رسالة في جواب بعض الاجلاء  (٣ اسئلة)

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب بعض الاجلاء

عن ثلاث مسائل

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد الثالث عشر

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين المعصومين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت علي مسائل لبعض الاجلاء الطالبين السالكين لسبيل الحق واليقين الذين ميزوا الغث من السمين اعزه الله وابقاه وبلغه اكمل ما يتمناه واخذه بهواه الى رضاه وهي لعمري على الواقع والحقيقة كما يريد عزيزة المنال بعيدة الوصال ولقد اكثروا فيها المقال واطالوا التشاجر والجدال ولم يبلغوا الى حقيقة الحال على منوال آل‌محمد المفضال عليهم سلام الله بالغدو والآصال اذ سرها ومنشأها مبني على نقطة العلم التي كثرها الجهال وقد اتت وانا في الغاية من تبلبل البال وتهجم انواع الكلال والملال وعروض الامراض المانعة من استقامة الحال وتوفر دواعي الاغتشاش والاختلال وانا في هذه الاوقات والاحوال كما قال الشاعر ونعم ما قال :

كم بجنبي للصبابة واد كل يوم حمامة نواح

وقد احببت ان تأتيني في غير هذه الايام لاستوفي فيها الكلام واستقصي المرام وابين ما هو الحق في المقام واشير الى زلة كثير من الاقدام ولكني الآن لفي واسع العذر فاكتفي بالاشارة وآتي بالتلويح بصريح العبارة اعتمادا على ذلك الفهم العالي والادراك السامي واذكر السؤال بالفاظه واذيله بما من الله علي من الجواب لحصول المطابقة وتحقق الموافقة لان السؤال ذكر والجواب انثى والله المستعان

قال سلمه الله تعالى بعد البسملة : الحمد لله الذي فضل بني آدم واكرم

اقول يعني آدم الاول في الكون الاول الكون الامري الفعلي الاولي والثانوي المفعولي وهو ذات الذوات والذات في الذوات للذات وذلك اول ما برز في الوجود من عالم الغيب والشهود فامتاز الشاهد من المشهود والموجود من المفقود وظهرت العبادة بظهور المعبود واكرمه الله سبحانه بالولاية المطلقة في الازلية الثانية واقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار وطهره عن شوائب التظنين وصفاه عن لواعج التغيير والتكييف والتحديد وهذه لعمري كرامة ما وراءها كرامة وسعادة مانالها غيره من اولي المكانة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

قال سلمه الله : وعلمه ما لم يعلم

اقول اي من اسرار البيان والمعاني واحكام المعاني والمباني وهو البيان المستودع في سر الانسان المشار اليه في قوله عز وجل الرحمن خلق الانسان علمه البيان وهو الذي ماكان يعلمه الا بتعليم خاص الهي شهودي ديمومي في الدعاء بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ‌ادر ما انت وفيه يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وذلك كشف الحال بمعاينة المثال الذي هو ذرة من شمس العظمة والجلال وهو العلم فحسب وما سواه ظهور من ظهوراته الجمالية والجلالية والكمالية والبهائية والعلمية والاسمية والقدرتية وغيرها من ساير الشئون قبل التعلق وبعد التعلق ومع التعلق مع ملاحظة المتعلق بكسر اللام وبدونها حين وجوده على حسب اختلاف المتعلقات بفتح اللام في القوابل والاستعدادات وكلها نشئات علمية واسرار عملية وحقايق متأصلة نشأت من البيان الذي علم الانسان فهو نقطة جامعة وهوية مانعة وهو النقطة تحت الباء في البسملة ولذا قلنا ان اصل العلوم وسرها وينبوعها ومعدنها هو قولك لا اله الا الله وفي الدعاء فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت فافهم ضرب المثل

واياك واسم العامرية انني اغار عليها من فم المتكلم

قال سلمه الله تعالى : وصلى الله على محمد سيد الانبياء وآله الامناء وشيعتهم الاولياء ارباب القرب والفناء والبقاء

اقول الصلوة وصل ووصال وسلب فرقة وزوال واظهار حكم الاضمحلال والاستقلال والوصل رسمي والفرق ذاتي والاضمحلال ثابت والاستقلال راسخ وينبئ عن ما ذكرنا حديث المعراج على ما في الكافي عن مولينا الصادق عليه السلام الى ان قال : روح الامين لقد وطأت موطأ ماوطأه قبلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل قف فان ربك يصلي قال صلى الله عليه وآله وكيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة والروح ثم شرح سبحانه هذه الصلوة في مواضع من كتابه فقال ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ومارميت اذ رميت ولكن الله رمى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية وهكذا ساير الآيات وهذه الصلوة جارية في النبي والولي على الحقيقة الجامعة وفيهما عليهما السلام وفي الشيعة الاولياء على الحقيقة الفارقة والجامعة في الرتبة الثانية وفي دعاء رجب لمولانا الحجة عجل الله فرجه ما يجمع بين الحقايق والمراتب في الصلوة عند قوله عليه السلام وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها اليك الدعاء فافهم فما اسعدك لو وفقت لفهمه ولا يسعني الآن ازيد مما ذكرت والله على ما نقول وكيل

والآل هم قصبة الياقوت النابتة في اجمة اللاهوت المعرفة في اسرار الملك والملكوت الظاهرة في اعلى الجبروت فمن اعلى الجبروت مبدء الشكل المثلث ومن الملك والملكوت مبدء الشكل المربع فمن اجتماعهما كان ظهور السبع المثاني والقرآن العظيم من اعظم العطايا والكرامات التي انعم بها نبينا صلى الله عليه وآله اشرف خلقه ومن تربيعهما كان ظهور شهور الحول وعدد الساعات وحروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات كما في الزيارة

والشيعة هم الفرقة الناجية عن جميع الشكوك والشبهات والاوهام والخيالات ودرن الآثام والسيئات وعما يشغله من الله سبحانه وهم الصادقون الموفون بعهدهم لما قالوا بلي فاخلصوا افئدتهم وفرغوها لمعاينة التجليات ومشاهدة الظهورات وفرغوا قلوبهم للتوجه اليه تعالى بسر التوجهات والعنايات بتكرر الالتفاتات الى بارئ المسموكات وداحي المدحوات حتى يتمحضوا فيما ذكره الامام سيد السادات بقوله أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك الدعاء وقوله عليه السلام لا يرى فيه نور غير نورك ولا يسمع منه صوت غير صوتك واخلصوا صدورهم وفرغوها لتلاوة الآيات ومشاهدة الاسماء والصفات ومراقبة الخوف والخشية بحيث يشغله عن تلاد نفسه ومكارهها هبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك وهبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر عن النظر الى كرامتك الدعاء وهؤلاء هم الاولياء الذين شوقتهم المحبة وانحلتهم العبادة واصفرت الوانهم للاشتياق واضر بهم البعاد والفراق وهم ارباب القرب الى تجليه تعالى الذي هو وجهه لهم بل هم عين ذلك التجلي فقربوا بالتجلي الى المتجلي الظاهر للتجلي بالتجلي بلا كيف ولا اشارة كما يأتي مجمل بيانه ان شاء الله تعالى وهم ارباب الفناء الذين دكت انياتهم واضمحلت هوياتهم ونسوا انفسهم وغفلوا عن اعتبار ذاتهم فلم يشاهدوها ولم ينظروا اليها ولا ترتب اثر عليها فكانوا بذلك ارباب البقاء والتذوت والاستقلال فاضمحلالهم اقتضى استقلالهم وموتهم استدعى حياتهم وذلتهم اقتضت عزتهم كما قال الشاعر :

اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حياتي

وحياتي في مماتي

وهو قوله عز وجل فتوبوا الى بارئكم واقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم وقوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون فافهم الاشارة بلطيف العبارة وسيأتي زيادة بيان لذلك ان شاء الله تعالى

قال سلمه الله تعالى : وبعد فالمرفوع الى حضرة الخ ويبينوا لنا هذه المسائل الثلث على وجه لا يبقى فيها محل كلام ويندفع به عنها كل شبهة ونقض وابرام مع بسط ميسور في المقال واكمال ايضاح للحال من غير اغلاق ولا اجمال

اقول قوله ايده الله على وجه لا يبقى فيها محل كلام الخ يتحقق اذا كان المبين والمبين له في صقع واحد ومتوافقين في اصل النظر وطوره والمشعر والدليل والمقام فان كل نظر له اطوار متعددة طور الاجمال وطور التفصيل وطور الوحدة وطور الكثرة وطور الاتحاد وطور الاختلاف وطور اصل الحقيقة ببيان النقطة وطور الاقتصار على ادنى ما يتأتى به المطلوب وغير ذلك من اطوار الانظار والمشاعر ايضا مختلفة ووقوف السلاك فيها كذلك فمن واقف في مقام الجسم الى مقام النفس وبينهما عشرون مقاما لكل مقام اهل ولهم ايضا في كل مقام مواقف يعثر عليها الكامل العارف ومن مقام النفس الى مقام العقل مقامات كثيرة ومن مقام العقل الى اقصى درجات الفؤاد واعلى مراتب الاستناد مقامات كثيرة وكذلك من اقصى الفؤاد الى اعلى درجات النقطة وكل هذه مشاعر ومواقف ومدارك للعلماء وهي مختلفة متفاوتة لا يشبه ما في بعضها الآخر بل اهل كل مقام يكذب ما عند الآخر ولا يسعني الآن تفصيل هذه المقامات وشرح هذه الدرجات والمقصود الاشارة الى نوع المسئلة والادلة ايضا ثلثة ولكل درجات ثلث فترتقى الى تسعة ولكل شرايط ولوازم ومتممات ومكملات ومقتضيات وموانع وعلل واسباب ومعدات وغيرها فاذا حصل الاختلاف في شيء واحد من هذه المذكورات جاء الكلام وتوجه النقض والابرام وان كان المجيب يؤدي ويجري كلامه على مخ الواقع بالنسبة الى مقامه اذ قد يكون مقام السائل اعلى وليست له ايضا تلك الاحاطة الكاملة ليري كل شيء حقا في مقام ذلك الشيء على حسب ما اعطاه الله تعالى او ان صعوده الى المقام الاعلى ليس تفصيليا ليشاهد المقامات السفلية ويحيط بما فيها او ان نظره الى ذلك المقام الاعلى ولا ينظر الى ما تحته ليرى ما فيه ويقول غيره مما ليس معه في تلك الرتبة وقد يكون الامر بعكس ما ذكرنا بالنسبة اليهما نعم لو كان المسئول يجري كلامه على جميع اطوار تلك المقامات ببسط الكلمات وايراد المقدمات وما يناسب لكل مقام ربما يتيسر للسائل ما اراد كما اراد بما اراد اذ اجتمع فيه الشرايط الاربعة مع خامس وهو جودة الذكاء وسرعة الانتقال ولكن هذا يؤدي الى تطويل المقال وشرح ما لا ينبغي ذكره من دقايق الاحوال فاذن يجب اجراء الكلام على حسب مقام السائل او اقرب ما يكون اليه ليعرف نوع المراد بالشرط المذكور واما غيره فلا التفات اليه اصلا فاذن اجراء الكلام على وجه لا يبقى لاحد فيه الكلام شيء ابى الله الا كتمانه وهو سبحانه ما اجرى كلامه كذلك ولا رسوله ولا اولياؤه صلى الله عليه وعليهم ولا عباده المخلصون من الشيعة الكاملين والله سبحانه هو الموفق

واغرب من الكل قوله ايده الله من غير اغلاق ولا اجمال بعد قوله بحيث لا يبقى لاحد محل كلام الم ‌تعلم ان العلوم على انحاء واطوار من ظاهرية وباطنية وسرية وسر سرية وغيرها والناس كذلك على انحاء كثيرة من اهل الظاهر والباطن وباطن الباطن ولا شك ان الدليل من سنخ المطلوب فيكون سريا اذا كان المطلوب كذلك كما قال عليه السلام وسر لا يفيده الا سر وسر مقنع بسر فان اجرينا الكلام على مذاق البعض جاء الاغلاق والاجمال بالنسبة الى الآخرين او توجه النقض والابرام بالنسبة الى الاولين فمن نتايج الآخرين زايدا على ما ذكرنا ما اشار اليه بقوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وقوله تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم ومن الاولين ما اشار اليه النبي صلى الله عليه وآله يا سلمان لو عرض عملك على مقداد لكفر ويا مقداد لو عرض عملك على سلمان لكفر وفي رواية علمك والمعنى في الجميع واحد وهذه فتنته امتحن الله بها عباده ليهلك بها من هلك وينجو من سبقت له من الله العناية فافهم راشدا واشرب صافيا

قال سلمه الله تعالى : الاولى - ما معنى الحديث المشهور المحكي عن كا وغيره من ان الله داخل في الاشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمزايلة وكذا ما في معنى هذا الحديث من قوله عليه السلام داخل لا كدخول شيء في شيء وخارج لا كخروج شيء عن شيء وغيره مما يقرب منه مضمونا

اقول اعلم اولا ان كلمات اهل بيت النبوة ومعدن العلم والفتوة سلام الله عليهم ليس فيها اختلاف ولا اضطراب وانما يجري الجميع عن ينبوع واحد وان اختلفت الجداول بحسب القوابل والا فالمراد في الجميع واحد وذلك معلوم قد دل عليه العقل والنقل على الوجه القطعي كما فصلنا في ساير رسائلنا ومباحثاتنا وثانيا ان كلماتهم عليهم السلام مما لا يتعلق بالاحكام الظاهرية العامة البلوى التي لا تعلق لها بالتقليد والظن والاجتهاد لا تعرف ولا تعلم الا بكلماتهم عليهم السلام في تصريحاتهم وتلويحاتهم واشاراتهم وعباراتهم وساير الحان خطاباتهم عليهم السلام لان الكلام على مقدار عقل المتكلم وعقلهم العقل الكلي الذي قد ظهرت الموجودات كلها باقباله وادباره بتنزلاته في شئوناته واطواره فانى للسافل وادراك كلام العالي من حيث نفسه نعم للعالي ان يبين له كلامه ويكشف عن مرامه من حيث نفسه اي العالي في نفس السافل وهو قوله تعالى وعلى الله قصد السبيل وقوله تعالى ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه والبيان ايضا موكول على ارادة العالي حسب اقتضاء المصالح في الكون الثانوي من احكام الاختلاف وان كان قد شرحه على اكمل ما ينبغي في الكون الاولي بالبيان الحالي والمقالي على الحكم الاعتدالي فاذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان ذات الله عز وجل قد سد باب معرفتها الغناء المطلق الذاتي فلا بوصف بشيء من احوال الخلق لان حقيقة الخلق وذاتهم فقر محض وهو لا يقتضي في صفاته وشؤناته واطواره الا الفقر والفاقة والحاجة فكلما في عالم الخلق فقر وحاجة على اختلاف المراتب فكيف يوصف به من كان غنيا محضا والا لم يكن وجوده ذاته هف فكل صفات الفقر منتفية عن الغني المطلق المحض ولذا قال جل من قائل ليس كمثله شيء وقال سبحانه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار اذ لو كانت المشاركة في الصفات موجودة لادركته الابصار والحواس ضرورة ان الادوات والآلات تشير الى نظايرها وقال مولينا الصادق عليه السلام على ما في الكافي وغيره في عدة اخبار ان الله سبحانه خلو من خلقه وخلقه خلو منه اذ لو جاز الاتصال والنسبة ماصح هذا الكلام وقال ايضا عليه السلام كلما في المخلوق يمتنع في خالقه وقال مولينا الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه وامثالها من الروايات لا تكاد تحصى ولا تستقصى ويشهد على مضمونها العقل السليم كما اشرنا اليه وضرورة الاسلام والمسلمين فاذن هو سبحانه وتعالى لا يوصف بالدخول والخروج والممازجة والمبائنة والنسبة والارتباط والخفاء والظهور في رتبة ذاته لان كل ذلك حدود خلقه ولا يجري عليه ما هو اجراه ولما كان الاثر من حيث هو كذلك انما هو صفة فعل المؤثر وتلك الصفة هي الاسم الدال على المؤثر ويتوجه بذلك الى الذات بحكم ان الذات غيبت الصفات صارت الآثار كلها صفات واسماء دالات عليه ضرورة ان كل اثر يكون منشأ اشتقاق اسم للمؤثر الا ترى القيام فانه يكون منشأ اشتقاق اسم القائم والقعود للقاعد والكلام للمتكلم والكتابة للكاتب وهكذا فاذن لا يرى في الآثار غير المؤثر كما لا ترى في القائم والقاعد والمتكلم والكاتب وغيرها مثلا سوى زيد الظاهر بتلك الآثار المدعو بتلك الاسماء مع ان ذات زيد في مقامها ورتبتها ما نزلت في مقام الآثار وهي قائمة بمباديها وعللها وهي جهات تعلقات افعاله الظاهرة بتلك الشئونات والاطوار فلو كانت ذات زيد مرتبطة بتلك الآثار وانفكاك الذات عن ذاتياتها ممتنع عند اولي الابصار والانظار ماجاز ان تلتفت الى صرف الذات البحت مجردة عن تلك الشئون والاطوار والوجدان يكذبه والبرهان يبطله وصريح كلام امير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة يزيفه فانا بالضرورة نلتفت الى حقيقة الشيء مجردة عن كل اعتبار سوى ذاته بل لا يعرف صرف الذات الا بقطع هذا الالتفات مع انا نشاهد بالعيان ان تلك نسب تتجدد عند الآثار والافعال فان قلت ان هذه النسب والاضافات التي هي منشأ تعدد الاسماء والصفات انما هي في رتبة الآثار والذات البحت خلو منها وانما تدل عليها في مقامها دلالة رسم بحكم ان الذات غيبت الصفات ثبت المطلوب وتم المراد وان قلت ان عند حدوث تلك الآثار تظهر اسماء للذات من حيث تعلقها باحداث ذلك الشأن والاثر كالقائم فانه اسم للذات المتصفة بالقيام قلت اذن تغيرت الذات بآثارها وافعالها فكانت منفعلة لافعالها وهذا شيء لا يتفوه به انسان وذلك معلوم بالعيان فاذن ثبت ما قلنا من ان الآثار كلها اسماء افعال وصفات آثار لا تدل الا على موصوفاتها ومسمياتها ولكن الفعل عند الذات باطل مضمحل فلا بصح الالتفات اليه وينصرف الذهن الى الذات مع قطع النظر عن الفعل وساير النسب والاضافات وان كان هذا التوجه في مقامه كما ان نظره الى الفعل في مقامه لا في مقام الفعل اذ الشيء لا يتجاوز ذاته وحقيقة مبدئه فاذن هو اي الاثر خلو من الذات وان كان لا يرى سواها ولا يجد غيرها كما في الدعاء لا يسمع فيه صوت غير صوتك ولا يرى فيه نور غير نورك وقال مولينا الحسين عليه السلام أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا تعرفت الى في كل شيء الدعاء وهذا الظهور في الآثار ليس هو الظهور الذاتي فيها لان الذات اذا ظهرت بذاتها انعدمت الآثار بحذافيرها في جميع رتب ظهورها مع ان ظهور الذات بذاته لذاته في الآثار غير معقول لان الاثر اذا كان في رتبة الذات لم يكن اثرا واذا كانت الذات في رتبة الاثر لم يكن ذاتا بل معنى ظهور الذات في الاثر اضمحلال الاثر وفنائه وافتقاره الى غيره فنظره دائما الى غيره الذي به تقومه وتأصله وتحصله وذلك الغير هو اظهر له عن نفسه عند نفسه اذ يجب ان ينظر اليه لسد فقره وخلته فهو في نفسه دائما مضمحل باطل ومبدءه دائما ثابت متحقق موجود وليس معنى ظهور الذات انها هي في الاثر فان ذلك مع استلزامه لانحاء المفاسد والقبايح غير معقول ولا متصور كما ذكرنا آنفا فتبصر فصح بحمد الله معنى قولهم عليهم السلام ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ومعنى قولهم أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك الدعاء انظر الآن في المرآة هل تجد ذاتك فيها وهل تجد غيرك فيها من حيث انها مرآة لك فان قلت اجد ذاتي فيها كذبتك الضرورة فانك انت انت على ما انت عليه قبل مواجهتك للمرآة وبعدها ولا تجزءت ولا تغيرت عن كينونتك ولاخرجت عن مقامك ولافقدت نفسك عما كنت عليه وذلك معلوم وان قلت اجد غيري فيها فكذلك كذبتك الضرورة والا لما صح ان تستدل بها عليك مع انك عند النظر اليها تراها تحكي عنك فلا ترى غيرك فيها ابدا كما لا تجد نفسك وذاتك فيها ابدا فانت خلو منها وهي خلو منك مع انها اسمك ورسمك في مقامها وذاتها وقد شرحت هذه المسئلة باكمل شرح واوضح بيان باقامة الدليل والبرهان في شرحنا على حديث عمران الصابي فليراجع هنالك ولما كان الامر كذلك ارادوا عليهم السلام ان ينبهوا الى هذه الدقيقة والبيان فعبروا عنه بعبارات مختلفة متفاوتة قريبة الى الافهام على حسب مقتضى المقام فتارة عبروا عن هذا المعنى ببينونة الصفة كما في قول امير المؤمنين عليه السلام ما معناه توحيده تمييزه عن غيره وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة وغير ذلك مما يقرب مضمون هذه العبارة ومعنى هذا الكلام ان المغايرة بين الواجب والممكن اي الخالق والمخلوق ليست كمغايرة الذوات المتبائنة كالمغايرة بين الافراد المنشعبة عن حقيقة واحدة او بين الحصص المحدودة بالحدود المتخالفة الناشئة من شيء واحد او كالمتضادين والمتناقضين او غير ذلك من انحاء التباين اي مطلق المغايرة التي لا يذكر احد المتغايرين عند الآخر برسمه واسمه وصفته فان ذلك يستلزم الغفلة وماكنا عن الخلق غافلين ويوجب النوم والسنة لا تأخذه سنة ولا نوم وينافي الاحاطة والقيومية الله لا اله الا هو الحي القيوم بل المغايرة بينهما واقعة ولكنها مغايرة الصفة الفعلية لموصوفها اي المقصود بالوصف وذلك حكم الآثار بالنسبة الى مؤثراتها الا ترى ان القيام اثر يشتق منه القائم وهو صفة دالة على الذات بالضرورة بحكم الاضمحلال ودلالة الرسم لا دلالة التكشف وكذا الكلام والكتابة والخياطة والصناعة وغيرها من آثار الافعال فانها كلها آثار معدومة باطلة عند الذات في مقام ذاتها ولكنها صفات دالة عليها في مقام الافعال بل القيام والقعود والحركة والسكون لا تدل الا على القائم والقاعد والمتحرك والساكن وهي صفات دالة على موصوفاتها وهي الذات الظاهرة بتلك الافعال على المعنى الذي قدمنا سابقا فصح لك القول بالبينونة لان ذات الاثر معدومة فانية ممتنعة عند ذات المؤثر والا لم يكن الاثر اثرا بل كان مؤثرا او لم يكن المؤثر مؤثرا بل كان اثرا لان المتحدين في الرتبة مشتركان في الاقتضاءات الذاتية وان منع بعضها مانع عن الظهور فافهم وصح لك القول ايضا بنفيها فان الاثر اسم وصفة للمؤثر وهما دالان عليه ومباين الشيء لا يدل عليه من حيث التباين ولما كانت الصفة من حيث هي هي غير الموصوف كما قال امير المؤمنين عليه السلام لشهادة كل صفة على انها غير الموصوف وان الصفة لا تحقق لها ولا تذوت ولا استقلال بوجه الا بالموصوف كالشبح المرئي في المرآة اذ لا شيئية لها الا بالتفات القابل ومواجهته وان هذه الصفة تدل على الذات دلالة رسم بسر الافتقار ولا دلالة لها عليها دلالة تكشف وان القائمة مثلا لا يدل ابدا الا على الظاهر بالقيام ولا يدل ابدا على الظاهر بالقعود وبالكلام وبغيرها من الظهورات الفعلية ولا على الصفات الذاتية من ذكورية الذات وانوثيتها وطولها وقصرها وسوادها وبياضها وسعادتها وشقاوتها وبلادتها وذكاوتها وغيرها من حالاتها العرضية والذاتية فكانت هذه الصفات صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له كما قال امير المؤمنين عليه السلام وروحي فداءه فلاجل هذه الامور التي ذكرنا والتي لم نذكر اتى عليه السلام بهذه العبارة اي بينونة الصفة فانها لعمري عبارة جامعة لجميع احكام الاثر بالنسبة الى المؤثر على اكمل شرح واوضح بيان كما اشرنا الى بعض منها ولا يسعني الآن ذكر تفاصيل المقامات وهذه الكلمة من جوامع الكلم اتوا بها تنبيها للشيعة المخلصين والعلماء الموحدين واكمالا للنعمة على المؤمنين واتماما للحجة على الجاحدين وما ذكرنا هو المستفاد من العقل والنقل والضرورة واما ما ذكر اولئك من توجيهات باردة وتكلفات فاسدة وتمحلات كاسدة فلا بنبغي الاصغاء بها والاعتناء اليها لانها عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض ولولا ما انا فيه من تهجم الامراض وتراكم الاعراض لنقلت كلامهم وذيلته بما يرضي الله ورسوله والحكم لله وكذلك عبروا ايضا عليهم السلام عن هذه الدقيقة المذكورة بالدخول والخروج واثباتهما ونفيهما وقد مثل مولينا الرضا عليه السلام لهذا المعنى بالمرآة والمقابل فقال عليه السلام لعمران انت في المرآة ام المرآة فيك قال كل ذلك لم يكن وحاصل الكلام انه لا شك ولا ريب انك لست في المرآة ولا المرآة فيك مع انك تستدل عليك بها فلو كنت خارجا عنها كيف تدل عليك فان مباين الشيء لا يدل عليه وان كنت داخلا كانت المرآة ذاتا لا شبحا والضرورة تقضي ببطلانه فانت داخل في المرآة بظهورك وتجليك باثر فعلك فالداخل هو الظهور والتجلي لا الذات لكنهما لما كانا غير ملتفت اليهما مع الذات تذهل المدارك عنهما وتتوجه وتنصرف الى الذات وان كان في المرآة ولذا لو كانت المرآة حمراء تحكم على الذات بانها احمر مع ان الامر ليس كذلك وهذا الدخول ليس بامتزاج كما هو سبيل المتداخلين في عالم الامكان من حيث هو لا من حيث الدلالة فانها ح صفة استدلال كما ذكرنا فان المتداخلين لا بد فيهما من الاقتران والاتصال والاتحاد وهي المعبر عنه بالامتزاج واما في هذا المقام فالداخل ليس هو الذات بذاتها حتى يلزم ذلك وانما الداخل ظهور الذات ولكن الملتفت اليه ليس هو الظهور بل الذات فكانها داخلة وخارجة داخلة من حيث انها خارجة وخارجة من حيث انها داخلة وهذا معنى قوله عليه السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن اي حال كوننا نحن هو وهو نحن هو هو ونحن نحن فهو داخل من حيث كونه خارجا فنحن هو من حيث الظهور لا من حيث الذات فان الاثر حقيقته ظهور المؤثر ولا ظهور له في مقام الاثر الا نفسه ولما كان الظهور بالضرورة غير الذات ولا يكون الظهور ظهورا الا بعدم الالتفات الى غير الذات بل بقصر النظر اليها فهو من حيث النظر الى الذات ظهور فيكون خارجا ومن حيث عدم النظر الى السوي ذات في مقامه مع قطع النظر عن مقامه فيكون داخلا ومن حيث الالتفات الى صرف الذات والحقيقة بالنظر والوجدان يكون منزها عن الدخول والخروج فلك ان تقول ليس بداخل ولا خارج لانهما جهة من الجهات الخلقية فيجب التنزيه عنهما ولك ان تقول داخل خارج في حال واحدة وان لم يشعر الناظر بالدخول والخروج ولكن العبارة اخبار عن متن الواقع كما في حدود النية على قول من يرى انها ليست اخطارا بالبال ولك ان تقول داخل لا كدخول شيء في شيء فان المتداخلين بينهما اقتران واتصال وليس هنا كذلك بل هنا التفات الى الظهور مجردا عن اعتبار سوى الذات فاين الغير حتى يتصور الاقتران او الظرفية او غيرهما من النقايص وخارج لا كخروج شيء عن شيء فان الشيئين اذا خرج اعتبار كل منهما عن الآخر تباينا ولم يدل احدهما على الآخر يقينا وهنا ليس كذلك لان الاثر مع كونه خلوا من الذات كالذات منه كما في الحديث المتقدم ان الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ومع هذا كله لا يرى في الاثر ظهور سوى ظهور المؤثر حتى كان المؤثر اظهر من الاثر كما قال امير المؤمنين عليه السلام مارأيت شيئا الا ورأيت الله قبله وذلك لا يمكن في المخلوق من حيث نفسه ابدا لا من حيث كونه كتاب استدلال عليه بحروف الذوات والصفات فافهم ولك ان تقول داخل لا بالممازجة وخارج لا بالمزايلة كما ذكرنا حرفا بحرف فاذا رجعنا ضمير المشتق الى الظهور كما هو الاصل في كل المشتقات فالامر هين فان الدخول والامتزاج والخروج والمزايلة احكام في مفهومها الاقتران بالغير وليس ثمة غير لان ذلك الظهور لا يتأتي الا بكشف السبحات وازالة الانيات وسلب الاعتبارات ونفي الاشارات كما في كلام امير المؤمنين عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة ومحو الموهوم وصحو المعلوم الحديث فالسالك الساير حيث ما يسير واينما يسير ويتوجه ولو سار الى ما لا نهاية له لم تقصر المسافة بينه وبين الذات سبحانه وتعالى نعم حظه الظهور ومنتهى سيره ادراك النور وسلب الغيور في حد الغيور كما قال الشاعر :

منتهى الحظ ما تزود منه اللحظ والمدركون ذاك قليل

وعلى ما ذكرنا لك انفتح باب معرفة قوله عليه السلام في دعاء رجب لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك وبدؤها منك وعودها اليك الى ان قال عليه السلام : فبهم ملأت سماءك وارضك حتى ظهر الا اله الا انت وكذا قوله عليه السلام على ما في مصباح‌الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية وما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق الحديث والحديث المشهور : الجمع بلا تفرقة زندقة والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد وقد شرحت كلا من هذه الاحاديث في اجوبة المسائل شرحا وافيا واوردت فيه كلاما شافيا واكتفينا هنا بالاشارة الى محل السؤال وما سويه كله على ذلك المنوال وعلى ما فصلنا وشرحنا بطل استناد اصحاب وحدة الوجود وغيرهم من المموهين بهذه الاحاديث الشريفة فانها ولعمري بالدلالة على خلاف مطلوبهم اقرب واقرب منها بالدلالة على مطلوبهم وقد ذكرنا في ساير رسائلنا واجوبتنا في بطلان كلامهم ما يشفي العليل ويبرد الغليل خصوصا في اللوامع الحسينية وعلم الله لولا ما انا فيه من ضعف الحال وتوزع البال لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولكني لفي واسع العذر وقد ذكرت ما يتعلق بظاهر هذه الاحاديث الشريفة ووراءه كلام في انحاء الباطن وباطن الباطن وساير الوجوه وغرايب الامور فان كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور لاسيما في هذا الزمان الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فلبوه واجابوه واسرعوا اليه من كل فج عميق والمستعان بالله ولا قوة الا به والسلام

قال سلمه الله تعالى : والثانية - ما المراد من القربة التي تشترط في صحة العبادات وما كيفية القرب وما معنى الوصول الى الحق والفناء فيه والبقاء به ونتمنى في هذا المقام على الخصوص كمال البسط والايضاح وان تفصحوا عن حقيقة الامر حق الافصاح

اقول اعلم اولا ان العبد له ظاهر وباطن ولباطنه بواطن هي ظواهر وباطن اضافيات حتى تنتهي الى النقطة التي هي سر الهوية وغيب الحقيقة وذاته المعبر عنه بانا التي بها قوامه وتحصله وتأصله وتلك هي حاملة لظهور المبدء الحق وناظرة اليه تعالى بالنظر المطلق في مقام الاسم ومرتبة الرسم كما ذكرنا في المسئلة الاولي وثانيا ان الخلق بحسب الاسباب والعلل والحكم والمصالح التي يطول بذكرها الكلام على قسمين في مقام النزول وهما محفوظان بمرتبتهما في مقام الصعود ايضا لا يلحق احدهما الآخر والنسبة محفوظة دائما وان حصل الترقي لهما ابد الآبدين ودهر الداهرين احدهما ما تميزت مشاعره ومداركه وظهرت آثار تلك النقطة الذاتية فيها بحيث اذا اراد النظر بتلك النقطة يتمكن من ذلك ولو في وقت ما وحال ما وامر ما في حكم ما ولهم مراتب في ذلك بحسب قوة النظر بها وضعفه وظهوره وخفائه واستمراره وعدم استمراره واستمراره في جميع المطالب او في بعض دون بعض واعلى مراتب هؤلاء الانبياء عليهم السلام واوسطه الانسان من الرعية وآخره الملك والجن كل ذلك في مقام القطبية وثانيهما ما ليس كذلك سواء لم تتمايز مشاعره اصلا كالجمادات والنباتات او تميزت مشاعره لكنها من غير ظهور ذلك الامر الغيبي والسر الذاتي الذي به التوحيد والتنزيه والتفريد والتجريد كالبهايم من الحيوانات والحشرات وثالثا ان الشيء حقيقة هي نقطة الذات خاصة وما سواها من المراتب الغيبية والشهودية والظاهرية والباطنية كلها ادوات وآلات لها تستعملها في مطالبها ومقاصدها اذا ارادت النظر الى مقام من المقامات السفلية الا ترى القلب فانه المالك المستقل في البدن فاذا اراد الابصار الحسي استعمل القوة الباصرة واذا اراد الاستماع استعمل القوة السامعة واذا اراد تصور الصور والاشباح استعمل النفس واذا اراد المعاني والارواح استعمل العقل وهكذا فهو الاصل والباقي اطواره في اوطاره وله حكم ذاتي في مقامه وحكم عرضي حصل له بالاضافة الى تلك الاطوار ولذا كان ينسب اليها دونه ولذا اذا مات الانسان بالموت الصوري تعطل البدن عن الادراك مع وجود تلك القوى والآلات وما ذلك الا لان المدرك المدبر المتصرف قد قطع نظره واعتباره عنه وذلك معلوم بالعيان وغني عن اقامة الدليل والبرهان فاذا عرفت ذلك فاعلم ان العبد المخلوق لا يقوم الا بالاقبال الى مبدئه لسد فقره وفاقته في اطوار مطالبه وحاجته وهي تختلف بحسب المقامات والمشاعر والمدارك بحسب قوة الناظر وضعفه في علو همته ودنائته فمن طالب للرسوم ومن طالب للحقايق والعلوم ومن طالب للسراب وطالب للكتاب وطالب لمن به البدء واليه الاياب على حسب الهمم بحسب المقام وما اكتنفه من العوارض والاحلام ولا شك ولا ريب ان الجهات كلما قلت والروابط كلما اضمحلت تقل الكثرات وتضمحل الارتباطات المتعارضة المتعاورة المتناقضة ولما كان الاثر والمخلوق لا ذكر في ذاته وحقيقته الا المؤثر الخالق ولذا لا يدل الا عليه كما فصلنا في المسئلة الاولى وان الاثر لا يقوم ولا يسد خلته الا بذلك النظر ولا يمنعه عن التمحض في ذلك النظر الا كثرة الجهات والحدود والروابط الغيرية الخلقية وقد ثبت بالبرهان والعيان كما اشرنا اليه سابقا ان ذات الشيء من حيث هي مجردة ومنزهة عن جميع الحدود والكيفيات والرسوم وليس فيها الا جهة الحدوث والافتقار ولا فيها شيء من مقتضيات الاغيار المستلزمة للاكدار فهي لا تطلب ولا تريد شيئا سوى الله سبحانه وسوى قربه والاتصال به لمكان فقرها واستمدادها وعدم الجهات المستدعية لما سوى الحق سبحانه فوجد المقتضى الذي هو الحدوث المقتضى بطلب المحدث الموجد والنظر والالتفات اليه وارتفع المانع الذي هو الحدود المقتضية لكثرة الجهات والاعتبارات الحاجبة عن النظر الى الله سبحانه كما في الدعاء وانت لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك فذات الشيء من حيث هي لا تجد ولا ترى ولا تشاهد غيره تعالى ولا تطلب سويه كما قال سيد الساجدين عليه السلام انت لا غيرك مرادي ولك لا لسواك سهري وسهادي ولقاؤك قرة عيني ووصلك مني نفسي وفي مناجاتك ولهي والى رضاك صبابتي وعندك شفاء علتي ودواء غلتي وبرد لوعتي يا نعيمي وجنتي يا دنياي وآخرتي والحقيقة المستدعية لهذا المعنى هي حقيقة كل شيء وذاته وهي الاصل في الشيء وما سواها اطوارها وشئوناتها وتنقلاتها وقد ذكرنا ان هذه المرتبة والمشعر والناظر بهذا النظر قد تتميز عن بعض الحيوانات كالانسان والملك والجن وقد لا تتميز كما في البهائم والحشرات والنبات والجماد وقد ذكرنا ان الشيء حقيقة هي تلك فاذا تميزت بمشاعرها وادراكها الخاص بها جرى الحكم على الشيء على مقتضاها وكينونتها ومن هذه الجهة كلف الانسان بالتوحيد ورفع الانداد ورفع الاضداد ونفي القرانات والحدود والجهات والاعتبارات بحيث اذا لم يعتقد بشيء من ذلك خرج عن حد الاسلام الى حد الكفر واستحق العذاب الاليم والخلود في الجحيم واما البهايم فلم ‌تكلف بشيء من هذه الحدود التي هي نفي الحدود لعدم ظهور تلك المرتبة فيها لعدم نضجها واعتدالها وقوة حرارتها بالنسبة الى الانسان ولما كانت العبادات هي جهات اقبال العبد الى الله تعالى لسد حاجتها وفقرها فحاجة كل مقام كما ذكرنا يختلف بحسب الجهات والكثرات وقلتها وكثرتها وقلة الالتفات اليها وكثرته ولما ان حقيقة الذات لا تطلب سوى القرب والوصال والاتصال والمشاهدة والمعاينة كلف الانسان في العبادة بالقربة وجعلت فعل العالم العيني والسر المعنوي وكنوا بها عن النية ولذا قلنا انها القصد البسيط الداعي للفعل الحسي المساوق له والمقارن له لان اصلها في العالم الاول الالهي هي القربة المطلقة ثم تنزلت الى عالم الاجمال عالم العقل وذكرت معها الخصوصية اي القربة الظاهرة في العالم التفصيلي بالوجه الخاص لكن على وجه الاجمال كما هو مقتضى مقام عالم الجبروت فمن جعلها بمعني الاخطار بالبال فقد جعل العبادة منشأها من عالم النفس وقد اخطأ جدا فان النفس مقام نفي العبادة والعقل مقامها وهو العابد ولذا ترى الصبي الغير البالغ مبلغ ادراك العقل والمجنون ليسا بمكلفين بالعبادة فافهم فان شرح هذه الكلمة يطول بها الكلام فظهر لك ان القربة الى الله سبحانه هي العلة لتوجه الذات والحقيقة التي سميناها الفؤاد وباب المراد واول المداد ومنشأ الاستعداد بل هي نفس عبادتها واقبالها الى باريها ومنشيها لقلة جهاتها وحدودها وكيفياتها وكمياتها بل لعدمها فلا ترى سويه ولا تطلب غيره وكما ان تلك الحقيقة تنزلت باطوارها واوطارها الى المراتب السفلية الى ان انتهت الى عالم البشرية الجسمية كذلك ذلك العمل الحقيقي الذي هو القربة المطلقة الى الله سبحانه يتنزل بمظاهرها واطوارها ومحالها ومواقعها الى الحدود والاعمال الظاهرة مبدءها النية المقترنة ومنتهاها ما يعمل بالجوارح الجسمية فهذه الاعمال مظاهر للقربة والمظهر بدون الظاهر باطل فان مضمحل الا ترى انك اذا نظرت الى المرآة لا تريها شيئا الا بالتعلق بالتفات جهة المقابل وظاهريتها فيها في نظر التفصيل والاختلاف واما في نظر الوحدة والجمع والايتلاف فلا يرى غير المقابل ويذهل عن المرآة واما اذا نظرت الى الصورة من دون المقابل فهو نظر باطل والتفات مجتث والقربة في الاعمال كالظاهر في المظاهر فلا تقوم المظاهر الا به ولا يظهر الا بها فقوام العبادات بها قيام ركن وعضد وتحقق اشبه الاشياء بالقيام الصدوري فلا تصح عبادة بدونها كلا بل ولا تقع ولا تكون فهي العمل وهي روح العمل من قوله تعالى خطابا لآدم عليه السلام : يا آدم روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي رواه في الكافي يا آدم بروحي نطقت وبضعف كينونتك تكلفت ما ليس لك به علم وهي علة العمل وهي مادة العمل وهي غاية العمل ولقد كشفت لك عن سر مقنع ورمز معمي لو عرفته لعرفت جميع المسائل المتعلقة بالنية واتضح لك الحق الصريح فيما خالف فيه فقهائنا الاعلام اسكنهم الله دار السلام وعرفت سر الوجود ومبدء اختلاف جهات العبادات ومنتهاها واصلها وفرعها ولا يسعني الآن شرح هذا الكلام لما انا فيه من توزع البال واغتشاش الاحوال وعروض الامراض المانعة عن استقامة الحال والله المستعان في كل الاحوال

واما القرب فليس قرب مكان لتعاليه تعالى عن التحيز وعن ان تتوسط المسافة بينه وبين غيره ولا قرب وصل واتصال لتعاليه تعالى عن الاقتران الملزوم للاتصال وان تكون له حالتان حالة قبل الاتصال وحالة بعده فان متغير الحالات حادث وهو سبحانه متساوي النسبة الى الجميع كما قال عز وجل الرحمن على العرش استوى وان كان متعاليا عن النسبة والكيف ولا قرب عينية على ما ذهب اليه ابن ‌الاعرابي واضرابه واشباهه واتباعه من ان الله تعالى هو الاشياء كما قال سبحان من اظهر الاشياء وهو عينها وذلك بفناء العبد وبقاء الرب على ما زعموا من ان الوجود الذي هو ذات الحق سبحانه وتعالى تنزل بالحدود كالبحر المتنزل بالامواج وكالماء المتنزل بالثلج وكالمداد المتنزل بالحروف والكتابة كما قال شاعرهم :

البحر بحر على ما كان في القدمان الحوادث امواج وانهار

لا تحجبنك اشكال تشكلها عمن تشكل فيها وهي استار

وقالوا ايضا :

وما الخلق في التمثال الا كثلجة وانت لها الماء الذي هو نابع

ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والامر واقع

وامثال ما ذكرنا من اشعارهم وكلماتهم كثيرة وهذا القول في البطلان بمكان فان تلك الحدود العارضة التي بها امتازت الكائنات والممكنات وتحققت ان نظرت الى حقيقة الوجود مع تلك الحدود كما هو المصرح به في كلماتهم لا تخلو اما ان تعرض لذاته تعالى ام لا فان كان الاول فهل هي حادثة او قديمة فان كان الاول كانت ذاته تعالى محلا للحوادث وقد اجمع العقلاء كافة على تنزه القديم سبحانه عنه لاستلزام انفعال القديم عن الحادث وذلك ممتنع قطعا وان كان الثاني تعددت القدماء واستلزم الاقتران الذي يشهد على الحدوث واستلزم النسبة الشاهدة على التركيب ضرورة لزوم مناسبة المقترنين والا جاز اقتران كل شيء بكل شيء والضرورة تبطله واستلزم الكثرة المنافية للتوحيد لان النسب كلها امور وجودية متحققة هي علة الاتصال والانفصال كما برهنا عليه في ساير رسائلنا ومباحثاتنا واستلزم انفعال كل من الحال والمحل عن الآخر فان المحل لو لم ينفعل عن الحال ما صح تمكن الحال واستقراره فيه ولذا قالوا ان المادة انثى لكونها محلا للصورة ومنفعلة عنها وهذا لا يشكون فيه واما انفعال الحال عن المحل فلما صح عندنا من انفعال الطرفين لقوله تعالى يغشي الليل النهار مع ان النهار طبع المذكر وبالجملة فليس الآن مقصودنا البحث عن خصوص هذه المسئلة بل المقصود لزوم الانفعال فان كان من الطرفين كما هو الحق بطل قدم الجميع فان المنفعل لا يكون الا حادثا وان كان من جهة المحل والمفروض ان محل العوارض هو ذات الله عز وجل فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون فما هذا شأنه ليس بقديم ولا برب ويلزم ايضا ان لا يكون الحق سبحانه كاملا مطلقا فان الكمال المطلق هو الوحدة التي لا تعرضها شيء من الكثرة ولو بالعرض لان ذلك ابلغ في الوحدة بالضرورة ويلزم ايضا ان يكون له حالتان حالة الاطلاق وحالة التقييد ويلزم ايضا ان يكون معطلا عن الافاضة والتأثير لان الاثر لا شك انه ليس جزء ذات لمؤثره ولا عرضا حالا به وانما هو شيء يحدثه المؤثر في رتبة التأثير والايجاد والفعل والاحداث واين ذلك من ذات المؤثر والقول بان التأثير لا يقع الا كما قالوا اثبات عجز للمؤثر ونقص في قدرته الكاملة ومشيته النافذة العامة وقصور في الوحدة المطلقة الحقيقية وقبايح هذا المذهب اكثر من ان يحصى واعلى من ان يستقصى الا ان القوم تاهوا وهوت بهم الريح في كل واد سحيق لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون بل الحق ان الله سبحانه ليس مختلف النسبة ومتعدد الجهات حتى يقال انه تعالى قريب بعيد بجهتين مختلفتين بل لا نسبة هناك بوجه ابدا فلا بوصف الحق سبحانه وتعالى بالقرب والبعد وامتناع الاشياء وعدم مذكوريتها في ذات الحق عز وجل ينفي القرب والبعد لانهما من مقبولة الاضافة فان اعتبرتهما بالنسبة الى ذاته عز وجل ما يصح فانها على حالة واحدة بجهة واحدة فلا بصح المضاف ولا المضاف اليه وان اعتبرتهما بالنسبة الى غير الذات من اطوار الخلق فاين الغير واين ذكره في الذات فالذات منقطع الاشارات لان الادوات انما تحد انفسها والآلات انما تشير الى نظايرها فاذن لا كلام في الذات لا بنفي ولا باثبات اذا بلغ الكلام الى الله فامسكوا وان الى ربك المنتهى وانما المراد بالقرب قرب المظهر من حيث هو مظهر بالظاهر في ظهوره بآثار افعاله واشعة انواره وقد ذكرنا في المسئلة الاولى ان حقيقة العبد والخلق والاثر ليست الا ظهور فعل المؤثر ولما كان ظهور الفعل اثر له والاثر عند المؤثر مضمحل باطل لا يلتفت اليه كان ظهور الفعل الذي هو ذاتك وحقيقتك بالنسبة الى الفعل كذلك ولما كان الفعل جهة من الجهات الظهورية الامكانية كانت نسبته الى الذات كذلك ولذا قالوا ان الذات غيبت الصفات فاذن لا يرى في الاثر الا المؤثر على المعنى الذي ذكرت فلا يرى فيه الا الظهور وهو حقيقة الاثر وهي جهة كون الاثر اسما للمؤثر فلا يرى في هذه الجهة غير المؤثر ولا يتوجه الا اليه ابدا وله ايضا جهة اخرى وهي جهة الانية والحدود المانعة عن مشاهدة المؤثر وتلك هي جهة الاحتجاب والامتناع عن المؤثر فما دام العبد ناظرا بتلك الجهة العليا وهي وجه وقطب استمداده من المبدء فهو قريب وما دام كونه ناظرا الى الجهة السفلى فهو بعيد فالاثر المخلوق هو العين والحجاب وهو قول مولينا امير المؤمنين عليه السلام لا تحيط به الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وقول مولانا الكاظم عليه السلام ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور فقربك التفاتك الى تلك الجهة وتمحض نظرك فيها حتى لا ترى شيئا سواه تعالى ولا تنظر الى غيره ابدا فاذا امتد بك النظر والالتفات الى ان نسيت نفسك وغيرك بالكلية وما التفتت اليها وماالتفتت الى انك ما التفتت فهناك تم لك القرب وحصل لك درجة الوصول وانت لا تزال تترقى في هذا النظر وتصعد في هذه المعاينة برفع حجاب الغيرية في الدنيا والآخرة واطوار الجنة في الرضوان الى ما لا نهاية له ابد الابد ودهر السرمد فانت في مقامك ولا تصل الى الذات البحت ابدا بل لا تصل باعلي مراتبك في اعلى مراقيك فيما لا نهاية له الى ادنى درجة وانقص مرتبة ينالها الانبياء عليهم السلام وهكذا محفوظ النسبة الى ان تنتهي الى الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله وهي متحيرة في ذاتها ممتنعة عن درجة الوصول قائلة اللهم زدني فيك تحيرا بعد الامر بالاستزادة في قوله تعالى قل رب زدني علما واليه الاشارة في قوله تعالى في الحديث القدسي حديث الاسرار : كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهذه الانظار كلها في مقام قول امير المؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الى الوصف ودام الملك في الملك وعمي القلب عن الفهم والفهم عن الادراك والادراك عن الاستنباط وهجم له الفحص الى العجز والبلاغ على الفقد والجهد على اليأس الطريق مسدود والطلب مردود دليله آياته ووجوده اثباته الخطبة

واما كيفية القرب فاعلم انه لما كان عبارة عن النظر الى الظهور ذاهلا عن الظهور والظاهر من حيث هو الظاهر بالظهور وعن النسب الحاصلة والقرانات الواصلة حتى يتمحض له النظر الى الوحدة الحقيقية على حسب مقامه ومرتبته كان ذلك النظر مجردا عن جميع النسب والحدود القلبية والعقلية والرقايقية الروحية والصورية النفسية والابهامية الطبيعية والذكرية المادية والشبحية المثالية والتفصيلية الجسمية فلا بحصل ذلك النظر المعبر عنه بالقرب الا بسلب الالتفات عن جميع المدركات الغيبية والشهودية والظاهرية والباطنية والحقيقية والمجازية والاجمالية والتفصيلية وساير الحالات الكلية والجزئية والذاتية والاضافية فاذن انتفت الحدود والكيفية والكمية والنسب والاوضاع وكلما فيه جهة الغيرية والمخالفة والكثرة والاثنينية (ظ) فذلك مقام لا كيف هناك ولا نسبة فامتنع السؤال عن الكيف فكيفية القرب ان لا كيف كما قال مولانا الصادق عليه السلام في تفسير العبد انه ثلثة احرف فالعين علمه بالله والباء بونه عن الخلق والدال دنوه من الخالق بلا كيف ولا اشارة ه‍ فاذا انقطعت الاشارة والكيف فكان لا كيف كيف وان الكيف حدود الخلق واحواله والعبد ح ناظر الى الرب وصفاته ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة والسبحة هي النور ونور الشيء آثاره واطواره واحواله وحجبه المانعة عن مشاهدة ذاته من حيث انها مظهر توحيد الله وامره ونهيه فقال عليه السلام تلك الحقيقة والذات لا تظهر حتى لا ترى الا الله وحده الا بعد ان تكشف جميع سبحات الجلال اي انواره وآثاره واطواره واوطاره وتنظر الى صرف الجلال الذي هو قدر سم الابرة من نور العظمة وحده من غير اشارة الى ظهورات اطواره التفصيلية ومن غير اشارة الى الكشف ومن غير اشارة الى قطع الاشارة ومعنى ذلك ان تنسي كلما سوى الله سبحانه من نفسك ومن غيرك وذلك هو القرب الذي هو عين البعد فالقرب قرب لا نهاية له في عين البعد كذلك فلا قرب ولا بعد لانهما ايضا من السبحات التي لا بد من كشفها وازالتها وقطع الاشارة عنها الا ان ما ذكرنا حكم الواقع وهذا غاية مقام العبد فلا مقام له اعلى من ذلك ولا يزال يترقي من نوع هذا المقام الى ما لا نهاية له ولا يحصل له القرب الذاتي ابدا فان ذلك محال وليس في محال القول حجة ولا في المسئلة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم

واما معنى الوصول الى الحق سبحانه فهو خرق الحجب الثمانية التي هي منازل نفسه ومقامات ذاته فلا بد من قطعها اذا اراد السير الى جهة مبدئه فهو يقطع هذه المنازل ويسير في هذه المراحل بالسير المستوي لا بالخط المستقيم وان حاز ذلك بوجه من الوجوه الى ان يصل الى الحجاب الثامن وهو حجاب الفؤاد وباب المراد واول المداد فينظر الى ما وراءه بنظر السر والحقيقة فيقع نظره على نقطة بسيطة غير منقسمة فيمتد النظر ويتقوى حتى يرى قطاعا اصغر فيكبر شيئا فشيئا في النظر حتى تتم كرة تامة متحركة الى محورها الى ان يرى الكرة نفسه وهي نفس المحور وهو نفس القطب يدور في مركزه على نفسه الى مبدئه في مقام ذاته بحركة هي ذات القطب الذي هو ذات المحور الذي هو ذات الكرة التي هي ذات الدائرة التي هي ذات القوس التي هي ذات الاثر وحقيقته فاتصل الاول بالآخر والظاهر بالباطن وهو قول الشاعر :

قد طاشت النقطة في الدائرة ولم‌ تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة

سمت على الاسماء حتى لقد فوضت الدنيا مع الآخرة

فافهم وفي الحديث ان نبيا من الانبياء سئل ربه قال يا رب كيف الوصول اليك قال تعالى الق نفسك وتعال الي ه‍ وقد ذكرنا ان ليس بينك وبين ربك حجاب غير ذاتك ونفسك فاذا رفعت حجاب ذاتك في وجدانك بان نسيتها وما ذكرتها فتجد ربك قد دخل المدينة على حين غفلة من اهلها وهو معنى قول البهائي : گفت نصف الليل لكن في المنام وقد نظم بعض شعراء العجم معنى ما ذكرناه من اوله الى آخره في بيت واحد فاعرفه واتقنه وابن عليه امرك وهو قوله:

ز بس بستم خيال تو تو گشتم پاي تا سر منتو آمد رفته رفته رفت من آهسته آهسته

وهو قوله تعالى كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وحقيقة ذات العبد المخلوق اذا نظرت الى تحققها وتأصلها وتذوتها وشيئيتها فهو اضعف من السراب فتفهم راشدا واشرب صافيا

واما معنى الفناء فيه فكما ذكرنا من قوله تعالى لذلك النبي عليه السلام الق نفسك فانه عند ظهور سلطان الوحدة واشراقات انواره لا تبقى لظلمات كثرات الانيات قرار ولا ثبات فلا بد ان ترتفع ولا يصح النظر اليها بوجه فاذا لم ينظر العارف الى جميع ما يتعلق بنفسه وبميولاتها وشهواتها من العقلانية والروحانية والنفسانية والطبعانية والجسمانية فقد اماتها وافناها في ظهور مولاها وسيدها وهو قوله تعالى خطابا لموسى على نبينا وآله وعليه السلام وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي اتوكؤ عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى قال القها يا موسى والقاؤها قطع النظر عنها والتوجه الى حضرة ذي الجلال والاكرام وهو التوبة الخالصة المورثة للمحبة كما في قوله تعالى ان الله يحب التوابين وقوله تعالى فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فالفناء في الله عبارة عن اضمحلال شئون العبد عند ظهور نور العظمة والجلال وله مراتب ادناها فعل الطاعات وترك المناهي والمحذورات واعلاها ان ينسى نفسه بكل الجهات ولا يرى الا الواحد الاحد الحي القيوم داحي المدحوات وفي هذه المرتبة العليا ايضا درجات ومقامات وما بينهما احكام المتوسطات ولا يسعني الآن تفصيل هذه المقامات لما انا فيه من الكسل والملل والله المستعان وعليه التكلان

واما معنى البقاء بالله فحقيقة البيان فيه مما لا ينطق به فمي ولا يجري به قلمي ولكنه لما كان لكل سؤال جواب فلا بد من الاشارة اليه وان كان بنوع من لحن الخطاب ليعرفه اهله من اولي الافئدة واولي الالباب ومختصر البيان في قوله تعالى خطابا لموسى قال القها يا موسى اي امتها وافنها واعرض عنها ولا تلتفت اليها فانها حجابي ولا تصل الى الا برفعها وقتلها وافنائها فالقاها ممتثلا لامر ربه وقطع النظر والالتفات عنها وتمحض في النظر الى باريها ومنشيها لا من حيث اضافة تعلق فعله بها فلما استدام في النظر الى ذلك المنظر تمت له المقابلة باشراق نور المعاينة في حدود الرسم والاسم وان كان بلا حد ولا رسم فاستنار بالنور واحاط به الظهور في جميع مراتبه ومقاماته في احواله واطواره فتقوت تلك الجهات واستنارت تلك الظلمات وحيت تلك الاموات فنظر موسى عليه السلام الى نفسه فاذا هي حية تسعى فحيت بحياة الله تعالى واستنارت بنوره واستشرقت بظهوره فنظرت الى هذه الدنيا الضيقة وخرابها وفساد اهلها والى سعة تلك العوالم فنفرت منها واشتاقت الى موطنها ومسكنها وهو خلاف مقصود الحكيم سبحانه من تكميل الخلق وبعثه الى الناس بشيرا ونذيرا فامره تعالى بان يلتفت اليها ولا يقطع النظر عنها لتقل نفرتها وتسكن زفرتها فقال عز من قائل خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى لكنها محفوظة بعين العناية ومرعية بدوام الرعاية حتى لا تنسى معدنها ولا ترضى بغربتها وتعود حية حيث ما اراد الله ثم لما القى موسى نفسه وطهرها بدوام النظر الى ربه وتفضل عليه الكريم بان القى فيه مثاله ليظهر منه افعاله فكان محلا للاسم ومنبعا للرسم اراد سبحانه اظهار بعض آثار ذلك المثال في افعال موسى عليه السلام الجارية على يديه اللتين هما كنايتان عن قدرته فقال عز وجل واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية اخرى وهي اليد البيضاء اي القدرة الظاهرة بامر الله وبمشيته ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وهي آية اخرى في مقام التفصيل والا فهي تلك الآية بعينها وتلك الحيوة الحاصلة بعد القاء العصى هي البقاء بالله وهذه لها مراتب لا تتناهى ففي مقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن ونحن فيها هو الا انه هو هو ونحن نحن وفي مقام فلم ‌تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وفي مقام كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وفي مقام ان دعاني اجبته وان سئلني اعطيته وان سكت عني ابتدأته وهكذا مقاماته لا تتناهى ودرجاته لا تستقصى ومنها بقاء اهل الجنة فيها وظهور آثار ذلك المثال في حقايقهم وذواتهم ويلزمها بقاء النار وبقاء دركاتها وآلامها بحكم المعاكسة والمقابلة والحاصل شرح هذا الكلام طويل وانا عليل واعجب مني اهل هذا الزمان واني لهم وتحمل بعض اسرار هذا البقاء وخواصه ولوازمه ومقتضياته ولكني قد اشرت الى حقيقة المراد ولوحت الى مقاماته ومراتبه والله خليفتي عليك ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والله المستعان

قال سلمه الله تعالى : والثالثة - ما معنى قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ظاهرا وباطنا تأويلا وتفسيرا وغيرها والسلام

اقول اما ظاهر هذه الآية الشريفة فظاهر لا خفاء فيه وهو انكم لن تبلغوا حقيقة البر وهو كمال الخير او البر المعهود الذي هو بر الله حتى تنفقوا مما تحبون من المال او ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيل الله وقرء بعض ما تحبون وهو يدل على ان من للتبعيض ويحتمل التبيين وهو قراءة اهل البيت عليهم السلام كما في الكافي باسناده عن يونس بن ظبيان عن ابي ‌عبد الله عليه السلام لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال عليه السلام هكذا فاقرءها ولا شك ان هذه القرائة انسق بالمقام واولى بمدارك الافهام فان حقيقة البر والخير الشاملة المنبسطة على جميع افراده وجزئياته واجزائه لن تنال بانفاق بعض المحبوب الا ان يتكلف في العبارة وهو بعيد عن سوق تعبير من لا تسعه العبارة فمن انفق المحبوب بكله وبذل حقيقة الحب نال حقيقة المطلوب واستأنس على سرير القرب ويشير الى هذا المعنى ما ورد في العوالي انه نقل عن الحسين عليه السلام وروحي فداءه انه كان يتصدق بالسكر فقيل له في ذلك فقال عليه السلام اني احبه وقد قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون والسكر هو الحلاوة ولها مراتب فافهم

واما تفسيرها فاعلم انه لا شيء احب الى الشيء من نفسه وذلك معلوم بالوجدان غني عن اقامة الدليل والبرهان فاذا انفق نفسه وتصدق بها واخرجها عن حيطة تصرفها وافناها عن شهواتها وميولاتها فقد اتى بحقيقة الانفاق فينال ممن انفقها في سبيله كمال الاكرام لانه غاية الخضوع ونهاية الخشوع والسافل لا ينال ما عند العالي الا بزيادة الخضوع ولا زيادة على انفاق الذات فيجب على العالي ان يملكه الكرامة الممكنة في مقامه ومرتبته فصح ان يقال ايضا انه حقيقة البر قد ادركها بهذا الانفاق وهذا هو المراد من الآية الشريفة بعد ما عرفت ما ذكرنا في مقدمات المسئلة الثانية من ان حقيقة الشيء هي ذاته والخطابات كلها تجري عليها في ذاتها وفي ظهوراتها في اطوار شئوناتها فاذا تنزلت تلك الحقيقة في المراتب السفلية تنزلت جهات المحبة وجهات المحبوبية فظهرت في البدن والمهجة والمال والجاه وغيرها فانت اذا اردت الامتثال بهذه الآية الشريفة افن ذاتك وتصدق بها واذبحها في سبيل الله سبحانه وتعالى لتنال البر كل البر نعم البر من الجلوس على بساط الانس والتشرف بشرف البقاء بالله وفي الله ولله وفي الحديث القدسي يا ابن آدم اطعني اجعلك مثلي اقول للشيء كن فيكون وانت تقول للشيء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حيا لا تموت وقد روي ان المؤمن حي في الدارين

واما تأويلها فله وجوه اذكر هنا وجها واحدا طلبا للاختصار وصونا عن الاغيار وتجنبا عن الاكدار اعلم انه سبحانه لا يترك الخير ولا يأمر الخلق بالخير والبر وهو يفعل والعياذ بالله بخلاف ذلك الا ان يكون بعض وجوه الخير مما يليق للممكن ولا يليق له تعالى كامره تعالى بالعبادة والطاعة فانهما لا يجوزان عليه تعالى اذ هو وراء الورى بما لا نهاية له فاين المطاع والمعبود واما فيما سوى ذلك مما ينبغي لجلال قدسه ويليق بعظم شأنه فلا بتركه سبحانه الا ترى ما ذكره سيد الساجدين عليه السلام في دعاء السحر اللهم انك امرتنا بالاحسان الى ما ملكت ايماننا ونحن ارقاؤك فاعتق رقابنا من النار وامرتنا ان لا نرد سائلا عن ابوابنا وقد جئناك سؤالا فلا تردنا الا بقضاء حوائجنا الدعاء فاذن فالله سبحانه وتعالى ما امر عباده بالانفاق مما يحبون الا وقد سبقهم سبحانه بذلك في اصل الوجود وبسط عوائد الكرم والجود حيث افصح عن ذلك لسان الوحي والتنزيل بقوله كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالمحبة تعلقت بالمعرفة فهي المحبوبة المطلوبة لله تعالى قد جاد بها وانفقها على الفقراء المعدمين والضعفاء والمساكين فجعل ذاتهم تلك المعرفة وخلقهم على هيكل التوحيد والمحبة وتصدق باعز الاشياء واحبها اليه في مقام الفعل والتأثير على هؤلاء الضعفة فاراد سبحانه وتعالى ان تجري كينونات الكائنات على مجرى فعله تعالى لتحكي حكمته وقيوميته وان امره واحد لا اختلاف فيه وان الاختلاف ليس من جهته تعالى ولما انه سبحانه حتم على نفسه ان لا يجبر شيئا على شيء وان يجري امره وفعله ومشيته على كمال الاختيار والمطاوعة ولما ان الاختيار لا يتم للمختار حتى يعرف النتيجة والثمرة من اختيار شيء دون الآخر كلف الله سبحانه السابحين في لجة الامكان والواردين على شريعة الاكوان والاعيان ان يجروا على ذلك المنوال وان يشرحوا حقيقة تلك الحال واخبرهم سبحانه ان هذا يوصلهم الى كمال البر واصله وحقيقته وهو الوصول الى مقام الجمع من قوله عليه السلام لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك وان بعدم مراعاته لا يمكن الوصول الى تلك الدرجة القصوى والذروة العليا فقال عز من قائل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون كما فعلت انا فاجابت كينونات الكائنات من الذوات والصفات ذلك النداء ولبوا للمنادي فبقيت الاشياء في تأثيراتها وآثارها واطوارها تلقي اليها مثالها وتحدثها على هيئة معرفتها وتوصيفها كالاشباح الظاهرة في المرايا وهكذا كل فعل واثر ولذا ترى القيام والقعود والكلام والكتابة والاكل والشرب والضحك والبكاء تنبئ عن القائم والقاعد والمتكلم والكاتب والآكل والشارب والضاحك والباكي الدالة عليك وهذه الاسماء هي اشباح معرفتك التي احببت ان تعرف بها بعد ما كنت مخفيا عند عدمها في الفعل والتأثير فجرت صنعة الايجاد على طبق هذا المراد ثم اخبر الله سبحانه عن قبولهم لهذا التكليف وابانتهم لهذا الامر الشريف والحكم المنيف وامر نبيه صلى الله عليه وآله ان يبينها لكافة المكلفين الغافلين فقال جل من قائل قل كل يعمل على شاكلته وهذه بيان لاجابة الدعوى وامتثال الامر فمن عرف هذه الدقيقة الرشيقة وسر هذه الحكاية الشريفة عرف حقايق الاشياء في بدوها وعودها ووسط الامر بينهما بحسب النظر الظاهر بموادها وصورها وهياكلها

واما باطنها فله وجوه كثيرة اذكر هنا وجهين : الاول ان المراد بالبر هم آل ‌محمد صلى الله عليه وعليهم فلا بنالون ( اي الشيعة ) ولا ينال ما عندهم من العلوم والاسرار والرأفة والرحمة والشفقة والعطف الا بان ينفقوا لاجلهم وفي سبيلهم الذي هو سبيل الله تعالى احب ما عندهم من نفسهم ومالهم واولادهم وهذا الانفاق هو لازم المودة والمحبة في قوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى وهو ملزوم الطاعة في قوله تعالى اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان المحبة تستلزم الطاعة لا محالة والمحبة الكاملة تستلزم انفاق اعز الاشياء لاجل المحبوب كما قال الشاعر :

لو ان روحي في يدي ووهبتها لمبشر بوصالكم لم‌ انصف

والكلام في هذا المقام طويل الذيل وقد عرفت ان نفس الشيء احب الاشياء اليه فاذا انفقها في طاعة الامام عليه السلام نال ما لا تدركه الاوهام ولا تحيط به الافهام والاحلام كما قال الصادق عليه السلام على ما في الكافي ذروة الامر وسنامه وباب الاشياء ورضى الرحمن الطاعة للامام الحديث ويدل على ما ذكرنا من باطن هذه الآية الشريفة ما نقل عن تفسير العياشي عن مفضل بن عمر (ره) قال دخلت على ابي ‌عبد الله عليه السلام ومعي شيء فوضعته بين يديه فقال ما هذا فقلت هذه صلة مواليك وعبيدك قال فقال لي يا مفضل اني لاقبل ذلك وما اقبله من حاجة بي اليه وما اقبله الا لتزكو به سمعت ابي يقول من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قل او كثر لم ينظر الله اليه يوم القيمة الا ان يعفو الله عنه ثم قال يا مفضل انها فريضة فرضها الله على شيعتنا في كتابه اذ يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فنحن البر والتقوى وسبيل الهدى وباب التقوى لا يحجب دعائنا عن الله اقتصروا على حلالكم وحرامكم فاسئلوا عنه واياكم ان تسئلوا احدا من الفقهاء عما لا يعنيكم وعما ستر الله عنكم وفي هذا الحديث كفاية لاولي الدراية

والثاني ان هذا الخطاب خاصة لآل ‌محمد عليهم السلام في العالم الاول قبل هذه الدنيا لما تراكمت المظلمة من هيجان ظلمة انكار اولئك المنافقين اراد الله تعالى كشف هذه الظلمة بنور الولاية لا من جهة الالجاء والجبر بل بالخضوع والخشوع والشهادة فخاطبهم فقال تعالى لن ‌تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فاختاروا الحسين عليه السلام وروحي له الفداء لانه المحبوب عندهم وانفقوه في طاعة الله واعلاء كلمته حتى سفك دمه واستبيح حريمه صلى الله عليه ولعنة الله على قاتله وظالمه فكتب بذلك الكتاب وختمه اولئك الاطياب سلام الله عليهم في المبدء والمآب وهو قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الآيات وهذا الكلام لا يوضح تفسيره الا بعد النظر فيما كتبنا في رسالة اسرار الشهادة في ذكر وقعة الطفوف على ما عند اصحاب الحقايق والكشوف ولا يمكن الآن ذكر مختصر البيان في هذا المقام لما انا فيه من كمال الضعف واختلال الحال واما غيرها من التفاسير فلم يؤذن لنا في البيان لا سيما في هذا الزمان الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه وعلم الله كتبت هذه الاجوبة في غاية الاضطراب واشتداد المرض وضعف الحال والمرجو منكم المسامحة ولو كان لي سعة في الحال لاسمعتكم من غرائب الكلام وعجائب المقال ولكن الله لما يشاء فعال

قد فرغ من تسويدها منشيها ضحى يوم الاثنين في العشر الآخر من شهر رمضان المبارك سنة ١٢٤٢ حامدا مصليا مسلما مستغفرا

المصادر
المحتوى