رسالة في جواب الميزا حسن الهندي الدهلوي العظيم آبادي (٣ اسئلة)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب الميرزا حسن الهندي

الدهلوي العظيم آبادي

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الرابع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني انه قد وردت عليّ مسائل دقيقة منطوية على مطالب جليلة تقصر دونها الاحلام وتكل لبيان جملة منها اكثر الافهام للمولي الاعظم والعالم المقدم والفاضل المكرم ذي الفطنة الباهرة والسريرة الطاهرة اللبيب المؤتمن كهف الحاج الميرزا حسن بن امان‌الله الهندي الدهلوي العظيم ‌آبادي وطلب من الحقير الفقير جوابها وكشف نقابها وقد اتت في حال قد تراكمت عليّ الهموم والاشغال وتكاثرت عليّ الغموم واختلال البال وتواتر الامراض المانعة من استقامة الحال وفي مثل هذه الحالة لا يتمكن الانسان من اداء المقال على مقتضى حقيقة الحال ولكنني لما الزمت على نفسي اجابته اتيت بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور مكتفيا بالاشارة ومقتصرا على ادنى العبارة اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي وجعلت كلامه اعلى الله مقامه وبلغه في الدارين مرامه متنا وجوابي كالشرح له ليطابق الجواب بالسؤال وعلى الله التكلان في جميع الاحوال

قال سلمه الله : بين لي ايها السيد السند الجليل والمولي الاولى النبيل يا من هو عالم بمعالم الدين وعارف بمعارف اليقين يا من كشف الغطاء من وجوه احاديث سيد المرسلين واظهر الخفاء عن بطون كلام الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ما اشكل عليّ ادراكه وعسر فهمه ليطمئن به قلبي ويسكن فؤادي وهو امور :

الاول - انه يظهر من كلامكم الشريف في رسالة المعاد ان الجسم مركب من الهيولي والصورة وقلتم هذه الصورة التي في الاولى لا تعود في الاخرى لان المطلوب في الآخرة البقاء والدوام وهذه الصورة الجسمية الدنيوية لا تصلح للدوام والبقاء لتخلل المفاسد المفنية لها فيها وورود الحوادث المبطلة لها عليها في عاجل الزمان واسرع الدوران بل يتركب هذه المادة بعينها بصورة اخرى محكمة متقنة تدوم ولا تزول وعلى هذا يلزم ان يكون الثواب او العقاب على الجسم الذي هو غير هذا الجسم الذي به اطاع المكلف وعصى وذلك خلاف العدل منه سبحانه بيانه ان المجموع المركب من جزئين معينين اذا فات احد جزئيه وحل محله جزء آخر فلا يكون الثاني هو الاول بل يكون هو غيره فيلزم المحذور وبتقرير آخر ان الجسم مركب من الهيولي والصورة الخاصة التي لا تتقوم المادة ولا تتحصل الا بها فلما زالت هذه الصورة وتقوم المادة بصورة اخرى لا يكون الجسم المركب بالصورة الثانية هو المركب بالاولى بل بينهما مغايرة كلية لا يتصور مغايرة فوقها والحال ان مصدر الطاعة والعصيان هو الاول دون الثاني وان كان الثاني على كمال التشابه والتماثل بالاول فان احد المتماثلين غير الآخر

اقول لا شك ولا ريب ان المركب ينتفي بانتفاء احد اجزائه فان كل جزء له دخل في قوام الحقيقة فاذا انتفي ذلك الجزء انتفت الحقيقة الاولى سواء اتي بدله ام لم يات فالباقي حقيقة اخرى غير الاول وذلك مسلم معلوم وكذا لا ريب ان الجسم بل كل شيء مركب من الهيولي والصورة كما دلت عليه الادلة القطعية من العقلية والنقلية المذكورة في محلها وموقعها الا ان الصورة على قسمين صورة جوهرية وهي الجسمية التي بها قوام الجسم وتحققه ولولاها لم تتحقق وقد مزجها الله سبحانه مع المادة مزجا حقيقيا والف بينهما تاليفا ذاتيا بسابق مشيته ونافذ ارادته لا ينفك احديهما عن الاخرى الا بانعدامهما جميعا لما تحقق عندنا ان كل واحدة منهما شرط لتحقق الاخرى فلا يوجد احديهما الا بالاخرى فاذا انتفت احديهما انتفت الاخرى فهما المتساوقان المتحاويان الزوجان اللذان هما حقيقة الامكان كما قال عز وجل ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وهذان الجزءان لا ينفكان الا وينفك الشيء المركب وينعدم وهذه قد تكون اولية وثانوية وثالثية وهو المعبر عندهم بالهيولي الاولى والثانية والثالثة فافهم فان بيان هذه المطالب يؤدي الى تطويل وتفصيل لسنا الآن بصدده والصورة الثانية صورة شبحية وهيئة عرضية تتعاور على الجسم وتتناوب عليه مع انخفاظ (كذا) الجسم الاول المركب من الهيولي والصورة وبقاء الكينونة الاولى ويكون الاول بها اي بهذه الثانية مصدرا للصفات المختلفة وموضوعا للهيئات المتباينة المتكثرة وهذه هي المسماة عند الحكماء بالجسم التعليمي والجسد التعليمي وعند اهل البيت عليهم السلام بالبدن النوراني والشبح الظلي فلو كانت الصورة واحدة وهي جزء الجسم التي بانعدامها او تبدلها بغيرها ينعدم الجسم والحقيقة لم يكن الجسم الواحد موصوفا للصفات موضوعا للعوارض المتفاوتة لان تعاور الاعراض يقتضي بقاء الموضوع فاذا انعدم الموضوع اين يثبت العرض وذلك واضح انشاء الله ونزيدك توضيحا بذكر مثال ينكشف لك به حقيقة الحال فنقول ان الولد مثلا اذا استقر في الرحم ونزل الى هذه الدنيا لم يزل ينتقل من حال الى حال ومن طور الى طور ومن صورة الى صورة ومن هيئة الى هيئة من كونه رضيعا وكونه فطيما وكونه صبيا وكونه مراهقا وكونه بالغا وكونه شابا وكونه تاما وكونه كاملا وكونه شيخا وكونه هرما وكونه ميتا وكونه رميما وكونه ترابا وكونه صحيحا وكونه سقيما وكونه قصيرا وكونه طويلا وكونه صغيرا وكونه كبيرا وكونه مهزولا وكونه سمينا وكونه متلونا بالوان مختلفة من حمرة الى صفرة الى كدرة الى بياض الى خضرة الى سواد الى غير ذلك من الالوان فنقول هذه الصور المختلفة هل تغيره عن حقيقته المركبة المؤلفة من الهيولي والصورة ام لا بل تلك الحقيقة مصونة محفوظة ترد عليها هذه الصور العرضية والاشباح التعليمية اثباتا لفقرها وحاجتها الى باريها ومنشيها وتبيينا لبقاء موجدها وانه يجلب عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان فان كان الاول يلزم ان يكون الشخص حقايق مختلفة وذوات متباينة لا تصدق كل واحدة منهما على الاخرى ويلزم هذا القول ان يكون زيد الصبي غير زيد الشاب وزيد الشاب غير زيد الشيخ ضرورة ان لكل منها صورة وهيئة غير الآخر فان كانت هذه الصورة هي التي تتقوم به المادة وتتشخص بها فاذا انعدمت انعدمت تلك الحقيقة واتت حقيقة اخرى فاذن فالاسم الموضوع له حال الصبا والصغر اذا اطلق عليه حال الهرم والكبر كان مجازا واذا جنى في حال الشباب او في حال الصحة او في حال المرض لا يجوز مطالبته عند الكبر لان الجاني حقيقة اخرى غيرها فاذا تحمل شهادة في حال لا يجوز ان يؤديها في غيرها لان الشاهد قد انعدم بانعدام تلك الحالة وكذا اذا استقرض واستدان وغير ذلك من الاحوال وهذا في البطلان بمكان لا يحتاج الى الاستدلال وفساده لا يخفى على الجهال فضلا عن العلماء الابدال فاذا بطل الاول فتعين الثاني وبيانه هو ان الصورة صورتان احديهما جزء ماهية الجسم ومقومة للهيولي ومحققة للمركب وهي جوهرية جسمية انبساطية بسيطة اضافية محفوظة في الاطوار والادوار والاكوار والاوطار بها قوام الشيء وتمامه لا يمكن انفكاكه عنها ولا استبدالها بغيرها حين كونه وهذا مرادهم بالماهية وقولهم ان قلب الماهية محال وهذه الصورة مع هذه المادة تجري مجرى المادة لتلك الصور والاعراض فهي بمنزلة الهيولي الثانية لا نفسهما فافهم والثانية صورة عرضية تعتري الجسم لامور خارجية تتميما لقابليته وتكميلا لاستعداده ونضجا لبنيته لاستفاضة امداده وهذه لا دخل لها في حقيقة الجسم وانما هي امور تكتسبها من خارج باطوار شؤنه تذهب وتجيء ولا يلزم عود الذاهب ولا ذهاب الآتي الجائي مثلا اذا غلبت الصفراء واصفر لون الرجل ثم ذهب الصفار بمعالجات وتداوي لا يلزم عود الصفرة لانها كانت موجودة معه وقتا وكذا اذا ذهبت صورة الصغر وجاءت صورة الكبر وكذا اذا ذهب اعتدال الصورة وصارت قبيحة لم يلزم عود الاولى وكذلك العكس واذا ذهب الصورة الانسانية الظاهرية وجاءت الصورة البهيمية لا يلزم عود الاولى كالذين مسخوا قردة وخنازير فانهم لا شك عند المسخ ماتغيروا عن حقيقتهم ولا خرجوا عن ماهيتهم والا لم يكن المسخ عقوبة لهم فان المسوخ اشخاص غيرهم وهو بديهي البطلان بل المسوخ باعيانهم هم الذين كانوا من قبل بصورة الانسان فنزع الله سبحانه عنهم باعمالهم الخبيثة تلك الصورة والبسهم صورة اخرى وهم على ما هم عليه وانما التغيير في الهيئة العرضية والجسم والجسد التعليميين وكذلك حكم العكس مثل حكم كلب اصحاب الكهف فان الروايات قد دلت على انه تنزع عنه الصورة الكلبية وتلبس الصورة الانسانية ويدخل الجنة بعكس المسوخ في الدنيا والآخرة وكالقرآن المكرم المعظم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فان الروايات قد استفاضت من سادة البريات عليهم السلام انه يظهر يوم القيمة على احسن صورة واجمل هيئة بحيث كلما يمر على صف من صفوف اهل المحشر يرونه احسن ذلك الصف في جميع ما لهم من المحاسن فيمر على الملائكة ويرونه احسنهم ويمر على صف المؤمنين ويرونه احسنهم ويمر على صف الانبياء المرسلين ويرونه احسنهم الى ان يقف عند الصراط والميزان ويشهد على من حفظه وعلى من اضاعه فيشفع لمن شاء ممن شاء الله وهكذا مسجد الكوفة فانه ياتي يوم القيمة بصورة رجل محرم عليه ثوب الاحرام فيشفع لمن دخله وتعبد فيه كما روي عنهم عليهم السلام على ما في البحار وغيره من كتب الاخبار فظهر لك بالبيان الواضح والبرهان اللائح ان هذه الصور والهيئات غير داخلة في حقيقة الجسم والذات حتى يلزم من تغييرها تغيير الحقيقة ومن انعدامها انعدام الماهية فاذن فالمكلف والمطيع والعاصي هو الشخص الثابت في هذه الاطوار والجسم المحفوظ في هذه الادوار قد لبس صورة جسمية وهيئة ذاتية هي منشأ تحققها وتحفظها وتميزها عن غيرها مثلا زيد قد نعلم انه شيء واحد متميز عن غيره محفوظ في هذه الصور والهيئات العرضية بحيث لا تنثلم بكثرة هذه الصور وحدته ولا تغير تغييراتها واختلافاتها حقيقة فلولا انه لم يكن تام التركيب لما تحقق واستقر واستمر مع تعاور هذه الاعراض وزوالها واضمحلالها فلولا ان هذه الاعراض ليست داخلة في حقيقة ذاته ولا صفاته الذاتية لاثرت في ذاته ولغيرته عن حقيقته وماهيته مع ان الامر ليس كذلك فثبت الامران بحول الله الملك الديان فاذا عرفت هذا ظهر لك ان مرادنا من تلك العبارة في رسالة المعاد من ان تلك المادة الدنيوية تلبس يوم القيمة الصورة الاعتدالية الحقيقية التي لا يتطرق اليها فساد ولا زوال ولا اضمحلال وتنزع الصورة الدنياوية الغير الاعتدالية التي هي بيت للامراض والاسقام والدثور والفناء والاضمحلال فمرادنا من الصورة في المقامين الصورة العرضية والشبح المثال المسمى في عرف الحكماء بالجسم التعليمي وفي اللغة في احد الاطلاقات بالجسد وفي عرف الائمة عليهم السلام بالشبح والبدن ومرادنا بالمادة هي الهيولي مع الصورة الجوهرية الجسمية المحفوظة في اطوار هذه الاشباح المثالية والاعراض الجسمية كما مثل الامام لابن ابي‌العوجاء باللبنة حين تكسر وتصاغ فانها هي هي بالصورة الاصلية وهي غيرها بالصورة الظاهرية وكما اذا قلنا ان زيدا في الدنيا اذا مرض ثم عوفي انه لبس الصورة الاعتدالية الاضافية التي مقتضاها الصحة ونزع الصورة الغير الاعتدالية التي مقتضاها المرض وتغيير هذه الصور لا يستلزم تغييرا في الذات ولا في حقيقة العاصي والمطيع بل الشخص العاصي والمطيع باق على ما هو عليه في الحالتين عند تعاور الصورتين كما مثلنا لك بالمسوخ الذين مسخوا في هذه الدنيا نزعوا الصورة الانسانية ولبسوا الصورة المسخية وهم على ما هم عليه في البدن الجسماني في الحالتين وكما اخبر الله سبحانه وتعالى عن الكفار بانه تعالى يحشرهم اعمي مع انهم في الدنيا ذوي الابصار الجسمية كما قال عز من قائل ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ولا شك ان هيئة الاعمى غير هيئة البصير وقد اخبر الله سبحانه وتعالى بتغايرهما في النشأتين مع ان المعاد واحد في البين وقد دلت ضرورة الاسلام على ان اهل الجنة جرد مرد في سن ابناء ثلثين سنة مع انهم في الدنيا على هيئات مختلفة وصور متشتتة ومنهم سود كالعبيد والسودان ولقمان عليه السلام منهم ومنهم مشوه الخلقة ومنهم قبيح الصورة ومنهم طوال ومنهم قصار ومنهم على الصورة البهيمية مثل كلب اصحاب الكهف كما روي عنهم عليهم السلام على ما هو المشهور المعروف عند الخاصة والعامة وبالجملة تبديل الصور والهيئات في الدنيا والآخرة مثل تبديل الصور والهيئات في الدنيا باحوالها واطوارها وشئوناتها وقد ثبت عندك بالضرورة ان هذه التغييرات الدنيوية غير مؤثرة في حقيقة ذات الجسم فكذلك التغييرات الصورية الاخروية حرفا بحرف وهذا هو المعروف من مذهب اهل الاسلام والمذكورة في كلام الملك العلام والمأثور في روايات اهل الذكر عليهم السلام فمن رام في الاعتقاد غير هذا المرام فقد خاب وخسر وكذب وافترى فلا محذور حينئذ في كلامنا ولا تنافي انشاء الله تعالى بعد ما احطت خبرا بما ذكرنا وفصلنا وتعبيري بتلك الطينة اي الجسم المركب من الهيولي والصورة بالمادة من جهة فهم الناس حيث ان حكمها في طريان هذه الصور المسماة بالاجسام التعليمية حكم المادة بالاضافة الى الصورة لا المادة التي هي الهيولي المجرد عن الصورة مطلقا كما ربما يتوهم فافهم

قال سلمه الله : وهذا التغيير ليس من قبيل ازالة الكثافات ورفع الاوساخ فان الشيء لا يتغير حقيقته عند ازالة كثافاته منه لانها ليست عينه ولا جزء منه حتى يفنى بفنائها ويتغير ماهيته بتغيرها بخلاف تبدل الصورة بالصورة لانها جزء الجسم والكل يتغير بتغيير الجزء والقول بعدم ذاتية الصورة الدنيوية المعبر عنها في اصطلاحكم بالكثافات والاوساخ للجسم مع قولكم بتركب الجسم من المادة والصورة عجيب عجيب

اقول اذا عرفت مرادنا من الصورة وانها هي الهيئات المشخصة المعينة وانها على قسمين جوهرية وعرضية والجوهرية هي التي جزء ماهية الجسم وبها يتميز هذا الجسم من غيره مع اختلاف اعراضه وهيئاته وبها يتحفظ الجسم متميزا عن غيره في تلك الهيئات والاعراض كما مثلنا لك من جسم زيد المتميز من غيره الثابت الموجود المحفوظ عن التغيير الذاتي عند تغيير عوارضه وصوره وهيئاته وصورة عرضية غير ذاتية كما مثلنا لك عرفت انه لا يبقى اشكال ولا مقال وعرفت ان هذه الهيئات الثانوية من قبيل الكثافات والاوساخ كصفرته عند هيجان المرة الصفراء وحمرته عند هيجان الدم وبياضه عند هيجان البلغم وسواده عند هيجان السوداء وتشويه خلقته عند الامراض الباردة مثل اللقوة والفالج او الحارة مثل الجذام وامثاله ومثل صورة الصغر والكبر وصورة الشباب والشيخوخة وامثالها وهذه ليست عينه ولا جزء منه حتى يفنى بفنائها ويتغير ماهيته بتغيرها وقولكم بخلاف تبدل الصورة الخ ان اردتم بالصورة الصورة الجوهرية فكما قلتم وذكرتم من انها جزء الجسم والكل يتغير بتغيير الجزء وليست تلك الصورة مرادنا ولا هي مقصودنا فانها لا تنفك عن الجسم لا في الدنيا ولا في الآخرة بل يحشر يوم القيمة ويدخل الجنة والنار على ما هو عليه من الصورة الجوهرية الدنياوية وهي المراد من الطينة الباقية المستديرة في القبر كما روي عن الصادق عليه السلام وهذا لا اشكال فيه ولا ريب يعتريه ولا ينازع فيه احد من المسلمين وان اردتم بالصورة الصورة الثانوية المسماة بالجسم التعليمي والجسد التعليمي فلانسلم ان تبدلها يستلزم تبدل الجسم وتغيره عن حقيقته لانها ليست جزء منه ولا عينه وانما هي اعراض خارجة تكتسبه بقوابل الاعمال واطوار الاستعداد فتمحى وتثبت لان الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم وهذه هي عين الكثافة والوسخ كما بينا واوضحنا انظر الى بني ‌اسرائيل وما اخبره الله سبحانه عنهم من تبديل صورهم الانسانية الى الصورة الاخرى البهيمية عقوبة لهم ونكالا وهم على ما هم عليه من الحقيقة الجسمية فلو كان مطلق تبديل الصورة يقتضي فناء الحقيقة لما بدل الله سبحانه صورتهم الانسانية بالصورة البهيمية وذلك معلوم عند من له ادني فطنة وصفاء الطوية فاذن فقولكم والقول بعدم ذاتية الصورة الدنيوية المعبر عنها في اصطلاحكم بالكثافات والاوساخ للجسم مع قولكم بتركب الجسم من المادة والصورة فعجيب عجيب عجيب عجيب لان مبني ذلك على الفرق بين الجسم الطبيعي والجسم التعليمي وذلك ليس مما تفردنا به بل كتب العلماء والحكماء مشحونة بذلك ومن المعلومات الاولية عندهم ان الجسم التعليمي غير الجسم الطبيعي وانما هو عارض له واختلاف الجسم التعليمي لا يقدح في ثبات الجسم الطبيعي وبقائه لانهما امران متغايران اقترن الثاني بالاول لسر اقتضته الحكمة الالهية يطول بذكرها الكلام وعلى من يفهم الكلام السلام

قال سلمه الله : والثاني - ان بيانكم بطون القرآن والاحاديث المعضلة المتشابهة مثل قولكم في شرح دعاء سمات على قوله عليه السلام على قبة الزمان فالزمان هو الماء والقبة هي العرش كان حاويا له قبل ان يخلق الله السموات والارض وايضا في الشرح في تفسير الحجارة انه بناء على الوجه الظاهري هو حجر مرمر وعلى التاويل كما ذكرنا هو حجر الياقوت وعلى الباطن هو الزمرد ومع هذه المنافاة قلتم لا منافاة بينها اذ كل في مكانه موجود والمشبه عين المشبه به فاني ماعثرت على هذا الدليل كيف ينطبق على الدعوي وهكذا قولكم في الشرح في تفسير الفلك انه دخان تصاعد بحرارة شمس اسم الله القابض من البحر المتحصل من ذوبان الياقوتة الحمراء حين نظر اليها الحق سبحانه بنظر الهيبة المثار بالريح وفي تفسير السماء انه سماء الارادة اي اعلاها او البرزخ بين سماء المشية والارادة الخ وفي تفسير التقدير انه التخطيط بالهندسة وذلك كان يوم الاثنين وقت العصر ثاني شهر رمضان في بلدة الابتداع في بيت النون والمقدر هو الكاف في اول الشهر المذكور في بلد الاختراع الى آخر تلك البلدة بعد النزول في بيت الالف القائم حين مالت الى الباء والله من ورائهم محيط وايضا في الشرح على قوله عليه السلام واسئلك اللهم بمجدك الذي كلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران قلتم ان الكلام كان في يوم الخميس والاستماع كان في يوم الجمعة اول الزوال والعبد صار بعد العصر في يوم الجمعة وقت قرائة هذا الدعاء المبارك فصار رسولا يوم السبت انتهى وهو خلاف ما هو المشهور بين العلماء الا ان يكون لهذا الكلام باطن يطابق المشهور

اقول اعلم ان اشتمال القرآن وكلمات اهل البيت عليهم السلام على وجوه التاويل والباطن وباطن الباطن وباطن باطن الباطن وهكذا الى السبعة او الى السبعين وتاويل التاويل وتاويل تاويل التاويل وهكذا الى السبعة او الى السبعين وظاهر الظاهر وظاهر ظاهر الظاهر وهكذا الى السبعة او السبعين مما لا اشكال فيه ولا ريب يعتريه وقد دلت عليه الادلة القطعية من العقلية والنقلية واستفاضت عليه الروايات من الائمة السادات عليهم السلام وكذا لا اشكال في ان جميع هذه المراتب والمقامات بجملتها وحذافيرها لا يوجد الا عند الائمة المعصومين عليهم السلام ومن ادعى ذلك غيرهم فقد قال كذبا واتى باطلا وكذا لا اشكال في انهم سلام الله عليهم علموا بعض الخواص من شيعتهم بعض تلك الاسرار واودعوا عليهم السلام في قلوب بعضهم بعض تلك الانوار حسب انقطاعهم اليهم وقبولهم منهم واخذهم عنهم كما استفاضت بذلك الاخبار كقولهم عليهم السلام لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله لان علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الا الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان الحديث وقولهم عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله احد حتى الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام من شئنا او مدينة حصينة وهي القلب المجتمع وقولهم عليهم السلام نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وامثالها من الروايات الواردة في هذا الباب ولا ريب ان جماعة من المفسدين من الصوفية الملحدين اعداء الدين وخلفاء الشياطين لعنهم الله الى يوم الدين ادعوا انهم من اهل الباطن وعندهم من تلك الاسرار وقلوبهم مستضيئة بتلك الانوار واتوا باشياء مموهة وامورا ملبسة قد ضلوا واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ولما كانت دعويهم انما هي في البواطن والاسرار وانما هي من نفثات الشياطين واخبارهم اولئك الملاعين كما قال عز وجل وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم اشتبه على الناس ممن لم يطلعوا على حقايق العلوم الالهية ودقايق الرسوم الصمدانية فصاروا لم يميزوا بين الغث والسمين ولم يفرقوا بين اهل الحق وبين اولئك فتشبثت طايفة بذيل اولئك الملحدين زعما منهم بانهم ارباب الكشف واليقين واصحاب البصيرة في الدين فوقعوا فيما وقعوا من الخسران المبين وانكر آخرون اولئك الابرار الاطهار من المؤمنين الممتحنين الحاملين لاسرار الائمة الطاهرين المتادبين بآدابهم الناهجين منهجهم حتى هجم بهم العلم على حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر على غيرهم واستأنسوا بما استوحش منه المكذبون واباه المسرفون وانما كان انكارهم لاجل انهم اتوا بما لا يعلمون وتكلموا بما لا يعرفون فظنوا انهم اولئك الاشرار الملحدون فانكروهم اشد الانكار مع انهم ممن يجب عليهم طاعتهم لينالوا بها منازل الابرار ولكن لما كان لله الحجة البالغة والدلايل الظاهرة والآيات الباهرة والانوار الساطعة والنجوم المضيئة ولم يدع الخلق في ظلمة عمياء ولا دهمة بهماء جعل للخلق علم هداية ودليل رشد وميزان قويم يعرف به الحق من الباطل والغث من السمين وهم الائمة الهداة عليهم السلام وما ظهر من الكتاب والسنة باوضح الدلالة حتى لا تبقى لمحتج حجة ولولا ذلك لما قامت حجة الله على الخلق ولكان للخلق حجة على الله وهو سبحانه يقول لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي وقال قبله اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم واخشوني فوجب ان نذكر بعض العلامات الماخوذة من سادة البريات عليهم السلام لبيان الفريقين وامتياز كل منهما عن الآخر لقطع حجة المعاند ورفع شبهة الجاهل

فنقول اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الى القرية المباركة وتلك العلامات على وجهين منها ما يتعلق بعلمهم ومنها ما يتعلق بعملهم

واما الاولى فاعلم انهم اذا نظروا في مسئلة من المسائل لا ينظرون فيها حتى يرتفع ثلث خصال وتجتمع خمس خصال اما الاولى :

فاولها ان يتمحض قصدهم ونيتهم في معرفة تلك المسئلة من العلم لله سبحانه ليتوصل بها الى طاعته ورضاه من عمل او قول او ظهور قدرة وعظمة يوجب كمال الخوف او نعمة واحسان يوجب الرجاء والطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه ويفقده عن نفسه لينقطع الى ربه وامثال ذلك من الاحوال الراجعة الى الحق سبحانه ولا يطلبها ليعاند بها العلماء ويماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك ويشتهر به وامثال ذلك من انواع العصبية والجدال والمراء كما ترى في اغلب احوال الناس والثانية ان لا يكون حين النظر مانوسا بطايفة من اهل العلم او غيره ليميل قلبه اليهم والى ما يقولون فان حبك للشيء يعمي ويصم وقد يكون على باطل وخطاء فيقع فيما وقعوا فيه بل يكون انسه بالله وميله فيما عند الله من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة والثالثة ان لا يكون عنده قاعدة قد اخذها من غير اهل بيت العلم على النمط الذي نذكره انشاء الله فان من عنده قاعدة لا يامن ان يركن اليها ويعرف العلم اليها وقد تكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء والغلط كما ترى الآن اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة المتكثرة وينكرونها لمخالفتها لقاعدتهم وقد تكون القاعدة باطلة

واما الثانية من الخصال الوجودية :

فاولها ان يكون باقيا على الفطرة الاصلية الاولية غير مغير لها بمتابعة الشيطان فلم ‌تسبقه الشكوك والشبهات وعلامته ان يكون دائم النظر والتفكر في خلق الله من السموات والارض وخلق نفسه واحواله وعظيم التحير حين ما ينظر اليها وعلامة ذلك صفاء طويته وذكاء سريرته وعلامته ان لا يشغله علم عن الآخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلا على الآخر فلا يقال فيه انه كامل في علم دون العلم بل العلوم كلها عنده على حد سواء لان الباقي على الفطرة يرى آية الوحدة في كل شيء فعين بصيرته مفتوحة فلا يفرق عنده في الرؤية بين شيء وشيء كما في العين الجسمي اذا كانت مفتوحة يرىى الاجسام على اختلاف الوانها واحوالها وكذلك عين القلب اذا كانت مفتوحة واما الذي يقتصر على شيء فلا يعرف الآخر فهي كالاعمى الذي يعلمونه بعض الاشياء فلا يعلم الا الذي علم وقولي كل العلوم على حد سواء مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم كلها وهي النقطة التي قالها عليه السلام ولا يلزم ان يكون ظهور تلك النقطة على التفصيل كلها حاضرة عنده بل اذا طلب كلما اراد منها وجد بمشاهدة تلك النقطة فيها ويستدل بكلها على كلها كما مر فهم من فهم الثانية ان يجد لها دليلا من كتاب الله سبحانه من الآيات المحكمات التي هن ام الكتاب بحيث لا يمكن انكارها واما المعاند فلا يقطعه الف حجة ولا يتشبث في الاستدلال بالمتشابهات وهي التي لم تظهر دلالتها والمراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعينة للمراد منها وان كانت هي على الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات والثالثة ان يجد لها دليلا من احاديث اهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا في الكتاب ويجتنب عن الاحاديث التي لم ‌يقبلها الاصحاب الا اذا كانت راجعة اليها وان لا يكون لها معارض اقوى بل لا يجد معارضا اصلا اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له واما تغيير المغيرين والمبدلين وسهو الساهين والناسين في الرواية وامثالها فجعلوا عليهم السلام في ارشاداتهم قراين وادلة تنفيها وتثبت الامر الواقعي المراد ولولا ذلك لما استقام قولهم عليهم السلام ان لنا اوعية من العلم نملأها علما لننقله الى شيعتنا فخذوها وصفوها تجدوها نقية صافية واياكم والاوعية فنكبوها فانها اوعية سوء هذا معنى الحديث فلولا القراين الناصبة لما تتاتى التصفية فان الخلق جهال لا يعلمون شيئا الا ما علموهم اياه كما قال صلى الله عليه وآله هنا يا ابن ‌عباس لا تجد في يد احد حقا الا بتعليمي وتعليم عليّ عليه السلام والكلام في هذا المقام طويل والاشارة كافية لمن اهتدى الى السبيل ولم ‌يتعود بالقال والقيل فمجمل القول انه لا يتمسك برواية على خلاف القانون الذي جرت العادة بين الفرقة المحقة في التمسك بها فان هذه الطايفة لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة والرابعة ان يدل عليها العقل المستنير بنور الله والمستوقد بضياء ائمة الهدى عليهم السلام ومعناه انه تربى ونشأ في شدة الاعتناء والنظر في اخبارهم مع اعتقاد الجازم بانهم عليهم السلام لا يهملون رعاياهم وغنمهم وعالما بانه حين ما ينظر ويلاحظ الاخبار هو بين يدي امامه وسيده يتعلم منه عليه السلام كما قالوا نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء وهو عليه السلام لا تمنع غيبته عن مشاهدة رعيته واصلاح احوالهم وطرد الشيطان والباطل عنهم كما قال تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وهذا هو العقل المستنير فيجب ان يكون له دليل عقلي عليها اي على المسئلة زائدا عما دل عليه الكتاب والسنة ليكون على بصيرة ومعرفة والخامسة ان يجد لها دليلا عيانيا شهوديا في العالم فانه كتاب اكبر كتب الله سبحانه بيده وبناه بحكمته ورباه بقدرته وحفظه بصنيعه وجعله من اعظم آياته وحث الناس بقرائته حيث يقول قل انظروا ماذا في السموات والارض ويقول ويضرب الله الامثال للناس وما يعقلها الا العالمون وكاين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق

ثم ان الله سبحانه بين كيفية الاستدلال بتلك الآيات فقال وان كل لما جميع لدينا محضرون ثم جعل لهذا آية ودليلا ليعرف الخلق كيفية هذا الحشر والعود بعد موت الخلق واضمحلالهم فقال سبحانه وآية لهم الارض الميتة احييناها واخرجنا منها حبا فمنه ياكلون وجعلنا فيها جنات الآية ثم شرح هذه الآية في سورة ق حيث قال سبحانه ونزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد واحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج والقرآن مشحون ببيان هذه الاحوال وبالجملة ما خلق الله سبحانه شيئا وماكلف الله العباد بامر الا وقد بينه باكمل التبيان والبيان الكامل انما يتم بالبيانين الحالي والمقالي فالبيان الحالي هو العالم والمقالي هو الكتاب والسنة وكل منهما شرح وبيان للآخر ومطابق له وفي صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلاتخالف السنة الكتاب ابدا ولا العكس ولا العالم الامرين

فاذا تطابقت هذه الادلة الاربعة مع عدم مخالفة الفرقة المحقة التي لازال الحق فيهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق والعادل عن الحق لا ينجو ومع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجة ومع رفع تلك الخصال وجب ان يكون حقا والا لكان الحق مغريا بالباطل ومخلفا للوعد تعالى ربي عن ذلك علوا كبيرا اما الوعد فقد قال الله عز وجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين والمجاهدة على ما تحقق على اكمل المراتب الا كما ذكرنا لانه هو الطريق المؤدي الى الحق قطعا ولا تصح ان تكون المجاهدة بالادبار والاعراض عن الحق سبحانه كما في مقابلات ما ذكر فيجب على الله سبحانه الهداية ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله واما الاغراء بالباطل فلا يمكن فرض وقوعه بالنسبة الى الله سبحانه مع ان الله سبحانه نص بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثم شرح الايمان واوضح حقيقته فيما يتعلق بالعلم او مع العمل بقوله الحق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والمخاطب في الظاهر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الباطن هو امير المؤمنين عليه السلام والاخلاص في حكم امير المؤمنين عليه السلام هو الذي ذكرنا من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بين الله سبحانه اصابة المؤمنين فيما صاروا اليه من معتقداتهم واعمالهم وعدم خطائهم فيما ينسبون الى الله تعالى بقوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين وقال مولانا الباقر عليه السلام نحن القري التي بارك الله فيها والقرى الظاهرة شيعتنا فنص سبحانه وتعالى باتباع الشيعة المؤمنين الذين هداهم الله بالحق مع اختلاف الناس في الاداء ونص ايضا على انهم لا يخطون اذ حكم للسائرين فيهم الآخذين عنهم بالامن ولا يكون الا الامن من الخطاء فاثبت صحة مجاهدتهم في الله لترتب الآثار عليهم وهي الهداية وقد قلنا ان المجاهدة في العلم لا تكون الا كما ذكرناه وكلما سواه طريق الهلاك والوبار وسبيل الخسران والنار

ثم ان كل شيء لما كان له ثلث جهات جهة الى الحق وجهة الى نفسه من حيث انه اثر لغيره وجهة الى غيره من حيث ارتباطاته لترتب نظام معيشته في دنياه وآخرته عليه ولكل مقام احكام واقتضاءات تجري على ذلك المقام ولكل مرتبة دليل خاص بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة وللثانية دليل الموعظة الحسنة وللاولى دليل الحكمة وفي كل مقام يجب تحقق تلك الخصال كلها من الوجودية والعدمية فيكون العارف ( للعارف خ‌ل ) من المؤمنين الممتحنين والشيعة المخلصين اربعة وعشرين دليلا وميزانا في معرفة كل شيء وفي كل واحد ربما يتطرق فيه الخطاء واما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لما ذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلها في شيء من الاشياء وان تمكن عنه في اغلبها واكثرها فذلك لا يوثق به واما اذا كان في كل شيء بحيث لا يشذ عنه شيء اتي بالمذكورات فهو المؤمن الذي امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام ووجب على الخلق اتباعه والاقتداء به فيما يجهلون من امور دينهم ودنياهم وآخرتهم وعقباهم وهو قليل من المؤمنين وهو اعز من الكبريت الاحمر وهؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لا يتحمله الا الصديقون والابرار فاذا سمعت منهم شيئا فلا تقابله بالانكار وسلم الامر له تسلم بشرط تحقق الامر الثاني فيهم كما نذكره انشاء الله فاذا رأيت فيهم ما يخالف ذلك فتبرء منهم فانهم اعداء الدين وخصماء النبيين وخلفاء الشياطين وهذا الذي ذكرنا هو علامة اهل الحق في العلم

واما العلامة الثانية التي في العمل فهي ان يكون جميع اعماله واقواله كلها مطابقة لما عليه الشريعة الغراء النبوية العامة للمخلوقين كلها فلا ينكر شيئا منها بادعاء ان الباطن غير الظاهر وان هذه الاعمال لاهل الظاهر واما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب ولطافة السر لا هذه الاعمال المشترك فيها ساير الخلق فان ذلك من صفات الفسقة من اهل الجور حيث تشاغلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه امير المؤمنين عليه السلام بعض صفاتهم لهمام وانا اذكر الحديث انشاء الله بطوله لما فيه من المنافع الجليلة واظهار اهل الحق وامتيازه من اهل الباطل

روى الكليني (ره) باسناده الى ابي‌عبدالله عليه السلام قال قام رجل يقال له همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا الى امير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب فقال يا امير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر اليه فقال عليه السلام يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه اوسع شيء صدرا واذل شيء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذى لا متأفك ولا متهتك ان ضحك لم يخرق وان غضب لم ينزق ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد ومكادحته احلى من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف ولا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العهد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن الله عز وجل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين ولا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه ولا يصرف اللعب حكمه ولا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش ولا طياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختال ولا بغدار ولا يقتفي اثرا ولا يحيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف ولا يهتك سترا ولا يكشف سرا كثير البلوي قليل الشكوى ان راى خيرا ذكره وان عاين شرا ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالناس الظن ويتهم على العيب نفسه يحب في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غايلة كل سعي اخلص عنده من سعيه وكل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه قريب وحيد حزين يحب في الله ويجاهد في الله ليبتغي رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريمة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس ولا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يجهل وان جهل عليه لا يبخل وان بخل عليه صبر وعقل فاستحيي وقنع فاستغنى حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو حسده وعفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب ولا يلبس الا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة وسكوته فكر وكلامه حكمة مناصحا متبادلا متواخيا ناصح في السر والعلانية لا يهجو اخاه ولا يغتابه ولا يمكر به ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما اصابه ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا امله قليلا زلله متوقعا لاجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا امره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه ( قلبه خ ) آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما امره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسئل ليفهم ويتجر ليغنم لا ينصت للخير ليفخر به ولا يتكلم ليتبختر به على من سواه نفسه منه في عناء والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغى عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنى منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر قال قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال امير المؤمنين عليه السلام اما والله لقد كنت اخافها عليه فقال هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين فقال عليه السلام ان لكل اجلا لن ‌يعدوه وسببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث على لسانك شيطان انتهي صلى الله على قائله

فهذه الاوصاف هي علامات المؤمن العارف بالله عز وجل فبهذه الاوصاف والاعمال تصفو قابليته وتزكو سريرته فيشرق على قلبه نور اليقين وعلى فؤاده نور المحبة وعلى صدره نور العلم فكلما ازداد حبا ويقينا وعلما ازداد عملا وتوجها واقبالا فازداد استنارة واستضائة لان الله عز وجل قريب المسافة فمن دعاه اجابه ومن سئله اعطاه فاذا استنارت قابليته تحملت لظهورات المثال وتلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته وخبثت اعماله فاذا تكلم مثل هذا الشخص بشئ من الاسرار فيصدق ولا ينكر عليه لانه لا يقول شيء يخالف ما عليه عامة المسلمين الموحدين وان لم ‌يدركوا وجه المطابقة كما ان مولانا وسيدنا القائم عجل الله فرجه يخبر اصحابه بتلك الكلمة فيتفرقون عنه عليه السلام سوى الوزير واحد عشر نقيبا فاذا تفرقوا وجالوا الارض ولم يجدوا ملجأ غيره يأتونه مسلمين قابلين لعلمهم بانه عليه السلام معصوم لا يخطو فكذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلقون باخلاقهم ويتأدبون بآدابهم ولا يخالفونهم باقوالهم واعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم واعمالهم وهذا التصديق لا يكون الا بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم يظهر منهم ما هو مخالف لعقول الخلق ولا يظهرون الحكمة لغير اهلها كيف وان اذاعة سرهم عليهم السلام من افسق ( من افسق الفسوق خ‌ل ) وهم لا يتجرؤن الى مثل ذلك

واما الصوفية فيأبى الله الا ان يفضحهم ويظهر للناس شناعة احوالهم واقوالهم ومكابرتهم مع الله وادبارهم عنه لئلا يتسلط المنافقون على المؤمنين ولن ‌يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وان اردت اذكر شناعة امرهم ووقاحتهم وفضايحهم عموما وخصوصا يطول به الكلام فعليك بمطالعة كتب العلماء المدونة فيهم وفي صفاتهم واعمالهم وان تكتموا وتستروا واخفوا قبايح امرهم فعلى الله سبحانه ان يظهرها ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة الا ان الذين غطت الشبهات اعينهم وابصارهم بسوء اعمالهم وردائة ميولاتهم فلا يرون تلك القبايح او لا يرونها قبايح يرون اقبح ما يأتونه حسنا فلا يعتمد اذن فيما يقولون ويجب الاعراض عما يصفون فان ما عندهم انما اتى من الخزاين السوأي من سجين قد تصاعد اليهم بمعونة الشياطين وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون ولتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون

واما في معرفة البواطن القرآنية فيجب مع ذلك كله زيادة تفصيل معرفة سر الاسلام وسر الايمان وسر التوحيد وسر الاسماء الذاتية والفعلية وسر العلة والمعلول وسر النبوة والولاية وسر الدنيا ومبدء نشوها وكينونتها وسر الاختلافات الواقعة فيها وسر الرجعة وسر ظهور الكلمة التامة وسر البرزخ وسر الآخرة وسر القرار والاستقرار وحقيقة النعيم والاليم وسر النقطة في بسم الله الرحمن الرحيم موزونا كل هذه الاسرار بالميزان القويم والقسطاس المستقيم على ما شرحت وفصلت لك ويجب ان يكون جميع ما يذكر من الاسرار والبواطن غير مخالف لما عليه ظاهر الشريعة وغير مناف لما يعتقده العوام من اهل هذه الملة لان النبي صلى الله عليه وآله قد اقرهم على ذلك وما غشهم وما خدعهم حاشاه عن ذلك ثم حاشاه لانه صلى الله عليه وآله بالمؤمنين رؤف رحيم وقد قال صلى الله عليه وآله لا تزال طائفة من امتي على الحق حتى تقوم الساعة ومعنى عدم المخالفة ليس ان ما يأتي به مخالف لما يعقلون ويفهمون والا لم يكن باطنا بل يجب ان لا يكون مخالفا لما يعتقده كافة اهل المذهب كالمعاد الجسماني فان عامة الناس وكافتهم يعتقدون ان المعاد هو الجسم الدنياوي فلو قال مدعي الباطن والاسرار ان الجسم لا يعود او ان المراد بالجسم في الباطن كذا ( وخ‌ل ) كذا نكذبه ونكفره لانه اتى بما يخالف الظاهر وقد قال مولانا الصادق عليه السلام ان قوما آمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم‌يك ينفعهم ايمانهم شيئا وان قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم‌ينفعهم ايمانهم شيئا ولا ايمان ظاهرا الا بباطن وعلى هذا يظهر لك بطلان التأويلات والبواطن التي يذكرونها الصوفية كقول رئيسهم مميت‌الدين بن عربي في قوله تعالى سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون بالجبت والطاغوت ولا يريدون سوي الحق المعبود ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعرفون الا الحق ولا يفهمون الا الله وعلى ابصارهم غشاوة فلا يرون الا نور الله ولهم عذاب عظيم العذاب مشتق من العذب وهو الحلاوة نعم لهم في الخلوة مع محبوبهم لذة عظيمة لا يعادلها شيء من لذات الدنيا والآخرة وامثال ذلك من التأويلات التي يخالف ما عليه عامة المسلمين فتبا لهم وسحقا ليس لهم حظ من الدين ولا معرفة بما اتى به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله اجمعين واما المعنى الذي يوافق ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فكما في قوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين فالسماء الدنيا في الظاهر اما فلك القمر او الفلك المكوكب والمصابيح هي النجوم المركوزة في السماء والشياطين هم الذين يصعدون الى السماء لاستراق السمع واما في الباطن فالسماء هو رسول الله صلى الله عليه وآله لانها بمعنى العلو وهو اعلى من كل عال والمصابيح هم الائمة سلام الله عليهم والشياطين هم شياطين الانس والجن اذ ببركتهم عليهم السلام يدفع شرهم ويؤمن مكرهم وامثالها من الآيات فانها لا يخالف ظاهر الآية لانها في مقام المدح واظهار النعمة والامتنان بخلاف ما تقدم فافهم واتقن هذه الشرايط والعلامات وميز بها بين اهل الحق من اهل الباطن وبين اهل الباطل من اهل الباطن فان الناس يحتاجون اليها كثيرا لشدة الالتباس ووسواس الخناس في صدور الناس وانت لا تجد هذا الميزان على هذا الشرح والتفصيل وايضاح السبيل باقامة الدليل في غير هذا المقام فخذه واغتنم وكن من الشاكرين

واما نحن فلا نتفوه انشاء الله تعالى في بواطن القرآن واحاديث اهل البيت عليهم السلام الا بعد ملاحظة هذه الشروط المذكورة والعلامات المسطورة ولكن لا يخفى على جنابك ان بيان هذه البواطن والاسرار عنهم عليهم السلام لا يجب ان يكون بالتصريح في كل موضع والتخصيص في كل مطلب والا لم‌ يتميز بين العالم والجاهل ولا يعرف مقام المؤمن الممتحن عن غيره بل بينوها عليهم السلام بالقاء الاصول والقواعد على اطوار مختلفة وانحاء متشتتة متفاوتة منها بالتصريح ومنها بالتلويح ومنها بلحن المقال ومنها بلحن الخطاب ومنها بدليل التنبيه والاشارة ومنها بدليل الخطاب ومنها بالفحوى ومنها بالمثال ومنها بالبيان ومنها بالسؤال ومنها بالجواب ومنها بالسكوت ومنها بالاعراض والاهمال ومنها من قبيل اياك اعني واسمعي يا جارة ومنها بالجمع ومنها بالتفريق ومنها بالاعلان ومنها بالاخفاء ومنها بالناسخ ومنها بالمنسوخ ومنها بالاجمال ومنها بالتفصيل ومنها بالكناية ومنها بالتشبيه كل ذلك بعموم او خصوص او اطلاق او تقييد وجميعها بدليل الحكمة او بدليل الموعظة الحسنة او بدليل المجادلة بالتي هي احسن وفي كل هذه الاطوار لنا طريق الى معرفة تلك البواطن والاسرار ولو اردنا شرح هذه الطرق وبيان نوع الاستخراج والاستنباط لطال بنا الكلام واستدعى بسط مقدمات ابى الله الا كتمانها واخفائها في مثل هذا المقام لا سيما في هذا الزمان

واما بيان ما سئلت ايدك الله بتوفيقه من وجوه هذه التفاسير في هذا الشرح الشريف فاني قد تعمدت في اختصار هذا الشرح وذكر خفايا الاسرار لمقام السائل عندي وتعمقه وتبادره الى فهم هذه المسائل وسماعها مني وقرائتها على وطويت اكثر المقدمات المبتنية عليها هذه المطالب وذكر ادلتها فانها من نوع دليل الحكمة المخفى على عامة الناس بل وخاصتهم فلا يسعنا شرح هذه المطالب على التفصيل الذي يجده كل طالب لصعوبة مسلكها ودقة مأخذها فان النتيجة من سنخ المقدمات فما كان من الظاهر فمقدماته ظاهرية وما كان من الباطن فمقدماته باطنية كما قال عليه السلام وسر لا يفيده الا سر وسر مقنع بالسر ولكن لما كان لكل سؤال جواب ولكل خطاب اهل واصحاب فلا بد من ذكر شرذمة من هذا الباب تذكرة وعبرة لاولي الالباب

فاقول مستعينا بالله ملهم الصواب الذي عنه البدو واليه الاياب انما ذكرناه في تفسير الحجارة من اطلاقها على حجر مرمر والياقوت والزمرد وفي تفسير السماء من اطلاقها على سماء الارادة اي اعلاها او البرزخ بين سماء المشية والارادة وامثالها مما هو من هذا النوع قد استخرجناه واستنبطناه من قاعدة شريفة استخرجناها من ثلثة امور قطعية يقينية لا شك فيها ولا ارتياب احدها نص الكتاب الكريم المحكم المنزل على النبي العظيم صلى الله عليه وآله وثانيها ضرورة الاسلام والمسلمين وثالثها العقل المستنير بنور اليقين المطابق للعقلاء اجمعين وهو من قول مولانا الكاظم عليه وعلى آبائه وابنائه السلام او قياس تعرف العقول عدله فباجتماع هذه الثلثة تقررت تلك القاعدة الواحدة وتفرعت عنها فروع غير متناهية وهي من الابواب التي يفتح من كل باب منها الف باب ومن كل باب من الالف الف باب الاول قوله تعالى وعلم آدم الاسماء كلها الدال بصريحه على ان الواضع للاسماء كلها هو الله سبحانه وقد ذكرنا وجه دلالته بل وصراحته على المطلوب ودفع ما اورده عليه من الشبهات فيما كتبنا في الاصول الثاني ثبوت الحكمة لله سبحانه وتعالى وانه تعالى حكيم يضع الاشياء في مواضعها ويرتب بين عللها او مباديها واسبابها وشرايطها ولوازمها ومتمماتها ومكملاتها ولا يجعل الاعلى اسفل والاسفل اعلى ولا التابع متبوعا ولا المتبوع تابعا والثالث قد دلت العقول السليمة على ان الالفاظ فروع للمعاني وقوالب لها سواء قلنا بالمناسبة الذاتية بينها وبين المعاني ام لا فاذا كان كذلك يجب ان يكون المعنى اذا كان مقدما في الوجود واصلا ومتبوعا ان يكون اللفظ الدال عليه كذلك واذا كان متاخرا وفرعا فاللفظ الدال عليه كذلك فلو كان المعنيان مختلفان في الرتبة والوجود بالاصالة والتبعية فلا يصح ان يكون اللفظ الدال عليهما واحدا بالاشتراك المعنوي او اللفظي او يكون اللفظ في الثاني الفرعي حقيقة وفي الاول مجازا والا لزم ان يسوي بين الاصل والفرع في اللفظ او يجعل الفرع اصلا والاصل فرعا ضرورة ان الحقيقة اشرف واعلى من المجاز ويلزم اما ان لا يكون الله واضعا وقد ابطلناه بالامر الاول او لا يكون حكيما فقد ابطلناه بالامر الثاني او لا تكون الالفاظ فرعا للمعاني ومقصودة بالعرض وقد ابطلناه بالامر الثالث فتنقحت لنا قاعدة من هذه الامور وهي ان اللفظ الواحد اذا صح اطلاقه على معنيين فصاعدا لا يخلو اما ان تكون تلك المعاني في رتبة واحدة بمعنى ان ليس بينهما ترتب في السببية والمسببية او التقدم والتاخر الوجوديين بمعنى ان يكون المقدم له مدخلية في اصل وجود المؤخر لا في ظهوره كالاب والابن فان الترتب بينهما في الوجود الظهوري لا في التحقق الذاتي فكم من اب هو ابن في الحقيقة وكم من اب يساوي ابنه في الرتبة كالعين الذي على البصر والركبة والينبوع والشمس والذهب وامثالها من المعاني فانها كلها في رتبة واحدة وان اختلفت بحسب القوابل ام لا بل بينهما ترتب وتقدم وتاخر في الوجود فحينئذ ننظر في الاول اما ان يكون اللفظ الدال على الجميع حقيقة او حقيقة في بعض ومجاز في الآخر او موضوع للجهة الجامعة فيكون الاشتراك معنوية او تلحظ فيه الخصوصية فيكون الاشتراك لفظيا وكل هذه الامور تصح وتحتمل اذا دل الدليل على واحد منها اما في القسم الثاني فيجب القطع بان استعماله في المعنى الاولى الاصلي المتقدم حقيقة وفي الثاني ان وجدت علايم الحقيقة فننظر فان كان يمكن ان يكون بين المعنيين جهة جامعة وان كان المعنى الاول اقدم او لا يمكن فان كان الاول فيكون الاشتراك معنويا والصدق من باب التشكيك وان كان الثاني فتكون حقيقة ثانية بعد حقيقة وان لم توجد علائم الحقيقة فهو مجاز واما في المعنى الاول المقدم في الوجود فهو حقيقة وجدت فيها علايم الحقيقة من التبادر وعدم صحة السلب والاطراد وغيرها على حسب متفاهم عامة اهل اللغة ام لم توجد لان هذه العلامات يرجع اليها عند الالتباس واما عند حصول القطع بالموضوع له فيجب القول به وان لم توجد هذه العلايم فيكون سبيله سبيل الحقيقة المهجورة فان العربية على سبعين وجها فالذي عند الناس وجه واحد منها والكلام في هذا المقام طويل والاشارة كافية لاهلها

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الحجر يستعمل في المعنى المعروف عند العامة والخاصة ويطلق ايضا على آل‌محمد سلام الله عليهم كما في قوله تعالى واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر وقد روي عنهم عليهم السلام ان موسى في الباطن اشارة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وعصاه امير المؤمنين عليه السلام كما قال عليه السلام انا عصا موسى والحجر هي فاطمة عليها السلام والعيون الاثنتا عشرة هم الائمة الطاهرة من بطن فاطمة عليها السلام فعلى عصا باعتبار وعين باعتبار آخر وفي زيارة امير المؤمنين عليه السلام الذي زاره بها الخضر عليه السلام كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف وبالجملة اطلاق الحجر عليهم عموما وخصوصا قد ورد لتصلبهم سلام الله عليهم في طاعة الله وثباتهم على الحق ويطلق الحجر ايضا على الطبيعة ويطلق ايضا على الجسم وحينئذ فيكون الاطلاق عليهم سلام الله عليهم من باب الحقيقة لان السموات والارض والجبال والاحجار كلها خلقت من شعاع انوارهم ومن فاضل طينتهم وآثارهم وهم قد سبقوها في الوجود فلو كان الاطلاق من باب المجاز لزم الاخلال في الحكمة على ما تقدم وكذلك اطلاق الحجر على الطبيعة فانه ايضا من باب الحقيقة لان الطبيعة مبدء الاجسام السماوية والسموات مبدء العناصر والعناصر مبدء المعادن التي منها الاحجار فافهم فاذا قلنا حجر مرمر بناء على الوجه الظاهري فان موسى عليه السلام لما ضرب عصاه البحر فانفلق البحر وتشعب باثني ‌عشر شعبة كالطود العظيم فانعقد الماء حجرا ولا شك ان الماء الخالص اذا انعقد حجرا لا ينعقد الا مرمرا كما هو المعروف المشتهر بين اهل العبر والنظر بل وكافة البشر واما في الوجه الباطني فان بحر الولاية لما ضرب موسى عصاه فيه فانفلق ذلك البحر الى الاثني ‌عشر فلقة فتحصصت الولاية الى اثنتي ‌عشر حصة فكان الحجر حينئذ الزمرد الاخضر لان الامام عليه السلام مظهر النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة الذي هو احد اركان العرش كما في الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام ولذا كانت السادة الذرية الطيبة العلوية اختصوا بلباس اخضر ولا اقل من العمامة الخضراء واما في التاويل فالبحر اسفل الارواح والحجر المنعقد من ذلك البحر الطبيعة في اثني ‌عشر طورا وهي من حيث انها فعالة في البدن في العالم الاكبر والاصغر فتكون حارة يابسة لان الفعل يقتضي الحركة التي تقتضي الحرارة وكل حار يابس اذا لم يمنعه مانع يظهر على لون الحمرة ولما كان عالم الطبيعة اول تنزل الارواح كانت صافية غير مشوبة فكانت هي الياقوتة الحمراء كما ورد التصريح به في كلامهم عليهم السلام في كيفية خلق السموات والارض ان الله تعالى لما اراد ان يخلق السموات والارض خلق ياقوتة حمراء ونظر اليها بعين الهيبة الخ وتفصيل هذه المطالب لا يسع هذا المقام ومرادنا نوع الاشارة الى نوع المطلب ولما كان استعمال المشترك في اكثر من معني واحد واستعمال اللفظ المجازي واستعماله في الحقيقة الاولى والثانية والثالثة جايزا عندنا على ما استفدنا منهم سلام الله عليهم فجاز ارادة هذه المعاني كلها عند اطلاق واحد فيراد كل معني في مكانه ومرتبته وهذا لا اشكال فيه انشاء الله

واما قولنا والمشبه عين المشبه به فهو ليس من تتمة الدليل وانما هو بيان لقوله عليه السلام في الدعاء في قلب الغمر كالحجر وكون المشبه عين المشبه به مسئلة تكلم فيها اهل المعاني والبيان فالمرجع في ذلك الى كتبهم وان كان لنا في هذه المسئلة تحقيق رشيق انيق وكذلك اطلاق الماء على الزمان والقبة على العرش على ما فصلت لك في الحجارة حرفا بحرف فان الزمان مقدم على هذا الماء المعروف بالضرورة واطلاق الماء على الزمان ايضا عند اهل العلم معلوم ظاهر كما يظهر من التتبع في كلمات العلماء وكذلك القبة فان العرش اعلى القبب واشرفها واعظمها فينصرف الاطلاق اليه اولا ثم ما دونه وكذلك القول في السماء واطلاقها على المشية والارادة والحقيقة المحمدية وغيرها من المراتب فان السماء جهة العلو كما قال تعالى ونزلنا من السماء ماء مباركا وقال تعالى فليمدد بسبب الى السماء وذلك معلوم واضح بعد هذا البيان انشاء الله تعالى

واما ما ذكرنا في تفسير الفلك انه دخان تصاعد الخ فانه ماخوذ من حديث رواه المجلسي (ره) في البحار وغيره في غيره نعم ليس فيها صريح حرارة شمس اسم الله القابض وقد استفدناها من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في بيان الاكوان الستة ومن قوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة وقال مولانا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال على ما هنالك لا يعلم الا بما هيهنا وامثالها من الآيات والروايات التي يستخرج منها قاعدة كلية هذه واشباهها من فروعها

واما تفسير القدر هو مضمون ما ورد عن مولانا الرضا عليه السلام ومولانا الكاظم عليه السلام على ما روى الكليني في الكافي

واما قولنا يوم الاثنين وقت العصر ثاني شهر رمضان في بيت النون والمقدر هو الكاف في اول الشهر المذكور في بلد الاختراع اي آخر تلك البلدة بعد الزوال في بيت الالف حين مالت الى الباء والله من ورائهم محيط فمرادنا من الايام المذكورة في امثال هذا المقام هو ايام الشان من قوله عز وجل كل يوم هو في شان فليس المراد من اليوم مقدار قطع محدد الجهات دورة واحدة المحدد في اربعة وعشرين ساعة قطعا وانما ذلك من ايام الشان ومنها يوم الجمعة التي ياتي اهل الجنة فيها لزيارة الرب سبحانه وتعالى بزيارة اوليائه مع ان الجنة ليس فيها ليل ولا نهار لتمتاز الايام وايام الشان علم خاص مشتمل على مسائل ومطالب جليلة نبيلة موجودة عند اهلها يطول الكلام بذكرها

واما قولنا ثاني شهر رمضان فهو اشارة الى قوله عليه السلام ان مبدء السنة واولها شهر رمضان فهو اذن مبدء الوجود لبطلان الطفرة

واما بلد الابتداع فالمراد به عالم الابتداع الذي هو الخلق الاول على ما في كلام مولانا الرضا عليه السلام ان المشية والارادة والابداع معناها واحد واسماؤها ثلثة وقال الصادق عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية وخلق المشية بنفسها ولما كان التقدير في الرتبة الثانية قلنا ثاني شهر رمضان كالنون التي هي ثاني الكاف في قوله تعالى كن فيكون والكاف هي قوى بسم الله الرحمن الرحيم بعد ملاحظة النقطة التي هي ظهور الاحدية فيها عند مقام ظهور الواحدية وهو بلد الاختراع اي عالمه اي مقام المشية وقولنا آخر تلك البلدة اشارة الى ان المشية لها مقامان احدهما رتبة ذاتها والثانية رتبة تعلقها والتقدير انما يكون بالتعلق لا بالذات وحدها فيكون تعلق المشية بالمشاء في آخر عالمها وقولنا بعد الزوال اشارة الى ان الزوال هو مبدء الشيء والعالم واصل وجوده كما في كلام مولانا الرضا عليه السلام لذي الرياستين ان الله لما خلق العالم كان طالع الدنيا السرطان والكواكب كانت في اشرافها ه‍ فتكون الشمس في وسط السماء لانها في برج الحمل وهو الرابع على هذا التقدير فيكون اول الخلق وقت الزوال ولذا سمي ظهرا لظهور نور الشمس في جميع الاطوار ولما كان التقدير رتبة ثانية وجب ان يكون بعد الزوال

واما قولنا في بيت الالف القائم حين مالت الى الباء اشارة الى العقل وادباره حين امر به في قوله عليه السلام لما خلق الله العقل استنطقه قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر واما هذا التعبير الخاص بيانه موكول الى علم الحروف الذي هو عن امير المؤمنين عليه السلام باتفاق من اهله معتضدا بجملة من الروايات

وقولنا والله من ورائهم محيط اشارة الى انه سبحانه سبب كل ذي سبب ومسبب الاسباب من غير سبب وان هذه المبادي والاسباب والعلل كلها بجعله سبحانه مقهورة تحت جلال عزته ومضمحلة دون كبرياء قدرته الحاصل ولو اردنا شرح هذه الاحوال على مقتضى الحال لطال المقال ولا يمكن ذلك لانه متوقف على معرفة حقايق الاشياء على ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية واين الكلام من الوفاء بهذا المرام وانما ذكرت ما ذكرت اشارة الى نوع البيان وانه انما استفيد من امناء الملك الديان

واما قولكم وهذا خلاف المشهور بين العلماء فهو غريب من مثل جنابكم لان مناط الحقيقة والبطلان ليس الشهرة بين العلماء الاعيان كيف والله سبحانه وتعالى يقول وما اوتيتم من العلم الا قليلا وفوق كل ذي علم عليم وقال الصادق عليه السلام ما وصل اليكم من فضلنا الا الف غير معطوفة نعم اذا كانت الشهرة والاجماع بين الفرقة المحقة ينافي ما ذكرناه فالامر كما قلتم مع ان الامر ليس كذلك فانا لا ننكر المعاني الظاهرية المعروفة عند العلماء والمشتهرة عندهم حتى يرد علينا ما قلتم بل نقول مع هذه المعاني المشهورة للكلام معان اخر غير مشهورة وغير معروفة عندهم وانما هي عند اناس مخصوصين معلومين بالصفات معروفين معلومين بالعلامات اما سمعت قول مولنا الصادق عليه السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان اما سمعت قول الباقر عليه السلام المؤمنة اعز من المؤمن والمؤمن اعز من الكبريت الاحمر نعم اذا عرضت ما ذكرناه على المشهور لا ينكرونه ولا يصدقونه اذ لم ‌يعثروا على دليله ولم‌ يسلكوا منهاجه وسبيله وليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم وقد قال الصادق عليه السلام اني لا تكلم بكلمة واريد احد سبعين وجها لي لكل منها المخرج ولا ريب ان هذه المعاني كلها ليست مشهورة بين العلماء فاذا اظهر عالم بعض تلك المعاني فليس للباقين انكاره الا اذا اتى بشيء يعارضهم وينافيهم بحيث يكون تصديقه يستلزم تكذيبهم وتكذيبه يستلزم تصديقهم فحينئذ يرجح المشهور المجمع عليه كما قال عليه السلام خذ ما اشتهر بين اصحابك واترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه واما فيما نحن فيه فليس كذلك اذ لا منافاة بين هذه الكلمات وبين المشهور فيجب عليهم قبوله ان وجد في القائل تلك الصفات والعلامات المذكورة والا فليتوقف ولا يجوز لهم الانكار تصديقا بما رواه جابر على ما في الكافي عن ابي ‌جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان حديث آل‌ محمد صعب مستصعب لا يؤمن به الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل ‌محمد صلى الله عليه وآله فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوا وما اشمازت منه قلوبكم وانكرتموه فردوه الى الله والى الرسول والى العالم من آل‌ محمد وانما الهالك ان يحدث احدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول والله ماكان هذا والله ماكان هذا والانكار هو الكفر انتهى

قال سلمه الله : وبالجمله هذه البطون وامثالها لا تخلو من حالتين اما وقع التصريح بها عن الراسخين في العلم عليهم صلوات الله تعالى وحينئذ لا مجال للقيل والقال او لا وعلى هذا التقدير بيان البطون اما ان يكون بمحض تشهي النفس وذلك هو الخسران المبين وحاشا عن ذلك علماء الدين ونواب الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين واما بنصب القراين ولا عبرة بها ايضا بل واجب ان لا يجترء على مثلها لان بطون القرآن والاحاديث لا يعلمها الا هو والراسخون في العلم كيف والبطون غير ما هو دال عليه اللفظ بحسب المعنى اللغوي ومراد القائل انما يفهم بحسب استعماله الالفاظ في المعاني الموضوعة او المجازية المحفوفة بالقراين الظاهرة الدالة على المراد كتعبير الرجل الشجاع بالاسد في قولك رايت الاسد في الحمام بقرينة الحمام فان اسقطت لفظ الحمام وقلت رايت الاسد محال ان يفهم ان المراد من الاسد هو الرجل الا بتصريح القائل ومثل تعبير عليّ عليه السلام بالنبأ العظيم في قوله تعالى عم يتسائلون عن النبأ العظيم فانه لا يمكن لاحد ان يفهم ذلك الا بتصريح وبيان من الله سبحانه وبيان امنائه بتعليمه تعالى اياهم عليهم السلام واكثر بطون القرآن والاحاديث والادعية المنقولة عن المعصومين عليهم السلام من هذا القبيل اي ليس لبطونها القراين الظاهرة والا لكان الاطلاع على بطون القرآن لكل احد ممكن متيسر غير متعسر ولذا منعنا عن تفسير القرآن براينا لان عقولنا قاصرة عن ادراكه لكمال اختفاء بطونه واحتجاب شئونه واما التفسير بالبطن الذي فسر به المعصوم عليه السلام في محل خاص في محل آخر متماثل فعدم جوازه ايضا غير بعيد لبطلان القياس ولاحتمال ان يكون البطن الذي فسر به المعصوم عليه السلام مخصوصا بهذا المحل غير مطلوب في محل متماثل له نعم ان وقع التصريح عن الشارع المقدس بان هذا اللفظ مثلا متى اطلق وحيث اطلق المراد منه هذا المعنى الباطني فلا غبار ولا عثار مثل ما روي عن ابن‌ عباس انه ما نزل الله آية فيها يا ايها الذين الا وعلى راسها واميرها

اقول قد ظهر مما سبق جواب هذه الكلمات من ان التفسير بالراي والتشهي لا يجوز بحال من الاحوال وان العالم المتكلم بالباطن ان كان مما اجتمعت فيه تلك الصفات والعلامات المذكورة سابقا فلا يحتاج الى التصريح في كل موضع بل تكفيه الاشارة والتلويح والكناية والاستعارة واثبات اللوازم وامثالها ذكرنا سابقا من وجوه الاستدلال والاستنباط لانه وصل الى نقطة العلم وعرف الله سبحانه وتعالى بالله وعرف الرسول بالرسالة وعرف اولي الامر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعرف العبودية وعرف اسرار الربوبية واطوار الحقايق الخلقية في الهياكل الانسانية والشيطانية فيعرف كلام الله وكلام امنائه لانه عرف السياق وعرف الخلاف والوفاق وعرف مقتضى مقام الربوبية في الاداء فلا يشتبه عليه امر ولا يلتبس عليه حكم لانه قد عرف مراد الله من كتابه بسره كما قال الصادق عليه السلام لا يصلح الافتاء الا من عرف مراد الله من كتابه بسره وهو ممن عرف لحن المقال وتصاريف الكلمة الواحدة في غالب الاحوال كما قال الصادق عليه السلام انا لانعد رجلا من شيعتنا فقيها حتى يلحن له ويعرف اللحن وقال ايضا عليه السلام انتم افقه ( افقه الناس خ‌ل ) ما عرفتم معنى كلامنا وان الكلمة منا لتنصرف الى سبعين وجها لنا لكل منها المخرج فاذا كان الامر كذلك ونال العالم هذه المرتبة الجليلة فهو ممن قال الصادق عليه السلام انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فكانما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله فقوله عليه السلام عرف احكامنا الاحكام جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي وهي ليست خاصة بالاحكام الفقهية بل جميع الاحكام المنسوبة اليهم من العقلية والنقلية والاصولية والفروعية والباطنية والظاهرية والغيبية والشهودية والواقعية والنفس الامرية وغيرها من الاحكام الالهية المنسوبة الى العترة الطاهرة سلام الله عليهم في الدنيا والآخرة ومعرفة تلك الاحكام جهات التلقي عنهم عليهم السلام على انحاء مختلفة واوضاع متفاوتة على ما يرونه من المصلحة ومنها بالاشارة والتلويح ومنها بالعبارة والتصريح ومنها بدلالة الاقتضاء والتنبيه ومنها بانحاء الاشارة والتشبيه ومنها بقذف في القلوب ومنها بواسطة اوعية السوء ومنها بروايات ضعيفة ومنها باخبار صحيحة ومنها ما قدمنا ذكره من جهات التعريف واطوار التوصيف وهذا المؤمن الممتحن يتلقى عنهم صلوات الله عليهم على جهة القطع واليقين دون الظن والتخمين فاذا قال قولا وتكلم بكلام ونسبته الى ائمته سلام الله عليهم وجب على الناس تصديقه والاذعان له وعدم الانكار له والا شملته عقوبة ما في ذيل الرواية المذكورة لانه محفوظ بعين عناية الله ومستور بجلباب حمايته وهو القرية الظاهرة للسير الى القري المباركة التي يجب على الناس السير فيها ليالي واياما آمنين وهذا كله اذا اجتمعت فيه تلك الصفات المذكورة والعلامات المسطورة في العلم والعمل والا فاحذر وفر منه فرارك من الاسد فانه ضال مغوي ومضل عن الصراط السوي واما من لم يكن بهذه المثابة كما تجد في عامة الناس والعلماء الذين اقتصروا على ظواهر اللغة واخذها من حملتها المعلومين الآخذين من العرب العرباء فهؤلاء لا يجوز لهم التغوص في الباطن والتكلم بما يخالف الظاهر الا بنص صحيح صريح لا يعارضه شيء من كتاب او سنة او اجماع او عقل مستقيم على ذلك فانه يجوز له القول بالباطن حينئذ واما اذا لم يكن له نص صريح فلا يجوز له التكلم بالباطن فانه تقول على الله وافتراء عليه وان قال حقا في الواقع فيتوجه عليه توبيخ قوله تعالى قل ءالله اذن لكم ام على الله تفترون فظهر لك بعون الله تعالى من هذا البيان التام المشبع العام انه لا يجوز تفسير القرآن بالراي والتشهي فضلا عن التعدي الى باطنه وسره الغيبي بل يجب القول فيه بما اوقف الله سبحانه عليه ببيان امنائه عليهم السلام الا ان البيان يختلف بحسب اختلاف المتعلمين فمنهم من تكفيه الاشاره ومنهم من لا يكتفي بالف عبارة والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هذا اشارة الى جواب ما سئلت ايدك الله وسددك فخذه وكن من الشاكرين فان ما ذكرنا لك لا تجد في كتاب ولا سؤال ولا في جواب ولا يشمله خطاب وانما هو ثمرة الانقطاع الى الائمة الاطياب عليهم سلام الله في كل باب وعلى الله المعول في المبدء والمئاب وعنه نلتمس الهام الصواب

المصادر
المحتوى