كل من لم يخف الله يخافه كل شيء
اقول قال الله تعالى في الحديث القدسي من اقبل الى شبرا اقبلت اليه ذراعا ه فاذا اقبل العبد اليه تعالى بسره وخاف مقام ربه واندكت جبال انيته وانهدمت اركان هويته بحيث لا يجد شيئا سواه ولا يرى مستقلا ما عداه اقبل الله تعالى اليه كرما منه وفضلا ورأفة ورحمة فاودع قلبه وصدره وجوارحه هيبته وكبريائه وجلاله فلا يراه شيء ويعرفه بحقيقة المعرفة او يريد ذلك المؤمن الخائف من الله سبحانه ان يخاف الا ويخاف منه ولذا ترى امير المؤمنين عليه السلام ماقدر ان يصبر لما صعد النبي صلى الله عليه وآله على ظهره وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي على وجه الارض ويركب الدابة وكان امير المؤمنين عليه السلام ماكان يقدر ان يتكلم عند النبي صلى الله عليه وآله بخلاف ساير الناس لقلة معرفتهم دونه وهكذا حال العارف بالنسبة الى غير العارف وكذلك اذا اراد المؤمن ان يخاف كما فعل الصادق عليه السلام بهشام بن الحكم لما ان اتى اليه اول مرة قبل ان يستبصر وكما فعل النبي صلى الله عليه وآله برسول ملك اليمن ولكن الله سبحانه حيث جعل هذه الدنيا دار مشقة وابتلاء على المؤمنين وامرهم بتحمل المشاق والآلام من السفلة اللئام ما اظهروا جلالهم وهيبتهم لقلة معرفتهم حتى قيل للصادق عليه السلام ما معناه لولا انك رجل متكبر لكان لك شأنا قال عليه السلام لست بمتكبر ولكن ظهرت كبرياء الله في فظننت اني متكبر والحاصل ان عدم خوف الناس لاولياء الله بظاهر فطرتهم المغيرة لا بفطرتهم الحقيقية عند عدم المعرفة وعدم الارادة والذي ذكرت من امثال زماننا فجوابه ما ذكره مولانا الصادق او الباقر عليهما السلام المؤمنة اعز من المؤمن والمؤمن اعز من الكبريت الاحمر وهل رأى احدكم الكبريت الاحمر واما خوف الانبياء والائمة عليهم السلام من طواغيت زمانهم فليس خوفا حقيقة فان من عرف عظمة الله سبحانه يستحقر كل من سواه ولا يرى مستقلا منشأ للاثر الا الله سبحانه ولكنه سبحانه امر اوليائه بامر من التقية لحكم ومصالح يطول الكلام بذكرها وقد وقعت الاشارة اليها في اول دعاء الندبة فامتثلوا امر الله واتبعوا حكمه ولو ارادوا لكان المخالفون يأتون اليهم عليهم السلام خاضعين خائفين ذليلين الم تقرء قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم مع انهم عليهم السلام قتلوا وذبحوا واسروا الا لعنة الله على الظالمين وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : وما معنى كلام عليّ عليه السلام كما في التوحيد قال عليه السلام الا رب شيء من كتاب الله تعالى تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر من ذلك قول ابراهيم عليه السلام اني ذاهب الى ربي سيهدين فذهابه الى ربه توجهه اليه عبادة واجتهادا وقربة اليه تعالى الا ترى ان تأويله غير تنزيله ما وجه هذا وكذا عنه عليه السلام في وانزلنا الحديد فيه بأس شديد يعني السلاح الا ترى ان تنزيله غير تأويله
اقول اعلم ان القرآن لا يشبه كلام البشر لان كلام كل متكلم على مقتضى علمه وفهمه وقد قال عليه السلام المرء مخبوء تحت لسانه فكلام الله تعالى على قدر علمه تعالى ومقتضى حكمته وربوبيته وقهاريته فلا يشبهه الا كلام من هو مثله ولا يتم ذلك الا على القول بوحدة الوجود او الموجود او القول بوجود اله غير الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقد اشار سبحانه الى نوع هذا الاستدلال بقوله الحق فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلمه يعني عجزهم عن الاتيان بسورة من مثله انما هو لاجل ان الله تعالى انما انزل القرآن بعلمه وهو على مقتضى علمه ووفق حكمته واني للخلق والاحاطة بعلمه تعالى حتى يتكلموا بمثل هذا الكلام او يأتوا بما يشبه هذا القرآن ثم لما انقطع علم الخلق وقدرته ان يأتوا بمثل هذا القرآن فلو كان لله شريك يعلم علمه ويقدر قدرته لاتى به وقد ثبت امتناع الشريك بالادلة القطعية وان الشريك لله تعالى لا يتعقل ولا يتصور فضلا عن الوجود والتحقق فلا يمكن الاتيان بمثله واليه الاشارة بقوله تعالى وان لا اله الا هو فاذا ثبت ذلك فوجوه القرآن كثيرة غير عديدة منها التنزيل ومنها التأويل ومنها الباطن ومنها الظاهر ومنها ظاهر الظاهر وظاهر ظاهر الظاهر الى ان يرتقى الى السبعة او الى السبعين ومنها تأويل التأويل كذلك ومنها باطن التأويل كذلك ومنها باطن الباطن كذلك وشرح هذه الوجوه يطول به الكلام فليطلب نوع الاشارة اليها في رسالتنا الموضوعة لذلك واما التنزيل فقد يطلق ويراد به الظاهر وهو ما تفهمه عامة اهل اللسان من جهات التقديم والتأخير والزيادة والنقصان على القواعد اللغوية والاصطلاحات النحوية والصرفية والجهات البديعية والنكات المعانية وقد يطلق ويراد به ما دل عليه ظاهر اللفظ بمعناه اللغوي الحقيقي المنساق الى الذهن والمتبادر اليه وقد يطلق ويراد به ما في عالم الاختلاف من الاحكام النفس الامرية الموجبة لاختلاف الاحكام واختلال النظام للاتقان والاحكام المقتضية لاختلاف نزول القرآن باختلاف الامكنة والازمان ولذا نزل القرآن في عالم الزمان والمكان منجما موزعا في اوقات مختلفة واماكن متعددة وقد قال تعالى انا انزلناه في ليلة القدر يعني القرآن اجمع وقد ورد في الحديث المتفق عليه ان امير المؤمنين عليه السلام لما ولد من بطن امه قرء القرآن كله من اوله الى آخره وقد ولد عليه السلام قبل البعثة بسبع سنين او بعشر سنين على الخلاف وقد يطلق ويراد به ما يفهمه وفهمه الخلق حين اوقفهم الله تعالى عند الحجر الاسود لما كان طالع الدنيا السرطان والكواكب كانت في اشرافها والشمس كانت في برج الحمل في التاسع عشر درجة منه ومن المعاني التي تظهر عند الخلوص عن الخلط واللطخ وظهور حكم الله الوحداني الغير المختلف وقد يطلق ويراد به ما يفهمه اهل العناصر من ذلك العالم وقد يطلق ويراد به ما يفهمه اهل السموات السبع من ذلك العالم وقد يطلق ويراد به ما يفهمه اهل العرش والكرسي واهل الحجب والسرادقات من اهل ذلك العالم والتأويل مقابلات ما ذكرنا من الوجوه وفي جميع هذه الوجوه تأويله على طبق تنزيله والتفاوت بالعلو والسفل والظهور والخفاء الا الوجهين الاولين فان الاول منهما لم يزل تأويله غير تنزيله والثاني منهما قد يطابق وقد يخالف فان كثيرا ما يطلق الالفاظ في القرآن ويراد بها معنى غير المعاني الحقيقية المتعارفة المنساقة الى اذهان العوام كما في قوله تعالى اني ذاهب الى ربي سيهدين فان المتبادر الى اذهان الناس من الرب هو المعبود بالحق سبحانه والذهاب اليه على المتعارف بينهم ممتنع فانه تعالى ليس في مكان ولا اليه حد ولا نسبة ولا يخلو منه مكان دون مكان ولا حال دون حال فوجب حمله على ما ذكره عليه السلام مرموزا من التوجه اليه والتقرب اليه والعبادة له تعالى فذكر عليه السلام اللازم واخفى الملزوم لعدم تحمل الناس ولما في صدورهم من وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس وقد اشاروا عليهم السلام الى ما اخفاه عليه السلام في هذا المقام في الزيارة الجامعة من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم فالتوجه الى الله سبحانه والتقرب اليه والعبادة له لا يكون الا بالتمسك بولايتهم والاعتراف بحقهم والاخذ عنهم والرضا بفعلهم لانهم اركان التوحيد ومحال المعرفة فبين ان تنزيله غير تأويله وتأويله تأسيس اصل كلي ويتفرع عليه جميع العبادات والطاعات واحوال الجنة والنار وكتاب الابرار والفجار واوضاع الدنيا والآخرة وكذا قوله تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد يريد به السلاح الذي عندهم وديعة من سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو آية الامامة وعلامة الولاية المراد به الاستيلاء والغلبة والاستعداد لذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قالوا عليهم السلام ان مثل السلاح فينا مثل التابوت في بنياسرائيل فان التابوت علامة النبوة والملك عند من يوجد وكذا السلاح كل من عنده السلاح فهو القائم بالامر وقوله تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد اشارة الى السلاح الذي عندهم سلام الله عليهم من آيات النبوة وعلامات الامامة والوصاية فكان تنزيل هذه الآية الشريفة غير تأويله فالآية الاولى بيان انهم وجه الله وباب الله وعين الله وسبيل الله والصراط المستقيم وباب الخيرات كلها لانها كلها من عند الله وما عند الله لا ينال الا بهم من اراد الله بدء بكم والآية الثانية بيان هيمنتهم واستيلائهم وسلطنتهم على كل مذروء ومبروء لان بذلك السلاح يذلل لهم كل صعب ويخضع لهم كل متكبر وخص عليه السلام تين الآيتين بان تنزيلهما غير تأويلهما لان بهما تبيان سلطانهم وشرح فضايلهم ومناقبهم بما لا مزيد عليه وذكر تفاصيل هذه الاجمال يطول بها الكلام وليس لي الآن اقبال ذلك لان الجور قد مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فكثر مجيبوه وملبوه ويذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء نسئل الله الصبر والاعانة وحسن الخاتمة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال سلمه الله تعالى : ما معنى قول الرضا عليه السلام في صفات الله تعالى شاء لا بهمة مريد لا بهمامة ما لفرق
اقول الهمة هي القصد ومبدء العزم والهمامة تمام العزم وكماله واتصاله بما عزم عليه والكلمتان للعزم الآن زيادة المباني حيث كانت تدل على زيادة المعاني فكانت الهمامة اكد في العزم وانما نسب الهمة الى المشية لانها هي الذكر الاول اي اول القصد ومبدئه والذي يعقد به القلب ويميل اليه الضمير واذا تأكد ذلك وتصمم سمي الارادة فالتأكيد في الارادة اكثر واعظم والمشية ابسط وحيث ان مشية الله سبحانه ليست بعقد الضمير وميل القلب لانه من صفات المخلوقين وكذا ارادته بالتصميم والعزيمة التي هي من صفات الخلق نزه الله سبحانه عنهما ونسب اصل الفعل ونفي صفة المخلوقين فقال عليه السلام شاء لا بهمة ومريد لا بهمامة وكلاهما بمعنى واحد الا ان الثاني تأكيد للاول لما قلنا وهو ظاهر واضح انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ان لله مشيتين مشية عزم ومشية حتم ما معنى مشية عزم
اقول روى الكليني في الكافي وغيره في غيره ان لله مشيتين وارادتين مشية حتم ومشية عزم وارادة حتم وارادة عزم يأمر وهو لا يريد وينهي وهو يريد امر ابليس بالسجود لآدم وشاء ان لا يسجد ولو لم يشأ لما غلبت مشية ابليس مشية الله ونهى آدم عن اكل الشجرة وشاء ان يأكلها ولو لم يشأ لما غلبت مشية آدم مشية الله نقلت معنى الحديث اذ لم احفظ لفظه اما مشية العزم وهي مشية المحبة والنور والخير فان الله سبحانه يحب للمخلوقين ان يعملوا بمقتضى اوامره ونواهيه فينالوا بذلك اعلى درجات القرب حيث انه تعالى جعل الاوامر والنواهي اسبابا للارتقاء الى معالي الدرجات والوصول الى اسنى المقامات ولكنه سبحانه حتم على نفسه ان لا يجبر احدا الطاعة ولا المعصية فمن اراد الطاعة يمكنه منها ولا يحول بينه وبينها ولا يمنعه عن المدد الذي يتمكن به منها ومن اراد المعصية يمكنه منها ولا يحول بينه وبينها ولا يمنعه عن المدد الذي يتمكن به منها فان الخلق الحادث في جميع الاحوال لا يستغني عن المدد والا لانعدم وهو قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا لكن العطاء في الخير يسمي مددا وفي الشر يسمي خذلانا فالله سبحانه حتم على نفسه ان لا يجبر احدا في حال من الاحوال لا في الطاعة ولا في المعصية فان الجبر ظلم وهو سبحانه متعال عن ذلك علوا كبيرا فهو سبحانه يحب من عباده ان يعملوا الخير ويشاء ذلك بمشية عزم ولكنه سبحانه لا يحتم ذلك عليهم ليجبرهم عليه وهو قوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملئن جهنم من الجنة والناس اجمعين وكذلك هو سبحانه يحب من عباده ان يتركوا الشر والمعاصي ولكنه سبحانه لا يجبرهم عليه فاذا مالوا الى الطاعات جرى حكم المشيتين مشية عزم لانها نور وخير وهو سبحانه يشاء ذلك لعباده ومشية حتم لانه تعالى اجراهم على وفق ارادتهم ومشيتهم ولاجبرهم ولااكرههم على خلاف ما تميل اليه كينونة نفوسهم واذا مالوا الى المعاصي جرى حكم مشية الحتم دون العزم لانه سبحانه لا يحب ان يعصى وان يرتكب الخلق المعاصي الا انه سبحانه اجرى عليهم ما حتم على نفسه ان لا يجبرهم على الطاعات فشاء سبحانه ذلك بمشية حتم دون مشية عزم فمشية الحتم لازمة للكينونات غير منفكة عنها بخلاف مشية العزم كما بينت لك فامر ابليس بالسجود لآدم وشاء ذلك بمشية عزم الا ان ابليس حيث مالت بماهيته الخبيثة الى المخالفة وترك السجود والامتناع منه ماجبره الله على ذلك وشاء ان يجري محبته وميله ولو شاء الله جبره على السجود لما وسع ابليس المخالفة ولما غلبت مشيته مشية الله ولكنه سبحانه احب ان توجد مشيته لئل اتجبر فشاء سبحانه عدم السجود بمشية حتم حيث اجرى عليه مختاره ونهى آدم عن اكل الشجرة وشاء عدم اكله منها بمشية عزم ولكن آدم لما مالت طبيعته الى ترك الاولى ما جبره على فعلها وامده عليه حتى اكل منها فلو لم يشأ الله ذلك ولم يمده بالمدد الوجودي لما تمكن آدم من المخالفة والترك فشاء ان يأكلها بمشية حتم ولولا ذلك لماغلبت مشية آدم مشية الله فمشية الحتم لا تتخلف ابدا دون مشية العزم فافهم راشدا موفقا
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد اطووا ثيابكم بالليل فانها اذا كانت منشورة لبستها الشياطين الى الصباح ما معنى لباسهم وما وجه النكتة الى الصباح
اقول ان الليل حيث كان بعيدا من النور وحاملا للظلمة فله مناسبة مع الشياطين لانهم ظلمانيون خلقوا من بحر الظلمات والنهار حيث كان مقارنا للنور وحاملا له فله مناسبة مع الملائكة لانهم انوار ونورانيون فالشياطين والجان والعفاريت وكل من غلبت على طينته الظلمة لهم انتشار في الليل لتوافق كينوناتهم فاللباس لكثرة الخلل والفرج اذا كانت منشورة في الليل تتخلل في خلالها الابخرة والرطوبات الفضلية العرضة الحاصلة ببرودة الليل فاذا تخللت في خلالها تهيأت واستعدت لتعلق الشياطين لانها لا تتعلق الا في محل مناسب لها فتستقر وتتعلق الاجنة والشياطين بتلك اللباس ما دامت المناسبة موجودة فاذا لاح الصباح وظهر سلطان النور واستبان آثار الحرارة فتظهر ملائكة الانوار وتجف بحرارة النور تلك الرطوبات الفضلية العرضية فتنتفي مناسبتها مع الشياطين وتظهر الانوار فلا تبقي للشياطين والابالسة قرار الا في قلوب الكفار في كتاب الفجار فاذا طوي اللباس يقل تخلل الرطوبات وتقل المناسبة مع ان طي المؤمن ختم من الله يبعد عنه الشياطين حفظا لما اراد المؤمن حفظه فيما غاب عن حسه فاذا نوي ذلك بفعله فالله سبحانه هو الاولى بحفظه له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله فان الشياطين اذا تعلقوا باللباس تأثرت ظلمتهم فيه فتبعد عنه الملائكة لعدم محل لايق مناسب فاذا لبسه الشخص تظهر آثار تلك الظلمة فيه اما في ظاهره بان تؤثر الامراض والفقر والهم والحزن وامثالها واما في باطنه بان تؤثر القساوة والبلادة والميل الى المعاصي والسيئات نعوذ بالله منها ولذا ورد كنس البيت عن الكثافات وعلل ذلك بانها تورث الفقر والوجه في ذلك ان الكثافات والنجاسات لها مناسبة مع الشياطين فاذا رأو مكانا مناسبا تعلقوا به فتبعد عنه ملائكة النور والخير فاذا بعدت الرحمة عن البيت يكون فيه الفقر والفاقة والذلة والمسكنة لانها كلها اضداد للنور وهو معنى ما ورد ان الملك لا يدخل في بيت فيه كلب والمراد بالملك ملك الخير والنور والكلب مناسب للشياطين والابالسة وبينهما تضاد واما ما تجد من الغني والعز في بعض بيوت الكفار فلقوله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم وقوله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واملي لهم ان كيدي متين فافهم فقد نبهتك على سر دقيق وهنا وجوه باطنية واسرار غيبية يطول بذكرها الكلام ويحتاج الى ذكر مقدمات كثيرة وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية وتعيها اذن سامعة
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في حديث العياشي عن الصادق عليه السلام في تفسير الله يتوفى الانفس حين موتها الى قوله تعالى ويرسل الاخرى الى اجل مسمى انه اذا نام العبد خرجت نفسه وبقيت روحه في جسده وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فان اذن تعالى لرد النفس جذب الروح الشعاع وجذب الشعاع النفس فردت النفس الى الجسد وبالعكس تجذب النفس الروح بالشعاع فلا ترجع ما المراد بالشعاع هنا من اي الرتب
اقول المراد بخروج النفس في النوم وفي الموت قطع النفس علاقتها عن هذا البدن لانها خرجت عن محلها ونزلت الى عالم الاجسام كيف والله سبحانه وتعالى يقول وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون فالنفس هي النفس القدسية الانسانية التي مقرها في الملكوت نازلة من عالم اللاهوت وهي التي اشار اليها امير المؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي واشار الى قواها وخواصها في حديث كميل فراجع اليهما وهذه النفس من عالم الغيب وهي الاصل في الانسان وهي لا تظهر ولا تتعلق بالبدن الا بشيء مناسب لها يكون ذلك الشيء حاملا لظهور آثارها في اقطار البدن وذلك الحامل المناسب هو الدخان الصافي المتصاعد من تجاويف القلب ويطلق عليه البخار ايضا وهو في غاية اللطافة والخفة لها مناسبة بعالم الغيب لكمال لطافته ونورانيته والنفس تظهر آثارها في هذا البخار وهو المسمى بشعاعها لانه حامل آثارها الى البدن كالشعاع الحامل لآثار الشمس الى الارض وهذا البخار ايضا لا يحل الا في محل مناسب له في اللطافة والصفاء والقوة وذلك هي العلقة الصفراء الكائنة في تجاويف القلب الحاملة للحرارة الغريزية فهي في تلك العلقة والبخار المسمي في عرف الاطباء بالروح الحيواني انما يتصاعد من تلك العلقة فالحرارة الغريزية هي المراد بالروح في هذا الحديث لان بها قوة البدن وحيوته وتحققه فهي حاملة لذلك البخار الشعاع المتصل بين النفس الغيبية وبين الروح الحرارة الغريزية والبخار اي الروح الحيواني هو السبب لايصال آثار النفس الى البدن مع ما فيه من القوى والمشاعر والحواس فلولاه لم يكن للنفس ظهور فهو حاك للشعاع الظاهر من النفس الى البدن فاذا اراد الله رد النفس الى البدن وحيوة الشخص ورجوعه الى الدنيا امر بالروح فجذب الشعاع وذلك بعد تحقق المواد الصالحة في البدن القابلة لبقاء الحرارة الغريزية باعتدال المزاج وصفو العناصر الاصلية عن الاختلاط والامتزاج بالاعراض والغرائب المخرجة اياها عن الاعتدال فاذا وجد الله سبحانه المحل قابلا والمزاج معتدلا امر بالروح الحيواني المعبر عنه بالشعاع بالتعلق به فاذا تعلق الروح البخاري بالحرارة الغريزية انجذبت آثار النفس الغيبية اليه لا محالة كما يجذب البلور الحرارة والاحراق من الشمس فيجري آثارها في القوابل السفلية المستعدة لظهور تلك الآثار فيها كذلك الروح البخاري جاذب وحامل لظهور آثار النفس القدسية الكائنة في باطن الكرسي فيقوم الشخص حيا سويا فاذا انعكس الامر واختل المزاج وفسد النظام المتصل في الاعضاء والجوارح لم يبق للحرارة الغريزية قرار فتلحق بمركزها وتخر ساجدة تحت عرش ربها ولا يبقى ايضا للروح البخاري قرار فلا حامل لآثار النفس المجردة البسيطة فتجذب النفس الشعاع وهو الروح البخاري اي روحه المتعلق به المفاض من باطن الجوزهر من فلك القمر فينجذب الى مركزه ويعود اليه عود ممازجة والروح البخاري يجذب الروح الذي هو الحرارة الغريزية فتعود الى مركزها وتتصل باصلها وتلحق بمبدءها وهو كرة النار تحت فلك القمر فاذا جذبت النفس الروح البخاري وقطع العلاقة بينه وبين محله الحرارة الغريزية المعبر عنها بالروح في هذا الحديث يبقى البدن ميتا لا حراك له فان الحركة والحيوة من مباديها وعللها من النفس الغيبية بحواملها وجواذبها ومباديها واسبابها من الشعاع والروح كما فصلت لك وانما كررت العبارة للتفهيم فافهم وقد تبين لك ان الشعاع من اي الرتب فان مبدئه باطن جوزهر القمر ومنتهاه اعلى كرة النار فافهم
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في حديث العياشي عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى فنظر نظرة في النجوم قال انه تعالى خلق روح القدس ولم يخلق خلقا اقرب اليه منها وليست باكرم خلقه اليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقته الى النجوم فجرت به ما معنى لم يخلق خلقا اقرب ما الاقربية وقال ليست باكرم خلقه اليه ما اكرم منها وما معنى الكرم واذا اراد امرا القاه اليها فالقته الى النجوم فجرت به ما المراد بالنجوم
اقول روح القدس في غالب اطلاقات الائمة عليهم السلام يراد به العقل الكلي العقل الاول المعبر عنه بالقلم الاعلى اول غصن اخذ من شجرة الخلد وهو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الذي قال الله تعالى له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر واليه الاشارة فيما وجد بخط مولانا العسكري عليه السلام روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وقد قضى بطلان الطفرة على ان الفيض والامر من المبدء الاعلى انما يكون من الاعلى فالاعلى حتى لا يلزم خلاف الحكمة ويجري حكم اجرائه سبحانه الاشياء على اسبابها وحيث ان روح القدس اول الخلق وكان اقرب الخلق الى فعله تعالى ومشيته وابداعه لا الى ذاته لان ذات الله سبحانه لا مناسبة بينه وبين غيره تعالى بوجه لا بقرب ولا بعد ولا بنهاية ولا بداية وجب ان يكون امره تعالى بالنسبة الى اطوار الكائنات اولا يلقي الى الروح اذ ليس اقرب منه خلق فكان حاملا للامر النازل والحكم الواصل وقد يطلق عليه الملك بمعنى الالوكة اي الرسالة او من الملك بمعنى العبودية وكلا الامرين في ذلك الخلق على الوجه الاكمل كما فصلنا في ساير رسائلنا واجوبتنا فاذا وصل الامر الالهي من التكويني والتشريعي الى هذا الخلق القاه بوسايط وهي الروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال وجسم الكل والعرش محدد الجهات والكرسي ومنه الى النجوم في المنطقة ثم الى البروج ثم الى المنازل ثم الى ساير النجوم في اطراف المنطقة ثم الى فلك الشمس بعدها ثم منها الى زحل والقمر ثم منها الى المشتري وعطارد ثم منها الى المريخ والزهرة ثم منها الى ساير الخلق واطواره واكواره وادواره واوطاره فتجري في كينونات المتولدات بعد ما يجري الى العناصر فنظر ابراهيم عليه السلام الى النجوم وما اودع الله سبحانه في سرها من اطوار الكائنات اطلع على شهادة الحسين عليه السلام وروحي له الفداء وقتله بيد شر خلق الله توجع قلبه وحزن وسري الى كل اقطاره فتألم فقال اني سقيم من تلك الداهية الكبرى والبلية العظمى التي ظهر منها الخلل العظيم في العالم الكلي ووهنت قواه وانهد اساسه واما كونه اقرب الخلق فقد ذكرنا لك واما كونه ليس باكرم على الله لوجود من هو اكرم منه عنده تعالى وهو الجامع الكلي الذي روح القدس شأن من شئونه وطور من اطواره وهو محمد صلى الله عليه وآله فانه العاقل الكامل الجامع للعقل وغيره من المراتب الكونية ونسبة العقل اليه نسبة الرأس الى مجموع الجسد ولا شك ان الرأس وان كان اشرف من ساير الجسد لكن الجامع بين الرأس والجسد اشرف من الرأس وحده ضرورة ان الكل من حيث هو كل اشرف واعظم من اجزائه لان فيه ذلك الجزء بكمال شرافته مع شيء زايد بكماله ففيه الكمالات المتكثرة التي منها ذلك الخلق الاول فكان اقرب الخلق الى الله تعالى وليس باكرم عليه لان الجامع له وغيره اكرم واعظم من الواحد كما هو المعلوم ضرورة وهذا لا ينافي كون كلما هو اقرب الى الله تعالى اشرف فان ذلك بالنسبة الى مراتبه النازلة لا بالنسبة الى الحقيقة الجامعة فمحمد وآله صلى الله عليه وآله اكرم على الله واشرف عنده من روح القدس وغيره وذلك معلوم بالضرورة من المذهب والدين وقولكم ايدكم الله تعالى وما معنى الكرم اعلم انه ليس المراد منه هنا الكرم وانما هي الكرامة والشرافة فان الكرم لا دخل له هنا كما هو الظاهر وباقي المباحث فقد شرحناها فافهم راشدا موفقا
قال سلمه الله تعالى : وما الفرق بين صفات الذات وصفات الافعال في الواجب جل وعلا مع ان الذات لا توصف فما معنى انها لا توصف مع اثبات صفات الذات
اقول الفرق بين صفات الذات والافعال هو ان كل صفة تثبت لله تعالى ويثبت ضدها له تعالى فليس بصفة للذات تعالى لان صفاته الذاتية عين ذاته تعالى وذاته تعالى لا يمكن ان يكون محلا للاثبات والنفي فان النفي عدم يستحيل اثباته للقديم تعالى فتكون الصفة المذكورة من صفات الافعال كما تقول شاء الله ولم يشأ واراد ولم يرد واخبر ولم يخبر وهكذا من ساير الصفات التي تنفي وتثبت كما تقول غفر وانتقم ورضي وغضب وغيرها وهذه كلها صفات تجري على افعاله تعالى اذا تعلقت بالشيء وضده وتوصف الله تعالى بها لان الذات غيبت الافعال والاضافات وتغيب عند ظهور الذات فتوصف الذات سبحانه وتعالى بها وكل صفة تثبت ولا تنفى ويستحيل نفيه فهي من صفات الذات كما تقول علم وقدر اذ لا يصح ان تقول لم يعلم ولم يقدر او سمع ولم يسمع وابصر ولم يبصر وهكذا من ساير الصفات التي لا يجوز نفيها عنه تعالى ويستحيل ذلك فان صفة ذاته تعالى ولا يجوز عليها النفي والاثبات كما مثلنا لك وهذه قاعدة شريفة اذا اتقنتها لا يخفى عليك امر الصفتين بحال وهي المستفادة من كلماتهم عليهم السلام واما الجمع بين قوله عليه السلام كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف على انه غير الصفة وشهادة الصفة والموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث وما اتفق عليه اهل الاسلام ان لله سبحانه صفات ذاتية والاحاديث والاخبار ناطقة بذلك فاعلم ان الصفة من حيث هي تقتضي المغايرة لموصوفها كما هو المعلوم الظاهر وقد صرح بذلك امير المؤمنين عليه السلام في الحديث المتقدم لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وشهادة الموصوف على انه غير الصفة الخ والصفة بهذا المعنى لا ريب انها منفية عنه تعالى اذ ليس في ذاته تعالى اختلاف ولا فيها جهة واعتبار وحيث وحيث وكيف وكم واضافة ونسبة وجهة وجهة فاذا اعتبرنا هناك صفة مغايرة للذات لزم الكثرة وهي علامة الحدوث واما الصفة التي نثبتها له تعالى فهي اثبات الكمال مما نعلمه كمالا من غير ملاحظة صفة وموصوف ومغايرة ومخالفة ونقول ان الصفة هي عين الذات والذات والصفة لفظان لمعنى واحد بلا اعتبار اختلاف ولا تعدد فقولك عالم هو بعينه هو معنى قادر والقادر هو بعينه معنى البصير وهو بعينه معنى السميع والعالم والقادر والسميع والبصير الفاظ لمعنى واحد بلا فرض المغايرة لا مفهوما ولا مصداقا ولا اعتبارا ولا حقيقة والقول بالمغايرة الاعتبارية ان كانت واقعية اي ما في الاعتبار مطابق لما في الواقع فجاء التعدد والاختلاف في الذات وان لم تكن واقعية كانت كذبا فلا تجوز الديانة بالكذب فانف المغايرة بالكلية ليستقيم لك التوحيد وتكون من اصحاب المذهب السديد والصفة التي هي عين الذات ليكون اثباتها للخروج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه هي التي نثبتها له تعالى والصفة التي بها المغايرة والاقتران والاتصال هي التي ننفيها عنه تعالى فلا منافاة ح قال عليه السلام فاسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وذاته حقاقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه وتفصيل هذه الاحوال وشرح هذا المقال كما ينبغي يطلب في ساير رسائلنا لا سيما في اجوبة المسائل التي اتتنا من مشهد مولانا الكاظم عليه السلام فان ما فيه كفاية للطالب المسترشد بل ليس له دونه كلام ولو كان لي مجال لاريتك من عجائب المقال ما تقر به العين
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى فكان قاب قوسين واصله فكان كقابي قوس فما الوجه فيه
اقول المراد قوسان لا قوس واحدة فان العالم ما سوى الله كرة واحدة وبعض الكرة قوس فانقسمت هذه الكرة الى تسعة قسي وكل قوس عبارة عن عالم من العوالم الكونية وهي عالم الاجسام (١) وعالم المثال (٢) وعالم الطبايع (٣) وعالم المواد (٤) وعالم النفوس (٥) وعالم الارواح (٦) وعالم العقول (٧) وعالم الفؤاد (٨) وعالم المشية (٩) والامكان وكل عالم اعلى من الذي تحته ورسول الله صلى الله عليه وآله صعد في عروجه الى هذه العوالم المعبر عنها بالقسي الى ان وصل في صعوده الى عالم العقول ومبدءه العقل الكلي روح القدس فلما وصل في سيره الصعودي الى هذا العالم احاط بالمكونات فكان من ربه اي من قطعه لعالم الامكان بالمرة ووصوله الى عالم الازل قاب قوسين اي مقدار قوسين وهما عالم الفؤاد والوجود وعالم المشية والامكان الراجح فصعد صلى الله عليه وآله الى ان قطع قوس الفؤاد والوجود ووصل الى عالم المشية والامكان فكان ادنى ولكن قوس الامكان لا يمكن قطعها ويستحيل الوصول الى عالم الازل فحده صلى الله عليه وآله في صعوده ليلة المعراج الى قاب قوسين اي الى ان يبقى قوسان بل ادنى اي قوس واحدة لقطع عالم الامكان بالمرة فلا يصح قابى قوس فان المراد بالتثنية التعدد في القوس لا طرفيها كما توهمه بعض المفسرين وما ذكرنا لك من الكلام هو الحق الذي لا يحوم حوله نقض ولا ابرام فخذه وكن من الشاكرين فليس وراء عبادان قرية ولا حول ولا قوة الا بالله
قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد ان الميت اذا دفن لا يتخلف احد عند القبر لئلا يحدث على الميت شيء فتسمع الاحياء كيف هذا والحدث في المثال فكيف يسمع هذا السمع والمسموع في ذاك العالم
اقول عالم المثال له وجهان وجه الى عالم الغيب والنفس ووجه الى عالم الشهادة والاجسام فاهل الدنيا المتجلببون بجلباب الجسم المأخوذ من القبضات العشر اذا كانت حواسهم غير مختلة ومشاعرهم معتدلة غير متفرقة ولم تكن عوارض من غلة الاحكام الدنيوية الجسمية يسمعون اصوات اهل جابلقا وجابرصا من الذين في عالم المثال باسماعهم الجسمية المناسبة للوجه الاسفل من الاطوار المثالية فاذا كان نصف الليل وانت حواسك مجتمعة غير متفرقة تسمع اصوات عجيبة من اصوات اهل ذلك العالم وصرير اقلام الملائكة وغيرها من اطوار العوالم الجسمية في المقامات العلوية لحكم المناسبة المذكورة اما سمعت ما ورد ان الكافر اذا دخل في قبره يأتيه الملكان ويضربانه مرزبة من نار يصيح صيحة يسمعها كل حيوان سوى الجن والانس وسر السماع هو الذي ذكرنا لك من مناسبتهم لاهل ذلك العالم بوجه وسر عدم استماع الجن والانس عدم لزوم الالجاء وليبقى لهم معاشهم الذي به تحصيل معادهم فافهم
قال سلمه الله تعالى : ما الوجه في كون الزكوة اوساخ الاموال فليست للسادة بخلاف الخمس فانه ليس من الاوساخ مع كونهما حقين للفقراء سادة خمسا وغير سادة زكوة فما الوجه في ذلك
اقول اعلم ان هنا سر دقيق ورمز خفي ذكرنا تفصيله وشرحه في اسرار العبادات في اسرار الزكوة والخمس فان اردت التفصيل فراجعها ولا ريب ان الخمس من صافي الحقوق فمن هذه الجهة جعل الله تعالى لنفسه المقدسة نصيبا ولنبيه اشرف الخلق ولاوليائه نصيبا صلى الله عليهم بخلاف الزكوة فان الله سبحانه لم يجعل له منها ولا لنبيه واوليائه عليهم السلام نصيبا بل حرمها عليهم فجعل للسادة ما جعلها لنفسه واوليائه ولا شك ان ذلك لا يكون من الاوساخ ومن الفضلات بخلاف الزكوة فانها لساير الناس فقد صرحوا عليهم السلام بانها اوساخ ما في يد الناس وليس الخمس للفقراء وانما هو لله ولرسوله واولي الامر واين الفقير من هؤلاء واما اليتامي فقد صرح الشيخ بعدم اشتراط الفقر فيهم وليس ببعيد واما الزكوة فللفقراء خاصة الا المؤلفة قلوبهم لكنهم من قسم الكفار والفرق ابين من الشمس والوجه في ذلك ان الشيء اذا تم في نفسه يجري عليه الحكم ويثبت له وعليه وتمام الشيء فالعالمين عالم الغيب والشهادة فعالم الغيب هو الاصل وهو انما يتم في خمسة عوالم عالم الامكان الراجح وعالم الفؤاد وعالم العقل وعالم الروح وعالم النفس وهو تمام الذر وتمام الخلق الاول في العالم الاول فاذا تم فلاحظ فيه جهة الحق سبحانه بظهور التوحيد والنبوة والولاية والشيعة الذين هم محل العناية وظهور الولاية المطلقة وهم المختصون بالولي والنبي والمنتسبون اليه ومظهرها في هذا العالم الذرية من اولادهم عليهم السلام ممن ليسوا في مقام الاصل وانما هم في مقام الرعية وهم على ثلثة اقسام العوام منهم والخواص منهم والخصيص منهم ومقام التوحيد والنبوة والولاية فهذه ستة نصفها خاصة للامام عليه السلام لانه عليه السلام مظهر الجميع والاصل الثالث والنصف الآخر الى الاقسام الثلثة المذكورين فالخمس الذي لله فيه نصيب لا يكون الا من الوجه الاعلى واما عالم الشهادة فذلك عالم الكثرة والاختلاف والبعد عن المبدء فيتم في عشرة عوالم الخمسة المذكورة وعالم الطبيعة وعالم المواد وعالم المثال وعالم الاجسام وعالم الاعراض فاذا تمت هذه العوالم العشرة تم الشيء في عالم الشهادة مشروح العلل ومبين الاسباب فلوحظت فيها جهتها من حيث نفسها فعشرها من حيث نفسها اسفل المراتب وهو مقام الاعراض وذلك اوساخ ما في ايديهم لان العشر بازاء الوجه الاسفل والاعراض معلوم حالها ودناءة محلها وكلما هو بازاء الشيء يجري عليه حكمه وحيث كان الملحوظ في الزكوة ظهور الشيء بعد تمامه في نسبته الى غيره ولا شك ان نسبة الشيء الى غيره من جنسه او اسفل منه بالوجه الاسفل لا بالوجه الاعلى كان ما بازائه مما يتعدي الى غيره مما يظهر سره في ماله في الوجه الاسفل وكان ذلك حكم الاوساخ والفضلات ويؤثر تأثيره ومن هذه الجهة ورد عنه عليه السلام انه قال لا تهن المؤمن ولا تعطه اوساخ ما في ايدي الناس بخلاف الخمس فان ذلك بازاء الشيء بعد تمامه من جهة انتسابه الى المبدء الاعلى ولا شك ان وجهه من ربه هو اعلى مراتبه ومقاماته فيكون الخمس اصفي الاموال وازكاها واشرفها والزكوة ادنى الاموال واخسها واكثفها والئامها وحيث كانت الزكوة بازاء وجه الشيء الى غيره من نفسه بعد تمامه اختلفت بالعشر ونصف العشر والجزء من اربعين جزء وذلك على حسب اختلاف تمامية الشيء في ترتب الاحكام عليه وان كانت الاصول انما تتم في العشرة ولكن الظهور بآثار الشيء واحكامه قد يتوقف بالاربعين كما في قوله تعالى خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا وبالعشرين في مقام ظهور العشرة في قوسي الصعود والنزول
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
وقد اشرت لك الى حقيقة السر فان فهمته فقد سعدت به والا فليس لقصور فيك بل انما هو لعلو مقام المسئلة لان دليلها من دليل الحكمة وسرها من شرح سر العصمة وهو في هذا الزمان بعيد المنال وعزيز الوصال فان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون
قال سلمه الله تعالى : ما الوجه فيما ورد عنهم عليهم السلام ان الصادق عليه السلام اذا ذكر عنده يعقوب عليه السلام قال صلى الله عليه وآله صلى الله على الشيخ يعقوب يكرر هذه الصلوة ثلثا ما وجه تسميته بالشيخ وما وجه الثلث المرات
اقول ان يعقوب عليه السلام اسرائيل الله هو مثال امير المؤمنين عليه السلام باعتبار ذريته وكون الانبياء منهم وان يعقوب له اثني عشر ابنا عدد الائمة الاثني عشر وان ابنا واحد منهم قد ابتلي بالبلايا والمحن ووقوع ما جرى عليه وهو مثال ابنه الحسين عليه السلام في ابتلائه بالبلايا العظيمة والمحن الجسيمة وانه بعد الابتلاء قد رجع اليه الدولة والسلطان والحكم في الارض كذلك الحسين عليه السلام يرجع اليه الدولة والسلطان في الرجعة والكرة ويبقى سلطانا متمكنا في الارض خمسين الف سنة على بعض الروايات ويأتي اليه والداه بعد السلطنة وهو عبارة عن رجوع محمد وعليّ وفاطمة وساير الائمة عليهم السلام واجتماعهم بالحسين عليه السلام في الرجعة وبالجملة حيث كان يعقوب مثالا له عليه السلام ولهم وان كان المثال مقربا من وجه ومبعدا من جميع الوجوه وهو عليه السلام اصل لجميع الانبياء من نسله فصح اطلاق الشيخوخة عليه وفي الزيارة لامير المؤمنين عليه السلام السلم على اسرائيل الامة وباب الرحمة وابي الائمة ولما كان مثالا مطابقا ودليلا موافقا لحدود الولاية الظاهرة في اثني عشر متى ما ذكره مولانا الصادق عليه السلام صلى عليه لحكايته لهذا الامر العظيم والخطب الجسيم والنور القويم والصراط المستقيم وانما لقبه شيخا لبيان ان الممثل اصل تفرع منه الائمة عليهم السلام فهم المؤمنون وهو عليه السلام اميرهم وشيخهم وسيدهم والواسطة بينهم وبين ربهم ونبيهم ولذا كان هذا الاسم اي امير المؤمنين خاصا به عليه السلام دون غيره ولما كان ظهور الولاية المطلقة ظاهرا في الاوعية الثلاثة على حسب اختلاف المراتب والمقامات اي الدنيا والآخرة والبرزخ كرر الصلوة عليه ثلث مرات اتباعا لقوله تعالى والسلام عليه يوم ولد وهو الدنيا ويوم يموت وهو البرزخ للانتقال بالموت اليه دون غيره ويوم يبعث حيا وهو الآخرة اي القيامة وما بعده والصلوة اي الرحمة المتصلة او الوصلة او الصلوان بمعني التبعية في جريان الاحكام على الوجوه الثلثة ثابتة له عليه السلام في الاحوال الثلثة ولذا كان يكررها عليه السلام ثلثا اشارة الى هذه الدقيقة الشريفة ملاحظا لحكم الفرع والاصل فافهم
قال سلمه الله تعالى : ما وجه ما ورد ان ما اصاب الانسان غير المعصوم فهو عن ذنب وهذا له تصفية وبين ان اشد الناس بلاء الامثل فالامثل اما هم عليهم السلام فما ينالهم فهو تصاعد وعلو في درجاتهم
اقول ان الانسان المكلف اما مقبل الى الله تعالى او مدبر عنه فان كان الاول فهو في سرور وغبطة ونور وخير ورحمة لان النور والرحمة والخير والبركة كلها من عند الله سبحانه ومن فيض فضله بفعله فالمقبل اليه غائص في بحر النور والخير والرحمة والبركة والصحة والسلامة والعافية لمقابلته لفوارة النور وان كان الثاني فهو في ضر وزحمة وضيق وحرج وذلة ومحنة وهوان ومرض وبلية فان كان الاقبال في الظاهر والباطن والسر والعلانية في جميع المراتب من الغيب والشهادة والذاتية والعرضية فمقتضي مقابلته لفوارة النور ان لا تصيبه محنة ولا كدورة ولا مصيبة لمنافاتها لما توجه اليه ولكن من جهة تحمله لاوزار غيره وارادة التخفيف عن الغير قد يصيبه ما كان الغير مستحقا لذلك من ادباره واعراضه من آثارهما من المحن والشدايد او من جهة ان الدنيا قد جعلها الله لاعدائه لامور استحكمت في عالم الغيب ويطول الكلام بذكرها كما اشار اليها في دعاء الندبة فشرطت عليهم الزهد في درجاة هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء بذلك فقربتهم وجعلت لهم الذكر العلي والثناء الجلي الدعاء فلا تقبل الدنيا اليهم لتركهم اياها فيمتنعون من ملاذها وتصيبهم مكارهها وهم في ذلك في عين الراحة والسرور وان كانوا في الكدورة والهم والغم كما اشار اليه في البيت المنسوب الى عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام :
عتبت على الدنيا وقلت الى متى اكابد هما بؤسه ليس ينجلي
اكل شريف من على بجدوده ( حرام عليه العيش غير محلل ظ )
فقالت نعم يا بن الحسين رميتكم بسهم عنادي حين طلقني علي
وهؤلاء هم الانبياء والائمة والاوصياء المعصومون الذين لا يقترفون سيئة ولا يخطر ببالهم سوى الحسنة والمصائب الواردة عليهم والمكاره النازلة بفنائهم اما لاجل تحملهم لذنوب شيعتهم وتبعات رعيتهم كما اشير اليه في قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر او لاجل الدنيا وقد طلقوها وتركوا ملاذها ومحابها امتثالا لامر الله تعالى واعطاء لكل ذي حق حقه وواضعا لكل شيء موضعه فان المسافر لا يستريح الا في وطنه والمؤمن غريب في الدنيا وبذلك نالوا اعلى الدرجات ولحقوا باعلى المقامات ويترقون ابدا الآبدين وما يشاهدونه من الاذية عندهم في الغاية من الراحة والمحبة وان كان الاقبال بقلبه ولكنه بظاهر بدنه بالشهوات العرضية يقترف المعاصي ويدبر ويعرض عن فوارة النور والخير فيستحق مقتضياته من انواع الآلام والاسقام والمصائب والمكاره وان كان ممن يريد الله به الخير وله عنده سبحانه في الدار الآخرة المقام الاعلى والرتبة الاسنى يبليه الله تعالى في الدنيا بالبلايا والمصائب والمحن والشدايد كفارة لذنوبه ومحوا لسيئاته والشفيع المنيع لا يشفع عن مكاره الدنيا غالبا الا في وقت يكون المانع اقوى لان الدنيا مما اذن الله بزوالها وفنائها واضمحلالها والاعراض عنها وعدم الركون اليها فاذا استقامت له الامور الدنيوية من كل الجهات وهو ليس بمعصوم فيخاف عليه من الميل والركون الى الدنيا الملعونة كما قال تعالى ان الانسان ليطغي ان رآه استغنى فتشتد عليه المحن والبلايا على حسب قوته وطاقته في ايمانه دفعا لمكروه اعماله وكفارة لذنوبه وصونا له عن الرجوع الى مثله والميل الى ما يجب الاعراض عنه بقلبه فتتوجه اليهم البلايا الامثل فالامثل وقد ورد ان الله سبحانه يهدي البلاء الى المؤمن هدية كما يهدي بعضكم الى بعض ه وذلك لكرامته عليه ليكفر ذنوبه ويصرف قلبه الى ما هو الاهم الاعلى فلا منافاة حينئذ بين المقامين فان المؤمن على حسب قوة ايمانه يبليه الله تعالى بالبلايا لعلمه بان الدنيا ليست بدار راحته ولا عزته وحيث انه لم يخل من المعصية يكون كفارة لها فجمع بين الامرين فارتفعت المنافاة من البين واما الكفار فلكمال اعراضهم لا يجري عليهم حكمه في الدنيا في الغالب لقوله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم وهذا ايضا بلاء واي بلاء ولكنهم ما يشعرون والمؤمن ايضا اذا كان ضعيف الايمان لا يقوي قلبه لحمل المعارف وان البلاء خير من عند الله تعالى انزله اليه لا يبليه الله تعالى بالمكاره الشاقة والمصائب العظيمة حتى لا يفسد عليه دينه وقد شاهدت بعض اشباه الناس وقد حصلت له بعض العوائق في الطريق في رجوعه من مكة زادها الله شرفا بلا اذية ولا محنة وقد سمعته يقول احببت ان احشر محشر اليهود والنصارى ولا حجيت وسمعت الآخر يقول ما ظلم الله احدا مثل ما ظلمني في هذا السفر وامثالهما كثير وهو سبحانه لا يبلي الغالب من الفرقة المحقة بالبلايا المستمرة العظيمة لئلا يصدر منهم مثل هذه المقالة الخبيثة فيخرجوا عن الدين والله سبحانه هو الموفق والهادي نسئل منه العافية وحسن الخاتمة والرضا بما يقضي ويمضي
قال سلمه الله تعالى : وما الوجه في كون العنوان للواجب ليس داخلا في الامكان مع انه محدث لانه ليس ازل الآزال غير الذات البحت وكونه عالما اذ لا معلوم ليكون علم بلا معلوم مع ان العلم عين المعلوم فمتى تحقق عينية العلم للمعلوم فكون الذات تعلم الممكنات في الحدوث فقبل حدوثها هو عالم بها فما معنى العلم في الذات البحت وفي رتبة العلم علمه تعالى بالممكنات قبل وجودها مع ان العلم غير المعلوم فهناك عينية ام لا
اقول قد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان الشيء لا يتجاوز مبدئه وانه لا يصل الى ما فوق ذاته اذ لا ذكر له فوق ذاته وهو عدم هناك فاين الادراك والوصول وقد قال تعالى وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وقال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فاذا ثبت ذلك فالخلق الحادث والممكن المخلوق لا يمكن له الوصول الى كنه ذات الخالق والبلوغ الى حقيقة معنى الصانع وذلك واضح ظاهر ضرورة فلا يعرف احد ربه الا بما ظهر له من آثار صفة وصفات فعله ومعنى ذلك انه تعالى اوجد فيهم صفة نفسه تعالى ما يعرفه له تعالى وتلك الصفة هي المسماة بالعنوان ولكن حيث انها صفة له تعالى في مقام التعريف والتعرف فلو قصدت بها سواه ولاحظت امكانها لم تكن صفته فان الصفة دليل على الموصوف وان كانت الصفة في نفسها من عالم الامكان ولكن لا يلاحظ امكانها كما اذا قلت لك انا فلان بن فلان وصفتي كذا وفعلي كذا فالسامع حين ما يسمع هذا الكلام ينظر الى ويلتفت الى ولا يلتفت الى ان هذا قول وكلام احدثه فلان وهو اثره فاذا اشتغل بهذه الالتفاتات احتجب عن معرفتي بما عرفته من نفسي باثر فعلي وهو كلامي فالكلام الدال على حين دلالته على وتوصيفه لي عنوان اعرف به يعرفني به غيري وذلك الكلام الدال على وان كان اثري احدثته بفعلي ولكني احدثته فيكون صفة لي فلا يلتفت اليه حين ارادتي منه الى وانما يلتفت الى وان كان ما عرف صفة فعلي وشبح كينونتي فكذلك حين تتوجه الى صفة الاستدلال التي جعلها الله سبحانه في كينونات الخلق فانما تتوجه الى صفة الله سبحانه وتوحيده وانت حينئذ ذاهل عن كون هذه الصفة عنوانا محدثا او صفة مخلوقة وان كان في الواقع كذلك وهو معنى قول شيخنا العلامة اعلى الله مقامه ان عنوان الواجب ليس داخلا في الامكان يعني عند الملاحظة لا في الواقع ونفس الامر حتى يكون قديما آخر غير الله تعالى ولا ريب ان العنوان محدث وقد نص قدس سره على حدوثه في الفوائد وغيرها والمعروف مذهبه واذا قال ليس في الامكان مراده لا يلحظ امكانه وحدوثه فانك اذا لاحظتهما ما استدللت به الى القديم وذلك معلوم انشاء الله تعالى بعد البيان وان كان من اصعب ما يرد على الافهام واما كون عالم اذ لا معلوم فقد ذكرنا ان الصفة الذاتية عين الذات بلا فرض المغايرة والاعتبار فعلمه تعالى عين ذاته وذاته عين علمه بل العلم والذات لفظان لمعنى واحد كما مر سابقا فح لا اشكال فان الذات الاقدس موجود ولا خلق من الامكان والاكوان فاذن يصح ان تقول علم ولا معلوم كما تقول ذات ولا خلق لان مؤدي احدي العبارتين عين الاخرى ثم نقول ان العلم الذي يقتضي المعلوم هو العلم الاضافي والاضافة من العوارض والاعراض من المقولات التسع فكيف يصح ان ينسب اليه تعالى العلم الاضافي الذي هو من مقولة الاعراض وهو سبحانه لا يوصف بعرض ولا جوهر وهو سبحانه ليس محلا للاعراض فالعلم الثابت له تعالى لو جعلته مما يقتضي المعلوم كان اضافة وهو سبحانه منزه عنها والا لزم ما ذكرنا من كونه اما محلا للاعراض اذا كان العلم غير ذاته واما ان يكون ذاته عرضا اذا كان عينها وهو من مقولة الاضافة ويلزم ان يكون ذاتا اخرى حتى تكون ذات الله سبحانه اضافة ارتباطية بينهما سبحانه سبحانه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فاذن من اين استبعاد ان العلم ينفك من المعلوم اذا لم تجعل العلم من مقولة الاضافة فالعلم في الحقيقة في الوضع الاولي اسم للذات البحت المجردة عن كل الاضافات والاعتبارات فهي علم وهي قدرة وهي نور وهي سمع وهي بصر من غير اضافة الى معلوم ومسموع ومقدور وغيرها ثم لما تحققت الاضافة والنسبة بينه تعالى وبين خلقه واقتران سمى تلك الاضافة علما من باب الحقيقة بعد الحقيقة لا ان العلم هو محض تلك الاضافة واليه الاشارة في قوله عليه السلام كان ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والقدرة ذاته ولا مقدور والسمع ذاته ولا مسموع فلما وجدت الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر نقلت معنى الحديث فالمراد بالعلم في الاول هو ذات الله سبحانه كالقدرة والسمع والبصر فانها الفاظ ترد على معنى واحد والعلم والقدرة والبصر والسمع هي الاضافية وهي انما تتحقق باشراق فعله تعالى على المفعولات حين احداثها فالاقتران انما هو باعتبار فعله تعالى بالمفعولات والذات منزهة عن ذلك مثاله ولله المثل الاعلى ان السراج له نوران نور هو عين ذاته اي لا يتحقق السراج بدونه اصلا ونور يقع على الجدران والاراضي والاشخاص فالنور الذي هو عين ذاته لا يتغير ولا يتبدل وانما هو شيء واحد والذي يتعلق بالمرايا والجدران هو اشراق فعل السراج فيختلف بحسب المتعلق فيكون في المرآة الحمراء نورا احمر وفي الصفراء نورا اصفر وفي البيضاء نورا ابيضا وهكذا والكل في السراج شيء واحد ولك ان تقول النور الاحمر والنور الابيض والنور الاصفر عين ذات السراج بلا فرض تعدد ومغايرة فان التعدد والكثرة والاختلاف انما حصل عند تعلق الاشراق بمتعلقاته فنحن لما نظرنا الى المتعلقات ورأينا تعدد الكمالات اثبتناها له لكن بدون فرض المغايرة والاختلاف بل على جهة الوحدة الحقيقية فالتعدد في الاشراق والوحدة في الذات والاضافة في الخلق الحادث لا في الرب القديم القاهر فافهم
واما ان العلم عين المعلوم فذلك في الامكان والحدوث لا في القدم فانه تعالى لا يدرك من حيث ذاته وعلمه عين ذاته فلا يكيف علمه كما لا يكيف ذاته فلا يقال ان علمه تعالى حصولي او حضوري او انكشافي لو عين المعلوم او غير ذلك فان ذلك كله بعد فرض المعرفة فاذا كان الطريق مسدودا والطلب مردودا فلا سبيل لك اليه الا من جهة الآثار والاثر لا يكيف المؤثر الذات ولا يفهمه وانما يدل بفقره الى غني يسد فقره واما شرح ذات الغني فلا سبيل للاثر اليه ولذا اذا رأيت بناء دلك على ان له بانيا ولكن لا يدلك على انه رجل او امرأة حر ام عبد اسود ام ابيض مسلم ام كافر ام منافق طويل ام عريض ام قصير جن ام انس يعلم غيره ام لا بالجملة جميع احوالات الذات وصفاتها واوضاعها غائبة عنك فلا تعرف منه الا انه موجود ولكن لا كما هو عليه بل كما انت عليه فاذن فما عسي ان تقول في العلم الذي هو ذاته من التوصيف والتكييف والتحديد حتى تقول عين المعلوم ام غير المعلوم نعم نعلم يقينا انه تعالى عالم والعلم ذاته ولكنا لا نعلم كيفية ذلك العلم الذاتي فمن كيفه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد الحد فيه نعم العلم في الامكان عين المعلوم لان العلم عبارة عن ظهور المعلوم للعالم وذلك الظهور قائم بالمعلوم دون العالم ولذا ترى ان المعلوم اذا لم يوجد ولم يظهر لم يكن معلوما فالظهور اي ظهور المعلوم للعالم قائم بالمعلوم كما ان الضرب قائم بالمضروب والكلام قائم بالهواء المتقطع منه الكلام فتقول ضارب ومتكلم لدي الضرب والكلام وكذلك العلم قائم بالمعلوم وتقول للشخص عالم باعتبار وقوع العلم في المعلوم فذلك الشيء علم باعتبار ظهوره للعالم ومعلوم باعتبار تعلق الظهور به فالعلم والمعلوم شيء واحد وان كان يلحظ بينهما التغاير الاعتباري الا ترى الصورة الخالية المدركة في الخيال فانها معلومة لك ولكن علمك بها ليس بصورة اخرى حتى يدور او يتسلسل بل انما علمك بها بنفسها فهي علم باعتبار ومعلوم باعتبار وكذلك اذا رأيت الشيء في الخارج فان نفس وجوده وحضوره لك علمك به فعلمته به لا بغيره فاذا غاب عنك انتقشت صورته في ذهنك فتلك الصورة حينئذ معلومك لا العين الخارجة فهي علمك بها ولذا ترى لو تغيرت العين الخارجة باحوال مختلفة لم تطلع عليه الا بما انتقش في نفسك من صورتها فلو كان المعلوم هو الخارجي والعلم هو الذي في نفسك لتغير علمك بتغير معلومك ضرورة المطابقة بينهما لو لم نقل بالعينية وعدم التغيير ضروري الا بتجدد ظهور آخر اما بالصورة المغايرة او بالعين الخارجة مثلا اذا رأيت زيدا علمته به على الهيئة التي رأيته فاذا غاب انتقشت صورة ما رأيته منه في الذهن فاذا تغير زيد بعد غيبته بمرض او موت او سمن او هزال او غير ذلك من الاحوال وانت ماتجد ذلك شيئا غير ما رأيته فلا يتغير ما عندك فلو كان المعلوم هو الخارجي لاستحال ذلك فلما رأينا تحقق ذلك علمنا ان المعلوم هو الصورة الذهنية لا غير وذلك انشاء الله تعالى ظاهر لمن القي السمع وهو شهيد ولتحقيق المسئلة مقام آخر وقد حققه مولانا وشيخنا العلامة قدس الله نفسه وسره في رسائل متعددة بما لا مزيد عليه وقد كتب الحقير ايضا في مواضع متعددة وشرحته على كمال ما ينبغي خصوصا في اللوامع الحسينية
وبالجملة فالعلم في الامكان عين المعلوم فح فلانقول انه من مقولة الكيف او الاضافة او الانفعال او غير ذلك كما ذكروا واختلفوا بل نقول ان العلم بالجوهر جوهر وبالعرض عرض وساير المقولات على حسبها من غير اختصاص بمقولة دون اخرى فافهم فظهر لك ان القول بعينية العلم للمعلوم انما هو في الامكان لا في القديم فنقول انه تعالى عالم بالاشياء قبل حدوثها فعلمه بها قبل حدوثها كعلمه بها بعد حدوثها بلا تغير ولا زوال ولا حدوث حال ولا كيف لهذا العلم نعم ان الكثرات والاضافات والتعدد منتفية في ذاته تعالى والعلم بها حاصل واما كيفية هذا العلم فلا يمكن للمخلوق ادراكه ولا يسع الحادث تحقيقه والا لشاركه في قدمه فهو تعالى عالم في الازل بالاشياء في رتبها واماكنها في الحدوث ولا كيف لذلك كما انه لا كيف له
ثم اعلم ان العلم قد يطلق على المشية وعلى الامكان الراجح وعلى الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وعلى القلم الاعلى واللوح المحفوظ وعلى الكتاب وعلى الواح الكائنات وعلى الآيات المرئية في الآفاق وفي الانفس وعلى ما في الخزائن الغيبية الكونية والشرعية من الاسرار المكنونة وحيث ان هذه الاشياء المذكورة والغير المذكورة من الجواهر العلوية لشرافتها تنسب الى الله تعالى نسبت الى الله تعالى فقيل انها علمه تعالى الا ترى الاخبار الواردة في ان لله علمين علم علمه انبيائه ورسله وملائكته وعلم استأثره في علم الغيب عنده وقد عقد الكليني (ره) بابا في هذا المعنى ولا ريب ان العلم الذي علمه الله انبيائه ليس هو ذاته تعالى ولكنه نسب اليه تعالى تشريفا كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي ولما كانت هذه العلوم كلها اشراقات فعله تعالى في الاطوار الكونية الوجودية سميناه علما لله حادثا اشراقيا لان هذه الاشياء لا تصح ان تكون عين ذاته تعالى فتكون غيره وكلما سوى الله حادث فيكون هذا العلم حادثا وليس معناه انه تعالى حدث علمه بها تعالى الله عن ذلك فان الله تعالى لا يتغير عن حال ولا يجري عليه زوال ولا اضمحلال وانما المعنى كما ذكرت لك على ما ذكرت لك من ان هذه الامور اشراقات فعله وانوار كينونته نسب اليه تعالى كما ينسب ساير اسماء الافعال وصفاتها اليه تعالى ( الى هنا وجد في النسخة الاصلية )