رسالة في جواب الشيخ محمد بن الحسين البحراني - ۳ (السلسلة الطولية والعرضية، الشقي شقي في بطن امه، مثل

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الشيخ محمد بن الحسين البحراني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثالث عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلم على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم اجمعين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب العالم العامل والفاضل الكامل الشيخ محمد بن حسين بن خلف بن سلمان قد ارسل الينا مسائل كثيرة اغلبها صعبة عويصة قد الحقها بمسائله السابقة واراد الجواب على الاستعجال وانا مع كثرة الاشغال وتبلبل البال ووفور الاختلال وعروض الاعراض والامراض المانعة عن استقامة الحال احببت اجابته وبادرت الى جواب مسئلته واتيت بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور وقد احببت ان تاتيني قبل هذا الوقت لاؤدي بعض حقها من التحقيق واوصل السالك الطالب للحق سواء الطريق ولكنه:

ما كلما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

وقد جعلت كلامه متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل

قال سلمه الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا كافل ايتام آل الرسول ومنتهى السؤال الى سلم الوصول والشهيد بعد الله واوليائه يوم يأتي السائل والمسئول الواسطة بيننا وبين امامنا المحجوب وركننا الذي نلجأ اليه في المنقول والمعقول فيا سيدي قد طرء على فهمي القاصر بعض المسائل لما شاقني من الايضاح في المسائل الاول فالقيتها عليك لانك اليوم عمادي وركني الاشد فاولها :

ما يقول سيدنا ومولانا في تفسير قوله تعالى وسع كرسيه السموات والارض وما كيفية خلق السموات والارض هل هي طباق كما قال الله ام كروية وما معنى العرش كما في قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وكما قال تعالى وهو رب العرش العظيم

اقول اما معنى ان الكرسي وسع السموات والارض فلانه محيط بالسموات والارض وهما بالنسبة اليه كحلقة ملقاة في فلاة قي كما في حديث زينب العطارة عن النبي صلى الله عليه وآله وذلك لان اصغر الكواكب في الكرسي كالسها قالوا انه بعدد الارض خمسة ‌عشر مرة وهو كوكب خفي لا يدركه الا حديد البصر والكواكب الكبار كالجدي وبنات‌النعش والشعري وامثالها اكبر من الارض مائة مرة وانت الآن ان نسبت كل كوكب الى مقره من الفلك يتبين لك سعته وعظم احاطته بقوله صلى الله عليه وآله انها في جنبه كحلقة ملقاة في فلاة قي والشمس اكبر الكواكب جرما وهي اكبر من الأرض ثلثمائة مرة او الف على الخلاف والقمر اصغر من الأرض بخمسة عشرين مرة وعطارد اصغر من القمر فالسموات بما فيها من الكواكب والأرض بما فيها من الطبقات كلها تحت الكرسي ومستمدة منه فهو اذن يسعهما ويحيط بهما وهو ظاهر معلوم واما حقيقة الكرسي فالكرسي كون ثانوي تفصيلي في العالم الجسماني مقر المبادي الجسمانية التي هي حملة الفيوضات الغيبية في المقامات الشهودية ومهابط الاسماء الالهية السرية في العوالم الجسمية بل هي الاسماء الوجودية الالهية الجسمية التي بها يدبر الكون الشهودي والعالم الجسمي وهو المعبر عنها بالكواكب والنجوم وهي الشعلات المستجنة في زبد البحر الذي هو المادة الجسمانية ومن جهة كون هذا الجسم المحيط بالسموات والأرض مقرا لتلك المبادي ومكمنا ومحلا لها والنادي سمي كرسيا ومنطقة هذا الفلك الذي هو المحاذي لقطبه الناظر اليه دائما المفصلة بظهور المبادي باثني‌عشر تسمى بفلك البروج وتلك المبادي المفصلة في هذه النقطة بحدودها المعينة هي العلامات والآيات والمقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان وبها الاهتداء وبنورها الاقتداء وهو قوله تعالى وعلامات وبالنجم هم يهتدون والعلامات هي التي في دعاء رجب والنجم تلك العلامات اتى بها بصيغة المفرد لبيان ان ذلك الجمع مفرد في مقام الجمع والكثرة لا تنفك عن عالم الامكان والوحدة وهي التي تراد من الاكوان والاعيان ولما لم يتفق من الكثرات قد ظهر فيها سر الايتلاف في جميع الاحوال غير الاثني‌عشر ونفس الكرسي والقطب الممد له افرد النجم فافهم والبروج المفصلة في الكرسي في العالم الجسماني مظهر لتلك العلامات والنجم ومن حيث التفصيل الى الثمانية والعشرين تمام دورة العناصر الحقيقية في الاطوار السبعة بظهور الاثني ‌عشر اي البروج والمقر والقطب في العالمين عالم الغيب والشهادة تسمي تلك المنطقة بفلك المنازل فالجسم الكري المحيط بالعالم بعد محدد الجهات هو الكرسي من حيث كونه مقرا للكواكب والبروج من حيث منطقة المفصلة بالبروج الاثني ‌عشر هو فلك البروج ومن حيث تفصيلها الى المنازل هو فلك المنازل وليست هذه الثلاثة افلاكا منفصلة كانفصال ساير الافلاك والسموات من الجزئية والكلية الا ان من جهة اختلاف آثارها واحكامها اختص كل منهما باسم خاص واما كيفية خلق السموات والارض فاعلم ان الله سبحانه خلق ياقوتة حمراء غلظها كغلظ السموات والأرض ثم نظر اليها بعين الهيبة حيث كانت في بدو وجودها شاعرة عاقلة فلما نظرت الى مقامها انجمدت فنظر سبحانه اليه بنظر الهيبة فماعت وكانت بحرا رجراجا وتيارا مواجا ثم بتصادم الامواج ونسب بعضها الى بعض غلظت وكثفت وتلطفت وترققت فصعد اللطيف وهو الدخان وجمد الغليظ ببرودة الماء من جهة الانية فصار زبدا بما يوقد على النار نار العناية ابتغاء حلية من الطور الطيبة والصبغ المحمود او متاع يلتذ به القوى الالهية او يدخن للبقاء في الدار الآخرة لا الزبد الذي يذهب جفاء فانه ما يستقر ولا يصلح لان يكون مقرا للمبادي العالية ومركزا ومهبطا للانوار القدسية ومحلا للاقطاب الاولية فلما تم انجماد الزبد بمشية الله سبحانه ونفاد كلمته دحاها الله سبحانه وجعلها سبع طبقات مستديرات كل طبقة تدور على الاخرى وخلق سبحانه في كل طبقة خلقا على مقتضى قوابلها واستعدادها يسكنون فيها ويانسون بها كالحيتان في الماء وجعل الطبقة العليا محلا لاشرف المخلوقات لاستشراقها بالانوار وتاهلها لحفظ تلك الاسرار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار واما الدخان المتصاعد فخلق سبحانه منها السموات السبع وجعلها اطباقا واقر كل طبقة مقرها بما هو اهله من اللطافة وقوتها وضعفها واظهر قبسات الانوار التي هي شعلات النار من الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها تضيء ولو لم تمسسه نار في مواقع تلك الطبقات على حسب قابليتها لحملها وكينونتها لتحمل امر ربها فمنها ما تحمل واحدا منها لضعف قابليتها وهي السموات السبع والافلاك السبعة ومنها ما اقتضى ظهور كل تلك الانوار والقبسات وهو الكرسي لشدة صفاء طويتها وحسن قابليتها ومنها ما لم يظهر فيه شيء لكمال لطافتها ونوريتها وقوتها لا لاجل ضعفها كالهواء مثلا فان النور لم يظهر فيه ويظهر في الأرض والجسم الكثيف ولا ريب ان الأرض ليست بالطف من الهواء وكذلك ظهور تلك القبسات في ساير الافلاك وعدم ظهورها في الفلك الاعظم الذي هو العرش فمن هذه الجهة ليس فيه شيء من الكواكب لكمال اللطافة الذاتية والشرافة الحقيقية فغابت فيه تلك الانوار وخزنت من سرة الاسرار فالعرش ليس فيه كوكب اصلا ولذا كان اطلس او لكمال اللطافة يقطع كل اربعة وعشرين ساعة دورة تامة مع كمال السعة التي ربما تعرفها بالمقايسة الى الكرسي فانه عند العرش كحلقة ملقاة في فلاة قي والكواكب كلها في الكرسي ولصفاء قابليته وكثافته الاضافية كالبلور بالنسبة الى الهواء وظهور الاحراق فيه دون الهواء والسموات السبع في كل منها كوكب واحد لضعف قابليتها عن تحمل اكثر من شعلة من تلك الشعلات وصيرورتها مظهر الاكثر من آية من تلك الآيات ولما كانت المتولدات في الأرض انما خلقها الله سبحانه وانشأها بنظر تلك الكواكب لانها محال المشية في المراتب الجسمانية السفلية وتدبيرها فيها انما هو بالمحاذات واتصال الاشعة بالصفات جعل لكل سماء في السموات افلاكا جزئية بها تختلف محاذاتها في حركاتها مع القوابل السفلية وتختلف الصور والهيئات والذوات وسائر الشئونات في المتولدات الارضية وانما كان تعدد الافلاك في السبعة لانها الوسايط بين الاجسام السفلية والفلكين الاعظمين الذين هما العرش والكرسي فانهما امثال الافاضة والمتولدات هي الاصل في الاستفاضة ولضعف قابلية المتولدات عن التلقي في العرش والكرسي بغير واسطة جعل الله سبحانه هذه الافلاك السبعة والسموات السبع واسطة في التلقي من العرش والكرسي والايصال اليها فالتعدد في الافلاك لاختلاف المحاذات انما احتيج فيها دونهما فالشمس لها فلكان الممثل والخارج المركز والعلويات مع الزهرة لها مع الفلكين التدوير وعطارد مع القمر لكل منهما اربعة افلاك مع الثلاثة المايل في القمر المدير في عطارد فالحاصل في ضرب الثلاثة في الاربعة والاربعة في الاثنين مع فلكي الشمس والعرش والكرسي اربعة وعشرون باربعة وعشرين حركة بها التقدير والتسخير وبالكل التدبير ذلك تقدير العزيز الخبير واما خلق السموات والأرض في ستة ايام اي في ست مراتب فان الشيء له مادة وله صورة ونسبة المادة الى الصورة ونسبة الصورة الى المادة واول الاقتران والاجتماع وتمام الاجتماع فالمادة خلقت يوم الاحد والصورة يوم الاثنين والنسبة الاولية يوم الثلثا والثانية يوم الاربعاء واول الاقتران يوم الخميس وتمام الاجتماع يوم الجمعة ولذا سمي الجمعة لاجتماع الاصلين مع نسبهما فيه مرتبة مجتمعة بحيث صار المجموع شيئا واحدا يجري عليه حكم واحد ويشار اليه الاسم الواحد مع كثرة مراتبه واجزائه واسبابه وهذا في كل شيء ولما كانت السموات في كل عالم مبدء ذلك العالم واوله خصها بالذكر قال ان السموات والأرض خلقنا في ستة ايام فافهم هذا مجمل القول في كيفية خلق السموات والأرض وتفصيل المقال في هذه الاحوال تطلب في ساير رسائلنا لا سيما الجزء الاول من شرح الخطبة الطتنجية والرسالة الاخرى الموضوعة لبيان السموات والأرض وهيئات الافلاك وتفسير آية الكرسي وقولكم هل هي طباق ام كروية فاعلم ان السموات لا شك انها كروية لان شكل الكرة افضل الاشكال واشرفها واقرب الى البساطة والوحدة فمقتضى المبادي ان يكون على شكل الاستدارة التي هي اشرف الاشكال لان الطفرة في الوجود باطلة فما كان اشرف يجب ان يكون اقدم ولما كانت السموات هي الاشرف والاعلى تجب ان تكون مستديرة واما الانسان فهو وان كان اشرف الا انه من جهة الجامعية علقت بها ثاء الثقيل فاخرجته عن صورة الوحدة التي هي شكل المبدء فاذا فصلت مراتب الانسان كان كل مرتبة على شكل الكرة وهذه الصورة انما اكتسبها من جهة الجامعية ولحوق الكثرة واما قوله تعالى طباقا لا ينافي الكروية وانما المراد ان كل سماء على طبق السماء الاخرى فهي طبقات بعضها طبق الآخر واما العرش فاعلم ان له اطلاقات كثيرة في احاديث اهل البيت عليهم السلام فمنها العرش الاعظم الاعلى وهو المشية والارادة والاختراع والابداع ومنها الحقيقة المحمدية الجامعة لحقايق الاربعة ‌عشر المعصومين سلام الله عليه وعليهم من قوله كلنا محمد صلى الله عليه وآله ومنها العقل الكلي والقلم الاعلى ومنها الانوار الاربعة النور الابيض الذي منه ابيض البياض والنور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة والنور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة ومنها كل الوجود المعبر عنه بالملك في قوله تعالى ورب العرش العظيم اي الملك العظيم ومنها الدين في قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اي دينه والثمانية اربعة من الاولين نوح وابراهيم وموسى وعيسى واربعة من الآخرين محمد وعليّ والحسن والحسين سلام الله عليهم واما قوله تعالى وكان عرشه على الماء فالمراد به المشية كانت مستقرة وظاهرة في الحقيقة المحمدية وهي الماء الذي به حيوة كل شيء ويراد ايضا الدين ومن الماء العلم ومنها الفلك الاعظم محدد الجهات ويحتمل ان يكون هو المراد هو محدد الجهات الجسمانية الفلك المحيط بالعالم الجسماني وبالماء الزمان لان العرش هو مبدء الزمان والمكان وقد قال بعض الحكماء ان الزمان هو يجري من تحت جبل الازل الى ما لا نهاية له والكلام في هذا المقام طويل والقلب سقيم عليل لتناكر ابناء الزمان وانكبابهم على الجهل والطغيان وفي ما ذكرنا كفاية لاولي الدراية

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في قول امير المؤمنين عليه السلام انا الواقف على الطتنجين والالف بين الواوين

اقول اما قوله عليه السلام في الفقرة الاولى فهو موجود في الخطبة المشهورة الطتنجية وذكرنا فيه من معناه ما لا مزيد عليه بالنسبة الى ابناء الزمان ومجمل بيانه ان الطتنج عبارة عن الخليج المنشعب من البحر الاعظم والطتنجان خليجان من ماء والمراد بالبحر هو بحر الصاد واول المداد ومبدء الاستعداد وهو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات وهو ماء الوجود وسر الشهود ومبدء العبودية وهو مادة المواد وهيولي الهيوليات وعنصر العناصر ونور الانوار واسطقس الاسطقسات وايس الايسيات وهو الفؤاد ومبدء الوجود المقيد وهذا بحر يجري تحت عين شمس الازل وهو النور المشرق من صبح الازل فيجري على اودية قوابل الممكنات وصور الكائنات فتظهر به الاضداد وتنشئ به الانداد ويظهر به الظلمة والنور والخير والشر والسعادة والشقاوة والجنة والاخيار والاشرار وكل من النور والظلمة خليج ينشعب من ذلك البحر وهو قوله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فالعطاء ذلك البحر وهو يمد النور والظلمة والخير والشر والنور بجهة موافقته والظلمة بجهة مخالفته الا ترى ان اهل الجنة والنار كلهم انما ظهروا بكلمة التوحيد فمن قبلها ووافقها في الاعمال والمقتضيات فهو من اهل الجنة ومن خالفها ولم يعمل بمقتضاها دخل النار وكالقرآن فانه نور وشفاء للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وهو قوله تعالى وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا ولما كان ذلك العطاء الذي يمد المؤمن والكافر عند رسول الله صلى الله عليه وآله كما قال تعالى هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب وكان امير المؤمنين يده وعضده وبابه صلى الله عليهما والخير والشر انما يظهران بولايته وهو موصل العطاء الى المستحقين ومبلغهم الى درجاتهم من عليين وسجين وهو عليه قسم الجنة والنار وهو نعمة الله على الابرار ونقمته على الفجار وهو باب السور الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب كما في قوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وهو اذلة على المؤمنين واعزة على الكافرين وهو العذاب الواقع الذي ليس للكافرين عنه دافع كان امير المؤمنين عليه السلام واقفا على الطتنجين والخط الفاصل الموجب لانشعاب البحر الى شعبتين فهو عليه السلام يمد اهل الحق والخير في التكوين والتشريع بانواع الخيرات ويمد اهل الباطل فيهما من احكام الخذلان بانواع الشرور والمعاصي والخطيئات وهو الميسر كل احد لما خلق بالله تعالى ولذا كان امير المؤمنين اي يميرهم العلم ويقدر لهم فيعطي بقدر ويمنع بقدر ويوسع بقدر فهو الواقف على الطتنجين يمد كل احد بما يناسب حاله ومقامه في مراتب النشأتين ويرفع الخلاف من البين مع انه موقع الخلاف في الثقلين يا عليّ ما اختلف في الله ولا في وانما الاختلاف فيك يا عليّ فهو عليه السلام موقع الخلاف ورافع الوفاق والايتلاف وكل من الطرفين المختلفين مستمد من العطاء وهو عليه السلام حامل ذلك العطاء واصل الوفاء والله سبحانه من ورائهم محيط واما الفقرة الثانية فهي انا الالف بين الواوين فلم يعثر عليها الا ان المراد واحد فان الواوين يمكن ان يكون اشارة الى ما ذكرنا فان الواو اشارة الى الحدود الستة التي لا ينفك عنها شيء وهي الزمان والمكان والكم والكيف والجهة والرتبة فلا شيء الا وهو جامع هذه الستة ولا يقع التميز والاختلاف الا بهذه الستة وهي فصل الخطاب وهو الست بربكم وهو خطاب واحد يتميز ويتشخص المخاطبين بهذه الحدود الستة وهذه الحدود قسمان نورانية وظلمانية وهما متشابهتان في الصورة كالكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة والبلد الطيب والبلد الخبيث والشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة وشجرة طوبى وشجرة الزقوم فالطتنجان واوان والالف هو القلب الواقف في البين القائم الممد للطرفين والواو اشارة الى جملة العوالم فانها باجمعها تنقسم الى القسمين ويمدهما الله تعالى بالقطب الحقيقي للعالمين وذلك القطب الواقف في البين النقطة التي تساوي نسبة الكل اليه هو مولانا امير المؤمنين عليه السلام ويمكن ان يراد بالواوين الدنيا والآخرة والالف هو الرجعة وهي الواقفة بين العالمين والبرزخ بين النشأتين والرجعة اصلها وقوامها بامير المؤمنين عليه السلام ببدله في القائم والحسين وبنفسه الشريفة وبسره واصله هو رسول الله صلى الله عليه وآله لانهم حقيقة واحدة ونور واحد صلى الله عليهم وعلى تبيعتهم من المؤمنين الصالحين الذين يتبعونهم بالاقرار بفضائلهم والسلوك لمسلكهم والاهتداء بهديهم ولعنة الله على مبغضيهم ومنكري فضائلهم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى اجراء مصالح العباد في التكوين والتشريع بواسطتهم عليهم السلام

اقول لما ثبت بالدليل العقلي ان الله سبحانه لا يباشر الاشياء بذاته لتعاليه عن ذلك بل قال العلامة المجلسي ان ذلك محال على الله سبحانه انما يوجد الاشياء الحوادث بفعله والفعل ايضا حادث مخلوق يجب ان يكون له محدث خالق والمباشرة الذاتية ممتنعة فيجب ان يكون الفعل انما يحدثه بنفس الفعل لا بذاته والا لزم المحذور الاول والطفرة لما كانت باطلة في الوجود يجب ان يكون اول ما تعلق الجعل به اشرف مخلوقاته وافضلها واكملها ولو ساواه غيره لم يكن افضل ولو لم يكن لاول المخلوق نور وجمال ولنوره نور وجمال لم ذلك افضل واكمل واشرف لان الكمال ان يكون له نور الا ترى الشمس اذا لم يكن لها نور لم تكن كاملة فاذا وجب ذلك فقد اجمع المسلمون على ان اول الموجودات واشرف الحوادث المذروءات محمد واهل بيته السادات فيكونون هم مبدء الوجود وباب الغيب والشهود ولما وجب ان يكون لهم نور شعاع وجب ان يكون من سواهم من شعاع نورهم وفاضل ظهورهم والا لساووهم والضرورة من الدين قاضية ببطلان المساواة وان لم يكن لهم فاضل لم يكونوا كاملين فوجب ان يكونوا سلام الله عليهم هم الاصل في احداث الكائنات من الذوات والصفات والسبب الاعظم في ايجاد جميع الذرات وقد تبين عند كل احد ان الله سبحانه لا يجري الاشياء الا باسبابها فيكونون هم السبب الاعظم في كل شيء من التكوين والتشريع وفي الزيارة فما شيء منا الا وانتم له السبب واليه السبيل ومعنى هذه الوساطة والسببية ان الله تعالى خلقهم بهم عليهم السلام كما خلق النهار بالشمس وكما يمد القلب الاعضاء والجوارح بالله فان الله سبحانه جعل القلب حاملا لجميع الفيوضات الواردة على جميع الجوارح وهي الواسطة في ايصال الحيوة والوجود اليها وكذلك الائمة عليهم السلام في ابدانهم الصورية حاملين للاحكام التشريعية مما يتعلق بالخلق من حيث ظهورهم في النشأة النفس الامرية اي ما يجري فيه النسخ والتغيير والتبديل وفي ذواتهم وحقيقتهم عليهم السلام حاملون للاحكام الوجودية التكوينية كالقلب الحامل للامدادات الكونية للجوارح فلا يصدر من البدن شيء من جميع الحركات والسكنات الا به وبعلمه ولا يرد على البدن شيء الا بالقلب وبعلمه ولا يقبل شيء من الجوارح شيئا مما ينفعها او يؤذيها ويؤلمها الا بالقلب ولا ريب ان العالم شخص واحد وجميع الكائنات اما اجزائه او آثاره كما قال تعالى وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال تعالى خلقكم من نفس واحدة والمخاطب هو المكلفون وقد برهنا انهم جميع الموجودات لما فيها باجمعها من الاختيار والشعور فاذا كان العالم شخصا واحدا فلا شك انه له قلب يدبره ويديره كنفسك انت وذلك القلب هو الامام عليه السلام يتصرف في العالم كتصرف قلبك فيك وتصرف روحك فيك حرفا بحرف كما ان في تصرف قلبك فيك لا يلزم ان يكون قلبك الها مستقلا او شريكا معه تعالى في تدبيره وتصرفه وفوض الله سبحانه امره وحكمه اليه ليكون معزولا عن الله ويستلزم استغناؤه عن الله فاذا لم يلزم كل ذلك في قلبك فكيف يلزم اذا اثبتت ما تثبت لقلبك وروحك لامامك الذي خلقه الله تعالى قبل خلق الخلق والزمان والمكان والاكوان والاعيان فاثبت له عليه السلام التدبير والتصرف والحكم والامر في كل الوجود من غير لزوم الاستقلال والشراكة والتفويض كيف وقد قال عليه السلام في زيارة آل يس ومن تقديره منائح العطاء بكم انفاذه محتوما مقرونا فما شيء منا الا وانتم له السبب واليه السبيل الى ان قال عليه السلام فلا مهرب عنكم وفي الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم وتصدر من بيوتكم الصادر لما فصل من احكام العباد وهذا لمن يعرف اصول المذهب ظاهر واضح كالشمس في رابعة النهار فالمنكر لما ذكرنا ليس له من الايمان حظ وافر بل ولا غير وافر ولا محمل لانكارهم الا نقصا في مرتبة ساداتهم وتنزيلا لهم عن المنازل التي رتبهم الله فيها والمشتكى الى الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في تفسير الحروف النورانية مثل الحواميم والطواسين والر والمر والمص وكهيعص وحمعسق وص ون وق ويس وطه وما معناهم من باب التفسير والتأويل وما معنى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

اقول ظواهر هذه الحروف هي التي ذكرها المفسرون من انها اسماء للسور او اسماء لله فالحواميم معناها الحميد المجيد والطواسين الطالب السيد الملك والم انا الله اعلم والر انا الله ارى والمر انا الله اعلم وارى والمص انا الله المالك الصادق وكهيعص الهادي الكافي الولي العالم الصادق وص بحر تحت العرش قد توضأ منه رسول الله ليلة المعراج بامر من الله سبحانه قال يا محمد ادن من صاد وتوضأ لصلوة الظهر ون ملك يؤدي الى القلم والقلم ملك يؤدي الى اللوح وهو ملك وق جبل محيط بالدنيا من زمرد خضراء وخضرة السماء منها حيث ان اكنانها عليها ويس اسم من اسماء محمد صلى الله عليه وآله وكذلك طه وهذا الذي ذكرنا هو اقصى ما ذكروا في تفسيرها ولكن كان يجب عليهم ذكر النكتة لو كان ما ذكر هو المراد في ابراز هذه الاسماء بهذه الحروف بالاشارة واما التاويل فمراده سلمه الله من ما هو اعم من التأويل في العرف الخاص والباطن وظاهر الظاهر وتأويل التأويل ولو اردنا ان نشرح جميع هذه الوجوه لطال بنا الكلام ولادى الى ذكر ابى الله ان يذكر في هذا الوقت الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ولكن لا باس بالاشارة الى نوع ما لم يذكر المفسرون نعم قد ذكره آل محمد الطاهرون سلام الله عليهم فنقول ان هذه الحروف النورانية اربعة‌عشر حرفا بعد حذف المكرر دلالة على تلك الحقايق المقدسة في حد ذاتهم لتشييد سلطانهم التي نزل القرآن وبخصوص كل حرف اشارة الى جهة كمال من كمالاتهم فمنها تاريخ قيامهم وظهور امرهم وخفاء دولتهم وظهور دولة الباطل وانقطاعها كما يفصح عن ذلك غاية الافصاح حديث ابي‌لبيد المخزومي فمنها بيان بعض اسمائهم وصفاتهم عليهم السلام فعن الكاظم عليه السلام ان حم في كتاب هود اسم لمحمد صلى الله عليه وآله وذلك لما برهنا عليه من ان اصل الاسم هو الحرف الوسط فان كان فردا فاصل الاسم حرف واحد وان كان زوجا فالاسم حرفان وما يكتنفها من الطرفين التوابع والمتممات فالاصل في اسم عليّ عليه السلام اللام والاصل في اسم محمد صلى الله عليه وآله حم وقد يعبر عنه بالميم فانها جامعة للحاء بالتداخل كما عن الصادق عليه السلام في رسالة الرتق والفتق لمفضل عمر (ره) انه عليه السلام اذا اراد ان يعبر عن اسم عليّ يقول السيد اللام واذا اراد ان يعبر عن اسم محمد صلى الله عليه وآله يقول السيد الميم فحم اسم لمحمد صلى الله عليه وآله في مقام الحقيقة ولما كانوا سلام الله عليهم في الحقيقة واحدا كرر الاسم الشريف سبع مرات لان الاصل في حقايقهم في مقام التفاوت في الاجابة سبعة ومقتضى الكل واحد وجهة الاختلاف فيهم ضعيفة فلا يقتضى لهم في مقام الحقيقة الاصلية الا اسم واحد واذا اختلفت اسمائهم في القرانات الخارجية ولذا قال عليه السلام كلنا محمد اولنا محمد وآخرنا محمد واوسطنا محمد واما الزهراء سلام الله عليها فهي معهم تساويهم في الاقتضاء الاصلي دون الخارجي ونص عليه الله سبحانه بقوله تعالى كلا والقمر والليل اذ ادبر والصبح اذا اسفر انها لاحدى الكبر وضمير المؤنث يرجع الى الزهراء عليها السلام بنص مولانا الصادق عليه السلام على ما رواه القمي في تفسيره والكبر هم الائمة عليهم السلام اذ لا اكبر منهم سلام الله عليهم فمن هذه الجهة كرر حم في سبع سور اثباتا لهذه الدقيقة ما اسعدك لو وفقت لفهمه والطواسين ورد عنهم عليهم السلام على ما في تفسير كنز العرفان الدقايق للقمي ان الطاء اشارة الى طور سينا والسين الى الاسكندرية والميم الى مكة اما طور سينا فاحد تأويلاته انه النجف كما روي انه الجبل الذي كلم الله موسى تكليما وهو الوادي المقدس وعليه ظهرت النار في الشجرة كما قال تعالى وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين والشجرة هي السيد الاكبر امير المؤمنين شجرة طوبى اغصانها الائمة الطاهرون عليه وعليهم سلام الله ابد الآبدين كما في الحديث في النفس الملكوتية الالهية هي ذات الله العليا وشجرة طوبى وجنة المأوي من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى وهذه الشجرة الحقيقية تخرج في الرجعة في اوائلها مع الحسين عليه السلام من طور سيناء اي النجف تنبت بالدهن الاكسير الاحمر مواد الامدادات الالهية التي تصل الى الحقايق الكونية والشرعية وصبغ الصور الطيبة والخبيثة التي تمايزها من شئون ولايته عليه السلام كما ذكرنا في الطتنجين هم للآكلين هم المستمدون والفقراء اللائذون بباب الحق سبحانه وهو عليه السلام الباب والجناب وبه امداد موادهم وصورهم اما الاسكندرية فهي بلدة بناها ذو القرنين واي شرف فيها حتى ينوه الله سبحانه بذكرها واسمها رمزا في كلامه العزيز فذوالقرنين هو سيدنا امير المؤمنين عليه السلام وقد ذكر ذلك في عدة روايات لا يسعني الآن شرحها وقد قال عليه السلام انا ذو قرنيها فالبلدة المنسوبة اليه عليه السلام وروحي فداه هي النجف الاشرف وهي الاسكندرية التي فاقت جميع البلدان وهي الجبل الذي كلم الله موسى تكليما وقدس الله عيسى تقديسا واتخذ الله ابرهيم خليلا ومحمدا حبيبا وهو الجودي مقر سفينة نوح وفيها سلطنة القائم عليه السلام ومقر حكومته وفيها ينزل رسول الله صلى الله عليه وآله وعليها تقع الشكاية وهذه هي الاسكندرية التي جمعت جوامع الشرف وفواضل الكمال رمز عنها ليصون عن الجهال وتنحفظ للوصول الى معرفتها علماء الابدال ويصابروا ويرابطوا حتى ياتي لهم بالفرج واما مكة فهي اول بيت وضع للناس ولا ريب ان اول بيت الشرف لا يوضع الا في اشرف المحل وقد دلت الروايات التي لا معارض لها ويؤيدها العقل المستنير بنور الله ان كربلا اشرف جميع الاراضي وان الله تعالى خلقها قبل خلق الاراضي باربعة وعشرين ‌الف عام فعلمنا بان المراد بمكة البكة وهي موضع البكاء والنحيب وخضعت لله سبحانه وخشعت والبيت الموضوع فيه بيت الحسين عليه السلام وهي قبة من ياقوته حمراء وحولها اي القبة المذكورة تسعون ‌الف قبة من زمرد خضراء وهي مخفية الآن من العيون والابصار ويظهر عند ظهور مولانا الحسين عليه السلام وبروزه زواره في تلك القبة المباركة وهي الشرافة المذخورة ولا بد ان يؤتي بذكرها مرموزة فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وقد ورد ايضا عنهم ان الطواسين اسم الله الاعظم ويطول الكلام بذكر هذه الفقرة فالسكوت عنها اولى واما الم فالالف مقام النبوة الكبرى النبوة المطلقة الاولية واللام مقام الولاية المطلقة التي هي الآية الكبرى والميم مقام الرتبة الفاطمية العليا وهي الاصول التي يدور عليها الفروع التي هي الاصول السلام على الاصل القديم والفرع الكريم وبهذه الاصول ظهرت الكائنات والحوادث الموجودات اصلا وفرعا شعاعا ومنيرا واما الراء فهي تكرار القاف اي ظهورهم في عالم الاجسام على طورين ظهور الهيمنة العليا كالبدو والعود وظهور في دولة الباطل مع تراكم السحب والغيوم المانعة من ظهور شمس الكبرياء في الحجاب الاعلى واضاف الر الى الالف واللام في ست سور اشارة الى ان ظهور الحكمين ثابت في ما عدا عالم الجبروت عالم العقول فان العقل لعصمته وصفائه ليس عنده الا ظهور الاصلي واما النفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم والعرض فهي عند الادبار لا تنظر الا الى سخت ( سحب ظ ) مكفهرة وغيوم متراكمة ولا ترى ظهور الشمس الا وراء هذه الظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وعند النظر الى العالم الاعلى اما بنفسها او بظهور الرجعة ويوم القيمة تجد ظهور امر آخر ونور انور فهناك ثبت الحق لاهله فمنها من حيث ينفع ومنها من حيث يضر يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار واظهر في ست سور مجردا عن الراء وغيرها من اللواحق اشارة الى ظهور هذه الاصول الثلثة بالظهور الاول في ستة عوالم عالم الامكان الاعيان الثابتة في العلم الحادث وعالم الفؤاد والعقل المرتفع والعقل المستوي والعقل المنخفض والوجه الاعلى من عالم الارواح عالم الرقايق وهذه المقامات لا تصل اليها السحايب المكفهرات وهي ناظرة الى عليين فلها ظهور واحد على حسب مقامها ومرتبتها وان اختلفت وفي مقام واحد الحقها بالصاد في المص لبيان ان ذلك البحر الذي منه مواد الكائنات والموجودات هو من هذه الاصول الثلثة وهذه الامور الغريبة والاسرار العجيبة يحتاج الى ان تذكر مرموزة وكم من خبايا في زوايا تركتها خوفا للتطويل وصونا عن اصحاب القال والقيل واما كهيعص اشارة الى البلية الكبرى والرزية العظمى والداهية الدهمي كما نص عليه مولانا القائم عجل الله فرجه وروحي له الفداء ان الكاف اشارة الى كربلا والهاء الى هلاك العترة الطاهرة والياء الى يزيد والعين الى عطش اهل البيت والصاد صبرهم وهي مختصر ما في اللوح من اثبات شهادته عليه السلام لحفظ النظام واظهار الحق التام وهنا وجوه اخر كتبتها في ساير ما كتبنا من هنا (كذا) لاسيما في اللوامع الحسينية واما حمعسق فقد ورد عنهم عليهم السلام ان حم اسم محمد صلى الله عليه وآله ه‍ وعلم على كله في حمعسق فالعين عقله والسين نفسه والقاف جسمه والعلوم كلها احوال الموجودات وهي لا تخلو عن العوالم الثلثة فعلم العالم الجبروت في العقل وعلم عالم الملكوت في النفس وعلم عالم الملك في الجسم ففي العين علم المداد الملقي الى القلم الاعلى وفي السين علم اللوح المحفوظ والمحو والاثبات وفي القاف اللوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات في العالم الاسفل واما ص فهو الحقيقة المحمدية في عالم الجمع صلى الله عليهم وهو اول ما تعلق به المشية قول الله كن وهو البحر الذي تحت العرش اي المشية وعالم فاحببت ان اعرف وقد سبق منا ان العرش من اسمائها واما ن فهو الحوت الذي كبده ياكله اهل الجنة في المحشر قبل دخولهم الجنة كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في جواب مسائل عبدالله بن سلام لتستقر حياتهم وهو الحوت الذي جعله الله غرضا لسهم نمرود لما ان صعد السماء ورمي بسهم ليقتل الله سبحانه وتعالى فامر الله سبحانه حوتا قابل سهمه خرج منه الدم للفتنة وموه على الناس بانه قتل الرب سبحانه وتعالى وهكذا الحكم في نمرود هذه الامة لما صعد الى سماء الولاية تعنتا بسرير غصب الخلافة ليبارز الله بالحرب فانه سبحانه قال من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة فلما رمى سهم العناد الى جانب الحق سبحانه فامر الله سبحانه حسينا على جده وابيه وامه واخيه وعليه وبنيه آلاف التحية والسلام ان يقابل ذلك السهم ليخرج منه الدم ويتلطخ بدمه الشريف ليكون فتنة واختبارا ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فقتل صلوات الله وسلامه عليه بسهم رماه ذلك الطاغي العنيد فاصاب حوتا بعد خمسين سنة تقريبا ونعم ما قال الشاعر :

سهم اصاب وراميه بذي‌سلم من بالعراق لقد ابعدت مرماك

واما ق فهو كما قلنا جبل من زمردة خضراء واطراف السماء عليه وهذا الجبل هو وتد الارض وهو اصل الامامة التي اذا خلت الارض منها لساخت باهلها والجمع والمفرد هنا بمعني واحد وجهات سماء النبوة لا تستقر الا على جبل الولاية والامامة وانما كانت زمردة لصفاء ذاتها عن شوائب الاغيار وحصول الاكدار بملاحظة الانية وانما كانت خضراء لانها مقام الكثرة والاختلاف كما قال تعالى عم يتسائلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولقد قال عليه السلام اي آية اكبر مني واي نبأ اعظم مني والكثرة من حيث هي تقتضي السواد فاذا امتزجت سواد كثرة الولاية بصفوة ظهور النبوة وآثارها في الولي يظهر لون الصفرة لان من ميل العقل الى النفس ظهرت الحرارة والرطوبة ولونها الصفرة على التحقيق فافهم واغتنم واما يس فهو بيان الاعتدال وتطابق الاسم مع المسمى والصورة للمعنى والاعتدال التام يقتضي تمام المقابلة لفوارة القدر وهي تقتضي الاحاطة التامة لمن لم يكن بهذه المثابة وبيان ذلك ان السين يتساوي زبره وبيناته ولم يتفق ذلك في حرف من الحروف ولذا كان اسما من اسماء محمد صلى الله عليه وآله لان باعتداله وسع جميع احكام الربوبية فصار كل الوجود يستمد منه ويناديه ويقول يس الى ان صار مع حرف النداء اسما من اسمائه لاقتضاء الاعتدال الحقيقي افتقار الكل اليه وهو اسمه فيكون حقيقة الولي لانه اسم النبي وآية ظهوره وعصا عزه والاسم هنا مقام في الاثر المتصل لا المنفصل كما هو مقتضي رتبة الاسمية فافهم واما طه فالطا اسم لمولاتنا فاطمة عليها السلام بضم كماليها الشعوري والظهوري فانه ما اتفق اسم قد اجتمع فيه كمالا حرفه الا في اسمها فان الطاء كمالها الظهوري لكل حرف ان تضم اليها واحدا ثم تضرب المجموع في نصف الحرف الاول فالحاصل هو الكمال الظهوري فاذا اضفت الى الطاء واحدا كانت عشرة فاذا ضربت العشرة في نصف التسعة كان خمسة واربعين واستنطاقها مه والكمال الشعوري عبارة عن الكمال الظهوري للحرف والتي قبلها فاذا جمعنا الكمالين كان الحاصل واحدا وثمانين واستنطاقها فا فجعلنا الطاء التي هي الاصل في الوسط والكمال الشعوري الذي هو فا في يمينها والظهوري الذي هو مه في يسارها فاستنطقت فاطمة وذلك من خواص هذا الاسم الشريف صلى الله على مسماته والهاء اسم لمولانا امير المؤمنين عليه السلام لان الهاء الاصل فيها الضمة فاذا اشبعت مضمومة تولدت منها الواو فالهاء خمسة والواو ستة والمجموع احدعشر فاذا نزلتها الى الرتبة الثانية فالعشرة تنزل الى المائة والواحد الى العشرة فالحاصل مائة وعشرة واستنطاقها اسم عليّ امير المؤمنين عليه السلام وبهذه الحروف وجوه واسرار وتأويلات اخر اقتصرنا على ما ذكرنا لانه اشرف واقرب الى الافهام والله ولي التوفيق واما الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين فلي فيه في باطنه كلام ذكرته في رسالة اسرار الشهادة ووقعة الطفوف على ما عند اصحاب الكشوف وتلك الرسالة معروفة مشهورة واظنها توجد في طرفكم فاذا تاملتها وجدت ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الا ما شاء الله ووجه آخر لما بين الم انها الاصول الثلثة اشار الى شرح هذه الاصول وقال سبحانه ذلك الكتاب اي اللوح المحفوظ الظاهر في كل من هذه الاصول والحقيقة الجامعة لها الكتاب الكريم الكتاب الناطق وهو قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون والكتاب هو الامام عليه السلام في مقام الفرق لا ريب يعتريه ولا شك فيه ويستنبئونك احق هو قل اي وربي انه لحق هدى للمتقين لولاية الباطل

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قول مولانا امير المؤمنين عليه السلام انا كاب الدنيا لوجهها

اقول هذا من فقرات الخطبة الشريفة الطتنجية ومعناها في الظاهر ظاهر فانه عليه السلام هو الزاهد في الدنيا المعرض عنها فقد كباها لوجهها اي اذلها ولم يغتر بغرورها وزخارفها كما قال عليه السلام يا دنيا غري غيري ابي تشوقت او تعرضت قد طلقتك ثلاثا الحديث ولا يحتاج اطناب الكلام في هذا المقام لانه ظاهر لا سترة فيه وله معنى باطني وهو ان الدنيا هو المستولي على الحق بالباطل والمتقمص قميصا ليس له وهو الدنيا الملعونة لان المعرض عن الله الذي يدعو الى الشيطان هي الانثى وقد قال تعالى ان ‌يدعون من دونه الا اناثا وان‌ يدعون الا شيطانا مريدا فالذي يطلب الرياسة لنفسه وليس لها باهل انثي فتكون دنيا من الدناءة واليه الاشارة بقوله فاعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحيوة الدنيا فالذكر هو امير المؤمنين عليه السلام كما في قوله تعالى يوم يعض الظالم على يديه الى ان قال تعالى ولقد اضلني عن الذكر بعد اذ جائني وكان الشيطان للانسان خذولا وقال امير المؤمنين عليه السلام انا الذكر الذي عنه ضل ولا ينافي كون الذكر رسول الله صلى الله عليه وآله لان امير المؤمنين عليه السلام نفسه فهو عليه السلام كاب الدنيا لوجهها في جهنم واكبها لوجهها لاشتغال طغام الناس بظهرها وهو قوله تعالى امن يمشي مكبا على وجهه اهدي امن يمشي سويا على صراط مستقيم وهو قوله كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون فافهم لحن المقال فاكبها لوجهها وجعل صورتها الصورة الشيطانية والهيكل الابليسي ظهرها الى مبدئها ووجهها الى ارض ابنتها فهي الملعونة الى الملعونة ممسوخة صورة بهيمية وطوية ابليسية فلما اكبها لوجهها في الدنيا يكبها في الآخرة لوجهها في جهنم وهو واخوه سلام عليهما مخاطبان بقوله تعالى القيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله الها آخر فالقياه في العذاب الشديد وهذه صفة الدنيا الملعونة التي ذكرناها

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في قول الله سبحانه والسموات مطويات بيمينه وما هذا الطي وما معناه وما هذه اليمين مع ان يمينه اهل البيت عليهم السلام

اقول طي السموات بطلان نظمها الطبيعي وبطلان تركيبها وبطلان آثارها واضمحلالها اليمين الوجه الاعلى من اليد فانها لها وجهان اعلى واسفل فاعلاه اليمين واسفلها الشمال وهو قوله عليه السلام قبض قبضة بيمينه وقبض قبضة بشماله وكلتا يديه يمين ولما كانت السموات جهة الخير والنور وظهور المبادي العالية والامدادات الالهية نسب طيها باليمين والارض حيث كانت صالحة للامرين وهي ملتقى النقطتين نقطة النور والظلمة مانسب اليها اليمين وحدها بل قال سبحانه والارض جميعا قبضته عبر عن اليد بالقبضة التي اعم من اليمين والشمال ولما كانت السموات والارض مضمحلة دون قدرته سبحانه وكبريائه وسطوع نوره وبهائه والقدرة هي المعبر عنها باليد ولما كان الولي هو حامل القدرة الظاهرة ومحلها ومظهرها بل هو عين القدرة الحادثة ضرورة ان الولي لم يسبقه سابق من الحوادث قدرة كانت او اسما او صفة والا لماكان اول ما خلق الله وقد قال عليه السلام فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع وقد اجمع على مضمونه المسلمون في النبي صلى الله عليه وآله والفرقة المحقة في الائمة كلهم عليهم السلام وكل من اثبت ذلك في النبي صلى الله عليه وآله يلزمه ان يثبته في عليّ عليه السلام لانه نفس النبي صلى الله عليه وآله بنص قوله تعالى وانفسنا فاذا قلنا بان القدرة الظاهرة في المخلوقات والحوادث كلها ظاهرة ويعبر عنها باليد تارة وبالمشية والارادة والاختراع اخرى وهي القدرة التي استطال الله بها على كل شيء كما في دعاء السحر يجب بالضرورة ان نقول انها هي الحقيقة المحمدية فالولي هو يد الله وقدرته وحكمه وامره وكلمته والاشياء كلها من السموات والأرض وما بينهما وما فيهما وما تحتهما مضمحلة لديه خاضعة عنده ذليلة حقيرة تحت هيمنته وسلطانه اما سمعت ما في الزيارة الجامعة طأطأ كل شريف لشرفكم وذل كل شيء لكم واشرقت الأرض بنوركم الزيارة فكانت السموات من الاشياء المقهورات الخاضعات الخاشعات وعن استقهارها وخضوعها وخشوعها وبطلانها يعبر بالطي فكانت هي المطويات بيمينه واليمين هو امير المؤمنين عليه السلام وعددها يطابق عدد اسمه الشريف فكانت السموات مضمحلات وخاضعات لله ومحتاجات اليه تعالى ولما كان الله سبحانه جعل العالم عالم الاسباب وابى ان يجري الاشياء الا باسبابها جعل يمينه التي هو الولي سببا ودليلا لانكسارها وخضوعها لديه تعالى كما جعل سبحانه الشمس دليلا على الظل وسببا لوجود النور والشعاع ولو شائه تفرد في قوام الاسماء ولكنه سبحانه جعل له وليا من العز اقام الاشياء به فكل متقوم متاصل انما اقامه الله واصله بالولي وكل مضمحل ومنكسر ومتقطع انما كسره الله وقطعه وابطل نظمه بالولي وكل خاضع خاشع انما خضع وخشع له سبحانه بالولي فهو الواسطة في ايصال الفيض الى كل شيء ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا فالسموات بهذا المعنى مطويات بيمينه اي بوليه لان الولي هو يد الله وقدرته وعظمته وكبريائه وكل اسم ورسم اشارة وعبارة حادثة يراد بها حادث لانه حادث قد سبق الحوادث وممكن احاط بالامكان ولقد اجاد السيد السند السيد مهدي الطباطبائي في قوله :

تحيرت الاوهام في وصف ممكن تعالى عن الامكان في الوصف والفعل

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في معنى قوله وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين افيدونا فيها على التحقيق تفسيرا وتأويلا

اقول اعلم ان دهن الزيت اصفى الادهان وانضجها واعدلها ومن هذه الجهة كان نوره انور وضيائه ازهر وبقاؤه اكثر وكلما كان اشراق الشمس على شجرته اكثر كان نضجه واعتداله اقوى وظهور النور عند اشتعاله اشد فعلي هذا اذا كانت الشمس دائمة الاشراق على تلك الشجرة كان احسن واولى وكلما كانت الشجرة ابعد من الرطوبات الفضلية العرضية كان اتم واكمل لما يراد منها الدهن المتخذ للنور فحينئذ يجب اذا اريد الكمال ان يكون تلك الشجرة على الجبل لتبعد على الرطوبات الفضلية العرضية التي تحملها الأرض غالبا وان تكون على سواء الجبل ليقع عليها نور الشمس دائما ولا تكون وراء حجاب اشراق الشمس عليها حالا دون حال ووقتا دون وقت واذا كانت الشجرة نابتة في الجبل الذي وقع عليه التجلي او ان نار التجلي المخاطبة لموسى او الحاملة لمخاطب موسى كما هو صريح قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها والثاني اي من حولها هو موسى والذي في النار هو المخاطب عن الله لموسى كانت بالغة في الكمال فتبين لك ان هذه الشجرة الطورية الحاملة للخطاب احسن الاشجار وهي تنبت بالدهن اي شجرة يستخرج منها الدهن للاضائة والاشعال وصبغ ايضا للآكلين يتأدمون به في اكلهم فتقوى به الحرارة الغريزية ويذهب بالكسل ويورث النشاط وينشط الاعضاء وينعش الحرارة ويرفع الرطوبات الفضلية وينقي البدن فكان كاملا في المنفعتين منفعة الاكل والضوء وفيه منة عظيمة من الله سبحانه بها عباده في قوام معاشهم واحوالهم فافهم هذا تفسير ظاهر الآية الشريفة واما تأويلها فاعلم ان هذه الشجرة اصلها وبذرها من ثفل الكيموس مخزنها الكبد واغصانها على سواء الجبل العظيم واوراقها السود واذا مالت الى الشقرة اكمل تنبت بالدهن اذا اخذ ورقها او قطعت من اصلها في فصل الربيع بين الخمسة ‌عشر الى الثلثين وما ينبت على الجبال السود اكمل من غيرها فتؤخذ الشجرة وتقطع ويعصر مائها ويعزل عن ثفلها ثم يؤخذ من الثفل مقدار او من الماء اربعة امثاله ويجعل في التعفين ويرسل الى حمام مارية ويبقى في الحمام سبعة ايام ثم يعصر الماء ويجعل اربعة امثاله مع الثفل ويعمل العمل الاول الى ان يتكون منها البرزخان فزوجه بكفوه ليخلو بها اربعين يوما ثم باخرى دون الاولى ليخلو بها عشرين الى تمام الاربعة ثم اخذ به بست جواري وطف به بالبيت الحرام اسبوعا ثم استخرج منه الادهان فاولها دهن رقيق القوام ظاهره بارد وباطنه حار يصلح لهما ويفعل فيما يراد منه من الحرارة والبرودة وثانيها دهن غليظ القوام ابيض اللون اشبه الاشياء بالزيبق وثالثها دهن اصفر فاقع لونه يسر الناظرين ورابعها دهن احمر كالياقوتة الحمراء براق شفاف وخامسها دهن احمر هو اصل للادهان قد نزل من البيت المعمور واستجن في هذه الشجرة وغاب في سرها وغيبها وكان سرا مجللا بالسر ومقنعا وسادسها دهن هو انفحة لهذه الادهان وبها قوامها ونظام تركيبها وهذه الادهان هي المستخرجة من تلك الشجرة فاذا تمت وتألفت على النظم الطبيعي كان صباغا يصبغ بصبغ ثابت ابيض واحمر واصفر للآكلين الذين يقبلون صبغه اما بواسطة او بغير واسطة وشرح هذا الكلام طويل والقلب لشرحه وبيانه عليل واللسان كليل واما الباطن فطور سينا هو رسول الله صلى الله عليه وآله لانه جبل الاحدية وعليه نداء اني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلوة لذكري وقد وقع النداء اولا قبل القبل بلا قبل عليه صلى الله عليه وآله وعليه كان التجلي الاعظم والظهور الاقدم وهو اول ظاهر باول ظهور والشجرة الخارجة من هذا الطور هو امير المؤمنين عليه السلام لانه منه خلق ومن نوره ابتدع وهو الشجرة المفرعة بالغصون الاثني‌عشر لان الزوجة ايضا من فروع الزوج وقد نبت هذه الشجرة المباركة بالدهن المضيء وهو العلم النوراني الذي يضيء القلوب وينور الصدور وهو الصبغ للآكلين يصبغ الخلق الفقراء اللائذين بجنابه والسائلين الواقفين ببابه صبغ الايمان والنفاق ويلبسهم الصورة الطيبة الانسانية والخبيثة الشيطانية ولها باطن آخر ذكرته سابقا وباطن آخر تركته

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا فيمن دفن في كربلاء هل حكمه حكم من في الغري ( النجف ) من اسقاط عذاب القبر ام لا وعلى تقدير العدم فما الوجه مع ان كربلا لها فضل عظيم واخبرني سيدي ما حد كربلا وما حد الغري وما معنى قولهم (ع) كل قبورنا كربلا وما وجه افضلية الغري ( النجف ) وما وجه قول الحسين عليه السلام هيهنا محشرنا ومنشرنا المرجو من احسانكم الايضاح لصغيركم وفقيركم ادام الله فوائدكم

اقول قد دلت الادلة القطعية على ان كربلا قطعة من ارض الجنة بل هي من اعلا درجاتها فلا يعقل في الجنة عذاب وسؤال بل المدفون في كربلا والغري وسامراء وعند الكاظميين وعند قبور ساير الائمة عليهم السلام اذا كان في حرمهم يسقط عنه عذاب القبر بل ليس بينه وبين الجنة الا ان يقبض روحه وان كانت عليه ذنوب اهل الدنيا ان كان قلبه منعقدا على ولايتهم ومحبتهم وبغض اعدائهم المنكرين لفضائلهم لان حرمهم آمن ومن دخله كان آمنا ومن لم يكن من مواليهم فاذا مات عندهم يبعد عن جوارهم ويشط عن مزارهم اذ لا يدنوا لهم الا الطيبون ولا يمسهم الا المطهرون والمتنجس بالذنوب يطهره فاضل نورهم وشعاع ظهورهم ولا فرق بين هذه الاماكن في حفظ الشيعة عن العذاب وان كان بعض الاراضي اشرف واقرب من بعض للامور الاخر من الاجابة والسبق اليها واما حد كربلا فاصل الحرم فحده اربعة فراسخ او خمسة على اختلاف الروايات واما حد الحاير الشريف فالظاهر انه خمسة وعشرون والاحوط عشرون ذراعا واما الغري فما رتقت ( فما وقفت ظ ) من حدها موميا من الاخبار نعم ورد حد الكوفة انه اربعة فراسخ واما معنى ان قبورنا كربلا فان طينتهم عليهم السلام خلقت من عشر قبضات خمسة من الجنة وخمسة من الارض وعد عليه السلام من الاراضي التي اخذت طينتهم كربلا وحاير وقد وردت الروايات ان الشخص لا يدفن الا في مكان اخذ تربته منه فعلى هذا يكون موضع قبورهم مجمع الاراضي الخمسة ولما كان ارض كربلا اشرف الاراضي كان الغالب عليها ارض كربلا فيكون موضع قبورهم قطعة من ارض كربلا فاذا رجعت الاشياء الى اصولها ترجع قبورهم الى اصلها وهو كربلا واما افضلية الغري فان كانت من كربلا فلا واما من ساير الاراضي كلها كما قال مولانا الحسن عليه السلام لموضع رجل بالكوفة احب الى من دار بالمدينة فلأن المكان على حسب المتمكن فلما كانت الأرض المذكورة محلا ومقرا للولي الظاهر بالولاية المطلقة كانت افضل من جميع الاراضي لا يقال ان المدينة مقر للنبي صلى الله عليه وآله لانا نقول انها ليست مقرا حقيقيا له وانما المقر الحقيقي الكوفة ثم كربلا لا غير فوجبت الأرض التي هي مسكنهم افضل الاراضي لانهم سلام الله عليهم لا يختارون الا اشرف البقاع لا يقال على هذا يلزم ان تكون اشرف من الكربلا لانا نقول ان كربلا خلوة النبي صلى الله عليه وآله كما ان النجف خلوة القائم عجل الله فرجه ودار سلطنته الكوفة ونسبة كربلا الى الكوفة نسبة القلب الى الصدر والاحكام التفصيلية الى الصدر دون القلب كذلك ارض كربلا بسبقها في الوجود تشرفت على كل الاراضي لبطلان الطفرة ولكن الاحكام التفصيلية تجري في الكوفة دون كربلا واما الوجه في قول مولانا الحسين عليه السلام هيهنا محشرنا ومنشرنا فهو ان ارض المحشر مبدءها ارض كربلا ومنتهاها الصخرة في بيت‌المقدس وتتسع حتى تكون ثلثمائة ‌الف فرسخ في مثلها ويقفون الخلق من الانبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وساير الخلق اجمعين فيها ولذا قال عليه السلام وهيهنا محشرنا ومنشرنا

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا فيمن قدر ان يزور الحسين او يقيم مأتمه لا يملك الا احدهما ايهما اولى له وافضل

اقول المقصود من شهادة الحسين سيدالشهداء اعلاء كلمة الحق واعلان دين الاسلام وهذا انما يكون بالاشاعة والاظهار وكلما يكون الشياع والاظهار اكثر فهو الافضل لانه على طبق المقصود والاشاعة والاظهار وان كانا يحصلان بالزيارة ولا شك ان اقامة الماتم وجمع الناس واعلاء الصوت بالبكاء والنحيب والشهيق واللطم ورفع الصوت مع اجتماع الناس من العوام والخواص اعظم في الاشاعة والتشييع والاظهار مع ما ورد من الفضل العظيم للباكي من انه قد ادي الينا حقنا اذا بكى على الحسين ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله فاقامة العزي يكون افضل واولى وان كان في الزيارة فضل عظيم لا يخفى على من تتبع الاخبار وجاس خلال تلك الديار وربما يختلف الحال من جهة اختلاف الموضوعات فقد يكون الزيارة افضل اذا ظهرت المصلحة فيها والضابط ما ذكرنا

قال سلمه الله : وما يقول سيدنا في معنى النفخة وهل الاموات حينئذ وصلتهم النفخة ام لا وما معنى قبض عزرائيل الارواح

اقول الحياة مبدئها الركن الاسفل الايمن من العرش وهو مخزنها والملك اسرافيل حامل ذلك الركن يتلقى الحيوة منه ويوصلها الى الخلايق حسب مقامها وقبولها من الحيوة فباسرافيل تصل الحيوة الى جميع الذرات ولما كان القلب هو مقر الحيوة كان اول ما يظهر الحيوة فيه وآخر ما تخرج عنه فاسرافيل بنفخة الدفع يوصل الحيوة الى قلب كل حي فيحيي بما فيه من سر الحيوة وبنفخة الجذب وهو المسمى بنفخة الصعق يجذب الحيوة من قلب كل حي فيقع ميتا بلا حراك فالموت الذي للافراد الجزئية على التدريج بجذب اسرافيل كما ان الحيوة يدفعها ولما كان بهذا الموت والحيوة لا يظهر اثر في العالم الكلي لم ينتسب الى اسرافيل واما الموت الكلي للعالم الاكبر الكلي فاذا حصلت النفخة في قلب العالم الكلي وانجذبت الحيوة منه تنجذب من كل شيء لان الحيوة الى الكل انما تسري بالقلب فاذا انجذبت من القلب او اجتمعت فيه تنجذب من ساير العوالم التي هي بمنزلة الاعضاء والجوارح واسرافيل هو حامل تلك الحيوة وبه يكون الجذب فيموت اهل العالم كله ولما كان اسرافيل حاملا فاذا انجذب الحال من المحل مات اسرافيل واذا اراد الله سبحانه احياء الخلق اظهر الحيوة في اسرافيل فيحيي اسرافيل ونفخ نفخة الدفع الى قلب العالم ثم الى ساير جزئياته وشعبه فحيي العالم بعد ما كان ميتا وقولكم وهل الاموات وصلتهم النفخة ان كان المراد الى اجسامهم فنعم اذ لا يموت حي الا اذا انزع اسرافيل ما القى فيه من سر الحيوة وهو بالنسبة اليهم نفخة جذب وصعق لكنه جزئي وان كان المراد ارواحهم وعقولهم واشباحهم فلا لانها بعد حية مانزع اسرافيل ما القى اليها منها ويكون موتها مع موت العالم الاكبر روحه وجسمه فالصور على صورة القلب له شعب بعدد ذرات الوجود فاذا جذب الحيوة منه انجذبت من ساير شعبه واذا القى الحيوة فيه سرت في ساير شعبه والعالم واحد له قلب واحد وهذا القلب هو ظاهرية الامام عليه السلام وبشريته فما دام تلك الحقيقة العليا ناظرة الى هذه البشرية ويحمل اسرافيل الى البشرية كما يحمل ساير الملائكة الوحي من عالم الغيب الى بشريتهم حرفا بحرف وبعبارة اصرح واوضح وان رغمت انوف اقوام ان الحيوة في القلب وهو ظاهر الامام وباطنه ولما كان اسرافيل هو حامل الحيوة من ركن من اركان ذلك القلب الى كل الذرات فاذا جذب تلك الارواح الجزئية من افراد العالم الى الروح الكلية والتحق الفرع بالاصل مات الكون كله فاذا صلح الكون وصار قابلا لتعلق الروح تعلقت به والاولى نفخة جذب وصعق والثانية نفخة دفع وحيوة والقلب حي لانه الوجه وكل شيء هالك الا وجهه ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض الا من شاء ربك فافهم واما عزرائيل فحيث انه في الطبع بارد يابس طبع الموت والفساد فاذا حضر عزرائيل تفككت الاجزاء وتحللت وفسدت لما فيه من قوة التفتت فلم‌تجد الروح محلا لابقاء ( لايقا ظ ) مناسبا فتتصل بمركزها وتلحق باهلها فيقبض عزرائيل الروح بانفصال الاعضاء الموجب اتصالها على النظم الطبيعي الحيوة فعزرائيل يفصل واسرافيل يجذب الحيوة اذ لا محل لها فلا يحيي احد الا بنفخة الدفع ولا يموت احد الا بنفخة الجذب وعزرائيل يخلل الآلات ويفسدها لخروج الروح اذا لم يصلح البدن لتعلق فافهم

قال سلمه الله : وما يقول سيدنا في حديث الثقلين وقوله صلى الله عليه وآله كتاب الله الثقل الاكبر واهل بيتي الثقل الاصغر كيف هذا والامام افضل من القرآن

اقول اعلم ان الشيء مرة له حكم باعتبار ذاته واخرى له حكم باعتبار نسبه فقد يكون الشيء باعتبار ذاته افضل وباعتبار نسبته اقل وقد يكون باعتبار ذاته اقل من الآخر وباعتبار نسبته افضل واكمل مثال الطرفين المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة لوقوعه في الكوفة افضل من مسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد النبي صلى الله عليه وآله لوقوعه في المدينة افضل من المسجد الحرام لوقوعه في مكة مع ان الصلوة في المسجد الحرام تعدل عام الف صلوة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وآله عشرة‌آلاف وفي مسجد الكوفة الف مع ان مقتضى فضيلة المكان ان يكون في الفضل بعكس الترتيب المذكور ومثال الثاني ما ورد في حق ابي‌طالب ان له نورا يوم القيمة يفوق جميع انوار الانبياء الا خمسة انوار مع ان ابا طالب ليس بافضل من نوح وابراهيم وموسى وعيسى قطعا فوجب ان يكون نورهم اكثر وشعاعهم انور فانها دونه والسبب في ذلك مجرد النسبة حيث ان اباطالب منسوب الى امير المؤمنين عليه السلام اكتسب له فضل عرضي وكذلك المسجد الحرام حيث انه منسوب الى الله كان ثواب الصلوة فيه اكثر ومسجد النبي حيث انه منسوب الى رسول الله صلى الله عليه وآله كان ثواب الصلوة فيه اقل ومسجد الكوفة حيث انه منسوب الى امير المؤمنين عليه السلام كان ثواب الصلوة فيه اقل وان كانت المساجد في الذات بعضها افضل من الآخر وكذلك الكلام بعينه في القرآن فانه بالنسبة الى ذاته اقل درجة ومرتبة من الائمة عليهم السلام الا انه بالنسبة الى انه كلام الله ومنسوب اليه تعالى كان اكبر فاذا نظرنا الى المقامين قلنا ان الامام افضل واذا نظرنا الى النسب قلنا ان القرآن اكبر للنسبة العرضية كما قلنا ان الاسم الفاعل مع كونه مشتقا من المصدر او الفعل والمشتق فرع من المبدء انه افضل من المصدر او الفعل لانه نسبة الذات والمصدر والفعل نسبة الحدث وقلنا ان الفعل افضل واشرف من الحرف والحرف قد تعمل في الفعل والعامل من حيث هو عامل افضل من المعمول من حيث هو معمول والملائكة يقدمون على الانسان ويتصرفون فيه مع ان الانسان اشرف وافضل منه وهكذا امثاله كثيرة فافهم واضبط فانه باب من العلم ينفتح منه الف باب

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في قول الله تعالى ارني انظر اليك موسى مع جلالة قدره كيف يسئل هذا وما معنى اندكاك الجبل وكون ثلث الجبل وقع في البحر وكان منه طعام الحوت كما رواه الصدوق في العلل عن امير المؤمنين عليه السلام في علة خلق الذر

اقول اما سؤال موسى على نبينا وآله وعليه السلام ذلك فللجاج بني اسرائيل والحاحهم وقلة ادراكهم وشدة حماقتهم فسئل موسى ربه ليريهم آية الكبرى ويبين لهم مقام آل محمد صلى الله عليه وآله الاعلى وقد كانوا ينكرونه قبل خاصة عند باب حطة حيث ضرب موسى لهم مثلا لآل رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يتنبهوا واخذوا يستهزؤن فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فاراد موسى باجابة سؤالهم وسؤاله لله سبحانه اظهار هذه الآية العظمى وان يرى بني اسرائيل ان الذين انكرتموهم ما قدرتهم ان يثبتوا عند ظهور مقدار سم الابرة من نور رجل من شيعتهم فان المتجلي مربي موسى وهو رجل من الكروبيين بامر الله عز وجل كما قال مولانا الصادق عليه السلام على ما رواه الصفار في بصائر الدرجات ان الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الأرض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلي له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا فاجاب موسى دعوتهم وسئل ربه عز وجل ان يريهم نفسه اظهارا لفضل آل محمد صلى الله عليه وآله ونبينا لعظم مقامهم وشانهم ليكونوا لهم خاضعين ويعلمون ان رؤية الله انما هو رؤيتهم ومعرفة الله معرفتهم وطاعة الله طاعتهم ومعصية الله معصيتهم فلا يعرف الله الا من جهتهم ونور ذلك الكروبي نورهم عليه السلام قال امير المؤمنين عليه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا واما اندكاك الجبل فقد تقطع ارباعا ربع منها وقع في البحر فصار غذاء الحيتان وربع منها ساخ في الأرض فصار غذاء للجن وسكان اطباق الثرى وربع منها انبث في الهواء فكان ذرا وهباء وصار غذاء للحيوانات وربع منها بقي على وجه الأرض ليكون آية وذلك ان نور التجلي لما وقع على الجبل استنار وتقوى وكسب الحيوة واندفعت عنه الاعراض والامراض فصار مقويا للمزاج ومقوما للاعوجاج فلما انبثت الاجزاء في الهواء واستنشق تلك الذرات الحيوانات صلحت ادمغتهم وجففت رطوباتهم الفضلية فيقوى حفظهم ويكثر فهمهم ويزداد نورهم فكانوا يفهمون الاشارات ويلتفتون الى دقايق الخفيات وقبل ذلك كانوا ضعيفي المدارك قليلي المعارف الا ترى ان بني اسرائيل صنعوا عجلا وقالوا هذا الهكم واله موسى وراء تلك المعجزات الباهرات والتسع الآيات من موسى عليه السلام ولما خرجوا من البحر قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة بالجملة هذه الذرات باشراق نور آل محمد السادات سلام الله عليهم اصلحت الكينونات من جميع البريات من الجن والحيتان والانس وساير الحيوانات فتفارقت احوالهم فشعروا وقبل كانوا لا يشعرون وعلموا وكانوا قبل لا يعلمون ونضجت طبايعهم بمزج هذه الاجزاء لقوة يبوستها وشدة نفوذها في الاعماق بتجفيف الرطوبات الفضلية الغريبة واعتدلت ويقوي شيئا فشيئا هذا الاعتدال حتى تكون الحصباء جواهر وساير الموجودات من الانس والجن يترقون بنسبة ما بين الحصي والجوهر وكل ذلك من ذلك البذر وهذا التركيب والعقد التام من تلك الانفحة وعلى من يفهم الكلام السلم وتؤثر هذه الاجزاء لقوة نورانيتها مع قلتها في تلك الطبايع تاثير الاكسير مع قلة مقداره في كثير من الفلزات لان الاكسير قد تصفى بالحل والعقد وهذه الاجزاء تصفت بنور التجلي واشراق المتجلي وكمن في اعماقها واختلط في مزاجها وعلى هذا فقس حكم التربة الحسينية على مشرفها آلاف الثناء والتحية فانها مصفاة بنور الاصل واجزاء الجبل مصفاة بنور الشعاع والفزع فانظر النسبة بينهما ولولا ان تمسها ايدي العصاة وتؤثر فيها تاثيرها في الحجر الاسود لكان من ( لكانت ظ ) تحيي الموتى وهي رميم وبتركي ( تبرئ ظ ) الاكمه والابرص وكانت تصبغ الفلزات بصبغ ثابت غير مباين وكانت برد الشباب وتذهب الضعف وكذلك تلك الذرات لو نالته ايدي العصاة لمافعلت فعلها لكن الله سبحانه فرقها وقطع ايديهم عنها لامضاء حكمه ونفاذ كلمته وستظهر آثار التربة الشريفة عيانا وان كانت ظاهرة احكاما الا ترى انه يستحب السجود عليها وان كان عند قبر النبي وامير المؤمنين عليهما السلام ويستحب ان تكون مع الميت وان دفن عندهما وشفاء من كل داء ويحل اكلها دون تربتهما وحفظ من كل اذية وبلية وغيرها من احكامها وذلك لما بينا من طهارتها بنور تجليه وخلطها بدمائه عليه السلام وروحي له الفداء فكان ذلك مطهرا لها ومذهبا بمضارها دون ساير الترب

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا فيما ورد ان في الرجعة تاتي قبة الحسين عليه السلام ومعها تسعون قبة ما وجه النكتة في ذلك وكيف هذا واين قبة امير المؤمنين والرسول صلى الله عليه وآله وما وجه الاختصاص به عليه السلام وما المزية في اختصاصه عليه السلام بايام الفضايل دون غيره كعاشورا وعرفة والنصف من شعبان والاعياد وليلة القدر وغيرها دون ابيه وجده صلى الله عليه وآله وما وجه كون الذرية منه مع ان اخيه الحسن افضل منه هل هو عوض الشهادة ام لا وما معنى اجابة الدعاء تحت قبته وهل هي قبة الصبر كما ورد ام هذه القبة المنصوبة

اقول اعلم ان الحسين عليه السلام يرجع بعد مضي ملك القائم عجل الله فرجه بتسع وخمسين سنة مع اثني ‌عشر الف صديق وشهداء كربلا ويقعد في بيت مبني له قبل بناء الكعبة والكوفة بل قبل بناء هذه الدنيا وصفة هذا البيت ان له قبة من ياقوتة حمراء وفيها سرير من ياقوتة حمراء وحولها تسعون‌ الف قبة من زمردة خضراء هذا الذي وقفت عليه من الرواية اما تسعون قبة فلا وقفت عليها فان كان لعلها من جهة النوع وهذا العدد من جهة الشخص والوجه في ذلك ان القباب كلها تكون من زمردة خضراء لا سيما قباب مولانا الحسين عليه السلام فانه يحكي اباه امير المؤمنين حيث ظهوره في مقام النفس الملكوتية واللوح المحفوظ ومقتضي مقامه الخضرة في كمال الصفاء فاذا اريد التعبير عنه في عالم الجسماني والظهور في الخلق الثاني فانما يعبر عنه بالزمردة الخضراء وقد ذكرنا الوجه في الخضرة فيما تقدم ولكنه عليه السلام حيث استشهد وعنده قد ثارت النيران الكامنة وتهيجت الحرارة الباطنة وظهرت الغيره وبان الغضب لله اقتضى ثانيا ان يظهر بالحمرة اظهارا لهذه الحقيقة فصارت القبة الاصلية من بيته من ياقوتة حمراء والسرير كذلك وباقي القباب ظهرت على ما تقتضيه الكينونة الاولى واما خصوص التسعين‌الف فلم يظهر لي وجه ابرزه واذكره ولعل ذلك من جهة عدم الاذن في الاظهار والا ربما يختلج بالبال بعض الوجوه وكتمانها في الصدور خير من ابرازه في السطور واما قبة امير المؤمنين عليه السلام فهي في الكوفة محدودة بحدود اربعة احدها الكوفة وثانيها اليمن وثالثها البحرين ورابعها الحجاز وقبة واحدة محيطة بهذه الاركان والحدود وتعلق السرج والقناديل في الليل كانها الشمس الضاحية وهذه قبته عليه السلام يسكن فيها اذا رجع في الرجعة الاولى لنصرة ابنه الحسين عليه السلام واما رسول الله صلى الله عليه وآله فلم نجد له قبة مخصوصة به صلى الله عليه وآله في اخبارهم عليهم السلام ولعل الوجه في ذلك انه صلى الله عليه وآله اذا ظهر يكون الملك له والحكم له والدار له والمدار عليه فلم يفرض له شيء مخصوص به بل هو روحي له الفداء كما قال ويقول في الرجعة اذ ابدي الائمة عليهم السلام عنده الشكاية الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الأرض نتبوء في الجنة حيث نشاء فلا يختص به صلى الله عليه وآله شيء دون شيء ودار دون دار وقبة دون قبة بل له الحكم والامر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لقضائه ولا مانع لحكمه لانه الله سبحانه اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء وجعله سلطانا على كل من اقر بانه الله ومن هذه الجهة لم يجعل له قبة على حدة كغيره اما وجه الاختصاص اي اختصاص الغيبة بالحسين لكون سلطنته اعظم من كل سلطان لانه عليه السلام هو السلطان خمسين‌الف سنة وما اتفقت لاحد هذه السلطنة الكبرى فان مدة دولة الحق ثمانون‌الف سنة ولله المشية في الزيادة وخمسون‌ الف سنة منها في سلطان الحسين عليه السلام وهذه والله هي الكرامة العظمى واما اختصاص الحسين عليه السلام بايام الفضايل فلانه عليه السلام لما افنى نفسه وقلبه وروحه وفؤاده وماله واولاده واصحابه وعزه وكلما له في محبة الله سبحانه بحيث لم يبق لنفسه باقية اقتضت كرامة الله ان يخصه بنفسه فما يثبت لنفسه جعله للحسين عليه السلام تشريفا له فجعل زيارة الحسين زيارته وقد قالوا عليهم السلام من زار الحسين يوم عاشورا كان كمن زار الله في عرشه والايام التي ظهرت فيها اسرار الربوبية واحكامها المخصوصة بالله كليالي القدر والاعياد وعرفة وليالي الجمع وايامها وايام رجب والنصف من شعبان واول كل شهر جعلها مخصوصة بالحسين عليه السلام وامر بالاتيان الى مشهده الشريف لزيارته دون ابيه وجده وساير الائمة عليهم السلام وجعل المسافر مخيرا بين القصر والاتمام في حاير الحسين كما خيره في ساير مساجده الثلثة المشرفة وامر السجود على تربته وبالجملة خصه الله بنفسه وقرنه بحكمه يا لها من مرتبة ما اجلها واعظمها صلى الله عليه وعلى جده وابيه وامه واخيه وعليه واولاده واما وجه كون الذرية منه عليه السلام دون اخيه الحسن عليه السلام مع انه افضل منه فلأن الحسين ( الحسن ظ ) عليه السلام حكي جده رسول الله فكان مقامه مقام الاجمال واما الحسين عليه السلام فقد حكي مقام ابيه امير المؤمنين عليه السلام فكان مقامه مقام التفصيل فكانت الذرية من صلبه كما كانت من صلب ابيه الطاهر دون رسول الله صلى الله عليه وآله ومثال النبي والوصي العرش والكرسي فالعرش اجمال ليس فيه كثرة الكواكب والبروج مع انه اشرف من الكرسي والكرسي فيه التفصيل وكثرة الكواكب والبروج الاثني ‌عشر ومثال الحسنين عليهما السلام الشمس والقمر فالشمس صاحب مقام الاجمال لان منها المادة والقمر صاحب مقام التفصيل لانه منه الصورة وهو صاحب العدد والحساب فمقتضى مقامه ان يكون الذرية منه دون اخيه وان كان افضل منه صلى الله عليهما فقد فصلنا هذه المسئلة في مسئلة على حدة في المسائل العامليات وقولكم عوض شهادته صحيح لكن الشهادة ايضا انما اقتضاها رتبة مقامه التفصيلي عليه السلام واما اجابة الدعا تحت قبته فاعلم انه سبحانه وتعالى قال انا عند المنكسرة قلوبهم والقلب اذا كان خاضعا خاشعا تتوجه العناية اليه ولما كان الخضوع والخشوع في جميع اقطار العالم انما هو اصله وسره الحسين عليه السلام وهو مؤسسه ومؤصله والمكان الذي هو قبره الشريف اي الحاير اخضع الاراضي واخشعها ولذا سمي حايرا وهو المنخفض من الأرض والملئكة الذين هم مجاوروا قبره الشريف اربعة‌ آلاف ملك هم الشعث الغبر باكون خاضعون خاشعون والملئكة الذين يأتون لزيارته صباحا سبعين ‌الف دماء ( ومساء ظ ) كذلك على الاتصال في الغاية في الخضوع والخشوع والانبياء والائمة من زوراه عليهم السلام اعظم من الملئكة في الخضوع والخشوع فحائره الشريف قد جمع جوامع الخيرات واسباب اجابة الدعوات فاذا صدر الدعاء عن قلب خاضع فلا (كذا) من الاستجابة لتوفر اسبابها وتكثر دواعيها والله ارحم الراحمين واما قولكم فهل هي قبة الصبر كما ورد فلم اعثر على حديث وارد في هذا المعنى الا اني سمعت عن بعض العلماء الكاملين انها قبة الخضوع وكان يقول لا يستجاب الدعا الا في قبة سيدالشهداء اذ لا يستجاب الدعاء الا عند الخضوع والخشوع وهما منه عليه السلام اصلهما ومنشاؤهما وهذا الكلام لا باس به ولكن لا ينفى خصوص القبة المعلومة المنصوبة والمراد بالقبة الحاير لا خصوص القبة فانها تكبر وتصغر وترفع ومحل اجابة الدعاء حايره الشريف والوجه فيه كما ذكرنا

قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا في الحج وحده بغير زيارة الرسول صلى الله عليه وآله هل هو افضل ام زيارة الحسين عليه السلام

اقول ان كان الحج واجبا فلا بد منه ولا يغني منه زيارة الحسين واما ان كان مستحبا فان زيارة الحسين تعدل بكل خطوة من زواره اذا دخل باب السلم الف الف حجة والف الف عمرة والف الف غزوة مع نبي مرسل وامام عادل والف الف نسمة يعتقها في سبيل الله من اولاد اسمعيل واين الحج من هذا المقام وقد روي عن عايشة ان زيارة الحسين عليه السلام تعدل ثواب تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يقابل زيارة الحسين عليه السلام شيء من الاعمال الا انه لا يجوز ترك الواجبات فانها عزيمة من الله سبحانه وتعالى

قال سلمه الله تعالى : وما معنى زيارة الحسين تعدل سبعين حجة او اقل او اكثر المراد به الثواب او غير ذلك وما معنى ايام زاير الحسين عليه السلام لا تعد من آجالهم وانا وجدنا من يموت في ايام الزيارة

اقول المراد من الحج الثواب والفضل عند الله سبحانه فان البيت ياتي اليه كل احد واما الحسين عليه السلام فلا يأتي اليه الا المخلص في التوحيد والنبوة والولاية فزيارة الحسين مشتاقا عارفا بحقه تنبئ عن كمال التوحيد والنبوة والامامة بخلاف الحج فانه لا ينبئ الا عن التوحيد وهو في نفسه من غير اركانه لا يسمن ولا يغني من جوع وهذا الحكم وان كان يجري فيما بعد الحسين عليه السلام للائمة عليهم السلام وفيما قبله من امير المؤمنين والحسن عليهما السلام الا ان المقصود من شهادته عليه السلام هو المقتضى لكثرة ثواب زايره دون غيره وقد اشرنا اليه سابقا اجمالا وفي رسالة اسرارالشهادة تفصيلا واما معنى ان ايام زايري الحسين عليه السلام لا تعد من آجالهم الخ فاعلم انه يظهر من فحوي بعض الاخبار ان زيارة الحسين تزيد في العمر ثلثين سنة وجوابه ان مقتضى الزيارة اي يكون يزداد في عمر زائريه ثلثين سنة وان ايام زايريه لا تعد من آجالهم لانه بزيارته عليه السلام قابل فوارة النور واستنار بظاهره وباطنه وسره وعلانيته مع كثرة الانوار المشرقة من تلك الروضة المشرفة من الكرامات الالهية وانوار الانبياء من زواره ونور نبينا صلى الله عليه وآله واهل بيته عند زيارته عليه السلام ونور الملائكة المقربين والصلحاء والشهداء والصديقين فتحف به الانوار من كل جانب فتزول بذلك ظلمة معاصيه وظلمة الفساد من مزاجه اذ مع هذه الانوار القوية العظيمة لا يبقي للظلمة قرار اذا كانت عرضية واما الذاتية فلا فتقوى بذلك بنيته وتصلح سريرته ويرفع دواعي النقصان من كل جهة ويأتي اسباب الكمال والحيوة فيجب في الحكمة تقوية البنية وتطويل العمر كما اذا اكل الاكسير ومعجون المفرح الياقوتي وتأثير هذا الورود في تقوية البنية ودفع الغرايب لا يقاس بالمعاجين المقوية المصنوعة من انواع الجواهر والمفرحات والمقويات فحينئذ يجب ما ورد في الاحاديث من طول العمر وقوة القلب وظهور جوامع الكمال والجمال ولكن يعرض امران كل واحد منهما مستقل في قصر عمر الزاير احدهما انه بذلك يكون حبيبا لله سبحانه وقد ورد عنهم عليهم السلام احب الاعمال الى الله زيارة الحسين عليه السلام ولانه بزيارة الحسين عليه السلام تطهر عن كل خسيسة وعن كل ردية فهو متطهر والله يحب المتطهرين والحبيب لا يحب لحبيبه الا الكون في جواره والخلاص عن دار الزحمة والمشقة والتعب والنجاسة والرجاسة ويجب ان ينقله الى دار الكرامة ومحل الامن والسلامة ومقام الفرح والسرور ومقام النور والنور على النور فينقل الله سبحانه الزائر الى دار الآخرة دار الكرامة ويبقى هناك منعما مسرورا الى ان يرجع امامه وسيده ويطهر الأرض من الانجاس والارجاس وتصفو الأرض لاهلها فيرجع محبورا وينقلب الى اهله مسرورا وهذا كله من بركة الزيارة وفقنا الله سبحانه للتشرف بالقبور انه اكرم مسئول واعظم مامول وثانيهما ان الزائر بعد ما اعد الله سبحانه له من جوامع الخيرات في الدنيا والآخرة وعلم من حاله انه اذا بقي في الدنيا يصيبه ما يحرمه عن هذه الخيرات او يبليه من انواع الفتن والمحن والبليات او يقترف معصية تستحق بها العقوبات ينقله الله سبحانه برحمته وكرمه وكرامة لزيارة ذلك السيد الطاهر الى جواره ليسلم مما يوجب عقابه ويشمله ما اعد له من ثوابه ولذا يموت الزاير حسب ما يرى المصلحة اما بعد الزيارة بلا فصل او في ايام الزيارة او بعدها كل ذلك لاجل الزيارة فافهم راشدا موفقا مغبوطا

قال سلمه الله تعالى : افدني فداك ابي وامي ونفسي ما معنى قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا وهو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا هل هذه الاحاطة القيومية ام لا وما معنى الحديث ان الله داخل في الاشياء لا بممازجة وخارج عنها لا بمزايلة

اقول اما الآية الشريفة فهي الظاهر ظاهر ولكن الكلام في مقامين احدهما في سر التعبير حيث ابتدء بالثلثة مع ان النجوي اقلها اثنان ثم ذكر الخمسة وجعل نفسه الشريفة سادسا والسر في ذلك قوله ولا اكثر لانه لا بد من ذكره اذ لا ينحصر المتناجون من جهة الكثرة وذكر كلها يوجب ركاكة يجل كلام الفصيح لاسيما كلام الله سبحانه عنه فاذا قال ولا اكثر فمقتضى الفصاحة الاتيان بالمقابلة ولو فيما لا يمكن كما في قوله تعالى اذا جاء اجلهم فلا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون مع ان الاصل اذا جاء لا يتصور التقدم عن الوقت الذي جاء بعد ما جاء وذكروا انه سبحانه انما اتى به من باب المقابلة وكيف فيما يمكن مع حسن المقابلة ولذا ابتدء بالثلثة لتصح المقابلة في قوله تعالى ولا ادنى من ذلك ولا اكثر فلو اتى بالاثنين والاربعة ماكان لقوله ولا ادنى معنى هكذا قالوا ونحن قد بينا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا ان مبدء العدد الثلثة وان الواحد الحقيقي ليس له في الامكان وجود ولا يمكن اقل من الثلثة فهي مبدء العدد والواحد اجمال الثلثة والاثنان اجمال الاربعة فابتدء بالثلثة لهذه الدقيقة الشريفة ثم انه سبحانه عدل عن التعبير برابع اربعة وقال رابع الثلثة وسادس الخمسة وثالث الاثنين لأن رابع الاربعة وخامس الخمسة ويوجب ( الخمسة يوجب ظ ) السنخية ولذا قال تعالى لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلثة وما من اله الا اله واحد بخلاف رابع الثلثة فان الرابع غير سنخ الثلثة والخامس غير سنخ الاربعة فان الاربعة والخمسة اسم للجملة بخلاف الرابع والخامس فانه اسم للمفرد الواحد كما هو الظاهر المعلوم وثانيهما معنى المعية فانها ظاهرة في معنى المعية فانها ظاهرة في المقارنة والاتصال وهما في الازل محال وبيان ذلك ان المعية ان كانت ذاتية فلا تتصور ذلك بل نقول انه تعالى اقرب الى كل شيء من نفسه بعين بعده عنه ولا نهاية لهذا القرب كما لا نهاية لهذا البعد ولا كيف لهذا القرب والبعد ولا حد ولا رسم ولا اشارة ولا عبارة ولا يعلم كيف هو ذلك في سر ولا علانية ونحو من انحاء المعرفة ولا يصل اليها مخلوق من المخلوقات لا نبي مرسل ولا ملك مقرب وقد عجز عن معرفتها خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله في مقام ذاته وصفاته واطلاقه وتقييده بل الخلق في مقام الذات معدوم ولا ذكر له لا معلوم ولا موهوم واما المعية الفعلية الايجادية الاحداثية فهي بالاحاطة القيومية فان الاثر ظاهر بفاضل ظهور مؤثرة وظهور مؤثره عين ذات المؤثر قبل ان يصدق عليه اسم الاثر فانه مقام الكثرة لا مقام الذات للاشارة الى شيئين ذات واثر واحدهما غير الآخر فحقيقة الاثر من حيث هي لا من حيث انه اثر عين ظهور المؤثر من حيث هو مؤثر لا من حيث هو كذلك وكونه اثرا ورتبة مؤخرة هي مناط الوصف والاخبار بانه اثر فالمؤثر اقرب الى الاثر من نفسه من حيث هو المتميز المتشخص عن غيره وذلك الظهور لا يزايله ابدا الا اذا انقطع ذاته وحقيقته وجميع واطواره متقومة بذاته وذاته عين ظهور المؤثر والظهور ليس بشيء الا بالظاهر بل ليس الا الظاهر الظاهر بالظهور وهذه هي القيومية وهي وان كانت بلا كيف ولا اشارة الا انها في مقام ذات الاثر يدركها اذا انتفى عنه الادراك بالكيف والاشارة اذا انكشفت سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم لصحو المعلوم وهتك الستر لغلبة السر فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وهذه المعية تسمى ذاتية ولكنها فعلية وصفية وهي الربوبية التي هي كنه العبودية وهي مقامات الحدوث وان لم يقصد بها الا القديم وقد علمت من المذهب ان وجه ( وجهه ظ ) لا يخلو منه مكان وزمان وهو قوله تعالى فاينما تولوا فثم وجه الله والمقامات والعلامات والآيات لا تعطيل لها في كل مكان وقد سمعت قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه في دعاء رجب وبهم ملات سمائك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت وقرأت في دعاء كميل وباسمائك التي ملأت اركان كل شيء وقرئ لك خطبة النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير الذي ملأ الدهر قدسه وروي عن ثقة الاسلام بسنده عن الصادق عليه السلام نحن الاسماء الحسنى التي امركم الله ان تدعوه بها وزرت امير المؤمنين بالزيارة المروية عن الصادق عليه السلام السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضيء فاعرف اذن معنى قوله تعالى ونحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون وانه حكاية كما في قوله تعالى ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم مع ما تقرء في زيارة الجامعة واياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم فلنقطع الكلام فللحيطان آذان :

ومستخبر عن سر ليلى اجبته بعمياء عن ليلى بلا تعيين

يقولون خبرنا وانت امينها واما انا ان خبرتهم بامين

واما معنى الحديث فهو سبحانه داخل في الاشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء وانما الاشياء ظهورات فعله واشعة نور ايجاده فهو داخل في الاشياء بظهور المؤثر في الاثر والشمس في الشعاع وخارج عنها بالذات والحقيقة فان المعتزلين لا يدل احدهما على الآخر والدخول تستلزم الممازجة في الامكان اذا كان ذاتيا فدخوله سبحانه فعلي والفعل اثر لا دخل له في حقيقة المؤثر فلا تستلزم الممازجة والخروج يستلزم المباينة وهي ترفع الدلالة والاثر لم يذل يدل ( لم يدل ظ ) على مؤثره فلا مباينة ولا مناسبة ولا موافقة كذلك الله ربنا لا اله الا هو العزيز الحكيم

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في معنى القصبة الياقوتية التي اشتملت على سبع عقود كما وقفت عليه في كلام مولانا المقدس الامجد الشيخ احمد بن زين‌الدين قدس الله نفسه الزكية

اقول اعلم ان القصبة الياقوتية عبارة عن الحقيقة المحمدية في مقام الجمع انما كانت قصبة لانها مجوفة تدور على مبدئها لا استقلال ولا تذوت الا بالاستدارة على مبدئه والاستمداد منه وانما كانت ياقوتة لصفاء جوهرها ورجحان قابليتها بحيث كاد زيت حقيقها يضيء ولو لم‌ تمسسه نار المشية بجميع المعاني وان كانت لا توجد الا بالمشية واما حمرتها فلانها محل المشية الالهية ومهبط الافاضات القدسية والمشية حيث انها الحركة الايجادية تستلزم الحرارة المستلزمة للحمرة واما انها مشتملة على سبعة عقود فانها حقيقة واحدة في رتبة واحدة اختلفت مراتبها بسبع مراتب حسب اختلافها في الاجابة الاولية العقد الاول هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهي كالقلب للباقي والعقد الثاني هو حقيقة مولانا امير المؤمنين عليه السلام وهي كالصدر والعقد الثالث هو حقيقة مولانا الحسن عليه السلام وهي كالحرارة الغريزية المودوعة في تجاويف القلب العلقة الصفراء والعقد الرابع مولانا الحسين سيد الشهداء عليه السلام وهو كالروح البخار الساري في الشريانات وبه حياة الباقي والعقد الخامس حقيقة مولانا القائم المنتظر عجل الله فرجه وهي كالكبد لاصلاح الاخلاط وتمييزها وتشخيصها والعقد السادس حقايق الائمة الثمانية عليهم السلام فانهم مع تعددهم لهم رتبة واحدة جامعة واجابوا المنادي دفعة واحدة فمااختلفت مقامهم وهي كالدماغ الحاوي للقوة المحركة والحواس الظاهرة والباطنة والعقد السابع حقيقة الصديقة الطاهرة السيدة الزهراء على ابيها وبعلها وبنيها وعليها آلاف التحية والثناء وهي الجسد الحاوي والبدن الحامل لمراتب هذه القوي الفعالة وهي تأخرت عنهم تأخر الحامل عن ولذا تأخرت في الاجابة واجابت بعدهم وهذه هي عقود هذه القصبة وربما يعبر عن العقود باسمائهم السبعة والباقي تكرارها وهي محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وموسى وربما يعبر بالقصبة الياقوتية عن شجرة بلصيال بن جور وهي التي تنبت بالدهن فحينئذ وجه النسبة بالياقوتة ظاهرة لانها مادة الاكسير الاحمر والعقود السبعة الادهان الستة المذكور والسابع الجسد الجديد والأرض المقدسة وربما يعبر بالقصبة الياقوتية عن الحقيقة الانسانية الظاهرة في عوالم سبعة وهي العقود لاتصالها بشيء واحد وكونها تنزل حقيقة واحدة وهي العقل والروح والنفس والطبيعة والمادة والمثال والجسم وفي كل مقام يصرف معناها فيما يناسبه

قال سلمه الله تعالى : وما معنى ما ورد ان آدم لم يقر ولم يجحد وما معنى قوله تعالى فيه ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ما معنى النسيان لانه معصوم هل هو الترك كما فسر ام لا

اقول ان الله سبحانه خلق للانسان عالمين عالم الغيب والشهادة وعالم الروح وعالم الجسد وعالم الباطن وعالم الظاهر كل عالم له حكم خاص من التكليف والامر والنهي والعلم والجهل والشك والتوقف فيجري عليه حكمه بحسب مقتضي مقامه ففي عالم الباطن والغيب والروح علمه الاعتقاد الثابت الجازم وشكه التردد بين طرفي النقيض وظنه الطرف الراجح ووهمه المرجوح فاذا لم يعلم ولم يعتقد او يشك ويتوقف فيما يناط به معرفة الله سبحانه فذلك كافر لا يقبل منه صرف ولا عدل وفي عالم الشهادة والظاهر والجسد علمه العمل بجميع ما يؤمر به من الفرايض والمستحبات والمحرمات والمكروهات والشك العمل ببعض والترك للآخر والجهل ترك العمل فان كان العلم العيني الاعتقادي الروحاني ثابتا جازما منزها عن الشك والريب والظن والوهم والوسوسة فهو المؤمن الذي يدخل الجنة يقينا وان وقع منه ترك العمل او العمل بالبعض والترك للآخر المعبر عنهما بالشك والجهل الجسماني وان كان ينقص عن مقامه ومرتبته لا محالة الا انه من اهل النجاة وان لم تكن ذلك العلم العيني ثابتا ولو فرض حصول العلم الجسماني الذي هو العمل فلا ينفعه ابدا فاذا فهمت هذه المقدمة النافعة فاعلم ان الله سبحانه خلق الخلق في العالم الاول واقامهم في باطن الحجر الاسود من الركن العراقي وسئلهم وقال الست بربكم ومحمد نبيكم صلى الله عليه وآله وعليّ امير المؤمنين عليه السلام امامكم والائمة من ولده الاحد عشر وفاطمة الصديقة اوليائكم واختلف الناس فمن مصدق ومنكر ورئيس الصديقين الانبياء عليهم السلام وهم السابقون المقربون فصدقوهم في كمال الاذعان واخذ عليهم العهد والميثاق ان يعملوا بجميع مقتضيات ولاية آل‌ محمد صلى الله عليه وعليهم وان يعملوا ذلك باجسادهم واجسامهم وظواهرهم كما علموها واعتقدوها بقلوبهم وسرايرهم وضمايرهم وجعل ذلك العهد عند الملك المنعقد حجرا اي الحجر الاسود فكل من بقي على ذلك العهد والعلم روحا وجسدا وظاهرا وباطنا من اولي العزم ومن ترك العلم الظاهري اي الجسمي الشهودي وهو العمل على الاصطلاح فغير اولي العزم واما آدم عليه السلام فانه اخذ عليه الميثاق وترك العمل بظواهر اركانه وان كان معتقدا بجنانه وقابلا بلسانه وترك بعض المستحب وهو الامتناع من الاكل من الشجرة التي هي من نوع الشجرة المنهية فقالوا انه شك وتوقف في الولاية وحاشا نبي الله ان لا يعتقد او يتوقف في باطنه او يشك الشك المعروف والا ماكان مؤمنا فضلا عن ان يكون نبيا لكنه ترك العمل بجميع مقتضي الولاية كما هو العهد المأخوذ ولذا قال عز وجل ولقد عهدنا الى آدم من قبل في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين فنسي ولم نجد له عزما قال مولانا الصادق عليه السلام هكذا والله نزلت والعهد الماخوذ على آدم ان يعمل بكل ما يقتضي الولاية المطلقة من العمل بكل راجح وترك كل مرجوح فلم يثبت آدم عليه السلام ولم يقر بعمله وجوارحه وشهادته ولم يجحد بفعل باقي الاعمال مما اقتضته الولاية فلم يكن من اولي العزم واما اولوا العزم فقد ثبتوا وبقوا على العهد ظاهرا وباطنا وغيبا وشهودا وروحا وجسدا اما سمعت الله سبحانه يقول في حق ابراهيم عليه السلام واذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمات فاتمهن والكلمات هم آل محمد السادات عليهم السلام بنص الاخبار والروايات وتمامها العمل على مقتضي مقامها من العمل على كمال مقتضي العبودية ولذا كان من اولي العزم وقال مولانا العسكري عليه السلام فما وجد بخطه الشريف والكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء فشهد له عليه السلام بالوفاء والاداء كما ينبغي واما ساير الانبياء فقد صدر عنهم ترك الاولى وعبر عنه في الاحاديث بالشك والتردد والتوقف وامثال ذلك من العبارات وليس معناها الا ما ذكرنا من الشك العملي فان توحيد الاجسام وعلمها الاتيان بما امر به من الاعمال وقد بينا في كثير من مباحثاتنا ان العلم والعمل في كل مقام واحد والاختصاص انما هو على متفاهم العوام فعمل العقل والنفس والحواس والقوى انما ادراك المعلومات وحصول تلك الصور في محالها وهو علمها وعملها وعلم الجوارح الاتيان بهذه الاعمال وهي عملها وما سمعت في يونس انه شك في الولاية وفي ايوب كما قال امير المؤمنين عليه السلام لما كان عند الانبعاث عند المنطق شك وفي يوسف كذلك كل ذلك بترك راجح وفعل مرجوح ولا يسعني الآن تطويل المقال بذكر الاحوال التي تركوا فيها الاولى واما غيرهم من ساير الرعية من الغير المعصومين فشكهم بالمعنى الذي ذكرنا لا يحصى وترددهم لا يستقصى مع ما هم عليه من الايمان الفايق واليقين الثابت الجازم ولما كانت ابدان غير الانبياء ماكانت حية في الدنيا كما تحي في الآخرة وابدان المعصومين حية في الدنيا من دون ارواحهم لم يقع التكليف على الابدان بالعلم والمعرفة كما وقع على الانبياء فافهم راشدا واشرب عذبا صافيا

قال سلمه الله تعالى : وما معنى قوله تعالى مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في الزجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم ‌تمسسه نار نور على نور ما معناه من باب التفسير والتأويل وما معنى الزيت هل هو الحقيقة المحمدية كما في كلام المرحوم الشيخ احمد بن زين‌ الدين

اقول اما تفسير الظاهر لهذه الآية الشريفة قد سبق منا ما يصلح ان يكون تفسيرا لها في تفسير وشجرة تخرج من طور سيناء فلا نعيده لان مقصودنا الاشارة الى نوع المراد وقد مثل الله سبحانه لنوره في المحسوس باعظم ما يكون من النور من السراج الموقد من دهن من الشجرة الموصوفة اذا كان المصباح في الزجاجة وهي صافية نورانية تشرق بدون السراج كالكوكب الدري فما ظنك اذا وضع فيها سراج من دهن معلوم ويكون القنديل من الزجاجة الموضوع فيه المصباح في كوة وهي المشكوة يجتمع فيها النور ويكون من نور الزجاجة على نور من المصباح وهذا ظاهر معلوم واما تأويلها فالمراد بمثل النور هو محمد صلى الله عليه وآله والمشكوة صدره الشريف والمصباح عقله الكلي والزجاجة قلبه الشريف والشجرة المباركة شجرة ابراهيم لا شرقية اي ابرهيم لا نصراني يصلي الى جهة الشرق ولا غربية اي لا يهودي يصلي الى جانب الغرب بل حنيف مسلم او المراد من الشجرة الشجرة الكلية اي المشية والاختراع وهو ليست بشرقية اي ليست بقديمة ولا حادثة من ساير الحوادث لانها مخلوقة بها موجودة بفاضل ظهورها فلا يجري عليها ما هي اجرته فهي بخلاف الحوادث وان كانت حادثة فعلى هذا الوجه يكون المراد من الزيت الحقيقة المقدسة كما افاد شيخنا العلامة انار الله برهانه والتعبير عنها على هذا الوجه كناية عن كمال قابليتها وصفاء طويتها وانها في انصدارها وايجادها لا تحتاج الى غير جاعلها وخالقها فلا تحتاج الا اليها وهو قوله صلى الله عليه وآله الفقر فخري وبه افتخر وعلى هذا الوجه يكون معنى قوله يكاد زيتها يضيء يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد صلى الله عليه وآله وان لم يأمر بالاظهار والابراز لغزارة العلم وانفجاره من كل جوانبهم وهو قوله لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه وقد روي عن امير المؤمنين عليه السلام في تفسير هذه الآية الشريفة وتأويلها ان مثل نوره هو محمد صلى الله عليه وآله كمشكوة هي امير المؤمنين المصباح الحسن والمصباح في الزجاجة الحسين الزجاجة هي الزهراء سلام الله عليها كأنها كوكب دري لنورانيتها وصفائها يوقد من شجرة عليّ بن الحسين عليهما السلام مباركة محمد بن عليّ الباقر عليهما السلام زيتونة جعفر بن محمد الصادق لا شرقية موسى بن جعفر الكاظم ولا غربية عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام يكاد زيتها يضيء محمد بن عليّ الجواد عليهما السلام ولو لم ‌تمسسه نار عليّ بن محمد الهادي نور على نور الحسن بن عليّ العسكري يهدي الله لنوره من يشاء القائم المهدي عجل الله فرجه عليه وعلى آبائه السلام وهذه الرواية رواها السيد هاشم البحراني التوبلي في تفسيره المسمى بالبرهان وهو تفسير على احاديث اهل البيت عليهم السلام ولهذه الآية الشريفة وجوه اخر من الباطن والتأويل في العالم الوسيط مرآة الحكماء والعالم الصغير تركت ذكرها لما بي من الكسل والملل ومعاناة السفر بالحل والارتحال وفيما ذكرنا كفاية لاولي الفهم والدراية واهل الرشد والهداية والله ولي التوفيق

قال سلمه الله تعالى : وما الفرق سيدي بين مقام الاحدية والواحدية وما معنى الصفات الاربع التي هي عين الذات العلم والقدرة والسمع والبصر وما معنى هذا التعدد مع ان الذات لا فيها تعدد ولا تكثر ولا فيها مدخل بوجه من الوجوه

اقول مقام الاحدية مقام الذات البحت التي ليست فيها كثرة بوجه من الوجوه لا ذكرا ولا وهما ولا تخيلا بحال من الاحوال لانها مقام رفع الكيف والكم والنسب والاضافات والجهات والاعتبارات وهذا المقام لا يظهر في عالم الحدوث الذي هو آية القديم ودليله الا بكشف السبحات وازالة الحدود والانيات وهي الحقيقة المسئول عنها في حديث كميل وهي الاسم الذي ليس بالحروف مصوت وباللفظ منطق ولا بالشخص مجسد ولا بالتشبيه موصوف بريء من الامكنة والحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور وهذه الحقيقة آية الاحدية من غير ملاحظة الاسمية بكل اعتبار واما الواحدية فهي مقام الفعل مقام الكثرة والوحدة العددية الا ترى انك اذا قلت ما رايت احدا دل على انك ما رايت انسانا واذا قلت ما رأيت واحدا لا يدل على نفي الحقيقة ولعلك رأيت اثنين الا ترى ان الواحد هو نصف الاثنين وثلث الثلثة وربع الاربعة وخمس الخمسة وسدس الستة وسبع السبعة وثمن الثمانية وتسع التسعة وعشر العشرة وهكذا الى آخر الاعداد فالواحدية مقام الاسماء والصفات ومبدء ظهور التعلقات ولما كان هذه التعلقات انما تكون بالفعل كان الفعل ومقتضاه هو رتبة الواحدية المحضة وتصف الله سبحانه بانه واحد كما تصفه بانه خالق رازق والخالق من الصفات الفعلية كذلك الواحد والصفات الفعلية حادثة باتفاق من الامامية ولا شك في ذلك واما الصفات الاربع التي هي عين الذات فمعناه انها تعبير عن الكمال الذي هو عين الذات بلا فرض المغايرة فان الممكن لما وجد نفسه فقيرا محتاجا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا علم ان له خالقا وصانعا وعلم بضرورة فهمه ان الصانع اكمل من مصنوعه والخالق اشرف من المخلوق ولما اراد ان يصفه بالكمال اللايق والوصف المطابق اريد ( ازيد ظ ) من انه الخالق ما امكن كما انك اذا رأيت بناء عرفت ببديهتك ان له بانيا ولكنك يمتنع في حقك بالنظر الى نفس البناء تعرف الباني بانه رجل او امرأة جن او انس طويل او قصير حسن الصورة او قبيح الصورة من طائفة كرام او من طائفة لئام يعرف غيره من الصانع ام لا وبالجملة ما تعرف منه ازيد من انه بان وهكذا المخلوق لما ارادوا ان يصفوا الخالق بعد ما علموا بالضرورة انه الكامل عبروا عن الكمال باقصى ما عندهم واعلى ما لديهم فقالوا انه عالم قادر سميع بصير وليس انهم يريدون بها اذا وصفوه سبحانه بها ان يعرفون من مفاهيمها ومصاديقها يصدق على الذات سبحانه وانما هي تعبير عن الكمال المحض ولا يراد من العلم غير القدرة ولا من السمع غير البصر ولا انه سبحانه بجهة موصوف بالعلم وبالجهة الاخرى موصوف بالقدرة مثلا ولا ان هذه الصفات اذا اطلقت عليه تعالى يراد منها معان مختلفة سبحانه وتعالى عن ذلك بل لما اراد التعبير عن الكمال عبر بهذه الالفاظ والعبارات وهي الفاظ مختلفة معناها واحد مفهوما ومصداقا ذهنا خارجا ووصفنا له تعالى بذلك كالنمل الصغار يزعم ان لله زبانيتين لما رأتهما كمالا لما اتصف بها وليست تريد حين اثبات الزبانية انها موجودة فيه تعالى كلا بل تريد اثبات الكمال وانما عبرت بهذا اللفظ اذ لم تجد ما يعبر عنه بالكمال سواه كذلك نحن اذا وصفنا الله سبحانه لا نريد الا محض اثبات الكمال لا خصوص معاني هذه الالفاظ وهو قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فاذا سئلت الواصف بان الله عالم هل تعرف ما اثبتته من العلم وتدركه من حقيقة ذات العلم لذات الحق سبحانه يقول لك لااعلم وكذا القدرة والسمع والبصر واذا قلت له ان في الذات جهات متكثرة تصفها بجهة بالعلم وبالاخرى بالقدرة يقول لك حاشا ليست هناك جهات مختلفة واذا قلت له فالعلم عين القدرة والسمع عين البصر في الذات يقول لك نعم واذا قلت له تعلم معاني هذه الصفات التي تثبتها في كنه ذاته تعالى يقول لك لا فاذا قلت له صف ربك يقول لك عالم قادر سميع بصير وهو الذي ذكرنا لك يقولونه بلسان حالهم واعمالهم وان لم يقولوا بلسان مقالهم واما تقسيمهم الصفات الى الذاتية والفعلية فذلك بالنظر الى مفهوم الصفة فان وجدوا في مفهومها التعلق الخلقي والصنع الايجادي قالوا انها فعلية كالخالق والرازق والمحيي والمميت والرحمن والرحيم وامثالها وان لم يجدوا في مفهومها التعلق الخلقي وهو في نفسها وجدوها كمالا كما قالوا انها ذاتية كالعلم والقدرة ثم هذا القسم ان كان في مفهومها الاضافة الى الغير قالوا انها صفة الاضافة كالعلم لاضافته الى المعلوم والقدرة لاضافتها الى المقدور وان لم يجدوا في مفهومها الاضافة والارتباط الى الغير قالوا انها صفة القدس كالحي والعزيز والسبحان والقدوس وامثالها وهذه الاقسام كلها بالنسبة الى مفاهيمها واضافاتها وعدمها واذا وصفت ذاته سبحانه لا تلاحظ فيها جهة الاضافة والارتباط بحال من الاحوال والا كان سبحانه مختلف الحالات متكثر الجهات وتعدد الصفات انما هو باعتبار التعلقات الفعلية بمتعلقاتها الحادثة واذا وصف الله سبحانه بها لا تقصد الا ذاتا واحدا واحدة احدي الذات والمعنى وانما كررت العبارة ورددتها للتفهيم

قال سلمه الله تعالى : اخبرني سيدي عن كيفية خلق الملئكة وعن كيفية خلق الجن وما الفرق بينهم هذا يقدر على ان يتشكل وهذا يقدر ان يتشكل

اقول اعلم ان الملئكة خلقوا من النور وليست في طينتهم من الظلمة الا ما يمسك به وجودهم بان يقول كل واحد منهم انا ويختص بشان دون الآخر فظلمتهم ضعيفة وتركيبهم ضعيف ونورهم غالب واختيارهم ضعيف فلا يعصون لضعف ما فيهم من الداعي ولم يخرجوا عن الاختيار لوجود شيء ما من الظلمة التي بها يحصل الاختيار فلو تمحض الشيء انعدم ولم يوجد بل لا بد من التركيب في الامكان لان كل ممكن زوج تركيبي الا ان التركيب يختلف بالقوة والضعف فمن قوى التركيب كالانس والجن ومن ضعيف التركيب كالملك والشيطان فما قوى تركيبه قوي واشتد اختياره ويتساوي فيه جهة الفعل والترك فان مال الى النور يترقي وتضعف الظلمة الى ان لم يبق لها تأثير الا ما يحفظ ويمسك به وجوده ويبلغ بذلك اعلى الدرجات واسني المقامات لقوة اختياره وان مال الى الظلمة يتسافل ويضعف النور الى ان لم يبق له تأثير الا ما يحفظ به وجوده ويمسكه فالثاني لا يصدر منه خير ابدا كما ان الاول لا يصدر منه شر ابدا والكل بقوة الاختيار والفريقان لم يزل يزدادون في المقام متعاليا او متسافلا لم يستقر لهم قرار في درجات عليين او دركات سجين في الدنيا والآخرة فهم دائما في الزيادة وفي الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية ه‍ وبضده لاهل البغض والعداوة وما ضعف تركيبه ضعف اختياره ولم يتساو فيه الطرفان بل الغالب جهة واحدة تقتضي مقتضاها ولا يميل الى مقتضي الجهة الاخرى الا بتكليف وندرة وذلك كالملئكة فان جهة الظلمة فيهم ضعيفة كما ذكرنا فلا يميلون الا الى الطاعة ومثال اختيارهم بالمثال التقريبي مثال شخص جايع اضر به الجوع بحيث اذا لم يأكل يموت في ساعته فاذا حضر عنده والحال هذه اطيب طعام يكون في الدنيا اتراه انه يأكل او لا يأكل حتى يموت واختيار عدم الاكل وان كان حاصلا لكن داعي الاكل قوي جدا يغلب تلك الجهة الاخرى فهكذا حال الملئكة في داعي الخير وداعي الشر وحيث كان الداعي للشر فيهم ضعيفا جدا بقوا على نقصانهم لا يترقون ابدا وان فعلوا ما فعلوا من الاعمال ولذا قال عليه السلام في الملك انه ناقص لا يحتمل الكمال فهم معصومون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والفرق بينهم وبين الانبياء والائمة عليهم السلام ان الانبياء بقوة الداعي في الجانب الآخر تركوا مقتضاه ومالوا الى الخير والنور والملئكة بضعف الداعي وغلبة جانب النور ما مالوا الى الظلمة والفرق بينهما واضح ظاهر ونقصان هذا القسم بين باهر فصاروا بذلك حملة وروابط يتلقون الفيض ويصلون الى مقره المخصوص على الوجه المخصوص ولا يمكنهم التعدي من تلك الحالة مثالهم الحروف في الالفاظ فانها ليست الا روابط محضة ولا تدل على معنى في نفسها ابدا وانما تدل على معنى في غيرها وكانوا بذلك حدود جهات المشية في المشاءات فمن ملك موكل بضوء الشمس وموكل بنور القمر وموكل بالحرارة وموكل بالرطوبة وموكل باليبوسة وموكل بالانجماد وهكذا والموكل بالحرارة ليس له التصرف في القسم الآخر وكذلك العكس ذلك تقدير العزيز العليم فكان بذلك كل ذرة من الموجودات كائنة ما كانت موكل عليها ملك من سنخه وجنسه يوصل الفيض اليه من اليد اليمنى من المشية والشياطين بعكسهم حرفا بحرف هم حملة اليد اليسرى وان كان كلتا يديه يمين فافهم ولا تتوهم من هذا الكلام انهم مجبورون لضعف تركيبهم لغلبة احدي الجانبين وينتفي الاختيار من البين لان التركيب انما كان بالاختيار التكويني حسب تساوي الصلاحية في الذكر الامكاني الا ترى الذهب بقوة تركيبه بلغ الى ما بلغ والزبد بضعف تركيبه يذهب جفاء وهكذا جميع الذرات الوجودية في الكونية الوجودية الاولية واختلافها بحسب القوابل في الاستعدادات فان كل ذلك انما هو بالاختيار والا كان المدبر جائرا او حايفا او بخيلا او مرجحا من غير ترجيح ومخصصا من غير تخصيص غير واضع للشيء في موضعه وكان وجب التساوي في الموجودات وقد فصلنا وشرحنا هذه المسئلة باكمل شرح مما يمكن الكلام فيه في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة المحمدية والولاية العلوية صلى الله عليهما بالدليل العقلي في اول تلك المسائل وبينا ثبوت الاختيار في التكوين والتشريع والذوات والصفات وذكرنا وجه الخطاب والامر في كن فيكون وان المفعول هو فاعل فعل الفاعل وان المخاطب كالاختيار انما حصل بنفس الخطاب ونحوها من المطالب العجيبة التي تصعبت على الافهام ولم تدركها اقوياء الاحلام فالملئكة ذوات نورانية وقوي روحانية وجسمانية ذوات شعور وادراك واختيار لكنها لضعف تركيبها وعدم كمال انعقادها وغلبة نوريتها تتشكل باشكال مختلفة وتظهر بصور متفرقة ما عدي القبيحة الخبيثة واما الجن فانهم خلقوا من مارج من نار فبغلبة الحرارة التي فيهم تلطفت ساير قويهم ومشاعرهم وضعف انجمادهم وظهر فيهم حكم الذوبان فيظهرون بالصور المختلفة حسب ما يشاؤن مما يقدرون عليه من الصور الطيبة والخبيثة واما الانسان والبشر فحيث انهم خلقوا من صلصال من الطين ومن تراب عليين او سجين غلبت عليهم اليبوسة فانجمدوا ولا يسعهم التشكل بالاشكال المختلفة الا البشر الذي خلق من الماء كما ذكره الله سبحانه في القرآن هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا فهذا البشر لذوبان ذاته وحرارة باطنه ووفور الرطوبات الغريزية يتشكل بالصور كيف شاء الله وكذلك كل من تبعه اذ ما اتبعه الا لكونه من سنخه اما سمعت الله سبحانه يقول ومن تبعني فانه مني فيظهر فيه سره ويظهر في الصور كيف شاء الله فمن متشكل بالاشكال المختلفة لضعف تركيبه كالملئكة ومن متشكل بالاشكال المختلفة لقوة التركيب لكنه ذائب بغلبة النار التي اخذت وخلقت من الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل تراب طينة آدم عليه السلام فيتمكن للتشكل بالاشكال المختلفة كالجن ومن متشكل بالاشكال ( بالصور ) المختلفة لقوة التركيب وشدة الذوبان بمزجه بظاهر الماء الذي به حيوة كل شيء لانه من متابعي البشر الذي خلق من حقيقة الماء الذي به حيوة كل شيء ومن متشكل بالاشكال المختلفة لقوة التركيب وذوبانه بنار سجين وغلبة الطبايع الشيطانية كاتباع ابليس جنوده من الانس ومن منجمد منعقد غير متمكن للتشكل لعدم الذوبان بغلبة التراب البرودة واليبوسة اللتين هما طبع الموت وهم اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون وهؤلاء يكونون من المتشبثين بالحق والباطل

ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول

وهؤلاء هم المخلوقون من التراب ما داموا في قبور الطبيعة مقبورين فافهم فقد جمعت لك في هذا الكلام جوامع البيان ولا يدركه الا ذو حظ عظيم ولو اردنا شرح هذا الاجمال لضاق بنا المجال في ذكر هذه الاحوال مع انا عليه من توفر الاشتغال وبواعث الاختلال

قال سلمه الله تعالى : وما معنى السلسلة الطولية والسلسلة العرضية

اقول اعلم ان سلسلة الطولية هي مراتب الموجودات في العلية والمعلولية ومعنى ذلك ان السافل شعاع للعالي كالنور للسراج اي الشعاع المنفصل لا المتصل وتنحصر هذه المراتب في مقام الظهور بالآثار والاحكام في ثمان مراتب : الاولى الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهي شجرة الخلد وعلى امير المؤمنين اصلها وفاطمة فرعها والائمة عليهم السلام اغصانها الثانية حجاب الكروبيين وهم قوم من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الأرض لكفاهم ولما سئل موسى ربه ما سئل امر رجلا منهم فتجلى له بقدر سم الابرة فدك الجبل وخر موسى صعقا وعدد هؤلاء الملئكة مائة الف واربعة وعشرون الفا لان كل ملك مربي نبي من الانبياء الثالثة الانسان اي الرعايا وهؤلاء انما خلقوا من شعاع الانبياء عليهم السلام وهم باب فيضهم وامدادهم من الله عز وجل الرابعة الجان المخلوقون من نار الشجرة الاخضر الذي خلقت من فاضل طينة الانسان كما عن الصادق عليه السلام الخامسة الملئكة الغير العالين والكروبيين وهم انما خلقوا من شعاع نور مولانا امير المؤمنين عليه السلام كما عن النبي صلى الله عليه وآله وهو نور الولاية الظاهرة في رتبة الانسان والظاهرة في رتبة الجان وهم حملة التدابير المتعلقة بجزئيات العالم وهم الروابط الجزئية والمعاني الحرفية الواقفون في مقام معلوم وهم الخدام للجن والانس في الجنة وهم ضعيفوا الاختيار والجن والانس قويوا الاختيار السادسة البهائم وحشرات الأرض من الحيوانات والسابعة النباتات كانواع الاشجار البرية والبحرية والبرازخ والثامنة الجمادات من العناصر والمعادن وساير المركبات وهذه المراتب انما يقال لها الطولية لوقوع كل واحدة منها تحت رتبة الاخرى بحيث لا ذكر لها عند من هو اعلى منها كالشعاع بالنسبة السراج فلا يلحق السافل العالي وان صعد وترقي الى ما لا نهاية له لان له مقام معلوم لا يتعداه ولا يتجاوز عنه ولذا ورد في الزيارة الجامعة فبلغ الله بكم اشرف محل المكرمين واعلى منازل المقربين وارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع ولذا حرم على الرعية تمني مرتبة الانبياء وعلى الانبياء تمني مرتبة الائمة عليهم السلام ولذا لما خطر على قلب ابينا آدم عليه السلام عوقب واخرج من الجنة حتى تاب مع ان الخطور كان خطورا عمليا لا علميا كما ذكرنا سابقا والا لعصى وفعل المحرم وليست هذه الحرمة وهذا النهي الا من جهة ان كل واحد شعاع واثر للآخر فلا يمكن اللحوق الى مرتبة المؤثر والا لجاز لاحد تمني رتبة الالوهية وادعاء معرفة الذات المقدسة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فافهم راشدا

واما السلسلة العرضية فهي ما تجمع الكثيرين حقيقة واحدة ظاهرة في الاطوار والتعينات فاذا نظرت الى الحقيقة ترى شيئا واحدا واذا نظرت الى الاطوار والتعينات والافراد ترى امورا كثيرة وظهور تلك الحقيقة في تلك الافراد على السواء وانما يختلف الافراد في القوة والضعف والرقة والغلظة بالقابليات فيصح للكثيف تمني رتبة الشريف وللضعيف تمني رتبة القوي لا بمعنى الحسد بل يستحب له ذلك وتلك نفس تلك المراتب المتقدمة لا بالنظر الى الاعلى والاسفل كالانبياء فان لهم حقيقة واحدة قد ظهرت في الافراد الغير المتناهية بدوا وعودا وكذلك الحيوانات والنباتات والجمادات وهذه الافراد تترقى وتصعد وتزيد نموا وقوة وصفاء وجدة وشبابا لكنها في مقامها لا يتعداه فتستدير بالعرض والوضع كرة صحيحة الاستدارة ولا انقطاع لهذا السير وهي في مرتبتها ومقامها كما اخبر الحق سبحانه عنهم بقوله وما منا الا له مقام معلوم ولكنها تتزايد شرفا الى ما لا نهاية له كما قال عز وجل في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية انظر الى الجماد فانه يصفوا اما بالمعالجة او بالطفرة الى ان تبلغ الرتبة الاكسيرية اذ ازداد سقيا يزداد عملا وتأثيرا الى ان يطرح المثقال في الف‌ الف وهكذا الى ما لا نهاية له لكنه جماد لا يبلغ مقام النبات ابدا فحركته في العرض ولو كان في الطول لوصل الى النبات وهو الى الحيوان ولا يكون ذلك ابدا وما ترى في الانسان انه كان نطفة ثم اخذ بالنمو بالروح النباتية الى انتهاء حد النباتية ثم صار حيوانا ثم صار انسانا وذلك (ظ) ليس من الحركة في الطول وانما هو ظهور المراتب الكامنة او المشرقة على تلك القابلية فلو فصلت الانسان بنظر الفؤاد رأيت كل مرتبة منها في مقامها نعم ظهرت كل مرتبة اذا تم نضج المرتبة الحاملة لها كالجدار الذي اذا تم يظهر نور الشمس عليه وليس الجدار والنور والشمس من حقيقة واحدة ولا ان الجدار صار نورا فاذا فصلتها يعود منهما الى اصله ولذا اذا عرفت الشمس لم تجد نورا على وجه الأرض وكذلك الروح الحيوانية اذا فارقت لم تجد حركة ولا اقتضاء ولا طلبا لا فرق بين الجسد الملقي بعد مفارقة الروح وبين الحجر وهذا لا اشكال فيه فالموجودات في رتبهم في السلسلة العرضية يسيرون الى ما لا نهاية له من مبدء تكوينهم الى ان ظهروا في الدنيا الى ان يرتحلوا الى الآخرة الى ما شاء الله من ابد الآبدين ودهر السرمد بلا انقطاع واذا اردت ان تعرف كليات المراتب في السلسلة العرضية في كل شيء من الاشياء فاعلم ان الشيء لما بدا من فعل الله سبحانه لا يكمل ولا يتم الا بعد اكمال القوسين الصعودي والنزولي اما النزولي فلصيرورته جامعا مملكا واما الصعودي فلاظهار تلك المراتب وبلوغه الى عاماتها ( غاياتها ظ ) المقررة لها فلولا النزول لم يتم الصعود ولا الصعود لم يكمل الشيء فاول المبدء هو الوجود ويعبر عنه بالفؤاد فلما خلقه الله سبحانه تعين وتركب فحصل من اول تركبه وتعينه العقل الكلي في العالم الكلي والجزئي ثم استنطقه الله فقال له ادبر فادبر فاول ما ادبر مقبلا على الخلق الى مقام الارواح ثم الى مقام النفوس ثم الى مقام الطبيعة ثم الى مقام المادة ثم الى مقام المثال ثم الى مقام الجسم الكلي ثم الى مقام العرش ثم الى مقام الكرسي ثم الى فلك البروج ثم الى فلك المنازل الثمانية والعشرين ثم الى فلك الشمس ثم منها الى زحل والقمر ثم منها الى المشتري وعطارد ثم منها الى المريخ والزهرة ثم الى كرة النار ثم الى كرة الهواء ثم الى كرة الماء ثم الى كرة الأرض والى هنا تمت مراتب الادبار ثم امره الله سبحانه بالاقبال فاخذ في الصعود فاول ما صعد الى مقام الجماد مبدئه البخار والدخان والسحاب والمطر والتيام الاجزاء الاربعة على وزن معلومة مقدر والمزج التام ليكون المجموع شيئا واحدا ويتحقق الجماد في اول المزج والنضج ثم الى مقام المعدن وهو مقام النضج الثاني اي تمام الاول ثم الى مقام النبات يعني ظهور النفس النباتية على ما قلنا لا الحركة في الطول ثم الى مقام الحيوان البهائم ثم الى مقام الجن ثم الى مقام الملئكة ثم الى مقام الانسان وفي هذا تظهر المراتب المتقدمة النازلة كلها ويظهر العقل المدبر المقبل ثم الى مقام القطب الغوث الجامع الكلي وهذا المقام هو تمام اتصال البدو بالعود والاول بالآخر وهو مقام قاب قوسين ثم منه يصعد الى مقام اعلى وهو تلك اللطيفة الالهية وهي مقام اللانهاية وليس لها مقام اعلى منه ما لا نهاية له ذكر الشيء ومبدء ذاته فلا يتعداها ابدا وانما يسير في هذه الرتبة بلا نهاية ولا غاية لها وهي دائما يطلب مقاما اعلى فلا تصل الى نفسها وتدور على نفسها سايرة الى اعلى منها فالحق سبحانه دائم التجلي عليها في مقامها بنفسها فلا يلحق الى اعلى منها وهذا السير لا انقطاع لها وقد قال الشاعر ونعم ما قال :

قد ضلت النقطة في الدائرة ولم ‌تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة

سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة

وهذا مجمل القول في ذكر السلسلتين واما تفصيلها فهي عبارة عن العلوم كلها لانها كلها احوالها

قال سلمه الله تعالى : واخبرني سيدي اذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو القطب والغوث بلا واسطة مع انه صلى الله عليه ينتظر الوحي كيف يكون الواسطة والسفير مفضولا اجبني سيدي في هذه المسئلة بجواب شاف صريح لا تمنعني فيض سيبك

اقول اعلم ان الحقيقة الالهية لما هبطت ونزلت الى عالم السفلي ظهرت في كل عالم على حسب ذلك العالم متلبسا بلباسه ومتجلببا بجلبابه فلو لم يلبس لباس ذلك العالم لم يكن من اهل ذلك العالم وقد فرضناه من اهل ذلك العالم هف فالروح في كمال تجردها ولطافتها لما تنزلت الى عالم الاجسام استعملت آلاتها فلا يمكن ادراك شيء من ذلك العالم الا باستعمال تلك الآلات وهذا ليس لان الروح ناقصة او انها عاجزة او ان تلك الآلات افضل واشرف منها الا ترى انك اذا اردت تخيل شيء وتصوره وتفكره وتعقله لا تحتاج الى استعمال شيء من الآلات الجسمانية الظاهرة بل الروح تستقل بادراكه من دون ملاحظة شيء من الادوات الشهودية واذا اردت احساس شيء وابصاره واسماعه فلا بد من استعمال الحواس الظاهرة لان السافل يضمحل عند العالي فاذا اراد الظهور للسافل عنده قائما يظهر له بما يناسب مرتبته ومقامه فالقلب عند ادراك المجردات لا تحتاج الى شيء من الآلات واما عند ادراك الجسمانيات فلا بد من الحواس الظاهرة وليس استعمال هذه الحواس لعجز من الروح ولا لنقص فيها وانما هو لحاجة ذلك العالم ولذا قال مولانا امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها وتشير الآلات الى نظايرها فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الطفرة لما كانت باطلة والفيوضات كلها انما تنزل من العالم الاعلى الى العالم الاسفل فاول ما نزلت الفيوضات الى الخزانة العليا الاولى من قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وماننزله الا بقدر معلوم وهي الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فاول ما تنزل من تلك الحقيقة الى فؤاده صلى الله عليه وآله وهو عالم او ادنى ثم ينزل الى قلبه وهو مقام قاب قوسين والقلم الاعلى المنشق من حلاوة اسم محمد صلى الله عليه وآله ثم تنزل الى روحه ثم الى نفسه الشريفة ثم الى جسمه الشريف ولما كان عالم الاجسام كساير العوالم السفلية بالنسبة الى العالم الاعلى ضيقا فلا يأتيه كلما في العالم الاعلى مما عند العالي الى العالم الاسفل دفعة وانما يأتيه شيئا فشيئا بالتدريج والا فساواه هف ولما كان العالم الاسفل لكثافته وغلظته مباينا فلا بد من روابط ومناسبات حقيقة تربط في ايصال الفيض بين عالم المجردات والماديات اي بين عالم الغيب والشهادة يعني ليست في اللطافة مثل الغيب ولا في الكثافة مثل الشهادة وكذا في ايصال الفيض الى اسافل عالم الشهادة لا بد من روابط وتلك الروابط الموصلة بين العالم هو الملئكة فهم يأخذون من عالم الغيب ويوصلون الى عالم الشهادة فحاجة النبي صلى الله عليه وآله الى الملئكة في الوحي وغيره حاجة الروح والقلب الى الحواس في ادراك الجسماني والى الجوارح لظهور الآثار الجسمية فلولا اليد لماظهرت آثار اليد في الاعمال الشهودية ولولا العين لماابصرت ولولا السمع لما سمعت وهكذا مع ان قوام الجوارح كلها بالقلب والروح ولذا اذا خرجت الروح من البدن تعطلت الجوارح وماتت فقوامها بالقلب وآثار القلب جارية وظاهرة بها فلولاها لما ظهرت المدارك الشهودية ولولا القلب لما كانت ولما تحققت فتوسط الملئكة ما دام النبي صلى الله عليه وآله في عالم الكثرة لا بد منها لانها روابط في ايصال ما في العالم الاعلى الى العالم الاسفل بالترجمان فالاسفل يد للعالي في اظهار آثاره وابراز خزائنه لا واسطة فاذا اطلقت الوساطة يراد بها توسعا لا حقيقة كما ان الله سبحانه بكمال قدرته ونفاذ مشيته انما استعمل الاسباب واجرى فعله بيده تعالى لتعالي ذاته عن مباشرة الامكان وكذلك حكم كل عالم بالنسبة الى سافله فالملئكة اسباب لنزول ما في الخزائن العالية الغيبية على نحوها من (كذا) الى الحواس السفلية الشهودية الاضافية على نحوها وليس فيها ارتفاع للملئكة ولا انخفاض من النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام كما اذا ادرك القلب المحسوسات بالحواس الظاهرة ليس فيه ارتفاع للحواس عن مقامها ولا انخفاض للقلب عن مقامه بل ذلك يدل على تعالى القلب وتسافل الحواس فافهم فقد رددت العبارة وكررتها للتفهيم ومن هذا القبيل تعلم موسى من الخضر عليهما السلام لان الخضر من الاسباب الموصلة لتلك المسائل الى موسى عليه السلام مع ان موسى افضل واشرف قطعا وكتعلم النبي سليمان من النملة المسائل المعروفة المبتنية على المناسبة الذاتية وليس مدخلية هذه الامور الا كمدخلية اكلهم وشربهم عليهم السلام ونومهم ويقظتهم لحفظ بنيتهم وكينونتهم وبالجملة هذه آلات واسباب لظهور السافل على ما هو عليه عند العالي ومن هذا القبيل نزول الملئكة في ليلة القدر وليالي الجمع وكل آن ودقيقة عليهم للبيان كنزول العين على القلب في بيان الالوان ونزول الاذن على السمع في بيان الاصوات ونزول الذوق على القلب في بيان الطعوم ونزول اليد على القلب في فعل الكتابة وغيرها والقلب هو الاصل وهو مقر الفيض يستعمل هذه الآلات لاظهار ذلك الفيض في العالم السفل وظهوره عنده على ما هو عليه فهذه الآلات باب الايصال والاحضار والحضور كما ان الامام عليه السلام باب الله الى الخلق في الافاضة وباب الخلق الى الله في الاستفاضة وظهور الكينونة فقد كشفت القناع لمن له عينان وشفتان ولسان وقلب يشاهد البرهان

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا وان لم يكن فهم فتاخذه عنا

وما هو الا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن في الحال كما كنا

فالنبي صلى الله عليه وآله هو الغوث والقطب لا شك فيه ولكونه كذلك استعمل هذه الآلات والاسباب وهو باب الله وجرت سنة الله تعالى فيه صلى الله عليه وآله في اتخاذ الاسباب والايادي واما القرآن فان الله انزله بجملته في البيت المعمور وقد قرئه امير المؤمنين عليه السلام من اوله الى آخره يوم ولد في الدنيا وقد كانت ولادته الشريفة روحي له الفداء قبل المبعث بسبع سنين والزهراء عليها السلام كانت تقرء القرآن في بطن امها والله سبحانه ذكر في كتابه لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ولا يسعني الكلام في هذا المقام ازيد من ذلك لا لانه في الاسرار التي يجب كتمانها بل لعناد المعاندين وعدم صولة ( قبول ظ ) اولئك المنافقين الم‌يسمعوا قول النبي الصادق الامين كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وقول امير المؤمنين عليه وعلى اخيه وعلى اولاده وزوجته السلام من الحق المبين كنت وليا وآدم بين الماء والطين وماكان صلى الله عليه وآله نبيا الا بهذا القرآن لان الله سبحانه قال وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولم يكن امير المؤمنين عليه السلام وليا الا بتفاصيل مجملات هذا القرآن وهو انسان يأتي يوم القيمة يشفع

واياك واسم العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

قال سلمه الله تعالى : وما معنى سيدنا ما ورد في الحديث عن ابي ‌الصامت انهم عليهم السلام خلقوا من عشر طينات خمسة من طين الجنة جنة عدن وجنة الماوى والنعيم والفردوس والخلد وخمسة من الأرض مكة والمدينة والكوفة وبيت‌المقدس وحاير الحسين عليه السلام كيف هذا والجنان والأرض انما خلقت من فاضل نورهم

اقول اما حقيقتهم عليهم السلام بارواحهم وعقولهم ونفوسهم واشباحهم واجسامهم كلها فانما خلقت قبل الخلق وقبل العرش والكرسي وقبل الجنان والاراضي والخلق ما سواهم كائنا ما كان وبالغا ما بلغ انما خلق من شعاع انوارهم وقد دلت عليه الادلة القطعية والنقلية ولكن الخلق لما خلقهم الله سبحانه بهم واراد تكليفهم وهدايتهم لانهم جهال لا يعلمون شيئا مما يصلحهم او يفسدهم الا بالله سبحانه ولما ان الله جل شانه يجل عن مباشرة المخلوقين فلا بد ان يوصلها اليهم مناسب معهم ليتمكنوا من القبول ولما كان محمد وآله صلى الله عليهم هم الاصل في كل خير والوجه في كل طلبة والباب لكل مقصد جعلهم الله سبحانه هم الموصلين لتلك التكاليف والاوامر والنواهي الى كافة الموجودات السارية فيها الاختيار والشعور وهي كلما سوى الله سبحانه ولذا بعثه الله سبحانه الى كافة الخلق بشيرا ونذيرا قال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا فاذا وجب ان يكونوا هم المبعوثين الى كافة الخلق فلا بد ان يكونوا سلام الله عليهم ظاهرين على صورهم وهياكلهم واشباحهم اذ لو ظهروا لهم على الصورة التي خلقهم الله سبحانه عليها لماتوا وهلكوا وفنوا وقد ذكرنا لكم سابقا انه ظهر لموسي على نبينا وآله وعليه السلام مقدار سم الابرة من نور رجل من شيعتهم فدك الجبل وخر موسى صعقا ومات بنو اسرائيل فما ظنك لو ظهرت انوارهم الحقيقية كيف وقد ظهر بعض انوار بعض شيعة اولئك الشيعة الذين رأى موسى مقدار سم الابرة من نور واحد منهم للملائكة في عالم الانوار فزعمت الملئكة انه النور القديم والسر الحكيم الى ان نادت تلك الانوار بحقيقة الاسرار لا اله الا هو العزيز الجبار كما عن النبي المختار صلى الله عليه وآله لكنه قال لا حول ولا قوة الا بالله لتعلم الملئكة انا عبيد مربوبون وهذا القول منه صلى الله عليه وآله بهذا التعبير مقتبس من قول الله سبحانه ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم مع ان اياب الخلق اليهم وحسابهم عليهم صلى الله عليهم وروحي فداهم وكذلك ما تجلي للملئكة يجب ان يكون دون ما تجلى لموسى بالضرورة وبالجملة لعجز الخلق عن مشاهدة انوارهم فلا بد ان يلبسوا لباسا من سنخ الخلق المبعوث اليهم ويظهروا بصورتهم حتى يتمكنوا من مشاهدتهم عليهم السلام والاخذ منهم حتى يتم حجة الله تعالى وتكمل نعمة الله وتظهر آيات الله وتعلو مقامات الله فحيث وجب لهم ذلك اللباس المعبر عنه بالبدن الظاهري فلا بد ان يكون ذلك البدن وذلك اللباس افضل ما يكون من ذلك العالم حتى يكون قد تم لهم الشرف الكامل في كل مقام ولما كان مناط العوالم الجسمانية عالمين عالم الدنيا والآخرة وافضل مقامات الآخرة واشرفها الجنة بطبقاتها واشرف الطبقات الخمسة المذكورة لان الذي بازاء الجسم والمثال والنفس من الطبقات ادنى من باقي الطبقات التي بازاء العقل والحواس دون الحس المشترك فالخمسة الباقية اشرف الطبقات الجسمانية فوجب ان تؤخذ طينتهم سلام الله عليهم منها وكذلك افضل مقامات الدنيا ومنازلها الاراضي الخمسة المذكورة فوجب ان تؤخذ طينتهم من افاضل طين الدنيا والآخرة لخلق بشريتهم ولباسهم من قوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون فالبشرية الظاهرة من ابدانهم فانما هي من سنخ رعيتهم صلى الله عليهم ولذا كان يجري فيها القتل والمرض وكانوا يعيشون بالاكل والشرب وكانوا يأكلون مما يأكل الرعية منه ويشرب مما يشربون منه وهو قوله تعالى انما انا بشر مثلكم يوحي الى وقال تعالى لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم واما الجنة فقد خلقت من فاضل نور الحسين عليه السلام والاراضي خلقت من نور الزهراء وشعاعها صلى الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها والمخلوق من الطين المذكورة بشريتهم الظاهرة

قال سلمه الله تعالى : واخبرني سيدي ما معنى الصخرة التي تحت الأرض هل هي سجين ام غيرها وما معنى جبل قاف واخبرني ما وراء جبل قاف هل هو خراب ام عمران كما ورد عن ابن ‌عباس قال خلق الله جبلا يقال له قاف محيط بالعالم وعروقه الى الصخرة التي عليها الاراضي فاذا اراد الله ان يزلزل البلاد امر ذلك الجبل فحرك العرق اخبرني ما معنى ذلك

اقول ان الصخرة التي تحت الأرض قد تطلق ويراد بها قطب الأرض لكمال انعقادها وانجمادها وشدتها في اليبوسة والبرودة التي هي طبع الموت وكل فقطب الأرض هو الغاية في هذه الطبيعة وكل منعقد منجمد ميت غير نافذ ففيه وجه من وجوه الحيوة يسمي الصخرة وهو قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون والصخرة اجمد من الحجارة للوجوه التي ذكرها الله سبحانه وقد تطلق ويراد بها كتاب الاشرار الفجار في سجين وهي سجين في مقابلة الزمردة الخضراء التي هي كتاب الابرار في عليين بل هي عليون واما جبل قاف فالمراد به كرة الأرض من حيث قبل الاعراض وعوارض التي عرضتها واخرجتها عن الاستقامة واللطافة والنورانية وهي سر الأرض واصلها وهي المعبر عنها بالزمردة الخضراء ايضا لاتصالها بنور المشية التي هي النور الاصفر وانها محلها وموقعها في الكون السفلي الجسماني وهذه الجبال المعروفة كلها اصلها منها واليها تعود وهي ارض الحشر وارض الجنة وهي الأرض التي تتبدل هذه الأرض بتصفيتها عن الكثافات اليها وهي الأرض التي لا يجد الساكن فيها الليل ابدا لانها لا تحجب ما ورائها واصفى من البلورة اذا اشرقت عليها الشمس وهي الأرض التي كانت الخلايق عليها في الخلق الاول قبل ان يخلق الليل وطالع الدنيا اي اول برج طلع من افق هذه الأرض كان هو السرطان والشمس في شرفها على قمة الرأس والوقت الظهر وانما سمي جبلا لانعقادها بيبوستها وبرودتها مع خلط الحرارات الواقعة عليها من اشعة الكواكب المبادي فامتزجت تلك الاشعة بهذه الأرض فانعقدت صافية طاهرة مطهرة وعلى هذا الجبل جزيرة الخضراء وعليه بلد جابلقا وجابرسا وموكل عليه ملك اسمه اسمعيل وعروق الجبال والاراضي كلها متصلة به وبيد الملك اسمعيل وعروته الى الصخرة اي القطب الذي عليه تدور عليه كرة الأرض الاصلية التي يعبر عنها بالجبل القاف وهي مربوطة بقطبها واصلها فاذا اراد الله ان يزلزل الأرض بكثرة معاصي اهلها والغالب ان يكون موجبها انكار فضل آل محمد صلى الله عليه وآله الذي يؤثر في الاصول والمبادي امر الله سبحانه الجبل لانه حي او الملك الموكل به المطيع لامر الولي عليه السلام فحرك العروة وهي الخيط الاصفر روابط الفيض المتصلة في المبدء الاعلى الى ذلك الجبل واهله ولذا كان اصفر لاتصاله بنور المبدء مع اقتضاء مقامه السواد فاختلط الصفرة بالسواد فكانت خضرة وهي خضرة الجبل اما نفس الخيوط فهي حدود المشية ورؤسها ووجوهها المتعلقة بالأرض بجهاتها وحدودها واقتضاءاتها وتلك الرؤس اذا ظهرت في عالم الشهود الجسماني تظهر بصورة الخيط الاصفر وبصورة العروة لبيان الربط والاتصال ولما كان الاصل في كل هذه الآثار والتأثيرات هو الولي عليه السلام ولذا كانت بيده ولما حرك الباقر عليه السلام ذلك الخيط الاصفر تحريكا دقيقا تزلزلت المدينة كما في الحديث المشهور بحديث الخيط الاصفر على ما رواه في البحار واما ما وراء قاف فليس الا البحر المحيط الذي ورائه الهواء الذي ورائه النار المحيط بها فلك القمر سماء الدنيا واما عالم المثال وبلادها وبراتبتها (كذا) واقاليمها وقطعها وارباعها واحوالها كلها وراء قاف وهو باحوالها هي العوالم المذكورة في الاحاديث المعصومة وما ورائه جابلقا وجابرسا ووادي السلام التي تأوى اليها الارواح ووادي برهوت وجبال كمد وعيون بقر التي تأتي اليها الارواح بعد مفارقة الاجسام الدنيوية وهذه كلها وراء هذا الجبل وورائه العوالم الاخر كما يأتي اليه الاشارة انشاء الله تعالى

قال سلمه الله تعالى : اخبرني عن معنى هذا الحديث روى الصفار في بصائر الدرجات عن ابي‌ صالح قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قبة آدم فقلت له هذه قبة آدم عليه السلام قال نعم ولله قباب كثيرة ان خلف مغربكم هذا تسعة وثلثون مغربا ارضا بيضاء مملوءة خلقا يستضيئون بنورنا لم يعصوا الله طرفة عين لا يدرون اخلق الله آدم ام لم يخلقه يبرؤن من فلان وفلان وفلان

اقول هذه التسعة والثلثون مع قبة آدم تمام الاربعين وهو تمام مراتب الوجود فان الله سبحانه اكمل خليقة كل شيء في اربعين مرتبة كما قال عز وجل خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا وهي ظهور الفيوضات العشر التي خلق الله سبحانه الاشياء كلها بها في اربع طبايع او اربعة اركان هي الخلق والرزق والحيوة والموت وباعتبار ظهور غلبة كل مرتبة يتحقق عالما من العوالم وان كان لا يخلو من باقي المراتب مثلا ان الانسان مركب من اربع طبايع الصفراء والسوداء والبلغم والدم ولا يمكن خلق الانسان من هذه الطبايع الا ان فعلية كل طبيعة يظهر منه آثار مختلفة تختص به اي الانسان من حيث غلبة طبيعة من الطبايع وكذلك العوالم كلها لا تخلو من هذه الاربعين لكن باعتبار غلبة مرتبة في الكل تجري عليها احكاما خاصة بها وظني ان هذه الاربعين انما هي العوالم التي في هذه الأرض منها على جبل منها بعد الخلط بالاعراض وقبة آدم هي التي لما اتى اليها آدم عليه السلام انشد وقال :

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح

ومقام الخلط واللطخ وظهور الاعراض وغلبة الظلمة ودولة الفاسقين وخفاء الحجة انما كانت هذه القبة التي نحن عليها من حيث هذه الكثافات ولذا خفي امرهم في هذه الدنيا بحيث اختلفوا فيهم فمنهم حكم بكفرهم وقال ان اليهود والنصارى هم الحسن والحسين واولاد الحسين واليهم الاشارة بقوله تعالى وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله واحباؤه يعني ابناء محمد وعليّ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ومنهم من لم يجدهم اهلا للامامة والوصاية فضلا عن الخلافة الكبرى ومنهم من حكم بانهم الارباب من دون الله ومنهم من جعل حالهم كحال غيرهم من الرعايا ومنهم من قال انهم يعلمون كل شيء ومنهم من قال انهم لا يعلمون كل شيء ومنهم من فصل وبالجملة الاختلاف فيهم لا ينكر وهذا الاختلاف انما هو من جهة هذا الخلط وامتزاج النقطتين وتصادم الاعراض وعدم الاعتدال والا فلم يكن يخفى امرهم ولم يستتر نورهم سلام الله عليهم كيف وان الله تعالى عرفهم الخلق في جميع اطوارهم ولولا هذه الاعراض لكان الامر في اشراقات انوارهم وعكوسات آثارهم عظيما والخطب جسيما وقد اشار الى ما ذكرنا مولينا امير المؤمنين عليه السلام في الخطبة ولولا اصطكاك رأس افرودس واخلاط الطتنجين وصرير الفلك لسمع كل من في السموات والأرض رحيم دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة الخطبة واما باقي التسعة والثلثون المغرب والمشرق المعبر عنهما بالعالم المستقل فكلها على جبل قاف من المقامات والمراتب المصفات من الاعراض بل هي طيبة طاهرة بيضاء بنور العقل مملوة من اناس مطهرين وخلق مقدسين منزهين مقبلين على الله تعالى ومتوجهين اليه سبحانه يستضيئون بنور الولاية ويستشرقون باشراقات انوار الامامة والخلافة لم يعصوا الله طرفة عين لانها اما باعراض قلبي وخبث ذاتي وذلك محله سجين اسفل السافلين واما بمزج وخلط وبين العالمين ومزج بين النقطتين وذلك اي المزج قد خلص ورجع كل فرع الى اصله فلا معصية لاصحاب الطينة الطيبة ولا طاعة لاصحاب الطينة الخبيثة وهذا المعنى هو الذي يظهر في هذه الدنيا في الرجعة عند ظهور صاحب العصا والميسم دابة الأرض في الوجود وصاحب سر العابد والمعبود وهؤلاء حيث كانوا صافين عن خلط العوارض واولاد آدم ابينا كلهم اصحاب الخلط واللطخ في صلبه المؤمن والكافر والطيب والخبيث والمختلط فلا يدرون هؤلاء بآدم ولا يلتفتون الى ما عليه اولاده من حيث انه عليه السلام اباه لانهم المطهرون واولئك هم الغافلون ولما ان الجهل من هذه الاعراض واهل تلك العوالم منزهون عنها فلا جهل فيهم بل هم باقون على الفطرة الاصلية وما كتب الله فيهم من سر الولاية وما نقش في ذواتهم من صفات الامامة فلا يعلمون الا ان العلم والحكمة معرفتهم وولايتهم والتبري من اعدائهم كما قال عليه السلام في تفسير قوله تعالى ومن يؤتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ان الحكمة هي معرفة الامام فالعالم يعلم ان الاشياء كلها من شعاع انوارهم وظل عكوسات آثارهم فلا تدل على سواهم فليس لهم في العلم والمعرفة والكمال والعبادة والطاعة الا معرفتهم وتوليهم والتبري من اعدائهم وها انا اورد عليك حديثا تعلم ان العلم كله فضائل آل‌ محمد صلى الله عليه وآله رواه ثقة الاسلام عن الصادق عليه السلام انه سئل عن العلوم التي علمها رسول الله صلى الله عليه وآله عليا يفتح من كل باب الف باب ومن كل باب من الالف الف باب هل هذه وصل الى شيعتكم قال (ع) وصل اليهم باب او بابان فقال السائل يا سيدي فما وصل الى شيعتكم من فضلكم الا باب او بابان قال عليه السلام فما عسي ان يصل اليكم من فضلنا والله ماوصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة ه‍ وفيه اشعار الى ما ذكرنا وتنبيه على ما سطرنا يعلمه من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد

قال سلمه الله تعالى : وما معنى سيدي قول مولانا عليّ عليه السلام انا آدم الاول انا نوح الاول ما هذه الاولية افدني فداك ابي وامي ونفسي

اقول انا قد ذكرنا في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا ان الخير لم يسبقهم وهم سلام الله عليهم اصل الخير ومعدنه ومأويه ومنتهاه فكل خير هم عليهم السلام سبقوه وقد تشعب منهم وتفرع عنهم الى غيرهم ولما كان بين الاسماء والمسميات مناسبة ذاتية فمعنى الخير دل على ان اسمه خير فكما ان المسميات الطيبة انما نشأت منهم كذلك الاسماء الطيبة منهم سلام الله عليهم بما هم عليه من جامعية الخير استحقوا كل اسم طيب نوراني فكان من اسمائهم آدم ونوح وابراهيم وموسى من ساير الاسماء الطيبة لان المعاني النورانية التي اقتضت هذه الاسماء الطيبة اصلها فيهم فهم سلام الله عليهم آدم الاول ونوح الاول وابراهيم الاول وهذه واحد من وجوههم التي بها ناسبت الاسماء الخاصة فاعاروهم اسمهم فاسماء الانبياء عليهم السلام انما هي مستعارة من اسمائهم وحقايقهم انما هي حكاية من آثارهم وصفاتهم ورسومهم ولذا كانت الاسماء اسمائهم والمسميات رسومهم وصفاتهم فهم الاصل والانبياء بالاسماء والمسميات هم الفرع فهم الاول بهذا المعنى ولذا قد خاطب مولانا الصادق عليه السلام امير المؤمنين عليه السلام باسماء الانبياء في الزيارة وهذه الاسماء هي اسمائه عليه السلام وهي مستعارة عند الانبياء كما ان حقايقها مستعارة من صفاتهم ولا تتوهم ان حقيقة محمد وآله هي حقايق الانبياء عليهم السلام كلا وحاشا وانما حقايق الانبياء رشحات من بحر جودهم وقبسات من نور عزهم واشراقات من شمس ظهورهم ولا يساوي الشعاع الشمس ابدا ولا يجمعهما حقيقة واحدة وقد كتبنا في هذه المسئلة رسالة منفردة من ارادها فليرجع اليها

قال سلمه الله تعالى : وما معنى الحديث الوارد الشقي من شقي في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امه ما المراد بالام فان كان هذه الام فاي ذنب له وان كان فما وجه تسمية المادة بالام

اقول المراد بالام هي الوعاء الذي يحفظ الشيء المبهم المجمل ويفصله بالحدود والمشخصات ويميزه بالاوصاف والصفات ويوجب له الاسم الخاص وهذا المعنى انما يصدق في غاية الظهور على ثلثة امور : الاول الام المعروفة اي المراة وهي تسمى اما من جهة ان النطفة في صلب الام انما كانت شيئا واحدا مجملا في الغاية من الاجمال صالحا لان يكون ذكرا وانثى وخنثى حسن الصورة او قبيح الصورة قصيرا او طويلا وكذا في الصورة الظاهرة من الوجه والرقبة والصدر والبطن وامثالها وهذه انما كانت مجملة في النطفة غير متمايزة فتمايزت وتشخصت في بطن المراة ولذا سميت اما الثاني الصورة فان المادة من حيث هي مادة صالحة لقبول الصور والمشخصات والهيئات والاضافات والاوضاع والسعادة والشقاوة فاذا تصورت تتميز وتتشخص فيحكم عليها بالحسن والقبح بالصورة فالتفصيل يكون بالصورة فلذا سميت بالام عند اهل البيت عليهم السلام وقد قال مولانا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم من رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه وامه ابوه النور وامه الرحمة ولا ريب ان مدخول من فيما يتعلق بالصنع والايجاد المادة كما اذا قلت صنعت الخاتم من فضة وصنعت السرير من الخشب والبيت من الطين ففي كل هذه الامثلة لا شك ان مدخول من هو المادة فعرفنا ان النور في قوله عليه السلام خلق المؤمنين من نوره هو المادة والرحمة كان هو الصبغ هي الصورة ثم قال عليه السلام ابوه النور وامه الرحمة فعرفنا ان الصورة هي الام والمادة هي الاب فدل على ما ذكرنا العقل والنقل اما الحكماء فقد ذهبوا الى ان المادة هي الام لمناسبة القبول فان المادة قابلة للصور الكثيرة وهي فاعلة فقالوا ان المادة هي الام والصورة هي الاب وهو غلط فاحش وهذا الحديث الشريف لا ينطبق على قولهم فان السعادة والشقاوة انما هما في الصورة دون المادة فان المادة كالخشبة صالحة للصنم والسرير فاذا صنع سريرا يحكم عليه بالسعادة واذا صنع صنما يحكم عليه بالشقاوة فالسعادة والشقاوة تبعتا الصورة لا المادة ويحمل عليه الحديث المذكور فيقال ان الام هي الصورة والسعادة والشقاوة في بطن الصورة فان الحقيقة الانسانية في العالم الاول عالم الذر صالحة لجميع الصور الحسنة والقبيحة فاذا اجابت تصورت بالصورة الانسانية فكانت سعيدة واذا انكرت تصورت بالصورة الشيطانية فكانت قبيحة خبيثة فالسعادة في الصورة والشقاوة فيها فدائما يكسر ويصاغ ويلبس الصورة الانسانية او الشيطانية الى ان تستقر اما بالاطمينان فيكون صاحب النفس المطمئنة الراضية المرضية او بالنكرا والشيطنة فتكون محلا للشياطين وموضعا للجهل والظن والتخمين فتستقر صورها وتدوم سعادتها وشقاوتها وهذا الاستقرار قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة فبطن الام هي الصورة على ما فصلت لك دون المادة على ما قالوا الثالث الدنيا فان بطن الام المعروفة تربي الجسم الى ان تبلغ به الصورة الانسانية الكاملة وهذه الدنيا تربي الى ان يبلغ بها الى الصورة الانسانية او الشيطانية فكما ان الصورة الجسمانية انما تترقى بالاسباب الجسمية كدم الحيض مثلا وساير العقاقير الجسمانية كذلك الصورة الانسانية التي هي كمال النفس الانسانية انما تتربى بالاسباب الالهية التي هي الاعمال الصالحة والاعتقادات والعلوم والحقايق والرسوم فان بها تترقى النفس وتصاغ على الصورة الانسانية هيكل التوحيد وصورة التفريد والتجريد وباضدادها تتسافل وتصاغ على الصورة البهيمية الشيطانية فتستوفي اجله في الكتاب حتى اذا تمت الصورتان ونضجتا وانعقدتا تتولد وتضعها امها التي هي الدنيا وتخرج منها اما سعيدة او شقية فتستقر السعادة والشقاوة ابد الابد وتظهر آثارهما بلا انقطاع فهي اي الدنيا بطن الام التي السعيد سعيد فيها والشقي شقي فيها فاذا خرجت من الدنيا اما الى الجنة او الى النار كبطن الام فان الانوثة والذكورة انما تتمايزان في بطن الام فاذا وضعت الام فلا يمكن ان يكون الذكر انثي او العكس وهذا ظاهر معلوم وعلى المعنيين يصح تفسير الحديث كما ذكرنا ولا يلزم اجبار ولا الجاء ولا اضطرار كما هو المعلوم البين واما على الام المعروفة فلو حملنا فالمراد بالسعادة الصورة الانسانية وغيرها بالشقاوة او السعادة والشقاوة المعروفتان على حسب الاجابة في العالم الاول الذر فان المنكر لذلك اليوم ان كان على بصيرة وانكار بعد المعرفة والجحود بعد الايقان فلا يختلف في هذه الدنيا كما قال تعالى فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل وكذلك ايضا حكم المقر عن بصيرة وايقان واما المستضعف فهم المرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم فلا يجري الحمل بالنسبة الى المستضعف فافهم فهمك الله

قال سلمه الله تعالى : وما معنى سيدنا قول امير المؤمنين عليه السلام ظاهري ولاية وباطني غيب لا يدرك

اقول لا شك ان السافل لا يسعه الاحاطة بحقيقة العالي بوجه من الوجوه الا ما يظهر للسافل من ظهوره الخاص به ولا يدل ولا يظهر الا بذلك القدر كالشعاع الواقع على المرآة الحمراء والصفراء لا يظهر فيهما الا على جهة الاحمرار ولا يعرف الناظر فيهما الا ان المنير مشرق احمر او اصفر ولا يعرف من المنير اذا ما رآه بمجرد رؤية الشعاع انه بسيط كالشمس والكواكب او مركب مثل المتولدات والمركب لا يعرف تركيبه من دهن او حطب والدهن لا يعرف منه اي دهن هل هو دهن الزيت او دهن الجوز او الشحم او غير ذلك والحطب لا يعرف منه اي قسم منه وبالجملة فالناظر الى المنير من جهة الشعاع لا يعرف منه الا ما يظهر له في الشعاع انه مضيء مشرق لا غير واما حقيقة المنير فانها غيب لا يدرك بالشعاع الا لمن كان حقيقة المنير حاضرة عنده ولا يكون ذلك الا للمحيط بالمنير اما بذاته او بظهوره فاذا عرفت ذلك فاعلم انه قد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية بان مولانا امير المؤمنين عليه السلام واولاده المعصومين هم المنير والخلق غيرهم كلهم شعاع لهم خلقوا من شعاع نورهم وفاضل ظهورهم ومن المعلوم ان الشعاع لا يعرف الا ان المنير مشرق متصرف في الشعاع كمال التصرف لا تحقق له ولا تذوت الا بالمنير واشراقه وكذلك لا يعرف الخلق منهم سلام الله عليهم الا ان لهم الولاية والتصرف في الاكوان والاعيان بالله سبحانه بان جعلهم الله كذلك وهو معنى الولاية المطلقة والهيمنة العامة على كل مذروء ومبروء فهم الاصل القديم والفرع الكريم واما ازيد من ذلك من مراتب حقيقتهم وذاتهم فلا يعرفها احد ابدا لا الملك المقرب والنبي المرسل وهو قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقوله تعالى ولو ان ما في الأرض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله وقال الكاظم عليه السلام نحن الكلمات التي لا يستقصى فضلنا ولا يستحصى في جواب مسئلة يحيى بن اكثم وقال تعالى وبئر معطلة وقصر مشيد وفي الحديث يا عليّ ما عرفك الا الله وانا باطنه صلى الله عليه غيب لا يدرك مخفي عن كل احد سوى الله سبحانه والدليل علي ذلك باصرح الدلالة قوله عليه السلام في الصحيفة بعد صلوة الليل واستعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده ولم يبلغ ادنى ما استاثرت من ذلك اقصى نعت الناعتين ضلت فيك الصفات وتفسخت دونك النعوت وحارت في كبريائك لطائف الاوهام فالذي ظهر منه عليه السلام للعالم كونه وليا من العز لله تعالى متصرفا في الوجود مطلعا على الغيب والشهود وهو الولاية التي هي ظاهره عليه السلام واما باطنه اي كينونته وكونه على ما هو عليه في عز قدسه فذلك غيب لا يدرك لانه هو الملك المستعلي على كل شيء تأمل في الدقيقة بسر الحقيقة في قوله عليه السلام واستعلى ملكك ولا ريب ان الملك هو الحادث وان وصف بالقدم في قوله عليه السلام في الدعاء اللهم اني اسئلك باسمك العظيم وملكك القديم ولكن المراد به طول المدة في الاحداث والانشاء لا القديم الذي هو الازل فاذا ثبت حدوث الملك فقد اجمع المسلمون على انه لم يسبق محمدا صلى الله عليه وآله احد في الوجود والحدوث فيكون هو الملك ولما كان امير المؤمنين عليه السلام نفسه فكان هو ايضا الملك فهو علا على كل شيء علوا سقطت الاشياء في ذواتها وصفاتها وكينوناتها دون بلوغ امده عليه السلام ثم تنزل عن هذه المرتبة وقال عليه السلام ولم يبلغ ادنى ما استاثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين والناعتون جمع محلي باللام يفيد العموم الاستغراقي اي جميع الناعتين من الاولين والآخرين باقصى نعتهم ومبلغهم في العلم والادراك عاجزون عن البلوغ الى ادنى ما استاثر الله منه من جوامع الفضايل والكمالات وذلك الوجه الاسفل منه صلى الله عليه وآله المتعلق باحداث الشعاع فافهم ولا تكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال ولهذا الكلام الشريف وجوه كثيرة تركنا ذكرها وما ذكرنا احسن الوجوه لمن يسمع ويعقل

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا هل يجوز ان يسمي احد من الائمة بامرة المؤمنين غير عليّ بن ابيطالب عليه السلام من الحسن الى الحجة

اقول لا يجوز لاحد من الاولين والآخرين من ملك مقرب او نبي من مبدء الوجود الى آخر مقامات الشهود من العلل والمبادي العالية حتى نبينا صلى الله عليه وآله وائمتنا عليهم السلام ان يتسمى بامير المؤمنين ويرضى به غير سيدنا ومولانا امير المؤمنين عليه السلام فان ذلك اسم خصه الله به دون اهل العالم فمن تسمى به ورضي واستحسن ان يدعى بهذا الاسم فهو كافر مطعون في عجانه مأبون والسر في ذلك بعد الاحاديث المتكاثرة الناصة بالمطلب واجماع الفرقة الناجية ان الامير من المير وهو الكيل من قوله تعالى ونمير اهلنا ونحفظ اخانا والكيل هو التقدير والتفصيل واما رسول الله صلى الله عليه وآله فمقامه الاجمال والوحدة فلا يناسب مقامه التفصيل والكثرة والتقدير لكل احد على حسب ما يقتضيه مقام المفاض عليه الا ترى العرش فانه يلقي الفيض الى الكرسي على جهة الاجمال وفي الكرسي يفصل ويقدر ومنه على التفصل يفاض على الاجسام السفلية فالعرش مثال رسول الله صلى الله عليه وآله والكرسي مثال امير المؤمنين والتقدير والتفصل يكون به عليه السلام والمؤمنون جمع محلي باللام يفيد العموم ويدخل فيهم الائمة الطاهرون سلام الله عليهم بل هم المؤمنون حقيقة والانبياء ومن بعدهم انما يسمون مؤمنين من باب الحقيقة الثانية فلا احد يقدر على ان يكيل العلم للائمة عليهم السلام بان يعطيهم بقدر دائم الافاضة وثابت الاعانة بمدد من الله سبحانه على جهة التفصيل سوى سيدهم ومولاهم فهذه الصفة لا تصدق على غيره ابدا كما ان صفة الرحمن لا تصدق على غير الله تعالى لعمومها وكذا عموم هذا التقدير لا يتولاه الا حامل الولاية المطلقة والائمة عليهم السلام وان كان يطلق عليهم المقدرون الا انه اضافي كما في دعاء رجب اعضاد واشهاد ومناة واذواد والمناة جمع ماني وهو المقدر ولكن ليس لهم هذا التقدير العام الكلي فهذا الاسم الشريف خاص به دون غيره فهو امير المؤمنين يمير العلم والنور والخير والرشد والهداية وساير ما تقتضيه الولاية المطلقة للمؤمنين اي كل من آمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله والنبي صلى الله عليه وآله سيده ومولاه ولكن مقامه لا يقتضي ان يكون هذا الاسم له كما سبق فافهم

قال سلمه الله تعالى : وما يرى سيدنا في القرآن هل اسقط منه شيء ام لا وهل حرف شيء ام لا وهذا القرآن الموجود من جمعه هل هو ماخوذ من تاليف عليّ امير المؤمنين

اقول اما الاسقاط فلا ينبغي ان يشك فيه المتتبع في الاخبار والناظر في الآثار والسير والتواريخ وسير الامم بعد الانبياء من الاختلاف الشديد وتحريف كتابهم وقد روى الفريقان ان ما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة فلو انهم سلكوا جحر ضب لسلكتموه وقد دل نص القرآن بوقوع التحريف في الكتب الماضية فوجب ان يكون في هذا الكتاب ما في الكتب في الامم السالفة والاخبار في ذلك اكثر من ان تحصى وقد ذكر بعض علمائنا انه عثر على اكثر من الفين حديث في هذا المعنى فاذا لم يثبت هذا المعنى بهذه الاحاديث المتكثرة الواردة من طريق الفريقين فلم يثبت مطلب اصلا بالاخبار مع ان هذه الاخبار في الكتب المعتبرة وقد ذكر ثقة الاسلام في الكافي شطرا وافيا منها وكذا الثقة الجليل عليّ بن ابرهيم في تفسيره وغيرهما في غيرهما وردها بقوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون غريب جدا لان الساقط من القرآن ماضاع وانما هو محفوظ عند اهله وسيظهره ويبين احكامه عجل الله فرجه وكونه عند كل احد يلزم ان يكون محفوظا عن الغلط في الكتابة والقرائة ايضا بحيث لا يجوز ان يقرء احد غلطا شيئا من آيات القرآن او يكتب كذلك مع ان الضرورة قاضية ببطلانه وكذا ردها ببعض الاستعارات اغرب واعجب ولا يسعني الآن ذكر تلك الاستبعادات من الخرافات والجواب عنها فان الامر بحمد الله واضح كالشمس في رابعة النهار ولما كان القرآن معجزة للنبي صلى الله عليه وآله ولا يمكن لاحد ان يأتي بمثله من الجن والانس فلا يمكن التحريف والزيادة قطعا واما النقصان فلا اشكال فيه وقد اسقطوا آيات كثيرة من القرآن الدالة على ذم المنافقين والتصريح باسمائهم خصوصا ذكر فضائل آل محمد صلى الله عليه وآله والتصريح باسمائهم الشريفة فحذفوها تشييدا لباطلهم وتاسيسا لضلالهم كما قتلوا اولياء الله ونهبوهم ونقصوا انفسهم واموالهم ومنعوا الناس عن الرجوع اليهم نعم زيد بعض الحروف ونقصت بما لا يخل بالنظم كما في قوله تعالى كنتم خير امة وكان في الاصل خير ائمة وقوله تعالى امة هي اربى من امتكم وكان في الاصل ائمة هي اربى من ائمتكم وامثالها وكذلك قدم بعض الآيات على بعض مثل قوله تعالى افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة وكان اصل النزول افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى اخروا اماما ورحمة ليظهر لهم التوجيه في قوله صلى الله عليه وآله من مات ولم يعرف امام زمانه كان ميتة جاهلية ليقولوا ان المراد بالامام هو الكتاب والقرآن ويستشهدوا بهذه الآية ولم يعلموا ان اضافة الامام الى زمانه يبطل ما ارادوا لان الكتاب ليس خاصا بزمان دون زمان فلو كان المراد به الكتاب يقال ولم يعرف الامام على جهة الاطلاق كما لا يخفى وكذا في الآيات التي فيها ذكر الدابة وقد اخروا آية وقدموا اخرى للتمويه على الناس فلو جعلوها كما انزلت كان صريحا في رجعتهم وظهور دولتهم وكرتهم والآيات هي قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى اذا جاؤا قال اكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما اما ذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون وهذه الآيات على هذا الترتيب فيها تمويه وكان الاصل في النزول هكذا ويوم نحشر من كل امة فوجا الى قوله تعالى ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ثم بعدها قوله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقد اجمع المسلمون على ان دابة الأرض انما تخرج قبل يوم القيمة وهذا الحشر قبل ظهور الدابة وخروجها ولا يكون ذلك الا في الرجعة وهو قول الباقر عليه السلام لولا ما زيد في القرآن ونقص ما خفي امرنا على ذي حجي والمراد من الزيادة من انفسهم بل المراد بها زيادة آية في غير محلها ونقصانها من محلها فلو لم يفعلوا هكذا ما خفي امرهم عليه السلام على عاقل كما ذكرنا لكم من الآيتين الشريفين وكذا غيرهما مما ليس لي الآن توجه الى ذكره لكثرة الملل وكوني في السفر وقد تبين لك مما ذكرنا ان التحريف بالمعني المعروف عند الناس لم يقع واما التحريف بمعنى اسقاط بعض الآيات وتقديمها وتاخيرها فقد وقع كما اشرت الى كثير منها واما جمع القرآن فان كان مراده مع الاسقاط فقد فعل اول من تصدي لامر الخلافة لما ان لم يقبلوا ما اتى لهم امير المؤمنين عليه السلام من اصل القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله فنادى مناديهم من كان عنده شيء من القرآن يأتي به فكان كل من يأتي بآية فان كان له معها شاهدان كانوا يقبلونها منه ويكتبونها وان لم يكن له معها شاهدان لم يكتبوها وان كان علماء الشيعة طعنوا عليهم بهذا الفعل فان الذي لم يفرق بين القرآن وغيره حتى يحتاج الى شاهد ليس من العرب ولا عنده من لسان العرب ولا يعرف طريقتها في محاوراتهم والا فالمعجز لا يحتاج الى شاهد واما العجمي مثلا فحيث لا يعرف لسان العرب يحتاج له الى شاهد وبينة ومن الغريب ان يكون حجة الله خليفة الله ورسوله عجميا لا يعرف لسان العرب ولا اسلوبه حتى عجز عن تميز المعجزة ورجع الى الشهود ولكن يمكن ان يكون فعلهم هذا لاجل اسقاط الآيات التي ارادوا اسقاطها محتجين بانها ليس عليها شاهد فلا يتوجه اللوم عليهم بالاسقاط فرضوا بالطعن الاول لئلا يخرج الامر من ايديهم بالمرة وبالجملة تفصيل هذه المسئلة مذكورة في كتب الاصحاب ولا يحتاج الى زيادة الكلام فيه واما الترتيب الموجود من تقديم السور وتاخيرها والآيات وان كان خلاف ما انزل يقينا لان ترتيب النزول غير هذا الترتيب الموجود الا ان الذي افهمه ان هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وآله رتبه على الترتيب الموجود في اللوح المحفوظ والبيت المعمور فقد نزلت آيات منها على حسب اقتضاء المصالح ولكنه صلى الله عليه وآله رتبها على الترتيب الحقيقي ولا ينافي ذلك خلاف الترتيب النزولي وتقديم الآيات الناسخة على الآيات المنسوخة لان حكم الظهور في هذا العالم غير حكم الوجود الحقيقي والشرف الرتبي كما تقدم آدم على نوح وهو على ابرهيم والانبياء على رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام فلما ظهروا في هذه الدنيا ترتبوا على ما كانوا عليه في الاصل الا ترى قوله تعالى واذ اخذ الله من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابرهيم وموسى وعيسى وبالجملة هذا النظم الغريب والترتيب العجيب مايمكن لغير المعصوم ان يرتبه وينظمه ولو لم يكن لقلبي ملال لشرحت لك الحال من بدايع نظم القرآن الآن حتى تعرف ان هذا الترتيب ليس في وسع ساير الناس غير العالم بحقايق الاعيان والاكوان ومستترات الامكان نعم كانت السور والآيات متفرقة لكنها على ترتيبها كما الآن اذا كتبت اجزاء متفرقة يعرف المطلع على القرآن ترتيب آياتها وسورها ولا ينافي تفرقها وعدم جمعها الترتيب الاصلي واما قوله انه مأخوذ من تأليف عليّ عليه السلام فهيهات ان ذلك الجمع والتأليف بعد ما لم يقبلوه مارأوه ابدا ولا يرونه الا اذا ظهر صاحبه عجل الله فرجه وسهل مخرجه

قال سلمه الله تعالى : واخبرني سيدي عما ورد ان كربلا ترفع من الأرض وتوضع في الجنة كما في الرواية حتى الاموات واين من يدفن فيها من الكفار وكذا مثل الكلاب واخبرني من اثق به ان جنابك قال له ان هذا بيتي في كربلا اليوم هو بيتي في الجنة اخبرني بذلك سيدي فداك ابي وامي ونفسي فاني لكلامك متعطش ظمآن فلا تبخل على

اقول اما ان كربلا توضع في الجنة بما فيها فهو على ظاهره ولا خفاء فيه وذلك من فضل الله سبحانه على هذه البقعة المباركة الشريفة والاموات انما استجاروا بها لاجل ذلك واما الكفار والكلاب والنواصب فلا يبقون هناك بل الملئكة النقالة ينقلونهم ويسحبونهم الى نار جهنم وبئس المصير واما الكلاب غير النواصب فاكسير جوار الامام عليه السلام يطهرها ويصفها ويأهلها لدخول الجنة اما سمعت ما ورد عن الصادق انه سئل عن الناقة هل تدخل الجنة قال عليه السلام نعم ناقة صالح وكل ناقة تموت في ارض كربلا وسئل عليه السلام عن الحمار يدخل الجنة قال عليه السلام حمار بلعم وكل حمار تموت في كربلا وسئل عن الكلب يدخل الجنة قال عليه السلام كلب اصحاب الكهف وكل كلب يموت في كربلا وهذه البهائم والحيوانات يطهرها تراب كربلا ويحيلها الى الطهارة كما اذا وقع الكلب فالملحة ( في المملحة ظ ) واستحال ملحا طهر واما النواصب ومنكروا فضائل اهل البيت عليهم السلام فلا يبقون هناك ولا كرامة لا ( لان ظ ) حقيقتهم مصاغة من الادبار فلا يمكن فيها الاقبال بحقيقة ما هم اهله واما قولي ان بيتي في كربلا الآن هو بيتي في الرجعة فمرادي ان الاراضي تتسع في الرجعة بحيث البيت المذخور للحسين عليه السلام على الوصف الذي وصفنا لك لا يزاحم ساير البيوت بل نسبة البيوت ثابتة كما الآن على كمال سعتها فان التسعين‌الالف قبة من الزمردة الخضراء كلها في صحن سيدنا ومولانا الحسين عليه الآن والبيوت التي جواره كلها على مكانها ونسبتها وكذلك الامر انشاء الله تعالى في الجنة والنسبة في الكل معتبرة على حد واحد فان نسبة الدنيا الى الرجعة نسبة الرجعة الى الآخرة والاتساع حاصل في كل الاماكن والنسبة محفوظة في كل الحالات فافهم والذي يظهر من الاخبار والاعتبار ان كل قبة من قباب بيت الحسين عليه السلام اكبر من قبة بيت امير المؤمنين عليه السلام وقد ذكرناها سابقا فلا نعيده ومقدار النسبة في الكبر يحتمل ان يكون واحدا بعشرة فيكون كل قبة من بيت الحسين عليه السلام اكثر من قبة النجف بعشر مرات وحدود قبتها احدها الكوفة والآخر البحرين والآخر الحجاز والآخر اليمن

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا في معنى تسمية عيسى بن مريم بالمسيح وما السبب فيه وما السبب في عدم تزويجه بالنساء هو ويحيي مع انهما من سنن المرسلين

اقول اما المسيح فاعلم ان الله سبحانه لما خلق آدم مسح بيمينه على صلبه واخرج منه ذريته ومسح بيمينه على صلب كل اب حتى اخرج ذريته منه ليكلفهم وهو قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى ثم امر سبحانه الذرية ليرجعوا الى الاصلاب لتتم كلمته سبحانه فيهم فرجع الكل الى الاصلاب ما سوى عيسى فانه قد بقي على المسح الاول ولذا سمي مسيحا هكذا رواه الصدوق في العلل عن الصادق عليه السلام والمراد بمسح اليمين تعلق المشية بالمباشرة بالاخراج ثم لم ياذن له بالدخول اظهارا للقدرة وابقاء لعيسى عليه السلام آية وحجة للحجة المنتظر عجل الله فرجه حتى يكون المتعلق بمريم روح الله وكلمته لتأثير كمال قوة الحيوة فلو كان بواسطة البشر مابقيت الحيوة على صرافة تأثيرها ودوامها لمزجها بقوة الغير المعصومة وكذلك المعصوم ايضا لو فرضنا اباه نبيا لانهم ربما يتركون الاولى فيؤثر فيهم الضعف بمقدار ذلك واما الحسنان عليهما السلام فلولا القتل ما ماتا ولا غيرهما من جدهما وابيهما وامهما وبنيهما فوجب ان يكون عيسى عليه السلام باقيا على المسح الاول حتى يكون روح الله الظاهرة فيه غير مشوبة بالاعراض الغريبة الغير المعتدلة فهو المسيح وهنا كلام آخر ودقيقة اخرى كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور واليمين قد عرفتها سابقا واليد قد علمتها والتفريع عليك والتحقيق عندك علينا ان نلقي اليكم الاصول وعليكم ان تفرعوا فافهم

قال سلمه الله تعالى : اخبرني سيدي عن افضل الايام زيارة الحسين عليه السلام عاشوراء ام عرفة ام النصف من شعبان ام ليالي الاعياد او الاربعين وايما افضل زيارة الغدير ام عاشوراء ام عرفة على التفصيل

اقول روي في البحار عن عليّ بن محمد بن فيض بن مختار عن ابيه عن جعفر بن محمد عليها السلام انه سئل عن زيارة قبر ابي ‌عبد الله الحسين فقيل هل لذلك وقت هو افضل من وقت فقال عليه السلام زوروه صلى الله عليه وآله في كل وقت وكل حين فان زيارته عليه السلام خير موضوع فمن اكثر منها فقد استكثر من الخير وتحروا بزيارتكم الاوقات الشريفة فان الاعمال الصالحة فيها مضاعفة وهي اوقات مهبط الملائكة لزيارته وفيه ايضا عن البزنطي قال سئلت اباالحسن الرضا عليه السلام اي الاوقات افضل ان نزور الحسين عليه السلام قال النصف من رجب والنصف من شعبان فبين عليه السلام ان افضل الاوقات النصف من رجب والنصف من شعبان ولا شك ان النصف من شعبان افضل من النصف من رجب ولو علم الناس ما في زيارة النصف من شعبان لقامت ذكور الرجال على الخشب ومن احب ان يصافحه مائة‌ الف نبي واربعة وعشرين‌ الف نبي فليزر قبر ابي ‌عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام في النصف من شعبان فان ارواح النبيين عليهم السلام يستاذنون الله في زيارته فيؤذن له منهم خمسة اولوا العزم من الرسل ولو كان وقت افضل من ذلك الوقت لمااستاذنوا باجمعهم في ذلك الوقت وماصافحوا زواره ومن يزوره في ذلك الوقت كان كمن زار الله في عرشه وهذا الثواب وان ورد في غيره من ساير اوقات زيارات الحسين عليه السلام الا انه مقرون بمزايا لم يكن لغير ذلك الوقت الشريف فيكون افضل من جميع الاوقات وان كان في الكل فضل كما نطق به الحديث الاول الذي ذكرنا وقولكم زيارة الغدير افضل ام زيارة عاشوراء اعلم انه لولا ما ورد ان فضل زيارة امير المؤمنين على زيارة الحسين كفضل امير المؤمنين على الحسين لكان القول بافضلية زيارة الحسين قويا جدا ولا ينافي ذلك كون امير المؤمنين عليه السلام افضل من الحسين عليه السلام لان الحسين عليه السلام قد اختص بمزايا لم يختص بها النبي وامير المؤمنين عليه السلام من شرافة الحسب والنسب كما هو المعلوم الظاهر الا ترى امير المؤمنين عليه السلام قد قتل في ليالي القدر وزيارة الحسين مستحبة فيها والمسافر مخير في الحاير دون حرم امير المؤمنين عليه السلام وبالجملة مقتضي مقام الشهادة اعظم من ذلك ولكن تحت متابعة الحديث ولكن في النفس بعد شيء وزيارة النصف من شعبان افضل من زيارة عرفة وساير الزيارات لما ذكرنا وبينا

قال سلمه الله تعالى : وما معنى تطاير الكتب يوم القيمة

اقول اعلم ان الميت اذا مات ووضع في القبر فان كان من المستضعفين يلهى عنه في القبر ويبقى ميتا فلا يحس شيئا الى يوم القيمة وليس له برزخ ولا سؤال ولا عقاب وانما هو ميت ولا حيرة له والمستضعف هو الذي اقر وانكر لمحض التبعية ولادخل الايمان في قلبه والانكار في باطنه قال الناس قالوا وانكروا انكروا ولم تضع قلوبهم بعد هي في مقام النطفة لم تتصور بالصورة الانسانية ولا البهيمية وهؤلاء مثل البله والسفهاء وامثالهم وان كان الميت من ماحض الايمان فاول ما يدخل في القبر ويشرج عليه اللبن وتفرق الناس عنه ياتيه ملك اسمه رومان فتان القبور فيحضر الميت ويحل الروح في جسده الى صدره ويقعد فيقول له الملك اكتب يقول وما اكتب يقول الملك اكتب اعمالك يقول ليس لي قلم يقول الملك اصبعك ويقول ليس لي مداد يقول الملك ريقك ويقول ليس لي قرطاس يقول الملك قطعة في كفنك ويقول ما اذكرها يقول الملك انا اذكرك اياها ثم يملي عليه جميع ما فعله من اول بلوغه الى يوم موته من لفظة لفظ بها وخطوة خطاها واكلة اكلها وفعلة فعلها من حسن او قبح راجح او مرجوح الا ويذكره فيذكر ويكتب ثم يطويه فيجعله في عنقه ويكون عليه كمثل جبل احد فان كان مؤمنا كان اول سروره ويبقى في عنقه الى يوم القيمة وان كان الميت من ماحض الكفر يفعل به هكذا الى ان يجعله في عنقه فكان ذلك اول عقوباته وهو قوله تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقيه منشورا اقرء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ويبقى الكتاب في عنقه الى يوم القيمة فاذا قامت القيمة ووقف الخلايق في ارض الحشر ونصب كرسي الوسيلة وله الف مرقاة من مرقاة الى مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة وصعد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ووقف دون العليا بمرقاة امير المؤمنين عليه السلام وبيده لواء الحمد له سبعون‌ الف شقة كل شقة تسع الخلايق كلها ووقفت الخلايق صفوا من يمين الكرسي وشماله تطايرت الكتب التي في الاعناق واتت كتب اصحاب اليمين واستقرت على يمينهم واتت كتب اصحاب الشمال من وراء ظهره ونقبت ظهره وخرج من صدره واستقرت على شماله وهم اصحاب الشمال الذين كتبهم بشمالهم فينظر كل من اصحاب اليمين واصحاب الشمال ما بيمينهم وشماله من الكتب والصحف على اختلاف ما فيها من الاعمال فيامر الله سبحانه ان يجثوا ويامر الكتاب الناطق حامل اللواء ان يقرء عليهم كتبهم وهو عليه السلام يتكلم بكلمة واحدة وكلهم ينظرون الى صحايف اعمالهم من اصحاب اليمين والشمال ويرى كل واحد منهم ان يقرء كتابه من اوله الى آخره وهو قوله تعالى وترى كل امة جاثية كل امة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهذا معنى تطاير الكتب وعلته اجمالا

قال سلمه الله تعالى : واخبرني سيدي عن معنى الميزان والوزن ومعنى الصراط الذي بين الجنة والنار هل هو الولاية ام شيء آخر

اقول ان ارض المحشر ثلثمائة ‌الف فرسخ في مثلها وفي طرف منها جهنم والصراط موضوع على متن جهنم مسيره ثلثة ‌آلاف سنة والخلق يصعدون عليه الف سنة وينزلون الف سنة ويقفون في وسطه الف سنة ولكن في وسطه خمسون موقفا عند كل موقف الف سنة وهي مواقف الاعمال واليه الاشارة بقوله عز وجل في يوم كان مقداره خمسين‌الف سنة وهو احد من السيف وادق من الشعر وهو على متن جهنم والخلق يمرون عليها كافة ممن كان من اهل الخير والصلاح يمر على تفاوت درجاتهم فمنهم كالبرق الخاطف ومنهم كالجواد المسرع ومنهم كالماشي المسرع ومنهم حبوا تاخذ النار بعضه وتترك البعض الى ان يدخلوا الجنة ومن كان من اهل الشقاق والنفاق يقف فيها جثيا وان منكم الا واردها وكان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا والاعراف كثبان بين الجنة والنار يقف هناك اهل المعاصي من الشيعة المؤمنين فيبقون هناك الى ان يفرغ الخلايق من الحساب ويدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ثم يؤتى بهم على الصراط ويخاطب رؤساء الضلالة ما اغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون عن طاعة اولياء الله اهؤلاء الذين زعمتم لا ينالهم الله برحمة ثم يخاطبهم رؤساء الاعراف والجنة والنار يقولون لهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون وهو قوله تعالى ونادى اصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما اغنى عنكم جمعكم الآية قال عليه السلام نحن على الاعراف ونحن الماذونون في قوله تعالى فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الكاذبين وهذا هو الصراط الممدود بين الجنة والنار وهذا الصراط والجنة والنار مثال للصراط والجنة والنار الاصلية واما الجنة فهي موافقة الولاية واما النار فهي مخالفة الولاية واما الصراط الممدود بينهما فهو نفس الولاية وهي الدقيقة الصعبة التي احد من السيف يشق قدم الساعي فيها في المعقول والمحسوس فان استانس بها ومال اليها وعمل بمقتضاها فيتسع وتطمئن نفسه حتى لا يميل الى المعصية الى ان تكمل بنيته وتتم صبغته وتصاغ على الصورة الانسانية وتفصح له اللغة العربية فدخل الجنة وتتم العبور بدخول الجنة وان كرهها وسيوحش منها ولم يعمل بمقتضاها خبثت طينته وكملت الصورة الشيطانية في سجيته فيقع عن الصراط ناكبا وهو قوله تعالى وانهم عن الصراط لناكبون فاذا عمل بمقتضى الولاية دخل الجنة التي هي من فروع الولاية وهي التي عرضها كعرض السماء والأرض وان لم يعمل بمقتضاها دخل النار التي هي من فروع المخالفة فهذه الجنة ظاهر وفرع ومثال لتلك الجنة التي هي ولايتهم عليهم السلام وهذه النار ظاهر وفرع ومثال لتلك النار التي هي مخالفتهم فالولي اذن قسيم الجنة والنار لا ان الجنة المذكورة في القرآن باشجارها واثمارها وقصورها وحورها وعيونها ليست الا محض الولاية فهي كلها تأويلات لا يراد بها الظاهر وكذلك النار فان ذلك خروج من الدين وكفر بما اتى به سيد المرسلين عليه وآله صلوة المصلين بل الجنة الموصوفة في القرآن بعينها موجودة على ما هي عليه كالنار على ما هي عليه الا ان كل واحد من الجنة والنار والصراط فرع لاصل قد تشعبت الثلثة منها وهو الولي وهو باب السور الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فلا ينافي كون الصراط جسرا ممدودا بين الجنة والنار مع كونه هو الولاية فالولاية اصل والجسر فرع وقشر وظاهر وفرع وظهور لتلك الحقيقة الشريفة في عالم الاجسام وكذلك الجنة والنار اما سمعت ان الجنة والحور العين خلقوا من فاضل طينة الحسين على جده وابيه وامه واخيه وعليه وبنيه صلوات المصلين واما الوزن فهو ملاحظة نسبة العمل في شرفه وصفائه وقيمته ومقدار ظهوره ونسبته الى غيره فالموازين كثيرة ميزان يوزن به صفاء العمل وميزان يوزن به جوهره وميزان يوزن به قيمته وهكذا في اضدادها ومن هذه الجهة افرد الله الشخص وجمع الموازين في قوله تعالى فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فامه هاوية واما الوازن فهو الذي تعرض عليه الاعمال وبيده ازمة الحساب قال شيخنا اعلى الله مقامه في بعض اشعاره :

كل السوي ملكوتها بيد الذي هو محور الاكوار والاعيان

والمحور هو صاحب الحساب وولي الكتاب والمركز القطب هو اصل المحور وهو صاحب الجنة والنار وصاحب الوسيلة وصاحب اللواء والمحاسب هو حامل اللواء وناصب الوسيلة وقسيم الجنة والنار فافهم فقد نبهتك على سر الحقيقة في هذه الاحوال كلها والله خليفتي عليك ولا حول ولا قوة الا بالله

قال سلمه الله تعالى : وما معنى تجسم الاعمال

اقول انهم اطالوا الكلام واكثروا من النقض والابرام وانا اخبرك بالواقع مما استفدته من كتاب الله واحاديث آل الله عليهم السلام فاقتصر عليه ولا تعد عيناك عنه اعلم ان الشيء يقوم بركنيه المادة والصورة والاعمال ايضا لها مادة وصورة فهي قائمة بهما فاذا تم المادة والصورة اللتان هما الاب والام تولد الشيء المركب منهما واستقر فان لم تتم كأن لم تقترن الصورة بالمادة ولم تقم الصورة بالمادة او اقترنتا لا على النظم الطبيعي لم يتحقق الشيء فمادة الاعمال امر الله سبحانه التشريعي وصورتها عمل العامل على موافقة الامر او مخالفته فان كان الامر الصادر من المبدء تصور بصورة العمل من جهة الموافقة حيي وكان اصلا ثابتا شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فيكون اكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وان كان قد تصور بصورة المخالفة كان اصلا زايلا في السجين شجرة خبيثة مجتثة اجتثت من فوق الأرض اي ظاهر الولاية ما لها من قرار فاذا اقترنت المادة بالصورة تم واستقر وظهرت منه آثار واقتضى اقتضاءات ولما كان الخلق في هذه الدنيا اعينهم في غطاء لا يرون تلك الاعمال اي الحقايق الكونية المتاصلة المتحققة بالامر التشريعي الظاهرة بالآثار من النعيم والجحيم ولذا قلنا اي الاعمال الصالحة والطالحة وجودات شرعية اي ذوات متاصلة متحققة بالامر الشرعي وقلنا ان التكوينات شرعيات وجودية اي شرع منسوب الى الوجود والكون فان الاكوان ايضا تاصلت بمادة وصورة مادتها امر الله التكويني وهو قول كن وقول الست بربكم وصورتها الاعمال التكوينية والصورة الطيبة او الخبيثه والسماوية او الارضية فالاعمال الشرعية متذوتة كالاعمال التكوينية حرفا بحرف وهي باقية متصورة بصور شتي مستقيمة معوجة ظاهرة بالآثار والمقتضيات فاذا كشف الله الغطاء عن الابصار يوم القيمة ويقال لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك وبصرك اليوم حديد فيرى تلك الاعمال متاصلة عاملة عملها ظاهرة بآثارها لا ان الاعراض تتجسم ويصعد عن مقامها الى مقام اعلى فان الجسم مقام العامل والعمل مقام الشعاع فلا يساوي الشعاع ان ذلك لا يكون ابدا وانما هي الاعمال على ما هي عليه ماخرجت عن حقيقتها ولاصعدت عن كينونتها فهي في مقامها تظهر آثارها وهي في مقامها فافهم فهمك الله والاعراض جواهر والجواهر اعراض والاشياء مختلفة الحقايق فكل شيء جوهر في مقام وعرض في مقام فمن جهة ان غيره دائم ( قائم ظ ) به جوهر ومن جهة انه قائم بالغير عرض فالذوات بهذا الاعتبار اعراض والاعراض بالاعتبار الاول جواهر وقد قال الشاعر في امير المؤمنين عليه السلام :

يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض

وقد اسمعتك تغريد الورقاء على الافنان بفنون الالحان والسلم

قال سلمه الله تعالى : ما يقول سيدنا في حال التقليد لو مات المجتهد والآخر بعيد عن بلدي ولم يكن له واسطة عندي ولا شيء من كتبه هل يجب على الوصول اليه ام ابقى على تقليد الاول حتى اجتمع بالمجتهد

اقول تقليد الميت لا يجوز بحال من الاحوال لا ابتداء ولا استدامة ولا يجوز البقاء على تقليده فاذا سمعت بموته فان امكن الوصول الى الآخر المجتهد العادل الثقة يجب الوصول والاخذ منه او من الواسطة ولو بالكتب ان لم يكن الوصول بنفسه او بواسطته او كتابه مطلقا لا يجوز له البقاء على تقليده فان احتاج الى مسئلة فلا يخلو اما ان يمكنه الارجاء والتاخير الى ان يتمكن وجب الارجاء وان لم يمكنه ذلك فلا يخلو اما ان يكون من المعاملات او في العبادات وان كان في المعاملات فيصها ( يفصيها ظ ) بالصلح ومراعاة جانب الاحوط وان كان في العبادات واضطر الى العمل بها يعمل بالاحوط لقوله عليه السلام عليك بالحائطة في دينك وان لم يمكن الاحتياط يأخذ بالمشهور بين الفرقة المحقة لقوله عليه السلام خذ ما اشتهر بين اصحابك واذا فقد الشهرة بان يكونا مشهورين او لا شهرة في واحد منهما ياخذ باي منهما من باب التسليم لقوله عليه السلام بايهما اخذت من باب التسليم وسعك ولا يرجع الى الكتب الاموات بل يجتهد كما ذكرنا فانه يجزيه انشاء الله

قال سلمه الله تعالى : واخبرني سيدي ما يرى جنابكم في سهم الزوجية هل ام الولد تستحق الثمن كاملا من كل شيء كما هو مذهب بعض العلماء ام حكمها كغيرها

اقول مقتضى عموم الاخبار وما ورد في العلة في حرمان الزوجة عدم التفصيل بين ام الولد وغيرها من حرمان الجميع عن رقبة الأرض وقيمتها وعين الاشجار والعقار والبنيان والدار والحايط دون قيمتها ولا تخصص تلك الادلة العامة الغير المخصصة بمقطوعة عمر بن اذينة الغير المنسوبة الى الامام مع عدم معاضد وجابر لها فالقول بالتفصيل لا دليل عليه فلا تعويل عليه

قال سلمه الله تعالى : وما يقول سيدنا فيمن اوصى الى الغير على طفله او ثلثه مع وجود ابيه وحده تصح عندكم ام لا وما يرى سيدنا في وصية ابن عشر سنين هل تصح ام لا وما يرى سيدنا فيمن وهب ماله كله لآخر في مرض الموت هل يصح ام لا

اقول لا شك ان له الوصية الى الغير مع وجود الجد للاب في الثلث واما الولاية على طفله فالظاهر انها لا تصح لان الاب والجد للاب هما الوليان من قبل الله سبحانه وهما وليان جبريان لا ينعزلان وهذا قول المشهور وهنا قولان آخران لا تعويل عليهما واما وصية ابن عشر سنين فالمشهور بين اصحابنا كما هو مدلول روايات كثيرة الصحة والنفوذ في ماله في الثلث واقل منه وهو الاصح الاقرب واما منجزات المريض من الهبة وغيرها في مرض الموت فالاصح الصحة لان المرء اولى بماله ما دام حيا وما ورد من النفوذ في الثلث فليحمل على ما اذا اوصى بها فان الوصية لا تنفذ الا من الثلث كما فعله الشهيد (ره) في لك في بعض الروايات او يحمل على التقية كما هو الاصوب فان ذلك من مذهب العامة كما نقل عنهم والروايات الدالة على القول المختار وان كان ضعيفة السند الا انها موافقة للقرآن من قوله تعالى فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وهو اعم من الصحة والمرض وقوله تعالى اوفوا بالعقود وهو عقد يجب الوفاء به ومخالفة للعامة كما ذكرنا ومعاضدة بالاجماع على ان الناس مسلطون على اموالهم والوصية الممضاة في مال الغير انما خرجت بالدليل مع صراحة دلالتها وابهام دلالة غيرها في الغالب ومع ذلك كله ففي النفس شيء اما اولا فلأن المرجحات انما تطلب عند التكافؤ وهو هنا ممنوع ثانيا ويمكن تخصيص العمومات كلها بالاخبار المذكورة مع ان فيها الصحيح وفي دلالة الصحيح نظر ظاهر وبالجملة فللتوقف مجال والوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات وان كان القول الاول اشبه واقرب

قال سلمه الله تعالى : وما يرى سيدنا في الوصية للعبد هل تصح عندكم ام لا وسواء كان قنا ام مدبرا ام مكاتبة ام ام ولد وهل يشترط اجارة مولاه ام لا

اقول ان قلنا ان العبد لا يملك كما هو الاصوب فلا تصح الوصية للعبد الاجنبي مطلقا اجاز المولي ام لم يجز قنا كان ام مدبرا ام مكاتبا مشروطا ام مكاتبا لم يؤد شيئا اما المكاتب المطلق فظاهر رواية محمد بن قيس انها تصح على حسب ما ادى فيمضي نصف الوصية ان ادى نصف مال المكاتبة او الثلث او الربع وهكذا وبعضهم قال يمضي في المكاتب مطلقا لزوال سلطنة المولي وصحة اكتسابه وقبول الوصية من الاكتساب والرواية تدل على ما ذكرنا وهي صحيحة ولا يضر اشتراك محمد بن قيس لمعلومية الثقة هنا بالقرينة كما نص عليه السيد صاحب المدارك في شرح النافع اما الوصية لعبد الموصي مطلقا فان كان بجزء مشاع فان كان الثلث بقدر قيمته فقط ينعتق وليس له شيء وان كانت قيمته ازيد اعطى الفاضل وان كان اكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم يبلغ قيمته ضعفت ما اوصى له به فان بلغت ذلك قيل بطلت الوصية وقيل تصح وسعى في الباقي وهو الاصح ولو اوصى لام ولده صحت الوصية اجماعا وان كانت الوصية للعبد بجزء معين مسمى فالاصح عدم نفوذها لعدم جواز التبديل والعبد لا يملك والسلم خير ختام تمت بسنة ١٢٥٦

المصادر
المحتوى