
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فان العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي يقدم العذر الى جنابكم من بسط المقال وشرح حقيقة الاحوال وبسط ما هو المكنون المخزون في البال والمستودع في خزانة الخيال مع ما انا فيه من تشتت البال واختلال الحال مع ما شاهدتم من امر هذا الخلق المنكوس فان الجور قد مد باعه واسفر الظلم قناعه ودعي الغي اتباعه فلبوه من كل جانب ومكان في السر والاعلان فاذن ما عسى ان اقول وطفقت ارتأى بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء يشيب فيها الكبير ويهرم فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت ان الصبر على هاتي احجي فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ارى تراثي نهبا والحكم لله ولا حول ولا قوة الا بالله وآتي بما هو الميسور اذ لا يسقط بالمعسور فاقول :
اما الجواب عن السؤال الاول : فاعلم ان الرحمن لما استوى على العرش اعطى كل ذي حق حقه وساق الى كل مخلوق رزقه واعطى كل نفس مشتهاها والزم كل كينونة مقتضاها واضعا في مواضعه كل غث وسمين كما اشار اليه بقوله الحق وما كنا عن الخلق غافلين وحيث قامت الادلة القطعية من العقلية والنقلية على ان الكون لا يخلو من التكليف والا لبطل الفيض وماحسن الايجاد اذ لم يكن على طبق الاستعداد ولذا جرى الايجاد التكويني على جهة التكليف المنبئ عنه الامر في قوله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاتى بلفظ الاختيار لتنبيه اهل الاختبار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار وحيث كان الامر كذلك وخلق الله سبحانه الخلق في عوالم عديدة يرتقى عدد كلياتها الى الفالف عالم كلف الله اهل كل عالم وحكم على المطيعين والعاصين بما حكم وحتم لهم من قضائه المبرم ما حتم واوصل اهل الخير الى نعيم مقيم بنسبة عالمه واهل الشر الى عذاب اليم كذلك فهم ينعمون ويعذبون في ذلك العالم على حسب مقاماتهم الذاتية والعرضية ولا انقضاء لهما ولا انصرام لان ذلك مما احكمته يد الاتقان والاحكام ولما كانت العوالم تختلف بالاجمال والتفصيل والظهور والخفاء واللطافة والرقة والغلظة والكثافة اختلفت احوال النعيم والا لم كذلك ولما كان الخلق يتنزلون من عالم الى عالم ومن مقام الى مقام كما دل عليه صريح قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وكان هذا التنزل ليس بتنزل وانتقال مكاني وتحرك ايني بحيث اذا تحرك من اين خلا منه الاين الاول بل انما هو تنزل تطوري وانتقال قشري كتنزل اللب الى القشر وتنزل الاكسير الى هذه الاحجار والاجسام الكثيفة الغاسقة المدلهمة او تنزل نوري اثري وظهور شعاعي كتنزل السراج الى الشعاع والذات الى الآثار والافعال وفي كل هذه التنزلات لا يفقد شيء من هذه المراتب والوجودات عن عالمه ومكانه وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون بل كل شيء في مكانه وزمانه ورتبته تترتب عليه احكامه من العذاب والثواب والنعيم والجحيم وامثال ذلك ولكنها تختلف بحسب الظهور والخفاء والاجمال والتفصيل وغيرها فالواقف في المقام الاسفل اذا نظر الى الاعلى بعين الاعلى تظهر له احكامه وان نظر الى الاسفل بعينه خفيت عليه احكام الاعلى من النور والظلمة والسعادة والشقاوة والثواب والعقاب فيتوهم ان هناك ليس بشيء الا ترى الله سبحانه يقول الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ويقول يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين ويقول كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين وقد رويت حديث حارثة وفيه كفاية لاولي الدراية فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان الاعرابيين قد خلقهما الله في الخلق الاول من عالم الغيب الذي اسفله عالم الارواح عالم النفوس وعرض عليهما التكليف فاعرضا واستكبرا بذاتهما وحقيقتهما وكينونتهما اي اعرضا عنادا واستكبرا عتوا وابعدهما عن رحمته وطردهما عن باب عنايته فادخلا اسفل دركات النيران وبقيا يعذبان هناك في ارواحهما بعذاب لم يعذب به احد من العالمين ولما ان الله سبحانه خلق العالم الجسماني وخلق العرش والكرسي والسموات والارض فانزل الارواح من عالمها الى هذا العالم الاسفل اتماما للحجة واكمالا للنعمة وليس معني نزولهم الى هذه الدنيا عالم الاجسام مقام النقش والارتسام اتصالهم بها بالحلول وان الارواح حلت في اجسادها حلول الماء في الكوز وحلول الماء في الثلج وانما المراد بنزولها اتصالها بها والتفاتها اليها واشراقها عليها كاشراق الشمس على الارض وهي في السماء الرابعة ما خلت منها في حال من الاحوال فاذا ظهرت الارواح والاجساد فالاشقياء والعصاة منها بقيت تنظر الى الاسفل وقطعت نظرها عن الاعلى لدناءة ذاتها وقبح حركاتها فنسيت عالمها ولم تذكر المها كالسكارى لا يحسون بما هم عليه من الالم والنعم مع انهم متألمين متنعمين ولا يحسون به وكذا حال كل غير ملتفت الى شيء وذلك معلوم فلا منافاة بين كونهما في هذه الدنيا وكونهما معذبين بالنار لان ذلك حكم الارواح وهذا حكم الاجسام والاجساد بل لك ان تقول ما ذكرنا في العذاب الجسماني الجسداني ايضا بحسب الحكم الواقعي الاولى دون الثانوي النفس الامري ولذا ترى اهل المعاصي والكفار اذا نظر اليهم العارف الذي انكشف له الحقايق يريهم بحسب الطاعة والمعصية على صور شتى من صور الكلاب والخنازير والقرد وهم لا يحسون ذلك اما سمعت الله سبحانه يقول الذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا فهو يأكل النار المحرقة ولا يحس بها وتلدغه العقارب والحيات ولا يلتفت اليها فهما واتباعهما في النار يعذبان وفي هذه النشأة للخلافة يغصبان ذلك تقدير العزيز العليم فنظر ابليس الى باطنهما في احوالهما الروحية والجسمية ونظر ساير الناس الى ظاهرهما وهما لا يحسان ولا يلتفتان لانغمارهما في حب الرياسة وطلب السلطنة والسياسة وقد تبين لك من هذا البيان التام ان الاعرابيين الذين رآهما ابليس هما الذين في هذه الدنيا وعذابهما في العالم الاول لتمردهما وعصيانهما عن طاعة الحق وطغيانهما لما عرض عليهما التكليف وعلة نسيانهما انغمارهما في المراتب السفلية وعدم التفاتهما الى المقامات العلوية كما مثلنا لك من حال السكران وحال اهل الشوق والمحبة اماسمعت ان اصحاب الحسين عليه السلام ما تألموا بالقتل وذلك ليس لان الالم ارتفع عنهم بل من شدة شوقهم الى ملاقاة الرحمة والثواب لم يحسوا بما جرى عليهم من انواع البلايا والمحن ذلك معلوم واضح انشاء الله تعالى وكذلك ما ذكر حارثة من الاحوال المذكورة في الحديث على ما رواه ثقةالاسلام في الكافي فان الجنة والنار موجودتان الآن بضرورة المذهب وقد كشف عن بصر بصيرته الغطاء فرأى الامور كما هي اماسمعت الله يقول لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد اما سمعت ما قاله امير المؤمنين عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا لانه عليه السلام يرى عيانا ما يراه الخلق يوم القيمة وكذلك حكم التابعين له باحسان وقد قال عز وجل ولما بلغ اشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وذلك معلوم لمن له عينان
اما الجواب عن السؤال الثاني : فاعلم ان العلماء لاختلاف بعض الاخبار بلوازمها واختلاف بعض الانظار لعدم استقامتها واختلاف جهات الاشياء بوجوهها ولواحقها قد اختلفوا في الجنة والنار ووجودهما الآن وعدمهما والتفصيل اختلافا شتى لا يحتاج الى ذكر اختلافاتهم لانها معلومة عند جنابكم والحق من هذه الاقوال ما نص عليه الله سبحانه في القرآن ونص عليه مولانا الرضا عليه السلام على ما في التوحيد وعيونالاخبار انهما موجودتان الآن قد خلقهما الله سبحانه عند اجراء التكليف حين سئلوه ان يسئلهم بقوله الست بربكم فعند الاجابة مع التمييز خلق الجنة والنار فهما مساوقان لتمام وجود الاشياء وذوات الماهيات فمن اجاب على وفق محبة الله على جميع انحاء الاجابة بحسب مراتبها في قوتها وضعفها واقبالها التام العام وعدمه كذلك بحسب عالمها في مرتبة تفاصيلها ادخله الله الجنة بحسب مراتبه منها في ابوابها الثمانية الكلية المندرجة تحتها مراتب جزئية لا يحصيها الا خالقها وبارئها ومن بنوره خلقها وبرئها ومن اجاب على خلاف مقتضى محبة الله وخلاف كينونته التي هي من مقتضيات الطبيعة الغاسقة المدلهمة على ما اشار اليه الله سبحانه تعالى في قوله خطابا لآدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي وفي موضع آخر بروحي نطقت وبضعف كينونتك تكلفت ما ليس لك به علم على ما رواهما ثقة الاسلام في كتاب الايمان والكفر من الكافي وذكر آدم لاثبات القاعدة الكلية ومن باب اياك اعني واسمعي يا جارة وبالجملة فمن خالف محبة الله في الكينونة الاختيارية بالمشية الفرعية وان لم يخالف شيئا منها في الكينونة الاولى بالمشية الحتمية على تفاصيل مراتب الاجابة في قوتها وضعفها وقوة ادبارها وعدمها على تفاوت درجاتها في عالمها ادخله الله سبحانه الجحيم بحسب مراتبها الكلية في الابواب السبعة لكل باب منها جزء مقسوم المندرجة تحتها مراتب جزئية لا يحصيها الا مقدرها وقاضيها ومن بعكس كينونته وظل نوريته قدرها وقضاها وامضاها فالجنة والنار لا تفارقان اهلهما من الاخيار والاشرار مذ خلقتا فالاخيار نزلوا منها واليها يعودون والاشرار بدؤا منها واليها يصيرون وتحقيق هذه المسئلة وفهمها صعب جدا على افهام الناس ولهذه العلة اختلفوا فيها ولكني اشير لك اشارة اجمالية الى سر مأخذها واصل مبدءها فان فهمته فزت بالنصيب الاعلى من الرقيب والمعلي والا فاسئل الله سبحانه ان يفهمك ويصلح وجدانك فانه السر الحق والكبريت الاحمر
فاقول لا شك ولا ريب ان الخلق الآن في مقام الصعود لضرورة ان كل مرتبة متأخرة اشرف من الاولى المتقدمة الا تنظر الى خلقة الانسان من كونه نطفة الى العلقة الى المضغة الى العظام الى اكتسائه اللحم الى ولوج الروح الى تمام الخلقة والحركة الارادية الى الخروج من البطن الى هذه الدنيا الى كونه رضيعا الى كونه فطيما الى كونه صبيا الى كونه مراهقا الى كونه بالغا الى كونه تاما الى كونه كاملا الى ( انتقاله ظ ) الى عالم الآخر وهكذا في انتقالاته الصعودية وقد قضت البديهة والضرورة ان كل صاعد يصعد الى ما نزل منه والا لزم الطفرة المجمع على بطلانها ببداهة العقل فحينئذ ما نزل اهل الجنة الا منها ولا يصعد الا اليها وهم يتحركون في اطوارها ومراتبها وكك اهل النار صعدوا منها الى هذه الدنيا ونزلوا اليها الا ان الخلق في هذه الدنيا لاجل قران النقطتين نقطة النور ونقطة الظلمة حين قال تعالى للعقل ادبر فادبر متنزلا الى ان نزل الى رتبة التراب وقال تعالى للجهل ادبر فادبر متصاعدا الى ان وصل الى مقام التراب والتراب لاجل بعده عن مبدء النور حصلت له مناسبة مع ظلمة الجهل وظلمة الجهل لبعدها عن مبدء الظلمة حصلت لها مناسبة ما مع آخر مراتب النور فتقارنت النقطتان وتمازجت واختلطت فحصلت المناسبات العرضية باعتبار الخلط واللطخ حتى جرى على كل واحد منهما حكم الامر العرضي وهما على ما هما عليه في الكينونة الذاتية من المنافرة والتمييز وقد اشار الى ما ذكرنا رسول الله صلى الله عليه وآله حين صعد المنبر وقال ايها الناس اتدرون ما في يدي اليمنى قالوا الله ورسوله اعلم قال (ص) ان في يدي اليمنى اسماء اهل الجنة وآبائهم وامهاتهم وما يتناسلون الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل عمل اهل النار حتى يظن الناس انه من اهل النار ثم يختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله اتدرون ما في يدي اليسري قالوا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وآله ان في يدي اليسرى اسماء اهل النار واسماء آبائهم وامهاتهم وما يتناسلون الى يوم القيمة وان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة حتى يظن الناس انه من اهل الجنة ثم يختم له بالسوء فيدخل النار انتهى تأمل في قوله صلى الله عليه وآله وان من الرجل وان من الرجل فانه اشارة الى قران هاتين النقطتين وامتزاجهما امتزاجا عرضيا واختلاط احكامهما خلطا لطخيا فاذا تفارقتا اخذا كلا منهما الرجوع الى اصلها تمايزت وتفارقت وتنافرت ورجعت الفروع الى الاصول فاذا اردت ان تطلع على حقيقة الامر فانظر الى هذا الشكل
فانك تجد الامر واضحا ظاهرا ولو لم تكن من اهله لمااشرت الى ما اشرت وبالجملة عند حصول المزج والخلط ظن صاحب كل مرتبة انه من الاخرى وعدم التمييز وظن اهل الجنة انه خارج منها واهل النار انهم كذلك وانهم سيدخلون اليهما وليس الامر كما ظنوا وتوهموا بل الفرق بين الدنيا والآخرة واهلهما وجود الغطاء الذي هو المزج والخلط المذكوران ورفعه وقد نص عليه الله في محكم كتابه بقوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد وقد قال امير المؤمنين عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا اما سمعت ما ورد ان رجلا بمحضر من الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال اللهم ادخلني الجنة قال عليه السلام لا تقل هكذا انتم في الجنة سل الله ان لا يخرجكم منها وتبين لك من هذه البيان التام ان الجنة واهلها والنار واهلها مساوقتان في الخلق الثاني عند خطاب الست بربكم وتجريان في العوام الكونية والمراتب الوجودية وتختلفان في الظهور والخفا ووجود الغطاء ورفعه وحصول العوارض المانعة عن مشاهدة حقيقة الامر فلا تخلقان تدريجا فما ظنه جماعة من الناس من تدريجيتهما في الكون والوجود نظرا الى ظواهر بعض الاخبار الدالة على ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأي ليلة المعراج لما دخل الجنة ان الملائكة يبنون قصورا ويمسكون في اثناء البناء فسئلهم رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبب الامساك والتوقف قالوا حتى تأتي النفقة والمدد قال صلى الله عليه وآله وما هي قالوا قول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وغيرها من الروايات مما دل على ان من عمل العمل الفلاني يبني له قصر في الجنة صفته كذا وكذا وامثال ذلك فليس كما فهموا وظنوا لان المراد من هذا التدريج ليس هو تدريج الوجود والكون والتحقق وانما هو تدريج الظهور والاختصاص الخاص في وقت خاص ومكان خاص ورتبة خاصة ووضع خاص وجهة خاصة فان الاشياء في كل حال من حالاتها لا تخلوا من هذه الحدود وهي ذات مراتب متعاقبة وهذه المراتب المتعاقبة بتعاقبها مجتمعة في الدهر متجددة في الزمان فحينئذ لك ان تقول كلها مجتمعة موجودة في اماكنها ومراتبها عند المبدء الاعلى والوسايط القريبة ولك ان تقول تدريجية الحصول متجددة الوقوع بحسب نظر اهل المراتب السفلية وعدم سعة دايرتها ومراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان تلك الدرجات مسببة بتلك الاعمال وهي مقدمة في الدهر مؤخرة في الزمان كالنفس الانسانية الموجودة قبل خلق الاجسام باربعة آلاف عام مع تأخرها عنه وظهورها عند الولادة الجسمانية بعد تحقق المراتب الخمسة فافهم او نقول بالعبارة الظاهرة ان الله سبحانه وتعالى لما علم الخلق باحوالهم واعمالهم ومقتضيات اطوار كينوناتهم مع باقي لوازمها من المتممات والمكملات خلق لهم دارا في الجنة والنار قبل ان يوجدوا في هذه الدنيا ويعملوا تلك الاعمال المقتضية لتلك المنازل والاحوال وما ربك بظلام للعبيد كما اظهر الشفق في العالم غضبا لقتل الحسين بن عليّ امير المؤمنين عليهما السلام قبل ظهوره عليه السلام من بطن امه الى هذه الدنيا وهكذا نظايره كثيرة للمتتبع فان العلة اي المقتضى قد تتأخر عن معلولها ومقتضاها وذلك لعلم علة العلل ومسبب الاسباب لوقوع هذا الترتب والاقتضاء وكذلك حكم الجنة والنار خلقهما الله جزاء لمقتضى اعمال الخلق لعلمه تعالى بوقوعها فلا منافاة اذن بين الاخبار فانما دل على وجودهما يحمل على ظاهرها وانهما موجودتان وما دل على التدريج يحمل على بيان مقتضيات الاعمال وانها هي التي تنيل الدرجات وتهبط الى اسفل الدركات وان كانت الدرجات والدركات قد اوجدها الله سبحانه وتعالى لعلمه بوقوع مقتضياتها من اصحابها والداخلين فيها ولو فيما بعد او نقول ان الله سبحانه وتعالى لما خلق الدنيا وكان طالعها السرطان والكواكب في اشرافها خلق الخلق وكلفهم فاطاع من اطاع وعصى من عصى فادخل اهل الطاعة الجنة واهل المعصية النار وهذا عند سبق النهار على الليل ولما سبق الليل على النهار وانعكس سير الخلق وحصلت الآفاق المايلة وخرجت عن خط الاستواء وحصلت الكواكب العروض تغيرت البلاد ومن عليها فصار الخلق عند الاضطراب والاغتشاش لا يدرون ما هم عليه ولا يعرفون ما ذكروا به وهو قوله تعالى بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون فعند سكون هذه الفورة واطفاء هذه النايرة عرفوا ما هم عليه ورضوا بما هم فيه وهو قوله عليه السلام لو كشف لكم الغطاء لمااخترتم الا الواقع فافهم الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام فقد ذكرت لك طورا من دليل الحكمة بالوجه الاعلى والاسفل وطورا من دليل المجادلة بالتي هي احسن والاول للخواص والثاني للعوام ليعلم كل اناس مشربهم وينال كل احد مطلبهم والله خليفتي عليكم
واما الجواب عن السؤال الثالث : نذكر هنا وجها واحدا او وجهين على حسب التوجه والاقبال اما الاول فاعلم ان الانبياء والائمة عليهم السلام كما ذكر جنابك وفوق ما ذكر لانهم متمحضون في ارادته متلاشون في مشيته ما يشاؤن الا ان يشاء الله الا انهم عليهم السلام لا يخالفون الحكمة ولا يمنعون المقتضيات عن اقتضاآتها ولا يجرون الاشياء في غير مواضعها بل يفعلون على مجرى الاسباب ويعملون على حسب الاقتضاآت كما ان افعال الله سبحانه كك مع انه تعالى يحب الخير ويفعل الخير ولكنه يتعلق فعله بالشر على حسب الاقتضاآت الناشية من اختلاف الميولات الناشية عن الاختيار في الذات والصفات والكينونات وليس الانبياء والمعصومون في طلبهم الخير وعملهم له باعظم من الله سبحانه وتعالى في ارادته الخير للعباد تعالى الله تعالى الله علوا كبيرا وقد سمعت ما ورد عنهم عليهم السلام ان الله تعالى قبض قبضة بيمينه وخلق منه الجنة واهلها وقبض قبضة بشماله وخلق منه النار واهلها وكلتا يديه يمين فاذا عرفت هذا فاعلم ان الانبياء هم الطيبون الطاهرون ليس في نطفتهم عيب ولا قصور ولا في ارادتهم نقص ولا فتور ولكن النطفة لما استقرت في الرحم رحم المرأة اكتسبت من مقتضياتها لعدم عصمتها وتنزهها الحقيقي مكاسب السوء فاقتضت الروح المتعلق بذلك الجسد بسوء اختياره المعصية والخروج عن الطاعة والعبادة وهذا الاقتضاء ليس من جهة الاب كليا بل قد يكون من جهة الام في بعض الاحوال الاتري الماء الصافي النازل من السماء على الارض يتولد منه السكر ومنه الحنظل فما من الله طاهر طيب واختلفت احواله بحسب الارض من الاقتضاآت فنطفة الامام عليهم السلام كالمطر النازل من السماء ورحم المرأة كالارض والسكر مثال الاخيار من اولاده والحنظل مثال الاشرار منهم وعدم منعهم عليهم السلام للاشرار ان يكونوا كذلك هو عدم منع الله سبحانه للحنظل ان يكون حنظلا مع جريان ما ذكرت في الامام (ع) في الله على الوجه الاكمل الابلغ فالكلام الكلام والجواب الجواب واما تولد مثل محمد ويوزاسف عن ابويهما فاعلم ان النطف الطيبة مقرها في عليين ونزلت في بحر الصاد والمزن ومنه الى شجرة المزن ومنها الى العرش والكرسي والسموات السبع الى الارض الى البقول والثمار وما وقعت على بقلة او ثمرة واكلها مؤمن او كافر الا وخرج من صلبه النور فالمؤمن في صلب الكافر مستودع ليس منه ولا اليه كما قال مولينا الكاظم عليه السلام لعلي بن يقطين ان المؤمن في صلب الكافر كالحصا في اللبنة فاذا جاء المطر يذيب اللبنة ويبقى الحصى على ما هو عليه والى ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالى يخرج الحي من الميت فافهم
فان قلت وقد ورد عنهم عليهم السلام ان النطف الخبيثة في سجين تتعلق بابخرة تتصاعد الى شجر الزقوم ومنها الى الارضين السبع الى هذه الارض التي نحن عليها الى البقول والثمار فمااكلها مؤمن ولا كافر الا وخرج من صلبه كافر وهو قوله تعالى يخرج الميت من الحي فعلى هذا كيف يأكل المعصوم من الانبياء والرسل من تلك البقول والثمار الواقعة عليها نطف اهل النار والله تعالى يقول يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال تعالى في ابن نوح انه عمل غير صالح وكيف يتصور مخالفة نوح الذي هو من اكابر اولي العزم بعد نبينا صلى الله عليه وآله لقول الله تبارك وتعالى قلت اما اولا فلان الامام عليه السلام بين ان النطف الخبيثة التي في صلب المؤمن تصعد من السجين الى صلب المؤمن الى الدنيا لا ان كل خبيث يتولد بسبب المؤمن من هذا القبيل بل قد يكون تلك الارواح الخبيثة الصاعدة من سجين تتعلق بنطفة المرأة في الرحم ومن هذا القبيل اولاد الانبياء عليهم السلام لا انهم عليهم السلام اكلوا تلك البقول واستقرت تلك الارواح في اصلابهم الطاهرة المنورة فافهم واما ثانيا فان تلك النطف الخبيثة المتصاعدة من سجين ( ليس ظ ) امرا جسمانيا تحل في البقول والثمار حلول الاجسام في الاجسام حتى يصدق عليه الاكل وينافي قوله تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات وانما المراد بالنطف هنا ارواح غيبية وامور معنوية متعلقة بغيب تلك البقول والثمار وهي لا تباشر الاجسام ولا تكون جزءا لها ولا بدل ما تحلل عنها حتى يلزم ذلك كما ورد في العنب انه فيه بول ابليس وان هذه الثمار منها تتكون النطفة التي هي نجسة وحين ما يأكل الشخص ثمرة من الثمار لا يقال انه يأكل نطفة نجسة وذلك معلوم ظاهر انشاء الله تعالى فافهم
واما الجواب عن السؤال الرابع : فالكلام فيه طويل لكني اختصر لك بعبارة مختصرة فاقول اعلم ان الله سبحانه وتعالى جعل للاشياء مقتضيات وجعل لها موانع بحسب ما اراد من تمام النظم وحسن التدبير وتحقق الاختيار فاذا وجد المقتضى وارتفع المانع يظهر ذلك الشيء تام التأثير وان وجد المانع مع المقتضى فان كان المانع اقوى يمنع تأثير المقتضى والا فيقل تأثيره على حسب وجود المانع ولا يحتاج الى ذكر امثلة ما ذكرنا فانها معلومة لديكم انشاء الله تعالى واذا عرفت هذه المقدمة النافعة فاعلم ان الاوراد والادعية والاذكار كلها امور اقتضائية تقتضي مقتضياتها مما ذكر في كتب الاحاديث من توفيق الحج وطول العمر وادرار الرزق وحصول السعة وامثال ذلك وهذه الامور اذا خلت من المعارض والموانع يؤثر تأثيراتها حين العمل والا فهي موقوفة الى ان يرتفع المانع اما في الدنيا او في البرزخ او في القيمة واذا كان في الدنيا فيظهر كما اراد من مقتضياتها واما اذا كان في الآخرة فيظهر بحقيقته وذات كينونته التي ملأ الدنيا واحوالها واوضاعها وتزيد عليها بما لا يحصى عدد تلك المضاعفة الا الله سبحانه واما في الدنيا فتختلف مدة ظهور تأثيرها بالقرب والبعد والموانع امور كثيرة اعظمها الذنوب كما في دعاء كميل اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء وقد تكون بحصول قرانات واوضاع توجب المضرة والفتنة والفساد وما يكون ضرره على الداعي اعظم مما يتوقع من منفعته وهو قوله تعالى عسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وقوله (ع) لو كشف لكم الغطاء لمااخترتم الا الواقع فعلى هذا اذا تخلف بعض الاوراد والادعية عما ذكر لها من الخواص فعلته ما ذكرنا فان كانت الادعية بشرايط الاستجابة او في مكان حتم الله فيه الاجابة فالامر فيها كما ذكرنا ولذا كان بين قوله تعالى لموسى وهرون قد اجيبت دعوتكما فاستقيما الى هلاك فرعون اربعون سنة وكان بين دعاء الزهرا عليها السلام على الثاني الى ظهور اثر الاجابة تقريبا من ثلثة عشر سنة وهكذا في غيرهم وقد وقعت الاجابة لتحقق الشرائط لكنها اخرت فلولا الدعاء ماظهرت هذه الآثار فلا يجب على كل مواظب لدعاء لالتماس اثر ظهور ذلك الاثر له في الدنيا وذلك معلوم واضح فاما المواظبة فهي المداومة وهي تحصل باكثار القرائة والتلاوة على اختلاف الادعية والاوراد في مثل هذا السؤال يكفي ولو كل يوم مرة وكلما اكثر في القرائة يرجى له نجح المطلوب بتكرر الانوار الحاملة لنار العظمة المحرقة لحجاب العوارض والموانع ونسئل الله ان يوفقنا واياكم حج بيته وزيارة قبر نبيه والائمة عليهم السلام وان يجعلنا من الزائرين لهم والوافدين عليهم بحقهم
واما الجواب عن السؤال الخامس : فاعلم ان الراحل الى الله قريب المسافة وانه لا يحتجب عن خلقه فهو اقرب الى الداعي منه اليه فمن دعاه بقلب تقي وصدر مضيء وتوجه ماح نفسه ملاحظا بالكينونة الابواب الاربعة وناظرا الى الاسم الله والرحمن والحي والباعث ناظرا اليه سبحانه تعالى ماحيا بتوجهه كل ماعداه فتقع الاجابة لامحة في اسرع وقت فقد جربناه كثيرا وهذا حكم عام في كل مطلب واما لما ذكرته جنابك فالاستغفار اصل لهذا الباب فانه ينفي العوارض ويرفع الحجاب بينه وبين مدده وعنايته وهو قوله تعالى وان استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وامددناكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا واما الصلوة على محمد وآله هي باب الخيرات وينبوع الافاضات وجالبة الحسنات وماحية السيئات فاذا اردت ذلك فاستغفر الله بعد كل صلوة سبعين مرة وصل على محمد وآل محمد كل يوم مائة مرة ويوم الجمعة الف مرة فانك تجد الغنا انشاء الله تعالى
واما الجواب عن السؤال السادس : فاعلم ان الموجودات بحسب ضعفها وقوتها على ثلثة اوجه منها ما لطيفته اكثر من ذاته كالسراج ومنها ما لطيفته مساوية لذاته كالجمرة ومنها ما لطيفته انقص من ذاته كالاحجار الغاسقة والاولياء والانبياء من القسم الاول ولكل درجات مما عملوا واما ائمتنا سلام الله عليهم فلما كانوا اشرف المخلوقين واقواهم كانوا مقابلين لفوارة القدر لامر مستقر فيجذبون من ذلك النور ويخرجونه الى عالم الظهور كما خرجت النار المحرقة من حرارة اشراق الشمس عن البلورة فالامام عليه السلام تلقي المدد من العالم الاعلى واعطى تلك الصورة المنقوشة مادة من الجهة العليا فحيت بها وظهرت آثارها عليها على مقتضى صورتها وهيكلها فظهرت على هيكل الاسد وافترست فاستقرت اجزاء المأكول فيها ثم حيث ان الحكمة ما اقتضت استمرارها ودوامها اخذ الامام عليه السلام منها ما اعطاها رجعت تلك الاجزاء للمأكول الى محالها من الارض التي اخذت طينة منها كما في الحديث على ما فصلناه في مباحثاتنا واجوبة مسائلنا وقال عز من قائل وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون فاستقرت الاجزاء في محالها على مقتضى كينوناتها واستدارت طينة الاصلية فيها وبقيت والعرضية تفرقت الى مباديها وعللها كما في موثقة عمار بن موسى الساباطي فتعود يوم القيمة تلك الاجزاء وتصاغ ذلك الشخص المأكول بتلك الاجزاء المحفوظة في الكتاب الحفيظ من قوله تعالى وقد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ وتتعلق به الروح فيحشر ذلك الشخص الموجود في الدنيا المأكول الاسد في مجلس المأمون والمتوكل يوم القيمة كما كان في الدنيا وان كان اكل ما اكل منه من الاجزاء الاصلية والفضلية فانها محفوظة في محالها من كتاب الله الاكبر واما ما اكلته عصا موسي فحكمه كما قلنا حرفا بحرف واما قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها فالمراد بها جلود اهل النار ممن كانوا في الدنيا وهي من سنخ عالمها فلما اكل الاسد اجزاءه اعاد الله سبحانه تعالى تلك الاجزاء وصاغها كما كان في الدنيا فالآية لا ربط لها في هذا المقام وذلك ظاهر والسلام
اما الجواب عن السؤال السابع : فاعلم ان عالم الرؤيا عالم برزخ بين عالم الغيب والشهادة ويسمى عالم المثال وعالم هورقليا وجابلصا وجابلقا ومدركه بنطاسيا اسفله متعلق بمحدب محدد الجهات واعلاه مرتبط باسفل الملكوت وهو عالم ذو عجايب وغرايب محيط بهذه الدنيا احاطة الاصل بالفرع نسبتها اليه كالخردلة الصغيرة في البرية الواسعة واستغفر الله عن التحديد بالقليل وحيث ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان انموذجا للعالم الاكبر فجعل فيه كلما فيه بقدر مقدر وامر مستقر وحيث ان العالم الاكبر ترتقي كليات مراتبه الى الف الف وجب ان يكون في الانسان الف الف مقام والفالف مشعر ليدرك بكل مقام ومشعر عالما من العوالم اظهارا لعظمة الله واعلانا لقدرته وسلطانه ولما كان الانسان في هذه الدنيا تعلقت به الشهوات وتراكمت عليه حجب الانيات وعلقت به ثاء الثقيل لما اتصلت به هاء الهبوط عن ميم المركز فنسى تلك العوالم وذهل عن تلك الرسوم والمعالم فلا يعرف شيئا منها ما دامت النفس متعلقة بالامور السفلية الجسدية فاذا حصل لها الاعراض عن هذه القوى الجسدانية الجسمانية نظرت الى العالم الاعلى منها فان كان هذا الاعراض بالتوجه الى الله سبحانه والاقبال اليه وطلب قربه ونجواه حتى رفع الحجاب عن بصيرته وارتفعت الغشاوة عن نظر قلبه وحقيقته ليحصل له الامتثال لقوله عز وجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ولقوله صلى الله عليه وآله موتوا قبل ان تموتوا فينظر الى تلك العوالم والحقايق والذوات ويشاهد الازمنة من الماضي والحال والاستقبال فيجدها كما هو الواقع وتخبر تلك الحقايق بالسنة انفسها ما استودع في سر ذاتها من الدقايق وهذا هو مقام الصديقين ودرجة المقربين ومقام السابقين لا يناله الا ذو حظ عظيم فلا يتفاوت عليه الحال في اليقظة والمنام وان كان الاعراض بازهاق النفس لاجل تخلل الآلات الجسمانية الجسدانية من فساد الحرارة الغريزية بفساد بعض الاعضاء الرئيسة وغيرها لتحقق الموت الطبيعي فان كان من ماحض الايمان محضا ينظر الى تلك العوالم بعين المثال المدرك باسفلها اعالي عالم الاجسام وباعلاها اسافل عالم الملكوت والبصائر والنواظر ما يناسبها من العوالم والمقامات فتجدها كما هو الواقع لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد واما ماحض الكفر فهو مشغول بالعذاب عن غيره واما المستضعف فميت لا يحس ولا يدرك شيئا حتى النشور فان كان الاعراض لاجل غلبة الرطوبات وكثرة الابخرة الحادثة في المجاري من جهة زيادة الاكل وشرب الماء وساير الامور المولدة للرطوبة الموجبة لملال الروح والنفس فتجتمع الروح في القلب وتعرض عن ظاهر البدن فتلتفت الى عالمها ذي الفضاء الاوسع فترى الاشياء وتسمع الاصوات فهذا هو الرؤيا فان كان نظرها الى العوالم السفلية من اطوار عالم الاجسام مما دون الكرسي بل اي الكرسي الثاني المعبر عنه بفلك القمر ان كان في البدن والمجاري رطوبات وابخرة تتصاعد وتتشكل باشكال وصور او في كرة البخار لزيادة الابخرة الحادثة في الجو بقرانات الاوضاع الفلكية مع المواد الارضية فتحدث صور واشكال وهيئات واشباح في العالم وهي تراها او في الروح عدم استقرار وطمأنينته فتصور صورا وهيئاتا مختلفة او ناظرة بخيالها الى شيء واحد مما يحبه او يكرهه فهذه كلها اضغاث احلام لا اصل لها ولا عبرة بها صور سيالة تذهب وتضمحل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه وان كان البدن مستقرا معتدلا والروح نظرها مستقيما غير معوج ينظر الى حقايق الملك وغيوب الملكوت فتري حقايق الاشياء وصفاتها وذواتها وكينوناتها وتطلع عليها وتسمع منها ما يقتضي عالمها وحيث كانت الازمنة مطوية في ذلك العالم كان ربما يقع ما رأته من احواله بتنزله الى هذه الدنيا بعد مدة من الاشهر او الاعوام مما رآه من هذا القبيل يقع كما رأى ولا يحتاج الى تعبير وان كان نظرها الى العوالم العلوية وخالية عن الموانع والعوارض يقع ما رآه بالتعبير فاذا رأى الرائي انه شرب لبنا قد ينال العلم وقد يشرب اللبن وقد لا يقع شيء اصلا فافهم
واما المرئي المخبر في الرؤيا فان كان من اهل القسم الاول اي المقربين الصادقين المصطفين فهو مطلع بما رآه الرائي في المنام فان جميع عوالمه حاضرة لديه وان كان ليس له تلك الرتبة وذلك المقام فحيث ان عوالمه ليست حاضرة لديه وليس ناظرا اليها كان لكل عالم حكمه مما يقتضيه فاذا جاء في العالم الآخر لاحتجابه لا يدري ما جرى معه في العالم الاول الا ترى الرجل ربما يخبرك بخبر ويقول لك قولا ثم اذا اشتغل بشيء آخر نسى ما قال لك واخبرك وانت تذكره ومثل ما يخبر في الطفولية وينسى في الكبر والتفاوت بين عالم الرؤيا الذي هو عالم المثال وبين عالم اليقظة الذي هو عالم الاجسام بل الاعراض اعظم مما بين الطفولية وبين الشيخوخة بل لا يقاس فالمرئي المخبر في ذلك العالم يحتجب عما اخبره ورآه في هذا العالم لان الكلام مع مثاله لا مع جسمه واما الرائي فمن جهة تذكره بعد نسيانه وتوجه روحه اليه والتفاته الخاص لا ينسى غالبا فان قلت كلاهما اي الرائي والمرئي في عالم المثال حين الاخبار والاستفسار فما بال الرائي يذكره اذا رجع الى عالم الاجسام والاعراض والمرئي والمخبر لا يذكر قلت اما الرائي فمن جهة وقوفه في قوس مثل قوس الصعود والمرئي في قوس النزول وقد بينا في كثير من مباحثاتنا ان قوس النزول مقام النسيان والجهل في الا الذين عند الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون اي ليل الكثرة ونهار الاجمال والوحدة وقوس الصعود مقام الذكر فالاعلى عند الرجوع الى الاسفل لا ينسى مقامه ولا يذهل عن رتبته فيذكره بعد التعلق بالعالم الاسفل الا ترى الصاعد الى مقام الانسانية فان جميع مراتبها واحوالها واوضاعها على حسب صعوده اليها حاضرة عنده متى ما ارادها نظر اليها بخلاف النازل عنها الغير الصاعد اليها فانه لا يذكرها ولا تحصل له متى ما ارادها فما يحصل للعارف الناظر الى مقام انسانيته لا يحصل لديه في مقام حيوانيته قبل الصعود اليها بعد النزول منها فافهم وهذا كلام على لسان العلماء العارفين والامناء الكاملين ومعرفته حظ اولي الافئدة
واما على لسان المتكلمين والحكماء الظاهريين فانهم يقولون ان الرائي اذا حصل للروح ملل وكسل توجهت الى عالمها واستقرت في مركزها وجه القلب فتتخيل الصور وتنطبع فيه الاشباح الحسنة والقبيحة فان كانت كاملة تنطبع فيها الصور والاشباح كما هو الواقع كالمرآة المستقيمة الصافية والا فعلى حسبها من انحاء الاعوجاجات والمرئي هو الشبح والمثال لا الحقيقة والذات حتى يطلع على حقيقة الامر فالرائي مطلع ناظر والمرئي ذاهل غافل فلا اشكال ولا اعتراض وهذا الكلام قشري صوري وان كان لا يخلو من صحة في الجملة وكيف كان فاذا رأى الامام او النبي عليه وعليهم السلام فالامام يطلع لانه ركن البلاد وسائس العباد والله سبحانه اطلعه على غيبه واودعه سره فلايعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض والسماء والاحاديث في ذلك مستفيضة والادلة القطعية العقلية عليه ناطقة وآيات الكتاب عليه شاهدة والله سبحانه يقول عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول وقال عز وجل وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء وتفصيل الكلام يطلب في ساير رسائلنا
اما الجواب عن السؤال الثامن : فاعلم ان الروح التي يقبضها ملك الموت هو الشخص الانساني الحامل للفؤاد والعقل والروح الرقايقي والنفس والطبيعة والمادة والمثال قد نزع عنها لباس الجسم والجسد وهي محلها ومركزها في الوجه الاسفل الوجه الاعلى من محدب محدد الجهات وجميع الاجسام والجسمانيات من العرش وما دونه الى الثرى بالنسبة الى عالمها كالحلقة الملقاة في فلاة قي فجميع اهل الدنيا بمرئي منها ومسمع ومعني كون اهل الجنة في وادي السلام واهل النار في حضرموت وادي برهوت في بئر بلهوت انهم في ذلك العالم ومظهر الجنة ومفتاحها وبابها باطن وادي السلام لا ظاهره ولذا تأتي الوادي ولا ترى شيئا والجنة قد علمت سعتها ونعيمها وكذلك برهوت فالمراد باطنهما كما ان الروح والعقل في القلب اللحم الصنوبري وان الامدادات تجري الى القلب فهو باب عالم الغيب كذلك وادي السلام باب الجنة ومظهرها واهل الجنة في غيبها فالشخص الميت في الجنة وادي السلام محيط بجميع الدنيا من قبره وبيته واهله اينما كانوا فلايتفاوت عنده البعد المكاني الأيني فكل وقت اتى الشخص الى قبره ليلا او نهارا صبحا او عشاء هو مطلع عليه ناظر اليه فما ورد ان الارواح في الجنة يأتون يوم الجمعة وقت الصبح مع جبرئيل والملائكة على نوق من النور الى وادي السلم ويبقون هناك الى الزوال ثم يستأذنون جبرائيل للاتيان عند قبورهم واهاليهم فالمراد بوادي السلم مقر الولي ومركزه الذي تأوى اليه الخلق بعد كل جمعة لينالوا ما اعد الله لهم مما جرى في سابق علمه وقضاه وقدره بعد اتمام ما قدر وقضى وامضى بعد اجتماع مراتبها فمادتها في يوم الاحد وصورتها في يوم الاثنين ونسبة المادة الى الصورة في يوم الثلثاء ونسبة الصورة الى المادة في يوم الاربعاء ومبدء الاجتماع في يوم الخميس وتمام الاجتماع وصيرورته شيئا واحد في يوم الجمعة فهذا اليوم يوم الاستمداد والاستفادة والاستزادة بمدد جديد فلا بد من الوقوف بباب الفيض وفوارة النور ليجري عليه تمام الصنع وكمال الامر وباب الفيض ومركز الخير والنور هو وادي السلم ولذا كان مقر الولي ومسكنه فالارواح تأتي وادي السلم يوم الجمعة للاستزادة والاستمداد بنوع اعظم واعلى فكونها في وادي السلم لا يمنعها من الاطلاع والاستخبار والمشاهدة لمن هو عند قبورهم وابدانهم ومثاله ان الفلك الاعظم المسمى بالعرش عند اهل الشرع محيط بالارض واهلها حتى ان نسبتها اليه لا يقاس بالحواس ولكن الارض مع صغرها تطابقه بالمحاذاة فكان خط الاستواء محاذيا لمنطقة العرش وهي دائرة معدل النهار فاذا اراد الواقف في العرش ان يعرف اهل الارض كونه في اعلى المقامات واشرفها يقول انه في خط الاستواء فانه يحاذي القطب الاصلي عندنا والمنطقة عندهم وهي باب المدد والافاضة ولكنه حين كونه في المنطقة محاذي خط الاستواء لا يحتجب عن باقي اطراف الارض واقطارها واقاليمها واذا خرج عن الخط المذكور وصار في ناحية اخري من الفلك لا يحتجب عن باقي مقاماتها لان الارض كلها عنده كالخردلة في البرية الواسعة فالمراد باتيان الارواح يوم الجمعة الى وادي السلم هو ما ذكرنا لك ومن الاتيان الى اشرف المواضع واحسن الاماكن من الجنة والوادي بابها والمحاذي لها كما روي ان مكة بازاء البيت المعمور وهو بازاء العرش واركانه وكما ذكرنا ان خط الاستواء بازاء دائرة معدل النهار مع ما ترى من التفاوت العظيم بينها وكذلك القول في وادي برهوت فاهل الجنة لا يزالون مطلعين على من يأتيهم على قبورهم حتى ورد عن مولانا الصادق عليه السلام ان المؤمن اذا مر بقبره حمل حنطة يعلم كم فيه من حبة ه وان كانوا في وادي السلم وغيره واما اتيانهم الى قبورهم وبيوتهم واهاليهم فذلك التفات خاص وعناية خاصة لهم لاهاليهم وبيوتهم وقبورهم لا لانهم قبل ذلك ماكانوا يعلمون اذا التفتوا ونظروا والوجه الخاص لا ينافي ما هم عليه من الاحاطة والاستيلاء كما ذكرنا في وادي السلم حرفا بحرف فافهم
واما الجواب عن السؤال التاسع : اما في الظاهر فاعلم ان الزمان ليس كما يزعمون انه منتزع من حركات الفلك وانه من الاعراض الغير القارة بل اقمنا براهين قطعية في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا على ان الزمان حقيقة ثابتة قارة منبسطة وان حركات الافلاك كواشف عن مقاديرها ومشخصاتها ومظاهر لها فلو لم يكن حركة الفلك والكواكب لا يعرف الغد من الامس ولا الشهر من الاسبوع ولا السنة من اليوم لا ان المدة ما كانت كيف وهي لازمة للجسم ومقومة له ومتقومة به بلا دور لاختلاف الجهات وهو قوله تعالى ولتعلموا عدد السنين والحساب فهذه الحركات للعلم بالسنين والاشهر لا لتحقق حقيقتها ولتحقيق هذه المسئلة مقام آخر واما ما ترى من سيالية الزمان وتلاشيها فهو لاجل حركات اهله فيه كراكب السفينة يجد الشاطي متحركا فالزمان عبد من عباد الله مطيع له ناظر شاهد على خلقه كما ذكره سيد الساجدين في دعاء الصحيفة اللهم ان هذا يوم جديد وهو علينا شاهد عتيد ان احسنا ودعنا بحمد وان اسأنا فارقنا بذم وفي وداع شهر رمضان السلام عليك يا شهر الله الاكبر ويا عيد اوليائه السلم عليك يا اكرم مصحوب من الاوقات ويا خير شهر في الايام والساعات السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ونشرت فيه الاعمال الدعاء فمن نظر وتفكر وبصر واعتبر علم ان الزمان امر متحقق موجود ثابت حاله كحال ساير الموجودات المتحققة المتأصلة فان سلام الامام على امر عرضي مضمحل غير مدرك ولا شاعر قبيح جدا عند من عرف الامام عليه السلام فافهم الكلام ونحن الآن لسنا بصدد تحقيق حقيقة هذه المسئلة وانما مرادنا الاشارة الى نوع البيان من اهل المعاني والبيان لاهل المعاني والبيان
فقد عرفت مما ذكرنا ان الازمنة متأصلة لها شعور وادراك وفهم واختيار على حسب مقامها ولما ثبت ان التكليف يساوق الوجودات الكونية والشرعية كلفه الله سبحانه حين ما اصلها وشيئها فسبقت هذه الايام الشريفة الى الاجابة وسارعت دون غيرها الى التلبية والاقرار بالتوحيد والنبوة والولاية فشرفها الله سبحانه دون غيرها من الايام واوجب حرمتها على الانام وزينها بمزايا الاحكام وهي بعضها بالنسبة الى بعض تفاضل بحسب السبق الى الاجابة فيوم الغدير اول الايام المسرعة الى الاجابة والمبادرة الى التلبية فشرفه الله سبحانه تعالى على غيره فاختص بظهور نور الولاية الذي بها كمال الدين وتمام شريعة سيد المرسلين وجزء الاخير للعلة التامة لنجات الخلائق اجمعين والاصل الذي به قوام الكون والعين والدنيا والدين والى الجميع اشار الله تعالى بقوله اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم واخشوني اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وهو يوم الفصل اي فصل الخطاب وعنده البدو واليه الاياب وهو يوم تتلألأ فيه الانوار وتبدو فيه الاسرار وتختلف به الليل والنهار الا ان الليل في مقام عرضيته والنهار في رتبة ذاتيته فلما تزايدت فيه الانوار واشرقت من افقه تجليات الاسرار مما لم تكن في غيره ولم توجد في سواه فتزين باحسن زينة وتشرف باكرم شرافة بما هو اهله ومستحقه بحسب اجابته في العالم الاول ومسابقته في طاعة مبدء الكل وكذلك حكم غيره من الايام التي لها مزيد شرافة وكرامة فانها مختصة بظهور الانوار الساطعة من افق حجاب الواحدية ولما كان الخلق في هذه الدنيا قد غشي ابصارهم حجاب الغفلة واحاط بهم غطاء الانية فحجبوا عن مشاهدة تلك الانوار وحرموا عن تحمل تلك الاسرار فبقوا لا يفرقون بينها وبين ساير الايام ولا يجرون عليها تلك الاحكام التي اخبر الله سبحانه عنها بالسنة سادة الانام عليهم الصلوة والسلام فمن صدق الله سبحانه وصدق اوليائه عظم هذه الايام امتثالا للامر وترقبا للاجر لا لمشاهدة انوارها وملاحظة اسرارها ومن لم يصدق ربه لم ير لها مزية زايدة على غيرها من الايام ولم يجد لها احتراما كساير الايام واما يوم القيمة فحيث ان الحجب قد كشفت والموانع قد زالت والعوارض قد ارتفعت والاشياء بحقائقها قد ظهرت فيرى تلك الايام على ما هي عليه من الزينة والنور والحبور والسرور فالمصدق يستر بما طابق فعله عيانه فيقول الحمد لله الذي صدقنا وعده والمكذب يتحير حيث خالف فعله وجدانه فيقول يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وقد اشار الله سبحانه وتعالى الى ما اشرنا بقوله الحق لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فمعنى اتيان هذه الايام باحسن زينة ظهور احكامها وانوارها للرائي لا انشاؤها جديدا واتيانها من مقام الى مقام كما قال عز من قائل والامر يومئذ لله فان الامر لله في كل وقت وفي كل حال واختصاصه بيوم القيمة لبيان ظهور الاختصاص لعامة الناس بلا شبهة والتباس لانتفاء الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس فظهور هذه الايام عبارة عن ظهور كينونتها على ما هي عليه للخلق لا انها انقلبت الى حقيقة اخرى ومن كينونة الى كينونة سواها حتى يلزم انقلاب العرض جوهرا بل العرض عرض والجوهر جوهر والايام جواهر لا اعراض وان كانت الاشياء جواهر باعتبار واعراض باعتبار فكل شيء جوهر وعرض اماسمعت ما يقول الشاعر يمدح به مولاه :
يا جوهرا قام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
ولتحقيق الجوهر والعرض مقام آخر فان لنا فيهما تحقيقا رشيقا انيقا اشبعنا الكلام فيه في كثير من مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فمعنى اتيان هذه الايام الشريفة المباركة يوم القيمة على احسن زينة ظهورها في محالها ومواقعها اي كل يوم في محله وموضعه على اكمل ما يكون من الصفة التي ينبغي ان يكون عليها مطيع لله مما يقتضي كينونته على حسب ما عليه من ذات او صفة جوهر او عرض وهذه في الدنيا كك لكن غشاوة العيون ومقارنات الاشياء من اختلاط التطنجين وصرير الفلك واصطكاك رأس افرودوس مانعة عن مشاهدة تلك الانوار وملاحظة تلك الاسرار واما يوم القيمة فحيث كان محل كشف الغطاء وظهور قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد تظهر تلك الانوار في تلك الايام على حسب المقام كما انك الآن في خيالك تنظر الى الايام الماضية كل يوم في مكانه ومحله مستقرة مجتمعة لا يزاحم واحد منها صاحبه كك يوم القيمة يظهر هذا الخيال وتراه بمشاهدة العيان كما كان من غير مزاحمة ومن غير اجتماع المستقبل في الماضي والماضي في المستقبل فجميع الايام من ايام الجمعة والغدير وغيرهما يؤتى بها على ما هي عليه مع اهلها باحوالها واوضاعها كك ايام شهر رمضان وشهر شعبان يؤتى بها يوم القيمة لتكون شاهدة على اهلها من المطيعين والعاصين لان كل يوم له حكم خاص وكل ساعة ودقيقة وكل شهر وعام لها احكام خاصة وآثار معينة يترتب عليها لا على غيرها فلا بد من احضار الكل لتكون الحجة اتم والنعمة اكمل واختصاص هذه الاربعة انما هو لبيان نوعها مثلا لا يراد بيوم الغدير يوم واحد بل هو نوع الغدير وان كان مشتملا على ايام كثيرة كل يوم يظهر في مكانه على احسن زينة وهكذا غيره فالاتيان بها هو اظهارها مشروحة العلل مبينة الاسباب فما تراها الآن بخيالك في الدنيا تراها ببصرك في العقبى فلا نحتاج اذن الى التكلفات التي تكلفها جنابك في خلال السؤال من تجسيم الاعمال او ان المراد اهلها ولزوم انقلاب الجوهر عرضا وغيرها مما ذكرت بل الايام على ما هي عليه تظهر ويؤتى بها على ما ذكرنا وانما كررت العبارة ورددتها لاجل التفهيم وكاني بضعيفكم يقول هذا قول لم يقله ساير العلماء قلت كما قال المتنبي :
فهب اني اقول الصبح ليلا يعمى الناظرون عن الضياء
والبرهان احق ان يتبع والله سبحانه وتعالى اعلم بخلقه من خلقه وخلفائه واوليائه سلام الله عليهم اشهدهم الله خلق السموات والارض فاذا دل الكتاب والسنة والبرهان القاطع على حكم يجب القول به وان لم يقل به غيره لان فوق كل ذي علم عليم وهنا وجوه اخر من وجوه الباطن والتأويل تركت ذكرها خوفا للتطويل وصونا من اصحاب القال والقيل وفيما ذكرنا من الوجه الظاهري كفاية فما اسعدك لو وفقت لفهمه فان فهمته فخذه وكن من الشاكرين وليس وراء عبادان قرية والا فرده الى اهله اولي العلم الذين يستنبطونه منه والله خليفتي عليك
اما الجواب عن السؤال العاشر : فاعلم ان الانسان له اربعون مقاما بها تتم مراتبه وتكمل حقيقته وقد اشار الله الى هذه المراتب بقوله لقد خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا وقوله تعالى فتم ميقات ربه اربعين ليلة فاذا عصى الشخص فان كانت معصيته عن قلب فتسود هذه المراتب وتظلم وهو الذي احاطت به خطيئته كما قال تعالى بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وهذا مخلد في النار لا يطهر ولا ينجو الا بتغيير قلبه والتصديق القلبي والاخلاص الحقيقي وان كانت ليست عن قلب بل باعراض مراتبه الحاصلة من اللطخ دون الخلط يتصعد منها بخار مظلم منتن ولما كانت مراتبه الذاتية طيبة والمعصية ليست ذاتية وانما هي مجتثة من اسفل السافلين فلاتقبل تلك المراتب ذلك الاثر المعبر عنه بالبخار المنتن فيرجع قهقري حتى يتصل الى ادنى المراتب من المراتب الجسمانية فيمكث فيه لقوة المناسبة بينهما ان لم يتب عن تلك المعصية وهكذا لا يزال يعصي معصية فيسود مرتبة من مراتبه السفلية حتى يتمادي في المعصية الى ان تظهر آثارها في جميع مراتبه التي قلنا انها اربعون فاذا اسودت هذه المراتب واظلمت مع خلوص القلب وانكاره لها فتتقوى آثارها ويكمل ظهورها فيصعب حينئذ ازالتها الا بداع قوي وهذا الكمال في مراتب الظلمة واسودادها في مراتبها لا يكون الا في اربعين سنة لان كل مرتبة من هذه المراتب تشتمل على ثلثمائة وستين مرتبة وكل مرتبة تتعين في العالم الزماني باليوم الواحد الذي هو تمام اول دورة باول حركة لاول متحرك من العوالم الجسمانية وذلك هو العرش الاعظم ومعصية كل يوم تظلم مرتبة من مراتبه اذا لم تكن المعصية ذاتية ففي اربعين سنة تسود المراتب كلها وانما قلنا ان كل مرتبة تشتمل على ثلثمائة وستين مقاما لان اصول الوجود عشرة وهي التي كانت الافلاك والعناصر مظاهرها وهذه العشرة يكمل ظهورها ويستعد للكمال والتمام بعد ما دارت ثلث دورات دورة العنصر ودورة المعدن ودورة النبات فذلك ثلثون وكل مرتبة من هذه الثلثون بحكم قوله تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم قد نزلت من عشرة خزائن الاولى خزانة الامكان الثانية خزانة الكون النوراني وهو الوجود والفؤاد الثالثة خزانة القلم الرابعة خزانة الرقايق الخامسة خزانة اللوح السادسة خزانة الحجاب الاحمر الياقوتة الحمراء التي غلظها قطر محدب محدد الجهات السابعة خزانة البحر الحاصل من ذوبان هذه الياقوتة الثامنة خزانة حجاب الزبرجد ومقام الاظلة والاشباح ابدان نورانية لا ارواح لها التاسعة خزانة الاجسام محل النقش والارتسام العاشرة خزانة الاعراض حجاب اسود غليظ وهي آخر المراتب السفلية فاذا ظهر الثلاثون في العشرة كانت ثلثمائة واما الستون فلظهور هذه العشرة المذكورة في الستة الايام التي خلق الله فيها الشيء يوم النطفة يوم العلقة يوم المضغة يوم العظام يوم اكتساء اللحم يوم انشاء خلق آخر فهذه الستة لما حملت تلك العشرة تم الستون فصار كل مرتبة اشتملت على ثلثمائة وستين وقد قسمت الدواير والكرات الظاهرية على طبق الدواير والكرات الباطنية ذلك تقدير العزيز العليم فاذا عصى الشخص اربعين سنة اسودت هذه المراتب كلها واظلمت بحذافيرها وحيث كانت المعصية عرضية ليست بذاتية من جهة عدم محبة القلب لها وميله اليها فهي تزول اما بتوبة واستغفار او دعاء ومناجات في الاسحار او باكثار الصلوة على محمد وآله الاطهار او بالاقبال اليه سبحانه بالعشي والابكار او بالرجوع الى يوم القيمة والدخول في النار والمكث فيها احقابا ويزول ذلك الغبار الذي حصله من الاغيار ولما كان الدعاء المشتمل على الاسماء الحسنى له مراتب بحسب هذا الاشتمال في قوة المدافعة وضعفها كان اقوى الادعية دعاء بقوة نورانيته واشتماله على سر الاسم الاعظم والتجلي الاقدم يدفع عوارض السيئات العارضة بتلك المراتب والدرجات المستولية على كلها باكمال اربعين سنة فاذا ارادوا عليهم السلام ان يصفوا دعاء كاملا بالغا في قوة النورانية اعلى المقامات واقواها عبروا عنه عليهم السلام بان من قرأه وواظب عليه غفر الله له ذنوب اربعين سنة وان كان عمره اكثر من اربعين سنة لان السواد الطاري طرء على جميع المراتب فاذا ازال عن الجميع ازال عن الجميع فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء على دوحات سدرة المنتهى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد واني معتذر الى جنابك من بسط المقال وشرح حقيقة الاحوال لما انا عليه من تبلبل البال وعدم استقامة الحال وقلة السعة والمجال وتصادم القيل والقال وفيما ذكرنا كفاية وجنابك ولله الحمد ممن تكفيه الاشارة والله خليفتي عليك وصلى الله على محمد وآله الطاهرين