
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد امرني المولى الامجد والفاضل المؤيد والكامل المسدد ذو الفطنة الزاكية والسريرة الطاهرة اللوذعي الالمعي جناب الشيخ عليّ ابن الشيخ احمد ابن الشيخ حسين ابن عبد الجبار القطيفي اعلى الله شانه باملاء الجواب على مسائل غامضة عويصة ضلت دونها الانظار وتحيرت فيها العقول والافكار وقد ورد امره العالي في يوم بلغني خبر انقصم به ظهري وانهدم له ركني وتحللت لاجله بنيتي وضعفت قواي ومشاعري حتى استولت على الامراض وتراكمت الاعراض وهو خبر وفاة استادنا العلامة في طريق مكة المشرفة بقرب المدينة المنورة فكان لا يمر على بعد ذلك يوم الا وانا قرين الآلام ورهين الاسقام لان الطبيعة الظاهرة الجسمانية قد ضعفت عن دفع المنافرات الجسمانية كالروحانية عن مدافعة المكاره الروحانية فلاجل ذلك ما تمكنت عن رسم الجواب واخرته لعله يسكن هيجان هذه الامراض وتزول شدة توارد تلك الاعراض وما كنت ادري ان هذه مصيبة لا تنسى ورزية لا تنمحي بل تزداد كلما طال المدي لان الارض قد نقصت اطرافها وسماء العلم والمجد قد تزعزعت اكنافها واشتدت همومي وتكثرت غمومي وتشعب فكري وضاق صدري ومع ذلك ما احببت التأخير اكثر من ذلك لانه امر لا ينسى وجرح لا يداوي ومثلي في هذه الحالة ما عسى ان اكتب واقول الا اني استعنت بالله سبحانه وشرعت في رسم الجواب لان الميسور لا يسقط بالمعسور والى الله سبحانه ترجع الامور وارجو من جنابه المسامحة لبسط المقال وايراد غرايب الاحوال وضرب الامثال بل اكتفي بالاشارة الى نوع المطلوب اعتمادا على ذلك الفهم العالي السامي وجعلت كلامه ايده الله تعالى متنا وجوابي كالشرح له ليختص كل سؤال بجوابه كما هو عادتي في اجوبة المسائل والله المستعان وعليه التكلان
قال سلمه الله تعالى بعد البسملة : اشرف سلام اشرق بنوره اصقاع الوجود وعرف بعرف نوره العابد والمعبود
اقول السلام من السلامة او من التسليم او ظهور سر من اسرار الظهورات الالهية ولذا كان اسما من الاسماء الحسنى واصله الالف واللام كما هو المحقق عندنا ان الاصل في الكلمات الوسط فان كان من الكلمة مزدوجة فالاصل حرفان والا فواحد وذلك لسر تطابق الاصول مع الفروع والالف في هذا المقام هي اللينة وهي الاصل واللام وقاية اتيت بها لحفظ ظهورها لاستحالة ظهور الساكن المطلق ولذا عدت في الحروف الهجائية حرفا واحدا وصارت الحروف بها تسعة وعشرين كما رواه ابو ذر عن النبي صلى الله عليه وآله والمشهور ثمانية وعشرون ولا ينافي لان الالف اب والثمانية والعشرون اولادها وهي الاصل وغيرها فروعها وجعلت في آخر الاحرف الهجائية لكونها هي الاول والاول عين الآخر والظاهر عين الباطن قال تعالى هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم فافهم ولاجل هذه الدقيقة صارت الالف واللام هي الاصل في هذه الكلمة المباركة واكتنفها السين من جانب اليمين لانها اعدل الحروف وانضجها واتمها واكملها طابق زبرها وبيناتها واسمها مسماها وهذه المطابقة هي علة الاعتدال وباب الوصال وحرم الجلال والجمال فلعلة غاية الاعتدال صارت اسما لاعدل الخلق واكملهم وانضجهم واعدلهم وهو قوله تعالى يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين على صراط مستقيم وهذا الاسم لظهوره صلى الله عليه وآله في الملاء الاعلى الى البيت المعمور واكتنفتها في جانب اليسار الميم وهي الاسم المكرم المعظم فما دون البيت المعمور الى الدنيا الى الرجعة الى الآخرة الى ارض الجنة واحوالها فالسلام قطب فلك الولاية المطلقة المحرك له الى جانب المحور المنتهى الى النقطتين اللتين هما القطبان عند اهل الظاهر احدهما الشمالي والآخر الجنوبي وهما عبارتان عن ظهور النبوة الظاهرة بالولاية الباطنة المنشعبة عن النبوة الباطنة في عالم اللاهوت والناسوت واليه الاشارة في قوله صلى الله عليه وآله اسمي في السماء احمد وفي الارض محمد فلما كانت الولاية والنبوة مقترنتين لا تنفكان ابدا ما دام عالم الامكان كان اذا حذفت اللام والالف كان سما قاتلا مهلكا فانيا مضمحلا واذا حذفت السين كان اللام معجما ليس لها معنى الا نفسها كما قال الرضا عليه السلام لان النبوة الظاهرة شرح للولاية الباطنة كما انها شرح للنبوة الباطنة واذا حذفت اللام وحدها مع السين كان ام حرف استفهام ام ترديد ام تقسيم يكون ناقصا لا بد له من متمم كما اذا حذفت الميم والالف يبقي سل سؤال لا يتم الا بالجواب فافهم ضرب المثل فاذا اجتمعت هذه الاحرف والتئمت على النظم الطبيعي كما هو الواقع كان سلاما يشتق منه السلامة والتسليم والاسم الاعظم فان الولاية هي الجنة وكل سلامة وراحة فمن فروعها ووجوهها وبها اعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فيكون بها التسليم والاداء وبها عرف الله وعبد الله ولولاها ما عرف الله وبها تعلق الفعل وحصل الجعل وصار سببا لظهور الاسماء الالهية الفعلية فيكون بها الاسماء والصفات وبها نشرت الرحمة وانبعثت في الامكان والاكوان لولاك لولاك لما خلقت الافلاك فيكون بها السلام بمعنى الرحمة
واما الاتيان بصيغة التفضيل في قوله سلمه الله تعالى اشرف سلام فلاجل اختلاف ظهور الولاية والنبوة في اطوار الموجودات تشكيكا وحقيقة بعد حقيقة فيكون في الثاني مجاز عند اهل الحقيقة وحقيقة عند المجاز بعكس الاول واعلى مقامات ظهور السلام واشرفها في قصبة الياقوت وحجاب اللاهوت وباب الجبروت والملكوت الاربعة عشر المعصومون سلام الله عليهم اجمعين فافهم
ونور هذا السلام قسمان نور متصل ونور منفصل فالمتصل في آل محمد عليهم السلام والمنفصل ساير الخلق اصحاب السلسلة الطولية بجميع اطوارها واحوالها واوضاعها وساير احكامها
اصقاع الوجود جمع مضاف يفيد العموم يعني جميع الاصقاع الثمانية في الطولية والالف والف الالف في العرضية والى ما لا نهاية له في احكام الروابط والقرانات بين السلسلتين وساير السلاسل وكيفية استشراقها بذلك النور تكون موادها وحقايقها من نور ذلك النير الاعظم وهو المعبر عنه بالوجود وتكون مواد هيئاتها وصورها وهياكلها من ظل ذلك النور وانيته المعبر عنه بالماهية وهذا التكون والايجاد هو المعبر عنه بالصبغ في الرحمة فالمؤمنون الاخيار انصبغوا في الرحمة المكتوبة والاشرار في صبغ الرحمة الواسعة صبغة الله ومن احسن من الله صبغة وهو تأويل قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والكينونات انما تكونت وتحققت من نور تلك الكينونة العليا والمقصد الاقصى
والنور بفتح النون الزهر والورد والاشارة اليه في قول العسكري عليه السلام روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وقد وجد وتكون هذا النور من ماء التجلي النازل من عرش الاحدية الى سماء الولاية اي الواحدية الواقع على ارض الجرز ارض القابليات وهبت عليها الرياح الاربعة باطوار الجعل عند النزول ووقعت اشعة السيارات السبع عند انبساط جود الجواد والوهاب بيد القدرة باقترانها وحلولها في البروج الاثني عشر من اركان الاسماء الاربعة التي هي اجزاء للاسم الواحد الذي ليس بالحروف مصوت ولا باللفظ منطق ولا بالشخص مجسد ولا بالتشبيه موصوف مبعد عنه الحدود والاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فاذا وقعت اشعة تلك الكواكب على تلك الاراضي خرجت اربعة ازهار على اربعة الوان الابيض والاصفر والاحمر والاخضر فمن الابيض ظهر سبحان الله ومن الاصفر الحمد لله ومن الاخضر لا اله الا الله ومن الاحمر الله اكبر ومن هذه التسبيحات الاربعة ظهرت جميع التسبيحات والاذكار والاوراد والاذان والاقامة والصلوة باركانها وحدودها واوضاعها وهذه كلها جهات معرفة المعبود جل وعلا فانه تعالى يعرف باسمائه الفعلية لا بعين ذاته المقدسة ففي مقام الفرق هذه الاذكار والاطوار جهات الوصل وفي مقام الجمع اي الاتصال بالظهور وسلب الغيور وكشف السبحات ورفع الانيات لا ذكر لهذه الحركات والسكنات وانما هو فناء في بقاء ومحو وسكر لا يفيق ولا يشعر بل هو ميت والتكليف انما هو للاحياء اصحاب الشعور والعقل والادراك اذ لا تكليف الا بعد البلوغ والعقل بعد الحياة فاذا فقد احد هذه الثلثة امتنع التكليف فكيف اذا فقد جميعها فافهم فان ذلك من مزال الاقدام فكم زلت للاعلام فيه اقدام ومعنى هذا الجمع ليس كما زعمته الصوفية من ضرورة الكل شيئا واحدا اي وجودا واحدا ساريا في اطوار الموجودات على ما هو المعروف من مذهبهم الباطل واعتقادهم الفاسد الكاسد بل المراد كما قال الحجة عجل الله فرجه في دعاء كل يوم من شهر رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك الدعاء وشرح هذا الكلام يحتاج الى بسط عظيم في المقام تركته اعتمادا على فهم ذلك الجناب
قال سلمه الله تعالى : يهدي الى جناب مبدءه ومنتهاه في اولاه واخراه محمد الداعي الى الله وآله المخصوصين بانما يريد الله
اقول هدية السافل للعالي توجهه اليه بنشر محامده التي عنده من بعض اطواره فمدحه به عنده في مقامه لا في مقام العالي واين الثريا من يد المتناول فاهدي اليه عنه به كما قال سيدالشهداء عليه السلام ام كيف اترجم لك بمقالي وهو منك برز اليك
جناب الشيء جهته ووجهه وهو غيره والا لم يكن في ذكره تعظيم وتفخيم وفائدة في المقام وهو نفس السافل وذاته من حيث العالي واشار سلمه الله بالجناب الى هذه الدقيقة وهي لطيفة جدا قال امير المؤمنين عليه السلام انتهى المخلوق الى مثله والجاءه الطلب الى شكله انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها
المبدء يطلق على علة الشيء وهذا الاطلاق شايع كثير وعلى ذات الشيء كما يقال الشيء لا يجاوز ما وراء مبدئه اي ذاته والا فالعلة لا يصل اليها ابدا ويطلق على الاول الذي هو ضد الآخر وهو ايضا شايع ذايع كثير
والمنتهى على المعنيين الاولين هو عين الاول بخلاف المعنى الثاني وجميع المعاني في هذا المقام مرادة
والاولى هو عند قول الله تعالى للعقل اقبل فاقبل او عند خلق الماء او الهواء او النار اي نار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم او عند الظهور الاول في الخطاب الاول قول كن او الدنيا او الرجعة
والاخرى ما يقابل كل واحد وجميع المعاني هنا ايضا مرادة والتقريب ما ذكرنا من ان السلام هو فلك الولاية الدائرة على قطب النبوة او فلك النبوة الدائرة على قطب الولاية وانا اضرب لك مثلا في المقام ينكشف لك المرام اعلم ان النبوة الظاهرة مثالها الشمس والولاية الظاهرة مثالها القمر والنبوة الباطنة مثالها العرش والولاية الباطنة مثالها الكرسي فالقمر مكتسب ومستمد من الشمس والشمس لا تفارق منطقة البروج وهي لا تزال عليها تستمد عنها وتركن اليها وتعتمد عليها ولذا صارت الشمس لا عرض لها دون ساير السيارات والكرسي يستمد من العرش وياخذ عنه والعرش يستمد عن الله بنفسه فافهم ضرب المثل فانه مطابق لجميع المقصود
قوله سلمه الله تعالى محمد الداعي الى الله هذا الاسم المكرم المعظم مأخوذ من بسم الله الرحمن الرحيم لانها تسعة عشر واستنطاقها واحد وحرفه الالف وانبساطها وتكرارها الباء وتكرار الباء الدال وعندها قامت الاضلاع على زوايا قوائم وائتلفت واتصل بعضها ببعض وشهد كل للآخر وهو اول التأليف وظهور المحبة والوفاق ورفع البينونة والافتراق في اول العوالم وتكرار الدال الحاء بها كانت حملة العرش وسكنة الفرش وتكرار الحاء خمس مرات لتنزلها من عالم الوجود المطلق الى الوجود البرزخي الماء الاول الذي منه كل شيء حي الى مبدء الوجود المقيد العقل الكلي الذي منه وبه وعنه عقول جميع الخلايق الى عالم الرقايق عالم الارواح مبدء الاشباح الى عالم النفوس عالم الذر مبدء مظهر الخير والشر فبعد نزول الحاء الى هذه العوالم الخمسة استنطقت الميم فتوسطت لان لها الجامعية الكبرى وصار عن يمينها الحاء لانها اقرب اليها في الجامعية وعن يسارها الدال لانها بعد الحاء في الجامعية فاشتق الحمد وصار بعد البسملة في الكتاب التكويني فتكررت الميم وانبسطت في الظهور في عالم الذر الثاني فاستنطق الاسم الاعظم واللفظ المكرم فهو صلى الله عليه وآله الداعي الى الله في الوجودين التكويني والتشريعي في الذوات والصفات والاعتبارات والاضافات وساير الكينونات في جميع الحالات لانه لسان الله الناطق لما قال تعالى كن فيكون وقال تعالى الست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ وليكم والائمة من ولده الاحد عشر ائمتكم صلى الله عليه وعليهم اجمعين وقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا انما اتى سبحانه وتعالى بلفظ المستقبل لبيان استمرار هذه الارادة متجددة آنا فآنا ثابتة الى ابد الآبدين ودهر الداهرين لا انقطاع لها ولا زوال ولا اضمحلال واذهاب الرجس اذهاب الغفلة لانها اصل كل رجس ومبدء كل باطل وعدم الغفلة في جميع الاحوال يستلزم الالفة والالتفات اليه في جميع الاحوال وهو يستلزم تحملهم للعنايات الازلية الغير المتناهية لان الفيض لا ينقطع والمحل قابل مستأهل وكرم الله سبحانه عظيم فاثبت سبحانه بهذه الآية الشريفة استجماعهم لجميع الكمالات الممكنة بان يكون عليه ممكن من الممكنات وتنزههم عن جميع النقايص والارجاس وطهارتهم في كل المقامات في ظواهرهم وبواطنهم واسرارهم وعلانيتهم فهم مجمع الفضايل بدلالة الآية الشريفة فلا يشذ عنهم كمال من الكمالات ولذا اكتفى سلمه الله تعالى بالآية الشريفة عن غيرها من الفضايل ففي مدح الله لهم غني عن مدح المادحين ووصف الواصفين وصلى الله عليهم اجمعين
قال سلمه الله تعالى : ثم يهدي من اثره اثر صالح لحامل آثارهم ومخفي اسرارهم سيد السادة ومقدم الحفاظ القادة ونخبة الاخوان الانجاب وخلاصة الاحباب وباب الابواب الانسان الكامل على الحقيقة والمستقيم على المستقيم من صراط الطريقة سيد السادة الاعاظم السيد كاظم بن السيد قاسم حرس الله شمس وجوده وانار كواكب سعوده
اقول هو سلمه الله تعالى راعى في نظم كلامه مراتب الاسم الاعظم وترتيبه كما قال مولانا الكاظم عليه السلام وهو اربعة احرف الحرف الاول لا اله الا الله الثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والثالث عليّ ولي الله والائمة اولياء الله والرابع اوالي من والوا واعادي من عادوا واجانب من جانبوا وهذه الحروف متلازمة لا يتم الايمان والتصديق باحديها الا بالاخرى والاجابة متوقفة على تمام هذه الكلمة لان الدلالة لا تحصل الا باتمام الكلمة وعليها تدور ابواب الاجابات وانحاء الافاضات وظهور الخيرات ابواب اربعة لا يصلح آخرها الا باولها ضل اصحاب الثلثة وتاهوا تيها بعيدا وخسروا خسرانا مبينا فان الاعمال والطلبات لا تتم ولا تنجح الا بالتوجه الى الله والتوجه اليه تعالى لا يكون الا بالوجه الذي هو عليه وامر به فوجب التصديق بالنبي والوصي ولا بد لهما من نور وشعاع والا لم يكونا كذلك وهو الرابع الا ترى ان من اقر بالشمس وانكر شعاعها ونورها ليس اقراره اقرارا بالشمس فلا يتم الاقرار بها الا بالاقرار بشعاعها ونورها وان لها ظلا يخالفها ويضادها ويستمد منها وكل الموجودات هدايتهم وضلالتهم تدور على هذه الاربعة فمن الناس من انكر الاربعة جميعا وهم الدهرية ومنهم من انكر الثلثة وهم البراهمة واليهود والنصارى والمجوس والصابئة وساير الملل الكافرة ومنهم من انكر الاخيرين وهم العامة من الفرق الهالكة ومنهم من اقر بالثلثة وانكر الرابع وقد ابتلى به اغلب اهل هذا الزمان الا ان منهم من حيث يشعرون ومنهم من حيث لا يشعرون حتى جرى فيهم تاويل قوله تعالى واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري ذلك تاويل ما لم تستطع عليه صبرا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما معناه كلما كان في الامم الماضية والقرون السالفة يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه من خضر هذه الامة وما الكنز وما الارض التي فيها الكنز وما الجدار وما معنى بلوغ الاشد ومن الغلامان اليتيمان في هذه الامة ولا يسعني الكلام ازيد من ذلك لان الجور قد مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه الا ان لاعتمادي على ذلك الفهم العالي لوحت بالاشارة في طي صريح العبارة والله الموفق للصواب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب
ولعل الى هذه الدقيقة اشار سلمه الله تعالى ومخفي اسرارهم فان خفاءه من اعظم مراسم الايمان والله سبحانه خاطب اهل البيت عليهم السلام بقوله ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما فارزقوهم منها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وهم عليهم السلام بذلك اوصوا شيعتهم وحذروهم عن المخالفة والاسرار هي ذوات الحقايق في الآفاق وانفس الخلايق وقد قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال امير المؤمنين عليه السلام اي آية اكبر مني واي نباء اعظم مني وقال مولانا الصادق عليه السلام واي آية اراها الله الخلق في الآفاق وفي انفسهم غيرنا فذوات الاشياء هي بعض تلك الاسرار قد اختفيت بظواهر الحدود والقيود والتعينات هي شرح تلك الاسرار وحجاب تلك الانوار فاذن فالعالم كله مخفي اسرارهم الا ان بعض الخلق من حيث يشعرون وبعضهم من حيث لا يشعرون وهم الاكثرون كما ان الاولين هم القليلون وقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون فافهم
قوله سلمه الله تعالى وباب الابواب والابواب هم الائمة عليهم السلام كما دلت عليه الادلة العقلية والنقلية وهذا المعنى لا ينبغي ارادته في هذا المقام لانه سلمه الله تعالى يريد به هذا التراب الذي يتوهم الظمآن ماءا واين هو من هذا المقام وانما هو لجماعة من الاعلام الذين قال امير المؤمنين عليه السلام في حقهم ما قال كما في الكافي وهم المختفون عن الابصار والغائبون عن الانظار كما قال الشاعر :
لله تحت قباب الارض طائفة اخفاهم عن عيون الناس اجلالا
نعم اذا اريد بالابواب ما اشار اليه مولانا الهادي عليه السلام في اول الزيارة الجامعة اذا صرت بالباب فقف واشهد الشهادتين وانت على غسل فباب هؤلاء الابواب يمكن ارادته في هذا المقام حيث شرفنا الله تعالى بالتشرف بتلك الابواب المقدسة والحمد لله رب العالمين
واما المستقيم من صراط الطريقة فستجيئ الاشارة اليه عند بيان القرية الظاهرة
قال سلمه الله تعالى : اما بعد فيا كعبة الوفد وغاية القصد فقد علمت ايها الانسان الكامل انك القرية الظاهرة للقرى المباركة الطاهرة وريحانة من ثمار تلك الشجرة القمرية الزاهرة وقد تعلم ان المملوك شاكر لنعمائك مشتاق الى لقائك وبرهان قولي معلوم لديك
كفى علمكم بي عن مقالي ومدحتي ولكن باوصافي لكم اتمتع
اقول قال مولانا الباقر عليه السلام على ما رواه الكليني (ره) في الكافي نحن القرى التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا ه والمدعون لهذا المعنى كثيرون الا ان لهم علامات يعرف بها الصادق من الكاذب والمفتري من المحقق واصلها علامتان احديهما في العلم والثانية في العمل
اما الاولى فبان لا يتفوه في مسألة الا بعد احكام اربعة وعشرين امرا الاول ان يكون مستقيم الفطرة طاهر السريرة باقيا على الفطرة الصافية الثاني ان لا يكون عنودا لجوجا متعصبا الثالث ان لا يكون عنده قاعدة غير موزونة بميزان الحق وغير مأخوذة من طريق اهل العصمة عليهم السلام فانها ان لم يقطع بحقيتها لم يركن الى الفروع المترتبة عليها الرابع ان لا يكون محبا ومائلا الى طائفة مخصوصة فان حبك للشيء يعمي ويصم الا ان يكون اولئك ممن لم يقصروا نظرهم الا الى اهل العصمة عليهم السلام فح تركن النفس المطمئنة اليهم وتطمئن بهم الخامس ان يكون عنده في جميع المسائل دليلا قاطعا من كتاب الله تعالى من محكماته لا من متشابهاته فان القرآن فيه كل حق ونور ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين واهل القلوب من المؤمنين الممتحنين يحصلون قواعد كلية من الكتاب الكريم ويستخرجون منها فروع كثيرة على ما يسر الله تعالى له السادس ان يكون عنده دليلا من الاحاديث المعروفة المسلمة المشهورة الغير المنكرة ولا المتشابهة لانهم سلام الله عليهم اشاروا الى الحق في جميع المسائل المختلفة فان الله سبحانه قد جعلهم حكاما كما قال عز وجل خطابا لامير المؤمنين عليه السلام فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فافهم فان شرح هذه الكلمات يطول بها الكلام السابع ان العالم لما كان كتابا تكوينيا فيه شرح جميع ما اراد الله من خلقه من جميع الاعتقادات والاعمال بجميع شرايطها ولوازمها ومكملاتها ومتمماتها وعوارضها ولواحقها وجميع ما يتوقف عليها جميع احكام الدين وبين الله سبحانه بيانا حاليا تكوينيا كان العالم كتابا كافيا جامعا مطابقا لما في القرآن والاخبار المعصومية لان البيان المقالي لا يخالف البيان الحالي والعكس ايضا كذلك فيجب ان يكون للعالم الحكيم الكامل مثال واضح جلي من الامثال التي ضربها الله سبحانه للناس على طبق ما في الكتاب والسنة في جميع المسائل الاصولية والفروعية الثامن ان يكون له دليل قطعي عقلي يدل العقل بصرافة ذاته وصفاته الذاتية من دون شائبة النقل على ذلك بحيث يكون في خلافه استحالة اما في العقل او في الحكمة لان العقل مطابق للكتابين ونبي باطني مطابق للنبي الظاهري وهو انما خلق من شعاع النبي والوصي صلى الله عليهما وآلهما ولا يخالف الشعاع من حيث هو شعاع المنير فاذا طابقت هذه الاربعة المتناسبة التي جعلها الله سبحانه لاستخراج المجهولات دلت على حقية ذلك المدلول في الواقع الاولي او الثانوي على اختلاف المقامات في الاصول والفروع والا كان الله سبحانه مغريا بالباطل لانه تعالى قال والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ولا مجاهدة اعظم من قطع اعتبار الشخص عن نفسه وعما يرتبط بغيره ويتمحض نظره الى الله سبحانه والى ما جعله تعالى له بابا ووسيلة ولما كان كل شيء له ذات ومعنى وصورة وكل مقام له احكام خاصة غير ما للمقام الآخر وجب ان ينظر في كل مسألة في كل طور من الاطوار الثلثة فصارت الادلة ايضا ثلثة دليل الحكمة وهو آلة لمعرفة الشيء من حيث ذاته وحقيقته المجردة عن المادة والمدة والصورة والمعنى وينظر اليه بلا كيف ولا اشارة ودليل الموعظة الحسنة وهو آلة لمعرفة الشيء من حيث معناه والصورة المعنوية الكلية الالهية وينظر اليه بالحد المعنوي بالكيفية العقلانية الجوهرية ودليل المجادلة بالتي هي احسن وهو آلة لمعرفة صورة الشيء وحدوده الشخصية واحكامه الجزئية واوضاعه الظاهرية وصفاته العرضية ولا بد ان ينظر في كل من هذه الثلثة تلك الامور الثمانية فيكون مجموع الامور الحاصلة اربعة وعشرين وهذه المذكورات علامته في العلم
واما الثانية اي العلامة في العمل فبان يكون جامعا للصفات المذكورة في حديث همام عن امير المؤمنين عليه السلام على ما رواه الكليني في الكافي وغيره في غيره وان يكون مواظبا لظاهر ما عليه كافة المتشرعة ومطابقا لما عليه الفرقة الناجية فاذا تحققت هذه الامور والشرايط في شخص في جميع احواله فاعلم انه القرية الظاهرة وانه المستقيم على المستقيم من صراط الطريقة فتمسك به واعلم ان معه هدي الله سبحانه وهو الذي قال الصادق عليه السلام انظروا الى من كان منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله والاحكام جمع مضاف فانظر ماذا تري وهو المحسن الذي معه الله في قوله تعالى والله مع المحسنين وهو المجاهد في قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
واما هذا العبد المقصر فاين هو من هؤلاء الاعلام ولكنه سلمه الله تعالى حيث ظن بي خيرا ارجو من الله ان لا يخيب ظنه فان من ظن بحجر خيرا القى الله الحق به اليه والله سبحانه عند ظن كل امرء وانا اقول اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون
قال سلمه الله تعالى : ثم ان المعروض لجناب مولانا ان الحقير قد عرض لسيده في رسم بعض الاسولة فاجبتم الى ذلك بمقتضى كرمكم فالمأمول من جنابكم الجواب عن هذه المسايل القليلة بالنسبة اليكم وليكن كما عودتم ووعدتم متلبسا بالاشارة الى الدليل وصريح البيان وقد عودتم الاحسان في السر والاعلان
اقول حيث ما كان المطلوب والمدلول نتيجة للدليل فيناسبه والا لم تكن النتيجة نتيجة هف فيكون الدليل اذن على حسب المدلول فان كان المطلوب من السر الباطن وجب ان يكون الدليل كك وان كان من القشر والظاهر وجب ان يكون الدليل كك والا لم يصح الانتاج فاذا كان الامر كك فلا يسعني بيان سر الحقيقة وباطن الطريقة بصريح البيان فان السر لا يفيده الا سر فيجب طلب الدليل على مقتضى المطلوب المدلول وقد لا يتم الدليل الا بالحكمة او الموعظة الحسنة فلا يصح طلبه بالمجادلة بالتي هي احسن فان ذلك طلب المحال كمن رام ادراك الالوان بحاسة السمع والاصوات بحاسة البصر والروايح بحاسة الذوق وذلك مما لا يكون في هذه الدنيا ونحن انشاء الله تعالى نورد الدليل والمدلول على حسب مقتضى المقام من دليل الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن اذ لا يجب ان يخلو هذه الاجوبة من عجائب الاسرار وغرائب الاطوار فان الله تعالى يقول ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وانا علم الله معذور من بسط المقال فاني في الغاية من اختلال البال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وكوني في السفر مشغولا بمعاناة الحل والارتحال وبالله المستعان وعليه التكلان في جميع الاحوال
قال سلمه الله تعالى : مسألة - ما كيفية التطبيق بين ما علمتم من تولد الحروف بعضها من بعض كما صدرت عن النقطة الالف وعنها الباء وعنها الدال وهكذا وبين ما رتب الحكماء من ترتيب حروف التهجي على اختلافه بين ابتث او ابجد الى غير ذلك ومن البين ان المتقدم في الوجود الرتبي لا يكون متاخرا وكذا المتاخر فلو اخر كان خلاف مراد الحكيم او فعله واحد جار على نسق واحد مقدما للسبب على المسبب ومؤخرا للابن عن الاب ومديرا داراتها على القطب ونحن لو اعتبرنا في اختلافاتهم في الترتيب الوجداني رأينا في ذلك التقديم والتأخير الواسع الكبير مع ان كلا منهم يفعل بما عنده من الترتيب على طبق مراده الافعال المتعددة فيحبب ويبغض وينقص ويزيد ويجمع ويفرق ويلصق ويرقق الى غير ذلك من تصرفهم في الكائنات وايضا فعلى تقدير عود اختلافهم الى شيء واحد بامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف والاسماء وبين عوالم المسميات ه
اقول هذه المسألة تنحل الى سبع مسائل نقررها ونبينها اولا ثم نذيلها بما الهمنا الله تعالى بفضله وكرمه من الجواب على نهج الرشد والصواب
الاولى ان العلماء والحكماء والاوصياء والانبياء صلى الله عليهم اجمعين قد رتبوا الحروف الثمانية والعشرين على اوضاع مختلفة وترتيبات متناقضة واطوار متفاوتة متضادة
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن وه ي لا
ومنهم من رتبوها هكذا وهو المشهور بينهم والمتداول على السنتهم : ا ب ج د ه وز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ لا
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ح س ت ب ط ع ث ج ي ف خ د ك ص ذ ه ل ق ض وم ر ظ ز ن ش غ
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ه ط م ف ش ذ ب وي ن ص ت ض ج ز ك س ق ث ظ د ح ل ع ر خ غ
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ه ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ د ح ل ع ر خ غ ب وي ن ص ت ض
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ي ق غ ب ك ر ج ل ش د م ت ه ن ث وس خ ز ع ذ ح ف ض ط ص ظ
ومنهم من رتبوها هكذا : ا ج ه ز ط ك م س ف ق ش ث ذ ظ ب د وح ي ل ن ع ص ر ت خ ص غ
وامثالها من الترتيبات الكثيرة المذكورة في الكتب المفصلة لاهل هذا الشأن التي يطول بذكرها الكلام ولا فائدة لها كثيرا في المقام ولا شك ولا ريب ان هذه الاختلافات ليست من الله تعالى فانه تعالى نص في كتابه المجيد وقال لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وليس من الواقعي الاولي فان خلق الله تعالى وجعله واحد ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت والمجعول الاول في الايجاد الالهي لا يكون الا واحدا لا متعددا متضادا فاذن وجب ان يكون احد هذه الترتيبات مطابقا للجعل الالهي وما سواه لغوا عبثا باطلا اذ ليس هذا المقام مقام تقية حتى يتصور فيه الخلاف في الواقعي الثانوي في الاحكام الظاهرية المختلفة في الجعل الالهي في الورقة السفلي من اللوح المحفوظ مع ان الامر ليس كذلك
الثانية ان الادلة قد دلت بعد تنصيصهم وتصريحهم على ان هذه الحروف تولد بعضها عن بعض واشتق بعضها من بعض وبينها علية ومعلولية ولا شك ان الوالد في الوجود مقدم على الولد والعلة على المعلول والاصل على الفرع وقد قالوا ان الاختراع اختراعان والابداع ابداعان وجعلوا الاختراع الثاني الالف من الحروف والابداع الثاني الباء من الحروف وقالوا ان الالف انبسطت فكانت عنها الباء ومالت على الباء فكانت عنها الجيم والباء انبسطت وركدت فكانت عنها الدال ومالت على الدال فكانت عنها الهاء والهاء نظرت الى نفسها فانجمدت فاخذت في الانبساط بالحركة على المحور فتحركت الى نصف القطر فكانت عنها الواو ثم غاب انجماد الهاء وبقي انبساطها فكانت عنها الزاء والزاء لما نظرت الى حدود نفسها بظاهرها وباطنها انشقت نصفين فكانت عنها الحاء كذا
والحاء لما نظرت الى المبدء اتصلت بها الالف حرف العلة فكانت الطاء وهي تمام الجذر الاول للالف وهكذا ساير الحروف تتولد من هذه الاحرف واما الاختلاف المذكور فقد ادي الى التقديم والتاخير تقديم الفرع على الاصل والمعلول على العلة والولد على الوالد وهو خلاف مراد الحكيم العليم فيكون مجراها على خلاف النظم الطبيعي الذي جعله الله سبحانه فيكون لغوا وعبثا مع ان الامر ليس كذلك
الثالثة لا ريب ولا شك ان لا بسيط الا الله عز وجل وكل ممكن زوج تركيبي وكلما سوى الله تعالى انما هو مركب من الطبايع الاربع ولا ينفك شيء منها ابدا على مقتضى الخلق والايجاد على نهج الاسباب والحكمة نعم اذا غلبت طبيعة من تلك الطبايع على غيرها بحيث اضمحلت آثار غيرها ينسب ذلك الشيء الى تلك الطبيعة الغالبة وذلك معلوم بين ولا شك ولا ريب ان هذه الحروف لها طبايع خاصة ولا تنسب اليها الا بغلبتها على غيرها ولا تكون غالبة الا بغلبتها على غيرها واضمحلال غيرها لديها حتى يقال انها نارية او هوائية او مائية او ترابية فعلى هذا كيف يسع اختلافهم في طبايع الحروف كما في الباء قال بعضهم انها هوائية والآخر انها ترابية وهما ضدان وكيف يمكن القول بغلبة آثار كل من الطبيعتين فيها واضمحلال غيرها وكذلك القول في غيرها من الحروف المختلف فيها كما هو المشروح المفصل في كتبهم وقد ذكرنا شرذمة منها في شرحنا على حديث عمران الصابي فراجع
الرابعة لو فرضنا علة الاختلاف اختلاف انظار العلماء وملاحظة القواعد المقررة عندهم فلماذا يترتب عليه الآثار اذا صرف كل منهم على ما يعتقد فان الذي يعتقد ترابية الباء مثلا يصرفها في مقام التراب ويؤثر فيما يريد والذي يعتقد هوائيتها يصرفها في مقام الهواء وهو ضد التراب ويؤثر فيما يريد فلو كان لمحض الاعتقاد فلا ريب ان الاعتقاد لا يغير الواقع كما انه لو استعمل الماء باعتقاد انه دهن الكبريت فلا شك انه لا يؤثر الحرارة ابدا وشرب الخمر باعتقاد انه ماء فيسكر لامحة فكيف يتحقق هذا الامر مع انا نشاهد التاثير في الحروف لامحة فان كان الامر ليس لمحض الاعتقاد وانما هو في الخارج فكيف يعقل ان يكون الشيء الواحد في الوقت الواحد تؤثر الرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة
الخامسة ما اصل هذا الاختلاف وما منشاءه وما علته الفاعلية والمادية والصورية والغائية وما شرح احوالها وتفصيل اجمالها وما يتعلق بذلك
السادسة على تقدير عود الاختلاف الى الامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف والاسماء وبين عوالم المسميات
الجواب :
اما عن الاول فاعلم ان الاحكام الجارية على الاشياء على اقسام وانحاء منها احكام ذاتية اولية لها وحدها من غير اعتبار اقترانها وانتسابها الى الآخر حسب ما اجاب في عالم الذر بسر كينونته وذات حقيقته ومنها احكام ثانوية حصلت لها باعتبار قراناتها وتبدل اوضاعها واختلاف نسب بعضها الى بعض ومنها احكام تجري عليها باعتبار ظهورها في آثارها وافعالها واوضاعها وحركاتها في كينوناتها وهذه الاحوال كلها تجري على شيء واحد باطوار مختلفة وصفات متضادة والا ترى المنجمين حكموا على زحل بانه نحس اكبر والاخبار وردت انه كوكب سعد وانه نجم امير المؤمنين عليه السلام وقالوا ان المريخ نحس اصغر وفي الروايات عن الائمة السادات عليهم السلام انه كوكب رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا ايضا ان المريخ شيخ كبير قاعد على كرسي من الدم او النار فالشيخوخة سن الشتا وهو البرودة والرطوبة والدم والنار حارة يابسة فيوصف المريخ بالحرارة والبرودة الا ان الثانية ذاتية والاولى قرانية وعرضية فالسعادة بالذات لاهل الآخرة والنحوسة بالعرض لاهل الدنيا كما قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهو شيء واحد يوصف بالرحمة والعذاب في الحقيقة وهما ضدان الا ان احدهما بالذات والآخر بالعرض وقال ايضا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فوصف الباب وهي شيء واحد بالرحمة والعذاب وهما ضدان وقال تعالى اذلة على المؤمنين واعزة على الكافرين وهو شخص واحد وصفهما بالضدين في مقامين وقال عليه السلام في زيارة امير المؤمنين عليه السلام نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار فالشيء الواحد بالاعتبارات المختلفة والجهات المتعددة يوصف بصفات متضادة واحكام مختلفة وصفات متضادة من غير منافاة ولا معارضة والكل من الواقعي الاولي لا من الثانوي الا بتاويل بعيد ولذا قلنا ان العقل في الوجه الذاتي من حيث هو بارد يابس ولونه السواد وهو قوله عليه السلام مابعث الله نبيا الا وهو صاحب مرة سوداء صافية وفي الوجه الفعلي حار يابس ولونه الحمرة وهو قوله تعالى خطابا للعقل اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر وفي الوجه الوصفي بارد رطب ولونه الابيض وهو قوله عليه السلام في اركان العرش نور ابيض منه البياض ومنه ضوء النهار وفي الوجه الارتباطي حار رطب ولونه الصفرة وهو قوله عليه السلام اول ما خلق الله روحي على احد المعاني فوصف العقل بالالوان الاربعة والطبايع الاربعة والاحكام المختلفة فمن نظر الى الوجه الذاتي عده في ادنى المراتب ومن نظر الى الوجه الفعلي جعله وعده في اعلى المراتب لان اعلى العناصر الحرارة واليبوسة ومن نظر الى الوجه الوصفي عده في الاوسط الاسفل ومن نظر الى الوجه الارتباطي عده في الاوسط الاعلى وكل هذه احكام حقيقية ولكن كل حكم في مقامه لان الله سبحانه خلق كل شيء جامعا مملكا فيوصف بجميع الصفات المتضادة خصوصا اذا ظهر فيه حكم الذوبان وتمكن في جهة من جهات الرجحان انظر كيف جاز وصح تقديم العقل وتاخيره وتوسيطه بالجهات المختلفة وهكذا حكم الحروف لان لها مقام الذوبان وفيها جرى سر السريان فيرتب على انحاء كثيرة حسب ما استكن فيها من جهات الامكان فمن نظر الى المناسبات الرقمية والنقشية حيث انها جواذب للحقايق المعنوية والآثار الذاتية والفعلية والعرضية رتبها ترتيب المزدوجات المؤتلفات فقال : ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض الى آخر الترتيب ومن نظر الى الطبيعة واصل تكون الحروف من المبادي الحقيقية ومزج العناصر على الاوفاق الحكمية مرتبا للقوي في المراتب والدرجات والدقايق والثواني والثوالث والروابع والخوامس عند المزج والاختلاط على النظم الطبيعي والوضع الالهي رتبها ترتيب الولادة التي بها منشأ السعادة والشقاوة والمزج بين العالمين فقال : ا ب ج د ه وز ح ط ي الى آخر الحروف على ما هو المعروف المشهور ومن نظر الى العناصر المحضة والطبايع الصرفة واراد وضع كل طبيعة عند اختها افرد الطبايع فهم بين ناظر الى ترتيب البروج فقال : ا ه ط م ف ش ذ ب وي ن ص ت ض الى آخرها وبين ناظر الى ترتيب العناصر المتولدة من البروج والافلاك فقال : ا ه ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ الى آخرها ومن نظر الى ترتيب الاصول والفروع وضم الاصول بعضها ببعض والفروع كذلك فهم بين ناظر الى ترتيب السبعة فاسقط كل ستة ستة واثبت واحدا واحدا في كل سبعة وهكذا يدور الدائرة بالترتيب الطبيعي الى آخر الحروف رتبها هكذا : ا ح س ت ب ط ع ث الى آخرها على الترتيب الطبيعي وبين ناظر الى ترتيب الاربعة نظرا منه الى العناصر حيث انها اصل لكل شيء في كل شيء فاسقط كل ثلثة ثلثة واثبت واحدا واحدا فقال : ا ه ط م الى آخرها ومن نظر الى ملاحظة الاعداد والاوفاق ونظر الى اصول الاعداد وضم بعضها ببعض فقال : ا ي ق غ ب ك ر ج ل ش الى آخرها ومن نظر الى جمع العناصر في الاعلى والاسفل لاستخراج حروف المستحصلة في الجفر بعد الترفع والترقي والتنزل والتساوي فرتب على المقابلة في سطرين فقال : ا ج ه ز ط ك م الى آخرها ومن نظر الى نظاير الحروف رتبها على الاصل والنظيرة فقال : ا س ب ع ج ف د ص ه ق ور ز ش ح ت ط ث ي خ ك ذ ل ض م ظ ن غ وهذا الترتيب يختلف بحسب الترتيبات بين نظيرة : ا ب ت ث ونظيرة : ا ب ج د ونظيرة : ا ه م ف ش ذ ونظيرة : ا ي ق غ وهكذا ساير الترتيبات والنظاير والاحوال على ما هو المفصل في كتب اهل هذا الفن والمشروح في مصنفاتهم وقد ذكرنا شرذمة منها في شرحنا على حديث عمران الصابي فراجع ثمة فظهر لك مما اوضحنا لك من صريح البيان ان هذه الترتيبات التي وقعت للحروف كلها امور واقعية مجعولة بالجعل الالهي الاولى عند الحركة على المحور دون القطب لاقتضاء الاول الاختلاف دون الثاني فان المركب تتكثر جهاته وتتعدد شئونه واعتباراته لا محالة بل في كل مركب تظهر فيه جهات لا تتناهى لا سيما اذا ظهر فيه حكم الذوبان وجرى فيه سر السريان ولم تغلب عليه جهة من جهات الامكان وكان بالذات او بالحكاية من عالم الرجحان ولا سيما الحروف التي مسكنها الهواء ومقرها السماء والعامل فيها الملائكة او هي العاملة فيهم على حد ما قال مولانا الرضا عليه السلام ما معناه ان اول ما خلق الله الابتداع والاختراع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فافهم الاشارة بصريح العبارة وللاختلافات الحرفية اما كاختلاف الوجه الواحد في المرايا المتعددة المختلفة بالبياض والحمرة والصفرة والخضرة والسواد والاعوجاج والاستقامة فان الكلمة الكونية الاولية لما تفصلت بالحروف ظهرت عكوسات اشراقات انوارها في الواح الحقايق والذوات على ما هي عليه فاختلفت ظهورات تلك الحروف بالتقديم والتاخير على حسب المراياء صفائها وكدورتها واعوجاجها واستقامتها فاختلفت في الترتيب فتفرعت عليه الآثار العجيبة والاطوار الغريبة على حسب المقامات والمراتب كما قال الشاعر :
وما الوجه الا واحد غير انه اذا انت عددت المرايا تعددا
او كاخلاف الشيء الواحد في الوجه الذاتي والوجه الظاهري والوجه الفعلي والوجه الارتباطي على ما مثلنا لك في العقل الكلي او كاختلاف المركب باختلاف الطبايع اجزائه وظهورها عند صفاء اعتدالها بصرافة طبايعها قبل الخلط والمزج بالاعراض الغريبة والطبايع الفاسدة فيوصف ذلك المركب بكل من تلك الطبايع والجهات عند انفرادها ولقد اجاد في المقال صاحب شذورالذهب في هذا المعنى فقال ونعم ما قال :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها
فافهم وربما نوضح لك بعض هذه المعاني في ما بعد ان وجدت لنفسي اقبالا ولكني في سعة مع من اخاطب فانه بدقة فهمه وغامض علمه يطوي التلويحات بلطايف الاشارات ولا يحتاج الى تكرير العبارات وترديدها في الرقوم والكلمات
اما الجواب عن الثاني اي السؤال عن سر التقديم والتاخير في الحروف المستلزم بتقديم الفرع على الاصل والمعلول على العلة والولد على الوالد وتاخير العلة عن معلولها والاصول عن فروعها والآباء عن ابنائها بعد اثبات ان في الحروف ترتيبا باحد الوجوه الثلاثة فاعلم ان عالم الحروف عالم مستقل مطابق لعالم الذوات حرفا بحرف لما قد دلت عليه الادلة القطيعة من العقلية والنقلية من تطابق الكتابين وتوافق العالمين كيف لا وقد قال عز من قائل ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير وقال عز وجل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقد حققناه في ساير مباحثاتنا ورسائلنا فاذا صح التطابق فلنبين بعض الترتيبات المختلفة الفاصلة في الكتاب التكويني الذي كتبه الله بيده ورتبه بحكمته واتقنه بكلمته لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وتعرف بالمقايسة حكم الكتاب التدويني استدلالا على الصفة بالموصوف بالدليل اللمي فنقول اعلم ان الكرة الكونية الوجودية تنقسم الى قوسين قوس نزول وقوس صعود الاول ينقسم الى قسي كثيرة كلياتها عشرون قوسا مرتبة مقدما للاعلي على الاسفل والاصل على الفرع وللعلة على المعلول لانه ترتيب تكويني انوجادي ظهر فيه سر الاسم الاعظم من المبدأ الفياض المستمد من فوارة القدر بامر مستمر وجرى مستقر على قوابل الهياكل الصورية الاشرف فالاشرف لبطلان حكم الطفرة واكمال الحجة واتمام النعمة واقتضاء سر الخليقة في حقيقة (ظ) الكينونة وان اردت ان تعرف مجرد التسمية في تلك الحقايق المترتبة بالترتيب الطبيعي على نحو تقديم الاعلى على الاسفل والاصل على الفرع والعلة على المعلول والوالد على الولد فاولها الوجود وهو الساري في كل غايب ومشهود وموجود ومفقود وبه امتاز العابد من المعبود وهو باوصافه محقق الركوع والسجود لانه وجه الرب العطوف الودود ثم العقل مصدر النقل والمخترع الاول من الفعل في مراتبه الثلثة من العقل المرتفع والمستوي والمنخفض ثم الروح صاحب القباء الاصفر الماشي على الارض بالتبختر ثم النفس محل الرمس بمراتبها الثلاثة في المقامات السبعة من الامارة والملهمة واللوامة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة ثم الطبيعة المرتدية بالعباء الحمراء والماشية في الارض البيضاء والحاكية للحقيقة العليا ثم المادة الجسمانية جوهر الهباء والذر الاعلى في المقام الادني ثم المثال عالم الاشكال ومبدء الانفصال ومحقق الاتصال ثم الجسم جسم الكل الشجرة الكلية الظاهرة السارية في جميع الاغصان والاصول والفروع والافنان ثم العرش المجرد عن النقش ومصدر الفرش ثم الكرسي مقر العلم اللدني ومركز الكوكب الدري ثم فلك المنازل ومصدر القوابل ومظهر الهياكل ثم فلك الشمس ثم فلك زحل والقمر ثم فلك المشتري وعطارد ثم فلك المريخ والزهرة ثم كرة النار ثم كرة الهواء ثم كرة الماء ثم كرة التراب الى هنا منتهي قوس النزول والترتيب في هذه القوس تقديم الاعلى على الاسفل والاصل على الفرع كما عرفت مما ذكرناه واما قوس الصعود فهي تنقسم الى قسي كثيرة كلياتها ايضا عشرون قوسا والترتيب عكس النزول ويقدم الاسفل على الاعلى والفرع على الاصل والولد على الوالد واولها السحاب المثار من شجر البحر وهو اضعف الاشياء تركيبا واسرعها تحليلا واضمحلالا ثم المطر الجاري من البحر الساري الواقف بين السماء والارض الآخذ بجهات الطول والعرض ثم الحل في التراب ثم العقد في النبات ثم المزج في الكيلوس ثم الانتقال الى الكيموس ثم التصفية في العروق ثم التخليص عن شوائب الفضول عند الاعضاء ليتكون مني يمني ثم الانتقال الى الرحم والامتزاج مع منيها ثم العقد مع التربة المقبوضة القابضة الجاذبة لاتمام النطفة ثم العلقة الظاهرة طبعها انها الصفراء ثم المضغة المخلقة ثم العظام ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الآخر بظهور الروح الحيوانية عند الولادة الجسمانية ثم الولادة الدنياوية ثم البلوغ في سن الخمسةعشر ثم التمام في سن الثلاثين ثم الكمال في الاربعين ثم الولادة الاخروية عند الموت اعاننا الله عليه فثبتنا بالقول الثابت لديه ثم في البرزخ بمراتبه ومقاماته ثم عند نفخ الصور لظهور سلطان الطبيعة وموت الخلق اربعمائة سنة ثم عند الحشر يوم القيمة ثم عند اكله من كبد الحوت ثم من كبد الثور ثم الشرب من السلسبيل ثم الاغتسال في عين الحيوان ثم الدخول في مقام الكثيب الاحمر ثم الانتقال الى الرفرف الاخضر ثم الوقوف في ارض الزعفران ثم الاقامة في مقام الاعراف ثم السباحة في لجة بحر الاحدية وطمطام يم الوحدانية الذي هو مقام الرضوان ووراه مقام لا يحيط به علمنا على التفصيل الا على وجه الاجمال وهذا الترتيب هو في قوس الصعود يقدم الاسفل على الاعلى كما هو الشأن والدأب في الصعود لان الصعود لا يكون الا الى ما نزل منه فافهم وهنا ترتيب آخر مخالف لترتيب النزول والصعود رتبته يد القدرة لاقتضاء الحكمة وهو ترتيب الظهور وهذا الترتيب ليست له قاعدة مطردة الا ما اقتضته الاسباب بالسوق الى مسبباتها والعلل بالاقتران الى معلولاتها وذلك عند خروج ابينا آدم عليه السلام من الجنة وقتل قابيل هابيل مما استحكمته احكام عالم الذر من غلبة الظالمين واستيلاء الطغاة المفسدين وما حتم الله عز وجل من اعلاء دعوته واظهار كلمته من غير اكراه واجبار ولا الجاء واضطرار وبيان هذا الترتيب على التفصيل لا يسعه المجال الا اني اشير اليه اشارة اجمالية تنبيها للامر وتثبيتا للذكر فنقول ان القاعدة في قوس الصعود كما عرفت ان يكون كل عال مؤخرا عن السافل بعكس قوس النزول وقد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان محمدا وآله صلى الله عليه وآله خلقهم الله قبل خلق الخلق وقبل الكان والمكان وقبل كل شيء ثم خلق من اشعتهم وفاضل نورهم الانبياء عليهم السلام ثم خلق من شعاعهم الرعية من الانسان ثم خلق منهم الجن ثم الملك ثم البهايم ثم النباتات ثم الجمادات ثم الاعراض والصفات والالوان والهيئات وفي رتبة الحقيقة المحمدية صلى الله عليها خلق اولا محمدا صلى الله عليه وآله ثم خلق امير المؤمنين عليه السلام ثم خلق الحسن عليه السلام ثم الحسين عليه السلام ثم القائم من آل محمد عليه وعليهم السلام ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة الصديقة على ابيها وبعلها وبنيها وعليها الصلوة والسلام وفي رتبة الانبياء عليهم السلام خلق اولوا العزم قبل سايرهم لانهم عليهم السلام قطب رحي النبوة وعليهم تدور احكامها من ذواتها وصفاتها كما قال عليه السلام على ما رواه الكليني (ره) وفي اولي العزم خلق نوح اولا على ما هو الحق ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام ثم الانبياء على ترتيب شرفهم لان كل اشرف مقدم في الذات والحقيقة قطعا وهكذا ساير اطوار الخلق غير ما ذكرنا مع ان في عالم الظهور ظهر ابونا آدم عليه السلام قبل الرعية من ساير الانسان مع ان القاعدة في قوس الصعود العكس وفي قوس النزول تقديم نوح وابرهيم وموسى وعيسى عليهم السلام عليه وتقديم محمد صلى الله عليه وآله على الجميع مع ان الامر ليس كذلك فقد ظهر آدم عليه السلام ثم نوح بعد انبياء كثيرين ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وآله ثم امير المؤمنين الى آخر مقامات ظهورهم على التفصيل وهو لا ينطبق على شيء من القوسين كما عرفت وهذا الترتيب لاقتضاء الحكمة في الخلق الثانوي على مقتضى الاسباب وجريانها حسب ميولات الاشياء وشهواتها اذ لا اكراه في الدين وهذا باب واسع لا يسعني الكلام فيه اكثر مما ذكرنا وهكذا الكلام في ترتيب البروج فانه مخالف لترتيب العناصر جدا فانه تعالى رتب البروج مبتديا من الحمل وهو ناري ثم الثور وهو ترابي وبينهما وان لم يكن معاداة الا ان اليبوسة وقواها في المقامين يورث التفتت والتصلب وعدم الحيوة على مقتضى الاسباب الظاهرية ثم الجوزاء وهو هوائي قد قارن بالترابي وهما ضدان وقد جمع بينهما من غير فاصل وفارق بخلاف العناصر ثم السرطان وهو مائي ثم الاسد وهو ناري وقد قارن بين الماء والنار وهما ضدان وهكذا الى آخر البروج والمنازل وهذا الترتيب لا تقتضيه قوس النزول ولا قوس الصعود كما هو الظاهر المعلوم وانما هو ترتيب لاجل حكم ومصالح ما خفي علينا اكثر مما ظهر لنا بمراتب شتي ولكن الامر قطعا لا يخالف الواقع اذ الشيء قد يحكم عليه باعتبار الظاهر وقد يحكم عليه باعتبار الباطن وقد يحكم عليه باعتبارهما جميعا وقد وقع التصريح في القرآن الكريم بهذه الوجوه الثلثة من الترتيب فقال عز من قائل واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى وهو اشارة الى ترتيب قوس النزول دون الظهور وقال عز وجل هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم وهذا الترتيب اشارة الى ترتيب الظهور كما تقدم وقال عز وجل الذي خلق الموت والحيوة وقال ايضا من الجنة والناس وقال (ع) ايضا وجعل الظلمات والنور وهذه الآيات اشارة الى ترتيب قوس الصعود فاذن لك ان ترتب العام بترتيبات مختلفة متضادة كما رتبه الله سبحانه في محكم كتابيه التكويني والتدويني على ما سمعت مع انك تعلم يقينا ان العالم مترتب في اصل الوجود ترتب الاصل على الفرع والوالد على الولد والمنير على الشعاع والذات على الاثر ومع ذلك كله تجد هذه الترتيبات المختلفة من الصعودية والنزولية والظهورية انظر الى تقدم عبد الله على رسول الله (ص) بالابوة وتقدم ابيطالب على امير المؤمنين عليه صلاة (ظ) كذلك وتقدم فاطمة الزهراء (ع) على الائمة صلوات عليهم اجمعين بالامومة مع ما تحقق عندك يقينا ان عبدالله واباطالب ذرتان من شعاع نور ابنيهما (ص) وقطرتان من محيط بحريهما وكذلك فاطمة عليها السلام قد وجدت بعد الائمة عليهم السلام مع انها تقدمت عليهم وهكذا الامر في غيرهم ممن تقدم في الوجود وتاخر في الظهور وقد اشرت الى مجمل السر والعلة في ذلك باشارة لطيفة وعبارة دقيقة لما اعتقد في ذلك العالي الجناب من دقة المدرك لتحصيل الحق والصواب واما تفصيل القول في ذلك فذلك مما لا تسعه الدفاتر واذا حصلت المشافهة ربما تنال المطلوب بالوجه المرغوب ولكنك عند امعان النظر يتضح لك الامر انشاء الله تعالى فاذا فهمت ما ذكرنا لك عرفت صحة اختلاف الترتيب في الحروف بالتقديم والتاخير مع ما هي عليه من تكون بعضها عن بعض وتقدم بعضها على بعض فان الحروف فروع وتوابع لهذه الذوات والحقايق فتنصبغ بصبغها وتتحلى بحليتها وتختلف باختلافاتها على طبقها ووفقها حرفا بحرف فكل هذه الاختلافات الحرفية تنحل الى هذه الوجوه الثلاثة وهي كلها ترجع الى استواء الرحمن على العرش واعطاء كل ذي حق حقه والسوق الى كل مخلوق رزقه فالحروف قد ترتبت تارة على مقتضى قوس النزول بتقديم الاشرف على الاخس والظاهر ان ذلك هو ترتيب ا ب ج د ومنها ما ترتبت اخرى على مقتضى قوس الصعود وهو عكس هذا الترتيب المعروف والمغاربة قد يستعملونها في مطالبهم وحوائجهم اذا احتاجوا اليها ومنها ما ترتبت على مقتضى حكم الظهور في الترتيب وهو يختلف اختلافا واسعا حسب اختلاف الظهورات الكونية كما تقدم فان الحروف بازاء تلك الحقايق والذوات فتتقدم بتقدم اصلها وتتاخر بتأخره اذ الحروف منها ما هو بازاء التوحيد ومنها ما هو بازاء النبوة ومنها ما هو بازاء الولاية والامامة ومنها ما هو بازاء الرعية ومنها ما هو بازاء الايمان واهله ومنها ما هو بازاء الكفر والنفاق واهله ومنها ما هو بازاء الانوار ومنها ما هو بازاء الظلمات ومنها ما هو بازاء الايام ومنها ما هو بازاء الليالي ومنها ما هو بازاء الافلاك ومنها ما هو بازاء العناصر ومنها ما هو بازاء الكواكب ومنها ما هو بازاء البروج والمنازل ومنها ما هو بازاء الالوان والاعراض والصفات والهيئات ومنها ما هو بازاء الذوات والحقايق والماهيات ومنها ما هو بازاء المجردات ومنها ما هو بازاء الماديات ومنها ما هو بازاء العلويات ومنها ما هو بازاء السفليات وهكذا ساير الاشياء من الاسماء والمسميات والاسماء الحسنى والاسماء السوءي الى غير ذلك ويرتبونها على حسب تصاريفهم في الكائنات على ترتيب الحقايق والذوات الا انهم مختلفون في الحروف التي بازاء تلك الحقايق اختلافا شديدا وذلك باعتبار اختلاف انظارهم في الجهات والاحوال والشئون المودعة في الحروف من تقدير الله عز وجل فمنهم من جعل الالف حرف النبوة لانه المبدء للحروف كالنبوة الظاهرة في آدم (ع) ابينا فانها مبدء للبشر والنبوة الظاهرة في الحقيقة المحمدية فانها مبدء واصل العالم كله ومنهم من جعل الباء حرف النبوة لانها تراب حامل ومحل للفيوضات ومستعد للقبول وخاضع خاشع لمبدئه وعاليه وذلك حكم النبوة لانها اول الحوادث واول الخاضعين الخاشعين له تعالى وهي الحاملة لآثار الربوبية وفيوضاتها على ما في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فافهم ومنهم من جعل الجيم حرف النبوة لانها مبدأ الشكل المثلث وهو ابو الاشكال واصلها واسطقسها وهي منه تحققت وبه برزت ومنه بدءت واليها عادت ولان الجيم انما حصلت بميل الالف بالباء والمكونات باسرها انما تحققت بحذافيرها من ظهور الفعل بالامكان واول المكونات مقام النبوة وقالوا ان الشكل المثلث شكل آدم عليه السلام ولذا جمع عدد اضلاعه خمسة واربعون مطابق لعدد آدم وكل ضلع منه خمسةعشر مطابق لعدد حوا وغير ذلك من المناسبات فالاولون جعلوا حرف النبوة والنبي الالف والاوسطون جعلوها الباء وجعلوا الالف للتوحيد لانه حرف الوحدة والآخرون جعلوا الالف حرف التوحيد والباء حرف الامكان اي المشية ومحلها كما يشهد لهم قوله صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم والجيم حرف النبوة ومقام البعثة الى كافة الخلق وللكل اعتبار حسن يطابق الواقع فالكل اذن على صواب انشاء الله تعالى اذ بعد تعدد الجهات واختلافها لم يبق للتناقض والتضاد محل فافهم فمن جهة اختلافاتهم في هذه الوجوه اختلفت ترتيباتهم للحروف الثمانية والعشرين في مقام الترتيب الظهوري فجعلت ترتيبات مختلفة كلها مطابقة للواقع والجعل الاولي الالهي في مقام الظهور وكل ترتيب وتصوير جاذب اثر من الآثار من المبدء الفياض كما اختلفت الآثار باختلاف ترتيب الحقايق والذوات اذ الهيئات والصور المرتبة مراياء لاستشراقات الانوار الجبروتية وآثار الحقايق اللاهوتية كما قال امير المؤمنين عليه السلام نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره والذي يظهر لي ان هذه الترتيبات المختلفة انما كانت من الانبياء الماضين عليهم السلام عن الوحي الالهي حسب مصالح العباد والبلاد فهم عليهم السلام كتموها عن الاغيار واودعوها عند اهلها من الابرار من اهل الاسرار وبقوا يستعملونها على ما وصل اليهم من انحاء تلك الترتيبات فاختص كل طائفة واهل كل علم بترتيب منها ووضع خاص من تلك الاوضاع والصور حسب مناسبتهم اياه في الغرائز والطبايع كاختصاص كل صنف وكل طائفة بلغة من اللغات المختلفة من الهندية والتركية واليونانية والسريانية وغيرها مع تاليفها من الحروف المذكورة وكون الواضع في الجميع هو الله سبحانه وكذلك كل ترتيب من هذه الترتيبات المخصوصة اختصوا به لما بينهم وبينه من المناسبة بجهة من الجهات الذاتية والعرضية ثم ذكروا لاجل الترتيب الخاص الذي عندهم بعض النكات والاستحسانات وظنوا انها المؤسسة والمحصلة لتلك الاوضاع وظن الجاهل بالامر انهم هم المؤسسون لهذه الاوضاع والترتيبات ولكن الحكيم الماهر واللبيب الكامل يعلم ان هذه الاوضاع كلها من الاوضاع الالهية علمها آدم عليه السلام وكانت مستودعة عنده الى ان اوصله الى وصيه هبةالله شيث وكانت الانبياء يتوارثون اياها خلفا عن سلف ويعلمون بعض جهاتها لمن يأمرهم الله سبحانه من خواص امتهم ورعيتهم وهي كلها امور حقيقية واقعية يتفرع عليها آثار غريبة عجيبة ويستخرج منها كنوز من معارف الله عز وجل واسرار اسمائه وصفاته ولا يسع المجال لشرح هذه الاحوال بل لا يذكر هذه المطالب واسرارها في المقال وانما هي مخزونة مكنونة في صدور جماعة من الرجال والله خليفتي عليك ه
واما الجواب عن الثالث وهو السئوال عن ان الطبايع باسرها لا تظهر في كل مركب بل انما ينسب المركب الى الجزء الغالب عليه من الطبيعة كما يقال ان فلانا صفراوي او سوداوي ولا يغلب ذلك الجزء الا بعد اضمحلال آثار باقي الاجزاء فعلى هذا لا يعقل ان يكون مركبا واحدا غلب عليه طبيعتان واكثر من العناصر ليقال انه ناري او هوائي او مائي او غير ذلك كما لا يعقل ان يقال للشخص الواحد انه صفراوي وبلغمي في حالة واحدة الا في وقتين اولا بمعنى الغلبة وهو خلاف المفروض فاذن لا يعقل الاختلاف في الحرف الواحد بانه مائي او ناري او هوائي او ترابي كما وقع لهم كما سمعت مجملا فاعلم انه لا شك ولا ريب ان الله عز وجل لم يخلق فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة على نفسه فخلق الاشياء وركبها من الضدين بل اربعة اظهارا لكمال قدرته واثباتا لعظيم عظمته الا انه تعالى بلطيف حكمته وكمال قدرته ونفاذ كلمته ومشيته ركب تلك الاجزاء المتضادة المتعادية والف بينها بحيث لم يكسر جزء منها سورة الجزء الآخر المضاد له بل كل منها باق على كمال قوته وصرافة طبيعته واعتدال استقامته وهذا بحث قد خالفنا الحكماء والاطباء فيه واقمنا عليه براهين قطعية من العقلية والنقلية وليس هنا موضع استقصاء الكلام فيه فليطلب في ساير رسائلنا فالله سبحانه جمع الاضداد في المركب مع بقاء كل منها على كمال قوته وصرافة طبيعته من غير الاختلاط بحيث يبطل كل من اجزائه عن صرافة طبيعته الاصلية فيفعل كل مركب الافعال المختلفة المتضادة بما فيه من تلك الطبايع بلا معارضة ولا مضادة الا ترى المولود الفلسفي فانه شيء واحد في تركيب واحد يفعل افعالا متعددة مختلفة متضادة مثلا اذا القى على الفلزات المختلفة يعدلها ويجعلها ذهبا فيجفف الرطب ويرطب اليابس ويبرد الحار ويسخن البارد وينفع في المزاج الصفراوي والسوداوي والدموي والبلغمي والامراض المركبة وغيرها فلو كانت فيه طبيعة غالبة لما امكن الفعل والتصرف في كل من الطبايع الاربع وكذا الجنة واحوالها فانها تجمع الامور المتضادة والاحوال المختلفة وكل شجرة في الجنة تأتي بكل فاكهة وكل شيء فيه يأتي بكل شيء فلو كان للمركب طبيعة غالبة او كل طبيعة كسرت سورة الاخري لما امكن هذا الفعل البتة الا ترى الانسان المركب من الضدين النور والظلمة امتزجا وصار المجموع شيئا واحدا ومع ذلك كله لم يضمحل احد الجزئين في الآخر كالمركبات المتحققة المتحصلة من العقاقير الدنياوية بحيث يحصل للمجموع طبيعة اخرى غير الاجزاء ويخرج كل جزء عن صرافة طبيعته واعتدال حقيقته كما اذا ركبت الماء والطين او الخل مع العسل فلو كان الامر هكذا لزم ان لا يصدر عن الشخص طاعة محضة موجبة للجنة ولا معصية محضة موجبة للنار بل يجب ان يصدر عنه شيء لا يكون طاعة ولا معصية مع ان الامر في الواقع ليس كذلك فلو لم يمتزجا لما تحقق بالاجتماع حقيقة اخرى وشخص آخر يستحق اسم آخر والحاصل ان هذا امر واضح لمن تتبع مواقع الآيات المرئية في الآفاق والانفس وراجع الى العقل المستنير الا ان المركبات على قسمين قسم تمكن فيه الاعراض الغريبة والطبايع الفاسدة بحيث اخرجت المركب عن الاعتدال والفعل على مقتضى ذاته بالاستقلال كالمركبات الدنيوية والعقاقير الارضية والاجساد الغاسقة والاشياء التي لحقته العناصر الدنياوية مما هو تحت كرة القمر وهذه المركبات خرجت عما هي عليه من الاعتدال وظهور آثار الطبايع فيها فصار يعمل كل واحد منها بالجزء الغالب من الطبايع لا بجميعها كما هو المعروف عند اهل التجربة من الاطباء وساير العلماء والحكماء وهو الذي دعاهم الى القول بان الاعتدال ما يمكن وان ظهور آثار جميع الطبايع في المركب الواحد على صرافتها لا يعقل لما رأو في هذه المركبات من الانجماد والخروج عما هي عليه الى المرض والفساد ولذا لما خرج آدم على محمد وآله وعليه السلام من الجنة ونزل الى الارض راى وجه الارض مغبرا متغيرا خارجا عن الاعتدال فانشد :
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الارض مغبر قبيح
وقسم آخر صاف عن الكدورات والاعراض والغرايب وباق على الفطرة الاصلية والاعتدال الحقيقي غير متغير بالطبايع الفاسدة وغير منجمد على طبيعة غالبة سواء كان قد بقي على ما خلقه الله سبحانه في الخلق الاول والثاني ولم يغير خلق الله بتسويل الشيطان الرجيم وامره المخالف لامر الحكيم العليم كالجواهر العلوية والحقايق الموجودة في الجنة والافلاك والكواكب والبروج في حد ذواتها لا باعتبار تعلقها بالاجسام السفلية ولذا رتب الله سبحانه البروج في منطقة الكرسي وقارن بين البروج المائية والنارية والهوائية والترابية مع كونها اضدادا لا محالة لرفع الاعراض والغرائب الموجبة للمعارضة والمدافعة والمضادة والافساد في ذلك العالم فيفعل كل عنصر بخاصة طبيعته وبصرافة قوته من غير معاداة للعنصر المخالف له فيها لعدم المقتضى وقد قال مولانا الصادق عليه السلام ما تناكرتم الا لما بينكم من الذنوب والافلاك والكواكب والبروج ذوات حية ذات شعور وادراك مطهرة معصومة عن مخالفة الله عز وجل كلها واجزائها فتجري على ما يامرها الله سبحانه وقد سمعت الرواية الواردة في ان الله تعالى خلق ملكا نصفه ثلج ونصفه نار فلا الثلج يطفي النار ولا النار تحرق وتضمحل الثلج وذلك لعدم المناكرة والمعاندة والجري على ما اراد الله سبحانه وسمعت ايضا ان في زمان ظهور مولانا الحجة المنتظر عجل الله فرجه يرعى الذئب والغنم في مرعي واحد من غير معاداة ولا معارضة لانتفاء المقتضى لها الذي هو عدم الوقوف على الحد المقرر له من الله سبحانه وعلة ذلك مخالطة الاغيار الموجبة للاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وقسم آخر منه قد تصفى بعد الخلط وصح بعد المرض واعتدل بعد تمكن العرض الغريب اما بتدبير حكيم حاذق وطبيب صادق بما علمه الله سبحانه من كيفية العلاج والتدبير والهمه العلاج تعجيلا لاستخلاصه عن قيد الاغيار وممازجة السوي المورثة للاعراض والاكدار او يجري الاسباب العامة على مسبباتها وقران العلل الكلية على معلولاتها الى ان يصفي الجميع ويعود الكل الى ما هو عليه من التعديل البديع فالاول كالاكسير المسمى عندهم بالمولود الفلسفي المسمى بعبدالواسع وبعبدالكريم وانا قد سميته عبدالله وذلك تصفى بتدبير الحكيم بحله وتفريق العناصر بعضها عن بعض وتصفية كل عنصر على ما ينبغي من التصفية البالغة بالمعالجة الكاملة من انحاء التعفينات والتقطيرات والتشميعات والتكليسات وغيرها من اطوار المعالجات حتى صفيت العناصر عن الاعراض الغريبة والطبايع العارضة الغير الجوهرية ثم تاليفها على احسن تاليف واعدل تركيب يقتضيه الكون والوجود فتتألف الاجزاء وتتركب حتى يصير المجموع شيئا واحدا مع بقاء الاجزاء على صرافة طبيعتها وكمال قوتها فيؤثر في الحار والبارد والرطب واليابس والعالي والسافل والاحجار والاشجار والحيوان والانسان من غير الاتصال بشيء والامتزاج بجسم بل هو مستقل في هذا الاصلاح لتعديل مزاجه واجزائه فان وصفته بالحرارة واليبوسة ونسبته الى النار صدقت لانه يحلل ويفرق ويصعد ويجفف ويلطف ويرقق وان وصفته بالرطوبة والحرارة ونسبته الى الهواء صدقت لانه يحل وينضج ويربط ويجمع ويدوم ويبقى ويديم ويبقي فلا يفسده شيء ولا يفنيه شيء كلما اذيب بالنار اشتد صفاء ولطفا وكلما دفن في التراب ازداد نورا وبهاء لا تاكله الارض ولا تفسده الرطوبات الباردة لما فيه من قوة الحرارة وصفاء الرطوبة وان وصفته بالرطوبة والبرودة صدقت لاصلاحه الحار اليابس وتعديل الحرارة وترطيب اليبوسة وان وصفته باليبوسة والبرودة ونسبته الى الارض والتراب صدقت لتجفيف الرطوبة وتبريد الحرارة واصلاحه للمرض الدموي وثباته واستقراره وسكونه ووزنه وزيادة مقداره وثقله وغير ذلك وهذا معلوم عند اهل هذه الصناعة ومعروف عندهم لا ينكرونه ولا يشكون فيه ابدا فلا يحتاج مثل هذا المركب الى الجزء الغالب في التاثير بل هو ينسب الى جميع الطبايع وقد قال عليّ بن موسى الاندلسي في منظومته المسماة بشذورالذهب اشارة الى هذا المولود المكرم :
ومحمومة طبعا عدلت مزاجها الى ضدها لما علت زفراتها
بجنية انسية ملكية هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية شمالية كل الجهات جهاتها
والثاني تعديل الامزجة والطبايع يوم القيمة ودخول الجنة وهو قوله تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يشعرون وقد سمعت احوال الجنة في اخبار آل الله عليهم السلام من ان كل شجرة فيها تاتي بكل ثمرة وعلى اختلاف طبايعها ومن كل شربة ماء تجد لذة كل شراب مايع من عسل ولبن وخمر وغير ذلك ومن كل لحن تستمع جميع الالحان الموسيقية مما لم يخطر ببالهم ولا جرى على خيالهم وبكل قوة من القوى والحواس يدرك جميع الاشياء فيدرك الالوان والروايح والطعوم وغيرها بحاسة السمع وكذلك بحاسة البصر وغيرها من القوى ويدرك الاجسام الارواح من غير توسطها والعكس من غير توسطها وعلى هذا القياس ساير اطوارها واحوالها واوضاعها بذكرها تضيق الدفاتر فلا يقال ان لهذه الاشياء طبيعة غالبة فلو كانت كذلك لما جاز تاثيرها في غيرها والقول بان الله سبحانه جعل لها هذه القوة والقدرة مسلم لكنه عز وجل لا يفعل في الشيء خلاف طبيعته وخلاف مستقر حقيقته وهو سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها في الدنيا والآخرة وغيرها اذ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فاذا فهمت هذه المقدمة الشريفة النافعة التي لم تسمعها من غيرنا وهي لعمري باب ينفتح منها الف باب فاعلم ان الحروف وتركيبها وطبايعها ليست كطبايع هذه المركبات الدنياوية بل انما هي امور كانت مكنونة في اللوح المحفوظ وكانت قد نزلت من حجاب الواحدية والرحمانية الى اللوح ومن اللوح نزلت الى العرش على وجه الاجمال مطوية تفاصيلها في الالف والنقطة ومن العرش نزلت الى الكرسي فظهرت في منطقتها وحفظتها الملائكة المقربون الى ان اوصلتها الى هذه الدنيا وهي بعد محفوظة بعين الله التي لا تنام وبحفظه الذي لا يرام وقد قال عز وجل انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فانزلها الله عز وجل من حجب الغيب الى عالم الاجسام وجعلها مادة لكلامه وجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون كما قال مولانا الرضا عليه السلام في حديث عمران الصابي (ره) فاذن فالحروف باقية على ما هي عليه من الفطرة النورانية في الطبايع الاربعة غير متغيرة بالاعراض الفاسدة والطبايع الغريبة التي لساير المركبات نعم قد تعرضها الجمودة والغلبة عند التركيب في اللغات المتعارفة على الظاهر والا فعند التحقيق فالمركبات الحرفية من اللغات والاوضاع والتركيبات كلها باقية على الفطرة الاعتدالية الاولية نعم اهل الجمود لا يعرفون منها الا جهة واحدة في رتبة واحدة واما اهل الذوبان واصحاب علم احوال الكلام بالكلمات المتعارفة في المحاورات يخبرون عن امور غيبية واحوال معنوية وامور ماضية ومستقبلة وغرائب محتجبة فاذا كان كذلك فلا يحتاج في الحروف للحكم عليها بالطبايع الى الغلبة حتى لا يصح الاختلاف الذي يترتب عليه الحكم في الواقع بل الحروف على جهة العموم يصح ان تنسب الى كل طبيعة كما مثلت لك بالاكسير ففي اي موضع تقع يؤثر فيه بما يناسبه واهل العلم كل منهم تكلم بما جربه ووجده صحيحا فخصصها بتلك الطبيعة وانكر القول الآخر مثالهم مثال العميان والفيل كما فعل اهل الصناعة فانهم خصصوا المادة بامور عشرة ولم يعلموا انها في كل شيء على ما قال امير المؤمنين عليه السلام نعم هؤلاء لما لم يعرفوا الطرق الاخر انكروها كما قال عز وجل واذ لم يهتدوا لهذا فسيقولون هذا افك قديم نعم الاعتقاد الجازم الثابت الغير المتزلزل له مدخلية في ظهور هذه الطبايع وخفائها وقوتها وضعفها وقلتها وكثرتها فان الحروف انوار قدسية تظهر في القوابل ومرايا الاستعدادات على حسبها كنور الشمس المشرق على المرايا المختلفة بالالوان من الحمرة والصفرة والخضرة والبياض والاعوجاج والاستقامة فالقلوب مراياء والحروف نور الشمس المشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فالصور القلبية الثابتة الجازمة مخصصة لتلك الطبايع على وجه خاص كما تخصص الصور المواد والقوابل لنور الشمس وتمام الكلام سيجيء انشاء الله تعالى في الجواب عن السؤال الرابع وهذه زيادة التوضيح والبيان الذي وعدناك قبيل هذا فافهم فظهر لك ان كل حرف تامة جامعة للطبايع الاربعة الا ان طبيعة منها تظهر عند العمل والتصرف فتنسب الى تلك الطبيعة فاذا ظهرت الاخرى في غير تلك المادة نسبت اليها واهل الحروف لما لم يكونوا من اهل الذوبان انجمدوا على تلك الجهة الواحدة فلو انهم تصرفوا في كل جهاتها تصرفهم في الجهة الواحدة آل الاختلاف الى الايتلاف والاتفاق ورجعت العلوم كلها الى النقطة الحقيقية الواحدة التي قال امير المؤمنين عليه السلام العلم نقطة كثرها الجاهلون الا ان الله سبحانه اعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه فجعل لكل طائفة ما يناسبهم من الحروف في الطبايع والصفات واوقفهم عليها وجعل الجهة الجامعة حظ المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث والكيف واللم وعرفوا مفصولهم وموصولهم وما يؤل اليه امورهم جعلنا الله واياكم منهم بالنبي وآله الطاهرين
واما الجواب عن الرابع اي السؤال عن كيفية التأثير مع الاختلاف فقد ظهر لك مما ذكرناه تمام الجواب من ان الحروف ذوات مستقلة معتدلة في الطبايع تظهر جميعها في عالم الظهور والبروز واما الاعتقاد المنفي في السؤال الرابع بانه لا يغير الواقع فلا يخفى ضعفه عند اولي الالباب فان الله تعالى عند ظن كل امرء والله تعالى لا يكلف نفسا الا بما آتيها وهو تعالى يجيب المضطر اذا دعاه وهو سبحانه وتعالى يعطي كل احد مقدار ما يريد على حسب ما يريد كما يريد الله تعالى فلو اعطى بخلاف ميله وشهوته وارادته ومقتضى قابلية لما اعطاه اياه ولا جرى فعله على خلاف الحكمة وهو تعالى منزه عن ذلك فالله سبحانه جعل فيضه في الخزاين العليا في عليين او سجين وينزل على حسب القابلية والصورة النفسية والخيالية كما قال عز وجل وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم والقدر المعلوم تقدم القابلية وتصويرها على حسب ميولاتها وشهواتها ولذا كانت احوال الجنة تجري على محض الارادة والتصور والاعتقاد في جميع تقلباتها واختلافاتها كما هو المفصل في مباحثاتنا ورسائلنا واجوبتنا للمسائل فاذا شرب الماء في الجنة بقصد الخمر يؤثر اثرها وكذا اذا شرب الخمر باعتقاد انه ماء او عسل وغير ذلك ادي مؤداهما واثر اثرهما وكذا اذا تصور الولد في الجنة باي صورة شاء واي وضع اراد وجد على ما اراد كما اراد وقد ذكر الاطباء ان من تصور صورة حسنة او غيرها عند المجامعة تتكون النطفة على هيئتها وصورتها وقد ورد في الرواية وصحح بالتجربة ان الرؤيا على ما عبرت وذلك ان الصورة الاولى بالتعبير تمحو وتثبت الصورة الثانية الحاصلة بالتعبير اذا كان المعبر من اهل الوثوق والصورة ثابتة راسخة تستمد الفيض من المبدء الفياض على وفقها وطبقها فيقع الامر على ما عبر وقد قالوا عليهم السلام تفألوا بالخير تجدوه ولا شك ولا ريب ان الصورة اذا كانت ثابتة راسخة جازمة غير متزلزلة ولا مضطربة ولو بمحض الاحتمال والفرض بل ولو بفرض صورة اخرى معارضة تجذب الفيض والمدد من الاعلى على حسبها فان كان المدد امرا ذائبا سيالا غير مصور بصورة خاصة معينة فلا كلام لان هذه الصورة تعينها وتخصصها وترجحها كالامدادات الواردة على الشخص في باطنه وظاهره وسره وعلانيته واجزائه وجزئياته ومشاعره وحواسه وقواه وساير مراتبه في كلماته وحروفه وساير شئونه الذاتية والفعلية وان كان ذلك المطلوب امرا منجمدا مصورا بصورة شخصية فان كانت الصورة غير قارة ولا ثابتة كالحقايق المرئية في الرؤيا بالصور الخاصة وامثالها فلا شك ان هذه الصورة لرسوخها وثباتها واستقرارها تمنع تلك الصورة عن الاقتضاء والتأثير وتقتضي ظهر امكان الجهة المناسبة لها كما يقع بعد التعبير وان كانت الصورة محكمة راسخة كالماء والدهن والخمر وامثالها فيرجع الامر الى احكام الصورتين وقوة المتصور المعتقد فان كان قويا قلب صورة الماء الى صورة العسل اذا شرب باعتقاده والا فلا لضعف الصورة عن الاستمداد ولعدم كمال المقابلة لفوارة النور والقدر فقد يتفق القلب وقد لا يتفق نظرا الى قوة الشخص وضعفه ولذا ترى اناسا اقوياء يشربون السم باعتقاد انه ماء ولا يؤثر فيهم والعكس يؤثر البتة وقد سمعت الحديث الوارد في البادنجان انه دواء لكل داء اذا اكله بقصد ذلك الداء وان دهن البنفسج في الصيف بارد رطب على شيعتنا وحار يابس على اعدائنا وفي الشتاء بالعكس بل لو تأمل العاقل يجد العالم عالم الحدوث كله على هذا المجري وهذا المنوال فان الشيء انما يتم بالمادة والصورة فالاولى من الله تعالى والثانية من الشيء بالله فتجري المادة على جهة مقتضى الصورة فالاختلاف ليس من الله تعالى لان المادة التي منه تعالى واحدة في الجميع في السلسلة العرضية ولا يسعني الكلام اكثر مما ذكرنا لما في قلبي من الكسل والملل واشتغاله بالسفر بمعاناة الحل والارتحال زايدا على ما حل بنا من الفوادح العظام والى الله المشتكي ولولا ذلك لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولاريتك من غرائب الكلام ما لا تصل اليه الافهام ولا تدركه الاحلام ولكني اشرت الى جميع المطالب اعتمادا على ذلك الفهم العالي والادراك السامي فالحروف خلقها الله تعالى في ذاتها ذات طبايع اربعة مستقلة في اظهار الآثار من غير المزاحمة ولا المعارضة ولكنها حيث كانت متساوية فيها فلا بد من ترجيح طبيعة منها بظهور الاثر دون الاخري من مرجح وهو اما الاعتقاد الكامل القوي والصورة النفسية والقلبية الراسخة الثابتة الجازمة او المتعلق للفعل فتظهر على مقتضى ذلك المرجح كالفعل الالهي فانك اذا لاحظته من جهة الحيوة وتوجهت اليه سبحانه به من هذه الجهة يظهر منه اثر الحيوة وان لاحظته من جهة الهلاك والممات ونظرت الى هذا المعنى في قلبك دائما يظهر منه اثر الممات والهلاك وان تفكرت الى العلم وادمت الفكر فيه بالاتصال الى الفعل والمشية يظهر منه اثر العلم وهكذا في جميع الاحكام والمطالب يظهر فعل الله سبحانه بطلب القلب دائما والتفاته غالبا الى تلك الجهة وهذا معلوم وكذلك الحروف فانها ايضا فعل منه تعالى كما قال عليه السلام ان الله تعالى اول ما خلق الاختراع والابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلا منه يقول للشيء كن فيكون فاعتقاد كل طائفة فيها على الوجه المخصوص في الطبيعة في جميع الحالات وجميع الاوقات بحيث لا يلتفتون الى غير تلك الجهة وذلك الوجه ابدا خصصها بتلك الطبيعة واعتقاد الآخرين فيها خلاف ذلك الوجه خصصها على خلافه كنور الشمس في المراياء العديدة انظر الى التربة الشريفة الحسينية على مشرفها آلاف السلام والتحية اذا اكلها انسان بقصد الشفاء والتبرك واعتقاد احترامها فانها تكون شفاء له من كل داء وان اكلها بقصد الاهانة والاستخفاف فانها جالبة لكل مرض وسقم كما فعلت بذلك اللعين في القصة المشهورة وكذلك دمه الشريف روحي له الفداء اصاب البنت اليهودية الجزماء المرضاء العمياء الزمناء فكان لها شفاء من كل داء وكل من اصابه من بني امية وعسكر اهل العراق اورث الجذام والبرص والمرض القتال وهل هذا التفاوت العظيم الا لاجل الاعتقاد والقصد وقال عليه السلام في القرآن خذ ما شئت لما شئت وهل التخصيص بالامراض الا بالاعتقاد والقصد وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهل هما الا بالاعتقاد انظر كيف غير الاعتقاد الواقع ولقد سمعت بان المعتاد بالافيون اعطوه شمعة سوداء مقدرة بقدره فبلعها باعتقاد الافيون وراي منها تاثيره على الوجه الاقوى فلو بلعها من غير ذلك الاعتقاد لما اثرت ذلك الاثر البتة انظر كيف غير الاعتقاد الحكم الخارجي ولو نكح شخص اجنبية باعتقاد انها زوجته لم يعاقب واذا حصل ولد لم يكن بولد زنا في الواقع ويدخل الجنة الاصلية على التحقيق وان كان في آخر درجاتها بخلاف ابن الزنا وامثال ما ذكرنا كثيرة يطول بذكرها الكلام وهكذا حكم الحروف فانها وجه الله تعالى في الارض وفعله تعالى في الطول والعرض فتظهر لكل احد بمقتضي اعتقاده فيها فترطب وتيبس وتسخن وتبرد وتحبب وتبغض وتزيد وتنقص وترقق وتلطف وتصحح وتمرض وهكذا ساير التصرفات على اوضاع مختلفة واحوال متشتة وتظهر لكل احد على مقتضى اعتقاده فيها في الاطوار المختلفة والاوضاع المتبائنة والمتضادة وليس في الواقع تضاد ولا تناقض ذلك تقدير العزيز العليم
واما الجواب عن الخامس وهو السؤال عن اصل هذا الاختلاف ومنشاءه وعلته الفاعلية والمادية والصورية والغائية فاعلم ان العلة في هذا الاختلاف امور منها ما قدمنا ذكره من اختلاف الطبايع والعناصر فيها وظهور آثار تلك الطبايع جميعها فيها وتخصيصها بالاعمال عند العمل والاعتقاد على التفصيل الذي ذكرنا فنظرت كل طائفة الى ما وجدوا من آثار طبايعها فحكموا عليها بها دون غيرها والكل صواب لاجتماع كل حرف على كل الطبايع وظهور آثارها من كل واحد منها وعلة وجود هذه الطبايع والعناصر حدوث هذه الحروف وقد دلت الادلة القطعية على ان كل حادث مايحدث الا بفعل وانفعال ولا يتحققان الا برابط بينهما لان المتخالفين المتعاكسين لا يتصلان الا برابط موصل فحدثت من نفس الفعل لكونه حركة ايجادية الحرارة وحدثت من الانفعال لكونه المنتهى اليه الحركة وهو المعبر عنه عندهم بالسكون البرودة وحدثت من القبول وحفظ المنفعل اثر الفعل اليبوسة وحدثت من النسبة الارتباطية بينهما الرطوبة لانها السيلان وبها تحدث الامالة والاجتماع والرطوبة اذا نسبتها الى الفعل توصف بالحرارة واذا نسبتها الى المفعول توصف بالبرودة وحرارة الفعل حيث انها حكاية عن الاسم الذي استقر في ظله فلا يخرج منه الى غيره توصف باليبوسة ولما كانت هذه الجهات موجودة مستقلة في الحادث كانت لها آثار مستقلة ولا تظهر آثارها الا بمرجح وهو في الحروف التخصيص القصدي والترجيح الاعتقادي كالجنة واحوالها وعلة تعدد الحروف وتقطعها بثمانية وعشرين حرفا ان هذه الكيفيات الاربعة انما حصلت من وجوه ثلثة وهي الفعل والانفعال والنسبة الارتباطية والحاصل من المجموع سبعة وهي لا تتم كينونته الا بالاقرار بامور اربعة هي جهات الاسم الاعظم وهي لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّ امير المؤمنين ولي الله والائمة الاحد عشر وفاطمة الصديقة اولياء الله واوالي من والوا واعادي من عادوا واجانب من جانبوا فظهرت هذه الاربعة في كل مراتب السبعة فتحققت الثمانية والعشرون وهي كانت مطوية في النقطة في حجاب الغيب في السر المقنع بالسر في عالم الرجحان فتفصلت بالالف اللينية في العرش الاعظم وتفصلت بهذه الوجوه الثمانية والعشرين في منازل الكرسي وظهرت في هذه الدنيا على وفقها الا انها لابسة لباس اللفظ او الرقم فكانت اربعة عشر منها نورانية ابدا واخرى مثلها ظلمانية ابدا ومنها وجودها وظهورها في مقامات التفصيل في مراتبها ومقاماتها على الترتيب فظهرت لها صفات عرضية وطبايع اضافية غير ما هو مستكن في ذاتها ومستجن في حقيقتها اذ فيها جميع الطبايع ظاهرة بخلاف هذا المقام فان فيه ظهور بعض الطبايع دون بعض حسب اقتضاء المقام والمرتبة الا ترى ان الهواء حار رطب في الطبيعة الذاتية ولكنهم يقولون ان ريح الصبا بارد رطب وريح الدبور حار يابس وريح الجنوب حار رطب وريح الشمال بارد رطب ولا شك ان هذه الطبايع عرضته من جهة الجهات لا في ذاته وهو معلوم وكذلك الحروف فان لها طبايع ذاتية كما عرفت مفصلا وطبايع حصلت من جهة وقوعها في كل رتبة مثلا الالف بقسميها من اللينية والمتحركة لكونها مبدء الحروف واصلها واسطقسها ظهرت فيها آثار الوحدة والمبدئية والفعل فهي بالنسبة الى غيرها حارة يابسة لانغمارها في عالم الوحدة وخفاء حكم التثليث فيها وظهور سر هيمنة القيومية عليها فمقامها مقام الحرارة لا غير اذ آثار البرودة واحكام الانية مضمحلة جدا ولذا اتفقوا فيما اعلم على انها من الحروف النارية ولا يشكون فيه ولماعثر على قائل بخلافه ولا ناقل ولا محتمل وهذا لا شك فيه ولا ريب يعتريه نعم الالف اللينية اشد حرارة واعظم تحققا حتى صارت من حروف العلة بل هي الاصل فيها وغيرها انما لحقت بها من جهة مشابهتها اياها في السلامة عن شرك المخرج وان كان اهل الحروف فيما اعلم لم يثبتوا لها طبيعة وهو غلط منهم والالف المتحركة دونها في الحرارة والقوة لكنها بابها ووجهها لم تظهر آثارها وحرارتها الا بها واما الباء فمن جهة انها مقام تفصيل الالف وانبساطها نسبتها اليها نسبة الكرسي الى العرش فظهرت فيها الاحكام التفصيلية فصارت مبدء صور الحروف والعلة الصورية لها كانت باردة يابسة لكونها حاملة لآثار الالف ومحلا لها كما قال النبي صلى الله عليه وآله ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم رواه ابن ابي جمهور الاحسائي في المجلي ولونها السواد لانها مقام الكثرة وفيها البرودة لوجود الصورة التي هي مقام الانية والماهية وان كانت طيبة طاهرة في هذا المقام ومن جهة الصور المتكثرة المتعاورة المتناسبة اما بالمواجهة او بالمناكرة المستدعية لكثرة الروابط المستلزمة للرطوبة كانت باردة رطبة ووجه البرودة ما ذكرنا آنفا ومن جهة انها مظهر للالف وقيوميتها وهيمنتها على ساير الحروف انما تظهر فيها وهي حاملة لولايتها حاكمة من قبلها فباعتبار ان لها مقام اليدية لتكون بالنسبة اليها كالحديدة المحماة بالنار كانت حارة يابسة على طبع الالف كما ان الشمس تستمد من الكرسي لكونه يدا للعرش لا لكونه هو بخلاف القمر فلا تستمد الشمس من احكام التفصيل التي في الكرسي بل استمدادها من احكام الاجمال الذي في العرش يوصل اليها بالكرسي فكذلك الباء حرفا بحرف وباعتبار تعلق آثار الالف بالباء وارتباطها بها لافاضة نفسها وغيرها كانت حارة رطبة ولونها الصفرة اما الحرارة فقد اكتسبتها من الالف واما الرطوبة فحصلت من حكم الارتباط بالتعلق والنسبة انظر كيف تحققت الطبايع الاربعة بالوانها في الباء في مقام الاضافة دون الذات فمن نظر الى الجهة الاولى حكم عليها بانها ترابية ادنى العناصر وان كانت في الترتيب مقدما كما قلنا في البروج ومن نظر الى الجهة الثانية حكم عليها بانها مائية فيجري عليها احكام الحروف المائية ومن نظر الى الجهة الثالثة بالاعتبار الاول حكم عليها بانها نارية ومن نظر اليها بالاعتبار الثاني حكم عليها بانها هوائية وادرجها من جملتها وهكذا باقي الحروف اختلفت طبايعها واحوالها بالنظر الى جهاتها واضافاتها ونسبها واوضاعها فالجيم مثلا من جهة انها حكاية الالف في ظهور التثليث يصح ان يحكم عليها بالنارية ومن حيث انها حاصلة بميل الالف على الباء وفيها ذكرهما فمن جهة العليا يصح ان يحكم عليها بالهوائية ومن جهتها السفلى المتصلة بالباء يصح ان يحكم عليها بالترابية ومن جهة ان هيئتها هيئة القعود والجلوس فلها حالة ارتباطية يصح ان يحكم عليها بالمائية وهكذا حكم الدال فحكم على كل حرف باعتبار مقامها وجهات وقوفها وحدودها حكمها فاجرى الله سبحانه حكم تلك الجهة عليها كما تقدم فان الله عز وجل عند ظن كل امرء لا سيما في الحروف التي هي من عالم القدس ومقام الانس وبها ظهور الفعل بل هو الفعل التدويني بل التكويني ولا يسعني الكلام في هذا المقام اكثر من هذا ومن هنا ايضا جرى الاختلاف في اوضاع الحروف بل في اوضاع العالم ومنها نسبة الحروف في الطبيعة الى متعلقاتها فانا قد ذكرنا لك سابقا ان كل حرف من الحروف منسوبة الى كلية من كليات العالم العلوي والسفلي على ما هو المفصل في كتبهم والمشروح في تصانيفهم وزبرهم وانا في السفر لم يحضرني كتبهم حتى انقش لك تلك التعلقات لكنك بالتتبع في الكتب مثل فتوحات ابنعربي وشمسالمعارف للبوني وكتاب السر المنير الذي له في هذا العلم خاصية الاكسير وساير كتبهم تعثر عليها فتنسب كل حرف الى متعلقها في طبيعتها ومزاجها ومرتبتها وساير احكامها وان خالفت الجهات المذكورة بالنوع والاعتبارات المسطورة بالاشارة وهذا ايضا باب واسع نافع في ترتيب الحروف وتركيب اوضاعها واحوالها ومنها ملاحظة صفات الحروف واحوالها من الشدة والرخاوة والقلقلة والاطباق والاستعلاء والاستفلاء والمهموسة والمجهورة وحروف الحلق والوسط والشفة وساير صفاتها فيثبتون لكل حرف باعتبار كل صفة ما يناسبها من الطبيعة والمزاج والرتبة وغير ذلك فافهم ثبتك الله وايانا بالقول الثابت وهديك الله وايانا بالقول الثابت وهديك الله وايانا الصراط المستقيم واهل هذا الفن وان كانوا لا يعلمون هذه الحقايق والنكات والدقايق والعلل والاسباب اذ لو علموا لما اختلفوا ولما انكر بعضهم على بعض ولكن الانبياء عليهم السلام رتبوها على تلك الاوضاع وجعلوا تلك الطبايع على اختلاف احوالها فاختصت كل طائفة بترتيب منها وبني العمل عليه واما العلة الفاعلية في ذلك فرؤس المشية المتعلقة بتلك الجهات والحدود والمقامات فان الحادث لا بد له من تعلق الفعل به وتلك الجهات انما حصلت بالمشية اذ لا يكون شيء في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب انما قلنا رؤس المشية فان المشية نفسها لا تتعلق بالاختلاف وانما هي واحد من الواحد تتعلق على واحد وتتعلق بالجهات المختلفة بوجوهها ورؤسها كتعدد الصور الموجودة في المراياء بتعدد الالتفاتات والمقابلات اذ لولاها لما تعددت والوجه في الجميع واحد وهذه المقابلات والالتفاتات هي مرادنا برؤس المشية ووجوهها وليعلم ان هذه الرؤس والوجوه صفة لرؤس المشية ووجوهها المتعلقة بالذوات والكينونات لانها صفة لها وصفة الصفة صفة ولا بد من التطابق بين المتعلق والمتعلق وذلك معلوم واضح انشاء الله ويجوز لك ان يراد بها الناظرون الى تلك الجهات والملتفتون الى تلك الاعتبارات وقد ذكرنا لك ان اولئك هم الانبياء عليهم السلام عن الوحي الالهي فقد خصصوا كل حرف بكل طبيعة باعتبار مرجح من المرجحات التي ذكرنا والاول هو الاصل والثاني هو الاقرب الى الافهام واما العلة المادية فهي نفس تلك الجهات الموجودة والاعتبارات المستقلة الحقيقية فانها اصل لهذه الانظار والاعتبار فان لها عموم بالنسبة الى الخصوصيات او هي نفس الحروف من حيث هي هي على حقيقتها والاول هو الاولى والاقرب والثاني هو الابعد وان كان هو الاقرب الى الافهام ومدارك الاحلام واما العلة الصورية فهي في الحقيقة توجه القلب والنظر والقصد على جهة الثبات والرسوخ الى تعيين تلك الطبايع لتلك الحروف على تلك الجهة فان ذلك علة بالتخصيص واظهار الاثر الخاص في الطبيعة الخاصة لما ذكرنا من ان دوام التوجه والالتفات الى الشيء من جهة خاصة على وجه خاص جاذب لتلك محكم على ذلك الوجه الخاص وان ضعف اعتباره في ظهوره بنفسه لولا هذا الالتفات ولذا قال عليه السلام احسن الظن ولو بحجر فان الله يلقي الخير به اليه وقال عليه السلام ان الله عند ظن كل امرؤ وبعبارة اخرى تخصيص كل حرف بطبيعة خاصة او بحكم خاص بجهة خاصة هي العلة الصورية في هذا الاختلاف وهذا لتخصيص مسبب عن ما ذكرناه من القصد والاعتقاد والالتفات فافهم واما العلة الغائية في هذا الاختلاف فهي اظهار القدرة الكاملة والحكمة البالغة وسعة العلم للمؤمنين الممتحنين وبيان الاسرار المودعة في الاشياء والاشارة الى ان الاشياء معتدلة الطبايع قوية التركيب تامة التاثير يفعل كل منها بطبايع متضادة افعال متضادة من غير تعارض بين تلك الطبايع والمبادي لامتثالها لامر ربها وخضوعها عند باريها ومنشيها ومقهوريتها تحت هيمنة قيومها وقوة شعورها وادراكها وانها اذا امرت امتثلت واذا دعيت اجابت واذا طلبت سلمت وانقادت لتصفيتها عن الاعراض والغرائب وتخليصها عن الاكدار والشوائب وان الله تعالى يعطي بقدر ويمنع بقدر وان المقبل المتوجه اليه الماحي نفسه في اعتبار مطلوبه ينال مقصوده وان بعد بحسب الاسباب الظاهرية المنال وعز من جهة الامور الخارجية الوصال وهو الولي سبحانه في المبدء والمئال ولان الاختلاف لا بد منه في هذا الوقت الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه من كل جانب ومكان واجابوه من كل ناحية ومكان وصار الامر موكولا الى الرأي والاستحسان لا موقوفا بتوقيف امناء الرحمن وضعف اصحاب الحق وقل ارباب الصدق وقال عز من قائل اشارة الى هؤلاء وقليل من عبادي الشكور فلا بد من الاختلاف لتحصيل الايتلاف مع اولئك الاراذل الاجلاف لتسلم نفوسهم ولذا قالوا عليهم السلام نحن اوقعنا بينكم الخلاف وقال الرضا عليه السلام راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم وهذا الاختلاف مبدءه منذ قتل قابيل هابيل ومنتهاه الى ظهور مولانا القائم المنتظر عجل الله فرجه وعليه السلام وبعد ظهوره عليه السلام ترجع الحروف من الاختلاف الى الايتلاف ويفعل كل منها فعل كل الطبايع وينسب اليها كما هو شأن الجنة واحوالها واطوارها ومرادي برجوع اختلاف الحروف الى الايتلاف ظهور الامر هناك لكل احد فان العلم ذلك اليوم ينبسط على كل احد بحيث يستغني كل احد عن علم صاحبه كما قال عز من قائل يغن الله كلا عن سعته فيظهر لهم ان لا اختلاف ولا تناقض ولا تضاد وقد كانت هذه الطبايع تجري في الحروف ولكن اكثر الناس لا يعلمون والا فاهل الحقيقة والبصيرة من الشيعة المخلصين يظهر لهم الآن ما سيظهر للكافة ذلك اليوم قربه الله وشرفنا به بمحمد وآله الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين
واما الجواب عن السؤال السادس وهو انه على تقدير عود الاختلاف الى الامر الواحد فما السبيل في التطبيق بين عوالم الحروف والاسماء وبين عوالم المسميات اما عود الاختلاف الى الامر الواحد فقد مر الكلام فيه والواحد في الحروف النقطة ثم الالف اللينية ثم الالف المتحركة والحروف كلها ناشئة اما من صفاتها الذاتية او صفاتها الفعلية وساير شؤناتها الحقيقية والمجازية والحق عندي ان الحروف حدود ذاتية للالف اللينية وشئون حقيقية لها تتكون عنها تكون القشر من اللب وتكون الفرع من الاصل وتكون الصفات الذاتية من الموصوفات كما تكونت الشجرة من الحبة والنواة وتكون الانسان من القلب وهكذا وربما نقول ان الحروف من الشؤنات الفعلية العرضية للالف ومرادنا منها الالف المسطورة في اللوح المحفوظ وامالكتاب المشار اليه في قوله تعالى وانه في امالكتاب لدينا لعليّ حكيم والواحد في هذه الاختلافات نفس الحروف من حيث هي هي فانها موصوف لجميع هذه الصفات ومرجع لهذه الاختلافات بحسب طبايعها ومواقعها ومراتبها واطوارها واكوارها وادوارها وحركاتها وسكناتها وكل هذه دوائر تدور على كل حرف وهي مركزها وقطبها والمديرة لدوايرها ومداراتها في كل بحسبها على ما اشرنا الى نوع منها فان هذه الحروف بحسب اجابتها في عالم الذر الاول واقرارها بولاية الولي المطلق اعطاها الله سبحانه ولاية وقيومية واقتضاءات تظهر بها بما جعله الله تعالى فيها وهي مركز لها بل قطب تدور عليها واما عوالم الحروف وعوالم الاسماء والمسميات فاعلم ان عوالم الحروف كلياتها خمسة حروف معنوية وحروف فكرية وحروف عددية وحروف لفظية وحروف رقمية اما الحروف المعنوية فعلى قسمين حروف كلمة عالم الامر وحروف كلمة عالم الخلق والثاني على قسمين حروف الكلمة العليا وحروف الكلمة السفلى ومجموعها في سلسلتين الصعودية والنزولية فتلك اربعة عشر السبع المثاني والقرآن العظيم اما الحروف المعنوية فحيث ان العالم الامكاني كله كلمة صدرت عن فعله تعالى بنفسه كانت اجزاء العالم واحواله كلها حروف تلك الكلمة صدرت عن المبدء الاعلى وهي الالف الصادرة عن النقطة وكلياتها ثمانية وعشرون كما نفصل لك فيما بعد انشاء الله تعالى وهي مبادي الموجودات الكونية في قوس النزول والصعود ولما كان العالم ينقسم الى عالم الامر وعالم الخلق وعالم الامر هو عالم الوجود المطلق اي عالم المشية والاختراع والابتداع وعالم الخلق هو عالم الوجود المقيد كانت الحروف ايضا على قسمين اما حروف عالم الخلق فقد مرت الاشارة اليه واما حروف عالم الامر فهي ايضا ثمانية وعشرون لان ذلك العالم ظهر في اربعة عشر قصبة الياقوت وحجاب اللاهوت ولكل منها وجهان هما منشأ حرفين الوجه الاعلى الوجه الاسمي الوجه الثاني الاسفل الوجه الفعلي فذلك تمام الثمانية والعشرين واما الخمسة الاحرف الاخر التي تحججت فهي مراتب ميادين التوحيد ومواقع التفريد وهي خمسة مقام الباطن ومقام الباطن من حيث هو باطن ومقام الظاهر ومقام الظاهر من حيث هو ظاهر ومقام الظهور وشرح هذه الاحوال لا يسعه المجال ولا يساعده الاقبال لاشتغال القلب بمعانات الحل والارتحال ولو كان لي مجالا واسعا وقلبا متسعا لارخيت عنان القلم في هذا الميدان ولاظهرت من غرائب الاسرار ما لا يطيق لحملها جنان ولكني لفي واسع العذر عند من كان له عينان والله المستعان وعليه التكلان وقد نطلق الحروف في عالم الامر ونريد بها الجهات المتكثرة الحاصلة في المرتبة الثالثة من مراتب الفعل وهي مقام السحاب المزجي سر السر وباطن الظاهر واما حروف السلسلة الطولية فهي ما تقدم من مقام المنير والنور ونور النور ونور نور النور وهكذا الى ثماني مراتب او الى ما لا نهاية له كما تقدمت الاشارة اليه عند ذكر مراتبها واما حروف سلسلة الارضية ( العرضية ظ ) فهي حروف كل مرتبة في مقامات كثرتها ومراتب تفصيلها واما الحروف الفكرية فهي اشباح نورية وهياكل قدسية نزلت من اللوح المحفوظ الى فلك البروج ومنها الى نفس فلك عطارد ومنها الى مديره وخارج مركزه ومنه الى تدويره فحملتها الملائكة الثلاثة سيمون وشمعون وزيتون فانزلتها باعوانها من الملائكة الجزئية الى القوى الخيالية والفكرية فنقشتها فيها باقلام من النور ومداد من عالم السرور بايادي قوية ما لهن فتور وتلك الاشباح على هيئات عالمها كما في هذا العالم وظهرت مقطعات على مقتضى مرتبتها في كينونتها ثم ترتبت على اوضاع مختلفة واطوار متشتتة فصارت تصدر عنه الآثار الغريبة والافعال العجيبة والاحكام البديعة وعنه مبدء علم السيميا وما يتعلق به من انحاء الشعبدة وغيرها كما هو المعلوم عند اهل هذا الشأن واما الحروف العددية فهي قوى الحروف وارواحها واعدادها وهي اما نفس الاعداد او حروفها مثلا احمد الالف واحد وا ح د والحاء ث م ا ن ي ه والدال ا ر ب ع ه وهذه الحروف هي ارواح الحروف وقواها وذواتها وكينوناتها يرسمون حروفها في اعمالهم وتظهر منها آثار عجيبة وافعال غريبة او نفس الاعداد في انفسها كما هو مقتضى علم الاوفاق ومشاهدة علم الآفاق وهو علم واسع وعندهم ان احسن الاوفاق واشدها تاثيرا واقربها الى حصول المطلوب الوفق الطبيعي وهو على طبق الحروف المعروفة والحروف العددية اشد تاثيرا من الحروف اللفظية قطعا بل ومن الحروف الفكرية على وجه بعيد بطور سديد وكتمان اسرار علم الاوفاق مما ينبغي بل يجب لان النفوس امارة بالسوء الا ما رحم فمن وفقه الله تعالى وعلمه هذا العلم فهو في احد الجانبين من القرب المفرط او البعد المفرط ليكون من قبيل قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب عظيم واما الحروف اللفظية فهي حقايق الهية كانت تحت حجاب الواحدية فنزلت بانحاء التنزل الى الذوات والحقايق والكينونات فظهرت عنها بتاثيرها بالمقابلة الى وجه المقصود في عالم الشهود فاثرت المقابلة في محالها ومواقعها ومراتبها في قوابلها وهيئاتها واستعداداتها فتمت وتحققت وتحصلت بجزئيها اي المادة والصورة فالمادة هي جهة المقابلة والصورة هي الحدود والقابلية على هيئات الحروف الخاصة واوضاعها المعينة ولما كانت هذه الآثار من عالم الغيب لكونها من آثار عالم الغيب فلا بد من ظهورها وبروزها في عالم الشهود من محل ومظهر فحلت وتقومت بالهواء تقوم الصورة الشبحية في الزجاجة فان المرآة ليست نفس الزجاجة وانما هي حاملها ومظهرها وشارحة آثارها ومفصلة احكامها كما حققناها في ساير مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فالهواء حامل لتلك الحروف لا مادة لها كما هو المشهور عندهم والمعروف لديهم وهذه الحروف لا بد لها من تقطيع المخرج وتوسط الهواء وتاثير هذه الحروف معلوم مشهور فان اللفظ جاذب المعنى والحقيقة ولها احكام حسب تصاريفهم وترتيباتهم واوضاعهم لا يناسب ذكرها لهذا المقام وليست من موضع السؤال واما الحروف الرقمية فهي صور المنقوشة والهيئات المستورة والاشباح الخارجة المتفرقة بمادة ما من المواد التي تصلح لها وهي مرتبة بترتيبات مختلفة واوضاع متفاوتة من تقديم وتاخير وغير ذلك وما ذكره اهل الحروف من انحاء البسط والتكسير والجمع والتفريق والمزج والتمييز والتوفيق والتطبيق وساير القرانات والحالات واحكام الاسولة والاجوبة في التصاريف الجفرية وساير الاحكام من التحبيب والتفريق والتغليظ والترقيق والمعادات والتوفيق والمنافرة والتجذيب والتغمير والتبعيد والتقريب وساير تصرفاتهم والصحة والمرض والزكاء والبلادة والفهم والحمق والزيادة والنقصان والقوة والضعف والحرارة والبرودة والصفاء والكدورة والكسل والنشاط والرطوبة واليبوسة والحلاوة والحموضة والمرارة والتفاهة والاعوجاج والاستقامة والنعومة والخشونة والكثافة واللطافة والادبار والاقبال وقوة العقل وتبلبل البال وغيرها مما ذكروه من سائر تصرفاتهم في الكائنات واطوار الموجودات كل ذلك من خواص آثار الحروف الرقمية لان هذه الصور مراياء لاستجذاب الفيوضات المشرقة من صبح الازل بتقدير لم يزل وهذا لا اشكال فيه ولا ريب يعتريه واما آثار الحروف المتقدمة وتاثيراتها فلم يذكروا منها الا شيئا قليلا اذ لم يعثروا على اسرارها ولم يستخرجوا كنوزها من خبايا زواياها الا شرذمة قليلون هم ما كتموه اكثر مما ذكروا وهذه المراتب التي ذكرنا والمقامات التي سطرنا هي كليات عوالم الحروف وكل عالم مشتمل على ثلثة وثلثين حرفا ثمانية وعشرون منها ظاهرة وخمسة منها تحححت (كذا) لا يسعها التعبير ولا يقع في السطور بالتسطير كما قال مولانا الرضا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وامنائه في حديث عمران الصابي ونحن اشرنا الى شيء منها اي من الخمسة في شرح ذلك الحديث الشريف تبعا لشيخنا واستادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه وشرح تلك الحروف لا يسعه المقام فليطلب في ساير رسائلنا ثم ان هنا عالم آخر للحروف ظلماني اصلها في اسفل السافلين منقوشة في كتاب سجين كتاب الفجار وهي ثمانية وعشرون حرفا منكوسا وهي ايضا تنقسم الى فكرية وعددية ولفظية ورقمية ومعنوية على اقسامها واطوارها واكوارها وادوارها واوطارها وغيرها من احوالها واوضاعها وساير احكامها واما عوالم الاسماء ففي القسمة الاولية عالمان عالم الاسماء اللفظية وعالم الاسماء المعنوية وكلاهما على قسمين احدهما الاسماء الحسنى وثانيهما الاسماء السوءي وما سوى الاخير ينقسم الى الاسماء الالهية والاسماء الامكانية الحادثة والاسماء الالهية على قسمين احدهما الاسماء الحسنى المشهورة وهي تسعة وتسعون اسما وثانيهما باقي الاسماء الالهية وتنقسم ايضا الى قسمين اسماء عظام وغيرها اما الاسماء اللفظية فهي المؤلفة عن الحروف المتحصلة بالقرع والقلع والقمع عن الالف الاولية اللينة اما الاسماء المعنوية فهي اسماء الفاعل المشتقة عن المصدر المشتق عن الفعل فان اسم الفاعل انما يحصل من المصدر المتحقق من الفعل فان الفعل لما اظهر اثره حصل المصدر فلما حصل المصدر ظهر الفعل بالفاعل فوجد واشتق اسم الفاعل وهو حقيقة ذاتية متأصلة تدل على المبدء الفاعل دلالة اقوى من الدلالة اللفظية فذلك هو الاسم اي اسم الفاعل المعنوي الذاتي فالاسماء الالهية هي الربوبية الحادثة المودعة في حقايق الكائنات وذوات الموجودات من الذوات والصفات على ما قال عليه السلام فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وقال عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية وهي الربوبية الحادثة التي هي صفة الربوبية القديمة فافهم والاسماء الخلقية المعنوية هي وادلة الاثر من حيث هو كذلك على مؤثره بما جعله فيه من آية ذاته ومثال حقيقته التي هي صفة كينونته في ظهور افعاله وآثاره كالشعاع الذي هو دليل واسم للشمس والمرآة التي هي دليل واسم للمقابل وساير الآثار كالكتابة والكلام والقيام والقعود الدالة على مباديها ومؤثراتها وقد قال مولانا امير المؤمنين عليه السلام الاسم ما انبأ عن المسمى ه والانباء اعم من ان يكون ذاتا او صفة او لفظا او غيرها فافهم والاسماء العظام المعنوية هي ما اشار اليه الحجة المنتظر عجل الله فرجه وروحي له الفداء في دعاء شهر رجب ومقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك اعضاد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورواد فبهم ملأت سمائك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت الدعاء فكل اسم من الاسماء المعنوية المذكورة لها هيمنة واستيلاء على ما تحته من الاسماء فهو الاسم الاعظم فان كان في الظهور في عالم الجبروت اي في مبدءه فذلك هو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم والذكر الاجل الاعلى الاعلى الاعلى وان كان في الظهور في مبدء عالم الملكوت فذلك هو الاسم الاعظم الاعظم وان كان في مبدء عالم الملك فذلك هو الاسم الاعظم والذكر الاعلى فافهم ثبتك الله وفهمك والاسماء الحسنى المعنوية هي الذوات الملكوتية التي تحكي جهة من الجهات الكمالية كالظاهر بالعلم والقدرة والعظمة والجلال والكبرياء والقدس والسبحان وما اشبه ذلك من صفات الكمال وشرح تفاصيل هذه الكلمة من الامور التي نهينا عن ذكره مع ان كلياتها ومجملاتها عندهم مسلمة مقبولة وقد قال عليه السلام لا تتكلم بما تسارع العقول الى انكاره وان كان عندك اعتذاره وليس كلما تسمعه نكرا اوسعته عذرا الا انك تعرف من قوله عليه السلام لما قيل له انك متكبر لست متكبرا ولكنه ظهرت كبرياء الله فيّ فظنت اني متكبر ه نوع ما اردنا من هذا المقال فانه قد شرح الحال على احسن المنوال والله المستعان والاسماء السوءي المعنوية هي ذوات خبيثة ومركبات مسخوطات صيغت من ظلمة الانكار في مهاوي دركات السجين في كتاب الفجار وكل حقيقة تحكي رتبة ضد ما في الاسماء الحسنى على مقدار ما اودع فيه من قاعدة مخروط الظلمة من احكام الانكار التي اوجبت ظهور ذلك الاسم السوء للمسمى السيء القبيح الخبيث المنكوس وهو قوله تعالى ناكسوا رؤسهم عند ربهم فمن حاك للحرمان ومن حاك للطغيان ومن حاك للشقاق ومن حاك للنفاق ومن حاك للفقر ومن حاك للخذلان وهكذا الى ما لا نهاية له من مراتب الظلمات واحكام الانيات وهذه كلها اسماء لحقيقة واحدة خبيثة نجسة في اصل سجين في طمطام وعنها تشعبت هذه الظلمات وعنها تشيئت هذه الماهيات الخبيثات وهي التي تؤل اليها المعاصي وترجع اليها الشرور والقبايح وتلك الحقيقة الواحدة قد تشعبت الى اثنيعشر شعبة ائمة ضلالة يدعون الى النار اصلهم المنكر الاول وهو اصل الاجمال وعنده سر الاحوال ثم دونه مظهر تفصيله وشرح اجماله ومعدن اجلاله وفيه جرى تاويل قوله تعالى وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلّي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبا فكني لذلك ابو الشرور كما ان الاول كني ابو الدواهي اذا اردت ان يظهر لك بحقيقته بحيث لا يخفى عليك شيء من ذلك فتدبر في قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه وانظر في الجهة المقابلة فقل ان ذكر الشر كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأويه فالشرور كلها اسماء لذلك الشرير الخبيث الاول الملعون في كل ذرات الوجود من الغيب والشهود وهو المسمى لتلك الاسماء كلها والحقايق العرضية الظلمانية المعوجة الباطلة باسرها وكلها منه وعنه واليه ولذا قال له ابليس في الحديث المشهور عند اهله بعد ما سجد له ما سجدت الا لك ولا عبدت الا اياك ولا توجهت الا اليك وكان ابليس (لع) اعظم الاسماء السوءي لذلك المسمى الخبيث الملعون وهو مظهر الجهل الكلي والجهل اعظم من ابليس في مقام الاسمية فهو الاسم الاعظم الاعظم من الاسماء السوءي ونسبة الجهل الكلي الى الجاهل الكلي نسبة العقل الكلي الى العاقل الكلي وهو قوله عز وجل والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فافهم الكلام وعلى من يفهم السلام واما عوالم المسميات فاعلم ان المسمى باعتبار الاطلاق على قسمين احدهما ما يطلق ويراد به الموضوع له الاسم والمدلول عليه بالاسم وهو المشهور المتداول على السنة الناس من العوام والخواص وثانيهما ما يطلق ويراد به متعلق الاسماء الالهية التي هي الربوبيات في تلك المربوبات من قوله عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث ومن قوله عليه السلام على ما رواه في الغرر والدرر فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وتلك الامثال والربوبيات هي الاسماء الحسنى الالهية المعنوية ومتعلقها وحاملها ومظهر آثارها ومحل شئونات اطوارها هو المسمى بالمسمى عند اهل التحقيق ولكل منهما عوالم كثيرة اما الاول فعوالمه لا تحصى كثرة كما هو المعلوم لان كل ما خلقه الله سبحانه وذرءه وبرءه له اسم يدل عليه وهو المسمى بذلك وعوالمه كثيرة واكثر ما ورد في الاخبار مما وقفنا عليه الف الف عالم والف الف آدم الا ان الذي ظهر لي من اعداد كلياتها تسعة وعشرون الف الف وتسعمائة وتسعون الف وثمانية وثمانون عالما فعلم ان ما في الحديث بيان الكليات الاضافية لا حصرها كما ورد اقل من ذلك واما الثاني فعوالمه الكلية ثمانية وعشرون عالما كما اشرنا اليه في ما تقدم ونشير اليه فيما بعد انشاء الله تعالى ولكنك اعلم ان عالم المسمى بالمعنى الاول له عوالم اخر مخفية غير ظاهرة مستترة تحت شعاع الذات اي حقيقة المسمى كما قيل ان الذات غيبت الصفات والاشارة اليها على جهة الاجمال هي انك اذا ذكرت زيدا ودلك هذا للفظ الاسم على المسمى الذي هو العين الخارجة فبين هذه الدلالة وبين تلك العين مقامات وعوالم احدها العين الخارجي المقصود بالاسم وثانيها الشبح المنفصل من تلك العين والحقيقة المسمى بالظهور عندنا وثالثها الشبح المنفصل من الشبح المنفصل الذي في اللفظ وهو الدليل والمدلول وبعبارة اخرى هو الدليل على الدليل على الدليل على المدلول فافهم الاشارة فانها سر غامض فهمك الله وسددك واما التطبيق بين عوالم الحروف والاسماء والمسميات فانظر في هذا الجدول فانه كافل لحقيقة البيان والله المستعان

اعلم ان ما ذكرناه من سر التطبيق هو التطبيق بين عوالم الحروف لمراتبها المذكورة المتطابقة وبين عوالم الاسماء الالهية من اللفظية والمعنوية والمسميات بالمعني الثاني واما التطبيق بين عوالم الحروف والاسماء والمسميات بالمعنى الاول فقد ذكرنا في كثير من رسائلنا واجوبتنا للمسائل بل وضعنا رسالة منفردة في اثبات المناسبة بين اللفظ والمعنى والاسم والمسمى واقمنا عليه براهين قطعية من العقلية والنقلية وذكرنا ان ذلك هو المعروف من مذهب اهل العصمة والطهارة سلام الله عليهم والمعروف عند جميع من عاصرهم من جميع الفرق من اهل الملل والنهل ( النحل ظ ) بحيث لا يتناكرون ولا يختلفون وذكرنا ان الاسم على طبق المسمى وعلى هيئته وصفته بحيث لو ظهر لك بصورته لظهر على صورة المسمى بحيث لا فرق بينه وبينه الا انه اسمه وصفته واما سر هذا التطبيق ومعرفة كيفيته فلا سبيل للعقول الجزئية الى ادراكه وتفصيل مراتبه فان ذلك يستلزم معرفة جميع القرانات الحرفية والاوضاع الاسمية والفعلية واقتضاءاتها ولوازمها وشرائطها وكيفياتها ومتمماتها ومكملاتها وسائر ما لها وعنها وبها ومنها وفيها واليها ولديها وعندها بجميع التفاصيل واني لهذه العقول الغير المسددة بعمود النور وادراك تلك التفاصيل الغيبية والاوضاع الالهية ومن هذه الجهة انكروها وقالوا بعدم المناسبة جريا على ما قال عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تاويله وقوله عز وجل واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم والاشارة الى مجمل الامر ان الواضع سبحانه وتعالى مرة ينظر الى مطابقة ظاهر اللفظ مع ظاهر المسمى كالنار فان الاصل فيها الالف وهو حار يابس كمسماه واقترن بالنون التي من حروف اليبوسة والبرودة في جانب اليمين وبالراء التي هي من حروف البرودة والرطوبة ولكنهما لا يعارضان الالف لانه من حروف المرتبة والنون من حروف الثانية والراء من حروف الثالثة وهما مضمحلان عند سلطان الحرارة وقرانهما دليل عدم مفارقة هذه العناصر بعضها عن بعض والاسم والحكم للغالب المستولي ومرة ينظر الى ظاهر اللفظ والاسم فيطابقه مع باطن المعنى والمسمى كالماء فان الحروف ظاهره كلها نارية والحرف الاوسط كالنار في مقام المرتبة منها وطرفاها ناريتان كما هو الظاهر مع ان ظاهر المسمى بارد رطب سيال واللفظ حار يابس جامد فالنظر في هذا المقام الى مقام الباطن وهو الماء الذي به حيوة كل شيء وذلك الماء هو محل المشية وموضع الارادة والرسالة وطبعه طبع الفاعل واضمحلت فيه جهة القابل فغلبت جهته العليا على جهته السفلى فنال الاسم الاعلى فلما اقترن بالقوابل وامتزج بالهياكل في مقام الادبار العرضي لحقته الرطوبات العرضية والبرودات الغريبة فغاب ذلك الباطن في هذا القشر الظاهر وخفي نوره واستتر ظهوره فظهر بالبرودة والرطوبة فلولا هذا الاسم لما عرفت حقيقة المسمى فروعي الباطن لوضوح الامر في الظاهر ولذا كان لفظ البرد جميع حروفه باردة فان الراء التي هي الاصل في الثالثة من الماء والطرفان فالباء التي من جانب اليمين هي حرف المرتبة في التراب والدال التي من جانب اليسار هي حرف المرتبة في الماء فجمع هذه اللفظ البرودة الترابية والبرودة المائية وذلك هو المطلوب واما الماء فحيث كانت اللطيفة السارية التي هي علة النفوذ وبها القوة الدافعة مستجنة فيه فلو روعي ظاهره لم يظهر سر باطنه فافهم وكم من خبايا في زوايا وتعيها اذن واعية ومرة يلاحظ مرتبة المسمى ومقامه ولا يلاحظ طبيعته ومادته كما في اسمي محمد وعليّ فان الاول روعي فيه التربيع في المادة والصورة اما المادة فان حروفها كلها لها مخرج الربع فالدال ربعها واحد والميم ربعها عشرة والحاء ربعها اثنان واما الصورة فهي اربعة احرف على هيئة مرتبة من تقديم وتاخير فهي ايضا الشكل المربع بل هو اول مقام حدوثه والجمع والتاليف والاجمال والوحدة هو مقام النبوة والثاني روعي فيه جهة التثليث في المادة والصورة اما المادة فاصلها اللام ولها مخرج الثلث واما العين فان لم يكن لها ثلث فليس لها ربع ايضا كالياء واما الصورة فانه ثلاثي مبدء الشكل المثلث ومقام الفناء والاضمحلال والتفرقة والاختلاف ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ وقال عز وجل عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقال امير المؤمنين عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني وهكذا ساير الاطوار فيضع سبحانه وتعالى اللفظ للمعنى بحسب الظاهر او الباطن او المجموع المركب منهما او المرتبة او الطبيعة وغيرها من الاحوال بذكر حروف الطبايع وتقليلها وتكسيرها وزيادتها وحذفها وتقديمها وتاخيرها وبذكر الحروف المستعلية والمستفلية وحروف الاطباق والقلقلة والحروف المجهورة والمهموسة وغيرها من صفاتها وبملاحظة القرانات كالجمع بين المتماثلين والمتقاربين والمتجانسين كالجمع بين كل من المتماثلين والمتقاربين والمتجانسين وتفريقها وجعل الفاصلة من حروف الطبايع حروف المرتبة والدرجة والدقيقة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة وبذكر الحروف المتحابة والمتباغضة والمتواخية والمتعادية والمذكرة والمؤنثة والظلمانية والنورانية والعلوية والسفلية والفلكية والعنصرية والمتولدة وساير مراتبها المذكورة في كتب اهل الحروف وبملاحظة الاعداد والاوفاق والقوى الفكرية والرقمية والعددية واللفظية وغيرها مما هو معلوم عند اهلها فيؤلفها الله سبحانه وتعالى على هيئة تاليفية من نحو ما ذكرنا لك مطابقة للمعنى الموضوع له على نحو ما ذكرنا لك وهذا مجمل الاشارة واما تفصيل ما قال وشرح هذا الاجمال وذكر ما يقتضي من الامثال يحتاج الى بسط تام في الكلام فيكون مجلدا كبير الهجم مع اني لم اطلع على اكثر حقايقها ولم اعثر على اغلب دقايقها فانها من مكنونات الاسرار المستودعة عند الائمة الاطهار عليهم سلام الله ما تعاقب الليل والنهار فلم يحط بها غيرهم ولم يدركها سواهم نعم يعلمون بعض شيعتهم المتأدبين بآدابهم الناهجين منهجهم السالكين مسلكهم المقتدين بهديهم الطالبين ما عندهم بعضا من تلك الاسرار وقبسة من شعاع تلك الانوار على حسب منازلهم ودرجاتهم وقربهم منهم فبذلك تختلف مقاماتهم ودرجاتهم ولكني اشرت الى مجملها وذكرت لك نوع مفصلها ولماصرح في كثير من المواضع لعلمي بسعة فهمكم العالي ودقة نظركم السامي ولما انا عليه من اختلال البال واغتشاش الاحوال وتهجم الامراض المانعة من استقامة الحال ومع ذلك لم اترك شيئا مما تحتاج اليه في معرفة هذه المسائل فعه واكتمه الا عن اهله والله خليفتي عليك ولا حول ولا قوة الا بالله
قال سلمه الله تعالى : مسألة - ما الجمع بين ما علم بالادلة ان محمدا وآله صلوات الله عليهم هم الواسطة الى الخلق في التبليغ التكويني والتشريعي فمشيتهم مشية الله وبين قول الامام عليه السلام بحق من وصلت طاعته بطاعتك ومن جعلت معصيته كمعصيتك ومن قرنت موالاته بموالاتك فان في الظاهر ان التشبيه والاقتران انما يقعان في الشيئين المختلفين والذي حصل من الادلة وحدة ذلك لانهم سلام الله عليهم ليس لانفسهم عندهم اعتبار بوجه اصلا فلا امر لهم ولا نهي من حيث انفسهم
اقول لهذا الكلام جوابان احدهما انه قد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان التشبيه في القرآن واحاديث اهل البيت عليهم السلام عين المشبه به لكونه اعظم في المطابقة واشد في الاتحاد والنسبة ولا يتطرق فيه احتمال الخلاف وشبهة التغاير ولو محض الفرض والتجويز ولما كان لله الحجة البالغة كان فعله يجري على اكمل ما يمكن ولما كان هذا النوع اكمل اجرى كلامه عز وجل عليه فاذا تتبعت القرآن بنظر التأمل والاعتبار رأيت ما اقول لك ظاهرا كالشمس في رابعة النهار وان كان خلاف المشهور المتداول
( الى هنا وجد في النسخة الاصلية )