
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المولى الافخم والماجد الاكرم العالم العامل والفاضل الكامل قد سأل عن مسائل انحطت دونها الاوهام وانحسرت دون ادراك حقايقها على الحقيقة الاحلام وقد اتت الى الحقير في وقت كان القلب موزعا والبال مقسما والاشغال متكاثرة والاعراض متوافرة والآلام متواترة وكنت كما قال الشاعر :
كم بجنبي من صبابة واد كل آن حمامة نواح
فمن هذه الجهة قد تأخر جوابها ولم يكشف عن وجه تلك المعضلات نقابها الى ان رأيت ان تلك الاعراض لم تزل في ازدياد والموانع ليس لها من نفاد وخفت انصرام الاجل وانقطاع الامل فبادرت الى رسم بعض الكلمات في الجواب اشارة الى نوع المراد من غير بسط في المقال ولا اطناب في الاستعمال اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي وأتيت بما هو الميسور فانه لا يسقط بالمعسور وجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له ليطابق كل جواب بسؤاله كما هو عادتي في اجوبة المسائل
قال سلمه الله تعالى بعد كلام : اسألك يا سيدي ان تمن عليّ بشرح دعاء عظيم المنزلة جليل القدر عالي المضمون مروي في كتاب ربيع الاسابيع لمولانا الفاضل المجلسي (ره) عن السيد وغيره في الفصل العاشر منه في باب قضاء الحوائج بالدعاء يوم الجمعة بعد صوم ثلثة ايام وانه بحسن مضمونه وعلو ظاهره وباطنه قد اعجبني كمال الاعجاب وتعلق به قلبي كمال التعلق قد صرفت اوقاتي في فهم ظواهره وبواطنه ولكن ما بلغته وكنت متفكرا في نفسي في النوم واليقظة اني الى من ارجع حتى الهمت الرجوع الى جنابكم سلمك الله تعالى فكتبته وارسلته ملتمسا حل عقده وكشف ما خفي عليّ من مطاويه والمرجو من جنابك اسعاف حاجتي فان مثلك لا يخيب السائلين المحتاجين
اقول هذا الدعاء الشريف هو المشهور المعروف في كتب الادعية وهو كما ذكر ايده الله وسدده من المعضلات التي عجز عن كشف خفاياه واسراره وبيان حقايقه وانواره طامحات العقول والابصار ولكن بعض اولادي الصالحين واحبائي الروحانيين واخلائي الصادقين اعزه الله وابقاه وبلغه ما يتمناه حيث رأى ما انا عليه من تكثر الاشغال وتبلبل البال واختلال الاحوال وعدم تمكني وفراغي لشرح هذا الدعاء الشريف بادر الى شرحه على وجه الايجاز بعد ان التمست منه ذلك لئلا يبقى مضامين هذا الدعاء في مكمن الخفاء ولم يطلع عليه اهل الصدق والوفاء فكتب ايده الله وتكلم في ظاهره واشار الى بعض بواطنه وقد ارسلته الى جنابكم وانا علم الله في واسع العذر لكثرة المشاغل وقلة الاقبال والتوجه ونسأل الله سبحانه ان يمدنا بالتوفيق حتى اتفرغ لشرحه على ما ينبغي كما ينبغي مما يبلغ اليه فهمي القاصر من اطوار الباطن والظاهر بما يشفي العليل ويبرد الغليل والله سبحانه هو المستعان وعليه التكلان
قال سلمه الله تعالى : وايضا ان تبين لي ببيان وضيح ان صدور الآثار الجزئية والحوادث اليومية المختصة باوقات خاصة مثلا صدور زيد من الله تعالى هل هي بمشية كلية دهرية او سرمدية التي هي الحقيقة المحمدية باعتبار ومثال كلي باعتبار تشبهونه بالسراج والشعلة وتعبرون عنها تارة بصبح الازل والازل الثاني وتارة بالفعل بنفسه والكاف المعكوس على نفسه وتارة بالشجرة الالهية والنفس الرحماني والهوية السارية والوجود المطلق وغيرها على ما بلغني من الشيخ الأجل المرحوم ومن جنابك وتجعلون الائمة محال هذه المشية ومنه تنسبون العلل الاربع الى الامام عليه السلام
اقول صدور الآثار الحادثة مطلقا كلية كانت او جزئية ذاتية كانت او عرضية عامة كانت او خاصة مطلقة كانت ام مقيدة علوية كانت ام سفلية مجردية كانت ام مادية اصلية كانت ام فرعية كلها عن الله سبحانه بالفعل اي بالمشية الاولية الالهية الكلية بوجوهها ورؤسها ومتعلقاتها فان الحادث لا يستغني عن القديم سبحانه وهو سبحانه لا يباشر الاشياء بذاته ولايقارنها فان الاقتران دليل الحدوث فلم يبق الا انه سبحانه يوجدها بفعله والفعل هو الحركة الكونية الايجادية التي فيها ذكر الاشياء وصلاحيته للتعلق بها فتحصل بتلك الاذكار مناسبة بينه وبين الآثار الحادثة فيختص كل اثر بما يناسبه من هيئة فعل المؤثر اذ من البين ان بين الاثر والمؤثر لا بد من مناسبة ومرابطة بها يقتضي صدور ذلك الاثر منه دون غيره والا للزم صدور كل شيء من كل شيء وهو في البطلان بمكان وهذه المناسبة لا تخلو اما ان يكون بين الاثر وذات المؤثر او بينه وبين فعله ومن البين انها منتفية بينه وبين ذاته الا ترى ان حسن الكتابة وقبحها لا يدلان على حسن ذات الكاتب وقبحها وانما يدلان على حسن هيئة حركة يد الكاتب وقبحها وفصاحة الكلام وحسنه لا يدل على حسن ذات المتكلم وانما يدل على حسن اداء الكلام بفعله وبالجملة فالمناسبة بين الفعل والمفعول لا بين ذات الفاعل والمفعول وهذا عندنا معلوم مبرهن في محله بالادلة القطعية من العقلية والنقلية ولا يسعنا الآن تفصيل المقال في هذه الاحوال والاشارة كافية لجنابكم فاذا كانت الاشياء انما توجد بالفعل لا بالذات اي الله سبحانه يوجدها بفعله لا بذاته بمعنى ان فعله هو المباشر لا ان الذات معطلة والاشياء محتاجة الى الفعل مستغنية عن الازل القديم ليكون الممكن الحادث اوجد نفسه بنفسه حاشا وكلا يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني نعم المقارنة والمناسبة والمرابطة انما هي للفعل بالنسبة الى المفعولات لا الذات كما زعم اصحاب القول بالاعيان الثابتة والقول بان معطي الشيء ليس فاقدا له في ذاته والفعل له ذات وله وجوه ورؤس بعدد المفعولات الحادثة مما وجد وما سيوجد الى ما لا نهاية له فاذا اراد الله سبحانه احداث شيء خاص من الحوادث اليومية وغيرها انما يوجده بالفعل بالوجه الخاص المناسب لذلك الاثر مثلا لك ذات ولك فعل وهو الحركة من حيث هي سواء كانت غيبية او شهودية ظاهرية او باطنية قلبية او جوارحية وهذه الحركة اذا تحققت في نفسها قبل التعلق بمتعلق خاص لها صلاحية التعلق بكلما يمكن ان يصدر عنك فبوجود الحركة وجد ذكر كلما يمكن ان يوجد منك من حيث صلاحيتها للتعلق به ولم يبق الا ذاتك والذي يمتنع ان يصدر عنك وذلك هو مثال الامكان والحركة من حيث هي هي مثال المشية الكلية الاولية ظهرت كعموم قدرة الله اذ لم يبق ما لم يذكر منها ولم توجد صلاحية التعلق به الا الذات القديمة والممتنع وذلك هو الامكان واليه الاشارة بقوله عليه السلام جف القلم بما هو كائن يعني في الامكان يعني لم يتسق شيء الا وقد ذكر في المشية وما لم يذكر هو الواجب والممتنع وهذا الامكان هو متعلق المشية وتلك الحركة من حيث هي هي هي المشية الامكانية فاذا اردت احداث شيء خاص كالالف مثلا اوجدته بالحركة المستقيمة فالاستقامة وجه ورأس للحركة بها ناسبت الالف حتى صدر عنها الالف دون غيره واذا اردت ان تحدث الكاف او الجيم مثلا احدثتهما بالحركة المعوجة على هيئتهما فبالاعوجاج ناسبتهما حتى صدرا منها دون غيرهما وهي المراد بالمناسبة والرأس والوجه ولا شك ان ذات الحكرة في نفسها مجردة عن الاستقامة او الاعوجاج وانما هما هيئتان معتورتان على الحركة الظاهرة في اليد الحاملة لها فاليد حاملة للحركة وهي محدثة للآثار بما حملته فلولا اليد ما ظهرت الحركة ولولا تلك الجهات المختلفة المعتورة على الحركة لما اختلفت الآثار ولولا الحركة لما وجد شيء من آثارك ولولا ذاتك ماكان شيء اصلا فالآثار كلها عن ذاتك لكنها صادرة بفعلك الذي هو الحركة على اختلاف جهاتها وتكثر شؤنها فالمناسبة بين الآثار وتلك الجهات لا نفس الحركة فضلا عن الذات البحت واليد محل للحركة ومكمن ومسكن لها فالذات مثال القديم سبحانه وتعالى ولله المثل الاعلى والحركة المطلقة من حيث هي هي قبل التعلق بالمتعلق الخاص مثال الفعل الكلي الذي هو المشية الكليه وذكر تلك الآثار في نفس الحركة اي صلاحيتها للتعلق بها مثال الامكان والاعيان الثابتة في المشية الامكانية قال تعالى بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون واليد حين انجعالها من المشية وصدورها منها اولا وبالذات مثال الحقيقة المقدسة المحمدية التي هي عبارة عن الحقيقة المطلقة البسيطة المتعينة في عالم الكون والظهور باربعة عشر حقيقة وذلك كلي انواره اربعة عشر كما ان الانسان على متفاهم الناس افراده لا تتناهى والوجود الخاص المتعينة المتعلقة بآثار جزئية خاصة مثال الافعال الجزئية متعلقة بالآثار الجزئية والحوادث اليومية فلك ان تنسب هذه الآثار الى الحركة ولك ان تنسبها الى اليد ولك ان تنسبها الى الاسم لا الفاعل ولك ان تنسبها الى الذات وللكل وجه وجيه ومعنى صحيح الا ان الذات هي المستقلة وما سواها اسباب وصول تأثيرها الى آثارها وكلها من العلل الفاعلية اما سمعت الله سبحانه نسب الفعل الى الذات مرة والى المباشر اخرى كما قال تعالى الذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فجعل فاعل الكتابة الذوات والحقايق وجعل اليد سببا لايصال آثار الذات الى الكتابة ثم نسب الفعل الى اليد وجعلها هي الفاعلة في قوله تعالى بعد ذلك فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون وجعل الفعل منسوبا الى اليد وجعلها فاعل كتبت وقال تعالى وانه لقول رسول كريم اي القرآن مع ان القرآن كلام الله وامثال ذلك كثيرة فنسبة الفعل الى الاسباب شايعة ذايعة فاذا قيل ان الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله هي العلة الفاعلية يراد بها انها يد الله وبها ينفق كيف يشاء كما قال تعالى بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فاذا اتقنت هذا المثال الذي ضربه الله سبحانه وقال ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وقال تعالى وكاين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون علمت ان الآثار مطلقا جزئية كانت ام كلية صادرة عن الله سبحانه بالمشية بوجوهها ورؤسها حين كونها ظاهرة في الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهي المحل وتلك الحال والاثر انما يظهر من الحال حين ظهوره في المحل كالنار انما تضيء اذا كانت متعلقة بالدهن وامثاله فلولا هذا المحل ما ظهر اشراق النار وكالشمس فانها تحرق اذا ظهرت في البلور فلولا البلور ماظهر احراق نور الشمس وكذلك نسبة الحقيقة المقدسة الى المشية نسبة الدهن الى السراج وهي الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار المشية فلما مسته النار كان سراجا وهاجا اضاء الكون والمكان كما قال تعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فهو السراج المنير والعالم كله نوره وعليّ امير المؤمنين عليه السلام نفسه والائمة الاحد عشر وفاطمة الصديقة جزؤه واولاده وقد نص على الاول آية المباهلة وعلى الثاني قوله تعالى وجعلوا له من عباده جزء حين قالوا ان الملائكة بنات الله وقوله تعالى ذرية بعضها من بعض ومن تفيد التبعيض فافهم واشرب عذبا صافيا هذا ما يتعلق باصل المسألة بالاجمال في كيفية صدور الحوادث واما قولكم فهي بمشية دهرية او سرمدية ففيه ان المشية لا تكون دهرية فان الدهر وعاء المجردات التي اولها العقل الكلي وآخرها عالم المواد الجسمانية وعالم المثال برزخ بين الدهر والزمان وجهة الاعلى في الدهر والاسفل في الزمان والزمان وعاء الاجسام مبدءها محدد الجهات الى آخر المراتب الجسمية واما السرمد فهو وعاء الوجود المطلق والمشية الكلية وعالم فاحببت ان اعرف واما الحقيقة الوجود المطلق والمشية الكلية وعالم فاحببت ان اعرف واما الحقيقة المحمدية (ص) فبالنسبة الى السرمد والدهر بين بين فوجهه الى السرمد وهو في الدهر على احد الاطلاقات والمقامات واما الازل فهو القديم الذات لم يزل بلا فرض المغايرة بحال من الاحوال فلما يصح ان تكون المشية الكلية دهرية ابدا بوجه من الوجوه واين الدهر منها نسبته اليها نسبة العدم الى الوجود كما حققناه في محله
وقولكم التي هي الحقيقة المحمدية باعتبار فان كان مرادكم باعتبار اطلاق الحال على المحل او الجزء على الكل في مقام فصحيح والا فباطل فان الله سبحانه جعلهم محالا لمشيته والسنة لارادته كما قال مولانا الحسين عليه السلام في قنوته على ما رواه السيد في مهج الدعوات الى ان قال عليه السلام انت الذي جعلت قلوب اولياءك مسكنا لمشيتك ومكمنا لارادتك وجعلت عقولهم مناصب اوامرك ونواهيك وانت اذا شئت ( ما تشاء ظ ) حركت من اسرارهم ( كوامن ظ ) ما ابطنت فيهم
وقولكم ومثال كلي وهذا وان صح اطلاقه على المشية على وجه بعيد الا ان الاطلاق على الحقيقة هو الاصل والحقيقة وفي الزيارة الجامعة والمثل الاعلى وقال امير المؤمنين عليه السلام في وصف الملأ الاعلى تجلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت فالقى في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله وهم الملأ الاعلى على الحقيقة اذ ليس اعلى منهم موجود ابدا فهم المثال والهوية الملقاة وبهم تظهر الافاعيل فافهم صلى الله عليهم
وقولكم تشبهونه بالسراج والشعلة فيه انا لا نشبه المشية بالسراج والشعلة بل السراج مثال العقل الكلي والنور المحمدي فضلا عن الحقيقة فضلا عن المشية فان الله سبحانه ذكر المصباح والسراج في القرآن وقال انه مركب من مس النار والدهن فالدهن قابلية العقل ومس النار هو الوجود المعبر عنه بالحقيقة والنفس ونفس النار هي المشية فاين السراج ح من المشية وهذا هو الحقيقة ولو مثلناها بالسراج في بعض الاحيان فان المثال مقرب من وجه ومبعد من كل الوجوه فافهم فان شرح هذا المقال يستدعي البسط في المقال وليس لي الآن ذلك الاقبال
واما قولكم تعبرون عنها بصبح الازل والازل الثاني فصحيح لا شك فيه اما صبح الازل فمأخوذ من كلام امير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل نور اشرق من صبح الازل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره فان الصبح اول ظهور الشمس واول ظهور الحق سبحانه بالمشية لانها فعله والذات انما تظهر بآثارها فاول الآثار مباديها واعلى المبادي هو الفعل فيكون هو صبح الازل الذي هو اول ظهور شمس الازل واما الازل الثاني فمأخوذ ايضا من كلام امير المؤمنين عليه السلام في دعاء عديلة وجوده قبل القبل في ازل الآزال وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال فاذا كان الازل يقبل التعدد فيكون حادثا ولا ينافي اللانهاية الحدوث كما ان العدد حادث لا نهاية لاوله ولا غاية لآخره فالازل له اطلاقان احدهما على الله سبحانه وثانيهما على الحوادث فيكون اول الآزال في الرتبة الثانية اي رتبة الامكان هو الفعل والمشية وقال امير المؤمنين عليه السلام انا الازلية الثانية وصاحب الازلية الاولية المراد بالصاحب المجلي اي صاحب ظهور الازلية القديمة اي الله سبحانه اول ما ظهر بفعله لمخلوقاته حتى يعرفوه انما ظهر به لانه محل فعله ولا يظهر الفعل الا به فهو المظهر الكلي والباب الاعظم وهو قوله تعالى في الحديث القدسي ما وسعني ارضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن وهو عليه السلام المؤمن الذي وسع قلبه الشريف المعبر عنه بذاته وحقيقته جميع الشؤن الربوبية والمظاهر الرحمانية
واما قولكم الكاف المعكوس على نفسه فليس هنا بعبارة الشيخ المرحوم ولا هو بمقالته بل انما قال اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه والكاف المستديرة على نفسها تدور على نفسها على خلاف التوالي ونفسها تدور عليها على التوالي واما الحروف المعكوسة من الالف والكاف الى باقي الحروف فهي على اصطلاحه وفي الواقع هي الحروف المثبتة في سجين المؤلف منها كلماتها الظاهرة منها دلالاتها الظلمانية المعكوسة واين هي من هذا المقام الذي نور الانوار وعنصر الاخيار
واما قولكم وتارة بالشجرة الالهية والنفس الرحماني فصحيح لا شك فيه ولا ريب يعتريه وهي من التعبيرات الحقيقية التي لا مناص عنها ولا اصح منها كما شرحناها في محلها
واما قولكم والهوية السارية والوجود المطلق اما الهوية السارية فلا يصح اطلاقها عليها لان المشية ليست هي الحقيقة المنبسطة السارية في اطوار الكائنات بحيث ان تكثر الاشياء انما كانت بتعيناتها وتشخصاتها وحدودها واعراضها والا لكان مفعولا ولم يكن فعلا ألا ترى ان الآثار الصادرة منك ليست هي عين حركتك التي هي الفعل فليست الكتابة هي الحركة المحدودة بحد خاص بالضرورة بل الحركة انما اوجدتها وشابهتها في وجه تعلقها بها فان الالف المكتوب ليس حركة يد الكاتب وانما الحركة علة وجوده وانما نشأ الالف على هيأة حركة اليد على الوجه المخصوص فليست المشية هي الهوية السارية وهذا مذهب ضرار واصحابه الذين اخبر عنهم مولانا الرضا عليه السلام وكذلك هو مذهب بعض الصوفية الذين قالوا ان الوجود بشرط لا هو الوجود الحق اي بشرط تنزهه عن جميع الحدود والنقايص والوجود بشرط شيء هو الحوادث والمقيدات واصله الوجود المقيد والوجود لابشرط وهو الوجود المنبسط الذي مع الواجب واجب ومع الممكن ممكن ومع الشيء شيء ومع اللاشيء اللاشيء وسمعت من بعض المتعسفين منهم ان هذا هو الفعل ولتحقيق الكلام محل آخر ولسنا الآن بصدد تحقيق المسألة بل انما المقصود تصحيح العبارة وبيان ان الذي تنسبه عامة الناس الى العلماء الربانيين اغلبها كما ترى ليس بصحيح كما عرفت واما الوجود المطلق فلا ريب في صحته ولكن هذا الاطلاق ليس على ما تعرفه عامة اهل العلم بانه امر وجداني ساذج قابل للتقييد بالحدود والمشخصات فان هذا هو الهوية السارية التي نفيناها وانما المراد ان الحادث على قسمين قسم في تكونه وانجعاله وانصداره لا يكفي وجود الفاعل وحده بل يتوقف وجوده على شرايط أخر وهي المتممات عندنا كالكتابة مثلا فان وجود الكاتب وحده لا يكفي في ايجاد الكتابة بل الكتابة لضعف قابليتها تحتاج في وجودها الى قلم ولوح ومداد ويد وحركة فاذا نقص واحد منها يتأخر وجودها وذلك ليس بلازم ان يكون من جهة نقصان في الفاعل بل قد يكون لضعف في القابل بحيث لا يمكن ان ينجعل الا بذلك الشرط ولولا ذلك لم يجز حصول الكائنات والحوادث على التدريج لان قطع الفيض قبيح والبخل في المبدأ الفياض اقبح وتأخير ما لا يستدعي تأخيرا في نفسه بذاته ولا بقراناته الخارجية وضع للشيء في غير موضعه وذلك هو الظلم المحال على الله سبحانه وذلك التوقف المستدعي للتقدم والتأخر هو الحكمة التي تقتضي ترتيب الاشياء ونظمها على النظم الطبيعي الالهي وبالجمله لسنا الآن بصدد تحقيق هذه المسألة وانما المراد الاشارة لذلك الجناب لئلا اكون مانعا للحكمه عن اهلها وهذا القسم هو المسمى بالوجود المقيد وقسم بخلاف ذلك وهو الذي لا يحتاج الى غير فاعله ولا يتوقف على غير جاعله وانما هو محض الافاضة والجود فانقطع رجاه عن الكل اليه سبحانه في التكوين وذلك هو الفعل اذ ليس وجوده مشروطا ومقيدا بشيء اصلا غير الذات بخلاف ما سواه فانه موقوف ومقيد ولو بالفعل فيكون الفعل الذي هو المشية والارادة والاختراع هو الوجود المطلق بالمعنى الذي ذكرنا وكلما سواه هو الوجود المقيد فافهم
وقولكم على ما بلغني عن الشيخ الاجل المرحوم وعن جنابك لا يخفى على جنابكم ان الناس شأنهم وديدنهم ان يكذبوا علينا وينسبوا الاباطيل الينا كما فعلوا بائمتنا وساداتنا سلام الله عليهم ويمزجون بين الحق والباطل والصحيح والفاسد لرواج باطلهم واظهار ضغاينهم سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم والحق من هذه العبارات هو الذي ذكرنا والباطل هو الذي نفيناه فتدبر
قال سلمه الله تعالى : او بمشيئات جزئية حادثة من الله وقت حدوث تلك الآثار الجزئية ان كان الامر على الاول فكيف ربط الحادث الجزئي بتلك المشية الازلية على بعض معاني الازل او الدهرية وكيف يقال هو تعالى كل يوم في شأن وايضا على هذا التقدير هل صدور تلك الجزئيات من مشية اخرى صادرة من المثال الاول والمشية الاولى او من نفس تلك المشية الاولى بلا واسطة شيء من مشية او غيرها مع اني سمعت بالواسطة من الشيخ الاجل ان صدور هذه الآثار بالجزئية من الله ابتداء بلا واسطة نظير ما قالته الاشاعرة القائلون بالجبر وان كان على الثاني فما معنى قولكم الاشياء كلها صادرة من الامام واشعة واضواء الشمس الحقيقة التي هي الحقيقة المحمدية والآلية والعلل الاربع هي نفس الامام بمعنى ضوئه وعكسه والحال ان من البديهيات ان الامام او الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله ليس هذه المشية الجزئية الحادثة من الله وقت حدوث هذا الاثر الجزئي الزماني بالجملة العاقل تكفيه الاشارة باليقين فهمت مرادي من هذه الكلمات الوجيزة التي كتبتها بالعجالة حين ارادة الركوب بمجمع المباحثة واختلال الحواس فامنن عليّ باسعاف حاجتي فانك كريم من اولاد الكرام عليهم السلام وعليك ورحمة الله وبركاته
اقول قد قلنا لكم سابقا ان المشيئات الجزئية حدود ووجوه ورؤس للمشية الكلية وهي ليست امرا مبائنا لها حتى يسأل عن الربط بينها وبينها بل انما هي هي من حيث ظهورها بهذا الوجه الخاص كما مثلنا لك بالحركة فان لك حركة كلية غير مقيدة بقيد خاص وحد معين ولك حركات جزئية متعلقة بمتعلقات خاصة مناسبة لذلك المتعلق كحركة القيام والقعود والاكل والشرب وغير ذلك وهذه جزئيات تلك وحدودها وتشخصاتها فالمشية الكلية هي المتعلقة بالحقيقة المقدسة المحمدية صلى الله عليها فهي الحاملة حمل البلور لحرارة نور الشمس فهي باعتبار تعلقها بها تظهر منها آثارها فاذا وجد متعلق خاص تشرق عليه اشراقا خاصا واذا كان لذلك الاشراق اشراق تظهر بظهوره على ذلك الاشراق حتى حصل منه اشراق فالاشراق الثاني مستمد ومرتبط بالاشراق الاول وهو قطب له وهذا الاشراق وجه واثر للمشية الكلية وهكذا الحكم في تمام السلسلة الطولية فان المتأخرة قائمة ومتقومة بالمتقدمة وهي وجه المشية الظاهرة لها بها كما انك تقابل مرآة تنطبع صورتك فيها فالصورة الظاهرة في المرآة قائمة بمقابلتك اياها وتلك هي المشية الكلية ثم اذا تكثرت المرايا تعددت جهات تلك المقابلة اي تشخصت وتعينت فكل مقابلة خاصة في مرآة خاص على وجه خاص وجه من المقابلة العامة الكلية الشاملة لتلك المرايا كلها فهي المشيئات الجزئية المتعلقة بتلك الآثار الجزئية وهي المسماة عندنا بالرؤس والوجوه وهذه الجزئيات حدود تلك الكلية كما ان الحوادث اليومية حدود الحقايق الكونية المتنزلة من العوالم العلوية الموجودة في الخزائن المتعددة الثابتة للشيء الواحد اما سمعت الله يقول وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزّله الا بقدر معلوم فافرد الشيء وجمع الخزائن والخزينة السفلى وجوه وحدود للخزينة العليا في السلسلة العرضية مثلا زيد هو حد الانسانية الكلية وحد الجسمية الكلية وحد الاعراض الكلية والانسانية حد الحيوانية الكلية والجسمية حد المادة الكلية والحيوانية حد الوجود نور الله الفؤاد وباب المراد وهو حد الظهور المطلق والمصدر والمفعول المطلق وهو متعلق المشية الكلية الغير المحدودة وحدودها متعلق حدود المشية ووجوهها فكل شيء يتعلق بما يناسبه الا ان في الكلي على الوجه الكلي والجزئي على الوجه الجزئي مع وجود كمال الربط او المناسبة هذا في السلسلة العرضية واما في السلسلة الطولية اي سلسلة العلل والمعلولات فالمشية الكلية متعلقة بالفيض الاقدس والنور المقدس ونورها متعلق بنوره وشعاعها بشعاعه وجمالها بجماله الذي هو السلسلة الثابتة مقام الانبياء ونور نور المشية وشعاع شعاعها متعلق بنور نور المجعول الاول المفعول المطلق المعبر عنه بالحقيقة المحمدية صلي الله عليها وذلك رتبته الرعية من الانسان وهي السلسلة الثالثة شعاع الشعاع وجمال الجمال وهكذا الى آخر المراتب الثمانية وهي مرتبة الجماد وهي في انجعالها متقومة بمرتبة النبات المتقومة بمرتبة الحيوان المتقومة بمرتبة الملك المتقومة بمرتبة الجن المتقومة بمرتبة الانس المتقومة بمرتبة الانبياء المتقومة بمرتبة الحقيقة المقدسة المتقومة بالمشية على ما بينا في كمال الانتظام والربط كما انك لو قابلت مرآتا تنطبع فيها صورتك ثم أتيت بمرآة اخرى تقابل المرآة التي فيها صورتك فتنطبع في الثانية صورة الصورة ثم بالثالثة تقابل الثانية فتنطبع فيها صورة الثانية ثم بالرابعة وهكذا الى ما لا نهاية له فالصورة الاخيرة شعاع ونور لما فوقها متقومة بها قيام صدور وهي شعاع ونور لما فوقها متوقمة بها كذلك حتى تنتهي السلسلة الى الصورة الاولى المتقومة بمقابلتك التي هي المشية الكلية لك والكل قائم بذاتك بلا كيف ولا اشارة فافهم ولقد كررت العبارة ورددتها للتفهيم فافهم
وقولكم وكيف يقال هو تعالى كل يوم في شأن الخ كيف لا يقال واي مانع منه بل الذي ذكرنا وبينا محقق ذلك القول ومؤكده فانه تعالى كل يوم في شأن بمشيته (ظ) الكلية باشراقها واشراق اشراقها واشراق اشراق اشراقها وهكذا في السلسلة الطولية وبوجوهها ورؤسها وجهاتها في السلسلة العرضية فالمشية واحدة والوجوه والرؤس مختلفة كالشعاع وشعاع الشعاع وشعاع شعاع الشعاع والماء واحد والجهات والآثار مختلفة قال تعالى وما امرنا الا واحدة وقال تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فكن هو المشية ويكون هو المشاء وهي واحدة متعلقة بواحد كما قال تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فالنفس من حيث هي هي واحدة وجهاتها وتنزلاتها وشؤنها واطوارها وآثارها كثيرة فالمشية بذاتها متعلقة بذلك الامر الواحد وبوجوهها وجهاتها بوجوهها وجهاتها والفيض لاينقطع وحصول الكثرات بقران الاشياء بعضها ببعض واضافاتها ونسبها المتقومة بالمشية الجزئية التي هي وجه للمشية الكلية لا ينقطع فاذن كل يوم من ايام الشأن هو تعالى في شأن اي في اظهار شأن من الشؤن الفعلية المتعلقة بالحوادث الجزئية التي هي مظهر صفة واسم من الاسماء الفعلية كالجلال والجمال والعظمة والنور والبهاء على ما هو المفصل بعضه في دعاء سحر لشهر رمضان ثم اجمل في المقال في آخر الدعاء بقوله عليه السلام اللهم اني اسألك بما انت فيه من الشئون والجبروت واسألك بكل شأن وحده وجبروت وحدها الخ وهذه الشؤن هي الجهات الفعلية المتعلقة بالآثار الجزئية المشتق منها اسم من الاسماء كما يشتق لك عند ايجاد القيام الاسم القائم والقعود الاسم القاعد والكتابة الكاتب والضرب الضارب وهكذا من ساير الاسماء وهي كلها اسماء جزئية فعلية حصلت عند احداثك الحدث الخاص والاثر المخصوص فالآثار لا نهاية لها كالاسماء المربية لها وهي مظاهر الافعال الخاصة فالاشياء كلها بجميع جهاتها صادرة عن الله تعالى بالمشية الكلية من حيث ظهورها في الحقيقة المحمدية فالذوات من ذاتها استفادت تذوتاتها والصفات من صفاتها تذوتاتها ومن هيئاتها توصيفاتها فافهم فلولا ان القلب متوزع والبال متشوش لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولاريتكم من عجايب البيان ما لا رأته عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب انسان وفي ذلك كفاية لاهل الدراية
وقولكم هل صدور تلك الجزئيات الخ جوابه ان صدورها من نفس المشية الاولى لا من حيث هي بل من حيث حدودها وجهاتها ووجوهها ورؤسها فان قلت بالمشية الاولى صدقت وان قلت بالمشيئات الجزئية صدقت وان قلت برؤسها وحدود الكلية صدقت والكل ينبئ عن معنى واحد وما الوجه الا واحد غير انهاذا انت عددت المرايا تعددا
وقولكم مع اني سمعت بالواسطة من الشيخ الاجل ان صدور هذه الآثار الجزئية من الله تعالى بلا واسطة نظير ما قالته الاشاعرة القائلون بالجبر ذلك هو البهتان العظيم والافك المفتري وحاشا ان يقول مولانا ذلك وهو الذي هذب قاعدة امكان الاشرف وبطلان الطفرة وان الاشياء لها سلسلتان الطولية والعرضية وغير ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم
وقولكم وان كان على الثاني فما معنى قولكم الاشياء كلها صادرة عن الامام الخ جوابه ان الاشياء كلها صادرة عن الله سبحانه بمشيته ولما كانت الطفرة باطلة في الوجود كان اول ما تعلق به الجعل اشرف الكائنات واعلاها واحسنها ولما قامت ضرورة الاسلام ان محمدا صلى الله عليه وآله اشرف الكائنات كان هو ونفسه الشريفة اول المخلوقات واول متعلق جعل باري المسموكات فلما تقدموا في الوجود كان كلما يصدر عنه تعالى سواهم ادني منهم درجة واسفل منهم مرتبة ولا شك ان السافل اذا لم يتلق الفيض من المبدأ بواسطة العالي لم يكن سافلا بل كان عاليا اذا تلقاه من المبدأ بلا واسطة هف كما ان الاشعة لا تمكن ان تأخذ النور من النار الا بواسطة السراج وان كان السراج اي الشعلة متقوما بالنار الا انها تمد الشعلة اولا ثم تمد الاشعة بواسطة الشعلة ومحال ان يصل النور الى الاشعة قبل السراج او يصل اليها معه والا لساوته او كانت اعلى منه هف ومحال ان يكون السراج مستقلا في هذا العطاء من دون النار لانها اذا قطعت تعلقها منه انطفى وليس فيه نور ابدا فالسراج لا يزال يستمد من النار ويستفيض منها وواقف بفقره وقابليته على باب النار التي هي مسها والنار لا تزال تمده وتفيض عليه وجعلته بابا لفيضه وحاملا لعطائه او عرشا لاستوائها وهو لا يزال يمد الاشعة والاضواء حال كونه محفوظا بالنار ومتقوما بها فالمدد من النار اظهرته في السراج بقابلية الدهن وهي من حيث ظهورها فيه تمد الاشعة فان شئت قلت ان الاشعة صادرة عن النار وهو الحقيقة وان شئت قلت انها صادرة عن النار بواسطة السراج وهو القول بملاحظة المبادي والاسباب وان شئت قلت انها صادرة عن السراج بالنار وان السراج لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا ليس لك من الامر شيء مع هذا كله جعلته النار بابا لعطائها تعطي جميع ما سواها منه وقد سبق منا ان الفعل قد ينسب الى السبب القريب كما في قوله تعالى وانه لقول رسول كريم وقوله تعالى فويل لهم مما كتبت ايديهم وقد ينسب الى الذات الفاعل الحقيقي بلا ملاحظة الاقتران والاتصال و الانفصال والنسبة وامثالها من القرانات الفعلية الحادثة فاذا عرفت هذا المثال الذي ضربه الله سبحانه ثم وصف نبيه صلى الله عليه وآله بانه السراج المنير ومثل له لانه نور الله بالمصباح ابن عليه امرك في معرفة قول القائل ان الاشياء صدرت عن الامام والحقيقة المحمدية صلى الله عليها ان الحقيقة المقدسة هي السراج الوهاج والمشية هي النار اي نار الشجرة التي ليست شرقية ولا غربية والله سبحانه من ورائهم محيط والاشياء كلها اشعة واضواء فانظر هل للاشياء اي الاشعة غني عن السراج وهل للسراج غني عن النار الظاهرة بالدهن المعبر عنها بالمس في قوله تعالى ولو لم تمسسه نار وهل للنار الظاهرة غني عن النار الغيبية مع ان الاشعة منسوبة الى السراج بلا عزلة بمعنى رفع يد النار عنه والا لم يكن شيء فافهم ضرب المثل فان الله سبحانه يقول وما يعقلها الا العالمون
وقولكم والعلل الاربع هي نفس الامام عليه السلام بمعنى ضوئه وعكسه اما العلة الفاعلية فمن جهة انه عليه السلام يد الله وانه السبب الاعظم وانه السراج المنير واما العلة المادية فمن جهة ان الموجودات خلقت من اشعة انوارهم فنورهم عليهم السلام مادة لجميع الموجودات او عكسهم فهم العلة المادية بنورهم لا بذاتهم كما زعمه بعض الجهال ونسب الى شيخنا العلامة رفع الله اعلامه القول بان الحقيقة المحمدية صلى الله عليها مادة لجميع الاشياء كالخشب الذي هو مادة للسرير والباب والصنم وغيرها وهذا كذب محض وافتراء صرف وجهل بحت بل لما استفاضت الاخبار عنهم عليهم السلام وتواترت ان الشيعة انما خلقوا من شعاع نورهم نسب الى نورهم العلة المادية وحيث ان نورهم وشعاعهم لا يذكر معهم لاضمحلاله دونهم عليهم السلام قيل انهم عليهم السلام العلة المادية كما ان صفات الافعال موصوفها الفعل لكنها تنسب الى الله سبحانه فتقول هو الله الخالق البارئ المصور ولا نقول الفعل هو الخالق مع اتفاقهم على ان الصفة الفعلية حادثة والصفة الذاتية قديمة وقد شرحنا هذه المسألة على اكمل ما ينبغي في بعض رسائلنا واما العلة الصورية فمن جهة ان الموجودات كلها انما تمايزت بقبول ولايتهم وتركها فمن قبلها خلق على الصورة الانسانية وهيكل التوحيد ومن انكرها خلق على الصورة الشيطانية وهيكل الكفر والنفاق فمن الناس من انكر ظاهرا واقر باطنا مثل كلب اصحاب الكهف فكانت صورته الظاهرية صورة الكفر والنفاق والباطنية على الصورة الانسانية ومنهم من اقر ظاهرا وانكر باطنا كالكفار والمنافقين فخلق ظاهرهم على صورة الاجابة الظاهرة وباطنهم على صورة الكفر والنفاق وتفصيل هذا المقال يطلب في ساير ما كتبنا من رسائلنا ومصنفاتنا واما العلة الغائية فهي معروفة عند كافة العوام فلا يحتاج الى شرح وايضاح فاذا قيل انهم العلل الاربع فذلك على المعنى الذي ذكرنا والتفسير الذي سطرنا فافهم
وقولكم والحال ان من البديهيات ان الامام او الحقيقة المحمدية ليس هذه المشية الجزئية الحادثة وقت حدوث هذا الاثر الجزئي ذلك لا شك فيه فان الحقيقة المقدسة ليست هي المشية الجزئية ولا الكلية بل انما هي محلها وموقعها فهي محل المشية الكلية من حيث ذاتها ومحل المشية الجزئية من حيث جهاتها واطوارها واشعتها وانوارها كاليد الحاملة للحركة الكلية والجزئية وحدوث الآثار الجزئية في الاوقات المخصوصة لا ينافي كونهم محلا للمشية الخاصة بها كما ان الشمس هي المشرقة وكلما حدث جسم كثيف وقع اشراقها عليه بالوجه الخاص به وكاليد كلما تريد ان تحدث من الآثار الجزئية تعلقت حركة يدك به ولا فرق في ذلك بين الكلي والجزئي والذاتي والعرضي والاصلي والفرعي والتدريجي والدفعي حسب توقفها على الشرايط من الاوضاع والقرانات الخاصة وهي اما موجودة في عالم الاكوان محبوسة في خزينة من الخزاين ينتظر توفر اسبابها للنزول الى الخزينة بعدها او هي مذكورة في عالم الامكان توفرت اسباب وجودها وشرايط ظهورها فتعلق بها رأس من المشية الكلية الظاهرة في الحقيقة المحمدية ولذا قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزّله الا بقدر معلوم فبين ان الشيء الواحد له خزاين متعددة ينزل منها اذا تمت شرايطه واسباب وجوده في تلك الخزينة وقال عليه السلام في تفسير قوله تعالى كل يوم هو في شأن شؤن يبديها لا يبتديها فافهم فهمك الله تعالى
وحيث ان جنابك ذكر ما نسب الينا من اسامي الفعل والمشية الكلية وفيه ما يوافق الحق وفيه ما يخالف احببنا ان نذكر اسمائها مما نستعمله حتى لا يشتبه عليك فيما بعد فنقول ان تلك الذات المقدسة الشريفة لها اسماء كثيرة قد استعملها سادات البرية سلام الله عليهم باعتبارات مختلفة وجهات متشتة متفاوتة فمن حيث انها جهة الحق سبحانه وذكره ومذكوريته في الامكان سميت ظهورا وتجليا اوليا ومن حيث انها ظهوره سبحانه لغيره وموصلة فيضه الى ما يريد سميت فعلا وحركة ايجادية ومن حيث انها ادل الذكر والمذكور وبها نشأت الاشياء وتأصلت سميت مشية كما قال عليه السلام وهو منشئ الشيء اذ لا شيء اذ كان الشيء من مشيته ومن حيث انها مبدأ الصور والاعيان سميت ارادة ومن حيث انها تكونت لا من شيء سميت اختراعا ومن حيث انها تكونت لا بشيء ولا على احتذاء مثال سميت ابتداعا ومن حيث انها اول مظاهر الحق وظهوراته في الامكان سميت التعين الاول ومن حيث انها الاصل المتشعب عنه الحدود والجهات والحيثيات سميت شجرة مباركة ومن حيث انها مبدء الايجاد وعلته واول الميل الامكاني سميت محبة ومن حيث ان بها الاحسان والامتنان ومن اثره الماء الذي به كل شيء حي سميت رحمة ومن حيث ان بها تدبير الحق في الخلق وهي الآخذة بذمام كل شيء وبناصية كل دابة سميت ولاية مطلقة ومن حيث انها لا غاية لاولها ولا نهاية لامدها وانقطعت عند ربها وباريها سميت ازلا ثانيا ومن حيث انها اول ظهور الحق في الخلق سميت صبحا الصبح الازل ومن حيث انها اول الاصول واصلها وغايتها وبها نشوها واليها عودها سميت آدم الاول ومن حيث انها لا تتوقف في تكونها وانصدارها على شرط وسبب سوى ذاتها سميت الوجود المطلق ومن حيث ان كل الظهورات والتجليات الالهية انما هي بفاضل تجليه لها سميت الاسم الاعظم الاعظم الاعظم ومن حيث انها متممة لحقايق الامكان والاكوان ومتممة لنفسها بنفسها بالله سبحانه سميت الكاف المستديرة على نفسها ومن حيث انها علة العلل و مبدأ المبادي سميت السر المقنع بالسر والسر المجلل به ومن حيث ان الماء الواقع على ارض الجرز انما نشأ منها وصدر عنها وتأصل بها سميت سحابا ومن حيث انها اللفظ الصادر عن فعله بنفسه سميت كلمة ومن حيث انها حكم الله على الموجودات سميت امرا ومن حيث انها الظاهرة بمحلها وموقعها سميت الحقيقة المحمدية تسمية للحال باسم المحل ومن حيث انها المستديرة على نفسها وقطب لما سواها سميت فلك الولاية المطلقة ومن حيث انها الذكر الاول للاشياء سميت علما وغيرها من الاسماء الموضوعة لها بحسب جهاتها واطوارها فافهم وابن عليه ما لم يذكر اذ قد اعطيناك اصلا كليا وبابا ينفتح منه الف ابواب وصلى الله على محمد وآله الاطياب والحمد لله رب العالمين
( خاتم المؤلف اعلى الله مقامه : ) عبده الراجي محمد كاظم الحسيني