
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اقول : الاجتهاد هو عبارة عن استنباط الاحكام الشرعية عن ادلتها التفصيلية وهذا لا شك انه حق وثابت لان الاحكام الشرعية الفرعية توقيفية فلا تتلقى الا من الموقف الشارع وهذا التلقي بالضرورة ليس من الامور البديهية او الطبيعية الجبلية التي تعرفها الطبيعة كبكاء الاطفال عند الجوع والتقام الثدي واحساس الجوع والعطش وغيرها فاذا ثبت انها نظرية لا يمكن حصولها الا بالدليل ولما كان الدليل هو الكتاب والسنة اتفاقا من المسلمين او مع الاجماع والعقل على رأي طائفة عظيمة وهذه الاربعة تتعارض احوالها وتختلف احكامها مع قوله صلى الله عليه وآله قد كثرت على الكذابة وقولهم عليهم السلام ما منا الا ومن يكذب علينا فلا بد من النظر واستنباط الصواب من الخطاء والصحيح من الباطل والصدق من الكذب من مظانها واماكنها التي هي الاربعة بها فمن استنبطها بغيرها فقد اخطأ ومن استنبطها من غيرها فكذلك ايضا ومن استنبطها منها بها فذلك هو المصيب لانحصار الجهات والامر بالاتيان من الباب ثم القاء الصواب وهو قوله تعالى الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ولما كان الاختلاف في هذه الازمان هو المطلوب اوقع حملة الشريعة عليهم السلام الاختلاف ما دامت الدولة للظالمين الفاسقين فقالوا عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم وذلك اسلم لنا ولكم ولو اجتمعتم على كلمة واحدة لصدقكم الناس علينا ولاخذ برقابكم هذا معنى كلامهم صلى الله عليهم فمن انكر الاجتهاد بالمعنى الذي ذكرنا فقد اخطأ وخبط خبط عشواء اما شرايط تحقق الاجتهاد فمعرفة اشياء وحصول شيء ولا يكمل الا بها فمن ادعى بدونها فقد كذب وافترى وضل وغوى اما الاشياء التي يجب معرفتها الكتاب والسنة والاجماع والاختلاف وادلة العقل المتعاضدة بالنقل من الاستصحاب واصالة البرائة والاباحة ولسان العرب واصول العقايد واصول الفقه اما الكتاب فيحتاج الى معرفة اشياء العام والخاص والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ ومقدار الواجب منه الآيات المتعلقة بالاحكام الشرعية وهي من نحو خمسمائة ولا يلزم معرفة جميع آيات القرآن المجيد ويجب معرفتها ولو بكتاب تفسير يرجع اليه ولا يلزم حصولها بتفسيرها كلها عنده واما السنة فيحتاج لمعرفتها الى ما ذكر في الكتاب لوجود الناسخ والمنسوخ في قول الرسول صلى الله عليه وآله اجماعا في اقوال الائمة عليهم السلام على الخلاف فيجب عليه معرفتها مع معرفة المتواتر والآحاد والمسند والمتصل والمنقطع والمرسل والمرفوع ومعرفة الرجال والرواة فان في بعض الموارد يتوقف الترجيح والاستنباط عليها كما في مقبولة عمر بن حنظلة عند تعارض الرواية خذ باوثقهما في نفسك ويجب الاقتصار في الكتاب والسنة على متفاهم اهل الظاهر من اهل اللسان وما يعرفونه من طرق المحاورات والاستعمالات واما الاجماع والخلاف فيحتاج الى معرفة الكتب الفقهية ومعرفة اصطلاحات الفقهاء وامعان النظر فيها والتتبع في مواقع المسائل فان الوفاق والخلاف والشهرة انما تعرف بتلك الكتب في المتون والشروح اما لسان العرب فيحتاج لمعرفته الى النحو والصرف والمعاني اللغوية التي وضعت لها الالفاظ العربية واحكام الدلالات من المنطوق والمفهوم من الموافقة والمخالفة وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب ودليل الاشارة والامثال وايراد الكلام باياك اعني واسمعي يا جارة والتلويح والتصريح وامثالها مما هو الجاري على السنة العرب وطريق محاوراتهم واما علم المنطق فلا يزداد معرفته الا بعدا وملاحظته دائما الا شكا وطريق الفهم والمعرفة وجداني والميزان قول من لا يخطي ولا يسهو ولا يغفل اذا ثبت وتحقق وقد اطلنا الكلام في ذلك في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فلايناط بمعرفة الاجتهاد والفقه قطعا واما الشيء الواحد الذي يجب حصوله لتحقق الاجتهاد والا لا يتحقق وان عرف هذه العلوم المذكورة والغير المذكورة كلها هي القوة القدسية وهي حالة في النفس تتمكن بها من رد الجزئيات الى الكليات واستخراج الفروع من الاصول كما ان الذي يعرف علم العروض وطرق الالحان الموسيقية لا يتمكن من انشاد الشعر الا اذا كان فيه القوة التي بها يتمكن من النظم والتأليف والتركيب وهذه القوة هي النفس الناطقة القدسية وهي التي بها يمتاز الانسان من ساير الانواع لاشتراكه مع غيره في الجهة المناسبة له ولذا كان له النفس النباتية التي بها الذبول والنمو والصغر والكبر وبها يجذب وبها يوصل الى جميع الاجزاء والاعضاء وهو في هذه النفس يشارك الاشجار والبقولات وغيرها لا فرق بينه وبينها فيها وله النفس الحيوانية الفلكية البهيمية التي بها الحركة والشهوة والغضب والرقة وبها يشترك مع جميع البهائم والحيوانات من الوحشية والاهلية ويمتاز الانسان عن الكل بالنفس الثالثة وهي النفس الناطقة القدسية وهي التي تدرك المعارف والعلوم وتنبعث الى الطاعات اذا كانت اختا للعقل والى المعاصي والسيئات وهي النفس الامارة بالسوء اذا كانت مركبا للجهل ومقرا للشيطان المقيض ولما كان المجتهد هو نائب الامام عليه السلام وهو خليفة الله في الارض عن خليفة الله وهو الحجة عن الحجة وهو القائم مقام الانبياء والصديقين فاقل مراتبه ان يكون موصوفا بالصفة الانسانية ومترقيا اليها وخارجا الى الرتبة البهيمية اذ لا يصلح ان يكون حجة الله الذي يجب على كل الناس طاعته وامتثال امره ونهيه ويكون الرد عليه الرد على الله والانكار عليه الانكار على الله وهو على حد الشرك بالله كما في مقبولة عمر بن حنظلة يكون بهيمة على صورة الانسان الاتري الله سبحانه يقول لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون وهذه النفس موجودة في كل شخص الا ان الاشخاص يختلفون في ظهورها وخفائها فمن كانت مخفية فيه فحكمه حكم البهائم والا فنبات وقد ذكرهم الله سبحانه في كتابه العزيز ولما كان ظهور هذه النفس يجب ان يكون موجودا في الفقيه المجتهد ولا يتمكن الا بها والمدعي لها كثير ذكر الامام امير المؤمنين عليه السلام علامات هذه النفس ليكون صاحبها متميزا عن غيره فقال عليه السلام في حديث كميل لها خمس قوى وخاصيتان اما القوي فهي علم وحلم وفكر وذكر ونباهة والخاصيتان النزاهة والحكمة وقال مولانا الصادق عليه السلام لا يصلح للفتيا الا من عرف مراد الله من كتابه بسره فلنقبض العنان فاذا تحققت هذه القوة وظهرت معرفة العلوم المذكورة على وجه التحقيق لا التقليد فهو المجتهد الذي لا يصلح له اتباع غيره وتقليده وهو العالم الذي لا يسئل غيره كما في مفهوم قوله واسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وهنا شرايط لكمال الاجتهاد وان كان يحصل لولاها ولكن مع وجودها يكون كاملا مستغنيا وهي امور : منها علم الهيئة لمعرفة الزوال والقبلة وتعيين خط نصف النهار والطول والعرض للبلاد حتى يتمكن من معرفة انحراف قبلة كل بلد عن نقطة الجنوب والشمال ومنها علم الحساب لاستخراج المجهولات في الوصايا المبهمة والغير المبهمة ومباحث الميراث ومنها علم الهندسة لمعرفة الاوزان والاشكال وتميز الحصص ومعرفة الاحكام على اختلاف الاشكال كما لو باع على شكل حمار او شكل عروس مثلا ومنها علم الطب ليعلم المرض المبيح للافطار ولا يوكل الناس الى الاطباء الغير الموثوق بهم ومنها انه يعرف العلوم الثلثة المعاني والبيان والبديع ليكون كاملا في اطوار الفصاحة والبلاغة حتى يحصل ويفتح له باب في تميز كلام المعصوم عن كلام غيره لا بالسند فيتسع بذلك في استنباط الاحكام الشرعية وفي معرفة علم الحروف بفتح باب واسع في التكافؤ والتراجيح والتعادل ويجعل الشخص على كمال البصيرة التامة والمعرفة وهو له مدخلية تامة في كمال الاجتهاد وفي العلم الطبيعي له دخل تام في الكمال في المعرفة الاستحالات والانقلابات وان الدخان قد استحال ام لا وكذا الخزف والفحم والمتقاطر من الجسم ونسبته الى ذلك الجسم وامثال ذلك وكذلك في العلم الالهي بالمعنى الاعم ليعرف الروح والعقل والحقيقة ونسبتها الى الجسم والجسد التعليميتين ليحقق ان الانسان ما هو هل هو الجسم والروح معا ام الجسم وحده او شيء آخر غيرهما لتحقيق الخلاف الواقع بين الفقهاء في سقوط خيار المجلس اذا مات احد المتبايعين او كلاهما بعد ايقاع صيغة البيع في المجلس هل ثبت خيار المجلس ام لا والاختلاف في ذلك كما قالوا منشأه ان الشخص ما هو فمن قال انه الروح او شيء آخر غير الروح والجسم او المركب منهما يقول بسقوط الخيار ومن قال انه الجسم يقول بعدم السقوط لعدم التفريق انما قلنا لتحقق الكمال يحتاج الى هذا العلم لان المتفاهم العرفي يكفي في هذه المقامات وكذلك في الحركة وان الحادث في كل آن يحتاج الى المدد ليبين له حقيقة الاستصحاب وحكمه وبالجملة مكملات الاجتهاد كثيرة لو ذكرناها لضاقت الدفاتر واني لي وبيانها في زمان ابتلى الناس بالانكار وعدم الاقرار لاهل الفضل والحق بفضلهم وحقهم والى الله المشتكى فاذا تحققت هذه الشرائط وامثالها فهو الكامل في الاجتهاد ولكنه لا يصلح للقضاء بل للقضاء لا بد من شرايط اخر مع ما ذكرنا فالقاضي لا بد ان يكون بالغا عاقلا مؤمنا كاملا عادلا ذاكرا حرا طاهر المولد وينبغي ان يكون القاضي الحاكم الشرعي قويا من غير عنف لينا من غير ضعف لئلا يطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف من حقه وعدله حكيما بصيرا بمزايا الامور ودقايقها ومتفرسا ينظر بنور الله ذا فطنة وقادة لا يؤتى من غفلة ضابطا صحيح السمع قوي البصر والبصيرة عارفا بلغات اهل ولايته سديد العفة كثير الورع بعيدا عن الطمع صادق اللهجة ذا رأى سديد ليس بجبار ولا عسوف ولا بعباس ولا بطاش ولا غضوب وقد قال امير المؤمنين عليه السلام انه قال لا ينبغي ان يكون القاضي قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الالباب لا يخاف في الله لومة لائم واما علامة المجتهد للعامي فامور منها الشياع اي اخبار جماعة يحصل باخبارهم العلم العادي باجتهاد الشخص اما لكثرتهم بحيث يأبى العقل على تواطئهم على الكذب او لصفتهم حيث انهم من اهل العلم والورع والتقوى وحسن الفطرة والفطنة والذكاوة واصحاب التؤدة والطمأنينة في الامور بحيث يعلم قطعا انهم لا يقلدون دينهم شخصا ليس لقابل للفتوي ومنها اخبار العدلين من اهل البصيرة والخبر على اجتهاده ولا يلزم ان يكونا مجتهدين بل يكفي علمهما بمعاريض الكلام وصفات نائب الامام وتدربهما في العلم والفقه ومنها انتصابه للفتوى او اجتماع الناس عليه مع عدم صدور ما يظهر عليه على عدم استيهاله مثل حبه للدنيا وحسده للعلماء وانكاره الحق مع العلم والقول بما لا يفعل وامثالها مما يفعله اهل الدنيا المعمورين فيها فان ارتكاب هذه الامور يخرجه عن الاستيهال للتقليد والعمل بقوله منها انه يفتي بمحضر من العلماء المجتهدين او مجتهد واحد مسلم الاجتهاد ولا يتعرض لفتواه ذلك المجتهد ولا ينكر عليه مع عدم التقية والخوف منه وهذه الجهات يعلم العامي المجتهد بها فلو لم يكن مع وجود احد هذه الامور مستأهلا للفتوى يجب على الله تعالى ان يفضحه ويفسد امره ويبين فسقه وذلك البيان بامارات وقرائن ودلائل تظهر للشخص يقطع بعدم استيهاله للتقليد والفتوى وان كان مقبولا عند عوام الناس اشباه البهائم همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق نسئل الله الثبات والعصمة من الخطاء
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في تفسير قوله تعالى ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار الآية من هم وما هذا الرمز
اقول : لما اراد الله سبحانه ان يذكر الخواص من اولياء الله الذين خصهم الله بنفسه وقرن طاعتهم بطاعته وينوه بمقامهم ومرتبتهم ويعظم امرهم ويتقن حكمهم ولما ان في الوجود ليس اشرف من محمد وآله صلوات الله عليهم ولا اخص منهم بالله ولا اكرمهم على الله ولا اقربهم من الله ذكرهم الله سبحانه في سورة الفتح التي هي الاشارة الى ان الله سبحانه بهم فتح الوجود وبهم يختم ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الاصل والائمة عليهم السلام هم الفرع كما يشير اليه قوله عليه السلام في زيارة امير المؤمنين عليه السلام السلم على الاصل القديم والفرع الكريم وان الخواص من شيعتهم فرع الفرع بحكم ومن تبعني فانه مني ولما ان الكني والالقاب تشتبه وتحتمل الغير لانه لا يعين المسمى مطلقا ابتدء الله سبحانه في اختتام السورة باسمه الشريف فقال عز من قائل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ارسله الله سبحانه بالشريعة الكونية والايجادية في القدم الى ساير الامم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحيطه خواطر الافكار والذين معه بالمعية الحقيقية بان يكونوا معه في صقع واحد ويجتمعوا معه في الحقيقة الجامعة وهم الائمة من آله اولهم امير المؤمنين عليه السلام وآخرهم خاتمهم قائمهم المستور عن عوالمهم وهؤلاء ارواحهم وانوارهم وطينتهم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض كما قال تعالى ذرية بعضها من بعض ومن للتبعيض الدال على الاجتماع في الحقيقة المشتركة ثم وصفهم الله بالولاية الحقيقية وانهم اليدان المبسوطتان يد اليمين للمؤمنين ويد الشمال للمخالفين وبدء بالشمال مراعاة للصعود والترقي من الاسفل الى الاعلى فقال اشداء على الكفار اي نقمته سبحانه على الكفار الموصلون من عطاء الله الى اهل الضلال بالمدد الظلماني من احكام الحرمان يجعل صدرهم ضيقا حرجا كأنما يصعد الى السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون بالولاية باوليائه واهل محبته وهم العذاب الواقع للكافر ليس له دافع من الله ذي المعارج وهم الاعزة على الكافرين وهم قبضة الله بشماله وقال للنار ولا ابالي ثم ذكر اليد اليمنى فقال رحماء بينهم وادخل معهم شيعتهم لانهم منهم كما في قوله عليه السلام اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يوصلون الى انفسهم والى شيعتهم من المواد النورانية والعطاء الوجودي والخير الحقيقي والعلم اللدني ثم اراد سبحانه ردع الاوهام الباطلة والشبهات الفاسدة لاهل الضلال والتضليل ان الله سبحانه يرجح من غير مرجح وتخصيص من غير مخصص وبين انه سبحانه ماولاهم امر خلقه وما جعل لهم الهيمنة العليا على جميع بريته الا لما هم اهله وما يالوا هذه المرتبة الا العبودية والطاعة وقال تراهم ركعا سجدا الركوع هو الخضوع مع ملاحظة انهم فانون مضمحلون في جنب نور العظمة والسجود هو الفناء المحض فالسجود اشارة الى ظهورهم في عالم الفؤاد والمحبة وكانوا بذلك احباء الله سبحانه ولما تمكنوا في هذا المقام كانوا هم الاحباء لا سواهم كما في الزيارة لا حبيب الا هو واهله والركوع اشارة الى الظهور في عالم الجبروت اي الظهور بالرسالة والامامة والامر والنهي والحكم واعطاء كل ذي حق حقه بحكم ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى فهم عليهم السلام هم الذين خضعوا وفنوا في محبة الله سبحانه بما لا يدانيهم انسان فلم يفعلوا مرجوحا ولم يتركوا راجحا واليهم الاشارة في قوله تعالى ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وعدم الفتور دليل على انهم لا يتركون الاولى والارجح وقد خصهم الامام عليه السلام في الزيارة بانهم يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وقد قال تعالى ان الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر في كل عالم بحسبه وهو دليل العصمة واختار في هذه الآية الشريفة اشرف مواضع الصلوة فان اعظم مقامات الصلوة اركانها واعظم الاركان الركوع والسجود فعندهما الفناء المحض الذي هو العبودية المحضة الصرفة بجميع اقسامها وانواعها ومراتبها وصفاتها واحوالها وكينونتها ثم لما كانت العبادة المحضة لا تكون الا بنية وهي لا تكون منجية موصلة الى اعلى المقامات الا اذا كانت خالصة ولا تكون خالصة الا ويقصد معها القربة الى الذات البحت سبحانه وتعالى حيث امتنعت كان العمل للتقرب الى فضله ورحمته ومحبته لا لجنته وناره ونعمته والتعوذ من سخطه فان ذلك ينافي الاخلاص والقربة والعمل بتلك النية اذا كانت متمحضة لطمع الجنة والخوف من النار اشار الله سبحانه الى صحة عملهم وعبادتهم عليهم السلام بصحة نياتهم رفعا للاعاذير ودفعا للاباطيل وان عملهم هو الخالص لله سبحانه فقال عز من قائل يبتغون فضلا من الله ورضوانا يعني انهم في عبادتهم وركوعهم وسجودهم وانقيادهم لا يطلبون شيئا راجعا الى انفسهم وانياتهم بل ما يبتغون وما يطلبون الا فضلا من الله لينظر اليهم سبحانه بنظر العناية والرحمة ويدخلهم في بحر الرضوان وهي لجة الاحدية وطمطام الوحدانية لا يطلبون سواه ولا يريدون غيره هو سبحانه مطلوبهم ومقصودهم في جميع عباداتهم ثم ذكر سبحانه ان آثار السجود المعبر عنه بالفناء ظاهرة في ظواهرهم وبواطنهم فقال سبحانه وتعالى سيماهم في وجوههم من اثر السجود اي علامات الولاية والرفعة والهيمنة والاستعلاء ظاهرة في وجوههم ورؤس مشيات افعالهم سلام الله عليهم المتعلقة باطوار الموجودات وسراير الكائنات من المبدء الى المنتهى وبها كتبت اسمائهم في كل شيء من العرش الاعظم الاعلى الى ما تحت الثرى فان وجوه افعالهم وتصرفاتهم ظاهرة في الاشياء كلها وكل هذه الرفعة والولاية والقدرة العامة التامة الظاهرة في وجوه افعالهم المتعلقة بالاكوان من انحاء التصرف ليس من جهة انهم هم المستقلون او هم الشركاء مع الله في هذه التصرفات او الامور قد فوضت اليهم حاشا وكلا هم العبيد الذين لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا بل انما هذه الولاية والهيمنة من اثر السجود الفناء والخضوع والخشوع لله سبحانه فلما خضعوا لله سبحانه احبهم الله سبحانه واكرمهم واعطاهم وملكهم واقدرهم هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه ولو شاء لاخذ منهم ما اعطاهم كما قال تعالى ولو شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك لكن لو للامتناع وحاشا الله او يرجع في عطائه او يعطي من لا يستحق وهو سبحانه لا يختار من يلحقه التغيير والبحث هنا طويل واللسان لبيانه كليل ولما اختارهم الله سبحانه بما اختارهم من كثرة الركوع والسجود وان في سيماهم من اثر السجود عرفهم سبحانه كل شيء وذكر مثلهم في اطوار الكائنات ليعرفوهم ويتوجهوا الى الله سبحانه بهم ويجعلونهم الشفعاء والادلاء على الله عز وجل ولما كانت الموجودات بجملتها يجمعها مقامان مقام الاجمال ومقام التفصيل والوصف يكون في كل مقام على حسبه ولما كان الوصف التفصيلي هو الذي ذكره من ظهور الولاية المطلقة بوجوهها في اطوار الموجودات على التفصيل المتعلق كل وجه بمتعلقه الخاص به المتحقق به الاسماء التي ملأت اركان كل شيء ناسب ذكر هذه الصفة في اللوح المحفوظ الذي هو الفرقان واليه الاشارة بقوله تعالى ذلك مثلهم في التورية اي ذلك الذي ذكرنا الى قوله من اثر السجود صفتهم ومثلهم سلام الله عليهم في التورية وهي الكتاب المنزل على موسى عليه السلام ويشار بها الى اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر الاشياء مفصلا والتورية وصفها الله سبحانه بالفرقان وان فيها تفصيل كل شيء والكل على العموم ليس الا اللوح المحفوظ ضرورة ان التورية المعروفة ليس فيها ما في القرآن والا لساوته وهو في البطلان بمكان وقد قال تعالى اصدق القائلين وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا باحسنها ساريكم دار الفاسقين والمخاطب من كتبت له في الالواح الكونية الوجودية والعينية تفصيل الاشياء كلها وهو موسى الاول في التورية الاولى فافهم والا فاسلم تسلم ثم ذكر سبحانه صفتهم في المقام الاجمالي الظاهر في الفروع المفصلة كما هو مقتضى مقام الروح الاعلى في عالم الرقايق فانه مقام الوحدة المنزلة الى الكثرات ولما كان الانجيل كتاب الله المنزل على روح الله ناسب ان يذكر مثلهم وصفتهم عليهم السلام في المقام الاجمالي الظاهر في المقام التفصيلي فقال عز من قائل ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه وهذا مثلهم ومثالهم سلام الله عليهم في مقام التفريع الزرع هو الشجرة الالهية التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله اخرج شطأه يعني فراخه المتولد منه المنشعب عنه وهي الشجرة الصغيرة التي تنبت من اصل الكبيرة وهي على سنخها وجنسها والفراخ المتولدة منه هو امير المؤمنين عليه السلام واولاده الاحدعشر الطيبون المخلوقون من طينته والمتفرعون عن حقيقته صلى الله عليه وآله فآزره فقواه من الموازرة بمعنى المعاونة بالامداد الالهية النازلة من حقيقته الى حقايقهم عليهم السلام في مقام الوجود الكوني او الظهور العيني لانهم المستمدون منه المتقوون به ولذا رفعه على كتفه صلى الله عليهما لبيان انه به ارتفع واستعلى وتمكن بما تمكن من اعلاء كلمة الحق في التكوين والتشريع فاستغلظ فصار من الدقة الى الغلظ باجتماعهم المراتب الوجودية من العقل الى الجسم لان مقام الدقة ورقة الحجاب مقام العقل ومقام الغلظة وتمام الشيء ومعنى استغلظ انه تم في جميع المراتب الى مرتبة المثال والجسم فاستوى على سوقه اي استقام على قصبه والسوق جمع ساق وهذه الاستقامة انما تكون بعد تمام تكوينهم وظهور العوالم العشرة والاثني عشر والعشرين المراد بالعشرة هي القبضات في اصل تكوين الشيء من القلب والصدر والعقل والعلم والوهم والخيال والفكر والمادة والصورة والجسم والمراد بالاثني عشر الحواس الظاهرة والباطنة والنفس والروح والمراد بالعشرين تمام الحواس في عالم الاجمال والتفصيل او في عالم الواقعي والنفس الامري وهذا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله في تمام السباحة في البحر الاثني عشر ثم في الابحر العشرين ثم تقاطر منه ما تقاطر من حقايق الانبياء وكتمام دورته صلى الله عليه وآله حول جلال القدرة ثمانين الف سنة الى ان خلق نور امير المؤمنين عليه السلام بعد ثمانين الف سنة وذلك كله لتمام فاستغلط فاستوى على سوقه ولما كمل تلك الفروع المعبر عنها بالشطأ وتمت مشروحة العلل مبينة الاسباب دلت على كمال صنع الصانع وقدرة القادر ووحدته وجلاله وجماله وكبريائه وعظمته وقيوميته تمت الولاية الظاهرة في خصوصيات تلك الجهات في الظهور فيعجب الزراع اي الحامل لتلك الولاية المفصلة المقرنة بالمتعلقات الخاصة فقال معجبا عن كمال القدرة وظهور العظمة تبارك الله احسن الخالقين فانزل الله سبحانه افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون وذلك بحرث ارض الامكان وغرس الشجرة الكلية الزيتونة التي ليست شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فالغارس هو الزارع من قوله تعالى ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون وقوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى واما الزراع فقد روى محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن عيسى بن اسحق عن الحسن بن الحرث بن طالب عن ابيه عن داود بن ابي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل كزرع اخرج شطأه فآزره اصل الزرع عبدالمطلب وشطأه محمد صلى الله عليه وآله ويعجب الزراع قال عليّ بن ابيطالب عليه السلام ه وبالمعنى الذي يكون الزرع عبدالمطلب والشطأ محمد صلى الله عليه وآله والزراع امير المؤمنين عليه السلام يكون الزراع في هذا المقام هو امير المؤمنين عليه السلام حرفا بحرف ولست ادري ما يقولون في معنى هذا الحديث الشريف ويؤيده ما روي عن مولانا العسكري فيما وجد بخطه وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وروح القدس اذا كان هو العقل الكلي والحديقة لا يكون الا بارض وماء وبذر وحب وزارع وقد قال عليه السلام حديقتنا دل على انهم هم الزارعون والعقل الاول قد اكل اول ثمرة بستانهم الذي غرسوه وانشأوا شجرها ولكن بحكم ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون ثم ان الله سبحانه لما علم ان المنكرين لفضل آل محمد صلوات الله عليهم يحسدونه والحاسد يشتد حسده وغيظه اذا رأى كمالا وسمع مقالا في مدح المحسود وقد قال الباقر عليه السلام نحن الناس المحسودون في تأويل قوله تعالى اراد الله سبحانه يشتد غيظ المخالفين وحنق الكافرين المعاندين المنكرين لاسرار آل محمد الطيبين سلام الله عليهم اجمعين فذكر مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل بهم الكفار المعاندين والاشرار المنافقين ثم لما علم الله سبحانه ان جماعة من المنافقين يستدلون بظاهر سوق الآية الشريفة تمويها على المستضعفين وتلبيسا على الضعفاء من التابعين ان الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم اخيار ابرار كما ذكرهم الله سبحانه فلايجوز القدح فيهم وتخطئة آرائهم وفساد اساسهم اراد الله سبحانه دحض حجتهم ودفع باطلهم بتمام الآية الشريفة عز من قائل وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات مغفرة واجرا عظيما فبين ان ما كل من معه صلوات الله عليه بظاهر الاقرار بالكون الجسماني اهل الصدق والصفا ومستحقي الرحمة من الله سبحانه بل فيهم منافقون واناس ملحدون وان كانوا بظاهرهم مسلمين كما اخبر عنهم القرآن بصريح البيان بقوله تعالى اذا جاءك المنافقون الآية ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون فلا يتمسك مستمسك بان الذي ذكرنا مرادنا الكون معه بظاهر اللسان حتى يرتب عليه ما رتبوه من مزخرف الكلام بل المرضيون الموعودون بالمغفرة هم المؤمنون بالجنان واللسان والعالمون للصالحات التي هي طاعة آل محمد السادات عليهم السلام من رب البريات وهؤلاء بعض من كان معه في الظاهر بدليل منهم الدال للتبعيض وهم في الحقيقة الذين معه والمنافقون ليسوا معه فافهم لحن المقال وقد روي من طريق العامة نقله اخطب خوارزم في مناقبه يرفعه الى ابن عباس قال سئل قوم النبي (ص) فيمن نزلت هذه الآية قال اذا كان يوم القيمة عقد لواء من نور انور ونادى مناد ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين آمنوا وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله فيقوم عليّ بن ابيطالب فيعطي الله من النور الابيض بيده تحته جميع السابقين الاولين من المهاجرين والانصار لا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور رب العزة ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطى اجره ونوره فاذا اتى على آخرهم قيل لهم قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنة ان ربكم يقول لكم عندي مغفرة واجر عظيم يعني الجنة فيقوم عليّ بن ابيطالب والقوم تحت لوائه معهم حتى يدخل الجنة ثم يرجع الى منبره ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم الى الجنة ويترك اقواما على النار ه ومن طريقهم ايضا ابن مردويه الحافظ واخطب خوارزم في قوله تعالى تراهم ركعا سجدا انها نزلت في عليّ بن ابيطالب وقوله تعالى فاستوى على سوقه نقل ابن مردويه عن الحسن بن عليّ عليهما السلام قال استوى الاسلام بسيف عليّ عليه السلام وقولكم من هم فقد عرفناك انه آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتابعون لهم باحسان بالتبعية والحقيقة بعد الحقيقة وقولكم وما هذا الرمز فقد ذكرناه باكمل وجه واتمه وان اردت الرمز والمثال الصوري والظاهري فقد قال بعض المفسرين هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الاسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى امرهم بحيث اعجب الناس وذلك بدخول الناس في دين الله افواجا وقايس ما ذكره بما ذكرنا ترى التفاوت والعلم الالهي
قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى الم غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون الآية ما معناه من طريق التفسير والتأويل وما معنى الروم اهل البيت عليهم السلام كما في بعض التفاسير
اقول : اما تفسير الظاهر فاعلم ان الروم اسم لابن عيص بن اسحاق بن ابرهيم عليه السلام وكان ابرهيم الخليل له ابنان احدهما اسمعيل من هاجر ام ولد وثانيهما اسحق وهو من سارة وما ولد من اسمعيل من الانبياء الا نبينا صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام هم الاوصياء واما اسحق فقد ولد ابنان احدهما عيص والآخر يعقوب وهو انما سمي يعقوب لانه كان عقيب عيص ويسمى يعقوب اسرائيل لانه اسر ائيل وهو ابليس من الابالسة كان يطفي بالليل سرج بيت المقدس فرصد له يعقوب ليلة فلزمه وربطه في اسطوانة من اسطوانات المسجد فقالوا ان يعقوب اسرائيل ثم غلب عليه الاستعمال فقالوا اسرائيل هكذا سمعت من شيخنا العلامة اعلى الله مقامه وقد يطلق اييل على الله فاسرائيل في اللغة السريانية بمعنى عبد الله وكيف كان فبنو اسرائيل من الانبياء وغيرهم من اولاد يعقوب واما عيص فقد ولد له ولد اسمه الروم والافرنج كلهم من نسله ويقال لهم بنو الاصفر لان لون الروم كان اصفر وهؤلاء كلهم نصارى وملكهم قيصر فلما كتب رسول الله صلى الله عليه وآله الى القيصر ملك الروم ودعاه الى الاسلام عظم الكتاب واعز الرسول واحسن في الجواب وقيل انه آمن خفية وقد كتب صلى الله عليه وآله الى ملك عجم كسرى المسمى بخسروپرويز اهان الكتاب ومزقه ورماه واهان الرسول واساء في الجواب ومن هذه الحمية كان المسلمون يحبون النصارى لفعل ملكهم وهو قوله تعالى ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى الآية وكانوا اي المسلمون يكرهون العجم والفرس لفعل ملكهم وكفار قريش كانوا يحبون العجم لمشاركتهم في العداوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله واظهار عداوتهم بالنسبة اليه وروحي له الفداء ولانهم ليسوا من اهل الكتاب ظاهرا بين الناس وان كان لهم كتاب قد انزل الله اليهم اسمه جاماسب كان مكتوبا على اثني عشر الف جلد ثور وبعث الله اليهم بذلك الكتاب نبيا اسمه زرداست فقتلوا نبيهم وحرقوا كتابهم وبقوا ليس لهم كتاب يعرف وهم المجوس فمن جهة مشاركة قريش لهم في عدم الكتاب كانوا يحبونهم فلما غلب فارس على الروم فرح المشركون فان الفرس الذين ليس لهم كتاب فنحن ايضا نغلب عليكم وحزن لذلك ولما ذكرنا المسلمون واما كيفية غلبة فارس فنذكر قصتها وان كان يطول الكلام الا انها لا تخلوا من فائدة ذكر المفسرون والمورخون ان امرأة كانت لها اولاد معروفون بالشجاعة والسخاوة والقدرة فبعث اليها كسرى وقال لها اني عازم على حرب قيصر ملك الروم واريد ان اجعل احد اولادك رئيسا على العسكر انظر وقولي ايكم اليق لهذا الامر قالت احد اولادي اسمه فرحان هو اشجع من الاسد واحيل من الثعلب يمضي عزمه ولا يفكر عاقبته ولي ايضا ولد آخر اسمه شهريران اشجع من الليث واحلم واوقر من الجبل قال كسري فاني اختار الاحلم والاوقر فبعث الى شهريران وجعله رئيسا على العسكر وعقد له راية عظيمة وبعثه الى الروم فمضى شهريران وظفر على قيصر وخرب اكثر بلاد الروم وكان هذا الحرب في اذرعات وبصري وهي ادنى واقرب الاراضي الى الشام وقد غلب على الروم في السنة التاسعة من البعثة وبلغ الخبر الى مكة ففرح المشركون من قريش وتفألوا بذلك غلبتهم على المسلمين وحزن المسلمون لشماتة الكفار ولما ذكرنا سابقا من رعايتهم للنصارى ولما كان في اول الاسلام وقبل قوته انزل الله سبحانه قرآنا لتسليهم وقد قال عز من قائل الم غلبت الروم في ادنى الارض وهي اذرعات وبصري او فلسطين وكسكر وغيرها على اختلافهم في التفاسير ثم قال سبحانه تسلية واستجلابا وجبرا لخواطرهم وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين وهو بين الثلثة والتسعة روى عبد الله بن عقبة ان ابا بكر باحت بعض المشركين على شيء في القمار قبل ان يحرم وجعل الموعد الى سبع سنين ولم تغلب الروم على فارس تسع سنين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله لم تغلب ذلك وكلما دون العشر بضع فكان ظهور الروم على فارس في سنة الحديبية وسبب غلبة الروم على فارس هو ان شهريران ذكر يوما لاخيه فرحان انه رأى في المنام انه قاعد على كرسي وذلك بعد فتح بلاد الروم ومغلوبية قيصر فسمع كسرى ذلك وكتب الى شهريران انه لمجرد كتابي اهجم الى اخيك فرحان واضرب عنقه فكتب شهريران الى كسرى في الجواب ان اخي رجل شجاع ولنا اعادي كثيرة وقتله ليس مصلحة للملك ونحن لا بد لنا من شجاع قوي ولا نلقى احسن من اخي وكتب كسرى مرة اخرى اليه انه لا بد من قتله فكتب اليه الجواب الاول الى ان كتب له ثلث مرات وكل مرة يكتب له الجواب المذكور ولم يجسر لقتل اخيه شفقة ومحبة له فغضب كسرى وعزل شهريران عن الرياسة ونصب اخاه فرحان واراد منه ان يبعث اليه راسه فامر اخوه وقبض على شهريران وامر بضرب عنقه فلما رأى انه هم بقتله وانه يقتله لا محالة قال له يا اخي امهلني حتى اتكلم بكلمات ثم انت وشأنك فامهله وقال له يا اخي ان الامر الذي انت مأمور به الآن كنت مأمورا به سابقا وقد كتب اليّ ثلث خطوط وفي كل مرة يأمرني ان اضرب عنقك وابعث براسك اليه وانا اكتب له في الجواب كيت وكيت ولم اقتلك وانت تبادر الى قتلي بخط واحد فهل هذا هو الانصاف والجزاء فلما سمع فرحان ذلك نزل من السرير وعزل نفسه واقعد اخاه وارجع اليه الرياسة والحكومة وتكدر خواطرهما على كسرى وكتبا الى قيصر كتابا يواعدانه بالغلبة والظفر فاحبا مواجهته واجابهما على ذلك فاجتمعا على محل واحد مع قيصر وذكر انهما نقضا عهد كسرى لما ان بدى منه نقض العهد وبعث قيصر معهما عسكرا عظيما ومضى شهريران الى ارض فارس وكل بلدة يصل اليها يخربها وفي رواية يحرقها الى ان غلب على كسرى وانهزم الى ناحية من نواحي فارس واستولى قيصر على اكثر ممالك العجم وهذا الخبر انما وصل الى المسلمين في عام الحديبية ففرح المسلمون وحزن المشركون ولم يزل الضعف في اهل فارس الى خلافة الثاني فاستأصل ملكه واباد امره وانقطعت دولته فصدق الله ورسوله بالاخبار بالغيب وبالذي يقع هذا ما يتعلق بظاهر التفسير واما التأويل فالكلام فيه طويل الا انا نذكر في هذا المقام ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام في كتاب تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة عن محمد بن العباس بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام في قوله عز وجل الم غلبت الروم في ادنى الارض هي فينا وفي بني امية وعن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن تفسير الم غلبت الروم قال عليه السلام هم بنو امية وانما انزلها الله عز وجل الم غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عند قيام القائم عليه السلام ه والمراد بالنزول هكذا يعني بفتح الغين في الماضي وبضمها في المستقبل وامية كان اصله من الروم وانما تبناه عبد شمس من عبد مناف فاشتهر انه ابنه وانتسب اليه وليس كذلك ويدل على ما ذكرنا ما في كتاب الاستغاثة لابن ميثم قال روينا من طريق علماء اهل البيت عليهم السلام في اسرارهم وعلومهم التي خرجت منهم الى علماء شيعتهم ان قوما ينسبون من قريش وليسوا من قريش بحقيقة النسب وهذا مما لا يعرفه الا معدن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك مثل بني امية ذكروا انهم ليسوا من قريش وان اصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية الم غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس ويغلب الكل مولينا القائم عجل الله فرجه ودولة بني امية وبني العباس واحدة في كونها مخالفة للحق وهذا ظاهر معلوم واما ما ذكر جنابك من دو الرواية ان الروم هم اهل البيت عليهم السلام فلم اعثر عليها بعد ما تفحصت بعض مظانها والله العالم بحقيقة الحال ولو فرض ورود رواية بذلك فالمراد بالروم هم اهل البيت عليهم السلام لكونهم عليهم السلام من ذرية ابرهيم الخليل عليه السلام وقد قال تعالى خطابا لهم (ع) ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس وتنزيل هذه الآية فيهم عليهم السلام فيصح اطلاق الروم عليهم بهذا المعنى والتقريب او ان الروم في تفسير ظاهر الظاهر بمعنى القصد والمقصد والمقصود في كل خير ونور وظهور ان ذكر الخير كنتم اوله واصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه من اراد الله بدء بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم فعلى هذا سلام الله عليهم غلبوا على حقهم ظاهرا والا فدولتهم ما زالت وسلطنتهم ما ارتفعت ولو بدعوى مدعي باطل تزول السلطنة وترتفع الكبرياء والعظمة لزالت سلطنة الله وكبريائه بادعاء فرعون انه الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ولذا قال مولينا الصادق عليه السلام في جواب مفضل لما قال ان جماعة يزعمون ان المراد بالرجعة رجوع دولتكم بظهور المهدي عجل الله فرجه قال عليه السلام ويحهم متى اخذت الدولة منا حتى ترجع الينا نقلت معنى الحديث وهذا لا شك فيه فالمراد بالمغلوبية هو ما ظهر للناس من خفاء امرهم عليهم السلام نعم ربما يرد الاشكال على هذا التفسير وما قبله ان الغلبة ماكانت في بضع سنين قطعا والجواب في قوله تعالى لله الامر من قبل ومن بعد اي يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وقد ورد هذا المعنى في عدة روايات يطول بذكرها الكلام وفيما ذكرنا كفاية
قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في قول مولينا الرضا عليه السلام لعمران الصابي ان المبدء الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه فرد لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا ولا شيئا يقع عليه اسم شيء من الاشياء ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون ولا بشيء قام ولا الى شيء استند ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق اذ لا شيء غيره
اقول : لما كانت مسئلة التوحيد وابداع الخلق والربط بين الحادث والقديم من امهات المسائل ومهماتها اذ عليها يبتني جميع قواعد الدين وفيها وقع الاشتباه العظيم والاختلاف الشديد بين المسلمين وما اكتفى عمران بالاشارة في الجواب والفهم بلحن الخطاب كما فعل عليه السلام غير مرة اراد (ع) بسط المقال في هذا الاحوال وتوضح الكلام في الجواب فقال عليه السلام ان الكائن الاول لم يزل واحدا لا شيء معه في رتبة ذاته والاشياء كلها اي الممكنات والامكانات باسرها في مرتبة ذاته تعالى معدومة ممتنعة لا ذكر لها فيها اصلا فكان فردا لا ثاني معه في الصفات ولا في الذات فهو الاول الذي ليس له ثاني فهو دائما اول كما في الصحيفة السجادية كذلك انت الله الاول في اوليتك وعلى ذلك انت دائم لا تزول فاذا كان كذلك فآخريته هي اوليته وبالعكس لا بالاضافة الى شيء من الاشياء وصفة من الصفات وقران من القرانات فاذن لا ثاني له مطلقا لا معلوما مدركا للمشاعر بجهة من الجهات واعتبار من الاعتبارات ولا مجهولا اي شيئا ثابتا لا تدركه المشاعر ولا تحويه الضماير او المفرد من عدم الغيرية لاستدعاء الازلية وذاتية الوجود اياه ولا محكما اي امرا لا شبهة فيه والمتقن الموجود على كمال الاعتدال والاستقامة الجاري على محض الحكمة من وضع كل شيء في موضعه ولا متشابها بخلاف ما ذكرنا الجاري على خلاف الاعتدال بحقيقة ما هو اهله بالنسبة الى الاول والا فالمتشابه ايضا من المحكم ولذا نقول اعوجاج الجيم من الاستقامة والله سبحانه جعل هذا الاختلاف وعدم الاعتدال من الاستقامة واحكام الصنع كما في قوله تعالى ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما فاذن لا متشابه اصلا كما قال عز وجل صنع الله الذي اتقن كل شيء فالمتشابه من القبضة المأخوذة بالشمال والمحكم من القبضة المأخوذة باليمين وان كان كلا يديه يمين فاذن لا ذكر للاشياء في الذات فلا محكم هناك ولا متشابه ولا مذكورا بالامكان او الكون في رتبة العقول والارواح والنفوس والطبايع والمواد والامثال والاشباح والاجسام والاجساد والاعراض والصور والهيئات والمقادير وهكذا متسافلا وكذلك متصاعدا الى مقامات الفؤاد ونقطة الكلمة والفها وحروفها وكلمتها نفسها ودلالتها وقرانات حروفها بعضها ببعض ووقوع الدلالة على قلب المخاطب والاطوار الحاصلة من تلك المقارنات والالزامات وظهورات الاسماء وحقيقتها ومواقعها ومحالها وهكذا ساير المراتب او كلما هو مذكور في هذه المراتب والمقامات ممتنعة في رتبة الذات فلا مذكور سواه الا وهو مخلوق فلا يكون معه ولا يكون هو سبحانه موصوفا به ولا منسيا اي متروكا معرضا عنه كما في قوله تعالى نسوا الله فنسيهم او منسيا غير مذكور بالاضافة اذ كثيرا من الاشياء يكون مذكورا في مقام وعالم ومنسيا في عالم آخر مثل ما يوجد ذكره الامكاني ولم يكن في الكون مثل سعادة الاشقياء وشقاوة الانبياء ومحو وغيرها وقد يكون اشياء مذكورة في عالم العقول ولم يتشخص ولم يتصور في عالم النفوس فهي هناك منسية وهكذا نفس المراتب والمقامات واما المنسي بحيث لا ذكر له في رتبة من المراتب حتى في الامكان فلا وجود له اصلا بوجه من الوجوه لان متعلق الجعل لا يكون عدما بحتا والحادث بنفسه لا يتكون ولو فرض التكون فهو مذكور في محل التكون والقديم لا يكون وجوده الا ذاتيا متأصلا مذكورا عنده فلا يكون منسيا ولا شيئا يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره فلما فصل بعض الاشياء وامثال ما ذكر لا يتناهى اراد ذكر ما يعم القول ويحمله ولا يشذ منه شيء فقال انه سبحانه ليس شيئا يقع عليه اسم شيء من ساير الاشياء غيره وكلما وقع عليه اسم فهو حادث لان الاسم يقتضي الارتباط بينه وبين المسمي وكلما فيه ارتباط واقتران حادث فبقي القديم هو الذي لا اسم له ولا رسم مع ان الاشياء كلها اسماء له فكل شيء غيره مما يقع عليه اسم شيء من الاشياء الموجودة الممكنة او المكونة فهو خلقه والخلق الحادث لا يصح ان يكون مقترنا بالقديم الازلي ولا ان يكون موجودا معه فانما بين (ع) تنزيهه سبحانه عن مطلق الاقتران وكون شيء معه في الازل وهذا التنزيه هو الاصل والاس والاساس في التوحيد لكن بشرط ان يكون بلا اشارة اما اذا كان مع الاشارة فليس تنزيه وانما هو تحديد ولاجل عدم الفرق بين المقامين اشتبه الامر على جماعة من الفحول فقالوا بالجمع بين التشبيه والتنزيه فرارا عن التحديد والتجسيم فوقعوا فيهما وضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ولما ذكر عليه السلام حكم التنزيه اراد ان يبين تذوته سبحانه واستقلاله وانه باين عن صفات المخلوقين متأصل متقوم بمحض ذاته لا بشيء سواها فقال عليه السلام ولا من وقت كان ولا الى وقت يكون اي يكون له اول وآخر قد تحدد الوقت والزمان كالممكنات اذ لا بقاء لها الا بالوقت وهو من اجزاء العلة الصورية والشيء لا يقوم الا بمادة وصورة ولا بشيء قام من القيامات الاربعة القيام الصدوري كقيام المعلول بالعلة والاثر بالمؤثر والكلام بالمتكلم والشعاع بالمنير والقيام الركني العضدي كقيام الصورة بالمادة وقيام الشيء بالمادة والصورة والقيام الظهوري كقيام المادة بالصورة وظهور الشمس بالارض والجدار والقيام العروضي كقيام الاعراض بالجواهر كالالوان والهيئات بالاجسام وقد بسطنا القول في هذه القيامات في تفسيرنا على آية الكرسي وكتابنا اللوامع الحسينية فان فيهما في هذا البحث اسرار عجيبة غريبة لا تتحملها العقول والافهام الا بعناية خاصة من الملك العلام ولا الى شيء يقوم اي يكون تقومه وتحققه منتهية الى شيء من الاشياء كالذوات السيالة المتجددة التي اذا انتهت الى غاية كمالها استقلت اي حفظت الصورة النوعية في عين اضمحلالها ككون الانسان ترابا ثم دخانا ثم سحابا ثم مطرا ثم كيلوسا ثم كيموسا ثم دما ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم اكتساه لحما ثم انشأه خلقا آخر فلما انتهت فطرته وخلقته الى هذه الصورة والهيكل استقلت وقامت بالروح فلا يزال كذلك لا تفقد هذه الصورة والهيئة والروح ان كان من اهل الايمان المستقر ولا كذلك ربنا عز وجل لا تعتريه الاحوال ولا تتغير بانتقال ولا زوال ولا الى شيء استند كيف وهو سبحانه سند من لا سند له وذخر من لا ذخر له واستناده تعالى بذاته لا بشيء سواه والا لم يكن وجوده عين ذاته لذاته بذاته هف واستناد الاشياء كلها بفعله تعالى اذ لا اقران لها بذاته جل وعلا لانها هناك معدومة والعدم البحت لا يقترن بالوجود الصرف ولا في شيء استكن وحل واستجن ولما كانت هذه الامور التي نفاها (ع) عنه تعالى بعضها مما يثبت له تعالى بضرورة الاسلام والايمان بل بضرورة العقل مثل كونه تعالى معلوما ومجهولا ومذكورا وخالقا وفاعلا وهما يستلزمان الاتصاف والاستناد وذلك ينافي ما نفاه الامام عليه السلام كليا بقول مطلق اراد عليه السلام ان يذهب هذه الواهمة ويبطل هذا الايراد ويوضح هذا الاشكال بقوله عليه السلام وذلك كله قبل الخلق اذ لا شيء غيره اي ما ذكرنا من الامور المنفية من كونه تعالى ليس بمعلوم ولا مجهول ولا مذكور ولا منسي ولا محكم ولا متشابه وغيرها كل ذلك انما هي قبل الخلق اذ لا شيء غيره حتى يكون باعتبار ذلك الغير معلوما ومجهولا ومذكورا ومنسيا ويجعل له اسما يدعوه بها هو هو ولا شيء سواه فاذا كان كذلك تنفى عنه جميع الصفات والاسماء التي نسبها النسبة وارتباط واقتران واما وصفه تعالى بتلك الاوصاف واثبات بعض الامور فانما هو بعد الخلق ونسبته اليه تعالى فيكون سبحانه معلوما عندهم بالآثار مجهولا بالذات مذكورا عندهم يذكرونه تعالى عند الطلبات ودواعي القابليات فحصول هذه الاشياء انما هو عند الخلق ومع الخلق اما قبل الخلق فلا اسم ولا ذكر ولا مذكور ولما كان في هذا الكلام توهم تغييره تعالى بخلقه وتجدد الحالات له تعالى وقد قامت الضرورة على بطلانه اراد عليه السلام دفع هذه الواهمة فقال عليه السلام وما وقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم اي ما اوقعت عليه سبحانه من الصفات والاسماء بقول مطلق فهي ليست ذاتية توصف الذات بها حتى يلزم التغيير وتجدد حال له وتفاوته قبل الخلق وبعد الخلق وانما هي صفات واسماء حدثت عند تعلق فعله تعالى بمفعولاته فهي حادثة منتهية الى الفعل لا الى الذات وهي صفات الافعال لا صفات الذات ولكن الفعل لما كان مضمحلا وفانيا عند الذات لا ذكر له معها تنتقل الذهن عند ملاحظة هذه الصفات الى الذات وهذه الذات الملحوظة المدركة بتلك الاوصاف ليست هي كنه الذات وانما هي مثالها الذي نسميه بالذات الظاهرة وهي الذات المعبرة في المشتقات وتمام هذا الكلام في هذا المقام في شرح الخطبة الطتنجية فاذن لا يلزم التغيير واختلاف المتوهم والذات سبحانه على ما هي عليه قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق بلا نسبة وارتباط الا نسب فعلية لا تصل الى الذات البحت سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وهذا الذي ذكرنا مختصر بيان الفقرات الشريفة
قال سلمه الله تعالى : وقال ايضا عليه السلام لعمران الصابي اما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا اعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا باعراض وحدود وثم سيدي تفيد التراخي عند اهل العربية ما هذا التراخي وما معناه والله منزه عن المكان والزمان وما معنى هذه المذكورات على التفصيل افدني سيدي فداك ابي وامي ونفسي فاني مضطر فقير اليك فلا تردني من بابك خائبا وانا والله محتاج واي محتاج فبالله عليك اجبني وعندي اناس هم ممن يرون رأيكم ومتعطشين لكلامكم فارشدونا معلومكم فانه مااخذ الله على الجهال ان يتعلموا حتى اخذ على العلماء ان يعلمونا الله الله سيدنا فاني قصدت جنابك الاقدس فلا ترد فانك اهل الكرم والجود حرره عبدكم ومملوككم وقنكم وفقيركم محمد بن حسين بن خلف بن سلمان البحراني
اقول : هذا آخر مسائله وكلامه اعلى الله مقامه وافاض عليه من جزيل انعامه المراد بالواحد هنا ذات الله سبحانه اي الاحد قد يطلق احدهما ويراد به الآخر واما الوضع الحقيقي فالواحد موضوع للصفة الفعلية و فيه وحدة ظاهرية وكثره اجمالية ولذا لا ينفي بنفيه القليل والكثير كما ينفي بنفي الاحد فلو كان للذات البسيطة المحضة من حيث هي بلا حدود واعراض كان لا يبقي بنفيه شيء فظهر انه للصفة التي هي الوجه الواحد من الذات فالاحد موضوع لوحدة صرف الذات البحت مجردة ومعراة عن جميع السوي والغير والواحد موضوع للوحدة الوصفية في مقام القيومية والوضع في كلا المقامين يقع على العنوان وذلك ان ذات الله سبحانه لا تدرك ولا تنال ولا يتغير عن حال الى حال وانما ظهوره بصنعه ومعرفته باثر فعله وهو سبحانه تجلي لخلقه بخلقه وعرفهم نفسه بنفسه فلما وجدوا غابوا عن وجدانهم وشهودهم فعرفوا ربهم بما نقش في لوح ذاتهم وحقيقة سرهم ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فما عرفوه الا من انفسهم لكن مصون السر عن النظر اليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها فكان ظاهرهم هياكل بشرية وباطنهم اسرار الهية ونشئات قدسية ومظاهر الاحدية ولما كان بين الاسم والمسمى واللفظ والمعنى لا بد من المناسبة الذاتية فوجب ان تكون الاسماء الالهية الدالة على التوحيد مستنطقة ومستخرجة من الحروف الخلقية ولما كان حدود الخلق ستة وهي الايام الستة التي خلق الله فيها الشيء فكانت الواو هي الاصل في الدلالة على نفس الخلق من حيث هم واذا كشفت عن باطن الواو الذي هو باطن الحدود الخلقية ونظرت الى سرها بزبرها وبيناتها استنطقت منها الاحد لكونه ثلثة عشر فدل ظاهر الخلق على حقيقة التوحيد الفرد والى هذا المعني وقعت الاشارة في الانجيل بقوله تعالى يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء وباطنك انا ه اي ظهور توحيدي لا سر ذاتي كما يقوله الملحدون من الصوفية فمن سر الواو ظهر الاحد فاذا اضفت الواو الى الاحد ونسبت الخلق اليه بكونه اليه وبه وعنه على جهة الاضمحلال والزوال باظهار سر القيومية ظهر الواحد فالواحد فيه ذكر الغير على جهة الاضمحلال والاحد لا ذكر للغير لانه ظهور بعد القاء الواو وظاهر نفسه فلا ذكر للغير فيه فالاحد هو الربوبية اذ لا مربوب لا ذكرا ولا عينا ولا كونا والواحد هو الربوبية اذ لا مربوب كونا وعينا والربوبية اذ مربوب ذكرا والاحد رتبة الذات والواحد رتبة الاسماء والصفات فهو ينبوع الاسماء وحقيقة المسمى من حيث هو كذلك والواحد الذي ليس من الاعداد هو الاحد وهو الذي به اختص القديم سبحانه والواحد الذي هو مبدء الاعداد ومقابل الاثنين والثلثة فهو من الاعداد لكنه ثلثة لان الممكن لا يخلو عن جهات ثلثة الا ان الوحدة لما غلبت عليها اضمحل حكم التثليث وبقي حكم الوحدة من قبيل اطعني اجعلك مثلي وكما تقول للشخص انه صفراوي المزاج وان كان لا يخلو من ساير الاخلاط فكان اول الاعداد بل اول الاشياء ومبدئها الثلثة فاول الفرد ثلثة الزوج اربعة والاثنان اجمال الاربعة والواحد اجمال الثلثة ولذا كان المثلث ابا الاشكال واصلها وهو شكل ابينا آدم عليه السلام في العوالم الالفالف فنفي الوحد العددية عن القديم سبحانه لكونه ثلثة وهي تستلزم الكثرات كلها وجملتها ولما كان الواحد فيه ما ذكرنا من عدم التمحض في الوحدة الكاملة البالغة قال عليه السلام في تفسيره اما الواحد انما عبر عنه بهذا اشارة ورعاية لقول عمران فيما تقدم ما لقيت من يثبت لي واحدا قائما بوحدانيته فاراد عليه السلام اثبات الواحد له كما اراد بما اراد لما اراد فقيد الواحد بقوله فلم يزل واحدا كائنا فنفي عنه تعالى الاضداد والشركاء لان الذي لم يزل كائنا ثابتا لا يزول ولا يحول ولا يتغير ولا يتبدل ولا يحس ولا يمس امتنع ان يكون له مثل اذ لو فرض وجب ان يكون قديما موجودا فاشتركا في القدمية واختلفا بالمميز فتغيرا ادخالهما قبل الفصل والتميز غير حالتهما بعد الفصل والتميز والقبل والبعد هنا لا ذاتيان لا زمانيان فلم يكونا ازليين اذ حدث فيهما ما لم تكن قبل فكانا حادثين لعدم كون الوجود ذاتيا والا لم يفقد اشياء وحالا لم يكن فالذي وجوده ذاته امتنع تعدده وتكثره بحصول التركيب والتغيير المنافيين لعينية الوجود كما اثبتنا في رسالة منفردة وقوله عليه السلام ولا شيء معه رد وابطال لقول من زعم استجنان الاعيان الثابتة في القدم والازل وانها قديمة اذ القديم ما لم يتعلق به جعل جاعل والاعيان عندهم كذلك سواء قلنا ان الشيء اعم من الوجود ام مساوق له وكذا القول بزيادة الصفات عن الذات كما هو مذهب الاشاعرة وكذا القول بان بسيط الحقيقة كل الاشياء وان الوجودات كلها في ذات الله بنحو اشرف وامثالها من الاقوال لان الذي ازلي غير مستند الى شيء وجوده ذاته بذاته فلو فرض ان لغيره ايضا وجود وتحقق فان كان وجود الغير عين ذاته بكل اعتبار ارتفعت الاثنينية وان لم يكن عين ذاته كان فاقدا لذلك الوجود فلم يكن الوجود ذاتيا لان الذاتي لا يتخلف هف فالذي هكذا لا يكون معه شيء بل ابدا له ذكر في ذاته وصفاته الذاتية التي هي عين ذاته قوله عليه السلام بلا حدود ولا اعراض رد وابطال لقول القائلين بوحدة الوجود فان الوجود هو ذات الله سبحانه والخلق حدود واعراض لذلك الوجود تعينه بحد فيكون منشأه مرتبة من المراتب كالبحر والامواج كما قال شاعرهم:
البحر بحر على ما كان في القدمان الحوادث امواج واشكال
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فان المحدود ينفعل بالحد ويتغير به لان حالة الاطلاق غير حالة التقييد ثم ان المحدود لو لم يكن صالحا للحد مايصح تحديده به وجهة الصلوح غير جهة الذات فتكثر الذات عند ذكر تلك الصلوحيات مع ان كل ما يقبل الحد يقبل الزيادة والنقصان وكذلك القول في الاعراض لانها هي الحدود او اعم منها ولا شك انها خارجة عن حقيقة الذات ولا يتصل بها الا لما بينهما من المشابهة والملائمة والايتلاف وكلها نسب يجب تنزيه الباري سبحانه عنها لاستلزامها التركيب وكون الواجب حادثا او الحادث واجبا لان النسبة تستدعي اتحاد الصقع في المنتسبين لانها رابطة ووصلة والشيء الذي كلها سواه معدوم عنده لا يقترن بشيء ولا يتصل به ولا يرتبط معه ثم ان الاعراض ان كانت حادثة يلزم ان يكون الواجب محلا للحوادث وان كانت قديمة يلزم تعدد القدماء وفي هذا القول ايضا اشعار الى ابطال ما ذهب اليه المتكلمون من ان موضوع علم الكلام هو ذات الله تبارك وتعالى مع اتفاقهم بان الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية والله سبحانه منزه عن ذلك كله قوله عليه السلام ولا يزال كذلك يعني انه تعالى لا يتغير بخلقه الخلق لتكون له حالتان حالة قبل الخلق وحالة بعد الخلق بل حاله سبحانه واحد في الحالين وهذا دليل عدم النسبة وان نسبة الخالقية والمخلوقية لم تقع في رتبة الذات وانما هي في مقام الاسماء والصفات الفعلية الاضافية فلو كانت النسبة جارية على الذات تغيرت البتة وماصح القول بانه تعالى لا يزال منزه عن الاقتران لان النسبة تابعة للمنتسبين فقبل وجود احدهما لم يوجد لاستحالة النسبة الا في الشيئين وحيث كانت الحوادث معدومة وجدت بالايجاد كانت النسبة عند الايجاد فان كانت هذه النسبة مع الذات لم تكن حالها قبل الخلق هي حالها بعد الخلق وهذا خلاف ما اجمع عليه المسلمون فابطل عليه السلام بهذا القول الربط بين الحادث والقديم كما عليه جماعة من الناس وكذا ابطل بذلك قول من توهم من قولهم عليهم السلام كان الله ولم يكن معه شيء بان الله سبحانه كان في وقت لم يكن هناك شيء ثم صارت الاشياء في وقت آخر فيكون زمانه فاصلا بينه وبين خلقه حتى توجه عليهم كلام بعض الحكماء من ان هذه الفاصلة الزمانية لا تخلو اما ان تكون متناهية او غير متناهية فان كانت متناهية لزم تحديد الواجب وان لم تكن متناهية يجب ان لا يوجد الخلق الى الآن اذ كل وقت فرض حدوث الخلق تناهت الفاصلة ولزم التحديد ثم ان هذا الوقت والزمان الذي كان ولم يكن شيء لا يخلو اما ان يكون شيئا ام لا فان لم يكن شيء ارتفعت السابقية وان كان شيئا لا يخلو اما ان يكون حادثا او قديما فان كان حادثا وجب ان لم يكن في وقت ثم ننقل الكلام في ذلك الوقت بعين ما ذكرنا فيدور او يتسلسل او ينتهي الى عدم الوقت والزمان وان كان قديما لزم تعدد القدماء وذلك معلوم البطلان ولما تنبه بعضهم الى هذه المفاسد واشباهه من انقطاع الفيض الغير اللايق بالكريم الفياض والتعطيل في ما يصح الافاضة والفعل وغير ذلك قال ويجب ان تحمل الزمان السابق على خلق الاشياء المستفاد من قولهم عليه السلام كان الله ولم يكن معه شيء على الزمان الموهوم المتوهم لا الموجود المحقق حتى يلزم ما ذكرنا وليت شعري ما الذي نفعه هذا التوهم اذا لم يكن صادقا مطابقا لما في الواقع والمفروض ان في الواقع الوجودي لا وقت ولا زمان واما الواهمة فهي منوطة بوهم الواهم فاذا لم يتوهمه قبل خلقه وقبل خلق الواهمة والتوهم كيف كان الامر هل كان زمان ووقت لم يكن فيه شيء ام لا وعليه العمدة والاعتماد والواهمة لا تغير الحقايق المتأصلة الوجودية وكل هذه المغالطات انما نشأت من ظواهر الاخبار والآثار والادعية كما في الدعاء يا ذا الذي كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء وغير ذلك وهم عليهم السلام لما عرفوا ذلك من قوله تعالى وما ارسلنا من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ارادوا (ع) نسخ القاء الشيطان من كلامهم (ع) فقالوا كما عن امير المؤمنين عليه السلام فان قيل كان فعلى ازلية الوجود وان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم فبين ان كان ازلية لا زمانية والازل ليس عنده قبل وبعد ومتى والقبل هو عين البعد والعكس والاولية هي عين الآخرية كالعكس كما قال امير المؤمنين عليه السلام لم يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون آخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا فاذن يكون حاله قبل خلق الخلق هو حاله بعد الخلق فكما كان ولم يكن معه شيء وكذلك يكون ابدا لم يزل والا كانت له حالتان ومتغير الحالة حادث ولذا قال عليه السلام في جواب عمران ولا يزال كذلك اي كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا اعراض فبالاول نفي ما نفى ما عليه المتكلمون وبالثاني نفي ما عليه الصوفية الملحدون واظهر الحق الصريح ولو كره المشركون وقد بين الامام عليه السلام في هذه الكلمات جميع ما يتعلق بامر التوحيد والاسماء والصفات وظهور الوسايط وكونه منزها عن وصف الواصفين ومتعاليا عن ادراك العارفين وان الاشياء لا تنتهي اليه تعالى ولا تقترن بها بل مرجع الاشياء ومصدرها ما يشابهها فرجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وانتهى المخلوق الى مثله والجأه الطلب الى شكله فبقوله عليه السلام اما الواحد اشار الى الصفات كلها والى الاحد الذي هو الذات اما الصفات كلها فانها كلها مقهورة تحت الواحد فان الصفة هي ظهور الذات باثر من الآثار الفعلية وقد قلنا ان جميع مراتب الخلق تنحصر في قوى الواو فاذا اضيف الى الاحد الذي هو ظهور الذات فتكثر الاسماء والصفات للشيء الواحد لان الظهور بالمتعلق ينصبغ بصبغه فالظهور بالرحمة يكون الرحمن والظهور بالخلق يكون خالقا والظهور بالعظمة يكون عظيما وهكذا الى ما لا نهاية له من الاسماء التي تظهر وتشتق عند وجود المبدء الذي هو الاثر ولذا كان الواحد مبدء الاعداد الغير المتناهية واما الذات فلأن الواحد لا قوام له بالاحد ضرورة ان الصفة لا تقوم الا بالذات بنحو من انحاء القيام كما فصل في محله وبرهن في موضعه وبقوله واحدا كائنا اثبت جميع مراتب التوحيد التي ترتقي كليات مراتبه الى خمسة آلاف ومأتين وثمانين مرتبة وبقوله عليه السلام لا شيء معه اثبت تنزهه عن جميع الممكنات اذ لا عليه ما هو اجراه وبقوله عليه السلام ولا يزال كذلك اثبت انقطاع الخلق عن الوصول الى عز جلاله وانقطاع النسبة مطلقا بينه وبين خلقه فلا ينتهي شيء ولا يتصل به شيء والخلايق لا محيص لهم عن النسبة والا عدموا وفنوا واضمحلوا فتكون النسبة الى اسمائه وصفاته وهي لمظاهره ومقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان وهو قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع الآية وشرح هذه الاحوال يضيق القلب بابرازها في السطور ولا يضيق باخفائها في الصدور مع ما يستلزم من تطويل المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال قال عليه السلام ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا باعراض وحدود مختلفة لا في ( شيء ظ ) اقامه ولا في شيء حده وعلى شيء حذاه ومثله له اقول هذا التراخي ليس زمانيا ليتخلل زمان بين ذاته وبين خلقه ولا دهريا ولا سرمديا ولا طبعيا ولا ذاتيا كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح ولا غير ذلك من انحاء التقدم والتأخر وانما هو تراخي حقيقي بلا كيف ولا وضع لان جميع ما يتصور من انحاء التقدم والتاخر واقسامه كل ذلك مخلوق بهذا الخلق ولا يجري عليه ما هو اجراه وهذا الخلق هو الفعل المخلوق اولا عبر عنه بالمخلوق المبتدع ردا على من يزعم انه امر اعتباري لا وجود له متحقق وهو باطل وانما هو مخلوق مصنوع مخترع مبتدع ذات تذوتت بها الذوات وتحققت بها الكينونات فكيف يكون امرا اعتباريا واثره ذوات متأصلة فان المفعول معمول للفعل ومحدث به ولا يعقل تذوت المعمول واعتبارية العامل المؤثر بالفعل ايضا عامل في الفاعل لكون فاعلية الذات انما تكون بالفعل لا بالذات والا لزم الاقتران والتغيير المنفيين باجماع المسلمين وهذا الخلق انما وصفه بالابتداع على معنى الاختراع فان احدهما يطلق على الآخر اذا افترقا والاختراع هو الخلق لا من شيء اصلا فيكون هو مبدء الموجودات اذ كلها مخلوقة من شيء اي من المادة التي احدثها الله سبحانه فهذا الخلق فهو المخترع بالاختراع الاول الذي هو نفسه وحقيقته سبحانه اول ما خلق الفعل وهو المشية والارادة والابداع والاختراع خلقه بنفسه لانه حركة ايجادية وهي لا تتولد من الذات وانما تحدثه بنفسها لا بحركة غيرها كما قال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فنفس المشية هي جهة فاعلية نفسها بالله تعالى فتدور المشية عليها على خلاف التوالي لكون الاستدارة استدارة المعلول على علته وهي تدور على المشية على التوالي لكونها استدارة العلة على معلولها وبلا فرض العلية والفاعلية لم يتحقق الشيء ضرورة ان المفعول يتقوم بفاعله والمعلول يتقوم بعلته الا ان العلة لما كانت صفة فعل لا صفة ذات لاستلزامها المقارنة و المناسبة والمرابطة لا يجوز ان ينتسب الى الذات لتعاليها عن الاقتران فوجب ان تكون تلك الصفة في رتبة الفعل عند احداث الفعل نفسه يكون للفعل جهتان جهة هي تلك الصفة اي الفاعل والعلة التي هما اسماء الفاعل لا اسماء الذات وجهة هي الانية المعلولة فالعليا تدور على السفلى على التوالي والسفلى تدور على العليا على خلاف التوالي والتمييز بين العليا والسفلي انما عند التعلق بالآثار والمتعلقات واما في ذاته فانما هو شيء واحد بسيط لا تعتبر فيه جهة وكيف واقتران واتصال كما قال الرضا عليه السلام ولا كيف له اي للفعل كما انه لا كيف لذاته ولما كان الجعل والاحداث لا يتم في التأثير الا بالكيفيات الاربع لان كل واحد منها شرط لتحقق الاخرى في الظهور والوجود ولذا قلنا اذا تعلق الفعل بالمفعول حدث هناك اربع كيفيات النار لحرارة الحركة الايجادية المعبر عنها بالفعل ولاستقراره في نفسه وعدم صيرورته نفس المفعول كما هو مذهب طائفة والهواء لربط بالمفعول ونسبة اليه فالربط رطوبة ورطب وجهة الفاعل حرارة الماء لربط المفعول بالفعل وتوجهه اليه للاستمداد منه التراب لحفظ المفعول ما يقع عليه من تأثير الفعل والفاعل وهذه الطبايع مما لا بد منه في ممكن من الممكنات الا انها تختلف ظهورا وخفاء لشدة بساطة المفعول وتركيبه اي ظهور البساطة والتركيب والا فالتركيب لا يخلو منه ممكن كما اشتهر في قولهم كل ممكن زوج تركيبي ولما كان هذا الخلق الاول وجد بنفسه لا بامر آخر غيره كانت الطبايع هناك متحدة فالنار هناك هي نفس الثلثة وهي نفس النار وكل واحد منها نفس الآخر بل هو شيء واحد يطلق عليه هذه الاسماء كما تقول ان الله تعالى عالم قادر سميع بصير وكل واحد من هذه الصفات هناك غير الآخر واختلافها انما ظهر باعتبار الآثار والمتعلقات وهذا المثال تقريبي والا فالمشية عند الذات مختلفة كما صرح (ع) في المتن كما نبين لك انشاء الله تعالى ولذا عبر عنه (ع) بالاختلاف لانه كلامه في الوحدة المحضة كما هي شأن سؤال عمران فيكون الفعل هو اول الخلق وهو المختلف في ذاته بالطبايع الاربع وان كان بينها اتحاد وايتلاف وهذه الطبايع ايضا ظهرت فيه في الكونين والعالمين المعبر عنهما بالعقدين والحلين ففي الحل الاول فالرطوبة فيه غالبة لانها هناك اربعة اجزاء واليبوسة جزء واحد من الحرارة والبرودة بالنسبة وفي الحل الثاني فاليبوسة فيه غالبة لانها هناك جزء واحد والرطوبة جزءان فيحصل الانعقاد ففي كيفية خلق الفعل اخذ سبحانه وتعالى من رطوبة الرحمة بتلك الرطوبة التي هي نفس الرحمة بنفس الرطوبة بتلك النفس اربعة اجزاء بها ومن هبائها اي اليبوسة نفسها بها جزء به ثم صعد بها بنفس الصعود في هواء عالم الظهور فتراكمت بها وانعقدت بها به ثم قام عبدا خاضعا خالصا الفقر لله سبحانه بكله وببعضه فحباه سبحانه سر الكينونة مع اليبوسة فجري الاشياء وجميع الصور وحضرت عنده الاعيان وانتهت اليه روابط عالم الامكان فظهر كعموم قدرة الله وحصلت له باعتبار الجهات اسماء فهو الوجود المطلق لكونه في تحققه وتكونه وصدوره وانصداره لا يحتاج الى شيء سوي فاعله وخالقه فوجوده مطلق اي ليس مشروطا بشرط وقيد كساير الحوادث والموجودات وهذا معنى اطلاق هذا الوجود وكونه لا بشرط لا على ما يزعمون من انه حقيقة واحدة انبساطية يتعين بالحدود والاطوار والعينيات فان الامام الرضا عليه السلام نفي هذا المعنى عنه ويسمى ايضا بالظهور والتجلي الاولي لكونه جهة الله سبحانه وذكر ومذكوريته في الامكان ويسمى بالفعل والحركة الايجادية لكونه ظهوره سبحانه لغيره وموصل فيضه الى ما يريد من خلقه ويسمى الفاعل لكونه ظهوره سبحانه له به ولغيره يسمى بالمشية لكونه اول الذكر والمذكور وبه نشأت الاشياء وتأصلت وبالارادة حيث انه مبدء الصور والاعيان وبالاختراع حيث انه تكون لا من شيء وبالابتداع حيث انه تكون لا لشيء ولا على احتذاء مثال وبالتعين الاول حيث انه اول مظاهر الحق سبحانه وظهوراته في الامكان وبالشجرة المباركة الزيتونة حيث انه الاصل المنشعب عنه الحدود والحيثيات وكونه مصفى عن جميع ما ليس له سبحانه وبالمحبة حيث انه اول الميل الذي هو مبدء الايجاد وعلته وبالرحمة حيث انه به الاحسان والامتنان ومن اثره الماء الذي به كل شيء حي وبالولاية المطلقة حيث انه تدبير الحق للخلق في الخلق والاخذ بزمام كل شيء وبناصية كل دابة وبالازل الثاني حيث انه لا غاية لاوله ولا نهاية لامده وهو منقطع ومضمحل له اول وآخر عند بارئه وبصبح الازل حيث انه اول ظهور الحق سبحانه كما ان الصبح اول ظهور الشمس وبآدم الاول لكونه في اول الاصول واصلها وغايتها وبالاسم الاعظم حيث ان كل الظهورات والتجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه لها وبالكاف المستديرة على نفسها حيث انه متمم لحقايق الامكان والاكوان ومتمم لنفسه بنفسه بالله سبحانه وبالسر المقنع بالسر والسر المجلل بالسر والسر المستسر حيث انه مبدء المبادي وجوهر اوايل العلل وبالسبحات حيث ان الماء الواقع على ارض الجرز انما نشأ منه وصدر عنه وتأصل به وبالكلمة الاولي العليا حيث انه اللفظ الصادر عن فعله سبحانه بنفسها وبالامر حيث انه حكم الله على الموجودات وبفلك الولاية المطلقة حيث انه المستدير على نفسه وقطب لما سواه وبالعلم حيث انه الذكر الاول للاشياء الامكانية وبالقدرة حيث انه به استولى الله سبحانه على الاشياء واستطال عليها وبالعرش الاعظم الاعلى حيث انه به ظهور مواد الخلق وتأييداتهم من عند الله سبحانه وغيرها من الاسماء والصفات التي يطلع عليها الفطن الماهر في استعمالات حفظة الشريعة (ع) وتعدد الاسماء لاجل اختلاف جهات ذلك الخلق المبتدع وتلك الجهات المستدعية لتعدد الاسماء ليست ذاتية وانما هي باعتبار تعلقات الآثار والمفاعيل وهذه هي الاسماء العامة للجهات العامة وله ايضا اسماء خاصة وهي لا تحصى ولا تعد ولا يصفها الواصفون ولا يعدها العادون مثل الحركة المطلقة فانها اسم للفعل المطلق واما الحركات الخاصة المتعلقة بآثار خاصة كالقيام والقعود والاكل والشرب وغير ذلك فلها اسماء خاصة كالقائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك و قد برهنا في مقامه ان المشتقات انما تشتق من المصدر المشتق من الفعل فتلك هي اسماء الافعال لا اسماء الذات فافهم فظهر لك ان هذه الاختلافات ليست من حيث الذات وانما هي من حيث الاعراض والحدود واليه الاشارة بقوله عليه السلام مختلفا باعراض وحدود ولا شك ان الاعراض والحدود خارجة عن ذات المعروض والمحدود وجزء للحقيقة المتحصلة من انضمام ذلك الحد فان كان المحدود الكينونة فتسمى الحدود ذاتية كتحديد ذات الانسان بالحيوان الناطق وان كان المحدود الصفات والافعال فهي الحدود الفعلية كتحديد الانسان بانه الكاتب والقائم والقاعد ولذا عد المنطقيون امثال هذه الصفات من الخاصة او العرض العام واما الحدود الذاتية مثل الفصول والمشخصات النوعية والجنسية فعدوها من الذوات لانها اما جزء الماهية او عينها على ما زعمهم فالحدود الذاتية في المشية هي الطبايع الاربع المذكورة ومراتبه الذاتية في تكوينه من الحلين والعقدين واختلاف مراتبه ايضا بالنقطة والالف والحروف والكلمة التامة وامثالها من الذاتيات التي لا نطول الكلام بذكرها لكن لا على جهة الاختلاف والكثرة وانما هي محض الايتلاف والوحدة ولا يمكننا ادراك تلك الجهات والاختلافات لان اقصى مقامات الوحدة الحاصلة لنا بحيث لا يمكن لنا ان ندرك وحدة وبساطة اعظم واشد منها هي ذاتنا وحقيقتنا لا من حيث هي هي وهي اثر المشية والفعل الاول الاعظم بوسايط ولا شك ولا ريب ان التأثير انما يقع في الرتبة السفلى لا الرتبة الاعلى والاثر يحكي الوجه الاسفل من احد ظهورات فعل المؤثر فاذا كان هذا الوجه الاسفل الذي هو وجه واحد من الوجوه الغير المتناهية في الوحدة والبساطة والاتحاد كما ترى فما ظنك باصل الفعل ونفس المشية وحقيقة هذا الخلق المبتدع المخترع ولكن لما كان الفعل اثر الذات ومضمحلا لديها وفانيا عندها والحادث لا يكون الا ذا الجهات قال عليه السلام خلقا مبتدعا مختلفا وكان قوله عليه السلام بالحدود والاعراض اشارة الى ان هذه الاختلافات الظاهرة انما هي لاجل التعلقات وهي الحدود العرضية المتعلقة بالمشاءات مثل هيئة حركة اليد بالنسبة الى الكتابة ورسم حدودها وخطوطها او الى ان كل ممكن زوج تركيبي وان هذا التركيب لا يكون الا بالاطلاق والتقييد والاجمال والتفصيل والتعميم والتخصيص ولا ان تكون الاجزاء متساوية في العموم والخصوص والاطلاق والتقييد فان ذلك خلاف صنع الحكيم بل لا يجري النظام المتقن الا عليه