رسالة في جواب الملا مهدي الرشتي (٥ مسائل)رسالة في جواب الملا مهدي الرشتي (٥ مسائل)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الملا مهدي الرشتي

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثالث عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الاخوان ايده الله تعالى بالايمان واوصله بمنه وكرمه الى حقيقة الايقان وسلمه عن طوارق الزمان بالنبي وآله سادة الانس والجان سئلني عن مسائل عميقة غامضة يريد الجواب على الوجه الواقعي الحقيقي الذي عليه الامر في الواقع الاول ليظهر حق الصواب وينكشف عن وجه المقصود النقاب ويرى الامر ظاهرا من غير حجاب وهذا امر صعب جدا سيما على الفقير في هذه الاوقات لتراكم الامراض الظاهرية والباطنية وتوارد الآلام الصورية والمعنوية وتوفر الاشتغال واختلال الاحوال وبلبال البال ومع ذلك كله فان ما يريد كما يريد لا يمكن ولا يتحصل الا بدليل الحكمة من الادلة الثلثة التي امر الله سبحانه نبيه ان يدعو الخلق الى سبيله بها كما قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فلا يعرف الشيء على ما هو عليه بحيث يزول ويرتفع كل الاشكال الا بدليل الحكمة الذي هو اعلى الادلة واقواها واعظمها واشرفها واسناها وبه تعرف الاشياء كما هي كما قال صلى الله عليه وآله اللهم ارني الاشياء كما هي وهو الذي اعطاه الله داود ولقمن كما قال تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب وقال تعالى ولقد آتينا لقمن الحكمة اه ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا وقد بينا الادلة الثلثة في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا الا ان المعروف المشتهر الآن بين علماء الزمان هو المجادلة بالتي هي احسن التي ذكرها المنطقيون في علم الميزان وهذا الدليل لا يوصل الا الى ظاهر الشيء وقشره وصورته فلا ترتفع به الاشكالات ولا تذهب معه الاحتمالات فاذا سد احتمالا يقوم احتمال آخر ولذا تريهم كثيرا ما يرجعون عن حكمهم الاول المعلوم المقطوع به بالدليل البرهاني والقياس الاستثنائي والاقتراني الى الامر الآخر فيكون الاول باطلا عندهم وقد يتفق ان الامرين في الواقع شيء واحد وانما اختلفا في الصورة والحدود الظاهرية وهذا دليل انهم ماشاهدوا الامر وماوصلوا الى الواقع وما رأوا الشيء كما هو وانما تصوروا مفهوما صوريا ورتبوه على المفهوم الآخر فينتج المفهومان بهذا التزويج والاقتران مفهوما آخر وصورة اخرى وان كان يتراءى لهم انه الحقيقة والواقع لكنه ليس كك بدليل عدم الثبات والاستقرار الا ان هذا الدليل ايضا باب فتحه الله سبحانه للخلق اذا عجزوا عن الدليلين الآخرين اللذين هما الاصل في معرفة الاشياء على جهة القطع واليقين الذي لا يشوبه الظن والتخمين فاذا علمت هذا علمت ان اجراء الكلام على دليل الحكمة لا يمكن في هذا الزمان لعدم معرفتهم اياه وعدم انسهم به فينكرون كما هو عادة اكثر الطبايع وقد اخبر الله تعالى عنهم في كتابه واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم وقال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله والفقير اتى في هذه الاوراق بما هو المقدور من الطرفين ولا يمكنني البسط في المقال كما يريد لمكان الاستعجال وتزايد المرض المانع من استقامة الحال وفي مثل هذه الحالة لا يمكنني ان اشتغل بشيء الا اني اذكر ما هو المقدور الميسور لانه لا يسقط بالمعسور وجعلت سؤاله سلمه الله متنا وجوابي كالشرح ليطابق كل جواب بسؤاله كما هو عادتي في اجوبة المسائل

قال سلمه الله تعالى : اما بعد فيا سيدي ومولاي ومعتمدي لما علمت لطفك وشفقتك ورأفتك بالنسبة الي بادرت الى السؤال عن مسائل اشكلت على اريد من جنابكم جوابها وخفت اني ان سئلتكم مشافهة ان تجيبني بجواب وانساه وايضا ان حيائي مانع من السؤال مشافهة ولا تحرمني يا سيدي ومولاي من افاضتكم بحق جدكم وآبائكم عليهم سلام الله اجمعين فاني مطيع لكم ولآبائكم الطاهرين المعصومين وارجو من الله ان اكون اهلا لاقتباس انواركم واستدعي منكم تعجيل جوابها وان اعلم ان لكم شغلا شاغلا وتبيين مرامها سيما المسئلة الخامسة بقدر فهمي واستعدادي فاقبل استدعائي فان الله لا يضيع اجركم وزاد الله في عمركم وكثر في الدنيا امثالكم

المسئلة الاولى - ما تقول يا سيدي في الادلة التي ذكرها الاصوليون في استنباط الاحكام الشرعية هل هي اربعة ام اثنتان وعلى فرض انها اربعة ما المراد بدليل العقل وهل يحصل العلم بالاجماع في امثال زماننا هذا ام لا وهل دلالة الحديث قطعية ام لا

اقول اعلم ان الله سبحانه ابتدع الخلق بقدرته ابتداعا واخترعهم بمشيته اختراعا ثم سلك بهم طريق ارادته وبعثهم في سبيل محبته وذلك تكليفهم بما يوجب موفور ثوابه وما يورد محذور عقابه ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى فلما وقع التكليف لطفا من الحكيم اللطيف تحققت امور خمسة متساوقة لا يتقدم احدها عن الآخر ولا العكس بل تحصلت جميعا دفعة واحدة الاول المكلف بكسر اللام من حيث هو كذلك وهو الشارع الاول وهو الله سبحانه بفعله قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية وقال تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها لا يقال ان المكلف يبطل حكم المساوقة المدعاة فان الله سبحانه كان قبل الخلق وقبل اكوانهم فضلا عن تكليفاتهم والتكليف انما وقع بعد التكوين والبلوغ الى الحد لانا نقول قيد الحيثية يرفع الشبهة والايراد فان المكلف ليس صفة ذاتية لله سبحانه حتى تكون عينه وتوجد بوجوده تعالى يعني هو هي ( هي هو خ‌ل ) ليلزم ذلك بل انما هو من صفات الافعال واسمائها كالخالق والرازق والفاعل وامثال ذلك ولا شك ان الفعل الخاص المقيد المحدود لا يكون الا عند المفعول الخاص والا لوقعت الخصوصية باطلة فان الفعل من حيث هو ليس فيه سواه وهو واحد وتكثر اسمائه كالقائم والكاتب والآكل والشارب انما هي بتعدد ( بتعلق خ‌ل ) المتعلقات وتلك الخصوصيات عرضية له كما هو المعلوم فيكون الاسم الفعلي الخاص مساوقا لذلك المفعول الخاص بروزا وشهودا وان كان ذلك مذكورا في القدرة التعلقية صلوحا واستعدادا وهو معنى قوله عليه السلم له معنى الخالقية اذ لا مخلوق فافهم الثاني التكليف وهو فعل المكلف وتأثيره الواقع باثره على المكلف بفتح اللام ولو لا ذلك لما وقع المكلف به فلا تترتب عليه الغاية فيبطل به النظام الثالث المكلف به وهو الحدود الموظفة المقررة التي هي روابط بين المكلف والمكلف حسب اقتضاء كينونات المكلف ولولاها لم تحصل المقابلة لفوارة النور التي تفور من بحر القدر فلم يظهر المدد فيبطل الاكوان لانه سبحانه ابى ان يجري الاشياء الا باسبابها واما ما ترى من الذين لم ‌يقبلوا التكليف ظاهرا ومع ذلك مرزوقون موجودون فذلك من جهة فاضل اعمال الغير وثبات حسناتهم ولولاها لبطلت اكوانهم واضمحلت اعيانهم الم تر الى قوله تعالى وأمر اهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى فافهم الرابع الدليل وهو تمكين المكلف بكسر اللام المكلف لقبول التكليف بفعل المكلف به اذ من شرايط تحقق الاختيار وعدم الاضطرار التمكين وتخلية السرب ولو لا التمكين كان مضطرا او يكون القبول ممتنعا فوجب الدليل لارشاد السبيل الخامس المكلف نفسه ولولاه لم يكن للتكليف موقع ومحل ويظهر من قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الآية ان هنا قسما سادسا وهو السبيل وهو كذلك ويدل عليه العقل السديد الا انه ليس مما يتعلق به غرضنا في هذا المقام فلذا تركته فاذا عرفت هذا فاعلم ان هذه الخمسة هي الاصول التي يدور عليها جميع ما اراد الله سبحانه من خلقه من الاعتقادات والاعمال والافعال وبحدود هذه الخمسة تنفتح ابواب معرفة جميع الاحكام التكليفية ولو كان لي قوة ونشاط ولم يمعني الضعف والمرض لبينت لك حدودها على ما نطق به الكتاب واخبار اهل فصل الخطاب وبالجملة فانك علمت لما ذكرنا ان كل هذه المراتب الثلثة من التكليف الى الدليل كل ذلك من جهة المكلف بكسر اللام وليس للمكلف فيها الا قبول التكليف بفعل المكلف به بواسطة الدليل فاذا اختل احد هذه الثلثة برئت ذمة المكلف عن التكليف قطعا والامر في الاولين ظاهر واما الدليل فمن جهة انه متمم لقابلية المكلف ومقوم لها فلا قبول الا بعد تمام القابلية الا بالتمكن ولا يحصل التمكن الا بالتمكين ومن التمكين اراءة السبيل باقامة الدليل فيجب ان يكون دليل الاحكام والشرايع ايضا من الله سبحانه كما كان الاصل كذلك

وان اردت بيانه بدليل المجادلة بالتي هي احسن فنقول ان كل حكم توقيفي نظري يجب ان يكون دليله ايضا كذلك وكلما كان كذلك فلا يجوز اقتراح الدليل على ذلك الحكم من غير جهة الموقف فكل حكم توقيفي نظري لا يجوز اقتراح الدليل عليه بوجه من غير جهة الموقف اما الصغرى فلان المطلوب من مقتضيات الدليل ونتيجته صورة كينونته فمهما تحققت على ما ينبغي ترتب اثرها عليها وهو المطلوب المدلول وهذا ظاهر واذا وجد السبيل الى الدليل من نفسه وصل الى المطلوب المدلول من نفسه بنفسه فلا يكون ذلك توقيفيا فان التوقيفي ما لا يكون اليه سبيل الا ببيان الموقف واما الكبرى فلما ذكرنا في الصغرى فاذا ثبت ان الدليل في الاحكام التوقيفية يجب ان يكون توقيفيا فتكون ادلة الاحكام الالهية الشرعية الفرعية كلها توقيفية والا لم تكن الاحكام كذلك واللازم باطل قطعا فكذا الملزوم والملازمة ظاهرة ولما ان الله سبحانه خلق الخلق وكلفهم بما هو صلاح آخرتهم ودنياهم ومقتضى مسائل صفات كينوناتهم وبه نظام معاشهم ومعادهم وكان لا يتم التكليف الا بالدليل جعل لهم ادلة الحق واقام لهم منار الصدق ليدركوا بذلك موصولهم ومفصولهم وتلك الادلة هي اولياء الله في ارضه وحججه على خلقه وشهداءه على عباده فكشفوا عليهم السلم عن كل ما اراد من الخلق بعد ما بينه الله سبحانه لهم في كتابه بظاهر احاديثهم واقوالهم وافعالهم وتقريراتهم وبواطنها واشاراتها وتلويحاتها ولكن لما كان لوقوع المكلف به بالتكليف الاول الجاري على مقتضى هياكل التوحيد ظاهرا مشروحا مترتبا عليها الآثار وصافيا عن جميع الاكدار شرط آخر غير الخمسة المذكورة فانها شرط لتحقق التكليف ولولاها يمتنع بخلاف ما اذا تحققت وجب وان لم يظهر فان ذلك ليس من قبل الحق سبحانه وانما هو من قبل الخلق وحكم الله سبحانه جار وهو جل جلاله لا يخل باللطف والواجب وذلك الشرط هو انقياد الرعية كلهم للداعي الدليل باختيارهم وشهوتهم وهواهم فاذا انقادوا اظهرت الارض بركتها وفتحت ابواب الارزاق الظاهرية والباطنية ولاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم فاذا ما انقادوا اما باسرهم او بعضهم دون بعض وفي الصورة الثانية الاكثر ام الاقل اذ لكل من هذه الصور حكم خاص يترتب عليه ثانيا وبالعرض غير ما اذا كانوا منقادين باجمعهم ففي الصورة الاولى فان لم يكن في اصلابهم نطف طيبة تستحق الهداية والارشاد ولو بعد زمان طويل يجب انقراضهم وانعدامهم لوجود المقتضى ورفع المانع لانه حقت عليهم كلمة العذاب بانعكاس حقايقهم وذواتهم عن مبدء النور وانتكاس رءوسهم الى اسفل السافلين وتقابلهم بنار الغضب وحرارة الدخان المتصاعد من الجهل الكلي فلا مهلة لهم ولا يحسن ايضا في الحكمة ويلزم وضع الشيء في غير موضعه فافهم فان بيانه وشرح اسبابه وعلله يطول به الكلام ولسنا بصدده وفي الصورة الثانية فان كان المنكرين اقل من المنقادين فالحكم للغالب ويجب حينئذ اظهار الدين واعلاء كلمة الله الحق المبين وارشاد الضالين واخماد المضلين واثبات التكاليف على الواقعي الاولي لوجود المقتضى وعدم مقاومة المانع اياه وان كانوا اكثر فهناك ينقلب الامر بالظهر والبطن وينعكس العرش الى الفرش فتختلف الاحكام لاختلاف اقتضاء الكينونات الا ان الاصل انما هو حكمان حكم اولي واقعي الهي على حسب الكينونة الاولية المطابق لهيكل التوحيد وذلك لا يتغير ولا يتبدل ولا يزيد ولا ينقص بل هو واحد على كل حال وحكم واقعي ثانوي الهي على حسب الكينونة الثانوية الغالبة عليها احكام هيكل الكفر والشرك والنفاق وهذا يختلف ويتغير ويتبدل ويتعدد ( يتعدد ويتغير ويتبدل خ‌ل ) ويزيد وينقص واثبات هذا الحكم الثانوي انما هو لحفظ البنية ونظام الوجود والكون لاظهار الحكم الاولي الواقعي الالهي ولولاه للزم احد الامرين اما الالجاء في التكليف بان يظهر الداعي الدليل امره ويعلن كلمته ويقمع من خاصمه ويقتل من ينكره فهناك يثبت الالجاء فيدخل في الدين ظاهرا من لا دين له باطنا مكرها وملجأ فلا يمكن تكذيبه لقوله تعالى ولا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمنا والالجاء محال في الدين قال تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وكذلك كان الالجاء فيما اذا كان الامام عليه السلم ظاهرا ومعلنا بالامر ولم يحارب فيقتلونه ولم يقتل ويؤذونه ولم يتأذ ومع ذلك يبقى مدة طويلة ماجرت العادة بها في زمانهم فهم حينئذ بين قائل له بالسحر ولكن في طول البقاء لا يتمشى هذا القول فان الساحر ما يقدر على تطويل عمره وبين قائل بانه الرب وبين قائل بقوله مكرها حيث لا يقدرون عليه ولا يجدون حيلة وبين قائل له طامعا حطام الدنيا وامثال ذلك من الامور فلا يحصل التصفية الا بالغيبة وهنا امور كثيرة لا يناسب المقام لذكرها واما ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله من المحاربة فانه اعانة لمن سبقت له من الله الحسنى لا الجاء ومن هذه الجهة كان يقبل منهم فدية وجعل عليهم الجزية وجعلهم من اهل الذمة ولما كان في ذلك توهم الالجاء وعدم التصفية امر عليا عليه السلم بالسكوت وعدم المحاربة ليميز الله الخبيث من الطيب وجرى هذا الحكم في خلفائه واوصيائه عليهم السلم الى ان تنقطع النطف الطيبة من الاصلاب الخبيثة وتصفى الطبايع لرفع الغباوة فهناك يشاهد الحق فينكر من ينكر عن بينة ويقبل من يقبل كذلك فهنالك تطهر الارض من الخبائث بخلاف الآن فوجبت المقاتلة عند قيام القائم عليه السلم وقبحت الآن ولم يلزم الالجاء هناك ويلزم هنا فافهم او قتل الداعي الدليل اذا لم يجبرهم ومع ذلك يعلن الامر اعلانا كليا فان المنكر المخالف يجب قتل من يعانده ويخالفه وهم اكثر جمعا فيقتلون اهل الحق باسرهم وفي قتل الامام الداعي الى الحق فساد الكون وخراب النظام فوجبت الهدنة والمداراة والتقية فهناك يأتي الحكم الثانوي ولا بد فيه من الاختلاف وعدم الاتفاق للتشبه بالباطل قال تعالى رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل وجعل الظلمات والنور ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فعلى هذا قد يمكن اظهار الحكم الاول الواقعي وقد لا يمكن والامام عليه السلم حينئذ يجري رعيته وغنمه فيما يصلحهم ويبقى كونهم وعينهم من الاختلاف والاتفاق انا لا ندخلكم الا فيما يصلحكم راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم سواء كان عليه السلم ظاهرا غير مطاع او مكتتما مستورا ولا يتفاوت الامر في الحالين ابدا فاذا غاب الامام عليه السلم عن ابصار الخلق واستتر عن نواظرهم او انه ظاهر غير مطاع لا يمكن الوصول ( الوصول اليه خ‌ل ) فلا يجوز اقتراح الدليل لتحصيل التكاليف الالهية فانه اذا غاب عن الخلق لم يغب الخلق عنه بل كل الخلق عنده كالدرهم بيد احدكم وقد دل عليه العقل والنقل ولا ينكر ذلك الا مكابر لعقله او ناف لقدرة الله وعظمته في اوليائه واحبائه ولا يمكنني استقصاء ما ورد من الاخبار ودلالة صحيح الاعتبار الا اني اذكر بعضها لئلا يقول الجاهل ان هذا دعوى بلا دليل فمن ذلك ما في الكافي عن امير المؤمنين عليه السلم في خطبته اللهم انه لا بد لك من حجج في ارضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم الى دينك ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق اتباع اولياءك ظاهر غير مطاع او مكتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون وقد قال عليه السلم في موضع اخر من هذه الخطبة فمن هذا يأزر العلم اذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدقون علمهم فيه اللهم اني لاعلم ان العلم لا يأزر كله ولا ينقطع مواده وانك لا تخلي ارضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بمطاع او خائف مغمور كيلاتبطل حجتك ولا يضل اوليائك بعد اذ هديتهم بل اين هم وكم هم اولئك الاقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا وفي الكافي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان عند كل بدعة يكون من بعدي يكاد بها الايمان وليا من اهل بيتي موكلا به يذب عنه ينطق بالهام من الله تعالى ويعلن الحق وينوره ويرد كيد الكايدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا اولي الابصار وتوكلوا عليه وفيه ايضا عن مولينا ابي‌عبدالله عليه السلم ان الله لم يدع الارض بغير عالم ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل وقال ايضا مازالت الارض الا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس الى سبيل الله وفيه ايضا عنه عليه السلم ان الارض لا تخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم وفي الاحتجاج عن مولينا الحجة عجل الله فرجه في التوقيع الى الشيخ المفيد (ره) الى ان قال عليه السلم نحن وان كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي اراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فانا نحيط علما بانبائكم ولا يعزب عنا شيئا من اخباركم ومعرفتنا بالامر الذي اصابكم الى ان قال عليه السلم انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمتكم الاعداء فاتقوا الله جل جلاله وقال مولينا سيد العابدين عليه السلم في الدعاء بعد العصر يوم الجمعة في الصلوة على محمد وآله صلى الله عليهم الى ان قال عليه السلم قد اكملت به الدين واتممت به النعيم الى ان قال ونهجت به لخلقك صراطك المستقيم وبينت به العلامات والنجوم الذي به يهتدون ولم تدعهم بعده في عمياء يهيمون ولا الى شبهة يتيهون ولم تكلهم الى النظر لانفسهم في دينهم بآرائهم ولا التخير منهم باهوائهم فينشعبون في مدلهمات البدع ويتحيرون في مطبقات الظلم وتتفرق بهم السبل فيما يعلمون الدعاء وامثالها من الاخبار كثيرة بل لو تأمل البصير في كلام الله المجيد وخطبات اهل بيت النبوة عليهم السلام واخبارهم ونظر الى الفطرة لا يشك فيما اقول وبسط الكلام هنا يفضي الى ما لا يحسن فالمكلف المستوضح يجب عليه ان يستوضح الحكم بسراج جعله الله له فما دام ذلك السراج امامه فهو يسير بنور الله سبحانه وضيائه واذا فقد السراج فليعلم انه علامة عدم الاذن للمسير فيجب عليه الوقوف اذ ليس عنده سراج يضيء غيره ولا يعرف الطريق اذ لم يسلكه ليستغني عنه فليس عليه الا السكوت فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات فاذا اراد المكلف استيضاح حكم من الاحكام الالهية التكليفية فليطلبه من مظانه وادلته التي قررها الله سبحانه فمنها كتاب الله الذي جعله الله تعالى نورا يستضيء به العباد في ظلمات الحيرة واستيلاء الشكوك والشبهات وروحا لتقوي به اجساد الاعمال للصعود والعروج الى رب الارضين والسموات وذكرا يذكرهم الله به احوال النشأتين وحكمي المبدء والمعاد وهدي يهتدون به سبيل الرشاد ويبلغون به كمال رتبة الاستعداد وهو حجة اجماعا فلا يعبؤ بمخالفة بعض الاخباريين كيف وهو من اكبر معاجز النبي عليه السلم بقي الى يوم القيمة على حكم الاعجاز فلو لم يعرفوه ولم يدركوه ولم يبلغوا الى بعض اسراره ومزاياه ماكان قاطعا لحجج المخالفين ولا رافعا للجاج المعاندين فاذا عرفوا بعض ( بعض احكامه وادركوا بعض خ‌ل ) اسراره علموا انه فوق طاقة المخلوقين ان هو الا ذكر للعالمين تنزيل من رب العالمين ولا شك ان الذي لا يعرف الشيء لا يظهر له محسناته ومزاياه ولذا ترى الاعجام لا يتميزون بين جيد اشعار العرب ورديها بل ولا يعرفون لها حسنا ولا يكفي مجرد حسن الاسلوب والترتيب واستعمال الالفاظ الملائمة وترك الالفاظ المنافرة اذ كل ذلك تابع للمعاني ومواقع الاداء وهذا معلوم لكل من له فهم مستقيم نعم لا يعرف العباد كلما في القرآن اذ فيه تفصيل كل شيء وله بواطن واشارات وتلويحات ولطايف وحقايق وفي الظاهر ايضا مشتمل على متشابهات ليكون ابلغ في الاعجاز وليظهر احتياج الخلق الى الائمة الراشدين والهداة المنتجبين سلام الله عليهم فلو لم يعرف كل القرآن لم يثبت كونه معجزا وانه ملتفت اليه فتبطل فائدة الانزال ولو عرف كله لادي الى ما لا يحسن في الحكمة اذ ليس كل احد موضعا للعلم ومحلا للحكم وفي القرآن تفصيل كل شيء ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فجعله مشتملا للامرين ليكون هاديا للنجدين فجعل فيه محكما يعرف تفسيره ومتشابها يرد علمه الى الله ورسوله والراسخين في العلم وهو قوله تعالى وهو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات الآية فقولهم في عدم الحجية ان القرآن لا يعلمه الا الله ورسوله والائمة الطاهرون عليهم السلم مدفوع بهذا التقسيم اذ ليس المتشابه عند العارف بالامر ولا يحتاج الى محكم يكون ذلك ام الكتاب اي اصلا يرجع اليه كلما سواه فان هذا تعليم لمن لا يعلم واما الذي هو محيط بالامر او يأتيه تأويله وتفسيره من الله بالخصوص فلا يحتاج الى هذا التقسيم مع ان من تدبر في القرآن عرف ان لا يريد به الا الرعية قال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوبهم اقفالها وضرب الامثال وحكي القصص وامر الخلق بالتدبر والتفكر فيه وفي الآيات الآفاقية والانفسية مرة يوعظ الخلق ومرة يحذرهم عن عقابه ومرة يرغبهم في ثوابه ومرة يضرب لهم الامثال ومرة يحثهم الى الاعمال ويأمرهم بطاعة الرسول واولي الامر ومودة ذي القربى ولما نزل سورة برائة امر عليا عليه السلم ان يقرء على كفار اهل مكة والقول بان الرسول صلى الله عليه وآله يفسر لهم كل جزئي جزئي ممنوع اذ لم يثبت ذلك مع انا نقول ان القرآن ليس خاصا بطائفة دون طائفة وقوم دون قوم بل هو امر الله في الخلق الى يوم القيمة فكيف يتأتي هذا القول السخيف والتفرقة بين آيات الاحكام وآيات الامثال خرق للاجماع ومكابرة للوجدان ومعارضة لصريح القرآن حيث يقول تلك حدود الله يبينها لقوم يعقلون وامثال ذلك ولا احد ثلث ما ثنى الله سبحانه فافهم وكذا قولهم في منع الحجية ان القرآن مشتمل على تحريف وتغيير وتبديل فلا يعرف ( فلا يعلم خ‌ل ) المراد منه مدفوع ايضا بان الامة قد اجمعت على انه ما زيد على القرآن شيء وان هذا المجموع هو القرآن المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وآله واما كون بعض الآيات التي في فضايل اهل البيت عليهم السلم وذم اعدائهم واثبات خلافتهم ورجعتهم وكرتهم وتعذيب المنافقين باسمائهم نقصت منه فلا يقدح في حجية الآيات التي تدل على الاحكام الالهية اذ لا شك انهم ما نقصوا من كل حرف حرف من القرآن شيئا او من كل آية آية لتبطل حجية الكل اذن يبطل النظم ويفضح امرهم مع ان المنافقين ليس مرادهم تحريف القرآن من حيث هو هو كيف وقد قالوا حسبنا كتاب الله بل مرادهم تحريف الآيات الدالة على افتضاحهم واثبات خلافة غيرهم فماتعرضوا لما لم يتعلق بذلك ابدا مع انهم ماقدروا على حذف ما ارادوا واحبوا على ما ارادوا واحبوا اما رأيت ما في الاحتجاج في احتجاج امير المؤمنين عليه السلم لما سئله طلحة عن امر القرآن وتعلل عليه السلم في الجواب ثم قال طلحة لا اراك يا ابا الحسن اجبتني عما سئلتك عنه من امر القرآن الا تظهره للناس قال عليه السلم يا طلحة عمدا كففت عن جوابك فاخبرني عما كتب عمر وعثمان اقرآن كله ام فيه ما ليس بقرآن قال طلحة بل قرآن كله قال عليه السلم ان اخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فان فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا قال طلحة حسبي اما اذا كان قرآنا فحسبي الحديث ويؤيد ذلك احاديث العرض على كتاب الله والعمل بما يوافق وترك ما يخالف فاذن كلما يظهر من القرآن ويفهم تفسيره ولم يكن له مناف ومعارض فهو حجة يقينا لانه قرآن يقينا منزل من عند الله سبحانه واحتمال ان هذا بخصوصه نقص منه مرجوح مخالف للاصل مع انهم عليهم السلم امرونا بالاخذ عنه وعرض اخبارهم عليه وحكم امير المؤمنين عليه السلم في الحديث المتقدم بالاخذ بما فيه فانه موصل الى الجنة وهذه الاخبار الكثيرة كلها معتضدة بالادلة العقلية والاصل وسالمة عن المعارض والاخبار التي تدل على ان القرآن لا يعلمه الا الله ومن انزله اليه واهل بيته ليست على عمومها بل المراد بها متشابهاته دون محكماته فان الله سبحانه يقول فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ومايعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم على قراءة الوقف عليه فدلت هذه الآية الشريفة على ان متابعة المحكم فيه الهدي ولا اختصاص له بما اختص به المتشابه بل يعم الخلق كلهم كما هو سياق المفهوم من الآية الشريفة والاجماع ايضا حاصل على مضمون ما في الآية الشريفة والاخبار الكثيرة فان لم تسلم الاجماع فلا اقل من الشهرة العظيمة بين المسلمين ولا ينكرها الا مكابر لحسه والخبر اذا اشتهر يجب العمل بمضمونه وهذا واضح وقولهم في منع الحجية بتواتر القراءات السبع واختلافاتها ( اختلافها خ‌ل ) فلا يقطع اذن بالمعنى المراد مدفوع ايضا بان الاختلاف في القراءة في الاغلب لا يغير المعنى ولو سلمنا في بعض الاحوال كما في قراءة يطهرن بالتخفيف ويطهرن بالتشديد فان مقتضى الاولي كراهة الجماع بعد النقاء وقبل الغسل ومقتضي الثانية حرمته قبل الغسل فلا حجية في مثل هذه المواضع بل يلتمس دليل آخر وحجة اخرى وبالجملة فلا ينبغي التوقف في حجية كتاب الله فما اجمعوا على تأويله وتفسيره منه لا محيص عنه ووجب العمل عليه لقول الكاظم عليه السلم فما ثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله الى ان قال ضاق لمن استوضح تلك الحجة الرد اليها والتسليم لها انتهى فما لم يجمعوا عليه وحصل للمستوضح ترجيح من القرائن الاخر ومرجحات اخرى لم تظهر لغيره وقطع به فلا شك في حجيته لكن لا يجب على غيره ان يقبله منه بل يجوز له انكاره واثبات معنى آخر غيره حسب ما اراه الله سبحانه بمقتضى كينونته واختلاف الكينونات في الاقتضاءات دليل اختلاف الاحكام كما ذكرنا فافهم فان لم يحصل له القطع الاولي لكنه بعد الفحص البالغ لم يجد له منافيا ومعارضا من محكم الكتاب ولا من السنة ولا من الاجماع بوجه من الوجوه فهو حجة ايضا بحكم التقرير كما نبينه لك فيما يأتي ان شاء الله تعالى لكن ليست حجية عامة بل تخصه كما في حديث الكاظم عليه السلم على ما رواه المفيد في الاختصاص فما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له انتهى فافهم فان لم يحصل الظن بوجه ابدا فلا حجية فيه بوجه ابدا وهو ظاهر ان شاء الله تعالى ومن الادلة التي جعلها الله سبحانه هي السنة المطهرة المعصومة ( المعصومية خ‌ل ) على مفتتحها آلاف الثناء والتحية وهي اعظم الابواب في هذا الباب وهي تنقسم الى متواترات وآحاد فالمتواترات على قسمين لفظية ومعنوية فالمتواترات لا شك في حجيتها وانها تفيد القطع ولا نزاع فيها فان كانت لفظية فحكمها حكم القرآن حرفا بحرف بلا فرق وان كانت معنوية فيفيد القطع بالواقع الاولي بالقطع العادي ويحتمل الثانوي ايضا الا انه يقطع ان هذا الحكم مما امر به ولا شك ( لا يشك خ‌ل ) فيه واما الآحاد المحفوفة بالقراين المفيدة للقطع فكالمتواترات واما المفيدة للظن فكذا ( فكذلك خ‌ل ) ايضا للاجماع ودلالة ( لدلالة خ‌ل ) الاخبار عليه فانهم عليهم السلم امروا بالكتابة وانهم يحتاجون اليها فيما بعد في زمان هرج ومرج ولا شك انها لا تفيد الا الظن والتخصيص بما يفيد القطع بالقراين الخارجية خلاف الاصل وادعاء كون الآيات الناهية عن العمل بالظن قرينة للتخصيص غير مسموعة اذ لا نسلم ان المراد جميع افراد الظن على سبيل الشيوع والعموم مع صراحة قوله تعالى ان بعض الظن اثم والتقييد بالبعض يوهن قطعية القرينة فلا تصلح فان العبرة في اعتبارها كونها قطعية يقينية ولو سلمنا نقول كلما هو حرام في حالة السعة حلال في حالة ( عند خ‌ل ) الضيق والشدة قال تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم وقال تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم وقال ايضا فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم والاخبار في هذا المعنى كثيرة مثل ما في البحار عن الصادق عليه السلم قال ليس شيء مما حرمه الله الا وقد احله الله لمن اضطر اليه الا ما اخرجه الدليل مع انه لو اقتصر في العمل على المتواترات المعنوية يبطل النظام لبطلان التكاليف ( التكليف خ‌ل ) فان المتواترات المعنوية قليلة جدا وكذا الاجماعات لا يثبت بها حكم من الاحكام بجميع جهاتها فيبقون الخلق حيارى والله سبحانه اجل من ان يجعل الخلق هكذا كيف وقد اقام الحجج واوضح البينات وحجة الله صلوات الله وسلامه عليه بين ظهراني الخلق يتصرف فيهم الى ما امره الله سبحانه وانما جعله الله بين الخلق كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم فهو صلى الله عليه وعلى آبائه لا يزال ناظرا الى احوال رعيته وغنمه ويسددهم وينصب لهم القراين ويوقفهم على ما اراد الله سبحانه منهم ان قلت انه عليه السلم غايب كيف يتصرف وينصب القرائن ( القرينة خ‌ل ) ولو صح ذلك فلم عطل الحدود واجرائها قلت اما اجراء الحدود فيتوقف على ظهوره عليه السلم قائما بالامر وليس الآن اوانه مع ما في اجراء الحدود من الامور الغير اللايقة سيما في دولة الفاسقين والظالمين واما التصرف في اصلاح احوالهم وشئونهم فلا يستلزم ظهوره بحيث يعرفه الرعية بل هو يدبرهم من حيث لا يشعرون ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها ونصب القرينة للفقيه المستوضح لا يلزم المشافهة ابدا اذ قد يكون ( يكون ذلك خ‌ل ) بالعبارة او بالاشارة او بالارشاد او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او بعموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل وما اشبه ذلك ان قلت اذا كان هو المدبر لهم ومسددهم لم يختلفون ولا يوصلهم الى الحق الواقع قلت ان هذا اصلح واسلم للرعية ولو اتفقوا على شيء لاخذ برقابهم كما قال عليه السلم لعبيد بن زرارة بن اعين راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم وان شاء فرق بينها لتسلم ان قلت اذا كان هو المتصرف والمدبر لشؤن الخلق واحوالهم خصوصا الشيعة لم لم يوصلهم الى مقام الحق واليقين ولم يبقيهم في رتبة الظن والتخمين ولا ريب انه صلى الله عليه وآله قادر على ذلك كما في الاجماع ( الاجماعات خ‌ل ) ولا ينافي ذلك الاختلاف مع ان هذا ادخل في اطمينان النفس قلت في زمان دولة الظالمين واجراء الحكم الثانوي لا تجري الامور على نهج واحد وطور غير متعدد سيما اذا كان المطلوب التشبه بهم فانهم اهل الرأي والقياس والظن فاذا حصلت بينهم نوع مشابهة ومناسبة يسلمون من كيدهم وشرهم ويحسبونهم من سنخهم وجنسهم فتبقى كينونتهم ويتمكن بذلك من اجراء الاحكام الواقعية في اغلب الاحوال بخلاف ما اذا كانوا جميعا قاطعين بالامر باردي الفؤاد اذ بذلك ترتفع المناسبة ويحصل الخلل في السد الذي بناه ذو القرنين الحقيقي للسلامة عن شر ياجوج وماجوج وبالجملة فالذي دعاه الى ايقاع الاختلاف هو الذي دعاه الى عدم ايصالهم الى اليقين وشرح ذلك وعلله وذكر ما عسى ان يرد عليه يطول به الكلام ولسنا بصدده الا ان العاقل تكفيه الاشارة وكأني بك تقول ان هذه امور لم يتكلم بها احد من العلماء وتعرض عنه وتنسبه الى الغلط وتستهزئ به ( بي خ‌ل ) واني اقول ( اقول لك خ‌ل ) :

وهب اني اقول الصبح ليل ايعمى الناظرون عن الضياء

ان قلت على هذا ينبغي ان لا يحصل اليقين للفقيه والواقع بخلافه قلت ان الضرورات انما تتقدر بقدرها فاذا حصل نوع مشابهة تكفي ولا يلزم من ذلك ان يكونوا في كل حال كذلك ان قلت فعلي هذا لما وقع الخطاء من احد من اهل الاستنباط مع انكم لا تقولون به بل تجوزون الخطاء وتنكرون على اهل التصويب قلت على ما قررت سابقا يظهر الجواب من ان الحكم على قسمين حكم واقعي وحكم نفس امري اما الاول فيقع فيه الخطاء كثيرا واما الثاني فلا بل ما يهتدي احد الا الى حكمه الظاهري في ذلك الزمان وكل هذه الاحكام الظاهرية النفس الامرية وجوه لذلك الحكم الاولي الواقعي واهل التصويب لا يقولون بذلك بل عندهم ان حكم الله تابع لرأي المجتهد وليس لله سبحانه على الاشياء في الواقع الذي لا يتعدد ولا يختلف حكم وهذا غلط فاحش وكذب واضح والله سبحانه وتعالى اجل من ذلك مع ان هذا قول لا يتصور وبالجملة فاذا استفرغ المجتهد المستوضح وسعه ولم يجد السبيل الا الى ذلك المظنون فيعمل به قطعا ولا يتركه ليكون فاعلا للقبيح بتركه الراجح وفعله المرجوح وليس الامر حينئذ الا مترددا بين الامرين والشبهات الواردة كلها مرتفعة من البين فافهم وكيف يمكن حصر الامر في القطع الواقعي اذن لا فرق بين الظهور والخفاء ولا يستريبه عاقل وقد قال عليه السلم ان الناس ينتفعون به عليه السلم كما ينتفع الناس بالشمس اذا جللها السحاب الم تفرق بين الحالتين اين حالة ظهور الشمس من غير حجاب مشرقة منيرة وانتفاع السفليين بها من حالة الاحتجاب سيما اذا تراكمت السحب بل يخفي نورها ولم يظهر الا قليل والعلم المشوب بالظلمة الغالب عليها جهة النورية والعلمية لا يكون الا الظن فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم وقولي حالة الظهور والخفاء لم ارد به خصوص الغيبة عن ابصار الخلق بل اريد عدم تمكنهم وظهور سلطانهم فهم عليهم السلم في حجب الخفاء مختفون حتى يمكنهم الله في ارضه عجل الله فرجهم ولذا يشار اليهم بالليل في الكتاب المجيد في قوله تعالى والفجر وليال عشر وفسروا عليهم السلم الفجر بالحسين عليه السلم والليالي العشر هم الائمة ( بالائمة خ‌ل ) التسعة من ذرية الحسين ومولينا الحسن عليهم السلم اذ ما قدروا على اظهار الامر واحقاق الحق واثبات الحكم الاولي الواقعي الم تنظر الى قول سيد الساجدين في الصحيفة حتى عاد صفوتك وخلفاءك مغلوبين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا وفرايضك محرفة عن جهات اشراعك وسنن نبيك متروكة الدعاء فاذن لا فرق بين ايامهم سلام الله عليهم وايامه صلوات الله عليه ووصول بعض اهل المدينة والكوفة وما يحاذيها بخدمتهم الشريفة مع هذه الحالة الشديدة التي وصفها عليهم السلم لا يكفي في ايصال الاحكام والشرايع الى جميع المكلفين من اهل المشرق والمغرب لانهم حجة الله على كل الخلق ويجب عليهم نشر الاحكام التكليفية على الكل والا لم تكن الحجة البالغة الا تريهم يحكمون بالحكم الواقعي حاشا وكلا وهو يقول عليه السلم يرون حكمك مبدلا وفرايضك محرفة وانما يحكمون بالحكم الظاهري فاذن كيف يحصل العلم القطعي للمشافهين المشاهدين ان هذا هو حكم الله الواقعي بل قد يكون ما يلقى اليه هو الحكم الظاهري غاية الامر ان تقول انهم حينئذ قاطعون بالتكليف وانا اقول نعم لكنهم ظانون بالحكم الواقعي الاولي مثل هذا الزمان حرفا بحرف فانهم يظنون بالحكم الاولي ويقطعون بالحكم الثانوي الذي اراد الله سبحانه منهم وبين الامام عليه السلم لهم فاذن لا فرق بين يومنا ويومهم الا انا حرمنا من شرف ملاقاة امامنا وسيدنا روحي فداه صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين المعصومين فقولهم ان باب العلم منسد بغيبة الحجة عليه السلم لم اعرف له وجها صحيحا فانك علمت على ما بينت لك ان حكم الزمانين واحد فان كان اهل ذلك الزمان يعملون بالعلم دون الظن فكذلك انتم وان كانوا يعملون بالظن فكذلك انتم فمن جهة مساواتكم في حكم ذلك الزمان وتقرير الائمة عليهم السلم اهل ذلك الزمان على ما هم عليه الذي هو ما انتم عليه فاستبشروا بحقية امركم وان ما انتم عليه هو الذي اريد منكم من قبل الله وقبل الائمة الهداة سلام الله عليهم نعم بقي هنا شيء يمكن ان يحتج به في مقام الفرق فيقال ان اهل ذلك الزمان الذين يمكنهم لقاء امامهم صلى الله عليه اذا اشتبه عليهم امر من امور دينهم مما يتعلق باصولهم او فروعهم كانوا يستعلمون ويستخبرون منه عليه السلم ولو بواسطة او بوسايط وكثيرا ما يسعهم الحضور لكنا نقول وانت ايضا يمكنك ذلك لان مذهبنا دين الله الذي لا يطفى نوره ولا يرتفع عن اهله محفوظ عن كل ما يخدشه اذ لا يكون جهة من جهات العبادات ولا نحو من انحاء النفوس ولا مذهب من مذاهب العقول الا وقد وضع لنا حفظة الشرع عليهم السلم عليه دليلا يبينه من صحة او فساد او امارة توصل الى ما فيه السداد وحجة واضحة موضحة الى سبيل ( لسبيل خ‌ل ) الرشاد وذلك يحصل بالعبادة او بالارشاد او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او عموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل وما اشبه ذلك ولذا ( لهذا خ‌ل ) قال عليه السلم ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة فاذا استفرغ من له اهلية الاستيضاح وسعه في تحصيل معرفة حكم الامام عليه السلم وقع عليه وعرف قوله وحكمه فيه لانه عليه السلم مهما طلب من النحو الذي امر بطلبه منه وجد لانه هو القيم على هذه الفرقة وهم رعيته وعليه تسديدهم كما اشارت اليه النصوص وبراهين هذه المعاني مما يطول به الكلام الا ان فيما تقدم كفاية لاهل الاشارة فان العاقل تكفيه الاشارة والجاهل لا تنفعه الف عبارة

وان اردت ان ازيدك بيانا في هذا الشأن نقول انه قد ثبت بالادلة القطعية الالهية ان التكاليف على مقتضى الكينونات والمكلف به هي صفاتها من حيث مباديها واصولها اذ هي روابط الافاضة واسباب الاغاثة وعلة المقابلة لفوارة النور وقابلية تحقق الظاهر بالظهور وهذا ظاهر واضح معلوم ذكرنا برهانه في كثير من مباحثاتنا وليس المقام مقتضى البسط في الكلام لما في من الضعف المفرط والكينونات على خمسة اقسام احدها كينونة الهية مبدئية نورية التي هي نور صرف ووجود بحت قد انخلعت عن قيد التركيب بانخلاع جميع مقتضياته واحواله وان بقي للتركيب اسم من غير حقيقة ولا رسم وثانيها الكينونة المظلمة الخبيثة المنتنة الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض وهي الكينونة الشيطانية ورتبة المبدئية الظلمانية ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يريها وثالثها الكينونة النورانية التابعة للكينونة الاولى ورابعها الكينونة الظلمانية التابعة للكينونة الثانية وخامسها الكينونة البسيطة الغير المحكومة ظاهرا التي ترجي امرها الى الله ليستنطق اسرارهم ويبلو اخبارهم فيرجع امرها الى احد الامرين فيعود الوجود الى التربيع هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن واما الكينونة الثانية فهي ولت وادبرت وانكرت فخبثت واظلمت وحقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون فبقيت لا تقتضي الا الجحيم ولا تطلب الا العذاب الاليم بل اتيناهم بذكرهم وهم ( فهم خ‌ل ) عن ذكرهم معرضون واما الثالثة فهي الفرع تلحق باصلها يوم الصفو والصحو واما الخامسة فهي بعد ما نضجت بنيتها وما ينعت ثمرتها ولااكملت مداركها فهي فاقدة لشرايط التكليف كالاطفال الذين لم يبلغوا الحلم واما الاولى فهي الاصل والمبدء لحصر القسمة وبطلان الطفرة فهي باب الايجاد ومتمم الاستعداد واما الثانية فهي وان كانت نورا وشعاعا وهو يقتضي الشوب بشيء من الظلمة لتحقق الانية الا انها ما دامت تقابل المنير الذي هي الكينونة الاولى مستنيرة بنورها مستشرقة باشراقها فهي تابعة تجري عليها احكامها فجميع احوالها ومقتضياتها كلها نورانية مصفاة عن الكدورات النفسانية فادنى مداركها العلم الغير المشوب بظلمة الجهل ابدا ليتحقق الظن والوهم والوسوسة والشك فانها تحصل اذا اظلمت المدارك واما اذا صفت فليس هناك ( هناك الا خ‌ل ) العلم الصافي النوراني لصفاء المقابل ونورانيته فليس في ذلك الصقع ظلمة وهم وشك وظن فاذا حصلت احيانا فانها تحترق وتضمحل عند مقابلة النور فلم يبق الا العلم الخالص الناشي منه الدين الخالص الا لله الدين الخالص وهذا هو الحكم الاول وقد عرفت المراد من الاشارة ان الكينونة الاولية هي المعصومون المطهرون والثانية هي شيعتهم لانهم من شعاع انوارهم قالوا عليهم السلم انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا وقالوا ايضا عليهم السلم ان شيعتنا لتنفصل منا كانفصال الاشعة من الشمس وقالوا ايضا ان شيعتنا لاشد اتصالا بنا من اتصال الاشعة بالشمس والذي ذكرنا حال تلقي الشيعة احكام الالهية التكليفية من ائمتهم عليهم السلم اذا كانوا ظاهري الامر نافذي الحكم مطاعين في الوجود فهنا ( فهناك خ‌ل ) ليس الا البصيرة الواضحة والمعرفة الكاملة والقطع البات ورتبة التمكين والثبات فلا سبيل للظن والوهم والشك هناك لاضمحلالها عند انوارهم وانعدامها عند لمعان آثارهم سلام الله عليهم واما اذا حيل بين الشمس واشعتها ويحتجب ( فيحتجب خ‌ل ) نورها عنهم بقدر الحايل وكثافته ولطافته فتستمد الاشعة منها من وراء الحجاب من ذلك الباب لكن النور حينئذ ليس كالاول اذ بقدر احتجاب النور ازدادت الظلمة فتختلط بالنور فحينئذ يخفي الحكم الاول الذي كان بينها وبين الاشعة الا اذا ارتفع الحجاب فتمد الاشعة حينئذ بالنور المشوب بمقتضي منع الحجاب وهو قوله عليه السلم ان الناس ينتفعون منه عليه السلم في غيبته كما ينتفعون من الشمس اذا جللها السحاب ولا شك ان العلم ليس فوقه مرتبة ولا اشرف منه مقام حتى يفرض في المقام الاول فلم يبق في المقام الثاني الا الظن وهو الاغلب الاكثر والشك في بعض الاحوال عند تكافؤ الادلة وتعارض الاحتمالات فيبني على التخيير واما الوهم فانه في صقع آخر غير صقعهما فلا يثبت معهما لا يقال اذن يجب ان لا يحصل القطع لاحد لانا نقول قد يرتفع المانع ويثبت الحكم الاول والا لفسد الكون كما اذا كانت الشمس بقيت محتجبة ابدا واما اذا ارتفع الحجاب قليلا فيقع النور على مرايا القلوب فيتحقق العلم ولا يكون ذلك الا في الاجماعين الضروري والمذهب واما في غيرهما من الاجماعات فمرجعها الى الظن اما الاجماع المركب فظاهر بالنسبة الى كل واحد منهما واما المشهوري والمحصل والسكوتي فكذلك اذ كل منهما قد تنعكس اما في الازمنة البعيدة او الامكنة النائية وهذا دليل عدم الثبات فلو سئلت القاطع بالامر من الاجماع ان هذا هو حكم الله الواقعي الاولي الذي اراد من المكلف لا يمكنه ان يقول نعم لمكان التعاكس والاختلاف حتى من نفسه نعم هو قطع بالحكم الثانوي كما هو شأن ساير الظنون فان مآل الكل الى القطع ولا يعبد الله سبحانه بالظن ابدا فان قلت ان هذا القطع لم لم يوقع ( لم يوقعه خ‌ل ) في الرعية قلت لما سبق من ان الاختلاف هو المطلوب وقد يقتضي احوال شخص واحد وتبعه اختلافات كثيرة من اثبات حكم ونفي ذلك بعينه كما كان يتفق كثيرا في زمان ائمتنا سلام الله عليهم يفتون الشخص بما يوافق المخالفين ثم يرجعونه عن ذلك ثم يأمرونه بالآخر وهكذا لتسلم رقبتهم عن شر طاغية زمانهم وفرعون اوانهم وكذلك في هذه الاوقات والاختلاف في القطعيات اقل بل لا يكاد يجد الا نادرا بخلاف الظن فانه يتطرق فيه ما لا يتطرق في القطع قطعا فايقاع الاختلاف في هذه الحالة امكن مع انه لهم ولشيعتهم اسلم لتحقق المشابهة والمناسبة قال عليه السلم انا لاندخلكم الا فيما يصلحكم ان قلت من اين يثبت لنا من ان الامام عليه السلم امرنا على العمل بالظن قلت ان لم يكفك ما ذكرنا من الحجج الواضحة نقول اتماما للحجة واكمالا للنعمة ان التكليف لا شك انه باق فان السبب الباعث الداعي لارسال الرسل وانزال الكتب وايقاع التكليف هو الآن موجود ولا يمكن تخلف المسبب عن سببه والا لم يكن سببا والمانع ليس مانعا مطلقا بل انما هو مانع للكمال على وجه خاص لا على جميع الجهات فاذا ثبت التكليف لانتظام امور المعاش والمعاد وليس لنا سبيل ظاهري اليه الا بالكتاب والسنة اما الكتاب فمن جهة اشتماله على المحكم والمتشابه والمطلق والمقيد والخاص والعام والتقدير والاضمار والتقديم والتأخير وامثالها لا يفيد القطع به بالمراد كيف وكل اهل ملة وفرقة من هذه الثلث والسبعين فرقة يحتجون به ويستدلون به بل ساير الملل والطوايف ايضا في مقام الالزام والاحتجاج فلو كان الكتاب فيما يحتاجون اليه نصا لم يقع الخلاف فان النص هو الذي لا يحتمل الخلاف في لغة يتحقق التخاطب بها ومع ذلك كله فليس الكتاب جامعا لجميع الاحكام التكليفية التي تنتظم به احوال العباد ظاهرا بل ليس فيه الا قليل من ذلك وهو ايضا كله عمومات واطلاقات واجمالات ( احتمالات خ‌ل ) يحتاج الى البيان التام ولا يوجد فيه ظاهرا بحيث يتناوله ايدي العوام دون ائمة الانام عليهم سلام الله الملك العلام فلو اقتصر على الكتاب لما يثبت شيء من الاحكام التفصيلية بوجه من الوجوه ولو جوزنا العمل بالظن واما في صورة المنع فيجب الاعتزال عن القرآن وعن الانتفاع به كما فعلوا واما السنة فتشتمل على ما يشتمل عليه الكتاب من قواطع القطع وزيادة ورودها في اغلب الموارد ومورد التقية ووضع اهل الخلاف احاديث كثيرة لتناقض دين الحق ودسهم مفترياتهم في اخبارنا وتكلمهم سلام الله عليهم وارادتهم احد سبعين وجها واختلاف الروات واختلاف العلماء فيهم وتعارض الاخبار وامثال ذلك من الامور التي لا يشك عاقل عدم تحقق القطع معها واما المتواترات المعنوية فليست الا قليلة لا تكفي لاثبات حكم من الاحكام بجميع وجوهه وكذلك المحفوف بقراين القطع كما يظهر للعارف المتتبع في الاخبار كيف يحصل قرائن القطع في كل المواضع وهو عليه السلم يقول اني لا تكلم بكلمة واريد منها احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج والقول بان اهل الشرع عليهم السلم يضعون قرينة ان اريد بها قرينة القطع مطلقا فممنوع لعدم تحققها في اغلب المواضع واكثرها لما ذكرنا من السر الحقيقي وعدم وجداننا ذلك مع سلوكنا سبيل الرب ذللا واعتراف جمع كثير وجم غفير من العلماء الاخيار والفقهاء الابرار الذين يشقون الشعر بدقة علومهم وافهامهم ولا يشك احد في ورعهم واجتهادهم وتبحرهم في العلوم ومعرفتهم بمواضع القراين كالعلامة والشهيدين والمفيد والشيخ الطوسي والمقدس الاردبيلي وغيرهم ما لا يحصي عددهم الا الله واغلبهم كانوا مؤيدين بنور الله فلو كان الامام عليه السلم يوصل احدا الى القطع في كل المسائل باعتبار القراين لكانوا اولى الناس بها ولم نجد في الذين يدعون القطع من الاخبار من الذكاء والفهم والتورع والاقبال بازيد واكثر مما شاهدنا فيهم بل ولا نسبة بينهم ذلك بوجه من الوجوه وكلهم رحمهم الله بذلوا مجهودهم واستفرغوا وسعهم في استنباط الاحكام ولم يصلوا الى مقام القطع فاضطروا الى العمل بالظن فلو كان طريق الى القطع وهم ما سلكوه واقتصروا على الظن لكانوا فساقا حاشاهم عن ذلك وهم اجل واعلى من هذه النسبة وايصال الامام عليه السلم بعضهم اليه دون بعض مع ان الكل رعيته وغنمه وعليه تسديدهم من دون مرجح لا يناسب رتبة الامامة والولاية اذ المرجح اما دقة النظر او العمل والعبادة والاقبال الى الله سبحانه او اجتماع القلب والمجموع في المدعين ليس بازيد عن غيرهم لو لم ننف كلها منهم اذ آثارهم واعمالهم واقوالهم شاهد صدق على حالهم والحاصل لا ينبغي الشك في ذلك ودعوى قطعية الكتب الاربعة من حيث الصدور باطلة اذ ما ذكروا من شهادة المشايخ الثلثة على صحة الاخبار المذكورة في كتبهم لا يدل على قطعيتها اذ الشهادة انما تقبل اذا ماتعارض الشهود بعضهم مع بعض مع ان كل واحد في كتابهم يطعن على الآخر وليس عندي الآن احد من هذه الكتب حتى ابين ذلك لك واحققه وايضا انهم انما قالوا ذلك لا من جهة انهم راون وسامعون من الامام مشافهة بل انما ذلك من جهة اجتهادهم واستفراغ وسعهم وما ثبت لهم ليس حجة عامة لغيرهم ولذا ساغ لاحدهم مخالفة الآخر مع ان قول الصدوق (ره) في الفقيه اني لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي انتهى لا يدل على انه قاطع من جهة وروده عن المعصوم عليه السلم بالقطع الاولي لعل مراده القطع الثانوي كما هو الآن دأب المجتهدين فان كلما يذكرون في كتبهم الاستدلالية او في فتاويهم يقطعون بصحته ويحكمون عليه ويعتقدون فيه انه حجة بينهم وبين ربهم ولا يشكون فيه ابدا بل الظاهر ان مراده هو الذي ذكرنا فانه يعتمد في استدلالاته على امور عجيبة مثل ما قال في كتاب محمد بن احمد بن يحيى العطار ما معناه انه قد اخرج شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ثلثين رجلا من رواته لم يعمل بما تفردوا به من الرواية وعدهم ثم قال وكلما لم يصححه شيخنا ليس بصحيح فلا يجوز العمل بما تفردوا به ثم ذكر في الفقيه في باب الطهارة صحة الطهارة بماء الورد مستندا الى رواية محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن وقد عدهم من الثلثين الذين لم يجوز العمل بما تفردوا به مع مخالفتها للمشهور وعمل الاصحاب على خلافه ومعارضته مع الروايات الاخر فظهر ان مراده ايضا هو مراد المجتهدين فيما يقولون الا انه (ره) كان لا يتعدى عن الاخبار ولا يعمل بمطلق الظن كما هو الحق الصواب ولا يدل شهادته على صحة ( بصحة خ‌ل ) ورود هذه الاخبار عن الائمة الاطهار سلام الله عليهم وليس ما صح عند فقيه حجة على الفقيه الآخر بل يجب على الكل النظر لعل ما يعتمد ذلك الفقيه ويجعله دليلا لم يعتمد عليه الآخر كما انا ما اعتمدنا على كلية ما ادعاه الشيخ الصدوق (ره) محمد بن الحسن بن الوليد تبعا للصفار بل فيهم ثقات معتمد عليهم مثل محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني واغلب ما تمسكوا به من الحجج في تضعيف الثلثين امور ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليه لكنهم اعتمدوا اذ لم يجدوا غيرها وبخل الصدوق ان يعتمد على شيخه تقليدا او شيخه وهو من ثقات اصحابنا يعتمد على شيخه كذلك او ان شيخه محمد بن الحسن الصفار يقول من غير حجة الا ان المدارك مختلفة والله عند ظن كل امرء فلا يكون ما ثبت عند فقيه اذا لم يكن اجماعيا على التفصيل الذي نذكر ان شاء الله حجة على فقيه آخر ولذا ترانا نمنع حجية الاجماع المنقول اذا كان عن محصل خاص ولذا قال عليه السلم فما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له انتهى نعم اذا رووا مشافهة وهم ثقات نعتمد عليه بخلاف ما اذا رووا عن رواة اخر ولذا نقول ان الحق الحقيق بالتحقيق والتصديق ان التوثيق في الرجال ليس من باب الشهادة وانما هو من باب الظنون الاجتهادية مع ان الرواية اقرب الى الصواب من الشهادة وليس الآن موضع تحقيق هذه المسئلة وبالجملة ليس لقطعية الاخبار الموجودة في الكتب الاربعة دليل يعتمد عليه ويركن لديه بل كلها تمويهات يضيع العمر بالاشتغال بها مع انه لو فرض قطعية صدور ما فيها لا تضر ما نحن بصدد بيانه من الظن بالحكم المستفاد من الخبر فان استفادة الاحكام ليست من الالفاظ بل من الدلالة غاية ما في الباب سبيلها سبيل المتواتر اللفظي والقرآن وهما لا يفيدان في اغلب المواد الا الظن وليست الاخبار التي يستنبط منها الفقيه محصورة في الكتب الاربعة بل كل خبر اذا استجمعت شرايطه يجب العمل عليه والحاصل ان الاخبار لا تفيد اكثرها واغلبها الا الظن واما الاجماع فالضروري منه لا يكفي وباقي الاجماعات قد انكروا تحققها سيما في هذه الازمنة وقالوا ان الاجماع في هذه الازمان لا يوجد الا منقولا ولو سلم تحققه فانما هو قليل قليل فان قلته وندرته صارت علة لانكار طايفة تحققه في هذه الاوقات فلا يكفي لاستنباط الاحكام التي يحتاج اليها الانام واما العقل فانه لا يصح استقلاله في تأسيس الاحكام اتفاقا اما في ترجيحها فلا بد من مستند وليس الا الكتاب والسنة والاجماع وقد عرفت الكلام فيها وسيأتي الكلام ان شاء الله في دليل العقل مشروحا

فاذا كان هذا حال الادلة التي بين ايدينا وهي الوصلة والطريق الى حكم الله سبحانه ولا يحصل منها الا الظن فلو اقتصر على ما يقطع به منها لما حصلنا المكلف به على ما يتم به النظام وتكمل به المعيشة مع انا مكلفون بهذا المقدار قطعا فيجب على الامام عليه السلم لو لم يرض منا بما نعرفه من هذه الامور الاربعة وما يظهر لنا منها ان يقيم لنا علما هاديا ومنارا يوصلنا الى مقام القطع واليقين فان هذا لطف واجب وهو قادر عليه ولا يجوز الاخلال باللطف والواجب سيما من الامام عليه السلم فحيث لم يفعل وخلانا على هذه الحالة علمنا قطعا ان هذا هو الذي يريد منا ولم يجعلنا في ظلمة عمياء ودهمة بكماء وكيف وقد قال مولينا وامامنا ابو عبد الله عليه السلم ان الله لا يخلي الارض من حجة ولولا ذلك لم يعرف الحلال من الحرام فابان ان وجود الحجة لتعريف الحلال والحرام فلو لم يعرف لم تظهر الثمرة ودعوى عدم التمكن باطلة اذ منشأها الجهل بمقتضى الامامة وسلطان حكم الولاية مع عدم لزوم الالجاء والجبر فافهم فظهر لك مما بينا انا من امثال هذه المذكورات عرفنا ان الامام عليه السلم اقرنا على العمل بالظن فافهم ان كنت تفهم ولا تكذب بما لم تحط به علما فتدخل في قوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمايأتهم تأويله

ومن الادلة التي جعلها الله سبحانه للخلق الاجماع وهو اتفاق جماعة احدهم المعصوم عليه السلم قطعا غير معلوم بعينه على امر من الامور وقولنا غير معلوم ليخرج حال التقية لانه ان ( اذا خ‌ل ) علم بعينه كان قوله عليه السلم خبرا ولم يكن اجماع اذ لا عبرة بالاتفاق ما لم يكن هو عليه السلم احد المتفقين واما قوله منفردا فهو خبر يحتمل ارادة السبعين ايقاعا للاختلاف فلا يحصل اليقين بالمراد كما قال عليه السلم على ما رواه في معاني الاخبار انتم افقه الناس ما عرفتم معنى كلامنا انا لنتكلم بالكلمة ولها سبعون وجها ان شئت اخذت هذا وان شئت اخذت هذا وامثال ذلك كثيرة فلا يحصل القطع الذي هو مؤدي الاجماع ومقتضاه فلم يثبت وبالجملة فالعبرة في تحقق الاجماع هو القطع بدخول قول المعصوم عليه السلم لا اتفاق الطائفة ولا اتفاق اهل الحل والعقد ولا يعتبر فيه العدد ولا الكثرة فلو حصل هذا القطع في اقوال طائفة ولو كانوا ثلثة بل واثنين يتحقق الاجماع والذي يدعي انه منا وذهب الى ان العبرة فيه هو نفس اجتماع الامة لا لدخول ( لاجل دخول خ‌ل ) قول المعصوم عليه السلم اثباتا لشرافتهم وجلالة امرهم وان الحق يدور معهم لقوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس فذلك من لطخ اصابه من اهل الباطل في عالم الاظلة وجهل بموقع الاجماع اذ لا شرافة للامة ( في الامة خ‌ل ) الم تر انهم كلهم بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وآله ارتدوا على اعقابهم وما بقي منهم الا اربعة وكيف تعتبر اجتماعهم مع ان الامة افترقت بثلثة وسبعين فرقة كلهم من اهل النار الا فرقة واحدة فقوله عليه السلم لا تجتمع امتي على خطاء ان اريد مدلول اللفظ فهو مناقض لقوله صلى الله عليه وآله ستفترق امتي الخ وان اريد المجموع من حيث المجموع بحيث لا يشذ منهم احد لم يتحقق الاجماع الا في ضروري الاسلام وهو خلاف المعروف من الحديث بل يريد بالامة امة الاجابة في حال اتصافهم بهذه الصفة وهذه الصفة لا يتحقق الا اذا كانوا مصيبين وعلى الحق فالمخطي من حيث هو كذلك في حال الخطاء ليس بامة النبي صلى الله عليه وآله لان الباطل ليس منه ولا اليه فلا ينتسب اليه فالموصوف به من حيث تلك الصفة لم ينتسب اليه صلى الله عليه وآله فلم يكن حينئذ امة ولذا قالوا عليهم السلم لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن وهكذا فاذا اجتمعت طائفة على شيء لا بد اولا من معرفة انهم في هذه الحالة موصوفون بتلك الصفة منتسبين اليه صلى الله عليه وآله ام لا فاذا تحققت الصفة نحكم بالاصابة وتلك الصفة لا تتحقق الا اذا علمنا موافقة من لا يعصي ولا يخطي معهم ودخول قوله مع قولهم فاذن تتحقق الصفة ونحكم بالاصابة فالحديث الشريف لمن يفهم ويعقل ينادي باعلى صوته دخول قول المعصوم عليه السلم في المجمعين وهذا الذي ذكرنا مبني على الاحاديث الدالة ان بالمعصية والباطل يخرج روح الايمان فلا يكون الرجل مؤمنا في تلك الحالة فاذا عاد الى الحق والصواب تعود اليه روح الايمان وبيان هذه المسئلة وبرهانها يحتاج الى ذكر مقدمات يطول بها الكلام وليس هنا موضع استقصائه وبالجملة لا فائدة في هذه الاقوال اذ ما استقر عليه مذهب الفرقة المحقة ممن يقول بالاجماع هو اعتبار دخول قول المعصوم عليه السلم فاذا صح هذا وقطع به وتحقق العلم بدخول قول المعصوم عليه السلم لا شك في حجيته وعمومها ولا يحتاج ذلك الى برهان ولا يتوقف على بيان اذ لا شك ان المعصوم حجة وقوله حجة والناس مكلفون بما يعرفون ويعقلون فاذا علم ان هذا هو مراده عليه السلم فيجب العمل عليه ان كان مما يتعلق بامر او نهي فالاجماع بجميع اقسامه من الضروري والمذهب والمركب والمشهوري والمحصل الخاص والسكوتي حجة لما ذكرنا والتوقف في الاجماع السكوتي مع القطع بكون الامام عليه السلم من الساكتين وهو قد اقر عليه لا معنى له فمن لم يحصل له هذا القطع فليس بحجة عليه ودعوى ان هذا لا يمكن غلط لبداهة عدم امتناعه ودعوى انه لا يوجد فكما استشكلوا في تحقق ساير الاجماعات في الازمنة النائية عن زمان المعصوم عليه السلم مثل زماننا وما يقاربه وما بعده وسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى واما الاجماع المنقول عن الاجماع المركب او المحقق العام بالخبر المتواتر فلا شك في حجيته لانه بمنزلة الخبر الصحيح المتواتر والفارق مكابر واما المنقول بخبر الواحد فمبني على القول بحجية الخبر الواحد ودعوى انها مبنية على حجية ( على القول بحجية خ‌ل ) مطلق الظن او الظن المخصوص وعلى ( فعلى خ‌ل ) الاول حجة وعلى الثاني لا ليست بصحيحة فان الاجماع المنقول يزيد على الخبر الواحد بقلة الوسايط وهي من المرجحات القوية فكيف لا يساوي الخبر الصحيح كما ذكرنا في ( في ساير خ‌ل ) رسايلنا نعم المنقول عن المحقق الخاص يشكل اعتباره وحجيته بل الرجحان لجانب العدم فان تحصيله ليس عاما بحيث اذا نظر الفقيه عرف كالمحصل العام بل انما يخص لمن حصله لحصول الدليل القاطع بدخول قول المعصوم عليه السلم له في جملة قول القائلين ولا يحصل ذلك الدليل للناقل والا لم يكن ناقلا بل محصلا ولا لمن نقل اليه والا لكان اعتماده واستناده على من حصل لا الى الاجماع المنقول فلا يكون حجة لغير المحصل بالكسر وان كان مقويا اذ لو اطلع الغير على دليله الذي قطع به ربما لا يرى فيه دلالة ولا يحصل له القطع وما هذا شأنه لا يكون حجة في حقه ولذا قال مولينا الكاظم عليه السلم على ما رواه صاحب البحار فما لم يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له وكذلك الامر يشكل في الاجماع المشهوري ايضا فانهم كثيرا ما يطلقون الاجماع على الشهرة تقوية للاحتجاج وقال الشهيد في الذكرى الحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فان ارادوا في الاجماع فممنوع وان ارادوا في الحجة فقريب انتهى وحكى ان ظاهر البعض اطلاق الاجماع على الشهرة محتجين بقوة الظن في جانب الشهرة فيكون ذلك امارة دخول قول المعصوم عليه السلم فيها سواء كانت في الرواية او في الفتوى والحق انها ليست باجماع ولا حجة اما الاول فلان الاجماع عندنا هو الكاشف عن قول المعصوم عليه السلم على جهة القطع واليقين وهنا ليس كذلك والا لكان اجماعا يفيد القطع لا شهرة تفيد الظن واما الثاني فلان الظن لا يغني من الحق شيئا وانما جوزنا العمل بالاخبار الآحاد لكونها مستندة الى القطع الذي هو السنة وليس هنا اصلا قطعيا لتستند الشهرة اليه فلا تكون حجة مع ورود ورب مشهور ولا اصل له ورب للتكثير لا للتقليل كما لا يخفي ولو انكشف لك السر في بعض المشهورات لصدقت بقول الامام عليه السلم وعلمت ان لا حجية في الشهرة من حيث هي هي وقوله عليه السلم خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه بعد الاغماض عما قالوا فيه من النقض والابرام نقول ان ظاهر تعليله عليه السلم يدل على ان المراد هي الشهرة التي تكون اجماعا كاشفا عن قول المعصوم ( الامام خ‌ل ) عليه السلم بقرينة رب مشهور ولا اصل له فان الكلام فيما خالف الاصل اذا كان بالاحتمال وقع موقع الاجمال يحمل على القدر المتيقن فان المعروف من مذهبه عليه السلم ان العمل بالظن حرام وقبيح لتواتر الاخبار في ذلك معنى بمعونة الكتاب ودلالة العقل ولا ينكر ذلك الا من ليس له تتبع في الاخبار وما جاس خلال تلك الديار فلو انه تتبع يرى الامر واضحا كالشمس في رابعة النهار والذي ذكرنا سابقا من صحة العمل بالظن وحجيته فانما هو لرجوعه الى القطع لا مطلقا لا يقال ان الاحتمال المحض لا يبطل به الاستدلال واحتمال ارادة الاجماع لا يكفي لاجمال اللفظ لانا نقول ان الاحتمال المساوي قائم لو لم نقل انه الراجح بملاحظة التعليل بقوله عليه السلم فان المجمع عليه لا ريب فيه وقوله ورب مشهور ولا اصل له وما نرى في اكثر المشهورات من عدم الثبات ولا يقال ان مراد السائل هو تحصيل مراد الامام عليه السلم من الاخبار المتعارضة فلو تيقن بقوله عليه السلم من الاجماع لم يحتج الى السؤال ولم يبق في الحيرة فلا يكون تلك الشهرة كاشفة على جهة القطع اذ لا فائدة في الجواب حينئذ لانا نقول لا يلزم ان يطلع السائل بجميع الجهات التي يقطع بها بمراد المعصوم عليه السلم فاسس له عليه السلم بقوله هذا اصلا كليا الهيا لاستكشاف قوله عليه السلم في زمان الحيرة وبيان ذلك يطول به الكلام ونحن اذ اعتمدنا على الشهرة وجعلناها اجماعا هو ما عرفنا من ارشاده عليه السلم في هذا الحديث وما يشابهه وليس اعتمادنا على الشهرة من حيث هي هي فانه لا حجية فيها فان نقل الاجماع عن المشهوري فان علم انه من المشهوري الذي هو الحجة بحيث علم من الدليل الذي نصبه الامام عليه السلم لاهل الاستيضاح والاستنباط ان قوله عليه السلم داخل في المجمعين فهذا حجة على ما يظهر من كلام بعض الاعلام لكونه بمنزلة الخبر الصحيح لان تحصيله عام فلا يخص كالمحصل الخاص لكني بعد ما ظهر لي وجهه وان كان ارجح واوسع من المحصل ( المحصل الخاص خ‌ل ) في المرجحية والحجية ايضا ان سلم عن المعارض مطلقا وان علم ان المراد به الشهرة من حيث هي هي فكما عرفت من عدم الحجية وان لم يعلم ذلك فالاعتماد عليه مشكل بحمله على المشهوري الذي هو اجماع حقيقة فان اطلاق الاجماع على المشهوري غير عزيز عندهم فلا تغفل وان قالوا ان الظاهر انه من العام كما يظهر من عبارات الفقهاء رضوان الله عليهم وكذلك الامر يشكل في المنقول عن الاجماع السكوتي على فرض حجيته فانه يستدعي الاطلاع على اقوال الفقهاء ممن يقدر عليه ويسعه بعد استفراغ وسعه والا فلا يتحقق وخروج معلوم النسب يضر في هذا الاجماع بخلاف غيره وليس ما في عباراتهم من دعوى الاتفاق صريحا في اتفاق الكل اذ كما يحتمل انه ما اعتني بقول المخالف يحتمل ايضا انه ما عثر عليه وما استفرغ وسعه على ما ينبغي اذ كثيرا ما يعتمدون على نقل الوفاق وهو يحتمل ان لا يرى الناقل المدعي المخالف مما يعتبر قوله فيدعي وربما لو اطلع عليه فقيه آخر اعتبره واعتمد عليه اذ مدارك الافهام ليست على طريقة واحدة واقتضاء الكينونات على طرق غير متعددة بل الامام عليه السلم له مع كل ولي اذن سامعة يدبره حيث ما اراه الله سبحانه من احكامه التكليفية من حكم الاتفاق والاختلاف فلا تعتبر الا بما ييسر لك راعيك وما يترجح لك عندك فلا تعتبر بقول احد الا بعد التفتيش وليس هذا طعن في عدالتهم او في نقلهم حاشاهم عن ذلك بل لما قلت لك ان في دولة الباطل ليست الامور على طور واحد فان الاحوال تختلف باختلاف الليل والنهار بالنسبة الى المجموع والى الشخص الواحد ايضا والتكاليف تدور على مقتضى تلك الاحوال والاوضاع والعالم بحقيقة هذه الاختلافات ومقتضى هذه الاقتضاءات الذي اشهده الله خلق الارضين والسموات يجريهم على حسب تكاليفهم في تلك الاحوال فمن طلب منه واتكل عليه في فهم الاحكام بمستوضحات الكلام عرفه ما يقتضي حاله والقراين التي تدل على المراد المطلوب منه فانه الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين لا يفقدهم وارشاداتهم وهدايتهم من طلبهم قال امير المؤمنين عليه السلم على ما رواه في الكافي المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون نهجهم فعند ذلك هجم ( يهجم خ‌ل ) بهم العلم على حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى واوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم والخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلى فعلماؤهم واتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل طوبي لهم على صبرهم على دينهم حال هدنتهم ويا شوقاه الى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم وسيجمعنا الله واياهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم انتهى كلامه الشريف وفيه عن ضريس الكناسي قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول وعنده اناس من اصحابه عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا ائمة ويصفون ان طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون انفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا ويعيبون ذلك على من اعطاه برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا اترون ان الله تبارك وتعالى افترض طاعة اوليائه على عباده ثم يخفي عنهم اخبار السموات والارض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم الحديث وانما ذكرت الحديثين لغاية عندي فان ادركتها فقد فزت بالنصيب من المعلي والرقيب وبالجملة فالمنقول عن الاجماع السكوتي فان علم انه وقع عن كمال التفتيش كان حجة لكن فيه احتمال عدم الاستقصاء كما عرفت ولاجل ما ذكرنا ترانا نقول ان الاعتماد على الاجماع المنقول لا بد من الاطلاع الابتدائي فيحكم عليه على ما يظهر للفقيه والا فلو وجد دليل ( دليلا خ‌ل ) على خلافه يعدل عنه اليه كما ترى الفقهاء فانهم يحكمون في مقابلة الاجماع المنقول وليس هذا طعن في الناقل بل لما قلنا من احد الامور المذكورة فافهم ولبسط المقال مقام آخر واما تحقق الاجماع في الازمنة النائية عن زمان المعصوم عليه السلم فلا شك فيه ولا ريب يعتريه وانكار بعضهم لا يعبؤ به الا ان ينكروه رأسا كالاخباريين والا فالقول باثباته في زمان المعصوم عليه السلم وانكاره في هذه الازمنة فبعيد عن الصواب لما بينا انه لا فرق بين الزمانين والآن ايضا زمان المعصوم يتصرف في رعيته وشيعته كما اراد الله فان اقتضى الامر ان يوقع بينهم الاتفاق على سبيل الاطلاق ليكون ضروري الدين او المذهب فعل او يجعلهم طائفتين بحصر الحق فيهما ليكون الاجماع المركب فعل او يجعل قوله اما الواقعي او الظاهري في الاكثر الاغلب ويجعل خلافه في الشاذ النادر لئلا يرتفع الحق من اهله اما الواقعي او الظاهري الثانوي ليكون الاجماع المشهوري فعل او يجعل قوله احد الامرين في طائفة ويرشد البعض اليه بقراين وامارات قطعية فمن جرى تكليفه بذلك دون الآخرين ليكون الاجماع محصلا فعل او يسكت عن حكم ويقرره قال عليه السلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر باشياء ونهي عن اشياء وسكت عن اشياء ولم يكن سكوته عنها جهلا فاسكتوا عما سكت الله وابهموا ما ابهمه الله انتهى ليكون الاجماع سكوتيا فعل وقد فوض اليه امر غنمه وانعامه يدبرهم حيث ما اراد الله فعلى هذا لا يلزم ما الزموا ولا يرد ما اوردوا من الاطلاع على اقوال كل الفقهاء والعلماء ممن في مشرق الارض ومغربها اذ ليس هذا الاجماع من مذهب الشيعة بل الذي عندهم ومناط تحقق اجماعهم هو العلم بدخول قول الحجة المعصوم عليه السلم وان وجد مخالف وتحقق معارض فان ذلك لا يعتني به وهذا القطع انما يحصل بالقراين والامارات وملاحظة الاحوال والاصول الكلية المعصومية وغير ذلك من القراين الحالية والمقالية فاذا حصل القطع تحقق الاجماع ولا يلزم من ذلك الاحاطة والاطلاع التام الكلي فانه مذهب مخالفينا وهذا مثل قطعك ببعض الاحكام والاحوال والاعتقادات مع وجود المخالف وليس الا بالقراين وملاحظة الامور وقد يحصل القطع بالقول الواحد المحفوف بالقراين فكيف بالاقوال الكثيرة اذا ضمت اليها القراين والارشادات التي ينصبها صاحب الامر صلوات الله عليه نعم في الاجماع السكوتي لا بد من الاتفاق اذ بمخالفة واحد ولو معلوم النسب يبطل حكم هذا الاجماع لكن هذا الاطلاع لا يجب ان يكون كليا اذ ليس الشخص الجزئي شأنه الاحاطة بالكلي وليس مكلفا به بل الواجب عليه في تحقق هذا الاجماع استفراغ الوسع وبذل الجهد في الاستطلاع فاذا بلغ غاية مجهوده لا يكلف بازيد من ذلك فيجد ولي الله عند تمام جهده فيوفيه حسابه والله سريع الحساب فافهم مقالتي ولا تنكرها اذ لم تحط به علما ليشملك قوله تعالى واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فظهر لك مما بيننا تحقق الاجماع في امثال زماننا هذا ولا يسعني الآن ذكر جميع ما يتعلق بهذا المقام مما نعرف والايرادات التي ذكروها ( ذكرها القوم خ‌ل ) والرد والقبول الا ان فيما ذكرت كفاية للمسترشد المستوضح الفطن اللبيب وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر

ومن الادلة المثبتة للحكم الالهي دليل العقل وهو التمييز والفهم الذي جعله الله في الانسان وجعله مدار التكليف ومناطه به يتميز بين الحق والباطل والحسن والقبح والجيد والردي وامثال ذلك وهذا التميز له مراتب احدها ما يحصل بالفؤاد وهو اعلى مشاعر الانسان وليس فوقها مشعر والادراكات والمشاعر كلها تنتهي اليه وذلك يدرك حقايق الاشياء واعيان الموجودات على ما هو عليه في الواقع وهو مقر المعرفة ومحل المحبة قال مولينا الصادق عليه السلم واذا انجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب ودليل هذه المرتبة دليل الحكمة من الادلة الثلثة التي قال الله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وثانيها ما يحصل بالقلب وهو وجه الفؤاد ومحل المعاني ومقر اليقين ومسكن الرجا كما قال مولينا عليه السلم واذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل ومن تمكن من رؤية الفضل رجا ومن رجا طلب ومن طلب وجد وذلك يدرك الكليات والمعاني على جهة اليقين الذي لا يختلجه الشك ودليل هذه المرتبة دليل الموعظة الحسنة وثالثها ما يحصل بالصدر وهو باب القلب وقشره وظاهره قال الله تعالى وانما تعمى القلوب التي في الصدور وهو محل الصور ومقر العلم ومسكن الخوف كما قال عليه السلم اذا تحقق العلم في الصدر خاف الحديث وقال الله تبارك وتعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وقال سيد الساجدين عليه السلم لا علم الا خشيتك ولا الحكم الا الايمان بك ليس لمن لم يخشك علم ولا لمن لم يؤمن بك حكم الدعاء وهو يدرك الصور الشخصية والاشباح المنفصلة الجزئية ودليله المجادلة بالتي هي احسن وكل مراتب التميز والادراك في اي عالم كان ينتهي الى هذه المراتب الثلثة ولما كان كل حق له باطل يقابله والا لم يكن حقا كان لكل مرتبة من هذه المراتب الثلث ضد ظلماني ولما كان الانسان مركبا من الضدين في كل المراتب الثلثة وكل ضد يميل الى اصله ومبدئه فان مبدء النور في اعلى عليين ومبدء الظلمة في اسفل السافلين وكل الانوار والظلمات المنبثة في العالم منتسبة الى هذين الاصلين الاصيلين كان للانسان في هذه المراتب نظران نظر الى اعلى عليين ونظر الى اسفل السافلين فاذا نظر الى الاعلى يشرق عليه الانوار الالهية فيستنير قلبه بنور المعرفة والعلم واليقين واذا نظر الى الاسفل تصعد اليه الادخنة الظلمانية من البحر العجاج المستجن فيه الحرارة الجحيمية فيسود قلبه ويظلم بكدورات الجحود والشك والوهم والوسوسة والظن وامثال ذلك وقد يشتبه عليه النظران لعدم استقلاله في احد الطرفين لتماثلهما فان الظل على مثال الاصل والبول الصافي كالماء الصافي فيما يترتب عليهما من هذه الحيثية وهو قول امير المؤمنين عليه السلم لو خلص الحق لم يخف على ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على اوليائه ونجا من سبقت لهم من الله الحسنى انتهى فاذا كان للانسان هذان النظران نظر من الجهة الاعلى ونظر من الجهة السفلى او من اليمين او من الشمال فاذا نظر الى شيء وحكم عليه لا بد ان يعرف انه من اي النظرين لحكم المشابهة والمماثلة في الصورة الظاهرية اذ المفروض انه ينظر بكلا النظرين ودليل النظرين صدور الطاعة والمعصية منه وما استقل في احدهما مع ان ذلك ايضا لا بد من المعرفة حتى يستقل ولا يعرف ذلك من نحو العقل فيدور او يتسلسل فيجب ان يكون من خارج العقل وهو احد الامرين الاول مطابقته مع ساير العقول السليمة الخالية عن الشبهة والعناد والعصبية ويعلم هذا بامور منها عرضه على الباقي على الفطرة الغير المغيرة بعادة من العادات علمية كانت ام غيرها وهو ظاهر ومنها عرض المقدمات قبل العلم بالنتيجة فان كثيرا من الناس ينكرون المقدمات وان علموا انها حقة لما يلزم عليها من اثبات النتيجة الم تنظر الى المخالفين انهم مع انهم يعلمون ويقطعون بل هم في كتبهم الاخلاقية كتبوا ويكتبون ان التنزه من الارجاس والذنوب والمعاصي ( المعاصي شيء خ‌ل ) ممكن وهو من اعظم الكمالات فبقدر التنزه يحصل لهم القرب الى الله فيفاض عليهم من الانوار الالهية والعلوم الربانية والالهامات ما لم يخطر على قلب بشر ولا يشك ( لا شك خ‌ل ) ان المتصف به يفوق كل الفضايل والمزايا ولا يشكون في هذا اصلا لكن اذا قلت لهم فيجب ان يكون الامام عليه السلم كذلك لانه الرئيس على الكل واقرب الخلق الى الله سبحانه والا لم يكن رئيسا ويجب ان يكون عنده من العلوم التي تكفي كل رعية من اهل الشرق والغرب وهو لا بد ان يكون من الله سبحانه ومقام القرب لا يحصل الا بالمناسبة مع الظهورات الفعلية وتلك المناسبة لا تكون الا اذا ترك الانية وهو يستلزم ترك كل المعاصي المستلزم للعصمة ينكر ويمنع لما يلزم عليهم على تسليم هذه المقدمة من نفي رؤساهم عن الخلافة حتى انهم نسبوا كل انبياء الله الى المعصية وفعل القبيح وجعلوا اولياء الله اولياء الشيطان للتمويه على عوامهم وضعفائهم فاذا نظر العاقل يقطع بديهة ان هذا من جهة العناد لانه يقر بالمقدمة حين ذهوله عن النتيجة وامثال ذلك كثيرا ولو ذكرنا بعضها يطول علينا الكلام وان لم تخل من الفائدة الا ان العاقل تكفيه الاشارة وهذا العقل الموافق للعقول السليمة يقال له العقل الضروري وبه يعرف الله سبحانه بانه موجود وانه عالم وانه حي وانه سميع بصير وتعرف نبوة الانبياء ووصاية الاوصياء اذا ادعوا واظهروا المعجز المقرون بالتحدي لا مطلقا فانه يشتبه بالسحر وامثال ذلك من الامور الضرورية ومما ذكرنا لك عرفت ان في العقل الضروري لا يجب تطابق الكل بل العقول الغير المسبوقة بالشبهة ويعلم ذلك بما ذكرنا وامثاله فان كذب الكاذب يعرف من فلتات لسانه واضطراب جنانه لانه اما معاند او مسبوق بالشبهة ولهؤلاء وامثالهم قد لا يحصل العلم بالتواتر وذلك لتمكن الشيطان في قلوبهم فهم لا يعقلون والثاني مطابقته بالكتاب والسنة فان كان بالكتاب المجمع على تأويله او سنة عن النبي صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها فهو ايضا من الضروري فيجب اتباعه ولا يسع احدا من المسلمين ممن يعقل انكاره وان لم يكن كك بل استند الى تلويحات الكتاب والسنة واشاراتهما ولطايفهما وحقايقهما والوجوه المخفية على عامة الناس من الوجوه السبعين او روايات مختلفة عرف بالقراين حقية بعضها دون الآخر وقطع بالمراد قطعا اوليا في الاعتقادات ومعرفة حقايق الاشياء او قطعا ثانويا في الاحكام الشرعية فيكون ذلك العقل متبعا وحجة ويسع فيه الاختلاف ويمكن للذي ماظهر له الذي ظهر لغيره من القراين والاحوال رده وعدم قبوله الا انه حجة الهية له خاصة ولتابعيه اذا كان في الاحكام التكليفية فان لم يطابق نظر العقل فيما يعرف وينظر باحد الامرين المذكورين فهو الرأي والاستحسان والهوى ومنه القياس الذي امرونا بالتجنب عنها والاعراض عنها ولا واسطة بين الامرين فعلي ما ذكرنا وشرحنا اندفع الدور المورود فان الكتاب والسنة نفسهما ومبديهما وحافظهما يثبت بالاول وما سواها اذا لم يكن ضروريا يثبت بالثاني يعني يكون الكتاب والسنة كل واحد منهما كاشفا لاصابته او بطلانه ( لبطلانه خ‌ل ) لئلا يلزم مخالفة المفروض فظهر لك ان عقل غير المعصوم يجب ان يكون له مستند من احد الامرين والقول بان المدار في دليل العقل هو القطع مطلقا غلط اذ ما كل قطع يدور عليه الحق اذ كثيرا ما يقطعون بالشيء وهو خلاف الواقع الم تر الاحول فانه يرى الواحد الاثنين قطعا يقينا لا يشك فيه وربما يحلف مع انك لا تقبل قوله وترده فيما يقول وكذلك العين التي بعد ما تبين لك صحتها ومرضها بل تمرض وقتا وتصح وقتا آخر ولا تتغير ظاهرا وان كانت في الباطن متغيرة تتوقف في صحة الامور المستندة اليها وكذلك امر الباطن حرفا بحرف قال مولينا الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب ان ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا فاعتبر مشاعر باطنك بمشاعر ظاهرك مع ان الذي اقول امر بديهي لا ينبغي التأمل فيه للمنصف الفطن ويأتي تتمة الكلام في القطع فيما بعد ان شاء الله تعالى فثبت لك بالبرهان القاطع ان الذي لا يستند الى الكتاب والسنة او الضرورة هو رأي واستحسان ولا واسطة بينهما كما قال مولينا الكاظم عليه السلم ليونس بن عبدالرحمن لما سئله عما يعرف به التوحيد قال عليه السلم لا تكونن مبتدعا من نظر برأيه هلك ومن ترك اهل بيت نبيه صلى الله عليه وعليهم ضل ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر انتهى ولم يجعل واسطة بينهما يكون الحق معه فاذن فالذي اختلفوا بعد اتفاقهم بحجية الظن هل هو مطلقا اي ظن كان الا ما اخرجه الدليل القاطع او ما يقوم مقامه ام لا بل الظن المخصوص لست ادري ما الذي ارادوا بهاتين العبارتين ان ارادوا بالمطلق كل ظن يحصل باي نحو كان سواء كان يرجع الى الكتاب والسنة ام لا يرجع فان هذا جرئة عظيمة فان ما سوي العلم ليس بمحل القرار وموضع الاستقرار ولما كان الظن اقوى المراتب بالنسبة اليه فاذا حصل له معين ومقو خارجي يلحقه بالعلم واذ ليس فليس وذلك المعين يجب ان يكون قطعي الحجية لا استحسان آخر وظن مثله اذ الاستحسان لا يلتفت اليه والظن لا يكون مؤسسا مع انك علمت ان الدليل العقلي اذا لم يستند الى الامرين الذين هما حكمان الهيان ودليلان شرعيان لم يعتمد عليه ولا يستند اليه فهل الذين يزعمون من حجية مطلق الظن ان كان مستندا الى دليل الهي وقول معصومي وحكم شرعي فليسوا حينئذ عاملين بمطلق الظن بل بالظن المستند فلم ينطبق دعواهم مدعاهم وان لم يكن مستندا اليه فبمعزل عن القبول ويطرح في زاوية الخمول وذلك كله لو فرضنا ان دليلهم على حجية مطلق الظن تام بجميع مقدماته ودل العقل عليه مع انه غير مسلم اذ قصاري ما قالوا ان الخلق بالاجماع مكلفون في زمان الغيبة ( ان الخلق مكلفون في زمان الغيبة بالاجماع خ‌ل ) وليس ما عندهم من الادلة تكفي بالاحكام الشرعية على جهة القطع فحيث ثبت تكليفنا وامتنع التكليف بما لا يطاق وجب ان نعمل بما نحصل ( يعمل بالذي تحصل خ‌ل ) من الظنون ولا فرق بين ظن وظن كالعلم فيكون اختيار احدهما دون الآخر ترجيحا من غير مرجح فيكون الظن من حيث هو عند انسداد باب العلم حجة معمولا به والجواب ان القول بان الخلق مكلفون ما المراد منه هل هذه التكاليف توقيفية ام لا فعلى الثاني يتم التقريب في الجملة لكنه رفع للدين وهدم لما اتى به سيد المرسلين عليه وآله صلوة المصلين وعلى الاول هل هي موقوفة ( توقيفية خ‌ل ) بتوقيف الله سبحانه ام لا والثاني باطل بالضرورة وعلى الاول هل طريق العلم بها والدليل عليها موكول الى الخلق ام لا بل يكون الدليل والطريق ايضا توقيفيين ( توقيفيان خ‌ل ) والاول يورث عدم التوقيف لما مر من ان النتيجة لازمة للدليل فلا تنفك عنه ابدا فاين التوقيفية وعلى الثاني فلا معنى لاختيار طريق لم يكن راجعا الى الموقف وفي الحقيقة في هذا القول مع ان القول بان الاحكام توقيفية لا سبيل للعقل القاصر اليها تدافع ظاهر وتناقض باهر فاذا كان كذلك فيقبح على الحكيم التكليف بما لم يجعل له طريقا اليه فالقول بانا مكلفون ولا طريق لنا اليه من قبل المكلف خروج المكلف عن الحكمة فلا يكون حكيما لان الدليل من العلل الموجبة للتكليف فاذا انتفى انتفى كما قررنا سابقا تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا بل جعل الدليل والطريق ولما لم يكن العلم في دولة الظالمين في كل جزئي جزئي على وفق الحكمة كما اشرنا اليه سابقا فاكتفي بالطريق الظني الراجع الى القطع وهو الكتاب والسنة وما يرجع اليهما ولو بوسايط ثم انا نقول بعد ما احتجنا الى الظن فلا شك انا لا نحتاج الى كل ظن بل يكفي الظنون الحاصلة المنسوبة الى العترة الطاهرة فلا نحتاج الى غيرها من الظنون المجتثة لان الظن لا يغني من الحق شيئا فاذا كان العمل بالظن من باب الضرورة وخلاف الاصل فالضرورات انما تتقدر بقدرها فنكتفي بما يحصل لنا التكليف ونعرض عن الباقي ان قلت ان تلك الظنون المخصوصة لا تفيى بجملة ما كلفنا به قلت ان القائل بعموم المظنة شرذمة قليلون بل الظاهر انه هو قول حادث في الشيعة بين المتأخرين واما جل الفقهاء مجمعون على عدم اعتبار الظن المطلق وانما عملهم مقتصر على الظنون المستفادة لا المطلقة ولم يتعطلوا في تكليفاتهم ولم يضطروا ولم يخرجوا عن دينهم وهم في كمال الاطمينان في ديانتهم ومعرفتهم فكيف لا يحصل التكليف الذي لا بد ( اللابد خ‌ل ) منه وهم قد حصلوا وافتوا مقلديهم ولم يجعلوهم في حيرة الا ان تقول انهم ما حصلوا وانما قالوا من غير دليل فتحكم بفسقهم فاذن ليس لك عندنا جواب ان قلت ان هذا وارد عليكم حيث تردون على الاخباريين القائلين بحرمة العمل بالظن ووجوب تحصيل العلم والقطع الواقعي وتقولون بانا لو اقتصرنا على الادلة القطعية لزم الخروج عن الدين مع ان اولئك دونوا كل ابواب الفقه ولم يخرجوا عن الدين حسب دعواهم قلت ان هذا القول منهم قول باللسان دون تصديق في القلب فانهم في اغلب استدلالاتهم في الاحكام يلجأون الى الاخبار الآحاد ويضطربون في دلالتها ويختلفون فيها ولا يمكنهم الا الاخذ بالراجح كما شاهدنا في كتبهم الاستدلالية وقد سموه علما كما صرح به صاحب الحدايق اذ المراد بالقطع ان كان هو العقلي فلا يجوز معه الاحتمال اصلا وهذا يستحيل في الالفاظ وان كان هو العادي فكذلك اذ الاخبار كلها ليست بمتواترة فكيف يسلمون في الآحاد عن الاخبار المتعارضة والموضوعة والواردة مورد التقية والتي نقل بالمعنى والتي حذفوا بعضها وذكروا البعض الآخر وامثال ذلك من الاختلال وشيوع استعمال المجاز والاشتراك والتخصيص والحذف والاضمار وغيرها من الالفاظ ( الاحوال خ‌ل ) اللفظية وقد شرحنا هذا المقال في اجوبة بعض المسائل فلا نعيد وبالجملة لا يحصل لهم الا الظن وبه تطمئن نفوسهم ويقولون ان العلم هو ما تطمئن به النفس وقد حكموا بقطعية صدور الاخبار في الكتب الاربعة واعتمدوا على شهادة المشايخ الثلثة في صحة رواياتهم مع ان احدهم يكذب الآخر في رواية ولم يدروا ان مرادهم من التصحيح ليس الا ما صح عندهم بحسب جهدهم واجتهادهم من القراين والامور الخارجية وهذا ليس ما يزيد من صحة الخبر فاذا اردت ذلك فانظر كتبهم لتري كيف يرد الصدوق الكليني والشيخ الصدوق وقد اشرنا اليه سابقا واما اصحابنا المجتهدون فمنزهون عن ذلك فظهر الفرق ان قلت ان هذا قول من يزعم ان الحجة هو الظن مطلقا ويدعي ان المنكرين يعملون به من حيث لا يشعرون كما قلتم في الاخباريين لان اغلب استدلالاتهم بالشهرة والاجماع المنقول بخبر الواحد والاستصحاب وامثال ذلك مما لم يقم اجماع على اعتباره وليس هو الظن المخصوص قلت ان كل ذلك يرجع الى الظن المخصوص اذ مرادنا بالظن المخصوص الذي نجعله حجة ان يكون مستندا الى الكتاب والسنة للاجماع الواقع على ان ما يستفاد منهما حجة معمول به ولا يلزم ان يتحقق الاجماع في كل جزئي جزئي فاذا كان كك وجب اعتبار كلما يستند اليهما لانه فرع من فروع ما ثبت بالاجماع وغيره من الادلة الشرعية التي اشرنا الى بعضها فيما قبل لكن بشرط ان لا يعارضه امر يضعف الظن او يقلبه شكا او وهما فان ما كان هذا سبيله من الكتاب والسنة لا يجب العمل عليه بل لا يجوز واثبات التعبد بالاخبار دونه خرط القتاد ولنا في هذا المقام كلام شريف ذكرنا في بعض ما كتبنا وانما تركناه هنا خوفا للتطويل وبيان رجوع هذه الامور الى الكتاب والسنة على الوجه المستوفي لا يمكنني الآن لما لي من تراكم الامراض والآلام الا اني اشير اليها مجملا تنبيها للعاقل المسترشد

فنقول اما الاجماع المنقول فكما عرفت سابقا من انه بمنزلة الخبر الصحيح بل يزيد عليه بقلة الوسايط وصراحة الدلالة بشرط ان يحصل الاطلاع الابتدائي ولا يكون منقولا عن المحصل الخاص ولا عن المشهور والاجماع السكوتي على التفصيل الذي عرفت واما الشهرة فهي عندنا على ثلثة اقسام قسم هو اجماع وحجة وهو ما اذا تحققت الشهرة ولم يكن لها معارض اصلا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الاجماع ولا تنبيه ولا تلويح ولا ارشاد ولا اشارة ولا غير ذلك مما يظهر للفقيه فان هذه هي التي اقرها الامام عليه السلم والا لوجب عليه ان ينصب قرينة تصرف عنها لانه الحافظ للدين كما ذكرنا غير مرة وعليه تسديد رعاياه كما دلت عليه النصوص المتكاثرة المتظافرة بل المتواترة مثل قوله (ع) كيما ان زاد المؤمنون ردهم وان نقصوا شيئا اتمه لهم وعموم الجمع المحلي باللام افرادي يتعلق بكل فرد فضلا عن المجموع الاغلب الاكثر فافهم فلو لم يردها ولم ينصب قرينة صارفة لزم احد الثلثة اما انه لم يطلع عليها او انه صار مغريا بالباطل او ان الدين لم يكمل والتوالي كلها باطلة اجماعا من الشيعة نعم ربما يقولون انه ما يقدر نقول ان ارادوا الحكم الواقعي الاولي فنعم وان ارادوا الظاهري فلا كيف وهو عليه السلم يقول في الزيارة الجامعة ودعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهدتم في الله حق جهاده حتى اعلنتم دعوته وبينتم فرايضه واقمتم حدوده ونشرتم شرايع احكامه وسننتم سنته الزيارة فما هذه الاحكام التي نشروها والحدود التي اقاموها والفرايض التي بينوها اهي الواقعية مع انهم سلام الله عليهم قالوا في المناجات حتى عاد صفوتك واوليائك مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك منبوذا وشرايعك محرفة عن جهات اشراعك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله متروكة الدعاء فثبت ان التي نشروها من الشرايع هي الاحكام الظاهرة لا الحقيقية وثبت ايضا ان كل الفرايض بينوها وكل الشرايع نشروها في الرعية على ما اراد الله سبحانه ومولينا القائم الغايب عليه السلم وعجل الله فرجه ايضا داخل في هذا الخطاب فلا تمنعه غيبته عن نشر الاحكام وبيان الفرايض واقامة الحدود على ما تقتضي احوال الرعية وذلك ليس بالمشافهة في الغيبة الكبرى اتفاقا بل اجماعا فيكون بنصب القراين والارشادات والتنبيهات كما ذكرت لك كيف مايقدر عليه السلم وهم يقولون ما من عبد احبنا وزاد في حبنا واخلص في معرفتنا وسئل مسئلة الا ونفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة فاذا ثبت قدرتهم وان من اكمال الدين نصب القرينة والدين قد كمل ولم ينصب قرينة لنفي هذه الشهرة فارادها وقررها قطعا والقسم الآخر ليست باجماع ولا حجة لكنها مرجحة مقوية كما اذا كانت رواية عمل بها ( بها اكثر خ‌ل ) الاصحاب ومنعها الآخرون متمسكين بادلة اخرى ولم يظهر للمستنبط ما يقوي الآخرين من الادلة وقراين الصحة او من جهات اخر تكون حينئذ الشهرة مرجحة لتلك الرواية لقوله عليه السلم خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر ولم يكن هذا اجماعا لاحتمال تعين قول المعصوم عليه السلم وفي الاجماع يجب عدم تعينه والقسم الثالث ليست باجماع ولا حجة ولا مرجحة وهي التي لا اصل لها فهي اذا عارضها الدليل ووجد الفقيه لصرفها قراين وامارات يعدل عنها ولا حجية فيها فقول صاحب المدارك مخالفة الاصحاب مشكل والقول من غير دليل اشكل غير منقح فان المشهور اذا لم يعارضه دليل صارف وحجة اقوى يتعين القول به وهو اقوى دليل للمراد فحينئذ اذا وافق ليس موافقته عن تقليد وانما هو عن دليل واذا ظهر له دليل صارف فحينئذ يتعين عليه المخالفة ولا اشكال فيها لما قلنا مكررا ان التكاليف باعتبار اختلاف الاحوال والاقتضاءات تختلف فافهم ومن هذه الجهة ترى المشهور قد ينعكس في زمانين او في مكانين متباعدين مثل مسئلة البئر فان المشهور بين المتقدمين انها تتنجس بالملاقاة والتقادير الواردة في الشرع للنزح كلها للتطهير ولولاها لم تطهر ويحرم الانتفاع بها لكن المشهور بين المتأخرين بعكس ذلك من انها لا تتنجس عندهم بالملاقاة والتقادير للتنزيه فيكره الانتفاع قبل النزح وامثالها كثيرة وهذا الانعكاس والاختلاف لتغير الموضوع قال الله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وليس بنسخ وان كان جائزا في زمن الخلفاء الراشدين وفي هذا الزمان ايضا باذن الرسول صلى الله عليه وآله وامره الخاص على شروطه وليس الآن موضع تحقيقه فافهم واما الاستصحاب فاصالة البراءة لا شك انها ثابتة من الشرع والآيات والروايات فيها لا تكاد تحصى وكذا اصالة البقاء والعدم للروايات ودلالة العقل المستقيم والتفرقة بين الموضوع والحكم وحمل الروايات على الاول والتوقف في الحكم تحكم ولعلنا نتعرض لبيان هذا المطلب ان شاء الله في المسئلة الثانية فظهر لك ان ما يستدلون به اصحاب الظنون المخصوصة كلها راجعة الى الشرع اما بواسطة او بوسايط فظهر لك ان القول بالظن المطلق لا معنى له واما قولهم لا فرق بين ظن وظن غلط فاحش فان الظن المستفاد من الكتاب والسنة ان لم نقل ان مرجعه القطع نقول انه مستند الى الكتاب والسنة الستندين ( المستندان خ‌ل ) الى الله والى رسوله فيكون هذا الظن كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء وهو محسن حيث اتى البيت من بابها وما على المحسنين من سبيل وان الله لمع المحسنين لانه اتى بكل ما عنده من النور واما الغير المستند فهو منقطع مجتث كالشجرة المجتثة على وجه الارض ما لها من قرار واما الذي يقول بالظن المخصوص ان اراد ما يستفاد من الكتاب والسنة خاصة لقولهم عليهم السلم وان من شيء الا وفيه كتاب وسنة فهو حق وصواب وان اراد ما قام عليه القاطع بالخصوص في كل جزئي فغلط اذ هذا لم يثبت الا في المتواترات ( المتواترات خاصة خ‌ل ) واما ما سواها فقد اختلفوا فلا يثبت به الاجماع والاقتصار على المتواترات لا ريب انه خروج من الدين وهدم لما اتى به سيد المرسلين عليه وآله سلام الله ابد الآبدين وابطال لفائدة البعث والارسال وغير ذلك من القبايح والمفاسد الكثيرة ومنع عموم الاجماع جهل بموقع الاجماع وطريق تحصيله اذ لم ير ولم يسمع من احد انه ترك ما عرف من كتاب الله او احاديث آل الله ولم يكن عنده مرجح اقوى وحجة اخرى وكان عليه عمل الصحابة والتابعين بل طريقة غير المسلمين من ساير الملل وماكان عملهم مقتصرا على العمل بالمتواترات او النصوص الواضحات والا لمااختلفوا ولا اقل كان الاتفاق اكثر من الاختلاف مع ان الامر بالعكس وترى كل احد يحتج بقول نبيه وامامه والآخر يحتج بمثل ما يحتج هو بخلافه ولا يرده الآخر من جهة انه ظني الدلالة بل لا ذكر للعلم والظن عندهم ولا هم بهذا الصدد ولا يتوقفون في العمل بخبر ما لم يعارضه ما هو اقوى منه واستمرت على ذلك طريقة المتقدمين والمتأخرين بل طريقة الانبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين والرواة والمحدثين والعلماء والفقهاء في تبليغ الاحكام وايصال جزئيات الشرايع الى اطراف البلاد فضلا عن القرى والباد مضافا الى ارسال المكاتبات والصحف والآيات بل يستحيل عادة نشر الشرايع كلياتها في الاوايل وجزئياتها في التوالي الا بذلك وهكذا كان حال اصحاب الائمة عليهم السلم في زمان مشاهدتهم فانهم كانوا يأخذون عن الرواة من الذين سمعوا الحديث ويعملون بمجرد ذلك ويكتفون به مع كثرة الاضطرابات والاغتشاشات التي كانت في ذلك الزمان ولم تكن الاخبار مجتمعة ولا مهذبة مثل هذا الزمان فان فقهائنا المتقدمين وعلمائنا الاولين شكر الله مساعيهم الجميلة بذلوا مجهودهم في نقد الاخبار وجاسوا خلال تلك الديار وهذبوها عن الاكدار وصفوها عن مدانس الاغيار وجمعوها او اغلبها مهذبة مصفاة عن تناول الاشرار وكذا اتى من بعدهم وبذلوا جهدهم في تنقيحها وتحقيقها وذكر معارضاتها واثبات عامها وخاصها ومحكمها ومتشابهها ومطلقها ومقيدها وجمعوا كلها في مجمع واحد واني لاهل ذلك الزمان هذا التنقيح في الاخبار ويأتي الفقيه المستنبط المستوضح يرى اخبار مهذبة ومنقحة يزيد على افكارهم فكره وعلى تنقيحهم تنقيحه ومع ذلك وراءه امام يسدده ويؤيده ويلقي اليه ما يراد منه قال عليه السلم لنا مع كل ولي اذن سامعة وبالجملة فالمنصف لا يشك في تحقق هذا الا ان المسبوق بالشبهة قد يشك في المتواترات بل الضروريات نعوذ بالله من العادات المعوجة والفطرة المغيرة واما تخصيص الاجماع بالخبر الصحيح فغير صحيح فان تقسيم الخبر الى هذه الاقسام اصطلاح جديد حدث بين المتأخرين من الاصوليين وان كان لا بأس به واما المتقدمون وعوام الخلق ما استمرت طريقتهم الا على ما قلت لك فان مرجع الرد والقبول وجود المرجحات والمعارض والمنافي فكم من خبر صحيح قد ردوا وخبر ضعيف في الاصطلاح قد عملوا به وانت لو كان لك بصر حديد ترى ما اقول لك من تتبع سيرة العقلاء والله المستعان ان قلت ان الانظار في الاخبار مختلفة فمنهم من يعمل بها من حيث انها تفيد القطع ومنهم من يعمل بها من حيث انها فرد من الظن المطلق ومنهم من يعمل بها من حيث انها متعبد بالعمل بها ومنهم من يعمل ( يعمل بها خ‌ل ) من حيث انه الظن المخصوص فاذا اختلفت الانظار لم يبق للاجماع ثبات ولا قرار فلا يحتج به في مثل هذه المقامات والاجماع المحصل الخاص لا تعم حجيته كما ذكرت ولا يثبت المراد للخصم قلت اما دعوى العلم والنظر في الاخبار من حيث افادتها للعلم فكما سمعت انه قول باللسان دون تصديق في الجنان وقد سموا الظن الراجح علما لرجحانه وضعف طرف المرجوح كما قال به صاحب الحدايق اذ لا يريدون به القطع الواقعي الاولي لاختلافهم فهو ( وهو خ‌ل ) ينافي القطع الاولي لانه واحد وهذا ظاهر فلا يعبؤ بتسميتهم هذا ( هذا الظن خ‌ل ) علما ولذا قيل انهم مجتهدون من حيث لا يشعرون وان ارادوا العلم العادي القطعي ( القطعي العادي خ‌ل ) الاولي فاذن بطلت استفادتهم من غير الاخبار المتواترات المعنوية وان ارادوا الثانوي فكذلك كل من ينتحل الاسلام ممن يعقل اذ الظن ليس بمحل التوقف الا اذا استند الى علم وقطع ( قطع وعلم خ‌ل ) الا ان ذلك المستند القطعي منهم من يجعله الاخبار ومنهم من يجعله العقول وبالجملة فالقول بتحصيل العلم من كل الاخبار اولا وبالذات ساقط عن محل الاعتبار نعم القطع الثانوي حاصل ولا شك فيه فرجعت استفادة هؤلاء المدعين للعلم الى الظن في اغلب المواضع واكثرها واما الذي يقول بالظن المطلق فلا شك انه لا يتعدى عن الظن الراجع الى الكتاب والسنة قطعا الا اذا عارضه من غيره ما هو اقوى عنده فمرجعه في قوة الظن وضعفه لا خصوص الكتاب والسنة اذ لو لم يجد اقوى عمل بها قطعا وكذا الذي يقول بالتعبد فانه اذا حصل له الظن بالخبر يعمله يقينا فاذن كلهم اتفقوا مع اصحاب الظن المخصوص في حجية ما يدعون وصحة العمل بما يختصون بقي عندهم امور زائدة خارجة عن محل الوفاق الذي هي طرفي الافراط والتفريط من الظن الغير الراجع ومن الخبر الغير المفيد للظن المعتبر شرعا وهذه الامور الزائدة لم يدل دليل قاطع متفق عليه على اعتبارها وحجيتها فتطرح في زاوية الخمول لمحكم قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وقوله عليه السلم ان علمتم فقولوا والا فها انتهى اشار بيده الشريفة الى فيه المبارك فبقي الاجماع المدعي سالما باقيا على عمومه شاملا لكل ما يستند الى الكتاب والسنة فافهم فهمك الله واعلم اني قد اتغافل عن ذكر بعض الامور وبعض ما عسى ان يرد على ما نقول والجواب عنه لانه ربما يؤدي الى ذكر مقدمات عجيبة غريبة يحتاج في اثباتها وتنقيحها الى بسط في الكلام وتدقيق تام في المرام وانا الآن في حال شديد وليس لي قلب مجتمع لا تصدي لبيانها فاتغافل عنها الا ان فيما ذكرنا لو نظر اليه المنصف الفطن كفاية عن الكل اذ لكل حق حقيقة ولكل صواب نور

فظهر لك مما شرحنا وبينا ان الادلة التي ذكرها الاصوليون كلها حق وهي اربعة الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل لان الاربعة هي جهات الارتباط وبها تتم نظام المعاش والمعاد في الوجودين اي الوجود التشريعي والشرع الوجودي فان قلت على ما قررت في دليل العقل من انه يجب ان يكون مستندا الى الشرع يلزم ان تكون الادلة ثلثة لا اربعة اذ المناط الشرع المستنبط من الكتاب والسنة والاجماع قلت لا يلزم ذلك لان العقل الضروري قد يكون له وجوه وجهات كثيرة كلها مؤسسة لحكم من الاحكام الالهية لكن عامة الناس لا يلتفتون اليها وكذا اكثر العلماء فاذا نبهتهم بها يلتفتون فيدركون من غير تقليد فان لم تسبقهم شبهة يصدقون وامثال ذلك ونظايره كثيرة في الفروع والاصول يقف عليها المتتبع الماهر ويحجب عنها الجاهل والله ولي التوفيق وكذا الكلام في العقل النظري ايضا فان العقل اذا ادرك شيئا بالوجدان وصحيح الاعتبار ووجد تنبيها في كلمات الائمة الاطهار عليهم سلام الله ما دام الليل والنهار اما بالتلويح او بالاشارة او بالمثال او بالفعل او بالترك او بالسكوت او بالنطق او بالتعريض او بالايماء وبامثال ذلك يعرف الحق ويقطع به ويبني عليه الحكم الشرعي فلولا العقل والوجدان لماكان ذلك التنبيه مستقلا صالحا لتأسيس الحكم الالهي فيهما معا صلح للدليل فالعقل الذي هو الحجة هو العقل الملفق بالنقل ولذا ترى اهل العربية في اثبات اللغات ماجعلوا للعقل طريقا اليها وقصارى ما جوزوا في اثباتها العقل الملفق بالنقل لا العقل وحده وليس ذلك الا لكونها توقيفية فما هذا شأنه لا سبيل اليها لغير الموقف لا يقال ان هذا قياس مع الفارق فان الشريعة انما شرعت على نظم محكم بنهج الحكمة واقتضاء الاكوان وصفات المكلفين فماحسن في الشريعة الا ما هو حسن في الواقع وما قبح الا ما كان كذلك وللعقل سبيل اليه لكن العقول لما كانت ناقصة قاصرة عن فهم كل ما يحتاج اليه الخلق ابان الشارع عليه السلم عن الواقع فللعقل ان يعرف بعضها بناء على الاصل المحقق عند الفرقة المحقة ان الحسن والقبح عقليان لا شرعيان خلافا للاشاعرة فاذا عرف شيئا وقطع به كان هو حكم الشرع لان الشارع عليه السلام انما كشف عن الواقع والعقل ادرك الواقع اذ ادراك الواقع ليس بمستحيل على جهة الجزئية وهذا بخلاف اللغات فان الوضع فيها ليس بالمناسبة الذاتية كما هو مذهب عباد بن سليمان الصيمري واهل التكسير وانما هو بجعل الواضع واختراعه فاذن لا مجال للعقل فيها وقصاراه التلفيق ولذا تريهم يعلقون عدم مدخلية العقل في اللغات بالقول ببطلان المناسبة وعلى القول بها لا يمنعون ذلك كما هو المعروف المقرر عندهم والمشروح في كتبهم قلت اذا كان الواضع والشارع هو الله تعالى ففعله تعالى واحد لا يتفاوت ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة فاذن اثبات امر في موضع ونفيه في موضع آخر مع انتساب الامرين الى واحد حكيم وامكان وقوع ذلك المنفي بعيد عن الصواب وقد كشفنا القناع عن وجه المرام في هذا المقام فيما كتبنا في بحث الدلالة فاذن لا فرق بين المقامين وارتفعت المباينة من البين ومع ذلك كله لا سبيل للعقل القاصر الناقص في تأسيس الحكم وتأصيل الاصل وتخصيص الوضع اذ للشيء الواحد جهات كثيرة متخالفة متباينة متضادة بل متناقضة يناسب كل شيء انفرادا ومتفقا وكون بعض الوجوه اظهر للشيء وانسب الى انتسابه الى الآخر وبعضها ابعد واخفى في نظرنا لا يستلزم التعيين كذلك اما لجواز مانع اقوى قد خفي علينا او لاشتباهنا الامر لعدم العصمة فالذي رأيناه قريبا كان بعيدا وبالعكس قال الله تعالى انهم يرونه بعيدا ونريه قريبا فلا يجوز التخصيص والتأسيس الابتدائي الا لمن اشهده الله تعالى خلق السموات والارض بحيث لا تخفى عليه خافية كرامة من الله في اوليائه حيث يقول عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول فلا يجوز للعقل القاصر التخصيص والتأسيس بوجه من الوجوه الا اذا استنبط ذلك من كلام من امر الله اتباعه وجعله واسطة بينه وبينه فلا تذهبن بكم المذاهب فان الامر اوسع واعظم من ان تناله ايدي العقول والافهام الجزئية فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح ولا ينافي ذلك كون الحسن والقبح عقليين فان المراد ان الاحكام ليست كما تقول ( تقوله خ‌ل ) الاشاعرة من انها انما صارت كذلك بامر الشارع وجعله فلو عكس الامر لانعكس وهذا قول باطل ونفي لحكمة الله تبارك وتعالى فان الله تعالى ابى ان يجري الاشياء الا بالاسباب وهي لو لم تكن مناسبة مع المسبب لم تكن سببا نعم بعد القول بالترجيح من غير مرجح وان الظلم لا يقبح من الله تعالى انقطع الكلام فالاحكام كلها على مجرى الواقع ومقتضي الاكوان والاعيان فاذا اجرى الشارع عليه السلم حكما امكن للعقل ان يدرك الوجه والحكمة فيه بعد ما نبهه الشارع بانواع التنبيهات التي لا تحصى عددا ولا تبلغ امدا لا انه مستقل ( يستقل خ‌ل ) في التأسيس لانه يحتمل ان يكون هذا ويحتمل ان يكون لغيره اذ الامكان ثابت والتركيب واقع والوجه متحقق والتخصيص شأن الحكيم العليم الذي فوق كل ذي علم وهو الله سبحانه وذلك التخصيص هو المشية المتعلقة فقبل المشية لا تخصيص بل ابهام صرف وصلوح محض وكل العلوم منحطة دونه والمشاعر واقفة لديه مطلقا من جميع الخلق ولا يختص بهذا العلم الا الله سبحانه ومن هنا يستزيد العلم رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول اللهم زدني فيك تحيرا وبالمشية يحصل التخصيص فيقع على محالها ومهابط اشراقاتها قالوا عليهم السلم نحن محال مشية الله والسنة ارادته فيعلمون ذلك الشيء قال الله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فكلما شاء تعالى بالمشية الثانية الكونية يعلمونه عليهم السلم واما قبل ذلك فليس الا الابهام والصلوح والجواز فلا يخصص ذلك الابهام والصلوح المحض الا الشارع الذي هو الله فبعد ما خصص عرف الوجه للتخصيص والتعيين بتعريف الله سبحانه فافهم فقد القيت اليك سرا ما اسعدك لو فزت به وكل ( كذلك خ‌ل ) الوضع في باب اللغات لا يمكن للعقل قبل الوضع والتخصيص ان يعين ويشخص لفظا مخصوصا لمعنى مخصوص وان قلنا بالمناسبة الذاتية لكثرة جهات الشيء وشئونه وقراناته واضافاته وارتباطاته وموانعه واسبابه وعلله وشرايطه وآثاره واعراضه وامثالها اذ الشيء لا يرتبط الى الآخر من نحو ذاته المركبة الاولية فانها جهات المخالفة فتكون الموافقة لشرط المخالفة هف فيكون الانتساب والارتباط بالاضافات وهي غير محصورة والترجيح لمن احاط بها جميعا لا لمن ( للذي خ‌ل ) حفظ شيئا وغابت عنه اشياء فكيف يمكنه الترجيح والتخصيص من غير التوقيف نعم بعد ما استعمل لفظ في معنى يمكن للعقل في بعض المواد ان يحكم انه ( ان هذا خ‌ل ) حقيقة او مجاز او مشترك او غير ذلك ومن هذه الجهة ترى المختلفين في الوجود انه مشترك لفظي او مشترك معنوي يتمسكون بالامور العقلية المحضة ولا يلتفتون الى النقل والى الامور التي تثبت به اللغة من التنصيص والتواتر والآحاد والامارات والعقل الملفق واللزوم والاستغراء والترديد بالقراين والاستصحاب وغيرها مما ذكروا وامتنعوا في اثباتها عن غير هذه الطرق مع انهم ما التفتوا الى هذه الامور في اثبات الاشتراك اللفظي والمعنوي والحقيقة والمجاز ولا احد من اهل العلم واهل الفن ردهم وطعن عليهم ان هذه الادلة لا يجوز استعمالها في باب اللغات بل مدارها ما ذكروا وما اظن ( لااظن خ‌ل ) احدا تكلم في هذا المقام بما قرروا وكذلك الخلاف في ان لفظ الله وضع كليا ام جزئيا وضع بازاء الذات ام لا وانه اسم او مسمي وكل ذلك مداره الى اللغة اثبتوها بالعقل المحض والوجدان الصرف فظهر ان العقل بعد استعمال اللفظ في المعنى يمكنه من نحوه ان يحكم ان هذا حقيقة او مجاز مشترك او ( ام خ‌ل ) متواطي ام مشكك واما التخصيص الاولي فلا وكذلك في الشريعة حرفا بحرف فدليل العقل ليس للتأسيس وانما هو للترجيح نعم اذا وجد دليل شرعي لكنه قاصر عن الدلالة لضعف سنده او متنه بشرط ان لم يكن له مناف ومعارض صالح من الكتاب والسنة والاجماع او انه تنبيه واشارة غير معروفة من سياق الحديث وظاهره فالعقل حينئذ يتمم ما نقص في امثال هذه الامور ويقطع به فيكون حينئذ حجة لانه حينئذ محسن وما على المحسنين من سبيل وان كان كل واحد منهما بانفراده لا حجية فيه فافهم فقد اوضحت لك الامر واما القول بان العقل والشرع متطابقان ينبئ احدهما عن صاحبه وان العقول انبياء في الباطن كالانبياء في الظاهر وان الله احتج على خلقه بما عندهم من العقول والحديث الوارد في تفسير قوله تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة عن سيدنا الكاظم عليه السلم ان النعم الظاهرة هي الانبياء والنعم الباطنة هي العقول فالجواب عما ذكر وامثاله ما تقدم من ان العقل لا شك في حقيته وحجيته وانه ناظر الى نور الله ولا ينظر الى نفسه ابدا فجميع مداركه حقة لكن الاشكال لغير المعصوم في معرفة ما يرد عليه من الوارد انه من العقل فاتاه من الجهة اليمني او من النفس والشيطان المقيض فاتاه من الجهة اليسري وهذه المعرفة لا تحصل من نحو ذات الشخص ما دام هو ناظر الى الجهتين كما ذكرنا فيكون من خارج ذاته وهو احد الامرين الذين ذكرناهما فراجع تفهم ان شاء الله تعالى واما ما سئلت عن دلالة الحديث هل هي قطعية ام لا فجوابه قد ظهر لك فيما مر من ان الحديث على اقسام فالمتواترات المعنوية دلالتها قطعية يقينية عادية واما المتواترات اللفظية فصدورها قطعي واما دلالتها فلا لاحتمال التقية على نفسه وعلى شيعته واحتمال ارادة احد السبعين المخرج كما رواه المفيد في الاختصاص والصفار في بصايرالدرجات وغيرهما من قوله عليه السلم اني لا تكلم بكلمة واريد بها احد سبعين وجها لي لكل ( من كل خ‌ل ) منها المخرج وقوله عليه السلم انتم افقه الناس ما عرفتم معارض كلامنا انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجها ان شئت اخذت هذا وان شئت اخذت هذا وقوله عليه السلم والله انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن وفي خبر آخر حتى يكون محدثا والمحدث المفهم انتهى وهي وامثالها يدل على ان المراد من كلامهم عليهم السلم ليس مشرعة لكل خائض وانما تحصيله لاشخاص مخصوصة وذلك لكثرة الاحتمالات منه فاذا كان هكذا سبيلهم لا يكاد يقطع بمرادهم ما دامت دولة الدنيا للظالمين الفاسقين نعم كل احد يأخذ نصيبه من الكتاب من الحكم الظاهري الثانوي او الواقعي فيقطع بوجوب العمل ولزومه لا ان هذا هو الحكم الواقعي كما ذكرنا فلا يفيد الا الظن بالحكم الواقعي واما الآحاد فصدورها ظني كدلالتها لما ذكرنا ولكثرة الافتراء والاخبار الموضوعة والتي يدسونها في احاديثهم لنقض الحق والنقل بالمعنى والحذف والاضمار والمجاز والظاهر والمتشابه والمؤول وخطاء الرواة وشيوع اختلافهم وتعارض الاخبار واختلاف العلماء في توثيق وتضعيف الرجال وكثرة الوجوه اللفظية والاحتمالات المساوية وامثال ذلك من الامور التي يعرفها المتتبع الناظر ويجهلها الواقف الكسل القاصر فيتوهم انه على شيء ويحسبون انهم يحسنون صنعا وقد ذكر العلماء في ظنية دلالة الاخبار اقوالا وادلة مذكورة في كتبهم الاصولية اغلبها صحيحة وفي ما ذكرنا ايضا كفاية للمتدبر المنصف فكيف يمكن القطع حينئذ نعم اذا حصلت له القراين وتراكمت الامارات بحيث افادت القطع فهو والا فتبقى على ظنيتها وظنية الطريق لا ينافي ( لا تنافي خ‌ل ) قطعية الحكم فافهم

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية - هل الاشياء التي لم يصل ( لم تصل خ‌ل ) الينا من الشرع حكمه فالاصل فيه هو الحرمة او التوقف او الحلية كالغليان مثلا

اقول اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق على مستقرهم اذ اجابهم بدعوة سرهم واتاهم بذكرهم وجعل فيهم مبادي خيرهم وشرهم فانقسموا قسمين وصاروا صنفين اذ دعاهم داعي ربهم بقوله الست بربكم وسرى هذا التكليف في كل شيء من الاكوان والاعيان والصفات والذوات والجواهر والاعراض والانسان والحيوان والنبات والجماد والمعدن وكلما خلقه الله قال الله تعالى ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم وقال تعالى الم تر الى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون والحمل بالتكوين المحض خلاف ظاهر الآية وخلاف المعروف بين الناس مع ان الاصل حمل اللفظ على معناه الحقيقي ولا يعدل عنها ( عنه خ‌ل ) الا بصارف قطعي واذ ليس فليس مع توارد الاخبار والآيات بذلك مثل قوله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقوله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان وقوله تعالى ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين وقول النبي صلى الله عليه وآله في دعائه علمه عليا عليه السلم لدفع الحمى يا ام‌ ملدم ان كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي الى من يزعم ان مع الله آلهة اخرى فاني اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وقول سيدنا الحسين عليه السلم في مخاطبته للحمى في عيادة عبد الله بن شداد قال عليه السلم يا كباسة فسمعوا الصوت ولم يروا الشخص يقول لبيك قال عليه السلم الم‌ يأمرك امير المؤمنين الا تقربي الا عدوا او مذنبا لتكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا الرجل وقولهم عليهم السلم ان ولايتنا عرضت على الجبال فما قبلها صارت جبال المعادن وما لم يقبلها صارت يابسة جامدة لم تنبت شيئا وولايتنا عرضت على الارضين فاول ارض قبلها مكة فشرفها الله تعالى ببيته وجعلها مطاف الخلق ثم قبلها ارض المدينة فشرفها برسول الله صلى الله عليه وآله ثم قبلها كوفة فشرفها بامير المؤمنين عليه السلم وكل ارض قبلها صارت طيبة تنبت الازهار وما لم يقبلها صارت سبخة خبيثة وعرضت ولايتنا على المياه فما قبلها استعذب واستحلي وما لم يقبلها استمر والاخبار في هذا المعنى تكاد ان تبلغ حد التواتر بل وبلغت وقولهم عليهم السلم ان ارض مكة افتخرت على ارض كربلا فاوحى الله تعالى ( تعالى اليها خ‌ل ) ان اسكتي وقرى لولا كربلا لما خلقتك وان زمزم افتخر على الفرات فاجرى الله تعالى فيه عينا من الصبر وقولهم عليهم السلم ان الارض التي يتخذونها مختلى اشتكت الى الله تعالى مما يقع عليها فاوحى الله تعالى ( تعالى اليها خ‌ل ) ان اسكني واصبري والا جعلتك مرقدا للعزاب وقولهم عليهم السلم انه ما تسقط ورقة ولا تفسد ثمرة الا وقد غفلت عن ذكر الله ذلك اليوم وقول سيد الساجدين عليه السلم في مخاطبته للقمر ايها الخلق المطيع اه وفي مخاطبته لشهر رمضان عند دخوله ووداعه عند خروجه بل لو فتش الانسان وتدبر لم يجد رواية ولا آية الا ويجد فيها دلالة على هذا المدعا وحمل هذه الاخبار والآيات كلها على المجاز خروج عن حدود العلم والعلماء مع ان الاصل عدمه والصارف القطعي والظني ايضا معدومان نعم غاية ما في الباب انكم لا تدركون كيفية اختيارهم وتكليفهم وقبولهم وانكارهم ولا يجوز ان يجعل ذلك حجة اذن اين قوله تعالى وما اوتيتم من العلم الا قليلا وقوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم وقوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وقوله تعالى واذ لم يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم مع ان الله تعالى في خصوص هذه المسئلة نفى علمهم بها في قوله الحق ولكن لا تفقهون تسبيحهم مع ان العقل لا يأبى ان يكون كل شيء له تكليف بحسبه يتوجه الى الله سبحانه بنسبة مقامه ومرتبته ولا نعلم كيفية ذلك فاذا اخبر به خالقه ومن اشهده الله خلق السموات والارض يجب قبوله والاذعان به مثل ما قبلنا الامور الغائبة عنا مثل القيمة والجنة والنار والحساب والبرزخ وامثالها مع ان الادلة العقلية على المراد ما لا تكاد تحصى ولولا اني اخاف التطويل في المقدمة لبينت لك لكنها تطلب في ساير ما كتبنا من اجوبة المسائل فاذا صح الاختيار والشعور والادراك والتكليف في كل شيء فبعد ما كلفوا اختلفوا لاجل قبولهم وانكارهم ومراتب قبولهم وانكارهم و( ومراتب خ‌ل ) ذاتيتهما وعرضيتهما بالحسن والقبح والطيب والنتن والطهر والنجاسة والنور والظلمة والسواد والبياض والحل والحرمة وامثال ذلك ومرجع الكل الى القبول الذاتي والقبول باعتبار اللطخ والانكار الذاتي والانكار باعتبار اللطخ فبالاول يورث النورية الذاتية وبالثاني النورية العرضية وبالثالث الظلمة الذاتية وبالرابع الظلمة العرضية وليس هنا امر خامس بان لا يكون قابلا ولا منكرا لا ظاهرا ولا باطنا والا لم يوجد اذ الايجاد انما هو بالمادة والصورة فالمادة قبل تعلقها بالصورة لا تحقق لها بالظهور كما لا تحقق للصورة قبل عروضها للمادة في الوجود والصورة الشخصية انما تكون بالاجابة والانكار والا كان التخصيص في هذه الصور المختلفة الشريفة والكثيفة ترجيحا من غير مرجح وهو لا يليق بالحضرة الواحدية الالهية المتنزهة عن كل الخلق واحوالهم وصفاتهم فاختلف ما اختلف بالصور حين اختلافهم بالقبول والانكار وحين استقرار الكل في مقامه وما منا الا وله مقام معلوم فالتابع في رتبة التابعية والمتبوع في رتبة المتبوعية فترتبت الاصقاع فكان انسانا وحيوانا ونباتا وجمادا واختلف كل صقع بنسبة مقامهم في القبول والانكار بالنورانية والظلمانية والطيب والخبث والسواد والبياض والطهارة والنجاسة وتلك الاحوال كلها تتبع النورانية والظلمانية وقد تكون ذاتية وقد تكون عرضية فسرت هذه الاختلافات في كل شيء بنسبة مقامه والآثار الصادرة عن الشيء ومقتضيات كينونته وساير شئوناته انما تتبع الصورة لا المادة الا ترى ان الصنم انما كان خبيثا محرما يترتب على فعله العقاب لما صنعت الخشب على صورته وكذا السرير انما كان شريفا بصورته والا فالخشب الذي هو المادة في المقامين واحد من غير اختلاف فاذا تصورت المادة بالصور الشخصية اقتضت كل صورة اثرها ( باثرها خ‌ل ) ومقتضاها الذي هو من نحو ذاته من الخير والشر والنور والظلمة فيترتب عليها اذا تحققت شرايطها فيؤثر البعض الظلمة المحضة التي هي اصل كل شر ونجاسة ورجاسة ونتن وقبح في الظاهر والباطن والبعض الآخر يؤثر النور الذي هو اصل كل خير من القوة والنشاط وامثالهما والبعض الآخر لا يستقل في تأثير النورية بل انما هو يعين ويزيد ويكمل بل ويتم النورانية في الشيء على انواعها واشخاصها والبعض الآخر بعكس ذلك اي الثالث يعني يزيد في الظلمة والكدورة وان لم يستقل بذلك ولا يتصور هنا قسم آخر ليخمس التقسيم بان لا يحدث النور ولا الظلمة ولا المجموع المركب ولا يعين على الزيادة فيهما بل تكون مادة مبهمة وطبيعة ساذجة من غير صورة وقد علمت ان المادة لا تظهر الا بالصورة فتبقي في رتبة الامكان حتى تتم شرايط وجود الصورة والصورة لا تخل من الامرين اما شيطانية او انسانية اي هيكل التوحيد وهيكل الكفر والجحود ولا واسطة بينهما فيترتب عليها آثارها ومقتضاها ولما كان الانسان المكلف مدنيا بالطبع لا تتم معيشته الا بمعاشرة ( بمباشرة خ‌ل ) كل المراتب من رتبة الانسان نفسه ورتبة الحيوان والنبات والجماد والمعدن في اطوارها واحوالها المختلفة المتباينة وكان كل جزئي جزئي من تلك المراتب اما بنفسه او بالاضافة الى غيره واقترانه معه يترتب عليه اثره ومقتضاه المستجن في كينونته من اقتضاء الصورتين من الخير والشر فيلزم الانسان المباشر له حكمه من اصلاح امره وافساده من الامور الظاهرية التي تتم بها امر معاشه والامور الباطنية التي يكمل بها امر معاده ولما كان الانسان جاهلا بمقتضي الكينونات وما استجنت في الذوات والاحوال الظاهرة بالصفات وفي الصفات ليأخذ ما يوافقه ويصلحه ويجتنب عما يضره ويفسده وينافيه ( وينافيه ويفسده خ‌ل ) وكان من تمام امره معرفة الامور المصلحة والامور المفسدة والتمييز بينها ليستكمل في مراتبه ويترقى الى درجاته ويتنزل الى دركاته ابان الحق سبحانه اكمالا للنعمة واتماما للحجة تلك الامور فجعل سبحانه وله الحمد استعمال الامور التي تصلحه ظاهرا وباطنا ولا يتقوم امره الا بها ويفسد لولاها واجبا حتما لا يسعه تركه والا يلزمه ما يقتضي الترك مثلا يجب على الانسان الاكل بقدر سد الرمق فلو لم يأكل يترتب عليه مقتضاه الذي هو الموت فيموت ويفسد عليه امره وهكذا كل الواجبات وهذا معنى قولهم في تفسير الواجب انه طلب يترتب العقاب على تركه والعقاب هو الذي ذكرت لك فافهم فانه امر بيد الله سبحانه فيجري عليه عند الترك ولو اراد عدم الاجراء لفعل انه على كل شيء قدير ومن هنا ينفتح باب الفضل والشفاعة وجعل سبحانه استعمال الامور التي تفسده ظاهرا وباطنا ولولا اجتنابه عنها لترتب عليها مقتضاها فيهلك اما الهلاك الظاهري او ( او الهلاك خ‌ل ) الباطني الذي هو الهوان الاكبر نعوذ بالله منه محرما لا يسعه فعلها والا لزمه مقتضاها مثلا يحرم عليه شرب السم ولو اكله لمات من ساعته وهذا معنى قولهم ان الحرام طلب ترك يترتب العقاب على فعله ضد الواجب وجعل سبحانه ما يزيده نورا وضياء وبهاء وقوة ونشاطا فيتمم ما لو نقص شيء من نورية الواجب لعدم ادائه على ما ينبغي بنوريته او يكمله او لم ينقص منه شيء او يوجد في بعض افراده الغير المعينة المأمور به الواجب ندبا مستحبا يسعه ترك اغلب افراده للامن من المضرة المقطوع بها وتقوم البنية بدونها لا ترك الكل فان ترك كل المستحب حرام لوجود الواجب في بعض افراده ولذا استحب وترك الكل يستلزم ترك المأمور به يقينا وجعل سبحانه ما يزيده ظلمة وكدورة وضعفا وكسالة مكروها يسعه فعله لكن الاحسن تركه لما ذكرنا وهو معنى قولهم المكروه ما لا يترتب العقاب على فعله كما ان المستحب ما لا يترتب العقاب على تركه فتربع حكم الانسان بالنسبة الى مباشرته للاشياء اما الخصوصية في ( اما لخصوصه الى خ‌ل ) نفس تلك الاشياء او باعتبار اضافته ( اضافتها خ‌ل ) اليه او اليها بعضها الى بعض وليس هنا شيء لا يضر ولا ينفع ولا يزيد ولا ينقص ولا يتمم ( لا يتم خ‌ل ) ولا يكمل بل يكون عارية عن جميع الاقتضاءات والاحوال ويلزم ايضا لو كانت عارية عن جميع الاقتضاءات العبث في ذلك النوع والاهمال فيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا واذا جاز في البعض جاز في الكل ولازمه المصير الى مقالة اهل الضلالة والكفر لانا قد قلنا لك ان كل صورة اما شيطانية او انسانية لان الصورة هي الحدود والهيئات وهي اما تشابه جهة الحق او جهة النفس وليس هنا ثالث لا تشابه جهة الحق ولا جهة النفس والا لكان اله آخر فافهم فالذي لا يقتضي ( لا تقتضي خ‌ل ) شيئا اصلا ليست مصورة فليس بعد موجودا فاذن لا مباح بحسب الواقع والاحكام الواقعية ليست الا اربعة بالبرهان الالهية من دليل الحكمة ما اسعدك لو فزت به فاذن اخذت النصيب من المعلي والرقيب فليس في الواقع الوجودي الاولي الا الواجب والمكروه والحرام والمندوب هذا حكم الاشياء في الواقع وان كان باعتبار اضافتها الى المكلف فالذي اشهده الله خلق السموات والارض ويشاهد الاشياء على ما هي عليه ليس عنده وعمله الا الاحكام الاربعة اما المكلفون فمن جهة جهلهم بالواقع وعدم مشاهدتهم الاشياء على ما هي عليه فوجب على الله سبحانه ان يعلمهم اياها بواسطة سفرائه عليهم السلم واما التعليم فهو على قسمين تعليم شهودي كشفي وهو تعليم واحد عام بكشف الغطاء عن وجه صدره وقلبه وفؤاده ليرى الاشياء كما هي وينطق كل شيء له بما اودع الله فيه من صحة او فساد مضرة او منفعة ذاتية او عرضية كما كان شأن الانبياء وخواص الاولياء واظن ان في زمان القائم عليه السلم عجل الله فرجه يكون الامر على هذا المنوال وهذا التعليم ايضا يكشف عن الواقع من غير تغيير وتبديل وهنا ( هذا خ‌ل ) ايضا بقي التقسيم على حاله والقسم الاخر من التعليم هو التعليم البياني القولي او الفعلي او التقريري وهذا من جهة عدم احاطة المتعلم يجب ان يبين له كل جزئي والجزئيات لا تتناهي فلا يمكنهم حصرها ويتعذر عليهم هذا لو فرضنا بقاء السفير في المكلفين ظاهر الامر نافذ الحكم وتمكن الرعية من الوصول الى خدمته الشريفة وتقبيل عتبته المنيفة فما ظنك فيما اذا لم يظهر وغاب او انه ظهر وماتمكن الرعية من الوصول بخدمته ومانفذ حكمه وماظهر امره فاذن كيف صنعهم في جزئيات امورهم المتجددة لهم آنا فآنا والاشياء التي لا بد لهم من استعمالها اذ بها نظام معاشهم وحيوتهم ولا ريب ان في هذا ضيقا شديدا وحرجا عظيما على فرضنا الاول فكيف في الثاني الذي نحن فيه ( عليه خ‌ل ) فرحم الله سبحانه هذا الخلق الضعيف لانه البر اللطيف لا يريد بهم العسر بل يريد بهم اليسر وما جعل عليهم في الدين من حرج لطفا منه للعباد وتيسيرا في البلاد فاباح لهم الاشياء على جهة الاطلاق فلهم ان يفعلوا فيها ما شاءوا الا ان يأتيهم الحكم الجديد من احد الاربعة فقبل ورود الحكم والامر على المكلف هو في سعة في ذلك ان اراد ان يترك فعل وان اراد ان يفعل فعل تيسيرا من الله وتوسعة له ولم يجعلها حراما لانه اشد في الضيق والحرج من الامر الاول ولم يجعلها باقي الاربعة اما الواجب فلما قلنا في الحرام فان ما وصل الى المكلفين من الامور المتناهية بالنسبة الى ما لم يصل جزء من مائة‌الف جزء من رأس الشعير واستغفر الله من التحديد بالقليل فاذا كان ما لم يصل اليهم واجبا عليه لاصابهم ضر شديد ولا يخفى ذلك لمن كان ( على من خ‌ل ) له قلب او القي السمع وهو شهيد والوجه للجميع ان الاشياء اذا ما امكن في الحكمة اجراءها على الواقع الاولي فيحمل ويجري على اقرب الاحوال اليه ثم الاقرب وهكذا والوجه فيه ظاهر فاذا ما امكن ايصال الاحكام الى المكلفين في كل شيء فلا يجوز الزامهم على شيء اذ قد يكون ذلك على خلاف الواقع والحكيم منزه عن ذلك فيجعلهم في سعة وفسحة حتى يرد عليهم الامر والنهي اللزوميين والتنزيهيين واما التوقف وان كان هو الواقعي بالنسبة الى الجاهل لكنه في ذلك عود للمحذور الاول الذي صار سببا للتوسعة والتخفيف اذ لا شك ان شئونات المكلف لا نهاية لها ويحتاج اليها ولا يمكنه السكوت عنها والقطع حاصل بانه ما اتى الامر والنهي فيما يتعلق بجميع شئوناته من حركاته وسكناته ولحظاته وخطواته ولمحاته وانواع مآكله وملابسه وهيئات احواله واوضاعه واضافاته وقراناته وصفات مشيه وهيئات مكالمته وغير ذلك من سبحاته وشئونه ولو انه توقف في كل ما لم يصل اليه لاضطرب اضطرابا شديدا واصابه ضر عظيم فلا اقل من العسر وضيق الصدر والذي لا يريد الا اليسر والسعة وان لا يكون للناس عليه حجة ولو وهمية لا يسلك بالخلق الى هذا السبيل فانه وعر جدا فتأمل واما اذا اردت الوجه الحقيقي فاسمع لما يتلى عليك ان هو الا وحي يوحي وليس وراء ذلك كلام فنقول اعلم ان الحدود الالهية التكليفية صور شرعية يتحدد بها الشيء والحكم الزام تلك الصورة اياه باقتضائه فالشيء المحكوم عليه هو مجموع تلك الصورة وذلك الشيء الذي هو المادة او كالمادة فقبل تحقق الصورة يبقى ذلك الشيء مطلقا معري عن كل تلك الصور وصالحا للتقيد بها وهذا لا اشكال فيه ثم ان الحدود الجارية على الاشياء على انحاء منها حدود تلزمها من حيث نفسها واقتضاء كينونتها من حيث مراتبها وشئونها وذاتها ومنها حدود تلزمها من حيث انتسابها الى غيرها واقترانها معه وافتراقها عنه على ما هو عليه في الواقع الوجودي ومنها حدود تلزمها مع الجميع باعتبار علم الآخر به وتعلقها به اذ حدود الشيء الواحد باعتبار العلم والجهل تختلف الا ترى من واقع الاجنبية جاهلا فانها حلال عليه ولو انعقد ( انعقدت خ‌ل ) نطفة ليست نطفة حرام وذلك الولد ليس بولد الزنا بخلاف ما لو كان عالما فانه ينعكس الامر وكذلك الصائم يأكل ويشرب جاهلا بحيث يشبع ويروي ولا يبطل صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة بخلاف ما لو كان عالما فان عليه القضاء والكفارة وهذا لا ريب فيه اذا علمت هذه المراتب الثلثة فاعلم ان كل مرتبة ثانية حدود المرتبة الاولية وتلك المرتبة الاولية بمنزلة المادة للثانية وان كانت مصورة في مرتبتها كالخشب فانه مركب من المادة والصورة لكنه مطلق بالنسبة الى السرير والصنم والباب وغير ذلك فالشيء من حيث هو قبل التعين والتصور قابل لكل صورة مطلق لا بشرط فلما تصور وتعين تقيد ولا يشمل الآخر وهذا الشيء المصور المقيد في رتبة قبل الاقتران بالآخر الذي يفيد الحدود الثانوية مطلق بالنسبة الى الرتبة الثانية صالح للتقييد بكل قيد وحد في المقام الثاني غير محكوم على شيء مما في هذه المرتبة فيكون المجموع المركب من الحد والمحدود مادة للحدود الثانوية سواء طابقت الاولى ام خالفت او ناقضت وذلك كالصدق فانه من حيث هو طيب طاهر حلال يوصل صاحبه الى اعلى مقامات القرب والكذب فانه من حيث هو رجس نجس خبيث منتن حرام يوصل صاحبه الى اسفل دركات البعد لكن اذا اضيف مع الآخر ينقلب الحكم فاذا اضيف الصدق الى هلاك المؤمن فيكون حينئذ من حيث هذا الوصف رجسا نجسا باطلا حراما والكذب اذا اضيف الى نجاة المؤمن في الله يكون حلالا طيبا طاهرا مباركا ولا ريب فيه فاذا قطعت النظر الى الاضافة ورجع كل منهما الى صقعه ورتبته سقط الحكم الثانوي ورجع الى الاولى فكذلك هذا المجموع باعتبار علم المكلف وجهله به يختلف حكمه ويتجدد حده فيكون ذلك المجموع مادة او بمنزلة المادة المطلقة للحدود الثالثة فاذا قطعت نظرك عن علم المكلف رجع ذلك الشيء الى صقعه وسقطت الاحكام المتعلقة بتلك الرتبة رأسا فتكون حينئذ الرتبة الاعلى الاولي مطلقة بالنسبة الى السفلي الثانية فالشيء مطلق بالنسبة الى السفلي الثانية فالشيء مطلق بالنسبة الى الحدود الاولية الثابتة له من حيث هو ولولا تلك الحدود لاجريته في كل ما يصلح له ولا يأبى عن ذلك والشيء المحدود بالحدود الاولية الذاتية مطلق بالنسبة الى حال الاقتران فلولا الحدود الثانية الثابتة له من هذه الحيثية لاجريته الى ما يصلح له من حيث الاقتران على الاطلاق وكذلك المحدود بالحدود الثانوية مطلق بالنسبة الى الحدود الثالثة الثابتة له من حيث علم المكلف به وتمكنه عليه فلولا تلك الحدود لاجريته في ما يصلح ولا يأبى عن ذلك وللاشارة الى هذا السر المخفي قال عليه السلم كل شيء لك مطلق حتى يرد عليك امر او نهي ولنوضح لك المراد بذكر المثال ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون فنقول ان الذات والجوهر المجرد عن الصفات المخلوق اولا قبل الصور والتعينات مطلقة عامة شاملة لكل الصور والحدود وليس بحد اولى من الحد الآخر بالنسبة اليه وينتسب الى الكل وينتفي عنه فاذا تحددت بالحدود الجنسية وتصورت بصورها فامتازت لكن كل حد من هذه الحدود الجنسية مطلق بالنسبة الى الصور النوعية فتصلح كل حصة من الحيوان مثلا لكل من الانسان والفرس والبقر وامثالها ظاهرا فيجوز لك ان تنسب كل حصة الى الكل وتنفي عنه وهذا المحدود بالحدود النوعية مطلق بالنسبة الى الحدود الشخصية فتنسب كل حصة الى كل هذه الحدود وتنفي عنها مما استجن فيها من امكان كل تلك الحدود فاذا تشخص بالمشخصات الجزئية ارتفع العموم واختص كل حصة بما لها من الصور فتقول زيد وعمرو وبكر وغير ذلك فتدبر في هذا المثال تجد الامر واضحا وان اردت اوضح من ذلك اذ ربما تستشكل لقصورك ولغرابة المطلب وبعده عن الافهام فلنمثل لك مثالا مطابقا في بادي النظر فنقول ان الشيء من حيث هو هو مع قطع النظر عن ملاحظة كيفيته معه مطلق يصلح لكل طبيعة وكل لون فاذا اضفت اليه الحرارة واليبوسة اقتضى الحمرة فحكمت ( فحكمت عليه خ‌ل ) انه احمر واذا اضفت اليه الحرارة والرطوبة اقتضى الصفرة فحكمت عليه بها واذا اضفت اليه البرودة والرطوبة اقتضى البياض فحكمت عليه به واذا اضفت اليه البرودة واليبوسة اقتضى السواد فحكمت عليه به هذا اصول الالوان في الجملة وبراهينه مذكورة في العلم الطبيعي هذا حكم كل واحد من حيث نفسه فاذا اضفت بعضها الى الآخر يختلف حكمه فتحكم عليه بحكم آخر مثل ما اذا اضفت الصفرة الى ( الى السواد تحصل الخضرة فتحكم عليه من هذا الاقتران بالخضرة واذا اضفت الصفرة الى خ‌ل ) البياض تحصل الحمرة واذا اضفت السواد الى البياض تحصل الزرقة وهكذا هذا حكمه من حيث الاقتران الواقعي واما حكمه باعتبار ظهوره في المرآة مع هذه الالوان وهو مثال علم المكلف فان العلم ظهور صورة المعلوم في مرآة خيال العالم فيختلف باختلاف المرآت فلون الابيض يرى في المرآت البيضاء ابيض وفي السوداء اسود وفي الحمراء احمر وفي الخضراء اخضر وفي الصفراء اصفر وفي العوجاء اعوج وهكذا فقبل مقابلته بالمرآة يصلح ان يتلون بالاحمر والاخضر والاصفر والاستقامة والاعوجاج الى غير ذلك من احوال المرآت فلا يمكنك قبل المقابلة ان تحكم عليه بشيء من هذه الالوان فيسقط اعتبار حكم المرآة فهو قبل مقابلة المرآة اياه مطلق بالنسبة الى الصور المنطبعة فيها لا يجري عليه من حيث المقابلة قبلها حكمه نعم بعد ما ظهر في مرآة من المرايا اختص حكمها به فافهم فانه تمام الامر فظهر لك مما شرحنا ان الاشياء وان كانت لها حدود من حيث انفسها وحدود من حيث اضافتها الى المكلفين لكنها مطلقة بالنسبة الى علم المكلفين بها وتمكنهم عليها فاذا فقد احد الشرطين اللذين هما تمام قابلية تلك الحدود انتفى المشروط المقبول نعم اذا حصل العلم والمكنة هنالك حصلت المقابلة التامة فيلزمهم الحكم ويترتب عليه مقتضاه من السعادة والشقاوة واما قبل ذلك فالناس المكلفون في سعة من ذلك هذا حكم الوجدان الصحيح الصريح وتطابقت عليه الآيات والروايات عن سادات البريات مثل قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله تعالى ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها وقوله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يتبين لهم ما يتقون وقوله تعالى معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده وقوله صلى الله عليه وآله رفع عن امتي ما لا يعلمون وقوله صلى الله عليه وآله ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وقوله عليه السلم ايما امرء ركب امرا بجهالة فليس عليه شيء وقوله صلى الله عليه وآله الناس في سعة ما لم يعلموا وقوله عليه السلم كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي كما رواه الفقيه (ره) حتى يرد امر او نهي كما رواه الشيخ (ره) وقوله عليه السلم حين سئل عن الرجل فتزوج المرأة في عدتها اهي مما لا تحل له ابدا فقال لا اما اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما ينقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو اعظم من ذلك فقلت باي الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه او ( ام خ‌ل ) بجهالته انها في عدة فقال عليه السلم احدى الجهالتين اهون من الاخري الجهالة بان الله حرم ذلك عليه وذلك انه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت فهو في الاخرى معذور قال نعم الحديث وقوله صلى الله عليه وآله ان الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم وقوله عليه السلم في قول الله عز وجل وما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتى يتبين لهم ما يتقون قال عليه السلم حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه قال فالهمها فجورها وتقويها قال بين لها ما تأتي وما تترك وقال انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا قال عرفناه اما آخذ واما تارك وعن قوله تعالى واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون وفي رواية بينا لهم وفي رواية عبدالاعلي اصلحك الله هل جعل للناس ( في الناس خ‌ل ) اداة ينالون بها المعرفة ( المعرفة قال خ‌ل ) فقال لا فقلت فهل كلفوا المعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا الا وسعها ولا يكلف الله نفسا الا ما آتيها وقوله عليه السلم ليس على الخلق ان يعرفوه وللخلق على الله ان يعرفهم ولله على الخلق اذا عرفهم ان يقبلوا ورواية عبد الاعلى بن اعين قال سئلت ابا عبد الله عليه السلم من لم يعرف شيئا فهل عليه شيء قال لا ورواية حمزة بن الطيار عن ابي ‌عبد الله عليه السلم قال لي اكتب فاملا على ان من قولنا ان الله يحتج على العباد بما آتيهم وعرفهم ثم ارسل اليهم رسولا وانزل عليهم الكتاب فامر فيه ونهي الحديث وقوله عليه السلم ان الحجة لا يقوم لله على خلقه الا بامام حتى يعرف والروايات في هذا المعنى كثيرة لا تحصى بل لا تجد خبرا ولا آية من كتاب الله الا ورأيته شاهدا على هذا المدعا بل الكون والخلق والرزق والحيوة والموت ما بنيت الا على هذا والسر فيه ما ذكرت لك من دليل الحكمة وان اردت دليل المجادلة بالتي هي احسن فقل ان الخلق جهال من نحو ذاتهم والتكليف امر توقيفي من عند الله سبحانه لا سبيل للخلق اليه كما عرفت سابقا مشروحا فاذا اراد حكما من العبد يجب عليه في الحكمة ان يبينه له لانه هكذا وعد وقال وعلى الله قصد السبيل فاذا لم يبين مع اقتداره عليه وايصاله الى الخلق وجهل الخلق اياه لم يرده من الخلق فاذا اراد ذلك ولم يبين كان مكلفا بما لا يطيقه الخلق وهو سبحانه اجل من ذلك وانما كلفهم على وسعهم كيف ولو فتح هذا الباب لانسد باب ارسال الرسل وانزال الكتب وتعيين الحفظة لجواز ان يريد من الخلق ما لا يبينه لهم فكلما جاز على الله وجب اذ ليس عنده تردد ولا انتظار الا اذا كان ذلك الشيء في نفسه قبيحا مثل اسعاد الاشقياء واشقاء السعداء فان قلت ان في التكليف من غير بيان قبحا قلت فالله تعالى اجل ان يرتكبه وان قلت ليس فيه قبح لكن البيان احسن ولاجله بعث الانبياء قلت فالله اجل ان يعدل عن الاحسن ما لم يكن مانع فان قلت ان المانع غيبة الحجة والمبين عليه السلم وروحي له الفداء قلت اولا ليس هذا هو المانع لما ذكرنا مكررا ان الحجة يد الله في الارض وعين الله الناظرة في العباد ( عباده خ‌ل ) يد الله مبسوطة ينفق منها كيف يشاء من احكام الوجودي والتكليفي والذاتي والصفتي كيف ولولا ذلك لم تجد الحق اصلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما رواه ابن‌ عباس ما معناه لم يوجد حق في يد احد من الخلق الا بتعليمي وتعليم علي عليه السلم ولا يلزم ذلك المشاهدة والمعاينة بل يدبرهم من حيث لا يشعرون كما كان سنن الانبياء الماضين مع رعيتهم وشيعتهم حال اختفائهم اقرء قوله تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها الآية وثانيا ان هذا هو المصادرة فان المراد ان في صورة الغيبة وعدم التمكن من ايصال التكليف والمكلف به يرتفع التكليف فلا يجوز ان يكون مثبتا للمدعا فافهم فان قلت ان الخلق لا شك انهم يدرون ان في كل شيء حكما يكلف به الانسان قلت هذا لمجمل نعم لكن من اين يدرون عموم هذا حتى الى انفسهم حين عدم وصول الحكم اليه مع انه قد سبق لك ان علم المكلف بالتكليف والمكلف به وكذا الدليل من تمكين المكلف ( المكلف للمكلف خ‌ل ) للقبول او للانكار فان التمكين يجب ان يكون من الفاعل لا من القابل فاذا اثر الفاعل وما مكن القابل يرفع الحايل بينه وبينه لم يظهر ذلك الاثر ولم يقع على المفعول المتأثر قطعا وهذا لا شك فيه فاذا لم يصل اليك من المكلف امر ونهي فاقطع قطعا يقينيا انك لست مكلفا بذلك ولا يريده منك والا لاقام لك الدليل فانت في سعة منه واباحة ان قلت انك قررت سابقا ان الاحكام في الواقع اربعة واجب وحرام ومندوب ومكروه ولا شك ان هذه الاربعة صفات الاشياء ومن مقتضيات كينونتها والشارع ابان عن الواقع فالمضرة والمنفعة انما هما ثابتان في ذلك الشيء كالسم وكالعسل اذ لا نقول كما قالت الاشاعرة ان الاحكام لا مدخلية للخارج فيها بل نرى الحسن والقبح عقليين فاذا كان هكذا فما وصل اليك من الشارع بيان عملت على مقتضاه وما لم يصل اليك فعليك التوقف لان الشارع مبين لا مخترع حينئذ وقد يكون في ذلك مضرة والاحتراز عن الضرر لازم قلت بلى ان الحسن والقبح عقليان وان الشارع يحكم على ( على حسب خ‌ل ) مقتضى الشيء لكن ليس ذلك الشيء مستقلا في ذلك الاقتضاء بل متوقف على اذن واجل وكتاب فاذا ماقصر المكلف في الطلب ولم يعثر على الدليل فلم يرد الله منه ذلك فيدفع عنه ما فيه من المضرة اذا استعمل ذلك الشيء الاتري ان الرجل اذا واقع اجنبية جاهلا وانعقدت نطفته يحكم بان الولد ليس ولد الزنا وانه يرث واذا مات يدخل الجنة الاصلية ان عمل صالحا لا الحظاير مع ان ولد الزنا لا يدخل الجنة وذلك لاقتضاء كينونته واستدعاء قابليته وصفته فرفع الله مرتبته ورفع عنه كدورته ورقاه الى اصل جنته وبالجملة ان الاسباب انما كانت اسبابا اذا كانت بيده والمقتضي انما يترتب على المقتضى باذنه واللازم يترتب على ملزومه ( الملزوم خ‌ل ) بفعله وبامره فاذا ما اذن وحال بين اللازم وملزومه والمقتضى ومقتضاه فانه على كل شيء قدير وما ذلك عليه بعزيز واذا اتقنت هذا الاصل الذي اشرنا اليه مجملا يهون عليك الامر في الاختلافات الواقعة في الشريعة وايقاع الاحكام والعقود والايقاعات على آراء مختلفة والكل مثابون في اعمالهم وافعالهم ومأجورون ويزيد الله بذلك درجاتهم ويرفع مقاماتهم تفضلا منه ورحمة انه ذو الفضل العظيم فلو كان الامر دائرا مدار الواقع والوصف الاولي لهلك الناس الم تر ان الاطباء اذا اختلفوا في طبيعة دواء وسقوه المريض لا شك ولا ريب انه لا ينفع الا فيمن اصاب الواقع في طبيعته والباقي يتضررون بذلك بل ربما يهلكون وليس الشارع كالطبيب مبين محض ولا التأثيرات الثابتة في الاشياء كالتأثيرات الثابتة في العقاقير بالنسبة الى الاطبا ولا كما تقوله الاشاعرة فان القول به نقصان في الحكمة كما ان في القول بانها كالعقاقير عزل لله سبحانه عن السلطنة بل امر بينهما اوسع من السماء والارض لا يعلمه الا من انار الله قلبه وشرح صدره وفيما ذكرنا كفاية لاهل الدراية ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فظهر لك ان الاشياء التي لم يصل الينا له من الشارع حكم والاصل فيها الاباحة بالعقل والنقل والوجدان واشرنا الى الجميع فمن لم يجد ما قلنا وتأمل فيه فليسأل الله ان يصلح وجدانه فبطل القول بالتوقف فانه فرع ثبوت التكليف والقول بالاحتياط لانه لتحصيل القطع بالمكلف به وهو فرع ثبوت التكليف مع ان مولينا الصادق عليه السلم منع من الاحتياط واحاله بقوله ان الجاهل باصل التكليف والحكم لا يقدر معه على الاحتياط وهو كما قال روحي فداه وكذا الاقوال الاخر فان كلها ساقطة عن الاعتبار فمن نظر الى ما كتبنا وعرف ما اشرنا يرى صحوا بلا غبار ونورا كالشمس في رابعة النهار وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر واما ما مثلت به من امر التتن فالقائل بحرمته او التوقف فيه لا يستند الى مجرد كونه ما لا نص فيه بل يستند الى اخبار تنافيها عمل اصحابنا رضوان الله عليهم وتعارضها ما تقاومه فان تلك الاخبار اكثرها ( اكثرها بل كلها خ‌ل ) ضعيفة عامية مع ان دلالتها على المطلوب ممنوعة وليس لي الآن اقبال في ذكر ما تمسكوا به من الاخبار في حرمته ولو ادعى احد الاجماع على جوازه امكن نعم هنا اعتبارات اخر يصلح للاعتبار وانا الى الآن ماتأملت فيها لاجل الترجيح ولم يتبين لي صحة ما ذكروا والله الهادي الى سواء السبيل

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثالثة - ان من وجد حكما من الاحكام بالاخبار التي دونت وجمعت في الكتب الاربع ( الاربعة خ‌ل ) هل له ان يعمل بمقتضاه ام لا يسوغ له ذلك حتى يسمع من المجتهد حكمها بواسطة او بغيرها

اقول اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق اظهارا لقدرته واثباتا لعظمته وابانة عن سلطنته فجعلهم امثلة تفريده وتمجيده وخلقهم على هيكل توحيده فاظهر بهم علمه لما خلق فيهم العلم وقدرته لما خلق فيهم القدرة وحيوته لما خلق فيهم الحيوة وهكذا ساير صفاته الكمالية وسماته الجمالية وقال عز من قائل سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء الآية ولما كان ظهور السلطنة والكبرياء والقهارية والجبروت من اعظم ما يجب على الخلق معرفته حتى يخضعوا على طاعته ( لطاعته خ‌ل ) ويخشعوا لعظمته فتذلل رقابهم لعبوديته وترتعد فرايصهم من خشيته وتضمحل اهوائهم دون ارادته وتبطل مشيئاتهم دون مشيته ليخلصوا في طاعته وعبادته ويصيروا من اهل توحيده لينالوا ما خلقوا لاجله ويصلوا الى مقام قربه ويتنعموا في جنته بثوابه تفضلا منه ورحمة وقد جرت عادة القلوب ان بالبيان المقالي لا تسكن ولا تطمئن الا اذا رآه او اذا رأي صفته ومثاله بالمشاهدة فتستولي عليه عظمة الحق سبحانه خلق صفة تلك السلطنة ومثالها وآيتها في الخلق ليكون ابلغ في الحجة واكمل للنعمة فجعل الخلق على قسمين تابع ومتبوع وراع ورعية بحيث لا يستقيم النظام بدونه في كل مرتبة من المراتب حتى في نفسه واهل بيته وهو قوله عليه السلم كلكم راع وكلكم مسئولون عن رعيته ولما كان الاشياء انما يجريها الله سبحانه باسبابها وشرايطها اثباتا للحكمة واظهارا للقدرة والا فهو يفعل ما يشاء كما يشاء لما يشاء بما يشاء جعل عند المتبوع جميع ما يحتاج اليه التابع ليأخذ عنه ويرجع اليه ويكون بذلك تابعا له ومنقادا لامره ومطيعا له في جميع ما امره وذليلا لديه وحقيرا عنده ويرى انه مع ذلك عبد ليستشعر عظمة الله وقدرته وقهاريته وان لا ملجأ من الله الا اليه ولا مفر عنه الا به ( اليه خ‌ل ) فيخلص التوحيد والعبودية فيستوجب بذلك كرامة الابد لطفا من الله العزيز الحكيم ولما كان المتبوع هو ظاهرية الحق للخلق وبه ظهور سلطنته يجب ان يكون عادلا عالما متفضلا متجاوزا عظيما صعبا لينا حكيما حليما رؤفا رحيما مشفقا على رعاياه مسددا لهم على ما ( لما خ‌ل ) هو صلاحهم ومرشدا لهم الى ما هو رشدهم وخيرهم ليعلموا بذلك لطف الله القاهر على الكل التابع والمتبوع وحلمه وحكمته ورأفته ورحمته وثوابه وعقابه وبالجملة هذا اصل اذا نظر المستبصر اليه يعرف جميع ما يجب عليه وما يستحب له من سلوكه سبيل ربه في عقايده واعماله واقواله وحركاته وسكناته وجميع ما يخطر بباله وذلك السلطان الذي جعله الله سبحانه آية لسلطانه ومثالا لقدرته وعظمته وامتنانه هو اولوا الامر الذين يهدون الى الحق والى طريق مستقيم فيجب ان يكونوا معصومين مطهرين عالمين حكيمين وغير ذلك من الصفات الكمالية الظاهرة للرعية فجعلهم سلطانا على كل من ذرء وبرء من الخلق من اهل المشرق والمغرب وما وراهما الى ما شاء الله اذ عندهم جميع ما يحتاجون في جميع جهاتهم ومراتبهم ومقاماتهم ودرجاتهم وليستشعروا رجوع كل الخلايق بكثراتها واضافاتها ومراتبها الى الواحد القهار ولا يستعجبوا ان الكثرة الغير المتناهية كيف ترجع الى الواحد وتقوم به وتصدر عنه ولما كان الليل قد تقدم على النهار مع ان النهار خلق قبله دل على تقدم الظلمة على النور فلما استولت الظلمة برجسها ونتنها وخبثها يغيب النور فلذلك غاب الحجة السلطان العادل فلما غاب العادل عليه السلم اختلف امر التابعية والمتبوعية فاتبع من هو دليل الشيطان وخصيم الرحمن وغلب الحق وخفي فما بقي ظهور السلطنة الالهية على ما خلقت له وقد علمت ان ذلك هو اقوى آيات الله سبحانه في خلقه اذ عليه يترتب كلما اراد الحق من الخلق من الاعمال والمعتقدات ارادوا عليهم السلم ان يثبتوا ذلك الحكم ويبقوا ذلك التقسيم ولما كان ذلك انما يتم بالاسباب جعلوا كلماتهم عليهم السلم كالقرآن على ما هو عليه من المحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والظاهر والباطن والمنطوق والمفهوم ودليل الخطاب وفحوي الخطاب ودليل الاشارة ودليل التنبيه والتلويح والتضمين والاستخدام والكناية والاستعارة ومن قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة والتشبيه والتمثيل وامثالها من الاحكام والامور التي لا يعرف المراد منها الا بالطلب والجهد واستفراغ الوسع والعلم بنوع الطريقة والمذهب ليكون المحصل للمراد حاملا لمتبوعيته وجامعا للصفة التي يناسب ويقرب وصفهم كالعدالة والمعرفة والورع والتقوى وامثالها ليرجع اليه من لم يتمكن من التحصيل ويأخذ عنه ويذل لديه فيحصل به الغرض الذي به نظام الوجود وسر معرفة المعبود ولما كان حصر رعاياهم وغنمهم في متبوع ورئيس واحد وجمعهم على متابعته يستلزم توجه سيوف المخالفين عليهم واعدامهم كما بينا اوقع فيهم الاختلاف وتعددت الرؤسا والرعايا وجعلهم بلطيف حكمتهم سلام الله عليهم ان لا تنازع بينهم ولا تحاسد ولا تباغض ليدعوهم الى فناء انفسهم كالرياسات الظاهرية ليدل على تنزه الاصل الغائب المستتر عن ذلك وهذا الحكم يجري فيهم حتى يدول دولتهم ويظهر مستورهم ( مستودعهم خ‌ل ) عجل الله فرجه وفرجهم فهنالك يرجع الامر الى الواحد ويخلص التوحيد لله الواحد القهار ويستغني بعضهم عن بعض كما قال تعالى وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته ولم يبق الاحتياج الا الى الواحد الذي هو ظهور الاحد جل جلاله وعم نواله فالعلماء في هذا الزمان نواب ائمتهم وحكام رعيتهم كما قال عليه السلم هم حجتي عليكم وانا حجة الله على الخلق وقال عليه السلم انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فالراد عليه كالراد علي والراد على علي حد الشرك بالله سبحانه وتعالى وقال الله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون وقال تعالى فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وقال تعالى افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون وقد قال مولينا العسكري عليه السلم في تفسير قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله قال فهذه لقوم من اليهود ثم قال عليه السلم وقال للصادق عليه السلم رجل اذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمائهم الى ان قال عليه السلم فقال عليه السلم بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة وتسوية من جهة اما من حيث الاستواء فان الله تعالى ذم عوامنا كما ذم عوام اليهود واما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد علموا علمائهم بالكذب القراح واكل الحرام والرشا وتغيير الاحكام واضطروا بقلوبهم الى ان من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسايط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم وكذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فان من ركب من القبايح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة وانما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لذلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسرهم لجهلهم ويضعون الاشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا الحديث وصلى الله على قايله فقد ظهر لك ان النظام لا يتم الا بالتابع والمتبوع والسلطان والرعية وظهر لك ايضا ان اخبار الائمة الاطهار وكلام الله الواحد القهار ليس مشرعة لكل خائض ومنهلا لكل وارد بل لهما اصحاب وحملة وحفظة يعرفون اشاراتها ويحققون بلطيف النظر تلويحاتها ويدركون بصحيح البصر معاريضها ولطايفها ويلتفتون الى القراين والاحوال والارشادات التي ادرجوها في كلماتهم سلام الله عليهم ويطلعون على مواقع الاجماع بصحة الاطلاع ويفرقون بين الشهرة الباطلة والصحيحة ويستخرجون منها حكم الله ومن لم يصل الى هذه الدرجة ولم يبلغ الى هذه المرتبة فهو من رعاياهم وغنمهم ويجب عليه متابعتهم ويتلقي منهم الى ان يكشف الله هذه الغمة عن هذه الامة ويرث الارض ومن عليها فثبت ان عند خفاء الحجة ظاهرا الناس صنفان مجتهد ومقلد لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما وظهر ايضا ان الاجتهاد ليس واجبا عينيا كما ذهب اليه الحلبيون فان ذلك خلاف نظم الوجود وخلاف ما يظهر من اخبار آل الرسول سلام الله عليهم وما يستفاد من القرآن مع ما يستلزم ذلك من العسر والحرج والضيق على كافة الخلق لان تحصيل الاحكام عن اجتهاد لا بد من تحصيل مقدماته من العلوم التي هي النحو والصرف واللغة وعلم الاصول ومواقع الاجماع وفتاوي العلماء ومعرفة الاخبار ومعرفة الآيات القرآنية الدالة على الاحكام والملكة الراسخة والقوة القدسية التي بها يقتدر عن رد الفروع على ( الى خ‌ل ) الاصول واني لعامة الناس ذلك وكيف والطلاب الذين يصرفون اعمارهم في تحصيل العلم ما نرى البالغين مرتبة الاجتهاد منهم الا القليل مع ان الله سبحانه يقول ما جعل عليكم في الدين من حرج ويقول وما كان المؤمنون ان ينفروا كافة فلولا نفر الآية كما سبق والاحاديث السابقة والاخبار في هذا الباب كثيرة وكذا الادلة العقلية كما سمعت من دليل الحكمة والمجادلة بالتي هي احسن فلا معنى لتكليف الخلق كلهم على معرفة الاحكام الاستنباطية والشريعة الحنفية السهلة السمحة تأبى من ( عن خ‌ل ) ذلك فاذا عرفت ما ذكرنا لك ظهر الجواب عن المسئلة بان الذي يجد حكما من الاحكام من الكتب الاربعة ان كان من اهل الاستنباط والاستيضاح فيعمل بمقتضاه والا فلا يجوز فان اخبارهم صعب مستصعب مفتاحها عند المجتهد وهو الباب ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها فلو ان مجرد ملاحظة الحديث كان كافيا لكان كل من عنده كتاب من الحديث لاكتفى واستغنى به والبديهة تشهد بخلافه فكما ان كتاب الله له حملة يحفظونه يؤخذ علمه عنهم كذلك الاخبار لها حملة يحفظونها عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين فيؤخذ علمها منهم الا ما كان من قسم الضروريات

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الرابعة - ما معنى علم الحال الذي ذكره الطوسي القدوسي في آداب المتعلمين في تفسير قوله عليه السلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة

اقول المراد بالحال حال الشخص مع ربه وحاله مع نفسه وحاله مع غيره لان الله سبحانه لما خلق الخلق نظر المخلوق الى نفسه فبذلك تكثرت شئونه واحكامه وقواه وشهواته وارادته ولما كان من جهة وقوعه في رتبة الامكان الجائز ما يقدر على اظهار جميع ما يمكن في ذاته الا بمعونة الخارج من الاشياء الخارجية حصلت له علاقة الى غيره وارتباط به فهناك تتحقق حالات ثلث حالة ملاحظة خالقه وحالة ملاحظة نفسه وحالة ملاحظة غيره ولما كان محتاجا في الاحوال الثلثة ( الثلث خ‌ل ) الى المدد وكان تلقي المدد موقوفا على مقابلته لفوارة القدر وكان جاهلا بكيفية تلك المقابلة في المقامات الثلث ابان الحق سبحانه عن ذلك وشرح له ذلك في كتابيه التكويني والتدويني فيجب عليه ان يعرف تلك الكيفيات لان قوام وجوده وبنيته الظاهرية والباطنية موقوف على المدد وايصال المدد موقوف على المقابلة وهي موقوفة على العلم بكيفية المقابلة في الاحوال الثلث وقد كشف مولينا رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا العلم بقوله الشريف انما العلم ثلثة آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة فالعلم بالحالة الاولى معرفة توحيد الله سبحانه ومعرفة اركان توحيده وترجمان توحيده وحفظة توحيده والثمرات المترتبة على توحيده والمترتبة على كفره فالترجمان هو النبي (ص) والحافظ هو الوصي والثمرة المترتبة معرفة الحشر والنشر والثواب والعقاب يوم القيمة ومعرفة صفات الحق وافعاله والفرق بين صفاته الذاتية والفعلية والفرق بين الصفات اللايقة لجلال قدسه والتي لا تليق به مطلقا اي في الصفات الذاتية والفعلية ومعرفة عبادته ومناجاته ودعائه وكيفية الاعمال الموصلة الى ثوابه والاعمال الموصلة الى عقابه وهذا القدر بالاجمال للعوام وبالتفصيل للخواص وبالتحقيق للخصيص وقد ذكرنا في تفسيرنا على آية ‌الكرسي عند تفسير لا اله الا هو ان التوحيد له مائة وستون مرتبة وكل الخلق من الذرة الى الدرة لهم مقام فيها على حسب درجاتهم وترقياتهم وتنزلاتهم والاعمال تتبع التوحيد فالحقيقي يستدعي الحقيقية والباطني اي الشهودي يستدعي الباطنية والملاحظة الاضمحلالية والصوري يستدعي الصورية

ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام مما يطول

فافهم وفقك الله والعلم بالحالة الثانية ان يراقب النفس ويطهرها من اوساخ الاغيار ويحليها بحلية الابرار ويستشعر عظمة الله وقدرته آناء الليل واطراف النهار وانه ليس شيء الا بمدده ووجوده من فاضل جوده ولا يتعقل باطلا ولا يتصور زايلا ولا يتخيل خيالا بل يجعل همه في ذكر الباقي وفكره والسعي في طلبه والباقي له مراتب من اول جنان الآخرة الى الكثيب الاحمر الى مقام الرفرف الى مقام الرضوان ثم منه الى ما شاء الله من البقاء الابد والدوام السرمد او الباقي الذي لا يهلك وهو وجهه سبحانه الظاهر في اسم الله الرحمن الرحيم ففي الرحيم ينظر الى الوجه بذاته وفي الرحمن بشبحه وفي الله بنوره او الباقي الذي هو الحق المتعال عن وصمة الزوال بان لا يكون همك الا هو لا بان تصل الى ذاته كما هو من خرافات الصوفية لعنهم الله بل بان تقطع نظرك عن كل ما سواه بحيث استولى بظهوره على كل الظهور فاضمحل عند نوره كل نور وانعدم بوجوده كل الغيور وانت في مكانك وهو جل جلاله في ازله تعالى عما يقوله الظالمون وعما يصفه الواصفون علوا كبيرا وقد قال عليه السلم المؤمن كلامه ذكر وصمته فكر ونظره اعتبار وقد شرحنا هذا العلم في جواب المسئلة التي اتانا من ارض الغري على مشرفها سلام الله الملك العلي فان ما فيه تمام الامر لمن عرفه وليس لي الآن توجه الى التفصيل والعلم بالحالة الثالثة له بيان مجمل ومفصل اما المفصل فمذكور في اخبار الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار والكتب الموضوعة في علم الاخلاق فليرجع اليها واما المجمل فبان تعاشر غيرك مثل ما تحب ان يعاشرك اذا كنت معتدل المزاج ومتوسط الاحوال والا فانظر حال المعتدلين الواقفين مقام اليقين فشابههم ثم عامل معاملتهم وهذه الحالات الثلثة هي تقوى الله في القرآن في قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا ان الله يحب المحسنين فالاولى تقوى الناس والثانية تقوى النفس والثالثة تقوى الله على ما شرحت لك والله ولي التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال سلمه الله تعالى : المسئلة الخامسة - كيف تبييض الثفل اذا اخذ منه المياه هل بالاحراق او الطبخ مع لبنة العذراء وما المراد بالجسد الجديد الذي ذكره الحكماء فابسط لي يا سيدي هذا المقال وبين لي حقيقة الاحوال واكشف القناع عن وجه الاجمال بيض الله غرة احوالكم وجعل الفردوس مآلكم

اقول كلا الامرين يصح لكنك اعلم اولا ان تبييض الثفل في مقامين احدهما في المقام الاول الذي هو العمل المكتوم فان هذا العمل له اربع مراتب الاولى المغتذي حتى يكون نطفة ويتميز بين نطفة الرجل ونطفة المرأة ثم يجمع بينهما بالتزويج بالزوجات الاربع الى ان ينعقد الماءان الخارجان من صلب الرجل وترائب المرأة ويصيران ماء واحدا وهيهنا يتم ربع العمل الثانية رتبة المعدن وهو بعد انعقاد الاصل والمادة والسقي بالمياه الاربعة الاول بمثله ثم بنصف ثلث مثله ثلث مرات لاتمام الاربعة وظهوره في كل سقي بلون من الالوان الى ان يعود الى البياض كالروب والى هنا يتم نصف العمل الثالثة رتبة النبات وهو استخدامها بالجواري الست وطوافها بالبيت الحرام اسبوعا ثم استخراج الارواح الى الانوار الحقيقية النور الابيض والنور الاصفر والنور الاحمر وجعلها هي النور الاخضر والى هنا يتم ثلث العمل الرابعة مرتبة الحيوان وهو مقام التركيب والضم واخراج التسعة المفسدة من الارض المقدسة بالتساقي التسعة ( التسع خ‌ل ) ووضعها على الجبال العشرة فهناك يتم العمل فبعد اتمام الثلث يظهر القمر في فلكه الجوزهر في مقام انشأناه خلقا آخر فباتمام التسع يكمل الولد ويبلغ مبلغ الرجال وينطق معلوم المبدء والمآل وهو الشجاع الذي يهزم الصفوف ولا يكترث بالالوف والقوم انما كتموا الربع الاول وما ذكروه ابدا تضنينا لهم بالامر وتعمية للفهم ولذلك سموه بالعمل المكتوم وربما يشيرون الى الربع الثاني باشارات بعيدة المنال ويشرحون النصف الآخر في اغلب الاحوال بالرمز والايماء في المقال فالتبييض في العمل المكتوم مما لا بد منه بل هو الاصل والا يبقى المركب كدر اللون فيؤثر هكذا كدرا اغبر وهذا نقص عظيم في العمل وكيفية هذا التبييض انك بعد ما فصلت المادة الى ماء جامد ونار سائلة وصفيت النار واخذت صفوها والقيتها على الماء اربعة امثاله او ثلثة فجذبتها منه ثم رويتها الى ان انقلب نصف الماء نارا ثم القيت عليه من ذلك الصفو مثله فجذبتها منه ثم اعدتها عليه الى ان انحل النصف الآخر فرميت الباقي فانه ميت لا حيوة فيه فهناك انعكس الامر فانقلب الماء بالنار والنار بالماء ثم تعقد النار حتى يكون في قوام العسل او الشحم فهناك محل التبييض بان تدخل عليه الماء المستخرج عنها وتعفنها ثلثة اسابيع حتى يصير ماء واحدا ثم تقطره وترفق في تقطيره وترد الاعلى الى الاسفل سبع مرات فيصير الاعلى في اعلى طبقة الزيبق الغواص وتقطره بالرطوبة ولا تزال كذلك حتى يكون الماء ابيض كالثلج والنار التي هي الجسد اسفل اغبر فلا تزال تردد عليه الماء وتقطر حتى يبيض النحاس المحروق وهو الثفل كالرخام المدقوق والماء كالورد الاحمر وقد بلغ غايته وان قل الماء اذا زدت تقطيره وضع عليه من الماء المدخر عندك واطبخ الجسد به وقطره واعلم ان الغرض كله في البياض فلا تضجر من طول زمانه فبعد يقصر الزمان واعلم ان العمل على الماء القراح وليس له قدر معلوم فلا تضر كثرته وان زاد الا انه يبطي في الانجلاء فاذا ابيض ذلك الجسد او تلك النار او العسل او الشحم او نطفة الرجل فهناك محل التزويج بالمرأة فتوزن من ذلك الماء ضعفه اربع مرات فزوجه اولا بكفوه وهو مثله ثم اقسم الباقي نصفين واجعل النصف ثلثة فزوج كل ثلث مرة وعفن في هذه المراتب الثلث كل مرتبة عشرين يوما بعد ما عفنت الازل اربعين يوما ففي التزويج الاول يكون اسود كالقار وفي الثاني كالزبرجد وفي الثالث ازرق كلون السماء وفي الرابع ابيض كالروب وهذا تمام نصف العمل ثم تدبير رتبة النبات وتمام الستة التامة وكمال السبعة الكاملة في التساقي الستة والاشواط السبعة فبعد اتمام هذه المراتب وقطع هذه المسافة يؤخذ في اخذ الماء وتطهير الجسد الثاني الذي هو الجسد الجديد بعد تطهير الجسد الاول العتيق واخذ الماء الذي هو الحيوة وبه روح الحيوة بل هو روح الحيوة التي يقبضها ملك الموت وهذا الجسد الثاني هو الارض المقدسة التي فيها قوما جبارين وقد امر الله موسى الصبغ الاحمر يطهر تلك الارض بجنوده واعوانه وهم المياه المستخرج من الجسد اولها الماء ذو الوجهين كوكب امير المؤمنين عليه السلم اي زحل وثانيها الماء الابيض البراق الشفاف في غاية التلألأ واللمعان اشبه الاشياء بالزيبق وهو الغربي والفتاة الغربية وهرمس حكيم ويوشع بن نون وهو الحمامة في قوله تعالى فخذ اربعة من الطير وكانت الطاووس والحمامة والديك والغراب لما سئل ابرهيم على نبينا وآله وعليه السلم ربه ان يريه كيفية احياء الاموات وكيف تدبير الحكيم لذلك الشيء اللئيم حتى يكون حيا ومحييا وكاملا ومكملا ونورا ومنورا يحكي بالمثال ويدعو الى القادر المتعال ويناجيه باسمه ذي الجلال فيكون اخت النبوة وعصمة المروة في المآل ولعمري ان ذلك بعيد المنال ومنيع الوصال ظاهره ظاهر الادوار وباطنه حقيقة الاكوار في الاطوار وهو ظهور الصنع والمصنوع والحقايق والمعارف ينبوع الولد الكريم الشجاع العظيم المسمى عند طائفة بعبد الواسع وعبد الكريم وعندي بعبد الله العلي العظيم فابان الحق عز وجل عن كيفية ذلك بقوله الحق فخذ اربعة من الطير وشرح مولينا امير المؤمنين عليه السلم ذلك بقوله عليه السلم :

خذ الطيار والطلقا وشيء يشبه البرقا

اذا مزجته سحقا ملكت الغرب والشرقا

فالطيار هي الحمامة وهو الابيض الغربي ويقال له لبنة العذراء ايضا لوجه لا يخفى وكوكب عطارد وان كان المشتري هنا اقرب وله اسماء كثيرة على نحو اشاراتهم وثالثها الماء الاصفر الشرقي وهو يخرج بعد هذا الماء الابيض الغربي وهو الديك في قوله تعالى المتقدم ويشار اليه بالبراق وهو بريد التلاق وبه المساق وهو البقرة الصفراء وكوكب الزهرة ورابعها الماء الغليظ الاحمر القاني الشرقي وهو يخرج بعد هذا الماء بتضعيف الحرارة وهو الطاووس والماءان معا شيء يشبه البرقا في قول امير المؤمنين عليه السلم وهو كوكب المريخ ثم يضاف الماء الاول ذو الوجهين الذي ظاهره ناظر الى القمر وباطنه الى الشمس على الثفل الباقي فيطبخ على النار ولو مكشوف الرأس فتظهر الشمس مادة الكبريت الاحمر وهو موسى الكليم الملقى في اليم خوفا من فرعون اللئيم فيأخذه عدو له بذلك الثفل فلما استخلص نبئ وامر بتطهير الارض المقدسة فقام عليه السلم مناديا في قومه يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين اذ بهم تعمر ذلك الارض ويعلو ذكر الله سبحانه فيها قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وهم ريش غراب والصخور والجبال ولذا قيل ان العرب لا تقدر على حمل الصخور والجبال فازل ريش الغراب ليكون عقابا قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين والرجلان يوشع بن نون وكالب بن يوحنا ودخل يوشع بن نون في المدينة وهو عبارة عن الابيض الغربي فيطهر ويبيض ( فتطهر وتبيض ) تلك الارض والثفل بعد اخذ المياه بارسال الابيض الغربي او بالتكليس ولهم في ذلك طريقان الاول اولى لئلا يتحجر ولموافقته لكتاب الله اما الاول فيوضع عليه من ذلك الماء الغليظ فيعفن بحرارة شمس الشتا ثم يقطر بحرارة شمس الصيف فيكرر العمل الى ان يبيض ان احتيج الى ذلك والا فالمرة الواحدة تكفي وذلك الماء المصفى به الصافي باطنا والكدر ظاهرا بالعرض يصفى مرة ثانية بالتقطير فيعود الى الحالة الاولى وهذا ليس بواجب ولا دخل له في حقيقة العمل الا ان المسافر كلما يكون عنده الماء اكثر احسن لئلا يعطش في اثناء الطريق ولا يجد ماء فيهلك واما الثاني بان يوضع الثفل الذي هو الارض قبل التطهير نتنها ولزوجتها في اثال من خزف صابر على النار ثم يوقد تحتها اول اليوم بنار لينة يوم وليله ثم تنقله الى نار الفحم الدقيق ثم الى نار الحطب تدرج النار الى ستة ايام وفي السابع تضرمه بنار التصعيد القوية حتى يصعد الجسد كله الى القبة ويبقى الثفل كالخشب الاحمر فارمه فلا نفع فيه وهذه النار القوية تسمى بالهايجة وهذا الصاعد هو الارض المقدسة وهذا هو الجسد الجديد هذا آخر ما اردنا ايراده في جواب هذه المسايل والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وكتب منشيها العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي حامدا مصليا مستغفرا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

المصادر
المحتوى