
من مصنفات
السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي
شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة
البصرة – العراق
شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية
اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت عليّ من جناب العالي الجناب لب الالباب الموفق في كل باب العالم العامل والفاضل الكامل الجامع للفخر والشرف الآميرزا عليّ اشرف شرفه الله بكراماته وانعم عليه افضل نعمه وحباته مسائل صعبة بعيدة المنال عزيزة الوصال وانا في كمال اشتغال البال وتعارض الاحوال وتصادم الامراض المانعة من استقامة الحال وحيث لم يمكنني رد مسئلته لما الزمت على نفسي من رعايته وحمايته امليت هذه الكلمات مكتفيا بلطايف الاشارات اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي اذ انا في مثل هذه الحالة لم اتمكن من بسط المقال وشرح حقيقة الحال والاشارة تكفي لمن لم يقتصر على العبارة والمقتصر عليها لا يكفيه الف بيان لاحتجابه بحجاب النسيان وجعلت كلامه سلمه الله تعالى متنا وجوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل
قال سلمه الله تعالى : المعروض على الجناب المستطاب مفخر اهل العلوم والآداب سيدنا واستادنا ومن اليه في كل الامور استنادنا وحيد عصره وفريد دهره عمدة الفقهاء والمجتهدين وزبدة الحكماء المتألهين ونخبة العرفاء الاولين والآخرين مجمع البحرين ومطلع الشمسين لا بل الشموس ادام الله ظله على الرؤس ولم يزل انوار معارفه مشرقة على النفوس
اقول انما ذكرت هذه الكلمات مع ما اعرف من نفسي خلافها بيانا لاعتقاده سلمه الله تعالى الذي هو كاشف الحجاب ورافع النقاب كما في الحديث ما معناه احسن الظن ولو بحجر فان الله تعالى يلقي الخير به اليك وقال عليه السلام ان الله عند ظن كل امرء ه فانه قارع الباب وفاتح الخطاب والوسيلة لاولي الالباب ولذا كانت الرؤيا على ما عبرت وانا اقول اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
قال سلمه الله تعالى : انه قد حصلت لي شبهة في بعض المسائل ولم اجدها مفصلا في مظانها من بعض الرسائل الى ان قال سلمه الله : فالملتمس ان تبينوا حقيقة المسائل بدون الحوالة على الكتب والرسائل
المسئلة الاولى - ان الملائكة كلها هل هي حقيقة واحدة ورتبة مستقلة مثل الانسان والجان وساير المراتب الواقعة في السلسلة الطولية وانما التفاوت فيما بين الاشخاص في العرض ام حقايق متعددة ومراتب متكثرة مختلفة بالعلية والمعلولية ويطلق لفظ الملك عليهم بعنوان الحقيقة بعد الحقيقة مثل لفظ الوجود والعقل وساير الالفاظ التي يطلق على المراتب المتعددة
اقول اعلم ان الملائكة هم حملة الامدادات الخاصة المنبعثة من الرؤس الخاصة الجزئية من المشية الكلية وهي روابط الفيض وحكمها حكم المعنى الحرفي في الكلمات فان الحرف لا تفيد معنى في نفسها وانما هي حاملة لمعنى الفعل وموصلة الى الاسم وليس لها الا الربط خاصة على ما هو التحقيق فالملك ايضا حامل للوجه الجزئي من الرأس الجزئي من الفعل الكلي ويظهر على صفة ذلك الاثر وطبيعته وهيئته وخاصيته ولما كان الفعل الكلي المتعلق بالمفعول الكلي شجرة كلية مشتملة على جزئيات هي اغصان تلك الشجرة وهي وان كانت جزئية بالنسبة الى الشجرة لكنها كلية بالنسبة الى الاغصان الجزئية المنشعبة من كل غصن وهكذا نسبته الى باقي الاغصان الجزئية ونسبتها الى الاوراق ونسبة الاوراق الى الاعراض والصفات وساير القرانات وهكذا تترامي الكثرات بالنسبة الى رتبة واحدة من جهة المكان والزمان والجهة والرتبة والكم والكيف والاضافة والوضع والاجل والكتاب والاذن وقراناتها ونسبها واضافاتها ولوازمها وشرايطها ومتمماتها ومكملاتها وعللها واسبابها ومباديها وهكذا ساير احوالها ولما كان الشيء لا يكون في الارض ولا في السماء الا بسبعة بمشية وارادة وقدر وقضاء واذن واجل وكتاب كان يتعلق بكل ذرة من ذرات الوجود بجميع انحاء الكثرات فعل خاص بها ويتولد من قران الفعل بالمفعول وتعلقه به حامل يربط ذلك الفعل بذلك المفعول وهو نقشه الفهواني وحكايته الخاصة وهو حرف من حروف المفعول قائم بالفعل قيام صدور وقائم به الفعل قيام ظهور كقيام ظهور النار في الحديدة المحماة بها وذلك الوجه الخاص بالحاملية الخاصة على الهيئة الخاصة هو الملك الحيوان ذو شعور وادراك واختيار الا ان اختياره ضعيف كاختيار الحديدة المحماة للبرودة وكاختيار الجائع المشرف على الهلاك لشدة الجوع للامتناع من الاكل بعد تمكنه عنه واقتداره عليه فالملك وجه من وجوه المفعول وشأن من شئونه وتابع من توابعه غارف من بحر ذاته وفارغ ما غرفه في ذلك البحر ايضا الا ان الاغتراف من مبدء الاجمال بل ومبدء النزول والافراغ في مقام التفصيل عند عدم التعطيل سواء كان في الخير او الشر وسواء كان في الجنة او النار فظهر لك من هذا البيان انه يجب ان يكون الملائكة بعدد ذرات الوجود وسعتها وقوتها على حسب سعة الموكل عليه وقوته وعدمهما فافهم ولما كانت الاشياء لاجل حكاية قيوميته تعالى وسعة قدرته لها نورا وشعاعا وذلك النور والشعاع قد تعلق بهما الفعل من الله سبحانه كان الفعل المتعلق بالشعاع شعاعا للفعل المتعلق بالمنير وحامل الشعاع شعاع لحامل المنير وهكذا حكم شعاع الشعاع وشعاع شعاع الشعاع وهكذا الى ما لا نهاية له لسر عدم قطع الفيض واستمرار مادة المدد وعدم انتهاء القدرة فاذن فالملائكة حقايق مختلفة وذوات متأصلة كالانسان لصريح الروايات الدالة على ان المدبرات امرا هم الملائكة والامر يختلف بالامر الفعلي والامر المفعولي والامر المفعولي يختلف بالاصالة والفرعية والمنيرية والشعاعية والمناسبة بين المدبر بكسر الباء والمدبر بفتحها مما لا بد منه وقوله تعالى حكاية عن الملائكة وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون يوقف كلا في مقامه ومرتبته فاذن تم ما ذكرنا وصح ما قلنا واختصاص التدبير بالمدبرات في مقام دون مقام يورث اختلال النظام وفساد الحكمة فما بقي الا ما بينا فخذه وكن من الشاكرين فاذن فالحق هو الثاني فانهم حروف الكلمات وشعاع الحروف حروف للكلمة الشعاعية ولا تساوي حروف المنير وانكار الشعاع والمنير في الكلمات الكونية مصادمة للضروري ومزاحمة للبديهي فحروف المصدر شعاع لحروف الفعل ككلمتيهما فافهم ولا تتوهم من قولنا ان الملائكة قوى للشيء كما زعمته الحكماء وانما هي ذوات روحانية هي روابط لايصال الافاضات والامدادات الى تلك القوى والحقايق فافهم ضرب المثل فاطلاق الملك على كل طبقة من باب الحقيقة بعد الحقيقة
قال سلمه الله تعالى : فان كان الاول كما حققتم في بعض رسائلكم في بيان السلسلة الطولية والعرضية بانها رتبة تحت رتبة الجان فوق الحيوان وكما بين الشيخ المرحوم في دائرة العقل والجهل يلزم ان يكون كل فرد من افراد الانسان افضل من كل الملائكة حتى من العالين والكروبيين وهذا مناف لبداهة العقل والوجدان فضلا عما نطق به البرهان بل يلزم افضلية الجان ايضا لكونها تحته فضلا عن الانسان نعم في الانسان ايضا وجه لكون بعض افراده افضل لما قال النبي صلى الله عليه وآله ان رجلا من شيعة عليّ عليه السلام افضل من جبرئيل وهو سلمان بخلاف الجان
اقول كون الملك رتبة تحت الجان لا يلزم كون الانسان او الجن افضل من العالين او الكروبيين لانهم اناسي وان اطلق عليهم لفظ الملك فان مناسبة لفظ الملك لهؤلاء الذوات الكاملة المقدسة اقوى واعظم منها بالنسبة الى الملائكة الذين كلامنا فيهم فان الملك اصله مألك فقدمت اللام واخرت الهمزة ووزنه مفعل مأخوذ من الالوكة وهي الرسالة ثم تركت الهمزة لكثرة الاستعمال فقيل ملك بالتحريك فلما جمعوه ردوه الى اصله يعني قبل الحذف لا قبل التقديم والتأخير فقالوا ملائك فزيدت التاء للمبالغة او لتأنيث الجمع وعن ابن كيسان انه فعال من الملك فحذفت الالف تخفيفا ونقل عن ابي عبيدة انه مفعل يعني ملأك من لاك اذا ارسل في ملكه شيئا فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال بعد نقل حركتها الى ما قبلها او من الملك اي القهر فان الملائكة مظاهر القهر او لانهم مماليكه او من قولهم عبد مملكة ومملكة بفتح الميم وضمها اذا ملك ولم يملك ابواه ومنه الحديث لا يدخل الجنة سيئ الملائكة اي سيئ الصنع الى مماليكه ويقال فلان حسن الملائكة اي حسن الصنع الى مماليكه وسميت الملائكة لانهم رسل كما قال تعالى جاعل الملائكة رسلا او لانهم مظاهر القهر او لانهم مماليك ابتداء او لانه احسن صنعهم او احسن اليهم او احسن الى عباده بهم وفي كل هذه الوجوه يحصل التشابه بين العالين والكروبيين وبين الملائكة وان كانت هذه الوجوه في جانب العالين والكروبيين اقوى منها في جانب الملائكة فتسميتهم بالملك اولى من الملائكة فالعالون والكروبيون ليسوا حروفا من الحروف الكونية الغير المستقلة في افادتها ودلالتها والغير المعتبر اعتبار اقترانها باحد الازمنة الثلثة وانما هم كلمات كونية وذوات متأصلة مستقلة في الافادة والاستفادة بل هم مستمرون في الزيادة لا يعتريهم وقوف ولا نقصان وقد قال مولانا الصادق عليه السلام في الملائكة انهم ناقصون لا يحتملون الزيادة فكيف يقاسون باولئك الذوات الملكوتية والحقايق الجبروتية والاسرار اللاهوتية فمحض التسمية لا يوجب الافضلية فانهم خارجون عن محل البحث والكلام واما ما سويهم من الملائكة الذين في الرتبة الحرفية فهم على حسب ما وكلوا به في المرتبة فمجرد الاشتراك في التسمية من باب الحقيقة بعد الحقيقة لا يورث التساوي ولا الافضلية
قال سلمه الله تعالى : وان كان الثاني فلا معنى لكونها رتبة تحت الجان بقول مطلق وحصر افراد السلسلة الطولية في الثمانية
اقول هذا الكلام له جوابان احدهما تتحمله العقول والثاني بعيد عنها دقيق جدا لا يتحمله الا اولوا الافئدة من اهل المنقول اما الاول فنقول لا شك ولا ريب ان المختار اشرف من المضطر ولما امتنع الاضطرار والجبر فقوى الاختيار اشرف من ضعيفه في النوع ولا شك ولا ريب ان الملائكة ليس اختيارهم في قوة اختيار الانسان والجن بحيث تكون لهم قوة الفعل والترك بالفعل ظاهرة موجودة يترتب عليها الآثار وانما اختيارهم في جانب الشر ضعيف جدا لا تظهر آثاره الا نادرا ولذا لم تسمع ان الله قد بعث الى الملائكة رسولا وجعل لهم شرايع وان كانوا لا يخلون من ذلك اذا الوجود مبني في تحققه على التكليف كما برهنا عليه في كثير من مباحثاتنا ورسائلنا كما قال الله تعالى انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فاذا كان كذلك فيكون الملائكة بهذا النظر مقامهم في الرتبة تحت الجان لقوة اختيارهم بالنسبة اليهم ولا شك ان قوى الاختيار اعلى رتبة من ضعيفه ولما كانت الملائكة في قوة الادراك والشعور بل ظهور الاختيار في الجملة اقوى من ساير الموجودات التي رتبتها تحت الجان خصت بهذا المقام وذلك ظاهر انشاء الله تعالى عند ذوي الافهام واما الثاني فيجب ستره اذ ما كلما يعلم العالم يقدر ان يفسره فان من العلوم ما يحتمل ومنها ما لا يحتمل ومن الناس من يحتمل ومنهم من لا يحتمل ولكن لا بد من الاشارة اليها لقوله عليه السلام لا تمنعوا الحكمة من اهلها فتظلموهم وهو ان الملائكة انما هم عند الروابط التفصيلية ولذا يقل اعتبارهم في المراتب الاجمالية الى ان يبلغ الامر الى ان تنتهي وجوداتهم كما قال عليه السلام اذكروا الله بحيث لا يسمعه الملائكة وقال ايضا عليه السلام في حديث ارويه عن شيخي واستادي اعلى الله مقامه ورفع اعلامه ما معناه ان المؤمن اذا ذكر لاخيه فضيلة من فضايل آل محمد عليهم السلام يوحي الله تعالى الى الملائكة تنحوا عنهم فانهم مشغولون في سر ه وذلك لقلة اعتبارهم في العوالم الاجمالية لا لاعدام وجوداتهم بل ربما نقول لانتهاءها هنالك فاذا اعتبرنا مقام العلية في السلسلة الطولية انقطع اعتبار التفصيل في المراتب التي تعتبر فيها الوحدة والاقرار بالوحدانية لله عز وجل وذلك ينقطع على الظاهر عند آخر مرتبة الجان فجاء مقام التفصيل والكثرة فظهرت الملائكة وتفصلت واما نزول الملائكة على الانبياء وتدبيرهم للانسان والجان وهيمنتهم على الاكوان فذلك في مقام القطبية في السلسلة الطولية والعرضية لقوله تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون فان العالي لا بد له من الرتبة الجامعية حتى يتمكن من الافاضة ويمكن قوابل السفليات للاستفاضة فالجهة الجامعة تظهر الاحكام المانعة حتى يقتل سيف شمر لعنه الله الف الف مرة سيد الشهداء روحي له الفداء مع انه لعنه الله معه عليه السلام في السلسلة الطولية ونزلت الملائكة وقتلت الجان على وجه الارض قبل خلق آدم عليه السلام لما عصوا وعتوا وتجبروا فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم
واياك واسم العامرية انني اغار عليها من فم المتكلم
واما حصر السلسلة في الثمانية فتقريبي فان هؤلاء الثمانية ظهرت آثارها واستقلت كينوناتها وان كان كل اسفل اضعف فلما بعدت السلسلة ضعفت الآثار والكينونات فصارت لا تعد في الحساب ولا يجري ذكرها في كتاب الا في الكتاب الحفيظ الذي هو ام الكتاب ومنه البدء واليه الاياب والا فكيف تنحصر مراتب الفيض ومقامات الشعاع وشعاع الشعاع وشعاع شعاع الشعاع وهكذا الى ما لا نهاية لها الا ان الاشعة لما ضعفت ضعف اعتبارها فالحصر على الثمانية دليل النقص في القدرة وهو محال على رب البرية فكم من عوالم ومقامات ومراتب وآيات عجزت عن ادراكها الابصار الضعيفة والقلوب المظلمة المدلهمة فوجب القول على حسب متفاهم القوم ولذا قالوا ثمانية والا فالامر اعظم واعظم
ولكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكتاب مما يطول
فافهم انشاء الله
قال سلمه الله تعالى : وايضا هل يجب اعتقاد عصمة الملائكة كما يقول به المجلسي (ره) ام لا فان كان الاول فكيف يكون الجواب عن قصة هاروت وماروت التي اشتهر بين العوام والخواص وكيف يمكن عصمتهم مع كونهم في الوسط اسفل من الجان واعلى من الحيوان فان كانوا في اول الوجود كانوار الاربعةعشر سلام الله عليهم يمكن القول بعصمتهم بغلبة النور على الظلمة واضمحلال الانية واما في الوسط فكيف يصير مع كون الجان والانسان الذين هما اعلى رتبة منهم غير معصومين نعم الملائكة العالين والكروبيين عصمتهم حتى لكونهم عبارة عن حقايق الائمة والانبياء واما ساير الملائكة فلا
اقول اما عصمة الملائكة عليهم السلام فلا شك فيها ولا ريب يعتريها وانا اذكر لك حديثا جامعا لما تسئل من عصمة الملائكة وبيان حال هاروت وما روت بما لم يبق لمحتج حجة وهو ما رواه في كنز الدقايق عن عيونالاخيار باسناده الى الحسن بن عليّ عن ابيه عليّ بن محمد عن ابيه محمد بن عليّ عن ابيه عليّ بن موسى الرضا عن ابيه موسى بن جعفر عن ابيه الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام في قول الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين علي ملك سليمان وما كفر سليمان وساق الكلام في تفسير الآية الشريفة وذكر حال هاروت وماروت الى ان قال يوسف بن محمد بن زياد وعليّ بن محمد بن سيار عن ابويهما انهما قالا فقلنا للحسن ابي محمد عليه السلام فان قوما عندنا يزعمون ان هاروت وماروت ملكان اختارهما الله لما كثر عصيان بني آدم وانزلهما مع ثالث لهما الى الدنيا وانهما افتتنا بالزهرة وارادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة وان الله عز وجل يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة فقال الامام عليه السلام معاذ الله من ذلك ان الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبايح بالطاف الله تعالى قال الله عز وجل فيهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال عز وجل وله من في السموات ومن في الارض ومن عنده يعني من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وقال الله تعالى في الملائكة ايضا بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ثم قال عليه السلام لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملئكة خلفائه على الارض وكانوا كالانبياء في الدنيا وكالائمة افيكون من الانبياء والائمة عليهم السلام قتل النفس والزنا ثم قال عليه السلام اولست تعلم ان الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي او امام من البشر اوليس الله يقول وما ارسلنا قبلك يعني الى الخلق الا رجالا نوحي اليهم من اهل القرى فاخبر انه لم يبعث الملائكة الى الارض ليكونوا ائمة وحكاما وانما ارسلوا الى انبياء الله قالا فقلنا له فعلى هذا لم يكن ابليس ايضا ملكا فقال لا بل كان من الجن اما تسمعان الله يقول واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن فاخبر عز وجل انه كان من الجن وهو الذي قال الله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم قال الامام الحسن بن عليّ عليهما السلام حدثني ابي عن جدي عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد (ص) واختار النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم الا على علم منه بهم انهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقطعون به عن عصمته وينتهون به الى المستحقين لعذابه ونقمته قالا فقلنا له فقد روي لنا ان عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بالامامة عرض الله تعالى ولايته في السموات على فئام وفئام من الملائكة فابوها فمسخهم الله ضفادع فقال عليه السلام معاذ الله هؤلاء المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كساير انبيائه ورسله الى الخلق افيكون منهم الكفر بالله قلت لا قال فكذلك الملائكة ان شأن الملائكة لعظيم وان خطبهم لجليل وفيه عن عليّ بن محمد الجهم قال سمعت المأمون يسئل الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام عما يرويه الناس من امر الزهرة وانها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وما ترويه من امر سهيل وانه كان عشارا باليمن فقال الرضا عليه السلام كذبوا في قولهم انهما كوكبان الى ان قال عليه السلام واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وماعلما احدا من ذلك شيئا الا قالا له انما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه وجعلوا يفرقون بما تعلّموه بين المرء وزوجه قال الله تعالى فيهم وما هم بضارين به من احد الا باذن الله يعني بعلمه انتهى وفيما ذكرنا من هذه الاخبار كفاية لاولي الابصار وما ورد في الاخبار في غير هذا المعنى فهو محمول على التقية وهو موافق لمذهب العامة واما ما ذكره الملا محسن في الصافي في قصة هاروت وماروت من التأويلات البعيدة والتوجيهات السخيفة وزعم انها طريق الجمع بين الاخبار فكلام خارج عن الاعتبار لا يلتفت اليه اولوا الابصار واما ما ذكرت سددك الله وايدك ان الملائكة رتبة تحت الجان فلا تمكن عصمتهم والا لزم عصمة الجان والانسان لبطلان الطفرة فجوابه ان عصمة الملائكة ليست لقوة الاختيار فان جهة الظلمة فيهم ضعيفة جدا ولهم دائما وجه واحد فلا يتجاوزونه بخلاف الانس والجن فان جهتي النور والظلمة فيهم قويتان تظهران آثارهما باستخدام القوى والآلات والجوارح ولا كذلك الملائكة اذ ليس لهم الا جهة واحدة ولذا كانوا ناقصين لا يحتملون الكمال على ما روي عنهم عليهم السلام فعصمتهم لضعف كينونتهم اي ضعف قوة المعصية فيهم كالعنين الذي ليست له قوة الجماع ولا شهوته لا لانهم مجبورون مضطرون بل فيهم الاختيار لكنه ضعيف بالنسبة الى المعصية لقلة الظلمانية في حقايقهم وعصمة الانبياء والائمة عليهم السلام لقوة اختيارهم وشدة اختيارهم بحيث ازاحوا الظلمة واناروا بتسديد الله سبحانه السريرة والطوية والفطرة فلا يعصون ابدا واما ساير الخلق من الجن والانس فلما لم يكونوا في القوة مثل الانبياء عليهم السلام ولا في ضعف جهة الظلمة وقلتها مثل الملائكة فتظهر منهم المعاصي والسيئات فلا تدل عصمتهم على قوتهم في الرتبة ولا عصيان غيرهم على نقصانهم اذ جهات العصمة وعللها مختلفة فعصمة الملائكة لنقصان تركيبهم وهذا لا كمال فيه وعصمة الانبياء لقوته وشدته وكثرة العناية في الشريعة العملية وهذا هو الكمال الذي لا يدانيه كمال والجمال الذي لا يساويه جمال نعم نوع الملك لطهارتهم ونورانيتهم وكونهم محل العناية وحاملي الارادة الالهية اشرف من نوع الانس والجن ولذا كانوا مؤثرين فيهم ومقدمين في الذكر اذا ذكروا معهم كالحروف العاملة في الفعل والكلام مع تأخر رتبتها عنهما اجماعا من اهل اللغة بل العقلاء باجمعهم فافهم وعلى من يفهم الكلام السلام نعم قد يصدر من الملائكة احيانا نادرا ترك الاولى من جهة ما فيهم من الاختيار الضعيف والانية لاجل بعض المرجحات الخارجية كما وقع لفطرس والملائكة الذين اعترضوا على الله سبحانه وقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ثم تابوا بالاقتران بمعين خارجي وباللواذ بباب رحمة ذاتية حقيقية كلواذ الملائكة بالعرش ولواذ فطرس بالحسين عليه السلام وذلك لحكمة ربانية الهية سبقت المشية بها ونفذت الكلمة بها ومثل هذا لا يعد معصية بخلاف الجن والانس واما الحديث المروي في البحار عن الباقر عليه السلام في امر ذلك الملك الذي عجب بعد ما خلق السموات والارض فاحرقه الله تعالى بما خلق لما ان دخله العجب ان صح فمحمول ومأول قال تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال ايضا عز وجل الشمس والقمر بحسبان قال عليه السلام على ما رواه القمي في تفسيره وعبره في عبره ان الشمس الاول والقمر الثاني وحسبان طبقة من طبقات جهنم فافهم
قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثانية - انه بعد فناء هذا العالم وخراب الدنيا اي النفخ الثاني وقيام القيامة الكبرى هل يكون في دار التكليف ايضا مكلف موجود متأصل مستقل ذو شئون واطوار مثل هذا المكلفين لهم ايضا عقل ونفس وشعور وادراك ونبي وامام وجنة ونار غير هذا بالجملة عالم غير هذا العالم جواهرها واعراضها بل كل السلسلة الطولية والعرضية ام لا بل كلما يأتي ويكون بعد القيمة من فروع المكلفين وتوابعهم مثل خلق الواحد منهم الف حورية والف اولاد بل كل ما يتخيل الحاصل هل يكون اساس غير هذا الاساس من اول ما صدر الى آخر ما نزل او كلما يكون من توابع بواطن هذا العالم وتوابعه ويترقى ويتنزل كل شيء في رتبته وينفصل المخروطين كل عن صاحبه ويلحق كل باصله النور في سلسلته والظلمة في سلسلتها كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما
اقول قد روي الصدوق (ره) في آخر كتاب الخصال عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام في تفسير قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد ان الله تعالى اذا افنى الخلق واحياهم وحشرهم وادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار يخلق في هذه الدنيا خلقا من غير فحولة ولا اناث يعبدون الله تعالى ويوحدونه ثم قال عليه السلام يا جابر اترى ان الله سبحانه خلق عالما واحدا وآدم واحدا بل خلق الف الف عالم والف الف آدم انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين نقلت الحديث بالمعنى والذي يظهر لي ان هذا الخلق ليسوا خلقا مستقلا غير مرتبط بهذا العالم فان تدبير الله سبحانه لا يختلف وانما هو على نظم واحد قال تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقال عز وجل وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر فلا تباين في الصنع والتدبير وذلك تقدير العليم الخبير وليسوا من بواطن هذا العالم كما يشير اليه كلام جنابك لان الطفرة في الوجود باطلة والاخس لا يتقدم الاشرف وقد تقدم القوس الصعودي فالرجوع الى هذه الدنيا فلا يصح من العالم الاعلي نزول وادبار بعد ما بلغوا مقام الصعود بعد النزول وقد قام البرهان على امتناعه ونطق القرآن على بطلانه فاذن لا يصح ان يكون المتجدد بعد خراب العالم من بواطنه فيجب ان يكون من قشوره وظواهره ويجب ان يكون اضعف من هذا العالم بنية وتحققا ووجودا وشرفا ومكانة ونحن نرى بالعيان ان الفواضل والقشور اذا تعفنت ونضجت وصلحت كانت مادة تكون حيوان من البهائم والحشرات كالفارة وامثالها فافهم ضرب المثل فان الله تعالى يقول ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون ولذا قال عليه السلام من غير فحولة ولا اناث مثل حكم حور النابتات وبنات جزاير الواق الواق هؤلاء مكلفون لهم دين وكتاب وشريعة وحامل شريعتهم من قبل نبينا صلى الله عليه وآله اما من وراء حجاب كما كان الامر كذلك من بدو ظهور آدم على محمد وآله وعليه السلام او بغير حجاب والاول اقرب الى الحق واولى بالصواب ويؤيده قوله عليه السلام انتم في آخر تلك العوالم واولئك الآدمين
واما ان لهم عقلا ونفسا الى آخر المراتب فنعم لان هذه المراتب مما اقتضته حكمة الايجاد بسر الانوجاد وان اختلفت محالها ومواقعها باللطافة والكثافة والقوة والضعف والنورانية والظلمانية واما سر التسبيح باجتماع الكيان مع الكيفيات لتحقق الكمال وبلوغ الوصال وظهور الآمال فمما لا بد من الجعل في الخلق الاول والثاني وقد ذكرنا وجه حصر العوالم في السلسلة العرضية في الثمانية وهي الفؤاد (١) والعقل (٢) والروح (٣) والنفس (٤) والطبيعة (٥) والمادة (٦) والمثال (٧) والجسم (٨) في جواب مسائل الملا حسينعلي الرشتي فان ما فيها غنية للطالب وكذلك الحكم في الجنة والنار والثواب والعقاب وكذلك الحكم بعدهم وبعدهم وبعدهم الى ما لا نهاية له فان فيض الله لا ينقطع وحكم الله لا ينفد ووجه الله لا يفنى والمقامات لا تعطيل لها في كل مكان ومن دخل الوجود امن من العدم نعم تعتور عليه الاحوال بكسر وصوغ لجري حكم الاسباب لينال نصيبه من الكتاب ويرى الامر واضحا مرتفع الحجاب مكشوف النقاب ان ذلك لذكرى لاولي الالباب واما حكم الخلط واللطخ والتمييز ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة فمما لا بد منه في كل تكليف في كل عالم الا انه في كل عالم على حسب مقامه ومرتبته خصوصا في عالم القشور واستتار النور وذكر الغيور وذلك ظاهر واضح انشاء الله تعالى
قال سلمه الله تعالى : المسئلة الثالثة - هل الفعل اشرف واكرم ام المقامات واسم الفاعل فبناء على اشرفية اسم الفاعل كما ينقلون عن الشيخ المرحوم اعلى الله مقامه ورزقني الله ادراك كلماته حيث كان يقول الفعل اقرب وذاك اكرم فما وجه اشرفيته واكرميته فانه لا شك ان الاشرفية والاكرمية هناك ليس الا بالقرب كالاشعة فلا يمكن تعقل اشرفية الوسط عن المتصل القريب بالسراج كما هو المعلوم
اقول قد دلت الادلة القطعية من العقلية والنقلية ان عالم الالفاظ والكلمات والحروف على طبق المعاني والذوات والصفات والحقايق وقد افردنا لها رسالة على حدة فاذن لا شك ولا ريب ان اسم الفاعل مشتق من المصدر المشتق من الفعل والمشتق فرع من المشتق منه اجماعا فاسم الفاعل فرع للفرع للفعل فكيف يداني الفرع من الاصل فضلا عن المساواة فضلا عن الافضلية والاكرمية مع ان الفعل هو الاصل في العمل والتأثير واسم الفاعل هو الاصل في الانفعال والمعمولية ولكنه قد طرءته العاملية لاجل المناسبة والمشابهة للفعل فاذا كان كذلك فكيف يصح القول باشرفية اسم الفاعل ان هذا الا زور وبهتان واما المنسوب الى مولانا واستادنا اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه فهو بمحل من قبول الا ان القائل ما فهم مراده ولارام مرامه واين هو منهم واين الثريا من يد المتناول والذي قال اعلى الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه هو المأخوذ من الحديث الشريف ان روح القدس اقرب الخلق الى الله وليس باكرمهم عليه ه والمراد من روح القدس هو العقل الكلي ولا شك انه اول ما خلق الله واقرب الخلق الى الله واما الاكرمية والاشرفية فلا لان الجامع المطلق الذي هو العاقل لا شك انه اشرف من العقل الكلي لانه بشرافته مرتبة من مراتب العاقل فله شرافته وزيادة والكل لا شك انه اكرم واشرف واعلى من الجزء لاشتماله على الكل وحيازته شرافة الكل وهذا انما يتم في الجزء والكل والجامع وذو الرتبة الواحدة واما الشعاع والمنير والعلة والمعلول والاثر والمؤثر فلا يتم ذلك ابدا وان كان الشعاع كلا جامعا في رتبته فلا يساوي الجزء في رتبة المنير ولا يدانيه ايضا ابدا والاسم الفاعل فرع للمصدر والمصدر شعاع واثر للفعل فكيف يكون افضل منه وان كان فيه ذكر الذات فانا قد بينا بالبراهين القاطعة ان الذات المعتبرة في المشتقات امثال وآيات وحكايات وظهورات للذات لا نفس الذات الا ان الظهور لما كان مضمحلا عند الظاهر بالظهور وهو عند الذات فلا ينصرف الذهن عند سماع اللفظ الا الى الذات ولذا قلنا في تعريف اسم الفاعل انه حكاية الفعل للمفعول المطلق عدم استقلالية نفسه فهو في الحقيقة اثر للفعل ولذا كانت اسماء الفاعلين من صفات الافعال لا صفات الذات كالقائم والقاعد والآكل والشارب وامثالها واما المقامات المشار اليها في كلام مولانا تغمده الله برحمته فهي مركبة من الفعل والتعلق بالمفعول المطلق في مقام الوجود المطلق لا الوجود المقيد في اعتبار مخلوقيته فان الامام الصادق عليه السلام قال خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها فلما اعتبرت مخلوقية المشية فلا بد من اعتبار تعلق فعل عليها بضرورة استحالة تحقق المفعول بدون الفعل ولما لم يكن فعل غيرها كان ذلك منها ومن رتبتها فتكون النسبة بينهما نسبة الكل الى الجزء اذ لا يجوز ان تكون النسبة في هذا المقام نسبة الشعاع الى المنير لعدم مذكورية الشعاع في رتبة ذات المنير والمقصود هنا ايجاد الفعل نفسه واعتبار المفعولية في نفسه بجميع مراتبها ومقاماتها فان الايجاد يستلزم الكثرة على النهج المقرر في العالم الاكبر فيكون عالم الوجود المطلق عالما برأسه يعتبر فيه جميع ما يعتبر في غيره الا انه على جهة الوحدة والبساطة وعدم الاختلاف والكثرة فاسم الفاعل الذي هو المقامات التي هي اشرف من الفعل هو في هذا المقام في كينونة الفعل بنفسه وهي التي لا تعطيل لها في كل مكان من عوالم الامكان على وجه الحقيقة فان ما سواها وان كان لا تعطيل له في كل مكان لكن الكلية جزئية والنسبة اضافية فهذا مراد شيخنا اعلا الله مقامه من اشرفية المقامات على الفعل واقربية الفعل بالنسبة اليها فانه ح تكون نسبة الجزء الى الكل ونسبة العقل الى المرتبة الجامعة والدليل على ما ذكرنا موجود في كلامه اعلا الله مقامه ورفع في الدارين اعلامه فانه ذكر في جواب مسئلة اشتراك الوجود نسبة الفعل الى اسم الفاعل وقال ان نسبته اليه نسبة السراج الى الاشعة ونسبة المقابل الى الصورة المرئية في المرآة فعرفنا ان عنده ان اسم الفاعل شعاع للفعل ونور له يحكي الذات به عنه فطابق هذا الكلام ما عليه علماء اللغة بجميع فنونها من اشتقاق اسم الفاعل عن الفعل ومبدئية الفعل له وعمل الفعل فيه وقال ايضا في شرح الفوائد في مسئلة الوجود المطلق وذكر اسمائه وان منها الحقيقة المحمدية وذكر فيه ان اسم الفاعل مركب من الفعل واثره فعرفنا ان هذا الاسم الفاعل ليس مباينا للفعل ولا شبحا منفصلا عنه لاطباق العقول وتصريحه اعلا الله شأنه ان الشيء لا يتركب من نفسه واثره كما في الفوايد في مبحث الجعل فاذا فيكون هذا الاثر هو الاثر المتصل وهو من سنخ الفعل وحقيقته وتنزل مرتبته كالعقل من الفؤاد فعلى هذا تكون هذه المقامات اشرف من الفعل لانها جامعة له ولغيره وان كان الفعل وحده اقرب فان الفعل بشرافة قربه موجود فيه مع شيء زايد فتكون جامعة لشرافته وشرافة غيره فذو الشرفين اشرف من ذي شرف واحد هذا مراده اعلا الله مقامه فيما افاده فافهم وادرك كلامه فانه ليس مشرعة لكل خائض ولا منهلا لكل وارد بلغنا واياك التوفيق وسقانا الله واياك من رحيق التحقيق
قال سلمه الله تعالى : المسئلة الرابعة - انه بناء على ما قررتم في مسئلة الحركة الجوهرية من ان الذاهب عين العائد والعائد عين الذاهب كالنهر المستدير كيف يمكن ان تصدر الحركة لان الحركة على ما قرروه في محله هي توسط الشيء بين المبدء والمنتهى او ما يحصل من هذا السبب استمرار ذاته واختلاف نسبه الى حدود المسافة كما عرفه الملا محسن في عين اليقين فبناء على هذا لا معنى للحركة في الحركة الوضعية اذ ليس فيها مبدء ولا منتهى خصوصا على ما قررتم في محله بعدم جواز الترقى في الطول بل باعتبار في العرض ايضا لان العقل والنفس وساير المراتب لا تترقى عن مرتبتها بالبديهة سلمنا الترقى في العرض لكن اذا لم يكن في الطول فلا معنى للحركة بل هو عين السكون لان كل شيء في مقامه ومرتبته لا يصعد ولا ينزل وما منا الا له مقام معلوم لا ابتداء ولا نهاية
اقول هذا آخر مسائله بلغه الله منتهى امله وما ذكره من تعريف الحركة ما ادري هل المجموع تعريف واحد او تعريفان وعلى اي تقدير فلا يعقل عليه ولا يركن عند التحقيق لديه فان توسط الشيء بين المبدء والمنتهى ان اراد بالشيء الحركة كان دورا وتعريفا للشيء بنفسه وان اراد به المطلق يلزم ان لا يوجد الا الحركة اذ كلما دخل في الوجود من الجواهر والاعراض والذوات والصفات متوسطة بين المبدء والمنتهى على فرض حدوث الاشياء ومبدء كل شيء كمنتهاه بحسب ذلك الشيء من النهاية واللانهاية والغير المتناهي متناه عند مبدئه وخالقه فان قيل ان الحركة هي التوسط لا المتوسط قلنا يلزم ان تكون الاشياء كلها متحركة وعندهم ان الحركة لا تقع الا في مقولات اربع الكم والكيف والاين والوضع وجعل بعضهم الجوهر والاشياء منحصرة في هذه المقولات والجوهر ويلزم ان يكون السكون ايضا متحركا لانه متوسط بين المبدء والمنتهى اي ايجاده وانوجاده فمبدئه في ذاته لا في ذات علته وكذا قوله استمرار ذاته واختلاف نسبه فانه لا يتم الا في الحركة في الاعراض واما في الجوهر فلا يتم ذلك لعدم استمرار الذات هناك والحاصل ان هذا كلام لا محصل له الا ان يقيد بقيود كثيرة لا يناسبها مقام التعريف وعلى فرض التسليم لا يرد النقص بالحركة الوضعية لان لها مبدء ومنتهى فان المبدء اما ان يراد مبدء الحركة او ذات الشيء او علته فان كان مبدء الحركة فهو بعد ايجاده وخلقه كما ان الافلاك خلقها الله تعالى حين كان طالع الدنيا السرطان والكواكب في اشرافها فتكون الشمس في الرابع في كبد السماء وقت الظهر وكان النهار مقدما على الليل كما نص عليه تعالى بقوله ولا الليل سابق النهار ثم تحركت الافلاك بالحركة الوضعية فغابت الشمس وجاء الليل ثم جعل الحساب من الليل فصار الليل مقدما على النهار كما هو المتعارف الآن وذلك في النزول الصعودي وذلك مبدء الحركات الوضعية الفلكية واما منتهاها فبين النفختين بعد الاولى نفخة الصعق فتبطل الحركات وتسكن الموجودات من الذوات والصفات وتندك الافلاك وتنفطر وتتغير النجوم وتنتثر فيبقى بلا حركة الى انقضاء اربعمائة عام وذلك بتقدير العزيز العلام والا فليس هناك حركة حتى تعرف مقادير الزمان ثم يجدد الله سبحانه الخلق ويحيي الافلاك فيأخذ في الحركة فتستدير على وجه مبدئها شائقة لقاء ربها ومصفاة عن جميع العوارض المانعة لها ولما لم يمكن الوصول فليس لتلك الحركات فتور وغايتها الوصال فلا تزال لاجله هائمة ازل الآزال فلا نهاية لحركتها ولا وقوف لمشيها وطلبها فالمنتهى دائما في نظرها وتتحرك اليه فاذا وصلت سكنت واني لها الوصول كما ترى في الحركة الاينية مثلا اذا كان لشخص مطلوب لا يصل اليه وهو يظن الوصول فلا يزال يتحرك اليه من غير فتور ولا يسكن حتى ينفخ في الصور فافهم فالنهاية الفعلية غير معتبرة في الحركة نعم يجب اعتبارها للمتحرك والا امتنعت الحركة ولذا ترى الغني بالذات عن كلما عداه لا حركة له ولا سكون وان كان المراد بالمبدء الذات والعلة فاثبات الابتداء والانتهاء للمتحرك اوضح شيء في الكون والوجود وكذلك القول في الحركات الدهرية المجردة التي للعقول والنفوس كلها استدارات ذاتية حقيقية لها مبدء ومنتهى بالوجوه الثلثة كما عرفت في الافلاك فان عالم الغيب على طبق عالم الشهادة حرفا بحرف كما قال مولانا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا والدواير الوجودية والحركات الجوهرية الذاتية تبتدئ من مبدئها الذي هو الفعل والمشية وتنتهي اليها ولا تزال بايادي فقرها طارقة باب غني مبدئها وهو يفيض اليها من خزائن جوده وكرمه كل آن ودقيقة فلا نفاد للفيض ولا وقوف للطلب فلا سكون اذن للحركة وكلما يأتي اليه من فوارة الفيض يصاغ ذاته بعد كسرها مع ذلك المدد ثم يأتي آخر فيكسر ويصاغ كذلك ولما جري التقدير الالهي ان يكون لكل فيض نازل من سماء الجود والمشية اقبال وادبار وصعود ونزول فلا جرم اذا نزل ذلك الفيض من بحر الابداع والاختراع وتخصص بالشئ حين تخصص بالقيودات المشخصة نزل من عوالمه العلوية الى عوالمه السفلية فيصعد اليه ما كان قد نزل عنه فدائما يذهب منه شيء ويأتي اليه آخر بدله ويعود الذاهب على ما هو عليه مصاحبا للمدد الجديد لا وحده بعين ما ذهب ولا يلزم التغير الموجب لانقلاب الحقيقة المستدعي لرفع الثواب والعقاب بل الحقيقة على ما هي عليه مع زيادة كالطفل الذي يكبر وينمو شيئا فشيئا اذ ليس النمو مغيرا لحقيقته نعم ذلك يستلزم الكسر والصوغ وهما المعبر عنهما بالحركة والسكون فالقول بانقطاع المدد قول بان يد الله مغلولة والقول باستغناء الخلق عن المدد قول بقدم الاشياء ووجوبها والقول بالاستغناء في المادة والصورة والافتقار في الحفظ والبقاء قول باجتماع الحدوث والقدم وسلب للكمال المطلق للغني المطلق واليه يشير في التأويل قوله تعالى افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فافهم
واما القول بعدم الترقي في الطول فحق لا شك فيه ولا ريب يعتريه والا لانقلبت الحقايق وجاز الصعود الى مقام الوجوب ولا يقول به عاقل
واما استلزام ذلك السكون وعدم الحركة فممنوع فان الحركة انما تقع للطلب فيما يمكن الوصول اليه لا فيما لا يمكن وقد قلنا ان الحركة استمداد الحادث بفقره من مبدئه ومدد كل شيء يصل اليه مما هو في مقامه ومرتبته فهو يتحرك الى نحو مبدئه لاستمداده وذلك ابد الابد ودهر السرمد فدائما يحصل له مقام لم يكن قبل ذلك ويترقى في رتبته كالحجر الذي يترقى الى ان يصير اكسيرا فعالا ومؤثرا فيما سواه من المعادن والفلزات ثم لا يزال يتحرك في مراتب القوة والشدة وزيادة التأثير الى ما لا نهاية له ولا نعني بالحركة الا هذا لا ان الشيء بالحركة يخرج عن مركزه ويلحق بالاصل الاعلى فان ذلك محال وما منا الا له مقام معلوم وانا لنحن الصافون فلا يلحق النفس بالعقل ابدا بالحركة نعم يتحرك النفس من مقام ذلها طالبة لمقام كمالها فتتحرك من مقام النفس الامارة الى الملهمة ومنها الى اللوامة ومنها الى المطمئنة ومنها الى الراضية ومنها الى المرضية ومنها الى الكاملة ومنها الى مراتب الكمال في القوة والشدة الى ما لا نهاية له وهذا معنى الحركة وكذلك العقل يتحرك من العقل المنخفض الى العقل المستوي ومن المستوي الى المرتفع ومنه الى ما لا نهاية له من المراتب والمتحرك في مقام العقل صاعدا نازلا جوهرة بسيطة نورانية يحصل لها مراتب بحسب سعيها وحركتها اما في المراتب السافلة او في المقامات العالية وذلك النور الساري هو المتحرك المترقي قال تعالى ولكل درجات مما عملوا وكذلك في مقام النفس هي جوهرة بسيطة بالحركة تحصل مراتب ومقامات وتلك المراتب ايضا لها حركات ذاتية الى شئونها ومطالبها وهكذا الى ما لا نهاية له في اطوار الجنة ومقاماتها وما يضاعف لكل مؤمن في كل جمعة والحركة لا تقع الا في ما يمكن للشيء الطلب لا فيما لا يمكن والسكون لا يكون الا فيما يقع فيه الحركة ولذا لا يجوز لله تعالى ان يقال له انه ساكن لانه لا يجوز ان يقال له انه متحرك فالشيء في رتبة العلة لا ذكر له ابدا فكيف تقع الحركة في السلسلة الطولية وكذلك في العرضية الا بقلب الحقايق وما جرت حكمة الله سبحانه في العادة بذلك لوجوه له لا يناسب هذه العجالة لذكرها والاشياء تتحرك في حوزتها وتقرء حروف نفسها ولا تخرج عما هي عليه في ذاتها ذلك ان تقول انها ساكنة وما منا الا له مقام معلوم ولك ان تقول انها متحركة وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء ولذا جرى السكون والحركة في الاعراب اللفظية والسلام
قد فرغ من تسويد هذه العجالة مع كمال اغتشاش البال واختلال الاحوال منشيها في سلخ شهر محرم الحرام سنة ١٢٤٣ حامدا مصليا مسلما مستغفرا