رسالة في جواب الشيخ علي بن قرين (المعراج-المعاد-التفويض-علم الله القديم والحادث، مقام الشيخ احمد...)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الشيخ عليّ بن قرين

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثاني عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين الى يوم الدين

اما بعد فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه كلمات امليتها جوابا للمسائل التي اتت من العالم الفاضل المسدد الكامل المؤيد بلطف الله الخفي والجلي الشيخ عليّ بن قرين مع ( كمال خ‌ل ) تبلبل البال واختلال الاحوال والدواعي المانعة عن استقامة الحال ولكن الميسور لا يترك بالمعسور والى الله ترجع الامور

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما يقول سيدنا دام ظله وسما محله في وصية من قتل في معصية عامدا لها حال مرضه صحيحة ام لا وكذا عتقه وهل تشترط فيه اذا وقع منه او من غيره صيغة خاصة ام لا فيكفي ما دل عليه افدنا افادك الله

اقول الاصح عدم صحته وصيته وعدم نفوذها في ما يوصي به ان كانت الوصية بعد احداث ما يوجب قتل نفسه من جرح وشرب سم او غير ذلك واما ما كان من الوصية قبل ذلك فلا ريب في صحتها ونفوذها لصحيحة ابي ‌ولاد وهذا الحكم مخصوص بما اذا قتل نفسه بان جرحه او شرب سما اما ما سوى ذلك مما اوجب قتله متعمدا كأن يدخل دار شخص وهو يعلم انه يقتل او يضرب رجلا وهو يعلم انه يقتله لاجله او يعصي معصية متعمدا وهو يعلم انه مقتول بها وغير ذلك فلا يجري عليه الحكم المذكور اقتصارا بما خالف الاصل على القدر المتيقن وهو مورد النص في صحيحة ابي ‌ولاد وانكر ابن ‌ادريس عدم نفوذ الوصية ونفى عنه البأس العلّامة والاصح ما ذكرنا واما عتقه فصحيح لوجود المقتضى وارتفاع المانع واما الصيغة فالمعتبر فيها لفظان التحرير والاعتاق لكونهما صريحين وقد نطقت بهما النصوص اما التحرير فلا يظهر فيه خلاف واما الاعتاق فيظهر المنع من جماعة وتردد المحقق والاقوى الوقوع للنصوص كالاخبار الناطقة بالصحة اذا قال السيد لامته اعتقتك وتزوجتك وعتقك مهرك واما الصيغة الخاصة فلا تشترط بل يكفي ما يدل عليه مما يشتق من ماده العتق والحرية

قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا دام ظله وسما محله في الناتج من المحلل فيه بعض اعضاء بني آدم كالوجه او غيره حلال هو ام حرام ؟ ارشدنا ارشدك الله

اقول المناط الصورة فان كانت النتيجة على صورة المحلل فهو حلال وان كانت على صورة محرم فهو حرام وان كان اصله حلالا والعبرة في تعيين الصورة بالعرف وكذلك لو كان بعض اجزائه يشبه ( شبيه خ‌ل ) المحرم لانه حرام ايضا

قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا دام ظله وسما محله في الصلوة في الخز والسنجاب جايزة ام لا

اقول الاصح الجواز بلا اشكال

قال سلمه الله تعالى : ( مسئلة خ‌ل ) ما اشرف العوالم وما اقدمها وما مثل كل منها وما عددها

اقول اشرف العوالم واعلاها وابهاها واسناها واقدمها التي ما تقدمها عالم ولاسبقها سابق عالم الحقيقة المحمدية وهو عالم واحد في حد ذاته واثنان بحسب صفاته نبوة وولاية وثلثة بحسب قراناته والد ووالدة ( ولادة خ‌ل ) وولد وسبعة بحسب اسمائه محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى واربعة عشر بحسب ظهوراته فهو اصل العوالم وباقي العوالم كلها مشتقة منه ومأخوذة عنه اشتقاق الشعاع من المنير وعدد تلك العوالم المنشعبة عنها الف ‌الف على ما روي عن الباقر عليه السلام واما مثل كل عالم منها اي من العوالم المنشعبة من العالم الاول الذي هو اشرف العوالم كما في السؤال اما في العالم الكبير فالعرش مثال عالم النبوة الظاهرة في محمد صلى الله عليه وآله وهي النبوة المطلقة العامة المحيطة على كل شيء والكرسي مثال عالم الولاية الظاهرة في امير المؤمنين عليّ عليه السلام والبروج الاثني ‌عشر مثال للائمة الاثني‌ عشر فالكرسي مثال للحقيقة ( الحقيقة خ‌ل ) الجامعة والبروج لخصوصية كل واحد من حدود الولاية فكما ان لرسول الله صلى الله عليه وآله معهم جهة جامعة كك لامير المؤمنين عليّ عليه السلام ولذا قلت ما قلت واما مثالها في الحقيقة الانسانية فالقلب مثال العرش والصدر مثال الكرسي والدماغ مثال البروج وقول جنابك وما مثل كل منها ان اردت مثل العوالم التي هي في العالم الذي هو اشرف العوالم واقدمها فهو كما ذكرنا لك اجمالا وان اردت مثل جميع العوالم ان اردت في العالم الاكبر فذلك غير معقول لان تلك العوالم بحقايقها واعيانها موجودة ولا تحتاج الى مثل اوضح من حقيقتها وان اردت مثال تلك العوالم في الحقيقة الانسانية فصحيح فان الله سبحانه تعالى جعل الصورة الانسانية مجمع صور العالمين والمختصر من اللوح المحفوظ وهي الكتاب الذي قال سبحانه وكل شيء احصيناه كتابا كما قال امير المؤمنين عليه السلام الصورة الانسانية هي اكبر حجة ( الله خ‌ل ) على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجمع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ الحديث فجمع سبحانه في هذه الحقيقة جميع مراتب الموجودات وعوالمها ولكن شرحها وبيانها بجميعها لا يعلمها الا الراسخون في العلم الذين اشهدهم الله خلق السموات والارض وخلق انفسهم وهم الذين امتثلوا امر الله لما قال وفي انفسكم افلا تبصرون الا ان شرحها وبيانها لا تسعه الدفاتر بل لا تحويها الضمائر وانما محلها السرائر واما شرح قليل من كثير منها يؤدي الى التطويل والاطناب وربما يكون نحو مجلد من الكتاب واما شرح بعض كلياتها الاضافية فقد ملأنا بها مصنفاتنا واجوبتنا للمسائل ليس ( بيانه الآن خ‌ل ) اقبال لذكرها ولكني اشير الى بعض منها حرصا لمزيد انتفاعكم فنقول مثال عالم المشية نقطة وجودك التي بلا كيف ولا اشارة ومثال عالم الافئدة وجودك من حيث صلاحية اقترانه بالماهية ومثال عالم العقول وجودك مع اقترانه بالمهية ومثال العرش قلبك ومثال الكرسي صدرك ومثال فلك زحل عقلك الذي في الدماغ ومثال فلك المشتري علمك ومثال ( فلك خ‌ل ) المريخ وهمك ومثال فلك الشمس الحرارة الغريزية المستجنة في تجاويف القلب ومثال فلك الزهرة خيالك ومثال فلك عطارد فكرك ومثال فلك القمر حياتك ومثال كرة النار المرة الصفراء ومثال كرة الهواء دمك ومثال الماء البلغم ومثال التراب المرة السوداء ومثال العيون الدم الجاري في العروق ومثال الاشجار الشعر النابت على الاعضاء ومثال الجبال العظام ومثال الجن القوى الغضبية ومثال الجهل والشياطين النفس الامارة بالسوء وتوابعها ومثال الملئكة النفس المطمئنة وتوابعها ومثال العين المرة الماء الذي في الاذن ومثال العين المالحة الماء الذي في العين ومثال العين الحلوة الدم ومثال ( العين خ‌ل ) التفه الريق وهكذا نوع امثال العوالم في الانسان فقد ذكرت لك نوعها فاستخرج الباقي منها

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما يقول سيدنا في باطن قوله تعالى وفديناه بذبح عظيم ما هذا الذبح الذي عظمه الله

اقول هذا الذبح العظيم هو الحسين بن عليّ عليه السلام لا كبش اسمعيل فانه مثال هذا العظيم لانه عليه السلام كبش كتيبة الوجود وله انقاد كل موجود ومشهود وفداه الله سبحانه وحمله جميع المصائب لاستنقاذ المؤمنين وتربية الوجود وحفظه عن الفناء والدثور وهو عليه السلام الذي عظمه الله على كل عظيم ولم يكن سواه من يقوم بهذا الامر الا جده وابوه واخوه سلام الله عليهم ولم تكن المصلحة في ظهور هذا الامر العظيم الذي هو الذبح على هذا الوجه الشنيع الذي هو الظهور باعلى مقامات الخضوع والخشوع واعلى مراتب الذلة والانكسار لله الواحد القهار فحمل بهذا الانكسار جميع ظهورات الجبار لانه سبحانه عند المنكسرة قلوبهم فكان عليه السلام بذلك محل العناية في الافاضة فيفاض به عليه السلام على كل موجود مبروء ومذروء مقتضى خير القضاء وخير القدر ولذا ورد ان الامة المرحومة يوم القيمة الف صف تسعمائة وتسعة وتسعون صف يدخلون الجنة بشفاعة الحسين عليه السلام والصف الواحد يستحقون الجنة بشفاعة باقي الائمة وهو عليه السلام معهم فقد نال هذه المرتبة العظيمة والمنزلة الجسيمة بهذا الذبح في سبيل ( الله خ‌ل ) بظاهره وباطنه وسره وعلانيته ولذا اختص عليه السلام بما لم يختص به غيره من جده وابيه وامه واخيه وسائر الائمة من الخصائص من تخير المسافر في الحائر واستحباب السجدة على ترابه واجابة الدعاء تحت قبته وكون الائمة من ذريته وهو عليه السلام الذبح العظيم الذي احيي العالم باحياء الحق بشهادته وامات الباطل بذبحه فكان عليه السلام بذلك هو الفجر الصادق وقال سبحانه ان قرآن الفجر كان مشهودا وهو الذي استشهد عليه السلام ولقد فصلنا هذه المسئلة باشرح بيان واكمل تفصيل في رسالتنا الموضوعة في اسرار الشهادة وشرحنا الامر كما ينبغي فيها فان اردت زيادة الاطلاع فعليك بمطالعتها

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول سيدنا بان الوجه وجه القلب فيجوز تقبيله دون غيره

اقول معنى ما ذكرنا هو ان الانسان حقيقة هو القلب وهو مقر النفس الناطقة وهو مقر الفؤاد وهو اول متعلق الجعل والجامع لوصول الحقيقة الانسانية وبالجملة هو المعبر عنه بانا ولما كان هو السر الغيبي والامر الحق ( الخفي خ‌ل ) ظهر في العالم الجسماني بالقلب الصوري الذي هو القلب ( هو اللحم خ‌ل ) الصنوبري معدن الحياة وموصلها الى جميع مراتب الاعضاء وهذا القلب حيث انه حكي ذلك القلب ظهر على شكل المخروط واستقر في الوسط وان كان لمصلحة يطول بذكرها الكلام مال الى الجانب الايسر ما دامت الدولة للظالمين الذين اخرجوا الاشياء عن مواضعها ولما كان هذا الباطن لا بد له من مظهر في الخارج الظاهر في مقام الصورة الظاهرية جعل الله سبحانه الوجه دليلا عليه وحاكيا له ومظهرا لكينونته ولما كان قلب المؤمن اثر الولاية وشعاعها ظهر الوجه على حسب حدودها وشعبها فكان اربعة‌ عشر كاسمه الدال عليه ولما كان قلب المؤمن انما خلق من فاضل طينة الائمة عليهم السلام ولم يجر فيه اللطخ كان طيبا طاهرا معصوما ولذا قلب المؤمن لا يعصي ولا يميل الى المعصية وان كان بظاهر جسده يعصي لكنه حين المعصية منكر لها وكاره لها ومبغض لها ولا يحب فعلها وان كان يفعلها وهو قوله عليه السلام في الدعاء الهي لم اعصك حين عصيتك وانا بربوبيتك جاحد ولا بامرك مستخف ولا لعقوبتك متعرض الدعاء كان الوجه الظاهري الذي هو حكاية عن القلب ودليله ظهر فيه سر ذلك النور اي نور الولاية على جهة الحكاية فتقبيل الوجه تبرك لكونه حاكيا لذلك النور ومن قول الشاعر :

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

فاذا قبل الوجه لاجل هذه الحكاية ففيه الفوز العظيم ولذا وردت عن ائمتنا سلام الله عليهم عدة روايات في استحباب تقبيل الوجه وما بين العينين والحث الاكيد على ذلك كما رواه ثقة الاسلام في الكافي وغيره في غيره واما غير الوجه من سائر الاعضاء فليس فيه حكاية عن الوجه الذي هو محل نور الولاية فلا يصح تقبيله ولا تعظيمه لانه حدود الانية وجهات الماهية ومنها تنشؤ احكام ( انحاء خ‌ل ) المعصية لا سيما اليد التي هي مظهر قدرة الشخص ومحل افعاله فاذا لم تكن اليد معصومة فلا احترام لها ولا هي بموضع للتقبيل والتبرك ولذا قال عليه السلام لا تقبل الا يد نبي او وصي نبي فاستثني عليه السلام يد المعصوم واما الغير المعصوم فلا احترام له ولا اكرام ( كرامة خ‌ل ) الا ان يكون حكاية عن المعصوم وبابا له فح يجب احترامه واكرامه من جهة المعصوم وذلك لا يكون الا الوجه ولذا جاز تقبيل الوجه والناصية والرأس دون غيرها من سائر الاعضاء وان كان الوجه افضل وفي الحكاية اكمل وانما قلنا ان الوجه دليل القلب لان سر القلب الذي هو الحقيقة انما ظهر بالوجه دون غيره ولذا لا يعرف الشخص الا بالوجه دون سائر الاعضاء مع ان جهة المخالفة في سائر الاعضاء بعضها مع بعض بالنسبة الى الغير موجودة ومخالفة الحدود ( وخ‌ل ) هي جهات التمييز والتشخيص ومع هذا كله لا يعرف الشخص ولا يميز الا بالوجه فلو رأيت جثثا متعددة بلا رؤس ما عرفتها ولا ميزت بينها ولا شخصتها لفقدان ما فيه سر حكاية القلب وهذا معنى قولنا ان الوجه وجه القلب فيجوز تقبيله دون غيره فافهم فهمك الله

قال سلمه الله تعالى : ما معنى قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فمن كفر فان الله غني عن العالمين ما معنى هذا البيت وما هذه الاستطاعة وما هذه السبيل ومن الموصوف بالكفر وما هذا الكفر ؟ اجبنا ايدك الله

اقول اما في الظاهر فالبيت هو الكعبة وهي التي فرض الله سبحانه السعي اليها عند الاستطاعة وهي التمكن من الزاد والراحلة ذهابا وايابا والنفقة لعياله الواجب النفقة والذي يعول به من غيرهم وتخلية الدرب ( السرب خ‌ل ) وعدم الخوف على نفسه وعلى عرضه وعلى ماله بما لا يتحمله عادة وعدم مانع ولو من جهة تحصيل العلم الواجب قدر الضرورة وبهذه وامثالها من نوعها تحصل الاستطاعة واما السبيل هي الطريق الموصل الى البيت قربا وبعدا سهلا وحزنا وغير ذلك واما الموصوف بالكفر فهو الذي يترك الحج مع التمكن والاستطاعة وهذا الكفر كفر طاعة لا كفر شرك وقد قال عليه السلام من استطاع الحج ولم يحج ان شاء فليمت يهوديا وان شاء فليمت نصرانيا هذا اذا اعتقد عدم مشروعية الحج اما اذا اعتقد مشروعيته وترك تهاونا فذلك فاسق فاجر لكنه ليس بكافر الا كفر طاعة كما نص عليه الامام عليه السلام وهذا الكفر لا يوجب الخلود في النار وهذه المسائل قد فصلها ودونها اصحابنا رضوان الله عليهم في كتب الفقه ونحن ايضا كتبنا رسالة مختصرة في مناسك الحج وآدابه وشرايطه واسبابه ومن اراد تفصيل مسائل الحج فليرجع اليها هذا ما يتعلق بظاهر الآية الشريفة

واما ما يتعلق بباطنها فوجوه كثيرة يضيق البيان عن احصائها ولكنا نذكر منها وجهين لتعرف بهما نوع المراد من الباطن اما الوجه الاول فاعلم ان المراد بالبيت هو بيت الحسين عليه السلام المبني في كربلاء قبل دحو الارض لان كربلاء هي اب القرى والكعبة هي ام القرى ولا ريب ان اب القرى اقدم وجودا واسبق تحققا من ام القرى ولذا ورد ان الله سبحانه خلق كربلاء قبل خلق العالم باربعة وعشرين الف سنة فاذا كان كذلك وجب ان يكون اول بيت وضع للناس هو البيت الذي في كربلاء لان الله سبحانه لا يخل بالحكمة ولا يترك الاولي فوجب ان يكون اول البيت في اول البقاع واشرفها وذلك البيت بيت الحسين عليه السلام خصه الله سبحانه به لشهادته وهو قبة حمراء من ياقوتة حمراء فيها سرير من ياقوتة حمراء صافية مشرقة يغشي نورها الابصار وحول هذه القبة تسعون‌ الف قبة من زمردة خضراء فالبيت واحد وقببه كثيرة واسعة ولو اردنا ( ان خ‌ل ) نذكر سعة كل قبة وما يترتب عليه من جوامع المحاسن لضاقت الدفاتر وكلت البصائر فكتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور وهذا البيت هو الذي ببكة وبكة هي كربلاء محل البكاء والخضوع والخشوع والذلة والمسكنة لله سبحانه وتعالى وهو المبارك الذي عم بركتها كل الوجود اذا حل فيه الحسين عليه السلام اي يظهر ذلك والا فهو حالّ فيه دائما وبركات العالم كلها انما تبرز وتظهر وتنتشر في الوجود من هذا البيت لانه على موضع القطب الدائر عليه الكون الجسماني من العرش والكرسي والسموات السبع والارضين السبع وما يظهر من استدارتها من المتولدات فكانت من تلك القطعة اي موضع قبر الحسين عليه السلام من ارض كربلاء جميع البركات الواصلة الى جميع الذرات الجسمانية فلاجل ذلك وصف الله ذلك البيت بالبركة بقوله مباركا ومن ذلك البيت نشرت الهداية في العالم اما في هذا الكون الظلماني فبقتل الحسين عليه السلام في هذه الارض وظهور الآيات البينات من بكاء السموات دما وكسوف الشمس يوم العاشر وخسوف القمر في الليلة الحادية‌عشر وهما عند المنجمين محال وقد اقاموا على محاليتهما براهين عقلية لقد نقضت براهينهم تلك الآيات الجليلة وسينقضها ايضا الليلة الطويلة عند ظهور مولانا عجل الله فرجه وسهل مخرجه وروحي له الفداء وعليه وعلى آبائه السلام فكان ذلك ( ذاك خ‌ل ) البيت المشرف هدي للعالمين وفيها آيات بينات من نحو ما ذكرناه وفيها مقام ابراهيم الاول حين قال صلى الله عليه وآله حسين مني وانا من حسين وسيأتي زيادة بيان لذلك فاذا عرفت ما ذكرناه علمت ان الذي دخل هذا البيت كان آمنا من جميع المكاره الحقيقية من الدنيوية والاخروية واما ما يصيب المؤمن من المكاره في ارض كربلاء فذلك حقيقة لارتفاع درجة وانحطاط سيئة والا فكل من مات ودفن في ارض كربلاء وكان مؤمنا موحدا مواليا امن من جميع الضراء وقد ورد عن صادق اهل البيت عليهم السلام انه سئل عن الناقة هل تدخل الجنة قال عليه السلام ناقة صالح وكل ناقة تموت في ارض كربلاء وسئل عن الحمار يدخل الجنة قال عليه السلام حمار بلعم بن باعوراء وكل حمار يموت في ارض كربلاء وسئل عليه السلام عن الكلب هل يدخل الجنة قال عليه السلام كلب اصحاب الكهف وكل كلب مات في ارض كربلاء وهذه الرواية رويتها عن شيخي واستادي اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه مرفوعا عن الصادق عليه السلام واذا ( فاذا خ‌ل ) كانت هذه الارض امانا لهذه الحيوانات وامثالها من البهائم فما ظنك بالانسان الموحد الموالي فذلك البيت امان اذن لكل من دخل فيه واما الاستطاعة للوصول الى هذا البيت فعلى قسمين لان هذا البيت له مقامان مقام وجود وتحقق ومقام ظهور وبروز ففي المقام الاول هو الآن موجود في ( ارض خ‌ل ) كربلاء ولكن لا تراه الابصار وقد خفي عن الانظار كالملائكة الموجودين والجن والجنة والنار وغيرها من الامور الموجودة المخفية عن ابصار النار ففي ( وفي خ‌ل ) هذا المقام المراد بالاستطاعة هو ما ذكرنا من الاستطاعة للوصول الى الكعبة المشرفة من الزاد والراحلة ( وغيرهما مما ذكرنا هناك وكذلك في هذا المقام من حصول الزاد والراحلة خ‌ل ) والنفقة الموصلة الى الارض المقدسة الحسينية على مشرفها آلاف الثناء من رب البرية فاذا وصل اليها نال اقصى المنى لدخول ذلك البيت المعظم والمشهد المكرم ولذا ورد ان زيارة الحسين عليه السلام تعدل عشرين حجة وعمرة وفي رواية تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله وفي رواية ( له خ‌ل ) بكل خطوة الف الف حجة والف الف عمرة والف الف غزوة مع نبي مرسل او امام عادل وعتق الف الف رقبة من اولاد اسمعيل ذبيح الله والمراد بالسبيل الطريق الموصل الى تلك الارض الطيبة المباركة التي حل فيها ذلك البيت المكرم المعظم الذي هو اول بيت وضع للناس واما الاستطاعة على المقام الثاني اي مقام ظهور ذلك البيت وبروزه فلا يكون ذلك الا في الرجعة رجعة الحسين عليه السلام واصحابه فهي المعرفة النورانية والبلوغ الى مقام الثبات والطمأنينة في العلم والعمل والتمسك بالركن الرابع الذي به تمام بيت المعرفة وتصديق قوله تعالى ولئن قتلتم في سبيل الله او متم اي معرفة ان سبيل الله هو عليّ والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل عليّ عليه السلام فاذا حصلت له معرفة هذا النوع من المطالب والعقايد فقد استطاع سبيلا الى دخول ذلك البيت عيانا ظاهرا مع الحسين عليه السلام في الرجعة اي يرجع حتى يدخل ذلك البيت كما وردت به الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله العزيز الجبار وما ذكرناه هو مجمل وجه واحد من وجهي الباطن الذي وعدناك ببيانهما

واما الوجه الثاني فاعلم ان البيت في هذه الآية الشريفة هو امير المؤمنين عليه السلام لانه اول بيت من البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه وتلك البيوت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله على قرائة المبني للمجهول في يسبح والوقف على الآصال وهم عليهم السلام بيوت النبوة وبيوت المعرفة وبيوت المجد والشرف وبيوت السودد اول تلك البيوت هو الذي وضع حمله في بكة وهي موضع البيت من مكة ولا ريب ان الذي وضع حمله في مكة ليس الا امير المؤمنين عليه السلام فهو اذن اول بيت وضع حمله في مكة لاجل الناس لهداياتهم وارشادهم وايصال ما لهم ومنهم واليهم وفيهم وعندهم وبهم وعليهم كلها اليهم عن فوارة القدر بامر مستقر وبذاك كان امير المؤمنين عليه السلام لانه يمير يعني يكيل يعني يقدر لهم عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وآله ما يقتضي كينونات الناس وهو عليه السلام هدى للعالمين فيه آيات بينات وهم الائمة عليهم السلام لانهم الآيات المرئية في الآفاق وفي انفس الخلايق كما نص عليه مولينا الصادق عليه السلام وفيه مقام ابراهيم الاول لان امير المؤمنين ( عليه السلام خ‌ل ) مقام ظهور رسول الله صلى الله عليه وآله وبه ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله للخلق كما ظهر العرش بالكرسي فافهم ضرب المثل ولا ريب ان من دخل هذا البيت يعني دخل في ولايته مؤمنا خالصا مطمئنا فهو آمن من كل لأواء وبأساء وضراء وهو معلوم ظاهر وما تجد من ابتلاء شيعته ورعيته باذية الظالمين فذلك شيء مأخوذ عليهم العهد والميثاق في العالم الاول بان يصبروا ويصابروا ويرابطوا فهذه الشدة عليهم احلي من العسل فالذي يتذكر ذلك العهد فلا يجد بأسا ولا الما والذي نسي العهد فسيذكر ويكون كما قال امير المؤمنين عليه السلام :

عند الصباح يحمد القوم السري وتنجلي عنهم غيابات الكري

فح تكون الاستطاعة يراد بها العقل والادراك والشعور والاختيار والمعرفة بالوجوه السبعة في الاطوار الاربعة اما الوجوه السبعة فالتوحيد اولا ثم المعاني ثانيا ثم الابواب ثالثا ثم الامام رابعا ثم الاركان خامسا ثم النقباء سادسا ثم النجباء سابعا اما الاطوار الاربعة التسليم والتصديق والايمان والمعرفة وفي كل وجه من تلك الوجوه السبعة يراعي كل هذه الاربعة وقد قال عليه السلام انكم لن تؤمنوا حتى تعرفوا ولن تعرفوا حتى تصدقوا ولن تصدقوا حتى تسلموا ابوابا اربعة لا يصلح اولها الا بآخرها ضل اصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا فاذا تحققت المعرفة على الوجه المسطور حصلت الاستطاعة للسير في سبيل الولاية فالاستطاعة هي ما ذكرناه والسبيل هي القرى الظاهرة للسير الى القرى المباركة والقرى الظاهرة هم العلماء الربانيون والعرفاء الألاهيون والابواب للباب الاعظم الذي هو باب مدينة العلم صلى الله عليه وآله وسلم فافهم راشدا واشرب صافيا فح فالمراد بالكفر هو الكفر الحقيقي فان من لم يؤمن بالولي لم يؤمن بالنبي ومن لم يؤمن بالنبي لم يؤمن بالله ومن لم يؤمن بالله هو الكافر المخلد في مهاوي جهنم نستجير بالله منها وقد روى اخطب خوارزم عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال ليلة اسري به الى المعراج اوحى الله اليه وقال يا محمد لو ان عبدا عبدني صام نهاره وقام ليله حتى يصير كالشن البالي ثم يأتيني من غير ولاية ابن عمك عليّ ابن ابي طالب عليه السلام اكببته على منخره في نار جهنم فلهذه الآية ( الشريفة خ‌ل ) وجوه كثيرة تركناها خوفا للتطويل وصونا من اصحاب القال والقيل

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما يقول سيدنا ادامه الله في كيفية نصب الشاخص وطريق معرفة الزوال في سائر الاوقات والبلدان ارشدنا ارشدك الله

اقول اما نصب الشاخص احسن الطرق واسهلها الدائرة الهندية وطريقها ان تعدل سطحا متساويا النسبة من جميع الجهات بحيث لو صب ماء في وسطه يقف في كل جهاته ولا ينحدر الى جهة فاذا تعدل السطح كما ذكرنا ترسم عليه دائرة وتنصب على مركز الدائرة شاخصا والاحسن ان يكون دقيق الرأس على شكل المخروط وان يكون ارتفاعه مقدار ربع القطر وان كان يجوز اكثر فاذا نصب الشاخص في وسط يجعل في الشمس فينظر في الظل فاذا دخل في الدائرة يعلم الدائرة عند اول دخول الظل فيها بعلامة ثم لا يزال ينظر الى ان يخرج الظل من الدائرة فيعلم موضع خروج ظله منها بعلامة ثم يوصل بين العلامتين بخط وهو خط المشرق والمغرب والاحسن ان يكون تحصيل هذا الخط عند اول نقطتي الاعتدال اي اول كون الشمس في اول برج الحمل او في اول برج الميزان ويكون خط المشرق والمغرب مارا على مركز الدائرة ثم ينصف هذه الدائرة نصفين ويرسم في الوسط خطا من محيط الدائرة الى محيطها فتجعل الدائرة بهذين الخطين ارباعا وهذا الخط الثاني هو دائرة نصف النهار فالظل من اول طلوع الشمس طويل ثم لا يزال ينقص الى ان يدخل في الدائرة فلا يزال ينقص حتى يصل الى خط نصف النهار فاذا تجاوز الظل عن ذلك الخط الى جهة المشرق فقد زالت الشمس يقينا بالضرورة وهذا طريق تحصيل الزوال بمعرفة خط نصف النهار فاذا اردت تحصيل سمت القبلة فانظر الى انحراف قبلة البلد الذي انت فيه عن نقطة الجنوب التي هي محاذية لخط نصف النهار كم ( من خ‌ل ) درجة فتقف على محاذات نقطة الجنوب ثم انحرف عن موضع سجودك الى جانب المغرب اذا كان الانحراف غربيا و( او خ‌ل ) الى الشرق ان كان شرقيا فانحرف لكل درجة اصبعا من موضع سجودك فما ينتهي اليه هو القبلة مثلا انحراف قبلة ارض ( اهل خ‌ل ) الكوفة ومشهد الحسين عليه السلام عن نقطة الجنوب اثنتي ‌عشر درجة فاذا حاذيت نقطة الجنوب عند الزوال او غيره اذا علمت موضعها وانحرفت عن موضع سجودك الى جهة الغرب شبرا واحدا وهو عبارة عن اثني‌ عشر اصبعا فذاك سمت القبلة واذا اردت معرفة نقطة الجنوب بالليل فاجعل الجدي بين كتفيك ثم انحرف عن نقطة الجنوب بمقدار درجة انحراف تلك البلدة عن نقطة الجنوب فما ينتهي بك هو القبلة يقينا وهذه القاعدة لا تتخلف اصلا بشرط ان تعرف مقدار انحراف البلاد عن نقطة الجنوب او الشمال واما استعلام الزوال فلا يتوقف على معرفة درجات الانحراف وهذا الذي ذكرنا لك قاعدة كلية لا تتخلف انشاء الله في جميع الاوقات وجميع البلدان

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ما الثلاث المسائل التي وقع ( منها خ‌ل ) الخلاف بين الشيخ رحمه الله واهل العراق وما دليل كل على دعواه وما مذهب جنابكم الشريف ايضا كذلك اسعدك الله

اقول ليس في البين خلاف في الواقع وانما نسبوا الى جنابه الشريف بعض المسائل كذبا وافتراءا وزورا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فبعضهم كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم وقوله تعالى يعرفونه كما يعرفون ابنائهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون والآخرون كما قال عز وجل واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم

وتلك المسائل التي نسبوا اليه اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه منها مسئلة المعراج زعموا بل موهوا على الناس انه اعلى الله مقامه يذهب الى ان المعراج ليس بهذا الجسم الدنيوي بل هو اما روحاني ( او جسماني خ‌ل ) بجسم شفاف آخر غير هذا الجسم الذي كان عليه صلى الله عليه وآله مع الناس وهذه الشبهة انما دخلت عليهم من عبارة ما عرفوا قرائة لفظها بل قرؤها غلطا وفرعوا عليه باطلا والفرع والاصل كلاهما باطلان وقولهم سواد في سواد في سواد سبحانك هذا بهتان عظيم بل الذي سمعنا منه مشافهة وملأ به كتبه ومصنفاته ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما عرج بهذا الجسم الدنيوي الذي كان مع الناس بل بثيابه ولباسه ونعله صعد الى السماء ( السموات خ‌ل ) وخرق الحجب والسرادقات ووصل الى العرش وصعد الى مقام قاب قوسين فمن انكر عروجه صلى الله عليه وآله الى العرش من غير هذا البدن وهذا الجسم فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين ولعنة الله على الكاذبين والمفترين وهذا مذهب شيخي واستادي ومذهبي به القى الله يوم القيمة من انه صلى الله عليه وآله عرج بجسمه الدنيوي وبثيابه التي كانت عليه الى السموات السبع والكرسي والحجب والسرادقات الى ان بلغ منتهى العرش وهذا مذهب الفرقة المحقة ولكن الجماعة ارادوا ايقاع الفتنة وقد اركسوا فيها

ومنها مسئلة المعاد زعموها انه اعلى الله مقامه لا يذهب اليها كما موهوا على الناس في المعراج وقالوا انه اشاد الله شأنه واعلى برهانه يذهب الى ان المعاد ليس بهذا البدن العنصري وان الجسد العنصري يذهب ولا يعود فقالوا انه يقول ان المعاد بجسم آخر غير الجسم الموجود في الدنيا الا وقد كذبوا وافتروا وقالوا زورا وبهتانا بل المعاد عنده اعلى الله مقامه بهذا ( هذا خ‌ل ) الجسم المحسوس الملموس المرئي لكنه تتفاوت الصور كتفاوت الصور في هذه الدنيا واعترائها على الجسم وهو على ما هو عليه كصورة الرضاع والفطام والصبا والمراهقة والبلوغ والتمام والكمال والشباب والشيب والصحة والمرض وغيرها من الصور وكذلك الصورة الدنياوية قد لا ترجع في الآخرة ألا ترى ان لقمان كان عبدا اسود أتظن انه يحشر يوم القيمة اسود الوجه والبدن وابو بصير ليث المرادي البختري كان اعمى أتظن انه يحشر اعمى و( او خ‌ل ) الكفار الذين هم في هذه الدنيا ظهروا على الصور الحسنة أتظن انهم يحشرون عليها والله سبحانه وتعالى يقول ونحشره يوم القيمة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا الآية وتغير الصور في الآخرة مما لا يستريبه عاقل الا ان يخرج من العقل ويدخل في سلك المجانين وهذه الصورة هي المسماة عنده اعلى الله مقامه بالجسد التعليمي العنصري كما انها هي المسماة عند الحكماء المشائين والمتكلفين المتكلمين بالجسم التعليمي وحيث انهم لم ‌يفهموا المراد اراد القوم من اهل العراق على سابق طريقتهم مع امير المؤمنين عليه السلام التمويه على الناس و ( في خ‌ل ) العداوة مع هذا العالم الرباني لما وسوس في قلوبهم الخناس قالوا انه اعلى الله مقامه ينكر المعاد الجسماني حاشا ثم حاشا بل هو الذي انكر على المنكرين لهذا المعاد وابطل شبههم واثبت المعاد الجسماني بالبدن الجسماني الدنيوي بالبراهين القطعية من العقلية والنقلية مع اعتراف الحكماء بالعجز عن البرهان العقلي على المعاد الجسماني واكتفائهم بما نطقت الشريعة من اثباتها ومن الذين نص عليه ابن ‌سينا في عدة من كتبه افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون ونسبة انكار المعاد الجسماني اليه كنسبة قبح الصورة الى يوسف الصديق عليه السلام ونسبة الحماقة الى اياس والفهاهة الى قس بن ساعدة وهل يرضى بذلك ذو روية او يركن اليه ذو بصيرة وطوية والى الله المشتكى

ومنها نسبة الفاعلية والخالقية والرازقية والاحياء والاماتة وسائر الافعال الالهية الى امير المؤمنين عليه السلام او الى احد الائمة على جهة الاستقلال او على جهة التفويض ويزعمون ان مولانا الشيخ اعلى الله مقامه يذهب الى ذلك حاشا ثم حاشا ثم حاشا بل التفويض باطل فاسد عند جميع الامامية حتى في افعال العباد الاختيارية فما ظنك بافعال الله اذا نسب الى غير الله وشيخنا اعلى الله مقامه نص على بطلان التفويض في الامكان في عدة من كتبه وبرهن بالبراهين القطعية ان الامكان محال ان يفوض اليه شيء كيف لا وقد قال سبحانه خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله ليس لك من الامر شيء فما ظنك بغيره صلى الله عليه وآله اذ لا افخر ولا انور ولا اعظم ولا اكرم ولا ابهى ولا اسنى منه صلى الله عليه وآله من كافة الموجودات و ( او خ‌ل ) الكائنات من الامكان والاكوان فاذا انتفى التفويض بتصريح منه اعلى الله مقامه فكيف يذهب الى ما ينفيه بالتصريح والتلويح بل علومه مبنية عليه بل الائمة عليهم السلام عنده اعلى الله مقامه كما هو في الواقع عند الله عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون الى ان قال ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وذكر الشيخ قدس نفسه الزكية ان المراد من قوله تعالى فمن يقل منهم اني اله من دونه يعني من يقل منهم اني انا ملاحظا لوجدان نفسه فالذي هذا اعتقاده كيف يصرف الى ما ذكر مراده تبا وسحقا للقوم الظالمين الا لعنة الله على الكاذبين بل اعتقاده اعلى الله مقامه في ائمتنا عليهم السلام وهو الذي نعتقده نحن ان الله سبحانه حيث جعل العالم عالم الاسباب وابى ان يجري الاشياء الا باسبابها جعل محمدا وآله صلى الله عليه وآله ( عليهم خ‌ل ) هم السبب الاعظم والصراط الاقوم على ما في زيارة آل يس لمولانا الحجة عليه السلام ومن تقديره منايح العطاء بكم انفاذه محتوما مقرونا فما شيء منا الا وانتم له السبب الزيارة وكل الاشياء في كل اطوارها هم سبب وجودها وعلة تحققها وبهم ظهرت افعال الربوبية وقد قال ابن ابي ‌الحديد المعتزلي :

تقيلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك انك مربوب

ايا علة الدنيا ومن بدو خلقها له وسيتلو العود للبدو تعقيب

فمن قال ان الامور الالهية قد فوضت اليهم فهم يفعلون بامر الله كما يفعل العبد بامر سيده ويفعل الوكيل بامر موكله او قال انهم شركاء لله في هذه الافعال وغيرها او قال انهم المستقلون دون الله فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين ولعنة الملائكة والانس والجن اجمعين ومن انكر كونهم اسبابا للوجود وان الخيرات كلها خلقت من شعاع نورهم والحق والخير منحصران لهم ( فيهم خ‌ل ) والكفار والاشرار انما خلقوا من عكوسات اظلتهم والخير والشر منسوبان اليهم الا ان الخير من موافقتهم والشر من مخالفتهم وفي الزيارة السلام على نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار ولا شك ان من آمن بهم سعد وكان من اهل الحق ومن انكرهم شقي وكان من اهل الباطل وهم قسيم الجنة والنار فافهم وانهم مبدء الوجود وانهم اول خلق الله ولولاهم ما خلق الله فمن انكر هذه الامور فلا حظ له في الايمان ولا هو من هذه الفرقة المحقة التي تدور عليهم الاكوان والاعيان ان افتريته فعليّ اجرامي وانا بريء مما تجرمون

ومنها مسئلة العلم يزعمون ان مولينا اعلى الله مقامه يذهب الى ان علم الله منه قديم ومنه حادث وان الله سبحانه يتجدد عنده ما لم يكن عنده سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين بل اعتقاده كما هو اعتقادنا ان الله سبحانه يعلم الاشياء كلها كليها وجزئيها ذاتيها وعرضيها وعاليها وسافلها مجردها وماديها وكل شيء من الامكان والاكوان والاعيان والاكوار والادوار والاطوار والاوطار كلها قبل وجودها وبعد وجودها وحين وجودها بلا تنقل ولا تجدد ولا انتظار ولا تغيير حال سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا نعم يطلق العلم في الكتاب والسنة على غير الله وغير علمه الذاتي كما عقد الكليني (ره) بابا في الكافي ان لله علمين علم علمه انبيائه ورسله وملائكته وعلم استأثره في علم الغيب عنده فنقول العلم الذي علمه الله انبيائه ورسله هل هو علمه الذاتي او غيره فان قلت انه علمه الذاتي والعلم الذاتي عين الذات عند كافة الامامية فيكون الله تعالى قد علّم ذاته الانبياء ولا ريب انه كفر صريح واذا كان ذاته علمه الانبياء فالعلم الذي استأثره ( الله خ‌ل ) في علم الغيب ما هو هل هو ذاته او غير ذاته ؟ فان كان ذاته لزم التكثر في ذاته والتفرق حيث علم بعض ذاته واخفى بعضا آخر وهو كما ترى وان كان غير ذاته فهل هو قديم او حادث ؟ فان كان قديما كان الله متعددا وان كان حادثا فذلك الذي كنا نبغي فان العلم له اطلاقان مرة يطلق ويراد به العلم الذاتي ومرة اخرى يطلق ويراد به كون من الاكوان الحادثة فنسبة هذا الحادث الى الله كنسبة الروح الى الله في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي والبيت الى الله كما في قوله وطهرا بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ونسبة الاسف الى الله كما في قوله تعالى فلما آسفونا انتقمنا منهم وكذلك القول فيما ورد ان الائمة خزان علم الله وانهم عيبة علم الله وهكذا غير ذلك من الاطلاقات التي يطول الكلام بها

وهذه المسائل الاربع هي التي نسبوها الى ذلك العالم العلم الرباني والفريد الوحيد الذي ليس له ثاني باب الامام وحجة الخصام وركن الانام مولانا اعلى الله مقامه كذبا وافتراء وزورا وبهتانا حتى ان بعضهم قد الجأه العناد وابتغاء الفساد لا اناله الله رحمته قد كتب كتابا قد جمع فيه جميع المذاهب الباطله من مذاهب الزنادقة ومذاهب الملاحدة ومذاهب الصوفية وكل مذهب باطل وقول فاسد ونسبها كلها الى ذلك الشيخ العلام والبدر التمام ونور الله في الظلام والحجة من حجة الله على كافة الانام كل ذلك مكرا وخديعة ليصرفوا وجوه الناس اليهم ولا غرو ان فعلوا ذلك لقد نسبوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله السحر والجنون والتعلم من الفارسي ونسبوا الى امير المؤمنين والائمة عليهم السلام ما نسبوه وبها اسسوا لعن امير المؤمنين على المنابر ثمانين سنة وكان اهل الشام يقاتلونه لانه لا يصلي ولا يصوم ولا يغتسل من الجنابة وثلثوا بهذا العالم الرباني والنور الشعشعاني والولي الصمداني ورابع الاركان والمعلم للبيان والشارح لاسرار القرآن وله بذلك فخرا لقد تأسي نبيه صلى الله عليه وآله فيما جرى عليه وعليهم لكم في رسول الله اسوة حسنة وهذا ليس بنقص بل هو فخر وشرف وقد قال المتنبي ونعم ما قال :

واذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل

ولقد شرحت هذه المطالب وفصلت هذه المقاصد وقطعت حجة كل جاحد وابطلت عذر كل معاند في رسالتي المسماة بكشف الحق واليقين في دفع شبه المعاندين فيما ينسب اي الشيخ الاعظم الاجل الاحمد بن زين ‌الدين واقمت فيه البراهين ولكن القوم كما قال مولينا الحجة عليه السلام لا لامر الله يعقلون ولا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر ويحسبون انهم يحسنون صنعا ولبئسما يصنعون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون فاطلب رسالة كشف الحق فان فيها ( ما خ‌ل ) يشفي العليل ويروي الغليل وانا ( اذا خ‌ل ) وفقنا الله لا تمام ما سئلنا من مسائل فيها الرد على اليهود والنصارى وعلى العامة العمياء وعلى كل مخالف للحق والدين واثبات ما نحن عليه من الحق الواضح المبين وابطال مخالفينا باوضح البراهين ووسمتها ( سميتها خ‌ل ) بالحجة البالغة وفيها ( ففيها خ‌ل ) منتهى الامر ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور

قال سلمه الله تعالى : ما معنى قول العالم الفاضل عليّ بن سينا في الابيات المنسوبة اليه في وصف الروح وهي :

هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزّز وتمنع

محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع

وصلت على كره اليك وربما كرهت فراقك وهي ذات تفجع

انفت وما انست ولما واصلت الفت مجاورة الخراب البلقع

واظنها نسيت عهودا بالحمى ومنازلا بفراقها لم تقنع

حتى اذا اتصلت بهاء هبوطها عن ميم مركزها بذات الاجرع

علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم والطلول الخضع

تبكي متى ذكرت عهودا بالحمى بمدامع تهمي ولما تقلع

وتظل ساجعة على الدمن التي درست بتكرار الرياح الاربع

اذ عاقها الشرك الكثيف وصدها قفص عن الاوج الفسيح المرتع

حتى اذا قرب المسير الى الحمى ودنى الرحيل الى الفضاء الاوسع

وغدت مفارقة لكل مخلف عنها حليف الترب غير مشيع

سجعت وقد كشف الغطاء فابصرت ما ليس يدرك بالعيون الهجع

وغدت تغرد فوق ذروة شاهق والعلم يرفع كل من لم يرفع

فلأي شيء اهبطت من شامخ عال الى قعر الحضيض الاوضع

ان كان اهبطها الاله لحكمة طويت عن الفطن اللبيب الاروع

وهبوطها ان كان ضربة لازب لتكون سامعة لما لم تسمع

وتعود عالمة بكل خفية في العالمين وخرقها لم يرقع

وهي التي قطع الزمان طريقها حتى لقد غربت بغير المطلع

فكأنما ( فكأنها خ‌ل ) برق تألق بالحمى ثم انطوى فكأنه لم يلمع

ويوجد في بعض النسخ بعده :

انعم برد جواب ما انا فاحص عنه فنار العلم ذات تشعشع

اقول لو اردنا ان نشرح هذه الابيات كما ينبغي مما ارانا الله سبحانه وعلمنا من علمه في اطوار عالم الملكوت التي هي مأوى الارواح وهي طيور قدس في مأويى الانس مستقرة على دوحات سدرة المنتهى ومغردة على افنانها ومن اطوار عالم الملك بمراتبها واحوالها ومن طيران تلك الاطيار عن تلك الدوحات ( الدرجات خ‌ل ) وهبوطها الى اوكارها في صفحات عالم الملك وما بين تلك الاطيار وتلك الاوكار من الاطوار من قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا لضاقت الدفاتر وكلت الابصار والبصائر ويطول بذكرها الكلام بل ربما يؤدي الى ذكر ما لا ينبغي بحسب اقتضاء المقام وترك الشرح والبيان ايضا لا ينبغي لما اخذ على المؤمن الانسان من الجواب عن كل سؤال بما يعرف مما يسطر واما السائل فلا تنهر فاختصرت غاية الاختصار ولوحت الى بعض ما فيها من الاسرار لان ذلك هو الميسور ولا يسقط بالمعسور والى الله ترجع الامور

فنقول اراد ابن سينا شرح اتصال الارواح بالاجسام وكيفية ارتباطها اي ارتباط ذلك المجرد النوراني اللطيف بهذا البدن الظلماني الكثيف والسر في هذا التنزل والهبوط والمكث في هذا المنزل الضيق ثم خلعها لهذا البدن ورجوعها الى ذلك المنزل الفسيح الذي هو الوطن وقال :

هبطت اليك من المحل الارفع ورقاء ذات تعزز وتمنع

ولما كانت الروح من عالم التجرد وهو اشرف من عالم الماديات فوجب ان يكون خلقتها قبل الاجسام لبطلان الطفرة واليه الاشارة بقوله عليه السلام خلق الله الارواح قبل الاجسام بالفي سنة او اربعة ‌آلاف او سبعة‌آلاف ولما كانت مخلوقة في العالم الاول من الخزاين العليا من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فالخزائن الاولى عليا والتي بعدها سفلى ولذا عبر عن تعلق الروح المخلوقة في العالم الاعلى بالبدن المخلوق في العالم الاسفل بالهبوط وقال « هبطت اليك » والمخاطب الجسم « من المحل الارفع » اي عالم التجرد وعالم القدس وعالم الاحاطة وعالم السعة « ورقاء ذات تعزز وتمنع » عبر عن الروح بالورقاء لانها طير عالم القدس ومقرها افنان شجرة طوبى وانما عبر عنها بالطير لخفتها بعدم تعلق روابط الماديات الكثيفة المعبر عنها بثاء الثقيل كما سيأتي وميلها الى الارتفاع الى العالم الاعلى واما انها ذات تعزز وتمنع فمعلوم مما ذكرناه من كونها من ذلك العالم عالم التجريد والتفريد

ثم اشار الى صفتها وكينونتها بالنسبة الى اهل العالم الاسفل بقوله :

محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع

يعني ان الروح محجوبة مستورة عن عيون الواقفين في عالم الاجسام مقام النقش والارتسام ضرورة ان بين الادراك والمدرك لا بد من المناسبة والمجانسة بل الاتحاد في الصقع وهو قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فاذا كان الامر كذلك فاين عالم الارواح المجردة القادسة المطهرة من شوائب اطوار الماديات من عالم الاجسام المكدرة الغاسقة المظلمة محل المواد وموضع خفاء الاستعداد فاني للواقفين في هذا العالم الكثيف ومشاهدة ذلك النور المجرد اللطيف واين الثريا من يد المتناول وهذا بالنسبة الى مقلة كل عارف ما دام وقوفه في هذا العالم الجسماني فما ظنك بغير العارف ثم اراد ان يبين ان هذا الاحتجاب ليس لامر خارج من ستر قد تجللت به واحتجبت عن عيون الناظرين لا بل مقامها لعلوها وارتفاعها يقتضي ذلك فقال « وهي التي سفرت ولم تتبرقع » يعني انها مسفورة ظاهرة غير مبرقعة ولا محتجبة ومع ذلك لا تدركها الابصار ولا تشاهدها الانظار

ثم اراد ان يبين نسبتها مع البدن لانها متغيرة الاحوال فقال :

وصلت على كره اليك وربما كرهت فراقك وهي ذات تفجع

اما كراهتها لاقتضاء مقامها وعالمها وعدم المجانسة والمناسبة مع العالم الكثيف الجسماني فمن هذه الجهة تكره الاتصال به ولما الف الله بينهما برابط مناسب للعالمين المسمي بعالم المثال وعالم البرزخ والجسم المثالي فتألفت واتصلت وارتبطت بالبدن كمال الارتباط حتى تكره مفارقتها وتفارق البدن وهي كارهة غير راضية لشدة العلاقة

ثم اكد هذا المعنى بقوله :

انفت وما انست ولما واصلت الفت مجاورة الخراب البلقع

يعني انفت وماانست في مبدء الاتصال لعدم المناسبة فلما واصلت بتوسط البدن المثالي واستقرت واستقلت وارتبطت كمال الارتباط استأنست والفت مجاورة الجسم لانه مركبها ومحلها وموضع آثارها ومقر افعالها واما قوله الخراب البلقع فالمراد به الفساد الحاصل في هذا البدن من جهة خلط الاعراض والغرائب الخارجة المانعة عن ائتلاف الاركان والاعضاء والنسبة المقتضية للتأليف كالبنيان المحكم اذا حصل فيه الخلل والفُرَجُ وامور توجب هدمه وخرابه والا فاذا خلص البدن عما ( مما خ‌ل ) يوجب فساده وخرابه فهو باق ابد الآبدين دهر الدهرين كما هو شأن ( الابدان خ‌ل ) الاخروية والاجسام التي في الجنة وهي عمران ومعمورة وانما نسب الخراب اليه لاجل تلك الغرائب والاعراض والا فالامر اعظم

ثم اشار الى اشتغالها بالبدن واحواله بعد الاتصال به والوصول اليه فقال :

واظنها نسيت عهودا بالحمي ومنازلا بفراقها لم تقنع

يعني ان الروح بعد اتصالها بالبدن وارتباطها به واشتغالها باصلاح البدن ودفع العوارض والغرائب عنه لتمكن ( لتتمكن خ‌ل ) من الظهور فيه واظهار آثارها به وهذا الاشتغال والتوجه الى العالم الاسفل انساها عالمها وهي الحمى المحمية بنور القدس عن تطرق علايق الماديات فنسيت تلك المعالم والعهود التي اخذت عليها فيها ( منها خ‌ل ) والمنازل التي سفرت اليها وهي محل انسها وموضع نشاطها وحبورها اما العهود المنسية باجمعها او ببعضها وهي شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وعليّ امير المؤمنين واولاده الطيبون الطاهرون وفاطمة الصديقة اولياء الله وانهم خيرة الله ولم يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق ولا يطمع في ادراكهم طامع وان الله بهم افتتح الوجود واليهم يرجع ويعود كل موجود ومفقود وانهم باب الله وحجاب الله وانهم الواقفون على فوارة القدر بامر مستقر وهم المعنيون من قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وهم العطاء وهم المدد وهم باب المدد وهم سر المدد وهم روح المدد وهم حقيقة المدد وهم مبدء المدد ومنهم بدء المدد واليهم يعود المدد وهم سر الوجود وحجاب الغيب والشهود وبهم بدئت الاشياء واليهم تعود وان الخلق انما خلقوا لاجلهم ووجدوا لاظهار امرهم وكونوا لحفظ سرهم والخلق لهم واليهم وان الانبياء دعاة هداة رشدهم ( وشهدهم خ‌ل ) والملائكة حملة اقلام فضلهم وحقايق الموجودات كُتُبٌ لشرح مناقبهم وفضائلهم ان الشرايع كلها شرايعهم وان محمدا صلى الله عليه وآله نبي وآدم بين الماء والطين وهم الاولياء وآدم بين الماء والطين وان الانبياء مقدمة ظهور امرهم وحكمهم وبالجملة هذه وامثالها من العهود التي اخذت على الارواح في العالم الاول فلما نزلت الى هذا البدن الضيق المظلم المنتن نسيت تلك العهود وغابت عن تلك المشاهدة والشهود فهي لها مراتب على حسب نسيانها وذكرها حتى ان آدم عليه السلام ابو البشر قال سبحانه في حقه ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم‌ نجد له عزما وقال عليه السلام على ما في الكافي ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلوة والسلام فنسي ولم‌ نجد له عزما واولوا العزم هم الباقون على العهد الاول اما سمعت الله سبحانه يقول واذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن والكلمات هم سلام الله عليهم ومعنى اتمامها الالتفات اليهم والانقطاع اليهم والاعتماد عليهم والتوجه الى الله بهم وذكرهم وعدم نسيانهم وبالجملة قد نسيت الارواح تلك العهود ولم يبق لها ذاكر الا اولوا العزم من الانبياء عليهم السلام واما ما سواهم فلهم مراتب في نسيان تلك العهود لا يسعنا الآن بيانها ولا شرحها وتبيانها

واما المنازل التي بفراقها لم‌ تقنع فاحدها منزل عالم الارواح واول ظهور الاشباح ومقر سدرة المنتهى ومبدء الجنة المأوى وهو اعلى المنازل واشرف المراحل وثانيها منزل الملكوت الاعلى ومأوى القدس واول الانس جبال الزمرد واصل المدد وثالثها منزل الملكوت الاوسط بيت الشرف واصل الجنة التي لها غرف مبنية من فوقها غرف ورابعها منزل الملكوت الاسفل مقام الاتصال بالعالم الاسفل الذي هو العالم الاول وخامسها مقام الطبيعة ومبدء نشر ( نشو خ‌ل ) الاجسام بسر الحقيقة الياقوتة الحمراء التي غلظها غلظ السموات السبع والارضين السبع بل العرش والكرسي وسادسها منزل عالم المواد ومواقع الاستعداد وهو البحر المواج والتيار الرجراج الحاصل من ذوبان الياقوتة الحمراء وسابعها منزل عالم المثال اول مقام الظهور والاتصال صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد وثامنها منزل عالم الاجسام من وراء جبل قاف الى حد جبل الاعراف مقام الاضافة والمضاف وهذه المنازل هي التي ماكانت الروح تقنع بفراقها لانها مهابط اشعتها ومواقع نجومها ومحال ظهور افعالها وتشعب علومها وتكثر رسومها ولكنها لما ابتليت بالاعراض والغرائب وخفيت الغرائز اشغلتها تلك الجهات والكثرات وتصادم العناصر المختلفة الطبايع بروابط الانيات والهتها الكثرات الى ان نسيت تلك المنازل الانيسات واستبدلت بالبراري الموحشات الهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم وهذه مجمل المنازل والعهود

ثم اراد ابن سينا ذكر علة النسيان وجهة الطغيان وعلة الذل والهوان والموت على هيئة الحيوان وقال :

حتى اذا اتصلت بهاء هبوطها عن ميم مركزها بذات الاجرع

علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم والطلول الخضع

يعني بهاء الهبوط اصل الهبوط وسره وكذا ميم المركز وثاء الثقيل وانما كان كذلك لان سر الاسم في الوسط كالقلب في وسط الانسان اذ ما ترى من تفاوت في خلق الرحمن وسر القلب في الوجه على ما ذكرنا لك سابقا والوجه في الالفاظ والكلمات الحرف الاول فالحرف الاول من الكلمة اشارة الى وجه سرها ووجه مبدئها وحقيقتها فلما اراد الشاعر الاشارة الى حقيقة هذه الاشياء عبر عن حقيقة الثقل بالثاء والهبوط بالهاء والمركز بالميم يعني ان الروح لما هبطت كمال الهبوط حتى اذا اتصلت باصل المركز وهو مركز الارض مقام تحقق الاختلاف وارتفاع الائتلاف موضع التناقض والتضاد ومحل الخلط بين نقطة النور ونقطة الظلمة التي هي اصل الفساد علقت بها وتعلقت ثقل العلائق والجهات وروابط الانيات والماهيات وظهور الكثرات والاضافات فانستها تلك المعالم والمنازل والدرجات فالهبوط الى المركز بعلاقة العلايق والجهات بقيت هابطة ونسيت وامتنعت عن الصعود الى معالي الدرجات فاصبحت بين المعالم والطلول من الاطوار والفروع ( اطوار الفروع خ‌ل ) والاصول ناسية جهات علومها ومقامات رسومها هائمة في تلك البراري والفلوات ممتنعة عن الصعود الى تلك النشأة التي فيها نور بارئ السموات وهي في حال خراب حليفة الحزن والاكتئاب قرينة الذلة والمسكنة في التراب

فلما كان لم يعدم ذكر تلك المقامات بالمرة بل ربما تذكر تلك المعالم والمنازل لكنها مقيدة بقيود العلايق ولا يسعها الصعود لمشاهدة تلك الحقايق تتأسف :

تبكي متى ذكرت عهودا بالحمي بمدامع تهمي ولماتقلع

اي تنفعل بالالتفات الى تلك العالم والمعاهد واستشعار تلك العهود التي اخذت منها وانها قد ضيعتها او انها لا سبيل لها اليها فهي في هم وحزن وعدم اقبال الى ما يرد ( يراد خ‌ل ) منها فلا هي متوجهة الى عالمها ومقبلة عليه وعليها وسائرة الى معالمها ومعاهدها ومعرضة عن البدن الذي هو القفص المقيد لها ولا هي متوجهة الى هذا البدن كمال التوجه ومدبرة له بالتدبير الذي يراد منها فالبدن لاجل ذلك دائما عليل والقلب لعدم تمحض الالتفات اليه كليل فقد كثر الفساد في العالمين وبقيت هنا ( هي خ‌ل ) متحيرة في البين كطاير مقصوص الجناح فحقيق لها ان تكثر من البكاء والعويل واما في الجنة فلما لم تمنعها ثاء الثقيل وميم المركز ( هي خ‌ل ) تبقي في سرور وحبور وتظهر آثارها كما ينبغي في عالم ( عالمي خ‌ل ) الغيب والشهود ( الشهادة خ‌ل ) من العلوم والاسرار وحسن الصورة في البدن وجودة التركيب وتناسب الاعضاء وتقارب الاجزاء وصفاء الاعتدال وعدم تمكن الاعراض والغرائب

ثم اكد المعنى المذكور في هذا البيت بعبارة اخري لافادة مطلب آخر فقال :

وتظل ساجعة على الدمن التي درست بتكرار الرياح الاربع

يعني ان الروح تقف مغردة على تذكر آثار المنازل والدور التي منها اصلها واليها ايابها وعندها نشرها ( نشوها خ‌ل ) وفيها انسها فلما نزل منها الى عالم العناصر وعالم الكون والفساد اندرست تلك المنازل والدمن وهي جمع دمنة آثار المنازل والديار والاهل وسبب اندراسها تكرار الرياح الاربع وهي العناصر الاربعة فريح الدبور مظهر النار وريح الجنوب مظهر الهواء وريح الصبا مظهر الماء وريح الشمال مظهر التراب والعناصر الاولية المعتدلة التي بها يحصل المزاج هي الغريزية وبها قوام البدن وهو محل الروح المناسب له المشتاق اليها اشتياق العاشق الى معشوقه فلا يزال معها ولا يفارقها وذلك هو الذي في الجنة ولذا اهل الجنة واهل النار لا يموتون ابدا لعدم الفضول والغرائب الحاجبة للروح عن مشاهدة منازلها الداعية الى الاعراض عنها وتحقق الموت وان الدار الآخرة لهي الحيوان فاذا تكررت هذه العناصر وزادت عن التقدير والوزن الاول تحققت الغرائب وجاء الفساد وبقيت الروح تشتغل بدفع الاعراض والغرائب واصلاح المزاج وطرد الفاسد وابقاء الصحيح وعدم تمكنها من عودها الى الاعتدال عن عالمها ومعالمه وعن عهودها ومعاهده فترى عالمها مندرسة حين اشتغالها بهذا العالم الجسماني والعلة في اندراسها بحسب نظرها تكرار الرياح الاربع لا تركب ( ترك خ‌ل ) البدن منها فالاندراس في نظرها والا فعالمها في الواقع معمور

ثم ذكر علة بكائها وحزنها وعدم رجوعها الى عالمها زيادة على ما سبق فقال ونعم ما قال :

اذ عاقها الشَّرَك الكثيف فصدها ( وصدها خ‌ل ) قفص عن الاوج الفسيح المرتع

يعني علة ابتلائها انه قد عاقها وحبسها الشَّرَك بفتح الراء المهملة وهو حبل الاتصال بثاء الثقيل وميم المركز وكثافته بتكرار الرياح الاربع اذ وجودها لاجل المزاج مما لا بد منه واما تكرارها وزيادتها وطول الاقتران والاشتغال بها فهو الذي صار سببا لكثافة شرك التعلق فكان قفصا مانعا وصادا عن الطيران الى الاوج الفسيح المرتع وهو عالمها الذي خلق قبل وجود هذا العالم الذي صيغ فيه هذا البدن وهو فسيح لان نسبته الى هذا العالم نسبة المجرد الى المادي ولا يمكن ان يقاس فسحة ذلك العالم ولا يقال ان النسبة هي نسبة هذا العالم اي العرش الاعظم الى ذلك العالم الفسيح نسبة بطن الام اي الرحم الى العرش الاعظم الاعلي بل الامر اعظم واعظم واعظم وذلك العالم الفسيح هو مرتع طيور الارواح والاشباح

ثم لما ذكر ابتلائها واحتباسها واضطرابها وبكائها ووقوعها في مكان ضيق حرج اراد ان يذكر ان هذا الفراق لا يدوم ولا بد من الوصل والرجوع الى عالمها ومقام انسها فقال :

حتى اذا قرب المسير الى الحمى ودنا الرحيل الى الفضاء الاوسع

وغدت مفارقة لكل مخلف عنها حليف الترب غير مشيع

وهذا السير لا بد ان يكون سيرا بحسب المرتبة والتوجه لا بحسب الوجود والكون بمعىي انها تنزع حلية البدن وتفارقه كيف ولو كان الامر كما هو الظاهر من البيت يلزم ان يفارق الروح الجسم بالكلية فاذا جاز ذلك وقتا ما بعد تلبسها به لجاز دائما لان الكمال لا يرد الى النقصان في القوس الصعودي بخلاف القوس النزولي فيلزم من ذلك عدم احكام فعل الحكيم وعدم تمام الفائدة في النزول لان الدليل الدال على تنزل الحقيقة من عالمها الى عالم العقول ومنها الى عالم الارواح ومنها الى عالم النفوس التي هي المعبر عنها بالارواح في هذه الابيات هو بعينه الدليل الدال على تنزل النفوس التي هي الارواح الى عالم الاشباح والى عالم الاجسام حرفا بحرف وقد ذكرناه في اجوبة مسائل الشاهزاده محمد رضا ميرزا في المعاد وربما يتخيل متخيل ان الموت عبارة عن ذلك وهو كلام شعري فان بالموت لا تفارق الروح عن البدن بالكلية بل هي في بدن عالم المثال وهو برزخ بين العالمين وجامع بين النشأتين فهي غير مفارقة للبدن ومتمكنة من مشاهدة احوال العالم الجسماني بالوجه الاسفل من البدن المثالي فاين المفارقة واما ما بين النفختين فليس هناك حس ولا محسوس ولا ادراك ولا مدرك ولا عقل ولا معقول بل هناك يضمحل التركيب بكل الوجوه فلا يبقى فهم ولا علم ولا عقل وادراك لكل شيء الا لوجه الله الواحد القهار وذلك ينافي قوله في البيت الآتي « سجعت وقد كشف الغطاء » كما يأتي اذ بين النفختين لا تبقى هذه الحالة في البين فالمراد من قرب المسير الى الحمى السفر من العالم الاسفل عالم الاعراض بكشف الحجب والاستار في السفر من الخلق الى الحق بحكم موتوا قبل ان تموتوا فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم فتسافر بقدم التوجه والاخلاص والاعراض عن العوالم السفلية الى ان تصل الى عالمها بتوجهها اليه وعدم الالتفات الى مقتضي العالم الجسماني حتى تصعد عن مراتب عالم الاجسام فتري عالمها مكشوفة الحجاب كما كانت تراه قبل نزولها وتذكر العهود وتشاهد المعاهد ولذا قال « حتى اذا قرب المسير الى الحمى » يعني قرب الاتصال بالملأ الاعلى مع كونها مقترنة بالنشأة الاخرى من قوله عليه السلام في وصف العرفاء الكاملين الى ان قال عليه السلام ابدانهم مع الناس وقلوبهم معلقة بالرفيق الاعلى وقرب المسير اول وصوله الى عالم الاجسام من جهة المسافرة لا بقصد البقاء والمنزل ليصدق عليها قوله تعالى أفلم‌تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال ولا ريب ان لا احد من الخلق يتوهم عدم الزوال فضلا عن ان يقسم ويحلف على ذلك فيكون المراد قصر النظر الى هذا العالم وعدم التوجه الى عالم القدس والنشأة الآخرة فاذا تجاورت الروح في مسيرها عالم الاعراض ووصلت الى عالم الاجسام وتجاوزت من سافلها واتصلت باعاليها من المبادي الجسمانية كالكرسي والعرش والجزيرة الخضراء وعالم جابلقا وجابلصا وجبل قاف وما ورائه فاذا بلغت في سيرها بالتوجه والالتفات الى هذا المقام فقد قرب المسير الى الحمى اذ ليس الا الاعراض عن هذا العالم والصعود الى عالم المثال فحيث كان ذلك العالم مثال عالمها فيحصل الصعود والعروج عنه الى عالمها باسرع مقام وهو معنى قوله « ودنى الرحيل الى الفضاء الاوسع » ويمكن ان يكون اشارة الى الموت الظاهر كما هو ظاهر كلامه في قوله « وغدت مفارقة لكل مخلف عنها » وهو البدن الجسماني وهو الذي يتخلف عنها بدليل قوله « حليف الترب » وليس حليف الترب الا البدن المخلوق من التراب وهو الذي الى التراب ولا يشيع الروح فيبقى في القبر ولا يذهب معها فيبقى معذبا او منعما بفتح باب من الجنة الى القبر او من النار اليه ولكن يجب تأويل هذه المقدمة الى ما ذكرناه من ان بهذه المفارقة يذهب ما حصل بتكرار الرياح الاربع ويبقى الجسم الحامل والامر الواصل وذلك لا يحجب بل يساعد ويكون حكمها حكم المفارق لعدم تأثير في ذلك ولذا ( ترى خ‌ل ) اهل الجنة اجسامهم يفعل فعل الارواح وارواحهم يفعل فعل الاجسام لعدم المزاحمة لقوة المناسبة

ثم اراد الشاعر ان يبين ما يظهر بعد المفارقة من آثارها فقال :

سجعت وقد كشف الغطاء فابصرت ما ليس يدرك بالعيون الهجع

وغدت تغرد فوق ذروة شاهق والعلم يرفع كل من لم يرفع

يعني انها اذ فارت ( اذا فارقت خ‌ل ) ما لحقها من احكام النزول من الشرك الكثيف والقفص الضيق الحاصلين من تعلق ثاء الثقيل وميم المركز بتكرار الرياح الاربع فاذا انكسر القفص وانقطع الشرك وطارت الى الفضاء الاوسع واستقرت الى دوحة من دوحات ( درجة من درجات خ‌ل ) سدرة المنتهى سجعت اي رددت صوتها وغنت طربا وشوقا وسرورا للوصول الى وطنها والبلوغ الى مأمنها والاتصال بمسكنها وموطنها مع مشاهدة المراتب والمقامات الحاصلة من تعلقها بالعوالم السفلية والمراتب المتنزلة فادركت من تلك المقامات والمراتب ما ليس يدرك بالعيون الهجع لقوله عليه السلام الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا فما دام في هذه الدنيا مشغولة بمطالبها واحوالها محجوبة عن تلك المعالم والمعاهد كما هو شأن النائم فلما نزعت هذه الحليات ( الجلباب خ‌ل ) ودخلت الباب استيقظت وادركت ما لم تدركه ما دام في هذه الدنيا ثم قال « وغدت تغرد فوق ذروة شاهق » الشاهق عالم الملكوت وهو شاهق عال محيط مطلع على جميع مراتب ما تحته فهو الشاهق العالي وله مراتب عليا وسفلى ووسطى فقطعت مراتب عالمها الى ان وصلت الى ذروتها من الملكوت الاعلي فاستقرت وبقيت تظهر اصواتها على الهيئة الموسيقية التي ظهرت مباديها من النفوس المتعلقة بالافلاك وتلك النفوس التي هي الارواح انما تنزلت من النفس الكلية التي هي الروح الاعظم فهيئات اصواتها ظهرت في النفوس الجزئية وآثارها ظهرت في الافلاك عند حركاتها باعتبار ملاحظة نسبها من السبب الثقيل والخفيف والوتد المجموع والمفروق والفاصلة الكبرى والصغرى فاذا كان اصل هذه النغمات والاصوات من بعض ظهورات تلك الذروة فعندها اولى فبقيت الروح بعد صعودها الى تلك الذروة من ذلك الشاهق تغرد بتلك الالحان بلا مزاحم ولا ممانع ثم ذكر علة كونها على الذروة دون سائر مراتبها فقال « والعلم يرفع كل من لم يرفع » يعني انها اكتسبت بحسب نزولها الى المراتب وصعودها الى مرتبتها علما غريزا فمن جهة العلم ترقت وبلغت الى الذروة العليا لان العلم يرفع كل حقير ويعز كل ذليل ويغني كل فقير ويسد كل حاجة ثم خطر ببال الشاعر سؤال بعد ما ذكر صعودها بعد نزولها وانها نزعت وفارقت كلما لبسته من احكام هذه النشأة ثم رجعت الى مقامها من غير تلك العلايق من ثاء الثقيل وميم المركز والهيئات الحاصلة من تكرار الرياح الاربع والاحوال الثابتة والعلوم اللاحقة لها من تلك الامور وكلها تابعة لها او عينها على قول بعض المحققين من العلماء الالهيين فاذا فارقتها وصعدت عن مراتبها لا يبقي شيء من تلك المراتب عندها فتفقد ادراكها كما انك اذا غمضت عينك لم تبصر وسددت اذنك لم تسمع لان المبصرات والمسموعات ليست عند القلب الغيبي فلا يدرك شيئا منها فاذا كان كذلك والروح في عالمها ومقامها ولا شيء من الامور التي هبطت الروح اليها في مقامها والا لما صح هبوطها اذ لا يعقل الهبوط في رتبة واحدة وعلى هذا البيان لم تبق فائدة لهذا الهبوط والنزول على الوجه الذي ذكرنا وفصلنا اذا كانت تفارقها والحكيم سبحانه لا يفعل عبثا سبحانه

والى هذا الايراد اشار بقوله :

فلأي شيء اهبطت من شامخ عال الى قعر الحضيض الاوضع

وما الثمرة في نزولها اذا كانت تفارق ما نزلت وهبطت اليه والعلم عين المعلوم او تابعا وواقعا على المعلوم فاذا فقد المعلوم فقد العلم فان كان المراد بالعلم الصورة الحاصلة فتلك الصورة كانت حاصلة لها قبل هبوطها ونزولها لان تلك الصور تنطبع فيها من كتاب الابرار وكتاب الفجار وهما في عالمها ومقامها فلا تحتاج الى الهبوط ومقاساة تلك الشدايد والامور الهائلة التي اصابتها اذا لم تعقب فائدة وثمرة

ثم اشار الى تفصيل ما ذكرنا في اتمام ايراده واعتراضه بقوله :

ان كان اهبطها الاله لحكمة طويت على الفطن اللبيب الاروع

ثم اشار الى وجه الحكمة لتتميم الايراد وقال :

وهبوطها ان كان ضربة لازب لتكون سامعة لما لم تسمع

وتعود عالمة بكل خفية في العالمين فخرقها لم يرقع

يعني ان هبوط الروح ونزولها ان كان قسما وصنفا وامرا لازما لا يمكن التخلف عنه وعلة لزوم الهبوط ونزولها ان تكون سامعة لما لم تسمع وعالمة بما لم تعلم من مخفيات الاسرار المنوطة بالعوالم السفلية وتعود عالمة بكل خفية من ( في خ‌ل ) العالمين اي في عالم الغيب والشهادة لان العلم لا يحصل الا بمشاهدة المعلوم وهو لا يكون الا بما يناسبه لقول امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظائرها فهبطت لتحصيل تلك العلوم في العالمين اي في النشأتين ثم اراد دفع هذا الكلام وابطال هذا المقام ( البيان خ‌ل ) بقوله « فخرقها لم يرقع » يعني ان كان حصول العلوم بمشاهدة ( ومشاهدة خ‌ل ) الآيات الالهية في عجايب خلق السموات والارض والاركان والمتولدات وساير اركان الموجودات والمتولدات وساير اطوار الوجودات الجسمانية والمثالية والعرضية هو علة الهبوط وهذه ( فهذه خ‌ل ) العلة وان كانت غرضا صحيحا وعلة حقيقية ولكن يشترط ان لا تفارق الروح هذه الاحوال والاطوار ولم تزل معها حتى تتم لها علومها ومشاهدتها ومشاهدة الآيات في الحجب والسرادقات فح تحصل الغاية وتتم الفايدة وهي لعمري من اعظم الغايات واهم ( اتم خ‌ل ) الفوايد ولكن تلك المراتب والاحوال والاطوار لم تبق معها وانما تزايلها وتفارقها فاذا فارقتها ووصلت الروح الى عالمها فلم‌ يبق معها شيء منها فصارت كالاول اي كالحالة الاولى من غير تفاوت ولم يؤثر فيها الا اذي السفر فان كان التصور المحض فقد كان حاصلة ( حاصلا خ‌ل ) له ذلك قبل ما تهبط وتتنزل فعلى هذا فخرقها لا يرقع ( لم يرقع خ‌ل ) اي العلم والمعرفة اللتان لاجلهما هبطت حتى يرقع بهما خرق الجهل والنقصان لم يحصل فاذا صعدت بقيت الاجسام في اماكنها ومحالها وهي صعدت فالمقصود لم يحصل والخرق لم يرقع والجرح لم يندمل والفائدة التي لاجلها كان النزول ما تمت

ثم فصل ان الروح صعدت عن هذا العالم السفلي وهو بقي في مكانه ولم يتجاوز رتبته بقوله :

وهي التي قطع الزمان طريقها حتى لقد غربت بغير المطلع

يعني ( ان خ‌ل ) الروح هي التي قد قطعت في طريقها للوصول الى منزلها الزمان لان الزمان وقت عالم الاجسام منتهاه محدب محدد الجهات وفوقه اي محدد عالم المثال عالم الارواح ( عالم المثال وفوق عالم المثال عالم الروح خ‌ل ) فمقامه المجردات والزمان وعاء للماديات فطريق الروح لسيرها الى عالمها قطع الزمان الذي هو منتهى مراتب عالم الاجسام فاذا قطعت الزمان وصعدت عنه فقد قطعت الاجسام وصعدت عنها فكان ( ان كان خ‌ل ) طريق غروبها غير طريق طلوعها لانها طلعت في هذا العالم في بطن الام وهي مطلعها عند قوله تعالى ثم انشأناه خلقا آخر ولكن غروبها في القبر او قل ان طلوعها في الزمان وغروبها في عالم المثال ولا يصح ان يكون الصعود من طريق النزول للزوم انتفاء فائدة النزول قطعا وبالجملة فالزمان الذي هو وعاء الاجسام قد صعدت عنه لانه قد وقع في طريقها فاذن لم يبق معها الا ما كان معها قبل النزول فاي فائدة ح في الهبوط والنزول

ثم اكد في هذا المعني بقوله :

فكأنما برق ( فكأنها نار خ‌ل ) تألق بالحمى ثم انطوى فكأنما ( فكأنه خ‌ل ) لم يلمع

يعني كأن الروح برق تألق السمع ( التمع خ‌ل ) في الحمى اي في عالم البدن عالم الاجسام وظهرت آثارها وشعاعها ( لمعانها خ‌ل ) واشراقها ثم انطوى بالموت وذهب واضمحل فكأنه لم يلمع فالفائدة انقطعت والمقصود لم يحصل والخرق لم يرقع ووجود الروح في عالمها لا يفيدنا لانا نريد فائدة متحققة باقية لا فانية فاسدة بالية وحاشا الحكيم ان يفعل ذلك لا سيما اذا كان هو الله خالق الخلق باسط الرزق المستغني عن كل شيء

فلما صعب له هذا الاشكال وصار له كالداء العضال سئل عنه بصورة السؤال لتحقيق الجواب فقال :

انعم برد جواب ما انا فاحص عنه ونار العلم ذات تشعشع

الجواب قد سبق منا سابقا عند قوله « حتى اذا قرب المسير » الخ ما يكون جوابا لسؤاله وهو ( فهو خ‌ل ) ان الروح في هبوطها اخذت من كل عالم ما يناسب ذلك العالم لباسا فلما نزلت الى عالم المثال اخذت منه بدنا مثاليا له وجهان وجه الى عالم المجردات والآخر الى عالم الماديات ولذا سمي البرزخ الجامع للنشأتين ثم لما نزلت وهبطت الى عالم الاجسام اخذت منه بدنا جسمانيا وكانت بذلك الجامعة المملكة تنظر الى كل عالم بما عنده من انموذج ذلك العالم ولما كان البدن الجسماني بواسطة تكرار الرياح الاربع وحصول الغرائب والاعراض قد طرءه الفساد والامراض والاعراض قلت المناسبة بينه وبينها فاعرضت عنه وخلعته لتزول عنه تلك الغرايب والاعراض الخارجة عن حقيقته بطول مكثه في الارض والروح في القالب المثالي في عالم البرزخ وبالوجه في الاسفل ( وبالوجه الاسفل خ‌ل ) منه يدرك الاجسام لمناسبتها ( لمناسبة خ‌ل ) معها فيطلع عليها أما سمعت ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام ان الارواح لتأتي الى موضع قبورهم والى بيوتهم وتطلع على الامور التي تقع عليهم وان حملا من الحنطة لو مر على قبر مؤمن يعلم كم فيه من حبة وهذا الاطلاع والعلم بذلك الوجه المناسب لعالم الاجسام والموت الاكبر بين النفختين عبارة عن تنظيف جميع المراتب والمقامات وتحليل تراكيب وجودها لطرد الغرائب والاعراض واصلاح الغرايز فتركب تركيبا لا يحتمل الكسر فيما بعد فترد الارواح الى اجسادها وتقترن بها كمال الاقتران ثم لا تفارقها ابدا دائما سرمدا فالفائدة الكلية قد حصلت والعلم والمعرفة قد تحققت وعدم المفارقة لازمة

فتعود عالمة بكل خفية وتكون سامعة بما لم تسمع

فخرقها قد رقع ورتقها قد فتق والفائدة قد حصلت والحكمة قد ظهرت والحمد لله وصلى الله على محمد وآله آل الله هذا مختصر المقال واني لفي واسع العذر من عدم البسط في المقال وشرح حقيقة الاحوال يكفيك رؤية منظري عن مخبري والسلام وكتب منشئها عصر يوم الخميس ٢٥ شهر جمدي الاولى من شهور سنة ١٢٥٧

المصادر
المحتوى