
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه كلمات كتبتها جوابا لمسائل اتت من الجناب المقدس العالم العامل الاواه الشيخ ضيف الله ابن المرحوم المبرور العالم الفاضل الشيخ احمد بن طوق القطيفي ايده الله وسدده في كمال اغتشاش البال واختلال الاحوال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال نسئل الله ان يلهمنا الصواب في المبدء والمآب
قال سلمه الله تعالى : الاولى من المسائل - ما يقول سيدنا في معنى ما ورد في دعاء الصباح المروي عن امير المؤمنين عليه السلم يا من دل على ذاته بذاته فما الذات الثانية
اقول الذات لها اطلاقان كالنفس مرة يطلق ويراد به ( بها خل ) ما يقابل الصفات ومرة يطلق ويراد به ( بها خل ) ما يقابل العين ( الغير خل ) كما تقول انا بنفسي قلت وفعلت وانا ( اما خل ) بذاتي اتيت ولا ريب ان القول والفعل والاتيان آثار لا يكون الا بالاثر والفعل والمراد بالذات هنا الاطلاق الثاني دون الاول فانه لما ثبت ان بين المدرك والمدرك بالفتح والكسر لا بد من مناسبة والنسب بين الواجب والممكن والقديم والحادث بكل وجه ممتنعة فامتنع الادراك والمعرفة ولما انه سبحانه خلق الخلق لمعرفته وهي ممتنعة لامتناع نزول الواجب الى الامكان وصعود الممكن الى الواجب والخلق ايضا جهال لا يعلمون ما يليق بجلال قدسه وعظم ( عظيم خل ) جبروته فوجب عليه سبحانه في الحكمة ان يصف نفسه لهم بالبيانين البيان الحالي والبيان المقالي فما عرفه الخلق الا بما وصف به نفسه وهو قوله عليه السلم بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ادر ما انت فدل على ذاته بذاته لا بغيره يعني لولا بيانه وتعريفه لما عرفه احد من الخلق كما انك اذا دخلت بلدة لم يعرفك اهلها تعرفهم نفسك بنفسك فتقول انا فلان بن فلان صفتي كذا وصنعتي ( صفتي خل ) كذا وامثال ذلك من التعريفات وكل ذلك تعريف رسم لا تعريف ذات قد وصفت نفسك به فقد دللت على ذاتك بذاتك واعلم ان بعض الذوات الحادثة ينسبها الله سبحانه الى نفسه تشريفا وتعظيما وتكريما كما نسب الروح الى نفسه فقال ونفخت فيه من روحي ولا ريب ان الروح المنفوخ ليس هو ذاته سبحانه ولا جزئه ونسب البيت الى نفسه فقال وطهر بيتي للطائفين وكذا ( كذلك خل ) هو سبحانه خلق ذاتا طاهرة ( ظاهرة خل ) شريفة نسبها الى نفسه تكريما وتعظيما كما قال امير المؤمنين عليه السلم في النفس الملكوتية الالهية وهي ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى ولا شك انها ليست ( ليست هي خل ) ذاته سبحانه وتعالى فهي ذات حادثة اشرف الذوات والحوادث نسبها الى نفسه تعظيما ولما كان اشرف الحوادث والكائنات آل محمد عليهم السلم واشرفهم محمد وعليّ عليهما السلم وهم سلام الله عليهم مع تعددهم حقيقة واحدة فكانوا هم الذات الواحدة التي لله سبحانه ولما كان الخلق جاهلين معرفتهم عرفهم الله سبحانه فدل بذاته لا بغيره على تلك الذات الحادثة الشريفة المخلوقة المنسوبة اليه سبحانه تشريفا وتعظيما كما قال عليه السلم في الزيارة الجامعة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد الى ان قال عليه السلم الا عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم الخ فهو الذي عرف الخلق تلك الذات الشريفة وفي زيارة الحجة عليه السلام سلام من عرفك بما ( مما خل ) عرفك به الله ونعتك ببعض نعوتك التي انت اهلها وفوقها وحيث كانوا سلام الله عليهم هم الادلاء على الله تعالى كما قال امير المؤمنين عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا فهو سبحانه دل بتلك الذوات المنسوبة اليه تعالى ذاته فدل بذاته الحادثة على ذاته القديمة كما دل بذاته القديمة على ذاته الحادثة كما ( على ما خل ) شرحنا لك ولما كان الله سبحانه هو الذي وصف نفسه فكان وصفه لا يشبه وصف المخلوقين والا لكان له سبحانه شبه فيجب ان تعرف الله سبحانه بوصفه اللائق له ووصفه لا يشبه وصف غيره فقد عرفت الله بالله اي بما هو عليه من وصفه اللائق لجناب قدسه وعظم شأنه وهذا التعريف حيث كان به سبحانه فقد دل على نفسه وذاته بذاته اي بما هو عليه من صفاته اللائقة لجلاله وجماله فتبين لك مما ذكرنا في معنى الدعاء اوجه : الاول انه تعالى دل على ذاته القديمة بذاته اي بنفسه دون غيره فان الله اجل ان يعرف بخلقه الثاني انه تعالى دل على ذاته القديمة بذاته الحادثة كما قال نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا الثالث انه تعالى دل على ذاته الحادثة بذاته القديمة كما ذكرنا الرابع انه تعالى دل على ذاته بما هو عليه من وصفه اللائق بجلال قدسه الخامس انه تعالى دل على ذاته الحادثة بذاته الحادثة بعين ما ذكرنا في الدلالة على ذاته القديمة لان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظايرها فهم الادلة على انفسهم وعلى الله سبحانه ولولا انهم بينوا لنا مقاماتهم ما عرفناهم وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلم السلام على نفس الله القائمة فيه بالسنن ومعنى ذلك هو الذي ذكرنا في معنى ذات الله وعلى هذا فافهم معنى قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وكن به ضنينا
قال سلمه الله تعالى : ( والثانية خل ) ما معنى قولهم عليهم السلم لولا نزداد لنفد ما عندنا فما هذه الزيادة مع انهم عليهم السلم آثار الله وانواره ومظاهره واسراره وانهم احاطوا بعلم ما كان وما يكون الى يوم القيمة وما وجه الجمع بين هذا وبين ما ورد عن سفير الله المنعم بعد الله لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
اقول اما زيادتهم فلأنهم محتاجون مربوبون مخلوقون لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وهم اشد احتياجا الى الله تعالى من كل شيء وهم الواقفون على باب الفيض والقدر يستمدون منه سبحانه المدد آنا فآنا ولولا ذلك المدد لما كانوا شيئا فشيئيتهم بذلك وهذه زيادة كينونية تعم كل شيء في كل حال ولذا ماخصصوها بالعلم وهذا لبيان فقرهم وحاجتهم والرد على من زعم استقلالهم وتذوتهم لانفسهم وهذا لا ينافي كونهم آثار الله وانواره ومظاهره واسراره فانهم في كل هذه الاحوال فقراء محتاجون اليه سبحانه وهو سبحانه يمدهم بهم عليهم السلم بالمدد الجديد فلولا ذلك المدد لنفد ما عندهم وانعدموا واضمحلوا الا ترى في المثال الحسي الجسماني ان الانسان اذا ما اكل يومين يذبل الى ان يموت فلما لم يزدد نفد ما عنده فمات والسراج اذا قطع عنه الدهن نفد ما عنده من الدخان المكلس فينطفي وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وكذلك هم ( هم ايضا خل ) عليهم السلم لو لم يزدادوا بمدده ( لو لم يزداد خل ) سبحانه نفد ما عندهم فانعدموا واضمحلوا وهذا في كل مقام في اسرارهم وارواحهم واشباحهم وغيرها من مقاماتهم سلام الله عليهم واما انهم احاطوا بعلم ما كان وما يكون الى يوم القيمة فلا ينافي ايضا اما اولا فلأنهم في حال الاحاطة والعلم لا يخرجون عن الامكان والحدوث فهم في كل حال محتاجون الى المدد من الله سبحانه وهذا المدد وان كان زيادة الا ان الزيادة على قسمين قسم مدد يحفظ ما ظهرت به القابلية الاولى وهذا المدد وان كان حافظا وزايدا الا انه بتحليل ما سبق والاتيان ببدل ما يتحلل لم تتبين زيادة كالشعلة اذا سقيت دهنا على حد ما كان قبل والقسم الثاني زيادة مدد توجب زيادة متبينة كما اذا زيد الدهن في السراج ليكون كالمشعل وغيره وعدم الزيادة الثانية لا يوجب عدم الزيادة الاولى فافهم واما ثانيا فلأن معنى انهم احاطوا بعلم ما كان وما يكون الى يوم القيمة ليس انهم يساوي علمهم علم الله سبحانه وتعالى عما يقولون بل المراد انهم يحيطون بعلم ما كان على جهة الاطلاق مما جرى عليه قلم التقدير في جميع العوالم لانهم الواسطة في الابداع فلا يوجد شيء الا من شعاع انوارهم او من عكوسات آثارهم وهذا ظاهر معلوم في المذهب لا ينكره الا مكابر لحسه او معاند لربه واما ما يكون فان كان محتوما بجميع اقسامه فانهم عليهم السلم يعلمونه بتعليم الله سبحانه واما ما كان مشروطا غير محتوم او لم يدخل عالم الكون وهو بعد في عالم الامكان ولم يوجد ولم يلبس حلة الكون فانهم لا يعلمونه ويزدادون بذلك فمنه ما يأتيهم في ليلة القدر من محتومات ما كان مشروطا من احوال السنة ومنه ما يأتيهم في ليالي الجمع من محتومات احوال الاسبوع ومنه ما يأتيهم في كل آن ودقيقة من فوارة القدر بامر مستقر فان الله سبحانه لم يفرغ من الامر والخلق بل هو سبحانه كل يوم في شأن فاذا تجدد شيء من ذلك يعلم ( يعلمهم خل ) الله سبحانه ولما كان هذا الفيض لا انقطاع له فتكون زيادتهم لا انقطاع لها ولا ينافي ذلك ما قدمنا من ان الشيء لا يوجد الا بواسطتهم ( بوساطتهم خل ) فانهم عليهم السلم ايضا يزدادون فما كان بذلك المدد الجديد ذاتا وشعاعا لا يعلمون ذلك الا عند تجدده فهم سلام الله عليهم يعلمون كلما في الكون واما ما في الامكان فلايعلمونه الا اذا دخل في عالم الكون والا لكانوا واجبين مستغنين عن المدد وكل ممكن لا يستغني عنه ابدا في حال من الاحوال واما وجه الجمع بين ما ورد من زيادتهم وكلام امير المؤمنين عليه السلم لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فمن وجوه احسنها واعلاها ان المراد من كشف الغطاء كشف حجاب الجسم فان الله سبحانه يقول يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد ومراده عليه السلم ان احوال الآخرة ونعيمها وجحيمها واهوالها وشدايدها وامر الحساب والميزان وتطاير الكتب والوسيلة والصراط وحشر الناس وغيرها من الاهوال والاحوال كل ذلك لديه عليه السلم ظاهر مكشوف بحيث اذا كشف حجاب الجسم وغطاء العوارض والغرايب لم يزدد يقينا وعلما لان تلك الامور خلقها الله تعالى لاجله وصادرة بامره وهو عليه السلم ولي الحساب واليه الاياب وهو قسيم الجنة والنار وموصل الثواب والعقاب فلا يخاطب عليه السلام كغيره ( عليه كغيره خل ) فبصرك اليوم حديد واما العلوم والواردات الغيبية والشهودية فهي دائمة الورود متجددة آنا فآنا شيئا بعد شيء ( شيء ووقتا بعد وقت خل ) لانهم عليهم السلم على فوارة القدر بامر مستقر قالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وهم اليد المبسوطة والعين الناظرة والانفس الشاهدة والذي لا يتجدد ولا يزيد ولا ينقص ولا يتغير ولا يتبدل هو الله سبحانه الواجب القديم الحي القيوم انظر كتاب الكافي باب علومهم رواية ابي بصير تجد الامر كما ذكرنا واضحا ظاهرا واما انهم يعلمون ما كان وما يكون على التفصيل الذي ذكرنا لك فافهم
قال سلمه الله تعالى : الثالثة - ما معنى قوله تعالى ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما تضمنه حديث العيون انه قال انت يا ابا بكر السمع وانت يا عمر البصر وانت يا عثمان الفؤاد فما وجه شبه الاول بالسمع مع انه قلب اهل ض وبالثالث الفؤاد
اقول لان الاول كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله من جهة السمع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال كذا ولم يسمع اما سمعت قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال نحن معاشر الانبياء لا نورث واما الثاني فانه كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله من جهة البصر يقول رأيته فعل كذا وامر بكذا ولم يرو ذلك الا لترويج ( لم يروا ذلك لترويج خل ) باطله وتشييد ضلاله والثالث كان يكذب عليه صلى الله عليه وآله من جهة الفؤاد والفهم والاستنباط يقول فهمت عنه كذا ولم يفهم ولما انهم ادعوا خلافته والانتساب اليه والاخبار عنه فكان النسبة اليه صلى الله عليه وآله من جهة الحواس الظاهرة اولى واقرب ومن هذه الجهة ترى العلماء اختلفوا في الشهادة العلمية بخلاف الحسية باحدى الحواس الظاهرة وذلك ظاهر معلوم ولما كان الاثنان اعلى رتبة من الثالث في مقامهم فانتسبا اليه صلى الله عليه وآله من جهة الحواس الظاهرة ليكون ادل واظهر في التصديق بخلاف الثالث فانه ينتسب الى الفهم والاستنباط وهذا شأن العاجز الضعيف اذ تطرق الخطأ والغلط في الفهم اكثر واعظم من تطرقه في السمع والبصر ولما كان السمع اقوى الحواس الظاهرة واشدها على ما هو التحقيق والاول اقدم واعلى رتبة من الثاني اختص بالسمع لقوته ولما كان البصر بعد السمع في الشرف والقوة اختص به الثاني نعم لو ادعوا الاستقلال والاستبداد بانفسهم لكان التعبير عن الاول بالفؤاد والثاني بالسمع والثالث بالبصر هو المتعين وحيث انهم ادعوا التلقي عن الغير والانتساب الى الغير فحينئذ المنتسب الى الفؤاد يوهم الاستقلال وهو خلاف المفروض فكان اضعف المقامات والمراتب ومن هذه الجهة خالف سبحانه في الترتيب فانه لا ينطبق على الترتيب الصعودي ولا على النزولي فانه على الاول يجب ان يقول ان البصر والسمع والفؤاد وعلى الثاني يجب ان يقول ان الفؤاد والسمع والبصر لكنه رتب سبحانه هكذا لبيان ان ( انه خل ) الترتيب النزولي في مقام الاستناد الى الغير والتلقي عنه
قال سلمه الله تعالى : الرابعة - ما يقول مولينا في جمع الشريفتين هل هو حرام ام حلال مع كراهة او بلا كراهة
اقول الاصح الاظهر ما عليه المشهور من الجواز وان الحرمة ما كان لها ذكر عند قدماء الاصحاب ومتأخريهم الى زمان الشيخ الحر صاحب الوسايل فعمل بمضمون رواية اعرض عنها الاصحاب مع تكررها وورودها ولم يعملوا بها واستقر العمل على عموم قوله تعالى واحل لكم ما وراء ذلكم ولم يذكروا من محرمات النكاح الجمع بين العلويتين كما ذكروا الجمع بين الاختين وغيرها من ساير المحرمات بالنسب والرضاع والمصاهرة وساير العوارض مثل اللعان والعقد او الدخول في العدة الرجعية والزناء بالمحصنة وامثالها فلو كان هذا القسم ايضا عندهم من المحرمات لذكروها فان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز عند جميع العقلاء ولم يزل ديدن المسلمين الجمع وعدم الفحص وعدم التجنب والخاص انما يعارض العام ليحمل عليه عند التكافؤ واما اذا كان العام هو المعمول به الذي قد استقر العمل عليه الى ان وصل الى حد الاجماع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة ولا شك ان اولئك هم الفرقة الناجية فلو فرض ان الحرمة هو الحق يلزم خلوهم عن الحق اذ لم ينقل ذلك من احد قبل الشيخ الحر والقول بان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود لا يصح في الامور النقلية خصوصا الاحكام الفرعية فعلى هذا لا يعادل هذا الخاص ذلك العام حتى يورث الحمل عليه ولو فرضنا التعادل والتعارض لا يجوز الجمع والحمل الا بدليل شرعي من كتاب او سنة او اجماع او عقل قاطع فاذا فقد لا يجوز الجمع لانه تشريع محرم والشريعة توقيفية فوجب الرجوع الى القواعد الشرعية وبالجملة فهذا القول ساقط من اصله واما الكراهة فاعتبارها لا يخلو من الاحتياط
قال سلمه الله تعالى : الخامسة - ما تقول ايدك الله تعالى في تقليد الاموات هل هو جائز ابتداء واستدامة مطلقا او استدامة خاصة او لا يجوز مطلقا
اقول اما تقليد الاموات فالمعروف من مذهب اهل البيت عليهم السلم عدم جوازه مطلقا ابتداء واستدامة على كل حال ولم يزل ذلك ديدن المخالفين وطريقتهم وقد استقر عليه مذهبهم من تقليد الاموات ورفع الاجتهاد الى ان وقع التشاجر بينهم وبين اصحابنا فمال اليهم من كان فيه لطخ من عادتهم لبعض الاستحسانات وكان القول عندهم اثنين بعد حدوث القول بالجواز فهم بين ناف على ما استقر عليه مذهبهم وبين مثبت تشبثا ببعض الشبهات التي هو ( هي خل ) اوهن من بيت العنكبوت وانه لمن اوهن البيوت واستمر بهم الحال الى قريب زماننا فحدث قول ثالث بالتفصيل بين الابتداء والاستدامة فجوز في الثاني دون الاول وهم ايضا بين معين ومحرم العدول الى الحي في الصورة الثانية وبين مجوز وهذه اقوال حادثة لم يكن لها ذكر في الاولين ولا شبه بمذهب ساداتنا الاطيبين وهو لعمري يفتح باب القول بعدم لزوم الحجة في كل عصر او يلزمهم القول بان المجتهد اقوى من الامام الاصل عليه السلم فان الامام عليه السلم اذا مات ولم يكن امام مثله يقوم مقامه لم يتحفظ ( لم ينحفظ خل ) ما اتى به الامام السابق عن الله تعالى بل تسيخ الارض باهلها وتعدم الحركات وتبطل نظم السكنات كما تواترت بذلك الاخبار عن الائمة الاطهار ومعلوم ايضا بالضرورة من المذهب ويقولون ان المجتهد اذا مات يبقى ما اتى به وعرف من استنباطه وادراكه وفهمه تلك اذا قسمة ضيزي وبالجملة ان الاصل عدم جواز التقليد كما هو مذهب الحلبيين ولما قامت الادلة على جوازه للضرورة فالضرورات تتقدر بقدرها وغاية ما استفيد منها تقليد الاحياء واما غيره فيحتاج الى دليل قاطع واذ ليس فليس مع ان ذلك مذهب القوم وخذ ما خالف القوم فان الرشد في خلافهم وقد روي عنهم عليهم السلم بعدة طرق صحيحة ان الله لا ينتزع العلم انتزاعات ( انتزاعا خل ) وانما ينتزعه بموت العلماء و( وان خل ) العلم يموت بموت حامليه ونقل جماعة من اصحابنا الاجماع على عدم الجواز واما القول بحصول الظن بقول الميت فباطل لمنع حجية كل ظن الا ما قام عليه الدليل ولم يقم دليل على حجية الظن الحاصل من قول الميت وكذا القول باستصحاب البقاء لان الاستصحاب قد انقطع بتغيير الموضوع مع ان الاستصحاب لا يجري في ما ثبت بالاجماع فان تقليد الاموات انما استفيد من الاجماع المحقق العام فيقتصر في محله ولا يحتج به في محل الخلاف واما ما سوي الاجماع من بعض الروايات فهي مدخولة وتصلح للتأييد ولولا الاجماع لكان للكلام فيها مجال وبالجملة فالمستفاد من الادلة ليس الا القول بتقليد الاحياء خاصة وقد شرحنا هذه المسئلة في اجوبة المسائل التي اتت الينا من اصفهان وليس لي الآن اقبال اكثر مما ذكر وفيه ان شاء الله تعالى كفاية للمستوضح المسترشد
قال سلمه الله تعالى : ما يقول فقيهنا امد الله ظله في اعراب صلى الله عليه وآله يجب الجر او يجوز النصب والجر
اقول المانع من الجر نظر الى ما ذكره جماعة من النحويين وهم البصريون بان العطف على الضمير المجرور من غير اعادة الجار قبيح لاستلزام ذلك العطف على بعض الكلمة فان الضمير المجرور اشد اتصالا بالكلمة من الضمير المرفوع فانه ينفصل ويستقل كالضمير المنصوب بخلاف المجرور فيكون بمنزلة جزء الكلمة فالعطف عليه يستلزم العطف على بعض الكلمة وهو غير جايز فاذا بطل العطف بطل الجر لعدم العامل فالتجأوا الى النصب اما بالعطف على المحل او بالحمل على المعية فيكون مفعولا معه فيجب النصب عندهم ولا يجوز الجر للمحذور الذي ذكرنا واما الكوفيون فجوزوا العطف المذكور لوقوعه في القرآن الذي هو افصح كل لغة وكل كلام مثل قوله تعالى وكفر به والمسجد الحرام وقوله تعالى واتقوا الله الذي تسائلون به والارحام على قراءة الجر فعندهم هذا العطف سايغ جايز ويؤيده ورود الجر في الادعية والزيارات ولم ينقل بالفتح الا نادرا فيكون قراءة الجر جائزة بل راجحة واما النصب فيجوز ايضا لما ذكر واما وجوب الجر وعدم جواز النصب فلماجد له وجها ولا قائلا
قال سلمه الله تعالى : السابعة - ما معنى قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم فما الاربعة الحرم منهم عليهم السلم وبما اختصوا بالحرم وما معنى وصفهم به من بالجواب ادام الله فوايدكم ومن على العالم بادامة ظلكم
اقول يريد سلمه الله تعالى المعنى الباطني كما يشير اليه قوله فما الاربعة الحرم منهم عليهم السلم اعلم ان الشمس لا تكمل دورة ولا تتمها الا بعد ان يكمل القمر اثني عشرة دورة ويتمها وتمام الدورة الشمسية يسمى سنة والقمرية يسمى شهرا ولما كانت الشمس مثالا للنبوة والقمر مثالا للامامة والخلافة والوصاية والولاية كانت نبوة نبي من اولي الشرايع بانقضاء شريعته لا تكون الا بانقضاء اثني عشر وصيا فيكون كل وصي شهرا من سني النبوة فتكون السنون ستة وكل سنة مشتملة على اثني عشر شهرا فالسنة الاولى سنة آدم انقضت باثني عشر وصيا والثانية سنة نوح والسادسة سنة محمد صلى الله عليه وآله وشهور هذه السنة اوصيائه وقمر الولاية يسري في هذه الاشهر وتمام الدورة عبارة عن انقضاء خلافة الوصي وانتهاء عمره الشريف وهي الشهور الاثنا عشر ( الاثني عشر خل ) المتحققة الموجودة عند خلق سماء النبوة وارض الولاية قبل خلق الخلق في العوالم الاول بل قبلها وهو قوله صلى الله عليه وآله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وهو آدم الاول بين ماء الوجود وطين المهية والانية قبل كمال التركيب فظهر لك من هذا البيان التام ان الشهور هم الاوصياء عليهم السلم والسنين هم الانبياء وهو قول مولانا الجواد عليه السلم في زيارة ابيه عليهما السلم السلام على شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات واما الاربعة الحرم ففي الاشهر المعروفة ثلثة سرد وواحد فرد وهو ذوالقعدة وذو الحجة ومحرم والفرد هو رجب المرجب ومنهم عليهم السلم امير المؤمنين عليه السلم والحسن والحسين وسيدنا القائم عجل الله فرجه واختصاصهم بالحرم لزيادة احترامهم ومزيتهم بالنسبة الى غيرهم سلام الله عليهم فان الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة فدل على افضليتهما على الكل ثم استثني اباهما وقال صلى الله عليه وآله وابوهما خير منهما ثم خص الحسن عليه السلم بالافضلية في دعاء العديلة المروي عن امير المؤمنين عليه السلم في قوله ثم من بعده سيد اولاده الحسن بن عليّ ثم اخوه السبط التابع لمرضات الله الحسين ثم فضل القائم عليه السلم على باقي التسعة في قوله صلى الله عليه وآله تاسعهم قائمهم افضلهم اعلمهم وبالجملة فهؤلاء الاربعة افضل الاثني عشر عليهم السلم فاختصوا بمزيد الاحترام سلام الله عليهم مدى الدهور والشهور والاعوام وهذا مجمل الكلام في هذا المقام والتفصيل يطلب في ساير رسائلنا واجوبتنا للمسائل
قال سلمه الله تعالى : الثامنة - ما تقول كفاك الله كل محذور في الصلوة في فضلة غير مأكول اللحم هل تصح فيها ام لا
اقول اما الصلوة في فضلة الغير المأكول اللحم مما له نفس سائلة فلا تصح بلا اشكال الا في فضلات الانسان ماعدا البول والغايط والمني سواء كان لنفسه او لغيره للعسر والحرج المنفيين آية ورواية وقد اختلفوا في زرق الغير المأكول اللحم من الطيور وابوالها في انها طاهرة او نجسة فعلى الاول تصح الصلوة فيها وعلى الثاني لا تصح وهو المشهور والاحوط واما فضلات غير مأكول اللحم مما ليس له نفس سائلة كالبعوضة والذباب والزنبور وغيرها فالظاهر ان الادلة الدالة على المنع في الصلوة في غير مأكول اللحم لا تشمله ( لا تشتمله خل ) لعدم التبادر العرفي وقولهم عليهم السلم انا لا نخاطب الناس الا بما يعرفون واصالة الجواز الى ان يقوم دليل قاطع اقوى مستمسك واذ ليس فليس ( فليس وخل ) كلزوم العسر والحرج فحينئذ لا بأس بالصلوة ( فالصلوة خل ) في الحرير المختلط بالقطن المنسوج او ما اذا لم يكن ساترا والثوب والبدن اذا وقع عليهما العسل والشمع والفص الذي تحته الشمع وامثال ذلك فان ذلك خارج عما دلت عليه الادلة المانعة من الصلوة في فضلة الغير المأكول اللحم
قال سلمه الله تعالى : ثم ما يقول سيدنا في ابوال الدواب الثلث اكرم الله وجهه واعلى قدره هل هي طاهرة ام نجسة
اقول الاصح انها طاهرة والقول بالنجاسة مردود والروايات الدالة عليها محمولة على التقية لانها المعروف من مذهبهم والرشد في خلافهم مع دلالة الادلة القاطعة على الطهارة
هذا آخر مسائله اجزل الله عليه جزيل نواله كتبتها في بعض الاسفار مع كمال الاختلال والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله وقد فرغ من تسويدها مؤلفها في يوم ( اليوم خل ) الاربعاء ٢٨ شهر رجب المرجب من شهور سنة ١٢٥٢ حامدا مصليا مسلما مستغفرا