رسالة في جواب بعض الاخوان - ۱

السيد كاظم الرشتي
النسخة العربية الأصلية

رسالة في جواب بعض الاخوان

و هو الشيخ اسماعيل ابن االشيخ أسد الله الكاظميني

من مصنفات

السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي

جواهر الحكم المجلد السابع

شركة الغدير للطباعة والنشر المحدودة

البصرة – العراق

شهر جمادي الاولى سنة 1432 هجرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه محمد واله الطاهرين

اما بعد فيقول العبد الجاني والاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض اخوان الصفا وقدوة اصحاب الوفا وزبدة الاجلاء النبلاء سلمه الله وابقاه وحرسه ووقاه واعطاه كتابه بيمناه وجعل اخرته خيرا من اولاه قد اتى بمسائل عويصة واراد الجواب على الاستعجال وانا مع اغتشاش البال واختلال الاحوال ومعاناة السفر بالحل والارتحال وتواتر الامراض والاعراض المانعة من استقامة الحال اجبت مسؤله بالاشارة الى الجواب لان هذه الحالة لا يسع استقصاء المقام بايراد النقض والابرام فاكتفيت بالاشارة واتيت بمختصر العبارة اعتمادا على فهمه العالي وادراكه السامي وجعلت كلامه سلمه الله متنا وجوابي كالشرح له حرصا على التطابق وجريا مقتضى التوافق والله المستعان وعليه التكلان

قال سلمه الله تعالى : قد اتفق الامامية اعلى الله كلمتهم على وجوب عصمة الامام عليه السلم بعد حجيته وقبلها بعد بلوغه وقبله حتى قالوا باستمرارها من ولادته الى وفاته ومن مهده الى لحده فان قصدوا بعصمته في تلك الاحوال معنى متحدا وهو اللطف المعهود فلا يتم الا بالبناء على تكليفه من اول عمره الى اخره بجميع التكاليف الثابتة في الشريعة من صلوة وصيام وزكوة وحج وجهاد وهو ظاهر الفساد او بالبناء على التزامه بها اجمع مع سقوطها عنه وهو مثل سابقه في الخروج عن طريق السداد وان قصدوا بها ما يعم العصمة بالمعنى المعهود وهو الثابتة له بعد حجيته او بعد بلوغه والعصمة بمعنى الصيانة من المخالفة باسقاط التكليف عنه فذلك مع منافاته لكلماتهم مقتضي لمساواة كلمن لم ‌تجتمع فيه صفة البلوغ والعقل للمعصوم في صحة الوصف بالعصمة من الجهة العدمية وهو ظاهر البطلان وان قصدوا معنى اخر فما هو وما الدليل على اعتباره افدنا دام علاك

اقول المذهب الحق هو ان الامام الحجة من الله سبحانه وساير الحجج من الانبياء المرسلين والاوصياء المرضيين معصومون اي مطهرون منزهون عن الارجاس والادناس ومساوي الاخلاق ورذايل الاعراق وكلما تشمئز منه النفوس الصحيحة وتستقبحه القلوب السليمة وكلما يخالف محبة الله تعالى وينافي قربه ورضاه وكلما يورث البعد والاعراض عن حضرة جلال عظمته وكبريائه من اول ظهورهم وتولدهم الى حين وفاتهم ورحلتهم بل في بطن الامهات واصلاب الاباء وساير الكينونات من اول الوجود في العوالم الاول الى اخر النهايات والغايات فيما لا يزال وبيان هذه الجملة بالاجمال هو انه لا شك ولا ريب بمقتضى الادلة القطعية من العقلية والنقلية في بطلان الترجيح من غير مرجح وانه لا يجوز على الحكيم المطلق وبطلان القول بقدم الاعيان وعدم مجعولية الماهيات لتقتضي كل ماهية قديمة ما هو ذاتي لها من الخير والشر كما هو مذهب الصوفية وتابعيهم وبطلان الربط بين الحادث والقديم والوجود النسبة بين الخالق والمخلوق ليكون بها بعض الاشياء اقرب اليه من الاخر وبعضها افضل وبطلان الجعل على مقتضى الجبر ليجبر بعض المخلوقات على الطاعة وبعضها على المعصية وبعضها على الخير وبعضها على الشر وبعضها على النور وبعضها على الظلمة وهكذا ساير الاطوار والاحوال وهو في الحقيقة راجع الى القول بالترجيح من غير مرجح ولا ريب ان كلما سواه تعالى حادث مخلوق مربوب مصنوع فقير لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حيوة ولا نشورا وان الاشياء كلها نسبتها اليه سبحانه على حد سواء ليس شيء اقرب اليه من شيء وليس بينه وبين خلقه قرابة ولا نسبة ولا اتصال ولا انفصال ولا يجري عليه حال من الاحوال الموجودة في الحوادث فانحصر التفاوت والتفاضل بين الموجودات الحادثات بالتكليف وقد دل الدليل العقلي والنقلي وضرورة المذهب على ذلك وقد شرحناه على كمال التفصيل في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة الخاصة والولاية الخاصة بدليل العقل الغير المشوب بشيء من النقل والتكليف الذي وقع به التفاضل والتفاوت بين الموجودات فامتازة ( فامتازت ظ ) الانبياء من الاوصياء وهم من الرعية والرعية بعضها عن بعض في درجاتهم وصورهم وهياكلهم وهيئاتهم وساير احوالهم واطوارهم انما كان بالتكليف في العالم الاول المسمى عند اهل البيت عليهم السلم بعالم الذر وعالم الاظلة وعالم الاشباح وعالم الارواح وغيرها من الاسماء فهناك تحققت السعادة والشقاوة والنور والظلمة والخير والشر والعلو والسفل وغيرها من المراتب والمقامات وهذا العالم كاشف وبيان عن العالم الاول وقد يختلف على الفرض من باب البدا وان الله ( يمحو ظ ) ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب فخلقهم الله سبحانه واهلهم للتكليف وهيأهم له ازاح العلل في التكليف وسوى التوفيق بين الضعيف والشريف فسئلهم فقال الست بربكم فاختلفوا بسر الاختيار المستودع في حقايقهم وذواتهم بسر الامر بين الامر فاول متقدم بالاجابة وسابق للطاعة الانبياء والاوصياء عليهم السلم على تفاوت درجاتهم فتقدموا عن كل الخلق ولبوا لنداء الله عز وجل بالسمع والطاعة في ظاهرهم وباطنهم وسرهم وعلانيتهم ولم يضمروا المخالفة بوجه من الوجوه ابدا لا في قلوبهم وحقايقهم ولا في افعالهم وظواهرهم وساير اثارهم فتوجهوا اليه سبحانه توجها كليا حقيقيا وخضعوا له خضوعا تاما جبليا لم ينظروا الى سواه ولم يطلبوا سواي سواه (كذا) فأكرمهم الله تعالى وخصهم بجزايل العطا وكرايم الحبا وخلقهم من طينة مخزونة مكنونة طيبة طاهرة من عليين وايدهم بنوره وسددهم بروحه وجعلهم معادن لحكمته وخزانا لعلمه وحفظة لسره قد غشيهم بالنور واوصلهم الى عالم السرور وزادهم نورا على نور من فضله وسعة نواله بحقيقة ما هم اهله الله اعلم حيث يجعل رسالته فخصهم بالنبوة وانتجبهم للرسالة واودعهم علمه وعرفهم ما يجب وما يكره ثم عرض الله سبحانه على الخلق نبوتهم وولايتهم وفرض طاعتهم وعرفهم منزلتهم وكرامتهم عليه حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة امرهم وعظم خطرهم وكبر شأنهم وتمام نورهم وصدق مقاعدهم وثبات مقامهم وشرف محلهم ومنزلتهم عنده وكرامتهم عليه وخاصتهم لديه وقرب منزلتهم منه فطأطأ كل شريف بشرفهم وخضع كل جبار لفضلهم وبخع كل متكبر لطاعتهم وذل كل شيء لهم واشرقت الارض بنورهم وفاز الفائزون بولايتهم فبهم يسلك الى الرضوان وعلى من جحد ولايتهم غضب الرحمن ولا ريب ان هذه الاحوال ما حصلت في هذه الدنيا فلا بد ان يكون في ذلك العالم كما دلت عليه الايات والروايات والعقل المستنير بنور الولايات ثم اقتضت الحكمة الالهية لامور كثيرة يطول بذها ( بذكرها ظ ) الكلام وقد اشار الى بعض الوجوه واشرفها مولينا الصادق عليه السلم على ما رواه الصدوق (ره) في العلل وغيره في غيره فانزل الله سبحانه الخلق من ذلك العالم الفسيح المضيء الى هذا العالم الغاسق الضيق فتنقلوا من طور الى طور ومن حال الى حال ومن عالم الى عالم الى ان وصلوا الى التراب وانتقلوا الى السحاب وظهروا في البقول والثمار فانتقلوا الى الاصلاب نطفة من مني يمني ثم منها الى الارحام في الاحوال الستة ثم منها الى الدنيا فظهروا فيها على اختلاف الاقتضاءات وتفاوت شرايط القوابل والاستعدادات اما الرعية فنسوا ما عهدوا وجهلوا ما عملوا وصاروا كانوا لم يروا شيئا ولم يستبينوا امرا كما قال الصادق عليه السلم ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما ما اه الى ان انكر جمع من الفحول عالم الذر والسؤال في عالم الارواح مع صريح الايات وتوارد الروايات بل وتواترها معنى لمن تتبع ونظر وتصفح واعتبر واما الانبياء والاوصياء عليهم السلم على تفاوت درجاتهم فبقوا على العهد والوفاء على الوعد ولم ينسوا ولم يغفلوا ولم يدبروا ولم يعرضوا بل في تنقلاتهم في الاطوار والاحوال كانوا خاضعين لله وخاشعين له ومقبلين عليه ومتوجهين اليه ولم ينسوا في العالم الثاني ما عهد اليهم في العالم الاول على كمال المعرفة والبصيرة والفهم والادراك اماسمعت ان مولاتنا الزهراء عليها السلم في بطن امها كانت تعلم امها القران وعلمتها سورة انا انزلناه في ليلة القدر وغيرها وان امير المؤمنين عليه السلم كان اذا حضر رسول الله صلى الله عليه واله يقيم امه فاطمة وهو في بطنها لتعظيم رسول الله صلى الله عليه واله وكانت تقوم فاطمة بنت اسد اذا حضر النبي صلى الله عليه واله من غير اختيار حتى انهم منعوها فما قدرت على الامتناع وهو عليه السلم كان في بطنها ولما ولد قرأ التورية والانجيل والزبور والقران وساير الصحف السماوية واستقبل القبلة وتشهد الى اخر ما قال كما هو مذكور في كتب الاصحاب في الامامة ومولانا الجواد عليه السلم اتوا به الى مسجد النبي صلى الله عليه واله وهو ابن ستة اشهر فقال ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فاني اعرفه بنفسي انا محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابيطالب انا ابن مكة ومني وانا ابن زمزم والصفا الى ان وضع يده الشريفة على فمه فقال اصمت يا محمد كما صمت اباؤك ومولانا الكاظم عليه السلم قال وهو مقمط ما قال ومولانا الحجة صاحب العصر عليه السلم وروحي له الفداء اجاب عن تلك المسائل واخبر بما في الصرر وغيرها في حديث احمد بن اسحق القمي وعيسى بن مريم قال لامه حين وضعته الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا وقال وهو في المهد صبيا اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلوة والزكوة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام على يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا وهكذا ساير الانبياء لو شرحت لك لطال الكلام والاشارة كافية لاهلها والقول بان الله سبحانه مكنهم في تلك الحالة من غير عهد سابق قول بالترجيح من غير مرجح او انهم ايضا نسوا والله سبحانه ذكرهم كذلك ايضا لان الكل في هذه الحالة سواء مع انه خرص وتخمين وقول بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ولهذا سماهم الله تعالى اهل الذكر في كتابه حيث بقوا على ذكر ما عهد الله اليهم في تلك العوالم وسمى رسول الله صلى الله عليه واله ذكرا في قوله تعالى قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا مبالغة في عدم النسيان فالانبياء عليهم السلم بقوا على العهد الاول في التكليف الاول فلم‌ يحتاجوا الى التكليف الثاني فكانوا يتوجهون اليه سبحانه في بواطنهم وظواهرهم ويتجنون ( يتجنبون ظ ) مساوي الاخلاق فان الحسن والقبح على مذهب الامامية ليسا محض جعل الشرع واختراعه كما ذهب اليه الاشاعرة بل انما هي امور واقعية مستحسنة ومستقبحة وحيث ان الخلق نسوا عهدهم وجهلوا معرفتهم هناك بين الشارع الغير الناسي عهده والغير الجاهل حكمه وامره لهم باذن الله سبحانه فالانبياء عليهم السلم قبل بلوغهم الظاهري المتعارف عالمون بالذي يحب الله والذي يكره فكانوا يجتنبونه كما ان العاقل الصاحي اذا رأي جيفة منتنة يعرض عنها ولا يقرب اليها ولا يتناول منه ابدا الا ان يكون ذاهلا وفيه عيب يمنعه عن ادراك قبايحها وكذلك اذا رأى نارا موقدة لا يرمي روحه فيها يقينا وكك حكم القبايح المنهى عنها في الشريعة بل اعظم واعظم وقد نص الله سبحانه على ذلك بقوله الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وهذا العلم وهذا الحفظ لهم حتى لا ينسوا هو اللطف الثابت لهم من الله سبحانه وقولهم اللطف عبارة عن اعانة الهية توجب فعل الطاعات واجتناب المعاصي بحيث لا يصل الى حد الالجاء فان ارادوا المعنى الذي ذكرنا فحسن والا فائدة فيه او يلزم الجبر الباطل بضرورة المذهب لاختصاصهم باللطف دون غيرهم من غير امر سبق وذلك معلوم واضح انشاء الله تعالى فهم عليهم السلم بذلك الامر السابق والتكليف الاول يعملون ما يوجب القرب اليه تعالى ويتركون ما يوجب البعد والاعراض مثل اهل الجنة فانهم لا يعصون ولا يرتكبون شيئا من القبايح وليس ذلك الا لان طبيعتهم صافية وقلوبهم مقبلة متوجهة فلا تشتهي انفسهم شيئا من القبايح وان لم يقع عليهم تكليف جديد حسب الاصطلاح الجديد فلا يظلمون ولا يزنون ولا يلوطون ولا يحسدون ولا غير ذلك وقد ادعوا الاجماع على ان ليس في الجنة تكليف مع انهم لا يرتكبون المناهي ويفعلون الاوامر من ذكر الله تعالى والتوجه اليه والاقبال عليه والتوكل عليه كما اخبر الله سبحانه عنهم بقوله دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام واخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين والانبياء عليهم السلم من اول عمرهم اي بدوهم الى اخر وجودهم حكمهم في الاعمال والافعال والاقتضاءات حكم اهل الجنة وان جرى عليهم تكليف فانما هو تأكيد وتشييد لذلك الاول وليس حكمهم حكم الرعية من نسيانهم ذلك العهد حتى احتاجوا الى تكليف جديد كما قال عز وجل والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا يريد بعدم العلم النسيان بقوله تعالى واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم الست بربكم قالوا بلى وقوله تعالى فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل واما قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم‌ نجد له عزما فالمراد بالنسيان هنا الترك لقوله تعالى نسوا الله فنسيهم لا النسيان الذي هو ضد العلم وحاشا نبي الله ان يغفل عن ذكر الله ويتبع الشيطان والانبياء ايضا لهم مراتب حسب اختلافهم في التقديم والتأخير روى الكليني في الكافي ما معناه انه قيل للنبي صلى الله عليه واله كيف كنت افضل الانبياء وقد بعثت اخرهم قال صلى الله عليه واله لاني اول من قال بلى حين قال الله لخلقه الست بربكم فعلى هذا تختلف درجاتهم فربما يصدر منهم ترك الاولى الا الاربعة ‌عشر المعصومون عليهم السلم فانهم عليهم السلم لا يتركون الاولى ابدا ولا يغفلون عن ذكر الله سرمدا لانهم الذين عبد الله فلا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فافهم راشدا واشرب عذبا صافيا فان ما ذكرناه لن ‌تجد في كتاب ولا في سؤال وجواب ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب قوله سلمه الله فلا يتم الا بالبناء على تكليفه من اول عمره الخ لا يتم الا بالبناء على كون الحسن والقبح شرعيين كما هو مختار الاشاعرة واما اذا قلنا بانهما عقليان والشرع كاشف فلا يرد ذلك فانهم يتركون جميع القبايح استقباحا لها بعكس الحسنات كما اذا ترك احد الظلم قبل التكليف او الزنا استقباحا لهما وانهما ينافيان محبة او وصل الرحم او اقبل على الله سبحانه ودعاه وتضرعا اليه استحسانا لها فانه يقال له انه ترك المعصية والقبيح وفعل الخير والطاعة وان لم يكن مكلفا بتكليف ظاهري وقوله سلمه الله تعالى وهو ظاهر الفساد ظاهر الفساد كيف والعلماء اختلفوا في الصبي المميز من ساير الرعية في ان عباداته شرعية بمعنى ان الخطاب توجه اليه بحيث اذا اتى بها ثم بلغ ووقت العبادة باق كان ما اتى به كافيا لانه كان مخاطبا فامتثل كما توضأ ثم بلغ او دخل في الصلوة او اتمها ثم بلغ فيمضي ولا يحتاج الى الاعادة ام لا بل عبادته تمرينية لم يتعلق الخطاب الشرعي عليه الا للتمرين بالنسبة الى الولي ان كان فيعيد ما فعل لعدم الامتثال والخطاب انما تعلق بعد العمل كما اذا صلى قبل الظهر فذهب جمع كثير من العلماء الى الاول والاخرون والكل متفقون على عدم العقاب لو ترك واجبا او فعل محرما فالاولون على التفضل والعفو وان كان مستحقا لتوجه الخطاب وقدرته عليه وقد لا يعفو لقوة المانع فيجري العقاب كما في الغلام الذي قتله الخضر عليه السلم والاخرون على عدم الاستحقاق لعدم التكليف الا اني لا اظنهم يختلفون بالنسبة الى الانبياء والائمة عليهم السلم في ان اعمالهم شرعية قبل البلوغ المتعارف وقد نص الله سبحانه على ذلك بقوله الحق فاشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصلوة والزكوة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم ‌يجعلني جبارا شقيا فقد نص نصا على انه كان عليه السلم مأمورا بالصلوة والزكوة وبر الوالدة وهو في المهد وبالاجماع المركب يثبت الحكم لجميع الانبياء اذ لااجد فرق بين نبي ونبي في الحكم المذكور لا نفرق بين احد من رسله فيثبت ان يكون الجميع مأمورين بجميع التكاليف الثابتة من صلوة وزكوة كما وقع التنصيص عليهما في حق عيسى عليه السلم وقال عز وجل في حق يحيى واتيناه الحكم صبيا وسليمان بن داود عليهما السلام بعث على النبوة والخلافة والحكم والدعوة وهو ابن سبع سنين ومولينا الجواد عليه السلم استخلف قبل البلوغ ومولينا الحجة المنتظر استخلف ومات ابوه وهو ابن خمس سنين ومولينا امير المؤمنين (ع) امن وهو ابن سبع او عشر سنين وبالجملة اثبات حكم التكليف للانبياء والاوصياء والائمة عليهم السلم مما لا ينبغي الترديد والشك فيه فان التكليف مداره العقل والتمييز والادراك والقدرة على الاتيان بالمأمور به واما خصوص السر فلما كان الغالب على ساير الناس من الرعية والكمال انما يحصل عند تحقق احدى العلامات اعتبر ذلك لاصل كمال العقل فاذا كمل العقل قبل ذلك فهو مكلف لكن لا يجري عليه العقاب لو ترك او فعل تفضلا من الله سبحانه وعفوا لقرب العهد الى عدم الكمال وعدم نضج البنية وبلوغها الى كمال الاعتدال واما الانبياء والمعصومون فلا يجري عليهم ذلك لانهم في صباهم اعلم من اعلم العلماء ولا يقاس واقدر من اشجع الناس كذلك فاني يكون الاهمال وعدم التكليف اذن مع ما نص الله سبحانه في الكتاب والفرق بين الانبياء بالاقتصار على مورد النص خلاف دأب اولي الالباب والله الموفق للصواب على انا لا نحتاج الى اثبات التكليف الثانوي ويكفي في ذلك العهد المأخوذ عليهم في العالم الاول وان الحسن والقبح امران متحققان يدركهما العقل فكيف بالذي عنده العقل الكل والعقل الاول والملك المسدد والعمود من النور والتوسم وقد قال بعض العلماء شعرا وقد اجاد في المعنى :

ستعرف ان العقل والنقل واحد وذلك معلوم بحكم الضرورة

ببرهان ان العقل نور نبينا وذلك كلي باصل الحقيقة

وان عقول الانبياء وحزبهم واشياعهم من شمسه كالاشعة

لا يقال ان الانبياء عليهم السلم اذا بقوا على العهد الاول ولم ‌ينسوا ما جرى عليهم في تلك العوالم فلا يحتاجون ح الى استزادة العلم لان العلوم كانت منكشفة في عالم الذر لانا نقول العلوم المتجددة عليهم بواسطة الملائكة او بالوحي والالهام وغير ذلك ليست ما احتجب عليهم بالتنزل وانما هي علوم ما كانت هناك ايضا فتجددت وتأتي بها الملئكة والحملة لا كساير الناس من نسيانهم العهود والعلوم وذلك معلوم انشاء الله تعالى فابن امرك على ما ذكرنا والاحتمالات الاخر المذكورة في السؤال كلها باطلة وفي هذا المقام مطالب عجيبة تركت ذكرها خوفا من التطويل وصونا من اصحاب القال والقيل وفيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ظاهر قوله عز اسمه اني جاعل في الارض خليفة الاية انه لم ‌يخلق ادم الا ليكون خليفة في ارضه فكيف يأمره مع ذلك السكنى في جنة الخلد على ما اختاره معظم الامامية حتى لو لم يخالف امره الى نهيه لم ‌ينل الخلافة التي خلقه لها افدنا دام بقاك

اقول معنى ظاهر الاية ان الله عز وجل اخبر الملئكة بانه تعالى يجعل احدا خليفة في الارض وهو اعم من انه سبحانه انما خلقه ليكون خليفة في الارض وانه تعالى خلقه لعنايات حقيقية وغايات ذاتية ولكن له حيث لم يصل بعلمه تلك الغايات جعله خليفة في الارض ولو عمل على مقتضى ارادته ومشيته العزمية لوصل عليها ولم ‌يخرج منها ولكنه حيث قصر في العمل على الوجه المعهود عند الامامية في الانبياء عليهم السلم انحط عن تلك المرتبة العليا الاولى ثم ترقي اليها بالاعمال والاقبال والتوجهات والعنايات وهو قوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى ثم اجتبيه ربه فتاب عليه وهدى فجعله سبحانه خليفة في الارض بعد ما خرج من الجنة ولم يتأهل لها ذلك الحين بترك الاولى والا فقيل ذلك كان باب الله وحجابه وسر الله وصراطه وحيث ان الله سبحانه عالم بالاشياء قبل كونها وحدوثها كعلمها ( كعلمه ظ ) بها بعد كونها وحدوثها لانه تعالى لا يستقبل ولا ينتظر ولا يترقب لم‌ يسبق له حال حالا ليكون اولا قبل ان يكون اخرا ويكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا وكان سبحانه علم ما يجري على آدم من ايجاده واسجاده الملئكة واستكبار ابليس وعتوه وادخال ادم وحواء الجنة ونهيه عن اكل الشجر الى اخر ما انتهى امرهما اليه من اهباطهما الى الارض وجعله خليفة على اهله ما دام فيها اخبر الملئكة ببعض ما علم وقوعه من جعله خليفة في الارض وامسك عنهم خبر ما يقع من ابليس وما يقع من آدم والغاية التي خلق ادم لاجلها لان المقصود الذي هو الابتلاء انما كان يحصل بالخبر الاول فان خلق ادم عليه السلم ابتلاء للابتلاء فاظهر لهم امر ابليس حين عتوه ونفوره واستكباره وامر ادم عليه السلم حين اكله من الشجرة وتساقط حلل الجنة عنه ويظهر لهم الغاية اذا ادخله تعالى بكرمه الجنة فيعلمون انها ثمرة تلك الغاية العليا التي تنفك من المغيا فلو كانت الخلافة هي الغاية لخلق ادم عليه السلم يجب ان لا تنفك منه ضرورة استحالة انفكاك الغائية عن الشيء فانفكاكها دليل على انها لم‌ تكن ذاتية حقيقية وانما هي طارية عرضية وان كانت الخلافة هي الدرجة العظمى الا ان فوق كل ذي علم عليم وذلك ان الله سبحانه خلق الخلق لغايتين شريفتين عظيمتين هما اصل كل خير ومبدء كل نور ومنشأ كل سرور وحبور احديهما المعرفة الالهية ومعرفة الاسماء والصفات والوسايط والاسباب ومبدء الايجاد ومنتهاه كما قال عز وجل في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف والثانية العبادة والعمل والتوجه اليه بسر الحقيقة وصافي الطوية كما نص عليه في كتابه العزيز بقوله وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين وهاتان الغايتان كل واحدة منهما تستلزم الاخرى وبهما ترتب الاثار وتحققت الظلمات والانوار ووجدت الخلافة والوصاية والامارة والرعية والتابعية وامثالها اذ من سبق بالمعرفة سبق بالعبادة فكان محلا للعناية الالهية ومهبطا للانوار القدسية وموضعا للاسرار الملكوتية فكان من دونه في المعرفة والعمل والعبادة يقتبس من انواره ويستضيء باشعة اثاره فكان السابق هو الخليفة لله بالنسبة الى لاحقه الا ان هذه السابقية على اطوار واحوال حقيقة طولية كسبق الانبياء والائمة عليهم السلم وعَرْضية عَرَضية كسبق العلماء على الجهال اماسمعت قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله فهذه الصفات انما كانت متأخرة عن العلم والعمل ولما كان ادم عليه السلم لما نزل الى الارض كان اعلم اهل الارض واعرفهم بالله واعلمهم واخضعهم له واخوفهم منه كان هو الخليفة من الله سبحانه على المكلفين في زمانه فسمي بهذا الاسم بعد خروجه من الجنة ووجود الامة والرعية وقد اخبر الله سبحانه عن ذلك قبل وقوعه لابتلاء الملئكة واختبارهم وفتنتهم حيث قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فاعترضوا على الله سبحانه فطردهم عن حول العرش واحرق بنار الغضب اجنحتهم ثم لما خلق الله سبحانه آدم فسجدوا له ولاذوا به وبالنور الذي كان متشعشعا من ناصيته وجبهته فقبلهم الله تعالى ورقاهم الى البيت المعمور والان هم الطائفون بالبيت المعمور كما يطوف الحاج بالبيت الحرام وهذا الاختبار والفتنة هو السبب لاخبار الله سبحانه لهم ببعض الخبر على الاجمال ولم‌ يشرح لهم الحال ولم‌ يذكر تمام الخبر ليمضي حكمه ويجري مشيته وينفذ امره فافهم فمما ذكرنا ظهر لك ان الاية بظاهرها لا تدل على ثبوت كونه خليفة في الارض فحسب وهي اعم والعام لا يدل على الخاص باحدى الدلالات الثلث كما هو ظاهر معلوم فان قلت انك قد ذكرت ان العلة الغائية في الايجاد هي المعرفة والعبادة وهي لا تنفك عن الشيء مع ان في الاخرة تنفك العبادة والمعرفة عن اهلها لان المعرفة قد حصلت في الدنيا والعبادة موقوفة على التكليف ولا تكليف في الاخرة اجماعا ففي قولك تناقض ظاهر قلت اما المعرفة المتعلقة بذات الازل عز وجل فهي غير حاصلة بل ممتنعة في الدنيا والاخرة الا بمعنى الوجود والحصول واما المعرفة المتعقلة باسمائه وصفاته وعظمته وجلاله وكبريائه وساير الصفات الفعلية فهي دائما في التزايد في الدنيا والاخرة لانها تظهر بالاثار وكلما كان ظهور الاثار والاطلاع عليها والاحاطة بها اكثر كان ظهور عظمة المؤثر وحكمته وقدرته وقيوميته وجماله وجلاله اكثر فيكون الاقبال اليه والتوكل عليه والاعراض عما سواه اكثر فيكون فيضه تعالى واحسانه وانعامه واكرامه بالنسبة الى المقبلين اليه والمتوكلين عليه والمعرضين عما سواه اكثر وبذلك ينالون اعظم الدرجات واسنى المقامات واعلى الكرامات وهو قوله تعالى في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية ولا نهاية وهذا حكم جار في الدنيا والاخرة الى ما لا نهاية له واما العبادة فليس المراد منها اعمال مخصوصة وتكليف ومشقة ومخالفة النفس وامثا ( امثالها ظ ) وانما المراد منها التوجه اليه تعالى بظاهره وباطنه وسره وعلانيته والعمل على وفق محبته وارادته والسلوك على مقتضى مشيته واذنه وحكمته وذلك حاصل في الاخرة فانهم لا يزالون متوجهين اليه سبحانه ومقبلين عليه في جميع اعمالهم وافعالهم في ماكلهم ومشاربهم ومناكحهم وحركاتهم وسكناتهم دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام واخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين فلا يعملون شيئا الا باذن من الله سبحانه ولكن لما كانت طينتهم صافية وطويتهم زاكية فلا يختارون الا ما اختاره الله تعالى ولا يشاؤن الا ان يشاء الله تعالى لاضمحلال ارادته ( ارادتهم ظ ) ومشيتهم عند ارادته ومشيته تعالى فوض سبحانه الامر اليهم في الاعمال والاقوال والحركات والسكنات ولا يحتاجون الى امر جديد واذن جديد كما فوض سبحانه الى رسول الله صلى الله عليه واله في الحلال والحرام فزاد الركعات في الصلوة واطعم الجد السدس في الميراث وغيرهما والله سبحانه امضى ذلك له لان طبيعته صلى الله عليه واله ما تختار الا مختار الله عز وجل فلا ينافي اذن قوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوى فان الوحي على قسمين عام وخاص لصفاء طينته وطهارة خلقه وخُلقه صلى الله عليه واله وكذلك اهل الجنة فيها اذ ليس في طبايعهم ما ينافي ارادة الله ومحبته لان الله سبحانه اخبر وقال ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين وحيث كانوا كذلك اذن لهم الله سبحانه اذنا عاما فقال لهم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم فهم في جميع احوالهم وافعالهم ناظرون الى امر الله ومشيته وارادته وملتذون بذكره ومستأنسون بمشاهدة جلال عظمته وجمال رحمته وتمام حكمته ونفاذ كلمته واي عبادة اعظم من هذا نعم ليس فيها شيء من التكليفات الدنيوية لانها فيها على خلاف ما تشتهيه النفس وفي الجنة على ما تشتهي النفس وكلاهما يرجع الى امر واحد بحكم واحد ذلك تقدير العزيز العليم فافهم فظهر لك عدم تخلف هاتين الغايتين الشريفتين عن شيء فالمتخلف كما في خلافة آدم (ع) في الارض ليس باصلي ذاتي وانما هو عرضي حصل عند النزول الى الارض فلا اشكال في الاية الشريفة على ظاهرها وانما الاشكال في الحديث القدسي المروي في هذا المقام انه تعالى قال اني جعلت معصية ادم سببا لعمارة الدنيا فان ظاهرها يدل على ان الله سبحانه اراد معصية ادم عليه السلم لان تعتمر الدنيا والجواب ان الاحاديث اولا تعرض على مذهب الفرقة المحقة فان طابقته ولا تعارضها تحمل على ظواهرها من غير تأويل وتكلف فان خالف فلا بد من ارتكاب التأويل وصرفها عن ظاهرها لان كلام الله وخلفائه لا يناقض المذهب المقرر المحقق من عند الله سبحانه فاذا عرفت هذا فاعلم انه لا شك ولا ريب ان الله سبحانه لا يريد المعصية ولا يحبها ولا يأمر بها فما ورد من انه تعالى يأمر ولا يشاء ويشاء وينهي كما في الحديث المروي في الكافي عن مولينا الصادق عليه السلم ان لله مشيتين وارادتين مشية حتم ومشية عزم يأمر وهو لا يشاء وينهي وهو يشاء امر ابليس بالسجود لادم ولم يشأ ذلك ولو شاء لما غلبت مشية ابليس مشية الله ونهى ادم عن اكل الشجرة وشاء ان يأكلها ولو لم يشأ لما غلبت مشية آدم مشية الله فمحمول على المعاني التي ذكرناها في مباحثاتنا واجوبتنا للمسائل فليرجع اليها فان الكلام يطول به بيانه فيكون معنى الحديث الشريف ان الله سبحانه جعل معصية ادم سببا للعمارة لما عصى بعد ما عصى فلو لم يعص كان السبب امرا اخر لو تعلق غرض بوجود هذه الدنيا وتعميرها والا فلا وربما يظهر من بعض الاخبار ان المعصية التي صدرت من ادم عليه السلم اي ترك الاولى فانما هي من جهة ما في صلبه من الذرية العصاة فتحركت شهوتهم الباطلة المكنونة في طبايعهم المستودعة المستجنة في صلب ادم عليه السلم فصارت سبب اقتران آدم تلك المخالفة بترك الاولى والجنة والجنة مكان الطاهرين فلا تصلح لاهل الشهوات الباطلة المعرضة عن الله جل شأنه فصدور هذه المخالفة من ادم عليه السلم دليل على ان الذين في صلبه ليس اكثرهم طيبين طاهرين ولا يصلحون للبقاء فيها مع تلك الحالة فوجب ان يخرج منها استغراغا ( استفراغا ظ ) لصلبه عن تلك الارجاس وواضعا لهم في المحل اللايق بهم وهو الارض الكثيفة الفاسقة حتى يرجع الى الجنة طاهرا طيبا عن درن تلك اللواحق الفاسدة ويظهر من في الاصلاب ممن كان قابلا للتطهر والتنظيف وترمى الارساخ الضايعة والاعيان النجسة والذرات الخبيثة الى مقرها من سجين فكانت المعصية سببا لعمارة هذه الدنيا لانها كشفت عن تلك الذوات الغير التقية الغير المستأهلة للبقاء في الجنة وعدم المعصية كاشف عن طهارة من في الاصلاب لعدم المقتضي للمعصية فلو لم يعص لم يخرج من الجنة لان الذين في الاصلاب مستأهلين لها وانما توجه اللوم والعتاب على ادم وحواء لجهة مناسبة المحل وسليما الى مقتضاها ولو لم يعصيا لماخرجا من الجنة ولو فرضنا بعيد بقاء تلك الذوات الغير الطاهرة مع عدم معصية ادم وحواء عليهما السلم لكان لاخراجهم من الجنة سبب اخر لانه تعالى مسبب من الاسباب له ومسبب الاسباب من غير سبب فمعصية ادم (ع) انما صارت سببا للعمارة لما وقعت وتحققت واما قبل وقوعها وتحققها فلا فافهم وهذا الذي ذكرنا كله متعلق بظاهر المقام واما في باطن التفسير وسر التأويل فهنا مباحث جليلة ومطالب شريفة لم يحم حولها اشكال ولا يعتبر بها زلل ولا اختلال اخفائها في الصدور اولى من ابرازها في السطور لا سيما في هذا الوقت الذي قد مد الجور باعه واسفر الظلم قناعه ودعى الغي اتباعه فكثر ملبوه وشاع مجيبوه والى الله المشتكى

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - ظاهر الامامية انه يجب في الايمان الواجب على كافة الامة معرفة النبي صلى الله عليه واله وساير الائمة الى الخلف الحجة عليهم السلم وقد قال عليه السلم من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فان كان المنشأ في ذلك كون تعيين ساير الائمة من ضروريات المذهب فذلك لا يقتضي الا الحكم على منكر لغير شبهة بالخروج من المذهب خاصة لا توقف الايمان على تعيينهم وان كان المنشأ توقف ثبوت امامة امام العصر على امامة من قبله حتى ينتهي الى النبي صلى الله عليه واله لكون المثبت لها هو وصية المتقدم لها ففيه انه يكفي في ذلك العالم بوصية النبي صلى الله عليه واله في الجملة او بثبوت الامامة له ببراهينها من غير طريق الوصية وان كان المنشأ كون العمدة في معرفة الشريعة النبوية غير صاحب العصر ففيه ان ذلك يختص عمن لزمه معرفة الاحكام بادلتها التفصيلية وان كان المنشأ خلاف الصدر الاول فيكفي العلم بكون الامامة بعد النبي صلى الله عليه واله لعليّ وذريته عليهم السلم دون من انتحلها من اصحابه وان كان نقلا خاصا دل على معرفة ذلك في الايمان فليس في النقل اوضح من خبر التمسك بالثقلين ودلالته على المطلب قاصرة ايدك الله تعالى

اقول المنشأ في ذلك اخبار صدرت عن الائمة الهداة عليهم السلم تدل عليه بالخصوص والعموم فمنها ما في الكافي عن محمد بن مسلم قال قلت لابي‌ عبد الله عليه السلم رجل قال لي اعرف الاخر من الائمة ولا يضرك ان لا تعرف الاول قال فقال لعن الله هذا فابغضه ( فاني أبغضه فصل ) ولا اعرفه وهل عرف الاخر الا بالاول وفيه عن ابن‌ مسكان قال سألت عليه السلم عن الائمة صلوات الله عليهم قال من انكر واحدا من الاحياء فقد انكر الاموات اه والمراد بالانكار اعم من الجحود كما صرحوا به عليهم السلم على ما رواه ثقة الاسلام عن ربعي عن البصري قال قلت لابي ‌عبد الله عليه السلم المنكر لهذا الامر من بني‌ هاشم وغيرهم سواء فقال لي لا تقل المنكر ولكن قل الجاحد من بني‌ هاشم وغيرهم قال ابو الحسن فتفكرت فذكرت قول الله تعالى في اخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون وفي الوافي عن ابي ‌سلمة عن ابي‌ عبد الله عليه السلم قال سمعته يقول نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس الا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمنا ومن انكرنا كان كافرا ومن لم يعرفنا ولم ‌ينكرنا كان ضالا حتى يرجع الى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فان يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء وفيه عن بشر العطار قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول نحن قوم فرض الله طاعتنا وانتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته وفي الكافي باسناده عن ابي ‌عبد الله عليه السلم عن امير المؤمنين عليه السلم الى ان قال عليه السلم نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا ونحن الاعراف يعرفنا الله تعالى يوم القيمة على الصراط فلايدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار الا من انكرنا وانكرناه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون وفيه عن ذريح قال سئلت ابا عبد الله عليه السلم عن الائمة بعد النبي صلى الله عليه واله فقال كان امير المؤمنين عليه السلم ثم كان الحسن عليه السلم اماما ثم كان الحسين (ع) اماما ثم كان عليّ بن الحسين اماما ثم كان محمد بن عليّ اماما من انكر ذلك كان كمن انكر معرفة الله ومعرفة رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال قلت له ثم انت جعلت فداك فأعدتها عليه ثلث مرات فقال انما حدثتك لتكون من شهداء الله تعالى في ارضه وفيه عن ابي ‌حمزة قال قال لي ابو جعفر عليه السلم انما يعبد الله من يعرف الله فاما من لا يعرفه فانما يعبده هكذا ضلالا قلت جعلت فداك فما معرفة الله قال تصديق الله تعالى وتصديق رسوله صلى الله عليه واله وموالاة عليّ عليه السلم والايتمام به وبائمة الهدى عليهم السلم والبراءة الى الله تعالى من عدوهم هكذا يعرف الله عز وجل وفيه عن ابن ‌اذينة عن غير واحد عن احدهما عليهم السلم انه قال لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله ورسوله والائمة كلهم عليهم السلم وامام زمانه ويرد اليه ويسلم له ثم قال كيف يعرف الاخر وهو يجهل الاول وفيه عن زرارة في حديث الى ان قال قلت فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما انزل الله ايجب على اولئك حق معرفتكم قال نعم وفيه عن ابي ‌عبد الله عليه السلم في حديث طويل الى ان قال عليه السلم اتبعوا رسول الله (ص) واهل بيته واقروا بما نزل من عند الله واتبعوا اثار الهي ( الهدى مبين ) فانهم علامات الامانات والتقي واعلموا انه لو انكر رجل عيسى بن مريم واقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الاثار تستكملوا امر دينكم وتؤمنوا بالله ربكم وفي الزيارة عن ابي ‌الحسن الرضا عليه السلم السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله ومن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله وفي الكافي عن ابي ‌جعفر عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ان الله تبارك وتعالى يقول استكمال حجتي على الاشقياء من امتك من ترك ولاية على ووالا اعدائه وانكر فضله وفضل الاوصياء من بعده فان فضلك فضلهم وطاعتك طاعتهم وحقك حقهم ومعصيتك معصيتهم وهم الائمة الهداة من بعدك جرى فيهم روحك وروحك ما جرى فيك من ربك وهم عترتك من طينتك ولحمك ودمك وقد اجري الله عز وجل فيهم سنتك وسنة الانبياء قبلك وهم خزاني على علمي من بعدك حق على لقد اصطفيتهم وانتجبتهم واخلصتهم وارتضيتهم ونجى من احبهم وولاهم ولقد اتاني جبرئيل باسمائهم واسماء ابائهم واحبائهم والمسلمين بفضلهم اه ولا ريب ان من حق النبي صلى الله عليه واله معرفته والانقياد له وهي حقهم وكذلك سنة جارية فيهم صلى الله عليه وعليهم وفي الزيارة الجامعة امنت بكم وتوليت اخركم بما توليت به اولكم الى ان قال من اراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وفي الكافي عن ابي ‌بصير عن ابي ‌عبد الله عليه السلم قال سئلته من الائمة عليهم السلم هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحدا قال نعم وفيه عن اسمعيل بن جابر قال قلت لابي ‌جعفر (ع) اعرض عليك ديني الذي ادين الله عز وجل به قال فقال هات فقلت اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه واله عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله وان عليا كان اماما فرض الله طاعته ثم كان من بعده الحسن اماما فرض الله طاعته ثم كان الحسين من بعده اماما فرض الله طاعته ثم كان من بعده عليّ بن الحسين اماما فرض الله طاعته حتى انتهى الامر اليه ثم قلت انت يرحمك الله قال هذا دين الله ودين ملئكته وفيه عن عيسى بن السري ابي ‌اليسع قال قلت لابي ‌عبد الله عليه السلم اخبرني بدعاء ( بدعائم مبين ) الاسلام التي لا يسع احد ( احدا مبين ) التقصير عن معرفة شيء منها التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه وقبل منه ( فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه مبين ) عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الامور جهله قال ( فقال مبين ) شهادة ان لا اله الا الله والايمان بان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الاموال الزكوة والولاية التي امر الله بها ولاية ال‌محمد عليهم السلم الحديث والاخبار بهذا المضمون في هذا المعنى اكثر من ان تحصى واعلى من ان يستقصى تركنا ذكرها خوفا من الطويل ( التطويل ظ ) وبالجملة فالحاصل من الاخبار بعد ضم بعضها ببعض ورد مجملها الى مفصلها وعامها الى خاصها ومطلقها الى مقيدها يظهر صحة ما ذهبت اليه الامامية من وجوب معرفة الله تعالى ومعرفة النبي صلى الله عليه واله ومعرفة الاوصياء بعده الى امام العصر في كل زمان ووقت ولا يلزم معرفة الائمة بعد زمانه وجوبا كما صرحت به الروايات المتقدمة وحمل اخبار الجمع على واحد منهم بالاجمال والتفصيل بالتدريج بعيد عن الصواب وخروج عن جادة اولي الالباب وخرص تخمين بغير هدي ولا علم ولا كتاب بعد التصريح بلعن من قال اعرف الاخر ولا يضرك ان جهلت الاول بقوله لعن الله هذا فاني ابغضه ولا اعرفه الى اخر ما قال (ع) وذلك واضح ظاهر انشاء الله تعالى وهذا بالنسبة الى غير المستضعف واما المستضعف فلا يحكم عليه بانه من اهل الجنة واهل النار ان لم يعرف فيرجى امره الى ان يعرف اما في الدنيا او في الاخرة فيحكم عليه بما عمل بعد المعرفة من التصديق او الجحود ختم الله لنا ولكم بالحسنى ورزقكم وايانا خير الاخرة والاولى انه فعال لما يشاء

قال سلمه الله تعالى : مسئلة - قد تظافرت الروايات في استناد اختلاف العباد ايمانا وكفرا وطاعة ومعصية الى اختلاف طينتهم التي خلقهم الله تعالى منها وهو مناف بظاهر للقواعد القطعية التي اتفق عليها كافة العدلية والامامية وذلك لان الطينة ان قهرت المخلوق منها على الفعل المناسب لها كما تضمنه قوله عليه السلم فلا يستطيع هؤلاء ان يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء ان يكونوا من هؤلاء جاء الجبر وان اثرت استعدادا لذلك فقط لم يتم اللطف في العاصين ولا الابتلاء في المطيعين وكيف ازاح علل العباد فارسل رسله مبشرين ومنذرين ولم يخلهم قط من حجة هاد لهم وابهم اجالهم وباين بين احوالهم واراهم اياته في الافاق وفي انفسهم تحقيقا لللطف الواجب عليه بهم وبلاهم بالحسنات والسيئات وافتنهم بضروب التكاليف واختلاف الشئون والحالات لينالوا بطريق الجزاء ثوابهم ثم يودع في اصل الخليقة ما يكون حاملا لقوم على طاعته لا يتجاوزونها الى معصيته والاخرين الى معصيته لا يتجاوزونها الى طاعته لا يقال لعل تخبيث طينة العاصي وتطهير طينة المطيع وقعت عقوبة ومثوبة لصدور الطاعة والمعصية اختيار من الفريقين في عالم الذر لانا نقول لو لم ‌تتفق العباد في الذر على الانقياد لم ‌تتم به على العباد الحجة ولم يظهر في خلقه حكمه وبذلك ينقدح الاشكال في كثير من الاخبار الدالة على وقوع الطاعة والمعصية معا فيه سلمنا لكن ان استقل ما وقع في الذر بالتأثير لم يكن للطينة اثر بل لا يحسن ان يقع الا التكرمة بحسنها والاهانة بخبثها والا عاد المحذور سلمنا لكن لا يتوقف ذلك على تقدم الذر على خلق الطينة وهو خلاف صريح اخبارها ثم كيف تستقيم اخبار الطينة مع ما دل على اتفاق الناس في الخلق على الفطرة وكيف يستقيم تأثير اختلافها مع وجودها مختلفة في مبدء خلق الانسان وهو ادم عليه السلم وليس فيه الا اثر صفوها افدنا موضحا ذلك افادك الله ودام علاك

اقول المذهب الحق والفصل ان استناد اختلاف العباد ايمانا وكفرا وطاعة ومعصية انما هو الى اختلاف العباد في قبول التكليف وفي الدنيا وغيره من العوالم وعدمه واختلافهم في اطوارهم وانحاء التلقيات وكذلك في اطوار الانكار وانحاء الادبار وكليات اختلافهم بحسب تلك الاطوار خمسة ولكل مرتبة منها مراتب لا تحصى ولا تستقصى والخمسة هم السابقون والتابعون لهم باحسان والطاغون والتابعون لهم بالاساءة والمستضعفون فبالتكليف اختلفوا وقبل ذلك كانوا امة واحدة غير محكومين بحكم فاختلفت فاخذه الله سبحانه لهم طينة من عليين ومن سجين وخلقهم منهما في الخلق الثاني بما هم اهله وحاشا ربنا جل ذكره ان يجعل الاختلاف في الطين او يجعل لبعض استعدادا لقبول الطاعة وللاخر لقبول المعصية والانكار فان ذلك ظلم وعبث وترجيح من غير مرجح ويخل في المبدء الفياض فليس الا التكليف فالقبول والانكار فالطينة الخبيثة والطيبة وعليه استقر المذهب وبه نطق الكتاب والسنة وقوله سلمه الله تعالى لو لم يتفق العباد في الذر على الانقياد لم تتم الحجة الخ باطل جدا لان قيام الحجة بالتكليف والبيان وتخلية السرب وايضاح الدليل والبرهان ورفع الموانع واراءة الطريق والتمكين من الاداء والقبول والامتناع لا بالقبول فان بالقبول يتم الامر ولا تبقى المقابلة ولا يصح ان يتحقق القبول في عالم الذر ثم يتعقبه الانكار في هذه الدنيا الا بالامكان والتجويز وبقاء الاختيار فان المكلف لا يختار باختياره وشهوته الا ما اختاره في العالم الاول وقد قال عز وجل فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل وقد روى عليّ بن ابراهيم في الصحيح عن ابي ‌عبد الله عليه السلم في قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى قلت معاينة كان هذا قال نعم فثبت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه فمنهم من اقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه وقال الله تعالى فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل اه وقد نص عليه السلم ان قوله تعالى قالوا بلى انما هو باللسان الا ان بعضهم قارن الاقرار اللساني بالقلب وبعضهم لم يقرن ولا دخل لاتمام الحجة في قبولهم قطعا وذلك واضح ظاهر انشاء الله تعالى وبما ذكرنا اندفع الاشكال عن كثير من الاخبار الدالة على وقوع المعصية والطاعة فيه فان ذلك هو الواقع ولا يستلزم محذورا كما سمعت وقوله سلمه الله تعالى سلمنا ان استقل ما وقع في الذر بالتأثير لم يكن للطينة اثر الخ فيه انا نقول بموجبه ونقول ان الطاعة والمعصية انما كانتا بالقبول والانكار والطينة تابعة لهما والذر مقدم على خلق الطينة الطيبة التي للمؤمنين والخبيثة التي للكافرين نعم الطينة طينتان احدهما ما يقوم به المكلف ويتحقق به الاختيار فان الله سبحانه خلق طينة طيبة من عليين وطينة خبيثة من سجين ثم مزج بينهما وعركهما وصلصلهما فصارتا شيئا واحدا قابلا للامرين للخير والشر والنور والظلمة والطاعة والمعصية بوجود هاتين وصلح للاختيار والفعل والعمل وهذه الطينة مقدمة على الذر وانما يتحقق بهما ولكنهما في الكل على حد سواء فيما يكلفون به ازاح العلل في التكليف وسوي التوفيق بين الضعيف والشريف ولا يتميز في هذه الطينة الخبيثة من الطيب وانما هما في كل شيء وقول النبي صلى الله عليه واله لكل نفس شيطان قيل حتى لك يا رسول الله قال صلى الله عليه واله نعم ولكن اعانني الله عليه والثانية الطينة التي هي محل السعادة ومركز السعداء والاشقياء وهذه متأخرة يقينا بضرورة المذهب والشريعة والعقل والنقل وقوله سلمه الله وهو خلاف صريح اخبارها فيه ان الاخبار يجب ان تعرض اولا على المذهب ويؤخذ ما يوافقه ويحمل ما يخالفه عليه مع ان في اخبارها ما يشير الى ما ذكرنا تتبع تجد فاذا ما وجدته فاجعل باقي الكتاب والسنة شرحا لها وبيانا لخافيها فان كلماتهم بعضها يفسر بعضا والله سبحانه بقوله يهديهم ربهم بايمانهم بل طبع الله عليها بكفرهم وبكفرهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه واشباهها وليس لي الآن اقبال شرح هذه الاحوال فاقتصرت بالاجمال وقوله سلمه الله تعالى ثم كيف تستقيم اخبار الطينة مع ما دل على اتفاق الناس في الخلق على الفطرة جوابه انها لا منافاة في ذلك فان الله سبحانه خلق الانسان على فطرة التوحيد بمعنى انه تعالى جعل اية معرفته ودليل توحيده عنده بحيث اذا نظر الى نفسه وكينونته عرف ان له خالقا وصانعا كما قال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق وقال وفي انفسكم افلا تبصرون وقال الصادق (ع) :

وفي كل شيء له اية تدل على انه واحد

وهذه الاية موجودة في المؤمن والكافر والشقي والسعيد فمن نظر الى نفسه وعرف ربه وصدقه سبحانه فيما انزل فذلك المؤمن المخلوق من طينة الاجابة طينة عليين ومن لم يعرف ربه بان نظر الى نفسه فكذبه ولم يؤمن به فذلك الكافر المخلوق من طينة الانكار طينة سجين فمقتضى الفطرة المعرفة وهي في المؤمن والكافر وقد قال تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم وغيرها من الايات والروايات ومقتضى الطينة الطيبة النور والخير والرشد وهذه خاصة بالمؤمنين المصدقين والظلمة والشر والكفر والنفاق وهذه خاصة بالكافرين والمنافقين فاجتمعوا في التوحيد اي معرفته ومعرفة ساير ما كان واجبا عليهم واختلفوا في التصديق والاذعان فالطينة ثمرة الاذعان والتصديق او الانكار والاستكبار والفطرة سر الايجاد وحقيقة الانوجاد وبيان المراد وشرح الادلة واراءة واضح الحجة وهي حاصلة في الكل فالاراءة في الجميع على حد سواء والطينة هي الايصال اي ايصال كل من المكلفين الى غاياتهم فافهم راشدا وقوله سلمه الله تعالى وكيف يستقيم تأثير اختلافها الخ جوابه ان تلك الذرات انما استقرت في صلب ادم عليه السلم بعد الطاعة والمعصية والانكار والاقرار وليس الطينة وظهورها باثرها وما اختلفوا في صلب ادم (ع) حتى يأتي الاستبعاد بل كل ذرة في صلب ابيه وهو قوله تعالى واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم فلا تصيب نجاستهم لادم (ع) مثاله الخمر في العنب والتمر فانهما قبل ان يسكر طيبان طاهران وكالشجرة في النواة وكالقاذورات والنجاسات في الاطعمة الطيبة اللذيذة فافهم ضرب المثل وقد شرحت مباحث الطيبة ( الطينة ظ ) على اكمل ما ينبغي على حسب وسعي مما يسع الاظهار في عدة من الرسائل واجوبة المسايل خصوصا اجوبة مسائل محمد رحيم خان والله الموفق للصواب وصلى الله على محمد واله الطاهرين

المصادر
المحتوى